العقائد الإسلامية لابن باديس
ابن باديس، عبد الحميد
الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَّةِ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ " عَبْدُ الْحَمِيدَ بْنُ بَادِيسَ " رَائِدُ النَّهْضَةِ الْحَدِيثَةِ بِالْمَغْرِبِ الْعَرَبيِ وَقَائِدُ الْحَرَكَةِ الإِصْلاَحِيَّةِ وَمُؤَسِّسُهَا بِالْجَزَائِرِ.
للأستاذ الإمام عبد الحميد بن باديس - رائد النهضة الحديثة بالمغرب العربي وقائد الحركة الإصلاحية ومؤسسها بالجزائر - ... العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ... رواية وتعليق محمد الصالح رمضان مدير التعليم الديني بوزارة الأوقاف (سابقا). ... الناشر: مكتبة الشركة الجزائرية مرازقه بوداود وشركاؤهما:24 باب عزون-الجزائر-الهاتف 56 - 76 - 62
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ... وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ... صدق الله العظيم
مقدمة الطبعة الثانية
مقدمة الطبعة الثانية *************** الكتابة عن إمامنا المبرور العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس ليست بالأمر الهين الميسور على كل كاتب، لاعتقادي أنه لا يكتب عن العظيم إلا العظيم. ورغم طول المدة على وفاته، ومع سطوع شمس الحرية على بلادنا لم يكتب أحد عنه، ليجلى للناس عظمته، وبعض أفضاله على النهضة المغربية بصفة عامة، وعلى الأمة الجزائرية بصفة خاصة. وسمعنا أن العلامة البشير الإبراهيمي عزم على الكتابة عنه، وتهيأ لذلك، ولكن يبدو أن مشاغل وعوائق حالت دون أن يكتب بقلمه البليغ، مما رأى وسمع وشاهد، وما راء كمن سمعا، حتى لحق هو الآخر بربه رحمهما الله رحمة واسعة. ويتعذر على الكاتب العادي أن يلم ببعض جوانب العظمة في هذا العبقري المخلص، وحسبه أن يشير إلى تلك الآفاق السامقة مجرد إشارة، كالشعاع الذي يشق الحجب منبثقا من الشمس فيهدي كما تهدي، ويدل عليها وإن كان بعضا منها. عرفت الإمام في حداثة سني، حين عزفت عن التعليم الابتدائي
الفرنسي، لأعيش في رحابة ديني ولغتي، اللذين لم أكن أعرف عنهما إلا القليل النادر. وبمعرفتي به صححت وضعا أكرهت عليه، حين كنت لا أدري عن تلوين مستقبلي شيئا .. عرفته .. فعرفت أمة في رجل واستشعرت بعدئذ المعنى العميق لقول الشاعر: ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد واستمر بي المقام في رحاب الشيخ خمس سنوات، وهي مدة ليست بالطويلة في عمر الزمان، ولكنها- والحمد لله- أثرت، وأثمرت بعدما أينعت فيما أظن، إذ استدعاني الإمام بعد ثلاث سنوات فقط من التلمذة عليه لأعاونه، في التدريس لطلابه بقسنطينة مع معاونيه، ثم عينني معلما في مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة، ومع ذلك لم أنقطع عن دروسه، وخاصة درس التفسير، حتى لقي ربه في 16/ 4/1940م رضي الله عنه وأرضاه. وقد وعيت عن إمامنا ما شاء الله أن أعي، وقبست منه ماكان يكفي لهدايتي، لولا أن طالب العلم كطالب المال لا يشبعه شيء. وعشت بهذه الذكريات الطيبة، وعلى هذا العهد السماوي في مدارس جمعية العلماء المسلمين، مدرسا، ومديرا، ومفتشا، وقتا ليس بالقصير. ومما وعيته عنه هذه الإملاءات في التوحيد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي لم يفتني منها شيء والحمد لله.
ومن فضل الله أنها لم تذهب في أيام الإرهاق والتضييق والعسف، والنسف، كما ضاع كثير غيرها فآلمنا فقده، ولكن لا يرجع الأسف ما ضاع! وكأن صوت إمامنا ما يزال يرن في أذني حين إملاء هذه الدروس بالجامع الأخضر، وقد حذا فيها الإمام حذو السلفية الرشيدة من اعتماد كتاب الله، والصحيح من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قبل تفسيرات المذاهب المختلفة وتأويلات أصحابها في مرحلة الاختلاط، والاستشهاد بما عند الأقدمين من أصحاب الأديان والفلسفات والمذاهب الأخرى. ومن المحقق أن بعض هذه الآراء كما كان لها فضل التجلية، ودقة الاستشهاد .. كان لها أيضا أثرها الضار في التعمية، أو البعد عن جادة الصواب أحيانا، مما أثار البلبلة والحيرة، وتشعب الآراء وانبهام الحقيقة أمام الدارس .. وكان ذلك مما دعا المصلحين إلى ضرورة العودة إلى إصلاح العقائد الإسلامية، وشرح المصطلحات، وحل القضايا على نمط سلفي واضح، بصريح نص الكتاب والسنة الصحيحة، لا برأي الجبرية والقدرية وغير ذلك من الآراء الفلسفية .. فخير طريقة في تعليم العقائد في التوحيد هي طريقة الشارع الحكيم المبنية على مراعاة الفطرة الإنسانية السليمة، البعيدة عن
الأوضاع والتقنينات البشرية التي تعب الأوائل في وضعها فتعبوا وأتعبوا الناس في فهمها. ولعل أول الصيحات التي ارتفعت بقوة في هذا الصدد .. صيحات المصلحين العظيمين: السيد جمال الدين الأفغاني، والإمام محمد عبده، في دعوتهما وكتابتهما، وتدريسهما، وعلى هذا النحو جاء كتابا: الرد على الدهريين، ورسالة التوحيد. وعلى هذا السنن- وبطريقة أوضح وأبسط- سار الإمام ابن باديس الذي وضع هذه العقائد على أسس من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، فكانت تحقيقا ودفعا قويا لتحقيق أماني الإمامين الأفغاني وعبده. ولو تفرغ ابن باديس للتأليف لجاءنا منه الشئ الكثير، خاصة وقد انقطع للتدريس ربع قرن وأكثر، وأتم تفسير كلام الله، وشرح حديث رسول الله في نيف وعشرين سنة بنفس الطريقة. ولكنه كان جم المشاغل والأعباء: إذ حمل عبء إيقاظ أمة، وإنهاض سنة، وإماتة بدعة، ومحاربة جهل مطبق، ومناوأة مغير قوي ضار غشوم. فإذا قيست مؤلفات الإمام ابن باديس بالنسبة إلى عقله الكبير، وعلمه الغزير، وجهاده الخطير، وسعة الآفاق التي حلق فيها وجال
وصال في الميادين الثقافية والإجتماعية، بلسانه وقلمه .. لعدت شيئا قليلا .. ولكن حسبه -كما ذكرنا- أنه عاش يؤلف النفوس، ويشيد العقول، ويبني الرجال كالجبال، كما قال عنه العلامة الإبراهيمي، ويهيء للنهضة أرشد وأقوم دعائمها في وقت كان ظلامه المطبق، وإرهاقه المحدق على الجزائر ليس له مثيل حتى ولا في الأساطير. وما دفعني- علم ربي- إلى نشر هذه الآثار، نفع مادي أو اشتهار، أو رياء وافتخار، فتلك والله- بعقد الهاء- أبعد ما تكون عن طبعي وطبيعتي، يعرفها من يعرفني، وينكرها من يتعلق بها أو يجهلني، وإذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه، كما يقول شاعرنا المتني. وإنما دفعني إلى كتابتها ونشرها: وجه الله تعالى والانتفاع بها. واستجابة لرغبة العلامة البشير الإبراهيمي - رحمه الله - الذي دفعني إليه، وتهلل وجهه حينما شرعت فيه، ثم كتب مشكورا تقديما له. ووفاء للإمام ابن باديس وإحياء ذكراه ببعض آثاره.
