العرف الشذي شرح سنن الترمذي

الكشميري

مقدمة الشرح

مقدمة الشرح

حمداً لمنعم الآلاء العظام ومالك زمام الأنام على ما وفقنا لشرح معاني الآثار، وحل مشكل الأخبار، وألهمنا اختيار ميزان الاعتدال، صادفين عما قيل أو قال وهدانا لما هو عمدة القاري ومشكاة الساري، وفي فيض فتح من الباري، ونور قلوبنا بنور الهداية، وشرح صدورنا بفيض نصّ الرسالة، والصلاة والسلام على من أرسله شافياً لجميع السقام، وسبباً للفوز والسعادة يوم القيام، وأطلعه على ما شاء من الأمور العظام، وعلى آله وأصحابه الغرر الكرام، الذين حازو النعم الجسام، وهم نجوم الاهتداء وسبب الفلاح، بأيهم أردنا الاقتداء سيما الخلفاء البررة والبركاة الذين هم كالأصول الأربعة وتبعهم إلى يوم الدين. وبَعد: فيقول العبد المفتقر إلى رحمة الله المقتدر، وفقه الله لامتثال الأمر والانتهاء عن المنكر، المدعو بمحمد جراغ وقاه الله عما زاغ، حاكياً عن لسان الشيخ العلامة الحبر ألفهامة مولانا أُستاذنا سيدي محمد أنورشاه كان الله مولاه، أنا الشيخ محمود الدهر وفريد العصر مولانا محمود حسن، أنا الشيخ قاسم العلوم والخيرات مولانا محمد قاسم النانوتوي، أنا الشيخ الشاه عبد الغني الدهلوي طيب الله ثراه، أنا الشيخ المشتهر في الآفاق الشاه محمد إسحاق الدهلوي، وقال مولانا ومرشدنا محمود حسن مد ظله العالي حصل في الإجازة من مرشدنا مولانا رشيد أحمد گتگوهي المرحوم، أنا الشيخ الشاه عبد الغني الدهلوي رحمه الله، تعالى أنا الشيخ المشتهر في الآفاق الشاه محمد إسحاق، وأيضاً قال: حصل لي الإجازة من مولانا أحمد علي السهار نفوري ومولانا محمد مظهر النانوتوي رحمه الله ومولانا عبد الرحمن الپاني پتي وقال مولانا أحمد علي ومن بعده: أخبرنا الشيخ المشتهر في الآفاق الشاه محمد إسحاق رحمه الله تعالى، قال: حصل لي الإجازة والسماعة والقراءة من الشيخ الأجل والحبر الأبجل، الذي فاق بين الأقران بالتميز، أعني الشيخ عبد العزيز رحمه الله، وحصل له الإجازة والقراءة والسماعة عن والده الشيخ ولي الله بن الشاه عبد الرحيم الدهلوي، أنا الشيخ أبو الطاهر المدني، أنا الشيخ والدي إبراهيم الكروي عن الشيخ المزاحي عن الشهاب أحمد السبكي عن الشيخ النجم الغيطي عن الزين زكريا عن العز عبد الرحيم عن الشيخ معمر المراغي عن الفخر بن البخاري عن عمر بن طبرزد والبغدادي رحمه الله، أنا الشيخ أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم. . إلخ، للسند وليعلم أن منا إلى صاحب الشريعة - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطعات الأولى منا إلى الشاه محمد إسحاق وهي غير مذكورة في الكتاب، والثانية من الشاه محمد إسحاق إلى عمر بن طبرزد والبغدادي وهي مذكورة في الكتاب قبل التسمية لكونها سائرة في بعض البلاد لا في بعض، والثالثة من البغدادي إلى الإمام

قوله حصل لي الإجازة والقراءة والسماعة ...

الترمذي وهي مذكورة في الكتاب بعد التسمية لاشتهارها في أكثر البلاد، والرابعة من المصنف إلى نص الرسالة - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومتكفلها الإمام المصنف. قوله حصل لي الإجازة والقراءة والسماعة ... قوله: (حصل لي الإجازة والقراءة والسماعة إلخ) واعلم أن القراءة على قسمين: أحدهما: أن تقرأ على الشيخ وهو يسم، ع وثانيهما: أن يقرأ غيرك على الشيخ وأنت تسمع، ويقال في الثاني: قراءة عليه وأنا أسمع. والسماعة أيضاً على قسمين: السماعة على الشيخ وهي أن يقرأ التلميذ ويسمع الشيخ، ويعبر عنها بأخبرنا فلان إلخ، والسماعة من الشيخ، وهي أن يقرأ الشيخ ويسمع التلميذ، ويعبر عنها بحدثنا فلان إلخ، وأما الإجازة في هذا الزمان أن يقرأ التلميذ على شيخه كتاباً كاملاً ثم بعد الختم يطلب الإجازة بكتابة السند المتعارف فيما بيننا أو غيره، وأما في المتقدمين فكانت بأن يكتب التلميذ الأحاديث ويعرضها بحضرة شيخه أو يعرضها بحضرته بدون الكتابة فيجيزه الشيخ بالكتابة أو غيرها، وأما التحديث والإخبار فليس بينهما فرق لغة، وفرق المحدثون بينهما كما حررنا، وقيل إن الراوي مخير بين التعبير بحدثنا موضع أخبرنا وبالعكس لأنه إذا قرأ على الشيخ وأجازه به كان كأنه أخبره به كما إذا سمعت واقعة وعرضتها على أحد فأخبرك بها أيضاً حتى وثقت بها تقول بعد ذلك: أخبرني بها فلان، فهذا هو الوجه لمن خير بينهما، وقيل: إنه ليس بمخير بل يستعمل كل واحد منهما في موضعه مع تسليم الطائفتين التساوي في القبول والقوة، قال مسلم صاحب الصحيح ومن تبعه: إن التحديث أقوى من الإخبار، وقال مالك بن أنس بالعكس ويقولان بقبولهما في التمسك الاحتجاج، والفرق في المراتب. قوله: (أبو الطاهر المدني) إذا كان منسوباً إلى مدينة الرسول، فيقال: مدني بلا ياء قبل النون، وإذا نسب إلى مدينة آخر كمدينة منصور (بغداد) ، يقال: مديني بالياء قبل النون، والمنسوب عند النحاة كالمشتق في العمل والاشتمال على الذات والصفة. قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم) شرع الإمام المصنف رحمه الله في كتابه بالتسمية ولم يذكر الحمد اقتداء بكتب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما حديث (كل أمر ذي بال لم يبدء: إلخ) فمضطرب فإن في بعض ألفاظ (بحمد الله) وفي بعضها (بذكر الله) ، وفي بعضها (ببسم الله) وقال الشيخ تاج الدين السبكي إن الحديث يبلغ مرتبة الحسن وفي سنده قرة وهو مختلف فيه، وأما على تقدير ثبوته فيدل على الابتداء بذكر الله لا بخصوص الحمد الله، وأما ما قال المصنفون من الجمع بين بسم الله والحمد لله بالابتداء الحقيقي والمجازي فليس بمراد، وتدل أقاويلهم على تعدد الحديث، والحال أن الحديث واحد واختلفت الألفاظ. قوله: (عبد الملك بن أبي القاسم إلخ) لفظ الابن إذا وقع بين العلمين المتناسقين يسقط التنوين من العلم الأول، ويسقط الهمزة من الابن في الكتابة أيضاً، ولا يكون الابن مضافاً إليه للعلم الأول، وأما إذا وقع في ابتداء السطر لا يسقط الهمزة.

قوله الهروي الكروخي

قوله الهروي الكروخي قوله: (الهروي الكروخي) صفته لأبي الفتح لضابطة إن الصفات والأحوال إنما تكون للراوي لا لأبيه أو جده إلا عند النقل، كما في يحيى بن سعيد القطان أن القطان صفة سعيد على قول. قوله: (في العشر الأول) عادة العرب أنهم يعتبرون الليالي في التواريخ ولذلك، أتى بالعشر بدون التاء. قوله: (الأزدي) نسبة إلى بني أزد ـ بسكون الزاي ـ المعجمة اسم قبيلة، وقد يبدل الزاي بالسين، فيقال بني أسد، فإذن يلتبس الأسدي المنسوب إلى هذه القبيلة بالمنسوب إلى بني أسد قبيلة أخرى، فقيل في رفع اللبس أن المنسوب إلى بني أزد يستعمل باللام، فيقال: بني أسد والمنسوب إلى بني أسد بلا لام، فيقال: بني أسد، أقول: هذا إذا لم يكن معه ياء نسبة وإن كانت فلا فرق بينهما، فلا يرتفع الالتباس إلا بأن المنسوب إلى بني أزد يقرأ أَسْدياً بسكون الوسط، والمنسوب إلى بني أسد يقرأ أسَدَيّاً بفتح الوسط، وبمعرفة أسماء الآباء والأجداد والتلامذة والمشايخ بالاستقراء. قوله: (وأنا أسمع) وإنما زاد هذا لأنه لم يكن قارئاً بل القارىء غيره، وكان هذا سامياً فكان اسمه مكتوباً في الطبقة، والطبقة في إصطلاح المحدثين ثبت يكون فيه أسماء شركاء الجماعة، ويكتبه كل واحد من الشركاء ليكون سنداً عند التحديث بالأحاديث التي أخذها من ذلك الشيخ مع هؤلاء الشركاء. قوله: (المروزي والمرزباني) قال علماء اللغة: إن مرو نسب إليه الشخص فيقال: مروزي بزيادة (ز) أو كما في النسبة إلى الرّي يقال: رازي، وأما إذا نسب إليه غير الشخص يقال: مروى، ومرزبان لفظ فارسي يقال له دهقان ومرز اسم بنت. قوله: (فأقر به الشيخ الثقة) المراد بالشيخ هو المحبوبي كما في ثبت ابن عابدين، وهذه العبارة ليست في النسخ المعتبرة كما قال مولانا مد ظله العالي، وأما على تقدير وجودها في الكتاب فمرادها أن الشيخ المحبوبي نسخ الكتاب وكان علم من قبله بالصدور، فإذا صار العلم بالكتاب فاحتاج تلامذة الشيخ المحبوبي إلى أن يقر المحبوبي بكتابه وصحته، فلذا قال تلميذ المحبوبي: أقر الشيخ المحبوبي بهذا الكتاب لتوثيق الكتاب. قوله: (قال أبو عيسى إلخ) قد ورد النهي عن التكني بهذه الكنية، ولعل المصنف رحمه الله حمله على خلاف الأولى، لكنه بعيد عن شأن المصنف، ولم يتعرض أحد إلى هذا، وعندي العذر من جانب المصنف أن مغيرة بن شعبة تكنى بأبي عيسى بإجازة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واسم المصنف محمد بن عيسى الترمذي، وترمذ بلدة على ساحل جيحون وهو النهر الذي يضاف إليه ما وراء النهر، وأما النهران جيحان وسيحان ففي بلدة الشام، وعمر المصنف رحمه الله سبعون سنة، وارتحل إلى دار البقاء سنة 279 مائتين وتسعة وسبعين من الهجرة النبوية كما قيل:

~ الترمذي محمد ذو زين ... عطر مداه وعمره في مين وله مناقب غير عديدة، منها ما قال شيخه البخاري: استفدت منك ما لم تستفد مني، وأقول: لست احصل هذا القول، فإن الترمذي وإن كان من جبال الحديث ولكن البخاري كان شمس سماء هذا الفن، ولعله مراده أنه أخذ منه العلم مثل ما لم يأخذ غيره، فإن التلميذ كما يحتاج إلى الاستفادة من الشيخ كذلك يكون الشيخ محتاجاً إلى إفادته وإفشاءه علم الدين، ويحتاج إلى تلميذ ذكي والله أعلم، وله مناقب في الحفظ منها أنه سافر للحج فلقيه بعض المحدثين في الطريق والتمس منه التحديث، قال الشيخ: جيء بالقلم والدواة، فالتمس الترمذي فلم يجدهما فجلس بين يدي شيخه وجعل يجر أصبعه على القرطاس، وأخذ الشيخ في التحديث، وروى له قريب ستين حديثاً، فإذن وقع نظر الشيخ على القرطاس فوجده خالياً صافياً فغضب على الترمذي وأخذ يقول إنك تضيع أوقاتي، فقال الترمذي: حفظت الأحاديث فقرأ الأحاديث المسموعة عنه عنده، وله مناقب أخر وأما مرتبة كتاب المصنف رحمه الله، فأول مراتب الصحاح مرتبة البخاري، والثانية مرتبة مسلم، والثالث مرتبة أبي داود، والرابع مرتبة النسائي، والخامس مرتبة الترمذي، وهذا المذكور من الترتيب هو المشهور، وعندي أن مرتبة النسائي أي كتابه أعلى من كتاب أبي داود، فيكون النسائي في المرتبة الثالثة لما قال النسائي: ما أخرجت في الصغرى صحيح، وقال أبو داود ما أخرجت في كتابي صالح للعمل فيعم الحسن والصحيح، ومرتبة الترمذي في المرتبة الخامسة حتى قال الحافظ سراج الدين القزويني الحنفي: إن في الترمذي ثلاثة أحاديث موضوعة، لكن المحدثين لم يسلموا حكم وضعه، نعم قبلوا ضعفها أشد الضعف، ولو التفت إلى أن الترمذي يحكم على أكثر الأحاديث من الصحة والحسن والضعف فيكون أعلى من أبي داود، لكن أبا داود أعلى من الترمذي بحسب الإجمال وإن لم يحكم على كل واحد من الأحاديث، وأما ابن ماجه فقالت جماعة من المحدثين إن ابن ماجة ليس بداخل في الصحاح لا شتماله على قريب من اثنين وعشرين حديثاً موضوعاً، فعلى هذا السادس من الصحاح الستة موطأ مالك بن أنس إلا أنه رأى مكتوباً على ابن ماجه صحيح ابن ماجه بقلم علاء الدين المغلطائي الحنفي وهو معاصر ابن تيمية ومن حفاظ الحديث. واعلم أن المؤلفات على أنواع كما ذكر الشاه عبد العزيز رحمه الله في العجالة النافعة: الجامع الذي يحتوي على ثمانية أشياء وهي هذه سير وآداب وتفسير وعقائد وفتن وأحكام وأشراط ومناقب، والجامع هو الترمذي والبخاري، وأما صحيح مسلم فليس بجامع لقلة التفسير فيه، والسنن هي التي فيها الأحكام فقط على ترتيب أبواب الفقه، والسنن أبو داود والنسائي وابن ماجه، ويسمى الترمذي أيضاً سنناً تغليباً، وكذلك إطلاق الصحاح الستة على هذه المعهودة لأن الصحيح صحيح البخاري ومسلم وباقيتها السنن، والمسند الذي يذكر فيها الأحاديث من الصحابة

بحسب رعاية ترتيبهم بدون الترتيب في أبواب الفقه، مثلاً يذكر أولاً الأحاديث المروية عن أبي بكر ثم عن عمر ثم عن عثمان وهكذا، والمعجم الذي يذكر فيه أحاديث الشيوخ مرتبة كالترتيب في المسند. والجزء الذي يحتوي على أحاديث مسألة واحدة معينة كجزء القراءة للبخاري، وجزء رفع اليدين له، والمفرد: الذي يحتوي على أحاديث شخص واحد مثل أحاديث أبي هريرة أو حذيفة، والغريبة: التي فيها تفردات تلميذ واحد من شيوخه ولم تكن مروية عن غيره من تلامذة ذلك الشيخ، وأنواع أخر، مثل المستخرج، والمستدرك. أما شرط أرباب الصحاح فاشترط البخاري الإتقان وكثرة الملازمة للشيخ، واشترط مسلم الإتقان فقط، ولا يشترط ثبوت اللقاء أو كثرة الملازمة، بل يكتفي بالمعاصرة بين الراوي والمروي عنه، وهو مذهب الجمهور في التمسك. واشترط أبو داود كثرة الملازمة فقط، ولم يشترط الترمذي شيئاً منهما، والمراد بهذه الشروط أنهم يكتفون بهذه الشروط ويأتون بما يكون بشرط أعلى من شرطه أيضاً، وبسبب اعتبار كثرة الملازمة وقلتها يقال: إن فلاناً ضعيف في حق فلان وإن كانا ثقتين في أنفسهما، فعلم أن الضعف على قسمين: ضعف في نفسه، وضعف في غيره. وأما مذهب أرباب الستة الصحاح فقيل: إن البخاري شافعي لأنه تلميذ الحميدي وهو تلميذ الشافعي. أقول: لو كان المراد على هذا لقيل: إنه حنفي لأنه تلميذ إسحاق بن راهويه، وأما غيره من شيوخه فمفيدون، وإسحاق من أساتذته الكبار، وإسحاق من خاصة تلامذة ابن المبارك، وهو من خاصة تلامذة أبي حنيفة، ولكن الحق أن البخاري مجتهد، وكثيراً ما يكون اجتهاده موافق الأحناف إلا أنه وافق في المسائل المشهورة بين أهل العصر الإمام الشافعي، مثل: القراءة خلف الإمام، ورفع اليدين، والجهر بآمين. ويظهر هذا لمن يتتبع صحيحه، ولله در ما قال القاضي أبو زيد الدبوسي: ولمسألة يختلف فيها كبار الصحابة يعوذ فهمها ويصعب الخروج منها، وإن المسائل مختلفة فيما بين المجتهدين، وهي تحت الحديث ويساعده تعامل السلف ويكون السلف الصالح مختلفين فيها لا يمكن الاتفاق على أحدها إلى قيام القيام. وأما مسلم فلا أعلم مذهبه بالتحقيق، وأما ابن ماجه فلعله شافعي، والترمذي شافعي، وأما أبو داود والنسائي والمشهور أنهما شافعيان، ولكن الحق أنهما حنبليان، وقد شحنت كتب الحنابلة بروايات أبي داود عن أحمد، والله سبحانه وتعالى أعلم.

أبواب الطهارة

أبواب الطهارة

قال الحافظ بدر الدين العيني الحنفي: ومن مصطلحات أرباب الحديث التعبير بالكتاب إذا كانت تحته أحاديث أنواع مختلفة، ولك التعبير بالأبواب، وبالباب إذا كانت الأحاديث من نوع واحد، وقول الترمذي: أبواب الطهارة ترجمة، ويظهر فقه المحدث من ترجمته، كما قيل: فقه البخاري في تراجمه، وله محملان: أحدهما: أن مسائل فقه المختارة عنده تظهر من تراجمه، وثانيهما: أن ذكاءه يظهر من تراجمه، والبخاري سابق الغايات في وضع التراجم، فإنه قد تحيرت العقلاء فيها، وسهل التراجم تراجم الترمذي، وتراجم أبي داود أعلى من تراجم الترمذي، واقتفى النسائي في تراجمه أثر شيخه البخاري، وبعض تراجمها متحدة حرفاً حرفاً، ومستبعد ـ والله أعلم ـ سيما إذا كان النسائي من تلامذة البخاري، وما وضع مسلم بنفسه التراجم. قوله: (عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلخ) كان المحدثون المتقدمون يخلطون بين المرفوعات والأثار، وأول من ميز بينهما الإمام أحمد بن حنبل وتبعه المتأخرون. وقال الترمذي: عن رسول الله مشيراً إلى أن الورادة ههنا مرفوعات لا آثار. والمرفوع: ما أسند إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلاً أو قولاً أو تقريراً.

باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور

باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور

[1] قوله: (ح وحدثنا الخ) ح يسمى تحويلاً، والاختلاف في القراءة فإن المغاربة يقرؤون تحويل والمشارقة يقرؤون ح بالمد أو القصر. قال سيبويه: إن أسماء حروف التهجي إن كانت مركبة في الكلام فممدودة، كما قال محمد في قصيدة البردة:

~. . . . . . . . . . . . . . . ... لولا التشهد كانت لاءه نعم وإن كانت منفردة فمقصورة كما يقال في حين التعداد: با، تا، ثا. أقول: إن هذه الضابطة ليست بأسماء حروف التهجي بل في ذلك كلمة ثنائية تكون في آخرها ألف. واعلم أن التحويل على قسمين: أحدهما: اجتماع الطرق المتعددة من الأسفل، ويسمى الراوي المشترك مداراً ومخرجاً، وهذا التحويل كثير، ثانيهما: افتراق الطريق الواحد من الأسفل إلى طرق كثيرة، والتحويل بكلا قسميه قد يكون بطريقين وقد يكون بأزيد منهما. (فـ) ربما تجد في كتب الصحاح وغيرها أنهم يبدؤون السند من الأول أي الأعلى بالعنعنة ثم في الأسفل بالإخبار والتحديث؛ لأن التدليس لم يكن في السلف وحدث في المتأخرين فاحتاج المحدثون إلى التصريح بالسماع، ولا يقبل حديث المدلس إلا عند التصريح بالسماع أو ما يدل عليه. والتدليس على أنواع: أحدها: أن يسقط الراوي اسم شيخه لغرض من الأغراض ويروي عن شيخ شيخه بعن كي لا يكون كاذباً، وثانيهما: تدليس التسوية وهو حذف الرواة الضعفاء من بين السند ورواية الحديث بطريق ثقاته بالعنعنة كتدليس وليد بن مسلم عن الأوزاعي كما سيجيء. وثالثها: أن يذكر الراوي اسم شيخه إن كانت المشهورة كنيته، أو يذكر كنيته إن كان المشهور اسمه ولا يسقط بهذا عدالته ولا ضيق في هذا، وأما القسمان الأولان فقبيحان، وقال شعبة: إن التدليس حرام والمدلس ساقط العدالة، ومن ثم قالوا: السند الذي فيه شعبة بريء عن التدليس وإن كان بالعنعنة والجمهور إلى قبح التدليس، ولكنه لا يسقط به العدالة، وإذا صرح بالسماع أو ما حاذاه يقبل الحديث، ومن عادة المحدثين ضم المتن لأقرب الطرق المتعددة، ومن عادتهم أيضاً ضم متن الحديث للسند العالي، والمصنف راعى العادة الثانية كما يدل عليه قوله: قال هناد في حديثه: إلا بطهور إلخ، فعلم أن المذكور ليس متن هناد، وأما وجه اختياره العادة الثانية على الأولى فعلى ما قيل: سئل ابن المبارك: ما يشتهي قلبه؟ قال: سند عالٍ وبيت خالٍ. قوله: (لا تقبل صلاة بغير طهور إلخ) القبول على قسمين: أحدهما: كون الشيء متجمعاً بجميع الأركان والشرائط. وثانيهما: وقوعه في حيز مرضاة الله، وقال ابن دقيق العيد: إن القبول مشترك في المعنيين ولا قرينة على المعنى الأول، وأما الثاني فغير معلوم بغير الله تعالى فلا نعلم ما في حديث الباب، وأقول: إن المراد هو الأول بقرينة الإجماع على عدم صحة الصلاة بدون الطهور، وعدم القبول هو الرد سواء كان لذا أو لهذا، ونسب إلى مالك بن أنس عدم الإعادة على من صلى بلا وضوء، وليست هذه النسبة

صحيحة، ولعل وجه النسبة الاشتهار على الألسنة عدم اشتراط طهارة الثوب والمكان عند مالك رحمه الله فقاسوا عليهما طهور البدن أيضاً، واعلم أن قول: لا تقبل صلاة بالتنوين مثل لا رجل في الدار، بمعنى (نيست هيج مردي ورخانه) ومعنى لا رجل في الدار بالفتح (نيست مردوخانه) ومعنى ما من رجل في الدار (نيت هيج إزمري مردي وخانه) فعلى هذا معنى لا تقبل صلاة بلا طهور (قبول نمى شود سپح غازي بغير طهور وباكى) فعلم أن كل فرد صلاة موقوف على الطهور، واختلفوا في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة في اشتراط الوضوء لهما فقال بعض: لا يشترط الوضوء لصلاة الجنازة، وأما الإمام الشافعي فليس بقائل بما قالوا، ولعل وجه ما قالوا: إن قال الشافعي بالجنازة على الغائب، ويقول: إنها دعاء كسائر الأدعية، فزعم أنها دعاء كسائر الأدعية في عدم وجوب التوضئ أيضاً، والإمام البخاري موافق لنا في اشتراط الوضوء للجنازة، وأما سجدة التلاوة فقال الشعبي والبخاري: لا يشترط التوضئ، كما أخرج البخاري عن ابن عمر: «أنه كان يسجد على غير وضوء» الخ وفي نسخة البخاري الأصيلي: «كان ابن عمر يسجد على وضوء» وقال خدام البخاري: إن الأول أصح وأما الأئمة الأربعة فقائلون بوجوب التوضئ في سجدة التلاوة لأنها ـ أي: السجدة ـ أخص مدارج الصلاة فيشترط لها كما اشترط لها، وأما فاقد الطهورين فرواية عن أبي حنيفة إنه يتشبه بالمصلين، أي يركع ويسجد بلا قراءة، قال مالك: لا يصلي الآن، وقال أحمد بن حنبل: يصلي الآن، ولا يقضي، وللشافعية وجوه أربعة، أحدها: القضاء فقط، وثانيها: الأداء فقط، وثالثها: الأداء في الحال ثم القضاء بعده، ورابعها: وجوب الأداء واستحباب القضاء. (ف) من مصطلحات فقهاءنا التعبير بالقول عما قال المشائخ وبالرواية عما قال الأئمة، وعند الشافعية قول الإمام رواية وأقوال المشائخ وجوه، لنا في التشبه بالمصلين لفاقد الطهورين القياس المستنبط من الإجماعين، أحدهما: من أفسد الصوم أو حاضت المرأة في نهار رمضان أو طهرت أو بلغ الصبي يجب عليهم الإمساك في بقية النهار، وهل هذا إلا تشبه بالصائمين، والإجماع الثاني: أن من أفسد حجة يجب عليه المضي على الأركان ثم يقضي وليس المضي على الأركان إلا تشبه بالمصلين فلما ثبت التشبه في الصوم والحج نعديه إلى الصلاة، وكذا اِكتفاء بعض السلف بالتكبيرة في التحام القتال من هذا، واعترض الخصم علينا في قولنا: البناء على الصلاة لمن أحدث فيها بحديث الباب، فالجواب: أولاً: إن المشي في الصلاة ليس بصلاة كالإياب والذهاب في صلاة الخوف ليس بصلاة، بل فعل في الصلاة، وثانياً: بأن البناء روي مرفوعاً عن عائشة، ولكن الصواب عند أرباب الحديث الإرسال، والإرسال مقبول سيما إذا كان مؤيداً بفتيا الصحابة، فيكون حجة قطعاً، ومن الفتاوى استخلاف عمر وعلي رضوان الله عليهما. قوله: (ولا صدقة من غلول الخ) الغلول في اللغة: سرقة الإبل، وفي اصطلاح الفقهاء: سرقة مال الغنيمة، ثم اتسع فيه فأطلق على كل مال خبيث، قال في الدر المختار: إن التصدق بالمال الحرام ثم رجاء الثواب منه حرام وكفر، وفرَّق البعض بين الحرام لعينه ولغيره، ومنهم العلامة التفتازاني،

أقول: ينبغي الفرق بين الحرام الظني والقطعي، لا في لعينه ولغيره، قال ابن قيم في بدائع الفوائد: من اجتمع عنده مال حرام فتصدق يثاب عليه، وفي الهداية: من اجتمع عنده مال حرام سبيله التصدق وقع التعارض بين الدر والهداية، أقول في دفع التعارض إن ها هنا شيئان: أحدهما: ائتمار أمر الشارع والثواب عليه. والثاني: التصدق بمال خبيث، والرجاء من نفس المال بدون لحاظ رجاء الثواب من امتثال الشارع، فالثواب إنما يكون على ائتمار الشارع، وأما رجاء الثواب من نفس المال فحرام، بل ينبغي لمتصدق الحرام أن يزعم بتصدق المال تخليص رقبته ولا يرجو الثواب منه، بل يرجوه من ائتمار أمر الشارع، وأخرج الدارقطني في أواخر الكتاب: أن أبا حنيفة رحمه الله سئل عن هذا فاستدل بما روى أبو داود من قصة الشاة والتصدق بها. قوله: (هذا الحديث أصح) لا يلزم من قوله هذا أن يكون صحيحاً في نفسه، بل مراده بالأصح والأحسن أعلى الحديث في هذا الباب وإن لم يكن حسناً عند المحدثين، ومن عادة الترمذي إخراجه الأحاديث التي لم يخرجها غيره للاطلاع على ذخيرة الحديث، فمراده أنه أعلى الأحاديث التي لم يخرجها أرباب الصحاح، كذلك قال بعض حفاظ الحديث في عادة الترمذي هذه. قوله: (وفي الباب عن ابن مليح رحمه الله الخ) المراد بذكره ههنا هو أبو أبي المليح لا أبو المليح نفسه، لأن الراوي أبوه، واعلم أن الترمذي مع كونه جامعاً ذخيرة الحديث فيه قليلة بخلاف غيره من أرباب الصحاح إلا أنه يكافئه يذكر: وفي الباب عن فلان وعن فلان الخ، وصنف ابن حجر العسقلاني في استخراج ما ذكر الترمذي في الباب وسماه: «اللباب فيما قال الترمذي وفي الباب» ولكنه غير مطبوع، والأسهل لاستخراج أحاديثه المراجعة إلى مسند أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

باب ما جاء في فضل الطهور

باب ما جاء في فضل الطهور

[2] لفظة «أو» قد يكون لشك الراوي، وقد يكون للتنويع، وإذا كان للشك من الراوي فيقرء بعده لفظ «قال» ، ويعرف ذلك بالذوق.

واعلم أن المصنف أخرج حديث الباب مختصراً، وفي غيره: «وإذا مسح الرأس خرجت كل خطيئته سمعها بأذنيه» الخ فدل على أن الأذنين في حكم الرأس، ودل على عدم ضرورة تجديد الماء لمسح الأذنين كما هو مذهب أبي حنيفة. قوله: (يخرج نقياً من الذنوب الخ) قال المتأخرون: الحسنات مكفرات السيئات الصغائر، وقال المتقدمون: يفوض الأمر إلى الله بلا تقييد بالصغائر والكبائر، وتمسك المتأخرون بما سيأتي «ما لم يغش الكبائر» وأقول: التحقيق أن لا يقيد بالصغائر، ويتمشى على ألفاظ الأحاديث لغة، وفي اللغة: الذنوب العيوب والخطايا ما ليس بصواب، والمعصية (نافر ماني والسيئة برائي) ، فالمعاصي في أعلى مراتب الإثم ودونها السيئات ودونها الخطايا، ودونها الذنوب، وأشكل الحديث بأنه يدل على خروج الذنوب، والخروج يقتضي أن يكون الشيء الخارج ذا جرم، والذنوب أخواتها من المعاني، فالأصوب التفويض إلى الله تعالى، ومن أراد أن يقع في التكلفات، فيرجع إلى ما قال الصوفية بأن وراء هذا العالم المشاهد عالماً يسمى بعالم الأمثال، وراءه عالم الأدوات، وفي عالم الأمثال صور كل شيء في هذا العالم من الأجسام والمعاني، وفي عالم الأرواح أرواح كل شيء كما قالوا: ~ رأابري وآب ويگراست ... آسمان وآفتاب ويگراست وقالوا: إن عالم الأمثال متصرف في هذا العالم المشاهد وألطف منه، وعالم الأرواح متصرف في عالم الأمثال وألطف منه، وليس عالم الأمثال هو دار الآخرة بل موجود الآن، وقالوا: من يذهب في عالم الأَْمْثَالِ أو الأرواح لا يتميز بين أشياء عالم الشهادة وأشياء عالم الأمثال، وأما الروح فعند أهل الإسلام جسم لطيف على شكل كل ذي ذلك الروح واحتجوا على هذا أي جسمية الروح بما ورد في الأحاديث، كما في حديث البراء بن عازب «فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول» الخ أخرجه أحمد في مسنده، وصاحب المشكاة ص134، وفيه: «فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن» وأحاديث أخر دالة على جسمية الروح، ونقل قاضي زاده في تهافت الفلاسفة أن الغزالي قائل بتجرد الروح وكذلك نسب إلى القاضي أبي زيد الدبوسي الحنفي. فأقول: أولاً: إن خلافهما لا يكفي، فإنا نتمسك بنصوص الشريعة من القرآن والحديث. وثانياً: بأن نقل المذهب متعسر، فما لم أر عبارة القاضي أبي زيد لا أنسب إليه هذا الخلاف، وأما الغزالي فقال تلميذه أبو بكر بن العربي: إن الأستاذ غمس في الفلسفة، ثم ضرب بيده وسعى للخروج فلم يسعف بمرامه، والمتقدمون من علماء الإسلام يريدون بالتجرد عدم الكثافة يظهر ذلك من

تفسير سورة الإخلاص للحافظ ابن تيمية رحمه الله، ثم اختلف الصوفية بعد اتفاقهم على مادية الروح في أنه كالبدن للثياب، أو أعضاءه سارية في أعضاء الجسد المشاهد، وقال الشيخ الأكبر في الفصوص: الروح يتشكل بأشكال مختلفة، وقال الجهلاء الفلاسفة: إن الروح مجرد، وتشبثوا بأوهام بما هي أوهن من بيت العنكبوت، منها ما قال الفارابي: إن الروح محل التصور والتصديق وهما معنيان مجردان، ومحل المجرد مجرد، وهذا كما ترى لأنه لم لا يجوز أن يكون تعلق التصور والتصديق بالروح كتعلق النفس الناطقة بالبدن المادي؟ قوله: (هذا حديث حسن صحيح) الحسن والصحيح متقابلان في المشهور، لأن الصحيح ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله ويكون سالماً عن العلة والشذوذ والنكارة، والحسن الذي يكون رواته أقل اتفاقاً من رواة الصحيح وأقل ضبطاً من رواته، فكيف جمع المصنف بين المتنافيين فالأجوبة عديدة، منهاما قال الحافظ ابن حجر: بتقدير كلمته «أو» وعلى تقدير «أو» يكون الحاصل هذا الحديث حسن أو صحيح، أي تردد الترمذي في الحسن والصحة، أو يقال: بتقدير الواو أي حسن وصحيح، والحسن باعتبار طريق، والصحة باعتبار طريق آخر، لكنه ليس بشاف، فإن هذا التردد من الترمذي بعيد، وأما تقدير الواو فلا يجري في جميع المواضع، ومنها ما قال الحافظ عماد الدين ابن كثير: إن الحسن الصحيح مرتبة بين الحسن والصحيح، كالحلو الحامض لكنه أيضاً غير صحيح، لأنه يأتي بأحاديث الصحيحين ويحكم عليها بالحسن الصحيح، والحق ما قال ابن دقيق العيد في الاقتراح: بأنهما متبائنان مفهوماً، ومتصادقان مصداقاً، وبينهما عموم وخصوص مصداقاً كالظاهر والنص، وسيأتي بعض كلام على هذا عن قريب. مقدمة واعلم أن الصحيح عندي على أربعة أقسام: أحدها: أن يكون رواته ثقات وعدولاً ويساعده تعامل السلف. والثاني: أن يصححه إمام من أئمة الحديث بخصوصه. والثالث: أن يخرجه من التزم الصحة في كتابه مثل صحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن السكن، وصحيح ابن حبان، والنسائي، وإن لم يحكم عليه بخصوصه بالصّحة. والرابع: أن يكون الرواة سالمين عن الجرح، ويكونون ثقات فعندي المرتبة الأولى أعلى مراتب الصحيح. والتواتر عندي أيضاً على أربعة أقسام: أحدها: تواتر الإسناد: وهو أن يروي الحديث جماعة يستحيل اجتماعهم على الكذب، وكذلك يكون في القرون الثلاثة وهذا التواتر تواتر المحدثين.

والثاني: تواتر الطبقة: وهو أن يأخذ طبقة عن طبقة بلا إسناد، والقرآن متواتر بهذا التواتر، وهذا تواتر الفقهاء. الثالث: تواتر التعامل: وهو أن يعمل به أهل العمل بحيث يستحيل تكذيبهم، وهذا التواتر قريب من التواتر الثاني، ومثال هذا التواتر العمل برفع اليدين عند الركوع وتركه فإنه عمل به غير واحد في القرون الثلاثة. الرابع: تواتر القدر المشترك: وهو أن يكون مضمون مذكوراً في كثير من الآحاد، كتواتر المعجزة، فإن مفرداتها وإن كانت آحاداً لكن القدر المشترك متواتر، وحكم الثلاثة الأول تكفير جاحده. وأما الرابع: فإن كان ضرورياً فكذلك، وإن كان نظرياً فلا. قوله: (وهو حديث مالك الخ) وإنما أعاده إشارة إلى تفرد مالك واشتهاره عنه، ولم يوجد له متابع بهذا الطريق عن أبي هريرة. قوله: (وأبو هريرة اختلفوا الخ) في اسم أبي هريرة ففيه خمسة وثلاثون قولاً، قيل: عبد شمس، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد شمس في الجاهلية، وعبد الله في الإسلام، واختلف في انصراف أبي هريرة وعدم انصرافه، فقال ملا علي القاري: سئل الحافظ ابن حجر عن انصرافه وعدمه، فقال: وجدناه غير منصرف، والقياس الانصراف، ولعله زعم أن من شروط عدم الانصرف كون هريرة غير منصرف وعلماً قبل إضافة أبي إليه، والحال إنه لا حاجة إلى هذا كما في أبي حمزة وأبي صفرة فعلى هذا يكون عدم الانصراف برواية ودراية، وأما وجه التسمية بأبي هريرة، قيل: كانت له هرة كان كلما يخرج من البيت يضعها في كمه، وكلما دخل يضعها بأصل شجرة والله أعلم. قوله: (الصنابحي الخ) الصنابحي ثلاثة: أحدهم صنابحي بالياء صحابي، والثاني صنابحي بالياء

تابعي واسمه عبد الرحمن ويكنى بأبي عبد الله، ورجل آخر صنابح بلا ياء وهو صحابي، وقد يقال له: صنابحي للشرب ثانياً بالياء أيضاً.

باب ما جاء في مفتاح الصلاة الطهور

باب ما جاء في مفتاح الصلاة الطهور

[3] قوله: (عن سفيان) بعد سفيان تحويل، ولكنه غير مكتوب في الكتاب، وسفيان هذا قد أشكل على أرباب الحديث أنه سفيان بن عيينة أو سفيان الثوري، لأن المعرفة إنما يكون بذكر الآباء والأجداد أو التلامذة أو الشيوخ، والأب والجد غير مذكور، واكثر تلامذة سفيانين وشيوخهم متحدون، فتتبعت ووجدت في تخريج الهداية للطبراني أنه ثوري لا ابن عيينة. قوله: (صدوق) صادق في لهجته وسيء في حفظه. قوله: (وهو مقارب الحديث) اختلفوا في أنه توثيق للراوي أم تضعيفه، وأما في اللغة فلا يدل اللفظ على التليين، فإن معناه أنه متوسط، ولكنه لفظ التوثيق كما سيأتي في الترمذي في مواضع أنه ثقة ومقارب الحديث، منها ما في (ص200) : إن إسماعيل بن رافع ثقة وقوي ومقارب الحديث. قوله: (مفتاح الصلاة الطهور) واعلم أن في هذه الجملة وقرينتيه قصراً لتعريف المبتدأ والخبر، كما قال صاحب التلخيص: وتعريف أحد الطرفين قد يفيد القصر، وقال العلامة: وإنما قال قد يفيد الخ لأن إفادة تعريف أحد الطرفين القصر ليس بضابطة كلية فإنه قد لا يفيده، وقال السيوطي: إن تعريف الطرفين يفيد القصر، وأقول: إن تعريف أحد الطرفين يفيد القصر إذا كان الطرف الآخر مشتملاً على معين القصر كاللام أو في أو غيرهما، مثل: الحمد لله، والكرم في العرب، ثم اعلم أنه

قلما يفيد تعريف أحد الطرفين القصر بلا معين أيضاً، كما في قصيدة بانت سعاد: ذو إبل مسهن الأرض تحليل أي تحلة قسم، ففي: (مسهن الأرض تحليل) قصر بلا معين، وقد لا يكون القصر مع تعريف الطرفين أيضاً، كما في: الكرم الخلق الحسن، ولذا قال مولانا مد ظله العالي: إن الضوابط عصا الأعمى. وقال الزمخشري في الفائق في حديث: (إن الله هو الدهر) : إن فيه قصر المُسنَد إليه على المُسنَد، والمعنى: إن الله هو جالب الحوادث لا غير الجالب، وقال العلامة: فيه قصر المسند على المسند إليه، وردَّ على الزمخشري، أقول: إن ردَّه ليس بذلك، لأن تعريف الطرفين يصلح لقصر المسند إليه على المسند ويصلح للعكس. ثم اعلم أن اللام عند أهل المعاني قسمين: لام العهد الخارجي، ولام الحقيقة، والأول على ثلاثة أقسام: أحدها: ما يكون المعهود مذكوراً سابقاً، ويسمى بالعهد الذكري. والثاني: ما يكون حاضراً، ويسمى بالعهد الحضوري. والثالث: ما يكون معلوماً بين المتكلم والمخاطب، ويسمى بالعهد العلمي. ومثال العهد الحضوري: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] (الخ) . والثاني: أيضاً على ثلاثة أقسام، لأنه إما أن يكون المراد من مدخوله نفس الحقيقة من حيث هي هي، ويسمى لام الجنس، أو من حيث وجودُها في حصة منتشرة، ويسمى لام العهد الذهني، أو من حيث وجودُها في ضمن جميع الأفراد التي يتناولها اللغة، فيسمى لام الاستغراق. وأما عند النحاة فالقسم الثالث للعهد الخارجي عهد ذهني عندهم، ولام العهد الذهني، لأهل المعاني لام الجنس عند النحاة، والمختار عندي هو قول النحاة. وبالجملة الحديث مشتمل على القصر، فقالت الشافعية وتبعهم بفرضية صيغة السلام، وصيغة (الله أكبر) ، وقالوا: الحديث دال على عدم صحة الصلاة وعدم وجودها بدون السلام عليكم ورحمة الله وبدون الله أكبر، ويقول الأحناف بعدم فرضيتهما، ومدار الخلاف على أن المتكلم إذا تكلم ففي كلامه مفهوم ومنطوق، ثم المفهوم المخالف غير معتبر عندنا، ومعتبر عند الشافعية حتى

جعلوه دليلاً، أقول: إن الكلية غير صحيحة من الطرفين، بل يقال باعتبار المفهوم المخالف من غير جعله دليلاً فيحتاج إلى بيان نكات الشروط والقيود والصفات المذكورة في النصوص، ولا تدل نفيها على نفي الحكم، وقد بسطه أبو البقاء في كلياته، ثم قال الأحناف: إن المفهوم المخالف معتبر في عبارات كتب الفقه، والمحاورات فيما بيننا، لأن تحصيل مرادها سهل بخلاف نصوص الشارع، فإن تحصيل مراد كلامه متعسر، فقال الشافعي ومالك وأحمد بركنية السلام والله أكبر بعينهما، والفرض عند الأحناف كل ذكر مشعر بالتعظيم، والسنة الموكدة الله أكبر، وكذلك الخروج بصنع المصلي فرض، ولفظ السلام واجب، هذا هو المشهور منا، ثم اعترض علينا بمَ الفرق بين سنية الله أكبر ووجوب السلام مع أن الحديث لهما واحد، فإما أن يكون كل واحد منهما سنةً وإما أن يكون واجباً؟ فيقال: أن هناك قولاً بالسنية أيضاً، ذكره في البناية على الهداية عن المحيط، ومذهب الطحاوي ـ وهو أعلم الناس بمذهب أبي حنيفة ـ سنية السلام، وتمسك الطحاوي أن علياً رضي الله عنه راوي حديث الباب أفتى بتمامية صلاة من سبقه الحدث بعد التشهد، وأما تأويل كلام الطحاوي بأن المراد بالسنية ثبوته بالسنة وجعله موافقاً للقائلين بالوجوب يأبى عنه العقل السليم، فقال الشيخ الكمال بوجوب الله أكبر، وتمسّك بأن في الكافي أن تارك الله أكبر، آثم ومن المعلوم أن الإثم لا يكون إلا على ترك الواجب، أقول: إن صيغة الأمر من الشارع للوجوب عند صاحب الفتح والبحر، وكذلك نكيره عليه الصلاة والسلام على الترك يدل على الوجوب، ومواظبة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع الترك أحياناً يدل على السنية عندهما وأما مواظبته عليه الصلاة والسلام على أمر بلا تركه أحياناً فللوجوب عند ابن همام، وللسنية عند صاحب البحر، فمدار اختلافهم على هذا، وأما اختلافهم في إثم تارك السنة ـ بأن الشيخ يقول بعدم الإثم، وابن نجيم يقول بالإثم ـ مبني على الاختلاف الأول، لكن صاحب البحر يقول بإثمٍ أقل من الإثم على ترك الواجب، وقال المحقق ابن أمير الحاج: ترك السنة ليس بإثم إلا من اعتاد أو اعتقد عدم السنية، وقال ابن همام: من ترك رفع اليدين عند التحريمة مع التهاون يأثم والله أعلم، أقول: ترك السنة بقدر زائد على ما تركه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يخلو من إثم فبالجملة اندفع الاعتراض الوارد علينا بناء على المشهور، ثم يرد علينا حديث الباب على وجوب لفظ السلام والله أكبر، وأجاب المدرسون عنه بأن المراد من التكبير كل ذكر ينبئ عن التعظيم، أقول: هذا التأويل يرده ذخيرة الحديث من تصريح لفظ (الله أكبر) أخرجه أرباب الصحيحين وغيرهما، وجرى تعامل السلف على الشروع في الصلاة بالله أكبر. واعلم أن ههنا مرتبة الواجب التي قال بها الأحناف، مدارها على تمهيد مقدمة، وهي أن الخبر على ثلاثة أقسام: المتواتر، وهو المروي عن جماعة يستحيل اجتماعهم على الكذب، ويكون هذا الحال في القرون الثلاثة والمشهور هو الذي يكون خبر الواحد في القرون الأول واشتهر بعده، وخبر الواحد، الذي يكون واحداً في القرون الثلاثة، ثم قال الأحناف ـ أي العراقيون ـ بعدم جواز الزيادة

على القاطع بخبر الواحد، وقال الشافعية ومن تبعهم: بجواز الزيادة به على القاطع، أقول: يجوز الزيادة بخبر الواحد عندنا لكن لا في مرتبة الركن والشرط، فيثبت الوجوب والسنية بالخبر الواحد، ولا نهمل خبر الواحد عن الأصل كما زعمه بعض من لاحظّ له في العلم، وتصدى إلى الاعتراض علينا كالنواب المعزول، وليعلم أن الثابت بالظني يجوز إثبات ركنه وشرط بالظني وخبر الواحد، والكلام فيما ثبت بالقاطع، ونقول: إن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فعملنا به معاملة الظن، ولم تثبت به الركن والشرط، وأما الشافعية فعاملوا بالظني معاملة القاطع، فجوزوا زيادة ركن أو شرط بخبر الواحد، والأقرب إلى الضوابط مذهبنا، فإذا تمهد هذا فنقول: إن الشافعية قالوا بركنية ما ثبت بخبر الواحد، ونقول: لا يوجب الركنية لأنه ظني الثبوت فلا يثبت به إلا الوجوب تثبت مرتبة واجب الشيء من هذا المذكور وليعلم أن واجب الشيء لم أجده إلا في الصلاة والحج لا في المعاملات، ولم أجد فيها فرائض أيضاً، وإنما يذكرون لها شرائط وأركاناً لا واجبات وفرائض، بخلاف الشيء الواجب فهو عام، وقد قال الشافعية في الحج بواجب الشيء، أنكروه في الصلاة، وكذلك أنكر غير الشافعية أيضاً مرتبة الواجب، وأقول: قال ابن تيمية في منهاج السنة: إن الصلاة تتركب من الفرائض والواجبات والسنن عند الثلاثة، وعند الشافعي من الفرائض والسنن، فدل على قول الموالك والحنابلة بواجب الشيء فكيف ينكرون علينا إلا أن الواجب قسم من السنة عند الموالك، وأقول: أيضاً يقول الحنابلة بفرضية القعدة الأولى وانجبارها لو تركها بسجدة السهو، وهل هذا إلا مرتبة واجب الشيء، والاختلاف في الألقاب لا في الحكم، ولما وجدنا في الصلاة والحج أشياء أكيدة ثم جبر نقصانها وعدم فساد الصلاة والحج فقلنا بمرتبة الواجب، فالحاصل أن ثبوت مرتبة الواجب من ظنية الدليل، وكذلك يدل تعريف أرباب أصولنا الواجبَ عليها، فعلى هذا قال ابن همام: ليس الواجب في حقه عليه الصلاة والسلام، فإنه ليس له ظن في شيء، وأقول: إن بحث أرباب الأصول في الواجب يكون من حيث صورة الدليل، ولا يتعرضون إلى حقيقة الواجب، تعرض إليها بعض الحذاق، فحقيقته أن الواجب يكون لاستكمال الفرض مثل السنن إلا أن الواجب آكد في الاستكمال، فإذا ثبت وتمهد ما ذكر نقول: إنّ {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] القاطع دل على فرضية ما يشعر بالتعظيم، والحديث الظني ثبوتاً دل على وجوب (الله أكبر) خاصة، وكذلك يقال في غيره، فأصل المناسبة ولكل ذكر مشعر بالتعظيم، وكمالها للفظ (الله أكبر) ، وهذا هو الجواب عما استشكل في التحرير من اعتبار جنس العلة في عين الحكم، فقال: إنه راجع إلى اعتبار العين، في العين وليس كذلك، فإن هناك

أصل وكمال على أن الجنس هناك بمعنى المجانس لا بمعنى الوصف الشامل، فعلم أن بحث الشيخ في (لا صلاة لمن لم يقرأ. . الخ) بأن (لا) لنفي الكمال، فيدل على وجوب الفاتحة ـ غير جيد، فإن مقتضاه ظنية الدليل في الدلالة مع كونه ظني الثبوت، وهو لا يوجب الواجب كما سيبدأ عن قريب، والأصوب البحث في ظنية الدليل في الثبوت، كما أشار إليه صاحب الهداية هو أيضاً الحديث ليس ظني الدلالة، بل هو قطعي الدلالة لتعامل السلف على ابتداء الصلاة (بالله أكبر) ، وإن قيل: فعلى هذا التعامل وإجماع السلف يكون (الله أكبر) ركناً نقول: إن اجتماعهم وتعاملهم على الإتيان (بالله أكبر) لا على ركنيته، وبينهما بون بعيد، فمرتبة الواجب القائل بها الأحناف ثابتة بلا ريب، وتفصيل الأمر أن الأدلة على أربعة أنواع: الأول: الدليل قطعي الدلالة والثبوت. ويُفيد الفرضية في جانب الأمر، والحرمة في جانب النهي، والثاني: ظني الثبوت والدلالة، ويفيد الكراهة تنزيهاً في جانب النهي، والاستحباب في جانب الأمر، والثالث: ظني الثبوت وقطعي الدلالة، والرابع: بالعكس، وكلا القسمين يفيدان الوجوب أو السنية في جانب الأمر، والكراهة تحريماً في جانب النهي، فعلى هذا ظهر الفرق بين الفرض والواجب، فهذه نبذة من إثبات مرتبة الواجب والكلام المحول، وبعض كلام سيأتي في باب صفة الصلاة في صلاة مسيء الصلاة. قال المحقق ابن أمير الحاج: إن الخروج بصنعه ليس بفرض، فإن الفرض يتأدى في ضمن القربات لا في ضمن المنكرات، وقد قلنا بأداء الخروج بصنعه تحت القهقهة والتكلم، وهما مكروهان في الصلاة، وزعم هذا المحقق أن هذا القائل قاسَ القهقهة وإخراج الريح والتكلم وغيرها على لفظ السلام بجامع الخروج بصنع المصلي والحال أنه لم يقس بل أبدى حكمه وحقق أمراً واقعياً، على وزان ما يقال: إن الصلاة للذكر، والصوم لقمع النفس عن الشهوات، فهو حكمة مجردة، وإن كان قياساً فمرسل ملائم. واعلم أن ههنا ثلاثة أعمال: تحقيق المناط، وتنقيح المناط، وتخريج المناط، قال الشيخ الكمال بن همام: إن هذه الألقاب الثلاثة ألقاب عند الشافعية لا عندنا، ولكن العمل كذلك عند مشايخنا أيضاً، فأما تحقيق المناط فهو إجراء الأحكام النوعية أو الجنسية على أفرادها وأنواعها، ولا يختص بالمجتهد، بل كل مكلف يقدر عليه، مثل: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] الآية، فإجراء الآية على أفرادها ليس بمختص بالمجتهد، وأما تنقيح المناط فقال الشوكاني في (إرشاد الفحول في علم الأصول) : إن تنقيح المناط نوع من أنواع القياس، والفرق أن القياس هو إبداء لجامع، وتنقيح المناط إلغاء الفارق بين المقيس والمقيس عليه، وقال الأسنوي في شرح منهاج الأصول: إن التنقيح يجري في النصوص أيضاً، وقال: التنقيح حذف الأوصاف التي ليست بمؤثرة

وإبقاء المؤثرات كما في قصة الأعرابي الذي وقع على امرأته في نهار رمضان، فكانت فيها أوصاف، كونه عامداً، أو كونه صحابياً، أو رجلاً، أو كونه مفطر صومه في نهار رمضان عمداً، فقال أبو حنيفة: إن الوصفَ المؤثرَ إفسادُه صومَه في نهار رمضان عمداً، فيتعدى الكفارة إلى الأكل والشرب عمداً، وسائر الصفات غير مؤثرة، وقال الشافعي أن المؤثر جماعه في نهار رمضان فلا تكون الكفارة في الأكل والشرب فهذا التنقيح تنقيح في النصوص، فعلم أنه ليس بقياس يكون في غير المنصوص، فقول الشوكاني غير جيد، وتنقيح المناط مختص بالمجتهدين، وأما تخريج المناط فهو: ترجيح المجتهد وصفاً من الأوصاف لعلّية الحكم، وفي التنقيح حذف غير المؤثر وإبقاء المؤثر، وفي التخريج ترجيح وصف للعلية، ومثال التخريج: الأشياء الستة الواردة في حديث الربا، من الحنطة، والشعير. . ففي هذه الأشياء أوصاف عديدة من الكيل والوزن والادخار والطعم والثمنية وغيرها فقال أبو حنيفة: إن العلة القدر والجنس، وقال الشافعي: إن مشار النهي هو الطعم والثمنية، وقال مالك: إنه اقتيات وادخار، فهذا القسم أي التخريج قياس، لأن المجتهد لما قرر علة يبني عليها الأحكام والفروع، ثم إن القياس قد يكون مثل تشبيه أهل المعاني، فإن التشبيه عندهم بيان الجامع بين المشبه والمشبه به، يعمل المشبه على المشبه به ولعله هو قياس الشبه، وأما في القياس للعلة فيدعي المجتهد كون الوصف علة للحكم واقتضاءه الحكم، ولا يكفي الصحة المحضة، والفرق بين القياس وتنقيح المناط: للعلة في القياس تعدية الحكم الشرعي بعينه إلى المقيس، ويكون الالتفات إليه أولاً ثم يلحقونه بما أشبه من المنصوص، والتنقيح لتعرف حال المنصوص أولاً أو إن لزمه التعدية، آخراً ثم إن قيل: فأي شيء ألجأ إلى القول بالشيئين الفرض والواجب؟ يقال: إن في أخواته أيضاً فرضاً وواجباً فكذلك قلنا فيما نحن فيه، وأخواته مثل (الله أكبر) واجب لحديث الباب، وذكر الله المشعر بالتعظيم فرض لآية، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] وكذلك القراءة المطلقة فريضة لآية: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] الآية وتعيين الفاتحة مع ضم آية سورة واجب واعلم أنه لا يقال في الآية إن ما في عامة، والمراد منها أية سورة شاء من الفاتحة أو السورة بلا تعيين الفاتحة كما يقول أهل العصر، بل يقال: إن المراد مما في الآية هو الفاتحة وأية سورة شاء، إلا أن هذا المراد من هذه الآية ظني، فالظن في كون المراد مراداً له، لو قلنا ما قال أهل العصر لزم إدخال الكراهة التحريمية في أمر الشارع، ولا يقبله العاقل ذو عقل سليم، فإن الامتثال بهذا الأمر يوجب الثواب، والحمل والإتيان بما قالوا لا يوجب الثواب، فيراد بأمره ما يكون جامعاً للفرائض والواجبات والسنن الأكيدة، وكذلك أقول في حديث مسيء الصلاة: «ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن» ، ومن أخوات ما نحن فيه الركوع والسجود، فإن ما يصدق عليه الركوع والسجود فرض لآية: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وأما المكث قدر تسبيحة أو ثلاث تسبيحات فثابت بالحديث ويكون واجباً، وأما فرضية القعدة فثبت بالإجماع فكذلك قلنا فيما نحن فيه، أي في فرضية الصنع بخروجه، ووجوب السلام، وفي مثل هذه

الأشياء يتأدى الفرض في ضمن الواجب ويكون المرئي ظاهر الواجب، وفي ضمنه الفرض، ولذا قال مولانا محمد قاسم النانوتوي: إن الفرض كالمادة، والواجب كالصورة.

باب ما يقول إذا دخل الخلاء

باب ما يقول إذا دخل الخلاء

[5] قيل: معناه حين دخوله، وقيل: إذا أراد الدخول، قال ابن هشام صاحب المغني: إنّ تقدير (أراد) بعد (إذا) في مثل هذا المقام مطّرد، وأقول: قد ورد في بعض ألفاظ الحديث: (إذا أراد الدخول) ، وفي البحر: إذا كان بين بيت الخلاء وموضع الخلاء مسافة شيء فقيل: يدعو بهذا الدعاء عند الباب، وقيل: عند موضع الخلاء، وقال مالك: إن نسي وقت الدخول فليقل وقت الجلوس، خلاف الجمهور في هذه الحالة. قوله: (من الخُبُث والخَبيث) هاهنا شك الراوي، وفي رواية أخرى: (من الخُبُث والخبائث) كما سيجيء، والخُبُث ذكور الشياطين، والخبائث إناث الشياطين، ويأمر الشارع بالأوراد نظراً لنا. وأما الأول، أي (من الخبث والخبيث) إن كان الخبْث بسكون الوسط فمصدر، وإن كان بضمه فجمع خبيث، ويكون المراد من الخبيث: الفعل الخبيث، ومن الخُبُث بضم الوسط: ذكور الشياطين، وفي الحديث: (الحشوش محتضرة. . إلخ) أي مواقع النجاسة، وقصة سعد مشهورة أنه ذهب في المغتسل، فأبطأ عليهم، فذهب الناس فوجدوه ميتاً، وسمعوا من ظهر غيب: ~ قتلنا رئيس الخزرج سعد بن عبادة ... رميناه بسهمين فلم نخط فؤاده فعلم وجود الجنات والشياطين في الحشوش والمغتسل، ولهذا نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البول في الحجر. قوله: (وفي إسناده اضطراب إلخ) الاضطراب قد يكون في المتن وهو اختلاف الألفاظ، وقد يكون في الإسناد، وهو اختلاف الرواة وقفاً ورفعاً ووصلاً وإرسالاً، والاضطراب ههنا من ثلاثة أوجه، لأن لقتادة أربعة تلامذة، اثنان في أول الكلام، وهو هشام وسعيد، واثنان في آخر الكلام، وهو معمر وشعبة، ثم اختلف الأولان فيما بينهما، ثم اختلف الآخران فيما بينهما، واختلاف الأوليين إنما رويا عن قتادة ثم قال سعيد: إن بعد قتادة قاسم بن عوف الشيباني، فأثبت الواسطة بين قتادة وزيد بن أرقم، ونفى هشام الواسطة، والراجح ما قال سعيد، وأما هشام فحذف الواسطة، وأما الآخران فرويا عن قتادة عن النضر بن أنس، ثم اختلفا، فقال شعبة: إن الراوي فوق النضر هو زيد بن أرقم، وقال معمر: إن الراوي فوقه هو أبوه، أي أنس، فصار الخلاف من ثلاثة أوجه:

الأول: إن الأوليين يرويان عن قتادة عن زيد بلا واسطة النضر، وقال، الآخر أن بواسطة النضر. والثاني: بين الأوليين فقال أحدهما بواسطة قاسم بين قتادة وزيد، ونفاها الآخر، وأما الخلاف الواقع بين سعيد وبين شعبة ومعمر فدفعه الترمذي بقوله نقلاً عن البخاري، قال: يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما، أي عن النضر وعن القاسم، ومرجع الضمير النضر والقاسم، لا ما هو مذكور فيما بين سطور الكتاب أن المرجع زيد والنضر. والثالث: بين الآخرين، فقال أحدهما: أنس بعد النضر، الآخر قال: زيد، أقول: إن الصحيح عن النضر عن زيد، ومن قال عن النضر عن أبيه فقد وهم، ولقد نظمت فيما ذكرت: ~ هشام عن قتادة ثم زيد ... سعيد عن قتادة فابن عوف ~ وقال البيهقي: أنس خطاء ... وعن زيد قتادة غير صرف وأخذت هذا المضمون من السنن الكبرى للبيهقي ولقد غلطا بعض الناظرين في هذا المقام. وحكم الاضطراب أن يطلب الترجيح وإلا فيسقط الاحتجاج بالمضطرب.

باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

قرر الشارع الأوراد والأذكار في الأحوال المتواردة، كدخول المسجد، والخروج عنه، والدخول في الخلاء، والخروج عنه، وفي حديث: (كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكر الله على كل أحيانه) ، فقيل: المراد به الذكر اللساني، فيرد عليهم أنه عليه الصلاة والسلام كان يشتغل بغيره من الأشغال، فكيف يذكر الله على كل أحيانه، وقيل: إن الذكر هو الذكر القلبي، كما في أشغال التصوف، وهذا أيضاً بعيد، فإن اللغة آبية عن هذا المعنى فإن الذكر في اللغة هو اللساني، وأقول: إن المراد من الأحوال هي الأحوال المتواردة لا الأحوال المتشابهة.

[7] قوله: (غفرانك) في الحاشية: أي اغفر غفرانك، أو أسأل غفرانك، ويعني أنه مفعول مطلق أو مفعول به، وعندي أنه مفعول مطلق، كما ذكر الرضي ضابطة، وهي هذه: إذا كان فاعلُ عاملِ المفعول المطلق أو مفعولُه مذكوراً بعده بواسطة الإضافة أو حرف الجر يجب حذف العامل، كما في (سبحانك) وأشار إليه ابن حاجب مجملاً، وأما نكتة حذف العامل فمذكورة في كتاب سيبويه. قال المغربي: رأيت في كتاب أن آدم لما هبط على الأرض وجد الريح النتنة من الغائط، فقال: (غفرانك) زعماً منه أنه بسبب ما عهده من أكل الحبة، فجرت هذه السنة في أولاده، والله أعلم. قوله: (حسن غريب) في بعض المواضع يكون غريب حسن بتقديم الغريب، فقال أبو الفتح بن سيد الناس اليعمري: إن الأقدم اتهم بشأنه، ثم جمع المصنف بين الحسن والغريب، وللغريب معان: أحدها: ما فسرها الجمهور به، وهو ما حصل فيه التفرد في أي موضع كان، ولا تنافي بين الغريب والحسن عند الجمهور، لأن سند الحسن أيضاً قد يكون واحداً. وثانيها: ما تفرد فيه الراوي بزيادة شيء وليس في المشهور تلك الزيادة. وثالثها: أحد السندين الواصلين إلى شيخ معين يكون أحدها مشهوراً والآخر متفرداً فيه، فالثاني

يكون غريباً، لكن باعتبار قول الترمذي بين الحسن والغريب تناف، لأنه فسر الحسن في العلل الصغرى، واشترط فيه تعدد الطرق، وفي الغريب تكون وحدة الطريقة، فالأجوبة عديدة، إن مدار الحديث قد يكون واحداً والرواة عن المدار كثير، فيسمى الحديث بالنسبة إليه غريباً، وبالنسبة إلى ما تحته من الرواة حسناً، كما تشير إليه عبارة الترمذي في مواضع، لكن هذا الجواب لا يجري فيما قال الترمذي في الحسن من تعدد الطرق، وقال: ويروى من غير وجه نحو ذلك، وأجيب بأن تعريف الترمذي إنما يؤخذ به إذا كان غير مقرون بالغريب، وإذا كان مقروناً بالغريب لا يكون المراد ذلك الحسن، وقال ابن صلاح: إن تعريف الخطابي للحسن محمول على الحسن لذاته، وتعريف الترمذي له محمول على الحسن لغيره، ولكنه بعيد لأن الترمذي ربما يحكم بالحسن على أحاديث الصحيحين، ومن القطع أن أحاديث الصحيحين لا تنحط عن مرتبة الحسن لذاته، فكلام ابن صلاح بمراحل عن الصواب، ومنشأ زعمه عدم تقييده رواة الحسان بالإتقان، والحال أن القيد مراد له ومنوي، والجواب: إن تعدد الطرق في الحسن مشروط إذا كان التفرد تفرداً مضراً، وأما إذا لم يكن مضراً فلا يشترط التعدد، والتفرد المضر زيادة راوٍ في حديث عن شيخ لم يذكرها غيره من تلامذة ذلك الشيخ، وغير المضر الذي يروى راو حديثاً بتمامه عن شيخ لم يروه غيره من تلامذته عنه وتفرد الراوي المضر قد يكون مقبولاً عند المحدثين، وقد لا يقبل، وأما بعضهم فيقبلونه كلياً، وسبيل التفرد تتبع متابعٍ له أو شاهد، والمتابعة تكون في الرواة، والشهادة من الصحابي، ثم المتابعة قريبة وبعيدة. (ف) وإذا أقول: لفظ الحجازيين فأريد به الشافعية والموالك، وإذا أقول: لفظ العراقيين أريد به الأحناف، ومذهب أحمد دائر بين العراقيين والحجازيين، ومن عادة الترمذي وأبي داود والنسائي إخراج أحاديث الحجازيين والعراقيين، وقد يأتي بهما مسلم وأما البخاري فيبوب على ما هو مختار عنده.

باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول

باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول

[8] في الاستقبال والاستدبار عند الخلاء سبعة مذاهب: قال أبو حنيفة بكراهيتهما في الصحاري والبنيان. وقال الشافعي بالجواز في البنيان لا في الصحاري. وقال أحمد ابن حنبل بجواز الاستدبار لا الاستقبال، وفي رواية شاذة عن أبي حنيفة ـ كما في الهداية ـ وفاق أحمد، وينبغي الجمع بين الروايات عن الأئمة مهما أمكن، والاختيار في الأقوال عن المشائخ، وترجيح أحدها، والجمع في روايتي أبي حنيفة رحمه الله أن الاستدبار والاستقبال مكروه إلا أن كراهة الاستدبار أقل من كراهة الاستقبال، وقال الشاه ولي الله في ترجمة الموطأ: إن الاستدبار والاستقبال مكروهان تنزيهاً عند أبي حنيفة (رحمه الله) ، ولعله مما في البناية على الهداية وعن البناية في النهر، وذكر صدر الإسلام أبو اليسر الأخ الأكبر لفخر الإسلام أبي العسر: إن بين الكراهة تحريماً وتنزيهاً واسطة تسمى إساءة. (ف) قال أشياخنا رحمهم الله أجمعين: إذا وردت الأحاديث المختلفة في المسألة فيأخذ الشافعي رحمه الله بأصح ما في الباب مرفوعاً، ويأخذ مالك رحمه الله بتعامل أهل المدينة وإن خالفه حديث مرفوع، ويأخذ أبو حنيفة رحمه الله بكل المرفوعات بالحمل على محمل واحد، وربما يأخذ بالقولي ويخرج المحامل في الوقائع المخالفة له، ويأخذ أحمد بن حنبل رحمه الله بالكل مع لحاظ أقوال الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، ولذا تجد عنه روايات في مسألة وإذا تعارض الحديثان ففي كتب الشافعية يعمل بالتطبيق ثم بالترجيح ثم بالنسخ ثم بالتساقط، وفي كتبنا يؤخذ أولاً بالنسخ ثم بالترجيح ثم بالتطبيق ثم بالتساقط، والمقدم عندنا هو النسخ الثابت بالنقل، وأما النسخ الاجتهادي فمرتبة بعد الترجيح وقبل التطبيق، وأما تقدم الترجيح قبل التطبيق فهو مقتضى القريحة السليمة فإن في الترجيح عملاً بالعلم، وفي التطبيق عملاً بعدمه، والعلم مقدم على عدمه. قوله: (إذا أتيتم الغائط) هذا الأمر لأهل المدينة، والغائط الأرض المنخفضة المطمئنة، وقد يطلق على ما يخرج.

قوله: (لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها) استنبط الغزالي رحمه الله من حديث الباب أن الواجب في الصلاة إدراك جهة القبلة لا عينها، لأنه عليه الصلاة والسلام ذكر أربع جوانب، وإدراك الجهة يتحقق بإمكان الخط المستقيم بين بيت الله وصدر المصلي، ونقل ابن عابدين أن الاستقبال والاستدبار عند الخلاء معتبر باعتبار العضو المخصوص لا الوجه. قوله: (فننحرف عنها. . الخ) مرجع الضمير إما الكعبة، فيكون المعنى: نتخلى في تلك المراحيض، وننحرف عن القبلة مهما أمكن، ونستغفر الله من عدم الانحراف الكامل، أو يكون المرجع المراحيض، فيكون الاستغفار من فعلهم الشنيع، أي فعل أهل الشام، والمراحيض: جمع مرحاض، من الرحض (صاف كرون) . قوله: (هكذا قال إسحاق الخ) . . أي إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، وفي راهويه ونفطويه وسيبويه وأخواتهما نعقان قال المحدثون: يقرأ سيبوْيَة ونفطوْيَة وراهوْيَة، وقال النحاة ـ وهو المشهور على ألسنتنا: ويقرأ سيبوَيْه و. . . ونفطوَيْه، وكذلك في غيرها.

باب ما جاء من الرخصة في ذلك

باب ما جاء من الرخصة في ذلك

[9] حديث الباب تمسُّك الشافعي رحمه الله وتمسكنما ضابطة الشارع. قوله: (محمد بن إسحاق) اختلف أهل الجرح والتعديل فيه ما لم يختلف في غيره حتى أن قال

مالك بن أنس: إن قمت بين الحجر الأسود وباب الكعبة لحلفت أنه دجال كذاب، وقال البخاري: إنه إمام الحديث، قال ابن الهمام: إنه ثقة (ثلاث مرات) ، وقال حافظ الدنيا: إنه ثقة، وفي حفظه شيء وأما البيهقي فيتكلم فيه في كتابه الأسماء والصفات، واعتمد في كتاب القراءة خلف الإمام فالعجب، وعندي أنه من رواة الحسان كما في الميزان، ويمكن أن يكون في حفظه شيء. قوله: (أبان بن صالح. . الخ) إن كان على وزن الفعل فغير منصرف، وإن كان على وزن فعال فمنصرف. قوله: (ابن لهيعة ضعيف. . الخ) لأن كتبه احترقت فكان بعده يروي عن حفظه، فخلط الصحيح بالسقيم، وأما في علمه فلا ريب فيه، وقال السفيان الثوري: إني قصدت الحج لمحض زيارته حين سمعت أنه يريد الحج، وأما جواب حديث الباب من جانب الأحناف فهذه وقائع فخرج لها المحاصل، ونأخذ بالضابطة والحديث القولي، لأن حديثنا مشتمل على الحكم مع السبب والحكم النهي عن الاستقبال والاستدبار، والسبب إتيان الغائط، وأما حديث الشافعية فواقعة حال لا عموم لها، ولا نعلم سببها وحكمها، فيكون الأقدم حديثنا كما هو مقتضى الأصول، والمراد من السبب الذي يلزم من وجوده وجوب الحكم، وأما حديث ابن عمر فيحتمل احتمالات كثيرة موافقة لنا ومنافية لنا، قيل: إنه من خصوصيته عليه الصلاة والسلام لأن الحقيقة المحمدية أعلى من حقيقة الكعبة، ويمكن فيه لأحد أن الأفضلية في عالم التكوين والخلق لا في عالم التشريع والأحكام التكليفية، ويمكن لنا أن نقول بما في الطحاوي ونوادر الأصول أن ابن عمر لم ير إلا رأسه عليه الصلاة والسلام، وكان النبي عليه الصلاة والسلام محاطاً بلبنات، وفي الاستقبال والاستدبار اعتبار العضو المخصوص لا الرأس، فالتشبت بالتشريع الكلي، ولنا أثر أبي أيوب الأنصاري أيضاً، وراجع صفة مخرجه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الوفاء وبلغ فضلات الأنبياء من الخصائص، ومن مستدلات الشافعية رواية عراك عن عائشة، أخرجها الدارقطني وابن ماجه أنه لما قيل للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن الناس يكرهون أن يستقبلوا القبلة بغائط أو بول بفروجهم، فقال

النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أو قد فعلوا ذلك استقبلوا بمقعدتي القبلة» وحسّن النووى سندها، وكذلك حسّن ابن الهمام، ولم يُجب من جانب الحنفية، وقال العيني نقلاً عن أحمد بن حنبل: إنه مرسل لأن عراكاً لم يسمع من عائشة، وقيل أخرج مسلم حديث مسكينة تحمل سكينتين دخلت على عائشة عن عراك عن عائشة، فنقول: أحمد بن حنبل أفضل وأعلى من مسلم، ثم المرسل عند الأحناف مقبول إلا أن الاعتبار لما قال الطحاوي من أن الأعلى هو المتصل لا المرسل، كما في فتح المغيث، لا ما في الحسامي من علو المرسل عن المتصل، وأما المرسل فقبله المالك وأبو حنيفة، وفي رواية عن أحمد، وقبله أبو داود، ولم يقبله البخاري رحمه الله والشافعي رحمه الله، إلا أنه اعتبر به الشافعي في ستة مواضع مذكورة في النخبة، وأكثر السلف موافق لأبي حنيفة في قبول المرسل، ونقول أيضاً: إن مسلماً نافٍ ـ أي للواسطة ـ وأحمد مثبت، والمثبت مقدم على النافي، وروى جعفر بن ربيعة ـ الذي هو أوثق تلامذة عراك حديث عراك ـ موقوفاً، وقد ذكره في الجوهر عن البخاري، وقال في الميزان: إن الحديث منكر، وقال عمر بن عبد العزيز خليفة العدل: ما استقبلت وما استدبرت مدة عمري، فروى عراك في مقابلة ذلك الحديث، فلم يعمل عمر بن عبد العزيز بذلك الحديث بعد السماع أيضاً، وكان يكره البصاق نحو القبلة، كما في الفتح، ونقول أيضاً: إن حديثنا أصح شيء في هذا الباب، ومشتمل على الوجه والحكم فيؤخذ به، ونظمت في هذه الضابطة: ~ يا من يؤمّل أن تكو ... نَ له سِمات قَبولِهْ ~ خذ بالأصول ومِن نصو ... ص نبيهِ ورسولِهْ ~ نصاً على سبب أتى ... بالساكت المجهولِهْ ~ دع ما يفوتك وجهه ... بالبيِّن المنقولِهْ ~ وخذِ الكلام بفوره ... لا عرضه أو طوله ~ ليس الوقائع في شَرا ... ئِعه كمثل أصولِهْ ~ كتَطرّقِ الأعذار في ... فعل خِلافِ مقولِهْ ومثل ما قلت قال ابن حزم، وقريب من هذا ما قال أبو بكر بن العربي في شرحه على الترمذي، وقال: إن الأقرب مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وقال ابن القيم في تهذيب السنن: الترجيح لمذهب أبي حنيفة رحمه الله، واستدل لمذهبنا بما روى حذيفة بن اليمان قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من بزق إلى القبلة يأتي يوم القيامة والبزاق على جبهته» ، قال الحافظ في الفتح: إن المصلي يناجي ربه، وتحول

رحمة الباري بينه وبين القبلة، فلا يبزقن نحو القبلة وقال العيني: إن الحكم عام في الصلاة والمسجد وغيرهما فإذا نهي عن البزاق يكون الاستقبال والاستدبار منهياً عنه بالأولى، أقول: لا يصح هذا دليلاً لنا، لأن في الكنز من (ص230) قيد المصلي في متن حديث حذيفة، وغفل عنه.

باب ما جاء في النهي عن البول قائما

باب ما جاء في النهي عن البول قائما

يكره البول قائماً.

[12] قوله: (كان يبول قائماً) قيل: إن الصديقة تنفي عادته من البول قائماً، أي لم يكن يعتاده، أو يقال: إنها تذكر علمها، أو نقول: إن رواية حُذيفة في حال العذر، وأيضاً البول قائماً جائز، وخلاف الأدب، ويكره تنزيهاً. قوله: (أن من الجفاء) يدل على الكراهة تنزيهاً، والجفاء البلادة والأعرابية (گنوارپن) . قوله: (عبد الكريم بن أبي المخارق الخ) قيل: إن مالكاً روى عن عبد الكريم بن أبي المخارق في موطأه، فيكون ثقة، فقال ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من الأسانيد: إن مالكاً اعتمد على سمته، وكان يقرأ الصبيان، وهو سيّء الحفظ.

باب ما جاء من الرخصة في ذلك

باب ما جاء من الرخصة في ذلك

[13] في حديث حذيفة ليس مسح الناصية، وفي حديث مغيرة ليس ذكر البول قائماً، كما في مسلم (ص134) ، وفي حديث مغيرة بن شعبة واقعة القُفول من غزوة تبوك وإمامة عبد الرحمن بن عوف كما في مسلم (ص134) ، واعترض علاء الدين المارديني على القدوري من جمعه بين رواية حذيفة ومغيرة، أقول: لا اعتراض على الإمام القدوري، لأن الجمع والاختلاط من الذين فوقه لا منه، نعم يلزم عليه عدم النقد والتنقيح. ويستنبط من الحديث أن التقاط الحجر للاستنجاء من أرض الغير بلا نقصانه جائز، ويكفي الإجازة دلالة وعادة، وأيضاً يكفي الإجازة دلالة للبول في أرض الغير. قوله: (فبال عليها قائماً) قيل: لبيان الجواز، لأنه مكروه تنزيهاً وجائز، وقيل: كان لعذر بوجع كان به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما في السنن الكبرى للبيهقي: أنه بال قائماً بوجع بمأبضه، كما في النووي شرح مسلم (ص133) وسنده ضعيف، ولكنه يكفي للنكتة، وفي النووي (ص133) أنه استدناه ليستتر به عن أعين الناس وغيرهم من الناظرين، لكونها حالة يستحي بها ويستحى منها في العادة، فكانت الحاجة التي يقتضيها بولاً من قيام يؤمن معها خروج الحدث الآخر الرائحة الكريهة، ولذا استدناه. انتهى. (ف) يجوز ارتكابه عليه الصلاة والسلام الكراهة تنزيهاً لا الكراهة تحريماً، قال: الشيخ جلال الدين السيوطي في حاشية النسائي: إن تثليث الوضوء سنة، وتركه مكروه تحريماً، وتركه عليه الصلاة والسلام يورث الثواب له، أقول: هذا ليس بمختار عندنا، لأنا نقول: إن ترك التثليث ليس بإثم بشرط عدم الاعتياد، وأقول: إن في البول قائماً رخصة، وينبغي الآن المنع عنه لأنه عمل غير أهل الإسلام، لأن الفتيا يختلف باختلاف الأزمنة والحالات، فإنه كان الاستنجاء بالماء كافياً ومجزأً، وأفتى الشيخ ابن الهمام بكون الجمع سنة، فإن السلف كانوا يأكلون قليلاً، وأناس العصر أكالون.

باب ما جاء في الاستتار عند الحاجة إلخ

باب ما جاء في الاستتار عند الحاجة إلخ

[14] الاستتار فرض، وكان عادته الإبعاد في الحاجة، وأما واقعة بوله على سباطة قوم فمن عذر، كما قال النووي في شرح مسلم (ص133) ، فقد ذكر القاضي عياض أن سببه إلخ. قوله: (كان أبي حميل فورثه إلخ) مسروق تابعي جليل القدر، والحميل من أتى به من دار الحرب وهو صغير، والولاية على قسمين: ولاية الموالاة، وولاية العتاقة، والأولى صحيحة عندنا، لا عند الشافعية، وقوله: وهو مولى لهم يحتملهما، وعند أبي حنيفة لا يرث، كما ذكره محمد في موطئه، ولنا فتوى الفاروق الأعظم.

باب كراهية الاستنجاء بالحجارة

باب كراهية الاستنجاء بالحجارة

[15] قال الشافعي رحمه الله: التثليث والإنقاء واجب، والإيتار مستحب، وفي رواية: الإيتار أيضاً

واجب، وعندنا التثليث مستحب والإنقاء واجب كما في الطحاوي والبحر، وأما ما ذكره صاحب الكنز من أنه ليس فيه عدد مسنون إنما يتناول فيه بنفي السنة المؤكدة، كما في البحر: أن تثليث الأحجار مستحب عندنا، والطحاوي أعلم بمذهب أبي حنيفة، وهو تلميذ الشافعي بواسطة واحدة، وتلميذ مالك بواسطتين، وتلميذ أبي حنيفة بثلاثة وسائط، وذكر في باب الحج إجازة عن أحمد بواسطة، والطحاوي إمام مجتهد ومجدد كما قال ابن أثير الجزري: إنه مجدد، أقول: إنه مجدد من حيث شرح الحديث وهو بيان محامل الحديث والأسئلة والأجوبة وغيرها، والمتقدمون كانوا يروون الحديث سنداً ومتناً لا بحثاً، وقال النووي في شرح المهذب: إنه إذا اضطر إلى الاستنجاء باليمين فله أن يأخذ الحجر باليسار أو بين العقبين ويمر عليه العضو المخصوص باليمين، فعلم أن في عهد السلف كان الإمرار في البول أيضاً ثلاثاً كما في الغائط، لا مثل هذا العصر، ولنا في استحباب التثليث ما أخرجه أبو داود في سننه: «من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج» ، وفي رواية أخرى: «من يذهب الخلاء ليستجمر بثلاثة أحجار فإنها مجزئة» ، فإن الكفاية تدل على عدم الوجوب إن لم نقل: إن إطلاق الإجزاء مختص بالوجوب، وأطلق هاهنا بالنسبة إلى أصل وجوب الإزالة، ونقح أبو حنيفة رحمه الله والشافعي رحمه الله أن الحجارة كل عين قالع للنجاسة غير محترم ولا مال، وقال أبو داود الظاهري: إنه منحصر في الحجارة بعينها. واختلفوا في أبوال مأكول اللحم وأزباله، قال أبو حنيفة رحمه الله والشافعي رحمه الله: إنها نجسة، وقال مالك ومحمد: إنها طاهرة، وجوز أبو يوسف التداوي بها، واستدل أبو حنيفة رحمه الله والشافعي رحمه الله بحديث (لا برجيع أو عظم) حديث الباب، لأن النهي عن الاستنجاء برجيع لكونه نجساً، والنجس لا يزيل النجاسة، وأيضاً نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أداء الصلاة في المزبلة، وصححه ابن السكن وأيضاً سيأتي أنه أخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال «إنها ركس» ، فإن قيل: في بعض الروايات تصريح بأنه طعام دواب إخوانكم فلم يبق حجة، قلت: إن الركس بمعنى الرجيع فيقال في الاستدلال إن: الرجيع، مشتق، والحمل على المشتق يدل على علية المبدأ، ولفظ ركس علة بخلاف الرجس، فإنه حكم من ولاية شرعية لا علة حسية.

باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين

باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين

[17] استدل بعض الحنيفة بحديث الباب على عدم وجوب التثليث والإيتار بأنه ألقى الروثة، واستنجى بالحجرين، ولكنه في رواية: أنه ألقى الروثة، وقال: ائتني بثالث. قوله: (إنها ركس إلخ) استدل البعض بهذا على أن علة النهي في الروثة النجاسة، وهذا إنما يصح لو كان الركس بمعنى الرجيع حتى يكون وصفاً، ولو كان بمعنى الرجس يكون الاستدلال ضعيفاً لأنه حكم لا علة. قوله: (قال أبو عيسى: هكذا روى) هذا بيان المتابع للحديث المذكور للتقوية، والمتابعة على قسمين: كامل، وناقص، لأنه إذا وجد التفرد عن راو عن شيخ تفحص متابع أو شاهد، فإن وجد المتابع عن ذلك الشيخ يكون كاملاً، وإن وجد عن شيخ شيخه فصاعداً فناقص، والتحقيق في النخبة، والظاهر عن كلامهم أن المتَابَع أو المتابع يجب أن يكونا قرينين، وقد يقال للعالي: متابعاً للنازل، وفي فتح الباري: إن أصل المتابعة أن يكونا في قرن، وقد يتَابِع العالي السافلَ، وإن لم يكونا في قرن واحد.

قوله: (عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني) هَمْدان، بفتح الأول، وسكون الثاني: قبيلة، وأكثر الرواة من هذا القبيل، وهَمَدان بفتح الثاني: خطة أرض، ولم يكن هذا من الرواة، ووصف راوٍ، ويسمى هذا الفن مؤتلفاً ومختلفاً، ويعرف به الفرق بين اللفظين المتقاربين في رسم الخط لا التلفظ، وفنون علم الحديث أربعة وثمانون فناً.

قوله: (أبو عبيدة بن عبد الله) الخ) إذا أطلق لفظ عبد الله في مرتبة الصحابي يراد به ابن مسعود، وإذا أطلق (حسن) في مرتبة الصحابي يراد به ابن علي، وإذا أطلق في مرتبة التابعي يراد به الحسن البصري. قوله: (لم يسمع من أبيه ولا يعرف اسمه) أي اسم أبي عبيدة، إن قيل: كيف رجح الترمذي منقطعه على متصل البخاري؟ قلت كما في الطحاوي: إن الترجيح لعلم أبي عبيدة، لأنه وإن لم يسمع من أبيه لأنه كان سبعٍ حين رحلة أبيه، لكنه أعلم الناس بعلم أبيه، فلم يلاحظ ضابطة ترجيح المتصل على المنقطع، وعلى هذا قال الشاه ولي الله في حجة الله البالغة: إن العلم هو شرح الصدر، لا اتباع الضوابط المخرجة وليعلم أن الكلام في حق أحد من جانب المحدثين لا يوجب سوء ديانته عياذاً بالله بل تكلم من حيث الحفظ والضبط، كما قال ابن الجوزي: إذا وقع في الإسناد صوفي فاغسل يديك منه، فإنهم يقولون: ظنوا المؤمنين خيراً، ولا يطلبون حقيقة الحال، وقال ابن معين: نتكلم في الذين غرزوا خيامهم في الجنة قبلنا بمائتين. قوله: (قال: عبد الرحمن بن مهدي فاتني الذي) ما نافية وعبد الرحمن من الأئمة، ومذهبه دائر بين العراقيين والحجازيين لأن مشائخه مختلفون. قوله: (إطلاع) : سها الشوكاني هاهنا، فإنه روى رواية أنه عليه الصلاة والسلام ألقى الروثة، وفيها: فإنه روثة حمار، وزعمه مرفوعاً، والحال أنه قول ابن مسعود حين يروي لتلميذه، وليس بمرفوع.

باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به

باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به

[18] تعرضوا إلى بيان طريق استعمال الجن العظام، فقيل: تلقى الروثة في أراضيهم، وعند البخاري: «لا يمرون على عظم إلا وجدوا عليه أوفر ما كان عليه من اللحم والروث زادُ دوابهم» ثم الروايات مختلفة فإن في بعضها أن اللحم يجدون على الذكية، وفي بعضها على الميتة والجمع بينهما بأن الأول للمسلمين، والثاني للكفار، لكن فيه أن الحديث واحد فاضطرب. يدل الحديث على أن الجن تبع للإنسان، ويأكل الجن سوء الإنسان وكذلك يكون تابعاً

للإنسان، وعن أبي حنيفة أن المسلمين من الجنات لا يكون في الجنة ولا في النار، ولعل مراده عدم كونه أصالة، وفي رواية عنه لا أدري أين يكونون كما قال: ~ من قال لا أدري لما لا يدرِه ... فقد اقتدى في الفقهِ بالنعمانِ ~ في الدهر والخنثى كذلك جوابه ... ودخول أطفال ووقت ختان ونقل أن أبا حنيفة رحمه الله ناظر مالكاً رحمه الله الكلام في مسألة الباب، فقرأ أبو حنيفة آية ثم قرأ مالك رحمه الله ثم قرأ أبو حنيفة فسكت مالك رحمه الله. قوله: (عن عبد الله أنه كان) هذا يدل صراحة على كون عبد الله معه عليه الصلاة والسلام في ليلة الجن ويفيدنا في الوضوء بالنبيذ وأنكره الشافعية بقول ابن عبد الله لو كان أبي معه عليه الصلاة والسلام لعُد من مناقبنا، ونقول: لعل ابنه لم يعلم والأمر أنه أراد ليلة الجن الواردة في القرآن لا غيرها من الليالي.

باب ما جاء في الاستنجاء بالماء

باب ما جاء في الاستنجاء بالماء

[19] الجمع بين الأحجار والماء أفضل، وفي زماننا أكيد، وفي الكنز: والجمع بينهما حسن، وعبارة الترمذي أيضاً يحتمل الجمع وعدمه، وأما في البول فلعله يضطر إلى القول بالجمع بسبب رواية مغيرة «أنه عليه الصلاة والسلام قضى حاجته وكنت قائماً بعيداً منه، فجاء وطلب الماء» ويدل هذا ضرورة على أنه، أتاه بدون الاستنجاء بالأحجار.

باب ما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب

باب ما جاء أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب

[20] المذهب مصدر ميمى ومعنى بَعُدَ المجرد (دورهوا) وأبعد المزيد (دوري كي) ، ولا يخلو من المبالغة ويقال لمثل هذا: إدخال المزيد على المجرد، وقال أرباب المعاني: إذا لم يتعلق الغرض بالمفعول ينزل الفعل المتعدي منزلة اللازم، فوضح الفرق بين أخذت اللجام وأخذت باللجام فإن معنى الأول (يس نى لگام پكرط ا) ومعنى الثاني (يس نى لگام كى ساته أخذ كافعل كيا) . قوله: (يرتاد لبوله. . إلخ) الارتياد من الرود طلب الشيء. قوله: (أبو سلمة عبد الله. . الخ) هذا تابعي فقيه من الفقهاء السبعة من التابعين، الذي قال الدميري: إذا كُتبت أسماؤهم ووُضِعت في الحبوب لا تأكله السوس والأسماء هذه: ~ ألا كل من لا يقتدي بأئمةٍ ... فقسمته ضيزى عن الحقِّ خارجةْ ~ فخذهم: عبيدُ الله عروةُ قاسمُ ... سعيدُ أبو بكرٍ سليمانُ خارجةْ

باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل

باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل

[21] قوله: (فإن عامة الوسواس منه) قيل: إن الوسواس من رشاش البول، وفي زهر الربى على النسائي (ص15) : أن الوسواس معناه حديث النفس والأفكار، والمصدر بالكسر، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أنس بن مالك أنه قال: إنما يكره البول في المغتسل مخافة اللمم، وذكر صاحب الصحاح وغيره أن اللمم طرف من الجنون، ويقال أيضاً: أصاب فلاناً لمَّةُ من الجن وهو المس انتهى، وفيه في تلك الصفحة أن المستَحَم أصله الموضع الذي يغتسل فيه بالحميم وهو الماء الحار، ثم قيل للاغتسال بأي موضع كان، ذَكَرَ ثعلب أن الحميم من الأضداد أي الماء الحار والبارد. وعامة الشيء معظمة وجميعه انتهى، وقال النحاة: إن لفظ عامة لا يستعمل مضافاً بل حالاً، لكن التفتازاني ذكر في خطبة شرح المقاصد وقوعها في كتاب عمر مضافاً، أقول: لما وجد في كلام عمر فلا يعبأ بما قال النحاة، وقال بعضهم: إن تفسير عامة الوسواس أنه نسيان، فإنه يوجب النسيان مثل الأشياء الأخر السبعة، وتمسك بحديث لا ينبغي عليه إطلاق لفظ الحديث وإسناده منكر. قوله: (ربنا الله لا شريك له) هذا القول يدل على أن ابن سيرين لم يبلغه الحديث وإلا فلم يقل مثل هذا القول، وليس في هذا القول أن المخاطب يعتقد الشرك ـ عياذ بالله ـ بل هذا من المحاورات؛ كما يقول أحد لأخيه المسلم لا ترح إلى بلدة فلان فإنها مطعونة، ويقول الآخر لا شريك لله.

باب ما جاء في السواك

باب ما جاء في السواك

[22] اختلف في أن السواك من سنن الوضوء أو الصلاة، قال أبو حنيفة بالأول، وقال الشافعي رحمه الله بالثاني، والأحاديث من الطرفين، وتأول بعض في الروايات التي فيها لفظ الصلاة بأن المراد بالصلاة الوضوء، ويرد عليه ما أخرجه أحمد في مسنده: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، وعند كل وضوء» وقال في رد المحتار إن ثمرة الخلاف تظهر في رجل توضأ بالسواك وصلى الثانية والثالثة بالوضوء الأول فعندنا قد أدى السنة، وعند الشافعي رحمه الله لم يؤدها، أقول لا خلاف بيننا وبين الشافعي رحمه الله لما صرح الشيخ في فتح القدير استحباب السواك في مواضع عديدة منها القيام إلى الصلاة، فإن قيل: بين السنة والمستحب فرق، وقلنا بالاستحباب لا بالسنة، قلت: لا تدافع بين السنة والمستحب، فإن أحداً يقول باستحباب شيء، والثاني السنية، ولا يقول إنهما مخالفان ولهذا لم يذكر الطحاوي الخلاف بين مذهبين، وغاية ما في الباب اختلاف النظر لا العمل، أي هل هو سنة الوضوء أو سنة الصلاة؟ فالحنفية لمّا رأوه أليق بالتطهير ألحقوه بالوضوء ولنا على هذا ما أخرجه الطحاوي ط (3) أنه عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ لكل صلاة ولو كان على وضوء، فأتاه جبريل فقال: يجزئك السواك عند كل صلاة، فدل على كون السواك من أجزاء الوضوء.

قوله: (لأمرتهم بالسواك) قال محي الدين النووي: يستفاد من هذا أن الأمر للوجوب فإن السنية باقية الآن أيضاً أقول: كان السواك - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واجباً، وقال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم» أي لأجعله عليهم أيضاً واجباً. قوله: (أما محمد فزعم إلخ) قال حافظ من الحفاظ:، إن الترمذي يأتي بالأحاديث الغير المشتهرة في الباب لعل غرضه الاطلاع على القاعدة الجديدة لأن البخاري شيخه قد أتى بها والترمذي يأتي بغيرها.

[23] قوله: (ولأخرت العشاء) للأحناف فيه قولان، قيل: يستحب تأخير العشاء إلى ثلث الليل، وقيل: يستحب إلى نصف الليل، ووجه القولين مذكور في مبسوطات الفقه، وأما تأخير العشاء إلى طلوع الفجر فمكروه تحريماً أو تنزيهاً، واختار الطحاوي الثاني، وهو المختار عند المحقق ابن أمير حاج. وأقول: يستثنى من هذا المسافر. قوله: (ألا استن) الاستنان مأخوذ من السن وهو إمرار السواك على السن. قوله: (وفي الباب إلخ) هذا يدل على أن حديث السواك متواتر إسناداً أما المتواتر عملاً فلا ريب فيه.

باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها

باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها

[24] قال النووي: قال الشافعي وغيره من العلماء: معناه إن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار وبلادهم حارة، فإذا ناموا عرقوا فلا يأمن النائم أن يطوف يده على ذلك الموضع المخرج، وقال البيضاوي: عُلم بذلك أن الباعث على أمر بذلك احتمال النجاسة انتهى زهر الربى على المجتبى

ص (4) والمذاهب في مسألة الباب مذكورة بتفصيلها في الكتاب، ومن استنجى بالأحجار ثم أدخل يده في الماء لا يتنجس عندنا، وقيل: يتنجسُ، والمختار الأول، وبعض الأشياء يتنجس بعد التطهر إذا أصابه بلل عند بعضنا، منها موضع الاستنجاء ومنها الحوض النجس المتطهر بالجفاف إذا أصابه ماء ينجس ومنها الإهاب المدبوغ بالجفاف يتنجس إذا ابتل، والتفصيل في كتب الفقه، والله أعلم بالصواب وعلمه أتم. مسألة: إذا أدخل الجنب يده شيء الماء ولم يغسلها وليس شيء من النجاسة على يده لا يفسد الماء بل لا يصير مستعملاً أيضاً إن كان للاغتراف وحديث الباب بظاهره يدل على تنجيس الماء وإن كانت قليلة وإن لم يتغير اللون أو الطعم أو الريح فيفيدنا في مسألة المياه، وأجاب ابن القيم في تهذيب السنن: بأن لليد ملامسة بالشيطان في النوم فغسل اليد قبل الغمس من أحكام الطهارة الروحانية لا الفقهية، فقيل له: إنه محض احتمال، وإنما جاء «يبيت الشيطان على الخياشيم لا اليد» ويرده ما أخرجه الدارقطني وابن خزيمة في صحيحه «فإنه لا يدري أين باتت يده منه» فلا تعلق للشيطان بسبب زيادة لفظ منه، أي من جسده، وقال الشيخ في فتح القدير: حديث الباب لا يصلح استدلالاً لنا على تنجس الماء القليل بدون تقييد بسبب الاحتمال المذكور، أقول: إسقاطه من المستدلات غير صحيح، وقال الشيخ: يمكن أن تكون علة المنع كراهة المسلم، أقول: الكراهة. لا يتحقق بدون احتمال النجاسة فإن الكراهة ليست بحكم مستقل عندنا، ولعله أراد كراهة الفعل. قوله: (الوليد بن مسلم) هذا يدلس تدليس التسوية عن الأوزاعي وقيل: له لمَ تدلس؟ قال: لأجل الأوزاعي، وقيل: بل ضيعته لأن الأوزاعي ثقة وفي أسانيده إذا كانوا ضعفاء أسقطتهم يزعم المحدثون التدليس عن الأوزاعي أو يضعونه، أولم تسقطهم يحكمون بالضعف ليس بسبب الأوزاعي فلم يصغ الوليد إلى فلهذا أدنى الإصغاء. قوله: (قال الشافعي! أحب. . لكل إلخ) كثر في موطأ محمد بن حسن لفظ أحب وينبغي، ومثلها عند المتقدمين قد يستعمل في الفريضة أيضاً.

باب ما جاء في التسمية عند الوضوء

باب ما جاء في التسمية عند الوضوء

[25] نسب إلى داود الظاهري وجوب التسمية عند الوضوء وكذلك رواية عن أحمد بن حنبل، أقول: لم يرد الوجوب عن أحمد، وتفرد بالوجوب منا الشيخ ابن الهمام وجد على تفرده، وكذلك تفرد في بعض المسائل، وقال تلميذه العلامة قاسم بن قطلوبفا: لا تقبل تفردات شيخنا، وقال ابن الهمام: إن لفظة لا لنفي الكمال مجاز، ولنفي الأصل حقيقة، فهو ههنا على الحقيقة، وإنما قلنا بالوجوب كيلا يلزم الزيادة بخبر الواحد على القاطع، ثم قال تحت بحث الصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب: إن لفظة لا مشتركة بين النفيين فبين كلاميه تناف، وأقول: إنها لنفي الأصل حقيقة، وإما لنفي الكمال فبإنزال الناقص منزلة المعدوم وهذا ليس بمجاز لأنه تغيير في المصداق لا في الدلالة، وأما التسمية فليس عليه تعامل كثير من السلف ليقال بالوجوب وأما الحديث فضعيف، وقال الإمام أحمد: ما وجدت في هذا حديثاً صحيحاً، فلا بد من كون التسمية مستحبة. وقيل: المراد من التسمية النية، ونسب هذا إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ولكن ذكر الاسم في أمثاله لإرادة التلفظ باللسان، وحسَّن الحديث ابن الهمام، وتمسك الطحاوي لعدم وجوب التسمية بحديث مهاجر بن قنفذ «أنه عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ فسلَّم عليه أحد فرد عليه بعد الفراغ عن الوضوء، وقال: لم أرد عليك لأني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر» وقال صاحب البحر: إن تمسك الطحاوي ليس بصحيح لأنه ينبغي الاستحباب أيضاً ولا ننفيه، وإنما أراد الطحاوي ذلك الوضوء، وقد ذكر أيضاً في كتابه: إن الذكر كان ممنوعاً في الحدث ثم نسخ. ثم إن لفظ تسميته عليه الصلاة والسلام في الوضوء كما روى الطبراني في معجمه عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول في ابتداء الوضوء: «بسم الله والحمد الله» ، وحسن العيني إسناده والشيخ نور الدين الهيثمي أيضاً. (ف) الأخبار الآحاد التي لم تبلغ مرتبة الضرورة موكولة إلى رأي المجتهد والتأويل في ضروريات الدين غير مسموع والمأوِّل فيها كافر كما في الخيالي وكما قال تقي الدين بن دقيق العيد،

وهو في فتح المغيث. (ف) في كتب الفقه: إن الرجوع عن التقليد بعد العمل غير جائز، مراده أن مسألة بتحققه عند أحد تتحقق فعل شيئاً على تلك المسألة والتحقيق ثم بدا له بعد العمل أن عمله لا يصح على تحقيقه فيقول: أختار تحقيقاً آخر فإنه ممنوع عنه، مثل: إن صلى حنفي ثم ظهر له بعد الصلاة أن جسده كان يسيل منه الدم، فيقول: أختار مذهب الشافعي، فهذا غير جائز، وحكي أن أبا يوسف رحمه الله صلى ثم بدا له أن في الماء فأرة، والماء كان أزيد من قلتين، فقال بعد صلاته واطلاعه على الفأره فيه: إنا لنعمل بقول إخوتنا أهل الحجاز، أقول: إنه لا يقدح فإن بعد تسليم هذه الواقعة يمكن أن يكون مراده أسلوب الحكيم، وغرضه أنا نحكم بنجاسة الماء عند العلم بالنجاسة كما هو مذهبه فصحت صلاته، وإنما كان الرجوع غير جائز لتوارث السلف لأنه لم يثبت عن أحد منهم مثل هذا الرجوع، نعم ثبت الرجوع عن تحقيق إلى تحقيق آخر وهو جائز كما أن الشافعي رحمه الله كان يقول أولاً بعدم وجوب القراءة خلف الإمام في الجهرية، ورجع عنه قبل موته بسنتين، وقال بوجوبها، ولم يقضي ما كان أدى على التحقيق الأول من الصلوات، وكذلك نظائر أخر لا تحصى. وأما الاقتداء خلف مخالف في الفروع كاقتداء حنفي خلف شافعي، أو عكسه أو غيرهما، ففيه أقوال عديدة، قال صاحب الهداية في باب الوتر (ص125) بالجواز، ثم قال صاحب البحر: إن بعد الجواز قولين؛ قول: إن العبرة لرأي الإمام لا للمقتدي وقول أن العبرة لرأي المقتدي وقال نوح الأفندي محشى الدر الفرر: إن العبرة للإمام والمقتدي فإن راعى الإمام المسائل المختلفة فيها صحت الصلاة وإلا فلا، وقيل: إن المقتدي لو وجد وشاهد ما ينقض الوضوء على مذهبه لا تصح وإلا صحت ولا يجب عليه السؤال عن الإمام، مثل إن شاهد حنفي مقتدٍ سيلانَ الدم من إمامه الشافعي فتفسد صلاته وإلا صحت، ولا يجب عليه سؤال هل سال دمه أم لا؟ أقول: أن العبرة لرأي الإمام، والدليل هو: توارث السلف فإنهم كانوا يقتدون خلف كل واحد بلا نكير مع كونهم مختلفين في الفروع، ويتمشون على تحقيق إمامهم، وأما إذا صلوا منفردين في بيوتهم فيتمشون على تحقيقاتهم، وحج أبو حنيفة رحمه الله خمسين حجاً، وكان في مكة كثير من السلف مخالفين وله في الفروع لم يثبت منه النكير خلف أحد منهم. وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: إن الدم الكثير مفسد والقليل غير مفسد.

وقال مالك رحمه الله: كلاهما غير مفسد. وقيل لأحمد: لو وجدت مالك بن حنبل أنس هل تقتدي خلفه؟ قال: لم لا أقتدي؟ وفي فتاوى الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى في المجلد الثاني: أن القاضي أبا يوسف رحمه الله اقتدى خلف هارون الرشيد الخليفة هو وكان الرشيد مفتصداً، والحال أن الدم مفسد للصلاةِ والوضوء عند أبي يوسف إلا أن مالكاً رحمه الله كان أفتى هارون الرشيد بعدم نقض الوضوء بالدم ولو سائلاً، فعُلم أن العبرة لرأي الإمام، ونقل ابن الهمام عن شيخه سراج الدين قارئ الهداية: أن نفي الاقتداء خلف المخالف من المتأخرين لا من المتقدمين، ثم أورد ابن الهمام عليه بمسألة الجامع الصغير، وعندي لا يرد على قارئ الهداية ما في الجامع الصغير، لأن القبلة من الحسيات لها سبيل إلى درك الواقع بخلاف أكثر المسائل الاجتهادية، ولو اقتدى حنفي شافعياً في الوتر، وسلَّم الشافعي على الشفعة ثم أتم الوتر كما هو مذهب الشوافع لا تفسد صلاة الحنفي كما قال ابن وهبان في منظومه: ~ ولو حنفي قام خلف مسلم ... لشفع ولم يوتر وثم فموتر ولا يتوهم أن في الاقتداء خلف المخالف خروجاً عن المذهب، فإنه غلط فإنا لو سئلنا مثلاً: إن صلاة الشافعي مع الدم هل هي صحيحة على رأيه أم لا؟ فلا بد من أن تقول بصحة صلاته. (واقعة) : مَرَّ الدامغاني عند مسجد أبي إسحاق الشيرازي الشافعي، فإذا كان وقت الصلاة قريباً فدخل الدامغاني الحنفي، فامر أبو إسحاق المؤذنَ أن لا يرجِّع، وقدم الدامغاني فصلى بهم الدامغاني صلاة الشوافع، (ف) : الحق في موضع الخلاف واحدُ ودائر وهو المشهور عند أرباب الأصول، وقيل: الحق متعدد ونسب هذا إلى المعتزلة وصرح في فتح الباري بأنه مروي عن الأئمة الأربعة، وهو مذهب الصاحبين ومختار الشاه ولي الله في عقد الجيد، وفي جمع الجوامع أنه قول الأشعري، ومع هذا لا

يجوز الخروج عن تحقيق نفسه، والمسألة طويلة الذيل وسيجئ بعض بحثه في الترمذي في حديث: «الحرام بيِّن والحلال بيِّن وبينهما متشابهات» الخ. وفي ذلك الحديث بحث طويل لكنه يليق بشأن المجتهد وذكر فيه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد المالكي الشافعي شيئاً لطيفاً.

باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق

باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق

[27] المضمضة: تحريك الماء في الفم، والاستنشاق بالشين والقاف (كشيدن بادوربني) ، والاستنثار بالثاء المثلثة والراء المهملة: إخراج الشيء من الأنف. قوله: (فإذا استجمرت فأوتر) الاستجمار الاستنجاء بالحجر، ونسب إلى مالك بن أنس رحمه الله: تبخير الكفن وتجميره، وحكى الأصمعي عنه الأول كما في الديباج المذهب، تمسك الشافعية بحديث الباب على وجوب الإيتار، ولنا حديث: «مَن فعلَ فقد أحسن ومن لا فلا حرج، كما قيل في موضعه، وأما المضمضة والاستنشاق فقال الشافعية بالوصل، ونقول بالفصل، ودليلنا سيأتي من عمل عثمان وعلي: أنهما أفردا المضمضة عن الاستنشاق، أخرجه ابن السكن في صحيحه. قوله: (يعيد في الجنابة الخ) هذا مذهبنا، وقلنا بأن آية: {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] تدل على

المبالغة في التطهير، وإن التطهير في اللغة الغسل فقط، وأيضاً جواز القراءة للمحدث وعدم جوازها للجنب يدل على أن الجنابة حملت في فم الجنب.

باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق بكف واحد

باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق بكف واحد

[28] ذكر النووي للمضمضة والاستنشاق خمسة أوجه فإنهما؛ إما بغرفة واحدة، أو بغرفتين، أو بثلاث غرفات، أو بست غرفات، ثم في الغرفة الواحدة صورتان الوصل والفصل وفي الغرفتين الفصل فقط، وفي ثلاث غرفات الوصل فقط، وفي ست غرفات الفصل فقط، والأخيرة مختارة عند الأحناف، ورواها الترمذي عن الشافعي وفي كتب الشوافع اختيار ثلاث غرفات، ولكن الترمذي يروي عن الفقيه الزعفراني كثيراً ما هو موافق للأحناف، ثم السنة الكاملة عندنا ست غرفات ويتأدى أصل السنة بثلاث غرفات كما في رد المحتار وهو المختار لوفاقه للحديث كما هو دأب الشيخ ابن الهمام، وقول آخر في البحر، وهو عدم أداء أصل السنة وهو ظاهر عبارة الدر المختار، وجزم الشمني في شرح الوقاية بأداء أصل السنة آخذاً من الفتاوى الظهيرية، ورجعت إلى الفتاوى الظهيرية، ووجدت فيه: أنه لو مضمض قبل الاستنشاق لا يصير الماء مستعملاً، ولو عكس يصير مستعملاً، ولم يتعرض إلى ما قال الشمني، ورد ابن القيم في زاد المعاد على ما قال النووي في شرح مسلم وقال راداً: إن الوصل بغرفة واحدة عسير جداً، وقال: إن المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة في الوضوء مرة مرة فلا يكونان ثلاثاً ثلاثاً، وبغرفتين في الوضوء مرتين مرتين، وثبت بالصحيح وضوؤه عليه الصلاة والسلام بغسل بعض الأعضاء مرة والبعض مرتين والبعض ثلاثاً، وما قال ابن القيم صحيح عندي في بيان مراد الحديث، وأما دليل أن كمال السنة بست غرفات فما أخرجه ابن السكن في صحيحه، ونقله ابن الحجر في تلخيص الحبير، عمل علي وعثمان، وهو أصرح لنا مما في الترمذي ص (7) ، ويتعجب من عدم إخراج الزيلعي والعيني إياه، ولنا أيضاً ما أخرجه أبو داود ص (19) عن طلحة بن مصرف، وتكلم فيه أبو داود والمحدثون، وحسنه الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح كما نقل الشوكاني في النيل الجراء، وحسنه ابن الهمام من جانب نفسه، ووجه تضعيفه عند

أكثر المحدثين وجود «ليث بن سليم» في سنده ولكون سند طلحة عن أبيه عن جده غير معروف. قوله: (من كف واحد) قال ابن الهمام متأولاً أنه مراد الحديث إن استعمل بيده الواحدة في المضمضة والاستنشاق بخلاف باقي الوضوء فإنه استعمل فيه اليدين، وتأول ابن الملك بأنه من تنازع الفعلين، ولكن تأويل الشيخ يبعد وما في أبي داود ص (15) في عمل علي بماء واحد الخ، والأحسن قول: أداء أصل السنة به فلا نحتاج إلى التأويل، ولهذا قال العيني في شرح البخاري إن واقعة عبد الله بن زيد لبيان الجواز، وتتبعت طرق حديث علي فوجدت اضطراب الرواة من التحت في حديث واحد أدى بعضهم بكف واحد وبعضهم ثلاثاً ثلاثاً، فتأول الشوافع في الرواية الثانية، فإذن صار تأويل الشيخ توجيهاً فيمكن ذلك التوجيه في رواية أبي داود أيضاً، ووجدت عند النسائي وغيره أنها ـ أي رواية عبد الله بن زيد ـ واقعة حال، ولم يتعرض الحافظ في الفتح إلى ست غرفات، ويفهم من تلخيص الحبير أنه صالحٌ للبحث فإنه أخرج فيه ما في الترمذي ص (16) ولكن ما في ابن السكن أصرح لنا، وظني أن قلة الماء أيضاً مرعية فإن غسل اليدين إلى المرفقين أيضاً مرتين وكان الماء ثلثي مد كما في سنن أبي داود ص14 عن أم عمارة أم عبد الله بن زيد، والنسائي. قوله: (حسن وغريب) حديث الباب حديث البخاري، وحسنه الترمذي وغرَّبه، فكيف يجري قول العراقي صاحب الألفية: إن حسن الترمذي حسن لغيره.

باب ما جاء في تخليل اللحية

باب ما جاء في تخليل اللحية

[29] قال الأحناف: يجب إيصال الماء البشرة لذي لحية خفيفة لا لذي لحية كثة، وفي المختلطة اعتبار الغالب، وتعجب صاحب البحر مما في الكنز فإنه ذكر المرجوع عنه عن أبي حنيفة، وهو مسحها ولم يذكر المرجوع إليه.

