العقائد الإسلامية لابن باديس

ابن باديس، عبد الحميد

الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَّةِ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ " عَبْدُ الْحَمِيدَ بْنُ بَادِيسَ " رَائِدُ النَّهْضَةِ الْحَدِيثَةِ بِالْمَغْرِبِ الْعَرَبيِ وَقَائِدُ الْحَرَكَةِ الإِصْلاَحِيَّةِ وَمُؤَسِّسُهَا بِالْجَزَائِرِ.

للأستاذ الإمام عبد الحميد بن باديس - رائد النهضة الحديثة بالمغرب العربي وقائد الحركة الإصلاحية ومؤسسها بالجزائر - ... العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ... رواية وتعليق محمد الصالح رمضان مدير التعليم الديني بوزارة الأوقاف (سابقا). ... الناشر: مكتبة الشركة الجزائرية مرازقه بوداود وشركاؤهما:24 باب عزون-الجزائر-الهاتف 56 - 76 - 62

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ... وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ... صدق الله العظيم

مقدمة الطبعة الثانية

مقدمة الطبعة الثانية *************** الكتابة عن إمامنا المبرور العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس ليست بالأمر الهين الميسور على كل كاتب، لاعتقادي أنه لا يكتب عن العظيم إلا العظيم. ورغم طول المدة على وفاته، ومع سطوع شمس الحرية على بلادنا لم يكتب أحد عنه، ليجلى للناس عظمته، وبعض أفضاله على النهضة المغربية بصفة عامة، وعلى الأمة الجزائرية بصفة خاصة. وسمعنا أن العلامة البشير الإبراهيمي عزم على الكتابة عنه، وتهيأ لذلك، ولكن يبدو أن مشاغل وعوائق حالت دون أن يكتب بقلمه البليغ، مما رأى وسمع وشاهد، وما راء كمن سمعا، حتى لحق هو الآخر بربه رحمهما الله رحمة واسعة. ويتعذر على الكاتب العادي أن يلم ببعض جوانب العظمة في هذا العبقري المخلص، وحسبه أن يشير إلى تلك الآفاق السامقة مجرد إشارة، كالشعاع الذي يشق الحجب منبثقا من الشمس فيهدي كما تهدي، ويدل عليها وإن كان بعضا منها. عرفت الإمام في حداثة سني، حين عزفت عن التعليم الابتدائي

الفرنسي، لأعيش في رحابة ديني ولغتي، اللذين لم أكن أعرف عنهما إلا القليل النادر. وبمعرفتي به صححت وضعا أكرهت عليه، حين كنت لا أدري عن تلوين مستقبلي شيئا .. عرفته .. فعرفت أمة في رجل واستشعرت بعدئذ المعنى العميق لقول الشاعر: ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد واستمر بي المقام في رحاب الشيخ خمس سنوات، وهي مدة ليست بالطويلة في عمر الزمان، ولكنها- والحمد لله- أثرت، وأثمرت بعدما أينعت فيما أظن، إذ استدعاني الإمام بعد ثلاث سنوات فقط من التلمذة عليه لأعاونه، في التدريس لطلابه بقسنطينة مع معاونيه، ثم عينني معلما في مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة، ومع ذلك لم أنقطع عن دروسه، وخاصة درس التفسير، حتى لقي ربه في 16/ 4/1940م رضي الله عنه وأرضاه. وقد وعيت عن إمامنا ما شاء الله أن أعي، وقبست منه ماكان يكفي لهدايتي، لولا أن طالب العلم كطالب المال لا يشبعه شيء. وعشت بهذه الذكريات الطيبة، وعلى هذا العهد السماوي في مدارس جمعية العلماء المسلمين، مدرسا، ومديرا، ومفتشا، وقتا ليس بالقصير. ومما وعيته عنه هذه الإملاءات في التوحيد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي لم يفتني منها شيء والحمد لله.

ومن فضل الله أنها لم تذهب في أيام الإرهاق والتضييق والعسف، والنسف، كما ضاع كثير غيرها فآلمنا فقده، ولكن لا يرجع الأسف ما ضاع! وكأن صوت إمامنا ما يزال يرن في أذني حين إملاء هذه الدروس بالجامع الأخضر، وقد حذا فيها الإمام حذو السلفية الرشيدة من اعتماد كتاب الله، والصحيح من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قبل تفسيرات المذاهب المختلفة وتأويلات أصحابها في مرحلة الاختلاط، والاستشهاد بما عند الأقدمين من أصحاب الأديان والفلسفات والمذاهب الأخرى. ومن المحقق أن بعض هذه الآراء كما كان لها فضل التجلية، ودقة الاستشهاد .. كان لها أيضا أثرها الضار في التعمية، أو البعد عن جادة الصواب أحيانا، مما أثار البلبلة والحيرة، وتشعب الآراء وانبهام الحقيقة أمام الدارس .. وكان ذلك مما دعا المصلحين إلى ضرورة العودة إلى إصلاح العقائد الإسلامية، وشرح المصطلحات، وحل القضايا على نمط سلفي واضح، بصريح نص الكتاب والسنة الصحيحة، لا برأي الجبرية والقدرية وغير ذلك من الآراء الفلسفية .. فخير طريقة في تعليم العقائد في التوحيد هي طريقة الشارع الحكيم المبنية على مراعاة الفطرة الإنسانية السليمة، البعيدة عن

الأوضاع والتقنينات البشرية التي تعب الأوائل في وضعها فتعبوا وأتعبوا الناس في فهمها. ولعل أول الصيحات التي ارتفعت بقوة في هذا الصدد .. صيحات المصلحين العظيمين: السيد جمال الدين الأفغاني، والإمام محمد عبده، في دعوتهما وكتابتهما، وتدريسهما، وعلى هذا النحو جاء كتابا: الرد على الدهريين، ورسالة التوحيد. وعلى هذا السنن- وبطريقة أوضح وأبسط- سار الإمام ابن باديس الذي وضع هذه العقائد على أسس من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، فكانت تحقيقا ودفعا قويا لتحقيق أماني الإمامين الأفغاني وعبده. ولو تفرغ ابن باديس للتأليف لجاءنا منه الشئ الكثير، خاصة وقد انقطع للتدريس ربع قرن وأكثر، وأتم تفسير كلام الله، وشرح حديث رسول الله في نيف وعشرين سنة بنفس الطريقة. ولكنه كان جم المشاغل والأعباء: إذ حمل عبء إيقاظ أمة، وإنهاض سنة، وإماتة بدعة، ومحاربة جهل مطبق، ومناوأة مغير قوي ضار غشوم. فإذا قيست مؤلفات الإمام ابن باديس بالنسبة إلى عقله الكبير، وعلمه الغزير، وجهاده الخطير، وسعة الآفاق التي حلق فيها وجال

وصال في الميادين الثقافية والإجتماعية، بلسانه وقلمه .. لعدت شيئا قليلا .. ولكن حسبه -كما ذكرنا- أنه عاش يؤلف النفوس، ويشيد العقول، ويبني الرجال كالجبال، كما قال عنه العلامة الإبراهيمي، ويهيء للنهضة أرشد وأقوم دعائمها في وقت كان ظلامه المطبق، وإرهاقه المحدق على الجزائر ليس له مثيل حتى ولا في الأساطير. وما دفعني- علم ربي- إلى نشر هذه الآثار، نفع مادي أو اشتهار، أو رياء وافتخار، فتلك والله- بعقد الهاء- أبعد ما تكون عن طبعي وطبيعتي، يعرفها من يعرفني، وينكرها من يتعلق بها أو يجهلني، وإذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه، كما يقول شاعرنا المتني. وإنما دفعني إلى كتابتها ونشرها: وجه الله تعالى والانتفاع بها. واستجابة لرغبة العلامة البشير الإبراهيمي - رحمه الله - الذي دفعني إليه، وتهلل وجهه حينما شرعت فيه، ثم كتب مشكورا تقديما له. ووفاء للإمام ابن باديس وإحياء ذكراه ببعض آثاره.

وعملا بهذا المبدأ الإسلامي العظيم: " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ". والله أسأل؛ أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة له، وأن يوفقنا للعمل لما فيه خير الإسلام والمسلمين. محمد الصالح رمضان الجزائر في غرة شوال 1385 هـ جانفي 1966م

مقدمة الطبعة الأولى

مقدمة الطبعة الأولى (1) *************** بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد أتشرف بتقديم هذا الأثر من آثار أستاذنا الجليل العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى هذا الجيل من نشئنا الصاعد ليستمد منه النور والهداية التي لا بد منها لكل مسلم ناشىء ليركز عليها إيمانه حتى تستقيم أخلاقه ويقوّم تفكيره ليثبت أمام زلازل الدهر وتقلبات الزمان. فإذا ضمنا له قوة الإيمان وسلامته ضمنا له كل شيء في الحياة. وأنا واثق من أن هذه الطريقة السلفية التي سار عليها أستاذنا الإمام في عرض العقيدة الاسلامية هي الطريقة المثلى لأنها تتماشى والفطرة البشرية التي جاء بها القرآن لهداية الناس فكانت من جملة أسرار تأثيره في النفوس التي فهمته وتأثرت به من أول وهلة، وانطلقت من جزيرة العرب، تاركة الأهل والعشيرة والوطن لتبشر برسالة الله وتنشرها في الخافقين مستهينة بكل شيء مستعذبة الموت في سبيلها، فكان النصر حليفها، واندهش العالم للفئة القليلة تقهر الفئات الكثيرة باذن الله،

_ (1) لم تظهر في الطبعة الاولى لظروف خاصة.

ولم تستطع أن تقف أمامها قوة في الوجود، كما بهت العالم من دخول الناس أفواجا في هذا الدين الحنيف بعد انتهاء جولات الفتح الأول. هذا بالنسبة للعهود الأولى، أما في عهدنا هذا فلعل من آثار بذور الإيمان الصحيح التي بثها مصلحنا الأكبر الشيخ ابن باديس في أمته وكرس لها حياته، ونشرها أخوانه وتلاميذه من بعده، نجاح الشعب الجزائري- الذي يدين له بأكبر الفضل- في حربه التحريرية ضد قوى البغي والعدوان الماثلة في الإستعمار الفرنسي ومن ورائه التحالف الغربي بجميع معداته وأجهزته الجهنمية في الحلف الأطلسي الذي يعتبر أكبر تحالف عسكري عرفه التاريخ. وهكذا صمد الشعب الجزائري الفتي الأبي المؤمن بربه وبحقه في وطنه، وتحدى العالم الظالم متدرعا بسلاح الإيمان الذي لا يُعلُّ والصبر الذي لا يهون فضرب أروع الأمثلة في البطولة والفداء التي لا نعرفها إلا في الأساطير أو في حواربِّي الأنبياء والمرسلين، فهذه معجزة أخرى من معجزات الإيمان تجلت للعالم على أيدي هذا الشعب الفتي البطل الذي قدم من القرابين على مذبح الحرية مليوناً ونصفاً من الشهداء. ***

تلقيت هذه الدروس املاءً عن أستاذنا الإمام مباشرة في حلق دراسية مسجدية بالجامع الأخضر بقسنطينة في الفترة ما بين 16 رجب 1353 و 25 صفر 1354 هجرية (الموافقة لأكتوبر 34 وماي 35 من السنة الميلادية) أي في ثمانية أشهر بنسبة حصة واحدة في الأسبوع لا تتجاوز الثلاثين دقيقة وسط جمع من الطلاب يقارب أحيانا المئة فى أول عهدي بالدراسة العربية الإسلامية. ولما احتجنا إلى هذه الدروس للتعليم الديني بوزارة الأوقاف لنقدمها إلى تلاميذ معاهدنا الإسلامية في فاتح السنة الدراسية (63 - 64) عكفت على تبيضها والتعليق عليها بما لا يتنافى والروح السائدة فيها وأنهيت هذا العمل ليلة الإثنين ثاني رجب 1383 الموافقة لليلة 18/ 11/1963م. وحفظا لأمانة النقل ومراعاة لحق الغائب رأيت من واجبي أن ألفت الأنظار إلى أني حافظت على الأصل في تبويبه وترتيبه وعناوينه كما أملاه صاحبه في الفترة المذكورة وما أضفت إليه سوى ترقيم أوائل الدروس والمواضيع، أما الأحاديث فقد خرجها صاحبها إلا القليل النادر فقد خرجته داخل المتن أو خارجه، وزدت على العناوين الأصلية والفرعية عناوين إضافية وضعتها في الهامش، أما التعاليق

والحواشي التي رأيت أنها ضرورية متممة للأصل فقد جعلتها أسفل الصفحات مفصولا بينها وبين المتن بخط أفقي وأستطيع أن أؤكد بأنها لم تخرج في مجموعها وتفصيلها عن روح ابن باديس رحمه الله وأرضاه. والله أسأل أن يوفقنا لما فيه الخير والصلاح وأن ينفع بهذه الدروس كما نفع بصاحبها، وأن يعيننا على نشر آثار أخرى من تراثنا الخالد بمنه وقوته. الجزائز يوم الاثنين 2/رجب/1383 هـ الوافق لـ18/ 11/1963م الراجي عفو ربه محمد الصالح رمضان

تقديم بقلم فضيلة العلامة المرحوم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

تقديم بقلم فضيلة العلامة المرحوم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي شيخ علماء الجزائر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وعضو المجمع اللغوي بالقاهرة، والمجمع العلمي بدمشق. ***************************************************************************************** الحمد لله حق حمده. وصلى الله على سيدنا محمد رسوله وعبده، وعلى آله وأصحابه الجارين على سنته من بعده. هذه عدة دروس دينية، مما كان يلقيه أخونا الإمام المبرور الشيخ عبد الحميد بن باديس- إمام النهضة الدينية والعربية والسياسية في الجزائر غير مدافع- على تلامذته في الجامع الأخضر بمدينة قسنطينة في أصول العقائد الإسلامية وأدلتها من القرآن، على الطريقة السلفية التي اتخذتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منهاجا لها بعد ذلك، وبنت عليها جميع مبادئها ومناهجها في الإصلاح الديني، مسترشدة بتلك الأصول التي كان الإمام - رحمه الله - يأخذ بها تلامذته قبل تأسيس الجمعية، وإن كانت الجمعية قد توسعت في ذلك. فالفكرة التي بنى عليها الإمام دروسه وأماليه .. كانت تصحبها فكرة أخرى أشمل منها وهي فكرة جمعية العلماء. فالفكرتان كانتا

مختزنتين في تلك النفس الكبيرة. وكان - رحمه الله - يديرهما بذلك النظر البعيد، ويهيء لهما من الوسائل ما يبرزهما في الحين المقدر لهما. وكان يمهد في نفوس تلامذته والمستمعين لدروسه، ليكونوا في يوم ما قادتها وأعوانها، وحاملي ألويتها ومنفذي مبادئها، وناشري الطريقة السلفية الشاملة في العلم والعمل وسائر فروع الإصلاح الديني. كان الإمام المبرور يصرف تلامذته من جميع الطبقات على تلك الطريقة السلفية. ومعلوم أن الإصلاح الإسلامي الذي قامت به جمعية العلماء بعد ذلك لا تقوم أصوله إلا على ذلك، وأن هذا الإمام رفع قواعده وثبت أصوله وهيأ له جيشا من تلامذته وحاضري دروسه. والإمام - رضي الله عنه - كانت منذ طلبه للعلم بتونس قبل ذلك - وهو في مقتبل الشباب - ينكر بذوقه ما كان يبني عليه مشائخه من تربية تلامذتهم على طريقة المتكلمين في العقائد الإسلامية، ويتمنى أن يخرجهم على الطريقة القرآنية السلفية في العقائد يوم يصبح معلما، وقد بلغه الله أمنيته: فأخرج للأمة الجزائرية أجيالا على هذه الطريقة السلفية قاموا بحمل الأمانة من بعده، ووراءهم أجيال أخرى من العوام الذين سعدوا بحضور دروسه ومجالسه العلمية. وقد تربت هذه الأجيال على هداية القرآن؛ فهجرت ضلال العقائد

وبدع العبادات؛ فطهرت نفوسها من بقايا الجاهلية التي هي من آثار الطرائق القديمة في التعليم، وقضت الطريقة القرآنية على العادات والتقاليد المستحكمة في النفوس، وأتت على سلطانها. وقد راجت هذه الطريقة وشاعت حتى بين العوام، وإن كانوا لا يحسنون الاستدلال بالقرآن، وإن كان الاستعداد الكامن في الأمة للإصلاح الديني، وكثرة حفاظ القرآن فيها أعانا على تثبيت هذا الميل القرآني فيها: فأصبح العامي لا يقبل من العالم كلاما في الدين إلا إذا استدل عليه بآية قرآنية، وأصبح العامي إذا سمع الاستدلال بالقرآن أو الحديث .. اهتز وشاعت في شمائله علامة الاقتناع والقبول! وهذه أمارة دالة على عودة سلطان القرآن على النفوس يرجى منها كل خير! ختم الإمام ابن باديس القرآن كله درسا على هذه الطريقة في خمس وعشرين سنة، ولو أنه رزق تلامذة حراصا على تلقف كل ما كان يقوله وينزل عليه الآيات من المعاني .. لوصل إلى الأمة كثير. كما وصلت هذه الأمالي بعناية الأستاذ الموفق محمد الصالح رمضان القنطري، فإنه تلقى هذه الدروس ونقلها من إلقاء الإمام واستأذنه في التعليق عليها ونشرها للانتفاع بها، فجزاه الله خير الجزاء.

لم ينقل لنا تاريخ العلماء بهذا الوطن أن عالما ختم تفسير القرآن كله درسا إلا ما جاء فيه عن الشريف التلمساني، أنه ختم تفسير القرآن كله في المائة التاسعة، والشريف حقيق بذلك، ولكن لم ينقل لنا منه شيء، لأن تلامذته كانوا في التقصير كتلامذة ابن باديس. ولو كانوا على درجة من الحرص والاحتياط .. لوصل إلينا شيء من ذلك. وقدكتب الإمام ابن باديس بقلمه البليغ مجالس التذكير، وهي تفسير لآيات ولأحاديث جامعة كانت تعرض له في تفسير القرآن أو في شرح الموطأ التي أقرأها درسا حتى النهاية، ونشر ذلك كله في مجلة الشهاب، ثم فسر سورتي المعوذتين يوم الختم تفسيرا عجيبا! ونقلها من إلقائه كاتب هذه السطور نقلا مستوعبا بحيث لم تفلت منه كلمة ونشره في عدد خاص من مجلة الشهاب، وقدم له كاتب هذه السطور أيضا (1). وهذا درس من دروسه ينشره اليوم في أصل العقيدة الإسلامية بدلائلها من الكتاب والسنة تلميذه الصالح كإسمه محمد الصالح رمضان: فجاءت عقيدة مثلى يتعلمها الطالب فيأتي منه مسلم سلفي، موحد لربه بدلائل القرآن كأحسن ما يكون المسلم السلفي، ويستدل على ما يعتقد

_ (1) جمعت التفسير في مجلد باسم " تفسير ابن باديس" في أكثر من خمسمائة صفحة.

في ربه بآية من كلام ربه، لا بقول السنوسي في عقيدته الصغرى: أما برهان وجوده تعالى فحدوث العالم! كان علماء السلف يرجعون في كل شأن من شؤون الدين إلى القرآن، بل كان خلقهم القرآن كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكما ثبت في حديث عائشة - رضي الله عنها -:" كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويغضب لغضبه ". وكانوا يحكمون القرآن في كل شيء، حتى في الخطرات العارضة، والسرائر الخفية، حتى تمكن سلطانه من نفوسهم وأصبحت لا تتحرك ولا تسكن إلا بأمره ونهيه. وأصبحوا يقودون حتى الخلفاء والأمراء بذلك السلطان. وذلك هو السر في علوّ كلمة الاسلام وسرعة انتشاره في المشارق والمغارب. فلما تفرقت المذاهب الفقهية ونشأ علم الكلام، وتفرقت منازعه بين الأشاعرة والمعتزلة، وطما علم الجدل، وتفرق المسلمون شيعا حتى أصبح كل رأي في علم الكلام أو الفقه يتحزب له جماعة، فيصبح مذهبا فقهيا أو كلاميا يلتف حوله جماعة ويجادلون. فضعف سلطان القرآن على النفوس، وأصبح العلماء لا يلتزمون في الاستدلال بآياته ولا ينتزعون الأحكام منها إلا قليلا: فعلماء الكلام صاروا يستدلون بالعقل، والفقهاء أصبحوا يستدلون بكلام أئمتهم أو قدماء أتباعهم! ومن هنا نشأ علم الكلام، وعلم الفقه.