وعملا بهذا المبدأ الإسلامي العظيم: " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ". والله أسأل؛ أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة له، وأن يوفقنا للعمل لما فيه خير الإسلام والمسلمين. محمد الصالح رمضان الجزائر في غرة شوال 1385 هـ جانفي 1966م
مقدمة الطبعة الأولى
مقدمة الطبعة الأولى (1) *************** بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد أتشرف بتقديم هذا الأثر من آثار أستاذنا الجليل العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى هذا الجيل من نشئنا الصاعد ليستمد منه النور والهداية التي لا بد منها لكل مسلم ناشىء ليركز عليها إيمانه حتى تستقيم أخلاقه ويقوّم تفكيره ليثبت أمام زلازل الدهر وتقلبات الزمان. فإذا ضمنا له قوة الإيمان وسلامته ضمنا له كل شيء في الحياة. وأنا واثق من أن هذه الطريقة السلفية التي سار عليها أستاذنا الإمام في عرض العقيدة الاسلامية هي الطريقة المثلى لأنها تتماشى والفطرة البشرية التي جاء بها القرآن لهداية الناس فكانت من جملة أسرار تأثيره في النفوس التي فهمته وتأثرت به من أول وهلة، وانطلقت من جزيرة العرب، تاركة الأهل والعشيرة والوطن لتبشر برسالة الله وتنشرها في الخافقين مستهينة بكل شيء مستعذبة الموت في سبيلها، فكان النصر حليفها، واندهش العالم للفئة القليلة تقهر الفئات الكثيرة باذن الله،
ولم تستطع أن تقف أمامها قوة في الوجود، كما بهت العالم من دخول الناس أفواجا في هذا الدين الحنيف بعد انتهاء جولات الفتح الأول. هذا بالنسبة للعهود الأولى، أما في عهدنا هذا فلعل من آثار بذور الإيمان الصحيح التي بثها مصلحنا الأكبر الشيخ ابن باديس في أمته وكرس لها حياته، ونشرها أخوانه وتلاميذه من بعده، نجاح الشعب الجزائري- الذي يدين له بأكبر الفضل- في حربه التحريرية ضد قوى البغي والعدوان الماثلة في الإستعمار الفرنسي ومن ورائه التحالف الغربي بجميع معداته وأجهزته الجهنمية في الحلف الأطلسي الذي يعتبر أكبر تحالف عسكري عرفه التاريخ. وهكذا صمد الشعب الجزائري الفتي الأبي المؤمن بربه وبحقه في وطنه، وتحدى العالم الظالم متدرعا بسلاح الإيمان الذي لا يُعلُّ والصبر الذي لا يهون فضرب أروع الأمثلة في البطولة والفداء التي لا نعرفها إلا في الأساطير أو في حواربِّي الأنبياء والمرسلين، فهذه معجزة أخرى من معجزات الإيمان تجلت للعالم على أيدي هذا الشعب الفتي البطل الذي قدم من القرابين على مذبح الحرية مليوناً ونصفاً من الشهداء. ***
تلقيت هذه الدروس املاءً عن أستاذنا الإمام مباشرة في حلق دراسية مسجدية بالجامع الأخضر بقسنطينة في الفترة ما بين 16 رجب 1353 و 25 صفر 1354 هجرية (الموافقة لأكتوبر 34 وماي 35 من السنة الميلادية) أي في ثمانية أشهر بنسبة حصة واحدة في الأسبوع لا تتجاوز الثلاثين دقيقة وسط جمع من الطلاب يقارب أحيانا المئة فى أول عهدي بالدراسة العربية الإسلامية. ولما احتجنا إلى هذه الدروس للتعليم الديني بوزارة الأوقاف لنقدمها إلى تلاميذ معاهدنا الإسلامية في فاتح السنة الدراسية (63 - 64) عكفت على تبيضها والتعليق عليها بما لا يتنافى والروح السائدة فيها وأنهيت هذا العمل ليلة الإثنين ثاني رجب 1383 الموافقة لليلة 18/ 11/1963م. وحفظا لأمانة النقل ومراعاة لحق الغائب رأيت من واجبي أن ألفت الأنظار إلى أني حافظت على الأصل في تبويبه وترتيبه وعناوينه كما أملاه صاحبه في الفترة المذكورة وما أضفت إليه سوى ترقيم أوائل الدروس والمواضيع، أما الأحاديث فقد خرجها صاحبها إلا القليل النادر فقد خرجته داخل المتن أو خارجه، وزدت على العناوين الأصلية والفرعية عناوين إضافية وضعتها في الهامش، أما التعاليق
والحواشي التي رأيت أنها ضرورية متممة للأصل فقد جعلتها أسفل الصفحات مفصولا بينها وبين المتن بخط أفقي وأستطيع أن أؤكد بأنها لم تخرج في مجموعها وتفصيلها عن روح ابن باديس رحمه الله وأرضاه. والله أسأل أن يوفقنا لما فيه الخير والصلاح وأن ينفع بهذه الدروس كما نفع بصاحبها، وأن يعيننا على نشر آثار أخرى من تراثنا الخالد بمنه وقوته. الجزائز يوم الاثنين 2/رجب/1383 هـ الوافق لـ18/ 11/1963م الراجي عفو ربه محمد الصالح رمضان
تقديم بقلم فضيلة العلامة المرحوم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي
تقديم بقلم فضيلة العلامة المرحوم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي شيخ علماء الجزائر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وعضو المجمع اللغوي بالقاهرة، والمجمع العلمي بدمشق. ***************************************************************************************** الحمد لله حق حمده. وصلى الله على سيدنا محمد رسوله وعبده، وعلى آله وأصحابه الجارين على سنته من بعده. هذه عدة دروس دينية، مما كان يلقيه أخونا الإمام المبرور الشيخ عبد الحميد بن باديس- إمام النهضة الدينية والعربية والسياسية في الجزائر غير مدافع- على تلامذته في الجامع الأخضر بمدينة قسنطينة في أصول العقائد الإسلامية وأدلتها من القرآن، على الطريقة السلفية التي اتخذتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منهاجا لها بعد ذلك، وبنت عليها جميع مبادئها ومناهجها في الإصلاح الديني، مسترشدة بتلك الأصول التي كان الإمام - رحمه الله - يأخذ بها تلامذته قبل تأسيس الجمعية، وإن كانت الجمعية قد توسعت في ذلك. فالفكرة التي بنى عليها الإمام دروسه وأماليه .. كانت تصحبها فكرة أخرى أشمل منها وهي فكرة جمعية العلماء. فالفكرتان كانتا
مختزنتين في تلك النفس الكبيرة. وكان - رحمه الله - يديرهما بذلك النظر البعيد، ويهيء لهما من الوسائل ما يبرزهما في الحين المقدر لهما. وكان يمهد في نفوس تلامذته والمستمعين لدروسه، ليكونوا في يوم ما قادتها وأعوانها، وحاملي ألويتها ومنفذي مبادئها، وناشري الطريقة السلفية الشاملة في العلم والعمل وسائر فروع الإصلاح الديني. كان الإمام المبرور يصرف تلامذته من جميع الطبقات على تلك الطريقة السلفية. ومعلوم أن الإصلاح الإسلامي الذي قامت به جمعية العلماء بعد ذلك لا تقوم أصوله إلا على ذلك، وأن هذا الإمام رفع قواعده وثبت أصوله وهيأ له جيشا من تلامذته وحاضري دروسه. والإمام - رضي الله عنه - كانت منذ طلبه للعلم بتونس قبل ذلك - وهو في مقتبل الشباب - ينكر بذوقه ما كان يبني عليه مشائخه من تربية تلامذتهم على طريقة المتكلمين في العقائد الإسلامية، ويتمنى أن يخرجهم على الطريقة القرآنية السلفية في العقائد يوم يصبح معلما، وقد بلغه الله أمنيته: فأخرج للأمة الجزائرية أجيالا على هذه الطريقة السلفية قاموا بحمل الأمانة من بعده، ووراءهم أجيال أخرى من العوام الذين سعدوا بحضور دروسه ومجالسه العلمية. وقد تربت هذه الأجيال على هداية القرآن؛ فهجرت ضلال العقائد
وبدع العبادات؛ فطهرت نفوسها من بقايا الجاهلية التي هي من آثار الطرائق القديمة في التعليم، وقضت الطريقة القرآنية على العادات والتقاليد المستحكمة في النفوس، وأتت على سلطانها. وقد راجت هذه الطريقة وشاعت حتى بين العوام، وإن كانوا لا يحسنون الاستدلال بالقرآن، وإن كان الاستعداد الكامن في الأمة للإصلاح الديني، وكثرة حفاظ القرآن فيها أعانا على تثبيت هذا الميل القرآني فيها: فأصبح العامي لا يقبل من العالم كلاما في الدين إلا إذا استدل عليه بآية قرآنية، وأصبح العامي إذا سمع الاستدلال بالقرآن أو الحديث .. اهتز وشاعت في شمائله علامة الاقتناع والقبول! وهذه أمارة دالة على عودة سلطان القرآن على النفوس يرجى منها كل خير! ختم الإمام ابن باديس القرآن كله درسا على هذه الطريقة في خمس وعشرين سنة، ولو أنه رزق تلامذة حراصا على تلقف كل ما كان يقوله وينزل عليه الآيات من المعاني .. لوصل إلى الأمة كثير. كما وصلت هذه الأمالي بعناية الأستاذ الموفق محمد الصالح رمضان القنطري، فإنه تلقى هذه الدروس ونقلها من إلقاء الإمام واستأذنه في التعليق عليها ونشرها للانتفاع بها، فجزاه الله خير الجزاء.
لم ينقل لنا تاريخ العلماء بهذا الوطن أن عالما ختم تفسير القرآن كله درسا إلا ما جاء فيه عن الشريف التلمساني، أنه ختم تفسير القرآن كله في المائة التاسعة، والشريف حقيق بذلك، ولكن لم ينقل لنا منه شيء، لأن تلامذته كانوا في التقصير كتلامذة ابن باديس. ولو كانوا على درجة من الحرص والاحتياط .. لوصل إلينا شيء من ذلك. وقدكتب الإمام ابن باديس بقلمه البليغ مجالس التذكير، وهي تفسير لآيات ولأحاديث جامعة كانت تعرض له في تفسير القرآن أو في شرح الموطأ التي أقرأها درسا حتى النهاية، ونشر ذلك كله في مجلة الشهاب، ثم فسر سورتي المعوذتين يوم الختم تفسيرا عجيبا! ونقلها من إلقائه كاتب هذه السطور نقلا مستوعبا بحيث لم تفلت منه كلمة ونشره في عدد خاص من مجلة الشهاب، وقدم له كاتب هذه السطور أيضا (1). وهذا درس من دروسه ينشره اليوم في أصل العقيدة الإسلامية بدلائلها من الكتاب والسنة تلميذه الصالح كإسمه محمد الصالح رمضان: فجاءت عقيدة مثلى يتعلمها الطالب فيأتي منه مسلم سلفي، موحد لربه بدلائل القرآن كأحسن ما يكون المسلم السلفي، ويستدل على ما يعتقد
في ربه بآية من كلام ربه، لا بقول السنوسي في عقيدته الصغرى: أما برهان وجوده تعالى فحدوث العالم! كان علماء السلف يرجعون في كل شأن من شؤون الدين إلى القرآن، بل كان خلقهم القرآن كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكما ثبت في حديث عائشة - رضي الله عنها -:" كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويغضب لغضبه ". وكانوا يحكمون القرآن في كل شيء، حتى في الخطرات العارضة، والسرائر الخفية، حتى تمكن سلطانه من نفوسهم وأصبحت لا تتحرك ولا تسكن إلا بأمره ونهيه. وأصبحوا يقودون حتى الخلفاء والأمراء بذلك السلطان. وذلك هو السر في علوّ كلمة الاسلام وسرعة انتشاره في المشارق والمغارب. فلما تفرقت المذاهب الفقهية ونشأ علم الكلام، وتفرقت منازعه بين الأشاعرة والمعتزلة، وطما علم الجدل، وتفرق المسلمون شيعا حتى أصبح كل رأي في علم الكلام أو الفقه يتحزب له جماعة، فيصبح مذهبا فقهيا أو كلاميا يلتف حوله جماعة ويجادلون. فضعف سلطان القرآن على النفوس، وأصبح العلماء لا يلتزمون في الاستدلال بآياته ولا ينتزعون الأحكام منها إلا قليلا: فعلماء الكلام صاروا يستدلون بالعقل، والفقهاء أصبحوا يستدلون بكلام أئمتهم أو قدماء أتباعهم! ومن هنا نشأ علم الكلام، وعلم الفقه.