باب ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره

باب ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره

[32] ثبت مسح الرأس بصفات كثيرة، وفي الصحاح القوية الإقبال والإدبار وهذه مختارة عندنا، وصفة أخرى عن ربيع بنت المُعوذ في سنن أبي داود واختارها ابن الهمام، وصفة أخرى مروية عن أحمد بن حنبل عن ربيع بنت مُعَوذ، وقد يعبر الراوي هذه الصفة بالمسح ثلاث مرارٍ فإن فيها ثلاث حركات؛ فإنه يبدأ من وسط الرأس، ويمد بها إلى القفا ثم منه إلى الأمام ثم إلى وسط الرأس، وما ذكر الشيخ سديد الدين لكاشفري صاحب المنية: تجافى السبابة والوسطى عن بعض الكتب اعترضه ابن الهمام بأنه لو كان لخوف صيرورة الماء مستعملاً فغلط، فإنه ما دام على العضو لا يكون مستعملاً، وأقول: كيف اختار الشيخ ابن الهمام غيرها في عامة كتبنا والروايات الصحيحة من الإقبال والإدبار تدل عليه؟ وقد يعبر الراوي عن هذه الصفة بالمسح مرتين بسبب الحركتين وإلا فالمسح مرة والحركتان للاستيعاب، وزعم الشوافع المسح مرتين، وصفة أخرى للمسح إذا كان متعمماً أخرجها أبو داود في سننه ص19 عن أنس، ووقع في سنده أبو معقل، وقال في كنى التهذيب اسم هذا الراوي، وإني قد وجدت اسمه في الفتح (ص14) عبد الله بن معقل. وتثليث المسح بماء واحد عن حسن عن أبي حنيفة أنه مستحب كما في الهداية، وأما تثليثه بمياه ففي بعض كتبنا أنه بدعه وفي فتاوى قاضي خان أنه ليس بسنة ولا بدعة. قوله: (فأقبل بهما وأدبر الخ) ظاهره خلاف المُفَسِّر المُفَسَّر، وبعض العلماء ذهب إلى الظاهر فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه الخ. . والإقبال في اللغة «أكلي طرف أنا» والإدبار «پحصلي طرف آنا» والجمهور إلى أن الراوي لم يعتد بالترتيب في المفسر، وقيل: إن الواو لا تدل على الترتيب إنما قدم الإقبال، فإن طريق استعمال العرف هكذا كما قالت خنساء. فإنما هي إقبال وإدبار. وقال المتكلفون ـ ولست منهم ـ: أقبل على شيء: أي أقبل على القفا، أدبر من أي شيء أي أدبر من القفا، أقول: إن الإقبال في اللغة الإتيان إلى القدام، ولا يأتي في اللغة بما قيل لا سيما إذا

أقرن بالإدبار، وقال النووي في شرح مسلم: إن الرجل إذا كان ذا شعر فله والإقبال والإدبار، لا إذا كان محلوقاً فهو تكلف.

باب ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس

باب ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس

[33] ذهب بعض أهل العلم إلى ظاهر حديث الباب وعندي حمله على ما قال الإمام أحمد عن ربيِّع. قوله: (مرتين أي بالحركتين) لا الاستيعاب مرتين.

باب ما جاء أن مسح الرأس مرة

باب ما جاء أن مسح الرأس مرة

[34] مختار الأحناف المسح مرة، ومختار الشوافع تثليثه، وفي سنن أبي داود أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على المسح مرة، وهذا يؤيد الأحناف.

قوله: (ابن عمرو) بالواو والصحيح بدونها، أخرج الدارقطني حديث بتثليث المسح بطريق أبي حنيفة ثم أنكر عليه بأن عمله يخالف روايته، والعجب من رده على الإمام أبي حنيفة رحمه الله مع أن المسألة عند الدارقطني هكذا.

باب ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماءا جديدا

باب ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماءا جديدا

[35] يجوز المسح عندنا ببلة باقية في اليدين أو بماء جديد، وعند الشافعية يمسح ببلة جديد وأما المسح ببلة مأخوذة من العضو المغسول فغير مجزيء، وأما مسح الأذنين فيسن بما بقي من مسح الرأس، وفي فتح القدير لو مسح الرأس ولم يبق ماء لمسح الأذنين يأخذ لهما ماءاً جديداً. وحديث الباب للأحناف، وبسط الزيلعي طرقه وتلخص منه أن الحديث مرفوع. قوله: (بماء غير فضل يديه) ظني أن هذا تصحيف، والصحيح بماء غير فضل يديه، والله أعلم.

باب الأذنان من الرأس

باب الأذنان من الرأس

[37] تأول الشوافع بعد تسليم صحة الحديث أن المراد: أن الأذنين ممسوحان كما أن الرأس ممسوح: كما في معالم السنن للخطابي، وأما تأويل أنه بيان الخِلقة فلا يليق بأن يُصغى إليه وأطنب الزيلعي الكلام، وأتى بسندين قويين دالين على أن الحديث «الأذنان من الرأس» مرفوع، ولنا حديث آخر: «بأنه إذا مسح رأسه يخرج ما سمع أذناه من المعصية» ، والذي أخرجه الترمذي أولاً غير تام، فظاهره مسح الأذنين بمائه.

باب ما جاء ويل للأعقاب من النار

باب ما جاء ويل للأعقاب من النار

[41] قال سيبويه: يستعمل الويل فيمن هو مستحق للهلاك، والويح فيمن ليس بمستحق له، وفي الحديث ـ ضعيف السند ـ: أن «الويل واد بجهنم» وفي حديث الباب رد على الروافض الملاعنة، ونسب إلى ابن جرير الطبري أنه يقول بالجمع بين الغسل والمسح، وقال ابن القيم: إن ابن جرير الطبري رجلان رافضي وسني، والثاني هو المشهور وكلاهما صاحب التفسير، فلعل القائل بالجمع هو الشيعي، وأخطأ الناقلون واستدل الروافض بآية {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] جراً، ولنا خاصة أن نقول: إن القراءتين بمنزلة الآيتين فالجر حال التخفف والنصب حال عدمه، ومأخذ هذا الأصل ما في الترمذي: {الم*غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1 ـ 2] معروفاً ومجهولاً ونحوه. . . . . . واقعتان: ويجوز أن يقال: إن الجر على لغة من لغات العرب، فإنه إذا كانا فعلين متقاربين ولهما مفعولان فيذكر أحد الفعلين في تلك اللغة كما قال الشاعر: ~ علفتها تبناً وماءً بارداً ... وحمل ابن الحاجب الآية على هذه اللغة في أماليه، وأما الطحاوي فأطنب الكلام وادّعى أن مسح الرجلين كان ثم نسخ وأتى بالرواية، ويمكن لأحد أن يتأول المسح بالغسل الخفيف وقد ثبت المسح بهذا المعنى، كما قال أبو زيد الأنصاري: تمسحنا وما توضئنا، ويجب ههنا رعاية أن مسح الرجلين ثبت في الوضوء، على الوضوء كما في كتاب الطحاوي عمل علي، وكذلك عمله في أبي داود وقال: هذا وضوء من لم يحدث. (ف) اختلفوا في تكفير الروافض، وللأحناف قولان: قيل: إنهم كافرون، وقيل: لا، والمختار تكفيرهم، فإن مكفر جمهور الصحابة كافر وقصر الروافض، الإسلام على تسعة أصحاب أو سبعة أو

خمسة على اختلاف الأقوال وللروافض في القرآن العظيم أقوال، قيل: زاد فيه عثمان ونقص، وقيل: نقص ولم يزد، وقيل: إنه محفوظ، ولا يقولون بصحة أحاديث كتب أهل السنة، ولهم صحاح أربعة، وهي سقام ومفتريات.

باب ما جاء في الوضوء ثلاثا ثلاثا

باب ما جاء في الوضوء ثلاثا ثلاثا

[44] السنة المستمرة تثليث الوضوء، ولو اكتفى بالمرة أو المرتين لا يأثم، كما في الهداية ص (6) وثبت وضوئه مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وهذه مستمرة وثبت جمعُ غسل مرة ومرتين وثلاثاً في وضوء واحد، ولم يذهب أحد إلى الزيادة على ثلاث مرار، نعم ثبتت إطالة الغرة والتحجيل.

باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا

باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا

[45] ليس المراد من حديث الباب جمع الطرق الثلاثة في وضوء واحد، بل وقوع الصفات الثلاثة في الوقائع المختلفة، وغرض هذا الباب بيان أن الراوي جمع القطعات الثلاثة في حديث واحد.

قوله: (شريك كثير الغلط) ؛ شريك بن عبد الله النخعي، من رواة مسلم، ومن معلقات البخاري وليعلم أن السند المعلق في البخاري مستقيم إلى المعلق عنه، والسند فوقه يكون تحت البحث، وشريك آخر من رجال البخاري ثقة.

باب ما جاء فيمن توضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثا

باب ما جاء فيمن توضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثا

[47] ظني أن قلة الماء أيضاً كانت مرعية في واقعة الباب، فلا يرد علينا في الجمع بين المضمضة والاستنشاق، والقرينة أن غسل اليدين إلى المرفقين مرتين كما اتفق الرواة، وقال الحافظ أيضاً كذلك، وأما غسل اليدين قبل الوضوء فكان ثلاثاً، وأيضاً كان الماء ثلثي مد كما في سنن أبي داود ص (13) عن أم عبد الله بن عاصم أم عمارة، وكذلك أخرجه النسائي. قوله: (فمسح برأسه) في الطرق الأُخر أنه مسح مرة.

باب ما جاء في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف كان

باب ما جاء في وضوء النبي - صلّى الله عليه وسلّم - كيف كان

[48] الغرض من هذا الباب تفصيل صفة وضوء النبي، حديث الباب حديث علي السابق،

وقال الحافظ في تلخيص الحبير: الظاهر أنه أفرد المضمضة والاستنشاق ثلاثاً ثلاثاً. وقد سها مولانا عبد الحي رحمه الله في السعاية في حديث الباب، فإنه نقل السند عن البناية وبأن في البناية سهواً، لكاتب بأن كتب عن ابن سفيان بدل ابن سلمة، وهو أبو وائل شقيق بن سلمة كما في سنن أبي داود أخرج الزيلعي صفة وضوئه عليه الصلاة والسلام عن اثنين وعشرن صحابياً، ويمكن الزيادة عليهم، وأما وجه اعتناء عثمان وعلي ببيان صفة وضوئه عليه الصلاة والسلام، ففي رواية صفة عثمان أن الناس اختلفوا في صفة وضوئه عليه الصلاة والسلام فبين لهم عثمان، وليس ذكره في رواية صفة علي حين توضأ في رحبة كوفة.

باب ما جاء في النضح بعد الوضوء

باب ما جاء في النضح بعد الوضوء

[50] في بعض كتب أرباب التصوف تسمية هذه المسألة ببل السراويل، وقالوا باستحبابه، وسِرُّه دفع الشبهات، ولم أجد هذه التسمية في كتب الفقه، وأما من ظن خروج القطرة فصلاته باطلة. قوله: (أبو عبيد الله السِّلمي) مَن كان من بني سُليم يكون سُلمياً بضم السين، ومن يكون من بني سلمة يكون بفتح السين. قوله: (حسن بن علي) ليس هذا حسن بن علي أمير المؤمنين، بل رجل آخر متأخر. قيل: إن المراد من النضح الاستنجاء والله أعلم، وثبت النضح بعد الوضوء عن بعض السلف.

باب ما جاء في إسباغ الوضوء

باب ما جاء في إسباغ الوضوء

[51] الإسباغ على أنواع عديدة منها إكمال الوضوء بدون إسراف وتقتير ومنها إطالة الغرة والتحجيل، وهو مستحب عندنا وعند غيرنا، والشرط أن لا يقع الفساد في الاعتقاد ولا يزعمه فرضاً، والدليل على إطالته عمل أبي هريرة في صحيح مسلم، وذكر بعض العلماء من مستحبات الوضوء إلقاء الغرفة على وسط الرأس بحيث تقطر على الجبهة بعد الوضوء، كما في سنن أبي داود ص (16) وحاشية السيوطي، وقال الشوكاني في نيل الأوطار: إن المذكور في سنن أبي داود هو: إلقاء الغرفة بعد غسل الوجه لا بعد ختم الوضوء، أقول: لعلَّ الشوكاني لم يلتفت إلى ما نقل السيوطي من الرواية، ولعله يدخل في الإسباغ وإطالة الغرة، والله أعلم.

قوله: (كثرة الخُطا الخ) المراد التزام حضور المسجد لا تصغير الخطوات حين الذهاب إلى المسجد كما يفعله بعض. قوله: (وانتظار الصلاة الخ) لم أجد شرحه، وقد ثبت من دأب السلف الخروج بعد الفراغ عن أداء المكتوبة في المسجد، فما وجدت ما يشفى الصدور إلا شطراً عن القاضي أبي الوليد الباجي المالكي شارح موطأ مالك من انتظار الصلاة الثانية، وقال بعض العلماء: إن الخارج من المسجد بعد أداء الصلاة وقلبه معلق بالمسجد كالمصلي، وأقول: إن قول هذا البعض يناسب حديث الصحيحين أن المعلق قلبه بالمسجد يكون تحت ظل العرش.

باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء

باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء

[53] المنديل من الندل وهو الوسخ، قال صاحب المنية: التمندل بعد الوضوء مستحب، وقال في قاضيخان: أنه مباح، وهذا معتمد عليه.

قوله: (رشدين) غير منصرف ولا سبب فيه إلا العلمية إلا على مذهب الأخفش فإن الياء والنون عنده كالألف والنون. والحاصل أن المنديل ليس بسنة وفي صحيح البخاري عن ميمونة أعطته ثوباً للنشف بعد الغسل فلم يأخذه وينفض يديه هكذا. قوله: (حدثنيه علي عني، الخ) أي حدثت علياً ثم نسيته فحدثنيه عني ويعبر هذا بالنسيان بعد الرواية، وهو معتبر، كما نسي أبو يوسف عدة من مسائل الجامع الصغير بعد روايته لمحمد بن حسن.

باب فيما يقال بعد الوضوء

باب فيما يقال بعد الوضوء

[55] الأذكار الثابتة بالمروايات القوية أربعة؛ ثلاثة منها مرفوعة والواحد موقوف على عمر بن الخطاب.

أولها في ابتداء الوضوء: «بسم الله والحمد الله» ، رواه في شرح الهداية للعيني عن أبي هريرة مرفوعاً. وثانيها: ما في مسلم وحديث الباب، إلا أن الترمذي زاد «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين. وثالثها: ما في الحصن الحصين لابن الجزري رحمه الله تعالى قال: «اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي» مع كلمة الشهادة في الوضوء. رابعها: ما هو موقوف على عمر بن الخطاب: (سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، أستغفرك وأتوب إليك) .

باب الوضوء بالمد

باب الوضوء بالمد

[56] روي عن محمد بن حسن عين ما في حديث الباب، ويقول الشوافع، إن في الحديث تقريباً لا تحديداً قال صاحب القاموس: المد ما تسعه الكفان، ومذهب الحجازيين وأبي يوسف: أن المد

رطل وثلثه، وعند أبي حنيفة ومحمد بن الحسن المد رطلان، واتفقوا على أن الصاع أربعة أمداد. أقول: إن صاعنا ما تسعه الكفان ست مرات، نقل البيهقي بسند قوي في السنن الكبرى: أن أبا يوسف رجع عن مد العراقيين حين وقع مناظرته مع مالك بن أنس في المدينة، وأتى بخمسين رجلاً من ولد الصحابة بأمدادهم فقدرت وكانت رطلاً وثلثه، وقال الأحناف: لم يذكر محمد خلاف أبي يوسف في كتبه، أقول: إن هذا لا يصلح رداً على ما نقل البيهقي، ووزن صاع العراقيين على تقدير علماء الهند فيه أقوال: منها أنه مئتان وسبعون تولجة، وأحسن ما صنف في صاعنا رسالة الشيخ المخدوم هاشم بن عبد الغفور السندي رحمه الله، وقال فيها: إن فلس السلطان (عالمگير) مساوٍ لمثقال شرعي: ~ صاع كوفي هست أي مرد فهيم ... ووصد وهفتاد وتوله مستقيم ~ باز ويناريكه دار واعتبار ... وزن آن أزماشه وأن نيم وهار ~ درهم شرعي أزين مسكين شنو ... كان رماشه هست يك سرخه دوجو ~ سرخ سه جوهست ليكن پاؤكم ... مشت سرتعه ماشه أي صاحب كرم ولقد أخطأ مولانا عبد الحي رحمه الله في نصاب الفضة والذهب فإن حسابه غير مستقيم، واعتبر بأحمر الأطباء وهي أربعة شعيرات، وقال القاضي ثناء الله الباني پتي: إن نصاب الفضة اثنان وخمسون تولجة، ونصاب الذهب سبعة تولجات ونصفها، والقاضي المرحوم من حذاقنا، قال الحجازيون: إن الصاع العراقي لا أصل له، وأقول: إنه ثابت، وذخيرة الأدلة محفوظة منها ما في سنن أبي داود ص (13) : «أن الإناء الذي كان يتوضأ النبي الكريم منه رطلان» ، لكن فيه شريك وهو مختلف فيه. ومنها ما أخرج الطحاوي ص (324) بسند صحيح: أن صاع عمر بن الخطاب ثمانية أرطال، وذكر فيه عن مالك أن عبد الملك تحرى صاع عمر فوجده خمسة أرطال وثلثه وقال الطحاوي: إنه تحريه، وقد بلغنا تقديره الحق أنه ثمانية أرطال، والعجب من حافظ الدنيا أنه لم يخبر أنه كان صاع عمر ثمانية أرطال، إلا أنه ذكر أن الصاع العمري أي صاع عمر بن عبد العزيز

ثمانية أرطال فنسبه إلى عمر بن عبد العزيز لا عمر بن الخطاب، وأقول: إن صاعنا وصاع الحجازيين كان في عهده عليه الصلاة والسلام وثبت برواية صحيحة دالة على أن الصيعان والأمداد وكانت عديدة، وأخرجها صاحب الهداية: «يا رسول الله مدنا أكبر الأمداد وصاعنا أصغر الصيعان» أخرجه الزيلعي عن صحيح ابن حبان، وظني أن مراد حديث الصحيحين: «اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم» البركة الحية ويمكن البركة المعنوية أيضاً، ومنها ما في النسائي ص46، وأخرجه في معاني الآثار ص324، وفي أحد أسانيده محمد بن شجاع الثلجي معطوفاً عليه غيره، ويقال: إنه من المشبهين وقال العيني: إن هذا القول ليس بسديد ـ إن مجاهداً قال: أخرجت عائشة صاعه فقدرته لم يكن أقل من ثمانية أرطال» وقال ابن التيمية: إن الصاع في مسألة الماء ثمانية أرطال، وفي غيرها خمسة أرطال وثلثه. ونقول: إن مقتضى الاحتياط أن يؤخذ ثمانية أرطال في جميع المسائل. وهاهنا مرحلة فقهية وهي: أن الصاع لو فرضنا زيادته في عهد عمر على ما في عهده يسمى بالصاع إلى الآن فمدار الحكم اسم أو وزن، وهذا شبيه ما قال الشيخ في فتح القدير: إن درهم كل بلدة معتبر فيها في الزكاة بشرط أن لا ينقص مما كان في عهده عليه الصلاة والسلام.

ما جاء في باب كراهية الإسراف في الوضوء

ما جاء في باب كراهية الإسراف في الوضوء

[57] قوله: (ولهان) مشتق من الوله، (سرگشتگي) ، في موطأ مالك: أن رجلاً سأل سعيد بن المسيب: إني أتوسوس في الصلاة فقال سعيد لا تنصرف عن الصلاة، وإن سال على كعبك. وكذلك قال بعض السلف لا تنصرف وإن ضرطت، ومثلهما يحمل على المبالغة.

باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة

باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة

[58] يستحب تجديد الوضوء عندنا وعند بعض العلماء، واشترطنا اختلاف المجلس أو توسط العبادة بين الوضوئين، وإن وضوءه عليه الصلاة والسلام الثاني كان لما يدل ما في سنن أبي داود ص (7) : أنه كان مأموراً بالوضوء لكل صلاة ثم خفف عليه وأمر بالسواك لكل صلاة، وهذا دال على أن السواك من أجزاء الوضوء كما هو مذهبنا، وبدا لي من عمل السلف أن الوضوء بعد الوضوء قد يكون ناقصاً كما يدل عمل علي أخرجه أبو داود، وفي معاني الآثار ص (20) أن الوضوء الناقص قد يمسح فيه الرجلان، وكذلك رواه في موطأ مالك.

وليعلم أن الوضوء يطلق في الشريعة على معان، خلاف ما قال ابن التيمية منها: الوضوء المعروف، ومنها الوضوء الناقص، ومنها المضمضة، كما في المجلد الثاني من الترمذي بسند ضعيف، ولعل المسح على العمامة أيضاً كان في الوضوء الناقص.

باب ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد

باب ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد

[62] يجوز للمرأة فضل طهور المرأة، وللمرأة فضل طهور الرجل عند الكل، إلا إذا غابت المرأة بالماء عند أحمد بن حنبل، وقال الخطابي في معالم السنن: إن المراد بالفضل هو المتساقط من اليدين ولعله أراد به الماء الباقي في الإناء، نُهيَ عنه لمكان التقاطر فيه، ولا شك أن المراد بالفضل هو الباقي في الإناء، وهو الصواب. ونَهيُ الرجلِ عن فضل طهور المرأة ثابت بأحاديث كثيرة، ونهي المرأة عن فضل طهور الرجل ثبت بحديث رجاله موثوقون، وهو في فضل غسل الرجل فقط لا الوضوء وعلله بعض المحدثين، وأكثر الفقهاء حملوا النهي على التنزه، وأما منشأ النهي فعندي هو الاستعمال وأن يتقاطر منها فيه، فإن الطبع لا يقبله، والنظافة في طبع النسوان قليلة، فاعتبر الشريعة بهذا الاستنكاف هكذا مفهوم صيغ الطحاوي، وإن قيل: إن هذا لا يجري في حديث نهي المرأة عن فضل طهور الرجل؟ أقول إن الغسل من الرجل لا يندر فيه التقاطر، فاعتبر الشريعة بطبعهن أيضاً وإن كان طبعهن خلاف الواقع، ويمكن لطالب الحكم والأسرار أن يقول: إن الغرض من الوضوء الطمأنينة ومقتضى الاستنكاف التوسوس فنهى الشارع عن فضل الطهور وفي سنن أبي داود أن السلف كانوا يتوضؤون مع نسوانهم جميعاً، وفي حاشية السيرافي على كتاب سيبويه: إن لفظ «جميعاً» قد يكون بمعنى كلهم، وقد يكون بمعنى المعية الزمانية، وأقول: إن المراد هاهنا المعنى الثاني، والقرينة اختلاف الأيدي في الإناء، وفي النسائي ص (47) . وليفترقا جميعاً، وفيه عن أم سلمة: «توضأت أنا ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاً» فما ذُكر دال على أن المدار هو ما ذكرنا، وإنَه عند الاغتراف معاً لا يصدق عليه اسم الفضل، وأما دليل أن الشريعة قد تعتد بطبع الناس: حديث نهي النفخ والبزاق في الماء. (م) في خطر الدر المختار أن سؤر الأجنبية للأجنبي مكروه.

وتكلم عليه ابن عابدين قال السرخسي: سؤر الكافر مكروه. وحديث الباب ظاهره يفيد مشائخ ما وراء النهر في أن الماء المستعمل نجس، وكذلك يفيدنا في مسلم عن أبي هريرة «لا يغتسل الجنب من الماء الدائم يتناول تناولاً» أقول: أنكر مشائخنا العراقيون رواية نجاسة الماء المستعمل عن الأئمة الثلاثة وتصدى مشائخ ما وراء النهر إلى إثباتها عن الأئمة، وأفتوا بما قال العراقيون بطهارته لا طهوريته، وعندي لوثبت رواية النجاسة عن الأئمة ينبغي أن يتأول فيها كما تأول ابن التيمية رحمه الله، في قول أحمد في رجل جنب أدخل يده في الماء فنجسه في فتاواه بأن المراد من النجاسة عدم صلاحه لإزالة الحدث. لما فرغ المصنف عن هذا الباب بوب: باب الرخصة في فضل الطهور، فإن استعمال ذلك الماء خلاف الأولى، ولا نقول: إنه مكروه تنزيهاً فإن الكراهة التنزيهية تحتاج إلى الرواية عن الأئمة.

(ف) قال علماء المذاهب الثلاثة: إن العام ظنى في التناول فإنه ما من عام إلا وقد خص منه البعض، وللأحناف ثلاثة أقوال كما في تلويح العلامة، قال مشائخ العراق: إنه قطعي، وقال مشائخ ما وراء النهر بظنيته، وقال أبو منصور الماتريدي بالتوقف والعجب من ذكر علماء ما وراء النهر قول العراقيين في تصانيفهم والمختار الظنية، ولعل مراد العراقيين بالقطعية القطع عملاً لا علماً ومن فروع القطع عملاً عدم الزيادة بخبر الواحد على القاطع، وما قال الشيخ في التحرير، من أن العام قطعي في الدلالة لا في الإرادة عين ما قلت في قول العراقيين.

باب ما جاء أن الماء طهور لا ينجسه شيء

باب ما جاء أن الماء طهور لا ينجسه شيء

[66] في بضاعة لغتان بصاد مهملة أو ضاد معجمة. قوله: (قد جود أبو أسامة) قال ابن دقيق العيد: إن التجويد تدليس التسوية، ولكن المراد هاهنا الإتيان بسند جيد. قوله: (عن ابن عباس) لعله المروي سابقاً من أن الماء لا يُجنب، واعلم أن المذاهب في مسألة المياه خمسة عشر لأهل المذاهب الخمسة رواية وأقوالاً والمؤقت في مسألة المياه الشافعي رحمه الله بأن الماء إن كان قلتين لا ينجس، ولو وقعت رطل نجاسة، ولو قل منه ولو برطل ينجس، والأجزاء المخلوطة بالنجاسة نجسة إجماعاً، والتوقيت خلاف القياس فإن القياس حكم النجاسة بقدر العلة. وللموالك ثلاثة أقوال، المشهور أن العبرة للتغيير وعدمه فإذا تغير لوقوع النجاسة نجس وإلا فلا.

وقال أبو حنيفة: يحكم بالنجاسة إلى حد يظن خلوص النجاسة إليه، ثم مالك اعتبر الحس، وأبو حنيفة اعتبر العلم، والظاهر أن في أكثر الأنجاس عبرة العلم، وأما ما في كتبنا من العشر في العشر فعين توقيت وهو ليس بمروي عن أئمتنا الثلاثة، وقال الشيخ في الفتح: إن محمداً ليس بمؤقت، ولو سُلِّم فرجع عنه، وحكى أن محمداً سئل عن الماء الكثير فقال: نحو مسجدي هذا، فقدره تلامذته فوجدوه ثمانية في ثمانية من داخله، وعشراً في عشر من خارجه، وفي الفتح عن محمد: لا أوقت فيه، ونقل صاحب البحر عبارات أركان المذاهب على أن العشر في العشر ليس عن الأئمة، وأما ما في القدوري من تحرك الطرف بتحريك طرف آخر فهو علامة العلم بالخلوص، وأول من قال في العشر أبو سليمان الجوجزاني كما في الفتاوى الهندية. قوله: (يلقي فيها الحيض) ليس المراد الإلقاء بأنفسهم بل كانوا لا يحرسون البير وعبره الراوي بالإلقاء، أي لا يعلم الملقى ولا وقوعها عند استعمالهم، بل المراد أنه قد يتفق ذلك. قوله: (طهور لا ينجسه) استدل الموالك بظاهر حديث الباب، وقيل لهم: ليس ها هنا ذكر التغيير وعدمه، قالوا: إنه مستثنى للإجماع على النجاسة بالتغيير، وأجاب المتأولون منا ـ منهم ابن الهمام بأن لام الطهور لام العهد، أقول: إن القول بأنه لام العهد تأبى عنه المقدمة الممهدة من أن الماء طهور لا ينجسه شيء الأصل لام الجنس، وقال الطحاوي بالتصرف والتأول في الخبر «الماء طهور لا ينجسه شيء» كما زعمتم وأغير في التعبير شيئاً مع إبقاء المراد أي الماء طهور لا يبقى نجساً أبداً بحيث لا يكون لطهارته سبيل، فإن هذا التعبير أقرب إلى لفظ الحديث عربية، وادعى الطحاوي أن الإنجاس كانت تخرج، وقال: إن بير بضاعة كانت جارية وأن الآبار كانت جارية، ولم يدرك مراد جريانه بعضهم، فإن مراده بالجريان إخراج الماء لا أن الماء يخرج بنفسه، واحتج بما روي عن الواقدي، وقيل: إن الواقدي كذاب، وأنه ضعيف عند الكل، وفي ابتداء عيون الأثر لأبي الفتح بن سيد الناس اليعمري: إنه قوي والظاهر، أنه ليس بكذاب، نعم يأتي بالرطب واليابس في تصانيفه، وأنا احتج على الجريان المذكور بما في البخاري ص (923) وص (128) أن بير بضاعة ويسقى منها لما في البساتين، ثم أتى الطحاوي بالنظائر على ما حرر بأنه عليه الصلاة والسلام قال لأبي هريرة: «إن المسلم لا ينجس ـ أي كما زعمتم ـ وبأن الأرض لا ينجس» مرفوعاً، وأتى بنظائر غير ما في الطحاوي مثل ما في البخاري؛ وقال الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين: يا رسول الله يأتينا الأعراب بلحوم لا نعلم هل سموا عليها أم لا؟ فقال سموا عليها وكلوها ولا يقول أحد بحله لو لم يسموا عند الذبح. وكذلك ما في الترمذي ص20 عن أم سلمة «يطهره ما بعده» وكذلك روى في سنن ابن ماجه، وشرح الشافعي حديث أم سلمة في كتاب الأم مثل ما شرحت، وأنه إلزام المخاطب بما لا

يلتزمه، وقال الطحاوي: إن حديث بير بضاعة لا يصح حجة للموالك، فإن سقوط مثل ما ذكر من الحِيَض ولحوم الكلاب يوجب تغيير الماء قطعاً فيحتاجون إلى إخراج الأنجاس والماء حتى يطيب، ونحن أيضاً نقول بكذا، وأما تفصيل الدلاء من عشرين أو أربعين فيطلب أدلته من موضعه، فالحاصل أن الماء طهور بحسب طبعه وحيث يكون في معدنه، وأما نجاسة الماء الراكد فهو حكم النجاسة الواقعة، ونقول أيضاً: إن الناس هل شاهدوا سقوط الحيض ولحوم الكلاب في البير فجاؤوه وسألوه، أم غرضهم أنه قد يتفق أن يكون هكذا مثل حال آبار زماننا؟ ومقتضى العقل السليم أن السؤال على بناء الصورة الثانية فيكون جوابه بأسلوب الحكيم وعدم اعتبار الوساوس والأوهام، وأيضاً إذا كان معاملة النجاسة المرئية ولم تكن مشاهدة بالعين ولا إخبار الثقة فحكم النجاسة عندنا أيضاً بالتغير. إن قيل: إن التراب وغيره أيضاً يطهّر، ويكون له سبيل طهارة فما وجه القصر بالماء؟ نقول. إن الماء مخلوق للطهورية لا غيره، وأما حديث «جعلت لي الأرض طهوراً» فمن خصائصه عليه الصلاة والسلام، وجعلت له طهوراً إلا أنه طبع الأرض فثبت القصر.

باب منه آخر

باب منه آخر

[67] آخر حديث الباب استدل به الشوافع. قوله: (ينوبه السباع الخ) أي قد يتفق هكذا إلا أنهم شاهدوا ورود السباع عليه. قوله: (لا يحمل الخبث الخ) ما قال صاحب الهداية متأول في حديث الباب يرد عليه لفظ «لا ينجس» قوله: «قول أحمد» عن أحمد روايتان: رواية موافقة للشافعية، ورواية موافقة للموالك،

واختار ابن التيمية قوله الذي هو موافق للمالكية في فتاواه، ولم يعل حديث القلتين، ونقل ابن القيم في تهذيب السنن أن ابن التيمية أسقط حديث القلتين ونقله صاحب البحر أيضاً. قوله: (قوله خمس قرب) هو في قول للشوافع خمسمائة رطل. حديث الباب حسنه بعض الشوافع، وصححه بعضهم، وعلله أبو عُمَر والقاضي إسماعيل المالكيان، ونقل صاحب الهداية تعليله عن أبي داود، وقال المخرجون: ما وجدنا فلعله أبي داود فعلله استنبط من صنيعه في ص (9) وذكر الحافظ التصحيح عن الطحاوي، أقول: إني ما وجدته في معاني الآثار ومشكل الآثار لعله صححه في كتاب آخر أو استنبط من صنيعه، وبحث الغزالي عدة أبحاث على حديث القلتين، وبحث ابن القيم خمسة عشر بحثاً في تهذيب السنن في أوراق تزيد على العشرين منها أنه قول ابن عمر وليس بمرفوع، فإن تلامذته الكبار لا يروون مرفوعاً، وأيضاً لم يعمل به في الحجاز والعراق والشام واليمن، فلو كانت سنة ما اختفى عليهم فلعل الرفع وهم الراوي، وأما كلام ابن التيمية في شرح حديث الباب فمضطرب كما حررت، وأثبت أبو داود ص (9) الاضطراب رفعاً ووقفاً، وفي بعض الطرق: «إذا كان الماء قلتين أو ثلاثاً» ومرَّ عليه البيهقي فقال: إنه شك الراوي، وقال ابن القيم: إنه تنويع من صاحب الشريعة، فإن ستة رجال رووه من كامل بن طلحة، وإبراهيم بن حجاج وهدية بن خالد، ووكيع ويزيد بن هارون، وعفان، فإذن لم يكن في الحديث تحديد، وفي الدارقطني بسند صحيح فتوى عبد الله بن عمرو بن العاص: إذا كان الماء أربعين قلة، وفي بعض الكتب عبد الله بن عمر بلا واوٍ فاضطرب شديداً، ولكن ظني أنه بالواو أي ابن عمرو، وقال الأحناف: إن الحديث مضطرب سنداً ومتناً، أما سنداً فقال البعض: عن عبد الله المكبر، وقال البعض: عبيد الله مصغراً، وأيضاً قال بعضهم: عن محمد بن جعفر بن الزبير، وقال بعضهم: محمد بن عباد، وقال الشوافع أياً ما كان ثقة، وأما متنا: فما ذكرنا من قلتين أو ثلاثاً أو أربعين، وقال ابن التيمية في موضع في فتاواه: أن حديث الباب راجع إلى حديث بير بضاعة، أي الحكم دائر على حمل الخبث وعدمه بأن يتغير الماء أو لا، فالمراد بالحمل الحمل الحسي، وزعم الشوافع أن الحكم دائر على القلتين، ونظير هذا حديث الترمذي في باب الوضوء من النوم: «فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله» ص (12) فإنه لم يقصر أحد حكم نقض الوضوء على الاضطجاع فقط بل مدار

الحكم عند الكل استرخاء المفاصل، وهذه الدقيقة قابلة القدر، وصوب ابن التيمية وابن القيم وأبو الحجاج المزي الشافعي رحمه الله كما في تهذيب السنن ـ وهاهنا دقيقة أخرى ـ وهي: أن الماء كان بين مكة والمدينة في الفلاة ماءً دائماً كالعيون وماءً ينسب إلى الأرض، ولذا قال في بعض الألفاظ: سئل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، فهو إذن ماء دائم لا ماء راكد من الغدران وماء الأمطار، ومدار حكمه عليه الصلاة والسلام: أنه ماء لم نشاهد ورود السباع عليه، ولم يخبر به ثقة والنجاسة غير مرئية، والماء ماء دائم فلا يحكم عليه بالنجاسة بمحض الاحتمال، فالحاصل أن مثل هذا الماء طاهر عندنا وعند غيرنا فلا حجة علينا بل هذا الماء طاهر وإن كان أقل من القلتيين، ثم كانت ذكر القلتين ممكنة بأنه تقريب لا تحديد، ففي الحديث أسلوب الحكيم، وشأن جوابه ها هنا وشأن جوابه في بير بضاعة مفترق، فإن النجاسة ها هنا غير مرئية وثمة مرئية وفي كليهما أسلوب الحكيم.

باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد

باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد

[68] وقع في لفظ البخاري الماء الدائم الذي لا يجري، وقد ذكرنا الأقسام الثلاثة للماء مع أفراد الحكم، من أن الماء قدرةً على ثلاثة أقسام: الماء الجاري: وهو لا ينجس، والماء الراكد: وهو ينجس ولا سبيل لطهارته، وماء البير: هو ينجس، وله سبيل الطهارة، وأفرد أبو حنيفة رحمه الله لكل واحد حكماً، واعتبر الشافعي بالتوقيت وأهمل هذه الأقسام الثلاثة واعتبر مالك بالتغيير وعدمه، ولم يعتد بالأقسام الثلاثة. شرح حديث الباب موقوف على بيان ما في مغني ابن هشام، ففيه: إن في جملة (ماتأتيني فتحدثني) برفع تحدثني ونصبه أربعة معانٍ، فإن للرفع معنيين: أحدهما: نفي الفعل الأول والثاني، وثانيهما: نفي الأول وإثبات الثاني، ومعنى الأول (نه توميرى پاس آتاهى زباتين كرتاهى) ومعنى الوجه الثاني (تونهين آتاهى أورباتيس بناتار هشاهى) ، وفي النصب أيضاً وجهان. أحدهما: نفي الأول لينتفي الثاني، ومعناه (توهمارى پاس نهي آتاله باتين كرتا) ، وثانيهما: نفي الثاني فقط، وأقول: إن في الرفع وجهاً ثالثاً أي نفي الأول لينتفي الثاني كما يفهم من كتاب «سيبويه» في:

~ لم تدر ما جزع عليك فتجزع ... وفي حديث الباب الوجه الثالث في الرفع، وفي الرواية لم يثبت إلا الرفع، وذكر النووي الرفع والنصب والجزم، وذكر شيئاً عن شيخه ابن مالك صاحب الألفية مع أن المروي الرفع فقط، وزعم البعض في حديث الباب الوجه الأول للرفع، وزعم أن الغرض نفي كليهما، واشتبه عليه الأمر، وزعم أنه منهي عن الجمع ويجوز أحد الأمرين، وقال: يجوز البول في الماء الراكد، وليس كذلك فإنه نفي الأول والثاني أولاً وثانياً لا نفي الجمع، وقال الطيبي في شرح المشكاة: إنّ (ثم يتوضأ) موقع الاستبعاد وهذا عندي لطيف شرحاً والعجب من نقل الحافظ عبارة القرطبي: شارح مسلم ثم الرد عليه، قال القرطبي: إنه إشارة إلى كمال الحال مثل حديث «لا يضرب أحدكم زوجته ضرب العبد ثم يضاجعها» فالنهي عن الأول والثاني موقع الاستبعاد. حديث الباب حجة لنا، وأجاب ابن التيمية: مختار مذهب مالك بن أنس بأن الغرض النهي عن الاعتياد فإن الماء لا ينجس إلا بعد التغير، ولا ينجس في الحالة الراهنة وأتى بالنظائر منها نهى الشارع عن البول تحت الظّل وفي الشارع العام والمورد، فإن الغرض ثمة النهي عن الاعتياد، أقول: إنه من رأيه رآه، فإن في حديث الباب: «ثم يتوضأ منه» ، والمتبادر منه أنه يحتاج إلى التوضئ في الحالة الراهنة، وكذلك تدل طرق الحديث منها ما في معاني الآثار ص (8) عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة يغتسل منه ويشرب الخ، أخرجه البيهقي ومالك في مدونته، فإن العاقل يزعم أن الشرب في الحالة الراهنة لا بعد زمان كثير وتغيير الماء، وكذلك تدل فتوى أبي هريرة وهو راوي الحديث، أخرجه في معاني الآثار ص (10) : سئل عن رجل يمر على غدير أيبول فيه؟ قال: (لا، لعله أخوه المسلم يمر عليه فيغتسل منه أو يشرب) على أن المنع باعتبار التوضئ في الحالة الراهنة، قال ابن التيمية في موضع آخر: إن البول مائع وإذا اختلط بالماء فلا يتميز، فالنجاسة بسبب الاختلاط فلا يتعدى الحكم إلى الخثي والروثة اليابسة، فإنها إذا وقعت في الماء فلا يتنجس الماء إذا لم يختلط، وروي عن أحمد بن حنبل الفرق بين النجاسة الرطبة واليابسة أقول: إن مُدَّعانا أيضاً إثبات نجاسة الماء كما اعترفت، وأما القول بأن النجاسة بسبب الاختلاط وبالعرض وإلا فالماء طاهر والنجاسة المختلطة هي النجسة فتفلسف وأدلتنا في في مسألة المياه حديث المستيقظ من النوم، وحديث ولوغ الكلب، وحديث، الباب، وفي الثلاثة الأنجاس مما من أفعالنا واختيارنا، ونعلمها قطعاً، وفي الثلاثة الأنجاس غير مرئية، ولم يذكر الأنجاس المرئية فإن حكم النجاسة المرئية كافٍ في الحكم فإنا نحكم بنجاسة الماء إلى موضع سرى إليه أثر النجاسة.

(دقيقة) : لقد نهى الشريعة الغراء عن النفخ والبصاق في الماء، وعن إدخال اليد فيه بعد اليقظة، فكيف يجوز استعمال الماء الذي يقع فيه لحوم الكلاب والحِيَض والنتن على ما زعم الخصوم؟ والحاصل عندي أن الشريعة لم تحكم بنجاسة ماء بير بضاعة وماء الفلاة فإن الناس لم يشاهدوا النجاسة، وجرت فيها الأوهام والوساوس، وأما الموضع الذي ليس فيه طريق الوهم فليس شأنه هذا، فإن الشريعة تنهى عن استعمال الإناء الذي ولغ فيه الكلب قبل الغسل، وأيضاً أمرت بالغسل عن سؤر الهرة، وفي معاني الآثار ص (12) عن ابن عمر: النهي عن سؤر الحمار، وفي مجمع الزوائد: أن ابن عباس ردف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الحمار فأمره بالاغتسال، وفي سنده راو مختلف فيه، ففي ما ذكر وأخواته مشاهدة سبب النهي عن استعمال الماء ولا مشاهدة في ماء الفلاة وماء بير بضاعة، فعومل فيها بأسلوب الحكيم، فالحاصل أن فيها مدخل الأوهام لا المشاهدة بخلاف غيرهما مما ذكرنا وأخواته فتفرق شأن الأجوبة في الطائفتين، نقل البيهقي في معرفة الآثار والسنن لفظ (ترِدُه السباع والكلاب) في حديث القلتين ثم علله البيهقي بأن الراوي متفرد، وأقول: إنه معلول في الواقع فإن ابن عمر راوي حديث القلتين يفتي بنجاسة سؤر الكلب كما في معاني الآثار ص (12) فلا يكون فيه لفظ الكلاب، وكذلك في الصحيحين: «أن الإناء الذي ولغ فيه الكلب يغسل سبع مرات، فعلم أن لفظ الكلاب ليس في حديث القلتين، ولو سلم ففي ماء الفلاة ليست المشاهدة بل فيه طريق الوهم، وفيما روينا طريق القطع واليقين فافترقا. (اطلاع) : يقول الشوافع أسآر السباع طاهرة إلا الكلب والخنزير، ونقول: إن حديث القلتين دال على نجاسة أسآرها، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يجب الصحابة بأن أسآرها طاهرة، بل أجاب بأن الماء إذا كان قلتين لم يحمل الخبث، وأيضاً دال على أن الماء إذا كان أقل من القلتين يتنجس بأسآر السباع فهذا إلزام على ما قال الشوافع فتدبر، ويقول الشوافع: إن من دأب الدواب السباع البول حين شرب الماء، ونقول: إنا نتمشى على ما ذكرنا في الحديث، وأماما في المشكاة: «لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي» ، فضعيف بجميع طرقه بإقرار البيهقي، وتصدى ابن الحجر المكي الشافعي إلى تحسينه بأن تعدد الطرق دال على أن له أصلاً، وأقول: إن فيه أيضاً أسلوب الحكيم فإنا لا نشاهد السباع يشربون الماء، فالمدار على الأوهام فلا يتنجس الماء بالشك وأما مذاهب السلف في الماء فالجزئيات المروية عنهم قريبة إلى قول أبي حنيفة، فإن أكثرهم يعتبر بالعلم وبعضهم يأخذ التغير، ونحن أيضاً، نحن نأخذ التغير في بعض الأحيان، أخرج في معاني الآثار ص (10) بسند

صحيح فتوى ابن الزبير وابن عباس: ينزح تمام ما في البير حين وقوع الغلام الحبشي فيها، وأيضاً إذا وقع حيوان في الماء يفتي أكثرهم بنزح الماء حتى يطيب الماء كما في معاني الآثار، قال الشوافع في قصة وقوع الحبشي في البير: إن سفيان بن عيينة قال: أقمت بمكة سبعين سنة ولم أسمع هذه القصة، وقال ابن الهمام: إن سفيان بعد عهد ابن الزبير فكيف يرى الواقعة، فعدم علمه ليست بحجة علينا، ثم أجاب الشوافع بأن الحبشي لعله سال دمه فتغير الماء وغلب على الماء، نقول: إن هذا الاحتمال بعيد وخلاف المشاهدة، ونقول: إن الكوفة لم تكن خالية عن الصحابة قال الأزرقي: كان خمسمائة وألف رجل من الصحابة في الكوفة، أقول: إن عمر اتخذ مجتمع العسكر بكوفة كما في مسلم، وكان آلاف من الصحابة في حروب القادسية، فلعل في قول الأزرقي قيداً، وكان ستمائة رجل منهم في قرية قرقية في حوالي كوفة، ثم أقول: إن عُمُر سفيان سبعون سنة وأقام خمسة وثلاثين سنة في كوفة فيتأول في كلامه بأنه حج سبعين مرة قال الشيخ ابن الهمام في الفتح: إن حديث البول في الماء الراكد، وحديث المستيقظ ليستا بحجتين لنا فإن فيهما كراهة نعم حديث ولوغ الكلب دليل لنا، فإن فيه لفظ (طهور إناء أحدكم. . الخ) أقول: لو كان الأمر كذلك فالطهور أيضاً يأتي بمعنى النظافة لما في الحديث: «إن السواك مطهرة للفم» فلا يكون حديث ولوغ الكلب أيضاً دليلنا ولكن الحق متجاوز عنه، وأقول أيضاً: إن الكراهة ليست حكماً مستقلاً في الماء بل من فروع النجاسة، فإن الموضع الذي يحتمل النجاسة نحكم فيه بالكراهة فرجع الأمر إلى النجاسة، فتكون الأحاديث الثلاثة أدلتنا، وأن مذهب أبي حنيفة في المياه راجح إن شاء الله تعالى.

باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور

باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور

[69] أكثر أرباب اللغة أن البحر هو مالح، وقع في بعض الروايات أن السائل في هذا الحديث رجل من بني مدلج. قوله: (هو الطهور ماءه) ماءه فاعل الصفة المشبهة، وكذلك في الحل ميتته، اللام في الطهور ليس للقصر بل لتعريف المبتدأ بحال الخبر، كما قال عبد القاهر الجرجاني: إن تعريف الخبر قد يكون ليعرف به المبتدأ مثل آية: «أولئك هم المفلحون» كذلك في:

~ وإن قَتَل الهوى رجلاً ... فإني ذلك الرجل تكلم العلماء في منشأ سؤال الصحابة: فقيل: إن منشأه حديث «إن تحت البحر ناراً» ، وفي الملل والنحل لابن حزم الأندلسي، قيل لعلي: إن فلاناً اليهودي يقول: إن جهنم في البحر، قال علي ما أراه إلا أن صدق. ومراد هذا الحديث قيل: إن جهنم يوضع موضع البحر وإن ماءه يستعمل في جهنم، وقيل: إن منشأ السؤال موت الحيوانات في البحر، وأقوال أخر فيه. قوله: (الحل ميتته) في حيوانات البحر أقوال للشوافع، في قول: إن جميع ما في البحر حلال، وفي قول: جميع ما فيه حلال إلا الضفدع والتمساح، وفي قول: حلال البر، حلال في البحر، وحرام البر حرام في البحر ومالا نظير له في البر أيضاً حلال. ومذهب الأحناف: أن الحلال من حيواناته السمك فقط. ثم لأهل المذهبين كلام في آية {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] قالوا: إن الصيد بمعنى المصيد، وقلنا: إنه مصدر على حاله، والقرينة أن القرآن يبحث عن الفعل من المُحرِم بأنه هل يوجب الجزاء أم لا؟ وأما الحديث فأحسن ما قيل في حديث الباب ما قال مولانا أستاذ الزمن محمود حسن مد ظله العالي على رؤوس المسترشدين: إن الحل بمعنى الطاهر وثبت الحل بمعنى الطهارة، كما في قصة صفية بنت حيي: حلت بالصهباء أي، طهرت من الحيض، وأيضاً حديث آخر دال على أن الحل قد يكون بمعنى الطاهر إلا أنه ضعيف السند، أخرجه الزيلعي والشيخ في الفتح ومعناه أن موت ما يعيش في الماء لا يفسده، ودليلنا «أحُل لنا ميتتان: السمك والجراد» أخرجه الحافظ في تلخيص الحبير مرفوعاً وموقوفاً وصحح سند الموقوف، وأيضاً لم يثبت من أحد من الصحابة أكل ما سوى السمك، قال الشوافع: أكل الصحابة العنبر وهو غير السمك، ونقول: إن العنبر غير السمك كما وقع في بعض الألفاظ لفظ الحوت على المنبر صراحة، فلا يصلح حجة لهم، والمراد بالميتة غير المذبوح فلا يدل على حل الطافي، والمراد في الآية بصيد البحر فعل الاصطياد وبطعامه هو السمك، فهو تخصيص، وأثر أبي بكر الصديق في الطافي مضطرب اللفظ.

باب ما جاء في التشديد في البول

باب ما جاء في التشديد في البول

غرض الباب ذكر الاستنزاه عن البول.

[70] قوله: (وما يعذبان في كبير) في بعض الروايات نعم أي كبيران، فتعارض جزءا الكلام، فالدفع أنهما كبيران عقاباً وليسا بكبيرين فعلاً، فإن تركهما سهل. قوله: (لا يستتر) في بعض الروايات (لا يستنزه) وفي بعضها: (لا يستبرئ) . والنميمة نقل كلام الغير بقصد الإضرار. قيل: إن الرشاش ليس بكبيرة فأجيب بأنه لعله يصلي بذلك الثوب الذي أصابه الرشاش فصارت كبيرة وقيل: إن الإصرار على الصغيرة كبيرة، قال حافظ الدنيا: إن واقعة الباب واقعة الرجلين المسلمين، وما في آخر صحيح مسلم واقعة الكافرين، فلا يختلط الأمر بسطح الحديثين، فإن معرفة اتحاد الواقعة وتعددها عسير جداً، أقول: قد صح أن عامة عذاب القبر من البول، وأما نكتة هذا فخفية لم تحصل لي، إلا أنه في الكفاية شرح الهداية: إن أوّل الفرائض بعد الإيمان وستر العورة الصلاة ومقدمتها الطهارة، والقبر أيضاً أول مراحل المحشر، فيليق المقدمة للمقدمة والله أعلم، ثم سخ أن الأثر للنجاسة، وهم كانوا يتهاونون في أمر البول فخصه بالذكر، وإلا فالأمر عام في النجاسات.

باب ما جاء في نضح بول الغلام إلخ

باب ما جاء في نضح بول الغلام إلخ

[71] قال أتباع المذاهب الأربعة: إن بول الغلام نجس، والاختلاف في وجه التطهير؛ قلنا: إن في تطهيره تخفيفاً كما في موطأ محمد بن حسن ص (64) أن فيه رخصة أي تخفيفاً، وللشوافع وجهان: في وجه: يجب تغليب الماء فقط، وفي وجه: يجب التقاطر أيضاً، ذكرها النووي في شرح مسلم، والوجه الأوّل مختار إمام الحرمين، وألزم بعض الموالك طهارة بول الغلام على الشوافع لذلك لم يشترطوا التقاطر في وجه فكيف الطهارة، وفي عارضة الأحوذي لأبي بكر بن العربي، والإحياء للغزالي، وكذلك قال ابن التيمية: إن الماء محيل أو مستهلك فإنه إذا غلب على البول يحيله إلى الطهارة، كما قال الأحناف: إن الحمار إذا وقع في الملح وصار ملحاً طهر، أقول: إن حكم الإحالة في الفور مستبعد بخلاف ما قلنا من طهارة الحمار، فإنه بَعد زمان بعيد. تمشى الشوافع على ظاهر حديث نضح بول الغلام ونحن حملنا النضح على الغسل الخفيف، وهو صب الماء شيئاً فشيئاً، وقد ثبت كثير من الألفاظ في بول الغلام، منها الرش والنضح والصب وإتباع الماء، وقال النووي: إن الأحاديث الصحيحة ترد على أبي حنيفة ولعله لم يلتفت إلى ما بين يديه من روايات مسلم منها ما فيه: «أنه أتبعه الماء» ، ومنها «أنه لم يغسل غسلاً أي غسلاً شديداً، فإن المفعول المطلق يكون للتأكيد، وذكر ابن عصفور في حاشية كتاب سيبويه أن للتأكيد أنواعاً ومنها:

تأكيد الفعل، فإنه إذا قال: ضُرب زيدٌ، فيتوهم التجوز فيقول: ضُرب زيدُ ضَرباً للتأكيد، وقد ثبت النضح بمعنى الغسل الشديد أيضاً، فكيف الغسل الخفيف كما ثبت في الترمذي ص (17) باب في المذي يصيب الثوب، وكذلك نضح ثوب أصابه دم الحيضة كما في مسلم ص (141) ، وقد استعمل الرش في ثوب أصابه دم الحيض كما في الترمذي ص (20) باب غسل دم الحيض من الثوب، وكذلك في مسلم ص (140) ، ثم قيل علينا: ما الفرق بين الصغيرة؟ والصغير فإن الحديث تعرض إلى بول الصغيرة والحال أنكم تقولون بغسل بولها، لأن الشوافع تقول: إن في بول الصغيرة لُزُوجة لا في بول الصغير وأيضاً يؤتى بالصغير، في المجالس لا الصغيرة، وأقوال أخر وأقول.

باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه

باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه

[72] بول ما يؤكل لحمه طاهر عند مالك، وكذلك مذهب أحمد ومذهب محمد وزفر، ونجس عند أبي حنيفة والشافعي وأبي يوسف، وفي طهارة أزبال ما يوكل لحمه رواية شاذة عن محمد بن حسن، وهو مذهب مالك، ولابن التيمية كلام مطنب في فتاواه. قوله: (من عرينة) في الروايات أن ثلاثة كانوا من عكل وأربعة من عرينة. قوله: (راعي رسول الله) قيل: يسار مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: ابن أبي ذر الغفاري. قوله: (سَمّروا أعينهم) قال الشوافع: إن هذه مماثلة في القصاص كما هو مذهب الشوافع إلا في عمل قوم لوط وفيمن أحرق وجوههم، وعند أبي حنيفة: لا قود إلا بالسيف، أخرجه في سنن ابن ماجه، وأكثر تفردات ابن ماجه ضعيفة، وتصدى الشيخ علاء الدين المارديني في الجوهر النقي إلى

تقوية حديث: (لاقود إلا بالسيف) ، وأما حديث الباب ففي جوابه وجهان: إما حمله على السياسة، وإما حمله على أنه منسوخ، كما روى الترمذي عن ابن سيرين «أنه قبل أن تنزل الحدود، وكذلك في النسائي في المجلد الثاني ص (168) يقول الراوي: ما سمعت خطبة بعد هذا إلا نهى النبي الكريم عن المثلة، وحث على الصدقة، وقال الطحاوي: إن المنتهب في البلدة يقتل، وللشوافع فيه أقوال. قوله: (ألقاهم بالحرة) وجه إلقائهم بالحرة ما في كتب السير: أن لقاحاً له عليه الصلاة والسلام كانت في تلك الإبل ويؤتى اللبن لأهل بيته، فلما ذهب بها العرنيون عطشوا فدعا عليهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللهم عطّش من عطّش آل محمد» وكذلك في النسائي المجلد الثاني ص (162) وجواب حديث الباب من حيث طهارة الأبوال فبأنه محمول على التداوي، وفي قانون ابن سينا: أن لبن الإبل يفيد الاستسقاء، وفي كلام بعض الأطباء: إن رائحة بول الإبل يفيد لمرض الاستسقاء، وحسَّن ابن حزم الأندلسي هذا الجواب، ذكره في عمدة القاريء، ويستدل عليه بأن مرض العرنيين وشفاءهم مروي في الروايات، فلم لا نقول بالتداوي؟ وهو عن النخعي عند الطحاوي، وعن الزهري عند البخاري فتحولت المسألة إلى التداوي بالمحرم، فقال الطحاوي وتبعه البيهقي: يجوز التداوي بغير المسكر لا به، ولم ينسبه الطحاوي إلى أحد من أئمتنا الثلاثة وأما أهل مذهبنا فمضطربون؛ ففي رضاع البحر: أن أصل مذهبنا عدم جواز التداوي بالمحرم، وجوزه مشائخنا بقيود، قال في الفتح: يجوز بالمسكر وغيره، ونقل في المصفى الجواز اتفاقاً، وأقول: إن قول البحر مجمل، فإنه روى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: من كان في أصبعه جرح وألقى فيه المرارة يجوز له، وروى الطحاوي عن أبي حنيفة جواز شد السن بالذهب، ويذكر في كتبنا جواز لبس الحرير للحكة، فلعل في أصل المذهب

تفصيلاً أخرجه المشائخ، وفي حديث مرفوع بسند قوي: أنه عليه الصلاة والسلام دخل بيت أم سلمة، وكان النبيذ يغلى فقال: ما في هذا؟ قالت: تتداوى به الجارية، قال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم) فقصره الطحاوي والبيهقي على المسكر، والأقرب عندي إهمال الألفاظ عامة على حالها وتخصيص الوقت، أي لا يجوز به التداوي حالة الاختيار، وأن الشفاء يطلق في الأمور المباركة، وأما في غيرها فكقوله تعالى: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] ففي المحرم منفعة لا شفاء، وفي كلام ابن حزم: أن التداوي بالمحرم جائز حالة الاضطرار قطعاً فإن القرآن يجوِّز أكل الميتة والخنزير حالة الاضطرار، وأدلتنا في نجاسة الأبوال والأزبال محفوظة عندي، منها ما سيأتي في الترمذي نهى النبي الكريم عن ركوب الجلالة وألبانها وفي القاموس أن الجلة البعرة، فسبب النهي أكل البعرة، وفي الحديث: «من دخل المسجد فليميط الأذى عن نعليه» ، وقصره على عذرة الإنسان مستبعد جداً، ونقول أيضاً: إن واقعة العرنيين متقدمة، كما ادعى ابن حزم النسخ حين مر على ما روي عن ابن عمر: كنت أنام في المسجد وكانت الكلاب تدخل المسجد، فقال: إن هذا قبل نُزول حكم الأنجاس، ويمكن لأحد ادعاء أنه من قبيل: ~ علفتها تبناً وماءاً بارداً ... فيدل على استعمال البول لا على شربه، وأيضاً في معاني الآثار ص (64) : قال حميد: يروينا قتادة لفظ الأبوال وما سمعنا عن شيخنا، وكذلك أخرج في النسائي ص (167) ، وفي طريق غير طريق أنس في النسائي ليس ذكر الأبوال أصلاً، واستدل الأصوليون بحديث: (استنزهوا من البول) ، أقول: إن المتبادر منه بول البشر أولاً، ويلحق به سائر الأبوال ثانياً، وأما ما ذكر في حاشية نور الأنوار عن مستدرك الحاكم قصة معاذ أنه كان يرعى الشياه فسنده ضعيف فلا يصح حجة لنا. قوله: (والجروح قصاص) هذا عندنا فيما يمكن فيه القصاص من الأطراف لا في النفس ويقول الشوافع: إنه في النفس أيضاً.

باب ما جاء في الوضوء من الريح

باب ما جاء في الوضوء من الريح

أي لزوم الوضوء من الريح.

[74] قوله: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح) كناية عن تيقن الحدث، فالكناية واسطة بين الحقيقة والمجاز عند صاحب التلخيص والعلامة التفتازاني، وعند الحذاق إنها عين الحقيقة والمجاز المتعارف عند الناس ينكره الحذاق. واعلم أنه إذا استعمل اللفظ فله مدلول وغرض، والغرض قد يكون أعم من المدلول وقد يكون أخص وقد يكون مساوياً له، والحقيقة: استعمال اللفظ فيما وضع له، والغرض قد يكون من توابع المدلول وردائفه، والكناية تستعمل في مدلولها، والمكنى به مدلول اللفظ وغرض المتكلم مكنًى عنه، ففيما نحن فيه تيقن الحدث مكنًى عنه والصوت والريح مكنًى به، والبحث عن الغرض كان متهماً به، ولم يتعرض إليه إلا علماء المعاني حين ذكر المعاني الأُوَل، أي مدلولات الألفاظ، والمعاني الثواني، أي أغراض المتكلمين، وعلماء الأصول حين ذكروا عبارة النص وإشارته فما يكون مسوقاً له وعبارة

النص فهو غرض، وأما القصر المفهوم من حديث الباب فقصر إضافي، فإن أبا هريرة كان يذكر: أن انتظار الصلاة بعد الصلاة كالصلاة ما لم يحدث فقيل: ما الحدث؟ قال: صوت أو ريح، فإن المتحقق في المسجد حدثاً هو الصوت أو الريح وخرج الحديث مخرج المبالغة ورفع الوساوس وعدم اعتبارها.

باب ما جاء في الوضوء من النوم

باب ما جاء في الوضوء من النوم

[77] أصل مذهبنا أن النوم الذي فيه تمكن المقعد على الأرض لا ينقض الوضوء وفي الذي فيه تجافي المقعد عن الأرض ينقض ثم فصل القدوري تبعاً للطحاوي من صورة الاتكاء والاستلقاء والاضطجاع وغيرها، قال ابن الهمام: يجب التفصيل فإن أهل الزمان أكّالون، ثم في كتبنا أن النوم في الصلاة غير ناقص، وفي بعض الكتب قيد أن النوم في الصلاة غير مفسد لو كان على الهيأة المسنونة، وأما ما ذكر من التمكن أو التجافي فهو في خارج الصلاة، حديث الباب أعلَّه بعض المحدثين مثل أبي داود ص (37) ، وصححه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار.

ووجه إعلالهم: أن سؤال ابن عباس كان عن نومه عليه الصلاة والسلام، وكان حق الجواب قول: إن نوم الأنبياء ليس بناقض، وأقول: إن هذا لا يصلح وجهاً لإسقاط الحديث فإنه اختار أحد وجوه الجواب، وأيضاً كان الأنسب جواباً لابن عباس ما ذكر في الحديث، فإن عدم نقض الوضوء بالنوم من خصائص الأنبياء، فبالجملة الحديث قوي.

باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

[79] قال الجمهور: إنه كان ثم نسخ، والآن قريب من الإجماع على أنه ليس بناقض، وروى مالك في موطأه عن الخلفاء الثلاثة عدم الوضوء، وقال بعض المتأخرين مثل الشاه ولي الله رحمه الله في ترجمة الموطأ: إنه باقٍ الآن، وأنه مستحب للخواص، ومستحب الخواص ليس وظيفة الفقهاء، وقال: قائل إن المراد منه تزكية النفس والتشبه بالملائكة، وكنت أزعم أن حديث الباب يفيد القصر فإن المسند إليه معرف، والمسند مشتمل على معين القصر فيشكل الأمر، وقال بعض المحشِّيين: إن القصر إضافي أي الوضوء مما دخل مما غيرت النار، وفي حديث: «الوضوء مما خرج، والفطر مما دخل» أخرجه في مسند أبي حنيفة، ومسند أبي يعلى، وأعلى مسانيد أبي حنيفة مسند أبي بكر بن المقري.

اطلاع: جمع أبو عَرُوبة الحراني أحاديث أبي يوسف، وأكثر أسانيد أبي يوسف معروفة. وظني أن القصر إنما يكون في الجملة الاسمية أصالة، وأما إذا كانت معدولة عن الفعلية فلا قصر، وجملة حديث الباب معدولة عن الفعلية والقرينة عليه بعض ألفاظ الحديث: «توضؤوا مما مست النار» بصيغة الأمر، ولم أجد النقل في هذا من أرباب اللغة، ويرد على قصر جملة (الحمد لله) اتفاقاً مع كونها معدولة من الفعلية، فأقول: إن المعدولة لو كانت فيها شائبة الفعلية فلا قصر وإلا ففيها قصر، وأيضاً (الحمد لله) لا يفيد القصر عند من يقول: إنها إنشائية، فإذن انحل الإشكال الذي عجز عنه الزمخشري من أن مقتضى الضابطة أن يكون جملة السَّلام عليكم ذات قصر، ولم يقل به أحد فإن هذه معدولة عن الفعلية وفيها شائبة الفعلية.

باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

[80] واعلم أن لفظ الشاة والغنم عام يطلق على ذات الوبر والشعر مذكرة كانت أو مؤنثة، وأنه بمنزلة (گوسپند) في الفارسية، والمعْز يطلق على المذكر والمؤنث من ذات الشعر، ولفظ الضّأن يطلق على المذكر والمؤنث من ذات الوَبَر، والتاء في الشاة ونحوها ليست للتأنيث، وفي الكشاف والمدارك عن أبي حنيفة ما يدل على أن التاء للتأنيث في قصة نملة سليمان، فتتبعت الكتب فوجدت عن ابن السكيت والمبرد ما يوافق أبا حنيفة فإن في كامل المبرد أن مثل الشاة والنملة إذا نسب إليه الفعل يراعى فيها المورد والواقعة باعتبار تذكير الفعل وتأنيثه.

قوله: (كان آخر الأمرين) هذا اللفظ مروي عن جابر بن عبد الله فيكون مرفوعاً فعلاً وزعم الناس أن هذا حكم كلي، وضابطة، والحال أنها واقعةُ يوم، كما نبه عليه أبو داود ص28. ف واعلم أن النسخ عند المتقدمين يطلق على تخصيص العام أو تقييد المطلق أو تفسير المجمل أيضاً، ونسْخُ المتأخرين ما هو مذكور في كتب الأصول، والنسخ عند أبي جعفر الطحاوي ثبوت أمر بعد تعلم غيره، وإن كان الأمران باقيين على الحال ومحكمين، والأكثر عنه غافلون.

باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

[81] مذهب أحمد بن حنبل أن أكل لحم الإبل ناقض الوضوء، وقال أصحابه: ولو كان نياً: وقالوا: إن حديث نقض الوضوء من لحم الإبل مستقل ليس بمندرج تحت حديث الوضوء مما مست النار ليلزم نسخه، وقال أحمد: صح الحديثان في المسألة، وأطنب ابن التيمية، وقال: لا عذر لخصومنا.

وقال أهل المذاهب الثلاثة: إن المراد من الوضوء المضمضة، ولما كان في لحم الإبل دسومة خلاف الغنم ففرق الشارع بين الإبل والغنم قال ابن تيمية لم يثبت معنى الوضوء في عرف الحديث سوى وضوء الصلاة. أقول: إن للوضوء معان في عرف الشرع وقد يكون بمعنى المضمضة كما في الترمذي من الجزء الثاني ص (8) بسند ضعيف، وأخرجه أبو بشر الدولابي الحنفي في كتاب الأسماء والكنى، وفي الكنز ص (29) ، إلا أن يكون لبن الإبل إذا شربتموه فتمضمضوا بالماء طب، وأيضاً عن أبي أمامة، والأقرب عندي قول: إنه مستحب للخواص، وذكر الشاه ولي الله «في حجة الله البالغة» إن يعقوب حرم لحم الإبل على نفسه نذراً حين ابتلي بمرض عرق النساء فتركه بنوه ثم أنزل الله حرمته في التوراة، ثم أنزل الله حلته في شريعتنا، فلعل الاستحباب الخصوصي لحرمته في التوراة والله أعلم. قوله (ذي الغرة) بالغين المعجمة والراء المهملة، قيل: إنه لقب البراء بن عازب، وقيل: اسمه يعيش.

باب الوضوء من مس الذكر

باب الوضوء من مس الذكر

[82] مذهب مالك رحمه الله والشافعي رحمه الله وأحمد رحمه الله نقض الوضوء بمس الذكر بكف اليد بدون حائل، وفي رواية عن مالك أن الوضوء من مس الذكر مستحب، ومذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري وبعض السلف عدم الانتقاض به، وفي الباب حديثان قويان: أحدهما لنا، والثاني للحجازيين، وقلنا بأنه مستحب الخواص فلا رد علينا، وتصدى الحجازيون إلى إسقاط حديثنا، ولكنه لا يمكن إسقاطه، وقال ابن الهمام: إن المراد من مس الذكر البول كناية، ولعل الاختلاف مبني على اختلاف أصول نواقض الوضوء، قال الحجازيون: إن لنواقض الوضوء أصلين: الاتيان من الغائط، ونقحوا مناطه بأن المراد الخارج من السبيلين، والأصل الثاني: لمس النساء ومن لواحقه مس الذكر، لصحة الحديث وفي كليهما شهوة، وعند أبي حنيفة أصل واحد: وهو الاتيان من الغائط، وتنقيح مناطه خروج نجس من البدن والمراد من {لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] النساء الجماع فرجع إلى الأصل الأوّل، وأقول: إن أبا حنيفة أيضاً يقول بالأصلين والمراد من {لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] ما يعم الجماع ومس المرأة وهو المباشرة الفاحشة فلم يدخل تحت الاتيان من الغائط، وفي كليهما إن الحديث الأصغر والأكبر تيمم على صفة واحدة، وقال صاحب الهداية: إن في المباشرة الفاحشة مظنة الخروج فغرضه إدخاله تحت الأصل الأوّل وقال الشيخ ابن الهمام أن عبرة المظنة فيما لا يكون في المئنة، فرجح قول محمد بن حسن بأن النقض من المباشرة إذا خرج شيء وإلا فلا، وأقول: الترجيح

لما قال الشيخان، أي الناقض المباشرة الفاحشة خرج شيء أو لم يخرج وأنها داخلة في آية [النساء: 43] . قوله: (أبو زرعة الرازي) شيخ مسلم صاحب الصحيح ومعاصر البخاري صاحب المناقب الكثيرة، غير أبي زرعة العراقي فإنه متأخر عنه.

باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

[85] هذا الحديث حديث العراقيين، والمذاهب مرت. قوله: (محمد بن جابر وأيوب بن عتبة) هذان راويا الحديث في الطرق الأخر، نقل الطحاوي

ص (16) عن علي بن المديني: أن حديث قيس أقوى من حديث بُسْرة، وذكر القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي بسنده: أنه اتفق بين ابن المديني وابن معين عند أحمد بن حنبل في موسم الحج فتكلما في مسألة الباب فروى ابن المديني حديث ملازم، وروى ابن معين حديث بُسْرة، فقال أحمد: كلا الحديثان صحيحان، فتوجها إلى الآثار، فروى ابن معين أثر ابن عمر، وروى ابن المديني أثر ابن مسعود، فقال أحمد: الترجيح لأثر ابن مسعود.

باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

[86] مذهب مالك والشافعي وأحمد أن مس المرأة غير المحرمة بدون حائل ناقض وضوء اللامس، وفي نقض وضوء الملموس وجهان للشوافع. قوله: (يحيى بن سعيد) حنفي مذهباً كما في تاريخ ابن خلكان، وهو أول من صنف في الجرح والتعديل كما ذكر الذهبي في الميزان، إلا أن تقليد السلف كان التقليد في الاجتهاديات التي لم يثبت فيها المرفوع والموقوف لا كتقليدنا وهذا ظني. قوله: (وحبيب بن ثابت لم يسمع الخ) في السند كلام بأن حبيباً لم يسمع عن عروة بن الزبير، وسمع عن عروة المزني، وعروة المزني لم يسمع عن عائشة، وتكلم أبو داود ص (24) ، ولعل رجحانه إلى سماع حبيب عن ابن الزبير، فإنه قال: روى حبيب عن ابن الزبير حديثاً صحيحاً ولكنه لم يخرجه أبو داود، وأخرج الترمذي ذلك الحديث الصحيح ولكنه ضعفه في كتاب الدعوات، وظنى أن للحبيب سماعاً عن ابن الزبير فارتفع الإيرادان، وفي مسند أحمد وابن ماجه بسند صحيح تصريح عروة بن الزبير وابن أبو داود وروى عن عروة، أقول: عندي حديثان صحيحان لنا في عدم نقض الوضوء بمس الذكر ولا أقل من كونهما حسنين لذاتهما، وأقول أيضاً: إن قول: إن هي إلا أنت أيضاً قرينة أنه عروة بن الزبير. (ف) ذكر السيوطي بالبسط والتفصيل أن إكثاره عليه الصلاة والسلام الأنكحة لم يكن لحظ

النفس بل لتعليم دين النسوان كما ذكر أن عائشة حصل عنها نصف الدين أو ثلثا الدين، ولم ينكح النبي الكريم إلى ثلاث وخمسين سنة إلا خديجة فإنه نكحها وهو ابن خمسة وعشرين، ونكاحه إياها أيضاً كان بإصرار أبي طالب كما في كتب السير.

باب ما جاء في الوضوء من الرعاف والقيء

باب ما جاء في الوضوء من الرّعاف والقيء

[87] القيء ملأ الفم ناقض الوضوء عند أبي حنيفة، خلافاً للثلاثة، وعن أحمد: إذا كان الرعاف كثيراً فناقض الوضوء ويفيدنا ما روى الترمذي عن أحمد: أن القيء والرعاف ناقض الوضوء، وحديث الباب لنا، وتعرض الحجازيون إلى إسقاطه وأجاب الشافعي رحمه الله بأن المراد من الوضوء المضمضة وغسل الوجه، نقل العيني في شرح الهداية عن الخطابي: أن أكثر أهل العلم إلى أن الدم السائل الكثير ناقض الوضوء، ولنا حديث آخر رواه صاحب الهداية: «الوضوء من كل دم سائل» ، وأخرجه الزيلعي

من كامل بن عدي، وفي التخريج سهو الكاتب فإنه كتب محمد بن سليمان بدل عمر بن سليمان، ومحمد غير معروف وعمر معروف،. . . . وأكثر أسانيد التخريج مملوءة من سهو الكاتب، ولم يحكم الزيلعي على حديث (الوضوء من كل دم سائل) بشيء، والحديث عندي قوي إلا أن في سنده أحمد بن الفرج، وأخرج عنه أبو عوانة في صحيحه، وقد اشترط أن يخرج الصحاح في صحيحه وحديث الباب لم يحكم عليه المصنف بشيء وصححه ابن مندة الأصبهاني، وللشوافع وموافقيهم ما أخرجه أبو داود موصولاً والبخاري معلقاً، وسيأتي جوابه في صحيح البخاري.

باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ

باب ما جاء في الوضوء بالنّبيذ

[88] النبيذ ما حلا وفيه حموضة، والنقيع ما حلا ولم يشتد شيئاً، إذا أسكر النبيذ لا يجوز الوضوء به

عند أحد، وإذا لم يصر حلواً فيجوز إجماعاً، وإذا حلا ولم يسكر فمختلف فيه؛ لا يجوز عند الحجازيين، وعن أبي حنيفة روايات: في رواية: الجمع بين الوضوء والتيمم، وأيهما قدم جاز، وفي رواية: يتوضأ ولا يتيمم، وفي رواية العكس، والثالثة جزم بها قاضي خان، واعتمد عليها صاحب البحر، واختارها الطحاوي، وربما ينقل رجوع الإمام إليها فلم يبق المحل لأن يطنب فيه ويبحث، ولكني أذكر نبذة شيء، واتفق أئمة الحديث، على تضعيف الحديث، وأبو زيد مجهول الحال لا مجهول العين، فإنه روى عنه التلميذان أبو فزارة راشد بن كيسان وأبو روق عطية بن الحارث، فصار معلوم العين بضابطة المحدثين. قوله: (قال أبو عيسى) قوله هذا دال على أن الزيادة على القاطع بخبر الواحد غير جائز، وهو يخالف الشوافع، تعرض الشوافع إلى إنكار كون ابن مسعود معه عليه الصلاة والسلام ليلة الجن، وقد أثبته بما روى الترمذي، وأجبت عما يتمسك الشوافع بقول ابن مسعود تفصيلاً، وأخرج الزيلعي طرق حديث الباب، منها ما في مسند أحمد، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، وأخرج عنه مسلم مقروناً مع الغير، والمقرون مع الغير قد يكون مليّناً، ومع هذا علي بن زيد صدوق اتفاقاً، إلا أنه سيء الحفظ، وقد يحسن رواية مثل هذا، وقال ابن دقيق العيد: إنه أحسن من حديث أبي زيد، ولم أجد أحداً من الحفاظ والمحدثين يصحح حديثاً من أحاديث الوضوء بالنبيذ، وعندي رواية أخرجها الزيلعي ولم يحكم عليها بشيء، وأخرج الزيلعي عن الدارقطني، وفي كليهما سهو الكاتب، فبعد التصحيح يصير السند قوياً، وصورة الغلط أنه كتب هاشم بن خالد، والحال أنه هشام بن خالد من رواة أبي داود ص (344) ، وأيضاً في آخر السند عن ابن غيلان، وقال الدارقطني: إنه مجهول، ونقله الزيلعي كذلك، وقد أخرج الزيلعي صراحة عن عمرو بن غيلان بعد عدة أوراق، وفي إصابة ابن

حجر: إن عمرو بن غيلان صحابي صغير، وفي بعض طرقه عن عبد الله بن عمرو بن غيلان وهو من رجال ابن ماجه، وفي الكتب أنه كان مع معاوية ومن محاميه، ولم يذكر أنه ثقة أو ضعيف، إلا أنه لما مر في السنن الكبرى على مسألة المسح على الرجلين، فروى من العلماء من السلف غسل الرجلين وعده في العلماء فثبت كونه من العلماء، ولكن الصواب أنه عمرو بن غيلان فصح الحديث ولا أقل من الحسن لذاته، وأما قول: إنه يلزم الزيادة على القاطع بخبر الواحد بقول الوضوء بالنبيذ فالجواب: أنه وإن كان الماء المنبذ ماءً مقيداً في بادي النظر إلا أن العرب يستعملون النبيذ موضع الماء المطلق، وفي شرح البخاري لشمس الدين الكرماني وبلوغ الأرب أن هذا كان طريق جعل الماء المالح حلواً في العرب فلم يكن على طريق التفكه، بل يكون مثل الماء المخلوط بالثلج المستعمل في زماننا فإنه لا يقول أحد بأنه ماء مقيد، وروى عن علي وعكرمة وابن عباس الوضوء بالنبيذ وكذلك عن الأوزاعي، ومر ابن تيمية في منهاج السنة على هذه المسألة ولم يأت بما احتججت مما في التخريج والدارقطني الذي ذكرته، والله أعلم.

باب في المضمضة من اللبن

باب في المضمضة من اللبن

[89] قد نص الشارع بالعلة بأن له دسماً، فتراعى العلة في المواضع والمواقع، والحديث عندي أنه من آداب الطعام، وما في مدونة مالك يدل على أنه من آداب الصلاة.

باب ما جاء في كراهية رد السلام غير متوضئ

باب ما جاء في كراهية رد السلام غير متوضئ

[90] في كتب الأحناف وغيرهم لا يسلم على من يبول، ولو سلم عليه لا يجب عليه الرد، وكذلك

لا يسلم على بعض الرجال، ولو سلم عليهم لا يجب الرد عليهم مثل القارئ وغيره، وأما حال أخذ الحجارة لجف القطرات كما هو معمول أهل زماننا فلم يثبت فيه من المتقدمين، وقال مولانا محمد مظهي باني المدرسة (مظاهر العلوم) الواقعة بسهارنبورتبرك الجواب. إذ ذاك، ومولانا رشيد أحمد الگنگوهي قدس سره برد السلام، وأما الحديث فإنه عليه الصلاة والسلام رد السلام بعد التيمم أو التوضئ كما ثبت بسند قوي، فالحاصل أنه لا يرد قبل الوضوء، ولو خاف ذهاب من سلم يرده قبل التيمم والوضوء. قوله: (وهو يبول الخ) في الصحيحين: «أنه عليه الصلاة والسلام كان يأتي من ناحية بير الجمل فلقيه أبو الجهيم بن حارث بن الصمة فسلّم على النبي الكريم. . . الخ» فيدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان قد فرغ من البول، وأخرجه في معاني الآثار ص (51) أيضاً فليُطلب. إن واقعة الباب وواقعة الصحيحين متحدة أو واقعتان فلو كانتا واحدة فيطلب التوفيق بين الحديثين، بأن وقع في حديث أبي الجهيم تقديم وتأخير في سرد القصة فذكر إتيانه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقدماً وهو مؤخر عن سلامه، واعلم أن في مسلم لفظ أبي جهم، وفي البخاري أبي الجهيم مصغراً، ورجح الحافظ لفظ البخاري، وواقعة أخرى لمهاجر بن قنفذ في أبي داود ومعاني الآثار ص (51) ، أنه سلّم على النبي الكريم وهو يتوضأ ولم يرد عليه إلا بعد الفراغ عن الوضوء، وقال «كرهت أن أذكر الله إلا على طهر» ، فحولت المسألة إلى الوضوء للأذكار، ففي أذان الهداية يستحب الوضوء لكل من الأذكار، ولا يقول أحد بوجوب الوضوء للأذكار، واحتج الطحاوي بحديث: «أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر» ، على أن التسمية ليست بواجبة في ابتداء الوضوء، وقال صاحب البحر: إن قول الطحاوي يرفع الاستحباب أيضاً مع أنا أيضاً لا ننكر الاستحباب، أقول: إن صاحب البحر غفل عما في موضع آخر للطحاوي ص (53) ، فإنه قال في باب آخر: إنه كان في زمان لا تجوز الأذكار فيه إلا بالتوضي، ثم نسخ، وأتى على هذا برواية ضعيفة السند ووافقه ابن الجوزي كما في شرح المواهب، ولي إشكالٌ آخر وهو أنه سيأتي في الترمذي عن علي: «أنه خرج من الخلاء ثم شرع في تلاوة القرآن، فقيل له؟ فقال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكر الله على كل أحيانه» أي لم يكن ممتنعاً من الذكر إلا القرآن كما سيأتي في

الترمذي، فتعارض بينه وبين حديث: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر» فلو قيل فيه كما قال الطحاوي من النسخ فلا تدافع، وإلا فيفصل بالكراهة قبل الاستنجاء لا بعده أو غيره، والله أعلم، ولكني لم أجد النقل على هذا. قوله: (الشفواء) الصحيح الغفواء هذه الرواية التي أخرجها الطحاوي ص (53) ، بأن وجوب الوضوء للأذكار كان ثم نسخ، وفي سنده جابر وهو ضعيف.

باب ما جاء في سؤر الكلب

باب ما جاء في سؤر الكلب

[91] قال الشافعي وأحمد: إن الإناء الذي ولغ فيه الكلب يغسل سبع مرات، وفي رواية عن أحمد ثمان مرات، ويستحب التتريب عند أهل المذهبين، ويكفي للتتريب كدرة الماء، ولا يجب الدلك، وفي وجه للشافعية أن التتريب مرة سابعة يعد منزلة المرة الثامنة، ومذهب مالك بن أنس: أن سؤر الكلب طاهر مثل سؤر الهرة عند الأحناف، ولهم فيه أقوال أخر، وقال مالك: لو كان في الإناء طعام يؤكل ويغسل الإناء سبع مرات فإن الطعام ذو قيمة، ولو كان فيه الماء يصبُ، ويرد عليه أنه لو لم يكن سؤره نجساً فكيف يأمر الشارع بالغسل سبع مرات، ولم يكتف بالمرة الواحدة؟ وفي مدونة مالك بن أنس: سأل ابن القاسم مالكاً أنه لما كان سؤر الكلب طاهراً كيف يأمر الشارع بالتسبيع؟ قال مالك: لا أعلم وجهه، وأما أتباع مالك فقال البعض: إن المراد من التسبيع تزكية النفس، وقال بعضهم: إن في سؤر الكلب سمية فأمرنا بالغسل لا لكون سؤره غير طاهر، ولكن الأقرب إلى الذوق أن الغسل بسبب النجاسة، ثم نقول بالغسل ثلاثاً، ويقول الشوافع بالغسل سبعاً، وجواب الحديث من جانبنا أن التسبيع مستحب عندنا كما صرح به فخر الدين الزيلعي الفقيه شارح الكنز، ثم وجدته مروياً عن أبي حنيفة: في تحرير ابن الهمام عن الوبري عن أبي حنيفة فإن أبا هريرة راوي الحديث أفتى بالغسل ثلاثاً كما في الطحاوي ص (13) ، عن عطاء عن أبي هريرة بسند قوي بإقرار ابن دقيق العيد، وفي فتوى أبي هريرة الآخر التسبيع، فقال الحافظ: المأخوذ من الفتوتين ما يوافق المرفوع، ونقول: لو كان الواجب التسبيع كيف اكتفى أبو هريرة بالتثليث؟ فالتثليث واجب والتسبيع مستحب، وفتوى التثليث مرفوعة في كامل ابن عدي عن الكرابيسي، وهو حسين بن علي تلميذ الشافعي، فقال

ابن عدي: إن الكرابيسي حافظ، فيه وأقول: إن الكرابيسي حافظ وإمام إلا أن أحمد بن حنبل كان غير راض عنه لإخلاص رقبته بالكلمة المؤولة في واقعة خلق القرآن ولا شيء سوى مذاهب الكلام فيه ومثل هذه الكلمة المؤولة ثابتة عن الشافعي في واقعة خلق القرآن فالحديث حسن أو صحيح. قوله: (ابن سيرين الخ) قال العصام: إن سيرين غير منصرف فإن فيه علميةً وتأنيثاً معنوياً فإنه اسم امرأة، أقول: قَدْ سَها العصام فإنه اسم رجل كما في كتاب المكاتبة في البخاري، فعدم انصرافه على ما قال الأخفش من أن الياء والنون بمنزلة الألف والنون. قوله: (إذا ولغت فيه الهرة) ظاهر الحديث أن هذا القول مرفوع، وقال الدارقطني: إنه موقوف على أبي هريرة ورواه البعض موقوفاً، وفي بعض الرواة شبيه المرفوع، ونسب إلى الطحاوي أنه قال: بكراهة سؤر الهرة تحريماً وقال الكرخي، بالكراهة تنزيهاً، وقال صاحب البحر: ولكن المتبادر من الجامع الصغير الكراهة تحريماً، فإنه أطلق الكراهة، والمطلق يكون مكروهاً تحريماً، أقول: قد صرح محمد في الموطأ وكتاب الآثار والمبسوط بالكراهة تنزيهاً وهو المشهور في الكتب، ثم الكراهة إما لنجاسة لحمها، وإما لعدم توقيهما من النجاسات، واختار ابن الهمام الثاني.

باب ما جاء في سؤر الهرة

باب ما جاء في سؤر الهرة

[92] قال ابن منده الأصبهاني: إن حميدة وكبشة غير معروفتين، وأما تصحيح الترمذي فلأن مالكاً روى عنها، وكبشة ليست بصحابية، وأثر الباب لا حجة علينا، فإنا أيضاً نتمسك بما مر من أبي هريرة مرفوعاً أو موقوفاً، والأصل في أقوال الصحابة اختيار أحدها، والخروج عنها بدعة، وأما مرفوع الباب فلا نعلم مورده وسببه، وقال الطحاوي جاعلاً حديث الباب نظير «أن الماء طهور لا ينجسه شيء» :

أن سؤر الهرة ليس نجس كما زعمتم من تحريم لحمها تحريم سؤرها، ثم قال الشافعية: إن طواف الهرة مثل طواف السباع فيتعدى إلى آسار السباع فتكون آسارها طاهرة، وقلنا: إن طوافها كطواف سواكن البيوت فيتعدى إلى آسار سواكن البيوت وكلا الشرحان لطيفان، والراجح شرحنا لما في سنن الدارقطني وابن خزيمة: (إنها من الطوافين والطوافات) ، وإنما هي كمتاع البيت، وفي سنن الدارقطني وابن خزيمة والسنن الكبرى: «أنه سكب لها الوضوء لتشرب» وفي سنده أبو يوسف، وقال البيهقي: إن شيخ أبي يوسف وتلميذه ثقة، أقول: ينسب إلى أبي يوسف: لابأس بسؤر الهرة، فلعله اعتمد على هذا المرفوع، وأقول قد يعمل بالمكروه تنزيهاً وهو ليس بإثم فيكون قوله عليه الصلاة والسلام لبيان الجواز، وقال ابن الهمام: لعله عليه الصلاة والسلام شاهد الهرة ووجدها صافية الفم فارتفع الكراهة أيضاً، فإنها كانت بسبب عدم توقيها من النجاسة. (ف) يذكر في الفقه والأصول أن المكروه تنزيهاً يحتاج إلى خصوص الدليل، فلا يقال لمن يترك النقل: إنه مرتكب الكراهة، نعم يقال: إنه مرتكب خلاف الأولى.

باب في المسح على الخفين

باب في المسح على الخفين

[93] النعل (جيلپي) وتنقيح المناط في الخف أن يلصق على القدم بدون أحد أو شيء، ولا يسْري فيه الماء، ويكون إلى الكعبين، وكان الخف يستعمل مقام النعل في العرب: ~ ودوية قفر تمشي نعامها ... كمشي النصارى في خفاف الأرندج وأما المستعمل في زماننا الذي يقال له: (جوتي) ليس له اسم في العرب، وذكر صاحب القاموس: المداس، وذكر المتأخرون اسمه المكعب، قال ابن عابدين: إن المسح على الخفين الذين يستقيمان على القدم، ولا شق فيهما، ولكنهما ولو استعملا بدون المداس لا يمكن تتابع المشي فيه لو استعملا في المداس يبقيان مدة طويلة، لا يجوز المسح عليهما، والناس عن هذا غافلون، وأما تتابع المشي فزعم الأكثر أن المراد المشي فرسخاً أو فرسخين مرة واحدة، والحال أن المراد إمكان تتابع المشي مدة المشي، وأما الجوربان المتخذان من القطن فيمسح عليهما بعض أهل العصر، إما متمسكين بما يأتي في الصفحة اللاحقة وسيأتي الكلام فيه، وإما متمسكين بقول الفقهاء وهم أيضاً

يشترطون كونهما ثخينين، وأما المنعل ففي عامة كتب الفقه أنه ما على أسفله الجلد، وزاد أخي يوسف لپي في حاشية شرح الوقاية: إنه ما عليه الجلد أسفل القدم مع موضع المسح عن أصابع الرجلين فيتأمل فيه، وهو أخي يوسف لپي تلميذ حسن لپي، قوله: (وفي الباب) عن أبي حنيفة: أخاف الكفر على منكر المسح على الخفين، وعنه: لم أقل بالمسح على الخفين حتى جاءني مثل ضوء الصبح، وقد ثبت المسح عن سبعين صحابياً كما قال المحدثون. قوله: (مفسر) المشهور في عرف المحدثين مفسَّر بفتح السين، والقياس مفسِّر بالكسر.

باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم

باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم

[95] مدة المسح للمسافر ثلاثة أيام ولياليها، ويوم وليلة للمقيم عند الأئمة الثلاثة، وينسب إلى مالك بن أنس عدم توقيت المسح للمسافر، ومتمسكه رواية أبي داود: «ولو استزدناه لزادنا» الخ، ومختار الحافظ ابن تيمية أن مدة المسح ومسافة القصر ليستا بموقوتين، والمدار على العُرف، ومذهب أحمد والشافعي: أن مسافة القصر ثمانية وأربعون ميلاً، وكذا عند مالك: أن مدة القصر ثمانية وأربعون ميلاً، واستنبط شمس الأئمة السرخسي من حديث الباب توقيت مسافة القصر بأن في الحديث للمسافر ثلاث الخ، ولو كان مسافراً بسفر يوم وليلة في نظر الشريعة لما صح لام الجنس في قوله للمسافر ثلاث الخ، ولما استقام الكلية، وأورد عليه ابن الهمام نقوضاً.

قوله: (سفر) اسم جمع، والفرق بين الجمع: واسم الجمع أن للجمع أوزاناً مضبوطة، بخلاف اسم الجمع، وأن الحكم في الجمع على الأفراد، وفي اسم الجمع الحكم على المجموع من حيث المجموع، كما قال ابن صاحب الألفية. قوله: (ولكن من غائط أو بول) هاهنا إشكال، وهو أن يكون للعطف بعد النفي وهاهنا بعد المثبت، وأقول: إن هذا من تغيير الراوي، فإنه وقع صحيحاً في النسائي فإنه أخرجه سنداً ومتناً، ولا يرد عليه هذا الإشكال.

باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله

باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله

[97] زعم الشيخ ابن الهمام أن المراد من المسح أسلفه مسح داخل الخف، ومعنى الحديث ظاهر ومسح الخف أعلاه وأسفله ليس بمستحب عندنا، ومستحب عند الشافعية، وفي الدر المختار: أنه مستحب عند بعض مشائخنا، ورد عليه ابن عابدين: بأنه ليس قول أحد من مشائخنا، منشأ غلط صاحب الدر عبارة البدائع. قوله: (معلول) لم يثبت معنى المعلول المراد عند المحدثين في اللغة، فإن المعلول مشتق من العَلِّ، وهو الشرب مرة بعد مرة ويقال للشرب أولاً: النهل، وللشرب ثانياً: العَلُّ ولم يثبت أن معناه الذي أُعِل، وأما التعليل فمن العلة «يهانة» ومن العَلّ كما قال: لا تبعديني من جناك المعلل لا بمعنى بيان العلة، والإعلال من العلة بمعنى التغيير، فكان الأنسب لفظ المُعَلّ في معنى مراد المحدثين، أقول: أثبت ابن هشام في شرح قصيدة: (بانت سعاد) المعلول، ولا نقل سوى هذا. قوله: (حُدِّثت) وجه الإعلال عند المصنف لفظ حُدِّثت، وعندي وجه آخر للإعلال وهو أن حديث الباب مروي عن المغيرة بن شعبة بستين طرقاً أو أزيد منه كما قال البزار في مسنده، ولا يروي أحد لفظ أسفله سوى هذا الراوي، فيكون معلولاً قطعاً.

باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين

باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين

[99] يذكر مذهب أبي حنيفة عدم جواز المسح على الجوربين إلا المجلدين والمنعلين، وجوازه عند صاحبيه إذا كانا ثخينين، وذكر بعض أرباب التصنيف منا رجوع أبي حنيفة إلى ما قال صاحباه قبل وفاته بثلاثة أيام: وقال: فعلت ما كنت نهيت عنه، أقول: إنه كان ينهى عن المسح على الجوربين لما رآهما غير ثخينين، ومسح عليهما حين وجدهما ثخينين فالأولى التفصيل في الروايتين، فالحاصل جواز المسح عليهما إذا كانا ثخينين عند أئمتنا الثلاثة، المتبادر من حديث الباب أنه عليه الصلاة والسلام مسح على الجوربين في واقعة، ومسح على النعلين في واقعة، ولم يقل أحد بالمسح على النعلين فتعرضوا إلى توجيه الحديث فقال الطحاوي بوحدة الواقعة وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابس النعلين، على الخفين، فمسح على الخفين قصداً ومسح على النعلين تبعاً، وقال الزيلعي في التخريج: إن أحاديث المسح على النعلين في الوضوء على الوضوء، وروى رواية وقال ابن القيم بما ليس مذهب أحد: إن المتوضي على ثلاثة أحوال لأنه إما أن يكون متخففاً، وإما عارياً وإما لابس النعلين، وفي الأولى المسح، وفي الثانية الغسل، وفي الثالثة الرش، وتمسك بما في أبي داود، وأقول: إن هذا لم يثبت

تعامل السلف عليه، وقال المدرسون: إن المراد من النعلين المنعلين، أي مسح على الجوربين المنعلين، وليس مراد لحديث، وحُكي عن مسلم أن لفظ حديث الباب غلط، وقد أسقطه أيضاً بعض المحدثين قبل الترمذي، وأقول: إنه غلط قطعاً وبتاً، فإن الحديث مروي عن المغيرة بستين طرقاً، ولم يذكر أحد لفظ حديث الباب إلا هذا الراوي، وفي أبي داود ص (24) كان عبد الرحمن بن مهدي لا يروي هذا الحديث.

باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة

باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة

[100] قد بوب المصنف على لفظ الجوربين قبل أيضاً، وليس ذكر الجوربين في حديث الباب فلا أعلم وجه ذكر المصنف في الترجمة إياه. مذهب أبي حنيفة والشافعي ومالك: أن الفريضة لا يتأدى بالمسح على العمامة، وقال الشوافع: لو مسح بعض الرأس واستوعب الباقي على العمامة يجزي. وأما الأحناف: فلم أجد أداء سنة الاستيعاب بالمسح على العمامة في كتبهم، وفي شرح الترمذي للقاضي أبي بكر بن العربي: أن الاستيعاب يتأدى بالمسح على العمامة عند الأحناف ولكني لم أجده في كتبنا مع التتبع البليغ، وفي موطأ محمد: بلغنا أنه كان ثم نسخ فعلم عن الموطأ أن المسح على العمامة عندنا لا شيء، وأما الموالك ففي عارضة الأحوذي: أن أداء الاستيعاب ليس بمروي عن مالك، وفي كتب بعض الموالك أن الاستيعاب يتأدى به، ولعله ليس بمروى عن مالك، ومذهب أحمد بن حنبل: أداء الفريضة بالمسح على العمامة بشروط، منها: أن يكون محنكة، وأما السلف فلم يثبت المسح على العمامة من الجمهور، وينسب إلى بعض السلف جوازه، والله أعلم، والمتبادر من حديث الباب ما قال

الشافعية، وفي رواية البخاري عن عمرو بن أمية: (أنه مسح على العمامة) وليس ثمة ذكر الرأس، فظاهره للحنابلة، وأما الجواب من جانبنا من حديث الباب فقيل: إنه مسح على الرأس وسوّى عِمامته، فزعم الراوي أنه مسح عليها، ويلزم على هذا تغليط الصحابي وهم من أذكياء الأمة المرحومة، وهذا الجواب كان لأبي بكر بن العربي، وأصله أنه مسح على الرأس أصالةً ووقع على العمامة تبعاً، وكذلك زعمه الصحابي فليس فيه تغليط الصحابي، فلم يدرك الناقلون مراده، فقالوا ما قالوا، ويمكن لنا ما قال محمد أنه كان ثم نسخ، وهناك جواب له نفاذ لغة، وهو أنه مسح على الرأس متعمماً بدون نقضها، وفي سنن أبي داود: «أنه مسح على الناصية ولم ينقض العمامة» ، وهذا الجواب يستدعي تطريق كثير من الأحاديث فإنها واقعة واحدة، ويعبره بعض الرواة بأنه مسح على الرأس، وبعضهم بأنه مسح على العمامة، وبعضهم بأنه مسح على الرأس والعمامة، ولينظر أيضاً أنها واقعة الوضوء على الوضوء أو غيرها، وقد ثبت الوضوء على الوضوء ناقصاً كما في كتاب الطحاوي من عمل علي وقال علي هذا وضوء من لم يحدث، وأخرجه في صحيح ابن خزيمة من عمل علي، ثم رفعه علي، إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولما ثبت مسح الرجلين في الوضوء الناقص فلعله يجوز فيه المسح على العمامة أيضاً، ثم هذه الواقعة مروية عن بلال أيضاً في مسلم ص (133) ، وأداها راوي أبي داود ص (20) في شكل العادة: أنه كان يمسح على الخفين، ولكن الحق أنها واقعة واحدة كما هو مصرح في النسائي ص (30) : وأيضاً في مسلم وأبي داود: أنه مسح على العمامة وفي النسائي: أنه مسح على الرأس، فاختلف تعبير الرواة، وفي بعض نسخ النسائي لفظ «الأسواق» بدل «الأسواف» وذلك غلط، وفي المعجم للطبراني في واقعة مغيرة أنها كانت في المدينة، وهو في التخريج ص (86) . وفي أكثر الكتب أن واقعة المغيرة عند القفول من تبوك فيطلب التوفيق أو الترجيح، ويرد على الحنابلة القائلين بجواز المسح على العمامة آية: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) . . الخ [المائدة: 6] فقالوا: إن المسح على العمامة مسح على الرأس، ولكنه غير صحيح، ويمكن لهم الجمع بين القاطع وخبر الواحد، والبخاري لعله ليس بقائل بالمسح على العمامة فإنه أخرج الحديث ولم يبوب عليه، وقال أبو عمر في التمهيد: إن أحاديث المسح على العمامة كلها معلولة نقله الشيخ الأكبر في الفتوحات، ولكنه لما أخرج البخاري فيشكل قول التعليل. قوله: (مسح على الخفين والعمامة) قال المتأولون: الخمار كان رقيقاً فيتقاطر الماء على الرأس،

والصحيح ما ذكرت أولاً، قال ابن الجزري: وجدت بخط النووي أن عمامته عليه الصلاة والسلام في أكثرالأوقات كانت ثلاثة أذرع بالذراع العرفي، وعمامته للصلوات الخمسة سبعة أذرع، وللجمعة والأعياد اثني عشر ذراعاً.

باب ما جاء في الغسل من الجنابة

باب ما جاء في الغسل من الجنابة

[103] قال القدوري: لو اغتسل في مجتمع الماء يؤخر غسل الرجلين، وإلا فيغسلهما حين التوضئ قبل الغسل، وقد ثبت تأخير غسلهما وتقديمه مرفوعاً فنحملهما على الحالتين.

قوله: (فأفاض على فرجه) قال صاحب البحر: ينبغي الاستنجاء قبل الغسل كيلا يبقى ما بين الأليتين يابساً. قوله: (انغمس الجنب) هاهنا مسألة الماء الملاقي والملقى، وفرَّق بين طهوريتهما عبد البر بن الشحنة، وأما صاحب البحر، والعلامة قاسم بن قطلوبغا فلم يفرقا بينهما، والمختار مختارها. (ف) في بعض كتبنا أن التيمم للقربة أو العبادة التي ليس الطهارة شرطاً لها مجزئ مع وجود الماء أيضاً، واختاره صاحب البحر ورده الشامي، والمختار ما قال صاحب البحر لنص الحديث، فإنه تيمم في واقعة أبي الجهيم في المدينة، وقال ابن عابدين: إن هذه المسألة ليست في الكتب المشهورة لنا.

باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة

باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة

[106] حديث الباب ساقط السند ولكن مسألة الباب صحيحة اتفاقاً، وأما الوضوء بعد الغسل فبدعة كما في الدر المختار وبوب عليه المصنف.

باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل

باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل

[108] المراد من التقاء الختانين غيبوبة الحشفة كناية، واتفق أهل المذاهب الأربعة على وجوب الغسل بغيبوبة الحشفة أنزل أو لم ينزل، وكان الصحابة مختلفين، ثم أجمع الصحابة في عهد عمر على وجوب الغسل بها، فيمكن القول بأنه مما أجمع عليه الأمة، وادَّعى البعض أن عدم وجوب الغسل بها كان ثم نسخ، ويساعده الروايات ووقعت عبارة البخاري موهمة إلى أن البخاري مخالف لجمهور الأمة، وأقول: إن البخاري موافق لهم.

باب ما جاء أن الماء من الماء

باب ما جاء أن الماء من الماء

[110] هذا الحديث منسوخ، وقال ابن عباس: إنه ليس بمنسوخ، وتأوله بحمله على حال النوم،

وأقول: يجب تأويل كلام ابن عباس، فإن جمهور الأمة على أنه منسوخ، وأتأوله بأنه ذكر المسألة الفقهية، أو قال: إن بعض جزئيات ذلك المنسوخ محكم الآن أيضاً، ويدل صراحة على نسخ حديث الباب قصة عتبان بن مالك في مسلم، وأكثر الطحاوي من الروايات الدالة على النسخ.

باب فيمن يستيقظ ويرى بللا ولا يذكر احتلاما

باب فيمن يستيقظ ويرى بللا ولا يذكر احتلاما

[113] في مسألة الباب أربعة عشر صورة، ذكر صاحب البحر اثنى عشر صورة، وذكر الباقيتين الشرنبلالي في مراقي الفلاح، وضبط الصور بأنه إما أن يكون تيقن المني، أو المذي، أو الودي،

أوشك في الأوليين، والآخرين، أو الطرفين، أو الثلاثة، فصارت سبعة، ثم إما أن يتذكر الاحتلام أولا، ويجب الغسل في تيقن المني يتذكر الاحتلام أولا، وفي تيقن المذي مع تذكر الاحتلام، وفي الصور الأربعة المشكوكة مع تذكر الاحتلام، والصور التي يجب الغسل فيها قليلة عند الشافعي. المني: ماء ثخين أبيض خاثر، يتولد، منه الولد وينكسر العضو بخروجه. والمذي: ماء ثخين لا ينكسر العضو عند خروجه، ورائحة المني كرائحة العجين والطلع. والودي: ماء دقيق مغروش في الإحليل يتقدم البول أو يعقبه.

باب ما جاء في المني والمذي

باب ما جاء في المني والمذي

[114] في بعض الروايات أن السائل علي رضي الله عنه وفي بعض الروايات إنه أمر مقداداً رضي الله عنه بالسؤال، وفي بعض الروايات أنه رضي الله عنه ابتدأ بنفسه، فتعرض العلماء إلى التوفيق، وعامة الفقهاء إلى أن الوضوء من المذي من أحكام الصلاة، فيجب عند القيام إليها، وينسب إلى أحمد أنه

من أحكام المذي، وهو الظاهر، ثم يذكر أن الواجب عند الثلاثة غسل الإحليل وما أصابه المذي، وقال أحمد: يغسل العضو والأنثيين وإن لم يصبه المذي.

باب ما جاء في المذي يصيب الثوب

باب ما جاء في المذي يصيب الثوب

[115] المذي نجس إجماعاً. قوله: (حيث ترى أنه الخ) قال العلماء: إن معنى يُرَى المجهول الشك، ومعنى يَرَى معلوماً اليقين، ورأيت في فتح القدير أن المجهول من الرأي، والمعلوم من الرؤية، ولو كان لفظ الحديث مجهولاً فيكون بظاهره تمسك مالك بن أنس على أن النجاسة المشكوكة يكفي فيها النضح فقط، ومسألة المالكية مذكورة في مدونة مالك بن أنس.

باب ما جاء في المني يصيب الثوب

باب ما جاء في المني يصيب الثوب

[116] مذهب الشافعي وأحمد طهارة المني، ومذهب أبي حنيفة ومالك أنه نجس، وأطنب ابن تيمية في الطهارة في فتاواه، وقال الشافعي: إن الأنبياء أيضاً يتولدون من المني، فكيف يقال بالنجاسة؟ ويقال فيه: إن كل ولد أعم من الأنبياء وغيرهم يكون الدم غذاءه في بطن الأم ولا يقول أحد بطهارة الدم، ولنا آثار كثيرة، وثبت من التابعين أن المصلي في الثوب الذي أصابه المني يعيد الصلاة، وأما الحديث فثبت فيه الفرك والغسل، ونعمل بهما بأن الفرك في اليابس، والغسل في الرطب، وقال الشافعي: إن الفرك دال على طهارته، فإن في الفرك يبقى بعض الأجزاء، ونقول: إن الخف الذي أصابه النجاسة يكفي فيه الدلك مع بقاء بعض أجزائها، وأخرج الحافظ في الفتح راوية الفرك في الرطب عن صحيح ابن خزيمة، ومرَّ عليه الشيخ علاء الدين المارديني وأعلَّه. قوله: (ضاف عائشة الخ) الضيف هو الراوي. قوله: (قال ابن عباس) هذا أثر ابن عباس فلا حجة علينا، وأيضاً نقول: إن التشبيه في اللزوجية لا الطهارة. قوله: (باذخر) في حاشية أبي داود: إن معنى الإذخر «مرجياگند» ، ومأخذه غياث اللغات وهو غلط، وربما يُغلط في معاني الأدوية، ويسميه أهل السند (كترن) .

باب ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل

باب ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل

[118] يستحب الطهارة للجنب قبل النوم، كما روى عن الطرفين، وروى الطحاوي عن أبي يوسف. أنه لا بأس بتركه، أقول: لا بأس دال على أنه خلاف الأولى، فلا خلاف في هذه المسألة بين الثلاثة ولم يقل أحد بالوجوب إلا داود الظاهري، وفي المعجم للطبراني عن أبي هريرة: «من مات جنباً بدون طهارة لا تشترك الملائكة في جنازته» ، والمسألة جواز النوم للجنب قبل الطهارة وفي معاني الآثار، وموطأ مالك عن ابن عمر: أن الوضوء الذي يكون للجنب قبل النوم قد يكون ناقصاً أيضاً، وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه بسند قوي مرفوعاً: «إن الجنب لو لم يتوضأ قبل النوم يتيمم. قوله: (ولا يمس ماء) أكثر أئمة الحديث إلى أن أبا إسحاق السبيعي وَهِمَ في حديث الباب فإنه عليه الصلاة والسلام لم يثبت نومه بدون الطهارة، وقال قائل: إن المراد من مس الماء في حديث الباب مس الماء للغسل، وأنه توضأ وإن لم يغتسل، وقال النووي: لعل نومه بدون الطهارة كان مرة أو مرتين لبيان الجواز، أقول: لما أعل المحدثون الحديث فلا حاجة إلى التوجيه، وأما صورة وَهْمِ عمرو بن عبد الله أبي إسحاق فذكرها الطحاوي بأنه اختصر الحديث المفصل: «أنه إذا أجنب أول الليل كان يتوضأ، ولو أجنب آخر الليل لا يتوضأ» فإن كان إبَّان الغسل فالنعاس لزمان قليل بدون الوضوء ثابت، وأخذت هذا مما في الروايات فالحاصل أني أنكرت نومه عليه الصلاة والسلام بدون الوضوء أو التيمم أول الليل بخلاف آخر الليل فإنه إبَّان الاغتسال، والحديث المفصل عن أبي إسحاق أخرجه مسلم ص (255) ، أيضاً وفي مسلم لفظ يخالف لفظ الطحاوي صراحة، والحال أنهما متحدان

سنداً ومتنًا، فإن في مسلم: «وإن لم يكن جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة» وفي معاني الآثار: «وإن كان جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة» ولم يتوجه إليه أحد من الحفاظ والمحدثين وإن أمكن الجمع بينهما، وأعل أبو داود ص (30) حديث الباب.

باب ما جاء في مصافحة الجنب

باب ما جاء في مصافحة الجنب

[121] يجوز للجنب جميع المعاملات، ويمتنع عن دخول المسجد، والطواف وقراءة القرآن، وفي بعض الكتب زيادة: (إن المؤمن لا ينجس حياً ولا ميتاً) ، في حديث الباب ولكن السند ضعيف، وغسالة المؤمن طاهر حياً كان أو ميتاً، وفي مبسوط محمد بن حسن: إن غسالة الميت نجسة، وحمله أرباب الفقه على أن فيه مظنة الألواث، وأما غسالة الكافر فنجسة، فإن حكمه حكم الميتة.

باب ما جاء في المرأة ترى مثل ما يرى الرجل

باب ما جاء في المرأة ترى مثل ما يرى الرّجل

[122] ينسب إلى محمد بن حسن عدم الغسل من الاحتلام للمرأة، وحمله أرباب التصنيف على حالة لا يخرج المني إلى الفرج الخارج، ولو خرج المني إلى الفرج الخارج يجب الغسل والله أعلم، وأما الأطباء فمختلفون في وجود المني في المرأة بعد اتفاقهم على أن فيها ماء يصلح للولادة. قوله: (إن الله لا يستحيي) قالوا: معناه أن الله لا يأمر بالاستحياء، فإنه تعالى ليس محل الحوادث، والاستحياء حادث، وقال الحافظ ابن تيمية: إن الله تعالى تقوم به الأفعال الاختيارية مع كونه قديماً، وسيأتي تفصيل البحث في ابتداء البخاري إن شاء الله تعالى.

باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء

باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء

[124] ينسب إلى عمر الفاروق وابن مسعود أنهما لا يجوِّزان التيمم للجنب ولو إلى عشر سنين، وموهمه رواية البخاري وأقول: إن هذه النسبة غلط إليهم كما صرح بمراد هما في البخاري بأن غرضهما سد الذرائع كيلا يتيممون بعذر يسير غير مبيح للتيمم. قوله: (الصعيد الطيب. . .) قال صاحب القاموس: إنه وجه الأرض، فاضطر هاهنا إلى هذا القول مع رعاية مذهبه في اللغة بأن يذكر ما يوافق مذهب الشافعي، وله اعتقاد في حق أبي حنيفة، وصنف الطبقات الحنفية المسماة بطبقات فيروزآبادي حديث الباب ساقط السند.

باب ما جاء في المستحاضة

باب ما جاء في المستحاضة

[125] باب المستحاضة باب طويل الذيل، والفرق بين الحيض والاستحاضة أن الحيض لأصْلِيِّ الفعل على العادة، والاستحاضة للزيادة على ذلك، وفي كتبنا: أن الأقل من أقل الطمث أو النفاس، والأكثر من أكثرهما، والأكثر على العادة بشرط الزيادة على الأكثر من عشرة أو أربعين استحاضة، وأكثر إطلاق الاستحاضة في الحديث على متعارف اللغة. الحيض: دم يخرج من قعر الرحم بدون داء. الاستحاضة دم: يخرج من فم الرحم من العاذل كما في الحديث، ثم للمستحاضة أنواع: المتبدأة، والمعتادة، والمتحيرة، ومذهبنا: أن عشرة أيام للمبتدأة حيض والباقي استحاضة، والمعتادة تمضي على عادتها المستقرة، والمتحيرة التي لم تستقر عادتها، ولم تكن مبتدأة، وأحكامها كثيرة لا توجد في المطبوعات، وقليل شيء منها مذكور في البحر، ولكن أغلاط الكاتب مانعة عن الاستفادة وبعض شيء منها مذكور في خلاصة الفتاوى، وقال صاحب البحر: إن في خلاصة الفتاوى أغلاط الناسخين، ومن أحكامها: أنها تتحرى وتعتبر بالظن الغالب، وأسميها متحيرة، والمتحيرة مذكورة في كتبنا وكتب الشوافع، وأنكر الحنابلة هذا النوع، ثم عند الشوافع نوع آخر يسمى بالمميزة، وتعتبر بالألوان إذا رأت الدم أسود فهو حيض وإلا فاستحاضة، ثم لهم وجهان: أحدهما: أن تميز الألوان في حق غير المعتادة. والثاني: أن تعتبر في حق المعتادة أيضاً. وعندنا الاعتبار للألوان، ولنا ما روى عن عائشة: «حتى ترين القصة البيضاء» ، ولهم ما في أبي داود «فإنه دم أسود يعرف» وقال الطحاوي في مشكل الآثار: إنه مدرج من الراوي، وأشار النسائي إلى

إعلاله في الموضعين في الحيض، ونقل المارديني إعلاله عن أبي حاتم، وفي مسألة الباب أحاديث في بعضها عدة الأيام والليالي التي كانت تحيض، وهذا محمول على المعتادة، والحديث الذي فيه «إقبال الدم وإدباره» حملناه على المعتادة كما يدل ما في الطحاوي ص (61) ، وحمله الشافعية على المميزة، والحديث الذي فين «أيام أقرائها» الأقرب حمله على المعتادة، ويمكن أن يحمله الشافعي على المميزة، ثم في المسألة ثلاثة أحاديث حديث حمنة بنت جحش، وحديث أسماء، وحديث فاطمة بنت قيس، ومدار المسائل الفقهية على الثلاثة. قوله: (فاطمة بنت أبي حبيش) اسم أبي حبيش قيس، وفاطمة هذه غير فاطمة التي شكت إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نفقة زوجها رواية حديث الدجال. قوله: (فلا أطهر) أي لا أطهر حساً، وليس غرضها نفي الطهارة الشرعية، وغرضها سؤال مسألة المعذورة. قوله: (أفأدع الصلاة) أي إني ذات دم، وإن لم يكن ذلك حيضاً، وحملنا حديث الباب على المعتادة. قوله: (فاغسلي عنك الدم) هذا الغسل ليس هو الغسل الواجب، وفي الروايات الأخر «فاغسلي عنك الدم واغتسلي» وفي الطحاوي ص (61) ، ما يدل على الغسل الواجب. قوله: (توضئي) قال مالك بن أنس: إن العدة المبتلى فيه غير ناقض للوضوء، ولفظ «توضئي» في حديث الباب محمول على الاستحباب عنده، وحمله الثلاثة على الوجوب، وتصدى بعض الموالك لإسقاط لفظ توضئي، ولعل مسلماً أيضاً متردد فيه كما يدل قوله، وفي حديث حماد لفظ «تركناه» مسلم ص (151) ، وبحث فيه الحافظ وحاصله إثبات ذلك اللفظ، ورواه ابن سيد الناس اليعمري عن طريق أبي حنيفة، فقال: إنه مروي عن إمام من الأئمة فيكون صحيحاً، وأخرجه الطحاوي ص (41) ، عن أبي حنيفة وأخرج له المتابع.