وعلى هذه الطريقة أُلّفت المؤلفات التي لا تحصى في العلمين وانتشرت في الأمة وطارت كل مطار. أما أئمة الفقه ومؤلفاتهم فلا يحصون كثرة. وأما أئمة الكلام: فالذي توسع في الطريقة العقلية ووسع دائرتها فهم جماعة معروفون كفخر الدين الرازي، والقاضي أبي بكر بن الطيب، وأبى بكر الباقلاني، والبيضاوي، وإمام الحرمين، وسعد الدين التفتزاني، والقاضي عضد الدين الإيجي، وهؤلاء هم الذين ثبتوا القواعد الكلامية والاستدلال على التوحيد بالعقل. ومؤلفاتهم ما زالت إلى يومنا هذا مرجعا للمتمسكين بهذه الطريقة، وإن كانت لا تدرس في المدارس إلا قليلا، وكلها جارية على الأصول التي أصلها أبو الحسن الأشعري - رضي الله عنه -، وآراؤه هي التي يقلدها جمهرة المسلمين اليوم، وهذا كله في الشرق الإسلامي. وأما مغربنا هذا مع الأندلس فلم يتسع فيه علم الكلام إلى هذا الحد وإن كانوا يدرسونه على هذه الطريقة ويقلدونه، ويدينون باتباع رأي الأشعري ولم يؤلفوا فيه كتابا ذا بال إلا الإمام محمد بن يوسف السنوسي التلمساني، فإنه ألف فيه على طريقة المشارقة عدة كتب شاعت وانتشرت في الشرق والغرب، وقررت في أكبر المعاهد الاسلامية كالأزهر.

حتى جاءت دروس الإمام ابن باديس فأحيا بها طريق السلف في دروسه- ومنها هذه الدروس- وأكملتها جمعية العلماء. فمن مبادئها التي عملت لها بالفعل لزوم الرجوع إلى القرآن في كل شيء لا سيما ما يتعلق بتوحيد الله، فإن الطريقة المثلى هي الاستدلال على وجود الله وصفاته وما يرجع إلى الغيبيات لا يكون إلا بالقرآن، لأن المؤمن إذا استند في توحيد الله وإثبات ما ثبت له ونفي ما انتفى عنه لا يكون إلا بآية قرآنية محكمة، فالمؤمن إذا سولت له نفسه المخالفة في شأن من أمور الآخرة، أو صفات الله فإنها لا تسول له مخالفة القرآن. وقد سلك علماء جمعية العلماء في دروسهم الدينية كلها، وخطبهم الجمعية طريقة الإمام ابن باديس فرجع لسلطان القرآن على النفوس. فجزى الله أخانا ابن باديس عن الإسلام خير الجزاء، فإن من أحيا القرآن فقد أحيا الدين كله. وجزى الله إخوانه الذين اتبعوا طريقته توفيقا للعمل يساوي توفيقهم في العلم، وجزي الله تلامذته الذين قاموا بحمل الأمانة من بعده. وهذه دروس من دروسه ينشرها اليوم في أصل العقيدة الإسلامية بدلائلها من الكتاب والسنة الأستاذ محمد الصالح رمضان، أحد طلابه، فجاءت عقيدة مثلى يتعلمها الطالب فيأتي منه مسلم سلفي موحد لربه

بدلائل القرآن كأحسن ما يكون المسلم السلفي، ويستدل على ما يعتقد في ربه بآية من كلام ربه. فنحث القائمين على تعليم ناشئتنا في المدارس الحرة أو الحكومية في الجزائر وغيرها من الأقطار الإسلامية، على اتخاذها أساسا في تربيتهم على التوحيد الصحيح، بل نحث كل أب مسلم أن يقتنيها لأولاده، ويحثهم على تعلمها وتفهمها، وأن يشترك أهل البيت كلهم في ذلك فكلهم في حاجة إليها. وفقنا الله جميعا لاتباع كتابه، وسنة نبيه، والرجوع إليهما، وإلى هدى السلف الصالح في تبيين معانيهما. محمد البشير الابراهيمي

افتتاح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اِفْتِتِاحٌ الحَمْدُ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْه وَنَسْتَغْفِرُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ (1).

_ (1) هذا ما حفظناه عن أستاذنا الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس، وقد كان يفتتح به دروس التفسير العمومية كل ليلة طيلة السنوات التي قرأناها عليه، - رحمه الله - و - رضي عنه -.

قواعد الإسلام

قَوَاعِدُ الاِسْلاَمِ. بَيَانُ قَوَاعِدُ الاِسْلاَمِ الخَمْسِ (*) مِنَ الآيَاتِ القُرْآنِيَةِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ» (1). الْكَلاَمُ عَلىَ الْقَاعِدَةِ الْأُولىَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا: النَّجَاةُ بِالْإِسْلاَمِ: 1 - لاَ نَجَاةَ (2) لِأَحَدٍ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى إِلاَّ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلاَمِ،

_ (*) القواعد في اللغة: الأسس، جمع قاعدة وهي من البيت أساسه، وفي الاصطلاح تطلق على الأصل والقانون والضابط، وتعرف بأنها أمر كلي ينطبق على جميع جزئياته. والاسلام هو دين الله الصحيح الذي جاء به محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الانقياد والخضوع ظاهراً وباطناً لما جاء به الرسول. وسيأتي بيانه في المتن لغة وشرعا. (1) رواه مسلم في صحيحه، وهذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين، وعليه اعتماده، ورواه البخاري أيضا عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - بتقديم الحج وتأخير الصوم. (2) النجاة: الخلاص.

الإسلام دين الله

- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (1) وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، - ولِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (2)}. الْإِسْلاَمُ دِينُ اللهِ: 2 - الْإِسْلاَمُ هُوَ دِينُ اللهِ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ جَمِيعَ رُسُلِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (3)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا (4) مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهَا (5) النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ

_ (1) الدين: الملة والشريعة، ويبتغ: يطلب ويريد ويرغب. (2) اصطفى اختار. والموت على الإسلام وصية إبراهيم وابنه يعقوب لبنيهما عليهم السلام. (3) أي لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام، وهو التوحيد والعمل بالشرع الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -. والتسليم والانقياد لأمر الله تعالى. (4) حنيفا: أي مائلا عن الباطل إلى دين الحق. (5) الضمير في (بها) عائد على التوراة، وهو الكتاب المنزل من عند الله على سيدنا موسى عليه السلام.

محمد جاء بالإسلام

مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (1)} مُحَمَّدٌ جَاءَ بِالْإِسْلاَمِ: 3 - وَمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْإِسْلاَمُ الَّذِي لاَنَجَاةَ لِأَحَدٍ إِلاَّ بِالدُّخُولِ فِيهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (2)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ

_ (1) الضمير لليهود والنصارى. والأماني هي المتمنيات الباطلة. والبرهان: الحجة والدليل. بلى: حرف تصديق، يختص بالإيجاب سواء كان ما قبله مثبتاً أو منفياً. وأسلم: سلم وانقاد وتدين بالإسلام. وأسلم وجهه لله: أخلص له نفسه وقصده وعبادته. (2) الصلاة في اللغة: الدعاء والتسبيح مطلقاً، وفي الشرع: الأقوال والأفعال المعروفة في الصلاة. والنُّسك: الذبائح واحدتها نسيكة والنّسْك: الذبح لله، ومعنى نسكي هنا: عبادتي وتقربي لله. ومحياي: حياتي أي ما أفعله في حياتي، ومماتي أي وما أموت عليه على الإيمان والعمل الصالح كله لله رب العالمين. رب العالمين: الله جل جلاله، والرب هو المالك أو المربي، والعالمين هم المخلوقات فالله مربيهم ومالكهم ومدبر أمرهم والمعنى أن كل ذلك خالص لله تعالى لا أشرك معه سواه. وأنا أول المسلمين: ينغي على كل مسلم أن تكون هذه الآية الكريمة شعاره، في كل مشروع عام أو أمر هام يعود نفعه على المسلمين والإسلام.

الإيمان بمحمد هو الأساس

اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ آسْلَمْتُمْ (1) فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (2) الْإِيمَانُ بِمُحَمَّدٍ هُوَ الْأَسَاسُ: 4 - لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ الْإِسْلاَمَ إِلاَّ بِالْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ

_ (1) حاجُّوك: خاصموك وجادلوك في الدين بعد أن بينت لهم، (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) أي أخلصت نفسي وذاتي كلها لله وحده لا أشرك فيها غيره. (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) عطف على التاء في أسلمت أي أسلمنا أمورنا لله. الأميين: الذين يجهلون القراءة والكتابة وهم العرب وقتئذ لأن غالبهم كانوا أميين، وليسوا أهل كتاب. أما الذين أوتوا الكتاب من قبلهم فهم اليهود والنصارى وقد آمن العرب والحمد لله بضرورة العلم والتعلم، وقطعوا في طريقهما شوطاً كبيراً بفضل تحريض الاسلام لهم. آسلمتم: اتبعتم وتدينتم بالإسلام؟ أصله: أأسلمتم؟ يعني أنه قد جاءكم من البينات ما يوجب عليكم الإسلام فهل أسلمتم؟ أم أنتم باقون على كفركم؟ وفيه تعيير لهم بالغباوة والعناد. (2) تولو ا: أعرضوا وتركوا. والبلاغ: التبليغ والإنذار.

الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (1)}، - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ (2): يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (3).

_ (1) الأمي: هذا وصف شريف محمود للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو معجزة له عليه السلام أعانته على دفع ما زعمته الكفار من أن القرآن أتى به محمد من عنده وليس من عند الله، مع علمهم بأنه أميّ لم يتعلم القراءة ولا الكتابة. وليست الأمية محمودة في غير الأنبياء والمرسلين من بقية الناس. (2) الإشارة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (هذه الأمة) لأمهّ محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهي كل من كان في زمنه ومن جاء أو سيجيء من بعده إلى يوم القيامة من عرب وعجم؛ لأن محمداً أرسل خاتما للأنبياء والمرسلين، ورسالته عامة للإنس والجن، فأمته هم الذين كانوا في وقته، والذين يأتون من بعده من جميع الأجناس إلى يوم الدين. وإنما خص اليهودي والنصراني بالذكر، لأنهما أشد الناس عداوة للإسلام، ولأنهما صاحبا كتاب .. وإذا كان صاحب الكتاب مأموراً بالإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فأحرى بذلك غيره ممن لا كتاب له. (3) مسلم: هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري إمام أهل الحديث، بل أحد أعلام أئمته وكبار المبرزين فيه. توفي بنيسابور سنة إحدى وستين ومائتين، وهو ابن خمس وخمسين سنة - رضي الله عنه -. وأبو هريرة الدوسي اليمني هو: عبد الرحمن بن صخر حافظ الصحابة، قال=

الشهادة هي المفتاح

الشَّهَادَةُ هِيَ الْمِفْتَاحُ: 5 - الدُّخُولُ فِي الْإِسْلاَمِ وَالْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ بِشَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، - لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ (1) لَمَّا بَعَثَهُ لِلْيَمَنِ: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ .. فَادْعُهُمْ إِلىَ شَهَادَتَيْ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ وَأَنِّي رَسُولُ الله فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ .. فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ (2) عَلَيْهِمْ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ .. فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ .. فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً (3) تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ .. فَإِياَّكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ

_ =الشافعي: أبوهريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. وأكثر من رواية الحديث لأنه كان متفرغا لذلك جزاه الله عنا كل خير. أسلم عام خيبر ومات سنة سبع وخمسين - رضي الله تعالى عنه -. (1) هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي شهد العقبة وبدراً والمشاهد كلها وكان أحد الأربعة من الأنصار الذين جمعوا القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، روى عنه جابر وابن عمر وابن عباس وأبو موسى وخَلْق كثير، - رضي الله عنه -. (2) افترض: أوجب وقدر. (3) صدقة: هي الزكاة المفروضة، وقد سماها الله صدقة بقوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)، والإحسان أعم من ذلك.

أول الواجبات

فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ (1)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ: 6 - أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ (2) مِنْ مُسْلِمٍ بَلَغَ، أَوْ كَافِرٍ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلاَمِ: أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؛ - لِحَدِيثِ مُعَاذٍ المُتَقَدِّمِ، - وَلِحَدِيثِ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ (3): لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ (4)

_ (1) كرائم أموالهم: هي نفائسها وخيارها من الإبل وغيرها، وكانت الإبل أكرم مال عندهم. والكرائم جمع كريمة وهي جامعة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن وجمال صورة أو كثرة لحم أو صوف، وعظيم منافع. اتق دعوة المظلوم: احذر وتجنب دعاءَهُ عليك. والمقصود النهي عن ارتكاب الظلم المفضي اٍلى دعاء المظلوم على الظالم، وطلب النصرة والانتقام منه. يعني أنها مستجابة مقبولة لا ترد، وفي رواية مسلم: (فإنه) بدل من فإنها. (وشهادة أن لا إله إلا الله) بالإفراد لا بالتثنية و (فترد في فقرائهم) عوضاً عن (على فقرائهم). (2) المكلف: هو البالغ العاقل من ذكر أو أنثى. (3) أبو طالب: هو عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكافله بعد موت جده عبد المطلب، وهو أبو سيدنا علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين - رضي الله عنه - واسم أبي طالب عبد مناف. (4) أبو جهل: عمرو بن هشام. وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة من سادة قريش وأشرافها، ومن رؤساء المشركين وقادتهم، ومن أكثر الناس عداوة للنبي وأصحابه.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَمِّ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ»، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (1)؟! فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا (2) عَلَيْهِ، وَيُعِيدَانِ عَلَيْه تِلْكَ الْمَقَالَةَ (3) حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: (هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ (4)) وَأَبَى

_ (1) أي أتعرض عنها وتتركها؟! وعبد المطلب هو جد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو عمه هذا. (2) يعرضها (بفتح الياء وكسر الراء) أي كلمة الشهادة. (3) يعيدان: بالتثنية، والضمير لأبي جهل وعبد الله بن أبي أمية. وتلك المقالة هي قولهما (أترغب عن ملة عبد المطلب)؟ وفي رواية مسلم (ويعيد له) بالإفراد وحينئذ فالضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتلك المقالة هى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله). والمعنى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلح على عمه أن ينطق بكلمة الشهادة، ولذلك كان يعرضها عليه ويعيدها له. والنووي يقول: وقع في جميع الأصول ويعيد له يعني أبا طالب، وكذا نقله القاضي - رحمه الله - عن جميع الأصول والشيوخ، وقال وفي نسخة: ويعيدان على التثنية لأبي جهل وابن أبي أمية قال القاضي: وهذا أشبه. وما أثبته أستاذنا الإمام ابن باديس- وهو محقق في هذا الباب- إلا لاعتقاده صوابه. والله أعلم. (4) من حسن الأدب أن يروي الإنسان كلام غيره إذا كان قبيحا- فضلا عما إذا كان كفراً- بضمير الغيبة مثل ما ورد هنا.

أَنْ يَقُولَ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ (1)}، - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ (2) ".

_ (1) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من رواية سعيد بن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وتمامه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" أما والله لأستغفرَنَّ لك ما لم أنْهَ عنك " فأنزل الله - عز وجل -: " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ". وأنزل الله تعالى في شأن أبي طالب:" إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ". وفيه دليل على صحة إسلام من حضره الموت، ما لم يشرع في النزع، وهو الغرغرة. ونسخ جواز الاستغفار للمشركين. والدليل على أن من مات على الشرك فهو من أصحاب الجحيم، ولا ينقذه من ذلك شيىء من الوسائل. (2) روى الحديث مسلم عن أبي هريرة. وأبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر أرجح الأقوال في اسمه واسم أبيه. أسلم يوم خيبر وشهدها مع رسول الله ثم لازمه بعد ذلك ملازمة دائمة رغبة في العلم. وبقي في المدينة حتى توفي بها سنة 57 سبع وخمسين عن (78) ثمان وسبعين عاما - رضي الله عنه وأرضاه -.=

الفهم شرط

الْفَهْمُ شَرْطٌ: 7 - لاَ يَكْفِي النُّطْقُ بِكَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ إِذَا كَانَ النَّاطِقُ بِهِمَا لاَ يَفْهَمُ أَصْلَ مَعْنَاهُمَا، - لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي، وَبِمَا جِئْتُ بِهِ". كِفَايَةُ الْمَعْنَى: 8 - وَيَكْفِي لِلدُّخُولِ فِي الْإِسْلاَمِ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَاهُمَا، - لِحَدِيثِ بَنِي جُذَيْمَةَ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ (1):

_ = يشهدوا: يعلموا ويتحققوا وحدانية الله تعالى. ومعلوم أن المراد بالناس: الناس المشركون. يؤمنوا بي: يصدقوا بنبوته ورسالته. عصموا: حفظوا ووقوا. أي إذا أطاعوا وامتثلوا لما جئتهم به حفظوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق من حقوق الإسلام: كمن قتل نفساً بغير نفس، أوبغير ذلك من موجبات القصاص الشرعي، أو امتنع من أداء الزكاة اما حسابهم بعد ذلك على سرائرهم، فعلى الله المطلع على كل غيب. ونحن مأمورون بالحكم على الظواهر وترك السرائر لله. (1) بنو جذيمة: حي من كنانة كانوا بأسفل مكة على بعد ليلة منها، ينسبون إلى جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة. وجُذَيمة بضم الجيم وفتح الذال المعجمة بعدها ياء (آخر حروف الهجاء) ساكنة هكذا رويناه عن أستاذنا الإمام ابن باديس. وفي شرح العيني على البخاري: بفتح الجيم وكسر الذال ومثله في فتح الباري على البخاري.=

"بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ (1) إِلَى بَنِي جُذَيْمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلاَمِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا صَبَأْنَا (2)، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ

_ = وعبد الله بن عمر: هو ابن سيدنا عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين - رضي الله عنه - أسلم مع أبيه وهو صغير. بل روي أنه أول مولود ولد في الإسلام واستصغر يوم أحد، وشهد الخندق وما بعدها وقال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه رجل صالح. وقال ابن مسعود: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله ابن عمر. وهو من الرواة البارزين توفي سنة ثلاث وسبعين، وقيل أربع وسبعين - رضي الله عنه -. (1) خالد بن الوليد هو سيف الله المسلول على الكافرين والقائد الذي لم يغلب وهو فاقيء عين الردة وفاتح السواد، وصاحب يوم اليرموك، والذي أبلى في جهاد دولتي الروم والفرس البلاء الحسن. ولا يعرف التاريخ قائداً أعظم منه. أسلم سنة ثمان ومات سنة إحدى وعشرين بحمص. وهو القائل لما أدركته الوفاة: شهدت مائة زحف أو زهاءهما وما في بدني شبر إلا وفيه طعنة أو ضربة، وها أنا ذا أموت في فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء! وكان ذهاب خالد إلى بني جذيمة بعد فتح مكة وقبل غزوة حنين في ثلاثمائة وخمسين رجلا من أنصار ومهاجرين وغيرهم. (2) صبأنا: من صبأ إذا خرج من دين إلى آخر. وكان القريشيون يقولون لكل من أسلم: صبأ. وبنو جذيمة يريدون بقولهم: صبأنا أسلمنا. وقد فهم ابن عمر أنهم أرادوا الإسلام حقيقة ولذلك لم يقتل أسيره وأمر أصحابه ألا يقتلوا أسراهم.=

ضرورة التصديق والاعتقاد

مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلاَ يَقْتُلُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَاهُ لَهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ (1) " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (2) ضَرُورَةُ التَّصْدِيقِ وَالاِعْتِقَادِ: 9 - وَلاَ يَكْفِي النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَفَهْمُ مَعْنَاهُمَا إِلاَّ مَعَ التَّصْدِيقِ التَّامِّ وَالاِعْتِقَادِ الْجَازِمِ بِهِ،

_ = أما خالد فإنه لم يفهم منهم الدخول في الإسلام ولذلك قاتلهم حتى يصرحوا بالإسلام. ولم يكن خالد في فقه الدين وفهم أسراره كابن عمر وغيره من فقهاء الصحابة، ولذالك خفيت عليه هذه المسألة. (1) لعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما نقم من خالد إلا عجلته وعدم تثبته كما قال الخطابي وقد اعتذر عن خالد أئمة (يعتد برأيهم في مثل هذا) بأعذار واضحة صريحة، ولا أدل على أن ما فعله خالد ليس إلا عن اجتهاد وتأويل من أنه بقي حائزاً ثقة النبي - صلى الله عليه وسلم - متمتعا برضاه، وقد أولاه قيادة جيوش أخرى بعد هذه الحادثة. (2) البخاري من أئمة الرواة المشهورين وهو أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري أولع بالأحاديث النبوية الشريفة، وطاف من أجلها المدن والأمصار ينشد ضالته فيها، يتصل بالمحدثين ويأخذ منهم. له كتاب (الجامع الصحيح) المشهور (بصحيح البخاري) وهو أول كتب السنة في الحديث وأفضلها على الأرجح عند المحققين، ولذلك أحلَّ الناس البخاري محل الإمام المتبع بين علماء هذا الفن. وشهد له علماء عصره بتفرده في الرواية والدراية. وقد بذل في نقد الأحاديث وتمحيصها ما هو فوق الطاقة المألوفة في البشر. - رضي الله عنه -

كفاية اليقين بإخبار الرسول

- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ (1)}، - وَلِقَوْلِه تَعَالَى: {إِذَا جَاءكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ واللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (2). كِفَايَةُ الْيَقِينِ بِإِخْبَارِ الرَّسُولِ: 10 - مَنْ حَصَلَ لَهُ الْيَقِينُ بِإِخْبَارِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَفَاهُ ذَلِكَ اليَقِينُ، - لِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَ أَنَسُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: "بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثمَّ عَقَلَهُ (3)، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ قُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِىءُ. فَقَالَ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (4) فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَبْتُ.