وعلى هذه الطريقة أُلّفت المؤلفات التي لا تحصى في العلمين وانتشرت في الأمة وطارت كل مطار. أما أئمة الفقه ومؤلفاتهم فلا يحصون كثرة. وأما أئمة الكلام: فالذي توسع في الطريقة العقلية ووسع دائرتها فهم جماعة معروفون كفخر الدين الرازي، والقاضي أبي بكر بن الطيب، وأبى بكر الباقلاني، والبيضاوي، وإمام الحرمين، وسعد الدين التفتزاني، والقاضي عضد الدين الإيجي، وهؤلاء هم الذين ثبتوا القواعد الكلامية والاستدلال على التوحيد بالعقل. ومؤلفاتهم ما زالت إلى يومنا هذا مرجعا للمتمسكين بهذه الطريقة، وإن كانت لا تدرس في المدارس إلا قليلا، وكلها جارية على الأصول التي أصلها أبو الحسن الأشعري - رضي الله عنه -، وآراؤه هي التي يقلدها جمهرة المسلمين اليوم، وهذا كله في الشرق الإسلامي. وأما مغربنا هذا مع الأندلس فلم يتسع فيه علم الكلام إلى هذا الحد وإن كانوا يدرسونه على هذه الطريقة ويقلدونه، ويدينون باتباع رأي الأشعري ولم يؤلفوا فيه كتابا ذا بال إلا الإمام محمد بن يوسف السنوسي التلمساني، فإنه ألف فيه على طريقة المشارقة عدة كتب شاعت وانتشرت في الشرق والغرب، وقررت في أكبر المعاهد الاسلامية كالأزهر.
حتى جاءت دروس الإمام ابن باديس فأحيا بها طريق السلف في دروسه- ومنها هذه الدروس- وأكملتها جمعية العلماء. فمن مبادئها التي عملت لها بالفعل لزوم الرجوع إلى القرآن في كل شيء لا سيما ما يتعلق بتوحيد الله، فإن الطريقة المثلى هي الاستدلال على وجود الله وصفاته وما يرجع إلى الغيبيات لا يكون إلا بالقرآن، لأن المؤمن إذا استند في توحيد الله وإثبات ما ثبت له ونفي ما انتفى عنه لا يكون إلا بآية قرآنية محكمة، فالمؤمن إذا سولت له نفسه المخالفة في شأن من أمور الآخرة، أو صفات الله فإنها لا تسول له مخالفة القرآن. وقد سلك علماء جمعية العلماء في دروسهم الدينية كلها، وخطبهم الجمعية طريقة الإمام ابن باديس فرجع لسلطان القرآن على النفوس. فجزى الله أخانا ابن باديس عن الإسلام خير الجزاء، فإن من أحيا القرآن فقد أحيا الدين كله. وجزى الله إخوانه الذين اتبعوا طريقته توفيقا للعمل يساوي توفيقهم في العلم، وجزي الله تلامذته الذين قاموا بحمل الأمانة من بعده. وهذه دروس من دروسه ينشرها اليوم في أصل العقيدة الإسلامية بدلائلها من الكتاب والسنة الأستاذ محمد الصالح رمضان، أحد طلابه، فجاءت عقيدة مثلى يتعلمها الطالب فيأتي منه مسلم سلفي موحد لربه
بدلائل القرآن كأحسن ما يكون المسلم السلفي، ويستدل على ما يعتقد في ربه بآية من كلام ربه. فنحث القائمين على تعليم ناشئتنا في المدارس الحرة أو الحكومية في الجزائر وغيرها من الأقطار الإسلامية، على اتخاذها أساسا في تربيتهم على التوحيد الصحيح، بل نحث كل أب مسلم أن يقتنيها لأولاده، ويحثهم على تعلمها وتفهمها، وأن يشترك أهل البيت كلهم في ذلك فكلهم في حاجة إليها. وفقنا الله جميعا لاتباع كتابه، وسنة نبيه، والرجوع إليهما، وإلى هدى السلف الصالح في تبيين معانيهما. محمد البشير الابراهيمي
افتتاح
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اِفْتِتِاحٌ الحَمْدُ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْه وَنَسْتَغْفِرُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ (1).
قواعد الإسلام
قَوَاعِدُ الاِسْلاَمِ. بَيَانُ قَوَاعِدُ الاِسْلاَمِ الخَمْسِ (*) مِنَ الآيَاتِ القُرْآنِيَةِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ» (1). الْكَلاَمُ عَلىَ الْقَاعِدَةِ الْأُولىَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا: النَّجَاةُ بِالْإِسْلاَمِ: 1 - لاَ نَجَاةَ (2) لِأَحَدٍ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى إِلاَّ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلاَمِ،
الإسلام دين الله
- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (1) وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، - ولِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (2)}. الْإِسْلاَمُ دِينُ اللهِ: 2 - الْإِسْلاَمُ هُوَ دِينُ اللهِ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ جَمِيعَ رُسُلِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (3)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا (4) مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهَا (5) النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ
محمد جاء بالإسلام
مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (1)} مُحَمَّدٌ جَاءَ بِالْإِسْلاَمِ: 3 - وَمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْإِسْلاَمُ الَّذِي لاَنَجَاةَ لِأَحَدٍ إِلاَّ بِالدُّخُولِ فِيهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (2)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ
الإيمان بمحمد هو الأساس
اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ آسْلَمْتُمْ (1) فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (2) الْإِيمَانُ بِمُحَمَّدٍ هُوَ الْأَسَاسُ: 4 - لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ الْإِسْلاَمَ إِلاَّ بِالْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ
الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (1)}، - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ (2): يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (3).
الشهادة هي المفتاح
الشَّهَادَةُ هِيَ الْمِفْتَاحُ: 5 - الدُّخُولُ فِي الْإِسْلاَمِ وَالْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ بِشَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، - لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ (1) لَمَّا بَعَثَهُ لِلْيَمَنِ: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ .. فَادْعُهُمْ إِلىَ شَهَادَتَيْ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ وَأَنِّي رَسُولُ الله فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ .. فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ (2) عَلَيْهِمْ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ .. فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ .. فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً (3) تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ .. فَإِياَّكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ
أول الواجبات
فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ (1)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ: 6 - أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ (2) مِنْ مُسْلِمٍ بَلَغَ، أَوْ كَافِرٍ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلاَمِ: أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؛ - لِحَدِيثِ مُعَاذٍ المُتَقَدِّمِ، - وَلِحَدِيثِ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ (3): لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ (4)
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَمِّ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ»، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (1)؟! فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا (2) عَلَيْهِ، وَيُعِيدَانِ عَلَيْه تِلْكَ الْمَقَالَةَ (3) حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: (هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ (4)) وَأَبَى
أَنْ يَقُولَ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ (1)}، - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ (2) ".
الفهم شرط
الْفَهْمُ شَرْطٌ: 7 - لاَ يَكْفِي النُّطْقُ بِكَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ إِذَا كَانَ النَّاطِقُ بِهِمَا لاَ يَفْهَمُ أَصْلَ مَعْنَاهُمَا، - لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي، وَبِمَا جِئْتُ بِهِ". كِفَايَةُ الْمَعْنَى: 8 - وَيَكْفِي لِلدُّخُولِ فِي الْإِسْلاَمِ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَاهُمَا، - لِحَدِيثِ بَنِي جُذَيْمَةَ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ (1):
"بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ (1) إِلَى بَنِي جُذَيْمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلاَمِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا صَبَأْنَا (2)، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ
ضرورة التصديق والاعتقاد
مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلاَ يَقْتُلُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَاهُ لَهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ (1) " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (2) ضَرُورَةُ التَّصْدِيقِ وَالاِعْتِقَادِ: 9 - وَلاَ يَكْفِي النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَفَهْمُ مَعْنَاهُمَا إِلاَّ مَعَ التَّصْدِيقِ التَّامِّ وَالاِعْتِقَادِ الْجَازِمِ بِهِ،
كفاية اليقين بإخبار الرسول
- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ (1)}، - وَلِقَوْلِه تَعَالَى: {إِذَا جَاءكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ واللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (2). كِفَايَةُ الْيَقِينِ بِإِخْبَارِ الرَّسُولِ: 10 - مَنْ حَصَلَ لَهُ الْيَقِينُ بِإِخْبَارِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَفَاهُ ذَلِكَ اليَقِينُ، - لِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَ أَنَسُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: "بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثمَّ عَقَلَهُ (3)، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ قُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِىءُ. فَقَالَ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (4) فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَبْتُ.
فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلاَ تَجِدْ (1) عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ. فَقَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ (2). فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ (3) وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ تَعَالَى (4) آللهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَواتِ الْخَمْسَ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، آللهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ (5) مِنَ السَّنَةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، آللهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ (6) مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
وجوب النظر في آيات الله
فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ (1) مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ (2) ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا. وُجُوبُ النَّظَرِ فيِ آيَاتِ اللهِ: 11 - يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ مَعَ تَصْدِيقِهِ وَجَزْمِهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي آيَاتِ اللهِ، وَيَسْتَعْمِلَ عَقْلَهُ لِلْفَهْمِ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْوَاجِبَاتِ فِي الْإِسْلاَمِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ انْظُرُوا (3) مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، - {فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (4)}، - {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (5)}، - {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ؟ وَإِلَى
طريقة النظر
السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ؟ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ؟ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (1)}؟! طَرِيقَةُ النَّظَرِ: 12 - النَّظَرُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ هُوَ: النَّظَرُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ، كَمَا فِي الآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (2)}.
إزالة الشبهات
إِزَالَةُ الشُّبُهَاتِ: 13 - مَنْ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ (1) وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى إِزَالَتِهَا بِالنَّظَرِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِسُؤَالِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ (2) مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}. الاِسْتِعَاذَةُ مِنَ الْخَطَرَاتِ: 14 - مَنْ وَرَدَتْ عَلَى قَلْبِه خَطَرَاتٌ مِنْ دُونِ شُبْهَةٍ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ (3) وَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ (4) فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}،
- وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ» وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ: «فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ (1)».
بيان معنى الإسلام
بَيَانُ مَعْنَى الْإِسْلاَمِ. الْإِسْلاَمِ بِمَعْنَى الدِّينِ: 15 - يَجِيءُ لَفْظُ الْإِسْلاَمِ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ مُرَادًا بِهِ الدِّينُ كُلُّهُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مَحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَحْكَامِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ… الخ». وَبِمَعْنَى الاِنْقِيَادُ وَالْإِخْلاَصُ: 16 - الْإِسْلاَمُ الَّذِي سُمِّيَ بِهِ الدِّينُ مَعْنَاهُ الاِنْقِيَادُ للهِ تَعَالَى ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَالْإِخْلاَصُ لَهُ فِيهِمَا، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}
تسمية الدين بالإسلام
- وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}. تَسْمِيَّةُ الدِّينِ باِلْإِسْلاَمِ: 17 - الدِّينُ كُلُّهُ اِنْقِيَادٌ للهِ وَإِخْلاَصٌ لَهُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ إِسْلاَمًا، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}. الْإِسْلاَمُ بِمَعْنَى الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ: 18 - وَيِجِيءُ الْإِسْلاَمُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ أَيْضًا بِمَعْنَى الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ
الدَّالَّةِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ عَلَى الاِنْقِيَادِ وَالْإِذْعَانِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّصْدِيقِ التَّامِّ، - لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، قَالَ: «يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرِنِي عَنِ الْإِسْلاَمِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، قَالَ جِبْرِيلُ: صَدَقْتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
إسلام لا ينفع
إِسْلاَمٌ لاَ يَنْفَعُ: 19 - وَيَجِيءُ الْإِسْلاَمُ بِمَعْنَى الاِسْتِسْلاَمِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ إِيمَانٍ (1) فِي الْقَلْبِ، وَهَذَا لاَ يَنْفَعُ صَاحِبَهُ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}،
- وَلِحَدِيثِ سَعْدٍ (1): «أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا -وَسَعْدٌ جَالِسٌ فِيهِمْ- قَالَ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعْطِهِ (1) وَهُوَ أَعْجَبَهُمْ إِلَيَّ (2)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَالَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا (3)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَوَ مُسْلِمًا (4)؟ فَسَكَتَ قَلِيلاً ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَالَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَوَ مُسْلِمًا؟ فَسَكَتَ قليلاً ثُمَّ غَلَبَنِي مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَالَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَوَ مُسْلِمًا؟
إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ (1) خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ (2)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
بيان معنى الإيمان
بَيَانُ مَعْنىَ الْإِيمَانِ. الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ: 20 - الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ: التَّصْدِيقُ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ (1) لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}. مَحَلُّ الْإِيمَانِ: 21 - مَحَلُّ الْإِيمَانِ بِمَعْنَى التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ هُوَ الْقَلْبُ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، - {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (2)}، - وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ (3) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
الإيمان بمعنى التصديق
«يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ (1)» رَوَاهٌُ مُسْلِمٌ الْإِيمَانُ بِمَعْنىَ التَّصْدِيقِ: 22 - وَيَجِيءُ لَفْظُ الْإِيمَانِ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ مُرَادًا بِهِ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِه وَشَرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ (2)، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ
الإيمان بمعنى الأعمال الظاهرة
آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (1)}، - وَلِحَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ عَلْيِه السَّلاَمُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسِلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ (2)». الْإِيمَانُ بِمَعْنىَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ: 23 - وَيَجِيءُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ أَيْضًا مُرَادًا بِهِ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّصْدِيقِ وَالْيَقِينِ، - لِحَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ (3)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (4) رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:
تلاقي معنى الإسلام والإيمان
«أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالْإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللهِ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ (1)» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. تَلاَقيِ مَعْنىَ الْإِسْلاَمِ وَالْإِيمَانِ: 24 - قَدْ تَوَارَدَ لَفْظُ الْإِسْلاَمِ وَلَفْظُ الْإِيمَانِ عَلَى اعْتِقَادِ الْقَلْبِ الْجَازِمِ، وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ مِنْ قَوْلٍ وَغَيْرِهِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ الاِعْتِقَادِ، - لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَفْسِيرِ الْإِسْلاَمِ (2)، - وَحَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ (3).
تحصيل مما تقدم
تَحْصِيلٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. تَوَارُدُ الْإِسْلاَمِ وَالْإِيمَانِ عَلَى الاِعْتِقَادِ وَالنُّطْقِ وَالْعَمَلِ: حَقِيقَةُ الدِّينِ: 25 - الدِّينُ كُلُّهُ عَقْدٌ بِالْقَلْبِ (1)، وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ (2) الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ (3). وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلاَثَةِ يُسَمَّى إِيمَانًا بِاعْتِبَارٍ، وَيُسَمَّى إِسْلاَمًا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ. 1 - فَعَقْدُ القَلْبِ يُسَمَّى إِيمَانًا لِأَنَّهُ تَصْدِيقٌ، وَيُسَمَّى إِسْلاَمًا لِأَنَّ عَقْدَ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ إِذْعَانٌ وَخُضُوعٌ لَهُ. 2 - وَنُطْقُ اللِّسَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ يُسَمَّى إِيمَانًا لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى التَّصْدِيقِ وَيُسَمَّى إِسْلاَمًا لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْخُضُوعِ وَالاِنْقِيَادِ.