باب ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

باب ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

[128] قال الطحاوي: إن الغسل للعلاج، وزعم الأكثرون أنه علاج طبي، والحال: أن المراد من العلاج الحيلة، وقال الطحاوي: إن حديث الباب في المتحيرة، وذكر لها مسائل يتعذر إدراكها، ويمكن حمله على المعتادة وتمشي على هذا فإنه سهل.

قوله: (واتخذي ثوباً) أي ثوباً يكون مهيأ للصلاة. قوله: (أمرين) عامة المحشين على أن الأمر الأوّل الوضوء لكل صلاة، وهو في كتاب الأم، والأمر الثاني ثلاث غسلات لخمس صلوات، وأشار أبو داود ص (41) إلى أن الأمر الأول الغسل لكل صلاة، والآخر الغسل ثلاث مرار لخمس صلوات، وقال: إن خمس غسلات ثابت في بعض الطرق، أي في قصة حمنة بنت جحش، وأما الغسل خمس مرار في أحاديث غير بنت جحش فثابت بلا ريب، وروى الترمذي تحسين أحمد حديث الباب، وروى أبو داود التردد عنه، والفصل تحسينه. قوله: (ستة أيام أو الخ) عندي لفظة (أو) للتنويع منه عليه الصلاة والسلام، وقيل: إنه شك الراوي. قوله: (لميقات حيضهن الخ) هذا ظاهر الدلالة على أنها كانت معتادة، وهاهنا يرد علينا إشكال، وهو أنه لم يأمرها بالوضوء ثانياً في صورة الصلاتين بغسل واحد والحال أن خروج الوقت ناقض لوضوء المعذور، فقيل: إنه مسكوت عنه وليس هاهنا نفيه، فلعله يكون أمرها وأقول: إن الزيادة في الحديث القولي بعيدة، والجواب عندي موقوف على ذكر مقدمة وهي: أن المثل الثاني بعد فيء الزوال مشترك بين الظهر والعصر، والمثل الأول وقت مختص بالظهر، وبعد المثل الثاني مختص بالعصر، أو يعبر بأن المثل الأول وقت الاختيار، والمثل الثاني وقت الضرورة للظهر. وفي عمدة القاري، عن المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: إذا بلغ الظل أقلَّ من قامتين يخرج وقت الظهر، ولا يدخل وقت العصر حتى يصير مثلين، صححه الكرخي، وقال ابن عابدين: إن رواية المثلين ظاهر الرواية، ورواية المثل شاذة، والحال أن في البدائع تصريح أن آخر وقت الظهر ليس بمذكور في ظاهر الرواية، أقول: قد وجدت الجامعين والمبسوط والزيادات خالية من آخر وقت الظهر، نعم ذكر السرخسي في مبسوطه المثل والمثلين، فإذا مهدنا هذا فيقال: إنها تغتسل في المثل الثاني، وتصلي الظهر ثم العصر في المثل الثاني، فلم يتحقق خروج الوقت فإن الوقت المختص ووقت الاختيار للظهر خرج قبل المثل الثاني، وكذلك نقول في العشاء الأولى والآخرة، ولا يكون الوضوء إلا واحداً، وفي الوقاية رجوع أبي حنيفة إلى الشفق الأحمر عن الأبيض، ورد عليه ابن الهمام وصاحب البحر، أقول: لم يرجع أبو حنيفة إلا أن وقت الاختيار للمغرب إلى الشفق الأحمر، ووقت الضرورة إلى الشفق الأبيض، فتغتسل في الشفق الأبيض وفي الأشباه والنظائر يجوز للمسافر تأخير المغرب، فأقول: يجوز تأخيرها للمعذور بالطريق الأولى.

قوله: (قال الشافعي رحمه الله) هذا المذكور حكم المبتدأة، وهكذا مذكور في كتب الشوافع وأخطأ بعض المحشيين في نقل مذهب الشافعي، قال العلماء: إن أقل مدة الحيض وأكثرها ليس فيه المرفوع لأحد من المذاهب، ولنا أثر أنس، وللشوافع أثر عطاء بن أبي رباح، ويمكن لنا التمسك في أقل الحيض بما رواه الترمذي في المجلد الثاني ص (86) عن أبي هريرة: «فتمكث أحداكن الثلاث أو الأربع» الخ، وللخصم فيه مجال التأويل، واستنبط أبو بكر الرازي تلميذ الكرخي: أن الأيام جمع

قلة فيؤخذ أقله، والليالي جمع الكثرة فيؤخذ أقلها، فيكون ثلثة أيام، وعشرة أيام أقول: إن هذا فيما له جمع قلة وجمع كثرة، ولفظ اليوم ليس له جمع كثرة، ولفظ الليل ليس. له جمع قلة، وأيضاً دخول اللام يخرج الجمع من الجمعية.

باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة

باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة

[129] قال الشوكاني: إن الغسل عند كل صلاةٌ. . . ليس له أصل من الشريعة، فإن التحير والتوقف ليس في الشريعة، أقول: إن الحافظ أثبت الغسل عند كل صلاة، وكذلك في أبي داود ص (46) ، وفي ابتداء الدارِمي سألت امرأة ابن عباس بكوفة وكانت متحيرة، وكانت سألت قبلُ علياً فأمرها بالغسل عند كل صلاة، فقال ابن عباس: اللهم لا أعلم إلا ما قال علي، فقيل لابن عباس: إنه مشقة لها، فقال: لو شاء الله تعالى لابتلاها في أشد منه. وقد ثبت توقفه في قصة لعان بلال بن أمية، وفي بعض الصور يجب الغسل عند كل صلاة للمتحيرة عندنا وعند الشوافع.

باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة

باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة

[130] أجمع أهل السنة والجماعة على قضاء الصوم لها لا الصلاة، وأوجب الخوارج قضاء الصلاة أيضاً، ثم تكلم العلماء في حكمة عدم قضاء الصلاة والصوم، فقيل: لما هبطت حواء على الأرض حاضت فسألت آدم وسأل آدم الله تعالى فعفا الله عن الصلاة، ثم قاس آدم الصوم على الصلاة فعاتب الله تعالى، وأمر بالقضاء عتاباً، والله أعلم هذه القصة ثابتة أم لا وأقول: يمكن أن يقال: إن الطهارة شرط الصلاة لا الصوم، نعم عدم الطهارة مانعة من الصوم، وأيضاً في قضاء الصلوات مشقة لا في قضاء الصوم.

باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن

باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن

[131] هذا مذهب الجمهور، وقال البخاري: يجوز قراءة القرآن وبوب عليه ولم يأت بالنص، ثم عندنا تفصيل في الجزئيات، قال الطحاوي: يجوز قراءة أقل من الآية، ويمنع الكرخي من الأقل منها والأكثر، والاحتياط فيما قال الكرخي، ولعل الطحاوي بنى على أن المعجز من القرآن الآية ولو قصيرة، وإذا قل منهما لعله خرج من القرآنية، وعندي أن الآية معجزة ولو قصيرة وهذا بديهي عندي أشد البداهة، وقيل: لم يدرك إعجاز القرآن إلا الأعرجان وهو عبد القاهر والزمخشري، وأخذت هذا مما قال أبو حنيفة رحمه الله: إن فرض القراءة الآية ولو قصيرة، ثم إن القراءة على نية الدعاء والثناء جائزة، ثم قيل: الشرط كون تلك الآية مشتملة على مضمون الدعاء والثناء، وقيل: لا يشترط. قوله: (من بقية) إن بقيةَ مدلس، والبخاري صحح روايته في مواقيت الصلاة ذكره في التلخيص فإذا صرح بالسماع تقبل روايته، قيل: أحاديث بقيَّة ليست بنقيَّة فكن منها على تَقيَّة.

باب ما جاء في مباشرة الحائض

باب ما جاء في مباشرة الحائض

[132] مذهب أبي حنيفة والشافعي عدم جواز الاستمتاع من السرة إلى الركبة، ومذهب أحمد ومحمد أنه يتقي موضع الدم، وحديث الباب للجمهور، ويجوز لهما حمله على الاستحباب ولهما ما في مسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» وقيل: إن الرجحان لمذهبهما، وللجمهور عند أبي داود وبسند حسن: سأل رجل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مالي من زوجتي إذا كانت حائضة؟ قال: (لك فوق الإزار) ، وقيل: إن النهي عن استمتاع ما تحت الإزار مفهوم الحديث لا منطوقه، وقال الشيخ ابن الهمام: إنه وقع في جواب من سأل عن كل ما يحل له من زوجته، فيكون المعنى: لا يحل لك إلا ما فوق الإزار، أي لا يحل ما تحت الإزار فيكون منطوقاً، ونقول: إن ما في مسلم كناية عن نهي ما تحت الإزار. (ف) ربما يوافق محمد بن حسن مالك بن أنس فإنه تلميذه، وأقام عنده ثلاثة سنين، وسمع محمد خمسمائة حديث من مالك وهذا من خصوصية محمد، وكان مالك لا يحدث من لفظه بل كان يقرأ عليه.

باب ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد

باب ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد

[134] الاعتبار عندنا للرجلين لا للرأس واليدين، فيجوز لها إدخال اليدين أو الرأس لا الرجلين، وكذلك في صيد الحرم لو كان رجلاه في داخل الحرم ورأسه خارجه فصاده فعليه جزاء، ولو كان عكسه فلا جزاء. قوله: (الخمرة) أكثر علماء اللغة على أن الخمرة ما يستر الوجه، فإذن يتمسك الروافض بهذا على عملهم الفاسد، وتعرض العلماء لتوجيههم، أقول: إن مراد علماء اللغة أن الغرض من الخمرة ستر الوجه وحفاظته وإن كانت كبيرة لما في الحديث: (إن الفأرة ألقت الفتيلة على خمرته عليه الصلاة والسلام فاحترقت وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجلس عليه. (ف) من احتلم في المسجد فلنا فيها قولان: قيل يخرج بعد التيمم، وقيل لا حاجة إلى التيمم، والراجح الثاني، فإنه عليه الصلاة والسلام خرج من المسجد بدون التيمم حين أقيمت فتذكر أنه جنب، وأما قول: أنه لعله تيمم فادعاء بعيد، وللقائل بالأول أن يحمله على خصوصيته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه قد ثبت في الحديث النهي عن أن يطرق أحد المسجد جنباً إلا له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولعلي، وهذا كله في الخروج، وأما الدخول بلا تيمم فلا يجوز عندنا قولاً واحداً، ويجوز عند الشافعي الاجتياز دخولاً وخروجاً.

باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض

باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض

[135] يحرم الوطئ إجماعاً، وعبر المصنف بالكراهة، ومثل هذا التعبير يوجد في عبارات السلف. قوله: (أو دبرها) نسب إلى ابن عمر أنه يجوز أن يأتي الرجل دبر زوجته، أقول: إن هذه النسبة إليه غلط، ومثل هذه تدع البلاد بلاقع، والبخاري حين روى (يأتيها في آه) لم يذكر مدخول كلمة (في) وكيف والحال أنه روى عن ابن عمر في معاني الآثار إنكاره صراحة أشدَّ التصريح؟ وأما ما يروى عنه الموهم لتلك النسبة فمراده أن يولج في القبل من جانب الدبر، وينبغي الاحتياط في مثل هذه النسبة. قوله: (أو كاهناً) قال ابن خلدون في مقدمته: إن الكهانة كسْبيَة وطبيعية، وليعلم أن بعض حكايات الكهانة يكون صادقاً، ولكن لا ضابطة لها فلذا لم يعتبرها الشريعة الغراء. قوله: (فقد كفر) أي فعل فعل الكافرين، وسيأتي تفصيل ما في البخاري على طريق المحدثين. (ف) المشهور أن المتأول ليس بكافر، أقول: إن المتأول في ضروريات الدين كافر كما صرح به في آخر الخيالي على شرح العقائد، وصرح الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد المالكي الشافعي، وليعلم أن الجهل في ضروريات الدين ليس بمعتبر، وكذلك في الاعتقاديات، فالصلاة فرض وتحصيل علمها واعتقاد فرضيتها أيضاً فرض، والجهل عنها وكذلك الجحود كفر، والسواك سنة وكذلك تحصيل علمه، وأما الاعتقاد بسنيته ففرض والجحود كفر، والجهل ليس بموجب الإثم.

باب ما جاء في الكفارة في ذلك

باب ما جاء في الكفارة في ذلك

[136] الحديث الأول منقطع، والحديث الثاني لم يحسنه أحد من المحدثين وفي سنده عبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف، وأما المسألة فالكفارة مستحبة كما في الدر المختار والفتاوى الهندية.

باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب

باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب

[138] قوله: (امرأة) قيل: هذه المرأة أسماء بنت أبي بكر، وقيل: امرأة أخرى.

مذهبنا: أن الصلاة في الثوب الذي أصابه الحيض أو غيره من النجس إن كان أقل من الدرهم فمكروهة تنزيهاً، وإن كان قدر درهم فمكروهة تحريمة، وإن كان أكثر منه فمفسدة. قوله: (أحمد الخ) مذهب أحمد: أنه إذا علم أنه صلى في الثوب الذي أصابه المني أكثر من الدرهم صحت صلاته، وأما لو علم قبل ابتداء الصلاة فلا تصح الصلاة، فعبارة الترمذي قاصرة.

باب ما جاء في كم تمكث النفساء؟

باب ما جاء في كم تمكث النفساء؟

[139] اتفق أهل المذاهب الأربعة على أن أكثر مدة النفاس أربعون يوماً. قوله (بالورس) قال ابن سينا: إن الورس نبت يجلب من اليمن يشبه الزعفران السحيق، وفي كتبنا: أن نفخ الروح يكون بعد أربعة أشهر ثم يكون الدم غذاء الولد، فإذا وُلِدَ يخرج الدم المحتقن في الرحم، وكان المحتقن لأربعة أشهر وعشراً فصار أربعين يوماً بحساب العشرة في كل شهر.

باب ما جاء في رجل يطوف على نسائه بغسل واحد

باب ما جاء في رجل يطوف على نسائه بغسل واحد

[140] أكثر عادته عليه الصلاة والسلام تكرار الجماع بتوسط الغسل، وأما لفظ في غسل واحد فالأكثر على أن المراد من الغسل هو الغسل في الآخر، ويمكن أن يكون المراد هو الغسل السابق على الجماع، وفي حديث الباب إشكال وهو: أن أقل القسمة يوم وليلة والتسوية في القسمة واجبة، فكيف طاف النبي الكريم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ليل؟ فقيل: إنه كان بعد ختم دور وابتداء دور آخر، وقيل: إنه كان برضاء أمهات المؤمنين، وقيل: إن القسمة ليست بواجبة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: إن هذه واقعة حجة الوداع قبل الإحرام، وكان غرضه قضاء حاجتهن، وإن عبرها الراوي بطريق الاستمرار ولفظ العادة.

باب ماجاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء

باب ماجاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء

[142] قيل: إن الجماعة سنة، وقيل: واجبة، وقيل: فرض كفاية وقيل: فرض عين، وقيل: شرط صحة الصلاة، ولتركها أعذار عند الكل، ووجد أن الخلاء أيضاً عذر ويحول إلى رأي من ابتلي به، فإن كان يعلم أنه يصلي بدون أن يجد في نفسه شيئاً ولا يفسد الخشوع فيصلي، وإلا فلا إثم إن فاتته الجماعة، فيطلب الجماعة في مسجد آخر بدون وجوب، ورواية شاذة عن أبي يوسف: أنه لو ابتدأ في الصلاة ثم وجد الخلاء فيذهب ويدفعه ثم يأتي ويبني الصلاة،. . . . . وعن أبي حنيفة: لأن يكون أكلي كله صلاة أحب إلي من أن تكون صلاتي كلها أكلاً.

باب ما جاء في الوضوء من الموطئ

باب ما جاء في الوضوء من الموطئ

[143] لم يقل أحد بطهارة الرجلين أو الثوب إذا مشى على الأرض اليابسة الطاهرة بعد أن مشى على

الرطبة النجسة، إلا ما روى الشافعي عن أحمد فقال: الأوسط في مراد الحديث أنه إذا مشى على الأرض اليابسة النجسة ثم مشى على اليابسة الطاهرة يطهر الرجل والثوب، فإن النجاسة اليابسة تسقط بمشيه على الأرض اليابسة، ومراد الحديث أنه إذا توضأ فذهب إلى المسجد حافياً بطريق لا نعلم حاله، ولا نشاهد النجاسة فيه فهل يجب غسل الرجلين أم لا؟ فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لا غسل فيه) وفيه أسلوب الحكيم، وهذه المسألة اتفاقية، ولا خلاف فيها لأحد، وإلى مثل هذا الشرح أومأ الشافعي في «كتاب الأم» ، وليراجع ترجمة الموطأ للشيخ ولى الله رحمه الله. قوله (المكان القذر) أي المستنكر طبعاً لا النجس شرعاً.

باب ما جاء في التيمم

باب ما جاء في التيمم

[144] فيه اختلافات منها أنه ضربة عند أحمد، وضربتان عندنا وعند الشافعي رحمه الله، ومنها أنه إلى الرسغين عند أحمد، وإلى المرفقين عندنا وعند الشافعية، وظاهر موطأ مالك الوجوب إلى المرفقين، وقال شارحوه من الزرقاني وغيره: إنه مستحب إلى المرفقين، واجب إلى الرسغين، وظاهر مدونة مالك أيضاً الوجوب إلى المرفقين، وقال المحدثون: إن الترجيح لمذهب أحمد بن حنبل فإنه أخذ بما هو أصح ما في الباب، وتمسك الأحناف والشوافع بالحسان، وقالوا: إن في حديث عمار المسح إلى الرسغين إشارة إلى المعهود.

واعلم أن الصفات الثابتة في الروايات خمسة: أحدها: المسح إلى الرسغين، وثانيها: المسح إلى نصف الساعد، وثالثها: إلى المرفق، والرابع: إلى نصف العضد، وخامسها: المسح إلى الآباط والمناكب، وقال الحافظ في الفتح: إن أحاديث المسح إلى النصفين ضعاف، وحديث المسح إلى الرسغين أصح ما في الباب، وحديث المسح إلى المرفقين حسن، وحديث المسح إلى الإبط قوي، أقول: إن لعمار واقعتين أحدهما واقعة نزول آية التيمم في قصة غزوة بني المصطلق حين فقدت قلادة عائشة، فإذا نزل {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [المائدة: 6] عمل كل أحد من الصحابة ما بدا له من المسح إلى الرسغين والمرفقين والإبطين ونصف الساعد ونصف العضد، فبلغ الأمر إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنزلت صفة التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] وإلى هذا أشار الطحاوي ص (66) ، وأتى برواية فيها ابن لهيعة، وقال الذهبي: إن رواية العبادلة الثلاثة عن ابن لهيعة معتدلة فإنهم أخذوا قبل حرق كتبه، وأيضاً هذه الرواية لابن لهيعة عن أبي الأسود وكان ابن لهيعة يروي من كتاب عنده، فروايته من الكتاب معتبرة، ثم واقعة ثانية لعمار بن ياسر حين كان عمر وعمار راعيين في السفر فأجنبا فتمعر عمار وصلى، وترك عمر الصلاة، فبلغ الأمر إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لعمار: «إنما يكفيك هكذا» ففي هذا إشارة إلى المعهود المبين صفة قبل، لا حكم المسح إلى الرسغين، ولم ينبه على تعدد الواقعتين إلا الطحاوي، وإليه يشير كلام الشافعي أن رواية عمار المسح إلى المرفقين قبل رواية المسح إلى الرسغين، فإذا ثبت تعدد الواقعتين فنقول: إن واقعة عمر وعمار بعد بيان صفة التيمم، وإشارة إلى المعهود من الصفة، فلا يقال بترجيح رواية الرسغين فإنها أيضاً إشارة إلى المرفقين، وإني تتبعت الكتب فلم أجد تاريخ واقعة عمر وعمار، ولم أجد تعيين سفرهما، ولكنها بعد واقعة نزول صفة التيمم كما تدل القرائن، استدل لنا على المسح إلى المرفقين بما أخرجه الزيلعي عن مسند البزار والحافظ أيضاً في الدراية تلخيص نصب الراية وحسَّن إسناده. (ف) لخص الحافظ نصب الراية للزيلعي وسماه الدراية، وكتب الناسخ أن اسمه أيضاً نصب الراية وهذا خطأ. ومستدلنا الثاني: ما في سنن الدارقطني بسند حسن، ولينَّة الحافظ فإن في سنده أبا صالح،

وأقول: إنه من متابعات البخاري فيكون حسناً، ومستدلنا الثالث: ما في سنن الدارقطني عن جابر بن عبد الله بسند حسن ورجاله ثقات، وقال: والصواب أنه موقوف، وأخرجه الزيلعي عن سنن الدارقطني، ولم يذكر لفظ: والصواب أنه موقوف، وكنت متردداً في هذا إلى أن وجدت في تلخيص الحبير: قال الدارقطني: رجاله ثقات، وكتب في الحاشية: والصواب أنه موقوف، ونقل الزيلعي ما في حوض الكتاب ولم يذكر ما كان في الحواشي، ولعل الدارقطني أيضاً متردد في الوقف لكتابته في الحواشي، وقال جماعة من المحدثين: إن رواية جابر موقوفة، وقالت جماعة منهم: إنها مرفوعة، ووقفها الطحاوي، وعندي أنها مرفوعة، واختلط على الموقفين لفظ «أتاه» فإنهم زعموا أن مرجع الضمير المنصوب هو جابر بن عبد الله، والحال أن المرجع هو النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قال الحافظ العيني. قوله: (سفيان الثوري) هذا مذهب الأحناف، وقلما يذكر المصنف مذهب العراقيين، فإنه لم يحصل له مذهبهم بالسند. قوله (فأمره بالتيمم) هذا الحديث فعلي يقيناً، وعبره راوي حديث الباب بالحديث القولي فهذا مسامحة.

قوله (قال ابن عباس) : هذا قياس ابن عباس، ولنا أيضاً قياس: بأن التيمم أقرب إلى الوضوء من السرقة فألحقناه بالوضوء منه.

باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا

باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا

[146] قيل: المراد بالذكر على كل حال الاستمرار، وهذا غلط بل المراد ذكر الله تعالى في الأحوال المتواردة لا في الأحوال المتشابهة، أي لم يكن ممتنعاً، وقيل: إن الذكر ذكر قلبي، أقول: إن اللغة ترده فإن الذكر القلبي هو الفكر في اللغة. قوله: (ما لم يكن جنباً) هذا دليل الجمهور في خلاف البخاري، والتفصيل يطلب من الفقه. (ف) وظيفة القرآن والحديث التبويب ولا يليق ذكر الجزئيات بشأن القرآن، والكمال في وضع الأبواب لا في ذكر الجزيئات كما هو مقتضى العقل السليم.

باب ما جاء في البول يصيب الأرض

باب ما جاء في البول يصيب الأرض

[147] الأرض تطهر باليبس والغسل عندنا، وقال الشوافع: إن في الحديث إلقاء الدلو على ذلك البول، نقول: إنه عمل بأحد طريقي التطهير، ثم قال الشوافع: إنا نفرق بين الماء الوارد على النجاسة بأنه طاهر، والمورد عليه النجاسة بأنه نجس فيحصل الفرق عندكم فأي فائدة في إلقاء الدلو؟ ونقول: إنه بال في ناحية المسجد كما في الروايات فيخرج الماء ويطهر، الأرض وأيضاً في العيني: إن الأرض غير الصلبة إذا تنجست فألقى عليه الماء طهر ظاهرها، وأما باطنها فبعد اليبس، وأيضاً في سنن أبي داود: «أن الأرض حفرت» فلعله كان لإزالة الرائحة الكريهة. قوله: (أعرابي) قيل: إنه ذو الخويصرة، وفي الروايات أن ذا الخويصرة اعترض على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قسم الغنيمة، وأنه أصل الخوارج، ثم في بعض الروايات: «أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الساعة؟ فقال: ما أعددت لها؟ قال: حبك، قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنت مع من أحببت» ، فهذه منقبة له فكنت متحيراً في أنه ذكر المحدثون: اسم الرجل الأول أيضاً ذو الخويصرة، واسم الرجل الثاني أيضاً ذو الخويصرة، وحال الأول دال على خسارته، والثاني دال على المناقب حتى أن وجدت في بعض الكتب أن ذا الخويصرة اثنان تميميّ ويَماني، وصاحب المنقبة يَماني، ورأس الخوارج تميمي، هذا والله أعلم، وعلمه أتم.

أبواب الصلاة

أبواب الصلاة

باب ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

باب ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم -

[149] ذكر لفظ عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بناء على أن المذكور هاهنا مرفوع. قوله: (أمَّني جبرائيل الخ) قيل: إن هذا دال على جواز اقتداء المفترض خلف المتنقل كما هو مذهب الشافعي، ورواية عن أحمد، وأما مذهب أبي حنيفة ومالك بن أنس والرواية المشهورة عن أحمد: عدم جواز اقتداء المفترض خلف المتنفل، وقال أبو بكر بن العربي المالكي: إنه تعالى مجده لما أمر جبرائيل بتعليمه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صار جبرائيل مكلفاً، وصارت الصلاة عليه واجبة، ونقول أيضاً: إن هذه واقعة حال متقدمة لا عموم لها. قوله: (فصلى الظهر) قيل: لم يأت جبرائيل عند صلاة الصبح فإنها أولى الصلوات الواجبة في تلك الليلة [ليلة] الإسراء، كما قال محمد بن إسحاق في سيرته: أنه أتى جبريل صبيحة ليلة الإسراء، فقيل: إنه عليه الصلاة والسلام نام عند صلاة الصبح فلم يوقظه جبرائيل، وهذا غلط، واختلط الأمر على هذا القائل، ووجه الاختلاط أنه عليه الصلاة والسلام نام عن صلاة صبح ليلة التعريس، وعبر بعض الرواة التعريس بليلة الإسراء، وأقول: إن صلاة الصبح والعصر كان يؤديها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل ليلة الإسراء فلا حاجة إلى تعليمها، وقد ذهب بعض العلماء إلى فرضية الفجر والعصر قبل ليلة الإسراء، وكثير من آيات القرآن دالة على هاتين الصلاتين، وفي الصحيحين: «أنه عليه الصلاة والسلام صلى

بالنخلة حين ذهب عامداً إلى عكاظ، واستمع له الجن وجهر بالقراءة» ، واتفق العلماء على أنه كان يصلي الفجر، والاختلاف في فرضيتهما ونفيتهما، فقال بعض العلماء بكونهما فرضين، والأكثرون على أنهما نفلان، وأقول: لما اتحد صفتاهما قبل ليلة الإسراء وبعدها؟ فما وجه الفرق بين النفلية قبلها والفرضية بعدها وعندي لا تردد فيه، وقال عماد الدين بن كثير: إنه عليه الصلاة والسلام صلى في بيت المقدس حين ذهب إلى السماء وحين رجع، وصلاته ذاهباً كانت تحية المسجد، وصلاته آيباً كانت صلاة الصبح، ووقع في بعض الرويات: مجيء جبرائيل عند صلاة الصبح» أخرجه الدارقطني، وعندي فيه وهم الراوي، واختلط عليه واقعة تعليم جبرائيل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وواقعة تعليمه عليه الصلاة والسلام رجلاً في المدينة كما سيأتي في الصفحة اللاحقة، وتعليمه عليه الصلاة والسلام ذلك الرجل من الصبح. قوله: (الشفق) ذهب الجمهور إلى أن الشفق هو الأحمر، ومذهب أبي حنيفة أنه الشفق الأبيض، وقال قائل: إن الشفق في اللغة بمعنى الحمرة، وقال الفراء: إن الشفق البياض، وللعلماء هنا كلام، وأقول: إن الشفق رقة الحمرة فيكون أمراً بين البياض والحمرة. قوله: (كان الفيء) قال بعض غير المقلدين: إن استثناء الفيء من المثل والمثلين لا أصل له من الشريعة، ويلزمه جواز الظهر بل العصر أيضاً وقت الظهيرة في البلدة التي يكون في الزوال فيها مثل الرجل أو أكثر منه. قوله: (لوقت العصر) ظاهر الحديث يخالف الشافعي، ومحمداً، وأبا يوسف، ومن وافقهم، فإن ظاهره أداء الظهر حين صار الظل مثلاً فتأولوا فيه، ومذهب: مالك أن المثل الأول وقدر أربع ركعات بعده وقت الظهر. قوله: (هذا وقت الأنبياء) قيل: إن الصلوات من خصائص هذه الأمة، أقول: إن جميع الصلوات من خصائصنا، وإلا فهي متفرقة ثابتة عن الأنبياء السابقين كما يدل ما في معاني الآثار ص (104) ، وهذا حديث معاني الآثار لم أجده إلا في شرح مسند الشافعي لابن أثير الجزري. قوله: (الوقت بين هذين الوقتين) ظاهره لا يستقيم على مذهب أحد، فقال الشوافع: والوقت

المستحب، وسيأتي تطبيقه على مذهبنا، وقيل أن المراد من الوقتين وقتا أمس مثلا ما بين الظهر والعصر، ولكنه لا يستقيم كليةً أيضاً، وأيضاً لا احتياج في هذا إلى مجيئ جبرائيل يومين. واعلم أن جمهور الأمة إلى أن وقت الظهر إلى المثل، والعصر منه إلى قبيل الاصفرار، وعن أبي حنيفة روايات والمشهورة عنه ـ وذكرها أرباب المتون أن وقت الظهر عنده إلى المثلين وقال صاحب النهاية على الهداية: إنها ظاهر الرواية، وتبعه ابن عابدين، أقول: في البدائع تصريح بأن آخر وقت الظهر ليس بمذكور في ظاهر الرواية، ومرتبة البدائع أعلى وأرفع، وإني ما وجدت هذا في الجامعين والزيادات والمبسوط، وقد صرح السرخسي في مبسوطه أن محمداً لم يتعرض في مبسوطه لآخر وقت الظهر، ثم تعرض السرخسي وروى الروايتين. (ف) يطلق لفظ المبسوط على مبسوط محمد وشروحه لعلها تبلغ عدة شروح، والتمييز بالإضافة إلى مصنفه، مثل أن يقال: مبسوط محمد ومبسوط السرخسي، وكذلك حال الجامع الصغير، وله شروح تبلغ خمسين شرحاً. والرواية الثانية عن أبي حنيفة: أن وقت الظهر إلى المثل، وبعده وقت العصر، وفي عامة كتبنا أنها عن حسن بن زياد عن أبي حنيفة، وفي مبسوط السرخسي أنها عن محمد بن حسن عن أبي حنيفة. والرواية الثالثة: أن وقت الظهر إلى المثل، ووقت العصر من المثل الثالث، والمثل الثاني مهمل، وهذه مروية بطريق أسد بن عمرو. والرواية الرابعة في عمدة القاريء، وصححها الكرخي عن أبي حنيفة: أن وقت الظهر إلى أقل قامتين، ولا يدخل وقت العصر حتى يصير مثلين، وهذه الرواية مشتبهة أي مشتملة على زيادة الخبر، بخلاف غيرها فإنها نافية أي غير مشتملة على زيادة الخبر، وهذه الروايات عندي عبارات محتاجة إلى التفصيل، ومحصل الكل عندي: أن المثل الأول مختص بالظهر، والمثل الثالث مختص بالعصر، والمثل الثاني مشترك بين الظهر والعصر، واشتراك الوقت ثابت عن بعض السلف كما قال الطحاوي، وثابت عن الأئمة الثلاثة من أحمد والشافعي ومالك بن أنس، وقال الشافعي: من طهرت في آخر العصر يلزمها قضاء الظهر والعصر، ومن طهرت في آخر العشاء، يلزمها قضاء المغرب والعشاء فلا بد من أن يقول باشتراك الوقت، وإلا فكيف يوجب قضاء الوقتين؟ فأقول: إن حديث الباب لأبي حنيفة

خاصة، فإن الظاهر أنه صلى الظهر يوماً ثانياً بعد المثل الأول، وهو مذهب أبي حنيفة، وزعم الشارحون أن الحديث مخالف لأبي حنيفة، وحاصل حديث الباب الفصل بين الوقتين أي إذا صلى الظهر تعجيلاً صلى العصر تعجيلاً، وإذا صلى الظهر تأجيلاً، يصلي العصر تأجيلاً وبعد هذا فأقول: إن المراد من الوقت بين الوقتين الوقت المستحب، ولا يرد علينا وقت العصر فإن الظاهر من الحديث أنه صلى العصر بعد المثلين وقبل المثل الثالث، وهو المستحب عندنا فلا ضير وأفتى صاحب الدر المختار بأداء الظهر في المثل الأول، ورد عليه ابن عابدين بأن المثلين ظاهر الرواية، وأقول: إن الحق إلى صاحب الدر المختار، فإن المثل الثاني وقت الضرورة للظهر، وذكر الشيخ سيد أحمد الدحلاني الشافعي في رسالة رجوع أبي حنيفة إلى المثل الأول ناقلاً عن الفتاوى الظهيرية، وخزانة المفتين، والكتابان من المعتبرات، وأما خزانة الروايات فغير معتبر، وظني أن مراد أبي حنيفة بوقت الظهر إلى المثلين، أنه إلى أقل المثلين فإنه قال محمد في المبسوط والموطأ ص (44) إن وقت العصر لا يدخل عند أبي حنيفة إلا بعد المثلين، وذكر مذهبين مذهبه ومذهب أبي يوسف أن وقت الظهر إلى المثل وزيادة شيء، ولم يذكر آخر وقت الظهر عند أبي حنيفة فلعله لا يبلغ إلى المثلين، وإمامة جبرائيل مروية عن خمسة أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عن جابر بن عبد الله، وابن عباس، أخرجهما الترمذي، وعن أبي هريرة عن الغساني، وعن ابن عمر عند الدارقطني بسند حسن، وعن أنس عند الدارقطني وفي سنده رجل متكلم فيه، وأخرج عند ابن السكن في صحيحه من رواة الحسان، وأما استدلالاتنا فذكرها صاحب البحر في رسالة: «إزالة الغشاء عن وقتي الظهر والعشاء» ومنها حديث: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» وفيه نظر لأن الإبراد أمر إضافي يختلف باختلاف الفصول، ومنها حديث قوله في السفر: أبردوا، أبردوا وقال الراوي: حتى تساوي فيء التلول، وقال النووي: إنه عليه الصلاة والسلام جمع بين الظهر والعصر وقتاً فلم يصح حجة لنا عليهم، ومنها حديث البخاري، حديث تمثيل هذه الأمة بالأمم السابقة، وأخرجه محمد في آخر موطأه ص (408) ، واحتج به على تأخير العصر كما هو مستحب عندنا، وأقول: إن الاحتجاج به على المثلين فيه نظر، وعلى استحباب تأخير العصر صحيح، ووجه استدلال المتأخرين على المثلين أن الوقت بعد العصر يجب أن يكون أقل من الوقت بعد نصف النهار إلى آخر الظهر، ولو كان الوقت إلى المثل يكون أقل مما بعده إلى غروب الشمس، وإلا فلا يتحقق فضل هذه الأمة على الأمم السابقة، أقول: إن الوقت مما بعد نصف النهار إلى المثل الأول بأكثر مما بعد المثل الأول إلى غروب الشمس، فلا يصح الاستدلال، وقد ضعف الاستدلال ابن حزم الأندلسي في المحلى، وقال: إن المثل الأول أزيد من جميع الأمثال الباقية، نعم الاستدلال بالتشبيه الأول المذكور في ( «إنما أجلكم فيما خلا من الأمم كما بين صلاة»

إلخ) بتأيد الحديث الآخر: «بعثت بين يدي الساعة كهاتين الإصبعين» (آه) وهو دال على وقت يسير، وأما وجه استدلال محمد على استحباب تأخير العصر فمذكور في الموطأ ص (408) ، وقيل: أول من احتج بهذا الحديث على المثلين القاضي أبو زيد الدبوسي. (الاطلاع) قيل: إن الوقت بعد العصر إلى الغروب سدس النهار على مذهب الأحناف، وربع النهار عند الشوافع، على بناء اختلاف وقت العصر المستحب.

باب منه

باب منه

[151] واعلم أن الشريعة أحالت أوقات الصلوات إلى العرف واللغة فالمذكور في الأحاديث تقريب لا تحديد. قوله: (يغيب الأفق) ظاهره يؤيد مذهب أبي حنيفة، فإن غيبوبة الأفق بغيبوبة الشفق الأبيض، قال الخليل بن أحمد شيخ سيبويه: إن الشفق الأبيض يبقى إلى ثلث الليل بل إلى نصفها أيضاً في بعض الأحيان، أقول: إن الغوارب أربعة مثل الطوالع فإنها أيضاً أربعة، أما الطوالع: فالصبح الأول، والثاني الأبيض، ثم الأحمر، ثم طلوع الشمس، فكذلك يكون في الغوارب. غروب الشمس، ثم الحمرة ثم البياض، وشيء آخر بدل الصبح الكاذب والمتمادى إلى ثلث الليل، ونصفها هو هذا الشيء، واختلط الأمر على الخليل فإنه ليس هو البياض الذي يبقى فيه وقت المغرب عند أبي حنيفة، وليعلم أن الوقت بعد طلوع الفجر الصادق إلى الطلوع، مثل الوقت بعد الغروب إلى غيبوبة الشفق الأبيض لذلك اليوم. قوله: (وأول وقت العشاء إلى ثلث الليل) مستحب، وإلى نصف الليل جائز وبعده مكروه تحريماً أو تنزيهاً، والثاني مختار الطحاوي والمحقق بن أمير الحاج.

قوله: (حين يطلع الفجر اه) قال علماء الرياضي: إن طلوع الفجر الكاذب على ثمانية عشر درجة، وطلوع الفجر الصادق خمسة عشر، ورد عليهم ابن حجر المكي الشافعي في تحفة المحتاج بأن الصبح قد يتقدم وقد يتأخر وكذلك قال الفقهاء، وذكر الشيخ في تفسيره روح المعاني قطعة تحفة المحتاج، أقول: إن قول ابن حجر صادق، وقال أرباب الرياضي الجديد ربما نشاهد قرص الشمس بالأعين مع أنها غير طالعة، وذكروا له مثال. قوله: (رجل فسأله) قال الزرقاني لا أعلم هذا الرجل، والواقعة واقعة السفر، أقول: إن الواقعة واقعة داخل المدينة كما صرح البيهقي في بعض عباراته، وهو المتبادر من ألفاظ الحديث. قوله: (والشمس بيضاء مرتفعة) قال الشوافع: إنه دليل لنا، وقال الطحاوي: لعله مفيد لنا بأن الراوي لم يقدر على بيان تأخير العصر إلا بهذا التعبير، أقول: إن في مسند أحمد بسند صحيح عن أنس: (والشمس محلقة) . قوله: (الشفق) أصل اللغة أن الشفق هو بين الأحمر القاني والأبيض الناصع وفي بعض الألفاظ

حين يسود الأفق، وقد مر حين يغيب الشفق فيفيد أبا حنيفة. القول القديم للشافعي: أن وقت المغرب قدر خمس ركعات، ويجوز إخراج الصلاة عن هذا القدر بإطالة القراءة بشرط أن يشرعها في الوقت، وأعجب من هذا ما في كتب الشافعية أنه يجوز إخراج كل صلاة عن وقتها بإطالة القراءة هكذا، في كتبنا أنه: لو شرع في العصر وأطال القراءة إلى داخل الاصفرار فمتحمل كما في الدر المختار عن القنية، وذكر هذه المسألة فخر الإسلام في أصول البزدوي فلا يمكن إسقاطها، واعتذروا بأن المصلي مستغرق فلا يدري دخول الاصفرار، والعذر بعيد ذو قَزَل، فإما أن يبين عذر آخر أو يقيد في هذا العذر قيد، فإن حديث «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس» متواتر.

باب ما جاء في التغليس بالفجر

باب ما جاء في التغليس بالفجر

[153] مذهب الشافعي ومالك وأحمد: استحباب التغليس بداية ونهاية، ومذهب أبي حنيفة وأبي يوسف وسفيان الثوري: أفضلية الإسفار بداية ونهاية، ومذهب محمد واختاره الطحاوي: البداية في الغلس والنهاية في الإسفار، وزعمت من كتاب الحج أن مذهب محمد هو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف، ثم وجدت في كتب أركان النقل أنه مذهب محمد فقط. قوله: (متلفعات) التلفع إرخاء الثوب على الوجه كما قال البختري (*) :

متلفعاً ببروقه وعوده الخ. نقول: إن المعرفة حال التلفف، والتلفع متعذرة حال طلوع الشمس أيضاً، وقال النووي: إن عدم المعرفة هو عدم التمييز بين الذكور والإناث، أقول: إن هذا بعيد جداً، وأما لفظ «من الغلس» ففي ابن ماجه: «تعني من الغلس» فيكون مدرجاً من الراوي، وكذلك في الطحاوي ص (104) ما يدل على الإدراج بسند صحيح. قوله: (أبو بكر وعمر الخ) نقول: إن الإجمال في الغلس، غير كاف لكم فإن مذهبكم الابتداء والانتهاء في الغلس وفي معاني الآثار ص (102) «أن أبا بكر كان يطول صلاة الفجر حتى يخاف طلوع الشمس» عن أنس، وفي سنده سليمان وهو ابن قيس الكيساني، والسند صحيح وفيه ص (108) «كان عمر يطول الفجر حتى نخشى طلوع الشمس» وفي: سنده محمد بن يوسف وهو الفريابي، ووقت الفجر عندنا ثلاث حصص كما قال أرباب الفتوى: الأولى لأداء السنة، الثانية لأداء الفرض، والثالثة خالية ليقضي فيها لو بدا فساد الصلاة. (الاطلاع) في باب تيمم مبسوط السرخسي يستحب الغلس وتعجيل الظهر إذا اجتمع الناس، ولكنه لم يذكره في باب المواقيت.

باب ما جاء في الإسفار بالفجر

باب ما جاء في الإسفار بالفجر

[154] قال بعض الأحناف: إن لفظ الإسفار يقتضي الزيادة، فإن المزيد للزيادة كما في القاموس وغيره.

قوله: (معنى الإسفار أن يصح) قال ابن الهمام: إن هذا بعيد جداً فإن الصلاة قبل تبين الفجر غير صحيحة فضلاً عن الفضل وزيادة الأجر، فإن مقتضى ظاهر الحديث صحة الصلاة لو صلى قبل الإسفار، وأيضاً في معاني الآثار ص (105) وابن حبان لفظ: «كلما أسفرتم» بأسانيد قوية ولم يجب أحد من الشوافع، ويمكن لهم قول: أن المراد من «كلما» كل يوم يوم لكن التبادر والظهور للإكثار في يوم واحد هو مراد الحديث، وتعرض السيوطي إلى أنه رواية بالمعنى كما في حواشيه على الستة، وفي شرح الإحياء عن السخاوي يقول شيخه الحافظ ابن حجر: إن مذهب الأحناف في الإسفار راجح، وللشوافع ما في أبي داود ص (56) . في قصة عمر بن عبد العزيز وأبي مسعود الأنصاري: «أنه صلى مرة بالغلس، وصلى مرة بالإسفار، ثم جرى عمله على التغليس حتى لقي الله تعالى» وقال أبو داود: إن الراوي في تفسير الحديث منفرد، وعندي محمله أنه غلس شديداً مرة وأسفر شديداً مرة ثم توسط أمره، وهذه واقعة تعليمه أوقات الصلاة لرجل في المدينة، ولنا حديث الصحيحن عن ابن مسعود: «أنه غلس في المزدلفة، وصلى قبل ميقاتها لا في غيرها» ونقول: إن المراد من قبل ميقاتها هي الميقات المعتاد، فإنه لا يقول أحد بصلاة الفجر في الليل قبل طلوع الفجر في المزدلفة، وقال الحافظ: لعله غلس شديداً، أقول: ما مراد التغليس الشديد الضعيف؟ فإن مذهبكم ابتداء الصلاة حين تحقق وتبين طلوع الفجر في الفور، وقال النووي: إنكم تقولون بالجمع بين المغرب والعشاء في عرفة، والحال أنه ليس بمذكور في حديث ابن مسعود، والحال أن جمع المغرب والعشاء في حديث ابن مسعود مذكور عند النسائي، ونقول: إن فعله مختلف من التغليس مرة والإسفار مرة، ولنا قوله، والحديث القولي مقدم أي: « أسفروا بالفجر فإنه أعظم

للأجر» وأما ثبوت الغلسٍ فلا ننكره فإنه أيضاً جائز، فإن الخلاف في الأفضلية فصار الترجيح لمذهب الأحناف، وفي حديث مرفوع: «التغليس في الشتاء والإسفار في الصيف» وتتبعته فوجدته ساقط السند، فإن في سنده سيفاً صاحب كتاب الفتوح، وهو قريب من الاتفاق على ضعفه، ثم وجدت متنه في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، وليس في سنده والله أعلم.

باب ما جاء في التعجيل بالظهر

باب ما جاء في التعجيل بالظهر

[155] يستحب تأخير الصلوات في الجملة إلا المغرب عندنا، ويستحب التعجيل في الجملة إلا العشاء عند الشوافع، وحديث الباب نحمله على الشتاء، أو على الابتداء، فإنه قد صرح المحدثون أن آخر عمله المستمر على الإبراد، وكذلك يروى عن بلال، وأيضاً نقول: إن له عليه الصلاة والسلام فعلاً وقولاً، وقوله مقدم، وهو في أيدينا حديث: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» الخ، وأيضاً فعله مختلف. قوله: (وخباب الخ) حديث خباب أخرجه في صحيح مسلم وفيه: «شكونا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يشكنا» ومراد لم يشكنا: أي لم يدفع شكوتنا، وعجل بالظهر، وقال بعض: معنى «فلم يشكنا» لم يدع شكوتنا، بل أزالها وأبرد بالظهر، وعندي هذا التأويل بعيد غاية بعد، ومراده ما ذكرت أولاً. قوله: (ولم ير يحيى بحديثه بأساً) هذا يحيى بن سعيد القطان، وما كتب المحشي من يحيى بن معين فهو غلط صريح.

باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر

باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر

[157] قال الشافعي: إن كان المسجد قريباً تعجل، وإلا فيؤجل ولو كانوا في السفر مجتمعين يعجل وإن كان الحر شديداً، وفي سنن أبي داود عن ابن مسعود: «كان قدر صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصيف من ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام، وفي الشتاء من خمسة أقدام إلى سبعة» . قوله: (فأبردوا عن الصلاة) قال العلماء: إن الأفصح صلة الإبراد بالباء، أقول: إن كلمة (عن) سيفيد في الرد على من لا فهم له في الحديث من غير المقلدين، فقد رأيت لبعضهم أن المراد إبرادها بأداء الصلاة. قوله: (من فيح جهنم) ها هنا سؤال عقلي هو: إن التجربة أن شدة الحر وضعفها بقرب الشمس وبعدها، فكيف إن شدة الحر من فيح جهنم؟ فنقول: لو كان السؤال على طريق اليونانيين فالجواب: إن قول: إن الشدة والضعف بسبب الشمس غير مستقيم على قولهم، فإن الأجرام الأثيرية خالية عن البرودة والحرارة، وأما شرَّاح قانون ابن سينا فتعرضوا إلى إثبات الحرارة والبرودة، فقال البعض: إن الحرارة بسبب تحرك الأشعة، فيقال: إنه قد صرح في الشفاء الذي هو مرض في الحقيقة أن الشعاع من مقولة الكيف فكيف توجد النقلة، وأما أرباب الفلسفة الجديدة من الأوروبيين فقالوا: إن حرّ الأشياء شمس فنجيب بما يفيد في مواضع عديدة، وهو للأشياء أسباب ظاهرة وباطنة والباطنة يذكرها الشريعة، وأما الظاهرة فلا تنفيها الشريعة الغراء فإنه أخبر بها المخبر الصادق، فكذلك يقال في الرعد والبرق والمطر ونهر جيحان وسيحان.

قوله: (شدة الحر) لنا قولان في إبراد الظهر، قيل: إن المدار على الحرارة، واختاره العيني وهو المختار لأنه أوفق بالحديث، وقيل: إن المدار على الصيف واختاره في البحر، وكذلك قولان في تبكير الجمعة، وفي الحديث: «إن لجهنم نفساً في الصيف، فيوجد حراً شديداً، ولها نفساً في الشتاء فيوجد البرد الشديد» ويرد على هذا اختلاف البرودة والحرارة في البلاد المختلفة في زمان واحد؟ فيجاب أنها إذا أدخلت النَفَس في جانب فتوجب البرودة أخرجتها إلى جانب آخر فتوجب الحرارة في زمان واحد. قوله: (ينتاب) معناه الإتيان نوبة بعد نوبة وقد يكون بمعنى الإتيان متوالياً، أقول: إذا نسب إلى الجماعة يكون بالمعنى الأول، وإذا نسب إلى المفرد يكون بالمعنى الثاني كما قال: ~ وعجبت من ليلاك وانتيابها ... من حيث زارتني ولم أدري بها وسيفيدنا هذا في مسألة الجمعة له في القرى، وفي حديث الجمعة في لفظ من الافتعال وفي لفظ من التفاعل كما في البخاري. قوله: (خلاف ما قال الشافعي) هذا هو الموضع الذي اعترض فيه الترمذي على الشافعي مع كونه مقلد الشافعي، ويمكن الجواب من جانب الشافعي بأن الأحوال تختلف في السفر أيضاً ربما

يجتمعون كلهم تحت شجرة واحدة، وربما يتفرقون تحت أشجار متفرقة. قوله: (فيء التلول) في بعض الألفاظ ساوى فيء التلول، وفي هذا تأخير شديد فإن التلول مخروطية فتساوي الفيء يكون بعد زمان طويل، وحمله النووي على الجمع وقتاً، وزعم بعض المستغرقين في السفاهة والفكاهة مع أئمة الدين أن مراد الحديث إبراد نار جهنم بإداء صلاة الظهر عجلة لا تأخير الصلاة، وترد عليهم صرائح النصوص فإنه عليه الصلاة والسلام قال لبلال «أبرد أبرد» وقال الراوي: وساوى فيء التلول وأيضاً في الحديث: «أبردوا عن الصلاة» .

باب ما جاء في تعجيل العصر

باب ما جاء في تعجيل العصر

[159] يستحب عندنا تأخير كل صلاة في الجملة إلا المغرب ويستحب عند الشوافع تعجيل كل صلاة في الجملة إلا العشاء. قالوا: إن الأفضل التبادر إلى العمل، الحديث: «أفضل الأعمال الصلاة لميقاتها» أخرجه أرباب الصحيحين، وفي حديث: «الصلاة لأول وقتها» أخرجه الترمذي، والحاكم بسند ساقط، وتعرض الحاكم إلى تصحيحه، ولكنه لا يمكن تصحيحه فإن الراوي متفرد ومر عليه الحافظ فلم يحكم عليه بشيء، وأما الأحناف فتركوا العمومات والإجمالات وأخذوا بالخصوصات فقد أثبتنا الإسفار بالفجر،

والإبراد بالظهر، ونثبت تأخير العصر، وأما تعجيل المغرب وتأخير العشاء فمسلم عند الخصوم أيضاً، وليتدبر الفهيم في نهج الاستدلالين من الاستدلال بالعموم والخصوص أيهما أوفق؟ وأما عمله عليه الصلاة والسلام في العصر فمختلف فيه، وكذلك قوله. قوله: (والشمس الخ) الشمس قد يكون بمعنى ضياء الشمس، وقد يكون بمعنى قرصها كما قال الشاعر: ~ قامت تظللني ومن عجب ... شمس تظللني من الشمس الحجرة هو بناء غير مسقف، والبيت هو البناء المسقف، ذكر السيد السمهودي في «الوفاء بأخبار دور المصطفى: أنه عليه الصلاة والسلام بنى أولا المسجد النبوي ثم بيت سودة. قوله: (لم يظهر الفيء) أي لم يعل على الجدار الشرقي، وهذا ثابت كما قال: ~. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها. وقال الطحاوي: ينظر في جدران الحجرة إن كانت قصيرة فلا يظهر الفيء إلا بلبث، ونقول: إنه شرع في التهجد وهو في حجرة واقتدى أصحابه خارجاً، فلا بد من كون الجدران قصيرة، فإن معرفة انتقالات الإمام شرط لصحة الاقتداء، وهذه الواقعة غير واقعة اقتداء الصحابة خلفه عليه الصلاة والسلام وهو في الحجرة المتخذة من الحصير في المسجد فلا يختلط، قال الحافظ هاهنا: إنه قال الطحاوي: إن التغليس بالفجر كان بسبب الجدران، وكان في الواقع الإسفار، أقول: إن الطحاوي لم يقل بما نقل الحافظ فإن كلامه في الجدران في العصر لا الفجر. قوله: (عن رافع) أخرجه الدارقطني بسند ساقط. قوله: (على أنس بن مالك) وكان عهد الحجاج الثقفي مبير هذه الأمة وكان يميت الصلاة،

فكان السلف لا يصلون معه، وفي الآثار أن بعض التابعين صلوا الظهر في خطبة الحجاج الظالم في الجمعة بالإشارة، فإنه كان يطيل الخطبة إلى أن يدخل العصر، وكان السلف يخافون على أنفسهم فصلوا بالإشارة، فإذن تعجيل أنس لم يكن فيصلاً بين المذهبين، فإنه تعجيل من تأخير الحجاج الذي يميت الصلوات. قوله: (يرقب الشمس الخ) أجمعوا على كراهية الصلاة تحريماً بعد الاصفرار، وأما حد الاصفرار، فقال قاضي خان: إنه تغير ضياء الشمس، وقيل: تغير قرص الشمس، والمختار قول قاضي خان. قوله: (قرني الشيطان الخ) الصحيح شرحاً حمل الحديث على الظاهر، في الحديث: «يقوم الشيطان عند الشمس» ، وأما الشروح الأخر من الاستعارات والتمثيل فسقيمة عندي، والقرنان جانبا الرأس. واعلم أن الأرض كروية اتفاقاً، فيكون طلوع الشمس وغروبها في جميع الأوقات، فقيل: إن الشياطين كثيرة، فيكون شيطان لبلدة وشيطان آخر لبلدة أخرى وهكذا، وعلى كروية الأرض تكون ليلة القدر مختلفة وكذلك يكون نزول الله تعالى أيضاً متعدداً وظني أن سجدة الشمس بعد الغروب تحت العرش المذكور في حديث أبي ذر في الترمذي والصحيحين لا تكون متعددة بل تكون بعد دورة واحدة لا حين كلٍ من الغوارب المختلفة بحسب تعدد البلاد، وعيَّن موضعها الشيخ الأكبر وكذا ابن كثير. قوله: (فنقر أربعاً) هذا يدل على وجوب تعديل الأركان، فإن الشريعة عدت السجدات الثمانية الخالية عن الجلسة أربع سجدات، وعن أبي حنيفة: من ترك القومة أو الجلسة أخاف أن لا تجوز صلاته، وأيضاً ما يمكن لنا الاستدلال بحديث الباب على عدم فساد صلاة العصر بغروب الشمس، بخلاف صلاة الفجر عند طلوع الشمس، وأما حديث: «من أدرك ركعة من الصبح فقد أدرك الفجر، ومن أدرك ركعة» الخ فسيجيء شرحه، ووجه الاستدلال بحديث الباب أن الشريعة سماها صلاة مع كونها عند الغروب، وأما تقييد أنها صلاة المنافق فنقول أيضاً بكراهتها تحريماً مع بقاء وجودها.

باب ما جاء في تأخير صلاة العصر

باب ما جاء في تأخير صلاة العصر

[161] حديث الباب ظاهره مبهم، والتأخير هاهنا إضافي، وإطلاق الألفاظ الإضافية ليست بفاصلة، نعم يخرج شيء لنا، ورجال حديث الباب ثقات، فلا أعلم وجه كف اللسان من المصنف عن تصحيحه، وأدلتنا كثيرة لا أستوعبها، ومنها ما في أبي داود عن علي: «أن وقت الإشراق من جانب الطلوع مثل بقاء الشمس بعد العصر» ومن المعلوم أن وقت الإشراق يكون بعد ذهاب وقت الكراهة، ولنا حديث آخر حسن عن جابر بن عبد الله أخرجه أبو داود في سننه ص (150) ، وكذلك أخرجه الحافظ في الفتح: «أن الساعة المحمودة من الجمعة بعد العصر في الساعة الأخيرة» واليوم اثنا عشر ساعة، وفي فتح الباري في موضع أن ما بعد العصر ربع النهار، وفي موضع أنه خمس النهار، وفي رد المحتار لابن عابدين أن وقت ما بعد العصر إلى الغروب. قدر سدس النهار.

باب ما جاء في وقت المغرب

باب ما جاء في وقت المغرب

[164] اتفقوا على تعجيل المغرب، وفي الدر المختار: أن التأخير إلى اشتباك النجوم مكروه، في حلية المحقق ابن أمير الحاج: أن التأخير إلى ما قبل الاشتباك مكروه تنزيهاً، والتأخير إليه مكروه تحريماً،

وأما الجمع فعلا بين المغرب والعشاء، ففي الأشباه والنظائر لصاحب البحر أنه مكروه للمسافر، وكذلك روي الجواز عن عيسى بن أبان تلميذ محمد.

باب ما جاء في وقت العشاء الآخرة

باب ما جاء في وقت العشاء الآخرة

[165] للعشاء ثلاث حصص، فإنه يستحب إلى ثلث الليل، وفي رواية إلى نصف الليل، ويجوز إلى نصف الليل ويكره إلى الصبح كراهة تحريم أو تنزيه على القولين. قوله: (لثالثة) هذا يدل على زيادة التأخير، فإن القمر يتأخر كل ليلة قدر 6/7 ساعة فيكون جميع الوقت إلى سقوط القمر للثالثة ساعتين ونصفها أو ثلاث ساعات إلا ربعها.

باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها

باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها

[168] السمر هو ضياء القمر، ثم يطلق على المحادثة في ضياء القمر توسعاً، وفي حديث مرفوع جواز السمر لمصلي أو مسافر وأما النوم قبل العشاء فقال الفقهاء: من كان له من يوقظه عند قيام الجماعة يجوز له النوم قبل العشاء بلا كراهة، وثبت الاضطجاع في المسجد قبل العشاء عن عثمان. (ف) في أصول الفقه أن تخصيص النص بالرأي ابتداء غير جائز، ورأيت في شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد تحت مسألة: متى يجوز تلقي الجلب ومتى لا يجوز؟ إن تخصيص النص بالرأي جائز إذا كان الوجه جلياً وهذا صحيح فيجب تقييد ما قال الأصوليون فإنا نجد تخصيص النصوص الواردة في الأخلاق من الشكر والصبر وغيرهما وكذلك قد يخصص نصوص المعاملات بالرأي أيضاً. قوله: (وقال أحمد نا عباد بن الخ) هاهنا تحويل والمدار سيار.

قوله: (جميعاً عن عون) المراد من الجميع هو عون وعباد وإسماعيل.

باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء

باب ما جاء في الرخصة في السّمر بعد العشاء

[169] المرخص من السمر ليس هو المنهي عنه، بل المذكور هاهنا من حوائج الدين، وهو ليس بسمر واستعمل لفظ السمر مشاكلة، واعلم أن الأمور قد تختلف باختلاف النيات. في فتح القدير يجوز قراءة الأشعار العربية بشرط أن لا يكون الممدوحة حاضرة، وتكون القراءة بنية معرفة العربية، وثبت أثر

إجازة الأشعار عن عمر، أقول: إن معرفة العربية فرض كفاية، وكذلك في رد المحتار لابن عابدين.

باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل

باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل

[170] قال الشوافع: إن المراد من الصلاة في أول الوقت هو أولى حصص الوقت، من ابتداء دخول الوقت والمراد عندنا من أول الوقت أول وقت كان معتاد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخذ الشوافع بالعمومات ونزلنا على أخذ الخصوصات، وهو أقرب وحديث الباب ساقط سنداً، وكذلك أخرجه في مستدرك الحاكم، وهو أيضاً معمول وتعرض الحاكم إلى تصحيحه، ولا يمكن التصحيح، كيف وقد ورد الحديث في مواضع في الصحيحين: «وفيها الصلاة على ميقاتها» . قوله: (والجنازة إذا حضرت) في قولنا لو حضرت الجنازة في الأوقات الثلاثة المكروهة تجوز الصلاة عليها في الوقت المكروه، ثم اختلف فقيل: الأفضل تأخيرها إلى خروج الوقت المكروه، وقيل: تعجيلها في ذلك الوقت، وأما لو حضرت قبلها فلا يجوز أدائها فيها فإن الوجوب كامل فيجب الأداء أيضاً كذلك، ومثل الجنازة حال سجدة التلاوة.

قوله: (أي العمل أفضل؟) اختلف الأحاديث في بيان أفضل الأعمال وجواباته عليه الصلاة والسلام متعددة بتعدد أسئلة السائلين، فقيل في التوفيق: إن الاختلاف بحسب أحوال السامعين، وقال ملك العلماء عز الدين بن عبد السلام: والشرط أن يكون السامع حاضراً، وأن يكون السؤال من باب الأعمال لا العقائد، وقيل: ينظر إلى خصوص ألفاظ جوابه، ومنهم الشيخ الأكبر، وقال: لا ترادف في الألفاظ أصلاً، فمعنى الأفضل والخير مغاير، وقال: لكل اسم من أسماء الله حضرة لا يدخل فيها غيره، والمختار مختار الشيخ الأكبر وابن تيمية من نفي الترادف، والأقرب جواباً ما قال الطحاوي في مشكل الآثار بما حاصله: أن يؤخذ كل الأحاديث، ويتتبع الطرق فيؤخذ كل أول أفضل الأعمال فيدرج تحت نوع واحد، فالأولوية نوعية، وكذلك يؤخذ كل ثاني الأحاديث الدالة على أفضل

الأعمال فيدرج تحت نوع آخر وهكذا، وأما أشكال اختلاف الأحاديث تقديماً وتأخيراً في بيان أفضل الأعمال فلم يجب عنه الطحاوي فإنه محتاج إلى تتبع طرق الأحاديث وخصوص المتون، ولا تحتوي عليه ضابطة. قوله: (مرتين) قد ثبت التأخير مرتين، مرة في مكة حين إمامة جبرائيل، ومرة في المدينة حين تعليمه رجلاً مواقيت الصلاة، وأما قول عائشة فمبني على علمها فإنها لم تكن في واقعة إمامة جبرائيل في مكة عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله: (كانوا يصلون في أول وقت) هذا منظور فيه.

باب ما جاء في السهو عن وقت العصر

باب ما جاء في السهو عن وقت العصر

[175] قرأ: {أهلَه ومالَه} منصوباً وقرأ مرفوعاً، والأفصح الأول، ويكون متعدياً إلى المفعولين، وفي القرآن: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35] ، ثم في فوات العصر أقوال: قال الأوزاعي: فواتها بدخول الاصفرار، كما في أبي داود ص (60) ، ولكنه مبني على قوله: إن وقت العصر إلى الاصفرار هو قول

الحسن بن زياد من الأحناف، والاصطخري الشافعي، وفي رواية: وفواتها أن تدخلها صفرة، وكنت أزعمه مرفوعاً حتى أن وجدت في علل أبي حاتم أنه موقوف، وقول نافع: وهذا الشرح كان لطيفاً لكنه غير مرفوع، أقول: يحمل الفوات على الظاهر، أي الفوات بغروب الشمس، ومحاورة وتر أهله وماله أن يقال في حق من قتل ولم يود ولم يقتص لوليه فوليه موتور الأهل والمال، وإن قيل: إن تخصيص العصر يدل على أن الفوات بدخول الاصفرار، أقول: إن حكم وتر الأهل والمال حكم الخمسة، وأما وجه التخصيص بالذكر فمذكور في مسلم (325) «أنها عرضت على الأمم السابقة فضيعوها، ولو أقمتموها فلكم الأجران» ولذا اهتم القرآن بشأن صلاة الوسطى، ولحديث الباب شرح آخر، وهو: أن الفوات فوات الصلاة بالجماعة، ذكر المهلب شارح البخاري ويؤيده ما في معرفة الصحابة لابن منده الأصبهاني مرفوعاً «الموتور أهله وماله من فاتته صلاة العصر بالجماعة» ، نقل الزرقاني متنه، وتتبعت الأسانيد في سنده ليث بن أبي سليم وهو من رواة مسلم مقروناً مع الغير، وقد يحسن حديثه فيكون من رواة الحسن. مذهب الجمهور: أن الصلاة حالة اصفرار الشمس مكروهة تحريماً وتصح وربما تجتمع الصحة مع الكراهة مثل البيع حال أذان الجمعة، وقال ابن تيمية: لا يجتمعان، ويرد عليه جواز نكاح المخطوبة في العدة مع كون الخطبة في العدة منهياً عنه، وكذلك الصلاة في الأرض المغصوبة.

باب ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام

باب ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام

[176] أي الإمام الجائر، واعلم أن هاهنا مسألتين لا يختلط بينهما: إحداهما: أن يعلم أن إمام الجور يميت الصلاة. والثانية: إن صلى في البيت العذر ثم دخل المسجد وأقيمت الصلاة، وللشوافع في المسألة

الأولى وجوه أربعة، والمختار عندهم أن يصلي في البيت صلاته، ثم يصلي خلف إمام الجور بنية ما صلى في البيت من الظهر والعصر وغيرهما، الحاصل أنه يعيد الصلاة وتقع نفلاً، ثم صرحوا بأنه يتبع الإمام، وإن ارتكب الكراهة تحريماً. فالحاصل أنهم يقولون بالأداء في البيت وبالإعادة في الأوقات الخمسة وباتباع الكراهة تحريماً، وأما مذهب أبي حنيفة فليس بمذكور في مسألة إمام الجور، ومسألة أخرى يجوز تعديتها إلى هذه المسألة ويذكر في كتبنا أنه لو صلى في بيته منفرداً يعيدها الظهر والعشاء لا الثلاثة، ويذكر أن يعيدها متنفلاً وزعم البعض أنه ينوي النفل حتى أن صرح الشلبي في حاشية الزيلعي أنه ينوي النافلة، والحال أن مراد أرباب التصنيف أنها تقع نفلاً لا أن ينوي النافلة بل ينوي باسم ما صلى قبل وتقع نفلاً، كيف وقد صرح الطحاوي ص (223) بالإعادة في قوله، وممن قال بأنه لا يعاد من الصلاة إلا الظهر والعشاء أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وكذلك عبر محمد بالإعادة في موطأه ص (137) وكذلك عبر في كتاب الآثار والجامع الصغير والمبسوط. وأما تفقه الشافعية فبأنه إذا أمات الإمام الصلوات فلا بد من أدائها صحيحة، وأيضاً يخاف جور الإمام فيدخل معه في الصلاة. وأما شرح الحديث على مذهب الشوافع فمعنى فصل الصلاة لوقتها فإن صُلّيت لوقتها أي بعد أن صلى في بيته فيقولون بتكرار الصلاة في الشق الأول المذكور في الحديث، وشرحه عندنا فمعنى فصل الصلاة لوقتها أي يقرر في نفسه ويعود أنه يصلي الصلوات لوقتها، ثم إن صُلِّيت لوقتها أي مع الإمام قبل أن تصلي منفرداً فلا نقول بتكرار الصلاة في الشق الأول، وإن قيل: كيف يصح قول فإنها لك نافلة فإن هذه الصلاة فرض؟ نقول: قد يطلق النافلة على صلاة الفرض، ويكون معناه أنها زيادة أجر لك ويقع لك مجاناً كما في حديث المشكاة: «من توضأ فمشى فتنحط الخطيئات بخطوته اليمينة، وترفع درجته بخطوته اليسرى، وتكون صلاته نافلة» وكذلك ذهب بعض العلماء إلى أن صلاة التهجد واجبة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأطلق في القرآن: {فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] والقرينة على شرحنا ما في المسلم ص (231) : «فصلِّ الصلاة لوقتها ثم اذهب لحاجتك، وإن أقيمت الصلاة وأنت في المسجد» الخ، فدل على عدم التكرار، وتصدَّى النووي إلى التأويل فيه وأما ما في مسلم ص (231) : «فلا تقل: إني صليت فلا أصلي» فمعناه لا تقل باللسان، أو يقال: لا يأتي عليك نوبة أن تقول: إني

صليت بل انتظر صلاة الإمام، فإن صُلِّيَت في الوقت فصل معهم، وأيضاً ظاهر شقي حديث الباب يخالف الشوافع فإن الصلاة في الحالين نافلة عندهم.

ما جاء في النوم عن الصلاة

ما جاء في النوم عن الصلاة

[177] مذهب الشافعي أن النائم إذا تنبه فذلك وقت صلاته، وإن استيقظ عند الأوقات المكروه فيها الصلاة، ويقولون: إن حديث الباب مخصص لحديث «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس» وتفصيل هذه الضابطة سيأتي في موضع ما. قوله: (نومهم عن الصلاة الخ) واقعة ليلة التعريس، والراجح عند المحدثين أنها حين القفول من غزوة خيبر، وأطنب الطحاوي في المسألة، ومذهبنا أنه لا يصلي في الوقت المكروه، وقال الطحاوي: إن فعله عليه الصلاة والسلام في هذه الواقعة، مفسر لقوله في هذه الواقعة فإنه أخَّر الصلاة حتى خرج وقت الكراهة، لما في البخاري: «حتى ابيضت الشمس» وفي الدارقطني: «حتى أمكنتنا الصلاة» . وقال الشافعية: تأخيره كان ليخرج من موضع الشيطان، ونقول: إن المكان والزمان مؤثران لما روينا آنفاً، وأقر الحافظ في الفتح بأن مذهب أبي بكرة رضي الله عنه، ومذهب كعب بن حجرة موافق لمذهب أبي حنيفة، وقال عبد العلي بحر العلوم في الأركان الأربعة: إن بناء اختلاف المذهبين على أن إذا ظرفية عند الحجازيين وشرطية عند العراقيين، كما قال أبو حنيفة فيمن قال إذا لم أطلقك فأنت طالق أن يقع الطلاق في آخر زمان الحياة، على أن إذا شرطية، وقال صاحباه: لو لم يطلق يقع في الحال، لأن إذا ظرفية، وليس البناء على ما قال بحر العلوم.

باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة

باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة

[178] قوله: (علي بن أبي طالب) يمكن أن يقال: إن التعميم باعتبار وقت الأداء ووقت القضاء، لا باعتبار وقت الكراهة أو غيره. قوله: (عن أبي بكرة) قصته أنه نام في بستانه عن صلاة العصر، وكان عنده أولاده فلم يوقظوه، فاستيقظ والشمس قربت أن تغرب فغضب عليهم، وجلس إلى أن غربت فصلى العصر أخرجه في مشكل الآثار في الحصة القلمية، وأبو بكر الطائفي اسمه نفيع بن حارث.

باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات فأيهن يبتدىء

باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات فأيّهن يبتدىء

[179] الترتيب في قضاء الفوائت واجب عند أبي حنيفة ومالك، ويستحب عند الشافعي وأحمد، وقد

ثبت ترتيبه في واقعة الباب غزوة الخندق، والخلاف في أنه باعتبار الوجوب أو الاستحباب، وقال مولانا عبد الحي: إن الرجحان لمذهب الحجازيين فإن فعله لا يورث الوجوب، أقول: إن ضابطته منقوضة في مواضع كثيرة. قوله: (عبد الله) إذا أطلق عبد الله في مرتبة الصحابي فهو ابن مسعود. إذا أطلق الحسن في مرتبة الصحابي فهو ابن علي وإذا أطلق في مرتبة التابعي فهو حسن البصري رحمه الله. قوله: (أربع في البخاري) ذكر العصر فقط، فقال ابن سيد الناس اليعمري بتعدد الواقعتين، وأتى برواية الأربع بما في معاني الآثار بسند الشافعي وهو أجلُّ الأسانيد، ثم اختلف في وجه تركه عليه الصلاة والسلام الصلوات فقال الشوافع: إن صلاة الخوف لم تكن نازلة، وقال الموالك: إنه عليه الصلاة والسلام فرغ قبل المغرب ولكنه تأخر بسبب بطوء توضئ الصحابة، وهذا على رواية الصحيحين لا رواية السنن، وهذا المحمل مستبعد، ونقول: إن وجه الترك أن الصلاة حالة المسايفة غير صحيحة، وأما جواب أن عصر اليوم جائز عندكم عند الغروب أيضاً فنجيبه عنه إن شاء الله تعالى، ويصح لنا فعله عليه الصلاة والسلام المذكور في الصحيحين دليلاً على تأخير الصلاة من الوقت المكروه، وإني تتبعت كتباً كثيرة لمسألة هل الرجل مأمور بأداء عصر يومه عند الغروب؟ فما وجدته، بل يدل عبارة محمد في موطأه ص (125) على عدم المأمورية فلعل مسألة الحنفية في الصحة لا غير.

قوله: (ما كدت أن أصلي الخ) قيل: إن هذا يدل على أن عمر أدى الصلاة قبل الغروب، والمختار عند النحاة إن كاد مثل باقي الأفعال ثبت عند الإثبات، ومنفي عند النفي، وأما إذا علم وجود الفعل وثبوته في الواقع فيدل كاد المنفي على تحقق ذلك الفعل بالبطوء.

باب ما جاء في الصلاة الوسطى أنها العصر إلخ

باب ما جاء في الصلاة الوسطى أنها العصر إلخ

[181] في تفسير الصلاة الوسطى خمس وأربعون قولاً: مذهب أبي حنيفة في ظاهر الرواية أنها العصر، وفي شرح النقاية لملا على القارئ رواية شاذة عن أبي حنيفة أن الصلاة الوسطى صلاة الظهر، وله ما في أبي داود ص (65) ، وعندي لا بد من توجيه الرواية الشاذة والحديث، وعندي أن ما في أبي داود ص (65) فهو من اجتهاد زيد بن ثابت، ولنا صحت المرفوعات. وقال النووي: كان مذهب الشافعي رحمه الله أنها صلاة الفجر، إلا أنها صحت الأحاديث في أنها صلاة العصر وقال الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، فيكون مذهبه أنها صلاة العصر. (ف) في مدخل البيهقي عن أبي حنيفة: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وذكر البيهقي عن ابن المبارك عن أبي حنيفة: ما جاء عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلى الرأس والعين، وما جاء من الصحابة نختار منهم، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال، أو قال: زاحمناهم. ودليلنا في مسألة الباب ما في مسلم: «أن في مصحف حفصة: الصلاة الوسطى وصلاة العصر» ولا يقال: إن العطف يقتضي التغائر، فإنه قد صرح أنه إذا كان لموصوف واحد صفات يجوز إدخال حرف العطف فيها مثل:

~ إلى الملك القرم وابن الهما ... م ليث الكتيبة في المزدحم وقيل: إن الصلاة الوسطى صلاة الوتر، واختاره الشيخ علم الدين السخاوي الشافعي وصنف فيه كتاباً مستقلاً، وقال: إن الوتر ملحق بالخمسة، وإنها فريضة، وقال: إني أبلغ للأمة أن الوتر فرض، ذكره ابن عابدين. قوله: (عن سمرة بن جندب الخ) قيل: سمع الحسن البصري عن سمرة كثيراً، وقيل: إنه لم يسمع منه شيئاً، وقيل: إنه سمع حديث العقيقة، واختلف في سماع الحسن عن علي بن أبي طالب.

باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر

باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر

[183] قال أبو عمر في التمهيد: إن حديث «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب» متواتر، وأما حديث: «نهي الصلاة عند الطلوع والغروب والاستواء» فصحيح أيضاً فالأوقات المنهية فيها الصلاة خمسة، وجعل أبو حنيفة طائفتين فقال: لا تحل الصلاة في وقت الغروب والطلوع والاستواء، ثم إن صُلِّيت فيها ففيه تقسيم البطلان وعدمه، فتبطل الفريضة وكل ما هو دين في الذمة ووجب كاملاً، وتصح النوافل مع الكراهة التحريمية. وأما تفسير لعينه ولغيره فعندما هو ظاهر الهداية ص (81) من أن الواجب لعينه ما يكون مطلوباً بنفسه، والواجب لغيره ما يكون مطلوباً لغيره، وقال الشارحون عن الواجب لعينه: ما يكون من الله، والواجب لغيره ما يكون من جانب العبد، وأوهمهم لفظ الهداية من جهة، وأشكل عليهم ركعتا الطواف، فإنهما واجبتان للعين على ما قالوا، وأما على ما قلت فواجبتان للغير أي لختم الطواف، فظهر الفرق بين ركعتي الطواف وسجدة التلاوة، ولنا في نفي ركعتي الطواف أثر عمر بن الخطاب «فإنه طاف قبل طلوع الشمس، ولم يصل ركعتي الطواف حتى بلغ ذي طوى» أخرجه الطحاوي موصولاً، والبخاري معلقاً، ولنا معه أيضاً أمر النبي الكريم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم سلمة: «طوفي وراء الناس فطافت، ولم تصل حتى خرجت ولم ينكر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها» . وقال أبو حنيفة رحمه الله في الطائفة الثانية للأوقات المكروهة: تجوز فيها الفرائض والواجبات لعينها لا النوافل والواجبات لغيرها، ولم يفرق الشافعي بين الطائفتين، وقال: تصح الفرائض وذوات الأسباب من النوافل، مثل التحيتين والخوف لا غيرها، وتجوز السنن الآكدة أيضاً. وقال مالك: يجوز الفرائض لا النافلة، وتفقه الشافعي أن ذوات الأسباب سماوية، وغيرها في خيار العبد فيرد النهي عن ما في طوعه وقال صاحب الهداية: إن وقت بعد الفجر والعصر ينبغي أن يكون مشغولاً بالفرض، فالقبح ليس بسبب الوقت فتجوز الفرائض والواجبات لعينها، وقال ابن الهمام: هذا تخصيص بالرأي

ابتداءً فلم يجب عن الإيراد، وأخذ طريقاً آخر لإثبات المسألة، وقال الطحاوي في التفقه: إن النهي عن الصلاة بعد العصر والفجر صلاتهما صلى في الفور بعد دخول الوقت أو ببطوء فعلم أن التأثير للصلاتين فلا قبح في الوقت، وأقول فيما قال الشيخ صاحب الهداية بأنه تخصيص النص بالنص فإنه قد خص منه صلاة العصر والفجر، ونص آخر مستقل وهو قضاء الوتر أخرجه الترمذي ص (61) بسند فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو متكلم فيه بخلاف أخيه عبد الله فإنه ثقة، وأخرجه أبو داود ص (202) وصححه العراقي، ولكنه غير واضح، والأوضح ما في سنن الدارقطني، وقال الشوافع: حديث الباب عام ويخصصه حديث التحية، فتحول إلى مسألة الأصول، فقال الشافعية: إذا تعارض العام والخاص فيراد من العام ما وراء الخاص، تقدم الخاص أو تأخر أو لم يعلم التاريخ، وقال الأحناف: لو علم التاريخ فالمتأخر ناسخ، وإلا فوقع التعارض فيحول إلى باب التعارض، وهذا يوهم الناظر، قال الشافعية: يؤخذ بالزائد فالزائد، وتعبيرهم هذا جيد مؤثر قوي مما قال الأحناف، فأقول: إن المراد من التعارض عندنا أنه يعامل فيه بمقاسمة الأصول فإنه، قد كثر تخصيص النوعيات بأحكام لا تكون في الجنسيات، وهذا من تعبيراتي فصار تعبيرنا أيضاً أجود وأقوى، وصارت ضابطتنا أشمل على ضابطتهم، ومقاسمة الأصول أن يكون جزئي واحد مثلاً يصلح للاندراج تحت العام، ويصلح للاندراج تحت الخاص فإدخاله تحت ما له زيادة استحقاق مقاسمة الأصول، فنجري الضابطة فيما نحن فيه بأن الشريعة تأمر بعدم حلة الصلاة، ثم ما كان ديناً عن الله من الفرائض والواجبات لعينها يجوز أداؤه، وما كان من التبرع من الواجب لغيره، والنافلة لا يجوز أداؤه، وبألفاظ آخر أن ما كان في ذمة من الله يجوز أداؤه، وإلا فلا، يفيد هذا الأصل فيما مر عن الصلاة منفرداً إذا أمات الإمام الجائر

الصلوات، فقال الشافعية: إن الشريعة أمرت بتكرار الصلوات فيكون في الصلوات الخمسة، ونقول: أمر الشارع بأداء الصلاة في وقتها لا بالتكرار كما هو مزعوم الخصم، ثم سأل سائل: أفأصلي معهم؟ قال: نعم لو شئت كما يدل على هذا صراحة ما في أبي داود ص (62) فلا تكون الإعادة إلا فيما تجوز منه فإذن انكسر سورة تكرار الصلاة في الأوقات الخمسة وليتدبر في هذا. قوله: (لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس الخ) قيل: إن مصداق إنا هو المتكلم، وقيل: مصداقه هو النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم تخرج المحامل في شرح الثاني فإن فضله عليه الصلاة والسلام ثابت على جميع الأنبياء السابقين بلا ريب. قوله: (حديث علي) هو قول على كما في السنن الكبرى وليس بمرفوع، وأما ما قلنا من كراهة الصلاة في الأوقات الثلاثة مع الصحة فاجتماع الصحة ومع الكراهة ليس ببعيد، قال الشيخ ابن الهمام: إنهما يجتمعان في المعاملات لا العبادات، فإن في المعاملات طرفين طرف الدنيا وطرف الدين، بخلاف العبادات فإن الطرف فيها واحد هو طرف أخروي وأقول يلزم على هذا ارتفاع باب كراهة الصلاة، ويحتمل أن يقال: إن الكراهة الواقعة على نفس الصلاة لا تجتمع معها بخلاف الكراهة، في بعض أجزائها فيصح قول الشيخ بلا ارتفاع باب الكراهة وهذا يفيد الشافعية أيضاً في إشكالٍ أشكل عليهم حله، وهو عدم اجتماع الصحة مع الكراهة التنزيهية، وهو قول عندهم، والله أعلم وعلمه أتم.

باب ما جاء في الصلاة بعد العصر

باب ما جاء في الصلاة بعد العصر

[184] في الصحيحين عن عائشة ثبوت الركعتين بعد العصر مواظبة في بيت عائشة، وفي السنن عن ابن عباس وأم سلمة: «أنه شغل عن سنتي الظهر فقضاهما بعد العصر، قال الشافعية بجواز الركعتين بعد العصر وعندنا من خصوصيته عليه الصلاة والسلام، وقال الشافعية: إن الخصوصية باعتبار المواظبة لا في أصل المشروعية، والسلف أيضاً مختلفون ولنا ما في البخاري ومعاني الآثار ص (180) «أن عمر كان يعزر من يصلي الركعتين بعد العصر» ، وهذا لا بد من كونه علانية، ولم ينكر

عليه أحد من الصحابة» ، فلنا أن نقول: إن قول جمهور الصحابة مع أبي حنيفة رحمه الله، وسئل الدارِمي فقال: أقول بقول عمر بن الخطاب، وحديث الباب لنا وقال الحافظ: إن عطاءً اختلط في آخر عمره، وأخذ عنه جرير بعد الاختلاط، ولنا ما في معاني الآثار ص (180) عن أم سلمة؛ قلت له: عليه الصلاة والسلام أفنقضيهما إذا فاتتا قال: (لا) اه. وسكت الحافظ عن الحكم على حديث الطحاوي، وقال رجل: إن سند عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة فيه شيء، فإن حماداً قلَّ حفظه في الآخر، وأقول: تتبعت مسلماً فاستخرجت منه سند يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة في مواضع كثيرة، فكيف حكم ذلك الرجل على ذلك السند؟ ومر عليه السيوطي في الخصائص الكبرى وصححه، والحديث موجود في مسند أحمد فالحاصل عندي أن حديث الطحاوي في أعلى مراتب الحسن لذاته ولنا ما في مسند أحمد وبعضه في البخاري: «أن معاوية رضي الله تعالى عنه دخل المدينة، وكان ابن الزبير يصلي الركعتين بعد العصر، فقال معاوية: ما تفعل فإني ما وجدته من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال ابن الزبير: علمته من عائشة، فأرسل معاوية رجلاً إلى عائشة فقالت: ما صلى في بيتي، وأرسلته إلى أم سلمة وقالت أم سلمة: إنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر، رحم الله عائشة قد كنت ذكرت لها، فاضطرب حديث الصحيحين عن عائشة، ولهذا لعله رجح الترمذي حديث ابن عباس على حديث البخاري، وقال حديث ابن عباس أصح، ولنا أيضاً ما في مصنف عبد الرزاق عن أبي سعيد: «نفعل ما أُمِرنا، وفعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أُمر» ، فدل على أن يحملهما على خصوصيته عليه الصلاة والسلام كما قلنا. قوله: (عنها عن أم سلمة) لعل عن أم سلمة ليس بصحيح فإن عائشة روت بدون الواسطة كما قال المصنف، وفي الباب عن عائشة إلا أن يراد ما في مسند أحمد في قصة معاوية وابن الزبير.

قوله: (إلا ما استثنى من ذلك) إسناد الاستثناء ضعيف.

باب ما جاء في الصلاة قبل المغرب

باب ما جاء في الصلاة قبل المغرب

[185] تسن الركعتان قبل المغرب عند الشافعي رحمه الله، وفي قول منه الإباحة، وقال أبو حنيفة ومالك: لا ينبغي، وقال ابن الهمام بالإباحة ونفى الاستحباب، وحديث الباب للشافعي، وأجيب بأن المراد المكث مقدار الصلاة بين الأذانين لا فعل الصلاة، ويرد على هذا الجواب ما في البخاري في الموضعين عن عبد الله بن مغفل: «صلوا قبل المغرب ركعتين» وإني تتبعت لأجد أنهما حديثان أو حديث واحد فلم أجد فيه شيئاً من المحدثين إلا أن بوب البخاري على الفصل بين الأذانين، وأتى فيه بحديث الباب، وبوب على الركعتين قبل المغرب، وأتى فيه بحديث: «صلوا قبل المغرب ركعتين» وفي مسند البزار «بين كل أذانين صلاة إلا المغرب» ، وأدرجه ابن الجوزي في الموضوعات، وقال السيوطي في اللآلئ المصنوعة: إنه ليس بموضوع، وقال: إن حيان بن عبيد الله مصغراً ثقة، وهو راوي الحديث، لاحيان بن عبد الله المكبر الذي كذبه فلاسٌ، وابن عبيد الله وثقة البزار، والزيلعي والحافظ نقلا قول ابن الجوزي والبزار ولم يخبرا بما قال السيوطي، وهذا عجب منهما، وأخرجه

الدارقطني أيضاً، وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار: إنه وهم حيان وأدرجه من نفسه، وعندي قرائن من سنن الدارقطني على كونه مرويّاً من الفوق وليس من إدرج الراوي، ونقول بعد تسليم الإباحة كما قال ابن الهمام: إن الحديث لا يدل على الاستحباب لما في البخاري، وأبي داود ص (183) . «لمن شاء أن يصليهما خشية أن يتخذها الناس سنة» ، وأما الفرق بين السنة والاستحباب فبعيد في نصوص الشارع، ونقول أيضاً: إن البزار وابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ يقولان بالنسخ، والناسخ لفظ إلا المغرب، فدل هذا أنهما من الصحيحين لحديث: «إلا المغرب» . قوله: (قد روى عن غير واحد الخ) لنا ما في أبي داود ص (183) . سئل ابن عمر: عن الركعتين قبل المغرب، قال ابن عمر رضي الله عنهما: ما رأيت أحداً يصليهما قبل المغرب في زمن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بسند حسن، وقال النووي في شرح مسلم: إن الجمهور مع أبي حنيفة، ولكن الأحاديث ترد عليهم، وفي فتح الباري وعمدة القاري سئل أحمد عن الركعتين قبل المغرب فقال ما صليت إلا مرة واحدة ثم في العمدة حين بلغني الحديث، أي (ما صليت إلا مرة واحدة) حين بلغني الحديث، وهو دأب أحمد، وفي الفتح: حتى بلغني الحديث فظاهره أنه صلاهما مرة، ثم إذا بلغه الحديث استمر عمله من الإتيان بهما، ولكن الصحيح ما في العمدة بقرينة ما في مسند أحمد. (اطلاع) ذكر الشيخ عبد الحق الدهلوي في الحاشية لحديث بريدة الأسلمي: «أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر عمر لم يصلوهما» الخ، وهذا غلط فإن المروي عن بريدة استثناء «إلا المغرب» في مسند البزار، وأما ما رواه الشيخ فهو مروي عن إبراهيم النخعي مرسلاً في كتاب الآثار.

باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس

باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس

[186] ومذهبنا أن طلوع الشمس في خلال الصلاة مفسد للصلاة، ثم قال الشيخان: تحولت الصلاة

إلى النافلة، وقال محمد: تبطل من الأصل ولا تبقى النافلة أيضاً، ورواية شاذة عن أبي يوسف في الفتح أنها لا تبطل وتبقى فريضة، ثم إذا طلعت فالسبيل عنده إذن أن يمكث المصلي على حاله ويؤدي الباقية بعد خروج وقت الكراهة، وأما إذا غربت الشمس فلا تفسد الصلاة، فحديث الباب يخالفنا إلا على الرواية الشاذة عن يعقوب، وقال الأئمة الثلاثة من الحجازيين: إن مصداق حديث الباب المعذور من النائم وغيره، والنهي عن الصلاة في هذا الأوقات لغير المعذور، والحال أنه لا إيماء في متن الحديث إلى المعذور، وقال الشافعية: من تعمد وأخر العصر صحت صلاته ويكون مرتكب الكبيرة، وألحقوا به اجتهاداً من صار أهل الوجوب من البالغ، والمُسلّم بأنه إذا صلى وغربت الشمس في خلالها لم تفسد صلاته بدون إثم. وأما الأحناف فما أجاب أحد بما يشفي ما في الصدور، وقال الطحاوي ص (232) : إنه محمول على من صار أهل الوجوب بأنه تجب الصلاة عليه ثم يقضيها، ثم رد الطحاوي بأن رواية الصحيحين «فليضف إليها ركعة أخرى» يخالفه، ثم اختار الطحاوي بطلان الصلاة عند الطلوع والغروب، وجعل حديث الباب منسوخاً بكلا الجزئين، ونقله الحافظ ثم رده، من جانبه بما رد به الطحاوي والعجب من الحافظ أنه نقل جواب الطحاوي ولم ينقل رده وأخذ أرباب التصنيف مسألة الأصول كما ذكر شارح الوقاية، وسنح لي الجواب، وأذكره بمحض الدعوى، ومادته كثيرة لا يسعه المقام الضيق، فأقول: إن الحديث في حق الجماعة لا في حق الأوقات، فيكون المعنى: من أدرك ركعة مع الإمام فليضف إليها ركعة أخرى ولتكن الركعتان قبل الطلوع والغروب، وزعم الحجازيون أن المفهوم كون الركعة الثانية بعد الطلوع، ولا يخالفني رواية: «فليضف إليها ركعة أخرى» ولي في هذا الجواب قرائن منها: أن الحديث مروي في أربعة مواضع بألفاظ متقاربة، واتفقوا في المواضع الثلاثة على أنها في حق المسبوق، فيقال في هذا الموضع أيضاً: إنه في حق المسبوق، ومن تلك المواضع ما في مسلم ص (221) عن أبي هريرة «من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة» ، وفي مسلم في بعض الطرق: «من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام» الخ، فيكون نصاً في أنه في حق المسبوق، وأيضاً جمع مسلم حديث الباب، وحديث: «من أُدرك ركعة من الصلاة مع الإمام» في باب واحد، فيدل على أن مصداق الحديثين واحدٌ ومن تلك المواضع ما في أبي داود ص (129) : «من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة» أي من أدرك الركوع، وغمض البخاري في سند حديث أبي داود في جزء القراءة، وقد

أخرجه ابن خزيمة فعلم صحته عند ابن خزيمة، ومن تلك المواضع ما في النسائي: «من أدرك ركعة من الجمعة» إلخ، فأقول: أن حديث الباب أيضاً في حق المسبوق، ولا أقول بأن الحديث واحد واختلاف الألفاظ من الرواة، بل أقول: إنه عليه الصلاة والسلام ذكر المسألة مراراً، وإن قيل طالباً للنكات: ما وجه تخصيص الصلاتين بالذكر؟ فيقال: لعل هذا حين وجوب الصلاتين، ولعل رواية أبي هريرة تكون بالواسطة، وإما أن يقال: إن آخر الوقت إجماعاً ليس إلا لهاتين الصلاتين، وإما أن يقال: إن آخر الوقت المعلوم حساً للكل ليس إلا لهاتين الصلاتين، وبهذا ينقح وجه ذكر: قبل أن تطلع الشمس وقبل أن تغرب، وأيضاً يقال: إنه مثل حديث فضالة في سنن أبي داود ص (61) قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حافظ على البردين أو العصرين» وحمله أهل التدريس على زيادة الاهتمام وغيره، وقال السيوطي: إنه من خصوصيته وليس عليه إلا صلاة العصرين، وينافى ما ذكرت من المراد ما في فتح الباري من السنن الكبرى: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس، وركعة بعد أن تطلع الشمس فقد تمت صلاته» فأقول: إن هذا الباب من السنن الكبرى موجود عندي، وما وجدت فيه ما حكى الحافظ، وذكر الشوكاني هذا الحديث من الفتح ولم يذكر السنن الكبرى، وقال في بعض الروايات: ولكن الإنصاف أن الرواية ثابتة، وأقول: قد سها الحافظ في فهم مراد الحديث، والحال أن الحديث في مسألة سنتي الفجر كما روى الترمذي ص (52) «من لم يصل ركعتي الفجر فليصليها بعدما تطلع الشمس» وهذا الحديث ثابت عندي من أزيد من عشرين طريقاً، خمس في مسند أحمد، وخمس في سنن الدارقطني، وثلاث في سنن البيهقي، واثنان في صحيح سنن ابن حبان، واثنان في المستدرك، وواحد في طبقات الذهبي، وواحد عند النسائي في الكبرى، وعند الطحاوي، ومدار الكل قتادة، ثم عبر بعض الرواة وهم خمس: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس وركعة بعدها» ، والمراد من الركعة الصلاة والصلاة قبل الطلوع، هي المكتوبة، والصلاة بعد الطلوع السنن ويعبر بعض الرواة بالمراد الواضح فكان ما في السنن الكبرى متعلقاً بالسنن بمراد ما ذكرت، وزعم الحافظ متعلقة بحديث الباب، ولقد بلغ الحافظ المراد الصحيح في التهذيب تحت ترجمة عزرة بن تميم، وقال: إنه متفرد بهذا المتن، وأحاله على النسائي الكبرى، ولم ينبه على هذا في الفتح، وأجزاء كل ما قلت على كلام الحافظ موجودة بالدلائل والقرائن، ومر العيني على حديث الباب، وأخرج بعض الطرق مشتملاً على وجدان ركعة بعد الطلوع والغروب، وأقول: إن هذا فتوى أبي هريرة وليس بمرفوع، ولم يميز الحافظ العيني بين الموقوف والمرفوع، والدليل على أنه فتوى أبي هريرة عبارة البيهقي في السنن الكبرى، وأقول أيضاً: إن ابن عباس راوي حديث الباب في مسلم وفتواه ببطلان

الصلاة لو طلعت الشمس بسند صحيح في مسند أبي داود الطيالسي، وأخرجه في النسائي ص (98) أيضاً إلا أن القطعة المفيدة لنا ليست بمذكورة فيه. تتمة والجواب الذي ذكره الطحاوي ثم رده، مذكور في مدونة مالك عن ابن قاسم تلميذ مالك، ويمكن نفاذ ذلك الجواب في الجملة، فإن فخر الإسلام والسرخسي مختلفان فيمن طهرت أو أسلم أو بلغ، هل يجب عليه الأداء في الحال أو بعد طلوع الشمس؟ ويرد على ما قال الحجازيون فعله في غزوة الخندق كما في الصحيحين، وسيما على ما عند مسلم وفعله عليه الصلاة والسلام في ليلة التعريس، فبعد الفراغ من حديث الباب تحول مسألة جواز عصر يومه عند الغروب إما إلى الاجتهاد أو إلى الحديث السابق في الترمذي من صلاة المنافق، ولم يبق بحديث الباب التعلق بمسألة العصر والفجر المنازعتين فيهما.

باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في الحضر

باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في الحضر

[187] إجمال مذهب مالك والشافعي وأحمد جواز جمع الصلاتين وقتاً باختلاف الروايات في السفر، والمطر، والمرض، ثم الجمع جمع تقديم وجمع تأخير، وأنكر البخاري جمع التقديم، وعن أبي داود: لم يصح حديث في جمع التقديم، ثم لجمع التقديم شروط؛ منها أن ينوي الجمع قبل تسليم الصلاة الأولى منها وأن لا يفصل بينهما، ولا يتطوع بينهما، ومنها الترتيب، ويشترط في جمع التأخير نية الجمع قبل فوت وقت يسع فيه الصلاة الأولى، وقال أبو حنيفة وأصحابه: بالجمع فعلاً والجمع فعلاً من تعبيري، وكذلك في البرهان، فإن تعبير الجمع الحقيقي والصوري يوهم الناظر القاصر، وأما تفصيل المسألة فسيأتي عن قريب وأما حديث الباب فقال النووي: إنه جمع في متن المدينة لعله لمرض، وأقول: إنه يخالف صراحة حديث الباب من غير خوف ولا مطر، وكيف مرض كل القوم؟ ثم قال النووي: ذهب بعض القدماء إلى الجمع الوقتي بدون سفر ومطر ومرض أحياناً بشرط أن لا يعتادوا، وأقول: إن في واقعة الباب جمع فعل بإقرار الحافظ في الفتح، وكذلك قال أبو الشعساء

وتلميذه كما في صحيح مسلم ص (246) ، وفي النسائي قول ابن عباس بأنه جمع فعلاً. قوله: (وقد روي عن ابن عباس. . الخ) لعله أشار إلى ما في مسلم ص (246) عن ابن عباس ما يدل على أنها واقعة السفر، ويدل حديث الباب على أنها واقعة المدينة، ولم يتوجه أحد من المحدثين إلى أنه اختلاط الراوي أو غيره، والحال أن ألفاظ الحديثين متحدة متقاربة. قوله: (من جمع بين الصلاتين بدون عذر. . الخ) لا يصح هذا حجة على الحجازيين، وهذا أصح موقوفاً على ابن الخطاب. قوله: (حنش. . الخ) حنش اثنان حنش بن ربيعة تلميذ علي وهو ثقة، وأما حنش هاهنا فهو حنش بن قيس، وهو ضعيف، وصحح الحاكم حديثه، لكن تصحيح الحاكم وتضعيف ابن الجوزي لا يعتد به بدون موافقة أحد من المحدثين، وحسَّن ابن كثير في تفسيره رواية حنش بن قيس إلا أنه أيضاً متساهل في حق الرواة. قوله: (وبه يقول أحمد الخ) نسب إلى أحمد بن حنبل رحمه الله ما ذكر النووي عن بعض الشوافع ولعل المصنف رحمه الله لم يعتمد على هذه فإنه قال في العلل الصغرى: ما أتيت في الترمذي برواية إلا عمل به بعض العلماء إلا حديث ابن عباس «أنه جمع بين الظهر والعصر بالمدينة الخ وحديث إذا شرب الخمر فاجلدوه وإن عاد في الرابعة فاقتلوه» وأقول: إن الحديثين معمول بهما عندنا، ونقول: إنه جمع فعلى.

قوله: (للمريض الخ) ما كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مريضاً لنص حديث «بلا خوف ولا مطر» ولو سلم بتقدير المحال، فهل كان المقتدون كلهم مريضين أيضاً؟ ولا يقبل العاقل هذا الاحتمال الأعرج المريض.

باب ما جاء في بدء الأذان

باب ما جاء في بدء الأذان

[189] بدأ الأذان في المدينة، وفي بعض الروايات الساقطة أن جبرائيل علمه عليه الصلاة والسلام الأذان في ليلة الإسراء، والأذان عندنا سنة، ونسب وجوبه إلى محمد رحمه الله، وأقول: لعله مأخوذ مما قال محمد: أن يقاتل الإمام بقوم اجتمعوا على ترك الأذان، ولا يخرج الوجوب من هذا، فإنه روي عنه مثل هذا في أهل قرية اجتمعوا على ترك الختنة، وعندي مدار القتال أنه ترك شعار الإسلام، ثم بين القتل والقتال بون بعيد، وضعف استدلال النووي بهذا البون على قتل تارك الصلاة بحديث: «أمرت أن أقاتل الناس» إلخ فإن المذكور في الحديث هو القتال لا القتل. قوله: (خرج عمر يجر إزاره) في بعض الروايات: «أنه خرج عمر بعد عشرين يوماً» وظاهر حديث الباب أنه خرج في الحال وللحافظين فيه كلام طويل.

قوله: (يا بلال قم وناد الخ) اختار ابن حجر أن هذا النداء غير الأذان المعروف وذكر احتمال أن يكون هو الأذان المعروف، ويقدر العبارة لكنه رجح الأول، ورجح العيني الاحتمال الثاني، ولهما كلام مطنب، والمختار عندي مختار الحافظ ابن حجر، وفي روايتين قويتين مرسلتين أن النداء: «الصلاة جامعة، الصلاة جامعة» كان في زمان.

باب ما جاء في الترجيع في الأذان

باب ما جاء في الترجيع في الأذان

[191] قال مالك والشافعي بالترجيع، وعن أحمد جواز الأمرين، ومختار الحنابلة على ما نقل ابن الجوزي في كتابه التحقيق، ومذهب الأحناف عدم الترجيع، وفي الصحاح أن أذان بلال خال عن الترجيع، وكذلك أذان الملك المنزل من السماء، وثبت الترجيع في أذان أبي محذورة، وأما الإقامة ففي إقامة أبي محذورة التثنية، وفي إقامة بلال الإفراد أو التثنية، وأما الروايات الساقطات ففيها اختلاف، وكلمات الأذان عند الشافعي تسعة عشر كلمة، وعند مالك سبعة عشر كلمة، فإنه لا يقول بترجيع الله أكبر، وكذلك روي عن أبي يوسف رحمه الله في الدر المختار وعند أبي حنيفة رحمه الله خمسة عشر كلمة، وأما كلمات الإقامة فعند أبي حنيفة سبعة عشر كلمة، وعند الشافعي إحدى عشر

كلمة، وعند مالك عشر كلماتٍ، فإنه قال بإفراد «قد قامت الصلاة» ثم المأثور سكون أواخر الكلمات، وعن المبرد: الله أكبر بفتح راء الله أكبر، ولكن الرواية لا يساعده، ثم على كل كلمة أذان وقف اصطلاحي إلا أن الله أكبر مرتين بمنزلة كلمة، وهذا الوقف ترسل، وفي الإقامة الوقف على كل كلمتين ويسمى هذا حدراً في الإقامة ثم أن ترسل في الإقامة، أو حدر في الأذان ففي أكثر كتبنا لا يعيده ولا يعيدها، وفي قاضي خان إعادتهما، وإن رجع الحنفي في الأذان ففي البحر: إنه مباح ليس بسنة ولا مكروه، وعليه الاعتماد، وقال صاحب النهر بالكراهة تنزيهاً، فلا بد من التأويل في كلام النهر، بحمله على أنه مفضول مثل التأويل في كراهية صوم عاشوراء منفرداً، في الدر المختار فإن كل ما ذكر محمول على أنه مفضول، واستمر الترجيع بمكة إلى عهد الشافعي رحمه الله، وكان السلف يشهدون موسم الحج كل سنة ولم ينكر أحد، فلا يقال بالكراهة، وأما إيتار الإقامة فلم يجيء تصريح جوازه في كتبنا، ولا بد من القول بجوازه، وفي مواهب الرحمن: أنه لعله كان، ففي الجملة لا بد من القول بثبوت الترجيع وعدمه، وكذلك في إفراد الإقامة وتثنيتها، ويتكلم في الرجحان ثم قال أرباب التدريس: أخذ أبو حنيفة بأذان بلال وإقامة أبي محذورة، ولكن المؤثر تعبيراً ما في الهداية بأن مأخوذ أبي حنيفة أذان الملك النازل من السماء وإقامته، وأما ما في أبي داود من إيتار وإقامة الملك النازل من السماء، فيقال: إن تلك الرواية اختصاراً وإحالة على كلمات الأذان فإن الكلمات مشتركة، فيمكن أنه قرأ فرادى، وقال: اجعلها كالأذان كما في مسلم إجابة عمر الأذان فإنها مروية إفراداً، ويقول الكل: بأنه اختصار، وأما حديث الباب من الترجيع فأجاب عنه الطحاوي: بأن أبا محذورة لم يرفع صوته بالشهادتين على ما يبغي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمره ثانياً: «ارفع بهما صوتك» وقال صاحب الهداية: إن التكرار بالشهادتين كان للتعليم، وقال ابن الجوزي في التحقيق: إن أهل مكة كانوا حديثي العهد بالإسلام فأمره عليه الصلاة والسلام بالترجيع ليرسخ الشهادة في قلوبهم، فالترجيع كان عارضياً والأشبه ما قال ابن الجوزي فإن الحق ثبوت الترجيع، ووجه الرجحان لنا في عدم الترجيع أن بلالاً استمر أمره بين يدي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدم الترجيع قبل تعليمه الأذان أبا محذورة وبعده وفي تحقيق ابن الجوزي تواتر عدم الترجيع، وأما الإقامة فتصدى الشافعية إلى نفي التثنية في إقامة بلال، ولكن النفي غير

ممكن، ومذهبنا ثابت بدون ريب كما في الآثار والزيلعي، ونقل ابن الهمام تواتر التثنية عن الطحاوي وابن الجوزي، ولم أجده عنهما، نعم ادعى ابن الجوزي تواتر عدم الترجيع.

باب ما جاء في إفراد الإقامة

باب ما جاء في إفراد الإقامة

[193] هذا الباب للحجازيين. قوله: (أمر بلال الخ) قال الأحناف: من الآمر؟ قال الحافظ في الفتح: إن الآمر هو النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأتى برواية على هذه الدعوى، وقد وجدت الرواية في علل أبي حاتم، وأنكرها أبو حاتم. قوله: (يشفع الأذان الخ) استدل الموالك بهذا على أن «الله أكبر» مرتين، ونقول: إن أربع مرات منزلة المرتين عندنا أيضاً، كما قال أبو يوسف لمالك بن أنس. قوله: (يوتر الإقامة) قال الأحناف: إنه إيتار في الصوت، ويخالفهم ما في الصحيحين (إلا الإقامة) وما توجهوا إليه، وأقول: إن الإقامة ليس باستثناء عن الإفراد والتشفيع، بل بيان الإقامة مثل الأذان إلا أن فيها زيادة «قد قامت الصلاة» . (اطلاع) في مصنف أبي شيبة الله أكبر ثلاثاً عن ابن عمر وكنت أزعمه سهو الكاتب، حتى وجدت مثله في موطأ محمد ص (86) عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.

باب ما جاء في أن الإقامة مثنى مثنى

باب ما جاء في أن الإقامة مثنى مثنى

[194] هذا الباب للعراقيين، وأجاب الحجازيون بأن لفظ الإقامة ليس بداخل تحت الشفعية، ورده تقي الدين بما في الحديث «أن الإقامة سبعة عشر كلمة» . قوله: (وعبد الرحمن بن أبي ليلى) قيل: لم يسمع عبد الرحمن عن عبد الله بن زيد، وأجاب الزيلعي عن هذا، وأيضاً صحح ابن دقيق العيد حديث الباب، وأقول: قد رأى عبد الرحمن مائة وعشرين صحابياً، وفي بيوع الدارقطني: أن عبد الله بن زيد عاش إلى عهد ذي النورين، وأن عبد الرحمن وجد عهد عمر.

باب ما جاء في إدخال الأصبع في الأذن عند الأذان

باب ما جاء في إدخال الأصبع في الأذن عند الأذان

[197] يدخل الأصبعين في الأذنين ليرتفع الصوت، وأذان الباب كان في منى وفي كتب الفقه: أنه إذا أذن في الميذنة يخرج فاه إلى الطرفين، ولا يحول صدره عن القبلة. قوله: (بطحاء) هذه هو محصب مكة وخيف بني كنانة. قوله: (حلة حمراء) الحلة الرداء والإزار من جنس واحد، وأما لبس الثوب الأحمر للرجال فصنف الشرنبلالي رسالة في هذا، وفيه تسعة أقوال، فقيل: إن الأحمر القاني يستحب لبسه، وقيل: إنه حرام، وأقول: إن المعصفر والمزعفر مكروه تحريماً، وأما الأحمر القاني فيكره تنزيهاً، وأما ما فيه خطوط حمراء فلبسه جائز، ويمكن لأحد ادعاء استحبابه، وأما الحلة الحمراء المذكورة في حديث الباب، فقال ابن القيم: إن فيها خطوطاً حمراء، والقرينة على هذا لفظ الجرة فإنها ذات جداول حمراء تجلب من اليمن، ولأن في سنن أبي داود: «أن عبد الله بن عمرو شهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابساً الثوب الأحمر القاني، فنهاه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأحرقه عبد الله» . وقد ذكروا تحويل الوجه يمنة ويسرة في الإقامة أيضاً.

باب ما جاء في التثويب في الفجر

باب ما جاء في التثويب في الفجر

[198] التثويب هو الإعلام بعد الإعلام من الثوب، وكان العرب يحركون الثوب معلقاً على خشبةٍ قائماً على موضع مرتفع حين خوف الغنيم، ثم التثويب اثنان: أحدهما زيادة «الصلاة خير من النوم» في آذان الفجر، وهو ثابت مرفوعاً، وقول «حي على الصلاة» بعد الأذان قبل الإقامة، وتعرض له محمد في الموطأ، وكذا في التخريج خلافاً لما في الدر، ورد المحتار، والثاني حدث في عهد التابعين، وعن أبي يوسف جوازه للإمام، كما ثبت نداء بلال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

باب ما جاء أن من أذن فهو يقيم

باب ما جاء أن من أذن فهو يقيم

[199] في كتبنا أن الأولى أن يقيم المؤذن، وجاز لغيره لو لم يشق على المؤذن، فوجه الأولوية: أن المؤذن أحرز ثواب الأذان الموعود، فينبغي له ثواب الإقامة أيضاً، وفي كتب الشافعية: أن الإقامة حق المؤذن فصار الأمر ضيقاً، وقد صح كثير من الأحاديث في فضل الأذان. قوله: (زياد بن الحارث) في معاني الآثار «عبد الله بن حارث» وقال الحافظ في الإصابة ما وجدت عبد الله في غير كتاب الطحاوي، ثم تتبعت نسخ معاني الآثار كيلا يكون من سهو الكاتب، فوجدت عنده النسخ على هذا النمط فسكت الحافظ، والظاهر أنه من سهو الناسخين، والواقع أنه زياد فإن المذكور في الأحاديث واقعته.

قوله: (مقارب الحديث) تكلم المحدثون في أن لفظ: «مقارب الحديث» لفظ توثيق أو تليين، وقد قلت: إنه لفظ توثيق كما صرح هاهنا بأنه يقوي أمره، وفي علل أبي حاتم كثيراً ما يوجد لفظ: فلان على يدي عدل في حق الرواة، وقال الحافظ: قال الشيخ العراقي: إنه بإضافة يدي إلى ياء المتكلم، وأنه لفظ التوثيق وكنت تمشيت على قول شيخي العراقي، حتى أن وجدت أنه بإضافة يدي إلى عدل، وعدل لقب بواب محبس تبع ويكون المعنى «فلان شخص جيل خانه كي قابل هي» فعرفت أنه لفظ التليين ومأخذ هذا محاورة أهل اليمن.