_ (1) هذا شطر من كلمتي الشهادة وهو آية قرآنية من سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - والشطر الثاني منها هو: (محمد رسول الله) آية قرآنية أيضا في آخر سورة الفتح فكلمة الشهادة إذن متركبة من آيتين كريمتين هما (لا إله إلا الله محد رسول الله). (2) فنطق المنافقين وفهمهم للشهادة لم يفدهم لانعدام تصديقهم وعدم اعتقادهم بما يقولون، والمنافق من يظهر غير ما يبطن، وهو شر من الكافر، لأن الكافر حاله ظاهر. (3) أناخه: أبركه. وعقله: ثني ذراعه فشدها بالعقال وهو الحبل. (4) ابن عبد المطلب: هو على حذف النداء أي يا ابن عبد المطلب. (5) أجبت أي نعم أنا ابن عبد المطلب.

فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلاَ تَجِدْ (1) عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ. فَقَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ (2). فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ (3) وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ تَعَالَى (4) آللهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَواتِ الْخَمْسَ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، آللهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ (5) مِنَ السَّنَةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، آللهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ (6) مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.

_ (1) وَجَد عليه: غضب، ووجد به أحبه حباً شديداً، ووجد له حزن. (2) بدا لك: عما ظهر لك. (3) أسألك بربك: أستحلفك بالذي خلقك. (4) أنشدك بالله: أسالك وأستحلفك به تعالى. (5) هذا الشهر: الإشارة لشهر رمضان لأن هذه المحادثة كانت فيه ولذلك لم يذكره واكتفى بالإشارة إليه. (6) الصدقة: المراد بها الزكاة الواجبة قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا).

وجوب النظر في آيات الله

فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ (1) مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ (2) ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا. وُجُوبُ النَّظَرِ فيِ آيَاتِ اللهِ: 11 - يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ مَعَ تَصْدِيقِهِ وَجَزْمِهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي آيَاتِ اللهِ، وَيَسْتَعْمِلَ عَقْلَهُ لِلْفَهْمِ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْوَاجِبَاتِ فِي الْإِسْلاَمِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ انْظُرُوا (3) مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، - {فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (4)}، - {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (5)}، - {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ؟ وَإِلَى

_ (1) رسول: بمعنى مرسول من قومه للسؤال والوقوف على حقيقة الدين الجديد. (2) أخو بني سعد بن بكر: أي من قبيلتهم ومن هذه القبيلة حليمة السعدية مرضع النبي - صلى الله عليه وسلم - فبنوا سعد بن بكر إذن أخوال النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاع. (3) انظروا: أي نظر تفكير واعتبار، أو نظر استغلال واسثمار لما يقع تحت سمعكم وبصركم في السموات والأرضين. (4) لينظر الإنسان إلى نفسه كيف خلق من ماء دافق يخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة، ثم يودعه الله في رحم المرأة نطفة ثم علقة ثم مضغة مخلقة، وغير مخلقة، حتى يتم حمله وفصاله، ثم يخرج الى العالم ويجتاز أطوار النشوء البشري: الطفولة والغلومة والشباب والكهولة. ثم يتدرج في المعارج. ثم يعود فينزل إلى أرذل العمر فتبارك الله أحسن الخالقين. (5) أي لينظر الإنسان الى ما يحيط به كالطعام الذي يقتاته وتتوقف عليه حياته، كيف أعده الله له: (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا=

طريقة النظر

السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ؟ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ؟ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (1)}؟! طَرِيقَةُ النَّظَرِ: 12 - النَّظَرُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ هُوَ: النَّظَرُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ، كَمَا فِي الآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (2)}.

_ = فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)، ثم كيف تم هضمه في المعدة للانتفاع به، وبه التلذذ والنماء للانسان والحيوان. (1) ولينظر الإنسان الى ما يحيط به من حيوان كالإبل الملازمة للعرب في سفرهم وإقامتهم، والتي منها يأكلون ويشربون، ويلبسون، وعليها يرتحلون ويحاربون، وبها يتفاخرون ويتغنون، فليتأملوا خلقها من صبر على الجوع والظمأ وتحمل لأتعاب السفر ومشاقه. ولينظروا الى السماء كيف رفعت بغير عمد. وإلى الجبال كيف نصبت كالعمد أوتاداً للأرض ومعالم للسائرين عليها. ولينظروا الى الأرض كيف سطحت للناس ومهدت، ليتمكن لهم السير فيها والانتفاع منها. هذه أمثلة لكيفية النظر المطلوب في آيات الله السمعية والكونية مما يقع تحت حس العرب وبصرهم في بداوتهم وحضرهم. (2) استجارك: طلب جوارك أي التجأ إليك مستغيثا بك طالبا ذِمامك وأمانك فأعطه إياه، لتسمعه كلام الله، وهو المراد من الاستشهاد هنا بهذه الآية. وأبلغه مأمنه: أوصله إلى موضع أمانه، انتفع بتفكيرك أو لم ينتفع.=

إزالة الشبهات

إِزَالَةُ الشُّبُهَاتِ: 13 - مَنْ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ (1) وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى إِزَالَتِهَا بِالنَّظَرِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِسُؤَالِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ (2) مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}. الاِسْتِعَاذَةُ مِنَ الْخَطَرَاتِ: 14 - مَنْ وَرَدَتْ عَلَى قَلْبِه خَطَرَاتٌ مِنْ دُونِ شُبْهَةٍ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ (3) وَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ (4) فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}،

_ = يظهر أن الاستشهاد بهذه الآية بعيد ولكن المقصود منها عرض آيات الله على الغير ليستعملوا فيها أفكارهم. (1) الشبهة المأخذ الذي يلتبس فيه الحق بالباطل والحلال بالحرام وسميت بذلك لأنها تشبه الحق. (2) ريب: شك. (3) الاستعاذة بالله هي الالتجاء إليه والاعتصام به من شر هذا الوسواس الخناس. (4) النزغ: هو الإفساد والإغراء، ونَزْغُ الشيطان وساوسه وما يحمل به الإنسان على ارتكاب المعاصي يقال: (نزغه الشيطان إلى المعاصي) إذا حثه عليها ورغبه فيها، ونحن نقول: (نزغ فلان الدابة) إذا همزها بالمهماز أو غيره ليحملها على السير.

- وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ» وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ: «فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ (1)».

_ (1) والخلاصة مما تقدم: 1 - أن الإسلام هو دين الله المرضي، وخاتمة الرسالات السماوية، ولا بد لكل إنسان من الإيمان بذلك. 2 - وشرط الدخول في الإسلام: الشهادة بوحدانية الله تعالى، ورسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا بد من النطق بهما، أو مادل على معناهما إذا تعذر النطق بلفظهما. 3 - ولا بد من التصديق والاعتقاد الجازم بعد النطق والفهم. 4 - والنظر في الايات الكونية في كتاب الله الصامت (الطبيعة) وكتاب الله الناطق (القرآن) واجب للوصول.

بيان معنى الإسلام

بَيَانُ مَعْنَى الْإِسْلاَمِ. الْإِسْلاَمِ بِمَعْنَى الدِّينِ: 15 - يَجِيءُ لَفْظُ الْإِسْلاَمِ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ مُرَادًا بِهِ الدِّينُ كُلُّهُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مَحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَحْكَامِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ… الخ». وَبِمَعْنَى الاِنْقِيَادُ وَالْإِخْلاَصُ: 16 - الْإِسْلاَمُ الَّذِي سُمِّيَ بِهِ الدِّينُ مَعْنَاهُ الاِنْقِيَادُ للهِ تَعَالَى ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَالْإِخْلاَصُ لَهُ فِيهِمَا، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}

___ (1) الانقياد: الخضوع والإذعان والإستسلام لله عز وجلَّ. (2) الإخلاص: الصفاء والخلوص من أخلص له الحب أو النصيحة، إذا خلصها وصفاهما من الغش والكدر، والرياء. (3) أسلم له وجهه: انقاد له وأخلص له نفسه وقصده. والحنيف: المائل عن جميع الملل الضالة إلى الدين الحق. والخليل: الصديق المخلص، والحبيب، والصفيُّ.

تسمية الدين بالإسلام

- وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}. تَسْمِيَّةُ الدِّينِ باِلْإِسْلاَمِ: 17 - الدِّينُ كُلُّهُ اِنْقِيَادٌ للهِ وَإِخْلاَصٌ لَهُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ إِسْلاَمًا، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}. الْإِسْلاَمُ بِمَعْنَى الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ: 18 - وَيِجِيءُ الْإِسْلاَمُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ أَيْضًا بِمَعْنَى الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ

_____ (1) بلى: حرف تصديق يختص بالإيجاب سواء كان ماقبله مثبتاً أو منفياً. (2) أمروا: أي أهل الكتاب في التوراة والإنجيل. والمعنى: أنهم أمروا بإخلاص العبادة لله وعدم الإشراك به شيئاً من المخلوقات في شيء من العبادات، لأن الإخلاص ضد الإشراك ومعناه الصفاء والخلوص من جميع الشوائب، بل هو روح العبادات. والرياء والسمعة من شر الآفات حتى تقلب الطاعة معصية. على المؤمن أن يزيل الشبهات بالعلم والتعلم، والتعوذ من الشيطان لإبعاده بوساوسه ونزغاته، الى الاعتقاد الصحيح، ولزيادة الإيمان، ورسوخ اليقين. (3) حنفاء: جمع حنيف، وإقامة الصلاة: تقويمها بالاعتناء بها والمواظبة عليها؛ وإيتاء الزكاة إخراج حق الله المشروع في مال الأغنياء، ليعطي للفقراء والمساكين، وليصرف في صالح المسلمين. ويقيموا ويؤتوا: معطوفان على ليعبدوا عطف الخاص على العام. ودين القيمة: هو على حذف مضاف أي دين الأمة القيمة بمعنى المستقيمة.

الدَّالَّةِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ عَلَى الاِنْقِيَادِ وَالْإِذْعَانِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّصْدِيقِ التَّامِّ، - لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، قَالَ: «يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرِنِي عَنِ الْإِسْلاَمِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، قَالَ جِبْرِيلُ: صَدَقْتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.

_____ (1) الإذعان: الانقياد والخضوع. (2) جبريل أو جبرائيل اسم ملك كريم من ملائكة الله المقربين وهو الواسطة ببن الله ورسله في تبليغ الوحي ويدعى أيضا الروح الأمين. (3) تصوم رمضان: تمسك عن المفطرات والشهوات التي بينها الشارع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في شهر رمضان من كل عام. تحج الببت: تقصد بيت الله الحرام بمكة للنسك والقيام بالشعائر المعروفة لمن استطاع ذلك. (4) وتمام الحديث حسب ما جاء في صحيح مسلم: (قال عبد الله بن عمر: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثرالسفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخديه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم=

إسلام لا ينفع

إِسْلاَمٌ لاَ يَنْفَعُ: 19 - وَيَجِيءُ الْإِسْلاَمُ بِمَعْنَى الاِسْتِسْلاَمِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ إِيمَانٍ (1) فِي الْقَلْبِ، وَهَذَا لاَ يَنْفَعُ صَاحِبَهُ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}،

_____ = رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه!! قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت. قال: فاخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاء يتطاولون في البنيان (وكل ذلك كناية عن إسناد الأمر لغير أهله). قال: ثم انطلق. فلبثت مليا ثم قال لي: يا عمر أتدري من السائل، فقلت: الله ورسوله أعلم قال: فإنَّهُ جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " ج (1) ص (156 ـ 160). (1) الإيمان: نقيض الكفر وهو التصديق ولا يكون إلا بالقلب وسيأتي بيانه الكامل في المتن لغة وشرعا. (2) الأعراب: أهل البدو من العرب واحده أعرابي، والمراد بهم هنا نفر من بني أسد. لم تؤمنوا: يعني الإيمان الحقيقي الذي معناه التصديق التام مع طمأنينة القلب.=

- وَلِحَدِيثِ سَعْدٍ (1): «أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا -وَسَعْدٌ جَالِسٌ فِيهِمْ- قَالَ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ

_ = أسلمنا: دخلنا في الإسلام، والإسلام هنا بمعنى الاستسلام أي قمنا بالأعمال الظاهرة فقط، وكل ما يقوم به الإنسان دون موافقة القلب فهو إسلام، وما وافق القلب فيه اللسان فهو إيمان. (1) سعد هذا هو ذلك الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة الزهري أبو إسحاق. أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، وهو فارس الإسلام، وحارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ليت رجلا صالحا يحرسني الليلة، وسابع سبعة في الإسلام، وأحد أهل الشورى الستة، وأحد الستة الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، وأحد من فداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبيه وأمه وأحمد مجابي الدعوة، وأحد الرماة الذين لا يخطئون، دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - (اللهم سدد رميته وأجب دعوته). وهو الذي تولى قتال فارس وكوف الكوفة، وكان ممن قعد في الفتنة ولزم بيته، وأمر أهله أن لا يخبروه من أخبار الناس بشيء. حتى تجتمع الأمة على إمام. مات بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، وحمل على الرقاب إلى البقيع سنة خمس وخمسين عن (83) أو (82) عاما - رضي الله عنه وأرضاه -. (2) الرهط: الجماعة من الناس من الثلاثة الى العشرة وليس فيهم امرأة، لا واحد له من لفظه، وجمعه: أرهط وأرهاط وأراهط وأراهيط، وهذا الرهط من المؤلفة قلوبهم أي من مديني العهد بالإسلام. (3) هذا في البلاغة من باب الالتفات من التكلم- الذي هو مقتضى المقام هنا- إلى الغيبة.

وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعْطِهِ (1) وَهُوَ أَعْجَبَهُمْ إِلَيَّ (2)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَالَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا (3)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَوَ مُسْلِمًا (4)؟ فَسَكَتَ قَلِيلاً ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَالَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَوَ مُسْلِمًا؟ فَسَكَتَ قليلاً ثُمَّ غَلَبَنِي مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَالَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَوَ مُسْلِمًا؟

_ (1) يعني رجلا من المسلمين وهو جعيل بن سراقة الضميري المهاجري. (2) أعجبهم إلي: أحسنهم عندي إيماناً. (3) أراه مؤمنا: أعتقد صدق إيمانه وتصديقه، وأرى هنا بفتح الهمزة أي أعلمه كذلك، ولا يجوز ضمها لأن سعداً كان جازماً بصحة إيمان الرجل. (4) أو مسلماً: لا يفهم من هذا أن الرجل غير مؤمن بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - من بعد: (وغيره أحب إليّ) بل المراد منه: النهي عن الجزم بإيمان المرء ما دام محل الإيمان هو القلب، ولا يطلع على ما في القلوب إلا علام الغيوب، فالأولى في الحكم بالقطع أن يكون على الظواهر دون السرائر. فكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشير لسعد أن يحكم على ما يظهر له من الرجل فيجزم بإسلامه الظاهر دون إيمانه الخفي الذي لا يعلمه إلا الله.

إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ (1) خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ (2)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ

_ (1) أحب إلي منه: يعني من جهة الإيمان. (2) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتألف قوماً من المسلمين حديثي عهد بالإسلام بما يعطيهم لضعف إيمانهم خوفاً عليهم من أن يكفروا فيكبوا في النار على وجوهم كما قِيلَ: (وطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ). أما الأقوياء الإيمان فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وقد سأل الأنصار النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين وهو يعطي القرشيين مما أفاء الله عليه فقال: إني لأعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم وأصانعهم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟؟

بيان معنى الإيمان

بَيَانُ مَعْنىَ الْإِيمَانِ. الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ: 20 - الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ: التَّصْدِيقُ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ (1) لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}. مَحَلُّ الْإِيمَانِ: 21 - مَحَلُّ الْإِيمَانِ بِمَعْنَى التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ هُوَ الْقَلْبُ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، - {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (2)}، - وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ (3) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:

_ (1) بمؤمن لنا: أي مصدق لنا. (2) يستأذنك: يطلب منك الإذن في التخلف عن الجهاد. وارتابت قلولوبهم: شكت في الدين أو في الانتصار. ويترددون: يتأرجحون. (3) أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك الأنصاري، أحد علماء الصحابة ومكثرهم، وأحد من بايع تحت الشجرة. أول مشاهده الخندق وغزا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - اثنتي عشرة غزوة. وكان ممن حفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنناً كثيرة وعلماً جما. وكان من نجباء الصحابة وفضلائهم. مات سنة أربع وسبعين وله نيف وسبعون سنة.