الإيمان قول وعمل
3 - وَالزَّكَاةُ مَثَلاً تُسَمَّى إِيمَانًا لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّصْدِيقِ، وَثَمْرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِهِ، وَتُسَمَّى إِسْلاَمًا لِأَنَّهَا انْقِيَادٌ وَإِذْعَانٌ. 4 - وَالْحُبُّ فِي اللهِ مَثَلاً يُسَمَّى إِيمَانًا لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّصْدِيقِ وَثَمْرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِهِ، وَيُسَمَّى إِسْلاَمًا لِأَنَّهُ انْقِيَادٌ وَإِذْعَانٌ (1). الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ: 26 - الْإِيمَانُ فِي الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ (2) هُوَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، فَمَنِ اسْتَكْمَلَ ذَلِكَ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهُ لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ (3) قُلُوبُهُمْ}، - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا (4) وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ (5) حَتَّى
يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ (1)» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (2) عَنْ أَنَسٍ (3) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (4)»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، - وَلِقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ
الإيمان يزيد وينقص
وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً (1)، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ (2) شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ -رَحِمَهُمَا اللهُ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ: 27 - الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْأَعْمَالِ وَيَنْقُصُ بِنُقْصِهاَََ (3)،
- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ
التصديق يقوى ويضعف
تَعَالَى عَنْهُ (1). التَّصْدِيقُ يَقْوَى وَيَضْعُفُ: 28 - التَّصْدِيقُ الَّذِي هُوَ الْجُزْءُ الْأَصْلِيُّ فِي الْإِيمَانِ يَقْوَى وَيَضْعُفُ (2)، يَقْوَى بِالنَّظَرِ فِي الآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ (3)، وَالتَّدَبُّرِ فِي الآيَاتِ السَّمْعِيَّةِ (4)، وَالتَّقَرُّبِ بِالْعِبَادَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَضْعُفُ بِضِدِّ ذَلِكَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (5)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ (1) السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}، - وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَنْ مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتِ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ (2)، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ،
وَمَنْ أَبْطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ (1)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، - وَلِحَدِيثِ حَنْظَلَةَ (2) الأُسَيِّدِيِّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ -وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ (3)، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ! قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟! قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ
وَالْأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ (1)، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا! فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَاكَثِيرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي فِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ (2)، وَلِكْنْ يَا حَنْظَلَةُ: سَاعَةً
إنعدام اليقين
وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً (1)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. إِنْعِدَامُ الْيَقِينِ: 29 - مَنْ عُدِمَ مِنْ إِيمَانِهِ الْيَقِينُ خَرَجَ مِنْ دَائِرَةِ الْمُؤْمِنِينَ (2)، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَافِرِينَ، وَلَوْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَعَمِلَ أَعْمَالَ الْمُؤْمِنِينَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (3)}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا .. أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا، وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ
إباية النطق
قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (1) وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}. إِبَايَةُ النُّطْقِ: 30 - مَنْ عُدِمَ مِنْهُ النُّطْقُ إِبَايَةً وَعِنَادًا (2) لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (3)}. الْمَعْرِفَةُ بِدُونِ خُضُوعٍ: 31 - مَنْ لَمْ يُخْضِعْ قَلْبَهُ لِمَا عَرَفَهُ مِنْ عَقَائِدِ الْإِسْلاَمِ لَمْ تُفِدْهُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ، وَلَمْ يَكُنْ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (4)،
الإيمان بدون عمل
- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ (1) وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. الْإِيمَانُ بِدُونِ عَمَلٍ: 32 - مَنْ ضَيَّعَ الْأَعْمَالَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ دَائِرَةِ الْإِيمَانِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}، - وَلِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ (2)». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
إرتكاب المعاصي وأثره
إِرْتِكَابُ الْمَعَاصِي وَأَثَرُهُ: 33 - مَنِ ارْتَكَبَ الْمَعَاصِي سُمِّيَ فَاسِقًا (1) حَتَّى يَتُوبَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ (2) ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
بيان معنى الإحسان
بَيَانُ مَعْنَى الْإِحْسَانِ. الْإِحْسَانُ لُّغَةً وَشَرْعاً: 34 - الْإِحْسَانُ فِي اللُّغَةِ: الْإِتْيَانُ بِمَا هُوَ حَسَنٌ، وَالْإِحْسَانُ فِي الشَّرْعِ: هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْحَسَنَاتِ، وَالْحَسَنَاتُ هِيَ: فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ (1) وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَفِعْلُ أَوْ تَرْكُ الْمُبَاحَاتِ لِأَنَّهَا مُبَاحَاتٌ، مَعَ التَّصْدِيقِ بِذَلِكَ للهِ تَعَالَى وَالْإِخْلاَصُ لَهُ فِيهِ، وَمَعَ اسْتِحْضَارِ رُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى لَهُ وَاطِّلاَعِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}،
- وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، لَمَّا فَسَّرَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْإِحْسَانَ، قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ (1)» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
عقائد الإيمان
عَقَائِدُ الْإِيمَانِ. عَقِيدَةُ الْإِيمَانِ بِاللهِ. الْوُجُودُ وَالْقِدَمُ وَالْبَقَاءُ: 35 - هُوَ الْمَوْجُودُ الْحَقُّ لِذَاتِهِ، الَّذِي لاَ يَقْبَلُ وُجُودُهُ الْعَدَمَ، فَهُوَ الْقَدِيمُ الَّذِي لاَ بِدَايَةَ لِوُجُودِهِ، وَهُوَ الْبَاقِي الَّذِي لاَ نِهَايَةَ لِوُجُودِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ (1)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ (2) تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ
تُوقِنُونَ، وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا، وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ، وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ، صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ، تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكْلِ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (1)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (2)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ بَلْ، لَا يُوقِنُونَ. أَمْ عِنْدَهُمْ
سبق وجوده لكل وجود
خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسيْطِرُونَ (1)}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. سَبَقَ وُجُودُهُ لِكُلِّ وُجُودٍ: 36 - وَهُوَ الْمَوْجُودُ الَّذِي سَبَقَ وُجُودُهُ كُلَّ وُجُودٍ، فَكَانَ تَعَالَى وَحْدَهُ وَلاَ شَيْءَ مَعَهُ، ثُمَّ خَلَقَ مَا شَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ}، - "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا}، - "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}، - {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ (2) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، - {قُلْ: أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ. ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ: ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، قَالَتَا: أَتَيْنَا طَائِعِينَ. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا (3)،
وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا (1)، ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.
غناؤه عن كل موجود
غَنَاؤُهُ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ: 37 - فَهُوَ الْغَنِيُّ بِذَاتِهِ عَنِ جمَيِعِ الْمَوْجُودَاتِ (1)، وَهِيَ الْمُفْتَقِرَةُ كُلُّهَا -ابِتِدَاءً وَدَوْمًا- إِلَيْهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ. إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ. وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}، - {قلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا (2)}، - {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ، وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ؟ فَسَيَقُولُونَ: اللَّهُ، فَقُلْ: أَفَلَا تَتَّقُونَ، فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ؟ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (3)}، - {أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ}.
عقيدة الإثبات والتنزيه
عَقِيدَةُ الاِثْبَاتِ وَالتَّنْزِيهِ (1). الإِثْبَاتُ وَالتَّنْزِيهُ: 38 - نُثْبِتُ لَهُ تَعَالَى مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ، عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، مِنْ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَسْمَائِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَنَنْتَهِي عِنْدَ ذَلِكَ وَلاَ نَزِيدُ عَلَيْهِ، وَنُنَزِّهُهُ فِي ذَلِكَ عَنْ مُمَاثَلَةِ أَوْ مُشَابَهَةِ شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ. وَنُثْبِتُ الاِسْتِوَاءَ وَالنُّزُولَ وَنَحْوَهُمَا، وَنُؤْمِنُ بِحَقِيقَتِهِمَا عَلَى مَا يَلِيقُ
بِهِ تَعَالَى بِلاَ كَيْفٍ (1)، وَبِأَنَّ ظَاهِرَهَا الْمُتَعَارَفِ فيِ حَقِّنَا غَيْرُ مُرَادٍ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ (2) اللهُ نَفْسَهُ}، - {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}، - وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةً، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ قَالَ: وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكُ عَلَى أَوْصَالِ شَلْوٍ مُمَزَّعِ (3)
فَلَمَّا قُتِلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا (1)» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (2)}، - {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}، - {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى، وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (3)}، - {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}، - {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا
لا تحيط العقول بذاته
وَلَا يَسْتَطِيعُونَ، فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ (1) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، - {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ (2) بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، - {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. لاَ تُحِيطُ الْعُقُولُ بِذَاتِهِ: 39 - وَلاَ تُحِيطُ الْعُقُولُ بِذَاتِهِ وَلاَ بِصِفَاتِهِ وَلاَ بِأَسْمَائِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}، - وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - " لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ}، - وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فيِ دُعَاءِ الْكَرْبِ (3): "اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ بْنُ عَبْدِكَ بْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ
الحياة
اِسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اِسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي". الْحَيَاةُ: 40 - فَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْحَيَاةُ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، - وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ (1)}، - {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}. الْقُدْرَةُ: 41 - وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْقُدْرَةُ (2) عَلَى إِيجَادِ كُلِّ مُمْكِنٍ وَإِعْدَامِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، - {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا}، - {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}. الْإِرَادَةُ: 42 - وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْإِرَادَةُ (3) وَالْمَشِيئَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ فَيُخَصِّصُ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ.