باب ما جاء في كراهية الأذان بغير الوضوء

باب ما جاء في كراهية الأذان بغير الوضوء

[200] المشهور في مذهبنا إعادة أذان المحدث بالحدث الأكبر، ويجوز أذان المحدث بالحدث الأصغر فيكره إقامته، وعن أبي حنيفة كراهية أذان غير متوضئ، كما في الهداية ص (74) وهذه الرواية تحفظ، لأن الحديث يساعدها، لما في التخريج عن وائل بن حجر بسند صحيح: «لا يؤذن إلا وهو طاهر قائم» وقال الحافظ: إنه معلول لأن عبد الجبار بن وائل ليس له سماع عن أبيه وسأذكر سماعه في باب الجهر بآمين.

باب ما جاء أن الإمام أحق بالإقامة

باب ما جاء أن الإمام أحق بالإقامة

[202] أي لا يقام إلا عند خروج الإمام والخروج يكون بالقيام إن كان في الصف وبدخوله المسجد لو كان خارجه، وأما الأذان فالأحق به المؤذن ويؤذن بلا انتظار إمام.

باب ما جاء في الأذان بالليل

باب ما جاء في الأذان بالليل

[203] قال الحجازيون: يجوز الأذان بالليل للفجر، ثم قال النووي: يجوز التقديم إلى نصف الليل وقال غيره: بتقديمه إلى سدس الليل الآخر، وصححه تقي الدين السبكي الشافعي في شرح المنهاج ثم اختلفوا في إعادته بعد طلوع الفجر، قال تقي الدين السبكي: بوجوب الإعادة، وادعى الموالك توارث الأذانين من السلف في المدينة، وفي كتبنا أن أبا يوسف رحمه الله وقع مناظرته مع مالك رحمه الله في هذه المسألة، فأفتى أبو يوسف رحمه الله بجواز الأذان قبل الفجر حين رجع من المدينة، وعند الطرفين لو أذن بالليل يعيده. قوله: (إن بلالاً يؤذن بليل إلخ) مفهوم حديث الباب أن أذان بلال كان في الليل، وأذان ابن أم

مكتوم بعد طلوع الفجر، ومفهوم حديث صحيح ابن خزيمة عكسه، وأجيب بما في فتح الباري بأن الأمرين في زمانين، فإنه كان بلال يؤذن بعد الفجر ثم لحق بصره شيء، فأخذ يقدم الأذان ويؤخره من الوقت وكان ابن أم مكتوم لا يؤذن إلا باطلاع الناس فانتقل أذان بلال إلى الليل وأذان ابن أم مكتوم إلى الفجر، وقيل: إن في صحيح ابن خزيمة قلباً، وفي معاني الآثار ص84 «فإن في بصره شيئاً» وفي بعض الروايات «أن في بصره سوءاً» ، وفي السنن الكبرى: قالت عائشة إن ما روى ابن عمر ضي الله عنه أن بلالاً كان يؤذن بليلٍ غير صحيح، مع أن رواية أذان بلال بليل عنها موجودة في البخاري، وفي عين الإصابة للسيوطي مثل ما في السنن الكبرى، فلا بد من ثبوت تلك الرواية عن عائشة، ووجه التوفيق أن أذان بلال كان قريب الفجر، كما في معاني الآثار ص85 أن فصل ما بين أذان بلال وأذان ابن أم مكتوم قدر ما يصعد ابن أم مكتوم وينزل بسند قوي، وفي سنده علي بن معبد بن نوح وهو ثقة وهو غير علي بن معبد بن شداد راوى الجامع الكبير، وشيخ البخاري، وأشكل على النووي هذا الفصل القصير، وقال: كان بلال يؤذن ثم يقعد على المنارة، ثم ينزل، فيصعد ابن أم مكتوم فيؤذن، وأجيب عن حديث الباب من جانب الأحناف بأن التكرار كان للتسحير كما في كتاب الحج، وهو المتبادر من ألفاظ الصحيحين «ليرجع قائمكم، وينتبه نائمكم» ولازمه أن يكون التكرار في رمضان، وصرح الحافظ عبد الملك بن قطان المغربي الفارسي الشافعي، والحافظ تقي الدين بن دقيق العيد: بأن التكرار كان في رمضان، وفي شرعة الإسلام استحباب الأذان للتسحير في رمضانِ والكتاب معتبر لأن المصنف هو شيخ صاحب الهداية، وأيضاً أقول: إن التكرار لم يكن مستمراً في السنة كلها وفي هذه الدعوى مادة كثيرة في معاني الآثار والزيلعي وروايات أُخر عندي، ولعله كان حين كان تحريم الطعام في رمضان بفعل اختياري، ويدل على هذا أي التحريم بفعل اختياري ما في معاني الآثار ص63 عن نافع عن ابن عمر عن حفصة بسند قوي من أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الركعتين بعد أذان الفجر، ثم يذهب يحرم الطعام، وكان لا يؤذن حتى يصبح، ولنا في ابتداء الصوم قولان: قيل: من ابتداء طلوع الفجر، وقيل: من حين انتظار الصبح وقال: الآخرون: إن حكم الأكل إلى ما بعد الصبح منسوخ، وحملوا فعل أبي بكر الصديق حين كان يأكل فأخبر بطلوع الفجر فقال: أغلق الباب، على النسخ، وفي فتح الباري روايات موقوفة ومرفوعة دالة على ختم السحر بالفعل الاختياري.

قوله: (أن مؤذناً لعمر) اسم هذا المؤذن مسروح، وغرض الترمذي تضعيف الحديث، وأخرج الحافظ الحديث الدال على أن الواقعة وقعت لبلال أيضاً بست طرق، كلها ضعاف، ثم قال الحافظ: إن تعدد الطرق دال على أن لها أصلاً. قوله: (بحديث بلال معنى الخ) هذا اعتراض الترمذي معنوي، والجواب أن قول: إن بلالاً يؤذن بليل» إلخ في الزمان الذي كان فيه تكرار الأذان، وأما قول إلا أن العبد قد نام» إلخ في الزمان الذي لم يكن فيه تكرار الأذان، وأما قول علي بن المديني، فنقول له ما قال الحافظ: من أن تعدد الطرق دال على أن لهذا أصلاً.

باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان

باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان

[204] يكره الخروج بعد الأذان تحريماً لمن كان داخل المسجد، وهذا الحكم مقتصر على من كان داخل المسجد، وكذلك حكم كراهة الجماعة الثانية، وهذا دال على أن الحكم قد يختلف مع اتحاد الغرض، ويصلح هذا نظراً على ابن تيمية، فإنه قال: إذا اتحد الغرض فلا يختلف الحكم باختلاف الألفاظ والصور، ويرد عليه ما سيأتي من أن الصحابة أتو بالتمر الجيد وأخذوها بدل التمر الرديء ضِعفاً فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بيعوا الرديء بالنقد، ثم اشتروا الجيد بتلك الدراهم» فاختلف الحكم مع اتحاد الغرض، وكذلك يجوز استقراض الدرهم ولا يجوز بيعها نسيئة، مع أن الغرض واحد، وفي البحر: يجوز الخروج بعد الأذان لمن أراد الرجوع بعد قضاء حاجته وأتى على هذا برواية معجم الطبراني، وفي كتبنا إذا أقيمت الصلاة فيكره الخروج تحريماً لمن قد صلى صلاته إلا الفجر والعصر والمغرب.

باب ما جاء في الأذان في السفر

باب ما جاء في الأذان في السفر

يكره تركهما للمسافر، ولو تركه لا بأس كما قال الأحناف.

[205] قوله: (فأذنا وأقيما. . إلخ) واعلم أن الجمع عند النحاة، وأرباب الأصول والمعاني، يشتمل على الحكم فرداً فرداً، وهو في حكم المتعاطفات وأنه عام، وأما اسم الجمع فالحكم فيه على المجموع، وقد يراد المجموع من حيث المجموع من الجمع أيضاً بقرينة المقام، وأما التثنية فعدوها من الخاص، وما ذكروا حكمه إلا أن في مفهوم تحرير الشيخ من قال لامرأتيه: إن دخلتما الدار فأنتما طالق، فدخلت إحداهما فقيل: يقع الطلاق، وقيل: لا، وكذلك في الطبقات الشافعية، فعلم أن العلماء مختلفون في التثنية، وعندي حكمها حكم الجمع أصلاً وقرينةً، ومراد حديث الباب أن أذان أحدكما كاف، وعليه أهل الإجماع، والعجب من النسائي بوب الترجمة على إقامة كل واحد بنفسه، مع أنه ليس مذهب أحد، فلا بد من التأويل في كلام النسائي، من أن غرضه أن أذان أحدهما بلا تعيين كاف. قوله: (وقال بعضهم تجزي الخ) هو الشافعي رحمه الله ولم يصرِّح باسمه فإن الترمذي قال بأن الأصح خلافه.

باب ما جاء في فضل الأذان

باب ما جاء في فضل الأذان

[206] قد صح كثير من الأحاديث الدالة على فضل الأذان، وقد أتى الترمذي بما هو ساقط، وقال بعض الحفاظ: إن الترمذي ربما يأتي بما لم يأت به المتقدمون، لعل غرضه الاطلاع على حديث لم يخرجه المتقدمون.

قوله: (لولا جابر الجعفي) هذا مختلف فيه كثيراً، في نسخة الترمذي للحماني هاهنا من أبي حنيفة ما وجدت أفضل في نفسي من عطاء بن أبي رباح، وما وجدت أكذب من جابر الجعفي، فإني ما أقول برأي إلا يأتي عليه بالحديث، وقال بعض الناس: إن قول وكيع هذا إنما هو لتضعيف جابر الجعفي، وهذا غلط فإن وكيعاً وسفيان الثوري وشعبة ممن يوثق الجعفي، وفي سنن الدارقطني عن أحمد: أن جابراً متهم في رأيه لا روايته، وقيل: إنه كذاب، وقال أبو محمد الجويني: إنه كفر وليس إلا أنه يخطئ، وقيل: كان يعرضه المرض من شدة الحرارة فكان يهذي فيه، وهكذا أقول في من قيل في حقه أنه كذاب، وظني أن أرباب الجرح يطلقون من أخطأ مرةً بالكاذب وعلى من أخطأ مراراً بالكذاب، وقد وقع هذا مضر للناظر، وأما وجه تضعيف جابر الجعفي، فقيل: إنه يقول عندي خمسون ألفا من الحديث ما ذكرته، وأقول: إنه لا يصلح للقول بالكذاب، فإن السلف كانوا حافظين لدفاتر من الأحاديث، كما قال المحدثون: إن أحمد بن حنبل حافظ ألف ألف حديث متناً وسنداً، وقيل: إنه قائل برجعة علي، وأقول: قد قال عمر حين توفي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من قال إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مات أضربه بالسيف، فخطب أبو بكر» . الخ كما في البخاري، وقيل: إنه ذو شعبذات فإنه كان يعطي الناس القثاء في غير الموسم، وهذا أيضاً لا يصلح حجة للجرح بل يمكن حمله على محمل.

باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن

باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن

[207] الحديث مشتمل على كثير من المسائل، قال الشافعية: ضمن من سمع راعي أي مراعاة عدد

الركعات، فيقولون: إن فساد صلاة الإمام لا يسري إلى فساد صلاة المقتدي، فإذا ظهر فساد صلاة الإمام لا يجب الإعادة على المقتدي فإنه تمت صلاته، حتى أنه قال بعضهم: أن المقتدي لو شاهد ترك الإمام الأركان تمت صلاة المقتدي كما في فتح الباري، ونقول: إن الضمانة التكفل فيسري فساد صلاة المقتدى، وقال بعض الأحناف: إن التكفل والنيابة إنما هو في القول، فإن الفعل يؤديه المقتدى بنفسه، ووجهوا الحديث إلى نفي القراءة خلف الإمام، وفي رواية: أن سهل بن سعد الساعدي كان لا يؤم بل يأتم، وكان يقول: إن الإمام ضامن، فزعم مراد الحديث ما قلنا، وظني أن هذه الرواية ثابتة، وتعرض المصنف رحمه الله إلى إسقاط حديث الباب، وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق: إن مسلماً أخرج بسند الباب أربعة عشر حديثاً.

باب ما جاء ما يقول إذا أذن المؤذن؟

باب ما جاء ما يقول إذا أذن المؤذن؟

[208] ثبت أذكار في خلال الأذان وبعده، فثبت إجابة الأذان في السكتات، وفي الصحيحين: «أن

يجيب الحيعلتين بالحيعلتين، وفي رواية: أن يجيبهما بالحوقلتين، والعمل على الرواية الثانية، فإنها مفسِّر، وقيل: منهم ابن الهمام بالجمع بينهما، وأقول: إن الغرض اختيار أحدهما، في بعض الروايات جواب الشهادتين بأنا أشهد، وفي فتح الباري الاكتفاء على: وأنا فقط، اعتماداً على ظاهر البخاري لكن «أنا أشهد» مصرح في النسائي، ومن الأذكار الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الفراغ، وقال ابن القيم في الزاد: إن المختار صلاة التشهد، ومن الأذكار دعوة الباب، وأما زيادة «والدرجة الرفيعة» فليس لها أصل، وزيادة إنك لا تخلف الميعاد» ثابتة في السنن الكبرى بسند قوي، وأما زيادة «وارزقنا شفاعته» فلا أصل لها، «والوسيلة» مرتبة في الجنة، وفي بيته شجرة وفروعها في بيت كل من أتباعه، وليسأل كل واحد من المسلمين ارتباطه بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فالغرض فائدة المكلف لا فائدة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما جواب الأذان فالأحناف وغيرهم على استحبابه، ونسب إلى الحلواني وجوبه، وإن قيل: إن الأذان سنة، فكيف يكون الجواب واجباً؟ نقول: مثل سلام التحية، إنه سنة وجوابه فرض، وقيل: إن الجواب عنده الإجابة بالقَدَم، وأما من فاته جواب الأذان فبعد الفراغ هل يجب أم لا؟ فتردد النووي وصاحب البحر، فقيل: لو أجاب بعده بلا فصل يجزي، وإلا فلا.

باب ما جاء في كراهة أن يأخذ المؤذن على أذانه أجرا

باب ما جاء في كراهة أن يأخذ المؤذن على أذانه أجرا

[209] نهى المتقدمون عن أخذ الأجرة على الأذان والإمامة والتعليم، وأجاز المتأخرون، وظاهر الهداية: أن القول بالجواز خروج عن المذهب، وأنه قيل به للضرورة، وقال: إن نشاء النهي أن

التعليم متفاوت بحسب أفهام المخاطبين فلا ينضبط، وفي قاضي خان: أن في الزمان القديم كانت الوظائف مقررة في بيت المال للعلماء والمؤذنين بخلاف هذا الزمان، فيجوز الأجرة فلا يلزم الخروج عن المذهب، والاعتماد على قاضي خان، فإن له مرتبة عالية كما صرح قاسم بن قطلوبغا، ولنا أثر سعد بن أبي وقاص حين أخذ القوس على قراءة القرآن. فأنكر عليه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتمسك الشافعية على الجواز بواقعة أبي سعيد أنه أخذ غنماً على تعويذ الفاتحة واستحسنه عليه الصلاة والسلام، ونقول: إن واقعة أبي سعيد في الرقية والرقية جائزة عليه الأجرة عندنا، وأما ختم القرآن والبخاري لأمور الدنيا فيجوز الأجرة عليه، لا الختم لأمور الدين من إيصال الثواب للميت وغيره فلا تجوز كما في رسالة ابن عابدين الشامي، إلا أن الثواب في الأذان والإقامة والتعليم حين أخذ الأجرة فيتلاشى كما صرح به قاضي خان.

باب ما جاء ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن من الدعاء

باب ما جاء ما يقول الرجل إذا أذّن المؤذن من الدعاء

[210] تردد النووي في محل هذا الدعاء أنه بدل الشهادتين، أو بعد الفراغ، وفي معاني الآثار تصريح بأنه بدل الشهادتين، وفيه (حين يسمع المؤذن يتشهد) . (باب منه أيضاً) قال صاحب الكشاف: إن مقاماً محموداً اكتسب العلمية، فيصلح نعتاً له «الذي» وقيل: إن الذي بدل منه.

باب ما جاء أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة

باب ما جاء أن الدعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة

[212] قال الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة: إن الدعاء بحضرة الباري عز اسمه كالعرض في حضرة السلطان العادل فإنه يحكم فيه بحفظ النظام. قوله: (زيد العمِّي) وجه التسمية بالعمِّي قيل: إنه إذا سئل عن المسألة كان يقول: لا أدري إلا بعد أن أسأل عمي، ولكن الصواب أن هذا بطن من القبائل.

باب ما جاء كم فرض الله على عباده من الصلوات؟

باب ما جاء كم فرض الله على عباده من الصلوات؟

[213] قال العلماء: كانت خمسين صلاة ثم نسخت وبقيت خمس صلوات، وعندي لا نسخ فيها، والاختلاف بحسب اختلاف المَعلَمَين، والآن أيضاً خمسون ثواباً وأجرة، وخمس فعلاً بضابطة أن

الحسنة بعشرة أمثالها، ثم رأيته في الروض الأنف في مسلم «أنه» أعطى ضابطة: (الحسنة بعشرة أمثالها) في ليلة الإسراء. والنسخ على ثلاثة أنواع: نسخ المتقدمين: وهو تقييد المطلق، وتخصيص العام، أو تأويل الظاهر، كما صرح به ابن تيمية، والسيوطي، وابن حزم الأندلسي، والنسخ في كلام الطحاوي: ظهور أمر خلاف ما كنا نعلمه وإن كانا باقيين حكماً، وكذلك مصرح في مواضع في الطحاوي، ولذلك قال: إن رفع اليدين منسوخ، ولذا قيل: إن الطحاوي يطلق النسخ كثيراً، وقال المتأخرون: إن النسخ ارتفاع حكم الأمر الفرعي بعد كونه مشروعاً، ثم اختلف، فقال. المعتزلة: لا بد للنسخ من العمل بالمنسوخ ولو مرة واحدة، وقال الأشاعرة: لا يجب العمل بل يكفي التبليغ إلى الأمة، ثم اتفقوا على أن وقوع النسخ ليس إلا بعد العمل بالمنسوخ، والنزاع في الإمكان لا في الوقوع فتكون المسألة من وظيفة أرباب الكلام، وتمسك المعتزلة بما في حديث الباب، وأما على ما نفيت من النسخ فلا ينهض احتجاجهم، ثم اختلف العلماء في التكليف بالناسخ، فقال الأحناف والحنابلة: من بعد تبليغ الناسخ إلى مكلف من المكلفين، وقيل: إن الشرط وصول الناسخ إلى النبي عليه الصلاة والسلام ولا يلزم تبليغه إلى مكلف، ويرد على هذا صلوات أهل مسجد قبا حين تحويل القبلة، فإنهم اطلعوا على تحويل القبلة في صلاة الفجر وما أمروا بالقضاء، فلا يصح على أحد من المذهبين، وظني أن النبي عليه الصلاة والسلام يحكم بما شاء في عهده، والعمل بالضابطة بعد عهده عليه الصلاة والسلام، ويدل على هذا كثير من النصوص، فإنه يقال: أن الجهل ليس بعذر، مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر عدي بن حاتم بقضاء الصيام المارة قبل بيانه عليه الصلاة والسلام مسألة الصوم له، ولم يصرح بأمر القضاء في طريق من طرق الحديث صحة وضعفاً، وأيضاً كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تصدى بنفسه لإرسال رسول إليهم بالخبر، فلزوم التكليف قبله عود على الموضوع بالنقض، ثم إن أورد علينا وجوب الوتر، فنقول: إن الصلوات خمسة والوتر واجب، وأيضاً الوتر تبع العشاء فإن وقته بعد العشاء إلى آخر وقت العشاء، وقيل: إن مراد الحديث خمس صلوات باعتبار خمسة أوقات، وقال البخاري: بوجوب الوتر كما سيأتي إن شاء الله تعالى في البخاري، وذكر محمد بن نصر المروزي في «قيام الليل» : أن رجلاً سأل أبا حنيفة رحمه الله كم فرض الصلوات؟ قال الإمام: خمسة، قال ما الوتر؟ قال: واجب ثم قال

ما الوتر؟ قال الإمام: واجب. فقال: كم صلوات مفروضة؟ قال الإمام: خمسة فذهب بسبيله ضاحكاً ويقول إنك لا تعلم الحساب، وأقول: إن إبا حنيفة أجابه مرتين، لكنه لم يدرك مراده لقلة العلم والفهم.

باب ما جاء في فضل الصلوات الخمس

باب ما جاء في فضل الصلوات الخمس

[214] ذكر كثير من فضائل الأعمال من الوضوء والصلاة والصوم وغيرها، ويرد أنه إذا كان الصوم مثلاً كفارة فيلغو الجمعة والوضوء وغيرهما، فيقال في الجواب: إن المذكور في هذا العالم مفردات، ثم يقابل في المحشر بين الأعمال والسيئات، مثل التذكرة وقرابا دين في الطب، وأي شيء يخلو عن العوارض والموانع، ومع هذا يحكم على الأشياء بأثارها وأحكامها، فإنهم يذكرون دواء وخواصه ثم إذا كف الدواء عن التأثير لعارض آخر لا يقول أحد بكذب صاحب الكتاب، فكذلك هاهنا للأعمال تأثيرات وعوارض وموانع. قوله: (جمعة إلى جمعة) أي من صلاة جمعة إلى صلاة جمعة، ويوم جمعة، إلى يوم جمعة فإن في بعض الطرق «وزيادة ثلاثة أيام» بضابطة الحسنة بعشرة أمثالها، وعلى التقدير الثاني تصير الأيام أحد عشر، وعلى الأول عشرة. قوله: (ما لم يغش الكبائر) في تفسير الكبيرة أقوال، وقيل: لا تقسيم إلى الصغيرة والكبيرة، نعم تفاوت بين المعاصي منهم ابن حزم الأندلسي، ثم تمسك المتأخرون بحديث الباب على تقييد الذنوب بالصغائر في جميع أحاديث الكفارة، والسلف يفوضون إلى الله، وأقول: لا يؤخذ القيد إلا فيما ذكر فيه، نعم ينظر إلى خصوص ألفاظ الأحاديث، فإن الذنوب والخطايا والمعاصي ليست بمترادفة، والحذاق على إنكار الترادف في اللغة، ثم قال الشاه ولي الله رحمه الله في شرح الموطأ: إن (ما لم يغش) غاية، وهو الظاهر، لأن «ما» وقتية، وقال النووي وإليه ذهب الجمهور: «إن (ما لم يغش) » إلخ استثناء فإن الغاية تسيق إلى الاعتزال، فإنهم يقولون: إن مرتكب الكبيرة خالد في جهنم وجوباً على الله، ومرتكب الصغائر فقط يجب عفوه على الله، ونقول: كل ذلك في مشيئته تعالى ويرد على المعتزلة القدر المشترك المتواتر الدال على خروج العصاة من جهنم، فأنكروا المتواتر بتواتر القدر المشترك، وأقول: إن قول الغاية في حديث الباب لا يسيق إلى الاعتزال، فإن الحديث تحت سياق

الوعد لا تحت المشيئة، وكذلك آية {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ} [النساء: 31] الخ تحت سياق الوعد، وليس في صدد بيان المشيئة، في الجامع الكبير: من قال لامرأته: لا تخرجي من الدار إلا أن أذن لك، أنها تحتاج إلى الإذن لكل خروج، بخلاف قوله: لا تخرجي حتى آذن لك، وأشكل وجه الفرق في المسألتين على الرازي في التفسير الكبير، والحال أن وجه الفرق ظاهر، فإن الاستثناء إخراج شيء من متعدد كالإخراج من البيت، والغاية انتهاء المسافة فينعدم الحكم بعد ذلك بنفسه.

باب ما جاء في فضل الجماعة

باب ما جاء في فضل الجماعة

[215] قوله: (بسبع وعشرين جزءاً) في رواية بخمس وعشرين درجة، والجمع بينهما قيل: بعدِّ خصال فضل الجماعة فتكون سبعة وعشرين في الجهرية، وخمسة وعشرين في السرية، وقيل بالاختلاف بحسب خلوص النية، قال سراج الدين بن ملقن الشافعي رحمه الله: إن أقل الجماعة ثلاثة رجال، وضابطه الأجر الحسنة بعشر أمثالها، فصار ثلاثين وأخرج، منه ثلاثة وهو أقل الثواب، وأصل الصواب مأخذ الفضل فيبقى سبعاً وعشرين، ولكنه لم يذكر وجه التوفيق فتضم إليه ضميمة أن كل صلاة لها ارتباطاً بالأربعة الباقية، لنص حديث: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا تخفر والله في ذمته فيحصل خمس وعشرون بضرب الخمس في الخمس ويؤخذ الارتباط من قول مالك وأبي حنيفة بوجوب الترتيب في قضاء الصلوات وليعلم أن قلة الجماعة وكثرتها مؤثرة في قلة الأجر وكثرته، ثم ليعلم أن «خمساً وعشرين» مراده صلاة، أي خمس وعشرين صلاة كما وجدته من الروايات.

باب فيمن سمع النداء فلا يجيب

باب فيمن سمع النداء فلا يجيب

[217] المراد من الإجابة هي الفعلية، الجماعة واجبة في القول الراجح لنا فتاركها فاسق وفي قول: سنة مؤكدة، وعند الشافعية المختار سنيتها، وفي قول لهم فرض كفاية، وعند الحنابلة: فرض عين، شرط للصحة، أو غير شرط وقالوا على الثاني: لو صلى منفرداً تصح صلاته، ويكون مرتكب الحرام، وعند الظاهرية شرط لصحة الصلاة، ثم للجماعة أعذار عند كل من المذاهب الخمسة، وأقول: هاهنا نظر معنوي وهو أن أبا حنيفة حكم على الجماعة بدون ضم الأعذار ولحاظها معها، وحكم الشافعي عليها بالسنية مع لحاظ الأعذار، وكذلك حكم بسنية الوتر مع لحاظ التهجد معه، وحكم أبو حنيفة على الوتر فقط بالوجوب، وفي الاستقساء عكس هذا المذكور، والاستقاء على ثلاثة أنحاء: الدعاء بلا صلاة، والدعاء بعد الصلاة، والدعاء في المصلى، كما في النووي شرح مسلم، فحكم الشافعي بسنية الجماعة بدون لحاظ القسمين الأولين، وحكم أبو حنيفة بالاستحباب مع لحاظ الأقسام الثلاثة، وهذا النظر من مدارك الاجتهاد. قوله: (على أقوام الخ) الحرق على القوم أعم من أن يكون القوم في البيوت أم لا؟ واستدل القائلون على عدم كراهة الجماعة الثانية بحديث الباب، فإنه لا بد من أن يصلي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجماعة بعد الرجوع عن الإحراق عليهم، وتمسك القائلون بالكراهة على الكراهة بحديث الباب؛ بأنه لو جازت الجماعة الثانية لأمكن لهم قول: إنا نجد الجماعة الثانية، ولكن الصواب أن حديث الباب لا يصح حجة لكلا الأمرين.

باب ما جاء في الرجل الذي يصلي وحده ثم يدرك الجماعة

باب ما جاء في الرجل الذي يصلي وحده ثم يدرك الجماعة

[219] قال الشافعي: من صلى منفرداً ثم وجد الجماعة يعيد الصلوات الخمسة، ثم تقع الأولى فرضاً والثانية نفلاً، وقيل بالعكس، وقيل: يفوض الأمر إلى الله تعالى، ولا يقول أحد بنية النافلة في المرة الثانية، وأما إعادة الخمسة عندهم فلأن هذه الصلاة من ذوات الأسباب عندهم، وقال مالك بن أنس لا يعيد المغرب والفجر، وقال أبو حنيفة: لا يعيد إلا الظهر والعشاء. قوله: (مسجد الخيف) أي بمنى لا خيف بني كنانة، وأما الجواب عن حديث الباب فمن وجوه الطحاوي أنه يطلب الأوقات التي تصح فيها النافلة، ثم أن يقال: إنه يلزم تخصيص السبب من الحكم على مذهبكم، فإن الحديث ورد في صلاة الفجر، والحال أنه غير جائز كما في كتب الأصول، فنقول أولاً: إنه قال تقي الدين السبكي: إن النص الذي فيه الحكم طرداً أو عكساً يجوز فيه تخصيص المورد من النص كما في قصة ابن وليدة زمعة، قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولد للفراش، للعاهر الحجر» هو إما

إثبات للملزوم أو نفي له على المذهبين، ونقول ثانياً: إن في حديث الباب انتقالاً إلى شيء آخر ورد ما زعموه وزعمهم مذكور في كتاب الآثار ص (22) كما فيما سبق من قصة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وابن عباس فإنه إذا استرخت مفاصله الخ فإن المورد النبي وليس ذلك حكمه فإن فيه انتقالاً إلى شيء آخر، وأيضاً في كتاب الآثار، وأمالي أبي يوسف كما في البدائع، والمبسوط: أن الحديث في صلاة الظهر. قوله: (وإذا صلى الرجل المغرب اه) في قول للشوافع: تصح النافلة وتراً، ولم يذهب أحد إلى هذا، ولا دليل لهم على هذا، كما صرح به أبو عمرو بن الصلاح في الطبقات الشافعية بأنه لا دليل للشافعية على هذا، وأقول في حديث الباب: إنه مضطرب، فإن في حديث الباب أنها واقعة الفجر، وفي بعض الروايات أنها واقعة الظهر، كما في كتاب الآثار لمحمد بن حسن ص (22) باب من صلى الفريضة، وأخرجه مرسلاً، وألفاظ حديث الباب، وحديث كتاب الآثار متقاربة، ومرسل كتاب الآثار وصله في مسند أبي حنيفة للحارثي بذكر جابر بن الأسود، وهو جابر بن يزيد الأسود، ولكن الحارثي متكلم فيه، وهو مع هذا حافظ كما صرح به ابن حجر، وهو شيخ الحافظ ابن منده الأصبهاني، وأقول: إن الحارثي حافظ بلا ريب، لكن تصانيفه غير منقودة، وقد استمر الحافظ ابن حجر في تهذيبه عن الحارثي في تعيين راوٍ مبهم، فالحاصل أنه عندي من رواة الحسان، ولنا ما في كتاب الآثار من أثر ابن عمر: «لا يعيد الفجر والمغرب» وأقول: يضم إليه العصر أيضاً، لما في سنن الدارقطني بسند قوي: أن ابن عمر دخل المسجد النبوي، ولم يدخل في جماعة العصر بل جلس على البلاط، فقيل له؟ فأجاب بما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تصلوا في يوم مرتين» وفي عقود الجواهر للزبيدي

أيضاً لفظ الظهر، وكذلك في البناية، وكذلك في البدائع عن أمالي أبي يوسف، وأقول أيضاً إن الحافظ أبا الحجاج المزي الشافعي قال في التهذيب: إن محجناً صاحب واقعة الفجر، وكذلك قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: إنها واقعة محجن بن أبي محجن الديلي واقعة الفجر، فهذه النقول تدل على أن صاحب الواقعة محجن بن أبي محجن الديلي، ويخالفه بعض الروايات فإن أبا داود ص (85) أخرج الروايتين رواية يزيد بن عامر وجعله صاحب الواقعة والرواية، وجعله قصة رجل واحد، ورواية يزيد بن الأسود، وفيها واقعة رجلين مع تقارب ألفاظهما، وفيه: «وهذه مكتوبة» أي الصلاة الأولى مكتوبة لا الثانية، وعندي نُقُولٌ كثيرة دالة على أن يزيد بن الأسود، ويزيد بن عامر واحد، منها أن الذهبي ذكر في التجريد يزيد بن الأسود، وذكر فيه قصة حنين، ثم ذكر يزيد بن عامر، وذكر تحته تلك القصة بعينها فدل كلامه على الوحدة وإن لم يصرح بالوحدة، وأيضاً ذكر ابن سعد أبا حاجز كنيته ابن الأسود، وذكر الحافظ في التهذيب أبا حاجز كنيته بن عامر، فعلمت الوحدة ثم ما في أبي داود مروي بسند نوح بن صعصعة، وتكلم فيه النووي في الخلاصة وضعفه، أقول: قد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات، فلا بد من كونه من رواة الحسان، ورواية أبي داود أخرجها الدارقطني في السنن الكبرى سنداً ومتناً، وأيضاً عندي مروية بطرق أخر، فإذا ثبت وحدة يزيد بن عامر، ويزيد بن الأسود، فأقول: إن صاحب الواقعة هو محجن، ومعه رجل آخر لا يزيد بن عامر، ولي على هذه الدعوى قرائن منها أن في حديث الباب تصريح بأنه كان يصلي خلفه، وقد ثبت اتحادهما، وفي معاني الآثار ص (216) شك الراوي بين الفجر والظهر، وفي مسند أحمد بسند جيد جزم بواقعة الظهر، وأذكر بعض أوهام الكبار، منها: وذكر مجد الدين ابن تيمية جد الحافظ ابن تيمية في المنتقى محجن بن أدرع، وهذا غلط قطعاً، فإن ابن أدرع صحابي آخر، وكذلك ذكر السيوطي في الجامع الكبير محجن بن أدرع وهو أيضاً غلط، وقال الحافظ في الإصابة: إن البخاري روى في الأدب المفرد عن محجن بن أبي محجن، وإني تتبعت الأدب المفرد فما وجدت فيه، نعم أخرج رواية ابن أدرع، هذا ما حصل لي الآن، في هذا الحديث كلاماً فالحديث صار مضطرباً. ثم أقول: إن حكم الإعادة ليس إلا في ثلاثة أحاديث: أحدها: حديث أئمة الجور السابق، وغرض الشارع فيه محافظة وقت الصلاة لا حكم الإعادة فلا يكون في الخمسة، كما ثبت من سنن أبي داود. وثانيها: في حديث الباب، والغرض منه تحصيل الجماعة لنفسه لا حكم الإعادة. وثالثها: حديث الباب اللاحق «أيكم يتجر على هذا» إلخ، والغرض منه تحصيل الجماعة للغير، فتقصر المواضع الثلاثة على مواردها وليعمل بالتشريع العام الكلي: «لا تصلوا صلاة في يوم مرتين» أخرجه الطحاوي، والنسائي، وأبو داود وابن السكن وغيرهم، وتمسك الشافعية بحديث معاذ، وأجابوا عن التشريع العام بأنه فيما ينوي الصلاتين فرضاً، أقول: إنه لا إيماء إليه في الحديث، وأيضاً

في قصة معاذ إعادة الصلاة المؤداة بالجماعة مرة بجماعة أخرى، ولا يقول أحد بهذا إلا الشوافع، ونقول: إن حديث «لا تصلوا صلاة اه» ينسخ حديث معاذ، وقال الحافظ: إن قصة الباب قصة حجة الوداع، وناسخة لحديث: «لا تصلوا صلاة» إلخ، أقول: إن مورد الباب وجدان الجماعة بعد ما صلى منفرداً، وتعذر الجواب على الشافعية عن حديث: «لا تصلوا صلاة» ، وأشكل عليهم.

باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلي فيه مرة

باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلي فيه مرة

[164] من فاتته الجماعة في المسجد فيصلي ثمة منفرداً، أو يأتي بيته ويجمع، وإما يذهب إلى مسجد آخر، ويستحب هذا، ثم الجماعة الثانية بتكرار الأذان والإقامة تكره تحريماً، وأما بدون التكرار فعند أبي حنيفة تكره وهو ظاهر الرواية، كما في رد المختار، وفي رواية شاذة عن أبي يوسف: لابأس بتبديل الهيأة بتبديل المصلى، وعن أبي حنيفة: لا بأس إذا كان الرجال نحو ثلاثة وحمل مولانا رشيد أحمد رحمه الله ما روي عن أبي يوسف من: «لا بأس» على الكراهة تنزيهاً، ويكون لفظ: «لا بأس» دالاً على أنه خلاف الأولى، وقلما يدل على الاستحباب، وقريب من مذهب أبي حنيفة مذهب مالك كما في المدونة ومذهب الشافعي رحمه الله موافقنا على ما ذكر الترمذي مذهبه، وفي رد المحتار أن علماء المذاهب الأربعة أجمعوا على كراهة الجماعة الثانية، ولو بدون تكرار الأذان والإقامة في مكة سنة 551 خمسمائة وإحدى وخمسين، وليعلم أن حكم الكراهة منحصر على داخل المسجد لا خارجه ولو بذراع، وقد صنف مولانا الگنگوهي رحمه الله رسالة في مسألة الباب، وأتى فيه بحديث: «أنه عليه الصلاة والسلام دخل المسجد، وقد صلي فيه، فذهب إلى بيته وجمع أهله، وصلى بالجماعة» ولو كانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهة، لما ترك فضل المسجد النبوي، أخرجه في معجم الطبراني الأوسط والكبير، وقال الحافظ نور الدين الهيثمي: إن رجال السند ثقات محسنة، أقول: إن في سنده معاوية بن يحيى من رجال التهذيب، متكلم فيه، وتمسك القائلون بالجواز بأثر أنس بن مالك «أنه دخل المسجد فأذَّن وأقام وصلى بالجماعة الثانية» أقول: إن في مصنف ابن أبي شيبة تصريحاً بأن أنساً توسط في الصف كما يتوسط إمامُ النسوان، وهو مكروه اتفاقاً، وفي سند آخر في مصنف ابن أبي شيبة: «أنه تقدم في الصف» فتعارض الروايتان، وأما واقعة الباب فليست بحجة علينا، فإن المختلف فيه إذا كان الإمام والمقتدي مفترضين، وفي حديث الباب كان المقتدي متنفلاً، ولنا حديث ابن عمر: «لا تصلوا صلاة في يوم مرتين» أخرجه الطحاوي، والنسائي وغيرهما. قوله: (جاء رجل) هو أبو بكر الصديق.

قوله: (يتجر على هذا الخ) في رواية أي رجل يتصدق على هذا، وفي حديث الباب تضمين التصدق أي يتجر متصدقاً على هذا.

باب ما جاء فضل العشاء والفجر في جماعة

باب ما جاء فضل العشاء والفجر في جماعة

[221] إن قيل: إن الثواب يزداد بازدياد المشقة، والمشقة في قيام الليل زائدة كما في نهاية ابن أثير حديث: «أفضل الأعمال أخمرها» أي أشقها، يقال: إن المأخوذ في الصلاة بالجماعة الثواب الأصلي والفضلي، وفي قيام الليل المأخوذ الثواب الأصلي، واعلم أن الثواب الأصلي ثواب العمل بقدره والفضلي هو الزائد بضابطة أن الحسنة بعشر أمثالها، والجواب المذكور ذكره القرطبي شارح مسلم، وسيأتي جواب آخر في فضل سورة الإخلاص على ما قال ابن تيمية، وأما القرينة على جواب القرطبي فهو أن صلاة الفجر والعشاء بالجماعة مأخوذة تحقيقاً، فيؤخذ الثواب الأصلي والفضلي، والمأخوذ في صلاة الليل مقدر فيؤخذ ثوابها الأصلي.

قوله: (فلا تخفروا الله. . الخ) فإن قيل: كيف يتحقق التخفير من العباد؟ ونقول: إن أفعال الباري وقدرته تُرى في دار الدنيا مستورة تحت الأسباب.

باب ما جاء في فضل الصف الأول

باب ما جاء في فضل الصف الأول

[224] اختلفوا في تفسير الصف الأول، قيل: هم الأولون دخولاً المسجد، وقيل: الصف الأول هم المتصلون بالإمام، والمختار هو الثاني، وإن كان للأولين دخولاً أيضاً ثواباً، لكن مصداق الصف الأول هم المتصلون بالإمام، ثم اختلفوا في أن الصف الأول هو الصف التام، أو الصف الذي يكون في المقصورة والمحراب الكبير، والمختار هو الأول أي البالغ من جدار إلى جدار.

قوله: (وشرها آخرها) قال الأحناف: إن خير الصفوف في صلاة الجنازة آخرها، والغرض التحريض على صلاة الجنازة كيلا يتخلفون على أنها فرض كفاية، وأما علة حديث الباب من شرها آخرها أن النساء كن يحضرن المساجد، وأما الأحناف فجوزوا حضور العجائز ثم منعهن أرباب الفتيا لفساد الزمان.

باب ما جاء في إقامة الصفوف

باب ما جاء في إقامة الصفوف

[227] تسوية الصفوف واجبة على الإمام كما في الدر المختار، وتركها مكروه تحريماً، وقال ابن حزم بفرضيتها، والاعتبار في التسوية الكعاب، وأما ما في البخاري من إلزاق الكعب بالكعب فزعمه بعض الناس أنه على الحقيقة، والحال أنه من مبالغة الراوي، والحق عدم التوقيت في هذا بل الأنسب ما يكون أقرب إلى الخشوع وفي النسائي: «أن رجلاً من السلف كان يصف بين قدميه» أي يلزق بين كعبيه، وفي السنن، وكذلك في الوفاء: قال أنس لرجل: أتعلم لم هذه الخشبة في الجدار؟ فإنه عليه الصلاة والسلام كان يضع عليها يده الشريفة ويسوى الصفوف، وكان رجل في عهد عمر وعثمان يمر في الصفوف، ويقول: سووا صفوفكم، وإن كان صف بعض معدل، وبعض غير معدل فظني أن رجال ذلك الصف والذين خلفه آثمون، فإنه كان عليهم الترصيص لا على الذين قدامهم، والله أعلم

وعلمه أتم، ومن رأى فرجة في الصف يجوز له الدخول فيها، ولو تحظى الرقاب كما هو مصرح في كتب الفقه. قوله: (ليخالفن الله بين وجوهكم) قيل: المراد البغض، وقيل المراد: المسخ صورة، ثم قيل: إن المسخ مرفوع عن هذه الأمة المرحومة، فأجيب بأن المرفوع هو المسخ العام، ويجوز مسخ البعض. قوله: (من تمام الصلاة اه) التمام يتعلق بالأجزاء، والكمال يتعلق بالصفات. (ف) تسويةُ الصفوف مؤثرةٌ في رفع الحقد والشَّحناء من بينِ الصُّدور.

باب ما جاء ليليني منكم أولو الأحلام والنهى

باب ما جاء ليليني منكم أولو الأحلام والنهى

[228] الأحلام جمع حِلم بالكسر، أو جمع حُلُم بالضم، وقرينة الأول قرينة النهى أي العقول. قوله: (فتختلف قلوبكم. . إلخ) هذا دال على أن المراد في الحديث السابق الحِقد. قوله: (هيشات الأسواق اه) قيل: إنه كلام مستأنف، ونهى عن الذهاب إلى الأسواق بلا

ضرورة، وقيل: إن الكلام يتعلق بالسابق، والنهي عن رفع الصوت في المسجد، وقال الملا علي القارى: إن الجهر بالذكر في المسجد حرام. هكذا في المرقاة، وكذا ثبت النهي في أثر، وأما الكروري صاحب البزازية فأجاز رفع الصوت بالذكر، وكذا في الخيرية إلا أنهما لم يذكرا قيد المسجد، وفي المنع عن الكلام في المسجد حديث في الطريقة المحمدية، وأثر عن عمر.

باب ما جاء في كراهية الصف بين السواري

باب ما جاء في كراهية الصف بين السواري

[229] حكم القائم بين عضادتي المسجد حكم القائم بين الساريتين، وفي معراج الدراية لقوام الدين الكاكي عن أبي حنيفة: يكره للإمام أن يقوم بين الساريتين، وهذا صادق على من يقوم بين العضادتين أيضاً، وأما المقتدي فلم أرَ له في كتبنا إلا ما ذكر ابن سيد الناس اليعمري كما في نيل الأوطار نسبة كراهته إلى الأحناف، وأما المفرد فلا كراهة له عند أحد فإنه عليه الصلاة والسلام «صلّى في بيت الله بين العمودين» كما في البخاري، وفي مجمع الزوائد لنور الدين الهيثميب عن ابن مسعود: «إذا كان رجلاً أو ثلاثة بين الساريتين يجوز القيام بينهما فإنه صار كالصف» .

باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده

باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده

[230] مذهب أبي حنيفة رحمه الله والشافعي رحمه الله ومالك رحمه الله كراهة القيام خلف الصف وحده، وقال أحمد: ببطلان الصلاة، وسبيل هذا الرجل عندنا أن يجر رجلاً من الصف بالإشارة، وأفتى أرباب الفتوى بعدم الإشارة للجر لقلة العلم وفساد الزمان، وأما دليل أصل المذهب من الجَرّ فما رواه أبو داود في مراسيله، وقال الحافظ في فتح الباري: إن البخاري موافق لأحمد في جزء القراءة. قوله: (أن يعيد الصلاة) الإعادة عند أحمد لبطلان الصلاة، وعندنا لأداء الصلاة بالكراهة تحريماً، ولا يقال: إن هذا إعادة الصلاة بل هذه الصلاة لتكميل الصلاة الأولى، حتى لا يجوز لأحد أن يقتدى بهذا الرجل، وأما إعادة الصلاة المقرونة بالكراهة التحريمية، فظاهر الهداية أن كل صلاة مؤداة على الكراهة تحريماً سبيلها الإعادة سواء كانت الكراهة داخلة أو خارجة، فإنه ذكر المسألة تحت الصلاة على التصاوير وهذه الكراهة خارجة، وتردد في هذا ابن عابدين بأن الجماعة واجبة، ومن صلى منفرداً لم أجد رواية أن يعيد في الجماعة، وأما إعادتها منفرداً فلا فائدة فيه، أقول: إن المنفرد لا يعيد بل يستغفر، ثم إعادة الصلاة المؤداة بالكراهة تحريماً قيل: واجبة، اختاره السرخسي، وصاحب الهداية، وابن الهمام، وقيل: إنها مستحبة، ثم اختلفوا في أن الوجوب والاستحباب داخل الوقت أو خارجه، فذهب ذاهب إلى هذا، وذاهب إلى ذاك، وقال صاحب البحر: تجب في داخل الوقت، ويستحب في خارجه، وقال ابن عابدين جمع صاحب البحر بين القولين، فإن القائلين بالوجوب قائلون به داخل الوقت وخارجه، وكذلك القائلون بالاستحباب.

قوله: (وروى) حديث حصين إلى قد أدرك وابصة هو أخذ زياد ابن أبي الجعد يد هلال وقيامه به على وابصة الشيخ، فاختلف أهل الحديث في هذا فقال بعضه حديث عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمر بن أرشد الآتي عن وابصة أصح، وقال بعضهم: حديث حصين عن هلال بن يساف عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة أصح وهو المذكور سابقاً، قال أبو عيسى: هذا المذكور سابقاً أصح من حديث عمرو بن مرة، لأنه أي عمرو بن مرة قد روى من غير حديث هلال بن يساف عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة متعلق بروى حدثنا محمد بن بشار إلى عن وابصة هذا حديث زياد بن أبي الجعد غير حديث هلال بن يساف عنه حدثنا محمد بن بشار إلى أن رجلاً هذا الحديث الذي صححه البعض الأول، وقال: إن حديث عمرو بن مرة إلخ، فحديث زياد بن أبي الجعد من طريقين عمرو بن مرة وطريق هلال بن يساف، وأما حديث عمرو بن راشد فمن طريق واحد وهو طريق عمرو بن مرة، فالحديث الذي بطريقين أصح من الذي بطريق واحد.

باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجل

باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجل

[232] مذهب الشيخين أن يكون قدما المقتدي حذاء قدمي الإمام، وقال محمد: يتأخر المقتدي بشيء وعلى هذا العمل، حديث الباب طويل أخرجه البخاري في صحيحه، وفيه: «أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وميمونة كانا نائمين على طول الوسادة وابن عباس على عرضها، وكان ابن عباس غير محتلم» . قوله: (ذات ليلة) في الرضي أن موصوف ذات مقدّر، أي مدة ذات إلخ، وفعله عليه الصلاة والسلام يدل على أن يدفع المكروه اللاحق في خلال الصلاة في خلالها، وفي كتبنا من سقطت عمامته يجوز له أن يضعها على رأسه بيد واحدة، وفي شرح ابن الملك أيضاً تصريح جواز دفع المكروه في الصلاة. تنبيه واعلم أن الفتوى قد يكون على الأقوى دليلاً، وقد يكون على الأرفق بالناس، وقد يكون على الموافق بعرف بلدة، وقد يكون على الأوفق بالحديث، وقد يكون على الموافق لإمام من الأئمة المجتهدين.

باب ما جاء فى الرجل يصلي مع الرجلين

باب ما جاء فى الرجل يصلي مع الرجلين

[233] المرأة الواحدة لا تدخل في صف الرجال، ويدل حديث الباب على أن يدخل الصبي الواحد في

صف الرجال وهو مذهبنا، وإذا كانا اثنين فصاعداً فيطلب الحكم من حديث: «ليليني أولو الأحلام والنهى منكم» السابق، مذهب الطرفين أن الرجلين يتأخران عن الإمام، ونسب إلى أبي يوسف مثل ما في هذا الباب عن ابن مسعود، كما في الدر المختار: إذا كانا رجلين يكره لهما القيام مع الإمام تنزيهاً، وإذا كانوا ثلاثة فيكره تحريماً. (ف) الحديث الساكت عن العذر لا يحمل على المعذور بدون ضيق. قوله: (وقد روي عن ابن مسعود) قال بعض السفهاء: كما لم يبلغ ابن مسعود مسألة تأخير المقتدين، ومسألة نسخ التطبيق في الركوع، كذلك لعله لم يبلغه مسألة رفع اليدين لأنه كان قصير القد، أقول: إن هذا القول من غاية الجهل، ولا يصدر إلا ممن تم عليه الجهل، فإن رفع اليدين يعمل في يوم وليلة مائة مرة بل أزيد، فهل يقول العاقل بما قاله السفهاء؟ وأما ما في حديث الباب فيقع قليلاً ولعله تأسى فيه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في واقعة له قد مضت له معه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يجعله سنة، وأما التطبيق فمروي عن علي أيضاً بسند حسن بإقرار الحافظ، فلعلهما حملا النسخ على الرخصة في تلخيص الحبير: «إذا قام الرجل بالصلاة في الصحراء يقوم معه ملكان يميناً وشمالاً، وإذا أذن أيضاً فيصفون خلفه» . قوله: (إسماعيل) هما اثنان عبدي وهو ثقة، ومكي وهو المذكور هاهنا وهو ساقط، وقد وثقه المصنف في موضع.

باب ما جاء في من أحق بالإمامة

باب ما جاء في من أحق بالإمامة

[235] الإمامة على قسمين صغرى وكبرى، والكبرى تولي أمور المسلمين أي الخلافة، واشترطوا لها أن يكون قرشياً، وعن أبي حنيفة كما في التحرير المختار، واختار إمام الحرمين عدم اشتراطه. والإمامة الصغرى كون الرجل ضامناً لصلاة من يقتدى خلفه، وكان الإمام الصغير والكبير واحداً في السلف ثم افترقا آخر الزمان، وحديث الباب لم يخرجه البخاري إلا أنه أخذ المسألة، ومذهب أبي حنيفة: أن الأعلم مقدم، ثم الأقرأ، وعن أبي يوسف رواية عكس هذا، وعند الشوافع قولان، والمشهور عندهم تقديم الأقرأ على الأعلم بالسنة، واحتج صاحب الهداية بحديث الباب الظاهر أنا مجيبون عنه لا مستدلون به، وليعلم أن «أقرأ» الحديث غير «أقرأ» العرف فلا يكون حديث الباب وغيره متعلقاً بما في الفقه، والأقرء في عرف الحديث هو الحافظ المقدار الزائد للقرآن، وفي العرف هو عالم

التجويد، وفي حديث قصة بير معونة وغزوة يمامة استعمل لفظ القراء على ما قلت من عرف الحديث، وأورد ابن الهمام على صاحب الهداية إيرادين أحدهما: أنه لو كان إقراء السلف أعلم أيضاً كما قلت، يلزم تقديم من كان حافظاً لزيادة مقدار القرآن، ويعلم علم الكتاب، ولا يعلم الفقه إلا القدر الضروري على من هو متبحر في الفقه، وعالم قدر القرآن الضروري، والحال أنه خلاف تصريحات الفقهاء، أقول: إن إيراد الشيخ مندفع بالنظر إلى أحوال الصحابة، والإيراد الثاني على صاحب الهداية: إن قوله خلاف نص الحديث فإن نص الحديث بالفرق بين الأعلم والأقرأ، ويلزم التساوي بينهما على ما قلت، أقول: إن إيراد الشيخ مندفع فإنه مناقشة لفظية، فإنه مع التساوي في القراءة يكون أحدهم أعلم بالسنة ولم يدَّعِ صاحب الهداية انحصار العلم في الأقرأ، فإن السلف كانوا يتعلمون القرآن ومسائل الحديث أيضاً واستدل ابن الهمام على المسألة من تلقائه، وكنت متردداً فيه حتى أن وجدت إليه إيماء البخاري، والاستدلال بأنه عليه الصلاة والسلام أخبر «أقرؤكم أبي بن كعب» ومع ذلك جعل الصدِّيق الأكبر إماماً لكونه أعلمهم، لما روي عن أبي سعيد الخدري أنه عليه الصلاة والسلام خطب يوماً وقال: «إن الله خير عبداً بين الدنيا والآخرة فاختار العبد الآخرة» فبكى أبو بكر الصديق فتعجبنا من بكائه، ثم علمنا أن ذلك العبد هو النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعلمنا أن أعلمنا أبو بكر الصديق، وأشار البخاري إلى هذا، ثم إن قيل: كيف اعتبر الفقهاء الحسن أيضاً مرجح التقديم للإمامة؟ نقول: إن الشريعة بوَّب على أن يُقدَّم ذو وقار والجميل أيضاً ذو وقار، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يرسل دحية الكلبي إلى الملوك لأنه كان جميلاً وذا وقار. قوله: (ولا يؤم الرجل في سلطانه) السلطان مصدر أو صيغة صفة، وهاهنا مصدر، قال الفقهاء: لو كان الزائر أحق بالإمامة فعلى إمام الحيِّ أن يقدمه، وأما الزائر فلا يتقدم بنفسه بدون الإذن، وشبيه هذا ما في الحديث: «لا تمنعو إماء الله من المساجد» وحث النساء على الصلوات في قعر البيت لا في المسجد، فإن مثل هذه الأمور يتقوم بالطرفين، فيأمر الشارع الطرفين بما يليق كل واحد منهما. مسألة. أقول: يجوز الاقتداء خلف المخالف من المذاهب الأربعة مطلقاً بدون كراهة وهو الظاهر، ونقل ابن الهمام عن شيخه الشيخ سراج الدين قارئ الهداية، أن عدم جواز الاقتداء خلف المخالف ليس بمروي عن المتقدمين، وكذا ذكره الشاه عبد العزيز في فتاواه، واعترض ابن الهمام بما في الجامع الصغير في مسألة تحري القبلة، أقول: إن مبنى ما في الجامع الصغير ليس على ما زعم الشيخ

ابن الهمام، فإنه خلاف المتابعة في داخل الصلاة، وأما الفتاوى ففي بعضها صحة الصلاة، وإن لم يتحرز الإمام عن الخلافيات، وفي بعضها صحة الصلاة بشرط أن يتجنب الخلافيات، وفي بعض كتب المذهبين عدم جواز الاقتداء بمشاهدة ما يرى المقتدى من نواقض الوضوء في الإمام، مثل أن يرى المقتدي الشافعي مس المرأة والذكر من الإمام الحنفي، وتصح الصلاة لو لم يشاهدها، ولا يكلف بالسؤال عن الإمام، أقول: قد اجتمع السلف عملاً على مسألة جواز الاقتداء بلا خلاف وتقييد فإنهم كانوا مختلفين في الفروع وكانوا يقتدون خلف كل منهم بلا نكير، وسؤال من أنك توافقني في الفروع أم لا؟ ثم قالت جماعة من أرباب الفتيا: إن العبرة في الخلافيات لرأي الإمام، وقيل: لرأي المقتدي، والمتحقق ما حررت آنفاً، وليس خروجاً عن المذهب بل هو المذهب. قوله: (إلا بإذنه) قيل: إنه يتعلق بجملتين، وقيل بواحدة. (واقعة) : في تاريخ ابن خلكان أن الدامغاني الحنفي مر بمسجد الأستاذ أبي إسحاق الشيرازي عند المغرب، فحان وقت الصلاة فدخل المسجد، فأشار الأستاذ إلى المؤذن أن لا يرجع في الأذان، فقدم الدامغاني على الصلاة فصلى بهم الدامغاني صلاة الشافعية.

باب ما جاء إذا أم أحدكم فليخفف

باب ما جاء إذا أم أحدكم فليخفف

[236] ظهور التخفيف إنما يكون في القراءة لا في الركوع والسجود، وتعديل الأركان كما هو معلوم من فعل صاحب الشريعة، وأما ختم القرآن مرة في رمضان فلا يترك وإن كسل القوم.

باب ماجاء في تحريم الصلاة وتحليلها

باب ماجاء في تحريم الصلاة وتحليلها

[238] حديث الباب ليس بقوي، فإن أبا سفيان متكلم فيه ولو كان صحيحاً لأفادنا في وجوب ضم السورة، وأما ما مر من حديث علي فكان قوياً، ولكنه خال عن هذه القطعة، وأما ما في الهداية: من أحدث بعد التشهد فقد أجزأت صلاته، فالمراد صلاته مشتملة على أداء الأركان فإنه مصرح في كتبنا أن يتوضأ ويسلم واجباً، ربما يطلق لفظ الصحة على ما يكون مشتملاً على الكراهة تحريماً، وفي كتب المذاهب الأربعة أن الساجد قبل الإمام مرتكب الحرام، وصحت صلاته وأجزأت.

باب ما جاء في نشر الأصابع عند التكبير

باب ما جاء في نشر الأصابع عند التكبير

[239] ذكر الطحاوي السنة أن يمد أصابع يديه، ويستقبل بها القبلة، ويوجه الكف إلى القبلة، ولا يضم كل الضم، ولا يفرج كل التفريج، ثم قال الشافعي: يرفع يديه إلى أذنيه، وفي رواية أن يرفع يديه إلى منكبيه، وكلامه في مصر جامع لهما، وهو المختار عند الأحناف، أي يكون الكف حذاء المنكب والأصابع حذاء الأذنين.

باب ما جاء في فضل التكبيرة الأولى

باب ما جاء في فضل التكبيرة الأولى

[241] عند أبي حنيفة واجد الركعة الأولى واجد فضل التحريمة، أي فضل التحريمة ممتد إلى الركوع، وقال علماء المذاهب الأربعة: من أدرك الركوع أدرك الركعة، خلاف الضُّبعي تلميذ ابن خزيمة، وتقي الدين السبكي، وقال الحافظ: ما نسب إلى ابن خزيمة ما وجدته في صحيحه، أقول: إنه كان منسوباً إلى تلميذه فاختلط على البعض، ونسبوه إلى ابن خزيمة أيضاً، وكان يقول الشوكاني أولاً مثل قول الضُّبعي، ثم رجع عنه في فتاواه. قوله: (من صلى أربعين يوماً) اشتهر بين العوام: من صلى أربعين يوماً بالجماعة يعتاد الصلاة، لعلهم أخذوا من هذا الحديث ولكنه ضعيف. قوله: (عن أنس موقوفاً) أقول: لا مدخل للعقل في ذكر البراءتين، فلا بد من كونه مرفوعاً حكماً.

باب ما يقول عند افتتاح الصلاة

باب ما يقول عند افتتاح الصلاة

[242] قال الثلاثة باستحباب الذكر قبل الفاتحة، وقال مالك بن أنس بعدم استحبابه، وثبت كثير من صيغ الثناء يجوز كلها في المذاهب، واختار الشافعية ما في الصحيحين، ومختار الأحناف والحنابلة كما صرح به أحمد: «سبحانك اللهم وبحمدك» إلخ موقوفاً على عمر أخرجه مسلم ص (172) ، ولنا مرفوع أيضاً أخرجه في كتاب الدعوات، وأخرجه الزيلعي أيضاً بسند صحيح في كتاب، وفيه سؤال أهل كوفةٍ عمر فعلمهم بالفعل وأجهر به ليتعلموا، وأما المرفوع الذي أخرجه الزيلعي من كتاب الدعوات للطبراني ففي التخريج سهو الكاتب، فإنه كتب زحموية بالزاي المعجمة بدل رحموية بالراء المهملة، وثبت الأذكار منه عليه الصلاة والسلام في ستة مواضع عقب تكبيرة التحريمة، والركوع والاعتدال منه، والسجود، وبين السجدتين، وقبل السلام، كذا في المواهب، وكان يدعو أيضاً في القنوت، وإذا مر بآية رحمة وآية عذاب. تنبيه ضروري: في الحلية للمحقق ابن أمير الحاج أن الأذكار الواردة في الأحاديث جائزة عندنا في النافلة والمكتوبة بشرط أن لا يثقل على الناس، وأما عامة مصنفينا أهملوها ويزعم الناظر عدم تعرض الأحناف إلى الأذكار، وأما ما ذكروا من الإتيان بالأذكار في النافلة فمداره على تثقيل القوم. قوله: (سبحانك اللهم وبحمدك. . إلخ) عندي اختصار من الجملتين؛ أي من سبحت سبحانك، وحمدت الله حمداً فلا تكون واو (وبحمدك) زائدة وقال العلماء: إن بحمدك حال وسبحانك مصدر سبح مجرداً، لا كما قال بعض المناطقة فإنهم عارون عن اللغة. قوله: (همزه الخ) همزه وسواسه، ونفخه كبره، ونفثه السحر أو الشعر، وليُعلم أن حسنَ الشعر وقبحَه بحسن ما فيه وقبحِه، ولكن أكثر الأشعار تكون قبيحة فذمته الشريعة، وثبت الأشعار عن

الشافعي، والشيخ عبد القادر القرشي نسب شعرين إلى أبي حنيفة، وكذلك إلى البخاري، وأما أحمد ومالك فلم أجد عنهما، وقد ثبت سماعه الأشعار مائة شعر من قصيدة أمية بن أبي الصلت. قوله: (وقد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد) أقول: يمكن تحسين حديث أبي سعيد فإن النسائي ص (143) أخرجه.

باب ما جاء في ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

باب ما جاء في ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

[244] التسمية من القرآن عند أبي حنيفة وليست جزء سورة، وفي رواية عنه أنها جزء الفاتحة، وعند الشوافع جزء الفاتحة قطعاً، وفي جزئيتها لسائر السور قولان، وعند مالك إنما هي نازلة للفصل بين السورتين، وقال الأحناف: يخفي ببسم الله، وقال الشوافع: يجهر به، ومالك وأحمد موافقان لنا، وصنف الدارقطني رسالة في هذا، وحكي لما بلغ الدارقطني مصر استحلفه مالكي هل أتيت في الرسالة بحديث صحيح؟ قال الدارقطني: لا، كذا نقله ابن تيمية، وزعم البعض أن مدار الجهر وتركه جزئية الفاتحة وعدمها، أقول: إنه خطأ، فإن بعض القائلين بالجزئية قائلون بالإسرار، وقد ثبت الآثار في

جهر بسم الله ولم يصح مرفوع، وتعرض بعض المتأخرين إلى إثبات المرفوعات، مثل السيوطي في الإتقان، ولكن كلها معلولة، وقال الزيلعي: وجه إكثار الرويات في الجهر إدخال الروافض في المسألة وهم الملاعنة وضاعون، أقول: وإن لم يصح مرفوع سنداً ولكنه لا بد من ثبوته من صاحب الشريعة، وإلا فكيف قال به الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، نعم استمراره عليه الصلاة والسلام على الإخفاء، ونقول كان الجهر للتعليم أي تعليم ثبوت التسمية في الصلاة لا لتعليم الجهر بالتسمية كذا في الهداية، وفي كتاب الآثار أن عمر جهر بالتسمية لتعليم أهل كوفة، فنقول: إن جهره عليه الصلاة والسلام كان للتعليم كما قال الشافعي رحمه الله في حديث التكبير على ختم الصلاة أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه للتعليم، ولم يقل أحد بسنية الجهر بالذكر بعد الصلاة إلا ابن حزم الأندلسي، وقد ثبت الجهر في مواضع للتعليم، مثل ما روى السيوطي أنه عليه الصلاة والسلام جهر بالقراءة في صلاة الظهر، وقال في آخرها: «إنما جهرت لتعلموا» ولكني لم أجد سنده، ولا يلزم سجدة السهو بجهر ما يخافت أو عكسه عند الشافعي رحمه الله، وله آثار في مصنف ابن أبي شيبة، ويلزم سجدة السهو عند أبي حنيفة وله أيضاً آثار، وكذلك ثبت جهر عمر بالثناء للتعليم كما في كتاب الآثار وقد ثبت جهر آية في الظهر والعصر للتعليم كما في مسلم، وأما تسبيح الركوع فلم تكن حاجة إلى الجهر فإنه لما نزل: «سبح اسم ربك العظيم» قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجعلوها في الركوع» وقد ثبت جهر الدعاء في القومة كما في سنن ابن ماجه ص (163) ، وما أتى الحافظ بدليل مذهبه مرفوعاً إلا ما في النسائي ص (144) عن أبي هريرة أنه فعل أشياء كثيرة وجهر ببسم الله أيضاً، وقال: إنا أشبه منكم بصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونقول ربما يعقل الصحابي أشياء كثيرة، ثم يقول: هكذا وجدت من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أن بعض الأشياء لا تكون مرفوعة بل من اجتهاده. قوله: (عن ابن عبد الله الخ) هاهنا راو مبهم استمد الحافظ في تعيينه بمسند الحارثي، وقال: إنه يزيد بن عبد الله بن مغفل، وأخرج النسائي ص (144) حديث ابن عبد الله وفيه أيضاً مبهم. (واقعة) : في الأشباه والنظائر في النحو، أن العلماء كانوا مجتمعين في حضرة السلطان برسباتي لختم البخاري، فأخذوا في مسألة الباب، وقالوا: إن المثبت المشتمل على زيادة الجزء مقدم على

النافي المشتمل على قلة الجزء ونقصانه، وكان السلطان يستفتي ابن الهمام لتورعه، فاستفتاه فكتب الشيخ رسالة في الجواب قبل ختمههم البخاري، وأرسلها بحضرة السلطان. مسألة: قراءة التسمية في ابتداء كل ركعة سنة عندنا، وفي رواية واجبة وقال ابن وهبان في نظمه: ~ ولو لم يبسمل ساهياً كل ركعة ... فيسجد إذ إيجابها قال الأكثر وعندي أن الأكثرين إلى السنية، ولعله أراد بالأكثر سائر الأئمة من الشافعي وأحمد ومالك، واختار الوجوب الشيخ السيد محمد الآلوسي في تفسيره روح المعاني، وفي رواية عن محمد استحباب التسمية بين السور والفاتحة، وقال الشيخان: بجوازها وإباحتها.

باب ما جاء في افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين

باب ما جاء في افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين

[246] ظاهر حديث الباب يؤيد الأحناف والحنابلة والموالك، وقال الإمام الشافعي رحمه الله: إن (الحمد لله رب العالمين) اسم سورة الفاتحة والتسمية جزء الفاتحة، فتدرج في الفاتحة، قال الزيلعي:

إن اسم السورة (الحمد الله رب العالمين) ، ولنا ما في مسلم: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي» ، وفي سنن أبي داود: «كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يفرق بين السور، فنزلت التسمية» فعلم عدم كونها من الفاتحة، فإنها نزلت مؤخرة عن بعض القرآن، وقال شمس الدين الجزري: أنزل القرآن على سبعة أحرف، والتسمية جزء باعتبار بعض الأحرف، فيكون قوله جامعاً بين جميع المذاهب، وقد يختلف الحكم باختلاف الأحرف كما في الدر المختار: أن في قوله تعالى تشديداً وتخفيفاً اختلافاً في محل السجدة، وبالاختلاف يختلف الحكم، ولعله كذلك الاختلاف في وحدة السجدة في سورة الحج وتثنيتها، والله أعلم. قوله: (وقال الشافعي الخ) أقول: كيف يقال بمثل هذا وقد وقع تصريح نفي الجهر ببسم الله في مسلم ص (172) والنسائي ص (144) في رواية الباب؟ (حكاية) : في بعض الكتب كالخيرات الحسان في مناقب أبي حنيفة النعمان رحمه الله: دخل الشافعي بغداد وصلى ركعتين عند قبر أبي حنيفة ولم يجهر بالتسمية، فقيل: ولم تركت؟ قال: أدباً لصاحب هذا القبر وقد صح هذا النقل، وقال الشافعية: لم يترك رفع اليدين، نقول: لعله كان عنده جهر التسمية غيرأكيد خلاف رفع اليدين.

باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب

باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب

[247] ههنا مسألتان: مسألة حكم الفاتحة فقال أبو حنيفة بوجوبها، وقال الثلاثة بركنيتها، وفي رواية للمالكية وجوب الفاتحة كما في العيني، ونقل الوزير ابن هبيرة الحنبلي رواية عدم ركنيتها في الأشراف، بمذاهب الأشراف، ورأيت مكتوباً عليه الإفصاح، ولكنه غلط الكاتب فإن الإفصاح عن معاني الصحاح كتاب آخر للوزير ابن هبيرة، ولابن منذر أيضاً إشراف.

والمسألة الثانية: قراءة الفاتحة خلف الإمام، والمذكورة هاهنا الأولى، وأما الثانية فمذهب أبي حنيفة وأحمد ومالك والجمهور نفي القراءة خلف الإمام في الجهرية، واختلفوا في السرية، قيل: سنة، وقيل: مستحبة، وقيل: مباحة، وقال الشافعي بوجوبها في السرية والجهرية، وكان قول الشافعي: القديم عدم وجوبها في الجهرية، وقوله الجديد وجوبها كما قال المزني في مختصره، بلغنا من بعض أصحابنا أن الشافعي قال كذا، وقال الشافعية: إن ذلك المبلغ هو ربيع بن سليمان تلميذ الشافعي، ولم يذكر الشافعي رحمه الله وجوبها في الجهرية في كتاب الأم، وأما المتقدمون مثل صاحب المذهب فيذكرون القولين، وأما المتأخرون فلا يذكرون إلا الجديد. قوله: (لا صلاة لمن لم يقرأ) حديث الباب أخرجه أرباب الصحيحين لا القصة المذكورة، أقول: إن حديث الباب ليس في حق الجماعة، بل في حق الجماعة حديث: «من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له» وحديث «إذا قرأ فانصتوا» إلخ، وقال بعض الأحناف: إن النفي في «لا صلاة» نفي الكمال وعندي أنه مدخول فيه فإن الفاتحة واجبة عندنا، ويلزم على هذا نفي الوجوب، فإن ظني الدلالة والثبوت لا يوجب الوجوب كما صرح به الأصوليون، والحق أن يبحث في ظنية الثبوت لا الدلالة ولم يتعرض صاحب الهداية ص (97) إلى الدلالة أصلاً، وأقول: إن تقدير لا صلاة كاملة أيضاً غير فصيح عندي، قال حذاق النحاة: إنه يكفي في التقدير رائحة المقدر لا أن يقدر في العبارة والنظم، وقالوا: إن متعلق الجار، وكذلك عامل الحال المستنبط من الإشارة أو التنبيه عامل معنوي، وزعمه القاصرون، ذكره في نظم العبارة، وإني لا أقول بالتقدير فيما يتلفظ في نوعه، فلا أقول بالتقدير في الظرف المستقر، نعم أقول بتقدير المبتدأ والخبر، وقال الرضي: من قال: زيد كائن في الدار خرج من لغة العرب، فلا أقول بتقدير الكمال، نعم قد أقول بنفي الكمال إلا أنه بنفي الكمال في المصداق

أي تنزيل الناقص منزلة المعدوم، واستعمال ما هو للمعدوم في الناقص لا في الدلالة والكلام كما قال صحابي: ما أجزء منا أحد من أجزء فلان في قتل قزمان المشركين في غزوة خيبر كما في الصحيحين. دقيقة: واعلم أن الباء الداخلة على «بفاتحة الكتاب» في حديث الباب ليست إلا للتعدية فإن القراءة ونحوها من المسح والوتر كان متعدياً بنفسه في اللغة، ثم إذا نقل إلى الشريعة صار لازماً، فعندي بالباء كما قال العلماء في {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] أنه إما لازم وإما متعدٍ، وكذلك أقول في باء {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6] ولم ينبه الأصوليون على هذه الضابطة، ونبه عليها الزمخشري في المفصل، وكذلك أشار إليها في الكشاف في آية: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَة} [مريم: 25] أي افعلي فعل الهز، وكذلك أشار سيبويه حين قال: إن المزيد يدخل على المجرد، مثل: قبرته وأقبرته، ومعنى أقبرته أدخلته في القبر، وكذلك أقول في أتتني صحيفة فلان فقرأت بها، خلافَ، ما قال ابن هشام في المغني، معناه قرأت تبركاً بها، وأقول: الباء عندي للتعدية، وقال الطيبي في شرح المشكاة بتضمين الابتداء في حديث الباب، أي لا صلاة لمن لم يبدأ بفاتحة الكتاب، وهذا يفيدنا في وجوب ضم السورة، وعن مالك رحمه الله أيضاً وجوب ضم السورة كما في الهداية ص (94) ، ولكني لم أرض بما قال الطيبي، وإن قيل: لقد تواتر العمل بقراءة الفاتحة فتكون فرضاً لثبوتها بالقطع، نقول: إن التواتر عملاً في الإتيان بها لا على كونها ركناً كما ثبت التواتر عملاً في بعض المستحبات.

باب ماجاء في التأمين

باب ماجاء في التأمين

[248] قال مالك: يؤمن المقتدي فقط سراً وهكذا مروي عن أبي حنيفة في موطأ محمد ص (105) ، والرواية الثانية عن أبي حنيفة وهو مختار صاحبيه أن يأتي به الإمام والمقتدى سراً، والقول الجديد للشافعي: أن يجهر الإمام ويسر القوم، وفي القديم جهرهما به، وبه قال أحمد بن حنبل، ولم أجد تصريح الجهر عن الموالك، بل صرح في المدونة بالإخفاء، وأما السلف الصالحون فإلى الطرفين،

والأكثر هو الإخفاء عند السلف، ذكره في الجوهر النقي ص (132 ج1) عن ابن جرير الطبري، فكان هو السنة، والجهر جائز غير سنة، قيل: المراد مد الألف لارفع الصوت، والحال أن رفع الصوت مصرح في الصحاح. قوله: (وفي الباب الخ) رواية علي أخرجها ابن ماجه، ورواية أبي هريرة أخرجها الدارقطني في سننه وحسنها، وأخرجها في علله وأعلها، وأخرجها في النسائي ص (144) ، وحديث الباب لم يخرجه أرباب الصحيحين للتأثر عن اختلاف شعبة وسفيان، ورجح المحدثون حديث سفيان، وقالوا: أخطأ شعبة في مواضع منها، أنه قال أبو العنبس، وإنما هو ابن العنبس، فقال الأحناف: قد قال سفيان أيضاً أبو العنبس في أبي داود ص (141) ، فلعل العنبس اسم الجد والحفيد، وأما ما قيل عن ذكر أبي السكن فلعله أبو السكن أبو العنبس، وأما ما قيل من ذكر علقمة ففي مسند أبي داود الطيالسي، قال شعبة: سمعت الحديث عن علقمة عن وائل، ثم سمعت من وائل بلا واسطة علقمة فلم يبق البحث إلا في رفع الصوت وخفضه، وقال ابن الهمام جامعاً بين الحديثين: إن الرفع كان في ذاته والخفض بالنسبة، وهذا عين مذهب الشافعي، وزعم البعض أن الشيخ يجعل الحديث للأحناف، والحال أن تلميذه المحقق بن أمير الحاج صرح بأنه جمع بما يوافق الشافعية، وفي مجمع الزوائد لنور الدين الهيثمي، وظاهر يؤيد الشافعية، وهو: «أن اليهود ما حسدوا مثل حسدهم على ثلاثة أشياء، رد السلام، وآمين، وإقامة الصفوف» وهذا الحديث في واقعة بيت عائشة من مسند معاذ، وهو عن عائشة أيضاً مع اضطراب، وفيه علي بن عاصم متكلم فيه، ونقول: إن في السنن الكبرى: «أن اليهود يسجدون على قول ربنا لك الحمد» والحال أنه لا يقول أحد بجهره، فما هو جوابكم هاهنا فهو جوابنا ثمة فما دل على الجهر، وأيضاً نقول: وقع في الخصائص الكبرى للسيوطي بطريق حارث بن أبي أسامة «أعطى أمتي آمين، ولم يعط من قبلهم إلا موسى عليه الصلاة والسلام حين دعا وأمَّن أخوه هارون» ، فلعل اليهود علموا من الجهر، في خارج الصلاة مثل تأمين هارون فلا يثبت الجهر به

في داخل الصلاة، وأيضاً نقول: إن جهره عليه الصلاة والسلام كان للتعليم لما في أبي داود ص (142) : (حتى يسمع من يليه من الصف الأول) بطريق بشر بن رافع، وهو متكلم فيه، وقد ثبت الجهر بالأدعية للتعليم لما روينا في ما سبق، كيف لا وقد صرح وائل بنفسه: (ما أراه إلا ليعلمنا) إلخ، أخرجه أبو بشر الدولابي في كتاب الأسماء والكنى بسند يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو مختلف فيه، وثقه الحاكم في المستدرك، ولكنه متساهل في حق الرواة في مستدركه، ووثقه ابن حبان فإنه ذكره في كتاب الثقات، ولكنه ذكره في كتاب الضعفاء أيضاً، فتحيرت من هذا وربما يذكر راوياً في الكتابين، فقيل: إنه يسهو عن ذكره في الكتاب الأول، وإني رأيت في كتاب الضعفاء تحت ترجمة إبراهيم بن طهمان أن هذا له دخل في الضعاف والثقات، فذكرته في الكتابين فذهب ما أبرئ قلبي، ما وقع عند ابن خزيمة، فإنه لما تكلم على مسألة وضع الركبتين بعد اليدين على الأرض نقل حديث تقديم الركبتين بسند جيد ثم ذكر ناسخه، وقال: إن الأول منسوخ، وقد وقع يحيى بن مسلمة بن كهيل في سند الناسخ، وضعف حديث سفيان بن قطان المغربي، ذكره الزيلعي في التخريج، ولكن الجمهور يصححون حديث سفيان ويضعفون حديث شعبة، وقد صححهما القاضي عياض، وقد نقل العيني تصحيح بعض أئمة الحديث، ولكنه لم يسمّهم، وقال ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار: إن الحديثين صحيحان، واختار الإخفاء، فإن جمهور السلف إلى الإخفاء وأما بعد تسليم المحدثين فكيف الجمع بينهما؟ ولعله يكون مثل ما قال الشيخ ابن الهمام، ويؤيدنا ما في أبي داود من مجيء وائل بحضرته مرتين فلعله جهر للتعليم، ويدل على التعليم ما في معجم الطبراني عن وائل أنه عليه الصلاة والسلام أمَّن ثلاث مرات، وقال الحافظ كما في شرح المواهب: تثليث آمين بتثليث الواقعة لا أنه أمَّن ثلاثاً في واقعة واحدة، كما زعمه بعض الناس الجاهلون، فدل على التعليم، وفي معجم الطبراني زيادة: (اللهم اغفر لي) قبل آمين والله أعلم، وفي سنن الدارقطني قال عبد الرحمن بن مهدي: أشد شيء في حديث سفيان أن رجلاً وجه سفيان إلى نفسه، وتكلم معه في أثناء الحديث فما أدركت ما قال سفيان كل الإدراك، ولنا أن مذهب سفيان إخفاء آمين مع أنه يروي جهره، ومر ابن تيمية وابن القيم على مسألة الباب فقالا: إن الاختلاف في اختيار المباح ورجحا الجهر في بعض المواضع، فعلم أن الخلاف ليس بشديد. قوله: (حديث سفيان) في هذا أصح ما أتوا بالمتابعات لسفيان: مع أنه موجود في النسائي

ص (147) وفي مسنده عبد الجبار بن وائل، لكنه لم يسمع من أبيه، نعم صحيح للمتابعة بلا ريب فإنه سمع عن أخيه علقمة فإنه يروي عن أخيه علقمة لرفع اليدين، ووضع اليدين عند الصدور واعتمدوا عليه. قوله: (العلاء بن صالح) هذا ضعيف، وذكر بعض الناقلين علي بن صالح وهو ثقة، ولكن الصحيح علاء بن صالح، ولنا ما روى ابن جرير الطبري عمل جمهور الصحابة، ولنا ما في معاني الآثار ص120 عمل علي وعمر، وفي سنده أبو سعيد بن مرزبان البقال، وهو متكلم فيه، وفي البعض أبو سعد بدل أبو سعيد وما في الطحاوي أخرجه ابن جرير الطبري وصححه وحسن الترمذي أبا سعيد في بعض المواضع، وأخذ عنه في دية الذمى ص (68) ، وقال في العلل الكبرى: قال البخاري: إنه متقارب الحديث فعلم توثيقه من البخاري، ويذكر جرح البخاري أيضاً، في كتب الجرح والتعديل، والأكثرون يجرحون والبعض يوثقونه، وقد ثبت الإخفاء عن ابن مسعود وبسند صحيح والظاهر عندي من جانب الأحناف تسليم صحة حديث سفيان، وتوفيق لفظ شعبة معه، والتمسك في المسألة بعمل جمهور الصحابة، وحمل حديث سفيان على التعليم.

باب ما جاء في فضل التأمين

باب ما جاء في فضل التأمين

[250] حديث الباب أخرجه مسلم والبخاري، وتمسك البخاري بحديث الباب على جهر آمين، ووجه التمسك أن الشريعة أحالت تأمين المقتدي على تأمين الإمام فلا يعلم تأمين الإمام إلا بجهره، ويكون التأمينان مشاكلتين، نقول: في الصفحة اللاحقة في البخاري: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد ولا يقول أحد بجهر: (ربنا ولك الحمد) ، فلا يجب التشاكل، ولا يستنبط جهر الإمام أيضاً فإن تأمينه يعلم بقوله: «ولا الضالين» كما في الحديث: (إذا قال الإمام «ولا الضالين» فقولوا: آمين) ، وأجاب الموالك عن حديث الباب بأن معنى: «إذا أمن الإمام» إلخ إذا بلغ آمين، كما يقال: أنْجَدَ أي بلغ النجد، وأشأم أي بلغ الشام، وأعرق أي بلغ العراق، وظني أن اختلاف

الروايتين عن أبي حنيفة في تأمين الإمام للاختلاف في لفظ الحديثين، ولنا حديث السكتتين فإن السكتة بعد «ولا الضالين» لقول: آمين، فعلم إخفاء تأمين الإمام، وأقر في حجة الله البالغة: بأن حديث السكتتين لعله على ما قيل من إخفاء آمين، وحمل الشافعية حديث: «إذا قال الإمام: «ولا الضالين» ، فقولوا: آمين» على حديث الباب، وحمل الموالك حديث الباب على ذلك الحديث، وظني أن الحديثين محمولان على ظاهرهما، فحديث: «إذا أمَّن الإمام» في ذكر نفس فضيلة التأمين لا في بيان صفة الجهر أو الإخفاء، وحديث: «وإذا قال: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) في بيان المسألة الفقهية، وتعليم الصفة، وكذلك روي عن أبي حنيفة من اختلاف الروايتين، وفي معجم الطبراني عن سمرة بن جندب: «إذا قال الإمام: «ولا الضالين» قولوا: آمين يجبكم الله» . قوله: (إذا أمن الإمام) قيل: إن الحديث عبارة في تأمين المأموم، وإشارة في تأمين الإمام، واختلفوا في عبارة النص وإشارته، قال صدر الشريعة: إن العبارة ما سيق له الكلام، والإشارة غيره، وقال ابن الهمام: المنطوق في العبارة كله عبارة النص سبق له أو لا. (ف) استنبط أبو عمر بن عبد البر نفي القراءة خلف الإمام من حديث الباب، بأن حديث يدل على أن المقتدي منتظر لتأمين الإمام والمنتظر لا يكون إلا صامتاً، ولا يكون قارئاً، وأقول: يؤيده ما في بعض الروايات: «إذا أمَّن القارئ فأمنوا» أخرجه مسلم والبخاري في كتاب الدعوات، ويشكل على الشوافع من سُبق ولَحِق في خلال فاتحة الإمام، فإذا قرأ المقتدي فإما أن يؤمن مع الإمام ثم يأتي بباقي الفاتحة فيكون عكس الموضوع، فإن الوضع أن يكون آمين خاتم الفاتحة، لما في أبي داود «أن آمين طابع الفاتحة» . وإما أن يؤمن حين ختمه فيلزم خلاف حد الباب، فإنه يدل على أن الفضل في المعية أي توافق آمين المقتدي والإمام والملائكة، والاحتمال الأول مذكور في المنهاج، أي يؤمن مع الإمام ثم يأتي بباقي الفاتحة، وقال الغزالي: يأتي المقتدى بالفاتحة حين يثني الإمام، والحال أن نص الحديث دال على أن الثناء للإمام والمقتدي والمنفرد وأما أصل مذهبهم فهو أن يأتي بها إذا سكت الإمام بعد «ولا الضالين» قبل آمين، وينتظر الإمام فاتحة المقتدى ثم يؤمِّنوا جميعاً، والحال أن هذه السكتة الطويلة لا أصل لها من الشريعة الغراء، فإن السكتة قصيرة بحيث إن اختلف الصحابيان في وجودها، وأيضاً نص الحديث أن هذه السكتة كانت ليتراد وإليه نَفَسُه، ويقولون: إنها لفاتحة المقتدى،

وغاية المسألة لهم ما في أبي داود ص (126) من أثر مكحول وسعيد بن جبير ولكنه تطرق فيه اجتهاد ابن جبير والسكتات عند الشافعية أربعة، وأومأ عماد الدين بن كثير في تفسيره أن «آمين» قائم مقام فاتحة الإمام، فدل على نفي الفاتحة للمقتدي ويلزم على ما قال ابن كثير وجوب آمين للمقتدي لكونه مقام الفاتحة، ولكنه لم يقل أحد بوجوب آمين إلا الظاهري، فالحاصل أن قول القراءة خلف الإمام في الجهرية يوجب إشكالات كثيرة. (ف) آمين قيل: عربي، وقيل: عبراني، ومعناه: استجب أو افعل، وفي كافي النسفي: أن آمين معرب همين الفارسي، والله أعلم وعلمه أتم.

باب ما جاء في السكتتين في الصلاة

باب ما جاء في السكتتين في الصلاة

[251] اختلف الصحابيان في السكتة الثانية لقصرها، السكتات في كتب الحنفية ثلاثة: بعد التحريمة، وبعد (ولا الضّالين) ، وبعد ختم القراءة، وعند الشافعية أربعة: بعد التحريمة، وبعد (ولا الضالين) . وبعد آمين، قبل ضم السورة، وبعد ختم القراءة، والحق أن الثالثة لا يليق بأن يعتد بها، وإلا لزم كثير من السكتات في حديث أم سلمة. قوله: (إذا قرأ: ولا الضالين) قيل: هذا تفسير لما قبله، وقيل: سكتة ثالثة، قال البيهقي: إن الإنصات في آية {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] إلخ بمعنى الإخفاء، فلا تنفي الآية القراءة مثل السكتة هاهنا فإن السكتة بمعنى الإخفاء فإنه يسكن ويقرأ في نفسه في سكتة الثناء، أقول: بين السكتة والإنصات فرق لا سيما إذا اجتمع الاستماع والإنصات وسيأتي التفصيل.

باب ما جاء في وضع اليمين على الشمال في الصلاة

باب ما جاء في وضع اليمين على الشمال في الصلاة

[252] خلافاً لمالك فإنه يقول بإرسال اليدين خلاف الثلاثة، ومذهب أبي حنيفة في وضع اليدين وضعهما تحت السرة، ومذهب الشافعي تحت الصدر فوق السرة، وخيّر أحمد في الوضع بأنه يضعهما حيث شاء من تحت الصدر أو عند الصدر أو تحت السرة، وكذلك خير ابن المنذر، وقال: لا نص في المسألة، وأما الأحاديث ففي حديث وائل في صحيح ابن خزيمة: «فوق الصدر» وفي مسند البزار: «عند الصدر» ، وفي مصنف ابن أبي شيبة: «تحت السرة» فالحديث واحد، واختلف الألفاظ، وأما في تحت السرة فلنا أثر علي في سنن أبي داود بسند ضعيف، وفي نسخة لأبي داود مرفوع أيضاً، وأما في ابن خزيمة ففي سنده مؤمل بن إسماعيل، واختلط في آخر عمره، وصححه الحافظ في بلوغ المرام، والعجب من عدم التفاته إلى اختلاطه في الآخرة واختلاف الألفاظ، وأيضاً في سند: (فوق السرة) عاصم بن كليب وضعفوه في حديث: «ترك رفع اليدين» ، ووثقوه في حديث «فوق السرة» وأقول: إني رأيت نسختين؛ مصنف ابن أبي شيبة فما وجدت لفظ تحت السرة فيهما، وقال الشيخ حيات السَّنْدهي: ما وجدته في مصنف ابن أبي شيبة قال الشيخ قائم السَّنْدهي وجدته في النسختين، وقال أبو الطيب السَّنْدهي: وجدته في نسخة في خزانة كتب الشيخ عبد القادر، وأول من نبّه على كونه في مصنف ابن أبي شيبة هو العلامة قاسم بن قطلوبغا فلا بد من ثبوته في مصنف ابن أبي شيبة فإن العلامة حافظ الحديث، وله خدمة في علم الحديث فإنه رتب إرشاد أبي يعلى، وذكر الثقات الذين سوى رواة الستة، وأفرد زوائد الدارقطني وحكم عليها، وخرّج على مسند أبي حنيفة للمقري، وكتب التخريج على الاختيار في الفقه وغيرها من الخدمات، والصحيح أن فوق السرة وتحتها وعند الصدر ألفاظ متقاربة وليس ببون بعيد.

باب ما جاء في التكبير عند الركوع والسجود

باب ما جاء في التكبير عند الركوع والسجود

[253] ويفهم من الطحاوي التكبير عند الرفع من الركوع، وكذلك في الكنز على جر الرفع في تكبير الركوع والرفع منه، وعندي لا بد من أن يكون في المذهب لكونه في الطحاوي، وتأول البعض في كلام الطحاوي، والظاهر عندي حمله وإبقاءه على الظاهر، ولعل غرض المصنف من هذا الباب الرد على ما ارتكبه أمراء بني أمية فإنهم تركوا تكبير الخفض، كما قال ابن تيمية: إنهم تركوه، ويدل على تركه ما في أبي داود ص (129) ، وضعفه الحافظ في تلخيص الحبير، وحسنه في الإصابة، وقيل: مراده أن لا يطول التكبير ولا يمده إلى أن يبلغ التكبير إلى السجود، وذكر في النهاية أن لفظ الحديث «فكان لا يتم» بالتاء وأخرجه الطحاوي ص (130) أيضاً، وقيل: إنه خلاف مشاهير الأحاديث الواردة في صفة الصلاة والله أعلم.

باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع

باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع

[255] قال الشافعي رحمه الله وأحمد رحمه الله برفع اليدين، وقال أبو حنيفة بالترك، وعن مالك الترك واختاره الموالك، وفي رواية الرفع، وأما الحديث فقد ثبت فيه رفع اليدين بين السجدتين، أيضاً كما في النسائي ص (177) ، ولم يختره الشافعي، وصح الرفع عند القيام إلى الثالثة أيضاً وما قالوا، وفي سنن النسائي ص (177) ، ما يدل على الرفع عند الرفع من الركوع والانحناء إلى السجود، ولم يتوجه إليه أحد وظني أن المراد منه أنه يرفع اليدين مرة عند الانتصاب من الركوع، ومرة عند الهُوي إلى السجود لا أن يجمع، وله أصل من الأحاديث أيضاً، وفي الترمذي ص (40) أنه عليه الصلاة والسلام رفع اليدين بعد السجدتين، وزعمه الخطابي على ظاهره، والجمهور على أن المراد من السجدتين الركعتان، ورد النووي في الخلاصة على الخطابي بأنه مصرح في بعض الطرق بعد الركعتين، فلو أخذ قول الخطابي في رواية النسائي ص (177) أيصح إلا أنه ليس مذهب أحد وقال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد: إن الإمام مالكاً رجح الترك لأنه جرى عليه تعامل السلف من أهل المدينة، وروى أبو عمر في التمهيد روايتين عن مالك، ونقل علاء الدين عبارة أبي عمر في الجوهر النقي ص (136) اختار الترك على رواية ابن القاسم، وإني في هذا متردد فإنه ذكر الحافظ عبارة أبي عمر في الفتح ص (182) وهو خلاف ما في الجوهر النقي، وذكر الزرقاني شارح الموطأ عن أبي عمر عن ابن عبد الحكم لم أجد الترك عن مالك، إلا ما روى ابن قاسم عنه وأخذ الرفع، وظاهر الزرقاني أن اختيار الرفع عن ابن عبد الحكم مخالفهما ما في الزرقاني، وذكر الزبيدي في شرح الإحياء أيضاً خلاف ما في الجوهر. والفتح، والله أعلم. واعلم أن رفع اليدين غير مأخوذ به، وعندنا لم يصرح بالكراهة إلا بعضهم، وقد ثبت الرفع والترك تواتراً، لا يمكن لأحد إنكار أحدهما، ولكن تواتر العمل لا تواتر الإسناد، وأما ما قال الطحاوي من النسخ فليس هو النسخ المتعارف عنده الذي ذكرته سابقاً، فإذا ثبت الترك والرفع متواتراً عملاً فالاحتمالات ثلاثة، ترجيح الرفع أو الترك أو التخيير وذهب ذاهب إلى الأول، وذاهب إلى الثاني، وذاهب إلى الثالث، وأما المرفوعات ففي بعضها ذكر الرفع، وفي بعضها ذكر الترك، وبعضها ساكتة، فإذا تمسكنا بما فيه ذكر الترك، فيقل عدد أحاديثنا، ويكثر عدد أحاديثهم وإذا تمسكنا بالساكتات أيضاً، فإنهم يذكرون جميع صفة الصلاة مع المستحبات ولا يذكرون رفع اليدين إلا في الاستفتاح فتبادر تلك الأحاديث لنا فيكثر عدد أحاديثنا من عدد أحاديثهم، وأكثر الناس عن هذا غافلون.

(ف) إذا قال الترمذي وبه عمل غير واحد من السلف فلا حاجة لنا إلى إثبات السند بشرط أن يكون ذلك الأمر بحيث لا يخفى عند الناس، ويكون كثير الوقوع، والرفع والترك يعمل بهما في يوم وليلة أكثر من مائة مرة، فكيف يخفى على أحد الناس؟ قوله: (حتى يحاذى منكبيه) إلخ عندنا يجعل اليدين حذاء المنكبين، والأصابع إلى الأذنين، وكلام الشافعي في مصر موافق لنا. قوله: (كان لا يرفع بين السجدتين) كيف يقال وقد ثبت رفع اليدين بين السجدتين في النسائي ص (177) ومر عليه الحافظ وقال: أصح ما وقفت على الرفع بين السجدتين رواية النسائي؟ والحافظ صنيعه على النقد في كتاب النسائي جزئياً جزئياً، وقد صرح ابن عدي الجرجاني وابن منده وغيرهما بأن النسائي كله صحيح فلا يحتاج إلى النقد. قوله: (وفي الباب عن علي الخ) ثبت عن علي وعمر ترك رفع اليدين، ولعل المصنف أخذ ما روي في مسلم عن علي صلاة الليل، وأما عن عمر فلعله أوحى إلى ما في تخريج الزيلعي عن ابن عمر عن عمر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأعله المحدثون، وقالوا: الصحيح عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا شيء عن عمر سوى هذا، وصح عن أنس موقوفاً في الدارقطني، وصح عن أبي هريرة وعمله

الرفع مرة والترك مرة، ولينظر إلى ما في موطأ ص (90) عن أبي هريرة فإنه دال على أنه لم يرفع إلا المرة الأولى، ورواية أبي موسى رواها البخاري في جزء رفع اليدين تعليقاً وهي صحيحة، ورواية جابر بن عبد الله غير محفوظة، ورواية عمير الليثي لا تصلح أن تعرض لكونها قريبة إلى الموضوعات. قوله: (ولم يثبت حديث ابن مسعود الخ) قال ابن دقيق العيد: إن عدم قبول ابن المبارك لا يقدح لثبوته عند غيره من المحدثين، وصححه ابن قطان المغربي في «كتاب الوهم والإيهام» وكذلك صححه ابن حزم الأندلسي، ونقل الحافظ تصحيح الدارقطني حديث الترك في الدراية، وذكر تعليله في تلخيص الحبير، فكنت متردداً في هذا، حتى رأيت في البدر المنير لبدر الدين الزركشي أن الدارقطني صححه في موضع، وأعله في موضع ونقل الزركشي تصحيح ثلاثة المذكورين وقال ابن دقيق العيد: كيف يعلل ابن المبارك حديث ابن مسعود والحال أنه يدور على عاصم بن كليب وهو من رواة مسلم؟ وقال حنفي فاضل: إن حديث ابن مسعود مروي بالمضمونين الرفع الفعلي والرفع القولي، وتغليط ابن المبارك للمضمون الثاني، والمضمونان رواهما الطحاوي ص (132) بسند صحيح، وقال ذلك الفاضل: كيف وقد روى ابن المبارك فعل ابن مسعود؟ أي المضمون الأول في النسائي ص (168) ، وتعرض البخاري إلى تعليل حديث الترك في جزء رفع اليدين، ولكنه علل قطعة لم يرفع يديه إلا في أول مرة، وأقول لا يمكن تعليله، ولعل منشأه أن سفيان بن عيينة يقول: إني سمعت حديث براء بن عازب عن يزيد بن أبي زياد مرة، ولم يذكر لفظ: ولم يعد ثم أتيته فسمعته مرة أخرى، وقال: ولم يعد، وفي غير نسخة اللؤلؤي لأبي داود، وقال ابن عينية: لعل يزيد لقن فقيل والتلقين: أن يروي الشيخ، ويقول الآخر: هذا اللفظ أيضاً في روايتك، فيقول الشيخ نعم، والتلقين علامة الضعف فسرى إلى الأذهان أن لفظ (لم يعد) في رواية ابن مسعود أيضاً خطأ، ورواية ابن مسعود في بعض طرقها (ولم يعد) في بعضها: (لم يرفع يديه إلا في أول مرة) .

قوله: (حدثنا هناد الخ) هذا هو الذي تعرض البخاري إلى الكلام فيه، والحال أنه على شرط مسلم، وصححه الثلاثة المذكورون، والسيوطي في اللآلي المصنوعة، ولم يقل الحافظ بشيء ولكنه يلزم الحافظ تصحيحه، فإنه رد في تلك الصفحة على من قال بوجوب الرفع بحديث ابن مسعود ولنا ما في الطحاوي ص (134) بسند قوي عن ابن أبي داود عن أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش إلخ قال: ما رأيت فقيهاً قط يرفع يديه في غير تكبير التحريمة، ولنا كبار الصحابة مثل علي وعمر أخرجه في معاني الآثار ص (134) وحسن الحافظ إسناده في الدراية، وعمل ابن مسعود ولم يثبت منه إلا الترك كما في الطحاوي ص (133) ، وعمل ابن عمر وهو راوي الرفع رواه في معاني الآثار ص (133) بسند قوي، وقيل في مسنده أبو بكر بن عياش، واختلط في آخر عمره، ونقول: إنه من رجال الصحيحين، وأخذ عنه أحمد بن يونس قبل الاختلاط، وأخرج عنه البخاري في أكثر من عشرين موضعاً، ولنا عمل ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بسند حسن، وعمل أبي هريرة الرفع مرة والترك أخرى ذكره في استذكار أبي عمر، وعمل التابعين وتبعهم أخرجه الطحاوي ص (134) ، ولنا حديث آخر مرفوع عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام لا يرفع يديه إلا في أول مرة في خلافيات البيهقي، ونقله الزيلعي في التخريج، وقال الحاكم: إنه موضوع، وأقول رجاله المذكورون في التخريج ثقات، ولم أطلع على أول إسناده لكن عادتهم أنهم يأخذون في التعليق من الذي هو مخرج فلعل إسناده قوي، ولو كان فيه ضعيف لما أخذ منه لأن المشهور عن ابن عمر الرفع، ولما ثبت فعل ابن عمر الترك فلا يمكن تعليله أيضاً، ولنا حديث آخر مرسل عن عباد بن عبد الله بن الزبير وعباد تابعي، قال: لم يرفع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا في أول مرة، ومر عليه الحافظ في الدراية، وقال: ولينظر في إسناده، وإني رأيت السند وبدا لي أن في نصب الراية سهو الكاتب، فإنه كتب محمد أبي يحيى وهو غير مشهور، والحق أنه محمد بن أبي يحيى، وهو ثقة فصار السند صحيحاً، ووجوه كونه سهو الكاتب محفوظة عندي أخذتها من كتب الرجال، والمسألة لم تكن لأن يطول فيها، وذكرت ببعض الطول لفساد الناس والقاصرين كما قال علي: العلم نكتة كثر الجاهلون. قوله: (وفي الباب عن براء بن عازب الخ) أخرجه أبو داود، وتكلم فيه، وقال الحافظ: أعل أبو داود حديث ابن مسعود وكذا صاحب المشكاة، والحال أن أبا داود تكلم في حديث البراء لا حديث ابن مسعود، وقد ذكر نحو ما قال أبو عمر في التمهيد فلينظر.

باب ما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع

باب ما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع

[258] كان أولاً حكم التطبيق في الركوع، ثم أمر بوضع اليدين على الركبتين، والتطبيق قيل: هو وضع اليدين وهما مضمومتان بين الركبتين مع التشبيك، وعندي بغير تشبيك، فإنه نهى الشارع عن التشبيك في حال الذهاب إلى الصلاة، فكيف يجوزها في داخل الصلاة؟ وفي بعض الكتب أن التطبيق كان لحكم التوراة، وفي البخاري: أنه عليه الصلاة والسلام كان يعمل بما في التوراة قبل نزول القرآن، وما في بعض الكتب من أنه كان لحكم التوراة وجدته روي عن عائشة أيضاً، وأما عمل ابن مسعود بالتطبيق بعد نسخه أيضاً فلعله كان زعم ابن مسعود عدم نسخه بل زعمه عزيمة، والنسخ رخصة، ومثل ابن مسعود عن علي فكيف طعن جهلة الأمة على ابن مسعود؟

باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود

باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود

[261] المشهور في مذهبنا سنية ثلاث تسبيحات، ويدل ما في شرح مختصر الطحاوي للاسبيجابي على فرضية ثلاث تسبيحات في رواية، ونسب إلى نوح ابن أبي مريم وجوبها، وأطنب المحقق بن أمير الحاج، وقال: ينبغي وجوبها واختار بعض مشائخنا الوجوب في بعض المسائل، مثل اختيار ابن الهمام وجوب صيغة: الله أكبر، واختار ابن وهبان وجوب التسمية في كل ركعة كما قال في منظومه: ~ ولو لم يبسمل ساهياً كل ركعة ... فيسجد إذ إيجابها قال أكثر وظني أن المراد من الأكثر ليس مشائخنا بل الأئمة الآخرون، واختار ابن همام تعديل الأركان وجوباً، وكان سنة في المواضع الأربعة، في تخريج الجرجاني واجباً في الركوع والسجود، وفي تخريج الكرخي، فقال ابن الهمام بلزوم السجدة بترك التعديل. واعلم أن المشهور في مذهبنا فرضية ما يصدق عليه الركوع، وهو الانحناء ووجوب المكث قدر تسبيحة وسنية ثلاث تسبيحات، وعند الشافعية وجوب تعديل الأركان بحيث تنقطع الحركة، والمحقق فرضية التعديل بحيث تنقطع الحركة، فلا خلاف في المذهبين، ونسب إلى أبي يوسف فرضية التعديل

خلاف الطرفين، والحال أن الطحاوي ص (136) . لم يذكر الخلاف بينهم، وكذلك صرح العيني في شرح الهداية بأن الطحاوي لم يذكر الخلاف بينهم. (ف) في كتاب الصلاة لأحمد بن حنبل انحناء الرأس في القيام وكذلك في كتبنا، وفي تفسير ابن كثير ص (273 ج1) أنه مذهب الشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، وقال مالك: يجعل وجهة قدامه، وفي صحيح ابن حبان عن عائشة الرص بين العقبين في السجدة أي ضمهما، وأكثر الناس عن هذا غافلون.

باب ما جاء في النهي عن القراءة في الركوع والسجود

باب ما جاء في النهي عن القراءة في الركوع والسجود

[264] في البحر يكره قراءة القرآن في الركوع والسجود تحريماً، وأقول: لا يلزم بهذا سجدة السهو، فإن عدم القراءة وإن كان واجباً لكنه يبحث أنه من واجبات الصلاة أو غيرها كما قال صاحب البحر

ص (33ج2) بوجوب الترتيب بين السور، ثم قال بعدم وجوب السجدة من سوء الترتيب، فإنه من واجبات التلاوة لا من واجبات الصلاة، وتعرضوا إلى بيان نهي القراءة في الركوع والسجود، فقيل: إن الركوع والسجود حالة العبدية المحضة، والقرآن صفة الباري وكلامه، فلا يليق بحالة العبدية المحضة، ولا يقال للباري: راكع وساجد، ويقال: قائم وقيوم وقيام، ويمكن أن يقال: إن قراءة القرآن تكون للاستماع ولا يمكن الاستماع في الركوع والسجود، فإن كل واحد يسبح بنفسه، وذكر السيوطي في الدر المنثور رواية وعندي سندها، ثم ذكر بعدها قول أبي عمرو بن الصلاح: إن الملائكة ممنوعون عن القرآن إلا الفاتحة، وعلى هذا تأتي الملائكة لاستماع القرآن من الناس، وفي الركوع يسبحون بأنفسهم، وأقول: إن المتبادر من القرآن هو قول أبي عمرو بن الصلاح، فإن المنسوب إلى الملائكة في القرآن التسبيحات والتهليلات لا القرآن، وفي جمع الجوامع: إن الملائكة تضع أفواههم على قراءة القرآن لتدخل الألفاظ في بطونهم، إلا أن في جمع الجوامع الأحاديث الرطبة واليابسة. قوله: (القسي) قيل قسّ قرية من قرى مصر، وقيل: معرب قز (ابريشم خام) فأبدل الزاي سيناً كما في التصريف، فإذا كان من القز فمشار النهي لعله لون أو غيره.

باب ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

باب ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

[265] التفصيل في تعديل الأركان مر آنفاً، وكبار مشائخنا يأمرون بإعادة صلاة تارك التعديل، وفي البدائع عن أبي حنيفة: من ترك التعديل أخشى عليه أن لا تجوز صلاته. قوله: (الأنصاري البدري) قيل: إنه ليس من أصحاب بدر بل من المقيمين من موضع بدر وقال البخاري: إنه ممن شهد غزوة بدر.

باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

[266] واعلم أن المفهوم من صنيع مسلم أنه واقعة صلاة الليل، وفي رواية الترمذي في كتاب الدعوات ص179 تصريح أنها واقعة المكتوبة، وصرح ابن حبان والشافعي بأنها واقعة المكتوبة، وقال الحافظ في بلوغ المرام: إن في مسلم أنها واقعة الليل، والحال أن الدال عليه ليس إلا صنيع مسلم، ثم ظني أن الواقعة واقعة صلاة الليل، فإن مثل هذا الدعاء الطويل لم يكن إلا في صلاة الليل وكذلك رواية علي أيضاً قرينة على هذا، فإن الواقف على صلاته عليه الصلاة والسلام بالليل هو علي رضي الله عنه كما يدل بعض الروايات، وهما قطعتان أو حديثان اختلطا. قوله: (ملأ السموات والأرض الخ) قال الشيخ الأكبر: إن السموات السبع مركبة من العناصر الأربعة، والفلك الثامن والتاسع من العنصر الخامس، وجعل العرش والكرسي فلكاً عاشراً والحادي عشر، وقال: إن السموات كنصف الدائرة، وقال علماء الشريعة: إن السماء والفلك متغايرانُ الفلك هو المدار الزوائد (ص (35) ج1/ مطبوعة بهند) ، وقالوا: إن الكواكب سيارة بأنفسها، وقال أبو بكر بن العربي المالكي: إن الذي نراه فوقنا ليس سماء بل السماء لا نراه، واعلم أن المراد من الملأ في حديث الباب القدر لا الامتلاء، فإن السماوات وإن كانت مجوفة ولكن الأرضين السبع مستوية ومسطحه.

(ف) في رواية صحيحة عن ابن مسعود أن بين العرش والكرسي بحراً مسافته خمسمائة سنة، وهذا معنى قوله تعالى {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] والله أعلم وعلمه أتم.

باب منه آخر

باب منه آخر

[267] المشهور من مذهب أبي حنيفة أن يكتفي الإمام على التسميع، والمقتدي على التحميد، واستدل عليه صاحب الهداية بأن الحديث يدل على القسمة، والقسمة تخالف الشركة، وعند الصاحبين: يجمع الإمام بينهما ويكتفي المقتدي على التحميد، وهكذا في رواية عن أبي حنيفة اختارها الحلواني السندموفي، ومحمد بن فضل، والنسفي الكبير، وروى الترمذي عن الشافعي الجمع بينهما لهما. وما روي عن أبي حنيفة يؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة، وأكثر عدد الصحيحين يدل على القسمة ولا ضير علينا، وتأول فيه الشافعية بأنه لا يدل على نفي الجميع بل المقصود فيه ذكر الترتيب بين قول الإمام والمأموم. قوله: (ربنا لك الحمد الخ) في هذا الدعاء أربعة أوجه: بالواو أو بدونها، وباللهم أو بدونه وأنكر ابن القيم رواية اللهم والواو جمعاً، وقال النووي: بثبوت أربعة أوجه في الروايات، وما ذكر الأسانيد وسند ما أنكر عليه ابن قيم موجود في السنن الكبرى: أن ربنا لك الحمد، أي هذا الدعاء من خصائص هذه الأمة.

باب ما جاء في وضع اليدين قبل الركبتين في السجود

باب ما جاء في وضع اليدين قبل الركبتين في السجود

[268] في الهداية أنه يضع الأقرب إلى الأرض أولاً ثم وثم والنهوض عكسه، وهو مذهب الشافعية والحنابل، وقال مالك بوضع اليدين قبل الركبتين على الأرض، وللطرفين حديثان، والخلاف في السنية. قوله: (رواه شريك) وهو ابن عبد الله النخعي هو شريك القاضي من رواة مسلم.

باب منه آخر

باب منه آخر

[269] حديث لم يخرجه المصنف بطوله. وفي بعض الروايات: «وليضع يديه قبل ركبتيه» وفي «يعمد أحدكم» إلخ إنكار، وتوجه العلماء إلى حديث الباب من وجهين:

أحدهما: أنه يخالف ما مر في الباب السابق. والثاني: أن صدر الأول يغائر عجزه، فقال قائل للتطبيق بين الجملتين: إن ركبتي الحيوانات تكونان في اليدين أي في الرجلين المقدمتين فلا خلاف بين الصدر والعجز، وقال صاحب القاموس راداً على هذا القائل: لم نعلم هذا في لغة العرب، وأقول: قد صرح صاحب الصحاح بأن الركبتين في اليدين، والعرقوبين في الرجلين، ذكره تحت لفظ العرقوب عن الأصمعي، وكذا في الفرق بين الفرق من علوم العرب في مقابلة الباطنية، ثم قال ابن قيم في زاد المعاد: إن الراوي قلب في الرواية قطعاً، وأصل الرواية هذا: «وليضع ركبتيه قبل يديه» فارتفع الاعتراضان، وأقول: بأن مراد الحديث أن يضع قبل ركبتيه، وهذا للمعذور، ولا يبرك بروك الجمل، وهو أن يخفض نصفه الأعلى ويرفع نصفه الأسفل، فحاصل المعنى أن المعذور يقدم يديه قبل ركبتيه، ولا يرفع عجيزته من نصفه الأعلى بل يخفضهما معاً، وعلى هذا لا نتعرض إلى ركبتي الجمل من كونهما في اليدين أو الرجلين، بل نتكلم في البروك وهو جعل الأسفل مرتفعاً والأعلى منخفضاً، ويحتمل أن يقال: وليضع يديه قبل ركبتيه، أي وليضع يديه على ركبتيه أي قبل أن يضع ركبتيه على الأرض، وأما ما قال ابن قيم: من قلب الراوي فله قرينة مما رواه في معاني الآثار ص (150) عن أبي هريرة إلا أن إسناده ضعيف.

باب ما جاء في السجود على الجبهة والأنف

باب ما جاء في السجود على الجبهة والأنف

[270] حقيقة السجدة على مذهب أبي حنيفة وضع الجبهة، ويشترط وضع أحد الرجلين فإن وضع الجبهة بدون إحدى الرجلين متعذر، وله ما في حديث «سجد وجهي» فإنه أسند السجدة إلى الوجه. وقال أبو حنيفة: لو سجد على الأنف وعلى الجبهة يجزئه، وقال صاحباه والجمهور: لا يجوز

الاكتفاء على الأنف، وذكر في الدر المختار رجوع أبي حنيفة إلى قول صاحبيه، ومشهور مذهبنا سنية السجدة على الأعضاء السبعة، واختار ابن همام، الوجوب ولزوم السجدة بتركها. قوله: (حذو منكبيه) هذا للشافعي، ولنا أيضاً حديث صحيح أخرجه الطحاوي.

باب ما جاء في التجافي في السجود

باب ما جاء في التجافي في السجود

[274] التجافي سماه الحديث التجمنة، وحديث الباب أخرجه أحمد في مسنده بطوله. قوله: (عفرتي) العفرة: البياض غير ناصع، اختلف علماء السير في كون الأشعار في إبطيه، ورواياتهم لا تكون منقودة مثل روايات المحدثين، ورواية عفرتي إبطيه عليه الصلاة والسلام، لعلها كانت عند كونه عليه الصلاة والسلام مرتدياً، والله أعلم

باب ما جاء في الاعتدال في السجود

باب ما جاء في الاعتدال في السجود

[275] قالوا: إن مصداق الاعتدال في السجود كون السجدة على الهيأة المسنونة، أي رفع العجيزة وتطويل السجود والتجافي، كنت متردداً في هذا، فإن ظاهر لفظ الاعتدال هو تعديل الأركان، وكذلك قال ابن دقيق العيد، حتى أن رأيت رواية في المعجم الطبراني دالة على أن في الهيأة المسنونة تقع السجدة على الأعضاء السبعة فإنه لو لم يتجاف مثلاً لا تقع السجدة على اليدين، فهذه شافية للتردد، ثم وجدت في شرح الترمذي لابن سيد الناس اليعمري موافقاً لما قلت في المرفوع في المعجم.