الإيمان بمعنى التصديق

«يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ (1)» رَوَاهٌُ مُسْلِمٌ الْإِيمَانُ بِمَعْنىَ التَّصْدِيقِ: 22 - وَيَجِيءُ لَفْظُ الْإِيمَانِ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ مُرَادًا بِهِ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِه وَشَرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ (2)، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ

_ (1) مثقال ذرة من خردل من إيمان: مثقال الشيء وزنه ومقداره والمراد بهذا القدر، القدر الزائد عن أصل التوحيد كما قيل. والذرة واحدة الذر وهو الهباء المنتشر في الهواء، والمراد بها هنا حبة الخردل لجامع بينهما وهو الصغر في كل. والخردل: نبات معروف له حب صغير جدا يشبه به الشيء المتناهي في الصغر والمقصود من ذرة الخردل التمثيل لا حقيقة الوزن والمقدار؛ لأن الإيمان شيء معنوي وليس بجسم مادي حتى يوزن أو يقدر. (2) الملائكة: أرواح لطيفة مخلوقة من النور لا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة، يؤدون أوامر الله ويعبدونه ولا يعصونه. وكتب الله: كتب أنزلها على رسله فيها أحكام وقوانين، وأمرهم بتبليغها لأممهم، فيها هداية للناس، منها: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن. والرسل: أناس من البشر اختارهم الله واصطفاهم لتبليغ شرائعه لعباده. واليوم الآخر: هو يوم يقوم الناس لرب العالمين فيجازيهم على أعمالهم. والقدر: ما يقدره الله من القضاء في الأزل ويحكم به.

الإيمان بمعنى الأعمال الظاهرة

آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (1)}، - وَلِحَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ عَلْيِه السَّلاَمُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسِلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ (2)». الْإِيمَانُ بِمَعْنىَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ: 23 - وَيَجِيءُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ أَيْضًا مُرَادًا بِهِ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّصْدِيقِ وَالْيَقِينِ، - لِحَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ (3)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (4) رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:

_ (1) لم يذكر اليوم الآخر هنا ولكن ذكر في آخر الآية: (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). (2) رواه مسلم من غير ذكر (حلوه ومره) وقد تقدم الحديث بتمامه في تعليق بيان معنى الإسلام. (3) وفد عبد القيس. الوفد: الجماعة المختارة من الأمة ترسل في مهمة إلى الملوك والأمراء والقادة والرؤساء، واحدهم وافد. ووفد عبد القيس هؤلاء تقدموا قبائل عبد القيس للمهاجرة الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح وقبل خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - الى مكة، وكان أربعة عشر راكبا برئاسة المنذر بن عائد بن الحارث وهو الأشج العصري، سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأشج لشجة كانت في وجهه، والنسبة الى قبيلة عبد القيس كالنسبة الى قبيلة عبد شمس: عبقسي وعبشمي وهما من الأسماء التي خالفت قواعد النسبة. (4) ابن عباس: هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، أبوه العباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عباس هذا هو ترجمان القرآن كان يقال له الحبر=

تلاقي معنى الإسلام والإيمان

«أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالْإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللهِ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ (1)» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. تَلاَقيِ مَعْنىَ الْإِسْلاَمِ وَالْإِيمَانِ: 24 - قَدْ تَوَارَدَ لَفْظُ الْإِسْلاَمِ وَلَفْظُ الْإِيمَانِ عَلَى اعْتِقَادِ الْقَلْبِ الْجَازِمِ، وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ مِنْ قَوْلٍ وَغَيْرِهِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ الاِعْتِقَادِ، - لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَفْسِيرِ الْإِسْلاَمِ (2)، - وَحَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ (3).

_ = والبحر. رأى جبريل مرتين ودعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحكمة مرتين، روى عنه ابنه علي وأنس وأبو أمامة بن سهل وأبو الشعثاء وأبو العالية وسعيد بن المسيب وعطاء وطاووس ومجاهد وخلق، مات بالطائف سنة ثمان وستين وهو ابن إحدى وسبعين او اثتين وسبعين سنة. (1) لم يذكر الحج لأنه لما يفرض إذ ذاك. والمغنم: الغنيمة وهو ما يؤخذ من المحاربين عنوة، أو هو المكسب عموما، والخمس بضم الميم وإسكانها وكذلك الثلث والربع الى العشر قال تعالى: " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ". (2) حيث فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة المبنية على التصديق واليقين فقال: (الإسلام هو أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت اليه سبيلا). (3) حيث فسر الإيمان كذلك بالشهادة والصلاة والزكاة والصوم وهكذا=

تحصيل مما تقدم

تَحْصِيلٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. تَوَارُدُ الْإِسْلاَمِ وَالْإِيمَانِ عَلَى الاِعْتِقَادِ وَالنُّطْقِ وَالْعَمَلِ: حَقِيقَةُ الدِّينِ: 25 - الدِّينُ كُلُّهُ عَقْدٌ بِالْقَلْبِ (1)، وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ (2) الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ (3). وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلاَثَةِ يُسَمَّى إِيمَانًا بِاعْتِبَارٍ، وَيُسَمَّى إِسْلاَمًا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ. 1 - فَعَقْدُ القَلْبِ يُسَمَّى إِيمَانًا لِأَنَّهُ تَصْدِيقٌ، وَيُسَمَّى إِسْلاَمًا لِأَنَّ عَقْدَ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ إِذْعَانٌ وَخُضُوعٌ لَهُ. 2 - وَنُطْقُ اللِّسَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ يُسَمَّى إِيمَانًا لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى التَّصْدِيقِ وَيُسَمَّى إِسْلاَمًا لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْخُضُوعِ وَالاِنْقِيَادِ.

_ = فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإسلام والايمان بالاعتقاد الجازم والأعمال الظاهرة المبنية عليه. (1) عقد القلب: اعتقاده وتصديقه وتدينه. (2) الجوارح من الإنسان: الأعضاء كاليد ونحوها التي يجترح بهما الحسنات أو السيئات، واجترح بمعنى: اكتسب أو ارتكب. (3) الجوارح الباطنة: هي القلب فقط وغلب عليه الجمع إما للمشاكلة أو لأنه المتصرف في الجوارح كلها.

الإيمان قول وعمل

3 - وَالزَّكَاةُ مَثَلاً تُسَمَّى إِيمَانًا لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّصْدِيقِ، وَثَمْرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِهِ، وَتُسَمَّى إِسْلاَمًا لِأَنَّهَا انْقِيَادٌ وَإِذْعَانٌ. 4 - وَالْحُبُّ فِي اللهِ مَثَلاً يُسَمَّى إِيمَانًا لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّصْدِيقِ وَثَمْرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِهِ، وَيُسَمَّى إِسْلاَمًا لِأَنَّهُ انْقِيَادٌ وَإِذْعَانٌ (1). الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ: 26 - الْإِيمَانُ فِي الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ (2) هُوَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، فَمَنِ اسْتَكْمَلَ ذَلِكَ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهُ لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ (3) قُلُوبُهُمْ}، - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا (4) وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ (5) حَتَّى

_ (1) ويقول ابن العربي: إن معنى الاسلام والإيمان واحد، لأن اسلم معناه: طلب السلام، وآمن معناه: طلب الأمان، فالمعنى فيهما واحد. قال ذلك في شرحه على صحيح الترمذي (مناقب عمرو بن العاص). (2) الوضع الشرعي: الاصطلاح الديني. (3) وجلت: خافت. (4) لم يرتابوا: لم يشكوا في أمر دينهم. (5) يعني الإيمان التام لأن أصل الإيمان يثبت بما سوى ذلك لمن لم يكن متصفا بهذا الوصف.

يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ (1)» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (2) عَنْ أَنَسٍ (3) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (4)»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، - وَلِقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ

_ (1) المراد بالأخوة أخوة الدين، قال تعالى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، ومفهومه أن من الإيمان أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه. (2) الشيخان: هما الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله، وهما اللذان اتفقت كلمة العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز كتاباهما: صحيح البخاري وصحيح مسلم اللذان تلقاهما المسلمون بالرضا والقبول. (3) أنس: هو ابن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حزام الأنصاري البخاري أبو حمزة خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان، وروى عنه أولاده وحفيداه وخلائق لا يحصون. خدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين ودعا له النبي فقال: " اللهم أكثر ماله وولده، وأدخله الجنة". مات سنة ثلاث وتسعين. وهو آخر من مات من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين -. (4) لا يكمل إيمان المسلم إلا بحب النبي حبا اختياريا لا حبا فطريا حيث يؤثره المسلم على والده وولده وأمه وأمته ويقدمه على هواه وإن كان فيه هلاكه. وحبه - صلى الله عليه وسلم - يظهر في نصرة دينه وإحياء سنته والغيرة على ما يمس بكرامة شريعته فيضحي من أجل ذلك بالنفس والنفيس: ومن لم يكن كذلك فليس بمؤمن حقيقة، وروى مسلم الحديث بتقديم الولد على الوالد.

الإيمان يزيد وينقص

وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً (1)، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ (2) شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ -رَحِمَهُمَا اللهُ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ: 27 - الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْأَعْمَالِ وَيَنْقُصُ بِنُقْصِهاَََ (3)،

_ (1) البَضع والبِضع بكسر الباء وفتحها: ما بين العقود من الثلاث الى التسع، يذكر مع المؤنث ويؤنث مع المذكر فنقول: بضع وعشرون شاة وبضعة وعشرون حصانا. والشعبة من الشجرة: الغصن المتفرع منها جمع شعب كغرفة وغرف. وهي من الشيء: الطائفة أو الناحية منه. وتقول: (هذه المسألة كثيرة الشعب والانشعاب) أي التفاريع. ولما كانت الشعبة هي الغصن في الأصل شبه الإيمان بشجرة ذات أغصان تؤتي أكلها كما شبه الإسلام بخيمة ذات عمد تقي من الحر والقر. في خبر: بني الإسلام على خمس. (2) الإماطة: الإزالة والإبعاد، والأذى والأذية: الضر اليسير أو كل ما يؤذي من حجر أومدر أو شوك أو نجاسة أو غير ذاك. والحياء بالمد والقصر: الانقباض والانزواء من الشيء المستقبح خوفا من الله أو من غيره وهو خلق حسن أو تخلق يكتسب بالمران والتعود كما يتعود الإنسان على البر والتقوى حتى يتخلق به. وأبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر حافظ الصحابة، بل أحفظ من روى الحديث في وقته، تقدمت ترجمته والشيخان هما البخاري ومسلم. (3) المراد بالأعمال أعمال الخير، يعني أن الإيمان يزيد بالطاعة مثلا كما ينقص بالمعصية.

- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، - وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ

_ (1) تليت: قرئت، متى فهموها وعملوا بها. (2) كذلك ينبغي أن يكون المؤمن مهما يخوف إلا ويزداد قوة وشجاعة وثباتاً وإيماناً، ويقدم ولا يحجم ويقول حسبي الله ونعم الوكيل. (3) هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تطابق على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع الأمة. فهو واجب على كل مسلم ومسلمة، لإحقاق الحق، وإزهاق الباطل. (4) في رواية مسلم قال،: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هناك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره) الحديث. وقال النووي: جاء في الحديث الذي اتفق البخاري ومسلم - رضي الله عنهما - على إخراجه في باب صلاة العيد: أن أبا سعيد هو الذي جذب بيده مروان حين رآه يصعد المنبر وكانا جاءا معا فرد عليه مروان بمثل ما رد هنا على الرجل، فيحتمل أنهما قضيتان إحداهما لأبي سعيد والأخرى للرجل بحضرة أبي سعيد والله أعلم.

التصديق يقوى ويضعف

تَعَالَى عَنْهُ (1). التَّصْدِيقُ يَقْوَى وَيَضْعُفُ: 28 - التَّصْدِيقُ الَّذِي هُوَ الْجُزْءُ الْأَصْلِيُّ فِي الْإِيمَانِ يَقْوَى وَيَضْعُفُ (2)، يَقْوَى بِالنَّظَرِ فِي الآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ (3)، وَالتَّدَبُّرِ فِي الآيَاتِ السَّمْعِيَّةِ (4)، وَالتَّقَرُّبِ بِالْعِبَادَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَضْعُفُ بِضِدِّ ذَلِكَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (5)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:

_ (1) تقدمت ترجمة أبي سعيد في الدرس (21). (2) فالتصديق كالبذرة والإيمان كالشجرة. (3) الآيات الكونية هي: العلامات والمعجزات الموجودة في الكون من سموات وأرضين ومن بحار وأنهار وجبال وأشجار وحيوان، وإنسان وغيرها من مخلوقات الله البديعة الصنع. (4) الآيات السمعية هي: الحجج والبراهين القطعية المنطقية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. (5) ليطمئن قلبي أي ليسكن ويهدأ، والضمير لسيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام قال تعالى: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى، قَالَ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) ومحل الشاهد هو النظر لتقوية الإيمان. وسيدنا إبراهيم مؤمن ومصدق بإحياء الله الموتى ولكن أراد أن يشاهد ذلك بعينيه لأن النظر أقوى وأصدق برهانا من السمع، ومن سمع شيئا ويمكنه أن يراه لا شك أنه يبقى متشوقا لرؤيته، فإذا شاهده بعينيه اطمأن له قلبه وآمن به، فلا يطلب بعد ذلك البيان بيانا (وما راءٍ كمن سمعا).

{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ (1) السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}، - وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَنْ مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتِ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ (2)، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ،

_ (1) الملكوت: الملك والعز والسلطان. (2) نفس عنه الكربة: خفّفها ولطفها أو فرجها عنه، والكربة: الحزن والمشقة، وجمعها كرب كغرفة وغرف، ومثلها الكَرْبُ جمع كُروب كفَلْسٍ وفلوس. والسكينة: الطمأنينة والوقار. وغشيتهم بمعنى غطتهم وأحاطت بهم. وحفتهم: أحدقت بهم واستدارت.

وَمَنْ أَبْطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ (1)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، - وَلِحَدِيثِ حَنْظَلَةَ (2) الأُسَيِّدِيِّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ -وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ (3)، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ! قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟! قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ

_ (1) الذين هم عند الله: هم ملائكته الكرام المقربون. أذكر أن أستاذنا ابن باديس رحمه الله قال لنا في آخر هذا الحديث (من أبطأ به عمله الخ): هذه حكمة بالغة ينبغي أن تكتب فوق القطر الجزائري بحروف كبيرة في كل مكان ليراها كل جزائري فيعمل بها ويدع التواكل، لأن شرف الانسان بعمله لا بنسبه أو حسبه. (2) حنظلة الأسيدي: صحابي جليل من كتَّاب الوحي فيه تقوى وخشية وورع. (3) أبو بكر: هو الخليفة الأول والصحابي الجليل، والصديق الرفيق لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة وفي مراحل حياته النبوية، وأول من أسلم من الشيوخ، وأحد المبشرين بالجنة، ومناقبه أجل وأعظم من أن تحصر، وهو أبو عبد الله بن أبي قحافة، - رضي الله عنه وأرضاه -.

وَالْأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ (1)، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا! فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَاكَثِيرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي فِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ (2)، وَلِكْنْ يَا حَنْظَلَةُ: سَاعَةً

_ (1) كيف أنت أي قال له ذلك بعد تحية الاسلام المعروفة. ناقق يعني ستر كفره في قلبه، وأظهر الإيمان بلسانه، والمنافق ذو الوجهين، وهو غير وجيه عند الله والناس. ورأي عين: مثلما يراه الإنسان بعينيه. ويقال: هو مني بمَرْأى ومسمع أي بحيث أسمعه وأراه. وعافسنا: عالجنا وخالطنا واشتغلنا. والضيعات: الحرف والصناعات. يقال: كانت ضيعة العرب سياسة الإبل. (2) لما عليه المؤمن من الصلاح والطهر والشفافية بالتقوى والإيمان والعمل الصالح.

إنعدام اليقين

وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً (1)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. إِنْعِدَامُ الْيَقِينِ: 29 - مَنْ عُدِمَ مِنْ إِيمَانِهِ الْيَقِينُ خَرَجَ مِنْ دَائِرَةِ الْمُؤْمِنِينَ (2)، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَافِرِينَ، وَلَوْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَعَمِلَ أَعْمَالَ الْمُؤْمِنِينَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (3)}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا .. أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا، وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ

_ (1) ساعة وساعة: يريد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يؤكد أن الإسلام يتمشى مع النفس البشرية وطبيعتها، فهو لم يطلب من البشر أن يكونوا ملائكة، ولا يريد لهم أن ينحطوا حتى يكونوا كالسائمة. وإنما يريد بشرية فاضلة، وإنسانية رشيدة، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمتع بطيبات الدنيا في حق واعتدال، ويمزح ولا يقول إلا حقا. فساعة للعمل، وساعة للعبادة، وساعة للراحة، وساعة للدنيا، وهكذا، وهذا من مميزات الاسلام بين الأديان. (2) لأن اليقين شرط في الإيمان. (3) ضل عن الدين وعن الطريق، بمعنى حاد ولم يهتد.

إباية النطق

قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (1) وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}. إِبَايَةُ النُّطْقِ: 30 - مَنْ عُدِمَ مِنْهُ النُّطْقُ إِبَايَةً وَعِنَادًا (2) لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (3)}. الْمَعْرِفَةُ بِدُونِ خُضُوعٍ: 31 - مَنْ لَمْ يُخْضِعْ قَلْبَهُ لِمَا عَرَفَهُ مِنْ عَقَائِدِ الْإِسْلاَمِ لَمْ تُفِدْهُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ، وَلَمْ يَكُنْ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (4)،

_ (1) نشهد: أي نعلق بأن اعتقادنا موافق لكلامنا، وهذا كذب منهم صراح لأنهم - لعنهم الله - لايعتقدون في صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والشهادة تستدعي موافقة اعتقاد القلب لما ينطق به اللسان وإذ كانت الشهادة منا بمعنى اليمين، فهم خائنون قطعا لأنهم لا يصدقون برسالته ولا يعتقدون صدقه - صلى الله عليه وسلم -، وإنما حملهم على ذلك كله حماية أنفسهم وأموالهم من رسول الله وأصحابه. وهو معنى قوله تعالى من بعد: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) اي وقاية ولما نزلت هذه السورة فضحتهم شر فضيحة، وباؤوا بغضب من الله ورسوله والمؤمنين. وحق لهذه السورة أن تدعى الفاضحة أيضا. (2) إباية: عدم رضى وامتناعا- والعناد المكابرة والمعارضة بالضد بدون وجه حق. (3) ظلماً وعلواً: تجاوزاً وعلواً في الكفر والعناد. والضمير في بها لآيات الله التي جاءتهم مبصرة فجحدوا بها. (4) لأن المعرفة بدون الإذعان القلبي والخضوع لا تفيد شيئاً.

الإيمان بدون عمل

- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ (1) وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. الْإِيمَانُ بِدُونِ عَمَلٍ: 32 - مَنْ ضَيَّعَ الْأَعْمَالَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ دَائِرَةِ الْإِيمَانِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}، - وَلِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ (2)». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

_ (1) الذين آتاهم الله الكتاب مبينا: هم اليهود والنصارى، وهم يعرفون النبي محمداً - صلى الله عليه وسلم - غاية المعرفة لأنه موصوف في كتبهم. (2) فالمقتول يستحق النار لأنه كان حريصا على قتل القاتل. وما بال: ما حال وما شأن أو ما ذنب؟ ما أكثر التقاتل بين المسلمين وما أقل المعلمين فاللهم لطفك. وأبو بكرة هو نقَيْع (بالتصغير) بن الحارث بن كَلَدَة (بفتح الكاف واللام والدال) الثقفي، كُني بأبي بكرة لأنه كان أسلم في حصن بالطائف وعجز عن الخروج منه، فتولى في النزول الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه ببكرة، روي له عن رسول الله 133 حديثا، وكان ممن اعتزل يوم الجمل عن الفريقين. توفي بالبصرة سنة إحدى وخمسين من الهجرة، - رضي الله عنه وأرضاه -.

إرتكاب المعاصي وأثره

إِرْتِكَابُ الْمَعَاصِي وَأَثَرُهُ: 33 - مَنِ ارْتَكَبَ الْمَعَاصِي سُمِّيَ فَاسِقًا (1) حَتَّى يَتُوبَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ (2) ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

_ (1) أي مؤمناً عاصياً، والفسق في اللغة هو الخروج فالفاسق هو الخارج عن الطاعة وعن الدين. حتى يتوب: أي يرجع بلسانه، ويقلع بجنانه، ويتلطف في التحلل من المظالم، ويعزم على عدم العودة إلى الذنب. (2) المحصنات: المتزوجات العفيفات عن المعاصي، وكذا الرجال والأزواج لا فرق بين الأمرين. والمراد بالرمي: الرمي بالزنا بدليل السياق.