العلم
- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}، - وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ}. الْعِلْمُ: 43 - وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْعِلْمُ (1) الَّذِي تَنْكَشِفُ لَهُ جَمِيعُ الْمَعْلُومَاتِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالْجَائِزَاتِ وَالْمُسْتَحِيلاَتِ فَيَعْلَمُهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَالاَتِ؛ وَتَسْتَوِي عِنْدَهُ الْجَلِيَّاتِ وَالْخَفِيَّاتِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}، - {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، - {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}. السَّمْعُ وَالْبَصَرُ: 44 - وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: السَّمْعُ الَّذِي تَنْكَشِفُ بِهِ جَمِيعُ الْمَسْمُوعَاتِ. 45 - وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْبَصَرُ الَّذِي تَنْكَشِفُ بِهِ جَمِيعُ الْمُبْصِرَاتِ (2). - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، - {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ}،
الكلام
- وَلِحَدِيثِ أَبيِ مُوسَى الأَشْعَرِي (1) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فيِ سَفَرٍ فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا فَقَالَ أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِباً، تَدْعُونَ سَمِيعاً بَصِيراً قَرِيباً (2) " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. الْكَلاَمُ: 46 - وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْكَلاَمُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}. الْوَحْدَانِيَّةُ: 47 - وَهُوَ الْوَاحِدُ فيِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ (3): فَلاَ ثَانِيَ لَهُ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ شَرِيكَ لَهُ فيِ ذَاتِهِ، وَلاَ ثَانِيَ لَهُ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ شَرِيكَ لَهُ فيِ أَسْمَائِهِ، وَلاَ ثَانِيَ لَهُ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ شَرِيكَ لَهُ فيِ صِفَاتِهِ، وَلاَ ثَانِيَ لَهُ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ شَرِيكَ لَهُ فيِ أَفْعَالِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ
التوحيد العلمي والعملي
اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (1)}، - {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}، - {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}، - {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (2)}، - {لَيْسَ كَمِثْلِهِ (3) شَيْءٌ}، - {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}. التَّوْحِيدُ الْعِلْمِيُّ وَالْعَمَلِيُّ: 48 - التَّوْحِيدُ هُوَ اعْتِقَادُ وَحْدَانِيَّةُ اللهِ، وَإِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ،
توحيد الربوبية
وَالْأَوَّلُ هُوَ التَّوْحِيدُ الْعِلْمِيُّ وَالثَّانيِ هُوَ التَّوْحِيدُ الْعَمَلِيُّ وَلاَ يَكُونُ الْمُسْلِمُ مُسْلِماً إِلاَّ بِهِمَا، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، - {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (1)}. تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ: 49 - وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى: تَوْحِيدُهُ فيِ رُبُوبِيَّتِهِ (2) وَهُوَ الْعِلْمُ بَأَنْ لاَ خَالِقَ غَيْرُهُ وَلاَ مُدَبِّرَ لِلْكَوْنِ وَلاَ مُتَصَرِّفَ فِيهِ سِوَاهُ،
توحيده في ألوهيته
- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}، - {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}، - {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ}، - وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: "لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ (1) " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. تَوْحِيدُهُ فيِ أُلُوهِيَّتِهِ: 50 - وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى: تَوْحِيدُهُ فيِ أُلُوهِيَّتِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ وَالْقَصْدُ وَالتَّوْجِيهُ وَالْقِيَامُ بِالْعِبَادَاتِ كَلِّهَا إِلَيْهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}، - {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا (2) وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، - {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (3)}،
إستلزام
- وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -:" إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ" رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ (1). إِسْتِلْزَامٌ: 51 - وَوَحْدَانِيَّتُهُ تَعَالَى فِي رُبُوبِيَّتِهِ تَسْتَلْزِمُ وَحْدَانِيَّتَهُ تَعَالَى فِي أُلُوهِيَّتِهِ فَالْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ (2) وَالرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ وَدَفْعِ الضَّرِّ وَجَلْبِ النَّفْعِ هُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ غَايَةُ الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ مَعَ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ لِلْعَزِيزِ الْغَنِيِّ الْقَادِرِ الْمُنْعِمِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا (3) وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}،
- ولِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (1) آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ؟}، - {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ؟ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (2). أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ. أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ؟ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ؟ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ،
توحيده في شرعه
أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (1)}. تَوْحِيدُهُ فيِ شَرْعِهِ: 52 - وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى: تَوْحِيدُهُ فيِ شَرْعِهِ فَلَا حَاكِمَ وَلَا مُحَلِّلَ وَلَا مُحَرِّمَ سِوَاهُ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}، - {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}، - {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ (2)}،
لا يخلق العبد أفعال نفسه
- وَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا (1) بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}، - {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}، - {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (2)}. لاَ يَخْلُقُ الْعَبْدُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ: 53 - وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى فِي رُبُوبِيَّتِهِ: اِعْتِقَادُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ، فَهُوَ مَا لَمْ يَخْلُقْ ذَاتَهُ وَلَمْ يَخْلُقْ صِفَاتَ ذَاتِهِ، كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَهُ، فَهُوَ كُلُّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَهُ مُبَاشَرَةً لِأَفْعَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَبِذَلِكَ كَانَتْ
للعبد اختيار
أَعْمَالًا لَهُ وَكَانَ مَسْؤُلًا عَنْهَا وَمُجَازًى عَلَيْهَا وَتِلْكَ الْمُبَاشَرَةِ هِيَ كَسْبُهُ وَاكْتِسَابُهُ (1). فَيُسَمَّى الْعَبْدُ عَامِلًا وَكَاسِبًا وَمُكْتَسِبًا وَلَا يُسَمَّى خَالِقًا، - لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}، - {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (2)}، - {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (3) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}. لِلْعَبْدِ اخْتِيَارٌ: 54 - وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى فِي رُبُوبِيَّتِهِ: اعْتِقَادُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَخْرُجُ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ عَن مَّشِيئَةِ اللَّهِ، غَيْرَ أَنَّ لَهُ اخْتِيَاراً يَجِدُهُ بِالضَّرُورَةِ مِن نَّفْسِهِ، وَمَشِيئَةٍ يَجِدُهَا كَذَلِكَ فِيمَا يُمَكِّنُهُ مِنْ أَفْعَالِهِ كَانَ بِهِمَا مُكَلَّفًا، ثُمَّ هُوَ لَا يَخْرُجُ بِهَا عَن مَّشِيئَةِ اللَّهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
علم الغيب عند الله
عَلِيمًا حَكِيمًا}، - {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، - وقوله تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، - "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}، - {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}، - {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}. عِلْمُ الْغَيْبِ عِنْدَ اللهِ: 55 - وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى فِي رُبُوبِيَّتِهِ: اعْتِقَادُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَهُوَ مَا غَابَ عَنِ الْحَوَاسِّ، وَلَا يُوصَلُ إِلَيْهِ بِصَحِيحِ النَّظَرِ، فَلَا يَعْلَمُ مِنْهُ إِلَّا مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ الْخَبَرِ.
فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ حِينَئِذٍ كَمَا جَاءَ بِدُونِ زِيَادَةٍ وَلَا تَنْقِيصٍ (1)، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (2)}، - {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا}، - {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ}، - {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}، - {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}، - {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (3)}.
الإيمان بالقدر
الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ. الْقَدَرُ: 56 - الْقَدَرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِحَاطَةُ بِمِقْدَارِ الشَّيْءِ. تَقُولُ: قَدَّرْتُ الشَّيْءَ أُقَدِّرُهُ قَدَرًا إِذَا أَحَطْتَ بِمِقْدَارِهِ. وَقَدَرُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ تَعَلُّقُ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ أَزَلًا بِالْكَائِنَاتِ كُلِّهَا قَبْلَ وُجُودِهَا، فَلَا حَادِثَ إِلَّا وَقَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَيْ سَبَقَ بِهِ عِلْمُهُ وَتَقَدَّمَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ، فَكُلُّ حَادِثٍ فَهُوَ عَلَى وِفْقِ مَا سَبَقَ بِهِ عِلْمُ اللَّهِ وَمَضَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ (1)، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، - {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (2)}،
القدر مكتوب في اللوح المحفوظ
- وَلِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام:" وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وِشِرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ". الْقَدَرُ مَكْتُوبٌ فيِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ: 57 - وَكَمَا سَبَقَ قَدَرُ اللَّهِ لِلْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَن يَّخْلُقَهَا كَذَلِكَ كَتَبَهَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ خَلْقِهَا، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}، - وَلِحَدِيثِ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:" كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ
العمل بالشرع والجد في السعي مع الإيمان بالقدر
الْخَلَائِقَ قَبْلَ أَن يَّخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ (1) " رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الْعَمَلُ بِالشَّرْعِ وَالْجِدِّ فيِ السَّعْيِ مَعَ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ. كُلٌ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ: 58 - الشَّرْعُ مَعْلُومٌ لَنَا، وَضَعَهُ اللَّهُ لِنُسَيِّرَ عَلَيْهِ أَعْمَالَنَا. وَالْقَدَرُ مَغِيبٌ عَنَّا، أَمَرَنَا اللَّهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى كَمَالُ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ مِنْ صِفَاتِ رَبِّنَا. فَالْقَدَرُ فِي دَائِرَةِ الاِعْتِقَادِ، وَالشَّرْعُ فِي دَائِرَةِ الْعَمَلِ (2). وَعَلَيْنَا أَن نَّعْمَلَ بِشَرْعِ اللَّهِ وَنَتَوَسَّلَ إِلَى الْمُسَبِّبَاتِ الْمَشْرُوعَةِ
بِأَسْبَابِهَا (1)، وَنُؤْمِنُ بِسَبْقِ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا قَدَّرَهُ مِنْهَا، فَمَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ يُسِّرَ لِأَسْبَابِهَا، وَمَنْ سَبَقَتْ لَهُ الشَّقَاوَةُ يُسِّرَ لِأَسْبَابِهَا، - لِحَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:" كُنَّا فِي جَنَازَةٍ، فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ (2) فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ (3)، فَنَكَسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ (4) إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً.
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ (1)، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى الشَّقَاوَةِ؟ فَقَالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ: أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَسَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَسَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ (2)، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (3) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى .. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى .. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (4)، - وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ
الاحتجاج بالقدر
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ. وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ .. كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ (1). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الاِحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ. لاَ يُحْتَجُّ بِالْقَدَرِ فيِ الذُّنُوبِ: 59 - لاَ يُحْتَجُّ بِالْقَدَرِ فيِ الذُّنُوبِ (2) لِأَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ قَائِمَةٌ عَلَى الْخَلْقِ
الحذر والقدر
بِالتَّمَكُّنِ وَالاِخْتِيَارِ وَالدَّلَالَةِ الْفِطْرِيَّةِ وَالدَّلَالَةِ الشَّرْعِيَّةِ (1)، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (2)}. الْحَذَرُ وَالْقَدَرُ. وُجُوبُ الْحَذَرِ: 60 - مَعَ الِإيمَانِ بِالْقَدَرِ يَجِبُ الْأَخْذَ بِالْحَذَرِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}. الْحِكْمَةُ وَالْعَدْلُ فيِ الْقَدَرِ. الْقَدَرُ كُلُّهُ عَدْلٌ: 61 - الْقَدَرُ كُلُّهُ عَدْلٌ وَحِكْمَةٌ، فَمَا يُصِيبُ الْعِبَادَ فَهُوَ جَزَاءُ أَعْمَالِهِمْ.
وَقَدْ تُدْرَكُ حِكْمَةُ الْقَدَرِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، لِأَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: الْحَكِيمُ، وَرَدَ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: الْعَدْلُ، وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ التَّرْمِذِي، - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْكَرْبِ «عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ» (1)، - ولِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}.