قوله: (افتراش الكلب إلخ) نهي الشريعة عن اختيار هيأة سبع حيوانات في الصلاة، منها افتراش السبع، وتدبيح الحمار، وإقعاء الكلب، والتفات الثعلب، وبروك الجمل، ونقر الديك، وعقبة الشيطان.

باب ما جاء في نصب القدمين ووضع اليدين

باب ما جاء في نصب القدمين ووضع اليدين

[277] في غنية المستحلي للجملي شرح المنية: من حَرَفَ أصابع رجليه عن القبلة في السجود تفسد صلاته، والموافق للقواعد أنه مكروه تحريماً، ولا تفسد الصلاة. قوله: (مرسل) كان القياس كتابة مرسل بالألف أي مرسلاً كما هو مقتضى حالة النصب، وقال

السيوطي: وجدت المتقدمين يكتبون المنصوب بلا ألف على لغة ربيعة، إلا أنهم يشكلون النصب، والمرسل في اصطلاح أصول الحديث ترك الصحابي، وفي اصطلاح أصول الفقه ترك الراوي في أي موضع كان، ومرسل مصطلح أصول الحديث حجة عند الجمهور، ولكن الأقوى المتصل كما قال الطحاوي، لا كما قال صاحب الحسامي.

باب ما جاء في إقامة الصلب إذا رفع رأسه من الركوع إلخ

باب ما جاء في إقامة الصلب إذا رفع رأسه من الركوع إلخ

واقعة الباب واقعة المكتوبة.

[279] قوله: (قريب من السواء) في البخاري استثناء القيام والقعود أي التشهد، وفي حديث الباب مبالغة الراوي، وقيل: إن المراد التناسب لا التقارب، وظني أن غرض الراوي التقارب.

باب ما جاء في كراهية أن يبادر الإمام في الركوع والسجود

باب ما جاء في كراهية أن يبادر الإمام في الركوع والسجود

[281] المبادرة مكروهة تحريماً فيكون تركها واجباً، قال علماء المذاهب الثلاثة من الشوافع والموالك والحنابلة: إن المبادر صار مرتكب الحرام وصحت صلاته، وهذا يدل على اجتماع الكراهة تحريماً والصحة عندهم خلاف ابن تيمية.

قوله: (وهو غير كذوب) غرضه نفي الكذب من الرأس، وإن كان صيغة المبالغة، وأن قيل إن الصحابة كلهم عدول، فكيف اهتم بشأن هذا الصحابي؟ ولم ذكر عدم كذبه؟ يقال: مثل هذه المحاورة تكون لداعية مقام. قوله: (حتى يسجد رسول الله إلخ) هذا حين بدن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكبر سنه، اختار أبو حنيفة أن يعقب المقتدي، واختار صاحباه التراخي.

باب ما جاء في كراهية الإقعاء بين السجدتين

باب ما جاء في كراهية الإقعاء بين السجدتين

[282] للإقعاء تفسيران: أحدهما أن ينصب الركبتين ويضع الإلية على الأرض، بشرط وضع اليدين على الأرض هذا تفسير الطحاوي، ويساعده اللغة وهذا مكروه تحريماً، والثاني أن يجلس على عقبيه في الجلسة، وهذا تفسير الكرخي وهذا مكروه تنزيهاً، وقال النووي تبعاً للبيهقي: إن الإقعاء بالمعنى الثاني سنة على ما قال ابن عباس، وذكر الشيخ ابن الهمام عبارة النووي ولم يرد عليه بشيء، وصنف العلامة قاسم بن قطلوبغا رسالة سماها «الأسوس في سنة الجلوس» وقال: لم يذهب أحد من الأربعة إلى سنية ما قال النووي، وأتى بالعبارات وحديث الباب ليس بذلك القوي، وهو مشتمل على التفسيرين، وقيل: الإقعاء هو الانحناء إلى القدام. قوله: (حارث الأعور) هو تابعي وليس بكذاب، لما قال الذهبي في خارج التهذيب: إن التابعين

ليس فيهم كذاب، نعم بعضهم سيء الحفظ، وضعف الترمذي حديث الباب، وعندي بسند آخر صحيح بهذا اللفظ.

باب الرخصة في الإقعاء

باب الرخصة في الإقعاء

روي جفاءً بالرجِل والمشهور جفاءً بالرَجل والجفاء البلادة لا الفهيم.

[283] قوله: (سنة بينكم) هذا مسكة النووي، ولنا ما في موطأ مالك ص (30) عن ابن عمر تصريح أنه ليس بسنة، ومن المعلوم عند المحدثين أن زيادة الاعتماد في نقل السنة على ابن عمر، فإن ابن عباس ربما يقول باجتهاده ورأيه ويعبره بالسنة، ويمكن التأويل في كلام ابن عباس بحمله على مورد من موارد الكلام، ولنا ما في مسند أحمد بسند قوي: «نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن التورك والإقعاء» وهذا يفيدنا خاصة في اختيار الافتراش في القعدة الثانية وقال أحمد بعد رواية الحديث: وليس العمل على هذا، فوالله أعلم ما أراد بذلك تعليلاً، أو عدم اختياره فقهاً.

باب ما يقول بين السجدتين

باب ما يقول بين السجدتين

[284] قال أحمد بفرضية دعاء اللهم اغفر لي إلخ بين السجدتين، وقال القاضي ثناء الله رحمه الله

الپافي پتي باستحباب الدعاء خروجاً عن الخلاف، ونعم ما قال القاضي المرحوم لا سيما في هذا العصر، فإن تحفظ الجلسة متعذر بدون تعيين الدعاء فيها.

باب ما جاء في الاعتماد في السجود

باب ما جاء في الاعتماد في السجود

[286] الاعتماد على نوعين، أحدهما: أن يضع الذراعين على الفخذين في السجدة عند العذر، وهو مراد الترمذي، والثاني: أن يعتمد على الأرض حين القيام إلى الثانية، وهذا معمول الشافعية، وقالوا: إنه سنة ولم أجد لهم ما يدل على السنية، ونقول بالاعتماد على الركبتين عند القيام إلى الثالثة، وأشار أبو داود ص (143) إلى مختار الأحناف في شرح الحديث بأن الحديث يدل على مختارنا، ونسب الشوكاني إلى أبي داود والترمذي شيئاً في حاشية أبي داود ص (131) باب صفة السجود، ولم أَجد ما نسب إليهما فاتركه. قوله: (هذا حديث لا نعرفه) الرجال كلهم ثقات.

باب ما جاء كيف النهوض من السجود

باب ما جاء كيف النهوض من السجود

[287] الغرض هاهنا ذكر جلسة الاستراحة، وهذه سنة عند الشافعي، ومذهب أبي حنيفة ومالك والجمهور والمشهور عن أحمد تركها، ونقل المحدثون عن أحمد: إن أكثر الأحاديث على تركها، وليس مراد قول أحمد أنها نافية، بل شبيه ما قلت: إن أكثر أحاديث في ترك رفع اليدين أي أكثرها ساكتة، مع ذكر أكثر السنن والمستحباب في أحاديث صفة الصلاة، وفي فتح الباري رجوع أحمد إلى جلسة الاستراحة، ونقله ابن قيم في الزاد، ورجح الترك من جانبه وظني أن أحمد لم يرجع، وفي البحر عن الحلواني أن الخلاف في الأفضلية لا في الجواز، فلو أتى بها الحنفي أو تركها الشافعي لابأس وذكر مثل قول الحلواني في شرح الفرائد السنية للكواكبي، وفي الكبير: من أتى بجلسة الاستراحة يلزمه سجدة السهو، وأقول: لعله أراد ما خرج عن القدر المسنون، وأما أدلتنا على تركها، فما أخرجه في فتح القدير والجوهر النقي، وقد أقر الحافظ وغيره بأن حديث مسيء الصلاة خال عنها، وذكرها بعض الرواة في حديث مسيء الصلاة، فأشار البخاري إلى تعليله في كتاب الاستيذان، ولعل البخاري قائل بمختارنا، فإنه بوب بباب من قال إلخ، وعندي أنه إذا بوب بهذا التعبير لا يختار ذلك المذكور، وبوب الطحاوي على جلسة الاستراحة، وحملنا على حالة العذر والمراد بها الحاجة.

باب ما جاء في التشهد

باب ما جاء في التشهد

[289] ثبت كثير من صيغ التشهد، والأشهر وهو أصح ما في الباب بإقرار المحدثين تشهد ابن مسعود، وهو مختار الأحناف، واختار مالك تشهد الفاروق الأعظم، واختار الشافعي تشهد ابن عباس، وفي عامة كتبنا جواز كل من التشهدات، وقال صاحب البحر باحثاً من جانبيه: ينبغي وجوب تشهد ابن مسعود، وتشهد ابن مسعود مروي بستين طرقاً ذكره البزار، وأخرجه محمد في كتاب الآثار، قال محمد: أخذ أبو حنيفة بيدي وعلمني تشهد ابن مسعود، قال: أخذ حماد بيدي وعلمني تشهد ابن مسعود، قال أخذ إبراهيم النخعي بيدي وعلمني تشهد ابن مسعود وصله إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله: (التحيات) أي العبادات القولية. و (الصلوات) أي الفعلية. (الطيبات) أي المالية، وذكر بعض الأحناف قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ليلة الإسراء: «التحيات لله» إلخ، قال الله تعالى: السلام عليك أيها النبي إلخ، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السلام علينا وعلى عباد: الله، إلخ، ولكني لم أجد سند هذه الرواية، وذكره في الروض الأنف، وفي البخاري عن ابن مسعود: كنا نقول بالخطاب في حياته عليه الصلاة والسلام، وبالغيبة بعد الوفات، وقال السبكي في شرح المنهاج: كان جمهور الصحابة يقولون بالخطاب في الحالين خلاف ابن مسعود وتبعه، وأقول: إن ألفاظ الخطاب في لسان العرب لاستحضار المخاطب تخييلاً، ولا يجب علم المخاطب، كما يقال: واجبلاه واويلاه يا زيداه للميت، فعلى هذا لا يدار الخطاب على حالة الحياة، وفي المفصل: المنادى ما يدخل عليه لفظ النداء، واعلم أنه عليه الصلاة والسلام من قال: السلام عليك وهو يزعم أنه عليه الصلاة والسلام يعلم كلامه فارتكب الأمر غير الجائز، وعلم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطلاعي لا كلي فإن علم الله تعالى غير متناه وعلمه متناه، كما يدل كثير من الآيات والأحاديث على هذا، وأكفر الفقهاء من قال: علم الغيب لغير الله تعالى.

باب ما جاء أنه يخفي التشهد

باب ما جاء أنه يخفي التشهد

[291] يخفي التشهد عند الكل، ولا يجب سجدة السهو عندنا بجهره فإن وجوب السجدة في جهر ما لا يخافت أو عكسه في القراءة لا في التشهد

باب ما جاء كيف الجلوس في التشهد؟

باب ما جاء كيف الجلوس في التشهد؟

[292] قال أبو حنيفة بالافتراش في القعدتين، وقال مالك بالتورك فيهما، وهو نصب اليمنى أو إسقاطها وإخراج اليسرى إلى الجانب الأيمن، والجلوس على الأرض، وقال الشافعي بالافتراش في الأولى والتورك في الثانية، وقال أحمد بالتورك في القعدة التي بعدها سلام، وتمسك الشوافع بحديث الباب، وسيأتي مفصله بتصريح مرادهم، وصرح ابن جرير الطبري بالتخيير في الطرق الأربعة، وسيأتي تفصيل الأدلة عن قريب.

باب ما جاء في الإشارة في التشهد

باب ما جاء في الإشارة في التشهد

[294] أي الإشارة بالمسبحة في التشهد، ثبت الإشارة بصفات ثلاثة: إحداهما: ما في أمالي أبي يوسف، ورواية وائل في مسلم أي: يعقد الوسطى والإبهام ويضم الخنصر والبنصر ويشير بالسبابة. والثانية: ما في الصحيحين وموطأ محمد ص (108) عن ابن عمر. والثالثة: ما في ابن ماجه عن ابن الزبير. والإشارة سنة باتفاق أئمتنا الثلاثة، فإنه ذكر محمد في موطأه ص (108) ، وقال وبه أخذ أبو حنيفة، وكذلك روى الحديث أبو يوسف في أماليه، وزعم بعض المصنفين نفيها لعدم ذكرها في ظاهر الرواية، وهذا الوهم فاسد وأطنب ملا علي القاري في رسائله وأكثر الروايات، وقال في بعض رسائله: لولا حديث «ظنوا بالمؤمنين خيراً» لأكفرت صاحب الكيدانية، ولا نعلم صاحب الكيدانية أنه معتبر أو غيره، وقال صاحب الدر المختار: يشير باسطاً أصابعه، ورد عليه صاحب رد المحتار وقال: لم أجد ما نسب صاحب الدر إلى البرهان، وكتب ابن عابدين الشامي رسالة في هذا وقال الشيخ السرهندي المجدد رحمه الله تعالى: إن الحديث مضطرب فيه، وقال: والعجب من ابن الهمام أنه لم يقل بالاضطراب، بين الأحاديث ولا اضطراب، فإن الحديث مروي عن كثير من الصحابة، والغرض من الكل رفع المسبحة وضم باقيتها كما قال ابن قيم في الزاد، وقال صاحب القاموس في سفر السعادة: إن الأحاديث تبلغ عدداً كثيراً، وأقول: إن الأحاديث ثلاثة، نعم طرقها كثيرة. وأما موضع الإشارة: فقال الشافعية: يرفعها على كلمة أشهد، ويضع على الإثبات، ويضم الأصابع من ابتداء التشهد، ويقول الحلواني: يضم حين الرفع وهو على كلمة لا النفي ويخفضها على الإثبات، ثم لا يبسط الأصابع لعدم ثبوته، كما قال الملا علي قاري في بعض رسائله: وأما المرفوع في موضع الرفع ووضعه فلم أجده ولا الموقوف، ولعل لعمل أهل المذهبين مسكة، وأما هذا الموضع المذكور؟ منا فقول الحلواني وليس من الأئمة، وقال مولانا المرحوم الگنگوهي: لا يضعها كل

الوضع، وهناك حديث يخبر الراوي فيه بأنه عليه الصلاة والسلام أمال شيئاً ولم يضع، ودل كلام الطحاوي في ضمن التورك والافتراش أنه لا يضع، إلى الآخر، وقال: إن ظاهر رفعها وهو يدعو أنه رفعها إلى الدعاء، والدعاء يكون في الأخير، وأقول: إن مسألة الطحاوي صحيحة، ولكن استنباطه فيه نظر، فإن الدعاء في عرف الشريعة وهو ذكر الله تعالى فيطلق الدعاء على التشهد أيضاً، وبعض ألفاظ مصنف ابن أبي شيبة موميةً إلى أن رفعها ليس من ابتداء التشهد، وفي الروايات أن في الرفع إشارة إلى توحيد الباري عزّ برهانه. (ف) في وتر البحر عن المبسوط: أن الدعاء على أربعة أنحاء: دعاء التضرع: وهو برفع اليدين، ويجعل ظهريهما إلى الأرض، والكفين أي باطنهما إلى السماء. ودعاء الابتهال: بمحض القلب. ودعاء التوحيد: بأصبع واحدة. ودعاء آخر يجعل فيه باطن الكفين إلى وجهه وظهرهما إلى السماء، وفي بعض كتبنا أن هذه الأنحاء الأربعة عن محمد بن الحنفية.

باب ما جاء في التسليم في الصلاة

باب ما جاء في التسليم في الصلاة

[295] مذهب الثلاثة التسليمتان وقال مالك: يسلم الإمام واحدة تلقاء الوجه ويسلم المأموم ثلاث تسليمات يميناً وشمالاً وتلقاء الوجه لجواب الإمام، تمسك المالكية بحديث عائشة اللاحق، وتكلم الطحاوي والترمذي في سنده وقال متأولونا: إنه عليه الصلاة والسلام بدء السلام من تلقاء وجهه ومده إلى الجانب الأيمن، وأقول: عندي حديثان صحيحان لمذهب مالك: ما استدل به أحد: أحدهما: ما في سنن أبي داود ص160 باب الوتر قال أبو عمر المالكي كما ذكره الزرقاني: إن الخلفاء الأربعة روي عنهم التسليمة الواحدة.

وثانيهما: ما أخرجه النسائي في سننه ص (99) عمل ابن عمر ثم رفعه باب الوقت الذي يجمع فيه المسافر المغرب والعشاء، ولمالك حديث آخر أخذته من تاريخ ابن معين ولكني لم أجد سنده، والمشهور في مذهبنا وجوب التسليمتين، وفي رواية شاذة وجوب أحدهما وسنية الثانية كما في فتح القدير، ولعل المختار هي الشاذة، والمذكور لنا مسكة في التسليمة الواحدة للإمام قبل سجدة السهو، وكان اعترض علينا لا ثبوت التسليمة الواحدة.

باب ما جاء أن حذف السلام سنة

باب ما جاء أن حذف السلام سنة

أي يقف في الآخر ولا يمد الألف.

[297] قوله: (قرة بن عبد الرحمن إلخ) هذا هو راو: «كل أمر ذي بال لم يبدأ ببسم الله» إلخ عن أبي هريرة وهذا الراوي متكلم فيه، وضعفه الأكثر وحسنه الشيخ تاج الدين السبكي تلميذ الذهبي في الطبقات الشافعية، وحسنه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح شيخ النووي، وقرة بن عبد الرحمن قد يسمى بقرة بن حَيُوِيُل أيضاً، وأما حديث «كل أمر ذي بال» إلخ ففي بعض طرقه لفظ «بسم الله» وفي بعضها «الحمد لله» وفي بعضها «بذكر الله» والحديث واحد والغرض من جميع الألفاظ هو ذكر الله تعالى، والحديث لا يبلغ مرتبة الحسن إلا باللهم. قوله: (جزم) وفي المقاصد الحسنة نقل السخاوي من السروجي الحنفي رواية حذم بالحاء المهملة بدل المعجمة، والذال بدل الزاي.

باب ما يقول إذا سلم من الصلاة

باب ما يقول إذا سلم من الصلاة

[298] في فتح القدير: إن السنة في الصلاة التي بعدها سنن أن لا يجلس بعد السلام إلا قدر: «اللهم أنت السلام» ومنك السلام إلخ، ومثل هذا الدعاء، وكذلك صح عن عائشة رضي الله عنها، ثم قال

الشيخ: إن عادته عليه الصلاة والسلام أداء السنن في بيته، والسنة بعد الصلاة الجلوس قدر هذا الدعاء، وقد ثبت أدعية طويلة بعد الصلاة فكيف وجد الصحابة الأدعية الطويلة من النبي؟ فأجاب بأن طرق معرفة الأذكار كثيرة، وأقول: قد ثبت رواية الصحابة الأذكار الخفية منه، فما كان سبيل المعرفة في الأذكار الخفية هو السبيل بعينه هاهنا، ثم ذكر عن الحلواني: لو أتى بالأذكار الكثيرة بعد الفريضة قبل السنن لا بأس، وقال بعد هذا: إن قول الحلواني لا يخالفني فإن لا بأس يدل على أنه خلاف الأولى وهو مرامي، والأدعية بعد الفريضة قبل السنن ثبتت كثيرة، ولكن لا يجمعها بل يأتي بأيتها شاء. قوله: (لا شريك له) أقول: الأولى الوقف على كلمة له. قوله: (الرحبي) الرحبة بفتح الحاء فناء المسجد، وبسكونها بلدة أو قرية، وقال صاحب القاموس إن: الرحبة بسكون الحاء إذا نسب إليها يقال: الرحبي بفتح الحاء.

باب ما جاء في الانصراف عن يمينه وعن شماله

باب ما جاء في الانصراف عن يمينه وعن شماله

[301] ليس مراده إلا ما قال الكبار، وقد شرح الحديث قول علي مفسراً، وكذلك قرينة على هذا الشرح في أبي داود ص (149) عن عبد الله فشرح الحديث أن السنة إما استقبال القوم بالوجه أو الذهاب إلى الحاجة أو البيت، ويأخذ الذهاب عن جانب يمينه أو يساره، وقد بوب البخاري على هذا المراد، وقال الطيبي في مراد الحديث: كان يُقبل على الناس إذا لم يرد الخروج بوجهه من جانب يمينه الخ حاشية أبي داود ص (149) ، فالسنة ما ذكرت وفي ظاهر الرواية قال محمد: يستقبل الإمام قومه بشرط أن لا يكون تجاه وجهه مصلي يصلي، وأقول: لو كان المصلي خلف الصف الأول لا يدخل تحت قول محمد، وأما شرط الاستقبال زيادة المقتدين على عشرة رجال فلا تعويل عليه، واعلم أنه يستثنى من استقبال القوم قدر عشر كلمات توحيد كما صح في صلاة الصبح وصلاة المغرب أيضاً.

باب ما جاء في وصف للصلاة

باب ما جاء في وصف للصلاة

[302] حديث الباب حديث مسيء الصلاة، ورواه أبو هريرة ورفاعة بن رافع أخو صاحب الواقعة خلاد بن رافع والأخوان بدريان، وفي هذا الحديث ذكر ذخيرة من أحكام الصلاة كما يظهر على من يتتبع في جميع طرق الحديث.

قوله: (فأخف صلاته الخ) أي في تعديل الأركان، وأما تخفيف القراءة فثابت عنه عليه الصلاة والسلام أيضاً وكانت صلاته في المسجد كما في المستدرك بعد أن فرغ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ص (243) ، وتمسك الحجازيون بحديث الباب على ركنية تعديل الأركان بأنه عليه الصلاة والسلام قال: «إنك لم تصل» ، وتمسك العراقيون به على وجوب تعديل الأركان بقوله عليه الصلاة والسلام: «وإن انتقصت منه شيئاً انتقصت من صلاتك» الخ، ولي في حديث الباب إشكال، وهو: أنه كيف يسكت صاحب الشريعة على فعل المكروه تحريماً والحرام الصريح؟ قال صاحب البحر: إن ارتكاب المكروه تحريماً صغير، وقال العلامة في التلويح: إنه قد يكون كبيرة أيضاً والحق إلى العلامة، وفي المتون أن المكروه تحريماً أقرب إلى حرام، ونص محمد على أن كل مكروه حرام، فرجل الباب مرتكب الحرام عند جمهور الأئمة، ومرتكب المكروه تحريماً عندنا، فما أجاب العلماء إلا بأن سكوته عليه الصلاة والسلام كان للتعزير وهذا بعيد لا يقبله اللبيب، وأيضاً هذا إنما يصح على تقدير عدم إساءة من يصلى بالكراهة أو بالحرام ويريد أنه يصلي بالصحة بعده ثانياً في الوقت، ولم أجد النقل فيه هذا وينظر أن الرجل الذي ارتكب المكروه تحريماً هل يحرز شيء ثواب أم لا؟ فذكر في النهر أنه لا ثواب له أصلاً في قول، وشيء ثواب في قول، وأما الشافعية فلهم في وجدان الثواب أقوال أربعة ذكرها في جمع الجوامع وأقول: إنه لا يحرز الثواب في صوم الأيام الخمسة، ويحرز شيء ثواب لو عرض الكراهة في الصوم سوى كراهة الأيام الخمسة، ولو ارتكب المكروه تحريماً يحرز شيء ثواب في الصلاة، ودل كثير من مسائل صاحب المذهب أبي حنيفة على ما حررت من وجدانه شيء ثواب، قال أبو حنيفة: من شرع الصوم في الأيام الخمسة لا يجب عليه القضاء، ولو شرع الصلاة في الأوقات المكروهة يجب عليه قضاؤها بإفسادها، وأشكل وجه الفرق بين الصوم والصلاة على كثير من العلماء

وقال أبو بكر الحنفي رحمه الله في وجه الفرق: إن كراهة الصوم في الأيام الخمسة مجمعة عليها خلاف كراهة الصلاة في الأوقات الخمسة، وقال أيضاً: إن تحريمة الصلاة قول فيكون نذراً حكماً ويدل على هذا المسائل الثمانية لأبي حنيفة بخلاف الصوم فإنه لا نذر فيه حكماً واتفقوا على لزوم النذر فتفرقا، هذا يشفي ما في الصدور، وأما ما قال العلامة في التلويح لا يشفي، وكذلك تدل بعض أمور الشارع على إحراز ثواب قليل، فعلى هذا سكوته عليه الصلاة والسلام لا يكون بعيداً، وأيضاً كان الرجل غير عالم بالمسألة فلا يأثم، هذا ما اتفق. وحديث الباب يدل على مرتبة الواجب وتفصيل مرتبة الواجب، مر سابقاً، وحاصل مرتبة الواجب أن الواجب نشأ من الظنية فعلمنا، بما هو ظني الثبوت، وعامل الخصم معاملة القطع فخرج الواجب من صورة الدليل، وأما حقيقة الواجب فلا يتعرض إليه الأصوليون بل ينحون من صورة الدليل، فقال الشيخ: لما كان مدار الواجب في حقه عليه الصلاة والسلام فإن الظن عنه متعذر أقول: إن حقيقة الواجب التكميل كالسنن إنها مكملات إلا أن للتكميل مراتب أعلى وأدنى، ومرتبة التكميل في الواجب أيضاً وأشار بعض العلماء إلى التكميل كما قال في الاختيار شرح المختار أن النوافل والسنن تكون مكملات للفرائض في الحشر، كالواجب إنه مكمل للفرض واعلم أن ما استدل الأحناف على وجوب تعديل الأركان بحديث الباب أورد عليه الخصم بأن حكم الانتقاص ليس براجع إلى تعديل الأركان بل إلى المجموع من المذكور، في الجملة نقول: دل الأحاديث على بقاء شيء مع ترك التعديل مثل حديث سرقة الصلاة في أبي داود، وحديث «كجائع يأكل تمرة أو تمرتين» فإن هذا الحكم راجع إلى ترك التعديل، والبحث بقدر الضرورة مر ابتداءاً وذكر ابن تيمية أن تركيب الصلاة عند الأئمة الثلاثة من الفرائض والسنن والواجبات، وعند الشافعي من الفرائض والسنن، ثم ذكر حديث الباب فإذا سلم الوجوب عند الحنابلة فكيف يرد على الأحناف على مرتبة الواجب؟ وليعلم أن الخلاف

في واجب الشيء لا الشيء الواجب، وواجب الشيء ليس إلا في الصلاة والحج، وأما الشيء الواجب ففي كل شيء. (ف) ما ثبت بالقاطع لا يثبت أركانه وشروطه بالظني، وما ثبت بالظني يجوز إثبات أركانه وشروطه بالظني كصلاة الاستسقاء وغيرها. قوله: (ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن) اعلم أن أمر الشارع يحمل على ما هو مرضي عنده بحيث يكون جامع الفرائض والواجبات والسنن، وأيضاً لا فرق في العمل بين الفرض والواجب عندنا، وقال الحافظ: إن هذه القطعة في ضم السورة كما في أبي داود ص (132) «ثم اقرأ بأم القرآن» و «ما شاء الله أن تقرأ» في حديث رفاعة، وأما قوله عليه الصلاة والسلام «وإلا فاحمد الله» . . إلخ ففي حق المعذور عندنا وعند الشافعية وغيرهم، والمسألة للمعذور هكذا عند الكل. قوله: (وافعل ذلك في صلاتك كلها. . الخ) اختار ابن همام والشيخ العيني وجوب الفاتحة في الأخريين، والمشهور في المذهب سنية القراءة في الأخريين، وأما مختار العيني والشيخ فمروي عن حسن بن زياد عن أبي حنيفة وتمسك العيني والشيخ بحديث الباب بأنه أمر الشارع وسيما ما أخرجه أحمد في مسنده: «وافعل ذلك في كل ركعة» ، ولكني متردد في هذا فإن المحقق ابن أمير الحاج خالف شيخه، وقال: ثبت عن جماعة من الصحابة ترك القراءة في الأخريين، ولم يذكر إلا اسم علي وابن مسعود، وأثر علي أخرجه العيني في العمدة بسند حسن: «أن علياً يسبح في الأخريين» وأثر ابن مسعود في مصنف ابن أبي شيبة المتبادر عن أثرهما الترك وإن كان مجال التأويل، ثم ذكر في موضع أن في القراءة خمسة مذاهب مذهب الحسن البصري السنية، ولا يقول بوجوب الفاتحة، وفي مذهب الوجوب في الركعتين وهو مشهور مذهبنا، ورواية عن مالك وأما المشهور عن مالك فالفرضية في الثلاثة، وفي رواية عن مالك الوجوب أي الفرضية في أربع ركعات، ومذهب آخر خامس، ونحمل حديث الباب على مشهور مذهبنا على السنية لا الوجوب.

قوله: (فتخ أصابعه) أي عطفها، وأصل الفتخ بسط الطائر جناحيه مائلاً إلى الأرض للجلوس، حديث الباب للشافعية أخرجه البخاري بطريق عطاء، وعلله الطحاوي بأن في البخاري محمد عن أبي حميد ولكنه ليس له سماع فيكون الحديث منقطعاً، ووجه عدم السماع أن في الحديث ذكر أن أبا قتادة أيضاً كان في المجلس ومات أبو قتادة في عهد علي، وصلى عليه علي، وولد محمد بن عمرو بن عطاء بعد عهد علي، وتعقب الحافظ على الطحاوي، والحال أن ابن قطان المغربي وابن دقيق العيد موافقون له في تعليل الحديث كما ذكر الزيلعي في التخريج إلا أن في التخريج حذف العبارة من الناسخ، ثم قال الطحاوي: إن الراوي ساقط من البين هو عباس بن سهل، فأجاب الحافظ في الفتح بأن في موت أبي قتادة قولين، قيل: مات في عهد علي، وقيل: بعد عهد علي، وأقول: كيف يقول الحافظ بهذا؟ والحال أنه صحح في تلخيص الحبير في الجنائز موت أبي قتادة في عهد علي وصلاته عليه، وأجاب الحافظ ثانياً بأنه لعل ذكر أبي قتادة وهم، ولكن الحاضرين الآخرين كافون للمسكة والاحتجاج، واعلم أنه روى أبو حميد صفة الصلاة مرتين مرة في عهد علي قولاً ورواه

عباس بن سهل، ثم رواها بعده فعلاً، وكان محمد في هذه الواقعة وأبو قتادة في الأول، ويتأول في قول محمد: سمعت أبا حميد، أي سمعت كلامه وإن كان بالواسطة، كما يقال في الهندية (مين فلال كي سني) . قوله: (ثم يهوي إلى الأرض ساجداً) قال الزيدية: يرفع اليدين عند الهوي إلى السجود، وقال الشافعية: يرفع عند الانتصاب أو حال الانتصاب الكامل في حديث الباب ذكر جلسة الاستراحة، ولنا الحديث القولي في قصة خلاد بن رافع، وهو ظاهره نفي جلسة الاستراحة. قوله: (من السجدتين) أي الركعتين، وإليه جمهور العلماء، وحمل الخطابي السجدتين على ظاهرهما في معالم السنن، وحديث الباب دليل الشافعية في التورك، ولأحدٍ أن يقول: إن التورك يصدق على افتراشنا أيضاً لغة كما في القاموس وغيره، ولكن الحق أن تغيير الراوي التعبير في القعدتين يدل على توركهم، وعارض الأحناف الشافعية بما في مسلم ص194 عن عائشة ذكر الافتراش في القعدتين، ويمكن لهم أن في التورك أيضاً فرش اليسرى ونصب اليمنى لكن تبادر الحديث عن اتحاد التعبير في القعدتين للأحناف. تنبيه: يصدق الافتراش على التورك والتورك على الافتراش لغة، وإذا كان بينهما تصادق فالفارق هو الجلوس على الأرض على مذهبهم، والجلوس على الرجل اليسرى على مذهبنا، فلنا ما في النسائي ص (173) عن عبد الله بن عمر وإن قيل: ما في النسائي في القعدة الأولى، وكلامنا في الثانية، فنقول: بناءً على الروايتين أخرجهما مالك في موطأه، أحدهما في ص (30) عن عبد الله بن دينار أنه سمع عبد الله بن عمر وصلى إلى جنبه رجل، فلما جلس الرجل في أربع تربع وثنى رجليه، فلما انصرف عبد الله عاب ذلك عليه فإنك تفعل. . إلخ، وظني أن الرجل الذي تربع هو ابن دينار نفسه فدل هذه الرواية على تربع ابن عمر في الرابعة، ولعله كان تربع في الثانية أيضاً فإن العذر فيهما، والرواية الثانية في موطأ مالك ص (31) عن عبيد الله بن عمر أنه أخبره أنه كان يرى عبد الله بن عمر تربع في الصلاة إذا جلس قال ففعلته وأنا يومئذ حديث السن، فنهاني عبد الله بن عمر، وقال: إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثنى رجلك اليسرى، فقلت له: إلخ، فانسحب حكم الافتراش على القعدتين، وهذه الرواية رواية النسائي فخرج مرامنا من النظر إلى ما في موطأ مالك من الحديثين وما في النسائي. ثم اعلم أن المذكور في موطأ سند الرواية الثانية من عبيد الله مصغراً غلط والصحيح عن عبد الله مكبراً لما في النسائي ص (173) عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، فإذاً ثبت افتراشنا بحديث النسائي، وتوركهم بحديث الباب فوجه الترجيح لنا إطلاق ابن عمر لفظ السنة على الافتراش، والخلاف في المختار لا في الجواز، وقال الحافظ: إن للشافعية ما في موطأ مالك ص (130) أن

القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمني، وثنى رجله اليسرى، وجلس على وركه الأيسر، ولم يجلس على قدمه إلخ، نقول: إن فعله ابن عمر لكنه أطلق لفظ السنة على افتراشنا، وأما الجواز فلا ننكره أيضاً، وبعد هذا قوي استدلالنا بما في مسلم عن عائشة، وقال النووي: إنه للأحناف، ولكنه لم يخرجه البخاري لأنه لم يثبت عنده سماع أبي الجواز عن عائشة، ولكن المعاصرة كافية عند الجمهور ومسلم خلاف البخاري، وحديث مسلم أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه سنداً ومتناً، وظاهرها يخالفنا ولكنه وقع فيه سقط من الناسخ فينبغي النظر فيه وذكر الشوافع نكتة أن اختلاف الهيأة في السجدتين يرفع الالتباس، وقال الأحناف: إن المكرر في الصلاة يكون على شاكلة واحدة مثل السجدة والركوع. قوله: (أخر رجله الخ) أي أخرجها إلى الجانب الأيمن. قوله: (وابن علي الحلواني الخ) واعلم أن الحلواني هذا منسوب إلى بلدة حلوان، وأما شمس الأئمة الحلواني فليس بمنسوب إلى بلدة حلوان كما زعموا بل نسبته إلى الحلوى، ويقال له: الحَلواني بفتح الأول وضمه، والحَلاوي والحَلوائِي.

باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح

باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح

[306] اختلف كتبنا، في بعضها اعتبار السور، وفي بعضها اعتبار الآيات، وكذلك في الأحاديث أيضاً، وقال مولانا المرحوم الگنگوهي باعتبارهما.

واعلم أن المراد من ستين أو مائة في الصبح ستون أو مائة في الركعتين، ولنا ما ذكرنا من أوساط المفصل وطوالها وقصارها أثر عمر الفاروق الذي كتبه إلى أبي موسى في اليمن.

باب ما جاء في القراءة في الظهر والعصر

باب ما جاء في القراءة في الظهر والعصر

[307] عن محمد بن حسن تطويل الأولى على الثانية في الخمسة وهو مذهب الشافعي، وعند الشيخين التساوي بين الركعتين إلا في الفجر، وظاهر الحديث لمحمد والشافعي، وأجيب من جانب الشيخين بأن تطويل الأولى كان بسبب الثناء، والخلاف في الأولوية لا في الجواز واختار ابن همام قول محمد. تنبيه: تعيين الأوساط أو الطوال أو القصار من بين المفصل بالصلوات مستحب.

قوله: (الركعة الأولى) أي الشفعة الأولى كما يدل ما في مسلم ص (185) و (186) عن أبي سعيد الخدري وكذلك ما في سنن ابن ماجه. قوله: (إن قراءة العصر كنحو قراءة المغرب الخ) عندنا في العصر أوساط المفصل، وهذا يخالفنا ظاهره ولكن الأمر من السواء وأحواله عليه الصلاة والسلام في السفر مختلفة فإنه ثبت عنه قراءة المعوذتين في الصبح، وفي العشاء قراءة والتين والزيتون. واعلم أن في ضم السورة في الأخريين ثلاثة أقوال لنا ذكرها ابن عابدين الشامي: قيل: بلزوم سجدة السهو بضم السورة، وقيل: مكروه ولا يلزم سجود السهو، وقيل: مباح ليس بسنة ولا مكروه، اختارها فخر الإسلام وهو المختار، وأكثر عمله عدم الضم لما في مسلم من (185) : ويقرء في الأخريين بفاتحة الكتاب إلخ) .

باب ما جاء في القراءة في المغرب

باب ما جاء في القراءة في المغرب

واقعة الباب واقعة مرض موته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

[308] قوله: (خرج إلينا) قال الحافظ والعيني: إن خروجه عليه الصلاة والسلام لم يكن إلى المسجد بل إلى البيت، وقال الحافظ: إنه عليه الصلاة والسلام لم يصل في المسجد في مرض موته حين جعل

أبا بكر إمام القوم إلا صلاة واحدة، ونقل عن الشافعي أنه عليه الصلاة والسلام صلى في المسجد واحدة، وقال البيهقي: إنه عليه الصلاة والسلام غاب في مرض موته في سبع عشرة صلاة إلا الصلاتين ظهر يوم السبت أو يوم الأحد وأمَّ الناس، وصلاة صبح، واقتدى بأبي بكر الصديق وسبق بركعة وأدرك أخرى، ووافقه الزيلعي وتبعه ابن همام، ونقل الزيلعي عن الحافظ ابن ناصر: من لم يقل بتعدد دخوله عليه الصلاة والسلام في المسجد فقد أخطأ، فتمشى ابن حجر على تحقيقه، وكان حديث الباب تخالفه تأول فيه، وأقول: إنه عليه الصلاة والسلام شهد في المسجد النبوي في مرض موته أربع صلوات، والبحث طويل سيأتي في البخاري، وأذكر أدلتي ثمة، وأثبت عن الشافعي شهوده عليه الصلاة والسلام في صلاتين، وعندي أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى المسجد في واقعة الباب، وعَضَّ الحافظ على ظاهر ما في النسائي ص (164) عن أم الفضل لفظ في بيته. . إلخ، وإني أرى فيه علّة، ولو سلم عدم الإعلال فأخرج المحمل فيه بأن في بيته حال أم الفضل لا حال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في المسجد، واقتدت أم الفضل خلفه وهي في البيت وهو في المسجد، وروي عن مالك أن الناس كانوا يقتدون بالإمام من حجرات أمهات المؤمنين. قوله: (فقرأ بالمرسلات الخ) يستحب عندنا قصار المفصل في المغرب ولا ننكر جواز غيرها، وأكثر عادته عليه الصلاة والسلام القصار في المغرب، ولنا في هذا كتاب عمر إلى أبي موسى وهو في يمن، وقال الطحاوي: لا يدل هذا على أنه عليه الصلاة والسلام أتم السورة، بل لعله تلا بعض الآيات، وتعقبه البيهقي على هذا وأتى برواية أنه عليه الصلاة والسلام قرء الطور، وادعى أبو داود ص (125) النسخ، وكيف يقال بالنسخ والحال أن الواقعة واقعة آخر عمره ومرض موته؟ إلا أن يقال بأنه استعمل النسخ بنسخ الطحاوي كما نقل الحافظ في الفتح عن ابن حزم أن تهجير صلاة الظهر منسوخ، والناسخ إبرادها، ولا يقول أحد بعدم جواز تهجيرها فنسخ الطحاوي أخذه بعض المحدثين.

باب ما جاء في القراءة في صلاة العشاء

باب ما جاء في القراءة في صلاة العشاء

[309] نسب إلى الأحناف أنهم لا يبالون بما وردت السور المعينة في الصلاة المعينة عنه عليه الصلاة والسلام ويقولون: لا تعين سورة، وقد صرح في البحر باستحباب قراءة السور الواردة في الأحاديث، ولكنه يتركها أحياناً قليلة كيلا يتوهم الناظر عدم صحة الصلاة بدونها فلا يتمشى على ظواهر متوننا كما زعمه أهل العصر، وصرح المحقق ابن أمير الحاج في الحلية بجواز الأذكار الواردة في الأحاديث في التطوع، والمكتوبة بلا نكير لكنه لا يثقل على الناس.

باب ما جاء في القراءة خلف الإمام

باب ما جاء في القراءة خلف الإمام

[311] مسألة الباب طويلة الذيل، ولقد صنف فيها الشافعية كثيراً من الأجزاء والكتب، وصنف البيهقي كتاب القراءة، ولنا فيه حديثان صحيحان صريحان، ما أخرجها البخاري في أجزاء القراءة، وتكلم البيهقي في أسانيد مستدلاتنا، وبه عمل البخاري، وما صنف حنفي في هذه المسألة تصنيفاً مستقلاً إلا أن البيهقي يرد على حنفي، وهذا يدل على أن حنفياً صنف فيها شيئاً والله أعلم. وحديث الباب أخرجه الشيخان في صحيحهما بدون القصة المذكورة في حديث الباب. وأقول: إن قطعة «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ليست في حق الجماعة بل في أحكام الصلاة، وأما في حق الجماعة فحديث: وإذا قرأ فأنصتوا» إلخ فإنه سوق الجماعة، وظاهر حديث الباب للشافعي، فإن الواقعة واقعة الجهرية، وسيجيء الكلام في هذا إن شاء الله تعالى، وأما مذاهب الأئمة: فالجمهور من أبي حنيفة ومالك وأحمد والأوزاعي وليث بن سعد وابن المبارك وإسحاق بن راهويه وغيرهم إلى عدم الجواز في الصلاة الجهرية، وأما في السرية فلهم أقوال من الوجوب والاستحباب أو الإباحة، والقول القديم للشافعي عدم الجواز في الجهرية لا السرية، ثم لما دخل مصر قال بالوجوب فيهما، وكذلك في مختصر المزني بلغني عن بعض أصحابنا أن الشافعي قال بالوجوب فيهما، وقال الشافعية: إن المراد من بعض الأصحاب هو ربيع بن سليمان، فهذا مسكة الشافعية في نقل المذهب لهم عن إمامهم، ولم يسمع المزني بإذنه الوجوب عن الشافعي، وكتاب الأم للشافعي خالٍ عن الوجوب في الجهرية، في كتب المتقدمين منهم ذكر القولين واشتهر في كتب المتأخرين القول الجديد، فتفرد الشافعي في الوجوب في الجهرية، واعلم أن المروي عن أبي حنيفة عدم القراءة في السرية والجهرية، وقالوا في الجهرية بعدم الجواز، وفي السرية تحت ما روي عن أبي حنيفة أقوال خمسة، والمشهور في المتأخرين ما قال ابن همام من عدم الجواز والكراهة تحريماً، وتمسك ابن همام بآية: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] إلخ، وقال: إن الاستماع في الجهرية والإنصات في السرية والجهرية، والمذكور في الآية النهي عن القراءة خلف الإمام في الجهرية، ولا تعلق لها بالسرية، والإنصات معناه في اللغة (كان لگانا أورسننا) ويكون في الجهرية سيما إذا اجتمع الاستماع والإنصات، وما من كلام فصيح يكون الإنصات فيه في السر، وفي حديث:

(من أتى الجمعة واستمع وأنصت) استعمل في الجهرية، وكذلك في حديث: صور إسرافيل أنه قائم استمع وأنصت في الجهرية، وكذلك في: ~ يا من يؤمل أن تكون صفاته ... كصفات عبد الله أنصت واسمع ~ إذا قالت حذام فانصتوها ... فإن القول ما قالت حذام وقال الشيخ: إن ما ذكر صاحب الهداية من استحسانها في السرية لعله ليس بصحيح فإنه ينفيها في موطأه وكتاب الأثار وأقول: إن رواية الاستحسان لعلها قد تكون عن محمد فإن صاحب الهداية مثبت وأما ما في الموطأ وكتاب الآثار فلا يدل على عدم الجواز، بل يدل على عدم الرضاء، ولا يدل على الكراهة أيضاً. بل الأولى عدم القراءة في السرية، والمتحقق عندي عن مذهب أبي حنيفة عدم جواز القراءة في الجهرية، وكونها غير مرضية في السرية، واختار مولانا عبد الحي الجواز في السرية بلا كراهة، وأتى بأقوال المشائخ وما أتى بالرواية، وأتى بما في المجتبى لصاحب القنية شرح القدوري، وبعمل أبي حفص الكبير تلميذ محمد، وبعمل الشيخ نظام الدين شيخ التسليم معاصر شارح الوقاية، وعندي أيضاً فقول المتقدمين في جوازها في السرية، منها ما في الذخيرة للبرهاني جد صاحب شرح الوقاية فإنه ذكر اختلاف مشائخنا في القراءة في السرية، ولكنه اختار من جانبه نفي القراءة في السرية ومنها ما في المقدمة الغزنوية القلمية: أن أبا حنيفة أجاز القراءة في السرية ثم رجع عنه، والجمع بين المرويين عنه للرجوع، ومنها تفسير أبي منصور الماتريدي التأويلات السمرقندي، ومنها ما في الأسرار للقاضي أبي زيد الدبوسي، ومنها ما في شرح مختصر الطحاوي لأبي بكر الرازي. (اطلاع) : في استذكار أبي عمر أن ليثت بن سعد موافق للشافعي فكان مخالفاً لما ذكرت من مذهبه، وكنت متردداً في ما نقل أبو عمر، لأن ليثاً يروي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة إلخ، وله سماع عن أبي يوسف، فكيف يقول مثل ما قال الشافعي؟ مع رواية هذا الحديث أخرجه الطحاوي ص128 عن أحمد بن عبد الرحمن عن ابن وهب عن ليث عن يعقوب عن نعمان عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر بن عبد الله عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والسند أقوى، فإنه قلما يوجد مثل هذا لأن فيه أربعة أئمة، حتى أن وجدت في فتاوى ابن تيمية، وفيه أن ليثاً قائل باستحباب القراءة في السِّرية، فعلم أن ما في الاستذكار مسامحة، وفي كتاب الخراج رواية يعقوب عن الليث هذا المذكور مذاهب الأئمة، وأما مذاهب الصحابة فلا أعلم من قال بالقراءة خلف الإمام في الجهرية إلا قليل، وعنهم أيضاً اختلاف النقل إلا عبادة بن صامت، وهو أيضاً محتمل فيه بالقول بالوجوب أو الاستحباب، ومذهب الشافعية وجوبها ومن الذين عنهم اختلاف النقل عمر بن

الخطاب، فإنه أمر بالقراءة في الجهرية في سنن الدارقطني، وكتاب القراءة للبيهقي، وفي جزء القراءة للبخاري أيضاً القراءة عن عمر، لكنه خال عن قيد الجهرية وما في سنن الدارقطني فيه رجل متكلم فيه، وعندي يبلغ مرتبة الحسن، ثم روي عن عمر خلاف هذا في موطأ محمد بن الحسن، ولكنه منقطع، والمنقطع من الآثار مقبول ورجاله ثقات، وكذلك في مصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، ومنهم ابن عباس ففي جزء القراءة للبخاري القراءة خلف الإمام، وفي الطحاوي ص (121) خلافه، وهو النهي عن القراءة خلف الإمام، ومنهم صحابي آخر، وعنه أيضاً اختلاف النقل فلم يبق من الصحابة قائل بالقراءة في الجهرية إلا عُبادة، وفي مذهبه أيضاً احتمال الاستحباب، ويمكن حمل قول عمر: «وإن جهرت» الخ في سنن الدارقطني على ثالثة العشاء ورابعتها، أي في الركعة السرية للصلاة الجهرية، ولا يقال: إنه حمل على ما هو ليس مذهب أحد، أقول: إنه وإن لم يكن مذهب من الأئمة الأربعة لكنه مذهب بعض السلف، كما وقع في كتاب القراءة للبيهقي في موضعين: أن بعض العلماء يقولون بالقراءة في الركعات السرية للصلاة الجهرية، ووجدت هذا المذهب في جزء القراءة للبخاري أيضاً، وفيه: «إذا لم يجهر الإمام في الصلاة فاقرأ بأم القرآن في الأوليين من الظهر والعصر، وفي الأخريين من العشاء، وفي الآخرة في المغرب» فلا يكون حمل قول عمر على البدعة، ولكن الحمل على هذا بعيد، وأما مذاهب التابعين ففي القراءة في السرية طائفتان؛ قالت طائفة بالقراءة في السرية، وقالت أخرى بتركها فيها، وأما القائلون في الجهرية فشرذمة قليلة منهم مكحول، وعد البخاري في جزء القراءة جماعة التابعين لكن بعد فرق السرية والجهرية لا يبقى إلا شرذمة قليلة، ومأخذ المذاهب الجزئيات المروية عن ذويها، والإجمال في فتاوى ابن تيمية فإنه أثبت النفي في الجهرية، والاستحباب في السرية كما هو مذهبهم، وأما التفقه ففي المسألة أحاديث: أحدها حديث إيجاب الفاتحة، وهو صحيح بلا ريب، والثاني: حديث أمر الإنصات، وهو صحيح بلا ريب وتردد، وإن تردد فيه البخاري في جزء القراءة، وحديث: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» وهو صحيح إن شاء الله تعالى، كما سيأتي عن قريب، فاختلفوا في الجمع بين الأحاديث فالتفت الأحناف إلى أحوال الأشخاص، واستثنوا المقتدي من ظواهر أوامر إيجاب الفاتحة، وأما الجمهور فخصصوا أوامر إيجابها بالسرية وقصروا الإنصات على الجهرية، وأما الشافعية فتمشوا على ظواهر أوامر الإيجاب، واستثنوا الفاتحة من أمر الإنصات، وحديث: «قراءة الإمام له قراءة» . وأما حديث الباب فظاهره للشافعية فإن الواقعة واقعة الجهرية، وتصدى الأحناف إلى الجواب عنه، وكذلك توجه الجمهور إلى الجواب عنه، فأذكر ما أجاب مولانا المرحوم الگنگوهي رحمه الله مع إضافة أشياء من جانبي، فقال مولانا رحمه الله: لا يخرج من الحديث وجوب القراءة بل إباحتها،

والإباحة أيضاً غير مرضية ثم نسخت الإباحة بحديث الباب اللاحق، والوجه أن في الحديث استثناء من النهي، وهو لا يدل على الوجوب ولا يتوهم الوجوب من قطعة «فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» فإنها في حق الإمام والمنفرد، ومرادها أن جنس الصلاة لا تكون خالية عن الفاتحة، ويؤيد مولانا ما في أبي داود ص (119) قال سفيان: هذا لمن يصلي وحده، ثم لما كان شأن صلاتهما عدم خلوها عن الفاتحة تحملت الفاتحة في حق المقتدي أيضاً إباحة، والفاتحة في حقهما واجبة معينة، وسائر السور واجبة مخيرة ثم بعده ارتفعت الإباحة أيضاً، وتلخيص الدعوى أن قطعة: «فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها، ليس بتعليل لما سبق بل شاهد عليه والتعليل ما يجري في الجزئية التي نحن فيها والشاهد ما لا يلائم تلك الجزئية وإن لم يجر فيها، وأمثلة الشواهد مروية عنه فإنه عليه الصلاة والسلام يتلو آية ولا تكون واردة فيما تلافيه إلا أنها تكون ملائمة له، ويقول كبار الشارحين إنه استشهاد، وكما في النسائي ص (113) عن أبي سعيد الخدري قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هو مسجدي هذا» فالآية واردة في مسجد قباء، واستشهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على مسجده النبوي، والدليل على أنه استشهاد: أن حديث الباب حديث محمد بن إسحاق، وحديث الزهري السابق حديث الصحيحين حديث واحد، وفي حديث الزهري زيادة «فصاعداً» أيضاً، أخرجها أرباب السنن كما في أبي داود ص (119) وغيره فتفهم الزيادة بحديث الباب أيضاً، فإذن تناقض صَدْر حديث الباب وعَجُزُه لو كانت القطعة الثانية في حق المقتدي أيضاً، ولو قلنا بأنه استشهاد لا يلزم التناقض، وأما اتحاد الحديثين فأقرَّ به الحافظ ابن حجر في الفتح فإنه قال: إن الحديثين واحد، إلا أنه يذكر الحكم ومورده في بعض الطرق، والحكم فقط في بعضها، وكذلك أشار الترمذي في اتحاد الحديثين بقوله: وروى هذا الحديث الزهري، الخ أي سابقاً، وهذا أصح، أي المختصر السابق أصح، وأشار إليه البخاري في جزء القراءة وابن حبان في كتاب الثقات إلا أن إشارة ابن حبان خفية لا يدركها عامة الناس. وأما إثبات زيادة «فصاعداً» وإن تردد فيها البخاري في جزء القراءة فمطلوب منا، وقال البخاري: إن راوي الزيادة عبد الرحمن بن إسحاق، ولم يبالِ بعبد الرحمن، وراويها معمر وهو متفرد، وأقول: إن عدم المبالاة بعبد الرحمن غير صحيح، فإن عبد الرحمن اثنان: ابن إسحاق أبو شيبة الواسطي، وهو متفق على ضعفه، والثاني ابن إسحاق المدني، وهو ثقة من رواة مسلم، وقد أخذ عنه البخاري مطلقاً في موضعين، وراوي الزيادة هو المدني وهو ثقة. (تنبيه) زعم ابن الهمام أن عبد الرحمن الواسطي والمدني واحد، وذكر عبارة تخريج الزيلعي بعينها، مع أنها إما من سهو الكاتب، أو مسامحة الزيلعي، فإنه لا يمكن عدم اطلاع الزيلعي على كون عبد الرحمن بن إسحاق اثنين، وذكر الزيلعي في حديث أبي داود: «ولا تدعوا سنتي الفجر، ولو طردتكم الخيل» ما في التخريج بعينها، مع أن الواسطى ضعيف متفق على ضعفه، والمدني ثقة، وإن تكلم فيه البعض ـ وأقول: لا يمكن إسقاط زيادة «فصاعداً» رواها معمر في مسلم والنسائي باب

النوافل (12) ، وتابعه سفيان بن عيينة في سنن أبي داود ص (119) ، وتابعه الأوزاعي وشعيب بن أبي حمزة كما في كتاب القراءة للبيهقي، فلما رواها عبد الرحمن المدني والأوزاعي وسفيان ومعمر وشعيب بن أبي حمزة لا يمكن إسقاطها ولها شواهد، أيضاً رواها بعض الصحابة عن أبي هريرة وأبي سعيد، ورفاعة، وجابر بن عبد الله، فصح زيادة «فصاعداً» ثم زعم الأحناف مراد الحديث وجوب الفاتحة، ووجوب ضم السورة ولكنه يخالف اللغة، فإن أرباب اللغة متفقون على أن ما بعد الفاء يكون غير ضروري، وصرح به سيبويه في «الكتاب» في باب الإضافة، وقال أيضاً: إن بعه بدرهم وصاعد في هذا المراد غلط، وكذلك بعه بدرهم فصاعدٍ ـ بجر صاعد ـ أيضاً غلط بل صاعداً، منصوباً عطف جملة على الجملة، فعلى هذا يمكن للشافعية قول: إن لا صلاة إلا بأم القرآن بدون فصاعداً في حق المقتدي، وبزيادتها في حق الإمام والمقتدي، وأقول: وإن كان التأويل ممكناً ولكنه يوجب سوء الربط في نظم الحديث، ولا يشير الحديث إلى التقسيم أصلاً، ولنا أن نقول: بأنا نحمل على المعنى فيه حسن الربط، ثم إني تتبعت الأحاديث الكثيرة فالتعبيرات أنواع، أحدها ما فيه صيغة الأمر وبعدها ذكر الفاتحة وضم السورة، وفي هذا التعبير صح حديثان؛ حديث رفاعة في أبي داود: «ثم إقرأ بأم القرآن أو ما شاء الله أن تقرأ» فدل على وجوبهما، والثاني حديث أبي سعيد: «أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر» أخرجه النسائي وأبو داود ص (24) ، وفي التعبير الثاني نفي الصلاة بانتفاء القراءة، وأخذ فيه الفاتحة والسورة وصح في هذا التعبير عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله، وأخرج الطحاوي ص (124) رواية جابر وأخرجها ابن ماجه أيضاً، وحديث أبي هريرة أخرجه أبو داود ص (125) ، وفي هذا التعبير في بعض الطرق «مازاد» بالواو وفي بعضها: «فما زاد» بالفاء، وفي التعبير الثالث: الحكم على الفاتحة فقط، وذكر فيه: «فصلاته خداج» أخرجه الترمذي، فأقول بعد هذا: إن حديث الباب حديث عبادة على أسلوب التعبير الثاني، فيكون فيه أيضاً لفط «فصاعداً» ثم في حديث جابر ورفاعة «وما زاد» أو «وما تيسر» بالواو، وفي حديث أبي هريرة في بعضها «واو» وفي بعضها «فاء» والواو تدل على وجوب ما قبل الواو وما بعدها، فيوجب وجوب الفاتحة، ووجب ضم السورة وهو مذهبنا، فإذن خالف حديث الباب بزيادة «فصاعداً» الشافعيةَ، فإنهم يقولون بعدم وجوب ضم السورة، ووقع التعارض بين صدر الحديث وعجُزِه، فلا بد من قول: إن في الحديث استشهاداً لا تعليلاً ثم أقول: إن ما ذكر أرباب اللغة أن مصداق ساعداً يكون أولى غير واجب لا بد من قصره على الفاء، ويكون مصداق صاعداً بعد الواو ضرورياً، فعليهم الترميم في ضابطتهم، فإذن لا يمكن للشافعية قول التقسيم في الحديث. (زائدة) أقول: إن بفاتحة الكتاب في «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» الخ لو كان متعلقاً بالنفي لا يكون للشافعية مخلص مذكور، ولو يتعلق بالمثبت يكون لهم مخلص، وبحث ابن حاجب في أماليه، في أن المتعلقات الواردة بعد المنفي هل هي متعلقة بالنفي أو المثبت أي المنفي وأطنب، وحاصله تعلقها بالمثبت، وأقول: كيف قال ابن حاجب هذا مع أنها متعلقة بالنفي أيضاً في القرآن

العظيم وغيره من كلام الفصحاء؟ والآية من {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82] ، ثم أورد الأحناف على الشافعية في متن الحديث، بأن قراءة الفاتحة لو كانت فريضة على المقتدي، كيف قال الشارع عليه الصلاة والسلام بلفظ: «لعلكم تقرؤون خلف إمامكم» ؟ وأجاب الشافعية بوجهين، أحدهما: أن سؤاله عليه الصلاة والسلام ليس عن أصل القراءة، بل عن الجهر، وكان حق المقتدي الإسرار وقال مولانا: إنه مستبعد، فإن الرجل كان من عن يمينه ويساره يسر، فكيف يجهر هذا؟ وثاني وجه الجواب ذكره البيهقي: بأن مورد السؤال السورة لا الفاتحة، فيكون في كلامه عليه الصلاة والسلام قصر إفراد، وأقول: يرده الرواية الصريحة، أخرجها الدارقطني في سننه وحسن إسنادها، وفيها «منكم من أحد يقرأ شيئاً من القرآن» ففي هذه الرواية نكرات ودلت على أن أحداً قرأ شيئاً من القرآن، فلم يجهر هذا الرجل ولم يزد على الفاتحة، ويمكن للشافعية وله رواية قوية عن ابن مسعود، أنهم كانوا يجهرون فنزلت: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: 204] إلخ، أخرجها الدارقطني، والبيهقي في كتاب القراءة، ولم يتوجه إليها شافعي العرض في الجواب، وأقول مجيباً من جانب الأحناف: إني تتبعت طرق الحديث واستقريتها، فما وجدت في أحدها لفظ الجهر في سؤاله عليه الصلاة والسلام، فيقال: إن جهرَ الرجل كان ذريعة لعلمه عليه الصلاة والسلام، ولم يكن مورد سؤاله عليه الصلاة والسلام، ولم يكن سؤاله عليه الصلاة والسلام إلا عن القراءة، فمثار الصلاة القراءة لا الجهر فبعد اللتيا والتي لا يخرج من الحديث إلا إباحة الفاتحة، وهي أيضاً غير مرضية، والقرائن على هذا: أن حديث الاختلاف في القراءة والمنازعة فيها رواه غير عبادة عن أنس وأبي هريرة وابن مسعود بأسانيد قوية والحال أن مذاهب الثلاثة ترك القراءة في الجهرية، فزعموا مراد الحديث ما زعمنا، وأما حديث المنازعة عن أبي هريرة فأخرجه الترمذي ص42 وفيه مذهبه من ترك القراءة في الجهرية، وفتوى عائشة من تركها في الجهرية، ذكرها مولانا في رسالته من السنن الكبرى، وقع فيها غلط في السند من الناسخ، وأخرجها البخاري أيضاً في جزء القراءة والسند فيه صحيح وفي متنه فيه غلط فاحش من الناسخ ويخالفنا، والصحيح ما في كتاب القراءة للبيهقي ص (66) : «كان عائشة وأبو هريرة يأمران بالقراءة في الظهر والعصر» وفيه مروي بسندين، والمتن التام في السند الأول وهو متكلم فيه، لأن فيه عكرمة بن عمار وهو ضعيف، والتمسك بالسند الثاني، وهو يضم به المتن التام، وهذا أقوى ومروي بطريق قاسم بن بهدلة، وليضم هذا الفتوى بقول أبي هريرة: اقرأ بها في نفسك يا فارسي، أي اقرأ بها في السرية، وأما مرفوع أنس ففي آثار السنن ص (80) رواه البخاري في جزء القراءة وأعله البيهقي، وأقول: قد صححه البيهقي في كتاب القراءة، وأما فتوى أنس ففي مصنف ابن أبي شيبة أنه كان يسبح خلف الإمام، فعلم أنه لا يقرأ خلف الإمام، وفي سند فتواه ثعلبة ولم أعرفه إلا أنه أبو بحر، وهو من رجال الأربعة، للحافظ لا السنن الأربعة وأما مرفوع ابن مسعود ففي آثار السنن ص (82 رواه الطحاوي

والطبراني، وأما فتواه فمشهور وقرائن أخر على دعاوينا في رواية أنس مرفوعة، فإنه روى عنه ابن أبي شيبة في مصنفه مرسلة عن أبي قلابة: هل تقرؤون خلف إمامكم؟ فقال أحدهم: نعم، وقال أحدهم: لا، فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن كنتم لا بد فاعلين، فليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه» إلخ، فمن قال: لا، لم يأمره النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالإعادة، ولم يشنع عليه، وأيضاً قال: إنكم لا بد فاعلين، ولم يجد عليهم بل دل على عدم الرضاء بها، وأيضاً قال: «فليقرأ أحدكم» ولم يأمر كلهم استغراقاً، ولفظ أحد لا يدل على العموم، وعندي في هذا كثير من الشواهد مثل آية { [الكهف: 19] إلخ هذا ما تيسر لي الآن، وأما حديث الباب حديث ابن إسحاق فحسنه الترمذي، وصححه بعض الشافعية، وقال الحافظ: صححه البخاري، والحال أنه لم يصححه بل متردد في صحته، نعم أخرجه في جزء القراءة، وأعله أبو عمر في التمهيد في عبارتين ونقل ابن رشد في بداية المجتهد عن أبي عمر أنه يصححه، والله أعلم أنه من أين أخذ، فإن عبارتي أبي عمر عندي موجودتان، وفيهما إعلال، ولعله تصحف من ابن حزم، وأعله أحمد ذكره ابن تيمية في فتاواه وأشار ابن حبان إلى الإعلال في كتاب الثقات، وأعله الحافظ ابن رجب الحنبلي تلميذ ابن تيمية، وأعله ابن تيمية في فتاواه، وقال: صنفت في إعلاله كتاباً مستقلاً، وذكر ابن تيمية وجه الإعلال في فتاواه أن واقعة الباب لم يقع في عهده عليه الصلاة والسلام، بل قرأ عبادة بنفسه خلف إمامه فسأله سائل فروى عنده حديث: لا «صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وقريب من هذا ما في أبي داود ص (119) عن الربيع بن سليمان عن عبد الله بن يوسف عن الهيثم إلخ، إلا أن فيه ذكر القصة أيضاً، أي وقعت الواقعة في عهده عليه الصلاة والسلام، وليعلم أن في ذلك الحديث قلب من الراوي، وأساء في ذكر ترتيب ألفاظ الحديث: «فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرتُ إلا بأم القرآن» ، وعندي أنه من الراوي، وأقول: إن إعلال ابن تيمية هذا غير جار، ويمكن في وجه الإعلال بأن في حديث عبادة بأنه روي عنه ثلاث مضامين؛ أحدها: أنه قرأ بنفسه، فسأله سائل لم قرأت خلف الإمام؟ فتمسك بعموم حديث: «لا صلاة لمن لم» إلخ، وما احتج بالقصة، وليس فيه ذكر القصة الواقعة في عهده عليه الصلاة والسلام، وهذا قوي سنداً، والثاني: ما بين أيدينا من حديث الباب، والثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ولا قصة فيه أصلاً، هذا وأيضاً صحيح، والحديث بالمضمون الأول مروي عن نافع بن محمود، والحديث الثالث مروي عن محمود بن ربيع، وأخطأ مكحول في الجمع بين ما عنده عن نافع، وما عنده عن محمود، وتفرد مكحول في ذكر القصة والحديث القولي، فالعلة هذا لا ما قال ابن تيمية. واعلم أنه قد سهى البخاري في الجزء فإنه ذكر في السند ابن ربيع، وكتب الكاتب ابن ربيعة، وزعمه البخاري محمود بن ربيع، والحال أنه هو نافع بن محمود بن ربيع، وسهى الحافظ حيث قال:

إن حديث عبد الله بن عمرو قوَّى سنده البخاري كما في التهذيب، والحال أن البخاري متردد فيه، وسهى الحافظ حيث قال في تلخيص الحبير: إن البخاري صحح حديث محمد بن إسحاق، والحال أن البخاري متردد فيه نعم أخرجه في جزء القراءة. قوله: (وفي الباب الخ) رواية أبي هريرة ليست في الصلاة الجهرية بل في السرية، ورواية عائشة في وجوب الفاتحة كما في مسلم، وقد مر مذهب عائشة في كتاب القراءة ص (66) ، ورواية أنس مختلفة في الرفع أي الاتصال والإرسال، وقالوا: إن الصواب الإرسال كما قال الدارقطني في علله، وفيه: «إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه» وهو أيضاً في السرية لا الجهرية، والحمل على الجهرية بعيد كل البعد، ونقول: إن إسرار القراءة في الصلاة النهارية، والجهر في صلوات الليل مجمع عليه، فقول الشافعي بالإسرار للمقتدي في الجهرية غير المجمع عليه، فلا بد من دليل قوي غاية القوة، وحمل مالك حديث أنس: «في نفسك» إلخ على ما حملت قبل. قوله: (وهو قول مالك بن أنس) هذا خلاف الواقع، فإن مالكاً ينفي القراءة في الجهرية كما في موطأه ص (28) ، وكذلك مذهب ابن المبارك لا يوافق الشافعي في الجهرية كما سيأتي في الترمذي، وكذلك ليس مذهب أحمد مذهب الشافعي كما سيأتي، وكذلك ليس مذهب إسحاق بن راهويه مذهب الشافعي، كما هو موجود في الخارج، فلا يصح قول الترمذي: إلا بحمله على أنهم قائلون بالقراءة خلف الإمام في الجملة.

باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة

باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة

هذا الباب للعراقيين بل للجمهور.

[312] قوله: (مالي أنازع في الخ) قال رجل فاضل حنفي: إن لفط المنازعة يدل على أن الفاتحة حق الإمام، ويختلس المقتدي عنه وليس حقه، فإن المنازعة خلس حق الغير بالخصومة وإني متردد في هذا فإن في المنازعة محاورة خاصة فصيحة، وهو أخذ الكلام نوبة بنوبة كما قال الأعشى: ~ نازعتهم قضب الريحان متكئاً ... وقهوة مزة راووقها خضل وقال الحويدرة أو الحادرة: ~ وإذا تنازعك الحديث رأيتها ... حسناً تبسمها لذيذ المكرع قوله: (قال فانتهى الناس إلخ) قال الشافعية: إنه قول الزهري وليس قول أبي هريرة، فيكون مرسلاً، وأقول: أولاً: إن الزهري رأى عمل كثير من الصحابة فلا يكون قوله مخالفاً لهم. وثانياً: إن الجمهور من المحدثين من أبي داود والذهبي والبخاري وغيرهم، على أنه قول الزهري، والحق أنه قول أبي هريرة، ومنشأ حكمهم أن الزهري روى الحديث، ولما روى عن أبي هريرة «فانتهى الناس» لم يبلغ صوته بعض تلامذته فلم يسمع، وسأل عن الآخر ما قال الزهري؟ قال: قال الزهري: «فانتهى الناس عن القراءة» فزعمه المحدثون أنه قول الزهري من جانبه، والدليل على هذا ما في أبي داود ص120: قال ابن السرح في حديثه: قال معمر عن الزهري قال أبو هريرة: «فانتهى الناس» إلخ، وقال عبد الله بن محمد: الزهري من بينهم، قال سفيان: وتكلم الزهري بكلمة لم أسمعها، فقال معمر: إنه قال: فانتهى الناس عن القراءة» إلخ، ونظائر هذا عندي كثيرة، وقالوا فيها: إنه قول من الراوي كما قالوا هاهنا، وهو في الأصل موصول منها ما في البخاري ص (600) ، حفظت بعضه وثبتني معمر، ومنها ما في الترمذي المجلد الثاني وهو عين نظير ما في أبي داود، وفي كتاب القراءة للبيهقي بسند قوى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما كان من صلاة يجهر فيها الإمام بالقراءة فليس لأحد أن يقرأ معه» ومر عليه البيهقي في كتاب القراءة، وقال: إنه منكر ولو صح،

إلخ، وأقول: كيف يقال بأنه منكر مع ثقة الرجال؟ وحديث الباب لنا، وقال مولانا المرحوم الگنگوهي: إن حديث الباب ناسخ للإباحة المستفادة من حديث الباب السابق، وبناؤه على كون حديث الباب غير ذلك الحديث ونقل الحافظ أبو بكر الحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ: إن بعض العلماء على تعدد الحديثين، فإذا كان حديث الباب غير ذلك الحديث، فمن الظاهر أن حديث الباب متأخر عن ذلك الحديث ويظن أن الحديثين واحد، وفي حديث الباب في أبي داود: وقال راوٍ: أظن أنها الصبح، وقال رأوٍ. إنها الصبح بالجزم، لكنه يلزم الخلاف بين الحديثين، فإن في السابق ذكر قراءة الفاتحة خلف الإمام، وفي حديث الباب انتهاء الناس عن القراءة، فأقول: إنه عليه الصلاة والسلام استثنى الفاتحة لكنه كان غير مرضي عنده عليه الصلاة والسلام، ولما زعم الصحابة عدم رضاءه عليه الصلاة والسلام، انتهى عنها الجمهور إلا عبادة، فعبر الرواي بـ «فانتهى الناس عن القراءة» فيكون الحديثان متحداً ثم نكتة ترك أبي هريرة ذكر إجازته عليه الصلاة والسلام الفاتحة أنه لو ذكر مع قوله: «فانتهى الناس» عن القراءة لما صار الكلام مربوطاً ومسد كلام أبي هريرة وغرضه بيان انتهاء الناس عن القراءة وتركهم القراءة ولا مدخل استثناء الفاتحة في غرضه ومسده ثم قال الشافعية: ولو سلمنا أن «فانتهى الناس عن القراءة» قول أبي هريرة لكان المراد من الانتهاء الانتهاء عن الجهر، وأقول: إن هذا التأويل محض تأويل لا يقبل العقل السليم، ولو قيل: إنهم تركوا السورة وانتهوا عنها لا عن الفاتحة فلا بد من النص عليه. ولما حققت من مذهب أبي حنيفة عدم جواز القراءة في الجهرية وجوازها في السرية مع اختيار تركها فيها فأذكر الأدلة: فلنا في السرية ثلاثة أحاديث: أحدها: حديث: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» أخرجه الدارقطني والبيهقي مرسلاً وصله أبو حنيفة وقالا: الصواب الإرسال، وتكلم الدارقطني في وصل أبي حنيفة، وذكره جابر بن عبد الله، ورد تكلمه في حقه وأقول: إن حديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» صحيح بلا ريب وأما قول: إنه مرسل فجوابه من ثلاثة أوجه: الأول: أنه لو سلمنا أن الصواب الإرسال كما اعترفتم فنقول: إن المرسل المؤيد بفتيا الصحابة يكون مقبولاً عند المحدثين بلا نكير، ووافقه كثير من فتاوى الصحابة حتى إن ألفاظ بعض الفتاوى قريبة من ألفاظ الحديث، منها فتوى ابن عمر أخرجها مالك في موطأه، ومنها فتوى زيد بن ثابت أخرجها مسلم في صحيحه باب سجدة التلاوة، ومنها فتوى جابر بن عبد الله أخرجها الترمذي في سننه كما سيأتي فلا وجه لتركه. والوجه الثاني: إن منتهى السند المرسل عبد الله بن شداد، وأقر الحافظ في الفتح بكونه صحابياً صغيراً، وعن أحمد بن حنبل أنه وجد رؤيته عليه الصلاة والسلام ولم يسمع عنه فيكون مرسل الصحابي، ومن المعلوم أن مرسل الصحابي مقبول بلا ريب، فإنهم اتفقوا على قبول مراسيل الصحابة.

والوجه الثالث: أن الشيخ ابن همام أخرج الحديث متصلاً من مسند أحمد بن منيع أستاذ البخاري وغيره بسند على شرط الشيخين، صورة السند هذا: حدثنا إسحاق الأزرق، أنا سفيان وشريك عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر بن عبد الله وليس في هذا السند أبو حنيفة فلا يكون أبو حنيفة متفرداً، وأما تفصيل رواة الإسناد فإسحاق الأزرق من رواة الصحيحين، وسفيان هو الثوري وشريك ابن عبد الله النخعي، وموسى بن أبي عائشة ثقة اتفاقاً، وعبد الله وجابر صحابيان وفي البدر المنير حاشية فتح القدير لأبي حسن السندهي حكاية ولازمها تصحيح أحمد بن منيع والحكاية، أن العلامة قاسم بن قطلوبغا كتب لحضرة شيخه الشيخ ابن همام يسأله عن مأخذ حديثه، وقدوته في تصحيح الحديث، فأجاب الشيخ: أخذته من إتحاف المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري. (زائدة) اختلف الناقلون في تعيين اسم الكتاب، فقيل: إتحاف المهرة، وقيل: إتحاف الخبرة، وقيل: إتحاف الخِيَرة، والمعروف الأول، وفيه قال البوصيري: أخذت بقراءة السند بحضرة الشيخ حافظ الدنيا فما وصلت إلى متن الحديث، قال الحافظ: هذا رائحة حديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» فتعجبت من ذكاء الحافظ، أقول: عرضت الحكاية على شيخنا مولانا دام ظله العالي على رؤوس المسترشدين، فقال: إن الحافظ لم يرض بالحديث، قلت: إن الحافظ وإن لم يرض به لكنه لم يقدر على بيان العلة أيضاً، فالحاصل أن الحديث صحيح، وأما أنا فما وجدت الحديث في النسخة التي تحت مطالعتي لإتحاف المهرة لكني أقطع بأن الحديث صحيح، وأن في نسختي سقطاً من الناسخ فإن القصة المفصلة المذكورة لا يمكن انكارها، ثم أخرجه الشيخ بن همام بسند آخر من مسند عبد بن حميد عن أبي نعيم فضل بن دُكَين عن حسن بن صالح الخ وقال: إنه صحيح على شرط مسلم، وأقول: فيه تردد فإن في سنده جابر الجعفي ولعله ليس من المزيد في متصل الأسانيد كما هو مذكور في سنن ابن ماجه ص61، ولكن السند الذي وجده الشيخ حذف منه جابر وربما يقلد الشيخ جمال الدين الزيلعي ولم يأت بالزائد على تخريج الزيلعي إلا في عدة مواضع، منها ما في باب المهر، ومنها ما في باب التطوع، ومنها ما في هذا الموضع الحديث الذي نحن فيه، ثم إن قيل: إن في حديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» احتمال وهم الراوي وخطؤه نقول: لا يمكن هذا الاحتمال فإن فتاوى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين مؤيدة له سيما إذا كانت ألفاظ الفتاوى قريبة من ألفاظ الحديث المرفوع، واعلم أن حديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» أخرجه الحاكم ولم أجده في نسخة المستدرك، وإنما ذكره ابن الهمام بسند أبي حنيفة وفيه ذكر صلاة الظهر، وذكر أن الرجلين تنازعا بعد الفراغ عن الصلاة، فقال أحدهما بالقراءة خلف الإمام وقال الآخر بتركها، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراء» ة فدل الحديث على ترك القراءة في السرية، ولكنه لا يدل على عدم جوازها في السرية نعم يدل على تركها في السرية، ولنا حديثان آخران في تركها في السرية وأما أدلة عدم جوازها في الجهرية فكثيرة منها آية: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا

لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وأجاب عنها الشوافع شافياً، ونقل الزيلعي عن البيهقي عن أحمد بن حنبل أجمع العلماء على أن الآية واردة في الصلاة، وقال رجل: إن البيهقي لم ينقل عن أحمد في كتاب القراءة، وغرضه الاعتراض على الزيلعي أقول: إن الزيلعي لم يحل إلى كتاب القراءة ليلزم ذلك الرجل الجاهل على أن أبا عمر أيضاً نقل عن أحمد بن حنبل في التمهيد إلا أن الزيلعي نقل بالسند بخلاف أبي عمر ومن أدلتنا حديث الباب أخرجه مالك في الموطأ وحسنه الترمذي وصححه أبو حاتم، وحديث: «وإذا قرأ فأنصتوا» قد صححه أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أثرم تلميذ أحمد وابن جرير في تفسيره، وأبو عمر وابن حزم الأندلسي وزكي الدين المنذري والحافظ ابن حجر العسقلاني، وكل من الحنابلة والموالك والأحناف، وأخرجه أبو داود والنسائي حديث: «وإذا قرأ فأنصتوا» عن أبي موسى وأبي هريرة صححهما مسلم فإنه أخرج حديث أبي موسى في تشهد مسلم وسأله تلميذه عن حديث أبي هريرة فأجاب مسلم بأنه صحيح، ولنا حديثان صحيحان في كتاب القراءة أحدهما في ص (99) حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن الطمامي المقرئ نا أحمد بن سلمان الفقيه نا إبراهيم بن الهيثم نا آدم نا ابن أبي ذئب نا محمد بن عمرو عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما كان من صلاة يجهر فيها الإمام بالقراءة فليس لأحد أن يقرأ فيها» إلخ وقال البيهقي: هذه رواية منكرة لم أجدها فإن صحت فالمراد بها ليس لأحد أن يجهر بها أو يقرنها مع سورة، إلخ، فكلامه يشير إلى الصحة ولا يمكن إنكار هذه الرواية ورجال السند ثقات فإن أبا الحسن علي بن أحمد ليس من رواة الستة لأنه متأخر عنهم نعم ثقة وبترجمة موجودة في الأنساب تحت لفظ الحمامي، وأما أحمد بن سلمان ففي أكثر الكتب سلمان بلا ياء وفي بعضها سليمان بالياء، وظني أنه بالياء ولقبه نجاد في تذكرة الحفاظ، وإبراهيم ثقة، وآدم بن أبي إياس من رجال الصحيحين، وكذلك ابن أبي ذئب، وأما محمد بن عمرو فمن رجال مسلم، ومحمد بن عبد الرحمن ثقة مشهور، ورواية أخرى لنا عن أبي هريرة بواسطة عبد الرحمن بن إسحاق في كتاب القراءة وضعفها البيهقي من جانب عبد الرحمن، والحال أنه مدني وهو ثقة وليس بواسطي وهو ضعيف، ولنا أدلة أخر لا أذكرها. واعلم أن تلخيص الدعوى: أن آية: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الأعراف: 204] نزلت في مكة ودلت على نفي القراءة خلف الإمام في الجهرية، ثم ورد حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» في المدينة في حق الإمام والمنفرد وكذلك قال أحمد في الصفحة اللاحقة. إن الحديث في حق المنفرد ولا تعلق للحديث بالمقتدي ولا يتناوله، ثم بعده قرأ رجل في الفجر خلفه عليه الصلاة والسلام بدون تعليم من صاحب الشريعة، فقال النبي الكريم: «إن كنتم لا بد فاعلين فليقرأ أحدكم في نفسه» وكذلك ورد حديث محمد بن إسحاق، وفي هذا الحديث إحالة إلى ما سبق أولاً فلا يتناول الحديث المقتدي فإن حال المقتدي كان مفروغاً عنه حين نزول الآية، فلا يكون في حديث ابن إسحاق إلا استشهاداً، وعرضت الإباحة غير مرضية ومرجوحة فكف جمهور الصحابة لما رأو الإباحة العارضة غير مرضية، وهذا المذكور سابقاً كان على مشرب مولانا المرحوم، ويمكن لنا

بحث آخر ولكنه بحث وإفحام الخصم ولا يبقي الإباحة أيضاً على هذا، ويكون فيه تسليم تناول الحديث المقتدي وهو أنه في الحديث: «لا تفعلوا إلا أيام القرآن» فعل القرءة وأعم من قراءة الفاتحة حقيقة كما في حال الإمام والمنفرد أو حكماً كما في حق المقتدي، وكذلك يقال في فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها حقيقةً أو حكماً فيكون في الحديث إحالة إلى الأحاديث الأخر الدالة على قراءة الإمام والمنفرد وسكوت المقتدي، ونظيره كما يقال: لا تفعلوا إلا بالأذان لقوم يثوبون بتثويب بدعة فليس، مراده أن يؤذن كل واحد منهم بنفسه، ويمكن أن يقال: إنَّ (لا تفعلوا إلا بأم القرآن) من قبيل قتلوه بنو فلان أي صدر فيهم فعل القتل لا إن قتله كل واحد وباشر بقتله كما في آية: [البقرة: 72] إلخ، ولكن هذا البحث لإسكات المناظر وليس حقيقة الأمر. قوله: (ما يدخل) من الدخل بمعنى الغش لا من الدخول. قوله: (وفي الباب) ثبت القراءة في السرية وتركها عن ابن مسعود وحديث عمران بن حصين أخرجه مسلم وغيره حين قرأ: «سبح اسم ربك الأعلى» إلخ، وأقول: إنه قرأ «سبح اسم ربك الأعلى» بدون قراءة الفاتحة، وأما حديث جابر فسيأتي في الكتاب عن قريب. قوله: (فهي خداج) إلخ، خدجت الناقة من المجرد إذا ولدت قبل تمام المدة كان الفصيل تام الأعضاء أو غيرها، وأحذجت الناقة من المزيد إذا ولدت فصيلاً ناقص الأعضاء سواء كان على تمام المدة أو قبلها، وعنه الخديجة اسم من أسماء نساء العرب، وبعض علماء اللغة لا يذكرون الفرق بين المجرد والمزيد، فدل الحديث على أن الصلاة بدون الفاتحة ناقصة غير باطلة كما يقول الأحناف، ولا يلزم على هذا إدخال المكروه تحريماً في أمر الشارع فإنه ليس ها هنا أمر بل نفي الشيء بانتفاء شيء آخر بخلاف آية: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] أو حديث: فاقرأ بما تيسر معك من القرآن» أو حديث ضعيف السند: «من تشهد تمت صلاته» ، قال الشيخ عبد الحق الدهلوي رحمه الله: إن الحديث يدل على عدم ركنية السلام فيلزمه إدخال الكراهة تحريماً في أمر الشارع وذا غير جائز، وفي كتبنا تصريح أنه إذا أحدث بعد التشهد يذهب ويتوضأ ثم يأتي ويسلم.

قوله: (اقرأ بها في نفسك. . إلخ) هذا مقيد بالصلاة السرية ولا يكون في الجهرية لما في كتاب القراءة للبيهقي من مذهب أبي هريرة وعائشة، ولما في موطأ مالك ص (4) : «ومن فاتته فاته خير كثير» إلخ، قال البخاري في جزء القراءة: بأن مُدرِكَ الركوع ليس بمُدرِكِ الركعة، ولم يقل بإدراكها بإدراكه إلا من قال بترك القراءة خلف الإمام، وذكر من موافقيه أبا هريرة ويخالفه صراحة ما في موطأ مالك ص (4) ، وأتى البخاري بأثر أبي هريرة الذي يوهم إلى وفاق البخاري ولكن مراد ذلك الأثر أن المسبوق يجب عليه أن يدرك الإمام قبل انحطاطه إلى الركوع، ولا يجب وجدان الفاتحة فلا يختلط، ثم رأيت مذهب أبي هريرة بعين ما ذكرت من أنه يقول أن يدرك المقتدى إمامه قبل انحطاط الإمام ولا يجب وجدان الفاتحة لوجدان الركعة، وإن أدرك إمامه بعد انحطاطه فلم يدرك الركعة ذكره ابن رشد في البداية. واعلم أن ما في موطأ مالك ص4 فهو من المبلغات ولكن أبا عمرو صنف التمهيد لوصل مبلغات مالك ووصل كلها الأربعة، وما ذكر البخاري في جزء القراءة من مذهبه لا يوافقه السلف ولا علماء المذاهب الأربعة إلا أبو بكر الضبعي تلميذ ابن خزيمة وتقي الدين السبكي والشوكاني، ثم رجع الشوكاني في الفتح الرباني ونسب إلى ابن خزيمة وفاقه البخاري، وقال الحافظ: وجدت في صحيحه خلافه، أقول: إنه كان مذهب تلميذه أبي بكر فنسب إلى ابن خزيمة سهواً هذا المذكور من حمل «اقرأ بها في نفسك» على السرية لما في كتاب القراءة حقيقة الأمر، وأما ما قال المدرِّسون: من أن المراد بالقراءة في نفسه التدبر والتفكر فلا يوافقه اللغة فإنه لم يثبت معنى التفكر للقراءة في النفس، نعم ثبت التفكر معنى القول في النفس، ويمكن لنا حمل القراءة في نفسك على السرية بدون الالتفات إلى ما في كتاب القراءة بأن الإسرار في صلوات النهار والجهر في صلوات الليل مما أجمع عليه، وقول الإسرار في الصلوات الجهرية كما يقول الشافعية للمقتدي غير ما أجمع عليه فنحمل قول أبي هريرة على ما أجمع عليه وعلى الشوافع ذكر نص شاف في ما ادعوا. قوله: (يتبع سكتات الإمام) قال الشافعية: المستحب للإمام أن يسكت ليأتي المقتدي بالفاتحة، وأقول: إنه خلاف قواعد الشريعة فإن الشريعة تنبئ بـ (إنما جعل الإمام ليؤتم به) إلخ، وتجعل

الشريعة الإمام متبوعاً، ولزم على ما قالوا كونه تابعاً، وذكر الشوافع أربع سكتات منها سكتة بعد «ولا الضالين» قبل آمين قدر ما يسع فيه فاتحة المقتدي، ويلزم عليهم إشكالات كثيرة ذكرتها في باب آمين وأيضاً ما من حديث يدل على هذه السكتة الطويلة حتى أن اختلف صحابيان في وجوبها أيضاً كما مر سابقاً، وبالجملة يلزم إشكالات على قول القراءة خلف الإمام في الصلاة الجهرية. قوله: (وتأول) التأول في عرف السلف والحديث بيان المصداق لا ما تعارف بين أهل العصر من صرف الكلام عن ظاهره. قوله: (واختار أحمد) مذهب أحمد القراءة خلف الإمام في السرية كما في فتاوى ابن تيمية وفي الجهرية إذا كان المقتدي بموضع لا يبلغه صوت قراءة الإمام.

قوله: (سمع جابر بن عبد الله يقول) إلخ هذه فتوى جابر، والأكثر وقفوها على جابر والبعض رفعوه إلى صاحب الشريعة كما في الطحاوي ص (138) ، لكنه فيه كلام من وجهين: أحدهما: أنه مروي بسند مالك ووقفه مالك في موطأه بهذا السند. والثاني: أن في سنده يحيى بن سلام وهو متكلم فيه، ووثقه أربعة من أئمة الحديث، وفيه شيء آخر أخذه البيهقي، وهو أن في الطحاوي ص (128) قال: قلت لمالك: أرفعه، قال: خذو برجله. . إلخ، فزعم البيهقي أن مالكاً شنع على رفعه، وأقول: لعله لم يشنع على رفعه بل غرض مالك أن المسألة هكذا فغضب مالك تعنته في المسألة، فالحاصل أن قول جابر مختلف في رفعه ووقفه. قوله: (عن أبي نعيم) روى أبو نعيم هاهنا موافقاً لنا، وروى في سنن الدارقطني عن عبادة حديثه موافقاً للشافعية، وأخرج العيني في العمدة حديث عبادة بسند أبي نعيم من مستدرك الحاكم وعبارته يدل على جزمه بأن راوي حديث عبادة هو أبو نعيم وهب بن كيسان، ولكني متردد في هذا ولأن وهب بن كيسان يروي عن الصحابة الصغار والكبار الذين طالت أعمارهم، وربما يروي عن ابن عمر، وجابر قد يروي عن أبي هريرة أيضاً، وأما عبادة فمتقدم الوفاة، ولأن أرباب كتب الرجال ما ذكروا أخذ وهب بن كيسان عن عبادة فلهذا صرت متردداً، ثم رأيت الذهبي تردد فيه في تلخيص المستدرك، واعلم أن لنا في نفي القراءة ما في مصنف عبد الرزاق عن موسى عن عقبة وهو من صغار التابعين أنه روى النهي عن القراءة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر فيكون هذا مرفوعاً حكماً، والله أعلم، وعلمه أتم. المراجعة إلى ما سبق من رفع اليدين ومسألة آمين، فاذكر وجه ترك رفع اليدين وإخفاء آمين فأقول: إن حديث الترك حديث ابن مسعود، وفي الرفع أحاديث كثيرة ولم يتكلم في حديثنا إلا من اختار عمل رفع اليدين مثل البخاري لا غيره كالنسائي وأبي داود والترمذي وغيرهم، ويتوهم من هذا أن ترك الرفع حامل لوحدة الحديث وكثرة أحاديث الرفع، ولكني أدعي أن أحاديث الترك كثيرة فإن كثيراً من الصحابة يروون صفة صلاته عليه الصلاة والسلام ولا يذكرون رفع اليدين، وإني أدمجهم في رواة الترك، ثم إن قيل: إنهم ساكتون والساكت يحمل على الناطق، فأقول: إنهم ليسوا كثير بساكتين بل نافون، وتوضيح هذا موقوف على ما قال ابن تيمية تحت اختياره إخفاء بسم الله: إن الجهر بالتسمية نادر والإخفاء كثير لأن أكثر الأحاديث خالية عن ذكر جهر التسمية ولا يقال: يحمل الساكت على الناطق لأنها ليست بساكتة بل نافية فإن المهتم بذكره هو الشيء الوجودي، ولا يتعرض الراوي إلى ذكر الشيء العدمي لأنه غير معقول فعلى هذا الساكت عن ترك رفع اليدين نافٍ فتصير ذخيرة الترك كثيرة من ذخيرة الرفع، وأما حديث ابن مسعود حيث تعرض إلى ذكر ترك رفع اليدين، فأيضاً غنيمته

ونعمته غير مترقبة لتعرضه إلى الشيء العدمي، فعلم أن ترك رفع اليدين كثير عملاً في عهده عليه الصلاة والسلام، ولكنه قليلٌ ذكراً لأنه شيء عدمي، فهذا الكلام مما يشفي ما في الصدور، وهذا هو حقيقة الحال، وإن قيل: إن رفع اليدين عزيمة، وتركه رخصة، والعمل بالعزيمة أولى، فيستفاد جوابه مما ذكرت تحت كلام ابن تيمية في فتاواه ثم إن قيل: إن رفع اليدين عبادة، والترك ترك عبادة، نقول: إن جواب النكتة بالنكتة وهي أن هيأة اليدين في كل ركن تكون مناسبة لتلك الوظيفة كما في القيام والسجود وغيرها فعلى هذا ترك الرفع عبادة فهذا وجه رجحان ترك رفع اليدين، وأما وجه رجحان إخفاء آمين فهو عمل أكثر السلف بإقرار ابن جرير الطبري، كما حررت تفصيل كلامه سابقاً.

باب ما جاء ما يقول عند دخوله المسجد

باب ما جاء ما يقول عند دخوله المسجد

عيّن الشارع عليه الصلاة والسلام الأذكار في الأحوال المتواردة.

[314] قوله: (صلِّ على محمد إلخ) قال العلماء: أن يصلي الداخل في المسجد عليه عليه الصلاة والسلام الآن أيضاً، وإني متردد في مراد الحديث لعل الغرض منه دعاء رجل لنفسه، ولما كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معلماً للدعاء لكل واحد لنفسه وكان عليه الصلاة والسلام متكلماً فعبر بهذه الدعوة، والله أعلم. قوله: (أبواب فضلك) خص الفضل بوقت الخروج لأن الفضل في الرزق وهذا تعليمه عليه الصلاة والسلام للأمة المرحومة. قوله: (حديث حسن. . إلخ) حسن الترمذي الحديث مع انقطاعه، وكذلك فعل في عدة مواضع، لأن الحذاق يتمشون على ذوقهم، ولا يتبعون الضوابط والقواعد.

باب ما جاء إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين

باب ما جاء إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين

[316] هذه الصلاة تحية المسجد سنة عندنا وعند غيرنا، وتتأدى عندنا في ضمن الفرائض والسنن أيضاً لو صلى، وإن لم يصلِّ بشيء في المسجد لم يحرز سنة تحية المسجد، وقال الشافعية بجوازها في الأوقات المكروهة أيضاً، الضابطة حمل العام على الخاص، وقال داود الظاهري بوجوب تحية المسجد ولم يقل غيره. قوله: (قبل أن يجلس إلخ) عمل الجهلة من أهل العصر خلاف نص الحديث وهو جلوسهم قبل أداء الركعتين وهذا من سوء الجهل.

باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام

باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام

[317] المقبرة بالتاء ما فيه قبور، وأما الذي فيه قبر واحد لا يطلق عليه المقبرة بل المقبر بلا تاء، هذا

فرق لغة، وفي الجامع الصغير لمحمد تكره الصلاة تجاه المقبرة إلا أن تكون سترة حائلة أو كان المصلي بيمين أو شمال من المقبرة، وكون الأرض كلها مسجداً من خصائص الأمة المرحومة، وأقول كان عيسى عليه الصلاة والسلام سياحاً ولعل البِيعَ والكنائس كانت في الشام كثيرة، والله أعلم. قوله: (كان رواية الثوري الخ) رجح المرسل، وجعل الاتصال مرجوحاً.

باب ما جاء في فضل بنيان المسجد

باب ما جاء في فضل بنيان المسجد

[318] قوله: (مثله في الجنة) المماثلة في الفضل والثواب وفي أن مكانه يكون ذا شرف من بنية الجنة

كما أن المسجد يكون ذا شرف في الدنيا، وليست المماثلة في الطول والعرض أو غيره كما قيل. واعلم أن المسجد النبوي بني في عهده عليه الصلاة والسلام مرتين مرة ستين ذراعاً، وأخرى مائة في مائة ثم بناه أبو بكر الصديق في عهده على هيأته الأولى وبلا زيادة في عرصة الأرض، ثم بناه عمر في عهده، وزاد في بقعة المسجد، واختار الهيأة الأولى الساذجة، ثم بناه عثمان وشيده بالأحجار والخشب، ولم تكن الأحجار منقوشة بالنقش المتعارف، فاعترض السلف على عثمان لتشييده المسجد وعدم اختياره الساذجية السابقة مع أنه بناه من مال نفسه، فلما امتد اعتراضهم قام عثمان خطيباً وتمسك بحديث: «من بنى مسجداً لِلّه جل مجده بنى الله له مثله في الجنة» وأما بناء المسجد النبوي الآن فبناه السلطان عبد المجيد، وقد ميز في الحدود التي كانت في عهده عليه الصلاة والسلام وعهد عمر وعهد عثمان، وما اطلع بعضهم على تكرار بناء المسجد النبوي في عهده عليه الصلاة والسلام، ونبه عليه الشيخ السيد السمهودي في الوفا بدار المصطفى. مسألة: إحكام المسجد جائز بلا ريب، وأما نقشه المتعارف في عصرنا ففي بعض كتبنا لا بأس به من غير مال بيت المال، وقيل: يكره من غير بيت المال، وأما من مال بيت المال فغير جائز، وأقول: الآن يجوز القولان الأولان في النقش من مال المسجد أيضاً، فإن غرض الواقفين في هذا العصر يكون النقش ولا ينهون عنه، والله أعلم، وفي ابن ماجة رواية: «ولو كمفحص قطاة» إلخ، وترددوا في شرحه فإنه لا يمكن فيه الصلاة فقالوا ما قالوا، منها ما قيل: إنه في حق من اشترك في المتفرقات لبناء المسجد فإن من أدخل فيها شيئاً قليلاً يحرز الثواب أيضاً، وإن تهيأ من متفرقة قدر مفحص قطاة من أجزاء المسجد، أقول: إن في الحديث مبالغة ولا تكون المبالغة كذباً أصلاً فلا إشكال، ثم قيل: إن وجه اختصاص القطاة بالذكر أن مفحصه يكون على الأرض كالمسجد على الأرض سطحها. قوله: (محمود بن الربيع) اختلف المحدثون في سن تميز الراوي للرواية، فقيل: خمسة سنين لحصول التميز لمحمود على خمسة سنين.

باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا

باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا

[320] أي بناء المسجد على قبر كان سابقاً، وأما بناء الأبنية على القبور كما هو عمل أهل العصر من اتخاذ القبة على القبر فغير جائز في المذاهب الأربعة، ونقل الشيخ عبد الحق الدهلوي جوازه عن محمد بن سلمة الحنفي وفي هذا النقل تردد ما لم تراجع عبارة محمد بن سلمة بعينها فإن نقل المذهب عسير جداً. قوله: (زائرات القبور إلخ) في زيارة القبور للنساء عن أبي حنيفة روايتان ذكرهما في رد المحتار، وبناء رواية النهي أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن زيارة القبور ثم أجاز، وقال: «ألا فزوروها» إلخ والإجازة للرجال وبناء رواية الجواز أن حكم النسوان والرجال واحد كما هو دأب أكثر آيات القرآن فإن الحكم فيها للرجال وتكون النسوان تابعة لهم دأب هاهنا، ثم تردد ابن عابدين في الروايتين، وعندي يجمع في الروايتين ويقال باختلاف الحكم باختلاف الأحوال للركن يجزعن يمنعن وإلا فلا. قوله: (والسرج) لا يجوز إنارة السراج على القبر على زعم أنه مفيد للميت وأما لإفادة الزائرين فأباحه العلماء.

باب ما جاء في النوم في المسجد

باب ما جاء في النوم في المسجد

[321] يكره النوم في المسجد للمقيم عندنا وعند غيرنا ويجوز للمسافر، وأما نوم ابن عمر فكان لأنه

لم يكن له بيت وكان عزباً، وكذلك ثبت النوم عن بعض الصحابة في شرح مسلم للنووي وحملوه على حالة العذر. مسألة: يكره تحريماً إخراج الريح في المسجد كما في شرح الهداية لشمس الدين السروجي، وكذلك في شرح المهذب للنووي، وفي الكبير شرح المنية: أنه سيء ولعله يستثنى منه المعتكف لكونه معذوراً. وفي فتاوى الشيخ السيوطي: أن إلقاء القمل في المسجد ارتكاب الكبيرة لأن جلدها نجسة. في فتح القدير أن الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما يأكل النار الحطب وقال صاحب البحر: هذا إذا دخل المسجد لإرادة الكلام فيه ولو عرضه فلا.

باب ما جاء في كراهية البيع والشراء وانشاد الضالة في المسجد

باب ما جاء في كراهية البيع والشراء وانشاد الضالة في المسجد

[322] رخص الفقهاء الإيجاب والقبول للمعتكف في المسجد بلا حضور المبيع، وأما إنشاد الضالة فله صورتان: أحدهما: إن ضل شيء في خارج المسجد وينشده في المسجد لاجتماع الناس فهو أقبح وأشنع، وأما لو ضل في المسجد فيجوز الإنشاد بلا شغب، وأما الأشعار ففي كتاب الطحاوي جوازها في المسجد أي لتحصيل الأدب واللغة بشرط أن لا يتخذ لجة، ويفصل شيء في الأشعار الأدبية في فتح القدير، أيضاً أقول: من يتذاكر الفلسفة في المساجد كما هو دأب طلبة العصر يقال له لا علمك الله. قوله: (البيع والشراء) إذا كان مفتوح الأول فممدود وإن كان مكسوراً فمقصورة.

قوله: (هو ابن محمد بن عبد الله الخ) مرجع ضمير هو شعيب، وتمام النسب هذا عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وأما جد عمرو بن شعيب فإما حقيقي وهو محمد فيكون الحديث مرسلاً لأن محمداً تابعيّ، وإما مجازي وهو عبد الله فيكون الحديث منقطعاً لأن شعيباً لم يسمع عن عبد الله، والمختار أن المراد منه هو عبد الله وادعى البعض لقاء شعيب جده عبد الله، وقيل: إن شعيباً لم يسمع عن عبد الله ولكنه يروي عن صحيفة كانت عنده لجده عبد الله، فتكون الرواية من الوِجادة، وهي مقبولة عند البعض، وغير مقبولة عند البعض.

باب ما جاء في المسجد الذي أسس على التقوى

باب ما جاء في المسجد الذي أسس على التقوى

[323] جمهور المفسرين على أن مصداق الآية مسجد قبا، وإنه أول مسجد بني في الإسلام، فإذن أشكل الأمر وتعارض الحديث والقرآن، فالبعض أعلُّو الحديث لخلافه سياق القرآن وسباقه، وقيل: إن

الحديث صحيح واختار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسلوب الحكيم إداء القول بالموجب، وقال الطحاوي في مشكل الآثار بما حاصله إن: الآية ربما تنزل في شيء ويكون شيء آخر في حكم ما نزلت فيه الآية بالمساواة أو بالأولى، فيقال: إن الآية نزلت في ذلك الشيء الآخر، وكذلك قال السيوطي في اللباب والإتقان: إن السلف يقولون نزلت الآية في كذا، والحال أنه لا يكون شأن نزولها بل يكون لاحقاً بشأن النزول في الحكم، فإذن انحل الإشكال، وادعى البعض أن الآية أيضاً في المسجد النبوي والأولية في الآية إضافية أي أول مسجد بني في المدينة. قوله: (فقال هو هذا وفي ذلك خير كثير) في هذا تلقي المخاطب بما لا يترقبه المخاطب، والمشار إليه لذلك هو مسجد قبا.

باب الصلاة في مسجد قباء

باب الصلاة في مسجد قباء

[324] المذكور في الأحاديث فضل ثلاثة مساجد: المسجد الأقصى، والمسجد النبوي، والمسجد الحرام. قوله: (كعمرة الخ) أقول: مراد الحديث التناسب أي كما أن الحج أكبر ثواباً من العمرة كذلك الصلاة في المسجد النبوي أكبر ثواباً من الصلاة في مسجد قبا، وكذلك أقول في حديث مضمونه: «أن من صلى الصبح ثم انتظر إلى أن ارتفع الشمس فصلى الإشراق كالحج والعمرة» المراد ثمة أيضاً ذكر التناسب لا ذكر التساوي بين الصلاة والحج، وبين صلاة الإشراق والعمرة.

باب ما جاء في أي المساجد أفضل

باب ما جاء في أي المساجد أفضل

[325] واعلم أن في شرح حديث الباب احتمالين: أحدهما: أن يقال: إن المفهوم من استثناء إلا المسجد الحرام زيادة فضل المسجد الحرام على المسجد النبوي. وإما أن يقال: إن المفهوم منه أن التفاوت بين المسجد النبوي والمساجد الأخر سوى المسجد الحرام، أزيد من التفاوت بين المسجد النبوي والمسجد الحرام ولا يتعرض إلى زيادة فضل المسجد الحرام على المسجد النبوي ولكن المختار عند المحدثين الشرح الأول، وأتوا بأحاديث دالة على فضل المسجد الحرام على المسجد النبوي، وفي بعض الأحاديث أن الصلاة في المسجد الحرام كمائة ألف صلاة في غيره والجمهور على أن المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي، وقال مالك بن أنس: إن الأرض الملاصق بجسد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المبارك أعلى وأفضل من كل شيء حتى العرش والكرسي أيضاً، ثم بعده بيت الله، ثم بعده المسجد النبوي ثم بعده المسجد الحرام، ثم بقعة المدينة أفضل من بقعة مكة، فقال مالك: إن الصلاة في المسجد النبوي كمائتي ألف صلاة في غيره، واحتج بحديث دعاء البركة للمدينة المنورة لأنه لما كانت في المدينة ضِعفاً في سائر الأشياء يكون ضعفاً في فضل الصلاة أيضاً، ولكن الجمهور على أن المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي، ثم الفضل للمسجد النبوي بل هو مقتصر على البقعة التي كانت في عهده أم متعد إلى ما زاد فيها عمر وعثمان وغيرهما، واختار العيني في شرح البخاري أن الفضل غير مقتصر على ما كان من البقعة في عهده لأن المذكور في الحديث: «الصلاة في مسجدي هذا» إلخ اجتمع الإشارة والتسمية، وفي الهداية أن المسمى والمشار إليه، لو كانا من جنس واحد فالاعتبار للمشار إليه وإذا كانا من نوعين فالاعتبار للمسمى، وفيما نحن فيه تعدد الأنواع فيكون الاعتبار للتسمية أي مسجدي فما صدق عليه لفظاً المسجد النبوي يكون فيه فضل الصلاة، ثم اتحاد الأنواع وتعددها عند الفقهاء باتحاد الأحكام وتعددها، ثم ذكر

الطحاوي أن الفضل في ثلاثة مساجد فضل الصلاة المكتوبة، لأن التطوع مستحبة في البيت لما في أذان الهداية، وفي ابن ماجه رواية: «إن الصلاة في مسجدي كخمسين ألف صلاة» فخالفه ما في حديث الباب فيراجع لفظه فإنه فيما إذا سافر لذلك، ومن المعلوم أن متفردات ابن ماجه قلما تصح، فالله أعلم. قوله: (لا تشدوا الرحال الخ) اختار ابن تيمية أن السفر لزيارة قبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المبارك غير جائز بل يريد السفر إلى المسجد النبوي ثم إذا بلغ المدينة يستحب له زيارة القبر المبارك، وقال باستحباب زيارة القبور الملحقة للمكان لثبوت زيارة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جنة البقيع وغيرها، ولقد أخطأ الناقلون في نقل مذهب ابن تيمية كما قال ابن عابدين: إن تيمية يمنع من الارتحال وشد الرحال إلى زيارة القبر الشريف ويجوز السفر المحض للزيارة، ووافق ابن تيمية في هذه المسألة أربعة من المتقدمين ومنهم الجويني والد إمام الحرمين، وابتلي ابن تيمية بالبلايا والشدائد حين اختيار هذه المسألة، وصنف تقي الدين السبكي رسالة في رد ابن تيمية وسماها شفاء السقام في زيارة خير الأنام وما وجدت فيها شيئاً جديداً وطريّاً وتصدى إلى تقوية الضعاف، ثم صنف ابن عبد الهادي في الرد على السبكي وسماه الصارم المنكي على نحر السبكي وقد أجاد في تصنيفه ثم رد ابن علاّن على ابن عبد الهادي وسماه المبرد المبكي على الصارم المنكي، وتطرق التصنيف من الطرفين، ومذهب جمهور الأئمة أن زيارة القبر الشريف جائزة ومن أعلى القربات وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة مختلفة، وأحسنها ما ذكر الحافظان في شرح البخاري، وأتيا بالرواية أخرجها أحمد في مسنده: «لا تشدُّ الرِّحال إلى مسجد ليصلى فيه إلا إلى ثلاثة مساجد» ، وأما دليل الجمهور في المسألة فهو ثبوت سفر السلف الصالحين إلى الروضة المنيفة تواتراً ، وإما أجاب عنه ابن تيمية وتبعه بالجواب الشافي، وأما قول: إنهم أرادوا السفر إلى المسجد النبوي وما أرادوا السفر لزيارة الروضة المطهرة فقول مصنوع، فإنه لو كان الغرض السفر لإرادة المسجد النبوي لارتحلوا إلى المسجد الأقصى أيضاً كارتحالهم إلى المسجد النبوي، فالحاصل أنه لم يأت على الجواب الشافي.

(مسألة) : السفر لزيارة قبور الأولياء كما هو معمول أهل العصر لا بد من النقل عليه من صاحب الشريعة أو صاحب المذهب أو المشائخ، ولا يجوز قياس زيارتها على زيارة القبور الملحقة بالبلدة فإنه لا سفر فيها.

باب ما جاء في المشي إلى المسجد

باب ما جاء في المشي إلى المسجد

[327] قوله: (ما أدركتم فصلوا. . إلخ) اختلف أهل المذهبين فيما يقضي المسبوق بعد الفراغ عن صلاة الإمام، فأكثر الحجازيين على أن ما أدرك مع إمامه أول صلاته، وما يأتي به بعد فراغ الإمام آخر صلاته وأخذوا بالترتيب الحسي، والعراقيون على أن المدرك ما يأتي مع إمامه آخر صلاته، وما يأتي به بعد فراغ الإمام أول صلاته، وكذلك اختلف الصحابة أيضاً، ومذهب ابن مسعود مذهب العراقيين، فتمسك الحجازيون بلفظ: «ما فاتكم فأتموا» وتمسك العراقيون بما في الحديث: «وما فاتكم فاقضوا» أقول: لا تمسك لأحد في الحديث، فإن القضاء يطلق على الأداء وبالعكس أيضاً، وينبغي إحالة المسألة إلى مدارك الاجتهاد، ويمكن ما أخرجه أبو داود ص (74) في سننه عن معاذ «أن الصحابة كانوا إذا يسبقون فيأتون أولاً بما سبقوا ثم يلحقون بإمامهم، ثم يوماً دخل معاذ، مع الإمام وقضى ما سبق بعده فقال عليه الصلاة والسلام بسنة معاذ إلخ فإنه يدل على أن الذي يأتون به بعد فراغ الإمام هو الذي كانوا يأتون به أولاً فيكون المسبوق قاضياً لا مؤدياً، فنصوص الشريعة تؤيد الأحناف إن شاء الله تعالى.

(اطلاع) قال أبو عمر المالكي: إن محمد بن حسن موافق للحجازيين في مسألة الباب، أقول: ما وجدت من محمد في عامة كتبنا، ولعله تبع شيخه مالك بن أنس في هذه المسألة كما تبعه في بعض المسائل الأخر والله أعلم.

باب ما جاء في القعود في المسجد وانتظار الصلاة من الفضل

باب ما جاء في القعود في المسجد وانتظار الصلاة من الفضل

[330] إني متردد في مراد الحديث والمشهور هو انتظار الصلاة بعد الصلاة في المسجد ووجه ترددي أنه لو كان المراد هذا لوجدنا عمل السلف بهذا الصنع، فإن الفعل مشتمل على فضل عظيم فكيف تركه السلف وما وجدنا جماعة منهم تفعل هكذا؟ وبعض ما يتعلق بحديث الباب في دفع ترددي مر سابقاً لكنه لا يجدي. قوله: (ما لم يحدث) لا يفهم من الحديث حال الملائكة بعد الحدث في المسجد أيقطعون الدعاء، أم يأخذون في الدعاء عليه؟ وظني لعلهم يدعون عليه لأن إخراج الريح في المسجد مكروه تحريماً.

باب ما جاء في الصلاة على الخمرة

باب ما جاء في الصلاة على الخمرة

[331] واعلم أن بين الخمرة والحصير فرقاً لغة، فإن الخمرة ما يكون سداه، والحصير ما يتخذ من خوص النخل، وأما الفرق في الحكم الشرعي فلا، قال الزهاد والعباد: لم يثبت صلاته عليه الصلاة والسلام المكتوبة على الخمرة وثبت التطوع والله أعلم، وتصح المكتوبة على الخمرة والحصير وغيرهما عند الثلاثة، وقال مالك: لا تجوز المكتوبة إلا على الأرض أو على جنسها ووسع في النوافل.

باب ما جاء في الصلاة على البسط

باب ما جاء في الصلاة على البسط

[333] معنى البساط (ب هونا) قوله: (يا أبا عمير) هذا كنيته، وأما اسمه فحفص وما عاش إلا قليلاً، وحديث الباب سيفيدنا في أن حرم المدينة ليس كحرم مكة كما استفاد الطحاوي من حديث الباب بأن أبا عمير أخذ النغير من حرم المدينة.