بيان معنى الإحسان

بَيَانُ مَعْنَى الْإِحْسَانِ. الْإِحْسَانُ لُّغَةً وَشَرْعاً: 34 - الْإِحْسَانُ فِي اللُّغَةِ: الْإِتْيَانُ بِمَا هُوَ حَسَنٌ، وَالْإِحْسَانُ فِي الشَّرْعِ: هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْحَسَنَاتِ، وَالْحَسَنَاتُ هِيَ: فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ (1) وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَفِعْلُ أَوْ تَرْكُ الْمُبَاحَاتِ لِأَنَّهَا مُبَاحَاتٌ، مَعَ التَّصْدِيقِ بِذَلِكَ للهِ تَعَالَى وَالْإِخْلاَصُ لَهُ فِيهِ، وَمَعَ اسْتِحْضَارِ رُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى لَهُ وَاطِّلاَعِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}،

_ (1) الأحكام التكليفية الخمسة هي: الواجب أو الفرض وهو طلب الفعل على سبيل التحتيم. والمستحب أو المندوب هو طلب الفعل على سبيل الترجيح. والحرام أو الحظرهو طلب الترك على سبيل التحتيم. والمكروه هو طلب الترك على سبيل الترجيح. والمباح هو الإذن في الفعل والترك بلا إثم فيها ولا ثواب.

- وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، لَمَّا فَسَّرَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْإِحْسَانَ، قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ (1)» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

_ (1) هذا من جوامع الكلم التي خص بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تقدم الحديث بتمامه في حاشية رقم (18)، وحقيقة فلو قدرنا أن أحدنا قام في عبادته وهو يعاين الله عز وجل لم يترك شيئا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به، وهذا هو إحسان العبادة.

عقائد الإيمان

عَقَائِدُ الْإِيمَانِ. عَقِيدَةُ الْإِيمَانِ بِاللهِ. الْوُجُودُ وَالْقِدَمُ وَالْبَقَاءُ: 35 - هُوَ الْمَوْجُودُ الْحَقُّ لِذَاتِهِ، الَّذِي لاَ يَقْبَلُ وُجُودُهُ الْعَدَمَ، فَهُوَ الْقَدِيمُ الَّذِي لاَ بِدَايَةَ لِوُجُودِهِ، وَهُوَ الْبَاقِي الَّذِي لاَ نِهَايَةَ لِوُجُودِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ (1)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ (2) تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ

_ (1) المعنى: أنه لا ينبغي أن يشك في وجود الله، فإنه خلق كل شيء، وأظهره وبينه، فمن شك في وجوده تعالى، فلا ثقة عنده حتى في الأمور المحسوسة. وفاطر السموات والأرض خالقهما ومبدعهما لا على مثال سابق. (2) بغير عمد: بغير أعمدة وأساطين ترفعها، وهذا من بالغ القدرة الإلهية. والاستواء: استواء يليق بكماله وجلاله، وليس كاستواء الخلق الذي معناه التمكن. والعرش: مخلوق عظيم لله تعالى وهو أعلا المخلوقات وأولها، وهو سرير الملك: قال تعالى: (أَهَكَذَا عَرْشُكِ)، (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ). والرواسي: الجبال الثوابت الشوامخ الرواسخ. وثم لعطف الجُمَل لا غير، وليست للترتيب.

تُوقِنُونَ، وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا، وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ، وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ، صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ، تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكْلِ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (1)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (2)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ بَلْ، لَا يُوقِنُونَ. أَمْ عِنْدَهُمْ

_ (1) زوجين اثنين: صنفين اثنين كالأبيض والأسود، والحلو والمر، والذكورة والأنوثة. وصنوان: نابتة من أصل واحد، وغير صنوان: خارجة من أصول مختلفة. ومع تجاور الأرض، واتحاد المنبت والوقت، والسقي بماء واحد ... اختلفت الثمار والأزهار والحبوب في طعمها وحجمها ولونها، فتبارك الله أحسن الخالقين. ويغشى الليل النهار: ويجعل الليل لباساً للنهار. والأكل بضم الهمزة: اسم لما يؤكل، وبفتحها: مصدر أكل يأكل. (2) خَلقَهُ: سواه وجمله، وهداه الى ما فيه المصلحة. والرب: هو الله الخالق المربى للمخلوقات جميعها.

سبق وجوده لكل وجود

خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسيْطِرُونَ (1)}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. سَبَقَ وُجُودُهُ لِكُلِّ وُجُودٍ: 36 - وَهُوَ الْمَوْجُودُ الَّذِي سَبَقَ وُجُودُهُ كُلَّ وُجُودٍ، فَكَانَ تَعَالَى وَحْدَهُ وَلاَ شَيْءَ مَعَهُ، ثُمَّ خَلَقَ مَا شَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ}، - "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا}، - "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}، - {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ (2) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، - {قُلْ: أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ. ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ: ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، قَالَتَا: أَتَيْنَا طَائِعِينَ. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا (3)،

_ (1) المسيطرون: الغالبون- والمعنى أم هم الغالبون على الأشياء يديرونها على حسب أهوائهم؟ والجواب: لا. (2) ستة أيام ليست الأيام كأيامنا، بل علمها عند ربي. (3) الند هو الشبيه والنظير، قال تعالى:" فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ=

وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا (1)، ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.

_ = تعلمون ". وقال لبيد: الحمد لله فلا نِدَّ له. بيديه الخير ما شاء فعل. والرواسي: الجبال الثوابت. وبارك فيها: زاد في خيراتها التي منها الحيوانات والنباتات والمعادن. أقواتها: أرزاق أهلها. واستوى عمد وقصد، ودخان: قيل إنه أصل مادة الأرض. وقال علماء الطبيعة اليوم: إن مادة السماء كالدخان، وغاية ما وصلوا إليه بظنهم إذن، هو ما جاء به النبي الأمي الذي كفر به المعاندون الجاحدون. ائتيا طوعاً أو كرهاً أي شئتما أو أبيتما: وهذا تمثيل، لإطاعة السموات والأرض مع عظم جرمهما، وابن آدم يعصي على ضعفه!! فقضاهن: أي خلقهن وأتقنهن في يومين فتم بذلك خلق السموات والأرض في ستة أيام: يومين لخلق الأرض، ويومين لجعل الرواسي وتقدير الأرواح والأقوات، ويومين للسموات السبع. قالتا أتينا طائعين: يحتمل لسان الحال والمقال. وأوحى: كون ودبر. (1) المصابيح: الكواكب والنجوم التي تضيء ليلا وترشد السائرين .. وهي تحفظ وحي الله من استراق الشياطين للسمع، وإبلاغه الكهان كما كان سائراً قبل مبعث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فمنعت الشياطين من استراق السمع: " إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ " وهذا مما حبا الله به نبينا. فحفظاً مفعول مطلق: أي وحفظناها حفظا.

غناؤه عن كل موجود

غَنَاؤُهُ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ: 37 - فَهُوَ الْغَنِيُّ بِذَاتِهِ عَنِ جمَيِعِ الْمَوْجُودَاتِ (1)، وَهِيَ الْمُفْتَقِرَةُ كُلُّهَا -ابِتِدَاءً وَدَوْمًا- إِلَيْهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ. إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ. وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}، - {قلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا (2)}، - {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ، وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ؟ فَسَيَقُولُونَ: اللَّهُ، فَقُلْ: أَفَلَا تَتَّقُونَ، فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ؟ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (3)}، - {أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ}.

_ (1) أي أن كماله سبحانه وغناه من ذاته لا من غيره. (2) هذا رد على الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم. (3) يخرج الحي من الميت: كخروج الإنسان من النطفة، والدجاجة من البيضة. ويخرج الميت من الحي: عكس ذلك كخروج البيضة من الدجاجة والنطفة من الإنسان وغير ذلك. وأنى تصرفون: كيف تتوجهون من الحق إلى الضلال؟

عقيدة الإثبات والتنزيه

عَقِيدَةُ الاِثْبَاتِ وَالتَّنْزِيهِ (1). الإِثْبَاتُ وَالتَّنْزِيهُ: 38 - نُثْبِتُ لَهُ تَعَالَى مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ، عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، مِنْ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَسْمَائِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَنَنْتَهِي عِنْدَ ذَلِكَ وَلاَ نَزِيدُ عَلَيْهِ، وَنُنَزِّهُهُ فِي ذَلِكَ عَنْ مُمَاثَلَةِ أَوْ مُشَابَهَةِ شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ. وَنُثْبِتُ الاِسْتِوَاءَ وَالنُّزُولَ وَنَحْوَهُمَا، وَنُؤْمِنُ بِحَقِيقَتِهِمَا عَلَى مَا يَلِيقُ

_ (1) روينا البيتين التاليين عن أستاذنا الإمام وقت الدرس ولا ندريهما لمن؟ وهما: فنحن معشر فريق السنة ... السالكين في طريق الجنة نقول بالاثبات والتنزيه ... من غير تعطيل ولا تشبيه وزاد عليهما معلقا فقال: المعطلون: هم الذين ينفون الصفات الإلهية. والمشبهون: هم الذين يشبهونها بصفات المخلوقات، وكلاهما على ضلال. أما السنيون: فهم الذين يثبتونها له تعالى، وينزهونها عن التشبيه بالمخلوقات. والتعطيل تعطيل اللفظ عن دلالة معناه الحقيقي أو الخروج به الى معنى آخر. والتشبيه تشبيه الله بمخلوقاته، فنحن نثبت لله ما أثبته الله لنفسه من أقوال أو أفعال او صفات، ولا نشبهه في شيء من ذلك بالمخلوقات، ولا غرابة في إثبات شيء مع عدم تكييفه في الانسان يثبت أن بين جنبيه نفساً ولكن لا يستطيع تكييفها كذلك نثبت صفات الله بلا كيف. ملحوظة: قوله: " ونثبت الاستواء والنزول الى قوله غير مراد " كان في الأصل بعد صفة الكلام رقم (46) ومن غير استشهاد عليه بالآيات والأحاديث فرأيت إثباته هنا تحت هذا العنوان؛ ثم تأتي بقية الصفات كما رتبها الأستاذ الإمام مستدل عليها بالآيات والأحاديث. وأرجو ألا يكون هذا من التحكم وسوء التصرف.

بِهِ تَعَالَى بِلاَ كَيْفٍ (1)، وَبِأَنَّ ظَاهِرَهَا الْمُتَعَارَفِ فيِ حَقِّنَا غَيْرُ مُرَادٍ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ (2) اللهُ نَفْسَهُ}، - {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}، - وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةً، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ قَالَ: وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكُ عَلَى أَوْصَالِ شَلْوٍ مُمَزَّعِ (3)

_ (1) بلا كيف: أي بلا هيئة محددة لأنه تعالى ليس كمثله شيء فنثبت الاستواء الوارد في قوله تعالى: " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، والنزول في حديث: (إن الله ينزل الى سماء الدنيا آخر الليل ويقول: هل من سائل فأجيب له) والمجيء ونحوه مثل:" وَجَاءَ رَبُّكَ}، " وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}، " وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا " إلخ .. كل ذلك بلا هيئة محددة "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ". (2) ويحذركم الله نفسه: أي ذاته فخافوه واخشوه، بل قدموا خشيته على خشية الناس فهو الأخذ بالنواصي، والمجازي يوم القيامة. (3) أوصال شلو ممزع: أجزاء جسد مقطع، والأوصال جمع وصل، كل عضو على حدة. والشلو والشلاء هو الجسد من شيء. والممزع المفرق الموزع روى أن خبيباً قبل أن ينشد هذين البيتين طلب منهم أن يدعوه يصلي=

فَلَمَّا قُتِلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا (1)» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (2)}، - {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}، - {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى، وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (3)}، - {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}، - {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا

_ = فتركوه، فصلى ركعتين ثم قال: اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، ثم قال البيتين - رضي الله عنه -، وهو أول من سن هذه الصلاة فله أجرها وأجر من عمل بها. وخبيب الأنصارى - رضي الله عنه - هو خبيب بن عدي بن مالك الأنصاري الأوسي شهد بدراً واستشهد في هذه الحادثة التي وقعت له في غزوة الرجيع، في صفر سنة أربع للهجرة والرجيع: اسم موضع من بلاد هذيل بين عسفان ومكة، فرجعوا به إليه ليبعدوا عن الحرم ويقتلوه في الحل. (1) ومحل الشاهد من هذا هو قوله: في ذات الإله. (2) الأسماء الحسنى: الصفات الكريمة، وأي اسم من أسمائه الحسنى حسن فلا ينهي عن الدعاء بأيها. (3) الغثاء: ما يلقيه السيل من القش والورق والعشب اليابس الميت والأحوى: الأسود، والحوة سواد في خضرة أو في حمرة أو في أي لون داكن. ومعنى الغثاء الأحوى الشيء التافه لا وزن له ولا قيمة، فاسودَّ مِن قِدَمِه وإهماله واحتراقه.

لا تحيط العقول بذاته

وَلَا يَسْتَطِيعُونَ، فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ (1) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، - {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ (2) بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، - {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. لاَ تُحِيطُ الْعُقُولُ بِذَاتِهِ: 39 - وَلاَ تُحِيطُ الْعُقُولُ بِذَاتِهِ وَلاَ بِصِفَاتِهِ وَلاَ بِأَسْمَائِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}، - وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - " لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ}، - وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فيِ دُعَاءِ الْكَرْبِ (3): "اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ بْنُ عَبْدِكَ بْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ

_ (1) لا تمثلوه بالسلطان ونحوه فليس كمثله شيء. (2) الضمير في يأمركم للشيطان. والسوء: الشر والفساد الذي يسوء صاحبه ويشمل جميع المعاصي. والفحش ما تناهى قبحه من الذنوب والآثام كالفسق والسكر ... والتقول على الله بغير علم: كالكذب على الله، والتكلم في شرعه ووصفه بما لم يرد في كتابه أو على لسان نبيه. وهكذا يتدرج الشيطان مع الإنسان من الأدنى كالسوء والفحشاء الى الأعلى كالكفر والكذب على الله وهو أدهى وأمر. (3) الكرب: الحزن والمشقة والهم. الناصية: شعر مقدم الرأس. ماض: نافذ. استأثرت به: انفردت به وتخصصت الغيب ما غاب عن الحواس ولا يمكن التوصل إليه بالنظر. وأوفى الجميع بمعنى الواو.

الحياة

اِسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اِسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي". الْحَيَاةُ: 40 - فَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْحَيَاةُ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، - وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ (1)}، - {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}. الْقُدْرَةُ: 41 - وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْقُدْرَةُ (2) عَلَى إِيجَادِ كُلِّ مُمْكِنٍ وَإِعْدَامِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، - {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا}، - {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}. الْإِرَادَةُ: 42 - وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْإِرَادَةُ (3) وَالْمَشِيئَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ فَيُخَصِّصُ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ.

_ (1) عنت الوجوه: ذلت وخضعت واستكانت. (2) صفة القدرة هذه صفة تأثير. (3) وهذه صفة تخصيص.

العلم

- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}، - وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ}. الْعِلْمُ: 43 - وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْعِلْمُ (1) الَّذِي تَنْكَشِفُ لَهُ جَمِيعُ الْمَعْلُومَاتِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالْجَائِزَاتِ وَالْمُسْتَحِيلاَتِ فَيَعْلَمُهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَالاَتِ؛ وَتَسْتَوِي عِنْدَهُ الْجَلِيَّاتِ وَالْخَفِيَّاتِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}، - {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، - {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}. السَّمْعُ وَالْبَصَرُ: 44 - وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: السَّمْعُ الَّذِي تَنْكَشِفُ بِهِ جَمِيعُ الْمَسْمُوعَاتِ. 45 - وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْبَصَرُ الَّذِي تَنْكَشِفُ بِهِ جَمِيعُ الْمُبْصِرَاتِ (2). - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، - {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ}،

_ (1) وهذه صفة انكثساف. (2) صفتا السمع والبصر صفتا انكشاف أيضا.

الكلام

- وَلِحَدِيثِ أَبيِ مُوسَى الأَشْعَرِي (1) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فيِ سَفَرٍ فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا فَقَالَ أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِباً، تَدْعُونَ سَمِيعاً بَصِيراً قَرِيباً (2) " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. الْكَلاَمُ: 46 - وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْكَلاَمُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}. الْوَحْدَانِيَّةُ: 47 - وَهُوَ الْوَاحِدُ فيِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ (3): فَلاَ ثَانِيَ لَهُ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ شَرِيكَ لَهُ فيِ ذَاتِهِ، وَلاَ ثَانِيَ لَهُ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ شَرِيكَ لَهُ فيِ أَسْمَائِهِ، وَلاَ ثَانِيَ لَهُ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ شَرِيكَ لَهُ فيِ صِفَاتِهِ، وَلاَ ثَانِيَ لَهُ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ شَرِيكَ لَهُ فيِ أَفْعَالِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ

_ (1) أبو موسى الأشعري: صحابي جليل ورع. روى الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام وأحد الحكمين في نزاع علي ومعاوية. (2) علونا: ارتفعنا أي على ربوة أو غيرها. أربعوا: أشفقوا وخففوا على أنفسكم. (3) صفة دلالة.

التوحيد العلمي والعملي

اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (1)}، - {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}، - {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}، - {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (2)}، - {لَيْسَ كَمِثْلِهِ (3) شَيْءٌ}، - {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}. التَّوْحِيدُ الْعِلْمِيُّ وَالْعَمَلِيُّ: 48 - التَّوْحِيدُ هُوَ اعْتِقَادُ وَحْدَانِيَّةُ اللهِ، وَإِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ،

_ (1) الآلهة: جمع إله، وهو المعبود مطلقاً. والله هو الإله المعبود بحق. والضمير في فسدتا للسموات والأرض. والمعنى لو تعددت الآلهة في السموات والأرض لفسد نظامهما واختل سيرهما الدقيق لأن التمانع والتعارض والاختلاف أمور ضرورية في تعدد الحاكمين كما قال تعالى: " إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ". (2) سميا: نظيراً وشبيها مسامياً أو مسمى بأسمائه. والاستفهام للنفي أي لاتعلم له سميا. (3) من المعبودات الباطلة كالأشجار والأحجار وغيرها من الأصنام والأوثان. (4) الصمد: السيد المصمود المقصود الذي يصمد إليه في قضاء الحوائج على الدوام ولا يقضي أمر دونه وقيل هو المستغني عن سواه، لأنه صمد بمعنى=

توحيد الربوبية

وَالْأَوَّلُ هُوَ التَّوْحِيدُ الْعِلْمِيُّ وَالثَّانيِ هُوَ التَّوْحِيدُ الْعَمَلِيُّ وَلاَ يَكُونُ الْمُسْلِمُ مُسْلِماً إِلاَّ بِهِمَا، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، - {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (1)}. تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ: 49 - وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى: تَوْحِيدُهُ فيِ رُبُوبِيَّتِهِ (2) وَهُوَ الْعِلْمُ بَأَنْ لاَ خَالِقَ غَيْرُهُ وَلاَ مُدَبِّرَ لِلْكَوْنِ وَلاَ مُتَصَرِّفَ فِيهِ سِوَاهُ،

_ = لا جوف له. أي هو المستغنى بذاته عن الأكل والشرب ونحوهما. والكفؤ المماثل والمشابه أي ليس له مكافىء. وتوحيد هذه السورة علمي إلا قوله تعالى (الصَّمَدُ). (1) أي لكم أصنامكم التي تعبدونها بغير حق، ولي إلهي المعبود بجق، ولكم دينكم الذي أنتم عليه، ولي ديني الذي أنا عليه وهو الحق، والمعنى: لكم شرككم وأصنامكم، ولى عبادتي وتوحيدي وإخلاصي لله رب العالين. ولا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. وتوحيد هذه السورة كله عملي. (2) الرب هو المربي لجميع المخلوقات من طور الى طور كتطور الانسان من النطفة إلى العلقة الى أن يصير بشرا سويا.