الإيمان بالملائكة عليهم السلام
الْإِيمَانُ بِالْمَلاَئِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ. الْمَلاَئِكَةُ: 62 - الْمَلَائِكَةُ مَخْلُوقُونَ مِنَ النُّورِ، لَا يُوصَفُونَ بِذُكُورَةٍ وَلَا بِأُنُوثَةٍ. مُيَسَّرُونَ لِلطَّاعَاتِ، مَعْصُومُونَ مِنَ الْمَعَاصِي مُسَخَّرُونَ بِإِذْنِ اللَّهِ فِي شُؤُونِ الْخَلْقِ وَتَدْبِيرِ الْكَوْنِ، وَحِفْظِ الْعِبَادِ، وَكِتَابَةِ أَعْمَالِهِمْ، أُمَنَاءُ عَلَى الْوَحْيِ فِي حِفْظِهِ وَتَبْلِيغِهِ، - لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - "خُلِقَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ (1) مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا؟! أَأُشَهِدُوا؟ خَلْقُهُمْ!! سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}، - وَمَنْ
عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (1)}، - {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (2)}، - {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (3)}، - {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (4)}، - {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (5)}، - {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}، - {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}، - {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ (6) مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، - {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ
مَا تَفْعَلُونَ}، - {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (1)}، - {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ (2)}، - {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (3)}، - {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا، عُذْرًا أَوْ نُذْرًا}، - {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}.
الإيمان بكتب الله تعالى
الْإِيمَانُ بِكُتُبِ اللهِ تَعَالَى. 63 - نُؤْمِنُ بِجَمِيعِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَمِنْهَا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْقُرْآنُ (1). وَمِنْهَا غَيْرُهَا مِمَّا لَمْ نَعْلَمْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ فَكُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكُلُّ مَا فِيهَا حَقٌّ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ}، - {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ، وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ}، - {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}. حِفْظُ اللهِ الْقُرْآنَ دُونَ غَيْرِهِ: 64 - حَفِظَ اللَّهُ الْقُرْآنَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصِ وَالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ، فَبَقِيَ كَمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ كُلُّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَمْ
القرآن هو الهداية العامة للبشر
يَحْفَظْ غَيْرَهُ مِنَ الْكُتُبِ فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصُ وَالتَّحْرِيفُ وَالتَّبْدِيلُ فَفِيهَا حَقٌّ وَفِيهَا بَاطِلٌ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، - {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا (1) عَلَيْهِ}. الْقُرْآنُ هُوَ الْهِدَايَةُ الْعَامَّةُ لِلْبَشَرِ. وَظِيفَةُ الْقُرْآنِ: 65 - نُؤْمِنُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى هِدَايَةً عَامَّةً لِجَمِيعِ الْبَشَرِ لِمَا فِيهِ سَعَادَتَهُمْ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ بِتَنْوِيرِ الْعُقُولِ، وَتَزْكِيَّةِ النُّفُوسِ، وَتَقْوِيمِ الْأَعْمَالِ، وَإِصْلَاحِ الْأَحْوَالِ، وَتَنْظِيمِ الاِجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ عَلَى أَكْمَلِ نِظَامٍ، وَأَنَّ كُلَّ مَا خَالَفَهُ فَهُوَ ضَالٌّ (2)، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
الإيمان بالسنة إيمان بالقرآن
- {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، - {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1)}، - {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، - وَلِقَوْلِهِ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ (2) بِهِ: كِتَابَ اللَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الْإِيمَانُ بِالسُّنَّةِ إِيمَانٌ بِالْقُرْآنِ. حُجِّيَّةُ السُّنَّةِ: 66 - وَمِنَ الْإِيمَانِ بِكِتَابِ اللَّهِ أَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ (3) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَبَيَانٌ
لِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْأَخْذَ بِهِ أَخْذٌ بِالْقُرْآنِ، وَأَنَّ التَّرْكَ لَهُ تَرْكٌ لِلْقُرْآنِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (1)}، - {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، - ولِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ، وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (2)}، - {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (1)}، - {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (2)}.
عقائد الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام
عَقَائِدُ الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ. الرُّسُلُ: 67 - إِنَّ الرَّبَّ الْحَكِيمَ جَلَّ جَلَالُهُ خَلَقَنَا لِعِبَادَتِهِ، وَفِي عِبَادَتِهِ كَمَالُنَا وَسَعَادَتُنَا، وَعِبَادَتَهُ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَنَا وَنَهَانَا وَأَبَاحَ لَنَا. وَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا بَيَّنَهُ لَنَا، فَاخْتَارَ مِنَّا - تَفَضُّلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً - قَوْمًا فَطَرَهُمْ (1) عَلَى الْفَضَائِلِ وَالْكَمَالَاتِ، وَعَصَمَهُمْ مِنَ الرَّذَائِلِ وَالنَّقَائِصِ وَهَيَّأَهُمْ لِمُلَاقَاةِ الْمَلَائِكَةِ الْأَطْهَارِ، لِيَتَلَقُّوا مِنْهُمْ وَحْيَ اللَّهِ (2) وَبَيَانَهُ لِلْعِبَادِ، فَيُبَلِّغُوهُ إِلَيْهِمْ، وَيَكُونُوا قُدْوَةً لَهُمْ فِي تَنْفِيذِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الَّذِينَ نُؤْمِنُ بِهِمْ كُلُّهُمْ. مَنْ عَرَفْنَا مِنْهُمْ بِتَعْرِيفِ اللَّهِ وَمَنْ لَمْ نَعْرِفْ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}،
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (1)}، - {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، - {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}، - {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}، - {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ (2) عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، - {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}، - {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ}، - {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (3)}، - {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا}، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ (4)}، - {فَبِهُدَاهُمُ
الرسل حجة
اقْتَدِهْ (1)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (2)}، - {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ (3)}. الرُّسُلُ حُجَّةٌ: 68 - هُمْ حُجَّةُ اللَّهِ وَشُهُودُهُ، أَنْبَأَهُمُ اللَّهُ بِوَحْيِهِ، وَأَرْسَلَهُمْ لِتَبْلِيغِهِ لِخَلْقِهِ، لِيُعَرِّفُوهُمْ بِهِ وَبِشَرْعِهِ، وَيُنَبِّهُوهُمْ إِلَى آيَاتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ بِإِنْعَامَاتِهِ، وَيُبَشِّرُوهُمْ بِالسَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ إِذَا اتَّبَعُوهُمْ، وَيُخَوِّفُوهُمْ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالْهَلَاكِ إِذَا خَالَفُوهُمْ، فَقَامَتْ بِهِمْ - لَمَّا بَلَّغُوا الرِّسَالَةَ وَأَدَّوُا الْأَمَانَةَ - حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَكَانُوا - وَهُمُ الْعُدُولُ الْأُمَنَاءُ الصَّادِقُونَ - شُهَدَاءَهُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ لِقَائِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ
تأييد الله لهم بالبينات والآيات
مِنْ بَعْدِهِ، وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ (1) وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا، وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا، رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ (2) بَعْدَ الرُّسُلِ، وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}. تَأْييِدُ اللهِ لَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْآيَاتِ. مُعْجِزَاتُ الرُّسُلِ: 69 - لَمَّا أَرْسَلَ اللَّهُ الرُّسُلَ لِهِدَايَةِ خَلْقِهِ، وَإِقَامَةِ حُجَّتِهِ، أَيَّدَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، وَهِيَ كُلُّ مَا تَبَيَّنَ بِهِ الْحَقُّ، مِنْ كَمَالِ سِيرَتِهِمْ فِي َقْومِهِمْ،
وَوُضُوحِ بَيَانِهِمْ. وَقُوَّةِ حُجَّتِهِمْ، وَأَيَّدَهُمْ بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ (1) الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ الْمَعْجُوزِ عَنْ مُعَارَضَتِهَا (2)، فَكَانُوا يَدْعُونَ الْخَلْقَ بِالْحِجَجِ وَالْبَرَاهِينِ. فَإِذَا سَأَلُوهُمْ آيَةً رَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ وَتَبَرَّأُوا مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَعَهُ تَصَرُّفٌ فِي الْكَوْنِ حَتَّى يَأْتُوا بِالْآيَاتِ، فَيُعْطِيهِمُ اللَّهَ الْآيَاتِ تَأْيِيدًا لَهُمْ، وَتَخْوِيفًا لِقَوْمِهِمْ: فَيَخْضَعَ قَوْمٌ فَيُؤْمِنُونَ، وَيَسْتَمِرَّ الْأَكْثَرُونَ عَلَى الْعَنَادِ (3)، فَتَحِقَّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ،
- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ}، - {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا (1) قَبْلَ هَذَا}، - {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}، - {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ، وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ، جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ، وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ، قَالَتْ رُسُلُهُمْ: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (2)
تمام عبوديتهم مع علو مرتبتهم
قَالُوا: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ: إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا، وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (1)}، - ولِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}. تَمَامُ عُبُودِيَّتِهِمْ مَعَ عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ: 70 - هُمْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عُلُوِّ مَنْزِلَتِهِمْ لَا يَمْتَازُونَ عَنِ الْخَلْقِ فِي تَمَامِ عُبُودِيَّتِهِمْ، بِافْتِقَارِهِمْ إِلَى اللَّهِ، وَجَرَيَانِ قَدَرِهِ عَلَيْهِمْ وَعَدَمِ مُلْكِهِمْ شَيْئًا مَعَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مُلْكِهِ، وَعَدَمِ عِلْمِهِمُ الْغَيْبَ إِلَّا مَا عَلَّمَهُمُ
اللَّهَ، وَجَرَيَانِ شَرْعِهِ عَلَيْهِمْ وَقِيَامِهِمْ بِمَا كُلِّفُوا بِهِ خَاضِعِينَ لِلَّهِ رَاجِينَ خَائِفِينَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ (1)}، - {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (2)}، - {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ (3) وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}، - {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ (4) وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ (5)}، - {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ (6)}، - {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}،
تأدبنا معهم فيما عوتبوا عليه واستغفروا منه
- وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ (1) إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}. تَأَدُّبُنَا مَعَهُمْ فِيمَا عُوتِبُوا عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرُوا مِنْهُ: 71 - هُمْ عِبَادُ اللَّهِ يُخَاطِبُهُمْ بِمَا شَاءَ، وَيُعَاتِبُهُمْ بِمَا أَرَادَ، فَيَعْتَرِفُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ، وَلَيْسَ لَنَا فِيمَا عُوتِبُوا عَلَيْهِ (2) وَاسْتَغْفَرُوا مِنْهُ إِلَّا حِكَايَةَ لَفْظِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مَعَ اعْتِقَادِ احْتِرَامِهِمْ وَإِكْبَارِهِمْ.