باب ما جاء في سترة المصلي

باب ما جاء في سترة المصلي

[335] مذهب الثلاثة أن سترة الإمام سترة من خلفه ونسب إلى مالك بن أنس خلافه، من صلى في الصحراء ينبغي له السترة، ولم يقل أحد بالوجوب من الأربعة، وقال بعض العلماء بالوجوب. قوله: (مؤخرة الرجل) في هذه اللغة أربعة لغات مؤخرة بلا تشديد، ومؤخِّرة بالتشديد. وكسر الخاء أو فتحها، وآخرة، ونقح الفقهاء الحنفية وقالوا: تكون السترة قدر الذراع طولاً وقدر المسبحة غلظاً، وذكر ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام: أن في المصلي والمار أربعة صور؛ إحداها: أن يكون لهما مناص ثم مر المار بين يديه، فالمصلي والمار آثم، وإن لم يكن لأحدهما مناص فلا إثم على أحد، وإن كان لأحدهما مناصاً فالإثم على من له مناص، فإن كان للمصلي مناص من أن يصلي ثمة فهو آثم، وإن كان للمار مناص أن لا يمر ثمة فالإثم عليه، وذكر المحقق في الحلية كلام ابن دقيق العيد وسكت لعله رضي به، وهل يجب غرز السترة أم يكفي الوضع؟ أقول الوضع كاف لما سيأتي من الصلاة إلى الراحلة، وأما إذا لم يجد السترة فيخط شبيه الهلال لما في فتح القدير عن الصاحبين خلافاً لما في الهداية، وله حديث متكلم في سنده أخرجه أبو داود وحسنه البعض أيضاً، وأما إرخاء الثوب أو المنديل بين يدي المصلي ليمر الآخر فلعله يعصم عن الإثم، ويجوز لأحد أن يجلس الآخر بين يدي المصلي جاعلاً ظهره إلى وجه المصلي ليمر هو وإن لم يجد السترة ففي مرور المار ثلاثة أقوال: أحدها أن يمر من خارج ما إذا نظر المصلي إلى مسجده يقع عليه نظره اختاره ابن همام، ويجب الاحتياط في المرور من تلقاء وجه المصلي فإن الوعيد في المرور بين يدي المصلي عظيم، وفي مشكل الآثار يجوز للطائف المرور بين يدي المصلي لأن الطائف في حكم المصلي، واحتج بحديث. وأما نكتة السترة فقال ابن همام: إن السترة لربط الخيال، وأقول: إن حكمتها مذكورة في نص الحديث وهي أن المصلي بينه وبين معهوده وصلة ومواجهة فمن مر قطع المواجهة، وإذا أقام السترة صارت المواجهة محدودة.

باب كراهية المرور بين يدي المصلي

باب كراهية المرور بين يدي المصلي

[336] ورد الوعيد في المرور بين يدي المصلى كثيراً، فإنه أخرج أبو داود: أن رجلاً مر بين يدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك ويصلي هو وأصحابه فشل رجلاه لدعائه عليه الصلاة والسلام، والحال أن دعاءه عليه الصلاة والسلام على الناس قليل، أقل وقد كان دعا: «اللهم من دعوت على أحد ولم يكن ذلك لائقاً به اجعله في حقه رحمة» فعلم وعيد المرور. قوله: (قال لا أدري) قال الحافظ: صرح الراوي في مسند البزار بأربعين خريفاً فتعين التميز، ووجدت رواية فيها ذكر مائة سنة.

باب ما جاء أنه لا يقطع الصلاة شيء

باب ما جاء أنه لا يقطع الصلاة شيء

[337] واقعة الباب واقعة حجة الوداع المذكور سابقاً كان حكم الإثم، والآن حكم قطع الصلاة وروى الترمذي وغيره انقطاع الصلاة بمرور الكلب الأسود لا الحمار والمرأة، ولا يقطعها شيء عند الثلاثة، واختلفوا في وجود السترة في واقعة الباب فرأى البخاري وجودها في واقعة الباب، وزعم البيهقي عدمها في واقعة الباب كما سأذكره في البخاري إن شاء الله تعالى.

باب ما جاء أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب والحمار والمرأة

باب ما جاء أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب والحمار والمرأة

[338] قوله: (في نفسي شيء) لأن حديث قطع الصلاة بالمرأة والحمار يعارضه حديث نوم عائشة بين يدي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحديث ابن عباس، وأما حديث قطعها بمرور الكلب فلا معارض له، ثم لما كان حديث الباب خلاف الأئمة الثلاثة تأول الناس بأن المراد من القطع قطع الخشوع، وأقول: إن المراد من القطع قطع الوصلة التي أخبر الشارع بها الغائبة منا، ولأن القطع إنما يكون في المتصل وهو الوصلة، وأقول: إن حديث نوم عائشة لا يعارض حديث الباب فإنها كانت لا تمر والحديث في المرور، وأما النكات فوجه القطع بالكلب الأسود والحمار والمرأة أن في الحديث أن: «الكلب الأسود شيطان» وفي الحديث: «إذا نهق الحمار يرى الشيطان» وفي الحديث: «إن النساء حبائل الشيطان» فلكل من الثلاثة تعلق بالشيطان. (ف) وفي الدر المنثور ص (184) : أن الكلب والحمار لا يسبحان الله تعالى، والله أعلم.

باب ما جاء في الصلاة في الثوب الواحد

باب ما جاء في الصلاة في الثوب الواحد

[339] حاصل الباب كما قال الطحاوي أن غرض الشارع أن لا يبقى الثوب مهملاً، فإذا كان أوسع يتوشح ويسمى بالمخالفة بين الطرفين والالتحاف والاشتمال وإن كان وسيعاً فيعقد على القفا وإلا فيتزر، ثم صرح الأحناف أن اشتمال الصَّمَّاء أي اشتمال اليهود في الثوب الواحد مكروه، ولا بأس به في الثوبين، لما في أبي داود ص112 عن وائل بن حجر: أنه عليه الصلاة والسلام كبر ورفع اليدين في داخل الثوب ثم التحف إلخ، وقال أحمد بن حنبل: تبطل الصلاة بكشف أحد المنكبين إذا كان الثوب وسيعاً يمكن ستر أحدهما.

(واعلم) أن الصلاة في ثلاثة أثواب مستحبة عندنا؛ الرداء والإزار والعمامة، ولا تكره ولو تنزيهاً بدون العمامة وإن كان إماماً.

باب ما جاء في ابتداء القبلة

باب ما جاء في ابتداء القبلة

[340] المشهور في الكتب بيت المقدس بكسر الأول من باب المجرد، واختلف العلماء في نسخ القبلة، قيل: وقع مرتين، وقالوا: إنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي إلى بيت الله في مكة، ثم نسخت القبلة وانحرفت إلى بيت المقدس في المدينة ستة عشر أو سبعة عشر شهراً ثم نسخت، وجعلت القبلة بيت الله، وقيل: إن النسخ وقع مرة، وقالوا: إن القبلة في مكة بيت المقدس، وكان مأموراً باستقباله وكان يستقبل بيت الله بطوعه، وللطائفة الثانية رواية قوية عن ابن عباس وأنه عليه الصلاة والسلام كان يعمل بعمل أهل الكتاب قبل نزول الشريعة الغراء كما في البخاري، ويدل عليه كثير من الأحاديث ولكنه يرد على الطائفة الثانية ما في بعض طرق حديث إمامة جبرائيل أنه أمه عليه الصلاة والسلام عند مقام إبراهيم وفي مقام إبراهيم لا يمكن التوجه إلى البيتين وما وجدت أحداً توجه إلى هذا. قوله: (تقلب وجهك في السماء إلخ) كان التفاته عليه الصلاة والسلام إلى السماء، لضرورة فيكون مستثنى من ما في مسلم النهي عن النظر إلى السماء، وأما موضع تحويل القبلة فقيل المسجد النبوي، ولكن التحقيق أنه مسجد القبلتين، وانحرف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيت المقدس إلى بيت الله في الصلاة وبدل موضعه وكذلك الصحابة أيضاً، وللسيوطي فيه كلام ذكره في روح المعاني، وقال الحافظ برهان الدين الحلبي الشافعي في شرحه له على البخاري: إن التحويل كان في حالة ركوعه عليه الصلاة والسلام في الثالثة.

قوله: (فصلى رجل معه العصر) أي في المسجد النبوي بعدما وقع التحويل في الظهر في مسجد القبلتين. قوله: (على قوم من الأنصار) في مسجد بني عبد الأشهل، والرجل المار كان عباد بن بشر وهو الذي أخبر أهل مسجد قبا أيضاً بتحويل القبلة، ثم في كتب السير: أن أول صلاة وقع التحويل فيها صلاة الظهر، وفي الصحيحين أنها صلاة العصر، فقال المحدثون في جمعهما: بأن التحويل وقع في وسط صلاة الظهر، وأول صلاةٍ صليت بتمامها نحو بيت الله العصر فلا تدافع، ثم اعلم أن في رواية الباب: مر رجل على قوم من الأنصار في صلاة العصر إلخ، وفي رواية صلاة الصبح وجمعوا بينهما بأن واقعة العصر واقعة مسجد بني عبد الأشهل، وواقعة الصبح واقعة مسجد قبا. واعلم أن في حديث الباب إشكالاً من حيث الأصول، وهو أن المشهور القاطع لا ينسخ بخبر الواحد، وكان أهل مسجد بني عبد الأشهل ومسجد قبا بلغهم استقبال بيت المقدس بالتواتر وقد تركوه بخبر رجل، وقال زين الدين العراقي مجيباً: إن خبر الواحد في عهده عليه الصلاة والسلام مفيد القطع، والجواب عندي أن خبر الواحد قاطع إذا كان مؤيداً بالقرائن، وكثيراً ما يوجد العلم القطعي كما نشاهده في عرفنا، ولذا أقول: إن أحاديث الصحيحين تفيد العلم القاطع، ولكن لا بحيث لا يزول بتشكيك المشكك كما قال أبو عمرو بن الصلاح وغيره من بعض العلماء إلا شاذها ونادرها مثل حديث ثمن البعير، في ليلة البعير وهكذا يفعل من يكون له تجربة في أحوال رواة الأحاديث، وهاهنا إشكال آخر وهو أن مذهب الجمهور أن العمل بالناسخ موقوف على تبليغه أحداً من المكلفين، وقال البعض: لا حاجة إلى تبليغه أحداً بل يكفي نزوله على الشارع، في واقعة الباب عمل أهل مسجد قبا بالمنسوخ في صلاة العصر والمغرب والعشاء ومع ذلك لم يؤمروا بالإعادة، والجواب أن الضوابط يعمل بها بعد عهده عليه الصلاة والسلام، وأما في عهده عليه الصلاة والسلام فيفعل الشارع كيف ما شاء ويفوض الأمر إليه، ويدل على هذا كثير من الوقائع، ويمكن أن يقال: إن العمل بما ذكر من

الضابطة إنما يكون إذا لم يرد صاحب الشريعة بنفسه إرسال رسول إليهم وإذا أراد هذا فيكونون مأمورين إذا بلغهم أمر صاحب الشريعة، وفي واقعة الباب أراد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إخبارهم لما في سنن الدارقطني أنه: أرسل الرجل بنفسه وأمره بإخباره بتحويل القبلة، فانحل الإشكال.

باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة

باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة

[342] اختلفوا في مراد الحديث، ومراده الصحيح أنه خطاب لأهل المدينة ومن على سمتها، وقال بعض الناس: إن الحديث لأهل الشرق ومعنى الحديث أن بين مشرق الشتاء ومغرب الصيف وبين مغرب الشتاء ومشرق الصيف قبلة، لكن هذا التأويل لا يساعده الحديث وكان حق العبارة على هذا أن ما بين المشرقين والمغربين قبلة وقيل: إن بين المشرق والمغرب قبلة أي إذا جعل المشرق خلفه والمغرب أمامه فيكون في الحديث ذكر قبلة أهل الشرق، وهذا أيضاً خلاف الحديث والصحيح شرحاً ما ذكر كما يدل عليه لفظ ابن عمر.

قوله: (قال ابن المبارك) تأول بعض المتكلمين في الحديث بالمذكور سابقاً أي يكون المشرق خلفه والمغرب أمامه وجعلوه موافقاً لقول ابن المبارك، والحديث على مراده الصحيح ويتأول في قول ابن المبارك بأن المراد من أهل الشرق الذين بالشرق الشمالي. قوله: (التياسر لأهل مَرُو) أي الانحراف إلى جانب اليسار، ومرُو بلدة ابن المبارك. تنبيه: واعلم أن الاعتبار في المواجهة يكون للجانب الأبعد من القبلة كما في الخطط والآثار.

باب ما جاء في الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم

باب ما جاء في الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم

المسألة صحيحة مسلمة عند الكل والحديث ساقط السند.

[345] قوله: (أينما تولوا فثم وجه الله) إلخ في تفسير الآية ثلاثة أوجه: لأنها إما في المصلين في ليلة مظلمة، وإما في حق المتحري للقبلة، وإما في المتنفل على الدابة.

باب ما جاء في كراهية ما يصلى إليه وفيه

باب ما جاء في كراهية ما يصلى إليه وفيه

[346] قوله: (المقرئ) وليعلم أن المُقْرِيْ غير المقريّ منسوباً إلى بلدة القري وهو مضبوطة الحافظ وضبطه في معجم البلدان وراو آخر مقريّ، وقال الحافظ عبد الغني المقدسي: إن رسم خط اللفظ عند المحدثين بالألف أي المقراي، فلا يختلط في الألفاظ، ويجب تمييز كل واحد من الآخر لمن يشتغل في الأحاديث فإن بعض المحدثين سحبوا حديث: «من كذب عليَّ متعمداً» إلخ على من يخطأ في عبارة الحديث، كما قال العيني في عمدة القاري وكذلك يصدق الحديث على من يذكر الأحاديث في المواعظ رطبها ويابسها ولا يبالي، وذكر الشيخ شمس الدين السخاوي: إن سيبويه أخذ في علم الحديث عند حماد بن سلمة فلما بلغ على حديث: «من قاء أو رعف» إلخ قرأ رعف مجهولاً، وكان الصحيح معلوماً، قال حماد بن سلمة: قم من عندنا، وأخرجه من درسه فذهب سيبويه عند الخليل لتحصيل النحو والعلوم الأدبية ثم لم يرجع إلى تحصيل الحديث، ومات سيبويه وهو ابن أربعة وثلاثين سنة. قوله: (فوق ظهر بيت الله) إلخ وذكر الأحناف وجه العلة بأن الصلاة فوق ظهر بيت الله يوجب سوء الأدب، وهذا التعليل يقتصر على بيت الله فقط، وتجوز الصلاة على غيره من المساجد وحديث الباب تكلم فيه الترمذي، وتكره الصلاة عندنا أيضاً في المواضع المذكورة، ويمكن أن يقال بصحة الحديث لإخراجه ابن السكن في صحيحه، وهو التزم صحة ما أخرجه في صحيحه.

قوله: (عبد الله بن عمر العمري) ضعفه الترمذي تبعاً للبخاري، والبعض حسنوا روايته وهم كثير، وعندي أنه من رواة الحسان، وفي الميزان أنه إذا روى عن نافع فهو ثقة، وكذلك قال ابن معين الذي أشد الرجال في حق الرجال، وتقوية عبد الله العمري يفيدنا في بحث حديث ذي اليدين. قوله: (من حديث الليث بن سعد) إلخ قد أخطأ الشوكاني في نيل الأوطار في هذه العبارة، وقلبها وجعل (مِن) بيانية، والحال أنها ليست ببيانية، وفي نسخة ابن ماجه في سند حديث الباب سهو.

باب ما جاء في الصلاة في مرابض الغنم وأعطان الإبل

باب ما جاء في الصلاة في مرابض الغنم وأعطان الإبل

[348] الضأن (ميش) ، والمعز (بز) ، الغنم (گوسپذ) أي الغنم أعم منهما. حديث الباب قوي، ومضمونه مروي في الصحيحين أيضاً وتمسك الموالك بحديث الباب على طهارة أبوال ما يؤكل لحمه وأزباله، وأطنب الشافعي في الحديث، وقال: إن الإبل مع كونه ما يؤكل لحمه ينهى عن الصلاة في أعطانها، فالوجه أنه حيوان شرير بخلاف الغنم، وقال الجمهور: إنكم أخذتم من اللازم من الحديث وليس بصريح ونص لكم، أقول: لا ريب في أن تمسك

الموالك قوي، فلا بد من الجواب، فأجيب بالوجهين: أحدهما: ما ذكره الشارحون والمحشُّون. ومأخذه ما أجاب الشافعي في كتاب الأم، وفي ضمن كلام الشافعي أن العرب كانوا يسطحون مرابض الغنم لا أعطان الإبل، وإن الصلاة في ناحية المربض يطلق عليها الصلاة، وأن المرابض كانت تنظف بخلاف الأعطان. والوجه الثاني: ما ذكر ابن حزم أن حكم الصلاة في مرابض الغنم كان ثم نسخ، وكان الحكم حين لم تكن المساجد مبنية. وفي أبي داود وحديث أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتنظيف المساجد بسند قوي، وعندي قرائن دالة على ما قال ابن حزم منهما ما أخرجه البخاري في صحيحه ص (60) أن هذه الواقعة قبل أن تبنى المساجد، وعندي هذا الحديث المختصر اختصر من الحديث اللاحق في ص (61) : «أنه كان يجب أن يصلي حيث أدركته الصلاة» إلخ، فدل على أن الاعتناء كان لموضع أدركته الصلاة فيه، وأيضاً كانت أرض المدنية ذات جمرات، وكانوا يسطحون مرابض الغنم، فكان المربض أولى بأداء الصلاة، ويدل ما في معاني الآثار ص (224) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا لم تجدوا إلا مرابض الغنم ومعاطن» إلخ أن الصلاة في مرابض الغنم عند عدم وجدان أرض غيرها، وفي موطأ محمد ص (124) عن أبي هريرة: «أحسن مرابض الغنم وأطب مراحها وصلِّ في ناحيتها» إلخ، فدل على الصلاة في ناحية المربض ورفعه، ولكن الوقف صواب، والله أعلم بالصواب.

باب ما جاء في الصلاة على الدابة حيث ما توجهت به

باب ما جاء في الصلاة على الدابة حيث ما توجهت به

[351] تجوز النافلة على الدابة عند الكل في خارج البلدة، وقال أبو يوسف بجوازها على الدابة في داخل البلدة أيضاً، ثم قال الشافعية يجب استقبال القبلة ابتداء الصلاة، أي عند التحريمة وعندنا غير واجب بل مستحب، وأما المكتوبة فلا تجوز على الدابة نعم تجوز للخائف المطلوب ولا تجوز للطالب. مسألة: العجلة ذات القوائم الأربعة كالأرض تجوز النافلة والمكتوبة عليها، وأما ذات قائمتين فإن كانت مربوطه بالفرس فحكمها حكم الدابة وإن كانت غير مربوطة بها فرسها ولها ما تقوم مقام القائمة الثالثة فحكمها حكم الأرض.

باب ما جاء في الصلاة إلى الراحلة

باب ما جاء في الصلاة إلى الراحلة

[352] أي يجعلها سترة، وتاء الراحلة ليست تاء التأنيث بل تاء النقل، وكان ابن قتيبة الدينوري لا يجوز إطلاق الدابة على المذكر، فدل على أن التاء تاء التأنيث، ولكن الصواب ما قال الجمهور.

باب ما جاء إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء

باب ما جاء إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء

[353] قال أبو حنيفة: لأن يكون طعامي كله صلاة أحب إلي من أن تكون صلاتي كلها طعاماً، وحضور الطعام من أعذار ترك الجماعة والتفصيل في الفقه وفي مشكل الآثار قيد صلاة المغرب والصائم في متن الحديث فضيق الأمر. (حكاية) كان علي بن شداد يصلي بالجماعة بإدراك التحريمة إلى خمسة وعشرين سنة، واتفق له يوم موت أمه فشغل في تجهيزها وتكفينها وفاتته الجماعة فتأسف عليها فصلى أربعة وعشرين نفلاً، فرأى في المنام يقول رجل صليت النوافل بدل الجماعة لكنك ما أحرزت ثواب التحريمة.

باب ما جاء في الصلاة عند النعاس

باب ما جاء في الصلاة عند النعاس

النوم ما يتعلق بالقلب، والنعاس ما يتعلق بالرأس، والسِنَة ما يتعلق بالعينين.

[355] قوله: (فيسب نفسه) قيل: السب بأن يقرأ غير ما يريد، وقيل: السب حقيقة عدم المرضاة بالصلاة، فإنه يضطرب قلبه، ويقول في أية كلفة ألقيت فليسب نفسه، وقال العلماء: إن هذا الحكم في النافلة، وأما الفريضة فيأتي بها بحمل المشقة على النفس.

باب ما جاء في كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء

باب ما جاء في كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء

[357] الحاقن من أمسك البول والحاقب من أمسك الغائط. واعلم أن حديث الباب أشكل على العلماء فإنه ينهى من أن يخص نفسه بالدعاء، والحال أن الأدعية الواردة في الأحاديث داخل الصلاة وخارجها مروية بصيغ المتكلم الواحد إلا شاذاً مثل دعاء الاستسقاء حين جاء رجل والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب وقال: هلك المال وجاع العيال. . إلخ، وإلا دعاء القنوت الذي هو مختارنا من اللهم إنا نستعينك. . إلخ، فكيف حكم حديث الباب بأن لا يخص الإمام نفسه بالدعاء؟ فقال جماعة من المحدثين: إن حديث الباب موضوع متأثراً من هذا الإشكال، وأقول: لا يمكن حكم الوضع على حديث الباب أصلاً، ثم قال متأول: إن مراد الحديث أن لا يدعو لنفسه ويدعو على غيره أي لضرر الغير. أقول: إنه لا يعبأ بهذا القول: وقيل: إن مصداق حديث الباب الأدعية التي بصيغ المتكلم مع الغير من أدعية القرآن العظيم ودعاء الاستسقاء وغيرها ويكون المقتدي شريكاً في تلك الأدعية لا الأدعية التي يأتي بها منفرداً وبنفسه. وليعلم أن الدعاء المعمول في زماننا من الدعاء بعد الفريضة رافعين أيديهم على الهيأة الكذائية لم تكن المواظبة عليه في عهده عليه الصلاة والسلام، نعم الأدعية بعد الفريضة ثابتة كثيراً بلا رفع اليدين وبدون الاجتماع وثبوتها متواتر، وثبت الدعاء مجتمعاً مع رفع اليدين بعد النافلة في واقعتين أحدهما ما في بيت أم سليم حين صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السبحة ودعا لأنس، وأما ما في كتاب الاعتصام والسنة للشاطبي عن مالك أنه بدعة فمراده أنه لم يستمر هذا العمل في العهد المبارك وليس غرض حكم عدم الجواز عليه وقال بعض الأحناف من أهل العصر: إن رفع اليدين لما ثبت في المواضع الأخر يعدى إلى الدعاء بعد المكتوبة أيضاً واستدل بالعموم، أقول: لا ريب في ثبوت رفع اليدين في الأدعية في غير المكتوبة، ولكن الاحتجاج بالعموم الإطلاق إنما يكون فيما لم يرد حكمه الخاص ويمكن فيه ما في الترمذي ص (51) : «وتقنع يديك أي ترفعهما إلى ربك مستقبلاً ببطونهما» إلخ ولكنه ليس بدال على تمام الهيأة الكذائية، وقال ابن قيم في الزاد: إن هذا بدعة، ونوقش فحاصل الكلام في

حديث الباب أن مصداق ما فيه الأدعية الواردة بصيغ المتكلم مع الغير مثل دعاء القنوت وغيره. قوله: (حتى يستأذن. . إلخ) من نظر إلى بيت رجل بلا إجازة فجرحه أهل البيت أو قتله فهل يقتص أو يؤدي أم لا فمذكور في موضعه.

باب ما جاء فيمن أم قوما وهم له كارهون

باب ما جاء فيمن أم قوما وهم له كارهون

[358] حاصل المسألة كما قال الفقهاء: إن باعث الكراهة الشرعية إن كان من جانب الإمام فالإثم عليه، وإن كان من جانب القوم فالإثم عليهم لا على الإمام.

قوله: (والعبد الآبق. . إلخ) أكثر العلماء أو كلهم على أن المراد عدم وقوع صلاته في حيز مرضاة الله تعالى لا بطلانها.

باب ما جاء إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعودا

باب ما جاء إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعودا

[361] قال مالك: لو قعد الإمام بعذر والقوم قادر على القيام لا تصح صلواتهم خلفه، ويطلبون إماماً آخر إلا أن يكون كلهم مرضى فصلوا قاعدين، وقال أحمد بن حنبل: يجب قعود القوم، ثم قال الحنابلة: إن كان الإمام قائماً في ابتداء الصلاة ولحقه القعود في داخلها يبقى القوم قائماً، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي ووافقهم البخاري: يجوز اقتداء القائم خلف القاعد ولا يجوز لهم القعود، وقال العلماء: الأقرب إلى ذخيرة الحديث قول أحمد بن حنبل. قوله: (خرَّ رسول الله. . إلخ) قالوا: إن واقعة سقوطه عليه الصلاة والسلام من الفرس واقعة

السنة الخامسة، وقام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في واقعة الباب في المشربة وكان يصلي ثمة ولا يذكر الرواة من كان إمام المسجد النبوي في واقعة الباب، ويدل ما في أبي داود ص (89) وما في مسند أحمد على تعدد الواقعتين في أيام السقوط عن الفرس واقعة صلاته عليه الصلاة والسلام النافلة واقعة صلاته عليه الصلاة والسلام المكتوبة وأمره عليه الصلاة والسلام بالقعود في واقعة المكتوبة وكانوا قائمين في واقعة السبحة. وتمسك الحنابلة بحديث الباب على مذهبهم، وأجاب الأحناف والشوافع بأن حديث الباب منسوخ والناسخ واقعة مرض الموت، وقيل تأويلاً: إن مراد حديث الباب أن يقعدوا في القعدة إذا قعد الإمام فيها وقال ابن دقيق العيد: لو كان المراد ما قالوا لكان حق العبارة إذا قعد فاقعدوا بدون ذكر الصلاة وأيضاً مفسر الحديث واقعة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما الجواب الأول فأجاب عنه الحنابلة بأن واقعة مرض الموت ليس بحجة لكم علينا فإن القعود فيه كان طارئاً في خلال الصلاة. ولنا أن نقول: إن ما فصلتم من الفرق بين القعود أولاً والقعود طارئاً هو مزعومكم وليس نص الشارع دالاً عليه، وكنت أزعم يمكن الجواب بأن واقعة الباب لعل واقعة النافلة، وفي النافلة يجوز القيام والقعود، وإذا كان الأمران جائزين في النافلة فالمرغوب القعود لأن فيه تشاكل الإمام والمقتدي، ويؤيده ما في قاضيخان في التراويح أن قيام القوم وقعود الإمام في التراويح غير مرضي، ويطلب القوم إماماً قادراً على القيام فدل على مرغوبية التشاكل، ثم رأيت عن ابن قاسم تلميذ مالك أن واقعة الباب واقعة النافلة، وإن أورد ما في أبي داود ومسند أحمد فأقول: إن المذكور فيه أن صلاته عليه الصلاة والسلام كانت مكتوبة لا إن كانت صلاتهم أيضاً كذا بل لعلهم كانوا متنفلين، ولعلهم صلوا أولاً في المسجد النبوي فريضة ثم أتوا عنده عليه الصلاة والسلام لعيادته، ومن البداهة أن المسجد النبوي لم يكن مهملاً عن الصلاة فيه ولكن هذا المذكور أيضاً احتمال ولا يشفي ما في الصدور، والمسألة طويلة الذيل وعجز الحافظ واستقر في الآخرة على أن المفهوم من ذخيرة الحديث استحباب القعود عند قعود الإمام ولا يخرج الوجوب، وذكر وجهه أن عطاءً روى مرسلاً أنه عليه الصلاة والسلام قال بعد الفراغ عن صلاة واقعة مرض الموت: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما صليتم إلا قعوداً» إلخ فدل على استحباب القعود، أقول: فيه نظر، فإن قوله عليه الصلاة والسلام هذا بعد صلاة السقوط عن الفرس وقرائنه عندي موجودة منها رواية جمع الجوامع للسيوطي، وأما دعوى الحافظ من استحباب القعود فعندي له وجه آخر وهو أن الالتفات الصميم إلى محض ذخيرة الحديث يدل على جواز القيام له وآكدية القعود فإنه عليه الصلاة والسلام قال في واقعة سقوطه عن الفرس في واقعة صلاته المكتوبة: «إنكم اخترتم فعل الفرس بعظمائهم» إلخ أخرجه أبو داود ص (96) . وهو الفعل قيام الدعية وقعود العظيم ثم ذخيرة

الأحاديث لا يدل على فرق القيام والقعود في السبحة والفريضة، وما من شيء يدل على كونهما دخيلتين، فخرج من واقعة سقوطه عن الفرس آكدية القعود وجواز القيام، وأما ادعاء النسخ أي نسخ الواقعة الأولى لسقوطه عن الفرس بالواقعة الثانية له فبعيد، ثم أقول: إن الاحتياط لمذهب الجمهور فإن واقعتي السقوط دالتان على آكدية القعود لا وجوبه، والخلاف في جواز الصلاة قاعداً عند الجمهور والبحث طويل الذيل. قوله: (إذا ركع فاركعوا) اختلف أبو حنيفة وصاحباه قال يقارن المقتدي إمامه في الأفعال، وقالا: يتعاقبه، ويبقى العمل في زماننا على ما قال صاحباه، واختلف أهل اللغة أن الفاء الداخلة على الجزاء تفيد التعقيب أم لا؟ ولو أفادته لكان الخارج من حديث الباب مذهبهما وإلا فلا. قوله: (إذا قال: سمع الله. . إلخ) قال الشافعي والصاحبان: يجمع الإمام بين التحميد والتسميع وقال أبو حنيفة: يأتي بالتسميع فقط، وفي رواية شاذة عنه الجمع له، واختار الشاذة الحلواني والطحاوي ومحمد بن فضل الكماري والنسفي كما في عقود الجواهر، وأقول: للمشهورة عن أبي حنيفة المشهور في الأحاديث والشاذة عنه ما في البخاري عن أبي هريرة جمعه عليه الصلاة والسلام في المكتوبة وهو إمام. (اطلاع) أخرج البخاري أنه عليه الصلاة والسلام سقط عن الفرس، وآلى من نسائه، وأقام في المشربة، وذكر الحافظ في الفتح المجلد الثاني عن ابن حبان أن سقوطه عليه الصلاة والسلام عن الفرس في السنة بعد الهجرة، ثم أطنب في المجلد الثامن أن إيلاءه عليه الصلاة والسلام كان في السنة التاسعة، وظاهره يدل على أن مختار الحافظ وقوع سقوطه عليه الصلاة والسلام أيضاً في السنة التاسعة مشياً على ظاهر ما في البخاري، وعندي أن واقعة السقوط في الخامسة كما قال ابن حبان، وواقعة

الإيلاء في التاسعة، وإنما جمع الراوي بينهما لإقامة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الواقعتين بالمشربة، ولي في هذه الدعوى قرائن وروايات ومنها في الوفاء للسمهودي أنه عليه الصلاة والسلام كان يمضي نهاره تحت شجرة الأراك على بير ويبيت في المشربة في أيام الإيلاء، ولو كان الواقعتان في زمان واحد فكيف يذهب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت شجرة الأراك، فإنه كان يصلي في المشربة بسبب كلفة لحقته من السقوط عن الفرس ولا يصلي في المسجد النبوي، فلا يتحقق قيامه نهاراً تحت شجرة الإراك في واقعة السقوط. قوله: (مالك بن أنس إلخ) هذه الرواية عن مالك شاذة رواها وليد بن مسلم وأما المشهورة عن مالك فهي عدم اقتداء القائم خلف القاعد خلاف الجمهور.

باب منه أيضا

باب منه أيضا

[362] واختلف الرواة في كونه عليه الصلاة والسلام إماماً أو مقتدياً، ولو كان مقتدياً لا يصح تمسك الأحناف والشافعية على الحنابلة ولكن أكثر المحدثين إلى تعدد الواقعتين، وهو الصواب، وقال مولانا رشيد أحمد رحمه الله تعالى جامعاً بين الحديثين جاعلاً الواقعتين متحدة بأنه عليه الصلاة والسلام اقتدى أولاً ثم صار إماماً حين تأخر أبو بكر الصديق فذكر بعض الرواة أول حاله وبعضهم آخر حاله، وفي بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام أخذ القراءة حيث ترك أبو بكر الصديق ويدل على عدم القراءة خلف الإمام ولا يصح على مذهب الشافعية، وفي بعض الكتب أن أبا بكر الصديق كان فرغ عن الفاتحة وأخذ السورة وبعض مادة أخذه عليه الصلاة والسلام القراءة من حيث ترك الصديق الأكبر

مذكورة في رسالتي خاتمة الكتاب في فاتحة الكتاب ص (206) أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس: «وأخذ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من القراءة من حيث كان بلغ أبو بكر» قال وكيع: وكذا السنة. . إلخ، وكذلك أخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس ص (231 ج1) وفي ص (355 ج1) وفي ص (256 ج1) ، ووجدت هذا الحديث في أحد عشر كتاباً.

باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسيا

باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسيا

[364] في كتبنا أن الناهض على الركعتين إن كان أقرب إلى القعود يجلس ولا يسجد للسهو، وإلا قام وسجد للسهو، وفسروا القرب إلى القعود أن يكون غير مرتفع من الركوع، وإن ظاهر الرواية أن القرب إلى القعود أن لا يكون قائماً مستوياً، ولو استوى فلا يرجع بل يسجد للسهو، ولظاهر الرواية حديث ضعيف أيضاً، قال الحنابلة: إن القعدة الأولى فريضة، ولو تركها تجبر بسجدة السهو، وهذا عين مرتبة الواجب عند الأحناف ولا فرق إلا في الألقاب.

قوله: (بحديث ابن أبي ليلى) ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف لأنه لا يدري سقيمه، وأما أبوه عبد الرحمن بن أبي ليلى فثقة وتابعي.

باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين

باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين

[366] قال البعض: إن المراد من الأوليين هي الأولى والثالثة ليدل الحديث على نفي جلسة الاستراحة، مراد الحديث ما ذكره الترمذي، وعندنا في الزيادة على التشهد في القعدة الأولى في الرباعية أقوال: في قول لزوم السجدة بلفظ اللهم، وفي قول بلفظ اللهم صل على محمد، واختاره فخر الدين الزيلعي، وعندي يحول المسألة إلى رأي من ابتلي به ويسجد في مكث يحسه طولاً، واستعمل الحديث في مدونة مالك في القيام بعد التسليم عن الصلاة، أي لا يقعد بل يقوم إلى التطوع كأنه على الرضف ونقله عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والشيخين.

قوله: (كأنه على الرضف) داعية مبالغة الراوي في حديث الباب لا أعلمها مع أني تتبعت كثيراً من الأحاديث، فوالله أعلم.

باب ما جاء في الإشارة في الصلاة

باب ما جاء في الإشارة في الصلاة

[367] لا تفسد الصلاة عندنا بالإشارة لرد السلام أو غيره ولكنها مكروهة، وفي بعض كتبنا فساد الصلاة بالمصافحة وعدم فسادها بالإشارة باليد لرد السلام، وقال بعض: لا تكره الإشارة أيضاً واختاره شيخ الإسلام خواهر زاده في مبسوطه ذكره في فتح القدير، والمفهوم من معاني الآثار ص (264) أنه عليه الصلاة والسلام كان يشير لرد السلام، ثم صار منسوخاً مشمولاً بنسخ الكلام، وقول الطحاوي: هذا ليس بعيد لأن الكلام في الصلاة والإشارة كانت جائزة فيها ثم نسخ الكلام فلعله منسحب على الإشارة أيضاً، ولمَّا لم نعلم أن الإشارة التي نحن فيها قبل النسخ أو بعده فحمله على النسخ ورد على قرينة اتفاقاً، ثم لو سلمنا الإشارة بعد النسخ فلعل الإشارة كانت لإخبار أني لا أردّ السلام لا في مصلي فلا تكون الإشارة إشارة رد السلام وأتى الطحاوي على هذا برواية ص (264) عن جابر، ثم روى عن جابر موقوفاً أنه كان لا يرد السلام في الصلاة بل بعدها مثل المرفوع ولنا في كراهة الإشارة في الصلاة ما أخرجه أبو داود ص136 عن أبي هريرة بسند ضعيف.

(ف) : رد السلام بإشارة اليد في خارج الصلاة جائز بشرط أن يكون المسلم نائياً، وبشرط أن يرد بلسانه أيضاً. قوله: (في مسجد بني عمرو بن عوف) أي مسجد قبا.

باب ما جاء أن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء

باب ما جاء أن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء

[369] إذا سها الإمام أو عرضت حاجة فليسبح الرجال وتصفق النسوان. التصفيق وهو ضرب أصبعي اليد اليمنى على ظهر اليسرى لا الضرب بين بطون اليد، ومذهب الثلاثة ما ذكر، وقال مالك: تسبح النسوان أيضاً، وقالوا: مراد الحديث أن التصفيق في خارج الصلاة من عمل النساء يلعبن به فليس المذكور في الحديث الحكم الشرعي بل هو في محل الذم. قوله: (وهو يصلي سبح. . إلخ) هذا في النافلة، وفي بعض الطرق وهو يصلي تنحنح فيحمله الأحناف إما على ما هو جائز عندهم وإما أن يقال: إن النسائي أعلَّ هذا اللفظ في خصائص علي وقال بتفرد الراوي.

باب ما جاء في كراهية التثاؤب في الصلاة

باب ما جاء في كراهية التثاؤب في الصلاة

[370] إذا سبق المصلي التثاؤب فليكضم فاه ما استطاع وإلا فيضع ظهر يده اليمنى على فمه. قوله: (في الصلاة من الشيطان) نسب الشريعة التثاؤب إلى الشيطان لأنه ينبئ عن الكسل، والعطاس إلى الرحمن لأنه ينبئ عن النشاط، وهذا في خارج الصلاة وأما في داخل الصلاة، فكلاهما من الشيطان، وفي مصنف ابن أبي شيبة أثر بإسناد قوي: «إن الشيطان يضع قارورة البول على أفواه المصلين ليتثاءبوا» وقال ابن عابدين: ومن المجربات إن يتثاءبوا تخيلَ أن الأنبياء كانوا لا يتثاءبون يذهب تثاؤبه.

باب ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم

باب ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم

[371] في حديث الباب إشكال مشهور وهو تعيين مراد الحديث ومصداقه، لأن مصداقه إما مفترض وإما متنفل فإن كان مفترضاً فلا يجوز القعود بدون عذر ولو قعد بعذر لا يكون ثوابه نصفاً، ولو كان متنفلاً فلا يصدق لفظ من: «صلاها قائماً» إلخ فإن السبحة لا تصح نائماً بلا عذر عند أحد إلا الحسن البصري رحمه الله وبهذا الإشكال قال الخطابي في المعالم: تصح الصلاة نائماً بلا عذر لو صح الحديث وإن لم يقل به أحد من أتباع المذاهب الأربعة، نعم هو وجه عند بعض الشافعية، أقول: لم يصح شيء في جوازها نائماً عن صاحب الشريعة، وأقول في الجواب عن إشكال الحديث: إن

مصداق الحديث هو المعذور وأما تنصيف الأجر فهو بالنسبة إلى حال المعذور، نفسه لا بالنسبة إلى حال الصحيح فالحاصل أن المعذور الذي تجوز الصلاة له قاعداً أو نائماً والعذر له مبيح، ومع ذلك يقدر الصلاة قائماً أو قاعداً بتحمل الكلفة والمشقة تكون صلاته قاعداً نصف صلاته قائماً وإن أحرز ثواب صلاة الصحيح قائماً فلا إشكال، ويؤيد ما قلت في شرح الحديث ما أخرجه مالك في موطأه ص (48) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه عليه الصلاة والسلام رأى الصحابة مصلين السبحة قعوداً حين مرضوا في المدينة، وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة القاعد نصف صلاة القائم» وفي بعض الروايات أن الصحابة صلوا قياماً بعد قوله عليه الصلاة والسلام، وليعلم أن المعذور على قسمين معذور لا يقدر على القيام ولو بكلفة والثاني هو الذي يقدر عليه بتحمل الكلفة. قوله: (من صلى نائماً أي مضطجعاً) قال الإسماعيلي: إن في الحديث تصحيفاً والصحيح «من صلى بإيماء» ورده المحدِّثون.

قوله: (وقال بعضهم: يصلي مستلقياً إلخ) لا يجوز الاستلقاء عند الشوافع، ويجوز عند الأحناف وقال الشافعية: ليس الاستلقاء مذكوراً في القرآن، وقال الزيلعي: في النسائي تصريح الاستلقاء، أقول: لم أجد رواية الاستلقاء في الصغرى لعلها تكون في الكبرى، فإن الزيلعي متثبت في النقل كثيراً، والاستلقاء عندنا أفضل من الصلاة على الأيمن.

باب ما جاء في الرجل يتطوع جالسا

باب ما جاء في الرجل يتطوع جالسا

[373] مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن من صلى التطوع جالساً يجوز له الجلوس بأي صورة شاء من التربع وغيره إلا في القعدة فإنه يقعد فيها كهيأة، وأمَّا ما هو عمل أهل العصر من اختيار هيأة القعدة في القيام فهو مذهب زفر رحمه الله، ويجوز بناء القيام على القعود في صلاة أو ركعة في السبحة عند الشيخين، وقال محمد: لا يجوز أن يشرع قائماً ثم يقعد، وأقول: لا بد من ترجيح الصور الثابتة عنده عليه الصلاة والسلام على غيرها ولكنه لم يتوجه الأحناف إلى الترجيح، وقد ثبت تطويله عليه الصلاة والسلام القيام في صلاة الليل، كما روي أن حذيفة اقتدى به عليه الصلاة والسلام بالليل وأخذ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سورة البقرة وقال: زعمت لعله يركع على مائة آية حتى أن تجاوز عن المائة،

ثم زعمت أن يركع على مائتين حتى أن تجاوز، ثم زعمت أن يختم السورة حتى أن تجاوز عنها وقرأ أربع سور ثم بعض الروايات تدل على قراءته أربع سور في ركعة، وبعضها تدل على قراءته إياها في أربعة ركعات فوالله أعلم، هل يرجع المحدثون أو يجمعون والله أعلم وكذلك ورد لابن مسعود أنه اقتدى به عليه الصلاة والسلام وأعي، لذا كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاقتداء خلفه في النافلة، وعلى هذا قال بعض: إن الحكيم من يشدد على نفسه ويخفف على غيره، وقال محمد في قصيدة البردة: ~ ظلمتُ سنّةَ من أحيى الظلام إلى ... أن اشتكت قدماه الضر من ورم وقال في الهمزية: ~ وإذا حلت الهداية قلباً ... نشطت في العبادة الأعضاء

باب ما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إني لأسمع بكاء الصبي في الصلاة فأخفف

باب ما جاء أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال إني لأسمع بكاء الصبي في الصلاة فأخفف

[376] قد ثبت تطويله عليه الصلاة والسلام القراءة وتخفيفه إياها، والتخفيف في حديث الباب، والتطويل لإدراك الجائي في سنن أبي داود ص (116) عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطول القراءة في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى. . إلخ، واختلف العلماء في تطويل الركوع لإدراك الجائي فجوزه الشافعية قياساً على تخفيف القراءة في حديث الباب قياس عكس، وأما الأحناف فعن أبي حنيفة أو محمد على اختلاف النقلين أنه سئل عن من يطيل الركوع لإدراك الجائي، قال: أخاف عليه أمراً عظيماً، وسئل ما الأمر العظيم؟ قال: الكفر، وقال المشائخ: إنه كفران النعمة، وأما أرباب الفتوى فقالوا تجوز الإطالة بشرط أن لا يعرف الإمام الجائي بشخصه وإلا فلا، ولكن ينبغي العمل على ما قال صاحب المذهب فإن النفس أكذب ما تكون إذا حلفت، فكيف إذا ادعت؟ وأما قياس الشافعية فقياس مع الفارق، وأيضاً ثبت الإطالة والتخفيف في القراءة لا في الركوع والسجود، ثم قال بعض الأحناف: إن إرادته عليه الصلاة والسلام تطويل القراءة ثم تخفيفها كانت قبل الشروع في الصلاة لا في داخل الصلاة، ولكن ألفاظ الروايات ترد عليه.

باب ما جاء لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار

باب ما جاء لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار

[377] الحائض من تصلح للحيض، وفي سن الحيض، والحائضة من في حالة الحيض في الحالة الراهنة كما قال صاحب الكشاف، وكذلك في المرضع والمرضعة، ومذهب أبي حنيفة أن الكفين

والوجه ليس بعورة لا داخل الصلاة ولا خارجها ويجوز النظر إلى الوجه والكفين للأجنبي أيضاً ثم أفتى أرباب الفتيا بسترهما لفساد الزمان، وأما القدمان فعن الشافعي جواز كشفهما، وعن أبي حنيفة روايتان وعندي يؤخذ بما يوافق الشافعي.

باب ماجاء في كراهية السدل في الصلاة

باب ماجاء في كراهية السدل في الصلاة

[378] قال شارح الوقاية السدل أن يضع الثوب على الرأس ويرخيه على جانبيه، وأقول: إن جزئيات المذهب تدل على العموم من هذا فإنه في قاضي خان أنه لو لبس الجبة ويداه في خارج الكمين يكون سدلاً، وأقول: إن أحسن ما قيل في تعريف السدل ما قال الشاه ولي الله في حجة الله البالغة: وهو أن الشريعة تأمر باختيار اللبسة المختارة في أعدل الأحوال للإنسان وخلافه سدل أو تشمير فهذا خلاصة ما في مسألة السدل، فإنه عليه الصلاة والسلام أمر بإعادة الصلاة من كان صلى وهو مسبل إزاره أخرجه أبو داود ص (93) عن أبي هريرة، ويجوز إطلاق السدل على إسبال الإزار. مسألة: في شرح المشارق لابن الملك من لحقه سدل الثوب في أثناء الصلاة، يرفعها في خلالها وهذا يدل على دفع المكروه اللاحق في داخل الصلاة فيها فإنه جعل ابن عباس عن يمينه في داخل الصلاة، ووقائع أخر عن ابن عباس تدل على دفع المكروه اللاحق في خلال الصلاة في خلالها.

قوله: (إذا سدل على القميص. . إلخ) في كتبنا مثل البحر وغيره: أن اشتمال الصماء مكروه في ثوب واحد وغير مكروه في ثوبين، وقد يطلق لفظ السدل على هذا الاشتمال أيضاً، وهو المراد في هذا القول.

باب ما جاء في كراهية مسح الحصى في الصلاة

باب ما جاء في كراهية مسح الحصى في الصلاة

[379] حديث الباب يدل على تحمل العمل القليل في الصلاة، وأما فساد الصلاة بالعمل الكثير فمن المجمع عليه، وفي بعض الروايات: «وإن كنت لا بد فاعلاً ففي النافلة» إلخ، لأن في النافلة توسيعاً ليس في الفريضة، فإنه يجوز الاعتماد بالجدار وغيره في النافلة عند التعب والإعياء لا الفريضة. قوله: (فإن الرحمة تواجهه إلخ) هذه الرحمة الوصلة التي يكون المار بين يدي المصلي قاطعاً لها.

باب ما جاء في كراهية النفخ في الصلاة

باب ما جاء في كراهية النفخ في الصلاة

[381] لنا في النفخ في الصلاة قولان ذكرهما صاحب البحر: أحدهما: أنه لو كان مسموعاً صوته تفسد الصلاة وإلا فلا. والثاني: فساد الصلاة به لو كان مُهَجّاً ويظهر منه الحروف وإلا فلا. واختار صاحب البحر الثاني، وقال ابن تيمية: لا تفسد الصلاة بالنفخ وإن كان مهجّاً، وأما التنحنح في الصلاة فمكروه عندنا بل مفسد الصلاة إن لم يكن من عذر كأن صار مضطراً أو مدفوعاً إليه، ولو تنحنح من عذرٍ مبيح فلا بأس، والعذر كأن حصر عن القراءة لاجتماع البلغم أو غيره، وفي الصغير شرح المنية: أن التنحنح للعذر الصحيح إنما يتحقق في حق الإمام لأن الحصر عن القراءة إنما يتحقق في حقه. قوله: (وأهل الكوفة) هم أبو حنيفة وتَبَعُه.

باب ما جاء في النهي عن الاختصار في الصلاة

باب ما جاء في النهي عن الاختصار في الصلاة

[383] في تفسير الاختصار أقوال، قيل: هو الاختصار في القراءة والتخفيف، وقيل: هو القيام أخذان المخصرة في يده، وقيل: هو وضع اليد على الخاصرة، والمختار هو الثالث. قوله: (يمشي مختصراً) حين أخرج من الجنة مذموماً.

باب ما جاء في كراهية كف الشعر في الصلاة

باب ما جاء في كراهية كفّ الشعر في الصلاة

[384] استنبط من حديث الباب أن الأشعار أيضاً ساجدة فلا يكفها، وقال الشافعي: إن الثياب أيضاً ساجدة ولذا منع عن السجدة على الثوب الملبوس للمصلي، وأما وجه نهي الشارع عن كف الشعر فإما خلافه لهيئة الوقار المطلوبة في الصلاة، وإما كون الأشعار ساجدة عند الشريعة. قوله: (وقد عقص ضفرته) الضفر جمع الأشعار بعضها إلى بعضها، حديث الباب يدل على عقص الحسن ضفيرته وحله أبو رافع، وفي بعض كتبنا أنه غير مرضي وعلى هذا الشكل ما سيأتي في آخر الكتاب أنه عليه الصلاة والسلام كانت له عقائص وتصدى العلماء إلى توجيه ما يخالفهم بظاهره مما سيأتي في آخر الكتاب. قوله: (ذلك كفل الشيطان) في الحاشية أن الكفل هو حظ الشيطان ولكنه ليس كذلك فإن الكفل

في اللغة هو الثوب الملفوف على الواسطة للهودج كي يأخذه الرديف كما قال: ~ وراكب خلف البعير مكتفل ... يمشي على آثاره وينتعل

باب ما جاء في التخشع في الصلاة

باب ما جاء في التخشع في الصلاة

[385] قال علماء اللغة: إن الخشوع يتعلق بالعين والرأس والصوت والعنق، والخضوع يتعلق بالقلب، وقال الحذاق من أرباب اللغة لا ترادف في الألفاظ، والمختار هو هذا القول، وأما الخضوع والخشوع في الصلاة المذكور في حديث الباب لم أجده في عامة كتبنا فكنت متردداً في ما ذكر إلى أن رأيت استحباب التخشع في الاختيار شرح المختار وهو من معتبراتنا ولا يتوهم أن القرآن يأمر بالخشوع وأوامر القرآن للإيجاب، فيجب الخشوع سيما إذا كان من روح الصلاة، لأن الفقيه إنما يتعرض إلى أحوال عامة الناس ويلتفت إليها، ومن المعلوم أن التخشع من العامة متعذر، فقال الفقيه بالاستحباب لا بالوجوب فالخشوع مستحب، وأما الاختيار في الصلاة فمن شروطها، فإنه إذا سجد أو ركع وهو نائم لا يعتد به. فائدة: في كتب الأحناف أن المصلي ينظر في حال القيام إلى موضع سجوده، وفي الركوع إلى ظهري رجليه، وفي السجود إلى أنفه، وفي القعود إلى حجره، وإني تتبعت مأخذ هذه المسألة فوجدت في متن المبسوط للجوزجاني تلميذ محمد بن حسن أنه ينظر في حال القيام إلى موضع السجود، وفي كتاب الصلاة لأحمد بن حنبل أن المصلى ينحني رأسه في القيام، ولكني متردد في هذا الكتاب أنه من تصنيف أحمد أو لا، فرأيت في فتح الباري أنه من تصانيفه، وتأمر الشريعة بالسكون في الصلاة كما هو عادة السلف الصالحين، وفي حديث الباب مقال وتَكلُّمٌ فيه، وأخرجه الزيلعي وعزاه إلى النسائي وما وجدته في الصغرى لعله في الكبرى فإن الزيلعي متثبت في النقول أشد تثبت فإن كان أخرجه النسائي في الكبرى لا ينحط الحديث عن مرتبة الحسن، وإن لم يكن في منزلة أحاديث الصغرى. قوله: (الصلاة مثنى مثنى) بحث هذه المسألة سيأتي بقدر الضرورة في أبواب الوتر وقال

الزمخشري: إن في «مثنى» تكراراً معنىً، ذكره في الفائق، وإنما أتى «بمثنى» الثاني لتحقيق التكرار في اللفظ أيضاً. قوله: (تشهد في كل ركعة) قال ابن همام: إن حديث الباب ليس بحجة للصاحبين والشافعي على أبي حنيفة في مسألة نوافل الليل لأنه أيضاً يقول بالتشهد، ولا يدل الحديث على التسليم، أقول: المراد في الحديث هو التشهد مع التسليم كما في مسند أحمد. قوله: (تقنع يديك. . إلخ) أي ترفع يديك، استدل بعضٌ بحديث الباب على الدعاء بعد المكتوبة بالهيئة المتعارفة في أهل العصر، والحال أنه لا يدل عليه فإنه ليس فيه ذكر أنهم دعوا مجتمعين، فأما رفع اليدين فقط بعد الصلاة ولو نافلة فثابت كما حررت سابقاً، والكلام بقدر المرام مرَّ. قوله: (فهو خداج) أطلق لفظ الخداج على ترك المستحب في الصلاة.

باب ما جاء في طول القيام في الصلاة

باب ما جاء في طول القيام في الصلاة

[387] اختلف أهل المذهبين في أفضلية الصلوات، فقال الشافعية: إن أفضل الصلاة هي المشتملة على تكثير الركوع والسجود، ونقول: إن أفضلها هي المشتملة على تطويل القيام، وفي رواية للشافعية أن الأفضل تطويل القيام ذكرها النووي في شرح مسلم، وفي رواية للأحناف أن الأفضل تكثير الركوع عن محمد أو عن أبي حنيفة على اختلاف النقلين وأحد النقلين في البحر، وصورة الاختلاف أن رجلاً يستفتي بأن لي وقتاً معيناً وأريد صرفه في النافلة فما لي أفضل الصرفة في تكثير السجود أو في تطويل القيام؟ وتمسك الشافعية بحديث: «أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد» فالسجدة أعلى أركان الصلاة فيستحب تكثيرها، وتمسك العراقيون بحديث الباب وهو نص في المسألة وأما حديث: «أقرب ما يكون العبد إلى ربه» إلخ فعلى الرأس والعينين ولا ننكره ولا يخالفنا فإنه يدل على أن السجود أفضل أجزاء الصلاة ولا ننكره، وكلامنا في أفضلية صلاة من الصلوات لا في أفضلية جزء من أجزاء الصلاة، فيكون قياس الشافعية في مقابل النص ولا تخالف بين الحديثين فلنص الحديث لنا إن شاء الله تعالى في مسألة الباب. (ف) : يأخذ أبو حنيفة بالضابطة الكلية وقول الشارع في الباب، ويحمل الوقائع على المحامل، كما تمسك في استقبال القبلة واستدبارها عند الخلاء بالحديث القولي، وأخرج محامل للوقائع، وكذلك صرح الحافظ في الفتح، ثم لم يرض به وأقول: إنه أحسن طرق التمسك بالحديث كما هو ظاهر عند أرباب اللباب. ثم إن قيل: لمّا كانت السجدة أفضل أجزاء الصلاة ينبغي صرف الوقت فيها أزيد مما في غيرها، نقول: ربما يكون أن يصرف الوقت في المبادي أزيد مما في المرام كما في الحج فإن الغرض زيارة البيت والإحرام من مباديها.

باب ما جاء في قتل الأسودين في الصلاة

باب ما جاء في قتل الأسودين في الصلاة

[390] إذا تعرض الحية أو العقرب للمصلي فله أن يقتلهما وهو في الصلاة، ثم في مبسوط شيخ الإسلام خواهر زاده: أن الصلاة لا تفسد إن قتلها بعمل كثير، نقله في الفتح، وفي قول لنا فساد الصلاة بالعمل الكثير إلا أنه لا يأثم بإفساده الصلاة في هذه الصورة للضرورة، والمختار ما في مبسوط شيخ الإسلام إلا أنه إذا احتاج إلى العمل الكثير جداً تفسد الصلاة.

باب ما جاء في سجدتي السهو قبل السلام

باب ما جاء في سجدتي السهو قبل السلام

[391] حقيقة سجدتي السهو عندنا إما أن يقال: السجدتان وتشهد وسلام، وإما أن يقال: سجدتان، لأنه إذا تشهد ثم سلم إلى جانب أو جانبين على اختلاف القولين وسجد للسهو فالسجدة في حرمة الصلاة، ولما كانت السجدة بعض تعلق بالصلاة تبطل التشهد والسلام السابقين فيحتاج إلى التشهد والسلام الثاني ولكنه لا يرفع القعدة لأنها فريضة فالتشهد والسلام لعارض، وحقيقة سجدة السهو سجدتان وحقيقتها عند الشافعية سجدتان فقط، ولا تشهد ولا سلام، وأما السلام الذي بعدها فسلام الصلاة، ثم نقول: إن سجدة السهو بعد السلام في جميع الصور قالت الشافعية: إنها قبل السلام في جميع الصور وقال مالك أن يسجد بعد السلام لو لزم السجدة من زيادة ويسجد قبله لو لزم السجدة

من نقصان، وتعبيره الدال في الدال والقاف في القاف، وقال أحمد بن حنبل: بتمشي على ما ثبت، فيما ثبت وثبت عنه عليه الصلاة والسلام السجود في أربع صور: أحدها: أنه قام إلى الخامسة. وثانيتها: أنه سلم على الركعتين في الرباعية. وثالثتها: أنه ترك القعدة الأولى. ورابعتها: أنه ترك آية من القراءة. ففيما سجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل السلام سجد قبله، وفيما سجد فيه بعده يسجد فيه بعده، وأما ما لم يثبت فيه فيسجد قبل السلام كالحجازيين، وقال إسحاق كما قال أحمد إلا أنه وافق العراقيين فيما لم يثبت فيه من صاحب الشريعة، قال المحدثون الرجحان لقول أحمد، وفي كتب المذاهب الأربعة إن خلاف السجدة قبل السلام وبعده خلاف الأولوية من كتب الأحناف ما في الهداية وكذلك في كتب الثلاثة إلا في تجريد القدوري في رواية شاذة عدم جواز السجدة قبل السلام، وأما على تقدير تسليم أن الخلاف في الأولوية، فوجه الرجحان لنا أن فعَلَه عليه الصلاة والسلام مرة قبل السلام ومرة بعده، وأما الحديث القولي فهو لنا أخرجه الطحاوي ص (253) . قوله: (قبل أن يسلم. . إلخ) تأول بعض الأحناف أن السلام هذا هو السلام الذي بعد سجدتي السهو لا سلام الصلاة التي هي قبلهما، أقول: إن التأويل خلاف مراد الراوي ولا يجري التأويل ولا بد من تسليم الجواز قبل السلام، وتمسك الشافعية بحديث الباب على نفي التشهد والسلام ولنا ما سيأتي من تصريحهما وتمسك الشوافع بعدم الذكر. قوله: (إن آخر فعل النبي إلخ) أقول: قال الشافعي: إن قصة ذي اليدين رحمه الله في السنة السابعة فكيف يقال إن آخر فعله عليه الصلاة والسلام السجدة قبل السلام؟ فإن في تلك الواقعة السجدة بعد السلام والله أعلم، نعم يمكن قول أنه آخر فعله على ما قال الأحناف من أن واقعة ذي

اليدين قبل بدر، وأما التسليم قبل السجدة فلنا فيه أقوال قال فخر الإسلام: إنه يسلم تلقاء وجهه أي إلى جانب القبلة، وفي قول: يسلم إلى جانب اليمين، وفي قول: يسلم إلى يمين وشمال لأنه سلام متعارف وهذا قوي، وكتب رجل إلى فخر الإسلام أن وحدة السلام بدعة فكفينا عن عهدة النقل، وقال مالك في سجدة السهو ثلاث تكبيرات، وله حديث أخرجه أبو داود في سننه ص (145) في قصة ذي اليدين عن أبي هريرة، قال هشام ـ يعني ابن حسان ـ: كبَّر ثم كبَّر وسجد إلخ، فجعل الأولى منزلة التحريمة، والثانية للانحناء إلى السجود، والثالثة للرفع عن السجدة.

باب ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام

باب ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام

[392] قال الشافعي: لا تفسد الصلاة بالكلام ناسياً، والنسيان عند عدم تحقيق المصلي أنه في الصلاة، فما قال المدرسون أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن ناسياً ما أدركوا مراد الشافعي، ومنشأ غلطهم قول الطحاوي، وماأدركوا مراد كلام الطحاوي أيضاً، والحال أن مراد الطحاوي المناظرة مع الشافعي في مسألة ولا حق لنا فيه. قوله: (خمساً إلخ) يحتاج الأحناف إلى ادعاء أنه عليه الصلاة والسلام قعد على الرابعة، فإنا نقول: إن القعدة الثانية فريضة ولو لم يجلس لتحولت الفريضة إلى النافلة، وهذا الادعاء ليس ببعيد فإنه واقعة حال وليس بحكم كلي، وأما قول الشافعية من أن قولاً بالجلوس على الرابعة يسوق إلى تكرار السهو عنه عليه الصلاة والسلام لأنه على ظن أنها ثالثة ثم على أنهما تمام الصلاة، نقول: إنه ليس بلازم، فإنه قد يقع مثل تلك الواقعة في حالة الذهول بدون تكرار السهو، ولو سلمنا فأي ضير في هذا بعد تسليم السهو عنه عليه الصلاة والسلام، وأقول: يمكن أن يقال في أنه لا بد من أن وقعت القعدة الثانية على الرابعة والوجه فقهي، وذلك أن مثنوية الصلاة أو كونها أربع ركعات لا يكون إلا بالتشهد وهذا من التواترات فلا بد من تسليم التشهد من الأربعة، ولا يلزم بطلان ذلك المتواتر، وبناء على هذا قال أبو حنيفة: إن ما دون الركعة قابل للإلغاء، فمن لم يقعد على الرابعة تحولت فريضته إلى النافلة وعليه ضم الخامسة والسادسة، وإن قعد على الرابعة ثم قام إلى الخامسة فلو سجد للخامسة لا يعود إلى القعدة لأنه لا يمكن إبطال الركعة وبضم السجود تصير ركعة، وإن لم يضم الخامسة يعود إلى القعدة فإنه يجوز إلغاء ما دون الركعة ولم يبطل ذلك التواتر للجلوس على الرابعة.

باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهو

باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهو

[395] هذا الباب للعراقيين لثبوت التشهد في سجدتي السهو سجد قبل السلام أو بعده، وواقعة الباب واقعة ذي اليدين وحديث الباب لنا في التشهد والسلام، وكونهما بعد السلام والحديث قوي، ولنا ما أخرجه الطحاوي في معاني الآثار ص (256) موقوفاً على ابن مسعود، وفيه ص (252) عن ابن مسعود، مرفوعاً بسند جليل: «ثم ليسجد سجدتي السهو ويتشهد ويسلم» إلخ، ونفى البخاري رحمه الله التشهد ولكنه لم يأت بما ينفي. قوله: (صلى بهم. . إلخ) أي صلاة الظهر أو العصر على اختلاف الرواة.

باب ما جاء في الرجل يصلي فيشك في الزيادة والنقصان

باب ما جاء في الرجل يصلي فيشك في الزيادة والنقصان

[396] قال الشافعي: من شك يبني على اليقين أي على الأقل ويتشهد على ركعة فيها يتوهم القعدة، وقال أبو حنيفة: إن عرضه أولاً يستقبل الصلاة ويستأنفها، وإن كثر فبنى على أكبرِ رأيه وغالبِ ظنه وإلا فعلى الأقل، ويقعد على ما يتوهم فيه القعدة الأخيرة، وأما قول: إن كان الشك عرضه أولاً. . إلخ ففي تفسيره قولان، قيل: عرض أو لا في جميع عمره وقيل عرض أولاً في هذه الصلاة، والمختار الأول وإلا تحرى فلا يسكت في وقت التحري، بل يشغل في الوظيفة مع التحري ثم إذا بنى على غالب ظنه فهل يسجد للسهو أم لا؟ فقال ابن همام في الفتح: يسجد للسهو، وقال في السراج الوهاج: لا يسجد لعل الترجيح كما في رد المحتار في هذه المسألة للسراج الوهاج لأن الأحاديث تؤيده لكنه اشترط أن لا يلزم في وقت التحري تأخير قدر ركن. قوله: (فليسجد سجدتين إلخ) ذهب جماعة من السلف الصالح إلى ظاهر حديث الباب وهو سجدتا السهو بدون البناء على الغالب أو على الأقل، ولم يذهب أحد من الأربعة إلى هذا وأجاب الجمهور عن حديث الباب بأنه ساكت يحمل على الناطق الذي فيه ذكر البناء على الأقل أو غيره ثم دليل الشافعية على البناء فقط حديث عبد الرحمن الآتي، وأما أدلتنا فللإستناف إذا عرض له الشك أول مرة قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا شك أحدكم في صلاة أنه كم صلى؟ فليستقبل الصلاة»

ومضمونه مروي في مصنف ابن أبي شيبة وغيره، وأما دليل البناء على أكبر رأيه فما أخرجه مسلم من ابن مسعود: «من سها في الصلاة فليتحر الصواب» ، وحمله الشافعية على البناء على الأقل، وقالوا: إن التحري الأخذ بالأحرى، نقول: إنه لا يساعده اللغة أصلاً، وأما دليلنا للبناء على الأقل فقوله عليه الصلاة والسلام: «من شك في صلاته ولم يَدرِ كم صلى» اه.

باب ما جاء في الرجل يسلم في الركعتين من الظهر والعصر

باب ما جاء في الرجل يسلم في الركعتين من الظهر والعصر

[399] اختلفوا في الكلام في الصلاة، قال أبو حنيفة: إنه مفسد كيف ما كان عامداً أو ناسياً أو جاهلاً،

وقال الشافعي: لا تفسد إن تكلم ناسياً، ونسب إلى مالك والأوزاعي أن قليله لمصلحة صلاة لا يفسدها، ويرد عليهما ما أخرجه أبو داود ص (24) عن ابن أبي ليلى قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال إلخ، وقال فيه: حدثنا أصحابنا قال وكان رجل إذا جاء يسأل فيجبر بما سبق من صلاته، ويرد عليهما ما رواه الترمذي في الصفحة الآتية عن زيد بن أرقم كنا نتكلم خلف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ، فإنه بظاهره منسحب على كل كلام فإن كلامهم كان لمصلحة الصلاة أي السؤال عن الركعات. قوله: (أقصرت الصلاة أم؟ إلخ) قصرت بصيغة المعلوم والمجهول لأن القصور لازم والقصر متعدٍ وكذلك النقص متعدٍ والنقصان لازم، في موطأ مالك كل ذلك لم يكن، قال ذو اليدين: قد كان بعض ذلك. . إلخ، وتمسك الشافعية بحديث الباب على جواز الكلام ناسياً، ثم في وجه التمسك طريقان، طريق المتوسطين منهم التمسك بإجمال حديث الباب، وأما الحذاق منهم فتمسكوا بكلامه عليه الصلاة والسلام لأكان ناسياً، فإن الصحابة إما أن يتكلموا مثل ما تدل بعض الروايات أخرجه النسائي، وإما أن يشاروا برؤوسهم كما في أبي داود ص (144) فأومؤوا برؤوسهم أن نعم» . وإما لأنه مجاوبة الرسول، ولا تفسد الصلاة بها عند جماعة، وتمسكوا بما في البخاري عن سعيد بن المعلى: أنه كان يصلي فناداه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يجب، ثم حضر حضرتَه عليه الصلاة والسلام، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دعوتك فما أجبتني» قال: كنت أصلي، قال: أما قرأت: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] الآية، سيما إذا كان في كتاب القراءة للبيهقي ومشكل الآثار قوله. (لا أفعل هذا بعد) ، أي أجيبك بعد، وفي كلام أحمد بن حنبل أن كلام ذي اليدين في حكم الناسي لأنه تردد في تمام الصلاة، لأنه زعم أن الصلاة إما قصرت وإما نسي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال الشافعية: إن واقعة الباب بعد نسخ الكلام في الصلاة، والنسخ في مكة وواقعة الباب واقعة مدنية، ومن المتفق عليه أن الكلام كان جائزاً ثم نسخ، والخلاف في أن المنسوخ الكلام بجميع أنواعه أو ببعض أجزائه، وتمسك الشافعية بأن ابن مسعود رجع من حبشة في مكة وسلم على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي فلم يرد عليه، ثم قال بعد الفراغ عن الصلاة: «إن الله نهى عن الكلام في الصلاة» ونقول: إن نسخ الكلام في المدينة قبل بدر وأمَّا ما قلتم من قصة ابن مسعود فلابن مسعود هجرتان إلى حبشة، أحدهما حين هاجر وأصحاب آخرون من أذى الكفار، ثم نزلت سورة النجم فسجدت الكفار حين سمعوا آية السجدة فيها، فانتشر أن كفار مكة أسلموا، فبلغ الخبر المهاجرين إلى حبشة عند النجاشي فرجعوا إلى مكة فلما وصلوا قريب مكة سمعوا وعلموا أن الخبر كان كاذباً فرجعوا من ثمة إلى حبشة ما دخلوا مكة، وأما ابن مسعود فدخل مكة ثم رجع إلى حبشة بعد إقامة عدة أيام، ثم هاجر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى مدينة فرجع ابن مسعود إلى مدينة، ووقعت له واقعة سلامه على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعدم رده في الصلاة

في المدينة، وابن مسعود رجع قبل غزوة بدر لأنه ممن شهد بدراً، وأما واقعتا هجرته إلى النجاشي فمذكورتان في كتب السير مثل سيرة محمد بن إسحاق، وتمسك الشافعية بأن أبا هريرة يروي واقعة ذي اليدين ويقول: صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالوا: أدرك أبو هريرة ذا اليدين، وأسلم أبو هريرة في السنة السابعة، فلا بد من تأخير الواقعة، نقول: إن مراد أبي هريرة صلى بنا رسول الله أنه صلى بمعشر المسلمين ولا يجب حضور أبي هريرة في واقعة الباب، ونظيره هاهنا ما قال النزال بن سبرة: قال لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنا وإياكم إلخ يريد قومه ومعشره فإنهم لم يروا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومنها ما روى طاووس: قدم علينا معاذ بن جبل فلم يأخذ شيئاً من الخضروات، فإنه أراد به قدم على قومنا، فإن طاووساً لم يدرك معاذاً، منهما ما روى الحسن: خطبنا عتبة بن غزوان يريد خطبة، بالبصرة ولم يكن حينئذ حسن في بصرة، لأن قدومه ببصرة إنما كان قبل صفين بعام كما روي، عن أبي رجاء أنه قال: سألت الحسن متى قدمت بصرة؟ فقال: قبل صفين بعام فأراد به قومه ومعشره، وكذلك أجاب الطحاوي عن رواية أبي هريرة هذه كما قال ابن حبان في رواية زيد بن أرقم، ولكن الطحاوي لم يُجب عما في طريق مسلم ص (215) عن أبي هريرة: بينا أنا أصلي إلخ، وقال صاحب البحر لم أجد جواباً شافياً عن هذه، وقال ابن عابدين ما قال، وتعجب من عدم جواب البحر، أقول: إن ابن عابدين غفل عن ما في مسلم فإن الرواية هاهنا «أنا أصلي» رواها مسلم ص (314) ، وأما أنا فلم أجد شافياً أيضاً إلا أن يحكم بأنه وهم الراوي فإنه لما رأى بينا نحن نصلي زعم كون أبي هريرة في الواقعة، وتعارض لتلك الرواية بما سيأتي عن قريبُ. أما وجه الوهم فلعله وهم من شيبان فإنه اختلط عليه حديثان فإنه روى حديث معاوية بن الحكم السلمي كما في مسلم ص (203) حديث العطاس، وفيه: «بينا أنا أصلي إذا عطس رجل» إلخ، وأخذ هذا اللفظ من هذا الحديث ووضعه بسبب الاختلاط في حديث ذي اليدين عن أبي هريرة في مسلم ص (214) والله أعلم، وعلمه أتم. وأما الجواب بطريق المعارضة فهو: إن ذا اليدين قتل يوم بدر، وإسلام أبي هريرة في السنة السابعة كما قالوا، منهم محمد بن إسحاق، وكذلك روى ابن عمر أخرجه الطحاوي ص (161) : كان إسلام أبي هريرة بعدما قتل ذو اليدين، ورجاله ثقات إلا عبد الله بن عمر العمري وهو متكلم فيه، ولم يأخذ عنه البخاري وتبعه الترمذي ووثقته جماعة واتفقوا على صدقه ولكنه في حفظه شيء، وأما ابن معين ففي لفظ عنه لا بأس به وفي لفظ أنه صُوَيلح، وفي لفظ أنه صدوق وثقة، وفي ميزان الاعتدال أن ابن معين سئل فقال أن عبد الله العمري ثقة في حق نافع، وأقول: إنه من رواة الحسان

ولم أجد أحداً أخذه في متون الحديث بل أخذوه في أسانيد الحديث، وأما أخوه عبيد الله فثقة اتفاقاً، وكان عبد الله يحول سائله إلى أخيه في حياته ثم بعده أخذ كتاب أخيه وكان يروي منه فأخذ عليه أقول أنه وجادة ووجادة من لقي صاحب الكتاب مقبولة، وأما بعض المحتاطين فلا يقبلونها بدون تحديث أو إخبار أو إجازة، وأما المتأخرون فيقبلونها، وأيضاً صحح ابن السكن بعض أحاديث عبد الله العمري، وعندي ثلاثة أحاديث عنه حسَّنها بعض المحدثين، وفي فتح الباري في كتاب الحج أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج أن يسأل مسائل الحج عن ابن عمر برواية عبد الله العمري، واستدل الحافظ بهذه الرواية على ثبوت لقاء الزهري ابن عمر فعلى هذا رواية الطحاوي حسنة، ثم توجه الشافعية وقالوا: إن الشهيد في غزوة ذو الشمالين لا ذو اليدين وذو الشمالين هو عمير بن عبد عمرو من بني خزاعة، وأما ذو اليدين، فهو خرباق بن عمرو من بني سليم وأتوا بنقول عديدة دالة على كونهما رجلين، وأما الأحناف فلهم أيضاً نُقول عديدة على أنهما رجل واحد، ونقول الطرفين ذكرها مولانا ظهير أحسن في آثار السنن، ومن نقولنا رواية النسائي وموطأ مالك بن أنس يروى الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وذكر فيه ذا الشمالين لعلها بدل ذي اليدين، وأخرجه النسائي ص (183) بطريق وأعلها الشافعية وقالوا: إن ذا الشمالين من وهم الراوي، ونقول: إن الزهري نقل عنه الزيلعي عن ابن حبان أن الحديث منسوخ، وقال ابن عبد البر في التمهيد: إن الزهري متفرد في ذكر ذي الشمالين نقله السيوطي في زهر الربى، ونقول: تابع الزهري عمران بن أبي أنس في موطأ مالك والنسائي والطحاوي ص (258) وكذلك روى عكرمة مرسلاً ذا الشمالين أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بسند قوي وتابعه معمر أخرجه أحمد في مسنده بسند صحيح، ثم قال الأحناف: إن خرباقاً وعميراً واحد وعبد عمرو وعمرو واحد، وأما الخزاعي فلكونه من بطن سليم بن ملكان وليس ابن منصور كما قال مولانا ظهير أحسن في آثار، السنن، ولقد نظمت في مراد الشافعية: ~ الذي كان شهيد البدر ... ذو الشمالين بن عبد عمرو ~ ثم خرباق بن عمرو آخر ... ذو اليدين السلمي ذكروا ونظمت فيما قال الأحناف: ~ قيل عمرو عبد عمرو واحد ... وابن هذا عمير قرروا ~ من سليم بن ملكان ولا ... ابن منصور فخذ ما حرروا وأما شهرته بذا الشمالين وذي اليدين فلأن الصحابة كانوا يدعونه بذي الشمالين وسماه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذي اليدين فإن في ذي الشمالين تطيُّراً، ويدل عليه ما في أبي داود أيضاً وكذلك في معاني الآثار ص258 سماه بعض الصحابة وذكر بذي الشمالين فيه ص257 برواية أسد فقال: رجل طويل اليدين

سماه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذا اليدين، ونقول أيضاً لنا دليل آخر على عدم إمكان وجود أبي هريرة في واقعة ذي اليدين وهذا يقتضي البسط في أوراق ولكني لا أذكره تفصيلاً لضيق المقام وجميع أجزاءها مذكورة عندي بالروايات، فأذكر الدعوى المحضة بأن في حديث الصحيحين في حديث ذي اليدين: «ثم أتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جذعاً في قبلة المسجد فاستند إليها» إلخ وفي فتح الباري ومسند أحمد: «أن الجذع أسطوانة حنانة» وأما هذه الأسطوانة فقد دفنت قبل إسلام أبي هريرة ودفنت حين وضع المنبر، وأقول: وضع المنبر في السنة الثانية، وعندي روايات كثيرة تبلغ خمسة عشر دالة على وجود المنبر في السنة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة، وإسلام أبي هريرة في السنة السابعة اتفاقاً وإذن لا يمكن اجتماع أبي هريرة في قصة ذي اليدين التي فيها الحنانة، وقال الحافظ: وضع المنبر في السنة التاسعة بعد الهجرة وتخالفه روايات كثيرة وقال ابن حبان: وضع في السنة الخامسة ثم أبت على مرامنا وهو النسخ في المدينة، ودليلنا على هذا رواية حديث النسخ من الصحابة الذين هم مدنيون، ولم يثبت مجيئهم مكة قبل الهجرة منهم ما روى زيد بن أرقم في الترمذي كما سيأتي وفيه فنزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وهذه الآية مدنية اتفاقاً، وتأول فيه ابن حبان: بأن مراد «كنا نتكلم في الصلاة» إلخ أي نحن معشر المسلمين، وكذلك روى معاذ بن جبل في أبي دواد ص (74) نسخ الكلام وهو أيضاً مدني، ومنهم جابر بن عبد الله في أبي داود وهو أيضاً مدني، ثم عمل أبو حنيفة بما هو دأبه أي الأخذ بالضابطة العامة، وإخراج المحامل في الوقائع وواقعة ذي اليدين واقعة حال لا عموم لها، ونقول أيضاً: إن واقعة الباب متقدمة فإن الصحابة ما سبحوا خلفه عليه الصلاة والسلام للفتح، ولم ينكر عليهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعلم أمره عليه الصلاة والسلام في واقعة ذهابه إلى بني عمرو بن عوف للصلح بينهم متأخر عن واقعة الباب، وإلا فكيف لم يسبحوا للفتح عليه الصلاة والسلام؟ ومما يفيدنا ما أخرجه الطحاوي ص (259) أثر عمر بن خطاب فإنه وقع له مثل واقعة الباب في عهده فأعاد الصلاة مع كونه شاهداً واقعة ذي اليدين فعلم أنه زعم نسخها، ولما أعاد عمر لم ينكر عليه أحد من الصحابة والتابعين فعلم أن الجمهور موافقون لنا، وأما دليلنا فما أخرجه مسلم ص202 عن معاوية بن الحكم «إن صلاتنا هذه لا تصلح لشيء من الكلام» فالحديث عام ولم يعارضه خاص وعلى أن أكثر العلماء موافق لنا كما سيصرح الترمذي بنفسه بعد هذا الباب، وظني أن البخاري أيضاً موافق لنا فإنه مع إخراجه الحديث في مواضع وكون المسألة مختلفة أشد الخلاف لم يبوب عليها، وبابه على الكلام عام فدل صيغة على هذا المذكور، وإن لم ينبئ به أحد من الحافظين، وبعض الأحناف جعلوا واقعة اليدين مضطربة فيها الأحاديث وما التفت إليه، والاضطراب من وجوه منها ما في الصحيحين عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام «سلم على ركعتين» وفي حديث عمران بن حصين في مسلم وغيره «أنه سلم على ثلاث ركعات» ثم في الصحيحين أن الواقعة واقعة الظهر، وفي مسلم أنها واقعة العصر، ثم قال أبو هريرة: مرة صلاة الظهر جزماً، وأخرى صلاة العصر جزماً، وقال تارة على الشك ثم في موقفه عليه الصلاة والسلام بعد السلام على ركعتين أو

ثلاث، ففي الصحيحين عن أبي هريرة: «قام إلى خشبة في جانب القبلة فاتكأ عليها، وفي مسلم عن عمران: أنه دخل الحجرة، ثم في سجدتي السهو أنه سجدهما أو لم يسجد، وأراد النووي دفع الاضطراب، ولم يرض الحافظ بتعدد الوقائع وجزم بوحدة الواقعة عن أبي هريرة وعمران كما هو دأب المحدثين ثم هاهنا إيراد على الحنفية أورده الطحاوي ثم أجاب وصورة الاعتراض أن الواقعة لو كانت قبل النسخ فكان الكلام جائزاً، إذن فكيف سجد للسهو؟ قيل جواباً ذكره الطحاوي بطوله؛ وحاصله أن لزوم السجدة بسبب تخلل السلام وتأخر الأركان والجواب صحيح وبعد اللتيا والتي الحديث لا يستقيم على مذهب أحد، فإنه عليه الصلاة والسلام عمل عملاً كثيراً وذلك مفسد للصلاة عندنا وعندهم فإنه دخل الحجرة ثم خرج منها وليس في العمل الكثير تفصيل النسيان أو العمد، وفي هذا تفييق على الشافعية أزيد منا، وأيضاً وقعت الإقامة حين أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما أخرجه النسائي: أنه أقيم بعدما تيقن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأجاب عنه البيهقي أن الإقامة معناه اللغوي، أقول: في كتاب الطحاوي ص (259) تصريح: فأمر بلالاً فأقام الصلاة، وأيضاً عندي مرسل فيه تصريح أن المراد بأقيم قد قامت الصلاة. اطلاع: في الخصائص الكبرى للسيوطي أن الكلام كان جائزاً في الصلاة لا في الصوم في الأمم السابقة ذكره محمد بن كعب القرظي مرسلاً. قوله: (ناسياً) أي ينسى ولا يتيقن كونه في الصلاة. قوله: (جاهلاً) أي جاهلاً عن المسألة. قوله: (وقال الشافعي وفرقوا هؤلاء) اعتراضه علينا اجتهادي ونجيبه أيضاً بالاجتهاد والقياس، وهو أن هيأة المصلي مذكرة بخلاف الصوم فإن هيأته ليست بمذكرة كما قال صاحب البحر في الأشباه

والنظائر تحت بحث النسيان، ويمكن لأحد أن يقول: إن الشافعي اجتهد في الحديث وليس في الحديث نص على مذهبه، وهو الكلام ناسياً بأن يصرح بأنه لم يعد الصلاة لأن الكلام كان ناسياً، والله أعلم.

باب ما جاء في الصلاة في النعال

باب ما جاء في الصلاة في النعال

[400] النعل ليس هو مداس زماننا كما حررت سابقاً، والصلاة في النعلين الطاهرين في بعض كتبنا جوازها، وفي بعضها استحباب الصلاة في النعلين مخالفة لليهود كما في رد المحتار، وفي بعض كتبنا كراهتهما، وأما الصلاة في المداس فإن المداس إذا كان مرتفع مقدمه ويكون واسعاً لا يملأه القدم لا تصح فيه الصلاة وإن لم يكن مرتفع مقدمه أو ملأه القدم تصح الصلاة فيه.

باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر

باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر

[401] قال الشافعي: إن القنوت في صلاة الفجر في السنة كلها، ولا قنوت في الوتر إلا في النصف الثاني من رمضان، ومذهبنا أن القنوت في السنة كلها في الوتر، وأما إذا نزلت نازلة على المسلمين فمفهوم فتح القدير أن قنوت النازلة نسخت ولا يؤخذ بمفهومه، قال فإن العيني نقل في شرح الهداية

عن الطحاوي أن قنوت النازلة جائزة عند أبي حنيفة رحمه الله، ثم في عامة كتبنا أن قنوت النازلة في الفجر فقط، وفي بعضها أنها في الصلوات الجهرية، وفي بعضها مثل الغاية شرح الهداية في أنها الصلوات الخمسة والله أعلم أنه من أصل الكتاب أو من سهو الناسخين، وأما كونها قبل الركوع أو بعده فروايات الفقه مختلفة. وادعى الشوافع أن القنوت في الفجر، ونقول: إنها في النازلة لا في تمام السنة وكذلك يقول بعض الرواة كما في البخاري وأما رفع اليدين في أثناء قراءة القنوت فروي عن أبي يوسف أنه كان يرفع كرفعهما في الدعاء، وروي الجهر به أيضاً عن أبي يوسف والأمران جائزان. قوله: (قال أحمد وإسحاق) هذا مذهب أبي حنيفة.

باب ما جاء في ترك القنوت

باب ما جاء في ترك القنوت

أي إذا لم تكن نازلة وإلا ففي النازلة ثابتة اتفاقاً.

[402] قوله: (أي بنى محدث) هذا حجة لنا، وقال الشافعية: إن المحدث جهراً وإتيانها في الخمسة وهذا تأويلهم.

باب ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة

باب ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة

[404] في رواية عن أبي حنيفة: أن المصلي إذا عطس بنفسه فحمد الله لا تفسد الصلاة، ولو شمّت غيره تفسد. قوله: (بضعة وثلاثون ملكاً) ومع هذا لا يقول أحد بالاستحباب فإن نظر الفقيه ليس في الخصوصيات الجزئية، ولأنه لا بد من التعامل من السلف في ما يقال باستحبابه وما جرى التوارث على هذا، ولعل بعض طرق الحديث يومي إلى عدم انبغاء هذا الفعل فلا يتمشى على ما هو ظاهر الحديث.

باب ما جاء في نسخ الكلام في الصلاة

باب ما جاء في نسخ الكلام في الصلاة

[405] اتفقوا على نسخه والخلاف في تاريخ النسخ.

قوله: (زيد بن أرقم) هو صحابي مدني، ولم يثبت ذهابه إلى مكة قبل الهجرة النبوية فثبت أن نسخ الكلام في المدينة، وتأول بعض الشافعية مثل ابن حبان بأن المراد «بكنا نتكلم» أي معشر المسلمين ويرده اتفاق المفسرين على أن آية: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] مدنية، والقنوت هاهنا بمعنى الطاعة، وفي الإتقان: أن لفظ القنوت في جميع القرآن بمعنى الطاعة وأثبته بحديث مرفوع. قوله: (والعمل عليه عند أكثر) أي الصحابة رضوان الله عليهم، وهذا خلاف ما قال النووي لأنه إمام الحديث.

باب ما جاء في الصلاة عند التوبة

باب ما جاء في الصلاة عند التوبة

[406] وروية الحديث في صلاة التوبة سنده حسن وأما تعيين السور والقيود فلا أصل لها وليعلم أن بين التوبة والاستغفار فرقاً فإن التوبة هو ترك الإثم والعزم على الترك مع الندامة على ما فعل، وليس ذلك في الاستغفار وعلى هذا يمكن الاستغفار للغير بخلاف التوبة.

قوله: (ثم يقوم فيتطهر) .

باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة

باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة

[407] يؤمر الصبي بالصلاة قبل البلوغ للاعتياد كما هو نص حديث الباب إلا أنها غير واجبة عليه، وروي عن أحمد وجوب الصلاة عليه قبل البلوغ بعد عشر سنين، وإني رأيت في كتاب: أن الأبوين مأموران وجوباً بأن يأمرا الصبي بالصلاة بعد السنة التاسعة، وأما إذا احتلم الصبي فتجب عليه الصلاة، والبلوغ حقيقة بظهور آثاره وأما حكماً بعد خمسة عشرة سنة.

باب ما جاء في الرجل يحدث بعد التشهد

باب ما جاء في الرجل يحدث بعد التشهد

[408] من سبقه الحدث بعد التشهد يجب عليه أن يتوضأ ويبني ويسلم، وإذا أحدث عمداً فعليه إعادة الصلاة، وتمسك الشيخ عبد الحق الدهلوي بحديث الباب على عدم ركنية السلام، وأقول: إنه إدخال المكروه تحريماً في أمر الشارع ولا يقبله أحد. مسألة: إن طلعت الشمس في صلاة الفجر قبل السلام أو قبل سجود السهو لا يجب الإعادة، ويوافقه فتوى علي أخرجها الطحاوي ص (161) عن علي أنه إذا رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته الخ وأظن أنه بعد التشهد، ومعنى قوله: تمت صلاته» أنه سقط عنه التسليم.

باب ما جاء إذا كان المطر فالصلاة في الرحال

باب ما جاء إذا كان المطر فالصلاة في الرحال

[409] المطر من أعذار ترك الجماعة، ولكنه يفوض إلى رأي من ابتلى به في إدراك أنه متى يكون، عذراً ومتى لا يكون في حديث مرفوع: «إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال» وقال محمد بن حسن: إن النعال جمع نعل أي الأرض الصلبة، وهذا المعنى ثابت في اللغة. قوله: (وابن الشاذكوني) كان أحمد بن حنبل غير راضٍ عنه وأمر الناس: لا تأخذوا عنه، الحديث، وأيضاً أمرهم: لا تأخذوا عن يحيى بن معين، ووجه جرحه في ابن معين توريته في مسألة خلق القرآن حين ابتلي به، والعجب من المتأخرين أنهم تأولوا في جرح أحمد في ابن معين. . . . ولم يتأولوا في الجرح في حق إسماعيل بن حماد حفيد أبي حنيفة حين قيل فيه كما قيل في ابن معين،

وقد قال الأنصاري تلميذ زفر: منذ بنيت بصرة ما دخل فيها أحد أذكى من إسماعيل بن حماد، ووجه جرح أحمد فيه أنه كان قاضي بصرة ولم يساعد أحمد حين ابتلي بالبلية بيد المأمون.

باب ما جاء في التسبيح في أدبار الصلاة

باب ما جاء في التسبيح في أدبار الصلاة

[410] وردت الأذكار بعد الصلاة، وسيأتي حديث في الترمذي يدل على الذكر بعد التسليم وحسنه الترمذي وأعله النووي في كتاب الاستذكار. قوله: (في دبر كل صلاة) قال الحافظ ابن تيمية: إن دبر الشيء جزؤه، وقال: يكون الدعاء قبل التسليم وبعد التشهد، وقاس على أن دبر الحيوان جزءه، أقول: قياسه غير صحيح، فإن دبر الصلاة الذي نحن فيه ظرف بخلاف دبر الحيوان فإنه ليس بظرف، وغرضه إدخال الأذكار في داخل الصلاة، وأما ذكر حديث الباب فثبت بأوجه منها: ما في الطرق المشهورة «أن سبحان الله ثلاثة وثلاثين مرة، وكذلك الحمد الله أكبر، وتمام المائة كلمة التوحيد، أو بالله أكبر أربعة وثلاثين مرة» ومنها: أن كلا من الثلاثة خمسة وعشرين مرة، وخمسة وعشرين كلمة التهليل لإتمام المائة» ، وفي طريق سنده أيضاً قوي: أن كلاً من الثلاثة أحد عشر مرة وأقول: إنه وهم الراوي قطعاً، فإن شيخه لما ذكر: سبحان الله والحمد الله، والله أكبر، ثلاثة وثلاثين مرة زعم أن كلاً منها أحد عشر مرات، والحال أن كل واحد منها كان ثلاثة وثلاثين مرة كما هو المشهور في طريق كل واحد من الثلاثة عشر مرات ولكنه سنده ضعيف، وأصح ما في الباب أن يكون كل منها ثلاثة وثلاثين مرة، وإتمام المائة بكلمة التوحيد وليعلم أن الهيأة الاجتماعية برفع الأيدي المتعارفة في العصر بعد المكتوبة نادرة في زمانه عليه الصلاة والسلام، وثبت بعد النافلة من الاستسقاء وواقعة في بيت أم سليم.

قوله: (حسن غريب) حسنه الترمذي وغربه مع أنه حديث الصحيحين لأن في سنده خُصَيْفاً وهو من رواة الحسان.

باب ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر

باب ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر

[411] تجوز النافلة على الدابة، وأما المكتوبة فلا تصح على الدابة إلا للمطلوب، ووسعوا في نجاسة كانت على السرج بأن الصلاة تصح معها، ثم يجب استقبال القبلة عند التحريمة عند الشافعية ويستحب عندنا، وأما مسألة العجلة والمركب الدخاني فمرت بتفصيلها. قوله: (فأذن رسول الله. . إلخ) قال النووي: يدل الحديث على أنه عليه الصلاة والسلام أذن بنفسه في هذه الواقعة وقال الحافظ: سها النووي فإن في بعض طرق الحديث أمر بلالاً ليؤذن، وقال السيوطي في حاشية السنة: إنه عليه الصلاة والسلام أذن في واقعة أخرى وأتى برواية من طبقات ابن سعد. قوله: (فنقدم على راحلة) قال أبو يوسف وأبو حنيفة: لا يجوز الاقتداء على الدابة لأن الله تعالى ذكر الجماعة والاصطفاف في صلاة الخوف حين الإمكان بقوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الآيةُ وعند الاشتداد لم يذكر إلا بقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً} [البقرة: 239] الآية: أي كيف ما تيسر فرادي، وجوز محمد كما في صلاة الخوف في الهداية، وظاهر حديث الباب

يؤيده إلا أنهما جوزا إذا كان المقتدىوالإمام على دابة واحدة، وأما جواب الحديث من جانب الشيخين أنه عليه الصلاة والسلام تقدم وصلى منفرداً وأما تقدمه فلكونه أفضل كما هو الدأب من تقديم الأفضل في الموضع والمقام، وفي فتح القدير إذا لزمت سجت التلاوة لهم أن يصنعوا هيأة الجماعة في الحقيقة حتى لو ظهر كون الإمام محدثاً لا إعادة على القوم، وأقول أيضاً: ربما يعبر بأنه صلى بهم ولا يكون صمة اقتداء وإمامة بال الاشتراك في الأداء في موضع منها ما في مصنف ابن أبي شبيبة: أنه عليه الصلاة والسلام أذن في واقعة سفر بالصلاة في الرحال فصلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رحله والصحابة في رحالهم، وعبر الراوي فيها يصلي بنا وكذلك ما في مسلم ص (123) في واقعة القفول من تبوك حين أمَّ عبد الرحمن بن عوف الناس وكان عبد الرحمن إماماً في تمام الصلاة قطعاًُ فعبر الراوي في بعض الطرق يصلي بنا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما حملع على الواقعتين فلا، وكذلك تعبيرات أخر مصل هذا المحمل في مصل هذا الحديث الذي غريب ومختلف فيه لا بأس فمراده أنه عليه الصلاة والسلام كان حاضراً فيهم لا أنه كان إماماً، وأما إسناد حديث الباب ففيه عمر بن الرماح قيل: ثقة، وقيل: ضعيف، وأما الحديث فضعفه البيهقي والعقيلي ووثقه أبو بكر ابن العربي، وأما العقيلي فمن الأقدمين فأكثر المحدثين مضعفون، ومن الذين يثبتونه عبد الحق الإشبيلي صاحب كتاب الأحكام وغربه الترمذي.

باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاة

باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاة

[412] قوله: (حتى انتفخت. . إلخ) الانتفاخ كان إلى سنة كما روي عن عائشة في مسلم أنه عليه الصلاة والسلام كان يجتهد إلى سنة. . إلخ، ويتوهم مما أخرجه أبو داود بسند قوي عن ابن عباس: أن الانتفاخ كان إلى اثنى عشر سنة يجب أن يتأول فيما روي عن ابن عباس، وفي الصحيحين: نزلت أولاً أي خمسة آيات: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] ثم نزلت سورة المدثر، وفي الإتقان عن ابن عباس بسند قوي نزلت بعد المدثر النون ثم المزمل فنسخ الاجتهاد، وفي الصلاة حين نزل آخر سورة المزمل وكان أمر بالاجتهاد فيها حين نزل أول المزمل نزل آخر المزمل في مكة لما روي عن عائشة في

مسلم كما مر، وقال بعضهم: نزل آخرها في المدينة، ووجه ما قاله أن فيها ذكر الزكاة وأداء الزكاة في المدينة، وأقول: لا يلجئ هذا الوجه إلى أن آخر المزمل مدنية فإن يمكن أن نزلت آية الزكاة في مكة بدون ذكر النصاب ثم أخبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المدينة بالنصب، وظني أن أكثر الأحكام نزولها في مكة وإجراؤها في المدينة. قوله: (قد غفر لك ما تقدم إلخ) هاهنا سؤالان: أحدهما: ما المراد بالذنب؟ فقيل: إن المراد خلاف الأولى، كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، وأقوال أخر، ثم اعلم اختلفوا في صدور الصغائر من الأنبياء، فقال الأشعرية: يجوز صدورها من الأنبياء بعد النبوة أيضاً، ونقل تقي الدين السبكي: أن الماتريدية لا يجوزون صدورها من الأنبياء. والثاني: أن الأنبياء الآخرين ما أخبروا بعفو الذنوب وأخبر به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أن جميع الأنبياء معفوون، فالجواب أن الغرض من هذا استعماله عليه الصلاة والسلام للشفاعة الكبرى في المحشر، فلذا أخبره الله تعالى بغفران ما تقدم وما تأخر. قوله: (أفلا أكون) قال الزمخشري: هاهنا بتقدير الجملة فإن مقتضى همزة الاستفهام صدارة الكلام، ومقتضى الفاء توسط الكلام فتقدر جملة، ويكون التقدير: أأترك الصلاة فلا أكون عبداً شكوراً؟ فعلم أن صلاته عليه الصلاة والسلام شكراً لله تعالى.

باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة

باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة

[413] في رواية: «أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة» وفي رواية: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة القتل بدون حق» فحمل العلماء الأولى على حقوق الله والثاني على حقوق العباد.

قوله: (فيتكمل بها. . إلخ) اختلفوا في تكافئ النوافل الفرائض، فقيل: لا تكافأها ولو صلى النافلة مدة العمر فمراد الحديث على مشربهم أن النوافل تكافئ ما نقص من دواخل الصلاة، لا أصل الصلاة وقيل: إنها تكافئ الفريضة ثم في حديث: «أن سبع مائة نافلة تكافئ فريضة واحدة» ، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ملك العلماء وهو من كبار الشافعية: إن سياق ما في رواية أخرى أخرجها أبو داود وأن النافلة تكافئ الفريضة فإن فيها ذكر الزكاة أيضاً وليس في الزكاة دواخل من السنن والمستحبات التي تكافئها التطوع. أقول: يدل حديث الباب في إثبات مرتبة الواجب القائل بها الأحناف.

باب ما جاء في من صلى في يوم وليلة ثنتي عشر ركعة من السنة وما له من الفضل

باب ما جاء في من صلى في يوم وليلة ثنتي عشر ركعة من السّنة وما له من الفضل

[414] المراد بالذِّكر السنن الرواتب، ونسب إلى مالك بن أنس عدم انضباط عدد السنن، وقالت جماعة منهم ابن تيمية وابن قيم: إن السنن القبلية للجمعة ليست بمغنية، وقالا: لم يصح فيه شيء، وعندنا وعند الشافعية السنن مؤقتة إلا أننا نقول: بثنتي عشر ركعة، والشافعية بعشرة ركعات والخلاف في قبلية الظهر، فإنهم قالوا بركعتين، وقلنا بأربع ركعات، ومن الطرفين كلام، وقالوا: إن الاربع

المذكورة سنن فيء الزوال، وقال الأحناف: إن الركعتين اللتين زعمتم ركعتا التحية، وهكذا اعتذروا، وقال الحافظ ابن جرير الطبري: إن أكثر سنته عليه الصلاة والسلام أربع ركعات والأقل ركعتان ولا ريب في ثبوتهما، ودليل الشافعية حديث، ولنا أيضاً حديث، وحديث الباب لنا، وسيأتي لنا دليل عن علي قوي غاية القوة، وأقول: قول ابن جرير هو الصواب فإنه لا يمكن إنكار أحدهما، وأما دليل أكثر عمله عليه الصلاة والسلام على الأربع فما في سنن أبي داود ص (188) بسند قوي، وفي مصنف ابن أبي شيبة أن أكثر الصحابة كانوا لا يدعون أربعاً قبل الظهر، وسيفصح الترمذي عن قريب بأن جمهور الصحابة مع الأحناف. قوله: (عن أم حبيبة) هذا الحديث دليل الأحناف، حسنه الترمذي وصححه.

باب ما جاء في ركعتي الفجر من الفضل

باب ما جاء في ركعتي الفجر من الفضل

[416] ركعتان قبل فريضة الفجر آكد التطوعات، وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وجوبهما وقال بوجوبهما، الحسن البصري كما في فتح الباري، وبعض مسائل الحنفية دالة على الوجوب مثل عدم جوازهما قاعداً، وأما قضاءهما بعد الطلوع بلا فرض فهو الصواب للحنفي كان محمد يقول بقضاءهما

منفرداً بعد الطلوع قبل الزوال وعنهما أيضاً روي لا بأس بقضاءهما، وأما [ما] اشتهر من عدم القضاء للسنن عند الأحناف فالمراد أن قضاءها بعد خروج الوقت ليس بآكد كتأكيده في الوقت كما في العناية، وفي الدر المختار قضاء الفرض فرض، وقضاء الواجب واجب وقضاء السنن سنة فلا يتمشى على ظاهر ما زعم. قوله: (ركعتا الفجر. . إلخ) المشهور أن المراد بهما سنتا الفجر، وأما اللفظ فصالح لركعتي الفريضة أيضاً.

باب التخفيف في ركعتي الفجر والقراءة فيهما

باب التخفيف في ركعتي الفجر والقراءة فيهما

[417] من عادته عليه الصلاة والسلام تخفيف القراءة في سنتي الفجر، وعن ابن عمر: أصغيت إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعاً وعشرين مرة فكان يقرأ فيهما سورة الإخلاص والكافرون، قال ابن تيمية: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبدأ صلاة الليل بركعتين خفيفتين، ويتم بركعتين خفيفتين، وهما ركعتا الفجر، وجعل في ابن ماجة حديث الباب في ركعتي المغرب وأعله المحدثون، وسمَّى ابن تيمية سورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] بسورتي الإخلاص، قال في البحر ما روي عنه عليه الصلاة والسلام من السور مستحبة ويداوم عليها إلا مرة أو مرتين كيلا يهجر غيره المقتدون.

مسألة: في القنية أن ضم السورة في الفرائض واجب، وكذلك في الواجبات، وأما في السنن فسنة، وكذلك في النوافل، وقال مالك بن أنس: لا يضم السورة في ركعتي الفجر ولنا عليه حجة كثير من الأحاديث، وفي الطحاوي تطويل القراءة في ركعتي الفجر عن أبي حنيفة، أقول: لعله فاته حزب بالليل فأتى به في ركعتي الفجر، وليس هذا فعله مستمراً كما يدل قوله: وربما قرأت. . إلخ أي قلما قرأت إلخ.

باب ما جاء في الكلام بعد ركعتي الفجر

باب ما جاء في الكلام بعد ركعتي الفجر

[418] في بعض كتبنا: أن يعيد الركعتين لو تكلم بين الركعتين والفريضة، وفي بعضها عدم الإعادة، وكون الكلام غير مرضي والمختار الثاني، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق، ولا وجه للإعادة، وأما جواب حديث الباب على المختار فبأن كلامنا لا يقاس على كلامه عليه الصلاة والسلام، وفي مدونة مالك أيضاً جعل الكلام غير مرضي ونقله عن جماعة من السلف، وأما مالك فقال: لم يثبت كلامه عليه الصلاة والسلام بين الركعتين والفريضة، وقال: إن الثابت هو الكلام بين التهجد وركعتي الفجر ولكنه يخالفه روايات الصحيحين الدال على كلامه عليه الصلاة والسلام بين الركعتين والفريضة فلعله أعلها، وأما المحدثون فقالوا بثبوت الكلام في الموضعين.

باب ما جاء لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين

باب ما جاء لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين

[419] هكذا مذهبنا، وجوز الشافعية النوافل في هذا الوقت، وتكلموا في ثبوت حديث ابن عمر، وأما ابن دقيق العيد فقال: إن بعض الأحاديث تدل على مذهب الأحناف فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كلوا واشربوا إذا أذن بلال، فإن بلالاً يؤذن بليل، ليرجع قائمكم وينبه نائمكم حتى يؤذن ابن أم مكتوم» ، فدل قوله: (ليرجع قائمكم) أن أذان ابن مكتوم خاتمة النافلة ومانعها، واستنباطه هذا صحيح بلا ريب، وفي كتبنا أنه إذا صلى ركعتين بنية صلاة الليل ثم بدا أنه صلى في وقت الفجر فهل تجزئان عن سنتي الفجر أم لا؟ وقيل: بالإجزاء، وقيل: لا.

باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر

باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر

[420] قيل: الاضطجاع سنة، وهو قول الشافعية، ونقول بالإباحة، ونومه عليه الصلاة والسلام لم يكن على طريق العبادة، أقول: لو تأسى واقتدى أحد بعبادته عليه الصلاة والسلام من الضجع فلا بد من أنه يحرز الثواب، وأنكر مالك بن أنس الضجع بعد سنتي الفجر، وقال: إنه كان بعد التهجد قبل الركعتين، وبوب مالك في موطأ. على الضجع بعد التهجد، وقد ثبت عنه إنكاره بعد ركعتي الفجر، وقال ابن حزم ببطون صلاة من ترك الاضطجاع بعد الركعتين، وفعله عليه الصلاة والسلام ثبت

بلا ريب، وأما قوله عليه الصلاة والسلام فأخرجه أبو داود وصححه ابن حزم، وأخرجه الترمذي وصححه، وفي سنده عبد الواحد بن زياد من رواة الحسان بحسب المختار.

باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

[421] قال الظواهر: من كان يصلي فأقيمت انقطعت صلاته وليس هذا عند أحد، وأما إذا أقيمت فلا يشرع في صلاة إلا في سنتي الفجر عند الأحناف والموالك، ومذهب الأحناف أن يأتي بهما بشرط وجدان الركعة وأدائهما خارج المسجد، وأما الموالك فقال مالك: يأتي بهما خارج المسجد بشرط رجاء وجدان الركعتين، وفي الجلاب وهو من معتبرات الموالك: أن يأتي بهما وإن لم يدرك إحدى الركعتين، وأما مشائخ الأحناف وسعوا من وجهين، فوسع الطحاوي في جواز أدائهما داخل المسجد بشرط الحائل بين موضع أدائهما وصفوف الجماعة، أو تكون الجماعة في المسجد الصيفي ويؤديها في الشتوي أو عكسه، وقال في مشكل الآثار في الحصة التي لم يطبع: يأتي بهما داخل المسجد عند ضرورة شديدة فالحاصل أن أدائهما داخل المسجد ليس أصل مذهبنا، وكذلك يروي مذهبنا غيرنا أيضاً مثل القسطلاني، ولم يثبت أداء السنن مطلقاً داخل المسجد عنه عليه الصلاة والسلام إلا مرة أو مرتين أداء سنتي المغرب في غير المسجد النبوي، ثم ركعتا الفجر إما واجبتان كما روي شاذاً فلا محتاج إلى الجواب، أما حجتنا في أداءهما بعد الإقامة فعمل العبادلة الثلاثة ابن عمر وابن عباس وابن مسعود وعمل أبي الدرداء بأسانيد قوية في مصنف ابن أبي شيبة: أن تسعاً من السلف التابعين كانوا يأتون بهما

بعد الإقامة، وفي سبعة تصريح الأداء خارج المسجد، وفي اثنين يتوهم أداءهما داخل المسجد وجوابه عندي موجود، وأما حديث الباب عن أبي هريرة فمختلف فيه في الرفع والوقف فممن وقفه حماد بن سلمة في مسلم ص (247) ولكن أخرجه مرفوعاً وموقوفاً فلعله سلم رفعه ووقفه حماد بن زيد في معاني الآثار ص (219) ، ونقل الشافعي في كتاب الأم من قول أبي هريرة في الموضعين، ووقفه ابن عُليَّة في مصنف ابن أبي شيبة، وإسماعيل بن مجمع في علل أبي حاتم: وقال أبو حاتم والصواب أنه موقوف كما في تلخيصه، ولكنه روي بطريق إلا أن دأب المحدثين أن حكمهم بالوقف يكون من حيث جميع الأسانيد لا من سند واحد، ووضعه البخاري في الترجمة ولعله تأثر من الاختلاف رفعاً ووقفاً، وفي تذكرة الموضوعات لمحمد بن ظاهر المقدسي: الصواب أنه موقوف وهو من حفاظ الحديث إلا أنه مال إلى التصوف فَأُخِذَ فيه، وتكلم البيهقي في معرفته السنن والآثار في الوقف والرفع وغرضه إثبات الرفع، وفيه أن التلميذ سأل حماد بن سلمة هل هو عنه عليه الصلاة والسلام؟ قال حماد: نعم، ولكن حماداً وقفه في مسلم، ولكني متردد في ما نقل البيهقي فإن السائل عن حماد هو ابن عيينة، والشافعي من أخص تلامذة ابن عيينة ولما رفعه حماد عند ابن عيينة كيف لا يرفعه ابن عيينة، وكيف لا يطلع عليه الشافعي؟ والشافعي مع كون قوله الجديد ما هو مختار الشافعية الآن موافقاً لما روي عن أبي هريرة لم يرفعه مع أن الرفع يفيده، وأما قوله القديم فموافق لنا، وأخرجه الطحاوي رفعاً ووقفاً ومال إلى الوقف، وبوب ابن أبي شيبة في مصنفه على هذه المسألة، وصنيعه في موضع الباب يدل على الوقف، وأيضاً لم يرفعه حيث أخرجه تحت الباب، وممن رفعه أبو حنيفة في مسنده للخوارزمي، وإني رأيت في حاشية مسند الخوارزمي المطبوع بدلهي أن بعض الرواة يروون عن أبي حنيفة: إلا ركعتي الفجر إلخ. وأما أنا فوجدت عنده نُسَخ المسند أبي حنيفة وما وجدت هذه الزيادة عن أبي حنيفة، وصيغ مسلم دال على الرفع وأورد الترمذي والنسائي وأبو داود بصورة الرفع ورفعه البخاري في جزء القراءة، وبعض الرواة يروونه رفعاً ووقفاً منهم سفيان بن عيينة كما حررت مع التردد مني، وإسماعيل بن مجمع وقفه في علل أبي حاتم، وذكر الترمذي من الرافعين أيوب وورقاء. . إلخ، أقول: وقفه عمرو بن دينار آخراً كما في حاشية الأم وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن عيينة والإمام الشافعي وغيرهم، وفي العمدة عن صحيح ابن خزيمة: فنهى أن تصليا في المسجد فإن لم يكن سهواً من الناسخ فهو فاصل في المسألة. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو إلخ) أقول: إن هذا لعله سهو الناسخ، فإني لم أجد الحديث عن عبد الله بن عمرو بل عن عبد الله بن عمر كما في أفراد دارقطني، وعن ابن عباس

في المعجم الصغير للطبراني، وعن ابن سرجس في الصحيحين، وعن أنس في صحيح ابن خزيمة، ثم في السنن الكبرى للبيهقي، وفيه: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر» ، بسند حجاج بن نصير الفساطيطي عن عباد بن كثير عن عمرو بن دينار، وأما حجاج بن نصير فمختلف فيه، أخذ عنه الترمذي في كتاب الجمعة، ووثقه ابن معين، وقال ابن عدي في الكامل: لم أجد عنه منكراً، وأما عباد بن كثير فاثنان رملي وبصري، والأول ربما يحسن أحاديثه، وأما الثاني فساقط وكنت ظننت أن راوي الحديث هو الأول، وأوفرت القرائن ثم رأيت في كشف الأحوال في نقد الرجال أن الفساطيطي يروي عن الرملي ولكنه لرجل متأخر ولم يحل على كتاب، وقال البيهقي: لم أجد لهذه الزيادة أصلاً، ونقل عنه أنها موضوعة، أقول: لا يمكن قول الوضع بل حكم الإدراج وهو مراد البيهقي وفي كامل أبي أحمد بن عدي روى حديث الباب عن يحيى بن نصر بن حاجب وفيه: «ولا ركعتي الفجر» ، وحسنه الحافظ في الفتح، وصححه السيوطي في التوشيح على البخاري، أقول: كيف حسنه الحافظ والحال أن من عادة ابن عدي في كامله إخراج ما يكون منكراً عن الراوي؟ ويحيى بن نصر مختلف فيه، وأقول: إن زيادة «إلا ركعتي الفجر» ، وزيادة: «ولا ركعتي الفجر» مدرجة من الرواة، ثم أقول: إن مشار النهي أداء ركعتي الفجر داخل المسجد، ولي في هذه الدعوى رواية أخرجها العيني في عمدة القاريء نقلاً عن صحيح ابن خزيمة عن أنس: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج يوماً قبل أن أقيمت الصلاة فرأى رجالاً يصلون الركعتين فقال: أصلاتان معاً؟ فنهى أن تصليا في المسجد. إلخ، فيكون الحديث صحيحاً على شرط ابن خزيمة، فعلم أن المشار هو أداؤهما داخل المسجد، وأخرجه في موطأ مالك ص (44) مرسلاً وليست فيه زيادة «فنهى أن تصليا» ، وكذلك أخرجه في مسند البزار وليست الزيادة فيه أيضاً، وأما مؤيدات ما في صحيح ابن خزيمة فأخرج الدارقطني في أفراده حديث الباب عن ابن عمر مرفوعاً بسند يحيى بن ضحاك بن عبد الله البابلتي ربيب الأوزاعي، وكان يروي من كتاب الأوزاعي وأخذ عنه البخاري مطلقاً في كتاب الحج، وعندي أنه من رواة الحسان، وحكي: لما بلغ ابن معين إلى الشام وكان البابلتي ثمة فأهدى إلى ابن معين النقد من الدراهم والطيب والحلوان فأخذ ابن معين الحلوان والطيب ورد النقد، ثم قال رجل ليحيى بن معين: ما تقول في يحيى البابلتي؟ قال: والله لهدية طيبة ولكنه والله ما سمع عن الأوزاعي شيئاً. وراوى الحديث المرفوع ابن عمر وأما فتواه ففي موطأ مالك ص (45) ومعاني الآثار: أن تصليا خارج المسجد بعد الإقامة وكذلك راوي حديث الباب بمضمونه ابن عباس، وأفتى بأداء الركعتين خارج المسجد كما في معاني الآثار ثم نعتبر باعتبار الأصول هل نجد فرقاً بين الداخل والخارج؟ فأقول: في نص الحديث فرق بين الداخل والخارج، فإن في حديث مرفوع: «إذا كنت في المسجد

ونودي للصلاة فلا تخرج حتى تصلي معهم» إلخ، جعل مناط الحكم من يكون داخل المسجد ومن يكون خارجاً عنه ليس له هذا الحكم، وكذلك في حديث مرفوع: «إذا كان المصلي في المسجد يدعوا له الملائكة حتى خرج» إلخ، فأدار الحكم على داخل المسجد وأما في مسائل الفقه فكثير من أن تحصى مثل كراهة الجماعة الثانية ونوم المعتكف وغيرهما. قوله: (عياش بن عباس إلخ) هذا السند غير السند عمرو بن دينار، وما سبق من القطعات كان بسند عمرو بن دينار ولو صح عن عياش ليكون أفيد للشافعية، ولكني متردد في حديث عياش، وأخرجه الطحاوي ص218 أيضاً مرفوعاً ورجاله ثقات إلا أبو صالح كاتب الليث روى عنه البخاري في المتابعات، فلا يكون أقل من رواة الحسان، وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده وفي سنده عن عبد الله بن عياش، وفي الطحاوي عن عبد الله بن عياش عن أبيه وابن عياش صدوق وقد يغلط وفي سند المسند بدل أبي سلمة أبو تميم الزهري، وفي رجال مسند أحمد أيضاً أبو تميم، فلا يتوهم سهو الناسخ، وأبو تميم مجهول فصار حديث عياش بن عباس متردداً فيه، وبحث الطحاوي مطنباً، وحاصله أن مزعوم الشافعية أن مناط حكم حديث الباب شروع الركعتين بعد الإقامة، والحال أن إنكاره عليه الصلاة والسلام مثل هذا الإنكار ثابت على من شرع بعد الإقامة وقبل الإقامة وبعد الفراغ من الفريضة، أما بعد الإقامة فحديث الباب وأما قبلها فما في موطأ مالك، وأما بعد الفراغ عن الفريضة فما سيأتي من حديث، فعلم أن مناط الحكم ليس ما زعمتم بل شيء آخر، وهو عدم الفصل مكاناً والخلط مع الصفوف، وأتى بحديث: «لا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة قبل الظهر وبعدها، واجعلوا بينها فصلاً» وسند الحديث قوي أخرجه أحمد أيضاً في مسنده وغيره أيضاً بألفاظ أخرجوها تحتاج إلى بيان الدقائق العربية التي ليس هذا محلها، وفيه حكم طرداً وعكساً وهو إثبات المطلوب ونفي الضد ويرد على مختار الطحاوي أنه لو كان المراد وما زعمت من ذلك الحديث للزم عدم ضرورة الفصل

مكاناً بين سنن الظهر وفريضتها مع أنه لم يقل أحد بهذا، نعم مسألة كراهة مخالطة الصفوف صحيحة في نفسها كما في مسلم في باب الجمعة إلا أن حمل هذا الحديث على هذه المسألة غير صحيح، وبالجملة بحث الطحاوي صحيح ومحمله ظاهر، ومحمله عندي أن الفصل أعم من أن يكون زماناً أو مكاناً، ولا يرد سنن الظهر فإن عدم الفصل زماناً صحيح فيها وجائز، وأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأداء الركعتين بعد المغرب في البيت لما في سنن النسائي بسند قوي: «عليكم بهذه الصلاة في البيوت» ، فدل على أن المطلوب من حديث: «لا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة» إلخ الفصل زماناً ومكاناً، ثم أقول: إن للإقامة أيضاً بعض دخل في مناط النهي.