توحيده في ألوهيته

- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}، - {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}، - {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ}، - وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: "لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ (1) " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. تَوْحِيدُهُ فيِ أُلُوهِيَّتِهِ: 50 - وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى: تَوْحِيدُهُ فيِ أُلُوهِيَّتِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ وَالْقَصْدُ وَالتَّوْجِيهُ وَالْقِيَامُ بِالْعِبَادَاتِ كَلِّهَا إِلَيْهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}، - {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا (2) وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، - {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (3)}،

_ (1) الجد: الحظ أي لا ينفع الجد المجد إلا إذا أعنته. (2) حنيفا: مستقيما أي مائلا عن العقائد الزائفة الى ملة الإسلام، والحنيفية ديانة سيدنا إبراهيم عليه السلام ويقال إنما سمي إبراهيم حنيفا لأنه كان يحنف عما كان يعبد قومه من الآلهة الباطلة الى عبادة الله الواحد الأحد. (3) صلاتي ونسكي: عبادتي وذبائحي، وواحدة النسك نسيكة. ومحياي ومماتي. حياتي وموتي. أول المسلمين: ينبغي أن تكون هذه الآية شعار كل مسلم في الأمور والمصالح العامة كما قدمنا قولا وعملا ليتحتق فينا الوازع الإسلامي.

إستلزام

- وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -:" إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ" رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ (1). إِسْتِلْزَامٌ: 51 - وَوَحْدَانِيَّتُهُ تَعَالَى فِي رُبُوبِيَّتِهِ تَسْتَلْزِمُ وَحْدَانِيَّتَهُ تَعَالَى فِي أُلُوهِيَّتِهِ فَالْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ (2) وَالرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ وَدَفْعِ الضَّرِّ وَجَلْبِ النَّفْعِ هُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ غَايَةُ الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ مَعَ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ لِلْعَزِيزِ الْغَنِيِّ الْقَادِرِ الْمُنْعِمِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا (3) وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}،

_ (1) الترمذي أحد رجال الصحاح، وهو الحافظ المشهور ابو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الضرير البوغي الترمذي. أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صنف كتاب الجامع والعلل تصنيفاً متقناً وبه كان يضرب المثل، وهو تلميذ أبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري - رضي الله عنه -. توفي لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين بترمذ. (2) الخلق: الإيجاد. والرَّزق بالفتح: إعطاء الرِّزق بكسرها: وهو كل ما ينتفع به. (3) أنداداً: جمع ند وهو الشبيه والمثيل والنظير في المستوى والسن.

- ولِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (1) آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ؟}، - {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ؟ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (2). أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ. أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ؟ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ؟ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ،

_ (1) اصطفى: اختار، والمصطفون هم الأنبياء والمرسلون- وهذه الآيات مبدوءة بالحمد والسلام كالخطبة. (2) أإله مع الله: استفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا إله مع الله. ويعدلون: أي يميلون الى الباطل كأن يميلوا عن توحيده في العبادة الى الاشراك به سواه فيها.

توحيده في شرعه

أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (1)}. تَوْحِيدُهُ فيِ شَرْعِهِ: 52 - وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى: تَوْحِيدُهُ فيِ شَرْعِهِ فَلَا حَاكِمَ وَلَا مُحَلِّلَ وَلَا مُحَرِّمَ سِوَاهُ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}، - {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}، - {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ (2)}،

_ (1) حاجزاً: أي جعل مانعاً من الأرض يمنع بين الماء الملح والماء العذب حتى لا تفوت المنفعة المقصودة من كل منهما. والقرار: المقر من الأرض الثابت المطمئن. والقرار والمستقر بمعنى واحد. وخلفاء: أمة تخلف أمة الى أجل معلوم. قليلا ما تذكرون: أي قليل ذكركم لنعمة الله. وَنُشُراً: النَّشْرُ مصدر الريح الطيبة أو الريح عموماً، ولم يأت لفظ الريح في القرآن مفرداً إلا في الشر، والرياح بالجمع إلا في الخير ولذا جاء في الدعاء: اللهم اجعلها رياحاً لا ريحاً. ويبدأ الخلق ثم يعيده: كالمطر مثلا، فإن أصله ماء، ثم يصير بخاراً، وقد يجمد فيصبح ثلجاً ثم يذوب فيعود ماء، وبرهانكم: أي دليلكم على ادعائكم. (2) وصف ألسنتهم بالكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب، فألسنتهم كأنها هي الكذب بذاته مجدا فيها. والافتراء تعمد الكذب.

لا يخلق العبد أفعال نفسه

- وَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا (1) بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}، - {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}، - {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (2)}. لاَ يَخْلُقُ الْعَبْدُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ: 53 - وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى فِي رُبُوبِيَّتِهِ: اِعْتِقَادُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ، فَهُوَ مَا لَمْ يَخْلُقْ ذَاتَهُ وَلَمْ يَخْلُقْ صِفَاتَ ذَاتِهِ، كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَهُ، فَهُوَ كُلُّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَهُ مُبَاشَرَةً لِأَفْعَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَبِذَلِكَ كَانَتْ

_ (1) سفها: جهلا. (2) وأحسن تأويلا: لأن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في دينهم ودنياهم. والتأويل: التقدير من تأول الكلام إذا فسره وقدره.

للعبد اختيار

أَعْمَالًا لَهُ وَكَانَ مَسْؤُلًا عَنْهَا وَمُجَازًى عَلَيْهَا وَتِلْكَ الْمُبَاشَرَةِ هِيَ كَسْبُهُ وَاكْتِسَابُهُ (1). فَيُسَمَّى الْعَبْدُ عَامِلًا وَكَاسِبًا وَمُكْتَسِبًا وَلَا يُسَمَّى خَالِقًا، - لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}، - {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (2)}، - {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (3) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}. لِلْعَبْدِ اخْتِيَارٌ: 54 - وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى فِي رُبُوبِيَّتِهِ: اعْتِقَادُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَخْرُجُ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ عَن مَّشِيئَةِ اللَّهِ، غَيْرَ أَنَّ لَهُ اخْتِيَاراً يَجِدُهُ بِالضَّرُورَةِ مِن نَّفْسِهِ، وَمَشِيئَةٍ يَجِدُهَا كَذَلِكَ فِيمَا يُمَكِّنُهُ مِنْ أَفْعَالِهِ كَانَ بِهِمَا مُكَلَّفًا، ثُمَّ هُوَ لَا يَخْرُجُ بِهَا عَن مَّشِيئَةِ اللَّهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ

_ (1) كسبه واكتسابه: الأول في الخير والثاني في الشر. والكسب والاكتساب في اللغة: الطلب والجمع مطلقاً. (2) الضمير فمالها وعليها للنفس. (3) مثقال ذرة: مقدارها وميزانها، والذرة: واحدة الذر، وهو الهباء والغبار الدقيق المنتشر في الهواء. وهذا من تمام العدل والانصاف للانسان أن يجازى على كل ما يعمل من خير أو شر.

علم الغيب عند الله

عَلِيمًا حَكِيمًا}، - {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، - وقوله تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، - "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}، - {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}، - {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}. عِلْمُ الْغَيْبِ عِنْدَ اللهِ: 55 - وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى فِي رُبُوبِيَّتِهِ: اعْتِقَادُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَهُوَ مَا غَابَ عَنِ الْحَوَاسِّ، وَلَا يُوصَلُ إِلَيْهِ بِصَحِيحِ النَّظَرِ، فَلَا يَعْلَمُ مِنْهُ إِلَّا مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ الْخَبَرِ.

_ (1) أي لو نزلنا إليهم الملائكة، وكلمهم الموتى، وجمعنا لهم كل شيء ما كانوا ليؤمنوا إلا بمشيئة الله، ولكن أكثرهم يجهلون فيظنون أن إيمانهم يتوقف على ظهور معجزة. وقبلا: أصنافاً متعددة جمع قبيل وقبيل، أي صنف صنف أو مقابلة. وأما قوله تعالى: "لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا" فمعناه لا طاقة لهم بها. (2) ظاهره أمر وباطنه زجر وتهديد كقوله تعالى:"اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ" وهو من سنن العرب: [إذا لم تستح فاصنع ما شئت]،. ففيه تهديد ووعيد على الفعل.

فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ حِينَئِذٍ كَمَا جَاءَ بِدُونِ زِيَادَةٍ وَلَا تَنْقِيصٍ (1)، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (2)}، - {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا}، - {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ}، - {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}، - {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}، - {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (3)}.

_ (1) لأن من صفات المؤمن الإيمان بالغيب. ومن المغيبات التي نؤمن بها ولا ندركها بحواسنا: الملائكة، والجن، والجنة، والنار، والعرش، والصراط، والميزان .. إلخ وصحيح الخبر هو الكتاب والسنة. (2) رصدا: حراساً من الملائكة، وقوله تعالى: " إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ " يخرج بهذا دجاجلة الغيب، والمبالغات والتهاويل في شأن الأولياء، وافتراءات أهل الديوان ومن ينسب إليهم من الأقطاب والأغواث والأوتاد، وسماسرة الغيب الآخرين من ضاربي الرمل والودع، وقارئي الكف والطالع وغير ذلك من مختلف الوسائل التي تلبس على العامة والدهماء وضعاف العقول. (3) لا تقف: لا تتبع، وكل عضو مسئول عنه صاحبه أي عما فعل به. والفؤاد هنا: العقل.

الإيمان بالقدر

الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ. الْقَدَرُ: 56 - الْقَدَرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِحَاطَةُ بِمِقْدَارِ الشَّيْءِ. تَقُولُ: قَدَّرْتُ الشَّيْءَ أُقَدِّرُهُ قَدَرًا إِذَا أَحَطْتَ بِمِقْدَارِهِ. وَقَدَرُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ تَعَلُّقُ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ أَزَلًا بِالْكَائِنَاتِ كُلِّهَا قَبْلَ وُجُودِهَا، فَلَا حَادِثَ إِلَّا وَقَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَيْ سَبَقَ بِهِ عِلْمُهُ وَتَقَدَّمَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ، فَكُلُّ حَادِثٍ فَهُوَ عَلَى وِفْقِ مَا سَبَقَ بِهِ عِلْمُ اللَّهِ وَمَضَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ (1)، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، - {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (2)}،

_ (1) ليت دجاجلة علم الغيب وسماسرة الذين يفترون على الله ما لا يعلمون ويوهمون بالحروز ونحوها يتدبرون هذا. والوفق مصدر: الموافقة والمطابقة بين الشيئين. ومضت إرادته: نفذت إرادته. وكم يعجبني قول الامام الشافعي - رضي الله عنه - في القضاء والقدر: مَا شِئْتَ كَانَ وَإنْ لَمْ أَشَأْ ... وَمَا شِئْتُ إِن لَّمْ تَشأْ لَمْ يَكُنْ خَلقْتَ الْعِبَادَ لِمَا قَدْ عَلِمْتَ ... فَفِي الْعِلْمِ يُجْزَى الْفَتَى وَالْمُسِنْ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَمِنْهُمْ سَعِيدٌ ... وَمِنْهُمْ قَبِيحٌ وَمِنْهُمْ حَسَنْ عَلَى ذَا مَنَنْتَ وَهَذَا خَذَلْتَ، ... وَذَاكَ أَعَنْتَ وَذَا لَمْ تُعِنْ (2) يعني أن التقدير سبق به علم الله وإرادته.

القدر مكتوب في اللوح المحفوظ

- وَلِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام:" وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وِشِرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ". الْقَدَرُ مَكْتُوبٌ فيِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ: 57 - وَكَمَا سَبَقَ قَدَرُ اللَّهِ لِلْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَن يَّخْلُقَهَا كَذَلِكَ كَتَبَهَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ خَلْقِهَا، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}، - وَلِحَدِيثِ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:" كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ

_ (1) تقدم الحديث بتمامه في تعليق بيان معنى الاسلام رقم (18) رواه مسلم من غير زيادة (حلوه ومره). (2) يعني أمر القلم فكتبها في اللوح. والقلم واللوح من الأمور الغيبية نؤمن بها ولا ندركها بحواسنا. (3) المصيبة كل ما يصيب الإنسان من خير او شر وقد تطلق على ما يناله من مكروه فقط: والكتاب هنا هو اللوح المحفوظ وهو من الأمور الطبيعية التي نؤمن بها ونكل الى الله وصفه وما هيته. نبرأها: نخلقها. تفرحوا: فرح البطر والعجب وهذا ممنوع. والمختال الفخور: المتكبر المعجب بنفسه وهذا أيضا ممنوع.

العمل بالشرع والجد في السعي مع الإيمان بالقدر

الْخَلَائِقَ قَبْلَ أَن يَّخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ (1) " رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الْعَمَلُ بِالشَّرْعِ وَالْجِدِّ فيِ السَّعْيِ مَعَ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ. كُلٌ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ: 58 - الشَّرْعُ مَعْلُومٌ لَنَا، وَضَعَهُ اللَّهُ لِنُسَيِّرَ عَلَيْهِ أَعْمَالَنَا. وَالْقَدَرُ مَغِيبٌ عَنَّا، أَمَرَنَا اللَّهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى كَمَالُ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ مِنْ صِفَاتِ رَبِّنَا. فَالْقَدَرُ فِي دَائِرَةِ الاِعْتِقَادِ، وَالشَّرْعُ فِي دَائِرَةِ الْعَمَلِ (2). وَعَلَيْنَا أَن نَّعْمَلَ بِشَرْعِ اللَّهِ وَنَتَوَسَّلَ إِلَى الْمُسَبِّبَاتِ الْمَشْرُوعَةِ

_ (1) الخمسين ألف سنة: ليست كالسنين المعروفة عندنا فعلمها عند الله والأعداد في القرآن كثيراً لا مفهوم لها وإنما المقصود التقريب والمثل. والعرش: مخلوق عظيم لله تعالى وهو أول المخلوقات وهو في اللغة: سرير الملك وكرسي الحكم. وعبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي أسلم قبل أبيه ومن طريف أحواله أنه لَيْس بينه وبين أبيه إلا إحدى عشرة او اثنتا عشرة سنة مات ليلة الحرة سنة ثلاث وستين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. (2) لا بد من الإيمان بالقدر والعمل بالشرع ولا منافاة بينهما: قال عليه السلام (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) يعني في شئون الدنيا. أما في الآخرة فمعلوم أن أهل الإيمان في الجنة وغيرهم في النار.

بِأَسْبَابِهَا (1)، وَنُؤْمِنُ بِسَبْقِ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا قَدَّرَهُ مِنْهَا، فَمَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ يُسِّرَ لِأَسْبَابِهَا، وَمَنْ سَبَقَتْ لَهُ الشَّقَاوَةُ يُسِّرَ لِأَسْبَابِهَا، - لِحَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:" كُنَّا فِي جَنَازَةٍ، فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ (2) فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ (3)، فَنَكَسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ (4) إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً.

_ (1) كتوسلنا للنسل بالزواج وللزرع بالحرث، والعلم بالتعلم وهكذا مع الإيمان بالقدر. ولا يجوز أبداً ترك العمل الممكن المعلوم الذي أمر به الشرع اتكالاً على القدر المغيب المجهول عندنا مع إيماننا به. (2) بقيع الغرقد: اسم مقبرة بالمدينة المنورة ضمت رفات عدد كبير من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين -. (3) المخصرة: عصا رقيقة يتوكأ عليها ونكس رأسه: حناه وطأطأه للتفكير والتدبر. ينكت: ينقط الأرض بالمخصرة شأن المفكر المتدبر لأن الحركة العقلية مرتبطة بالحركة البدنية غالباً. يقال للشيء الغامض (فيه نكتة) أي مسألة تحتاج الى التروي واستعمال الفكر وفي هذه الحال يبدأ الإنسان يعبث بأصابعه أو بما في يده بلا شعور- فينكت الأرض أو ينقر رأسه أو غير ذلك كأنما يبحث عن شيء فقده. (4) منفوسة: مخلوقة.

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ (1)، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى الشَّقَاوَةِ؟ فَقَالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ: أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَسَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَسَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ (2)، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (3) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى .. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى .. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (4)، - وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ

_ (1) أي على ما كتب لنا وقدر. (2) القدر مغيب عنا والشرع معلوم لنا فيجب الإيمان بالأول والامتثال للثاني، ولا يرتبط الإنسان بالغيب ويدع المعلوم، ولايحتج بالقدر وحده دون الشرع، كأن يعمل محرماً ويقول قدره الله بل فعلته شهوته وامتثل لما سولته له نفسه، وترك الامتثال للشرع فكلامه مردود. وحجته باطلة لأنه لا يعلم قدر الله المغيب عنه متى يحتج به. (3) أعطى ما وجب عليه من زكاة وغيرها، واتقى أي امتنع عما نهى عنه كالمحرمات والمكروهات. والحسنى الشهادة. واليسرى هي الجنة، والعسرى هي النار، فمن سار في طريق الخير سهله الله له ووجد خاتمة مطافه الجنة. ومن سار في طريق الشر واستمر فيه وجد خاتمة مطافه جهنم. (4) هذه رواية مسلم، أما البخاري فقد رواه بلفظ آخر.

الاحتجاج بالقدر

عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ. وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ .. كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ (1). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الاِحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ. لاَ يُحْتَجُّ بِالْقَدَرِ فيِ الذُّنُوبِ: 59 - لاَ يُحْتَجُّ بِالْقَدَرِ فيِ الذُّنُوبِ (2) لِأَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ قَائِمَةٌ عَلَى الْخَلْقِ

_ (1) من مقتضى الإيمان القوة والحركة والعمل فليتحرك الإنسان وليعمل بما يقوى عقله وقلبه وبدنه؛ فيقوى العقل بالعلم والتفكير، والقلب بالإيمان واليقين، والبدن بالنظافة والرياضة، ومن كان كذلك فهو أحب الى الله والناس من المؤمن الضعيف. قال عمر بن الخطاب يوماً لجماعة القراء وهم يمشون الهوينا: (لا تميتوا علينا ديننا أماتكم الله). وقالت عائشة - رضي الله عنها - تخاطب القراء أيضاً: (كان عمر إذا ضرب أوجع وإذا مشى أسرع واذا تكلم أسمع). ولا تعجز: معناه لا تيأس، وعمل الشيطان وساوسه ومداخله وأوهامه للافساد وفي الحديث علاج ضعف الإيمان من أول قوله: احرص الى آخره. (2) بمعنى لا يلقى الانسان التبعة على القدر ويقول أنا مسير لا مخير. وكثيراً ما يقول الانسان الشر في ذلك فعوقه عن النهوض وتنمية الإرادة والعزيمة والقدرة.

الحذر والقدر

بِالتَّمَكُّنِ وَالاِخْتِيَارِ وَالدَّلَالَةِ الْفِطْرِيَّةِ وَالدَّلَالَةِ الشَّرْعِيَّةِ (1)، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (2)}. الْحَذَرُ وَالْقَدَرُ. وُجُوبُ الْحَذَرِ: 60 - مَعَ الِإيمَانِ بِالْقَدَرِ يَجِبُ الْأَخْذَ بِالْحَذَرِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}. الْحِكْمَةُ وَالْعَدْلُ فيِ الْقَدَرِ. الْقَدَرُ كُلُّهُ عَدْلٌ: 61 - الْقَدَرُ كُلُّهُ عَدْلٌ وَحِكْمَةٌ، فَمَا يُصِيبُ الْعِبَادَ فَهُوَ جَزَاءُ أَعْمَالِهِمْ.