وَأَنَّ اللَّهَ يُعَاتِبُهُمْ عَلَى قَدَرِ عُلُوِّ مَنْزِلَتِهِمْ. وَأَنَّهُمْ لِكَمَالِ مَعْرِفَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ وَعَظِيمِ حَقِّهِ عَلَيْهِمْ يَرَوْنَ مَا لَا يُعَدُّ تَقْصِيرًا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمْ تَقْصِيرًا بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}.
ختم الرسالة وعمومها
خَتْمُ الرِّسَالَةِ وَعُمُومُهَا. الرِّسَالَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ: 72 - خَتَمَ اللَّهُ الرِّسَالَةَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَجَعَلَ رِسَالَتَهُ الرِّسَالَةَ الْعَامَّةَ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْمَلَائِكَةِ (1). وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ الشَّرِيعَةَ (2) الْجَامِعَةَ لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبَشَرُ فِيمَا بَقِيَ آخِرُ أَطْوَارِهِمْ فِي وُجُودِهِمْ، وَهُوَ طَوْرُ رُقِيِّهِمْ الْعَقْلِيِّ وَالْعَمَلِيِّ وَالْعِمْرَانِيِّ، فَأَغْنَتْ عَمَّا قَبْلَهَا مِنَ الشَّرَائِعِ فَكَانَتْ نَاسِخَةً (3) لَهَا. وَلِهَذَا جَعَلَ آيَتَهُ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ آيَةً عَقْلِيَّةً خَالِدَةً، يَخْضَعُ لَهَا وَيَهْتَدِي بِهَا كُلُّ مَنْ سَمِعَهَا وَفَهِمَهَا، -لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}، - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}، - {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ
بَلَغَ (1)}، - {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ (2)}، - {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)}، - {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}، - وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (4) " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
عقائد الإيمان باليوم الآخر
عَقَائِدُ الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الآخِرِ. إِنْتِهَاءُ الْوُجُودِ الدُّنْيَوِيِّ وَحُدُوثُ الْوُجُودِ الأُخْرَوِيِّ (1): 73 - نُؤْمِنُ بِانْتِهَاءِ وُجُودِ هَذَا الْعَالَمِ الدُّنْيَوِيِّ، عِنْدَ انْتِهَاءِ أَجَلِ وُجُودِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ: فَيَنْحَلُّ نِظَامَ هَذَا الْكَوْنِ، فَيَخْرَبُ الْكَوْنُ الْعُلْوِيِّ، كَمَا يَخْرَبُ الْكَوْنُ السُّفْلِيِّ، لِيَكُونَ وُجُودَ الْعَالَمِ الْأُخْرَوِيِّ فِي كَوْنٍ آخَرَ، وَنِظَامٍ آخَرَ، إِذِ الَّذِي قَدَرَ عَلَى خَلْقِهِ وَنِظَامِهِ، قَادِرٌ عَلَى إِعْدَامِهِ وَإِبْطَالِ نِظَامِهِ، وَعَلَى خَلْقِ مِثْلِهِ وَنِظَامِهِ (2). لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (3) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ}،
- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ (1)}، - {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (2) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}، - {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ، وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (3)}، - {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا، وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا، فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (4)}، - {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ ... }،
المعاد والبعث
- {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟ بَلَى، وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}. الْمَعَادُ وَالْبَعْثُ. الْبَعْثُ: 74 - نُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِينَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيُعِيدُنَا بَأَرْوَاحِنَا وَأَجْسَادِنَا (1): فَيَبْعَثَنَا مِنْ قُبُورِنَا وَمِنْ حَيْثُ كُنَّا، إِلَى الْمَوْقِفِ الْأَعْظَمِ، لِلْمُحَاسَبَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ وَالْجَزَاءِ عَلَيْهَا، إِذْ ذَاكَ جَائِزٌ فِي قُدْرَتِهِ، وَوَاجِبٌ فِي عَدْلِهِ وِحِكْمَتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}، - {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}، - {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ (2)}، - {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}، - {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}، - {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ
الْأَجْدَاثِ (1) ... }، - {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ (2) ... }، - {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، - {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً، كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (3)، هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ (4) مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ، وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ (5) الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ
شَيْئًا، وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً (1) فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ، فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}، - {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا (2) وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}.
وزن الأعمال والجزاء عليها
وَزْنُ الْأَعْمَالِ وَالْجَزَاءُ عَلَيْهَا. الْمِيزَانُ: 75 - نُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْصِبُ الْمِيزَانَ (1) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتُوزَنُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ لِيُجَازُوا عَلَيْهَا، وَيُقْتَصُّ مِنْ بَعْضِهِمْ الْبَعْضُ، فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ نَجَا، وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عُذِّبَ، إِذْ ذَاكَ وَاجِبٌ فِي عَدْلِ اللَّهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (2)}، - {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}، - {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَأَمَّا
مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (1)}، - {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ؟ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ، وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (2)}، - وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -:" أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ... وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ (3) هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ
الصراط
هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الصِّرَاطُ: 76 - وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ يَضْرِبُ الصِّرَاطَ (1) عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ فَيَمُرُّ عَلَيْهِ النَّاسُ أَجْمَعُونَ فَيَنْتَهِي أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَسْقُطُ مِنْهُ فِي النَّارِ أَهْلُ النَّارِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا، وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (2)}. دَارُ الْعَذَابِ: 77 - وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ النَّارَ دَارَ عَذَابٍ وَخُلُودٍ لِمَنْ كَفَرَ، وَدَارَ عَذَابٍ إِلَى أَجَلٍ لِمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ فَاسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ. وَأَنَّ الْعَذَابَ فِيهَا لِلْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَادِ،
- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (1) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}، - وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -:"يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً (2) " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا
دار النعيم
لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ (1)}. دَارُ النَّعِيمِ: 78 - نُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ دَارَ نَعِيمٍ وخُلُودٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَأَنَّ النَّعِيمَ فِيهَا لِلْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَادِ. وَأَنَّ أَعْظَمَ نَعِيمِهَا هُوَ رِضْوَانُ (2) اللَّهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (3)}، - ولِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا (4) عَلَى الْكَافِرِينَ}،
- وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} اهـ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيَرا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
فهرس
فهرس مقدمة الطبعة الثانية- بقلم الاستاذ محمد صالح رمضان ........ 5 تقديم- بقلم فضيلة العلامة الشيخمحمد البشيرالابراهيمي ..... 15 افتتاح ...................................................... 23 قواعد الإسلام ............................................... 24 بيان قواعد الإسلام الخمس ................................... 24 الكلام على القاعدة الأولى وما يتعلق بها ...................... 24 بيان معنى الإسلام ............................................ 43 بيان معنى الإيمان ............................................. 49 تحصيل ما تقدم ............................................. 53 توارد الإسلام والايمان على الاعتقاد والنطق بالعمل ........... 53 بيان معنى الإحسان ......................................... 66 عقائد الإيمان ............................................... 68 عقيدة الإيمان بالله ......................................... 68 عقيدة الإثبات والتنزيه ...................................... 73 التوحيد العلمي والعملي .................................... 80 الإيمان بالقدر ............................................... 90 العمل بالشرع والجد في السعي مع الايمان بالقدر ............ 92 الاحتجاج بالقدر .......................................... 95 الحذر بالقدر ............................................... 96 الحكمة والعدل في بالقدر .................................. 96
الإيمان بالملائكة عليهم السلام ........................ 98 الإيمان بكتب الله تعالى ............................... 101 حفظ الله القرآن دون غيره .......................... 101 القرآن هو الهداية العامة للبشر ....................... 102 إلايمان بالسنة إيمان بالقرآن .......................... 103 عقائد الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام ......... 106 تأييد الله لهم بالبينات والآيات ....................... 109 تمام عبوديتهم مع علو مرتبتهم ...................... 112 تأدبنا معهم فيما عوتبوا عليه واستغفروا منه ......... 114 ختم الرسالة وعمومها .............................. 116 عقائد الإيمان باليوم الآخر ........................... 118 انتهاء الوجود الدنيوي وحدوث الوجود الاخروي ... 118 المعاد والبعث ........................................ 120 وزن الأعمال والجزاء عليها ......................... 123 الصراط ............................................. 125 دار العذاب ........................................ 125 دار النعيم ........................................... 127 الفهرس ............................................ 129
AL AKAED AL ISLAMIA MIN AL AYAT AL KORANIA WAL AHADITH AL NABAWIA LIL OUSTAZ ALIMAM ABDUL HAMID BEN BADIS RA'ED ALNAHDA ALHADITHA BILMAGHREB ALARABI WA KA'ED AL HARAKA AL ISLAHIEH WA MOUASSISAHA FIL JAZA'ER PUBLICATION Maktabat AI-Chareca Al Jazairia Marazeka Boudaoud Wa Chourakahouma