باب ما جاء فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد صلاة الصبح

باب ما جاء فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد صلاة الصبح

[422] اشتهر فيما بين المصنفين أنه لا قضاء للسنن عند أبي حنيفة، والحق أن للسنن قضاءً ولكنه أخف بعد خروج الوقت كما في العناية، وإذا فاتت ركعتا الفجر فنقول: لا يقضيهما بعد طلوع الشمس وهو القول القديم للشافعي، وأما جديده فهو أن يصلي قبل طلوع الشمس، وأما مالك وأحمد فموافقان لأبي حنيفة، وقال محمد بن حسن: يقضيهما بعد طلوع الشمس قبل الزوال وهو المختار، فإن أبا حنيفة، وأبا يوسف أيضاً لا يمنعان من القضاء بعد طلوع الشمس، وفي الدر المختار قضاء الفرض فرض، وقضاء الواجب واجب وقضاء السنن سنة. قوله: (عن جده) أي جد سعدٍ، وفي جده اختلاف كثير، قيل: هو إنه قيس، وقيل: قيس بن عمرو، وقيل: قيس بن فهد، وقيل: قيس بن زيد. قوله: (مهلاً يا قيس إلخ) قوله عليه الصلاة والسلام هذا إما قبل شروعه في الركعتين، وإما حال شروعه فهيما، وإما بعد أدائه إياهما، وظني أنه بعد أدائهما لا حال شروعه كما يدل الذوق السليم، ولا قبل شروعه، فإن نص الحديث يدل على أنه قد شرع فيها، ومهلاً بمعنى اترك واكفف، ولعله أراد الذهاب إلى بيته فقال عليه الصلاة والسلام: اكفف، وليس المراد مهلاً أي انقص صلاتك. قوله: (أصلاتان معاً) هذا الحديث يفيدنا في نفي الجمع بين الصلاتين في وقت واحد فإن مدلول اللفظ الإنكار على الجمع بين الصلاتين، وأما كلامه عليه الصلاة والسلام فمن قبيل إلزام

المخاطب بما لا يلتزمه، لا أنه عليه الصلاة والسلام زعم أنه يصلي فريضةً أخرى، بل زعمه عليه الصلاة والسلام أيضاً أنه يصلي السنة، وإنكاره عليه الصلاة والسلام ثابت مثل هذا في أحاديث، منها ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ: «أتصلي الصبح مرتين» ، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن سرجس: «بأية صلاتيك اعتددت» ، ومنها ما في حديث عبد الله بن بحينة قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصبح أربعاً» وحديث الباب مرسل، ولنا ما روي عن ابن عمر: لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس. إلخ، وقال بعضهم: الحديث متواتر لأنه مروي عن قريب من عشرين صحابياً. قوله: (فلا إذاً. . إلخ) قال العلامة محي الدين الكافيجي: إن (إذن) التي هي ناصبة المضارع ويقال: إنها من الحروف مغيرة من إذا الشرطية، ويجوز كتابتهما بالنون أي إذن في حديث الباب ورد: «فلا إذاً» وفي ابن ماجه: (فسكت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وفي مصنف ابن أبي شيبة: فلم يأمره ولم ينهه، وفي بعض الرويات: أنه عليه الصلاة والسلام ضحك، واختلف أهل المذهبين في شرح لفظ الباب: «فلا إذاً» فقال، الشافعية: معناه فلا بأسَ إذن، أي يجوز أداؤهما بعد الفجر قبل الطلوع، وقال، الأحناف: معناه فلا تصلي مع هذا، العذر أيضاً، أي، «فلا إذاً» ، للإنكار، وكان يختلج في صدري أن الفاء صحيحة وفصيحة على قول الشافعية، أما على قول الأحناف فلا تكون مربوطة فنظرت هل أجد نظيراً أم لا؟ فوجدت في الآية {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور: 15] قال الزمخشري: إنه إنكار وقد دخلت الفاء، ثم تتبعت الأمثلة لمثل هذه المحاورة أي استعمال مثل «فلا إذن» للإنكار فوجدت أمثلة، منها ما في مسلم المجلد الثاني: أن نعمان بن بشير وهب لابنه من الزوجة الثانية حصة ما له فقالت له زوجته: إني لا أرضى ما لم يكن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، شاهداً على هبتك فجاء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وهبت لغير هذا لابن من النبين أم لا فقال لا فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فلا إذن» . . إلخ، فاستعمل

اللفظ للإنكار والنهي، ومنها ما في معجم الصحابة للبغوي استعمال لفظ: «فلا إذن» للإنكار، وأمثلة أخر، فإذن شرحُنا نافذ، وتمسك الشافعية «بلفظ فسكت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وأقول: لما سبق الإنكار أولاً فكيف ما كان لا يدل على الإباحة والإجازة، وشبيه هذا ما في سنن النسائي عن عائشة قالت في حجة الوداع: صمت يا رسول الله وأفطرت، وقصرت وأتممت، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقد أحسنت يا عائشة، فظاهره يدل على أن الصوم والإتمام حسن في السفر، ولم يثبت في واقعة من وقائعه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: والشيخين الإتمام في السفر واستمر أمره عليه الصلاة والسلام بالقصر في السفر بإقرار المحدثين، وأنكر الحافظ ابن تيمية جواز الإتمام في السفر، وعن ابن عمر مرفوعاً في العمدة: صلاة السفر ركعتان ومن ترك السنة كفر، وروايات أخر دالة على النهي عن الإتمام في السفر، فليس مراد قوله لعائشة: (أحسنت) إجازة الإتمام بل مراده إغمازه عليه الصلاة والسلام عما فعلت عن عدم علم بالمسألة، فكذلك هاهنا إغماض عن فعله عن عدم علم، ومن مستدلاتنا ما سيأتي من الحديث القولي وفعله عليه الصلاة والسلام حين رجع من غزوة تبوك، وكان إمام القوم عبد الرحمن بن عوف أخرجه أبو داود ص (20) باب المسح على الخفين وفيه: «فلما سلم قام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى الركعة التي سبق بها ولم يزد عليها شيئاً» انتهى، ورد أبو داود على من قال: من أدرك الإمام في الركعة المنفردة عليه سجدتا السهو.

باب ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس

باب ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس

[423] ينبغي للحنفي أن يأتي بهما بعد طلوع الشمس قبل الزوال لما مر سابقاً، حديث الباب قوي

صححه الحاكم في المستدرك، ولعل في تلخيص المستدرك إقرار الذهبي بصحة الحديث، وإني تتبعت الحديث واجتمع عندي بعشرين طريقاً وما وجدت فيها ما ذكر الترمذي من المتن؛ خمسة في مسند أحمد، وخمسة في سنن الدارقطني، وثلاثة في السنن الكبرى للبيهقي، واثنان في صحيح ابن حبان، واثنان في مستدرك الحاكم، وواحد في جامع الترمذي واحد في تذكرة الحفاظ للذهبي، وواحد في السنن الكبرى للنسائي، ومدار كلها قتادة إلا أن بعضاً من الرواة يعبرون متن الحديث بمن أدرك من ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس وفليصل ركعة بعد طلوع الشمس، والمراد من الركعة الصلاة لا الركعة الزائدة، ومراد الحديث ليس ما دعم الحافظ من لحوق هذا الحديث بما مر من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة بعض التفصيل مر مني سابقاً، وبالجملة الحديث في حق سنتي الفجر لا الفريضة. قوله: (إلا عمرو بن عاصم إلخ) هو من رجال الصحيحين. قوله: (والمعروف) غرض المصنف إعلال الحديث، وأقول: لا يمكن إعلال الحديث لما رويت فإن في مسند أحمد عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة، وفي سنن الدارقطني والسنن الكبرى للبيهقي عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة، وفي بعض الكتب عن عزرة بن تميم عن أبي هريرة فلا يمكن إعلال الحديث المروي بثلاث طرق.

باب ما جاء في الأربع قبل الظهر

باب ما جاء في الأربع قبل الظهر

[424] قال ابن جرير الطبري: الأربع والثنتان قبل الظهر ثابتة، والأكثر عملاً الأربع، أقول: لقد أخذ

ابن جرير في الكلام والدليل على أكثرية الأربع ما في أبي داود ص (178) عن عائشة كان يصلي أربعاً قبل الظهر في بيتي ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يرجع إلخ. قوله: (عن عاصم بن ضمرة) حسنه المصنف رحمه الله ونقل في هذا الكتاب توثيقه عن البخاري في أبواب الزكاة ص (79) باب زكاة الذهب، فقال: عن عاصم بن ضمرة عن علي وعن الحارث عن علي ثم قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: كلاهما عندي صحيح، وصحح رواية ابن قطان المغربي في كتاب الوهم والإبهام وروى الحافظ عن علي بن أبي طالب أنه يرى التطبيق، وفيه عن عاصم بن ضمرة وحسنه الحافظ فثبت تقوية الحافظ رواية عاصم، وأما أهل المذهبين فلهم كلام يقول الشافعية: إن الأربعة هذه سنن في الزوال وقال الأحناف: إن الركعتين تحية المسجد أو تحية الوضوء، ولكن الحق لا يتجاوز كلام ابن جرير الطبري.

باب آخر

باب آخر

[426] من فاتته الأربعة قبل الظهر يأتي بها بعد الفريضة، ثم لنا فيه قولان، قيل: يأتي بها قبل الركعتين البعديتين، وقيل: بعدهما وهو المختار لوفاقه الحديث. قوله: (من صلى قبل الظهر أربعاً) حديث أم حبيبة يفيدنا في أربع قبل الظهر وصححه الترمذي

باب ما جاء أنه يصليهما في البيت

باب ما جاء أنه يصليهما في البيت

[432] أداء السنن في البيت سنة وأفضل كما في الهداية، وهذا أصل المذهب، وأما أرباب الفتيا فأفتوا بأن الأفضل في المسجد لئلا يلزم التشبه بالروافض، فإنهم لا يأتون بالسنن، ولو تركت في المسجد يتوهم الناظر أن أهل السنة أيضاً يتركون، وأما في زماننا فيمكن الفتوى بأدائها في المسجد فإن الناس متكاسلون ولا يأتون بها في البيوت أن فاتتهم في المسجد، وأما النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسنته المستمرة أداء السنن في البيت إلا في واقعتين في ركعتي المغرب، إحداهما: أنه عليه الصلاة والسلام ذهب إلى مسجد بني عبد الأشهل فصلى المغرب ثم صلهما فيه، وروى محمد بن نصر المروزي عن ابن عباس أن عباساً أرسله إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرآه يصلي في المسجد بعد المغرب إلى العشاء، أقول هذا معلول فإن قصة ابن عباس مشهورة مروية بطرق تبلغ خمسين أو ستين وليست فيها هذه الزيادة في مسند أحمد: أن عبد الله بن أحمد سأل أباه أن بعض أهل كوفة، وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أفتى بعدم جواز السنن في المسجد، قال أحمد: صدق، والله أعلم بالصواب.

باب ما جاء في فضل التطوع ست ركعات بعد المغرب

باب ما جاء في فضل التطوع ست ركعات بعد المغرب

[435] تسمى هذه الصلاة بصلاة الأوابين في عرف الناس ولم يصح فيها حديث وحديث، الباب أيضاً ضعيف والعمل به مع ضعفه، وصح الحديث في الأربع بعد العشاء، وفي الأربع قبله ضعيف وفي الأربع قبل الظهر والأربع بعدها صحيح، وكذلك في الأربع قبل العصر.

باب ما جاء في الركعتين بعد العشاء

باب ما جاء في الركعتين بعد العشاء

[436] هذه الصلاة من السنن الرواتب عندنا، حديث الباب يفيد الشافعية في الركعتين قبل الظهر، ولنا عن عائشة ما في أبي داود ص178.

باب ما جاء أن صلاة الليل مثنى مثنى

باب ما جاء أن صلاة الليل مثنى مثنى

[437] قال أبو حنيفة: إن الأفضل أربع بتسليمة في الملوين، وقال صاحباه بأفضلية الأربع بتسليمة بالنهار، والمثنى بالليل، وقال الشافعي بأفضلية مثنى مثنى في الملوين، وقال مالك بن أنس لا تجوز أربع بتسليمة بالليل وصورة الاختلاف من أراد أن يصلي أربعاً، وأما لو أراد أن يصلي ركعتين فقط فليس بمورد النزاع. قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى) هذه الجملة مفيدة للقصر، وقال الشافعية: إن القصر قصر الأفضلية، وقال الموالك: قصر الجواز، ولا يصح القصران على مذهب أبي حنيفة وقال تقي الدين بن دقيق العيد: إن القصر ليس بمنحصر في هذين القسمين بل قصر آخر أي قصر أقل ما يصح وما يجوز، وأقول: إن هذا القصر يراد به إذا لم تكن قرائن القصرين الأوليين من قوله عليه الصلاة والسلام أو فعله في أكثر الأحيان، ولم يثبت حديث ينص على أربع بالليل بتسليمة، وتمسك الأحناف في مذهب أبي حنيفة بحديث عائشة حديث الصحيحين: كان يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن. إلخ، وأقول: إنه ليس بحجة لنا، فإن الحديث مبهم ولا يدل على أنها بتسليمة واحدة بل هي محمولة عندي على هيأة التراويح في زماننا أي التسليمة على ركعتين ركعتين والترويحة على أربعة، ومر عليه أبو عمر في التمهيد، وقال في شرح الحديث مثل ما قلت، وإنما جمعت بين أربع لعدم الوقفة والترويحة على ركعتين، ثم وجدت في السنن الكبرى مرفوعاً: يصلي أربعاً فيتروح إلخ، ويدل على التسليم على ركعتين عن عائشة ما في مسلم ص254 يسلم بين كل ركعتين، وفي النسائي عن أم سلمة: يسلم على كل ركعتين، فلا يكون حجة لنا ناهضة فإن الرواة بعضهم يعبرون المراد مجملاً، وبعضهم يفصحون بالمراد ويذكرون التسليم على كل ركعتين والأولون لا يذكرون التسليم فلا يمكن الاستدلال بالإجمال، فالحاصل أني لم أجد ما يدل على مختار أبي حنيفة رحمه الله إلا ما روي عن ابن مسعود موقوفاً، ولكنه مرفوع حكماً بسند قوي أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: من صلى أربعاً بتسليمة واحدة بالليل عدلن بمثل قيام ليلة القدر، وإنما قلت: إنه مرفوع حكماً فإن ذكر فضل العمل لا يمكن لأحد بلا إخبار الشارع، ولهذا تتبعت الكتب لأجد الرواية عن أبي حنيفة مثل الصاحبين، ولكني لم أجد مع التتبع الكثير ولو وجدت عنه لرجحت ولو شاذة. أجاب ابن همام عن حديث الباب بتأويلين: الأول: أن لفظ مثنى ناف للواحد والثلاثة وأما الأربع فليست بداخلة تحته.

والثاني: أن معنى مثنى اثنان اثنان فيكون المجموعة أربع ركعات ولم يقل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعاً أربعاً كيلا يرفع القعدة على ركعتين ركعتين، أقول: يخالفه قول الزمخشري أن المراد من مثنى اثنان فقط لا اثنان اثنان، وهذا إذا كان اللفظ مكرراً، وأيضاً يخالف قول الشيخ ما ورد عن ابن عمر راوي الحديث تفسير المرفوع أنه سئل ما مراد من مثنى مثنى؟ قال: أن تسلم على كل ركعتين أخرجه مسلم في صحيحه (257) ، ثم فيما فسر ابن عمر بحث لأنه ثبت عنه موقوفاً: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، أخرجه في معاني الآثار، وعمله بالنهار أربع ركعات بتسليمة واحدة، كما في معاني الآثار ص (198) : أن ابن عمر صلى قبل الجمعة أربعاً لا يفصل بينهن بسلام، وسنده صحيح فإن فهداً شيخ الطحاوي ثقة، وعلي بن معبد تلميذ محمد بن حسن من رواة الصحيحين ورواة الجامع الصغير، وسائر الرواة ثقات، وإن قيل: إنه يدل على أربع قبل الجمعة لا تظوع النهار مطلقاً قلت: إن في تلك الصفحة عن ابن عمر: أنه كان يصلي بالليل ركعتين وبالنهار أربعاً، وسنده قوي فإن رواته رواة الصحيحين إلا فهداً، وروي عن ابن عمر مرفوعاً أيضاً: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» إلا أنه أعله الطحاوي والدارقطني وابن حبان وجمهور المحدثين، وقالوا: إن لفظ النهار وهم الراوي، وخالفهم البخاري، ويقوي لفظ النهار في خارج الصحيح، ثم أقول لدفع ذلك البحث: إن مراد ما قال ابن عمر هو القعدة على الركعتين لا السلام على ركعتين، وأما قوله لرجل سأل عن تفسير مثنى مثنى في مسلم ص (257) فالمراد به أن التسليم أولى وأفضل، والله أعلم وعلمه أتم فأذن دار المثنوية على القعدة عندنا وعلى التسليم عند الشافعية، وعلى هذا يقول الشافعية في الوتر: إن المثنوية لما كانت بالتسليم تكون الشفعة في الوتر أيضاً بالتسليم لا بالقعدة، لحديث عام: «صلاة الليل مثنى مثنى» فيكون الوتر ثلاث ركعات بتسليمتين، فإذن يكون مضي الواحدة في «أوتر بواحدة» المنفردة (أكيلا) عند الشافعية، وأما عند الأحناف فمعناه الواحدة (إيك) . قوله: (أوتر بواحدة) هذا اللفظ لا يدل على الوتر بركعة واحدة فإن لفظ الوتر محمول إلى الخارج وليس المراد الوتر لغة، فإن معناه اجعل صلاتك وتراً معهوداً في الشريعة بركعة أي بضم ركعة لمقدمة. إن الأسماء الشرعية كانت في اللغة متعدية مثل القراءة والوتر والمسح وغيرها، فإذا نقلت إلى الشريعة صارت لوازم فإن المراد يكون منها المدلولات الشرعية، فإذا أردنا تعديتها نجعلها متعدية بواسطة الباء فالباء في: «أوتر بواحدة» «وامسحوا برؤوسكم» باء التعدية، فإن المسح كان متعدياً في اللغة، فإذا نقلناه إلى المعنى الشرعي صار لازماً أي إمرار اليد المبتلة فعديناه بالباء، ولا يتوهم أن في المعنى الشرعي أيضاً تعدياً، فإنه شبيه ما قيل: أن لا يعلمون، بمعنى: ليس لهم علم لازم، وكذلك فرق بين السميع صيغة الصفة المشبهة اللازم، والسامع صيغة اسم الفاعل المتعدي، ومر مني بعض كلام في هذه المقدمة في القراءة خلف الإمام. قوله: (واجعل آخر صلاتك وتراً) هذا محمول على الاستحباب عند الجمهور، وفي متوننا من كان يثق بالانتباه يؤخر الوتر إلى آخر الليل.

باب ما جاء في وصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل

باب ما جاء في وصف صلاة النبي - صلّى الله عليه وسلّم - بالليل

[439] صلاته عليه الصلاة والسلام بالليل في أصح الروايات بإحدى عشر ركعة، وفي بعض الصحاح ثلاث عشرة ركعة، وقال المحدثون: إن صلاة الليل كانت إحدى عشر ركعة إلا أن الراوي جمع بها ركعتي الفجر، الحديث: صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالليل ثلث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر وقيل أن الركعتين صلاة التحية، وقيل: هي الركعتين الخفيفتين قبل صلاة الليل أو بعدها، وقيل: هما ركعتا النفل جالساً بعد الوتر، وورد في رواية صلاته بالليل خمس عشرة وسبع عشرة ركعة أيضاً، وتردد فيهما المحدثون. قوله: (ما كان يزيد في رمضان إلخ) هذه الرواية رواية الصحيحين، وفي الصحاح صلاة تراويحه عليه الصلاة والسلام ثماني ركعات، وفي السنن الكبرى وغيره بسند ضعيف من جانب أبي شيبة فإنه ضعيف اتفاقاً عشرون ركعة، وأما عشرون ركعة الآن إنما هو سنة الخلفاء الراشدين، ويكون مرفوعاً

حكماً وإن لم نجد إسناده قوياً، وفي التاتارخانية سأل أبو يوسف أبا حنيفة: هل كان لعمر عهد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قرر التراويح عشرين ركعة وأعلن بها؟ قال أبو حنيفة: لم يكن عمر مبتدعاً أي لا بد من كون عشرين ركعة مرفوعةً، قال المصنف لم تكن صلاته عليه الصلاة والسلام بالليل أقل من تسع ركعات، أقول: لم تكن أقل من سبع ركعات لحديث عائشة أخرجه أبو داود في سننه ص (200) : كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، وقال الحافظ ابن حجر: إن هذا الحديث أصح ما وقفت عليه في عدد الركعات.

قوله: (صلى من النهار ثنتي عشر ركعة) تمسك البعض بهذا على وحدة ركعة الوتر فإن عمله عليه الصلاة والسلام لم يزد على ثلاث عشرة ركعة، فلما قضى ثنتي عشر ركعة، وعلم أن صلاته بالليل ثنتا عشر ركعة، علم أن الوتر ركعة يقال: ثبت صلاته عليه الصلاة والسلام بالليل خمسة عشر ركعة أيضاً، وأيضاً لعل هذه الصلاة ليست قضاء صلاته بالليل بل رواتبه النهارية، وتوهمه رواية أخرجها أحمد في مسنده عن علي: أنه كان يصلي ثلاث عشرة بالليل وثنتي عشر ركعة بالنهار، والله أعلم.

باب ما جاء في نزول الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا كل ليلة

باب ما جاء في نزول الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا كل ليلة

[446] حديث الباب حديث الصحيحين، ومسألة الباب تتعلق بالاعتقاديات لا بالفقهيات، ويكفي

الاعتقاد إجمالاً كما في الفقه الأكبر إذ لا يعلم أحد تفصيل المسألة، فليقل: آمنت بالله وآمنت بهذا كما هو المراد عند الله تعالى، والفقه الأكبر من تصنيف أبي مطيع البلخي الحكم بن عبد الله تلميذ أبي حنيفة، وهو متكلم فيه وعندي أنه صدوق، وفي الميزان: كان ابن المبارك يعظمه ويوقره (ف) اشتهر على الألسنة أن المتأول ليس بكافر، في آخر الخيالي على شرح العقائد وفي بعض تصانيف الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد: إن المتأول في ضروريات الدين كافر. (واعلم) أن في علم الغيب مقامين: أحدهما: مقام المدح، والثاني: مقام ذكر المسألة، وأما في مقام المسألة فتكون القيود والشروط مذكورة، وأما في مقام المدح فلا فإنه مقام المبالغة وليس بكذب، فلا يغرنك ما قال صاحب القصيدة البردة: ~ فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم فإنه مقام المدح والمناقب، والحاصل أني لا أذكر هاهنا لا نبذة من الكلام. واعلم أن الفلاسفة ينكرون صفات الله تعالى، وأما قولهم: إن صفات الباري عين ذاته فيغالطون به الناس ويلزمهم أن صفات الله زائدة على الذات، فإنهم لا يقولون إلا بصفة العلم للباري وينكرون سائر الصفات، وعلم الله تعالى حصولي عند أرسطو والفارابي وابن سينا كما هو مصرح في تصانيفهم، وغفل عنه الناس فلا يكون العلم إلا زائداً على الذات، وأما الوجود فهو عين ذات عندهم ومتحد به كما قال الأشعري بأنهما متحدان في الحقيقة، ثم الاتحاد على أنواع: الاتحاد في المفهوم وهو أضيق، والاتحاد في الحقيقة وهو أوسع من الأول، ثم الاتحاد في الوجود وهو أوسع من الثاني كما قال ابن سينا: إن الحيوان والناطق متحدان في الوجود ومختلفان في الحقيقة، وينكر الفلاسفة الملاعنة الإرادة له تعالى والقدرة فإنهم يقولون: إن الباري فاعل بالإيجاب والعلة، ولعل كنه مذهبهم أن الحوادث بالعلة الأخيرة ومحصله أنها بغير محدث، ولقوله: إنه فاعل بالاختيار وخالق، وإنكار القدرة للباري كفر صريح جلي بإجماع الأديان السماوية، وأما الكلام والبصر والسمع له تعالى فمختلف بين أهل القبلة فكيف يرجى قبوله من الملاعنة؟ فلم يبق إلا العلم وهو أيضاً حصولي هذا ما نقح لي من مذهب الملاعنة. (ف) قال مولانا المرحوم النانوتوي: إن النزاع بين الصوفية القائلين بعينية الصفات للذات، والمتكلمين القائلين بغيرية الصفات للذات، نزاع لفظي وأخذ كل واحد منهما بمرتبة وسكت عن المرتبة الأخرى، فإن منبع كل صفة ذات وأما انتشارها ووفور آثارها فزائد ليس عين ذات ولا غيرها، فإن ضوء الشمس في قرصها وذاتها عين ذات وإذا وقع على الأرض فغير ذاتٍ أقول: قد صرح العارف الجامي بتسليم المرتبتين عند الصوفية كما قال اتفق القوم على أن لله تعالى كمالين كمال ذاتي وكمال أسمائي. (ف) في تحرير الشيخ ابن الهمام أن أفعال الباري معللة بالحكم، وأجمع عليه المحدثون والفقهاء، ولا يلزم منه الاستكمال بالغير كما زعم الفلاسفة الملاعنة، فإن الصفات فروع كمال الذات

وليست بلاحقة من الخارج مثل ضياء الشمس ذكره في بحث الأمر، وفي تحريره: أن العلة التامة مقدمة على المعلول تقدماً زمانياً لا أن الزمان قد يكون قليلاً فيتوهم عدمه، وهو مختار ابن تيمية حين قال: لا يتصور عدم تقدم الفاعل على فعله، وهو مختار المتكلمين والسبكي في جمع الجوامع. (واعلم) أن المشابهات مثل نُزول الله إلى السماء الدنيا، واستواءه على العرش، فرأى السلف فيها الإيمان على ظاهره ما ورد إمهاله على ظاهره بلا تأويل وتكييف، ويفوض أمر الكيفية إلى الله تعالى، وأما ما نسب إلى بعض السلف مثل ابن عباس أنه يعلم معاني المقطعات القرآنية على تقدير صحته بيان محتملات، ويتوهم من جامع الفصولين وهو من معتبراتنا النهي عن الترجمة اللغوية أيضاً للمتشابهات، لكن قريحتي يحكم أن النهي عنه تفسيرها لا ترجمتها تحت الألفاظ من الحقوق واليد والوجه وغيرهما، وأما مذهب المتكلمين فهو التأويل في المتشابهات موافقاً للشرع، وقال المتكلمون: إن مذهب السلف التفويض وهو أسلم، ومذهبنا أي المتكلمين التأويل بالعقل وفاق الشرع وهو أحكم، ومعناه أن أصل مذهب أهل السنة التفويض، وأما التأويل فعند الضرورة والمقابلة مع الغير من مخالفي أهل السنة، والمتكلمون إنما احتاجوا إلى التأويلات عند المناظرة مع معاندي الإسلام، فما قال بعض الناس من الألفاظ الركيكة في حقهم فبريؤون عنها، وأما مذهب المبتدعين في المتشابهات فالتأويلات المخالفة للشريعة الغراء الموافقة لعقولهم القاصرة عياذاً بالله، ومذهب المشبهة أن الله جسم كالأجسام، ومذاهب أخر لا أذكرها، وأما تفويض السلف فيحتمل المعنيين: أحدهما: تفويض الأمر إلى الله وعدم الإنكار على من تأول كيف ما تأول بسبب إقرارهم بعدم العلم. ثانيهما: تفويض التفصيل والتكييف إلى الله تعالى والإنكار على من تأول برأيه وعقله ومرادهم هو الاحتمال الثاني لا الأول، وأما المتأولون من أهل الحق فثلاث فرق: تأول أرباب اللغة بالاستعارة أو التشبيه، وتأول الصوفية مثلاً في نزول الله بالتجلي وهو ظهور الشيء في المرتبة الثانية، وتأول المتكلمون بنزول ملائكة الله أو رحمة الله الخاصة والمتكلمون طائفتان: الأشعرية هم المنسوبون إلى أبي الحسن الأشعري وتوابعه الشافعية والمالكية والطائفة الثانية الماتريدية: هم المنسوبون إلى أبي منصور الماتريدي وتوابعه الأحناف، وأبو الحسن وأبو منصور معاصران وأبو منصور أصغر سناً، وأما الحنابلة فلا ينتسبون إلى الماتريدي والأشعري. واعلم أن لفظ الأشاعرة يطلق على جميع من الأشعريين والماتريديين، وأما الأشعرية فقالوا: إن لله تعالى صفات ذاتية أزلية قديمة وهذه سبعة: العلم، والسمع، والبصر، والقدرة، والإرادة، والكلام، والحياة، وصفات فعلية وهذه حوادث ومخلوقات له تعالى وليس بقائمة بالباري، وأما الماتريدية فقالوا: إن الصفات الذاتية فسبع وقديمة، وأما الصفات الفعلية فقديمة أيضاً، وهي التي تكون صفات الله تعالى مع أضدادها، ولم أجد هذا التعريف في كتب الكلام، نعم موجود في كتاب الإيمان في الدر المختار، ومثال الصفات الفعلية فمثالها الإماتة والإحياء والغضب والرضا وغيرها

وأدمج الماتريدية جميع الأنواع تحت جنس واحد وسموها بالتكوين والبخاري أيضاً قائل بالتكوين، والتكوين صفة ثامنة لله تعالى وقال الأشاعرة في الصفات القديمة: إن التعلقات حوادث وقال الطحاوي: إن الله خالق قبل أن يخلق، ورازق قبل أن يرزق وأقول من جانب الماتريدية: إن شيئاً آخر من ما يتعلق بالباري ويسمى بالفعل، وهذه التسمية مني وهو مثل النزول إلى سماء الدنيا وغيره من الجزئيات التي تكون متعلقة بالباري، ولا يكون له نوع في الباري قديماً، وهذه الأفعال حوادث ويقول الماتريدية: إنها ليست بقائمة بالباري بل من مخلوقاته، وأما مشرب الحافظ ابن تيمية في الصفات الحوادث أنها قائمة بالباري وحوادث وغير مخلوقة، ويدعى أنه يوافق السلف الصالحين، ويقول: إن الله تعالى يقوم به الحوادث باختياره ولكنه ليس ما لا يخلو من الحوادث بل قد يكون متصفاً بالحوادث وقد لا يكون متصفاً بها، وقال: إن بين الحادث والمخلوق عموماً وخصوصاً فإن الصفات الحادثة وسائر أشياء العالم حوادث، والصفات ليست بمخلوقة بخلاف سائر أشياء العالم الممكنة، وأما الأشاعرة فيقولون بأن الباري عزَّ اسمه ليس بمحل للحوادث وقالوا لا فرق بين الحادث والمخلوق، وأقول: إن اللغة تساعد الحافظ ابن تيمية فإنه إذا كان زيد قائماً يقال: إن القيام متعلق بزيد، وإن زيداً متصف بالقيام، ولا يقال: إنه خالق القيام فكذلك لما كان الله موصوفاً بالنزول فلا بد من قيام النزول، وكون الباري عز برهانه متصفاً بالنزول لا خالقاً، له وبعين ما قال ابن تيمية قال البخاري بأن الله متصف بصفات حادثة، إلا أن الشارحين تأولوا في كلامه ومثله روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن حسن بسند صحيح في كتاب الأسماء والصفات، حيث قالوا: من قال: إن القرآن مخلوق كافرٌ، أي من قال: بأن القرآن ليس صفة الباري وأنه بمعزل وبائن عن ذات الباري، وليسوا بقائلين بأن القرآن قديم أي الكلام اللفظي فالحاصل أنهم قائلون بحدوث الكلام اللفظي لا بخلقه، وصنف ابن تيمية في كون الباري يقوم به الأفعال الاختيارية مجلداً كاملاً، ودل ماروينا على رغم أنف من قال بأن أبا حنيفة جهمي عياذاً بالله، فإن أبا حنيفة قائل بما قال السلف الصالحون، فالحاصل أن نزول الباري إلى سماء الدنيا نزول حقيقة يحمل على ظاهره ويفوض تفصيله وتكييفه إلى الباري عز برهانه، وهو مذهب الأئمة الأربعة والسلف الصالحين كما نقله الحافظ في فتح الباري عنه، وذهب الأشاعرة المتكلمون إلى ما ذهبوا، ثم نقول: إن قول الأشعرية بأن الصفات الفعلية حوادث، لا دليل لهم عليه فإنها ليست بحادثة، وإن قيل: إن للصفات الفعلية التي تحت الأسماء الحسنى للباري تعلقاً بالحوادث فتكون حوادث، قلت: إن المقدرة والإرادة وغيرهما أيضاً تعلقاً بالحوادث ولا تقولون بحدوثها ثم المشهور بين المتكلمين أن الإرادة مثلاً قديمة والتعلقات بالمتعلقات الحادثة حوادث وقال الحذاق منهم: إن الإرادة مثلاً والتعلق قديمان والمتعلق حادث كما قال الدواني في رسالة إثبات الواجب. ويَعلم أن العلم يتعلق بالمعدومات بدون واسطة الصور وأنكره الفلاسفة الملاعنة.

(ف) قال المناطقة: إن العلم هي الصورة الحاصل وقال ميرزاهد: إن العلم هي الحالة الإدراكية، وقال المتكلمون: إن العلم مبدء الحالة الإدراكية، ونظيره أن يكون بيت مظلم وفيه مشكاة وضعت فيها السراج فانتشر ضياء السراج ووضعت ثمة تمثالاً فإذن قال المناطقة: إن العلم هي التمثال وقال ميرزاهد: إن العلم هو ضياء السراج، المنتشر، قال أرباب الكلام: إن العلم هو السراج، فنحول الأمر إلى ذوي الألباب وينظر فيه ويصدق الصادق ويكذب الكاذب، هذا ما تييسر لي الآن في ذكر نبذة الكلام، والكلام أطول من هذا والله أعلم، وعلمه أتم، فحاصل الباب أن نؤمن بالمتشابهات كما وردت بظاهرها ونفوض التفصيل إلى الله، وورد في النصوص أن لِلّه يميناً ورجلاً وحقواً ويداً ووجهاً وغيرها فنؤمن بظاهرها. قوله: (ثلث الليل الأول) في رواية نصف الليل وفي رواية ثلث الليل الأخير، واختار المحدثون الثالثة، وأقول: تحمل الأحاديث والروايات الثلاثة على أصلها بلا ترجيح، ويقال بنزول الله في الأوقات الثلاثة فإنه تعالى وتقدس لا يشغله شأن، والأوقات الثلاثة مباركة لأنها أوقات الفراغ عن غير الله تعالى وتقدس.

باب ما جاء في القراءة بالليل

باب ما جاء في القراءة بالليل

الأفضل عندنا في النافلة بالليل الجهر بالقراءة بشرط أن لا يؤذي النائم أو مصلياً آخر.

[447] قوله: (أسمعت من ناجيت) قال الصوفية: كان أبو بكر الصديق في مرتبة الجمع وكان عمر الفاروق في مرتبة الفرق، فأمرهما النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمرتبة جمع الجمع.

قوله: (قام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بآية وهي قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] . كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مرتبة الاستغراق، وادعيت أنه عليه الصلاة والسلام ما قرأ الفاتحة ولا شيئاً غير هذه الآية في القيام والركوع والسجود فيشكل الأمر على القائلين بفرضية الفاتحة أزيد منه على الأحناف فإن للصلاة أصلاً على مذهبنا لا على مذهبهم فيفيد الحديث في وجوب الفاتحة، وأما الذي ادعيت يدل عليه طرق الحديث واستوفيت طرقه في الطحاوي ص (205) : كان بها يقوم وبها يركع وبها يسجد فدل هذا الطريق أيضاً على دعواي. مسألة: تعيين السور من جانب النفس في الصلاة بدون ورود الشرع به بدعة ويجوز تكرار الآية في النافلة، واعلم أن البدعة ما لا يكون أصله في الأصول الأربعة ويزعم الناظر فيه أنه من أمور الدين، فعلم أن رسوم النكاح ليست ببدعة، وإن كانت لغواً فإن الناظر لا يزعمها من أمور الشريعة، بخلاف رسوم المأتم فإن الناظر يزعمها من أمور الشرع.

باب ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت

باب ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت

الأفضل أداء السنن والنافلة في البيت كما في الهداية أيضاً

[450] قوله: (أفضل صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة) وبهذا قصر أبو جعفر الطحاوي حكم إحراز الثواب في المسجد النبوي والمسجد الحرام والمسجد الأقصى على المكتوبة، فإنه لم يثبت منه عليه الصلاة والسلام أداء السنن في المسجد النبوي. قوله: (ولا يتخذوها قبوراً) في تفسير هذه القطعة أقوال ذكرها الحافظ في فتح الباري قيل في هذه الجملة النهي عن دفن الموتى في البيوت فلا يكون لهذه الجملة ربط بما قبلها، وقيل: إنها تدل على كراهة الصلاة في المقابر وقيل مرادها أداء الصلوات في البيوت ولا يعطلها عن ذكر الله. وأذن يدل الحديث على عدم ذكر الله في القبور ويخالفه ما في سنن ابن ماجه بسند قوي: أن مؤمناً إذا وضع في قبره يأتيه ملكان فيجلسانه فينظر الشمس كادت تغرب، فيقول لهما دعاني دعاني لأصلي العصر فإن الشمس كادت تغرب ويخالفه ما في الصحيحين: «أن موسى عليه الصلاة والسلام يصلي في القبر» ويخالفه ما في صحيح مسلم: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رأيت موسى عليه الصلاة والسلام يلبيّ» ، وأما ما قيل من التأويلات في تلبية فلا أرضى به ويخالفه ما في الترمذي ص112 ج (3) في فضائل سورة الملك: أن بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلاً في القبر يقرأ سورة الملك حتى ختمها،

فيدل الأحاديث المروية على ذكر الله في القبور وعدم تعطلها من ذكر الله تعالى، وكذلك روايات أخر تدل على ذكر الله في القبور ذكرها السيوطي في «شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور» فالجواب أن الأصل في القبور العدم، وفيه مستثنيات كثيرة بحيث توهم كثرتها أنها الأصل، وأيضاً ذِكْرُ الله في القبور من خواص عباده تعالى لا عامة المؤمنين. والله تعالى أعلم.

أبواب الوتر

أبواب الوتر

باب ما جاء في فضل الوتر

باب ما جاء في فضل الوتر

[452] واعلم أن بحث الوتر بحث طويل ولقد صنف محمد بن نصر المروزي كتاباً مستقلاً في بحث الوتر وملأه بالروايات المرفوعة والآثار ولخصه المقريزي، وفي الوتر اختلافات كثرة وما أطنب من الأحناف مثل إطناب الإمام أبي جعفر الطحاوي. وأما المذاهب في الوتر فالوتر عند الأحناف ثلاث ركعات بتسليمة وقعدتين، ثم الوتر والتهجد شيئان وصلاة الوتر معينة، وصلاة التهجد هي الصلاة بعد النوم فإن التهجد ترك الهجود أي النوم، ويوافقه اللغة وحديث مرفوع عن حجاج بن عمر وأخرجه الحافظ في تلخيص الحبير وحسن إسناده أن التهجد بعد النوم. وأما الشافعية فليس الفرق عندهم بين الوتر والتهجد إلا أن الوتر آكد، وأن الوتر ثلاث ركعات بتسليمتين فمن أتى بثلاث ركعات فقط بتسليمتين فقد أتى بالوتر على مختارهم وما أتى بالتهجد، ثم حقيقة الوتر عندهم أن الوتر لطلب إيتار ما صلى قبل متهجداً فيكون كأنه من متعلقات التهجد، فلا يمكن لهم قول الوجوب، ثم صرحوا بأن الوتر ثلاث ركعات بتسليمتين ثم يجوزون خمس ركعات وسبع ركعات وتسع ركعات وإحدى عشر ركعة، وأما ثلاث عشر ركعة ففي كونها وتراً اختلاف وجزم تقي الدين السبكي بأنه وتراً بلا ريب، وأما الركعة الواحدة ففي كتاب الأم للشافعي أن الركعة الواحدة أيضاً وتر حيث اعترض على مالك بن أنس بأنه لما قال: إن الوتر ثلاث ركعات بتسليمتين كيف لا يقول بوحدة ركعة الوتر؟ وقال القاضي أبو الطيب الشافعي: بأن الركعة الواحدة مكروهة، وفي الروضة وهو من معتبرات كتب الشافعية أنه يسلم واحدة في وتر رمضان وبتسليمتين في غيره، والله أعلم هل يقبله الشافعية أم لا؟ ثم إذا أوتر بخمس أو سبع أو تسع إلى غيرها فالأفضل عندهم الفصل أن يسلم

ويقعد على كل ركعتين، ويجوز عندهم الوصل أيضاً بتشهد في الأخيرة أو الأخيرتين أي لا يقعد على ركعتين ركعتين وهذا المذكور كان في التهجد، وأما النفل المطلق بالليل فتجوز مائة ركعة بتشهد واحد أيضاً عندهم، فعلم أن الوتر لإيتار ما سبق من صلاة الليل، ولا فرق بين التهجد والوتر عند الشافعية، وقريب من مذهب الشافعية مذهب الحنابلة والموالك، إلا أن الوصل بتشهد في الأخيرة والأخيرتين فلم أجد تصريحه عن الموالك وإذا بوب الموالك والشافعية فيذكرون أن الوتر ثلث ركعات بتسليمتين ثم يذكرون سائر الصور تحت الجواز، وأما الوتر بركعة عند المالكية ففي موطأ مالك ص (44) أخرج أثر سعد بن أبي وقاص أنه كان يوتر بركعة، وقال مالك ليس العلم عليه عندنا ولكن أدنى في الوتر ثلاث ركعات، وتأول الموالك في كلامه وقالوا: إن الركعة الواحدة جائزة وأما الكمال فأدناه ثلاث، وظني أن كلام مالك يأبى عنه، وفي كتب الموالك أن الركعة الواحدة جائزة في السفر، وفي بعضها أنها مكروهة في السفر، وفروع أخر لا أذكرها، وأما الأحناف فلا يتأدى الوتر عندهم إلا بثلاث ركعات بقعدتين وتسليمة، نعم لو اقتدى خلف الشافعي وسلم الشافعي على الركعة الثانية هو مذهبهم ثم أتم الوتر صح وتر الحنفي عند أبي بكر الرازي وابن وهبان: ~ ولو حنفي قام خلف مسلم ... لشفع ولم يتبع وتم فموتر ثم اعلم أنه لا مناص من أن بعض الرواة يطلقون لفظ الوتر على تمام صلاة الليل ومنهم ابن عمر، وأن بعض الرواية يفصل الوتر عن صلاة الليل، ومنهم عائشة الصديقة في أكثر رواياتها. قوله: (إن الله أمدكم إلخ) تمسك الأحناف بحديث الباب على وجوب الوتر على الجمهور وصاحبي أبي حنيفة قال أبو حنيفة بوجوب الوتر، ووجه التمسك أن الزائد يكون من جنس ما يزاد عليه أي زاد الواجب أي الوتر على الخمسة وتوقيت الوقت أيضاً من أمارات الواجب، ثم قال الخصوم: إن لفظ أمدكم ثابت في سنتي الفجر أيضاً مع أنها سنتان، ونقول: إن في سنتي الفجر أيضاً وجوباً، وأقول: إن لفط أمدكم في سنتي الفجر من وهم الراوي فإنه في حق الوتر، وأدخله الراوي في سنتي الفجر من وهمه، وكلا الحديثين مرويان عن أبي سعيد الخدري، فيحتمل زيادة احتمال لوهم الراوي، ورواية أبي سعيد في سنتي الفجر رواها الذهبي في التذكرة في ترجمة البحيري سنداً ومتناً وكتب في آخره، وقال ابن خزيمة لو سافر أحد لتحصيل هذه الرواية لما ضاع سفره، ووثقها الحافظ في الدراية، ومع هذا زعمي أنه من وهم الراوي، ولا أقول هذا من مراعاة المذهب وأما الحديث فغربه المصنف وسكت عن تصحيحه وتحسينه، وسئل البخاري عن حديث الباب؟ فقال: لم يثبت

سماع بعض عن بعض، وهذا من مذهب البخاري، فإن الأكثر يعتبرون بالمعاصرة فقط أيضاً. ثم في المعاصرة والسماع صور: إحداها: عدم اللقاء وعدم المعاصرة بين الراوي والمروى عنه فالرواية منقطعة عند الكل. وثانيها: تحقق المعاصرة واللقاء فالرواية مقبولة عند الكل. وثالثها: ثبوت المعاصرة لا السماع فالرواية مقبولة عند الجمهور وغير مقبولة عند البخاري ويقول البخاري، في مثل هذا: لم يثبت سماع فلان عن فلان، وزعم البعض أن هذا التعبير من البخاري يدل على نفي السماع والحال أن غرضه يكون بيان عدم علمه بالسماع ولا يدل على نفيه السماعد ثم السماع عند البخاري لا يجب أن يكون في الرواية التي تكون تحت البحث بل يكفي السماع في غير تلك الرواية أيضاً، كما رأيت في بعض الكتب أنه سئل البخاري: هل لفلان سماع عن فلان؟ قال: نعم فإنه صرح بالسماع في رواية غير هذه الرواية، وأخرج أبو داود حديث الباب وسكت عن الحكم عليه وصححه ابن السكن، وصحيح ابن السكن لا يكون أقل من الحسن لذاته. واعلم أن المتقدمين كانوا لا يفرقون بين الحسن والصحيح، والحديث عندهم، صحيح أو ضعيف وليست مرتبة الحسن عندهم، وقال الحافظ ابن تيمية: إن الحسن لذاته والصحيح واحد عند المتقدمين، حتى أن نقل الإجماع على وحدة الحسن لذاته والصحيح، وأقول: إن نقل الإجماع مشكل، وقيل: إن أول من أخرج مرتبة الحسن هو الترمذي، أقول: قد ثبت استعمال الحسن عن البخاري وعن ابن المديني وفي طبقات ابن سعد ومصنف ابن أبي شيبة في حديث الباب «إن الله أمدكم الليلة» وقال ابن سعد: إن خارجة بن حذافة من مسلمي فتح مكة فيكون الإمداد بعد فتح مكة، أي وجوب الوتر بعد فتح مكة فيكون خلاف ما حققت أن وجوب الوتر قبل وجوب الخمسة، وكذلك البردان واجبتان قبل وجوب الخمسة فأجيب عما حققت: إن خارجة لعله لم يسمع هذا الحديث منه عليه الصلاة والسلام بل من صحابي آخر، وأيضاً الزيادة في هذه الليلة زيادة الوترية، وكانت صلاة الليل شفعة قبل هذه الليلة فالزيادة في الإيتار، وكذلك قال الخطابي: إن الزيادة زيادة الإيتار ولا يتوهم أن الصلاة صارت بعد الزيادة غير ما كانت قبل فإن الصلاة الرباعية كانت ثنائية ثم صارت أربعاً، ولا يقول أحد بأن الثانية غير الأولى، وأقول: إن المنسوخ في آخر المزمل طول القراءة لا أصل الصلاة، وما من لفظ يدل على أن المنسوخ أصل الصلاة وقد كانت الصلاة فريضة اتفاقاً قبل، وكذلك قال البخاري: إن المنسوخ بعض صلاة الليل لا كلها وإني ادعيت أن البخاري قائل بوجوب بعض صلاة الليل ولا أقل من الوتر كما سيظهر من البخاري فإن (من) في ما يكون فيه (ما) و (من) بعضية في جميع البخاري، وليست ببيانية كما زعم وسيأتي الكلام في البخاري، وصرح أبو بكر بن العربي المالكي في عارضة الأحوذي شرح الترمذي بأن البخاري قائل بوجوب الوتر، وقال الحافظ: لو لم

يخرج البخاري حديث الوتر، على الراحلة لعلم أنه قائل بوجوب الوتر وأقول: إنه قائل بوجوب الوتر مع إخراجه حديث الوتر على الراحلة فإنه ليس بمقلدٍ للأحناف والشافعية فإنه يمكن أن يقول بجواز أداء الواجب على الراحلة كما أن الشافعية يقولون بوجوب صلاة الليل في حقه عليه الصلاة والسلام وأداءه إياها على الدابة، وسيجيء البحث منا على حديث الوتر على الراحلة. وأما أدلة وجوب الوتر فكثيرة وأذكر نبذة منها، ومنها: أنه لم يثبت منه ترك الوتر سفراً ولا حضراً ولا من الصحابة ولا التابعين، وعدم تركه كاف للوجوب، وقال مالك بن أنس: من ترك الوتر أحكم عليه بالتعزير وقال الحافظ علم الدين السخاوي: إن الوتر فرض عين، وقال: إنه ملحق بالفرائض وصنف فيه كتاباً مستقلاً ذكره في منحة الخالق، وأقول: إن القرآن دليل على الوجوب فإن الناسخ لم ينسخ إلا تطويل القراءة، ويقول الشافعية: إن المفروضة في ليلة الإسراء خمس صلوات فكيف تقولون بوجوب الوتر؟ أقول: إن الوتر تابع لصلاة العشاء ووقتهما واحد، والأجوبة من جانب الأحناف كثيرة.

باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم

باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم

تمسك الجمهور بحديث الباب على عدم وجوب الوتر، وأدلة أبي حنيفة مذكورة في تخريج الهداية.

[453] قوله: (كصلاتكم المكتوبة) لا نقول: إن الوتر كالمكتوبة فإن منكر الخمسة كافر ومنكر الوتر ليس بكافر، وكذلك في الخمسة والوتر فرق اعتقاداً. قوله: (ولكن سن رسول الله إلخ) لا يستدل بهذا على سنية الوتر لأن السنة المصطلحة بين الفقهاء محدث، وأما السنة المستعملة في عبارات الشريعة تكون بمعنى الطريقة المسلوكة، وربما نجد لفظ السنة في حق الفرائض أيضاً ونظائرها كثيرة لا تحصى.

قوله: (فأوتروا ياأهل القرآن. . إلخ) قال المحشي: إن المراد من أهل القرآن المؤمنون، وهذا غلط بل المراد به حفاظ القرآن فإن الفرق بين الحفاظ وغيرهم لا يظهر إلا في صلاة الليل، فإن في الوتر سُوَراً مأثورة، والملجأ للمحشي إلى بيان مراد أهل القرآن بالمؤمنين أن في الحديث أمر أداء الوتر ولو فسر بما هو الصحيح أي الحفاظ يلزم عدم وجوب الوتر على غيرهم، والحال أن المراد منه صلاة الليل وتدل ألفاظ الأحاديث على أن المراد أهل القرآن، وكذلك فسر الكبار من الحفاظ والأئمة والمحدثين، كما فسر إسحاق رحمه الله في رواية أن رجلاً سأل ابن مسعود عن صلاة الليل؟ فقال: ليست لك بل لأهل القرآن، أي لا يؤدي حق صلاة الليل كاملاً إلا الحفاظ، وفي قيام الليل لمحمد بن نصر حديث مرفوع: «أن لِلّه أهلين وخواص وهم أهل القرآن» .

باب كراهية النوم قبل الوتر

باب كراهية النوم قبل الوتر

[455] في كتب فقهنا أن من يثق بالانتباه يؤخر الوتر إلى آخر الليل، ومن لا فلا، وكان أبو بكر الصديق يوتر قبل النوم، وكان عمر يوتر بعد النوم، فبلغ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أخذ أبو بكر بالجزم وأخذ عمر بالقوة، وبعض هذا مروى في موطأ مالك ص (43) ، وروي أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصى لأبي هريرة بالوتر قبل النوم لأنه كان يذاكر الأحاديث.

قوله: (فإن قراءة القرآن في آخر الليل محضورة إلخ) أي تحضرها الملائكة.

باب ما جاء في الوتر من أول الليل وآخره

باب ما جاء في الوتر من أول الليل وآخره

[456] ثبت وتره عليه الصلاة والسلام في كل جزء من أجزاء الليل واستقر أمره آخرة إلى آخر الليل.

باب ما جاء في الوتر بسبع

باب ما جاء في الوتر بسبع

[457] نقول: إن الوتر ثلاث ركعات وأربع منها صلاة الليل وتردد بعض المحدثين في ثبوت ما صلي بالليل سبع ركعات، والحق ثبوتها كما مر مني. قوله: (بواحدة) نسبة المصنف بركعة الوتر الواحدة إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليست بصحيحة ولم يثبت منه عليه الصلاة والسلام الوتر بركعة منفردة، نعم ثابت عن بعض الصحابة بلا ريب. قوله: (قال إسحاق) غرض إسحاق أن حقيقة الوتر وإيتار ما قبله لا يتحقق إلا بركعة واحدة، لا أن الوتر ركعة واحدة وقول إسحاق يدل على إطلاق لفظ الوتر على تمام صلاة الليل. قوله: (على أصحاب الليل) يدل على أن المراد من أهل القرآن الحفاظ.

باب ما جاء في الوتر بخمس

باب ما جاء في الوتر بخمس

[459] رواية الباب مشكلة تقتضي بعض بسط في المقام.

قوله: (لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن) تمشى الشافعية في مثل حديث الباب على ظاهرها أي أنه صلى خمساً أو سبعاً أو تسعاً بقعدة واحدة، وعلينا جوابه، وأشكل من حديث الباب ما في مسلم ص (754) عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام أنه أتى عائشة فقال: أنبئيني عن خلق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ، وفيه: فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ألست تقرء: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] فقلت: بلى، إلخ، قال: قلت يا أم المؤمنين: أنبئيني عن وتر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: كنا نعد له مسواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيسوّك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه. إلخ، فظاهر الحديث يدل على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يسلم على الركعتين ولا على الأربع ولا على الست ولا على الثمان بل على التسع فقط، وما أجاب الأحناف عن الحديث إلا العيني، وذكر صورة الجواب ولم يذكر مأخذه، وقال: إن عائشة ضمت صلاة الليل بالوتر في الذكر وإنما ست ركعات منها تهجد وثلاث ركعات وتر والمذكور في حال القعدة حال الوتر ولم تذكر حال صلاة الليل في القعدة، والجواب صحيح، وأشار الطحاوي إلى الجواب ومأخذه، وأقول: إن مأخذ الجواب أن حديث الباب أخرجه النسائي سنداً ومتناً ص (279) : «كان لا يسلم في ركعتي الوتر» باب كيف الوتر بثلاث؟ فعلم أن المذكور من الحال هو حال الوتر، وإسناد الحديث غاية القوة، فيضم هذا في رواية مسلم، ورواية النسائي أخرجها محمد بن نصر في قيام الليل وتأول فيه، وقال: إنه مختصر من المطول وليس السلام على الركعتين والأربع والست والثمان بل على التاسع فقط، وأقول: أن تأويله ركيك غاية الركة فإن ألفاظ الحديث ترده، وألفاظ الحديث أربعة منها ما في النسائي من ص (279) ، والطحاوي كان لا يسلم في ركعتي الوتر، ومنها ما في مستدرك الحاكم وما في البيهقي وكان لا يسلم في الركعتين الأوليين من الوتر، فعلم نصاً أن المذكور حال الوتر فقط، ومنها ما عند الحاكم أيضاً: «كان يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن» والمراد من القعدة قعدة الفراغ، ومنها ما أخرج الزيلعي وذكر، وروى الحاكم في مستدركه وهذا لفظه: «وكان يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن» ثم بعد ذكر كلام الحاكم قال انتهى كلامه، وأما أنا فوجدت ثلاث نسخ للمستدرك وما وجدت فيها ما أخرج الزيلعي بلفظ: «لا يسلم» وإنما وجدت فيها: وكان لا يقعد» وظني الغالب أن لفظ «لا يسلم» لا بد من أن يكون في مستدرك الحاكم، فإن الزيلعي متثبت في النقل مثل ما ليس الحافظ متثبتاً ومن عادته أنه إذا نقل عبارة أحد بواسطة يذكر الواسطة وإلا فينظر المنقول عنه بعينه ويذكر لفظ المنقول عنه بعينه، وهاهنا غير هذا لفظه فلا بد من كون اللفظ «لا يسلم» في مستدركه، وأما الحافظ ابن حجر فأخذ في فتح الباري «ولا يقعد إلا في آخرهن» ونقل في الدراية على نصب الراية «ولا يسلم إلا في آخرهن» ولفظ خامس

لحديث النسائي أخرجه أحمد في مسنده «وكان يوتر بثلاث لا يفصل بينهن» وفي سنده رجل متكلم فيه وهو يزيد بن يعفر، وأخرجه مجد الدين بن تيمية جد تقي الدين ابن تيمية المشهور في المنتقى، وقال بعد ذكر الألفاظ وضعّف أحمد إسناده، وكنت متحيراً في هذا فإن في زاد المعاد: أن رجلاً سأل أحمد عن الوتر؟ فقال: ثلاث ركعات بتسليمتين، فقال له: وأما بتسليمة واحدة، قال أحمد: لا بأس، فلو كان أحمد تكلم في الحديث كيف قال: لا بأس؟ ثم بدا لي أن أحمد بن حنبل لم يضعف إلا الإسناد الذي أخرجه، وقد قلت: إن فيه يزيد بن يعفر فإذن لا تفرد ولا شذوذ، وفي حديث النسائي «ولا يجري» تأويل محمد بن نصر أصلاً فدل الحديث دلالة صريحة ونص على نفي السلام على الركعة الثانية من الوتر، فإذن ترك تبادر الأحاديث الدالة على السلام على الثانية مثل حديث «فأوتر بواحدة» فإن تبادره للشافعية ولو لم نجد نصاً وأصرح ما في الباب على نفي السلام، لمشينا على تبادره ولكنا وجدنا النص وأصرح على نفي السلام، وحديث النسائي يدل على قطع سلسلة التسع ونفي السلام، وكذلك نقطع سلسلة السبع المذكور في مسلم وغيره أيضاً، ولنا حديث آخر عن أبي بن كعب يدل على نفي السلام أخرجه النسائي في الصغرى ص (380) لا يسلم إلا في آخرهن، ويقول بعد التسليم: سبحان الملك القدوس ثلاثاً» فيكون الحديث صحيحاً عند النسائي وصححه زين الدين العراقي فلنا مرفوعان صحيحان في نفي السلام، وأما حديث عائشة حديث الصحيحين: «فلا تسأل عن حسنهن وطولهن» إلخ فتبادره أيضاً نفي السلام على الثانية، فإن النسائي بوب على كيف الوتر بثلاث؟ وذكر تحته حديث عائشة: «لا تسأل عن حسنهن وطولهن» وحديثها «وكان لا يسلم في ركعتي الوتر» فإذن نحمل حديث عائشة المروي في أبي داود كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث» على نفي السلام على الثانية وهو المتبادر، فتم الجواب عما في مسلم وعن رواية «كان يوتر بسبع لا يجلس إلا في آخرهن» . والآن أتعرض إلى روايات ابن عباس فرواياته في بعضها: أنه عليه الصلاة والسلام أوتر بخمس، وفي سنن أبي داود في رواية ابن عباس: ولا يسلم إلا في آخرهن، فيكون حديثه مثل حديث الباب: أي يوتر بخمس لا يسلم إلا في آخرهن، فأشكل علينا الأمر فأقول: إن في مسلم ص (261) عن ابن عباس تصريح أن صلاة الليل ست ركعات وأوتر بثلاث، فلا بد أن نقطع الركعتين من الخمس في رواية ابن عباس ومر الحافظ على رواية مسلم ص (361) وأشار إلى تفرد حبيب بن أبي ثابت أقول والعجب من الحافظ أنه لم يلتفت إلى متابعاته، وأذكر متابعاته: منها ما في الطحاوي ص (120) ، ج (1) ، ثم أوتر بثلاث عن ابن عباس وسنده قوي غاية القوة إلا أن في سنده سهو الكاتب، فإنه ذكر عن قيس بن سليمان والحال أنه عن مخرمة بن سليمان، ومتابع آخر في الطحاوي ص (179) عن أبي إسحاق عن المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس: «أنه أوتر بثلاث» ومتابع آخر في النسائي ص (280) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوتر بثلاث يقرء في الأولى. . إلخ فلا شذوذ ولا تفرد فثبت قطع الثلاث من الخمس.

والآن أتعرض إلى رواية عن عائشة، قالت: كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن، فقال المدرسون: إن ثلاثاً منها وتر وركعتين منها ركعتا النفل جالساً بعد الوتر. أقول: إن قطع الثلاث في حديث عائشة من الخمس متعيِّن ولكن الركعتين لا أقول: إنهما اللتان يؤتى بهما جالساً بعد الوتر، وجواب المدرسين نافذ بلا ريب فإن الركعتين جالساً بعد الوتر ثابتتان في الصحيحين أيضاً ولكني لا أرضى بهذا الجواب، ووجه عدم الرضا هو أن مالكاً ينكر الركعتين جالساً بعد الوتر مع كون ثبوتهما في الصحيحين، وسأل عنهما أحمد؛ فقال: لا أصليهما ولو صلاهما أحد لا أنكر عليه، وأما البخاري فأخرج حديثهما ولكنه لم يبوب عليهما، وظني أن وجه عدم تبويبه هو عدم اختياره إياهما، وأما الشافعي وأبو حنيفة فلم يرد عنهما فيهما شيء، وأيضاً حديث عائشة حديث الباب عن عروة بن الزبير، ولم أجد في رواية من روايات عروة الركعتين جالساً، ولذا أنكرهما مالك فإنه أخرج حديث عائشة في موطأه بسند عروة، فعندي أن الركعتين ركعتان قبل الوتر وإنما جمع الراوي بين الوتر وبين الركعتين قبل الوتر لعدم الوقفة الطويلة بينهما من وقفة النوم أو غيرها من وقفة الوضوء أو السواك أو أخرى، وحمل الركعتين على هذا المحتمل عندي أقرب من حملهما على ما حمل المدرسون وأما قطع الثلاث من الخمس فمتيقن والتردد في محمل الركعتين وثبت الركعتان قبل الوتر في الخارج كما في الطحاوي عن أبي هريرة أن لا يكون الوتر خالياً عن شيء قبل الوتر فتم الجواب عن حديث الباب، وأما حديث الباب عن عروة فأعلَّه مالك بن أنس كما نقل في شرح المواهب وأبو عمر في التمهيد، وحديث الباب أخرجه مالك في موطأه ص (42) وليست فيه هذه الزيادة وفي شرح المواهب أن هشاماً روى هذه الزيادة، حين خرج من الحجاز إلى العراق فبلغت الزيادة، مالك بن أنس فقال مالك: إن هشاماً حين ذهب إلى العراق نسمع منه أنه يروي أشياء منكرة ولا يتوهم أن إنكار مالك على ذكره ثلاث عشرة ركعة لأن مالكاً رواه بنفسه، فكيف ينكر على هشام؟ وليس باعث الإنكار الركعتان جالساً فإنه لم يروهما فليس باعث الإنكار إلا ذكره «ولم يجلس إلا في آخرهن» ولكن أباعمر لم يفصل النقل مثل ما في شرح المواهب. واعلم أنه قد سها الحافظ في تلخيص الحبير أن حديث عائشة «كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن» حديث متفق عليه، والحال أنه حديث مسلم وليس في البخاري أصلاً، ومثل سهو الحافظ سهو صاحب المشكاة وقال: إنه متفق عليه، وفي النسائي رواية جواز أداء الوتر إيماء وليس هذا مذهب أحد من الأربعة، وفي معاني الآثار ص (172) لفظ: ومن غلب إلى أن يومئ فليومئ، فدل على أن الإيماء إنما هو للمعذور، وأما من حيث الآثار فلنا ما في معاني الآثار ص (173) عن المسور بن مخرمة قال: دفنا أبا بكر ليلاً فقال عمر: إني لم أوتر فقام وصففنا وراءه فصلى بنا ثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن. وسنده صحيح، وفيه ص (175) عن أبي الزناد قال: أثبت عمر بن عبد العزيز الوتر بالمدينة بقول الفقهاء ثلاثاً لا يسلم إلا في آخرهن، وفي المستدرك أن هذا وتر عمر أخذ عنه أهل المدينة أي عن عمر بن خطاب كما في مصنف ابن أبي شيبة، وروي عن ابن عمر

ثلاث ركعات بتسليمتين، فقال الحسن البصري: إن أباه عمر كان أعلم منه وفيه ص (173) . أثر أنس لنا فيه ص (175) عمل الفقهاء السبعة التابعين ومنهم عروة بن الزبير راوي حديث الباب حديث خمس، ولنا ما في الترمذي ص (223) في مناقب أنس حدثنا إبراهيم بن يعقوب نا زيد بن الحباب نا ميمون أبو عبد الله نا ثابت قال: قال لي أنس بن مالك: يا ثابت خذ عني فإنك لن تأخذه عن أحد أوثق مني إني أخذته عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخذه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن جبريل وأخذه جبريل عن الله عز وجل، ولم يذكر الترمذي متنه وإني وجدت متنه في تاريخ ابن عساكر وهو: أن الوتر ثلاث بسلام واحد، ورجال السند ثقات إلا ميمون أبو عبد الله لم أعلم حاله إلا أنه أدرجه ابن حبان في كتاب الثقات، وقال السيوطي في جمع الجوامع: إسناده حسن، وظني أن حديث: «من كنت مولاه فعلي مولاه» رواه شعبة عن ميمون أبي عبد الله ولا يروي شعبة إلا من الثقات، وصرح الحافظ ابن عبد الهادي الحنبلي. أن ابن حبان إذا أدرج أحداً في كتاب الثقات ولم يجرح فيه أحد فهو ثقة فالحديث قوي، واستدل الحافظ بدلائل كثيرة كلها غير مصرحة في إثبات مذهبهم بل مبهمة متحملة لمحامل فقال في آخرها: سلمنا أن هذه الأدلة غير مثبتة لمرامنا فأي جواب عن حديث رواه الطحاوي في معاني الآثار ص (164) : أن ابن عمر كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة، وأخبر ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل ذلك، فهو مرفوع حكماً، وقوله هذا يدل على أنه لم يجد مثل هذا الدليل أصرح، ونقل الحافظ بأن الطحاوي يجيب بأن المراد من التسليم تسليم التشهد، أقول: وإن الطحاوي لم يجب بما قال الحافظ، بل ذكر أن التسليم يحتمل أمرين تسليم التشهد وتسليم القطع، ثم حسن الحافظ سنده مع أن في سنده وضين بن عطاء وتكلم فيه البعض، ثم أني أجيب الحافظ أما أولاً فبأن ابن عمر شبه فعله بمثل فعله عليه الصلاة والسلام ولا يتعين التشبيه في السلام لعله تشبيه في ثلاث ركعات، وأما ثانياً فبأن الحافظ روى بنفسه في الفتح المجلد الثاني من مصنف عبد الرزاق بسند قوي صحيح أن مذهب ابن عمر أن المصلي إذا قرأ: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله. . إلخ، فقد خرج من صلاته وكان يرى ذلك نسخاً لصلاته، فلما رأى ابن عمر أنه سلم في التشهد أي قال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد خرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من صلاته على زعم ابن عمر وإن لم يسلم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسليم القطع، فإذن ذهب استدلال الحافظ الذي زعمه النص ما في الباب ولم ينهض حجة علينا فأذن تطرق اجتهاد ابن عمر، ثم مثل ما في الفتح من مصنف عبد الرزاق عن سالم عن ابن عمر موجود في مصنف ابن أبي شيبة عن نافع عن ابن عمر بسند قوي، ثم لي خدشة فإن مالكاً أخرج في موطأه في باب التشهد أن ابن عمر كان يتشهد في القعدة

الأولى كما نتشهد، وأما في القعدة الثانية فكان يؤخر السلام عليك أيها. . إلخ عن التشهد فلم يسنح لي التوفيق بين رواية المصنفين ورواية موطأ مالك عن ابن عمر، ولم أجد تفصيل مذهب عمر حتى يظهر الوجه، وتمسك بعض الشافعية على أن الوتر ركعة واحدة بما في مسلم عن ابن عمر وابن عباس: الوتر ركعة في آخر الليل، أقول: كيف يتمسك بما في مسلم؟ فإن مراده أن الإيتار إنما يتحقق بركعة واحدة لا أن صلاة الوتر ركعة واحدة، فإن مذهب ابن عمر موجود في الخارج بأسانيد قوية أن الوتر ثلاث ركعات بتسليمتين، وأما ابن عباس فروى بنفسه المرفوع: «أن الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة» كما مر سابقاً بقدر الضرورة من رواية مسلم وأبي داود، فإذن تمسك الشافعية بحديث (كان يسلم على كل ركعتين، ويوتر بركعة) لا يصح حجة فإنه عام وقد أتينا بالخاص، وأما ما في النسائي ص (259) عن مقسم عن أم سلمة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوتر بخمس وسبع لا يفصل بينهما بكلام وسلام ويمكن جوابه بذخيرة ما ذكرت من الكلام في رواية ابن عباس وعائشة، وأيضاً أعله البخاري في التاريخ الصغير لأن مقسماً ليس له سماع عن أم سلمة، ولكني رأيت في طبقات ابن سعد أن لمقسم سماعاً عن أم سلمة وعندي لرواية أم سلمة جواب آخر لا أذكره لطوله، وفي النسائي عن أبي أيوب الأنصاري ما يدل على الوتر بواحدة وجوابه عندي موجود، وعن أبي أيوب الأنصاري في معاني الآثار: أن الوتر ثلاث ركعات وسنده قوى إلا أن فيه محمد بن يزيد الرحبي وليس ترجمته في أكثر كتب الرجال ولكني وجدت في معجم البلدان لياقوت ترجمة تحت لفظ رحبة وجعله من الثقات، ولقد صنف الحافظ بدر الدين العيني كتاباً في جلدين في رجال الطحاوي وقال الشيخ أكمل الدين صاحب العناية في شرح مشارق الأنوار في تلخيص الصحيحين: إن الواحدة في رواية أبي أيوب منضمة إلى ما قبلها من الشفع والجواب أن حديث أبي أيوب مختلف في رفعه ووقفه كما في النسائي ومعاني الآثار وصوب الأئمة وقفه، وقال الحافظ في تلخيص الحبير: إن البخاري والذهبي والدارقطني وأبا حاتم والبيهقي أعلوه وقالوا: إن الرواية موقوفة على أبي أيوب الأنصاري ورواية أبي أيوب موجودة في أبي داود أيضاً، وتمسك الحافظ في تلخيص الحبير على وحدة ركعة الوتر حين قال أبو عمرو بن الصلاح: لم يثبت الوتر ركعة واحدة عنه عليه الصلاة والسلام برواية في صحيح ابن حبان والحال أن روايته رواية الصحيحين فإن تلك الرواية رواية البخاري، وفي الدارقطني مختصرة من المفصلة في البخاري، وأما أثر سعد بن أبي وقاص من الوتر بركعة فعاب ابن مسعود على وتره بركعة كما في معاني الآثار وفي النسائي ص251 عن أبي موسى الأشعري: أنه كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين ثم قام فصلى ركعة أوتر بها يقرأ فيهما بمائة آية من النساء، ثم قال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدميه وأن أقرأ بما. . إلخ، في باب القراءة في الوتر وروايته مشكلة وجوابها عندي موجود بتفصيله ولا أذكره فإنه يقتضي بسطاً في الكلام، وأما ما ذكرت من الذخيرة فلا يجدي في جواب روايته.

باب ما جاء في الوتر بثلاث

باب ما جاء في الوتر بثلاث

[460] إسناد حديث الباب سقيم من جانب حارث الأعور، وتبادر حديث الباب لنا، ولا يتوهم أن التسع في حديث الباب موصولة بدليل ما تقدم. قوله: (بتسع سور) وقع تفصيل السور التسعة في بعض الروايات. قوله: (آخرهن: «قل هو الله» ) أي كانت «قل هو الله أحد» في الركعة الثالثة من الوتر لا أنها كانت في كل ركعة. قوله: (قال سفيان) مذهب سفيان مدون في الكتب وهو وفاقه أبا حنيفة لا كما نقل المصنف، فالله أعلم. قوله: (حسناً إلخ) أقول: لم أجد من الصحابة قائلاً بوحدة ركعة الوتر إلا قليل ومنهم

معاوية، وسعد بن أبي وقاص، وأما الثلاث بتسليمة واحدة فهو مذهب كثير من الصحابة منهم عمر وابن مسعود ومذهب أنس، وآثار أخر ذكرها الطحاوي.

باب ما جاء في الوتر بركعة

باب ما جاء في الوتر بركعة

[461] لا بد من قول وتسليم أن بعض الصحابة قائلون بوحدة ركعة الوتر، وأن بعضهم قائلون بثلاث ركعات بتسليمتين، والواجب على كل واحد من المذهب جواب المرفوعات لا الموقوفات والآثار. قوله: (والأذان) في أذنه أي والإقامة في أذنه، غرضه السرعة في أداء ركعتي الفجر. مسألة: هل تجوز ركعة واحدة مطلقاً من النافلة أم لا؟ ففي البحر أن معاصراً له أي لصاحب البحر أفتى بصحتها مع الكراهة ورد عليه صاحب البحر وقال: إن الركعة الواحدة باطلة عندنا، وهذا هو أصل مذهبنا، وقال النووي في شرح مسلم ص (253) تحت قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أوتر منهما بواحدة» : هذا دليل على أن أقل الوتر ركعة وأن الركعة المفردة صلاة صحيحة وهو مذهبنا ومذهب الجمهور إلخ، ورد عليه في طبقات الشافعية تحت ترجمة أبي عمرو بن الصلاح بأن أحداً منا لم يقل بما قال النووي، وأما الروايات الدالة بتبادرها على الوتر بركعة واحدة فقط فقد مرت سابقاً مع الأجوبة.

باب ما جاء فيما يقرأ به في الوتر

باب ما جاء فيما يقرأ به في الوتر

[462] كونه ثلاث ركعات متعين، وأما التسليم الواحد فهو المتبادر وليس بمتعين، ورد في بعض الروايات أن يقرأ في الركعة الأولى {سبح اسم الأعلى} [الأعلى: 1] وفي الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}

[الكافرون: 1] وفي الثالثة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمعوذتين وأعله أحمد بن حنبل وابن معين وهذه الرواية أخرجها أبو حنيفة في مسنده أيضاً، والصورة في سور الوتر كثيرة منها أن يقرأ في {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1] والقدر و {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة: 1] ، وفي الثانية: «العصر، والكوثر، والنصر» وفي الثالثة: الكافرون وتبت وسورة الإخلاص، ومنها أن يقرأ في الأولى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وفي الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي الثالثة: سورة الإخلاص.

باب ما جاء في القنوت في الوتر

باب ما جاء في القنوت في الوتر

[464] قال الشافعية: إن القنوت في الوتر في نصف شهر بعد الركوع، ونقول: إن القنوت في السنة كلها قبل الركوع ووافقنا مالك بن أنس فإنه يقول: يقنت قبل الركوع، وأما أحمد فرجح القنوت بعد الركوع، ولنا ما روى ابن مسعود. قوله: (أقولهن في الوتر) هذه الزيادة من تفرد الراوي كما قال الحافظ في التلخيص ولكن الحديث ليس بأقل من الحسن، وفي البحر: أن الجمع بين دعاء قنوت الأحناف ودعاء قنوت الشافعية مستحب، وأقول: قال بعض من يدعي العمل بالحديث: إن قنوت الأحناف ليس بثابت في الحديث، ولعل هذا المدعي غفل عما في تفسير الإتقان بسند قوي: أن قنوتنا كانت سورة الحفد والخلع في مصحف أبي بن كعب، ولهذا تجد في بعض كتبنا النهي عن قراءة القنوت للجنب وصنيع صيغه تشابه صيغ القرآن فإن صيغها صيغ المتكلم مع الغير وهو شأن أدعية القرآن. قوله: (وفي الباب عن علي) رواية علي أخرجها في كتاب الدعوات ص (196) وقال النسائي: إنه مرسل، أقول: إن المرسل حجة عند الجمهور، وقال ابن جرير الطبري: إن رد المرسل بدعة حدثت بعد مائتين، ولعله عرّض على الشافعي وكان ابن جرير شافعياً ثم صار مجتهداً بنفسه، وقالت جماعة: إن المرسل أعلى من المتصل ومنهم الحسامي، وقالت جماعة: إن الموصول أعلى من المرسل ومنهم أبو جعفر الطحاوي نقل عبارته السخاوي في شرح الألفية، والحق إلى الجماعة الثانية وأن المرسل حجة بعد الحجة، وقال بعض من يدعي العمل بالحديث: إن رفع اليدين في القنوت مثل رفعهما وقت التحريمة لا أصل له ولا أثر من التابعين أيضاً، وأثبت رجل حنفي فاضل لرغم أنف ذلك المدعي أثر ابن مسعود وأثر عمر الفاروق الأعظم أخرجهما البخاري في جزء رفع اليدين فما طعنه على الأحناف إلا لجهله: ~ وكم من عائب قولا صحيحاً ... وآفته من الفهم السقيم ولنا في رفع اليدين في القنوت أثر إبراهيم النخعي أيضاً أخرجه الطحاوي، ولي شبهة في أثر عمر الفاروق فإن بعض الروايات يومي إلى أن رفع اليدين كان كرفع اليدين للدعاء لا مثل رفعهما عند

التحريمة، وثبت رفع اليدين مثل رفعهما للدعاء عن أبي يوسف في قنوت الوتر ذكر صاحب مراقي الفلاح عن الفرج مولى أبي يوسف وأتى الطحاوي ص (391) عن أبي يوسف رفع اليدين في قنوت الوتر مثل رفعهما عند التحريمة فإنه قال: فيجعل ظهر كفيه إلى وجهه إلخ، والتفصيل لرفع اليدين في الطحاوي ص (391) ، ورفع اليدين عندنا سنة والتكبير واجب.

باب ما جاء في الرجل ينام عن الوتر أو ينساه

باب ما جاء في الرجل ينام عن الوتر أو ينساه

[465] يقضي الوتر عند أبي حنيفة فإنه واجب، حديث الباب سقيم من جانب عبد الرحمن بن زيد وسيأتي قوي ولكنه مرسل، وفيه عبد الله بن زيد وهو قوي، وحديث آخر موصول أخرجه أبو داود

في سننه بسند قوي، وأخرج الدارقطني أيضاً رواية أبي داود وألفاظ الدارقطني أفيد لنا مما في أبي داود، وصححه زين الدين العراقي، والقضاء أمارة الوجوب.

باب ما جاء في مبادرة الصبح بالوتر

باب ما جاء في مبادرة الصبح بالوتر

[467] أخرج ابن خزيمة في صحيحه بسند قوي، أنه عليه الصلاة والسلام كان يوتر بعد الصبح قال ابن خزيمة أي بعد الصبح، الكاذب لثبوت وتره عليه الصلاة والسلام في الصحيحين قبل الصبح أي الصادق. في رواية: أن علياً كان بكوفة فاجتمع الناس فشهده من كان في الركعة الأولى بعد أداء الثانية، ومن كان في الثالثة بعد أداء الرابعة وقال: إن الوتر على ثلاث أنواع فذكر نوعين وقال: ووتر في هذا الوقت وهذا هو النوع الثالث، وقال الراوي: وذلك حين الصبح أي الصبح الكاذب والله أعلم. واعلم أن الصبح الكاذب ليس بمقدر بتقدير وقت معين بل قد يزيد وقد ينقص كما صرح الفقهاء واحداً بعد واحد بل ربما لا يكون مبصراً خلاف ما قال أهل الهيأة.

قوله: (وتر بعد صلاة الصبح) أي أداءاً.

باب ما جاء لاوتران في ليلة

باب ما جاء لاوتران في ليلة

[470] بعض السلف ذهبوا إلى نقض الوتر وليس مذهب أحد من الأئمة الأربعة، وهو أن يوتر قبل النوم ثم إذا استيقظ يصلي ركعة ويضمها بما صلى قبل النوم ليشفعه، ثم يوتر آخر الليل عملاً بحديث: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً» والقائل بنقض الوتر هو القائل بالوتر ركعة أو بثلاث ركعات بتسليمتين، وحديث الباب لأتباع الأئمة الأربعة، وفي معاني الآثار: أن أصحاب ابن مسعود تعجبوا من نقض ابن عمر الوتر.

قوله: (قد صلى بعد الوتر الخ) غرضه إثبات أن أمر «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً» ليس للوجوب بل للاستحباب، ونسب إلى الموالك عدم جواز شيء من الصلاة بعد الوتر. قوله: (بعد الوتر ركعتين) أي جالساً كما ورد في الأحاديث، وقال النووي: إن السنة أداؤهما قياماً فإن الجلوس كان لعذر، وأقول: لو ثبتتا فالجلوس إنما هو كان قصداً وهو سنة وإنما ترددت في ثبوتهما لأن مالكاً أنكرهما، وقال أحمد: لا أصليهما، وأما البخاري فأخرج الحديث ولم يبوب عليهما ولم يرد عن أبي حنيفة الشافعي شيء فيهما كما حررت سابقاً. وفي الكبير شرح المنية أن الركعتين إنما هما قبل الوتر، وأقول: إنه خلاف صراحة الحديث فإن في الحديث تصريح بعد الوتر وورد في بعض الروايات أن يقرأ: «إذا زلزلت، وقل يا أيها الكافرون» . قوله: (ميمون بن موسى المرائي) هذا منسوب إلى أمراء القيس في الأصل بدون ألف.

باب ما جاء في الوتر على الراحلة

باب ما جاء في الوتر على الراحلة

[472] يجوز الوتر على الراحلة عند الجمهور لا عند أبي حنيفة، والسلف أيضاً مختلفون وجماعة قليلة قائلة بالوجوب منهم الحسن البصري، والجواب من جانب أبي حنيفة أن ابن عمر من الذين يطلقون لفظ الوتر على تمام صلاة الليل فلعل ابن عمر مراده أن صلاة الليل كانت على الراحلة، وأما الوتر بخصوصه فعلى الأرض ففي الطحاوى ص (249) صححه العيني في العمدة بسند صحيح عن ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي على الراحلة ويوتر على الأرض، وكذلك أخرجه أحمد في مسنده ومر عليه الحافظ ولم يتكلم بشيء ثم قال الطحاوي: لعل الوتر على الراحلة كان حين عدم تأكّد ولا يصح هذا الجواب على مشربي ولم أجد ما يدل على سنية الوتر في وقت ما والجواب عندي أن الوتر كان على الأرض لما روينا، وأما حديث الباب فعلى ما هو صنيع ابن عمر من إطلاق لفظ الوتر على

جميع صلاة الليل، وإني وجدت في جميع الروايات عن ابن عمر إطلاق لفظ الوتر على جميع صلاة الليل إلا ما في معاني الآثار ص (265) عن أبي داود عن ابن مريم عن ابن عمرو ابن عباس، وفي قيام الليل لمحمد بن نصر قال ابن عمر: لو اتبعني الناس لصلَّوا الوتر بسلامين. واعلم أن في مصنف ابن أبي شيبة أن أباه عمر كان يوتر على الأرض، واعلم أن ما ذكرت من نبذة فن الكلام تفيد في جميع روايات الوتر إلا ما في النسائي ص (251) عن أبي موسى وما في المستدرك للحاكم أنه عليه الصلاة والسلام: كان يوتر بركعة وكان يتكلم بين الركعة والركعتين، ولقد تفكرت فيه قريباً من أربعة عشر سنة ثم استخرجت جوابه شافياً وذلك الحديث قوي السند إلا أن الحاكم أخذ سنده عن هشام بن سوار، وبين الحاكم وبين هشام ثلاثة وسائط، وقد وجدت قطعة السند بين الحاكم وهشام فالحديث قوي، ولم يتوجه إليه أحد من الشافعية احتجاجاً على التسليم على الركعتين من الوتر، ولم يتوجه أحد من الأحناف إلى جوابه وجوابه عندي محفوظ بالتحقيق والتفصيل ولكني لا أذكره فأنه يقتضي تطريق كثير من الأحاديث وكذلك جواب رواية النسائي عن أبي موسى الدالة على ركعة واحدة للوتر موجود ولا أذكر مخافة التطويل، فالحاصل أني لم أجد ما يدل بنصه على إثبات التسليم على الركعتين الأوليين من الوتر ولا ما ينص على وحدة ركعة الوتر، وادعى الخصم أن أكثر عادته عليه الصلاة والسلام بل استمر أمره على الوتر بركعة واحدة كما نقل في آثار السنن ص (9) ج (2) عن الرافعي شرح الوجيز، وفيه قال محمد بن نصر المروزي: لم نجد عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خبراً ثابتاً صريحاً أنه أوتر بثلاث موصولة إلخ، فالله أعلم كيف يصح قولهما هذا؟ والله أعلم وعلمه أتم.

باب ما جاء في صلاة الضحى

باب ما جاء في صلاة الضحى

[473] قال الفقهاء والمحدثون: إن صلاة الضحى وصلاة الإشراق واحدة إن صلى بمجرد ذهاب الوقت

المكروه بعد الطلوع فصلاة إشراق ولو تأخر عنه بزمان فصلاة الضحى والعدد من اثنتين إلى ثنتي عشر ركعة والأفضل الأربع، وأما السيوطي وعلي المتقي فإلى أن صلاة الضحى غير صلاة الإشراق ويفيدهما بما روى علي: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الإشراق حين كانت الشمس من هاهنا مقدار ما يكون هاهنا وقت العصر، وصلى الضحى حين كانت الشمس من هاهنا مقدار ما يكون هاهنا في آخر وقت الظهر وإسناده تبلغ تبة الحسن، وقال ابن تيمية: إنه عليه الصلاة والسلام ما صلى الضحى إلا عند قفوله من السفر أو عند فوت صلاة الليل من عذر، وأما الأحاديث القولية فصحيحة وأما الأحاديث الفعلية ففعله عليه الصلاة والسلام نادر. قوله: (أم هانئ) بنت عم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخت علي لا عمته عليه الصلاة والسلام كما زعم بعض الجهلة. قوله: (فسبح ثمان ركعات) قال الحافظ: إن في ابن خزيمة تصريح السلام على كل ركعتين، أقول: إن في سنن أبي داود أيضاً تصريح السلام على كل ركعتين، ولقد أبعد الحافظ النجعة بعيداً حين رواه من ابن خزيمة مع كون الحديث في سنن أبي داود ثم قيل: إن هذا الحديث لا يفيد في إثبات الضحى فإن هذه الصلاة صلاة الشكر على فتح مكة إلا أنه اتفق وقت الضحى.

قوله: (أربع ركعات إلخ) المشهور أن هذه صلاة الضحى، وقيل: إن الأربع أربع ركعات لصلاة الفجر وسنته. قوله: (أكفك آخره) أي أكفك النوافل المبهمة التي لا نعلم تفصيلها لا الصلاة المكتوبة. قوله: (عن عطية العوفي عن أبي سعيد إلخ) التعجب من تحسين المصنف حديث الباب، والحال أن في كل ما روى عطية عن أبي سعيد علته شديدة ينحط بها الحديث كل الانحطاط والعلة مذكورة في أواخر اللآلئ المصنوعة.

باب ما جاء في الصلاة عند الزوال

باب ما جاء في الصلاة عند الزوال

[478] هذه الأربع عندنا سنن الظهر القبلية، وقال الشافعية: إنها صلاة الزوال ورواية الباب أخرجها

المصنف في الشمائل ص (21) وفي سنده كلام من جانب عبيدة فإنه ضعيف عند المحدثين، وهو صاحب المناقب الكثيرة منها أن قبره يفوح حين دفن إلا أن عندنا روايات أخر تدل على عدم التسليم على أربع في النهار، وأما رواية الشمائل فأخرجها ابن خزيمة في صحيحه، فلا أعلم وجه إخراجه مع ضعف الراوي.

باب ما جاء في صلاة الحاجة

باب ما جاء في صلاة الحاجة

[479] صلاة الحاجة ركعتان بلا تعيين السور والحديث قوي، والدعاء المذكور في الحديث يأتي به بعد الصلاة، فإن الحاجة عامة من كونها متعلقة بالله أو بالناس، والدعاء الذي يتعلق بالناس مفسد للصلاة عندنا، ووقع في بعض الروايات أنه يذكر الحاجة في الدعاء باللسان.

باب ماجاء في صلاة الاستخارة

باب ماجاء في صلاة الاستخارة

[480] إذا كان الإنسان متردداً في أمر مباح أو واجب غير موقت فيستخير، والاستخارة في أمر واجب أو حرام، وأما البشارة بالرؤيا فلا وعد لها في الأحاديث في بعض الروايات أن الصحابة كانوا لا يتعلمون مثل القرآن إلا دعاء الاستخارة، وأما حديث الباب فقوي. قوله: (إذا هم أحدكم) أقول: إن لفظ الهم يستعمل في أمور الشر كما قال أرباب اللغة ولا أعلم وجه استعمال الهم هاهنا في أمر الخير، قد قال: أهم بأمر الخير لو أستطيعه. قوله: (أو قال: في عاجل أمري) اختلف العلماء في شرح هذه القطعة، وبيان اللفظ المبدل منه والبدل والألفاظ مخمسة، والمختار أن الأخيرين بدل الثلاثة الأول وقال العلماء يجمع بين الخمسة ويأتي بها.

باب ما جاء في صلاة التسبيح

باب ما جاء في صلاة التسبيح

[481] واعلم أن كل نوع من أنواع الصلاة التي لا أصل لها من الشريعة الغراء من أحدث تلك الأنواع

فقد ابتدع، والحديث في صلاة التسبيح مختلف فيه قيل ضعيف، وقيل: إنه حسن، وهو المختار عند جمهور المحدثين وأدرجه ابن الجوزي في كتاب الموضوعات، وقال الحافظ ابن حجر في أماليه على كتاب الأذكار للنووي: إنه قد أساء ابن الجوزي حيث أدرجه في كتاب الموضوعات وكلام الحافظ مضطرب في الحكم على حديث التسبيح فإنه قال في التلخيص: إن كل الأسانيد ضعيفة، ثم لصلاة التسبيح صفتان أحدهما ما هو مروي في الكتب بالإسناد مرفوعاً، والثانية ما اختارها ابن المبارك، وفي الأولى جلسة الاستراحة بخلاف الثانية، ومختار صاحب القنية الثانية تحرزاً عن جلسة الاستراحة، أقول: إن شأن هذه الصلوات غير شأن سائر الصلوات فالمختارة الأولى. قوله: (وسبحان الله إلخ) ويجوز ضم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أقول: إن هذه الأربع متبادرها كونها بتسليمة، وكذلك الحديث الذي سيأتي أنه عليه الصلاة والسلام علم علياً أربع ركعات لزيادة الحفظ متبادره الأربع بتسليمة واحدة، ولا يقال: إنه مثل قول عائشة: فلا تسأل عن حسنهن وطولهن وقد أنكر تبادر الأربع فيه فإنها قول عائشة حين روايتها فعله عليه الصلاة والسلام بخلاف حديث الباب، وحديث علي فإنه قوله عليه الصلاة والسلام بخلاف الأول فإنه حكاية فعل كما كان في الواقع، وروي عن ابن عباس تعيين السور أيضاً في صلاة التسبيح وهي من «إذا زلزلت» و «العاديات» إلى «إلهكم التكاثر» ولكن سندها ليس بذاك القوي، وذكر أحمد في روايته في بعض عباراته وسلسلة السور أيضاً تدل على الأربعة بسلام واحد.

قوله: (رمل عالج) مركب إضافي، وعالج اسم موضوع وسند حديث الباب ضعيف. قوله: (أن أم سليم إلخ) ليست هذه صلاة التسبيح وسنده قوي ورجاله ثقات. قوله: (وفي الباب) . أي في باب صلاة التسبيح لا في وفاق حديث أم سليم

باب ما جاء في صفة الصلاة على النبي

باب ما جاء في صفة الصلاة على النبي

[483] قال الشافعي: إن الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فريضة في الصلاة في القعدة الثانية، وقال الطحاوي والخطابي: إن الشافعي رحمه الله متفرد في هذا وتمسك الحافظ بحديث فيه صيغة الأمر، وحملهما الجمهور على الاستحباب ووقع في بعض الروايات لفظ «العالمين» قبل «حميد مجيد» وذكر الوزير ابن هبيرة في الإشراف في هذا سبب الأشراف: قال محمد: إن لفظ «في العالمين» في الموضع الثاني وقال المحقق بن أمير الحاج: إني رأيت في بعض كتب الحديث لفظ «في العالمين» في الموضعين إلا أني نسيت تعيين ذلك الكتاب، وهاهنا إشكال عظيم وهو أن الرواة الذين ردوا صيغ الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كعب بن عجرة كثيرون ولا يمكن التوفيق بينهما ذكرها الحافظ في الفتح بتمامها وقد كان الغرض رواية ألفاظه عليه الصلاة والسلام فمم اختلف الرواة في الصيغ فقد أوقعني هذا الأمر في الإشكال، فإن البحث إنما هو عن المروي فكيف اختلفوا مثل هذا الاختلاف في رواية واحدة؟ قوله: (فكيف الصلاة عليك إلخ) ذكر الحافظ في الفتح أن أمر الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام صدر في السنة الثانية، ثم ذكر في موضع آخر أن الأمر صدر في السنة السادسة، ونقله عن الحافظ أبي ذر صاحب النسخة للبخاري وظني أن السنة الثانية من سهو الناسخين، واعلم أن الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرة في مدة العمر فريضة، وإذا سمع اسمه عليه الصلاة والسلام قيل يجب الصلاة عليه، وقيل: يستحب والأول قول الطحاوي، والثاني قول الكرخي، ثم إذا تكرر سماع اسمه عليه الصلاة والسلام في مجلس واحد فقيل: تتداخل الصلاة، وقيل: لا ومثل هذا الاختلاف في من سمع اسم الله تعالى أنه يجب عليه التعلية والتقديس أم مستحب، ثم يتداخل أم لا؟ واعلم أن ما يذكر ويكتب لفظ (صلعم) بدل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فغير مرضي وقد شنع عليه أحمد بن حنبل.

باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي

باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي

[484] أي في داخل الصلاة وخارجها. قوله: (أكثرهم على صلاة إلخ) اختلف العلماء في أن التهليل أفضل أم الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قراءة القرآن؟ وظني أن من يريد الشفاعة فليكثر الصلاة ومن يريد الغفران من الله تعالى يكثر التهليل، وهكذا والله أعلم. قوله: (وصلاة الملائكة الاستغفار) أقول: المشهور هو هذا التفصيل ولكن المحقق عندي أن

صَلّى إن كان كالقصر نحو هلل قال: لا إله إلا الله، وسبح أي قال: سبحان الله، وهو قصر معنى وإن لم يكن مثل بسمل من وحرج فيكون انتهاء الصلاة إلى الله، تعالى، والتفصيل المشهور ساقط فإن أحداً إذا قال صلى زيد يكون معناه أنه قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو يكون معناه اللهم صلِّ على محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستقر الأمر وانتهى إلى الله تعالى وإن لم يكن كالقصر فيطلب هل هو ينسب إلى العباد والملائكة أم لا؟ ومع هذا ثبت عن بعض السلف التفصيل المذكور المعروف على الألسنة أنه إن نسب واستند إلى العبد فمعناه الدعاء، وإن استند إلى الملائكة فمعناه الاستغفار، وإن استند إلى الباري عز برهانه فمعناه الرحمة، لقد تم بحث الوتر وما يليه.

أبواب الجمعة

أبواب الجمعة

باب ما جاء في فضل يوم الجمعة

باب ما جاء في فضل يوم الجمعة

[488] قالوا: إن الجمعة اسم إسلامي، وأما في الجاهلية فكان اسم هذا اليوم يوم عروبة، وفرضية الجمعة عند الأحناف في مكة لكنها لم يكن أداؤها في مكة بسبب عدم القدرة، ثم ذهب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة وأقام في قباء أربعة عشر يوماً ولم يجمع فيها لعدم تحقق شرط المصر ثم جمع في المدينة، وفصل مولانا المرحوم الگنگوهي المسألة في رسالته، وقال الخصم: إن الجمعة فرضت في المدينة، وقال السيوطي في الإتقان: إن نزول فرضية الجمعة في مكة حين ذكر ضابطة أن الحكم المشروع قد يكون مشروعاً قبل نزول آية كما في الوضوء فإن نزول آية الوضوء إنما هو بعد أن كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي، وقد يكون بعد نزولها فإن قيل: إن وجه عدم أداء الجمعة في قباء قلة الناس؛ نقول: كان الناس ثمة أكثر من أربعين نفساً. قوله: (أخرجَ منها إلخ) قيل: إن الغرض ذكر فضل الجمعة وإخراج آدم من الجنة لا يليق بالفضل فقيل: إن الغرض في الحديث ذكر أمور عظام وقعت يوم الجمعة لا ذكر فضل الجمعة. وقيل: إن الإخراج أيضاً فضل لأن المراد من الإخراج جعله خليفة في الأرض وإنما جيء به في الجنة ليعرفها ويعرف الخروج منها، وربما يجري على الأنبياء أمر لا يليق بظاهره شأن الأنبياء ولكنه يكون في الحقيقة أصلح لهم، ويسمى هذا في اصطلاح الصوفية تدبيراً مثل تربية موسى عليه الصلاة والسلام في بيت فرعون فإنه وإن كان غير لائق به ولكنه كان الغرض ثمة بيان قدرة الله وإظهار أن التقدير يسابق التدبير مع سعيه البليغ في إبقاء مملكته. قوله: (ولا تقوم الساعة) ورد في حديث قوي: أن قيام القيامة يكون يوم عاشوراء، عاشر المحرم.

باب ما جاء في الساعة التي ترجى يوم الجمعة

باب ما جاء في الساعة التي ترجى يوم الجمعة

[489] في الساعة المحمودة خمسة وأربعون قولاً، بعضها مذكورة في فتح الباري وأذكر هاهنا اثنين؛ قول الأحناف: أنها بعد العصر إلى غروب الشمس وهو مختار أبي حنيفة وأحمد بن حنبل، والقول الثاني: أنها بعد الزوال من الخطبة إلى الفراغ عن صلاة الجمعة واختاره الشافعية، ورجح الزملكاني الشافعي القول الأول، وقيل إيراداً على الشافعية: أي وقت للدعاء بعد الزوال إلى الفراغ عن الصلاة؟ قالوا: يجوز عندنا الدعاء في سكتات الخطبة، وأيضاً يجوز عند الشافعية أي دعاء شاء من كلامه أو كلام الشارع، وفي الدعاء في الصلاة عندنا ضيق فإنها تفسد بدعاء يشبه كلام الناس، ودليل الشافعية رواية أبي موسى في مسلم ودليلنا رواية السنن من النسائي والترمذي، وقال أحمد: إن أكثر ذخيرة الحديث يدل على أنها بعد العصر إلى الغروب، ثم اختلفوا في الحديث، قيل بالتوفيق، وقيل بالترجيح، والأكثر من المرجحين، فرجح الشافعية رواية مسلم على رواية السنن، ورجح الحنابلة والأحناف رواية السنن وأن مرتبة أحمد أعلى من مرتبة مسلم، وأيضاً أعل أحمد رواية مسلم، ووجه العلة أنه مرسل عن أبي بردة بن أبي موسى، وذكر أبي موسى من الرواة وهمُ ثم إذا صار مرسلاً فيرجح المسند على المرسل، وبعض المحدثين يوفقون بين الروايتين منهم ابن قيم في الزاد وقال: كلا الوقتان مقبولان، ومنهم الشاه ولي الله رحمه الله في حجة الله البالغة وهو المختار، وأما وجه الرجحان لنا فهو أن صح أن خلق آدم بعد العصر كما في الروايات الصحيحة، وأيضاً في التوراة تصريح أنها بعد العصر إلى الغروب، وإن قيل: إن التوراة محرفة فكيف تصح أوجه الرجحان؟ أقول: إن في تحريف التوراة ثلاثة أقوال: قال جماعة: إن التحريف المذكور في الآية تحريف معنوي ولا تحريف لفظاً أصلاً وهو مختار ابن عباس والبخاري والشاه ولي الله، ورواية ابن عباس أخرجها البخاري في آخر صحيحه، وقيل: إن التحريف اللفظي قليل واختاره الحافظ ابن تيمية وهو المختار، وقيل: إن التحريف كثير وكنت أزعم أنه وإن حرف بعض الأشقياء لفظاً ولكنه ليس بحيث لو سعى أحد أن يطلب النسخة الصحيحة على بسيط الأرض فلا يجدها بل لو أراد أحد أن يهيئ نسخة محفوظة يمكن له ذلك، ثم بعد مدة رأيت في بعض رسائل ابن تيمية تعيين ما كنت أزعم ثم تمسك على قلة التحريف بالآيات والأحاديث، ومن الآية: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ} [آل عمران: 93] فإنها لو كانت محرفة لما أمر الله نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقول لهم بإتيان

التوراة، ومن الأحاديث حديث الصحيحين: أن يهودياً وضع يده على التوراة على بعض عبارتها فضرب عبد الله بن سلام بيده. وأتى بأحاديث ونقل عبد الله بن سلام من التوراة مثل ما نقلت إن في التوراة أن الساعة المحمودة بعد العصر، وقوله يدل على أن التحريف ليس إلا قليلاً، وإن قيل: لمَّا كان الساعة المحمودة التي هي فضل يوم الجمعة بعد العصر ينبغي كون صلاة الجمعة أيضاً عند الساعة المحمودة، فلمَ قُدمت؟ قلت: إن التمهيد يكون مقدماً وربما يحيط التمهيد وقتاً أزيد من وقت المقصود مثل الحج، فإن الغرض وقوف عرفة فإذن يبتدء الغرض مما بعد العصر بخلاف التمهيد فإنه يبتدئ مما بعد الزوال وقريب من هذا ما في الإحياء للغزالي عن كعب الأحبار: أن فضل الساعة المحمودة لمن أدى صلاة الجمعة بحقوقها فدل على أن الغرض الساعة، ولم يتكلم العراقي المخرج لما في الإحياء على هذا النقل بشيء وأقول: إن حديث «يوافقها عبد مسلم يصلي قائماً» إلخ مراده أنه يصلي أي يأتي بالجمعة بحقوقها، وكذلك أقول: يشترط فضل الساعة لمن أدى العصر أيضاً بحقوقها فالمراد بـ «يصلي» قائماً أنه يداوم على الصلاة لا أن يكون مصلياً في الحال، ولا نحتاج إلى تأويل أن منتظر الصلاة مصلي بل المراد من الصلاة هي صلاة تقع مقدمة لذلك الوقت أي الساعة المحمودة، ومثل هذا وجدت عن كعب الإحبار في الإحياء، وفي مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أن بدأ الخلق كان من يوم السبت» ويخالفه ما في القرآن العزيز فإن ظاهر القرآن يدل على أن الخلق امتد إلى ستة أيام وآخرهم خلقاً آدم وخلق يوم الجمعة فعلم أن بدء الخلق من يوم الأحد، والسبت كان خالياً، فحديث مسلم أعله جماعة منهم البخاري بأن أبا هريرة سمع هذا القول من كعب الأحبار، ذكره ابن كثير فرفعه الراوي إلى صاحب الشريعة، والمختار أن الخلق ابتدئ به من السبت إلى الخميس ثم استوى على العرش وبعد ذلك خلق آدم في جمعة أخرى فإن التمسك بظاهر القرآن أولى. ثم سأل سائل أن الأيام الستة هذه لأسبوع أو لأسابيع عديدة؟ وظاهر القرآن أنها لأسبوع واحد، لكن كان كل يوم مقدار ألف سنة مما تعدون. قوله: (وفي الباب الخ) أي في باب فضل الساعة المحمودة لا في أنها بعد الزوال أو بعد العصر.

قوله: (كثير بن عبد الله) كثير متكلم فيه، فإن أحمد أخرج عنه إذا كرر النظر فأسقط كل ما أخرج عنه، وقال: إنه لا يساوي درهماً، وقال البعض: إنه كذاب، ولا أعلم كذبه وما حسن روايته إلا الترمذي والبخاري وابن خزيمة. قوله: (قصة طويلة) مذكورة في المشكاة وموطأ مالك. قوله: (يصلي) الحديث صحيح، وفي البخاري: «قائم يصلي» وعندي مراده ما مر أي يداوم على الصلاة، ويكون القيام بمعنى الدوام ومثل آية: [آل عمران: 75] ، وفي ابن ماجه رفع هذا التأويل أي مراد «يصلي» ينتظر الصلاة إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكنه معلول أعله ابن مندة الأصبهاني، وقال: الصواب وقعه.

باب ما جاء في الاغتسال في يوم الجمعة

باب ما جاء في الاغتسال في يوم الجمعة

[492] قال الثلاثة: إن الغسل سنة، ونُسب إلى مالك وجوبه، وإنما قلت: نُسب لأن الموالك يطلقون لفظ الوجوب على السنة الأكيدة أيضاً، واختلفوا في أن الغسل للجمعة أو لصلاتها، والمختار الثاني. قوله: (فليغتسل) يحمله الموالك على ما نسب إليهم أن الأمر للوجوب ويحمله، الجمهور على أنه للاستنان، وللموالك ما أخرجه البخاري: «يجب الغسل على كل محتلم وبالغ» وقال الجمهور: إن بعض قطعات ذلك الحديث موقوفة على ابن عباس.

قوله: (إذ دخل رجل) هو عثمان بن عفان، وتمسك الجمهور بأنه لو كان الغسل واجباً لما تركه عثمان ثم لا يمهله عمر وأجاب الموالك بما وقع في مسلم: أن عثمان اعتاد الغسل كل صبح فلعله اكتفى على ذلك الغسل ولم يجدد. قوله: (والوضوء أيضاً) الوضوء مرفوع أو منصوب.

باب ما جاء في فضل الغسل يوم الجمعة

باب ما جاء في فضل الغسل يوم الجمعة

[496] قوله: (غسل) قال وكيع: مراده أنه جامع، وقال ابن المبارك: غسل الرأس، أقول: الصواب ما قال ابن المبارك فإنه يوافقه حديث مرفوع أخرجه أبو داود في سننه ص (50) في رواية أوس. قوله: (بكر وابتكر) قيل: إن ابتكر تأكيد محض، وقيل: التبكير الذهاب ابتداء اليوم والابتكار

وجدان الخطبة من ابتداءها، وقد يكون المجرد لغيره في الافتعال لنفسه مثل كسب واكتسب وباع وابتاع، ولم يذكر أحد من أرباب التصريف هذه الضابطة، وقال جماعة منهم صاحب القاموس: إن الافتعال لازم ورد عليه أحمد صاحب الجاسوس وقال: إنه يكون متعدياً أيضاً، أقول: لعل المراد من كونه لازماً أنه إذا كان الفعل المجرد ومتعدياً إلى ثلاثة مفاعيل يتعدى إلى المفعولين في الافتعال، وإذا كان في المجرد متعدياً إلى مفعولين يتعدى في الافتعال إلى مفعول واحد، فاللزوم إضافي، وفي موطأ مالك ما يدل على الإنصات للنائي أيضاً. قوله: (بكل خطوة) قيل: إن الخطوة ما بين اليمنى واليسرى، وقيل: ما بين قدم إلى تلك فعلى الأول تكون قدماً واحداً، وعلى الثاني قدمين.

باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة

باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة

[497] حديث الباب حجة للجمهور وحسنه الترمذي، ولكن في سماع الحسن عن سمرة ثلاثة أقوال؛ قيل: لم يسمع شيئاً، وقيل: سمع، وقيل: سمع حديث العقيقة، وأما عن سائر الصحابة فيرسل كثيراً. قوله: (فبها) أي فبالخصلة الحسنة.

قوله: (حتى يرده) وحديث الصحيحين «أنا لم نرده عليك» إلخ بالنصب، قال علماء العربية: إنه لحن، وصنفت الكتب في لحون المحدثين وأجاب المحدثون، عن حديث الصحيحين باستشهاد شعر. قوله: (إلى الجمعة إلخ) أي من صلاة جمعة إلى صلاة جمعة لتكون عشرة أيام مع ثلاثة أخر، ولو أردنا من يوم جمعة إلى يوم جمعة تصير الأيام بزيادة ثلاثة أيام إحدى عشر يوماً. قوله: (من مس الحصى) عندنا منهي عنه في الخطبة ما ينهى عنه في الصلاة، وأما الشافعي فقوله القديم مثل قولنا، وفي الجديد جواز الكلام أيضاً ووسع في الأمر.

باب ما جاء في التبكير إلى الجمعة

باب ما جاء في التبكير إلى الجمعة

[499] التبكير عند مالك من ما بعد الزوال، وقال: إن الساعات الستة تعد بعد الزوال، والجمهور على

أن الساعات من ابتداء اليوم والتبكير أيضاً من ابتداء اليوم، وفي بعض الروايات ذكر الساعة السادسة أيضاً كما في النسائي. قوله: (ثم راح) استدل بهذا الموالك على أن ابتداء الساعة من بعد الزوال، لأن الروحة الذهاب بعد الظهيرة كما في: ~ أرواح مودع أم بكور ... أنت فانظر لدى ذاك تصير وتمسكوا أيضاً بحديث: «أن المهجر إلى الجمعة» إلخ فإن التهجير الذهاب عند الهجيرة وتمسك الجمهور بحديث: «بكرو» إلخ. فإن التبكير هو الذهاب عند البكرة ثم تمسك كل واحد بما يوافقه، وتأول ووسع في كلام الخصم. قوله: (حضرت الملائكة إلخ) استنبط العيني منه أنه لا يتكلم في الخطبة، وأقول: إن الكلام إذا قعد الإمام على المنبر قبل الشروع في الخطبة وإذا جلس بين الخطبتين، فقال الزيلعي شارح الكنز: إنه لا يتكلم أصلاً لا كلام الدين ولا كلام الدنيا، وفي النهاية أنه لا يتكلم إلا بكلام الدين، وفي العناية أنه يجوز له أن يجيب المؤذن والأقوال الثلاثة مذكورة في حاشية الهداية لمولانا عبد الحي أيضاً. قوله: (قرب بقرة) تاء البقرة ليست للتأنيث بل تاء الوحدة، ويطلق على المذكر والمؤنث وكذلك الحال في تاء كل حيوان مثل الدجاجة، واتفق على هذا أئمة اللغة إلا أنه نقل صاحب الكشاف والمدارك عن أبي حنيفة في لفظ النملة، فإنه لما دخل قتادة الكوفة اجتمع عليه الناس قال: سلوني عما شئتم، فكان أبو حنيفة فيهم فقال: إن نملة سليمان مؤنث أو مذكر؟ فأفحم قتادة، فقال أبو حنيفة: كانت أنثى، فقيل: كيف ذلك؟ قال: قال الله عز وجل: «قالت نملة» ولو كانت ذكراً لقال: قال نملة، فما وجدت من يوافق أبا حنيفة إلا لعلها مبرداً في كامله وابن السكيت في إصلاح المنطق، ويقول جمهور أرباب اللغة: إن النملة كالشاة والحمامة يقع على الذكر والأنثى، لأنه اسم جنس يقال: نملة ذكر ونملة أنثى، وشاة ذكر وشاة أنثى فلفظها مؤنث، وأما المصداق فمحتمل للمعنيين فلعل التأنيث كان على اللفظ وإن كان في الواقع ذكراً أو مؤنثاً، ويمكن أن يقال: إن هذا الاستعمال فصيح، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تضحي بعوراء ولا عمياء ولا عجفاء» فإنه أتى بصيغ المؤنث والحال أن الأضحية ليست بخاصة بالإناث. والله أعلم. قوله: (كبشاً أقرن) أي ذا قرن، استدل بعض الناس بحديث الباب على أضحية الدجاجة أقول لو كان الأمر كذلك لجاز أضحية البيضة أيضاً، فإن في الحديث ذكر البيضة أيضاً في الساعة السادسة.