_ (1) الدلالة الفطرية: هي ما يدركه الإنسان بفطرته وخلقته من ضار ومن نافع. وحتى الحيوانات تعرف ذلك والدلالة الشرعية: هي ما جاء في شرع الله عن الحرام وعن الحلال. وقدرة التمكن والاختيار: لايمكن إنكارهما. (2) يخرصون: يقولون غير الحق لأنهم لا يعلمون أن الله شاء لهم أو لم يشأ فكيف يحتجون بالقدر وهو مغيب عنهم. ولهؤلاء المشركين حجة أخرى عرجاء في عكوفهم على معبوداتهم الباطلة إذ قالوا: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) وهم بهذا كالقردة يقلدون بدون فقه وبلا تدبر وهم بذلك أيضاً يلغون وجودهم الإنساني، وميزة التفكير والعقل، فيرتدون عن الإنسانية الرشيدة الى الطفولة والبشرية البدائية.

وَقَدْ تُدْرَكُ حِكْمَةُ الْقَدَرِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، لِأَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: الْحَكِيمُ، وَرَدَ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: الْعَدْلُ، وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ التَّرْمِذِي، - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْكَرْبِ «عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ» (1)، - ولِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}.

_ (1) تقدم حديث الكرب بتمامه في درس (39) في (عقيدة الاثبات والتنزيه).

الإيمان بالملائكة عليهم السلام

الْإِيمَانُ بِالْمَلاَئِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ. الْمَلاَئِكَةُ: 62 - الْمَلَائِكَةُ مَخْلُوقُونَ مِنَ النُّورِ، لَا يُوصَفُونَ بِذُكُورَةٍ وَلَا بِأُنُوثَةٍ. مُيَسَّرُونَ لِلطَّاعَاتِ، مَعْصُومُونَ مِنَ الْمَعَاصِي مُسَخَّرُونَ بِإِذْنِ اللَّهِ فِي شُؤُونِ الْخَلْقِ وَتَدْبِيرِ الْكَوْنِ، وَحِفْظِ الْعِبَادِ، وَكِتَابَةِ أَعْمَالِهِمْ، أُمَنَاءُ عَلَى الْوَحْيِ فِي حِفْظِهِ وَتَبْلِيغِهِ، - لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - "خُلِقَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ (1) مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا؟! أَأُشَهِدُوا؟ خَلْقُهُمْ!! سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}، - وَمَنْ

_ (1) المارج: الشعلة ذات اللهب الشديد، وهو من قولك مرج الشيء اذا اقترب ولم يستقر وكذلك اللهب مضطرب. فقوله من مارج من نار: أي من نار لا دخان لها. (وخلق آدم مما وصف لكم) أي من صلصال كالفخار، والصلصال هو الطين اليابس اذا نقرت عليه صلَّ وصوت، والفخار طين ولكنه مطبوخ وصل وصلصل بمعنى واحد مثل صر الباب وصرصر عند الإغلاق. بمعنى أحدث صوتاً.

عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (1)}، - {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (2)}، - {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (3)}، - {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (4)}، - {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (5)}، - {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}، - {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}، - {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ (6) مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، - {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ

_ (1) ولا يستحسرون: لا يكلون ولا يسأمون لشدة محبتهم وقوتهم فهم لا يعيون ولا يتعبون. لا يفترون: لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة. (2) الصافون أقدامهم في العبادة والجهاد وكل الطاعات والعبادات هم فيها صفوف صفوف مثل الناس في الصلاة. (3) مشفقون: أي خائفون. (4) من فوقهم: الفوقية معنوية، فالله سبحانه لا يحد بزمان ولا مكان. (5) المقسمات أمراً: هم الملائكة يقسمون المقدرات التي قدرها الله تعالى. (6) معقبات: ملائكة يعقب بعضهم بعضا في الليل والنهار.

مَا تَفْعَلُونَ}، - {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (1)}، - {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ (2)}، - {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (3)}، - {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا، عُذْرًا أَوْ نُذْرًا}، - {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}.

_ (1) رقيب عتيد: الرقيب: هو الحافظ لأعماله، والعتيد: هو المعد الحاضر، قيل هما ملكان من ملائكة الله يسجلان على الانسان حسناته وسيئاته وقعيد ملك قاعد مثل جليس وجالس. (2) سفرة: ملائكة يسفرون بين الله وبين أنبيائه واحدهم سافر من سفرت بين القوم اذا مشيت بينهم بالصلح فجعلت الملائكة اذا نزلت بالوحي لهداية ولتربية الناس وتأديبهم كالسفير الذي يصلح بين القوم. وقيل سفر كتب أي ينسخونها من الصحف. (3) مكنون محفوظ ومصون من الخلط والزيادة والتنقيص. ومكنون من كن الشيء وأكنه اذا ستره وأخفاه في كنه والكن وقاء كل شيء وستره. " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ".

الإيمان بكتب الله تعالى

الْإِيمَانُ بِكُتُبِ اللهِ تَعَالَى. 63 - نُؤْمِنُ بِجَمِيعِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَمِنْهَا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْقُرْآنُ (1). وَمِنْهَا غَيْرُهَا مِمَّا لَمْ نَعْلَمْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ فَكُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكُلُّ مَا فِيهَا حَقٌّ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ}، - {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ، وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ}، - {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}. حِفْظُ اللهِ الْقُرْآنَ دُونَ غَيْرِهِ: 64 - حَفِظَ اللَّهُ الْقُرْآنَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصِ وَالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ، فَبَقِيَ كَمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ كُلُّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَمْ

_ (1) التوراة كتاب موسى عليه السلام. والإنجيل كتاب عيسى عليه السلام والزبور كتاب داود عليه السلام والقرآن كتاب محمد عليه السلام ويسمى أيضاً الفرقان لأنه يفرق بين االحق والباطل.

القرآن هو الهداية العامة للبشر

يَحْفَظْ غَيْرَهُ مِنَ الْكُتُبِ فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصُ وَالتَّحْرِيفُ وَالتَّبْدِيلُ فَفِيهَا حَقٌّ وَفِيهَا بَاطِلٌ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، - {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا (1) عَلَيْهِ}. الْقُرْآنُ هُوَ الْهِدَايَةُ الْعَامَّةُ لِلْبَشَرِ. وَظِيفَةُ الْقُرْآنِ: 65 - نُؤْمِنُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى هِدَايَةً عَامَّةً لِجَمِيعِ الْبَشَرِ لِمَا فِيهِ سَعَادَتَهُمْ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ بِتَنْوِيرِ الْعُقُولِ، وَتَزْكِيَّةِ النُّفُوسِ، وَتَقْوِيمِ الْأَعْمَالِ، وَإِصْلَاحِ الْأَحْوَالِ، وَتَنْظِيمِ الاِجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ عَلَى أَكْمَلِ نِظَامٍ، وَأَنَّ كُلَّ مَا خَالَفَهُ فَهُوَ ضَالٌّ (2)، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

_ (1) مهيمنا عليه: شاهداً ومؤتمنا ورقيباً على كل كتاب قبله لأنه يشهد بصحة الصحيح وسقم السقيم من الكتب السوالف فما وافقه فذلك هو الحق. وما خالفه فهو الباطل (2) التزكية بمعنى التطهير. وخليق بنا إذن أن نقف عند وظيفة القرآن الكريم، فلا نكره آياته على ما لا تتحمله، ولا نفسرها ونطوعها قهراً لما نريده، لأن ذلك ليس من مهمته فلا نحمله عليه.

الإيمان بالسنة إيمان بالقرآن

- {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، - {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1)}، - {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، - وَلِقَوْلِهِ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ (2) بِهِ: كِتَابَ اللَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الْإِيمَانُ بِالسُّنَّةِ إِيمَانٌ بِالْقُرْآنِ. حُجِّيَّةُ السُّنَّةِ: 66 - وَمِنَ الْإِيمَانِ بِكِتَابِ اللَّهِ أَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ (3) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَبَيَانٌ

_ (1) عزروه: نصروه وأيدوه وكانوا معه. (2) اعتصمتم به: تمسكتم به وعملتم بما فيه، ومما نزل من الوحي في حجة الوداع بعرفة قوله تعالى" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" إلخ فقد أتم الله بها التشريع، وأكمل الفرائض والأحكام حتى صار القرآن دستوراً كاملا للإسلام. (3) السنة النبوية هي كل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول وفعل وحكم وتقرير وهي حجة في دين الله بالإجماع.

لِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْأَخْذَ بِهِ أَخْذٌ بِالْقُرْآنِ، وَأَنَّ التَّرْكَ لَهُ تَرْكٌ لِلْقُرْآنِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (1)}، - {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، - ولِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ، وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (2)}، - {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ

_ (1) السنة بيان وشرح وتفسير لما انبهم من القرآن بدليل هذه الآية وغيرها من الآيات البينات الكثيرات مثل: " وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ". (2) أمر بطاعة الله والرسول، وأولى الأمر منا، وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، واتباع السنة. وجاء في الأثر: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). وأحسن تأويلا: لأن حكمه تعالى من أحسن الأحكام- والتأويل هو التفسير والتقدير وما يؤول إليه الكلام من معنى وعاقبة. يقال: تأول فلان الآية أي نظر الى ما يؤول معناها.

يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (1)}، - {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (2)}.

_ (1) الخيرة: الاختيار، وقضى بين الخصمين: حكم بينهما وفصل. ومعنى الآية ليس لأحد من المؤمنين أن يختار بعد حكم الله ورسوله. وما على المؤمن الحق إلا السمع والطاعة والامتثال لله ورسوله والإسراع إلى مرضاتهما. (2) التشاجر: التنازع والتخالف. يقال: (شجر ما بينهم) أي تنازعوا. والحرج الضيق والإثم أو الاعتراض. يقال: (حدّث عن البحر ولا حرج) أي ولا اعتراض عليك. ويسلموا: بمعنى ينزلوا على حكمه ويرضوا بقضائه، ويذعنوا لأحكامه.

عقائد الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام

عَقَائِدُ الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ. الرُّسُلُ: 67 - إِنَّ الرَّبَّ الْحَكِيمَ جَلَّ جَلَالُهُ خَلَقَنَا لِعِبَادَتِهِ، وَفِي عِبَادَتِهِ كَمَالُنَا وَسَعَادَتُنَا، وَعِبَادَتَهُ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَنَا وَنَهَانَا وَأَبَاحَ لَنَا. وَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا بَيَّنَهُ لَنَا، فَاخْتَارَ مِنَّا - تَفَضُّلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً - قَوْمًا فَطَرَهُمْ (1) عَلَى الْفَضَائِلِ وَالْكَمَالَاتِ، وَعَصَمَهُمْ مِنَ الرَّذَائِلِ وَالنَّقَائِصِ وَهَيَّأَهُمْ لِمُلَاقَاةِ الْمَلَائِكَةِ الْأَطْهَارِ، لِيَتَلَقُّوا مِنْهُمْ وَحْيَ اللَّهِ (2) وَبَيَانَهُ لِلْعِبَادِ، فَيُبَلِّغُوهُ إِلَيْهِمْ، وَيَكُونُوا قُدْوَةً لَهُمْ فِي تَنْفِيذِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الَّذِينَ نُؤْمِنُ بِهِمْ كُلُّهُمْ. مَنْ عَرَفْنَا مِنْهُمْ بِتَعْرِيفِ اللَّهِ وَمَنْ لَمْ نَعْرِفْ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}،

_ (1) فطرهم على الفضائل: أنشأهم وطبعهم عليها. وعصمهم من الرذائل: حفظهم ووقاهم منها. (2) وحي الله ما يلقيه إلى أنبيائه ورسله ليعلمهم شرائعه وأحكامه.

- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (1)}، - {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، - {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}، - {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}، - {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ (2) عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، - {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}، - {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ}، - {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (3)}، - {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا}، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ (4)}، - {فَبِهُدَاهُمُ

_ (1) لما يحييكم لما فيه حياتكم وسعادتكم في الدنيا والآخرة. (2) يمن: ينعم ويتفضل. (3) من حكمة الله البالغة أن يختار من البشر من يصلح لتحمل أعباء رسالاته ممن يتصفون بكل كمال. (4) رصدا: حرسا من الملائكة ليحفظوه من اختطاف الشياطين الذين يسترقون السمع، وسبقت الإشارة إلى ذلك في التعليق على الآية في توحيد الله تعالى في ربوبيته درس (55)، وفيها إشارة إلى دجاجلة الغبب وسماسرة الإفك.

الرسل حجة

اقْتَدِهْ (1)}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (2)}، - {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ (3)}. الرُّسُلُ حُجَّةٌ: 68 - هُمْ حُجَّةُ اللَّهِ وَشُهُودُهُ، أَنْبَأَهُمُ اللَّهُ بِوَحْيِهِ، وَأَرْسَلَهُمْ لِتَبْلِيغِهِ لِخَلْقِهِ، لِيُعَرِّفُوهُمْ بِهِ وَبِشَرْعِهِ، وَيُنَبِّهُوهُمْ إِلَى آيَاتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ بِإِنْعَامَاتِهِ، وَيُبَشِّرُوهُمْ بِالسَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ إِذَا اتَّبَعُوهُمْ، وَيُخَوِّفُوهُمْ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالْهَلَاكِ إِذَا خَالَفُوهُمْ، فَقَامَتْ بِهِمْ - لَمَّا بَلَّغُوا الرِّسَالَةَ وَأَدَّوُا الْأَمَانَةَ - حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَكَانُوا - وَهُمُ الْعُدُولُ الْأُمَنَاءُ الصَّادِقُونَ - شُهَدَاءَهُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ لِقَائِهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ

_ (1) اقتده: اتبع يا محمد هؤلاء الأنبياء الأخيار واتبع ملتهم الصيححة، وبذلك اجتمعت له كل الكمالات. (2) لا نفرق بين أحد من رسله: نحن قوم نؤمن بجميع الانبياء والمرسلين عملا بما جاء في القرآن وبهذا ننال رضى الله ورضى جميع أنبيائه، بخلاف من يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض. (3) قصصنا عليك: ذكرنا لك وحدثناك عنهم، وعدد المذكورين في القرآن خمسة وعشرون نعرفهم بأسمائهم جمعهم الناظم في هذين البيتين: فِي " تِلْكَ حُجَّتُنَا " مِنْهُمْ ثَمَانِيَةٌ ... مِنْ بَعْدِ عَشْرٍ وَيَبْقَى سَبْعَةٌ وَهُمُو: إِدْرِيسُ هُودٌ شُعَيْبٌ صَالِحٌ وَكَذَا ... ذُو الْكِفْلِ آدَمُ بِالْمُخْتَارِ قَدْ خُتِمُوا

تأييد الله لهم بالبينات والآيات

مِنْ بَعْدِهِ، وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ (1) وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا، وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا، رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ (2) بَعْدَ الرُّسُلِ، وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}. تَأْييِدُ اللهِ لَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْآيَاتِ. مُعْجِزَاتُ الرُّسُلِ: 69 - لَمَّا أَرْسَلَ اللَّهُ الرُّسُلَ لِهِدَايَةِ خَلْقِهِ، وَإِقَامَةِ حُجَّتِهِ، أَيَّدَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، وَهِيَ كُلُّ مَا تَبَيَّنَ بِهِ الْحَقُّ، مِنْ كَمَالِ سِيرَتِهِمْ فِي َقْومِهِمْ،

_ (1) الأسباط في اليهود كالقبائل في العرب، وهم اثنا عشر سبطاً من اثنى عشر ولدا ليعقوب عليه السلام وسمي هؤلاء بالأسباط، وهؤلاء بالقبائل للفصل بين أبناء الأخوين إسماعيل ويعقوب ابني إبراهيم عليهم السلام. والسبط أيضاً ولد البنت مقابل الحفيد الذي هو ولد الابن. (2) حجة: تعلة واعتذار.

وَوُضُوحِ بَيَانِهِمْ. وَقُوَّةِ حُجَّتِهِمْ، وَأَيَّدَهُمْ بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ (1) الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ الْمَعْجُوزِ عَنْ مُعَارَضَتِهَا (2)، فَكَانُوا يَدْعُونَ الْخَلْقَ بِالْحِجَجِ وَالْبَرَاهِينِ. فَإِذَا سَأَلُوهُمْ آيَةً رَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ وَتَبَرَّأُوا مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَعَهُ تَصَرُّفٌ فِي الْكَوْنِ حَتَّى يَأْتُوا بِالْآيَاتِ، فَيُعْطِيهِمُ اللَّهَ الْآيَاتِ تَأْيِيدًا لَهُمْ، وَتَخْوِيفًا لِقَوْمِهِمْ: فَيَخْضَعَ قَوْمٌ فَيُؤْمِنُونَ، وَيَسْتَمِرَّ الْأَكْثَرُونَ عَلَى الْعَنَادِ (3)، فَتَحِقَّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ،

_ (1) الآيات: العلامات والعبر والعجائب من القول المعجز أو غيره مما فيه العبرة والعظة والتبكيت. والآية من القرآن: جملة كلمات بليغة محكمة. (2) تحدى الرسول العرب وهم أرباب البلاغة وزعماء البيان أن يأتوا بشيء من مثل القرآن فعجزوا وباءوا بالفشل الذريع. فكانت هذه هي آيته الكبرى، وهي آية علمية عقلية باقية لها صفة الديمومة بخلاف معجزات الأنبياء السابقين فمرهونة بوقتها. والخارقة للعادة أي المتجاوزة لحدود المألوف المعروف، المحطمة المهدمة لما اعتاده الناس من عادات بحيث لا يمكن لأحد مهما أوتي من علم ومن فهم ومن براعة وحذق أن يحاكيها أو يقلدها، وبذلك يثبت فشله وعجزه، هذه هى المعجزات الخارقة للعادة. ومن ينكر المعجزات في الحقيقة ينكر نفسه وعقله، ولو طالبناه بإثبات ماهية عقله الذي يحكم به على الأشياء لعجز!! (3) العناد: التمادي على الضلال ومخالفة الحق مع معرفته.=

- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ}، - {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا (1) قَبْلَ هَذَا}، - {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}، - {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ، وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ، جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ، وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ، قَالَتْ رُسُلُهُمْ: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (2)

_ = وتحق عليهم كلمة العذاب: مثل:" حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ" و" حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ": أي وجبت وثبتت عليهم الحجة وقام عليهم الدليل فوجب العذاب وحق العقاب. (1) مرجوَّا: أي كنا نرجو منك الخير والعقل، وإذا بك تخيب آمالنا ورجاءنا فيك وهذا من عنادهم ومكابرتهم. (2) مريب: موقع في الريبة، موجب للاضطراب وهذا منهم محض كذب. وفاطر السموات والأرض: خالقهما ومبدعهما لا على مثال سابق. وأجل مسمى: وقت معلوم معين.

تمام عبوديتهم مع علو مرتبتهم

قَالُوا: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ: إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا، وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (1)}، - ولِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}. تَمَامُ عُبُودِيَّتِهِمْ مَعَ عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ: 70 - هُمْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عُلُوِّ مَنْزِلَتِهِمْ لَا يَمْتَازُونَ عَنِ الْخَلْقِ فِي تَمَامِ عُبُودِيَّتِهِمْ، بِافْتِقَارِهِمْ إِلَى اللَّهِ، وَجَرَيَانِ قَدَرِهِ عَلَيْهِمْ وَعَدَمِ مُلْكِهِمْ شَيْئًا مَعَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مُلْكِهِ، وَعَدَمِ عِلْمِهِمُ الْغَيْبَ إِلَّا مَا عَلَّمَهُمُ

_ (1) بسلطان مبين: بحجة بينة ومعجزة ظاهرة يقترحونها، ومعلوم أن الرسل جاءتهم بالبينات ولكن مع وضوح الحق لج الكافرون في طغيانهم يعمهون. وتصدونا معناه: تصرفونا وتمنعونا. وهدانا سبلنا: دلنا على طرق الحق والاستقامة.

اللَّهَ، وَجَرَيَانِ شَرْعِهِ عَلَيْهِمْ وَقِيَامِهِمْ بِمَا كُلِّفُوا بِهِ خَاضِعِينَ لِلَّهِ رَاجِينَ خَائِفِينَ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ (1)}، - {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (2)}، - {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ (3) وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}، - {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ (4) وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ (5)}، - {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ (6)}، - {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}،

_ (1) لا يأنف ولا يمتنع المسيح عن أن يكون عبداً لله ولا الملائكة كذلك. (2) الضمير لسيدنا موسى عليه السلام. (3) و (4) الضميرلسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. (5) الله هو النافع وهو الضار، وليس للرسول من العلم إلا ما علمه الله، ولو كان يعلم الغيب لاستكثر من أسباب الخير ولما لحقه الأذى واذا كان الرسول لا يعلم الغيب فكيف بغيره؟ (6) الضمير لسيدنا شعيب عليه السلام.

تأدبنا معهم فيما عوتبوا عليه واستغفروا منه

- وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ (1) إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}. تَأَدُّبُنَا مَعَهُمْ فِيمَا عُوتِبُوا عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرُوا مِنْهُ: 71 - هُمْ عِبَادُ اللَّهِ يُخَاطِبُهُمْ بِمَا شَاءَ، وَيُعَاتِبُهُمْ بِمَا أَرَادَ، فَيَعْتَرِفُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ، وَلَيْسَ لَنَا فِيمَا عُوتِبُوا عَلَيْهِ (2) وَاسْتَغْفَرُوا مِنْهُ إِلَّا حِكَايَةَ لَفْظِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مَعَ اعْتِقَادِ احْتِرَامِهِمْ وَإِكْبَارِهِمْ.

_ (1) يبتغون: خَبَر الَّذِين يدعون- والضمير عائد على الملائكة عليهم السلام. والوسيلة: الطاعة والعبادة التي يتوسلون بها للتقرب إلى الله. والمعنى: أن الملائكة والأنبياء وصالحي المؤمنين يعبدون الله ويتنافسون في التقرب إليه بالأعمال الصالحة رجاء رحمته وخوف عذابه. والخوف والرجاء والمحبة أصل كل خير، ووصف الله بها المقربين من عباده الصالحلين. (2) كقوله تعالى:" وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ " وفي حق إبراهيم: " وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ". وغير ذلك مما نتلوه ونؤمن به وليس لنا أن نخوض فيه بموازيننا، بل نكتفي بذكر الخبر كما جاء في القرآن أو في الحديث دون زيادة أو نقصان، لما ثبت للأنبياء من الفضل والمقام الكريم عند الله. قال تعالى:" وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ". والقول المأثور: (حسنات الأبرار سيئات المقربين)، من خير ما يتمثل به في هذا الباب.

وَأَنَّ اللَّهَ يُعَاتِبُهُمْ عَلَى قَدَرِ عُلُوِّ مَنْزِلَتِهِمْ. وَأَنَّهُمْ لِكَمَالِ مَعْرِفَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ وَعَظِيمِ حَقِّهِ عَلَيْهِمْ يَرَوْنَ مَا لَا يُعَدُّ تَقْصِيرًا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمْ تَقْصِيرًا بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}.

ختم الرسالة وعمومها

خَتْمُ الرِّسَالَةِ وَعُمُومُهَا. الرِّسَالَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ: 72 - خَتَمَ اللَّهُ الرِّسَالَةَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَجَعَلَ رِسَالَتَهُ الرِّسَالَةَ الْعَامَّةَ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْمَلَائِكَةِ (1). وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ الشَّرِيعَةَ (2) الْجَامِعَةَ لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبَشَرُ فِيمَا بَقِيَ آخِرُ أَطْوَارِهِمْ فِي وُجُودِهِمْ، وَهُوَ طَوْرُ رُقِيِّهِمْ الْعَقْلِيِّ وَالْعَمَلِيِّ وَالْعِمْرَانِيِّ، فَأَغْنَتْ عَمَّا قَبْلَهَا مِنَ الشَّرَائِعِ فَكَانَتْ نَاسِخَةً (3) لَهَا. وَلِهَذَا جَعَلَ آيَتَهُ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ آيَةً عَقْلِيَّةً خَالِدَةً، يَخْضَعُ لَهَا وَيَهْتَدِي بِهَا كُلُّ مَنْ سَمِعَهَا وَفَهِمَهَا، -لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}، - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}، - {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ

_ (1) جاءت الرسالة للثقلين: الإنس والجن وأما الملائكة فللتشريف لا للتكليف لأنهم عليهم السلام معصومون من المعاصي، منزهون عن النقائص: " لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ". (2) الشريعة ما شرعه الله للناس من أحكام فيتبعونها كما يتبعون الطريق. (3) النسخ: التغيير والتبديل والاستغناء. فرسالة محمد عليه الصلاة والسلام لما جمعت من فضائل الرسالات السابقة، ولما احتوت عليه من خير كامل ونفع عام للبشرية كانت ناسخة لما قبلها من الشرائع أي مبطلة لها.

بَلَغَ (1)}، - {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ (2)}، - {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)}، - {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}، - وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (4) " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

_ (1) المعنى والله أعلم: لأنذركم بالقرآن، وأنذر من بلغه القرآن. (2) صرفنا: أملنا ووجهنا نحوك. والنفر: الجماعة من الثلاثة إلى العشرة، ويطلق أيضا على الواحد يقال: ثلاثة أنفار أي ثلاثة أشخاص. (3) قيل: إن هذه هي آخر ما نزل من القرآن. والصواب أنها من آخر ما نزل من القرآن: فقد نزلت في عرفة في حجة الوداع، ونزل بعدها غيرها. وظاهر معناها: إكمال جميع الفرائض والأحكام قبلها. وأما إتمام النعمة فقد كان باستقرار المسلمين في البلد الحرام الذي كان محرماً عليهم، وبجلاء المشركين عنه مرة وحدة، وأصبح المسلمون يحجون إلى البيت الحرام وحدهم لا يشاركهم فيه أحد من المشركين. (4) كانت آيات ومعجزات الأنبياء والرسل السابقين معجزات حية قوية، وكثيراً ما تكون صارخة حتى آمن بها من آمن ممن شاهدوها. ولكنها ذهبت بذهاب وقتها وموت أنبيائها ولم يبق لها مفعول.=

عقائد الإيمان باليوم الآخر

عَقَائِدُ الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الآخِرِ. إِنْتِهَاءُ الْوُجُودِ الدُّنْيَوِيِّ وَحُدُوثُ الْوُجُودِ الأُخْرَوِيِّ (1): 73 - نُؤْمِنُ بِانْتِهَاءِ وُجُودِ هَذَا الْعَالَمِ الدُّنْيَوِيِّ، عِنْدَ انْتِهَاءِ أَجَلِ وُجُودِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ: فَيَنْحَلُّ نِظَامَ هَذَا الْكَوْنِ، فَيَخْرَبُ الْكَوْنُ الْعُلْوِيِّ، كَمَا يَخْرَبُ الْكَوْنُ السُّفْلِيِّ، لِيَكُونَ وُجُودَ الْعَالَمِ الْأُخْرَوِيِّ فِي كَوْنٍ آخَرَ، وَنِظَامٍ آخَرَ، إِذِ الَّذِي قَدَرَ عَلَى خَلْقِهِ وَنِظَامِهِ، قَادِرٌ عَلَى إِعْدَامِهِ وَإِبْطَالِ نِظَامِهِ، وَعَلَى خَلْقِ مِثْلِهِ وَنِظَامِهِ (2). لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (3) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ}،

_ = أما آية محمد عليه الصلاة والسلام فعقلية معنوية باقية ما بقيت العقول والأفهام، وهي هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولذلك فالرسول يرجو كثرة الأتباع بقدر الاقتناع في كل الأزمنة وجميع البقاع. فالقرآن معجزة رسولنا الكبرى. (1) اليوم الآخر هو يوم القيامة، ويسمى يوم الفصل ويوم الدين،. ويوم الحساب، ويوم الجزاء ... وله أسماء كثيرة. (2) الكون العلوي: عالم السموات، والكون السفلي: عالم الأرضين. (3) مشهود: منظور.

- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ (1)}، - {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (2) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}، - {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ، وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (3)}، - {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا، وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا، فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (4)}، - {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ ... }،

_ (1) الساعة: يوم القيامة. وأيان مرساها. متى وقوعها؟ وكلمة أيان بمعنى أي حين، فهي سؤال عن الزمان مثل متى. (2) انفطرت: انشقت وتصدعت واختل نظامها. وانتثرت: تساقطت متفرقة منتثرة. فجرت: فاضت أو فتح بعضها إلى بعض. بعثرت: قلب ترابها وأخرج موتاها. وكل ذلك من علامات الساعة. علمت نفس ما قدمت وأخرت: أي من الطاعات والأعمال الصالحة. (3) طمست: محقت وذهب ضوؤها كما يطمس الأثر. فرجت: شقت وصدعت. نسفت: قلعت وأتلفت. (4) رجت رجا: زلزت زلزالاً شديدا. بست بسا: فتتت تفتيتا كالدقيق المبسوس. والهباء المنبث: الغبار المنتشر المتطاير في الفضاء.

المعاد والبعث

- {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟ بَلَى، وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}. الْمَعَادُ وَالْبَعْثُ. الْبَعْثُ: 74 - نُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِينَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيُعِيدُنَا بَأَرْوَاحِنَا وَأَجْسَادِنَا (1): فَيَبْعَثَنَا مِنْ قُبُورِنَا وَمِنْ حَيْثُ كُنَّا، إِلَى الْمَوْقِفِ الْأَعْظَمِ، لِلْمُحَاسَبَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ وَالْجَزَاءِ عَلَيْهَا، إِذْ ذَاكَ جَائِزٌ فِي قُدْرَتِهِ، وَوَاجِبٌ فِي عَدْلِهِ وِحِكْمَتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}، - {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}، - {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ (2)}، - {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}، - {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}، - {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ

_ (1) خلافاً لبعض المتفلسفين الذين لا يعقلون ويحكمون خبطهم العقلي في كل أمر ولو كان مغيباً اختص به الله بعلمه، مع علمهم بأن عقلهم قاصر ومتخبط في حكمه تارة يخطىء، وتارة يصيب. يقولون: إن البعث للأرواح دون الأجساد!! (2) المعاد: المرجع قيل: مرجعه مكة. وقيل مرجعه الجنة.

الْأَجْدَاثِ (1) ... }، - {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ (2) ... }، - {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، - {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً، كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (3)، هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ (4) مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ، وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ (5) الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ

_ (1) الأجداث: القبور. (2) يوم الجمع: يوم تجمع الناس للحساب والجزاء. (3) جاثية: مجتمعة من الجثوة وهي الجماعة. أو جاثية بمعنى باركة أي جالسة على الركب وأطراف الأصابع هلعاً وخوفا. والكتاب: صحيفة الأعمال أو الكتاب المنزل على نبينا. (4) نستنسخ: نستكتب. أي نأمر الملائكة بكتابة ما كنتم تفعلون. (5) من تراب: أي أول مرة عند خلق آدم عليه السلام أو من أصل النبات والغذاء حين اختلاطه بغيره. النطفة: المني من النطف وهو الصب. علقة: قطعة من اللحم بقدر ما يمضغ. مخلقة: مسواة، تامة الخلقة. وغير مخلقة: غير=

شَيْئًا، وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً (1) فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ، فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}، - {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا (2) وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}.

_ = تامة الخلق تقذفها الأرحام جمع رحم وهو مستودع الجنين في بطن المرأة. أشدكم: كمالكم الجسمي والعقلي. وأرذل العمر: أخسه وأسوأه وهو سن التخريف والضعف النهائي لجميع القوى الكامنة في الإنسان، بحيث يعود الى مثل الطفولة التي لا تعي ولا تدرك كثيراً، لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً فسبحان المدبر والمقدر ومن يقول لِلشيءِ كن فيكون. (1) هامدة: ميتة خاشعة جامدة اهتزت: تحركت بالنبات. ربت: انتفخت وعلت. الزوج: الصنف والنوع من النبات. بهيج: حسن رائق يبهج الناظرين. (2) عبثاً: سدى وباطلا تتمتعون تمتع الأنعام ولا تكليف ولا حساب.

وزن الأعمال والجزاء عليها

وَزْنُ الْأَعْمَالِ وَالْجَزَاءُ عَلَيْهَا. الْمِيزَانُ: 75 - نُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْصِبُ الْمِيزَانَ (1) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتُوزَنُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ لِيُجَازُوا عَلَيْهَا، وَيُقْتَصُّ مِنْ بَعْضِهِمْ الْبَعْضُ، فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ نَجَا، وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عُذِّبَ، إِذْ ذَاكَ وَاجِبٌ فِي عَدْلِ اللَّهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (2)}، - {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}، - {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَأَمَّا

_ (1) الميزان: مخلوق من مخلوقات الله تعالى لا نعرف شكله ولا كيفيته، فهو مما نؤمن به بلا كيف. ووهم من يفسره بكفتين ولسان، لأن ذلك من البدائية في التفكير والتشبيه. (2) الموازين: يحتمل الجمع والإفراد. ومثقال حبة من خردل: أي مقدارها من الخير أو الشر. وهو مثل يضرب للقلة والتفاهة. وبرغم ذلك فالإنسان يجازى عليه، وهذا منتهى العدل والإنصاف.

مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (1)}، - {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ؟ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ، وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (2)}، - وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -:" أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ... وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ (3) هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ

_ (1) أمه هاوية: مأواه جهنم يأوي إليها راغما كما يأوي الطفل إلى أمه، ومسكنه جهنم يتردى فيها. وراضية مرضية: أي بحيث يرضى بها صاحبها، فوصفت بالرضى والراضي صاحبها. (2) اجترحوا: اكتسبوا بجوارحهم. (3) القذف: رمى العرض بالاتهامات والريب وهو من الكبائر وذلك من الموبقات التي يقع فيها كثير من السفهاء وضعاف العقول والإيمان وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ" فواجب المؤمن أن يتحرز عن ذلك، وأصله الرمي بالحجارة ونحوها، ثم استعمل مجازا في الرمي بالمكاره. سفك الدم أو سفحه: صبه وأراقه.

الصراط

هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الصِّرَاطُ: 76 - وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ يَضْرِبُ الصِّرَاطَ (1) عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ فَيَمُرُّ عَلَيْهِ النَّاسُ أَجْمَعُونَ فَيَنْتَهِي أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَسْقُطُ مِنْهُ فِي النَّارِ أَهْلُ النَّارِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا، وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (2)}. دَارُ الْعَذَابِ: 77 - وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ النَّارَ دَارَ عَذَابٍ وَخُلُودٍ لِمَنْ كَفَرَ، وَدَارَ عَذَابٍ إِلَى أَجَلٍ لِمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ فَاسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ. وَأَنَّ الْعَذَابَ فِيهَا لِلْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَادِ،

_ (1) يضرب الصراط: يضعه وينصبه. (2) جثياً: جاثين على الركب جمع جاث أي بارك على ركبتيه.

- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (1) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}، - وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -:"يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً (2) " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، - وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا

_ (1) الزفير: إخراج النفس والشهيق رده. فالزفير من الصدر، والشهيق من الحلق. قال ابن عباس في الزفير والشهيق: صوت شديد وصوت ضعيف. وقال الثعالبي في فقه اللغة في فصل ترتيب الأصوات: فإذا أزفر به- أي الصوت- وقبح الأنين فهو الزفير. فإذا مد النفس ثم رمى به فهو الشهيق. (2) شعيرة: حبة شعير. برة: حبة بر وهو القمح. ذرة: واحدة الذر وهو الهباء الدقيق المنتشر في الفضاء لخفته وتناهيه في الصغر، تضرب به الأمثال في الدقة والتفاهة، ومع ذلك هو معتبر في الحساب والعقاب والثواب، إذ ذلك مقتضى العدل الإلهي.

دار النعيم

لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ (1)}. دَارُ النَّعِيمِ: 78 - نُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ دَارَ نَعِيمٍ وخُلُودٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَأَنَّ النَّعِيمَ فِيهَا لِلْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَادِ. وَأَنَّ أَعْظَمَ نَعِيمِهَا هُوَ رِضْوَانُ (2) اللَّهِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (3)}، - ولِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا (4) عَلَى الْكَافِرِينَ}،

_ (1) أي كلما احترقت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها حية ليستمر ألمهم وعذابهم وخص الجلود لأنها أماكن الحساسية والاستشعار وشدة الألم. (2) الرضوان: مصدر رضي يرضى رضى ومرضاة ضد السخط ومعناه رضوان الله، ورضاء الله أكبر من الجنة ونعيمها. (3) غير مجذوذ: دائم غير منقطع. يقال: جذذت الشيء وجذذته أي قطعته فنعيمهم باق مستمر لا ينتهي في الجنة إلا ما شاء الله. (4) أي الماء والرزق المذكوران في أول الآية:" وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ.

- وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، - وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} اهـ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيَرا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

_ (1) أي أعظم من كل نعيم آخر، فلا فضل ولا نعيم ولا سعادة أتم وأعظم من مرضاة الله على الإنسان. اللهم إرض عنا ولا تجعلنا من المغضوب عليهم ولا الضالين آمين يارب العالمين.

فهرس

فهرس مقدمة الطبعة الثانية- بقلم الاستاذ محمد صالح رمضان ........ 5 تقديم- بقلم فضيلة العلامة الشيخمحمد البشيرالابراهيمي ..... 15 افتتاح ...................................................... 23 قواعد الإسلام ............................................... 24 بيان قواعد الإسلام الخمس ................................... 24 الكلام على القاعدة الأولى وما يتعلق بها ...................... 24 بيان معنى الإسلام ............................................ 43 بيان معنى الإيمان ............................................. 49 تحصيل ما تقدم ............................................. 53 توارد الإسلام والايمان على الاعتقاد والنطق بالعمل ........... 53 بيان معنى الإحسان ......................................... 66 عقائد الإيمان ............................................... 68 عقيدة الإيمان بالله ......................................... 68 عقيدة الإثبات والتنزيه ...................................... 73 التوحيد العلمي والعملي .................................... 80 الإيمان بالقدر ............................................... 90 العمل بالشرع والجد في السعي مع الايمان بالقدر ............ 92 الاحتجاج بالقدر .......................................... 95 الحذر بالقدر ............................................... 96 الحكمة والعدل في بالقدر .................................. 96

الإيمان بالملائكة عليهم السلام ........................ 98 الإيمان بكتب الله تعالى ............................... 101 حفظ الله القرآن دون غيره .......................... 101 القرآن هو الهداية العامة للبشر ....................... 102 إلايمان بالسنة إيمان بالقرآن .......................... 103 عقائد الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام ......... 106 تأييد الله لهم بالبينات والآيات ....................... 109 تمام عبوديتهم مع علو مرتبتهم ...................... 112 تأدبنا معهم فيما عوتبوا عليه واستغفروا منه ......... 114 ختم الرسالة وعمومها .............................. 116 عقائد الإيمان باليوم الآخر ........................... 118 انتهاء الوجود الدنيوي وحدوث الوجود الاخروي ... 118 المعاد والبعث ........................................ 120 وزن الأعمال والجزاء عليها ......................... 123 الصراط ............................................. 125 دار العذاب ........................................ 125 دار النعيم ........................................... 127 الفهرس ............................................ 129

AL AKAED AL ISLAMIA MIN AL AYAT AL KORANIA WAL AHADITH AL NABAWIA LIL OUSTAZ ALIMAM ABDUL HAMID BEN BADIS RA'ED ALNAHDA ALHADITHA BILMAGHREB ALARABI WA KA'ED AL HARAKA AL ISLAHIEH WA MOUASSISAHA FIL JAZA'ER PUBLICATION Maktabat AI-Chareca Al Jazairia Marazeka Boudaoud Wa Chourakahouma

§1/1