قوله: (فإذا خرج الإمام) إذا كان الإمام خارج المسجد فخروجه للخطبة يتحقق بوضع قدمه في المسجد، وإن كان في المقصورة فكذلك أيضاً، وإن كان في المسجد فتحقق خروجه للخطبة بقيامه من الصف.

باب ما جاء من كم يؤتى إلى الجمعة؟

باب ما جاء من كم يؤتى إلى الجمعة؟

[501] ها هنا مسألتان لا ينبغي الخلط بينهما: أحدهما: بيان محل إقامة صلاة الجمعة، وهو المِصْر أو القرية الكبيرة عندنا. وثانيهما: بيان من يجب عليه شهود صلاة الجمعة سوى أهل المصر. والمذكورة في الباب الثانية، ففيها ثمانية أقوال للأحناف، ذكرها الشرنبلاني في رسالته، منها ما نسب إلى أبي يوسف تمريضاً، وهو أنه يجب الجمعة، على من كان على المسافة الغدوية من موضع إقامة الجمعة، والمسافة الغدوية أن يعود الرجل قبل الغروب إلى بيته بعد أداء الجمعة، ومنها ما قيل:

إنها لا تجب إلا على سكان موضع إقامة الجمعة، ومنها أنها واجبة على من يسمع الأذان من غير سكان موضع إقامتها، والأرجح هو هذا فإنه مؤيد لفتاوى الصحابة. قوله: (ثوير) هو ابن أبي فاختة، وهو متكلم فيه، وحسَّن له الترمذي في موضع. قوله: (من قِبا) وقِبا على ثلاثة أميالٍ من المدينة المنورة، ودل الحديث على عدم إقامة الجمعة في القرى. قوله: (كنا نتنادب) أي تجيء جماعة في جمعة، وجماعة أخرى في جمعة أخرى، ويفيدنا في عدم الجمعة في القرى، وفصله مولانا المرحوم في رسالته. قوله: (الجمعة على من أداه) قيل: معناه أن الجمعة على من كان على المسافة الغدوية. وقيل: معناه أن الجمعة على المقيم لا المسافر، ولا تجب الجمعة على المسافر عندنا، وكذا عند المالكية وعند الشافعية. قوله: (الحجاج بن نصير) ضعَّفه بعض المحدِّثين، ووثقه البعض، ومن الموثقين ابن مَعين، وفي سند الباب معارك بن عباد ضعيف.

باب ما جاء في وقت الجمعة

باب ما جاء في وقت الجمعة

[503] لا تصح الجمعة عند أبي حنيفة ومالك والشافعي قبل الزوال، وتصح عند أحمد، وقال: تصح عند الضحى مثل العيد، فإن الجمعة أيضاً عيد، ولقد أطنب ابن تيمية في المسألة، وقول أحمد قول ابن الزبير: وقول ابن مسعود، وقال ابن تيمية: يقول الراوي: (كنا نتغدى ونقيل بعد الجمعة) ، والغداء يكون قبل الزوال، ويجاب عنه بأن مراده أنا كنا نأكل الطعام الذي كنا نأكله عند الغداء بعد الجمعة، وكذلك القيلولة، وليس هذا، فجاز أن يعارض بأن في الحديث: أنه عليه الصلاة والسلام كان يأكل عند السحر، فقال بعض أصحابه: هلمّوا إلى الغداء المبارك، وفي اللغة يكون الغداء بعد طلوع الشمس، فيلزم عليك إجازة أكل الطعام للصائم بعد طلوع الشمس، والحال أن مراده أنه بدل الغداء. واختار العيني في العمدة أنه لا إبراد في الجمعة، بل الإبراد في الظهر، وقال صاحب البحر: إن في الجمعة أيضاً إبراد. أقول: عادته عليه الصلاة والسلام عدم الإبراد.

باب ما جاء في الخطبة على المنبر

باب ما جاء في الخطبة على المنبر

الخطبة على المنبر مسنونة.

[505] قوله: (حن الجذع الخ) في بعض الروايات القوية أن الجذع انشق، وفي ثلاثة روايات قوية أنه دفن عند وضع المنبر، وعندي روايات تبلغ عشرين تدل على وجود المنبر في السنة الثانية والثالثة والرابعة وهكذا إلى العاشرة، ومفهوم عبارة الحافظ أن النخل قلعت عند بناء المسجد النبوي، وجعلت عضادات في جدار القبلة وقال السيد السمهودي: إنها جعلت أعمدة تحت السقف والعبرة للسيد السمهودي في أحوال المدينة، ثم بعض الروايات تدل على أن الجذع كان من أعمدة المسجد النبوي، وبعضها تدل على أنها غيرها، والله أعلم. وكان الجذع إلى جانب اليسار من المصلى، أي المحراب، ويدل بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام سأله فاختار الآخرة على الدنيا، وفي الروايات أنه دفن في الموضع الذي قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه من الجنة، ولعله مصداق اختياره الآخرة والله أعلم، وقال الإسفرائي الشافعي أنه: عليه الصلاة والسلام دعا الجذع فأتاه واثباً ذكره القاضي عياض في الشفاء، أقول: إنه وهم قطعاً من الإسفرائي فإن الوثوب إنما ثبت في الشجرتين اللتين دعاهما النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أراد قضاء الحاجة.

باب ما جاء في الجلوس بين الخطبتين

باب ما جاء في الجلوس بين الخطبتين

[506] الجلوس بين الخطبتين سنة عند أبي حنيفة، وشريطة عن الشافعي، وجرت ها هنا الزيادة بالخبر

الواحد على القاطع، فإن آية: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] تدل على مطلق الذكر، ودل الحديث على الخطبتين بينهما جلوس.

باب ما جاء في قصر الخطبة

باب ما جاء في قصر الخطبة

[507] السنة قصر الخطبة وتطويل الصلاة، القصر متعد، والقصور لازم، واعلم أن ثمانية أشياء مستحبة عندنا في الخطبة، منها عدم خلوها من آيةٍ مَا، ذكرها صاحب البحر، وقال الشافعي: إن الاشتمال على آية من الآيات شرط.

باب ما جاء في استقبال الإمام إذا خطب

باب ما جاء في استقبال الإمام إذا خطب

[509] السنة في الخطبة التحديق، وأن يستقبلوا الإمام بوجوههم، ولكن الزمان زمان الفساد، لو حدقوا لا يمكن استقامة الصفوف عند الجماعة، فالأولى ترك التحديق، وذكره في نيل الأوطار أيضاً، وفي مبسوط السرخسي أن أبا حنيفة كان يقبل بوجهه إلى الإمام عند الخطبة من موضعه بلا تبديل الموضع. ولقد بوَّب البخاري على هذه المسألة، فكيف يصح قول المصنف: لم يصح فيه شيء، فإنه وإن لم يأت بالصريح ولكن استنباطه صحيح، وفي الدر المختار أن استماع الخطبة واجب ولو خطبة النكاح.

باب ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب

باب ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب

[510] قال أبو حنيفة ومالك: من أتى والخطيب يخطب يجلس كما هو ولا يصلي شيئاً. وقال الشافعي وأحمد: تستحب تحية المسجد. وأما الخلفاء الراشدون والجمهور من الصحابة فمع أبي حنيفة ومالك. كما في النووي شرح مسلم ص (387) ، وتمسك الشافعي بالمرفوع، وسيأتي أجوبة منا. قوله: (رجل) هو سليك بن هدبة الغطفاني، وأطنب الحافظ هاهنا ورد على خصومه، والجواب

المشهور منا: أن هذا الرجل كان في هيئة بذة، وكان غرضه عليه الصلاة والسلام أن يجمع له المتفرقات من الناس، وأنه عليه الصلاة والسلام أمهل خطبته. وأما كونه في هيئة بذة فثابت في حديث الباب والنسائي الصغرى ص (308) . أنه جاء رجل يوم الجمعة والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب بهيئة بذة. . إلخ. وأما الحض على الصدقات له فمذكور في النسائي والطحاوي. وأما إمهال الخطبة ففي سنن الدارقطني أخرجها رجال ثقات، ثم نُقِل عن أحمد أن الصواب إرساله، فيكون من خصوصية سُليك. وأما مسألة إمهال الخطبة إنه جائز أم لا فمحولة إلى الفقه، وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام كان لم يشرع في الخطبة وقال العيني: إن النسائي أخرج ما يدل على عدم الشروع، وبوَّب عليه في السنن الكبرى، أقول: إني راجعت فلم أجد، ويمكن التمسّك في هذا بما أخرجه مسلم ص (382) : ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاعد على المنبر. . إلخ، فقعوده دل على أنه لم يشرع، وتأول النووي فيه، ويمكن الجمع بين ما في مسلم وما في سنن الدارقطني بأنه عليه الصلاة والسلام كاد أن يشرع، فإنه قد جلس على المنبر، ولما جاء سُليك أمهل خطبته، أي لم يشرع فيها، ولا بُعد في هذا الجمع، ويمكن أن يجعل الروايتين جوابين ثم نقول: إن مدعى الخصم أن هذه الصلاة صلاة التحية، والحال أنه يخالفه ما في ابن ماجه ص (29) بسند قوي: «أصلّيتَ ركعتين قبل أن تجيء؟» قال: «لا، قال: «فصل الركعتين، وتجوَّز فيها» فدل على أنهما ركعتان قبل الجمعة لا تحية المسجد، أخرجه الزيلعي أيضاً من سنن ابن ماجه، وقال أبو الحجاج المِزِّي الشافعي وابن تيمية: إن في ابن ماجه تصحيفاً، وأصل الرواية «أصلّيت قبل أن تجلس. . إلخ» ، ثم قال ابن تيمية: إن رواة ابن ماجه أي ناقلون ليسوا بمتقنين ووقع فيه تصحيف كثير. أقول: إن الأوزاعي أو إسحاق بن راهويه بنى مذهبه على رواية ابن ماجه، وقال: لو صلى السنن في البيت لا يصلي إذا خطب الإمام، ولو لم يصلهما فليؤدهما في المسجد وإن أخذ الخطيب في الخطبة وأيضاً في جزء القراءة للبخاري: قال جابر: وإن كنت أصلي السنن في البيت أصليهما في المسجد وإن خطب الخطبة، على ما أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سليكاً. وراوي رواية ابن ماجه هو جابر، فعلم أنه ليس بتصحيف، ولفظ (قبل أن تجيء) صحيح، وإن لم يوافقنا جابر، وقال ابن حجر حين مر على رواية ابن ماجه: إن المجيء هو المجيء من موضع المسجد إلى موضع آخر، لا

المجيء من البيت. أقول: إنه تأويل محض الركعتين معرفة باللام فلا بد من العهد سابقاً، والمعهود ركعتا التحية، ونقول: إن واحداً من اللفظ ليس فيه حين الاستفهام تعريف الركعتين بالألف واللام، وأما في موضع الأمر ـ أي في قوله: (فصل الركعتين) ـ فاللام موجودة، والمعهود قبله الركعتان في قوله: (أصليت ركعتين) فصار معهوداً في كلامه في الموضع الثاني، فدل جميع ما سبق أن هذه واقعةُ حالٍ لا عموم لها. ثم في الطحاوي ص (314) بسند قوي وابن حبان والنسائي الكبرى أن الرجل أتى عنده عليه الصلاة والسلام في ثلاث جمعات وأمره عليه الصلاة والسلام ثلاث مرار بالركعتين. أقول: إن الثالثة إنما هي من شك الراوي. وفي النسائي الصغرى ص (308) ذكر الجمعتين لا الثالثة، وفي صحيح ابن حبان زيادة أنه عليه الصلاة والسلام قال: (فلا تعد لمثل ذلك الخ) ، فزعم أنه نهيٌ عن ترك الركعتين وقت الخطبة، وأقول: إنه نهي عن الابطاء في الجمعة. وآخر ما تمسك به الشافعية أن في مسلم ص (387) قال عليه الصلاة والسلام بعد الواقعة: «فإذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين، وليتجوَّز فيهما» فلم يبق واقعةَ حال، بل أمرٌ كليٌ، وتشريعٌ قولي، وأخرج هذا القول النسائي أيضاً، وكذلك البخاري في غير موضعه مع أنه اختار مختار الشافعي. (ف) قال النووي: لا يمكن التأويل في القول، أقول: إن الحديثَ القوليّ لا يمكن فيه الاحتمالات، ويمكن فيه التأويل، وفي الحديث الفعلي عكسُ ما في القولي.

ثم أقول مجيباً عن تمسك الشافعية: إنه لو كان الفعل والقول منه فلمَ أمهل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخطبة، فأذن نجعل الفعل شارحاً للقول، أي إذا جاء أحدكم والإمام يخطب، أي كاد أن يشرع في الخطبة، وفي النسائي ص (227) ومسلم ما يدل على ما قلت. وأما على طريق المحدثين فصنف الدارقطني كتاب التتبع على الصحيحين، وأعلَّ حديث البخاري قريب المائة وفي كل موضع إعلاله على الأسانيد، وفي هذا الموضع إعلاله على المتن، فقال: أن هذا القول الكليّ من إدراج الراوي، ووضع الراوي ضابطه من جانب نفسه، ثم طرّق الدارقطني الأحاديث، وقال: لم يذكره غيره. وأقول لعل عدم إخراج البخاري الحديث في موضعه يشير إلى أنه متردد فيه، فإني علمت أن من صنع البخاري أنه لا يخرج الحديث في الذي فيه ظاهر، ويخرج في الموضع الآخر إذا كان له تردد بذلك الحديث على جهة الظاهر، مثل الاشتراط في الحج عند الإحرام واختار مذهب أبي حنيفة، ولم يخرّج حديث ضباعة بنت زبير في باب الاشتراط، وأخرجه في النكاح، ونقول على طريق المعارضة: إن في أربعة وقائع غير هذه الواقعة لم يأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتحية المسجد: منها ما في البخاري وغيره أن رجلاً دخل والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب وقال هلك المال، وجاع العيال، وطلب الاستسقاء، فدعا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستسقياً ولم يأمره بالركعتين، ثم جاء رجل في الجمعة الثانية، وقال: تهدمت البيوت، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم حوالينا لا علينا» ، فلم يأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتحية المسجد. ومنها ما في الكتب أن رجلاً كان يتخطى رقاب الناس، فقال له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اجلس) ولم يأمره بتحية المسجد. ومنها أنه كان يخطب وقال للناس: (اجلسوا) فجلس ابن مسعود على الباب، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ائتني وما أردتك فقيل من جانب الشافعية: إنا قلنا بالاستحباب لا بالوجوب، قلنا: إن في واقعة الباب كانت داعية بخلاف سائر الوقائع، فيكون هذا من خصوصية سُليك، ولقد بوب النسائي ص (208) على حث الإمام على الصدقة يوم الجمعة في خطبة، وذكر تحته حديث الباب،

فأشار إلى أن المهتم بشأنه كان الحث على الصدقة، وأيضاً في النسائي ص (227) «إذا جاء أحدكم والإمام قد خرج فليصل ركعتين» فدل على أن الإمام لم يشرع في الخطبة، وفي بعض الروايات «والإمام يخطب أو قد خرج» وعندي (أو) لشك الراوي، وقال الشافعية: إنه للتنويع، والله أعلم بالصواب.

باب ما جاء في كراهية الكلام والإمام يخطب

باب ما جاء في كراهية الكلام والإمام يخطب

[512] قال الأحناف والموالك وقريب منهم الحنابلة: إنه لا يجوز كلام في الخطبة، وكذلك القول القديم للشافعي، وأما جديده فيجوز الكلام عند خطبة خطيب، ونقول: إن الخطبة كالصلاة. وتمسك الشافعي على الجواز بحديث أنه عليه الصلاة والسلام أرسل الصحابة لقتل كعب اليهودي، فرجعوا والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب، فسأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفلحت الوجوه؟» فقالوا: نعم يا رسول الله، وواقعة أخرى أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب فجاء رجل فسأله عليه الصلاة والسلام وأجابه الرجل. ونقول بما في فتح القدير: إن الإمام له أن يتكلم في مهمات الدين ومسائل الدين، مثل بعث السرية، ثم من شأن الخطبة الاستماع، فإن الكلام على أنواع: القراءة، والتلاوة، والمناجاة، والدعاء، والتبليغ، والخطبة، والدرس، ولكل واحد منها شأن على حده، وظني أن مناط قول الشافعي في الخطبة والقراءة خلف الإمام واحد، والله أعلم. قوله: (أنصت فقد لغا إلخ) فإنه يكفيه التعليم بالإشارة، وتمسك بعض الأحناف بمثل هذا العموم على نفي تحية المسجد، أقول: الأولى والأصوب الكلام في الخاص ولا ينبغي الاحتجاج بالعام مقابلة الخاص، فإنه يمكن لأحد أن يمنع عدم الفرق بين تعليم المسألة وتحية المسجد. وأما السلام في الخطبة فلا ينبغي، ولو سلم فلا يرده، وكذلك تشميت العاطس منهي عنه في الخطبة، وإذا قرأ الخطيب: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56] يقول المستمع: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نفسه، أي بكلام نفسي، هكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله، ونقل صاحب البحر أن أبا يوسف كان إذا لم يبلغه صوت الخطيب يأخذ في تصحيح الكتاب. وأما الكلام إذا قعد الإمام على المنبر ولم يشرع فيه، أو جلس بين الخطبتين، فقال شارح الكنز: لا يتكلم بشيء، وقال في النهاية: لا يتكلم بكلام الدنيا، وقال في العناية: إنه يجيب الأذان

سيما إذا لم يجب الأذان الأول، ولعل المختار قول العناية لما في البخاري أن أمير المؤمنين معاوية جلس على المنبر وأجاب الأذان، وقال: إني رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعل هكذا في مثل هذا الموضع، والتأويل فيه بعيد.

باب ما جاء في كراهية الاحتباء والإمام يخطب

باب ما جاء في كراهية الاحتباء والإمام يخطب

[514] مناط الكراهة خوف النوم، وثبت الاحتباء عن كثير من الصحابة، كما في سنن أبي داود ص (165) ، والاحتباء أن يضع أليتيه على الأرض، وينصب الركبتين، ويشد الثوب على الركبتين مع الظهر، أو يشد اليدين على الركبتين، ووضع اليدين على الأرض يصير إقعاءً.

واعلم أن المجتهد قد يعتبر العلة في جنس الحكم، وقد يعتبر في الجزئيات، ويسمى في الأول: الحكم لمظنة العلة، وفي الثاني الحكم لمئنة العلة، ومثال الأول: قصر الصلاة في السفر، ومثال الثاني: النهي عن النوم واضعاً إحدى رجليه على الآخر، فإن العلة فيه تَوَهْمُ كشف العورة، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام النوم على تلك الهيئة لارتفاع مناط النهي، أي لكونه مأموناً عن كشف العورة.

باب ما جاء في كراهية رفع الأيدي على المنبر

باب ما جاء في كراهية رفع الأيدي على المنبر

[515] يكره رفع الأيدي على المنبر عند الخطبة، وثبت رفع السبابة وحركتها، وإني متردد في أن حركتها كانت للتفهيم أو للدعاء كما ذهب إليه البيهقي، وهو في الإتحاف، فإن رفع السبابة أيضاً قد يكون للدعاء كما روي عن أبي يوسف.

باب ما جاء في أذان الجمعة

باب ما جاء في أذان الجمعة

[516] المشهور أن الأذان في عهده عليه الصلاة والسلام كان واحداً وخارج المسجد عند الشروع في الخطبة، وكذلك في عهد الشيخين، ثم قرر عثمان أذاناً آخر قبل الشروع في الخطبة خارج المسجد على الزوراء حين كثر المسلمون، والزوراء قيل: حجر، وقيل: سوق، وقيل: بناء، وهذا الأذان كان قبل الأذان بين يدي الخطيب بعد الزوال، فانتقل الأذان الذي كان في عهده عليه الصلاة والسلام إلى داخل المسجد، هذا هو الصحيح، وفي فتح الباري ما يدل على أن هذا الأذان شرع في عهده عليه

الصلاة والسلام واشتهر في عهد عثمان، وفيه ما يدل على أن هذا الأذان من عهد عمر، وبعضها تدل على أن الإضافة هذه من أمراء بني أمية، ولكن هذه كلها ضعاف، ثم الأذان الثاني وإن حدث في عهد عثمان ولكنه لا يقال بأنه بدعة ـ عياذاً بالله ـ فإنه من مجتهدات عثمان، وأما وجه الاجتهاد فظاهر على مذهب الشافعي فإنه صرح بجواز تكرار الأذان لصلاة واحدة ولو أربع مرات عند الضرورة، وأما على مذهب الأحناف فيقال: أولاً إن التكرار مشروع للضرورة مثل التكرار في الفجر، فإنه كان أحدهما للتسحير، كما صرح محمد في كتاب الحجج بأن الأول كان للتسحير، وأيضاً في الحديث: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين. . إلخ» وفي شرح هذا الحديث قولان، قيل: إن سنة الخلفاء والطريقة المسلوكة عنهم أيضاً سنة وليس ببدعة، وقيل: إن سنة الخلفاء في الواقع سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما ظهرت على أيديهم، ويمكن لنا أن نقول: إن الخلفاء الراشدين مجازون في إجراء المصالح المرسلة، وهذه المرتبة فوق مرتبة الاجتهاد، وتحت مرتبة التشريع، والمصالح المرسلة: الحكم على اعتبار علة لم يثبت اعتبارها من الشارع، وهذا جائز للخلفاء الراشدين لا للمجتهدين، وزعم البعض أن الخلفاء الراشدين ليس لهم إلا ما للمجتهدين، وهذا غير صحيح، وبعض مسائل أبي حنيفة تدل على أن لهم مساغ إجراء المصالح المرسلة، وعض عليها بالنواجذ: منها ما اعتبر الدرهم السبعي، والحال أنه ليس عنه عليه الصلاة والسلام، وفيه تبديل حكمه عليه الصلاة والسلام ظاهراً وليس هاهنا وجه الاجتهاد ظاهراً، وكان الدرهم في عهده عليه الصلاة والسلام درهماً تكون عشرة منها قدر عشرة مثاقيل، ودرهماً تكون عشرة منها قدر ستة مثاقيل، ودرهماً تكون عشرة منها قدر خمسة مثاقيل، ثم اختلف العاملون والمتصدقون في عهد عمر، فقال عمر: يجمع عشرة وستة وخمسة فيحصل إحدى وعشرون، ثم يؤخذ الثلث أي السبعة، فقدر الدرهم الذي تكون عشرة منها قدر سبعة مثاقيل، فاعتبر أبو حنيفة الدرهم السبعي في الزكاة، وهذا المذكور موجود في كتبنا. ومنها ما في كتبنا أنه لا يزاد الخراج على أرض عراق على ما عين عمر، وإن زادت غلة وفي النقصان عند نقصها غلة قولان. ومنها قول أبي حنيفة: إن في الخيل زكاة ولم تزك في عهده عليه الصلاة والسلام، نعم أتى الزيلعي بواقعتين على أن عمر أخذ زكاتها. وعلى هذا لو فرضنا أن عشرين ركعة التراويح أخرجها عمر من غير عهد عنه لا يمكن لأحد أن يحكم عليها بالبدعة فإنه لعله عمل بالمصالح المرسلة فلعل عثمان عمل بالمصالح المرسلة في الأذان، وقبله الأمة المحمدية. وأما كون الأذان الثاني في داخل المسجد أو خارجه فظاهر كتب الأربعة أن يكون في داخله، أي بين يدي الخطيب، ولكن في سنن أبي داود ص (155) ما يدل على أنه يكون في خارج المسجد على

الباب، ولعله نقل بعد ذلك إلى داخل المسجد، والله أعلم. قوله: (على الزوراء) قيل: إن الأذان الأول كان على الزوراء، والثاني على باب المسجد خارجه، ثم نقل أمراء بني أمية الأذان الثاني إلى داخل المسجد، والله أعلم بهذا النقل صحيح أم لا. مسألة: ذكر أهل المذهبين من الشافعية والأحناف أن أذان الجوق محدث جائز، ذكر السيوطي أنه أحدثه أمراء بني أمية، أقول: إني في كونه محدثاً متردد، فإن في موطأ مالك ص (37) حتى يخرج عمر بن الخطاب، فإذا خرج عمر جلس على المنبر، وأذن المؤذن. . إلخ، فدل على كثرة الأذانات، ورواية مالك أخرجها البخاري أيضاً في آخر صحيحه بسنده مفصلةً، ولم يتوجه أحد إلى هذا، والله أعلم، فصار محل تردد وظن.

باب ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام من المنبر

باب ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام من المنبر

[517] يجوز الكلام عند الصاحبين حين كون الإمام على المنبر قبل الشروع في الخطبة، وحين جلوسه بين الخطبتين، وحين فراغه من الخطبة الثانية، ولا يجوّزه أبو حنيفة، ثم تحته أقوال ذكرتها أولاً من الزيلعي والعناية والنهاية، وهذا كله في المقتدي، وأما الإمام فله أن يتكلم في أمور الدين كما في فتح القدير. ومتن حديث الباب أعله البخاري ووجه الإعلال أنه كان واقعة حال، وعبره الراوي بلفظ يدل على أنه عادة، وحديث الواقعة حديث الصحيحين، ومر الحافظان على الحديث، وقال العيني: قيل: إن هذا الرجل كان رئيسَ قومه، فدل على أنه لم يطلع على رواية واقعة الباب. كنت رأيت في كتاب ثم نسيته أن هذا الرجل قام وقال: يا رسول الله إن الله قضى حوائجي ولي حاجة لو أبطأت عليَّ لعلي أنساها. فتكلم به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم رأيت هذه الرواية المنسية في أدب المفرد للبخاري، فيكون هذا واقعة حال. وأما الكلام بعد الإقامة، ففي كتبنا أنه لو طال الفصل تعاد الإقامة، ولا يضبطون طول الفصل، فلا يقال: إن حديث الباب مخالف لنا.

قوله: (فلا تقوموا حتى تروني) غرضه بيان وهْمِ جرير، وليس للحديث تعلقٌ بالباب. قوله: (حدثنا الحسن بن علي الخلال الخ) في هذا الحديث أيضاً وجه الإعلال موجود فينبغي إعلاله، فإن الراوي ذكر الواقعة بشاكلة الضابطة.

باب ما جاء في ما يقرأ به في صلاة الصبح يوم الجمعة

باب ما جاء في ما يقرأ به في صلاة الصبح يوم الجمعة

[520] السور المأثورة في الصلوات مستحبة اعتيادها عندنا كما في البحر والحلية، ويدعها مرةً أو مرتين كيلا يفسد عقائد من خلفه من عدم صحة هذه الصلاة بدون هذه السور. قوله: (تنزيل السجدة) نسب إلينا بعض غيرنا أن آية السجدة عندنا في السرية مكروهة للإمام كيلا يتوسوس المقتدون عند سجوده للتلاوة، وأما أنا لم أجد تصريح هذه الكراهة في كتبنا، والله أعلم.

باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها

باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها

[521] السنن قبل الجمعة أربعة عندنا، وعند الشافعي ركعتان. وأما بعد الجمعة فركعتان عند الشافعي، وأربع عند أبي حنيفة، وست ركعات عند صاحبيه، وفي الست طريقان، والمختار عندي أن يأتي بالركعتين قبل الأربع لعمل ابن عمر في سنن أبي داود، وقال ابن تيمية: لا ثبوت لسنن قبل الجمعة، فإنه كان يؤذن بعد الزوال في الحال، ثم يأتي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمجرد سماع الأذان ويأخذ في الخطبة بمجرد دخوله المسجد، ثم يشرع في صلاة الجمعة، وأما الثابت من الصحابة فمطلق نافلة من غير تعيين. وأما البخاري فبوب على الركعتين قبل الجمعة وما أتى بحديث إلا بحديث سنن قبل الظهر، فقيل: إنه يشير إلى قياس الجمعة على الظهر، وقيل: غرضه أنه لا شيء في هذه المسألة فدل بأنه على

النفي، وقال الزيلعي: لا أقل من ركعتين قبل الجمعة، لحديث سُليك الغطفاني الذي رويناه آنفاً من سنن ابن ماجه: (هل صليت ركعتين قبل أن تجيء. . إلخ) . وفي مشكل الآثار: «من كان مصلياً فليصلِّ أربعاً قبل الجمعة وأربعاً بعدها. . إلخ» بسند ضعيف، وفي الإتحاف فهذا المرفوع يدل على أربع قبل الجمعة وأما بعد الجمعة فلأبي حنيفة رواية مسلم ورواية الباب مرفوعة وعمل ابن مسعود، وأما لصاحبيه فعمل ابن عمر في أبي داود ص (160) ثم رفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعمل علي، ورأيت في كتاب حنفي أن أبا جعفر الهندواني صلى في مسجد رصافة في بغداد يوم الجمعة ركعتين بعدها ثم أربعاً، فقيل له، فقال: عملت بعمل علي، وفي الروايات القوية أن التابعين من أهل كوفة يقولون: كان ابن مسعود يعلمنا أربع ركعات بعد الجمعة، وعلمنا علي ست ركعات بعدها فلكل وجه لا يمكن إنكاره. قوله: (يصلي بعد الجمعة ركعتين) وفي بعض الروايات تصريح في بيته. . إلخ، فتردد الأمران، هاتين سنن الجمعة أو ركعتان عند دخول البيت لحديث «إذا دخل الرجل في بيته فليصل ركعتين، وقال ابن الجوزي: إن هذا موضوع، وحسنه جلال الدين السيوطي.

باب ما جاء في من يدرك من الجمعة ركعة

باب ما جاء في من يدرك من الجمعة ركعة

[524] قال أبو حنيفة وأبو يوسف وسفيان: من أدرك تشهّد الجمعة فقد أدركها. وقال مالك والشافعي وأحمد ومحمد: من أدرك ركعة منها أدركها، ومن أدرك التشهد يبني عليه الظهر بلا استئناف.

وأجاب الشيخان عن حديث الباب: أن قيد الركعة اتفاقي لأن الركعة كالصلاة، وأما الحكم فحكم مدرك الركعة والتشهد واحد، وتمسك الجمهور أيضاً بمفهوم الحديث، وحمل الأئمة الحديث على المسبوق، كما فعلت في ما مر من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة وتمسُّكُ الشيخين: «ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» . واعلم أنهم اختلفوا في أن الجمعة فرض مستقل أو مسقط للظهر، ومعنى هذا أن بناء الظهر على تحريمة الجمعة جائزة أم لا؟ ثم من بنى الظهر على تشهد الجمعة فهل يجهر بالقراءة أو يُسِر؟ فخيَّرهُ الفقهاء، وقال ابن تيمية: يجب الإسرار وقال الفقهاء: بأن القاضي يحكي الأداء لأنه منفرد، والمنفرد قاضٍ، والقضاء حكاية الأداء، وقال ابن تيمية: إنه منفرد ويجب الإسرار على المنفرد، والله أعلم بالصواب. وللجمهور في مسألة الباب ما أخرجه النسائي في أبواب الجمعة عن أبي هريرة، وفي أبواب المواقيت عن ابن عمر: (من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد أدركها. . إلخ) ، وفي رواية ابن عمر علة، وأما المسألة فاختلف فيها الصحابة رضوان الله عليهم.

باب ما جاء في السفر يوم الجمعة

باب ما جاء في السفر يوم الجمعة

[527] لو أراد المقيم السفر فإن خرج قبل الزوال فبها، وإن تأخر إلى ما بعد الزوال فلا يجوز له السفر بدون أداء الجمعة

باب ما جاء في السواك والطيب يوم الجمعة

باب ما جاء في السواك والطيب يوم الجمعة

[528] نسب إلى مالك وجوب الغسل كما مر منا آنفاً.

قوله: (فالماء له طيب) أي الغسل كاف، وهذا من قبيل: ~ تحية بينهم ضرب وجيع ... لا كما زعمه رجل غبي.

أبواب العيدين

أبواب العيدين

باب ما جاء في صلاة العيدين قبل الخطبة

باب ما جاء في صلاة العيدين قبل الخطبة

[530] السنة الخطبة بعد العيدين، وتلقاه الأمة بالقبول، وخالفها مروان، فإنه كان يهجو في خطبته علياً، واستنكره الناس، وكانوا لا يسمعون الخطبة، فقدم الخطبة ليستمعوها، وكانت خطبة الجمعة أيضاً بعدها إلا أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب فنفر الناس كلهم زعماً منهم أن سمع الخطبة ليس بحتم، فبقي اثنا عشر نفساً حوله عليه الصلاة والسلام، فقدمها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما في مراسيل أبي داود، وثبت عن عثمان أيضاً تقديم الخطبة على صلاة العيد ليدرك الناس صلاة العيد.

باب ما جاء أن صلاة العيد بغير أذان وإقامة

باب ما جاء أن صلاة العيد بغير أذان وإقامة

[532] هكذا عمل الأمة المحمدية، ولا يقال: إن الأذان والإقامة أمران حسنان، فأي حرج فيهما، فإنه قد ثبت منه عليه الصلاة والسلام صلاة العيدين تسع سنة، وما ثبتا عنه، وشبيه من هذا ما روي أن عليّاً أتى المصلى فوجد رجلاً يتطوع فنهاه، فقال الرجل: أُعذّبُ على صلاتي، فقال عليّ: إنك تُعذّب على خلافك السنة. وفي كتب الشافعية: يجوز في صلاة العيد أن ينادى في الأسواق بالصلاةُ جامعة، وقاسوا على ثبوتها في صلاة الكسوف أخرجه مسلم ص (296) «بعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منادياً بالصلاة جامعة فاجتمعوا. . إلخ» وليس هذا في كتبنا، وأذن وأقام ابن الزبير، وما وافقه الأمة. (ف) قال الحذاق: إن البدعة ليست إلا سيئة.

باب ما جاء في القراءة في العيدين

باب ما جاء في القراءة في العيدين

[533] حديث الباب يفيد في مقابلة من يدعي العمل بالحديث، فإنه يقول: إذا اجتمع العيد والجمعة

فالجمعة عفو، ومرفوع الباب يرد عليهم، ولا مرفوع لهم، نعم ثبت ما قالوا عن ابن الزبير وبعض التابعين، وأما ما في البخاري عن عثمان أنه صلى العيد ثم قال للناس من أراد أن يذهب فليذهب فليس مراده العفو عن أهل المِصر، بل الإجازة لأهل القرى الذين اجتمعوا.

باب ما جاء في التكبير في العيدين

باب ما جاء في التكبير في العيدين

[536] قال أئمتنا الثلاثة وسفيان الثوري: إن التكبيرات الزوائد ستة: ثلاثة في الأولى قبل القراءة، وثلاثة في الثانية بعدها، وقال مالك وأحمد والشافعي: الزوائد اثنتي عشر تكبيرة قبل القراءة، سبعة في الأولى، خمسة في الثانية.

مسألة: في كتب الأحناف: إن تكبير الركوع في ثانية العيد واجب بخلاف سائر الصلاة فإنه سنة فيها، ولو ترك التكبير في ثانية العيد تلزم سجدة السهو، ثم قالوا: إن لزمته سجدة السهو لا يسجد له مخافة اختلاط القوم، وأما الأدلة في مسألة الباب فلهم حديث الباب، وفي سنده كثير بن عبد الله، وهو متكلم فيه، وحسّنه الترمذي والبخاري وابن خزيمة، وجرحه أحمد بن حنبل، وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية المغربي: إن أقبح الأحاديث التي أخرجها الترمذي وحسنها رواية كثير بن عبد الله في تكبيرات العيدين، وأما ابن دحية فتكلم فيه، فقيل: إنه وضّاع، ولكني لا أسلمه، نعم إنه رجل غير مبال، وقيل: إن سلطان عصره قال له مختبراً إياه: صنفْ التخريج على كتاب شهاب القضاعي، فشرحه ابن دحية، ثم قال السلطان: إني فقدته، وصنفْ كتاباً آخر على الشهاب القضاعي فصنف كتاباً، وكان بين كتابيه تفاوت بعيد وتخالف، فعلم السلطان أنه غير مبال فعزله عن الدرس، وأيضاً لابن دحية كتاب (التنوير في مولد البشير والنذير) لإثبات المولود الذي شاع في هذا العصر وأحدثه صوفي في عهد سلطان إربل سنة (600) ، ولم يكن له أصل من الشريعة الغراء، ولم يكن التصنيف في هذه البدعة يليق بشأن الحفاظ والمحدثين. وللشوافع حديث آخر أخرجه أبو داود ص (171) عن عبد الله بن عمرو بن العاص بسند قوي وصححه البخاري، كما نقل الترمذي في العلل الكبرى: سألت البخاري عن مختاره في تكبيرات العيدين فاختار اثنتي عشر تكبيرة بناءً على ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص. وأما أدلتنا: فمنها ما في سنن أبي داود ص (170) عن أبي موسى الأشعري، وقال: (كان يكبر أربع تكبيرات) وضم بها تكبيرة التحريمة الأولى، وتكبيرة الركوع في الثانية، والحديث قوي مرفوع، وفيه أبو عائشة، وقيل: إنه مجهول الحال، ولكنه خطأ، والحق إنه ثقة، وهو والد محمد بن أبي عائشة موسى بن أبي عائشة، وأعلى ما في الباب لنا ما هو من إجماعيات عمر رواه إبراهيم النخعي مرسلاً بسند قوي في معاني الآثار ص (286) ، ويفيدنا ـ أي الأئمة الأربعة ـ في تكبيرات الجنازة أيضاً، ولنا حديث آخر قولي قوي ما تمسك به أحد من أصحابنا، ويفيدنا في تكبيرات العيدين والجنازة، أخرجه في معاني الآثار ص (400) ج (2) عن بعض أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ورجال الحديث كلهم معروفون إلا وضين بن عطاء، ووثقه الحافظ، فإنه أخرج من الطحاوي رواية تدل على التسليمتين في الوتر، وفي سنده وضين بن عطاء ووثقه الحافظ كما مر في الوتر آخر استدلال الحفاظ. وأما اثنتا عشر تكبيرة فجائزة عندنا، فإن في النهاية: إن أبا يوسف أتى بها حين أمره هارون الرشيد، ولا يتوهم أنه كان من أولي الأمر، فإنه لو كان غير جائز عنده كيف اتبعه وإن كان والي الأمر؟ فلا بد من أن يقال: إنه قائل بجوازها، وأيضاً في الهدآية: {لو زاد الإمام التكبيرات على الستة

يتبعه إلى اثنتي عشر تكبيرة) ، فدل على الجواز ولقد صرح محمد في موطأه ص (140) بجوازها، فإنه قال: وما أخذت به فهو حسن. قوله: (وأحسن شيء في. . إلخ) ليس أحسن شيء هذا بل ما في أبي داود عن ابن عمرو بن العاص. قوله: (واسمه عمرو بن عوف. . إلخ) أي اسم جده.

باب ما جاء لا صلاة قبل العيدين ولا بعدها

باب ما جاء لا صلاة قبل العيدين ولا بعدها

[537] عندنا تكره الصلاة قبل العيدين في البيت والمصلى، وفي البحر: لا يصلي الإشراق أيضاً من يعتادها، وأما بعد العيد فيصلي في البيت ما شاء من النافلة، رأيت في بعض الآثار أن عليّاً مر على رجل يصلي بالمصلى فنهاه، فقال الرجل: أيعذبني الله على الصلاة؟ قال عليّ: نعم يعذب الله على خلاف السنة.

باب ما جاء في خروج النساء في العيدين

باب ما جاء في خروج النساء في العيدين

[539] أصل مذهبنا جواز خروج النسوان للعيدين، ونهى أرباب الفتوى، وفي مذهب غيرنا تضييق مما في مذهبنا، وأما من يدَّعي العمل بالحديث فيطعن على الأحناف على منعهم النسوان من خروجهن إلى المصلى والمساجد، وهذا من قلة التدبر، ونقل أصل مذهبنا العيني من التوضيح على البخاري للشيخ سراج الدين بن الملقن تلميذ المغلطائي الحنفي، أقول: لقد أبعد العيني في النجعة والحال أن المسألة مذكورة في الهداية ص (105) : وقالا: يخرجن في الصلوات كلها لأنه لا فتنة لقلة الرغبة، فلا يكره كما في العيد، انتهى. وكذلك روي في الخروج إلى العيد في حاشية الهداية من المبسوط. قوله: (العواتق) جمع عاتق، وإنما يقال: العاتق، لأنها عتقت عن خدمة الوالدين. (والحُيَّض) والمراد منهن ذوات الطمث، لقرينة (ويعتزلن المصلى) ، وأما لفظ الحُيَّض فجمع حائض لا حائضة. قوله: (يشهدن دعوة المسلمين) لا يستدل بهذا على الدعاء المعروف في زماننا بعد صلاة العيد، فإن المراد بالدعوة الأذكار التي في الخطبة والمواعظ والنصح، فإن الدعوة عامة.

باب ما جاء في خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى العيد من طريق ورجوعه من طريق آخر

باب ما جاء في خروج النبي - صلّى الله عليه وسلّم - إلى العيد من طريق ورجوعه من طريق آخر

[541] قيل: إنه للتفاؤل، أي لئلا يكون فسخ ما فعل أوّلاً، أو لإظهار الشوكة، وكان الخلفاء والسلاطين يظهرون الشوكة يوم العيد ويوم الجمعة، ولا ليشبه هذا الرجوع برجوعه قهقري

باب ما جاء في الأكل يوم الفطر قبل الخروج

باب ما جاء في الأكل يوم الفطر قبل الخروج

[542] يستحب الإمساك إلى الصلاة يوم الأضحى، وإن لم يمسك فلا كراهة أصلاً، كما ذكره علي القاري في بعض رسائله، ثم ظاهر الحديث أن استحباب الإمساك لكل رجل يضحي أو لا، وهذا الامساك اسميه بالصوم، لأن الحديث يسمى صوم عشرة، والحال أن صوم العاشر مكروه، فالصوم في اليوم العاشر هو الصوم إلى الصلاة. واعلم أن الحكم بالكراهة التنزيهية بترك الأولى موقوف على دليل خاص، وقريب من هذا ما في رد المحتار ص (784) : أن ترك المستحب لا يكون مكروهاً إلا بدليل خاص.

أبواب السفر

أبواب السفر

باب ما جاء في التقصير في السفر

باب ما جاء في التقصير في السفر

[544] في هذا الباب مسائل عديدة منها: أداء التطوع في السفر: قيل: لا يتطوع المسافر أصلاً، ومنع البعض من أدائها في السفر، منهم ابن تيمية، أقول: قد ثبت أداء الرواتب في السفر عنه عليه الصلاة والسلام أحياناً لكن الأكثر أداء القبلية لا البعدية، وقيل: إن الثابت منه عليه الصلاة والسلام مطلق النافلة ليلاً ونهاراً، وقيل: ثبت النافلة المطلقة ليلاً لا نهاراً، وأقوال أُخر في هذه المسألة، وفي البحر: عَمَلُ محمد بن الحسن أنه كان لا يصلي الرواتب إذا كان في حال السير، وكان يصليها في حال النزول. ومن مسائل الباب قصر الصلاة: والقصر واجب، والإتمام غير جائز عند أبي حنيفة، وقال: إن القصر قصر الإسقاط، وقال الشافعي: إن الإتمام والقصر جائزان، والقصر قصر الترفيه، وأما جمهور الصحابة والتابعين فموافق لأبي حنيفة، وكذلك قال ابن تيمية وأطنب الكلام وأتى بالروايات، وصح أنه سُئِل أحمد عن الإتمام في السفر، فقال أحمد: أسأل الله العافية عن هذه المسألة، وقال الشافعية: أتمَّ عثمان وعائشة، ونقول: بأنهما أتما بالتأويل، ثم أورد الحافظ على التأويلات من حيث التفقه، لا من حيث الأسانيد، وأجاب عنهما العيني وأقول لا احتياج إلى تقوية التأويلات تفقهاً من العيني فإن إيرادات الحافظ لا يتوجه علينا بل يتوجه على عثمان وعائشة، والواجب علينا إثبات أنهما تأوّلا، فنقول: قد صح التأويلات بعضها من ألسنتها وبعضها من الرواة، وأما منطلق التأويل فقد أخرج البخاري عن عروة قال: إنما تأولت عائشة كما تأول عثمان، وفي أبي داود ص (270) التأويلات من الرواة، كما قال الزهري: إنه أجمع على الإقامة بعد الحج، وقال إبراهيم النخعي: إن عثمان اتخذها وطناً، وقال الزهري أيضاً: إن عثمان اتخذ الأموال بالطائف كذلك روي أنه صلى مخافة أن يراه الأعراب أنه يقصر فيقصرون في الحضر أيضاً، كما ثبت بسند صحيح أن أعرابياً قال لعثمان: إني

كنت رأيتك تقصر عاماً ماضياً فقصرت السَّنة كلها زعماً مني أن الصلاة ركعتان، وبعض التأويلات مذكورة في الطحاوي ص (447) ، لكن هذه ليست على جوابه من الإتمام حين أنكر عليه الصحابة منهم ابن مسعود، بل هاهنا ذكر مذهب عثمان حاصله أن القصر لمن كان في حال السير لا في حال النزول، فإنه قال: لا قصر لجابٍ ولا هائمٍ ولا تاجر، وإنما القصر لمن زاد وحمل المزاد ورحل وارتحل إلخ، وليس هذا مذهب أحد من الأربعة، وبعض وجوه التأويلات مذكورة في مصنف ابن أبي شيبة والسنن الكبرى البيهقي، وبعض التأويلات مروية عن لسانهما، وروي عن عائشة، قالت: لا أقصر في السفر لأني لا أجد مشقة، وأيضاً نقول: إن عائشة إنما أتمت بعد ارتحاله عليه الصلاة والسلام إلى دار البقاء، وأيضاً لما أتم عثمان أنكر عليه الصحابة ومن المنكرين ابن مسعود كما في أبي داود ص (370) وفي الروايات أن ابن مسعود استرجع على إتمام عثمان، وفيه: فقيل لابن مسعود: أنك عِبتَ على عثمان ثم صليت خلفه أربعاً؟ فقال: الخلاف شر. . إلخ. فقال الشافعية: إن اقتداء ابن مسعود يدل على أن الإتمام عنده جائز، وإن كان الأولى القصر، فإنه لو لم يكن الإتمام جائزاً ما اقتدى ابن مسعود خلف عثمان، والجواب عن هذا على مشربنا أن عثمان لما تأول فصار مجتهداً في مسألته. ومسألتُه مجتهدة فيها، فإذن اقتدى ابن مسعود خلف عثمان في المجتهد فيه، وذلك جائز عندنا، وأجاب شمس الأئمة السرخسي أن عثمان لما نكح بمكة وتأهل ثمة فصار مقيماً، فعليه أربع ركعات، وأما ابن مسعود فقال: إن سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان القصر هاهنا في منى، ولما أقمت فالأولى لك أن يقتدى خلف يقصر ويكون الإمام من يقصر، لتكون سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باقية صورة، ولا تكون أنت إماماً للناس لأنك مقيم وتصلي أربعاً، ولكنه لما صلى بهم عثمان وكان مقيماً صلى خلفه ابن مسعود أربعاً، لأن صلاته هذه خلف من يزعمه أنه مقيم، فإذن لا ضير علينا، وجواب شمس الأئمة قوي لطيف، فثبت أن إتمام عثمان بمنى وإتمام عائشة لم يكن لكون الإتمام في السفر جائزاً، بل للتأويلات، ثم تمسك الشافعية بحديث عائشة، أخرجه النسائي ص (213) والدارقطني بسند قوى، قالت: اعتمرت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت بمكة قالت: يا رسول الله بأبي أنت، قصرت وتممت، وأفطرت وصمت، وقال: (أحسنت يا عائشة) وما عاب عليّ. . الخ، فدل على جواز الإتمام وإن لم يثبت الإتمام عنه والشيخين، ونسب النووي ص (241) هذه رواية الدارقطني إلى أنها أخرجها مسلم، والحال أنها ليست في مسلم أصلاً، فالجواب عن الحديث بأنه مر عليه الحافظ وابن تيمية وابن قيم في زاد المعاد ص (133) وقال: إنه كذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أقول: لا يقال ما قال ابن تيمية، نعم يمكن أن يعمل الحديث فإن سنده قوي برجال ثقات، ثم قيل: إن في سنن الدارقطني تصحيفاً، فإنه ذكر في لفظ: (كان يصوم ويفطر ويتم ويقصر) ،

والصحيح كان يقصر ـ أي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ وتُتِم ـ أي عائشة ـ وكان يفطر وتصوم ـ أي عائشة، والله أعلم. وكذلك، قال ابن تيمية وابن حجر بأنه تصحيف في الدارقطني، وأما الرواية التي مرت عن عائشة فقال ابن تيمية: إنها كذب، وأعلّها ابن كثير بأنه عليه الصلاة والسلام لم يخرج معتمراً في رمضان إلا في فتح مكة، ولم يعتمر ثمة، والله أعلم. فقال الشافعية: إن لفظ في رمضان لعله سهو من الراوي بأنه عليه الصلاة والسلام خرج في رمضان، ثم ذهب إلى حنين، ثم رجع عنها واعتمر في ذي القعدة، وأعلَّ الحافظ أيضاً في بلوغ المرام تلك الرواية، وأشار إلى وجه التعليل في تلخيص الحبير بأن عائشة لو كانت عندها هذا الحديث منه عليه الصلاة والسلام لما احتاجت إلى التأويل عند إتمامها، وفي الصحيحين عند عروة تأولت كما تأول عثمان، أقول: لا يصح هذا وجهاً للتعليل، وجواب الحديث على تقدير صحته: إنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة: (أحسنت) ، ولا يدل هذا على إجازة الإتمام بل هذا إغماض عما فعلت لعدم علمها بالمسألة، كما قلت في سنتي الفجر، وكما في أبي داود ص (49) قصة رجلين تيمما وقائع أخر، ويمكن أن يقال: إن إتمام عائشة كان في مكة لا طريق مكة، فإنه عليه الصلاة والسلام لما فتح الله عليه مكة زعمت عائشة أنه عليه الصلاة والسلام يقيم أياماً كثيرة في مكة، وأقام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مكة خمسة عشر يوماً، وسبعة عشر، أو ثمانية عشر، أو تسعة عشر يوماً، على اختلاف الروايات، رواية خمسة في أبي داود بسند قوي، وما أراد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإقامة بمكة، بل كان يريد أن يخرج إلى حنين غداً أو بعد غد، فمضى في هذه الأيام الكثيرة ثم خرج إلى حنين وبلغ عائشة كان يقصر بمكة في هذه الأيام، فقال: قصرت وأتممت، وأفطرت وصمت، فإذن كان صومها وصلاتها صوم المقيم وصلاته، وتحسينه عليه الصلاة والسلام على هذا، وهذا الجواب متحمل قدر شيء على مسائلنا، فالحديث لا يدل على جواز الإتمام في السفر، وفور ذخيرة الأحاديث، وتعامل السلف يرد جواز الإباحة، ثم تمسك الشافعية بآية: {لا جناح عليكم أن تقصروا} إلخ فدل لفظ (لا جناح) على أن إتمام الصلاة أيضاً جائز، والقصر ليس بضروري، والمشهور في الجواب بأنهم زعموا أن في القصر نقصان الصلاة وإساءة، فقال الله ردا لذلك الزعم: {لا جناح عليكم} . . . إلخ والجواب الصحيح بأن في الآية تفسيرين، قيل: إن القصر المذكور في الآية قصر العدو، والآية نازلة في قصر صلاة المسافر لآية {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ} [النساء: 101] الآية، ولزم إشكال على هذا التفسير، وهذا التفسير بعض، وقيل: إن الآية واردة في قصر الصفة والهيئة، أي في صلاة الخوف، وهذا القول قول آخرين من ابن جرير وابن كثير وصاحب البدائع من الأحناف وغيرهم، ويؤيدهم آية القرآن، فإن المذكور فيها قصر الخوف، فالآية

واردة في قصر الخوف وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة، وأما قيد (وإذا ضربتم في الأرض) فبأن أكثر وقائع صلاته عليه الصلاة والسلام صلاة الخوف ووقائع السفر، إلا واقعة غزوة الأحزاب في المدينة، فاتفق السفر مع صلاة الخوف، وأما نزول آية القصر قبل غزوة الأحزاب أو بعدها فمختلف فيه، قال الشافعية: نزولها بعدها، وتركه عليه الصلاة والسلام الصلاة في غزوة الخندق كان لعدم نزول القصر فيها، ويجوزون الصلاة حال المسايفة، ونقول: إن وجه تأخيره الصلوات عدمُ جواز الصلاة حالة المسايفة، وقال الموالك: إن وجه التأخير أن الصحابة كانوا قريب أربع عشر مائة رجل، فما فرغوا من الوضوء إلا وغرب الشمس، وهذا لا يجري إلا في تأخير العصر لا في غيرها، وتأخير غيرها أيضاً ثابت، فعلى هذا القول لا يمكن للشافعية الاستدلال على قصر العدد، لأن ورود الآية في قصر الصفة لا قصر العدد، ثم هاهنا صور أربعة: الخوف والسفر، ففيه قصر العدد والصفة. والخوف فقط، وفيه قصر الصفة. والسفر فقط، وفيه قصر العدد. وعدمهما، فعدمهما. وإن قيل: يرد على هذا التفسير رواية مسلم ص (241) : «إنها صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته. . إلخ» ، فإن قصر الخوف مشروط بشرط الخوف بخلاف السفر، فدل أن الآية في قصر العدد، والجواب ما في ترجمة الموطأ للشاه ولي الله: أن في السفر بلا خوف قصر عدد أيضاً صدقة، ولكنه تشريع مستأنف، وعبارة شرح الموطأ ص (149) : (هذه استدلال كرده أندبر اتفاقي بودن قيد بحديث مسلم عن يعلى بن أمية فقير ميگويدكه اين استدلال مدخول است ذيراكه مى گريم كه معنى جواب آن است كر قصر مسافة شرع جديد است وتخفيف إذا ابتداء إزخدائي تعالى) انتهى ملخصاً. فلا تكون الآية أيضاً دليل الشافعية. أما استدلالات الأحناف وغيرهم فكثيرة، ذكرها الطحاوى وأطنب ابن تيمية، ولا أستوعبها، فإني أستوعب الأجوبة مهما أمكن، ولا استوعب الاحتجاجات، ومنها حديث الصحيحين عن عائشة: «كانت الصلوات ركعتين ركعتين، ثم زيدت فيها بعد الهجرة إلى المدينة، وأُقرَّت صلاة السفر. . إلخ) ، فدل الحديث على أن قصرالمسافر ليس بقصر بل على أصله، فكيف قلتم أيها الشافعية: إن في الآية قصر عدد، فإنه يقتضي أن تكون صلاة المسافر مقصورة لا على ما كانت قبل، وحديث عائشة يدل على أن صلاة المسافر باقية على ما كانت قبل، وإن قيل: إن ظاهر القرآن يدل على القصر فنقول: أولاً: إنه قصر الصفة لا قصر العدد، وثانياً: إن أول الآية أي {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ} [النساء: 101] في قصر العدد، باقيها في قصر الصفة، فإذن قولكم أيها الشافعية بأن الآية نزلت في قصر العدد، إن حكم

القصر بعد الآية ليس بصحيح، ولو قالوا بهذا فعليهم إثبات أن المسافر والمقيم كانا يتمّان بعد الهجرة إلى المدينة، ثم أنزل الله قصر صلاة المسافر في الآية بعد الهجرة إلى المدينة في السنة الرابعة، وأما نحن فنقول: بعد تسليم الآية في القصر في العدد، وأن المسافر كان يصلي ركعتين بعد الهجرة، ثم نزلت الآية بعد كون الحكم مشروعاً، كما في آية الوضوء نزلت بعد العمل بالوضوء بأزيد من عشرين سنة، أو نقول: إن أول الآية ـ أي قصر العدد ـ تمهيد لبيان صفة صلاة الخوف، ومن البداهة أن المقدمة الممهدة تكون معلومةً قبل، فإذن إطلاق القصر على صلاة المسافر ليس بحقيقة، بل توسع، فالحاصل أن دعواكم أن قصر صلاة المسافر بعد نزول الآية، وكانت قبل إتماماً يرده حديث عائشة، ثم أجاب الحافظ في الفتح: بأن مراد حديث عائشة: (وأقرت صلاة السفر. . الخ) أي لمن أراد القصر، ثم قال: كانت صلاة المقيم والمسافر أربعاً في المدينة، ثم نزلت الآية لقصر العدد في السنة الرابعة، فيلزم إذن تسليم النَّسخين في حكم واحد، أي في صلاة المسافر، ويتجنب العلماء من النَّسخين في حكم واحد مهما أمكن، وأيضاً قول الحافظ نافذ في محمل الحديث لكنه يجب أن يكون له أصل بجميع أجزاءه، والحال أنه لا مرفوع ولا أثر ولا أصل يدل على أن صلاة المسافر كانت أربعاً في المدينة، ولا تمسك بلفظ القرآن: (أن تقصروا. . إلخ) ، فلا يصح به لما ذكرت أولاً أنه بيان حكم سابق، أو تمهيد حكم قصر الصفة، وتوارد الروايات يدل على أن قول الحافظ مستبعد، فإن في كتاب الطحاوي ص (245) عن عمر: (صلاة السفر ركعتان تمام ليس بقصر على لسان نبيكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . الخ) ، فدل على نفي الأربع في حق المسافر، وفيه عن ابن عمر وابن عمرو بن العاص مرفوعاً: (صلاة السفر ركعتان هي تمام. . إلخ) ، وفي سنده جابر الجعفي، وفيه عن عمر لفظ شديد، قال بعد ذكر قصر الصلاة: (من خالف السنة فقد كفر. . الخ) وأدلتنا محصاة في موضعها. قوله: (لأَتممتُها) أي إنها لو شرعت لكان إتمام الفريضة أولى، فهذا يدل على أن القصر قادح في السنن، فجواب هذا القدح ما ذكره النووي في شرح مسلم ص242: فجوابه أن الفريضة متحتمة، فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها، وأما النوافل فإلى خيرة المكلف، فالرفق به أن تكون مشروعة ويتخير إن شاء فعلها وحصل ثوابها، وإن شاء تركها ولا شيء عليه الخ.

قوله: (صدر من خلافته. . إلخ) هذا متعلق بعثمان فقط، ولم يثبت عنه أو الشيخين إلا القصر، وجواب عمل عثمان وعائشة مر سابقاً. قوله (أتم الصلاة أجزء عنه. . إلخ) أي يقع فرضاً، وعند أبي حنيفة ركعتان نافلة، والمصلي مرتكب الكراهة تحريماً. قوله: (حدثنا أحمد بن منيع نا هشيم. . إلخ) في سند حديث الباب علي بن زيد بن جدعان، وهو سيء الحفظ، ولذا لم آخذ حديثه في باب الوضوء بالنبيذ، والحال أن في مسند أحمد رواية لنا للوضوء النبيذ بسند علي بن زيد، ومن عادتنا النقد الشديد في المفيدة لنا وإغماض شيء في غيرها، بخلاف غيرنا، فإن أكثر نقدهم في ما يخالفهم ولقد سلمت التوثيق في كثير بن عبد الله، والحال أنه يضرنا في مواضع. قوله: (الظهر بالمدينة أربعاً الخ) نقول: إن المسافر يصير مسافراً بعد انفصاله من أبنية المصر،

بل هذا الحديث دليل لنا في هذه المسألة، ولا يجوز الاستدلال أيضاً بهذا على مذهب أهل الظاهر بجواز القصر ولو على ثلاثة أميال، فإن ذا الحليفة لم تكن منتهى القصر بل المقصود كان مكة. قوله: (لا يخاف إلا رب العالمين) يريد أن قيد إن خفتم اتفاقي في حق صلاة المسافر. قوله: (الشافعي وأحمد وإسحاق الخ) لا يقول أحمد بجواز الإتمام كما حررت أنه قال: أسأل الله العافية من هذه المسألة، وقال ابن تيمية الحنبلي بعدم جواز الإتمام.

باب ما جاء في كم تقصر الصلاة

باب ما جاء في كم تقصر الصلاة

[548] مسافة القصر عند الشافعي وأحمد ثمانية وأربعون ميلاً، وعندنا مسيرة ثلاثة أيام بسير وسط، وفي الهداية عن أبي حنيفة قدر ثلاثة مراحل. . الخ، والفرق بين الأول والثاني أن في الأول اعتبار سير المسافر، وفي الثاني اعتبار المسير والمسافة، وأقوال الأحناف في مسافة القصر كثيرة، ذكرها في البحر، والأقوال من ستة عشر فرسخاً إلى اثنين وعشرين فرسخاً، وفي قول ثمانية وأربعون ميلاً، وهو المختار لأنه موافق لأحمد والشافعي. وأما الميل ففي النووي شرح مسلم ص (241) : إن الميل الهاشمي ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون أصبعاً معترضة معتدلة، والأصبع ستة شعيرات معترضات معتدلات. وأما مدة الإقامة: فعند الشافعي أربعة أيام، وعندنا خمسة عشر يوماً، ومذاهب أخر، ولا مرفوع لأحد، ولكل واحد آثار، ولنا أثر ابن عمر في كتاب الآثار لمحمد بن الحسن. قوله: (قال: عشر الخ) أي في حجة الوداع، وأما في فتح مكة فأقام بمكة خمسة عشر يوماً أو سبعة عشر أو تسعة عشر أو ثمانية عشر.

قوله: (لأنه روى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم تأوله إلخ) هذا اجتهاد ابن عباس، والاجتهاد هذا بعيد لأنه لما أقام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسعة عشر يوماً وقصر لا يدل أن بعد هذه الأيام يكون إتماماً، فإنه يمكن أنه لو أقام بعده أيضاً لقصر الصلاة، فلا يصح الاحتجاج بهذا، إلا أنه قواه ابن رشد تقوية شيء في البداية بأن الأصل الإتمامُ، وأما القصر فمن عارض السفر، فإذا ثبت القصر إلى هذه الأيام نعمل بعده بالأصل أي بالإتمام، وعلى هذه التقوية يمكن أن يقال: إن ابن عمر زعم أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام خمسة عشر يوماً بمكة في فتح مكة، فإنه لم يعتبر ثلاثة أيام التي قبل الفتح، وكانت تلك الأيام مشغولة بالوقعات واستقراء الفتح، فكان الباقي خمسة عشر يوماً، وهذا إنما يكون لو كان بناء قوله على فعله عليه الصلاة والسلام هذا، والله أعلم، وعلمه أتم.

باب ما جاء في التطوع في السفر

باب ما جاء في التطوع في السفر

[550] المسألة مرت بتفصيلها كما ينبغي. قوله: (ابن أبي ليلى الخ) محمد بن أبي ليلى ضعفه البخاري إلا في هذا الحديث، فإنه قال: هو أعجب إليّ ويفيدنا هذا الحديث في مسألة الوتر، لأن وتر النهار يكون مشاكلَ وتر الليل في ثلاث ركعات بتسليمة واحدة.

باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في السفر

باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في السفر

[553] المذاهب مرت سابقاً، وأقول: إن الأحاديث على ثلاثة أقسام، وشواكل بعضها يدل على الجمع الفعلي، وبعضها يوهم الجمع الوقتي، وبعضها يدل على الجمع مطلقاً، وكان الشوكاني يقول بالجمع الوقتي ثم رجع عنه، وصنف رسالة في رده، وسماها (تشنيف السمع بإبطال أدلة الجمع) ، وحديث الباب عجيب الشأن، فإن رجاله كلهم ثقات، ويقال: إنه أعلى ما في الباب للشافعية حجة الجمع وقتاً، وقال البخاري: إن الحديث موضوع، لأنه سأل قتيبة عن من كان شريكاً معه حين سمع الحديث من الليث، قال: خالد المدائني، يقال: هذا الرجل الشقي كان كذاباً وضاعاً، فإنه كان يكتب الأحاديث الموضوعة شبيه خط المحدثين، ويضع ذلك القرطاس في كتب المحدثين، وكان يرويها زعماً عنه أن هذه الأحاديث كتبتها بنفسي، وأخرج الحاكم نظيره في أربعينه، وأشار الترمذي أيضاً إلى إعلال الحديث، وتعجب المحدثون أن ليثاً من مشاهير الفقهاء وحفاظ الحديث وله تلامذة يبلغ مئتين ولا يروي هذا الحديث عنه إلا قتيبة بن سعيد. وحديث الباب يدل على الجمع تقديماً، والجمع تأخيراً، وقال أبو داود: ما صح شيء في جمع التقديم. وأجاب الأحناف عن حديث الباب بعد قبول صحته: أن المراد هاهنا هو الجمع فعلاً، وإن

قيل: فلم وزع الراوي إلى الارتحال بعد الزوال وقبل الزوال، وتقسيمه يدل على الجمع الوقتي، جمع تقديم وتأخير، قلت: إنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد أن يرتحل بعد الزوال كان يقعد ولا يسير إلى حين يمكن فيه الجمع فعلاً ويجمع بين الظهر والعصر فعلاً، ثم يسير ويرتحل، ولو كان ارتحل قبل الزوال كان يسير حتى يمكن الجمع فعلاً، فينزل ويصلي بالجمع فعلاً، وفائدة هاتين الطريقين يظهر ممن كان له وقوف بالأسفار، وعندي توجيه آخر لحديث الباب ويؤيده حديث آخر مطبوعة في رسالة القاسم. ثم اعلم أن حديث الباب يناقض ما في مسلم ص (245) عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، وإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب. . الخ، ولا مناص إلا أن يقال بأن الطريقين ثابتان. قوله: (أبي الطفيل) هذا صحابي صغير، قيل: إنه آخر موتاً من الصحابة، وقيل: آخر موتاً أنس، وقيل: جابر بن عبد الله، وقيل: إن الصواب التوزيع بحسب البلاد، أي أحدهم آخر موتاً في بلدة، وآخر في بلدة أخرى هكذا، والله اعلم. قوله: (والمعروف عند أهل الحديث الخ) أخرجه مسلم ص (246) .

قوله: (حتى غابت الشفق) لا يمكن الاستدلال بهذا اللفظ كما استدل النووي ص (245) . ذاهلاً عما في أبي داود ص (171) بسند قوي: (قبل غيوب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء الخ) . والعجب من الحافظ أنه لما رأى بعض الرواة يعبرون بالمبالغة أنه جمع حين ذهب ربع الليل. . الخ، فقال بتعدد الواقعتين، والحال أن سطحي الحديثين واحد، وهو مرض صفية بنت أبي عبيد حين أرسلت إلى ابن عمر: بأني في آخر اليوم من الدنيا، وأول اليوم من الآخرة، فأسرع ابن عمر، ولكن الله شفاها، وعاشت إلى ما بعد ابن عمر، وأقول: إن الواقعة واحدة قطعاً، ونخرج المحمل في اللفظ الذي أشكل على الحافظ بأن الجمع بين الصلاتين لا يصدق إلا إذا صلى العشاء أيضاً. (ف) الجمع الوقتي أيضاً مُجتهد فيه عندنا، كما ذكر صاحب البحر في واقعة سفر الحج.

باب ما جاء في صلاة الاستسقاء

باب ما جاء في صلاة الاستسقاء

[556] صلاة الاستسقاء سنة عند الشافعي، والاستسقاء عندهم على ثلاثة أقسام ذكرها النووي ص (292) ؛ أحدها: الدعاء بلا صلاة، وثانيها: الدعاء في خطبة الجمعة أو في أثر صلاة مفروضة، وهذا أفضل من النوع الأول، وثالثها، وهذا أكملها: أن يكون بصلاة ركعتين وخطبتين يتأهب قبله بصدقة وصوم وتوبة إلخ، وأما الأحناف ففي مختصر القدوري: والصلاة ليست بسنة، قال في الهداية: لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى مرة لا أخرى فلا تكون سنة إلخ، أقول لا تكون سنة مؤكدة وإلا فمطلق السنة والاستحباب لا يمكن إنكاره لما قال صاحب الهداية: إنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى مرة، وقال المحقق ابن أمير الحاج: نسب البعض إلينا أن الصلاة عندنا منفية وهذا غلط، والصحيح أن الصلاة عندنا مستحبة إلخ، وفي عبارة فتح القدير ضيق يدل على عدم مشروعية الصلاة عند بعض المشائخ ويترك ما في الفتح، وتمسك بعض الأحناف بأن القرآن علق الاستسقاء بالتوبة والاستغفار، وهو الذي {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} [نوح: 11] الآية، وفي سنن سعيد بن منصور بسند جيد عن الشعبي قال خرج عمر يوماً يستسقي فلم يزد على الاستغفار والدعاء، فقالوا: ما رأيناك استسقيت، فقال: طلبت الغيث

بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر، ثم قرأ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا} [هود: 3] الآية، واعلم أن الشافعي حكم بسنة الصلاة في الاستسقاء، لأنه لم يلاحظ القسمين الآخرين للاستسقاء، وأما أبو حنيفة فلاحظ القسمين الآخرين فحكم باستحباب الصلاة بعكس ما في الوتر وهذا من مدارك الاجتهاد، وأما القراءة في الاستسقاء فقال أبو حنيفة بالإسرار، وقال الشافعي وصاحبا أبي حنيفة بالجهر، وهو مذهب مالك وأحمد، وقال محمد بالخطبتين بعد الصلاة وتحويل الرداء وتحويل الرداء مذكور في مختصر القدوري والهداية. قوله: (كما كان يصلي في العيد إلخ) قال الشافعي بالتكبيرات في صلاة الاستسقاء مثل العيدين، وفي رواية عن محمد أيضاً التكبيرات في الاستسقاء رواه ابن كاس عن محمد في رد المحتار وابن كاس ثقة، وترجمته ليست بمشهورة، ولكنه يقع في سندنا إلى محمد لموطأه. قوله: (وحول رداء) ووافق مالك أبا حنيفة في عدم التكبيرات وتحويل الرداء حين البلوغ على لفظ ونقلب الرداء، والإمام عند الدعاء يستقبل القوم أو القبلة وأما القوم فليستقبل القبلة. قوله: (رفع يديه) نقل صاحب البحر وغيره. . . . . . إن في دعاء الرهبة يجعل ظهر كفيه إلى السماء ولم ينكر عليه صاحب البحر، وفي رواية عن مالك: أن الدعاء جاعلاً ظهر يديه إلى الوجه غير صحيح، وأما ما في مسلم ص (293) : أنه دعا جاعلاً ظهر كفيه إلى الوجه، فقال النووي ص (293) : قالت جماعة من أصحابنا وغيرهم: إن السنة في كل دعاء لرفع البلاء كالقحط أو غيره أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء، واحتجوا برواية مسلم إلخ، أقول: شرح الطيبي شارح المشكاة في حديث مسلم أن المراد منه الرفع البليغ بحيث صارت الكف إلى السماء، وعبره الراوي بهذا التعبير لا أن جعل ظهر كفيه إلى السماء، ووقع في بعض الروايات: أنه عليه الصلاة والسلام لم يرفع يديه إلا في الاستسقاء، وقيل: إن نفيه وارد على الرفع البليغ وهو كذلك في مراسيل أبي داود لا مطلق الرفع لما في الروايات: أنه عليه الصلاة والسلام رفع حتى يرى بياض إبطيه في الاستسقاء، والله أعلم.

قوله: (أحجار زيت) قيل: إنه استسقى خارج المدينة، وأما أحجار زيت ففي داخل المدينة فاللفظ معلول، وقيل: إن هذه غير واقعة الاستسقاء خارج المدينة، ويسمى هذا الموضع بأحجار زيت لأنها سود مثل إن طليت بالزيت.

باب ما جاء في صلاة الكسوف

باب ما جاء في صلاة الكسوف

[560] قال جماعة من اللغويين: إن الكسوف يتعلق بالشمس، والخسوف بالقمر، وقيل: لا فرق أصلاً. الجماعة في كسوف الشمس سنة عندنا، ويقيم الجماعة مقيم الجمعة، وإن كانوا في القرى صلوا وحداناً، وقال القاضي شمس الدين السروجي الحنفي في شرح الهداية: إن الصلاة في كسوف الشمس واجبة، ثم صلاة الكسوف عندنا كسائر الصلوات بركوع واحد في ركعة، وقال الشافعية والمالكية والحنابلة بركوعين في ركعة، وقال بعض أصحابهم بجواز ثلاث ركوعات وأربعها في ركعة واحدة، وأما الأحاديث فعلى ستة أوجه أحدها: بركوع واحد في ركعة واحدة، والثاني بركوعين والثالث بثلاث ركوعات، والرابع بأربع ركوعات، والخامس بخمس ركوعات، والسادس إن صلى ركعتين، ثم سأل هل انجلت الشمس؟ ثم صلى ركعتين وسأل وهكذا، وأحاديث الثاني في الصحيحين، والثالث والرابع في مسلم، والرابع في أبي داود، أيضاً والخامس في أبي داود ص (162) بسند لين، وفي تهذيب الآثار لابن جرير بسند قوي، والسادس في أبي داود والنسائي بسند قوي، وأما أحاديث الركوع الواحد فستأتي وتعرضوا لإسقاطها وكنا نثبتها بفضله تعالى، وهذا المذكور كله في فعله عليه الصلاة والسلام مرفوعاً، فالعجب أن كون الواقعة واحدة وتحته هذا الاختلاف بل قد يكون الاختلاف على راوٍ واحد فإن الترمذي قال: إن الركوعين رواه ابن عباس أيضاً، وفي أبي داود ومسلم أربع ركعات عن ابن عباس، وذهب البعض إلى القول بتعدد الواقعة منهم ابن جرير وابن خزيمة والنووي، وأما الحافظ فإلى وحدة الواقعة، أقول: كيف يقال بتعدد الواقعة؟ فإن في الصفات كلها خطبته عليه الصلاة والسلام لرد ما زعموا أن الكسوف عن وفات إبراهيم سليل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فدل على ذكر وفات إبراهيم في كل الصفات والكسوف في عهده عليه الصلاة والسلام واحد على ما في رسالة محمود شاه الفرنساوي، وأما الخسوف ففي بعض السير مثل سيرة ابن حبان أنه انخسف سنة 6هـ القمر فصلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يذكروا أنه عليه الصلاة والسلام كيف صلى، وصلى بالناس أو منفرداً، وأما رسالة محمود باشا الفرنساوي وهو من الحذاق في الرياضي فموضوعها بيان طريقة تحويل الحساب القمري إلى الشمس، وقال: إن الكسوف في عهده عليه الصلاة والسلام واحد وانكسف وقت ثمانية ساعات ونصف ساعة على حساب عرض المدينة في السنة التاسعة وبقيت الشمس منورها قدر ثمانية أصابع وكان وفات إبراهيم في ذلك اليوم فتحقق وحدة الواقعة، وليعلم أن العرب كانوا

عالمي الحساب الشمسي والقمري لآيات: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37] إلخ على ما فسر الزمخشري في الكشاف أن النسيء هو العمل بالكبيسة أي جعل العام القمري شمسياً، واعترض رجل من فُطّان حيدرآباد وقال: إن العرب كانوا غير عالمين بالحساب الشمسي، وفي عهد موسى عليه الصلاة والسلام كان الحساب شمسياً، وفي الحديث: أن موسى عليه الصلاة والسلام كان خلص من يد فرعون يوم العاشوراء، فكيف وضع العرب خلوص موسى عليه الصلاة والسلام يوم العاشوراء عاشر شهر المحرم؟ واعتراضه هذا غلط فإن العرب كانوا يعلمون الحسابين، في المعجم الطبراني بسند حسن عن زيد بن ثابت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل المدينة يوم عاشوراء اليهود وعاشوراءهم تكون عاشرة شهرهم المسمى بتشرين، وعاشوراء المسلمين منقولة من عاشوراء اليهود فدل على أن العرب كانوا عالمى الحسابين، وأما محمود شاه فلم يتوجه إلى خسوف القمر أنه وقع في عهده عليه الصلاة والسلام أم لا، وبالجملة الواقعة واحدة والصفات المروية عديدة والأسانيد قوية، وصنف ابن تيمية كتاباً مستقلاً في الكسوف وحاصله إعلال الروايات كلها إلا رواية ركوعين في ركعة وذكر وجوه الإعلال مفصلة، وقال: إن الشافعي وأحمد والبخاري والبيهقي أعل الأحاديث إلا حديث ركوعين في ركعة، أقول: لعلهم أعلوا وضيع البخاري أيضاً يدل على التعليل فإنه لم يخرج الأحاديث ركوعين وأقول: لعل الروايات كانت موقوفة لرفعها الرواة إلى صاحب الشريعة، ولعل مالك بن أنس أيضاً أعلها فإنه لم يخرج في موطأه إلا رواية الركوعين وأعل البيهقي رواية الثلاث والأربع في السنن الكبرى، وأما أدلتنا على وحدة الركوع فكثيرة منها ما روى ابن مسعود فعله أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ذكره في العمدة، ومنها ما روى محمود بن لبيد فعله أخرجه أحمد في مسنده، ومنها ما روى سمرة بن جندب أخرجه أبو داود ص (168) بسند قوي وغيره أيضاً أخرجه ومنها ما رواه قبيصة بن مخارق الهلالي أخرجه، أبو داود ص (168) ، ومنها ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه، أبو داود ص (126) والترمذي في شمائله، والطحاوي، وفي سند أبي داود عطاء بن السائب وهو اختلط في آخر عمره، وأخرج عنه البخاري مقروناً مع الغير أي مع أبي بشر في الكوثر، وعطاء تابعي، وأجيب بأن حماد بن سلمة وحماد بن زيد أخذ عنه قبل الاختلاط، والأكثر على أن حماد بن سلمة راوي ما في أبي داود وأخذ عنه قبل الاختلاط اختاره ابن معين والنسائي والطحاوي، وقيل: إنه أخذ بعد الاختلاط والتحقيق أن عطاءدخل بصرة مرتين، وأخذ عنه ابن سلمة في المرتين وأيضاً رواية أبي داود أخرجها ابن خزيمة أيضاً، فتكون صحيحة على شرطه ونقول أيضاً: إن الرواية أخرجها النسائي عن سفيان عن عطاء وأخذ سفيان عن عطاء قبل الاختلاط باتفاق المحدثين، ومنها رواية نعمان بن بشير رواها الطحاوي ص (195) وابن خزيمة والنسائي وأبو داود، وفي أبي داود: فجعل يصلي ركعتين ركعتين، ويسأل عنها حتى انجلت إلخ، فأعل البيهقي هذه الرواية بأن بين أبي

قلابة ونعمان واسطة غير مذكورة هاهنا، أقول: إن كانت الواسطة فبلال بن عامر وهو ثقة، فلا ريب في جودة الرواية، وتأول فيها الحافظ بأن المراد من الركعتين الركوعان، وسؤاله عليه الصلاة والسلام كان بالإشارة، أقول: إن التأويل غير نافذ لأن المسجد كان غاصاً وكان الناس مجتمعين، وفي الروايات أن البعض غشي عليه وألقي الماء على رأسه، فقول السؤال بالإشارة في مثل هذه الحالة بعيد، وأيضاً قد أخرج الحافظ عن مصنف عبد الرزاق مرسلاً عن أبي قلابة وصححه وفيه أنه عليه الصلاة والسلام كان يرسل رجلاً: هل انجلت؟ إلخ، وإذا صححه الحافظ فلا بد عن قبوله سيما إذا كان المرسل مقبولاً عند الجمهور، وأيضاً أخرجه أبو داود عن أبي قلابة من نعمان فصار متصلاً، ومنها ما رواه عبد الرحمن بن سمرة فصارت أدلتنا سبعة، وأجاب الشافعية عن أدلتنا بأن هؤلاء الرواة نافون واقتصروا الرواية، ولم يذكروا الركوع الثاني وغيرهم مثبتون والمثبت مقدم على الثاني، أجاب الطحاوي مناظرة أن رواتنا أزيد إثباتاً، فإنا نقول ونزيد مع كل ركوع سجدة، وتفصيل هذه المناظرة في الطحاوي، وأخرج العيني رواية الركوع الواحد عن علي عن مسند أحمد ورأيت في مسند أحمد ففيه عن علي ذكر أربع ركوعات، وفي سنده حنش بن ربيعة إلا أن نسخ عمدة القاري ومسند أحمد مملوءة من الأغلاط من الناسخين، ولكني رأيت في سائر الكتب ففيها أربع ركوعات عن علي، وأما جواب الأحاديث من جانب الأحناف فما ذكره المتأولون من التأويلات المعروفة، والجواب ما قال مولانا مد ظله العالي: بأنه عليه الصلاة والسلام ركع ركوعات بلا ريب، وأما قوله فهو للأحناف والقول مقدم على الفعل، وأما القول فرواه أبو داود عن قبيصة الهلالي، قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد فعله: «فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة. . إلخ» أي الفجر فيكون التشريع القولي للأحناف، وإن قيل من جانب الشافعية : إن تشبيه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الركعتين لا في الركوعات، فقال مولانا مد ظله العالي: إن هذا عين جعل البديهي نظرياً ولا يقبله أحد من العقلاء، وقال الظاهرية في شرح حديث قبيصة: إن مراده أنه إن انكسف الشمس بعد الصبح فصلوا ركعتين وإن كان بعد الظهر والعصر فصلوا أربع ركعات، لكنه تأويل محض، ويرده ما في رواية البغوي: «فصلوا كأخف صلاة صليتموها من المكتوبة» فإذا كان لنا قوله، والحديث صريحاً وصحيحاً بإقرار المحدثين فسَّر تعدد ركوعه عليه الصلاة والسلام في فعله غير واجب علينا ولو نبترع فنقول: إن الركوع الثاني كان ركوعاً عند الآيات وركوع التخشع والتخضع فالركوع الثاني ليس ركوعاً صلويّاً، وأما نظائر ركوع الخضوع والآيات فمنها ما في أبي داود والترمذي ص (229) ج (2) أن ابن عباس سجد عند موت ميمونة فسئل؟ فقال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بالسجدة عند الآيات، وأي آية عظمى من وفات زوجة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرفع السجدة عند الآيات إلى صاحب الشريعة ومنها ما في عامة كتب السير أنه عليه الصلاة والسلام دخل مكة حين أراد فتح مكة فخرجت بنات مكة يرين النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشوكة عسكره فسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الراحلة حتى واصل ذقنه الرحل، وكانت في سجدته ألفاظ التضرع والابتهال، ومنها أنه مر بديار ثمود فلما مر على

بير كانت ناقة صالح تشرب منها أمر أصحابه بالخروج من هذا الوادي مسرعين، ولا يأخذ أحد ماءاً من هذا البير، وأسرع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحنى رأسه مقنعاً، فانحناء رأسه كان ركوعاً عند الآية، ومنها ما في أثرٍ سندُه متوسط أن أبا بكر رأى نغاشاً، فركع عند رؤيته، فركوعه كان ركوع تضرع وخضوع، فإذن نقول: - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى الجنة والنار متمثلين في جدار القبلة كما في الصحيحين، فهذه آية من آيات الله كما تدل عليه خطبته، فيكون الركوع الثاني ركوع آية وتضرع، وإن قيل: إن المذكور في ما نحن فيه ركوع وفي الحديث الدال على السجود عند الآية هو سجود قلت: إن الركوع والسجود لا تخالف بينهما وقد قال أبو حنيفة بجواز الركوع بدل سجود التلاوة في داخل الصلاة وخارجها، وفي مصنف ابن أبي شيبة قالت جماعة من التابعين بجواز أداء سجدة التلاوة في ضمن الركوع، وفي مصنف ابن أبي شيبة أن أبا عبد الرحمن السلمي كان إذا قرأ آية سجدة يسلم إلخ، فمراده الركوع والانحناء كما قال أبو حنيفة فهذا ما ذكر كان تحت المذهب، وأما الجمع بين الأحاديث فعندي احتمال في جمعها لكن هذا احتمال محض لا يساعده النقل ولا أزعم أنه مراد الراوي، وأما الاحتمال من حيث العربية فلا يعد فيه أصلاً، وهو جعل صلاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمان ركعات بثمان ركوعات وسجودات ولكن هذا ظرافة محضة، والحق أن الروايات التي أعلها الأئمة معلولة، وأما الجمع بين الروايات الدالة على وحدة الركوع وتثنية الركوع في فعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم أجده بما يساعده النقل والرواية، وأما الاحتمالات العقلية فليست بمتعذرة على اللبيب الأريب. قوله: (حديث حسن صحيح) أقول: إن حديث الباب معلول بتاً، فإنه أخرجه مسلم ص (299) وأبو داود ص (125) سنداً ومتناً، وفيها أربع ركوعات، وهاهنا ثلاثة ركوعات، وذلك أيضاً معلول على ما مر سابقاً، وفي مسلم ص (299) بعد ذكر حديث ابن عباس، وعن علي مثل ذلك الخ، ولم أحصل ما قال مسلم، فإنه ذكر عن علي مثل ما عن ابن عباس مرفوع أم موقوف، وأما ما وجدت في الخارج ففي تهذيب الآثار للطبري أن عليّاً صلى الكسوف بكوفة وركع في الأولى خمس ركوعات في الركعة الأولى والثانية ثم قال بعده: لم يصل مثل ما صليت أحد بعده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله أعلم، وأما أثر ابن عباس ففي معاني الآثار أنه ركع في الأولى ثلاث ركوعات وفي الثانية ركوعاً واحداً، وأما المرفوعات عن ابن عباس مختلفة فإن الترمذي روى عنه ركوعين في ركعة وفي أبي داود ومسلم أربع ركوعات، فاختلف الرواة على راوٍ واحدٍ عن فعله.

قوله: (في كسوف الشمس والقمر إلخ) قال أبو حنيفة ومالك لا جماعة في كسوف القمر وقال الشافعي: إن في خسوف القمر أيضاً جماعة، وتمسك بالعموم، ولم يذكر أحد من المحدثين خسوف القمر في عهده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا في سيرة ابن حبان، والله أعلم.

باب ما جاء في صفة القراءة الكسوف

باب ما جاء في صفة القراءة الكسوف

[562] قال أحمد وصاحبا أبي حنيفة: يجهر بالقراءة، وقال الشافعي وأبو حنيفة: بالإسرار في القراءة، وللقائلين بالجهر رواية عائشة، وللقائلين بالإسرار رواية سمرة، والجواب عن رواية عائشة أن سمرة كان في صف الرجال ولم يسمع، فكيف سمعت عائشة؟ وأجيب بأن عائشة كانت في الحجرة كما قال الحافظ في الفتح وما أتى برواية نعم هو موجود في الخارج، قال مالك: كانوا يقتدون بمن في المسجد من الحجرات، والجواب أن عائشة لم تبين القراءة، بل قالت: إنه قرأ نحواً من البقرة فلعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جهر كجهره بالقراءة في الظهر والعصر كما في الروايات: (وكان يسمعنا الآية أحياناً) ، وسمعت لفظه أف أف ورب وأنا فيهم إلخ، كما في سنن أبي داود ويقال أيضاً: إن في المعجم للطبراني عن ابن عباس قال: كنت في جنب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم أسمع قراءته. قوله: (حديث حسن صحيح إلخ) حسَّن الترمذي حديث عائشة وفيه سفيان بن حسين وهو ضعيف في حق الزهري، فالله أعلم.

باب ما جاء في صلاة الخوف

باب ما جاء في صلاة الخوف

[564] نسب إلى أبي يوسف أن صلاة الخوف كانت مقصورة على عهده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أقول: لعل مراده أن صلاة الخوف بجماعة واحدة مقصورة على عهده، ويجوز تعدد الأئمة والجماعات بعده والله أعلم. وأما الصفات الثابتة في الأحاديث فقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: إن الصفات تبلغ أربعة وعشرين، وقال ابن حزم: إنها أربعة عشر وابن حزم ثبت، وقال ابن قيم في الزاد: إن الصفات ستة وأرجع الباقية إلى الستة، وأتى أبو داود بصفات عديدة يمكن حمل بعضها على بعض لا البعض الآخر، وقال أحمد: كل صفة ثابتة بحديث صحيح فاخترنا منه وجوزنا باقيتها كما قال علي القاري، وفي مراقي الفلاح وكذلك في المستصفى شرح الفقه النافع وكذلك في تجريد القدوري تصريح الجواز وكذلك في عبارة للكرخي فلا يجمد على ظاهر ما في فتح القدير فإنه يدل على عدم الجواز، ثم في الصفة المختارة لنا قولان؛ قول أرباب المتون وقالوا: تفرغ الطائفة الأولى قبل الثانية وفي موضع الإمام ويكون الترتيب وحٍ يكثر الإياب والذهاب؛ وقول لأرباب الشروح: يفوت فيه الترتيب ويقل الإياب والذهاب، وأكثر الأحاديث المرفوعة يؤيد ما في الشروح، وأما قول أرباب المتون فنادر في الأحاديث، ويطلب تفصيل الصفة المختارة لأهل المتن والشرح في كتب الفقه، وأما الشافعية فاختاروا صفة وجوَّزوا سائرها، والصفة المختارة لهم وهي أن يصلي الإمام نصف صلاة بطائفة فإذا فرغ من نصف صلاة بهم فتتم هذه الطائفة صلاتهم ويقوم الإمام ويقرأ وينتظر الطائفة الثانية، فإذا جاءت الثانية فيصلي بهم النصف الباقي فإذا صلى سلم بنفسه، وتتم الطائفة الثانية صلاتهم وفي صنعتهم تقليل الحركة وترك الترتيب، فإن الطائفة الأولى سلمت قبل الإمام، وصفة الشافعية وصفة المالكية واحدة إلا أن المالكية يقولون أن ينتظر الإمام جالساً الطائفة الثانية فإذا أتموا صلاتهم سلم بهم الإمام، وقال الشافعية: يسلم الإمام بنفسه، ثم اختلفوا في الآية، فقال الشافعية: إن الآية موافقة لنا وأطنب مفسروهم، وقال الأحناف: إن الآية موافقة لنا، وأطنب الشيخ السيد محمود الآلوسي، وأوَّلَ أن الآية

تحتمل الصفتين وليست بنص في أحدهما فإن لفظ الآية: {فَإِذَا سَجَدُوا} [النساء: 102] إلخ تبادره لنا فإنه ما قال الله تعالى فإذا صلوا ليكون تبادره للشافعية، وأما لفظ: «لم يصلوا فليصلوا معك» إلخ تبادره للشافعية فإن ظاهره أتموا صلاتهم. مسألة: تجوز صلاة الخوف عندنا بمحض حور العدو، وقال الشافعية: يشترط تحقق الخوف حقيقة. قوله: (فقام هؤلاء إلخ) إن كان المراد من هؤلاء الأول الطائفة الأولى فيكون المذكور في الحديث صفة المتون، وإن كان المراد منه الطائفة الثانية فتكون المذكور في الحديث صفة الشروح وأقول: التبادر في الحديث صفة الشروح، ووجه التبادر أن غرض الراوي بيان أنهم لما ركعوا ركعة ركعة مع الإمام فصلوا كيف ما شاء الطائفة الثانية وكيف ما شاء الطائفة الأولى بلا رعاية الإمام، وأيضاً وجه التبادر أن القريب ذكر الطائفة الثانية فتكون الإشارة بهؤلاء الأول إلى الأقرب، وأما صفة المتون فمذكورة في كتاب الآثار لمحمد بن حسن موقوفاً على ابن عباس وقريب منها ما في سنن أبي داود ص (184) فعل عبد الرحمن بن سمرة، واعلم أن المشي في صلاة الخوف جائز عندنا ولا تجوز الصلاة ماشياً، وقال الشافعية تجوز الصلاة ماشياً. قوله: (عن سالم عن أبيه) حديث ابن عمر دليل أبي حنيفة وهذا أصح ما في الباب والبخاري أخرجه تحت الآية وفي أول الباب. قوله: (ذهب مالك بن أنس الخ) بين قول مالك والشافعي فرق يسير ذكرت أولاً. قوله: (وما أعلم في هذا الباب إلا حديثاً صحيحاً إلخ) مراده أن كل صفة ثابتة بحديث صحيح لا أنه لم يصح في هذا الباب إلا حديث واحد، فإن هذا المراد يرده قول الترمذي: وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم قال: ثبتت إلخ.

قوله: (سهل بن أبي حثمة إلخ) هذا الحديث دليل الشافعية والحديث عندي مضطرب وما توجه إلى دفعه أحد من المحدثين وصورة الاضطرب إن في حديث سهل صفةً في مغازي البخاري والترمذي وابن ماجه مغائرة لما في مسلم وأبي داود والنسائي والطحاوى، والحديث واحد سنداً ومتناً ومرفوع وليس تعارض العام والخاص ليعلموا بحمل العام على الخاص.

قوله: (ركعتان ولهم ركعة ركعة إلخ) مذهب إسحاق بن راهويه وبعض السلف منهم ابن عباس إن المقتدي يصلي نصف صلاة في الخوف، وإن كان الخوف والسفر فيصلي ركعة واحدة لا قبلها شيء ولا بعدها شيء وليس هذا مذهب أحد من الفقهاء الأربعة، وقال أتباع الأربعة في حديث الباب: إن المراد أنهم صلوا ركعة مع الإمام وركعة منفردين ولي شرح آخر في هذا الحديث وهو أن المذكور هاهنا هو صفة صلاة الخوف عند الشافعية أي صلوا ركعتين في ركعة واحدة للإمام فعبر الراوي بركعة واحدة لهم لأن الركعتين لهم كانتا تحت ركعة واحدة له عليه الصلاة والسلام وفي ضمنها، ومثل هذه الرواية رواية في النسائي ص (338) عن ابن عباس فإنه ساق الحديث إلى أن قال: وصلى بهم ركعةً ولم يقضوا إلخ، وزعم العلماء من عدم القضاء عدم الركعة الثانية وعجز الحافظ عما في النسائي، وعندي أنها صفة الشافعية كما قلت، ومثل هذه رواية في البخاري والطحاوي أنه عليه الصلاة والسلام صلى أربع ركعات والصحابة ركعتين ركعتين، ومرادها عندي ما قلت، أي بقي في حكم الصلاة في طول مدة أربع ركعات من المقتدين، وقال الشافعية: إن فيها: صلى بهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتين، فيكون فيها تمسك على جواز أداء المفترض خلف المتنفل وعجز الحنفية عن جوابها إلا الطحاوي، وجوابها عندي: أن فيها صفة الشافعية ووقع تعبير الراوي موهماً، هذا والله أعلم.

باب ما جاء في سجود القرآن

باب ما جاء في سجود القرآن

[568] اختلف العلماء في سجود القرآن من أوجه، منها إن أبا حنيفة قائل بوجوب سجدة التلاوة، والشافعي يقول بسنتها، والصحابة أيضاً مختلفون في الوجوب والسنية، وتمسك بحديث زيد بن ثابت مرفوعاً وبفعل عمر بن الخطاب حين قال: إنها لم تكتب علينا، وسيجيء الكلام فيه، وما أجاب الأحناف شافياً عن فعل عمر بن الخطاب، وأما أدلتنا على الوجوب فمنها أن أكثر السجود في القرآن بصيغ الأمر، وحمل توارد الصيغ بالأمر على الاستحباب بعيد، وإن قلت: إن الأمر مشترك بين الوجوب والاستحباب على ما قال أبو منصور الماتريدي فلا يمكن الحمل على الاستحباب إلا بدليل ظاهر كما في {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10] ، وقال ابن قيم في كتاب الصلاة: إن دليل الأحناف هذا قوي، ولنا دليل آخر أخرجه مسلم في صحيحه: «أن الشيطان يبكي ويقول: سجد ابن آدم فدخل

الجنة وما سجدت فدخلت النار» إلخ، فجعل مدار الجنة والنار السجدة، وقال النووي: إنه لا يمكن الاحتجاج به لأنه قول الشيطان، ونقول: إنه نقله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما أنكره، فكيف لا يكون حجة؟ وقال الطحاوي وابن ههام: إن سجدات التلاوة على ثلاثة أنواع بعضها مشتمل على ذكر إطاعة المطيعين وبعضها على ذكر تمرد المتمردين وبعضها بصيغة الأمر، فإذا كان هذا فيكون الأمر للتحتم واختلاف آخر في السجود، قال مالك: إن السجود، إحدى عشر سجدة ولا سجدة في المفصل، وقال أحمد: خمس عشر سجدة وقال الشافعي وأبو حنيفة: إن السجدات أربع عشر إلا أنه قال الشافعي: في سورة الحج سجدتين ولا سجدة في ص، نعم لو تليت في خارج الصلاة يسجد، وقال أبو حنيفة: إن في الحج سجدة واحدة وفي ص أيضاً سجدة. مسألة: ولو تلي آية السجدة في الصلاة فنوى أداءها في الركوع تجزئ بشرط أن يركع للصلاة بلا فصل قراءة ثلاث آيات، المختار عندنا عدم اشتراط نية القوم. واعلم أن ما يكون من توزيع السجدات عندنا إلى الفرض والواجب والسنة في هوامش بعض القرآن غلط.

باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد

باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد

[570] ذكرت أولاً أصل مذهب الأحناف، وأما أرباب الفتوى فأفتوا بعدم خروج النسوان إلى المساجد. قوله: (أيذنوا إلخ) هذا لا يدل على ترغيب النساء إلى خروجهن إلى المساجد بل في خارج

حديث الباب ترغيب النسوان إلى أن تصلي في البيت والمخدع، وأماما في حديث الباب فمراده أن الرجال ليس لهم حق منعهن، وإذا كان الأمر دائراً بين الجماعة يراعى الشريعة كلا الجانبين، مثل ما قلت في حديث: «لا يؤم أحد في بيته» إلخ، ولا يخرج من الأحاديث، وفي مذاهب الأئمة الأربعة توسيع، لا كما زعمه بعض مدعى العمل بالحديث، وفي سائر المذاهب تضييق مما في أصل مذهبنا. قوله: (وتقول: لا تؤذن) قيل: إن ولد ابن عمر هذا واقد، وقيل: بلال، وفي الروايات أن ابن عمر ما تكلم بعد مدة العمر، وأما ولد ابن عمر فلم يقابل الحديث برأيه وقولِه، بل كان غرضه صحيحاً، وعبره بعبارة لا تنبغي، فأخذ على لفظه كما هو مذكور في تكملة البحر للطورى: أن أبا يوسف مدح الدُّباء، وروى فيه عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال رجل: ليست بمرضية عندي، فأمر أبو يوسف بقتله فتاب الرجل، ولم تكن ثمة إلا الفرق في التعبير لا في الغرض. قوله: (دغلا الدغل) هو الاصطياد مختفياً خلف الشجرة.

باب ما جاء في كراهية البزاق في المسجد

باب ما جاء في كراهية البزاق في المسجد

[571] واعلم أن في مناط النهي عن البزاق تسعة شقوق مستنبط من الأحاديث، والراجح عنها عندي أنه احترام المواجهة الحاصلة بين الله والمصلي وسائر الشقوق راجعة إلى هذا. قوله: (ولكن خلفك) زيادة خلفك ليست في غير رواية الترمذي. قوله: (تلقاء شمالك) في بعض الروايات قيد «إذا لم يكن رجل في شمالك» كيلا يقع في يمين ذلك الرجل، وإذا جمعت الطرق فلا يخرج الوسعة في البزاق في المسجد ولا في الصلاة، واتفق الكل أن حكم حديث الباب في من اضطر، ثم في الحديث خلاف بين القاضي عياض والنووي، قال النووي: إن البزاق في المسجد خطيئة، وقال: إن صدر الحديث في من يصلي في المسجد، وعَجُزَه فيمن يصلي في خارجه، وتمسَّك بحديث: «البزاقُ في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها» ، وقال القاضي

عياض: إن صدر الحديث وعَجُزَه في من يصلي داخل المسجد إلا أن البزاق في حالة الاضطرار جائز في المسجد إلا أن الخطيئة في من يبزق ولا يريد دفنها ولا خطيئة فيمن يريد دفنه، وذهب الحافظ ابن حجر إلى قول القاضي، وأما أنا فأتوقف في هذا.

باب ما جاء في السجدة في {إذا السماء انشقت} و {اقرأ باسم ربك الذي خلق}

باب ما جاء في السجدة في {إذا السّماء انشقّت} و {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق}

[573] غرض الانعقاد من هذا الباب الرد على مالك بن أنس فإنه قال لا سجدة في المفصل، وأجاب الموالك عن حديث الباب بأن السجدة في المفصل كانت في مكة، وإذا هاجر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة نسخت السجدة، ونطلب منهم الدليل على هذا.

باب ما جاء في السجدة في النجم

باب ما جاء في السجدة في النجم

[575] واقعة الباب واقعة مكة، وأرسل ابن عباس الحديث لأنه لم يكن حاضراً في الواقعة، بل لم يكن متولداً على ما اختير أنه كان ابن ثنتي عشر سنة حين وفات النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله: (المشركون إلخ) قال البعض: إن وجه سجدة المشركين أن الشيطان أدخل كلامه في كلامه عليه الصلاة والسلام، وأجرى لفظه على لسانه عليه الصلاة والسلام، واللفظ هذا: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لتُرتجى، بعد ذكر اللات والعزى، وقيل: ما تكلم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا اللفظ بل تكلم به الشيطان على لهجة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى صورة صوته، وقيل وهو التحقيق: إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تكلم بهذا اللفظ بطوعه، وأنه آية من القرآن العزيز نسخ تلاوتها، وأما المشار إليه بتلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى الملائكة، وهذا القول نعم الصواب فإن التشبيه بالغرانيق إنما يليق للملائكة لأنهن ذوات أجنحة ولا يليق تشبيه اللات والعزى بالغرانيق، وأما سجود المشركين على هذا إنما لزعمهم أن الإشارة إلى اللات والعزى، أو يكون تحقق السجدة منهم بالجذبة، كما قال الشاه ولي الله رحمه الله، وأتى العيني والحافظ بروايتين صحيحتين مرفوعتين على القول الثالث الصحيح، وقال الحذاق: إن القول الأول من اختراع الزنادقة فإنه يرتفع على ذلك عصمة الأنبياء، وأما إلقاء الأمنية فليس بمنحصر على هذا، ولعل معنى الإلقاء على لسانه أنه كان تكلم موهماً أنه من كلامه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم رواه بعضهم على فهمه في المعنى، وأما القول الثاني فذلك أيضاً بعيد وباطل، أقول على تصويب القول الثالث المؤيد بالروايتين كان أهل مكة مطيعين له عليه الصلاة والسلام وكان صناديد المشركين في الطائف، ثم لما رجعوا إلى مكة انحرف أهل مكة وارتدوا عن دينه عليه الصلاة والسلام، وقد أفشى خبر انقياد أهل مكة له عليه الصلاة والسلام إلى الأصحاب الذين هاجروا إلى الحبشة، ويؤيد هذا ما في تاريخ

ابن معين ومعاني الآثار ص (196) ، ولكن في سنده ابن لهيعة، إلا أنه إذا روى عنه العبادلة تكون فيها شيء قوة، وأيضاً رواها ابن لهيعة من كتاب المغازي لمحمد بن عبد الرحمن، وإذا روى عن كتاب تكون روايته معتبرة لأن الكلام فيما إذا روى عن حفظه فتكون الرواية قوية شيء بقوة. قوله: (والجن إلخ) ذكر العيني اسم بعض الساجدين من الجن، وكان الجن، من نصيبين ونينوى، وذكر أرباب الكتب أسماءهم في الصحابيين، وأما كلام إن المشركين كانوا على وضوء أولا فليس هذا محله يطلب من موضعه.

باب ما جاء في من لم يسجد فيه

باب ما جاء في من لم يسجد فيه

[576] أي في النجم، تمسك الحجازيون بحديث الباب على سنية السجدة فإنها لو كانت واجبة لما تركها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأجاب الأحناف بأنا لا نقول بوجوب الأداء، في الفور كما في ظاهر الرواية، لنا وفي التاتارخانية في رواية شاذة عن أبي حنيفة وجوب أداء السجدة بلا تراخ، وأقول: إن ظاهر الرواية فيمن لا يخاف فوات السجدة، والشاذة في من يخاف فوات الأداء. قوله: (وتأول بعض أهل العلم إلخ) لا نتأول بهذا بل بما ذكرنا من الجواب، وأما هذا فيمكن

في محل النكتة بما في فتح القدير: أنه إذا تلا أحدٌ آيةَ السجدة، وسمعها جماعة يستحب لهم أن يجعلوا صورة الإمامة والاقتداء ويتوسط الإمام، وليست هذه إمامة واقتداء حقيقة حتى لو ظهر فساد وضوء الإمام لا يسري إلى سجدات المقتدين، فهذه نكتة تأخيره عليه الصلاة والسلام أداء السجدة. قوله: (واحتجوا بحديث عمر إلخ) ليس هذا مرفوعاً بل أثر عمر، وهذا تمسُّك الحجازيين، وأما الجواب من جانب الأحناف بأنه موقوف ومذهب عمر فلا يفيد فإنه بمحضر جماعة من الصحابة، فيمكن للشافعية قول: إنه قريب إجماع جمهور الصحابة فما أجاب أحد جواباً شافياً، وقال العيني بحذف المستثنى المتصل، لأنه أصل فيكون المعنى: أنها لم تكتب علينا إلا أن نشاء مكتوبيتها، وقال أيضاً: إن المشيئة يتعلق بالتلاوة لا بالسجدة، وقال الحافظ: إنها تتعلق بالسجدة، أقول تأويل العيني فيه أنا إذا قلنا أن المستثنى منه الوجوب، والمستثنى هو التطوع يكون الاستثناء أيضاً متصلاً، وليس حد المتصل والمنفصل ما هو مشهور على الألسنة بل تفصيله مذكور في قطر الندى وشرح الشيخ السيد محمود الآلوسي على المقدمة الأندلسية، وذكر بعضه في روح المعاني في وجوه المثاني تحت آية {إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92] إلخ آية الكفارة فإنه قال: إن الاستثناء متصل خلاف ما قالوا، وأيضاً يخالف قولَ العيني لفظُ الباب: (فلم يسجد ولم يسجدوا) إلخ، فإنه تحقق التلاوة في واقعة الباب، وأما قول: إنه تأخير السجدة لأن الأداء لا يجب في الفور فبعيد لأنه لا عذر ونكتة لترك السجدة الآن بخلاف ما مر من واقعة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم أر جواباً شافياً، وللحافظين كلام في شرحي البخاري، وأجيب بما تيسر لي بأن مراد عمر أن السجدة بخصوصها لم تكتب بل يكفي الانحناء والركوع أيضاً، ويجوز عندنا أداء سجدة التلاوة بالركوع قائماً وقاعداً والقيام مستحب والركوع أعم من أن يكون داخل الصلاة أو خارجها، ورواية أدائها في الخارج في ضمن الركوع موجودة في فتاوى الظهيرية عن أبي حنيفة نقلها في الدر المختار، وفي التفسير الكبير أن أبا حنيفة تمسك بآية

سجدة ص المذكور فيها لفظ الركوع على إجزاء الركوع بدل سجدة التلاوة، وتخصيصه بداخل الصلاة غير لازم وفي مصنف ابن أبي شيبة آثار من بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا يكتفون بالتسليم إذا تلو آية السجدة، والمراد من التسليم هو الانحناء لا السلام عليكم، وفي مصنف ابن أبي شيبة أن أبا عبد الرحمن السلمي التابعي تلميذ عمر بن خطاب كان من القراء ويتلوا القرآن وهو ماش فإذا تلا آية السجدة كان ينحني ثمة وهو ماش، ويؤيدنا ما ذكره الحافظ في الفتح أن وجه الاختلاف في ص في السلف أن المذكور فيها لفظ الركوع فدل على أن بعض السلف رأو الركوع في حكم السجدة، وأجريت هذا المذكور في الخلاف بين الشافعية والحنفية فلم أر أثراً من الآثار يدل على أن أحداً تلا آية السجدة ولم يسجد، ولم ينقد ولم يخفض رأسه ولم ينحن، فالحاصل أن مراد عمر أن السجدة بخصوصها غير مكتوبة علينا. واعلم أن الحنفية اختلفوا في شرط وجوب السجدة على السامع قصده الاستماع وعدمه، والمختار أن القصد ليس بشرط وأيضاً كان وقع من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل هذا كما عند أبي داود في ص ولم يكن التزم السجدة فيها بعد ثم التزمها كما عند الحاكم وغيره. اطلاع ذكر الشيخ عبد الحق في الحاشية ويوافقه ما ذكره العيني من أنه روي عن مالك أنه قال: إن ذلك مما لم يتبع عليه عمر ولا عمل به أحد بعده انتهى. قوله: (أنه ليس بذاك) بأن في موطأ مالك ص (23) قال مالك: ليس العمل على أن ينزل الإمام إذا قرأ السجدة على المنبر فيسجد إلخ، وهذا خلاف ما قال الشيخ عبد الحق ناقلاً عن مالك، فإن مراد مالك نفي وجوب الأداء على المنبر على شاكلة الجماعة.

باب ما جاء في السجدة في ص

باب ما جاء في السجدة في ص

[577] قوله: (حدثنا ابن أبي عمر إلخ) في بعض النسخ ابن عمر وهذا غلط، والصحيح ابن أبي عمر. قوله: (وليست من عزائم السجود إلخ) تمسك الشافعية بهذا الحديث على نفي السجدة في - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومر الزيلعي على هذا وجمع الطرق كلها، وقال: ظني أن هذه الروايات بطرقها كونها لنا أولى من كونها علينا، أقول: كلام الزيلعي نعم الحق كما تدل الطرق منها ما في البخاري ص (209) في كتاب التفسير عن ابن عباس، ومنها ما في البخاري ص (486) ج (3) : ليست من عزائم السجود، ورأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد فيها إلخ، فرجحان ابن عباس إلى السجدة في - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فغرض ابن عباس من

قوله: ليست من عزائم السجود، وبيان حقيقة سجدة - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي أنها سجدة شكر لنا، وسجدة توبة لداود، كما في سنن النسائي مرفوعاً، وأخرج الطحاوي أيضاً رواية ابن عباس فليراجع إليها فإنها مفيدة لنا، ويمكن أن يقال: إن غرضه أنها ليست من عزائم السجود بل يكفي الركوع. قوله: (والشافعي إلخ) لا يقول الشافعي في - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسجدة في داخل الصلاة، بل يقول باستحبابها في خارج الصلاة، فلا أعلم وجه قول الترمذي هذا.

باب في السجدة في الحج

باب في السجدة في الحج

[578] تمسك الشافعية بحديث الباب، ونقول: إن في سنده ابن لهيعة، وأما ما في أبي داود ص (206) ففيه قوة شيء ما في الباب، فإن فيه: روى عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة وتكون رواية العبادلة عن ابن لهيعة أعدل لكنها لا تبلغ مرتبة الحسن لذاته، وفي أبو داود ص (206) بسند آخر ولكن فيه عبد الله بن منين وهو مستور الحال، فالحاصل أن أحداً من طرق حديث الباب لا يخلو من ضعف أو لين، ولنا ولهم آثار لا مرفوع لأحد، ولهم أثر عمر، ولنا أثر ابن عباس، ولو سلمنا أن في الحديث قوة شيء فنقول: إن سجدة الثانية سجدة صلاتية لا تلاوية، فإن المذكور معها ركوع، واستقراء العلماء أن السجدة المذكور بها الركوع سجدة صلاة. قوله: (وابن عمر أنها إلخ) روى الطحاوي عن ابن عمر أن في الحج سجدة واحدة وأقول ذكر شمس الدين بن الجزري شيخ القراء في رسالته «النشر في قراءة العشر» : أن جزئية التسمية للسورة وعدم جزئيتها بني على القراءتين، فإنها جزء على قراءة، وليست بجزء على قراءة وكذا الوقف على «أنعمت عليهم» وعدم الوقف مبني على اختلاف القراءتين، وهذا ذكره البقاعي عن الحافظ ذكر الزرقاني، ولقد رضي بهذا السيوطي والقسطلاني وغيرهما، وأقول: إن الاختلاف في السجدة في

الحج لعله مبني على اختلاف القراءات والأحرف، وشبيه هذا ما ذكر بعض الأحناف مثل رد المحتار أن موضع السجدة في {أَلَّا يَسْجُدُوا} [النمل: 25] يختلف على الاختلاف في تشديد ألا وتخفيفها، فلو قرأت مشددة يكون موضع السجدة غير ما يكون على قراءة تخفيفها، روي عن أبي حنيفة أن سجدة الشكر فقط ليست بشيء، ففي تفسير قوله قولان؛ قيل: نفي السجدة من الرأس، وقيل: نفي كمال الشكر، وهذا القول نسبه الحموي في حاشية الأشباه والنظائر إلى محمد بن حسن، وروى أن مالكاً يقول: لا سجدة للشكر.

باب ما جاء ما يقول في سجود القرآن

باب ما جاء ما يقول في سجود القرآن

[579] عندنا لو سجد في الصلاة يسبح تسبيحات الصلاة ولو سجد خارجها يقرأ ما هو مأثور. قوله: (من عبدك داود إلخ) في الحديث سجدة داود بلفظ السجدة، وفي القرآن بلفظ الركوع. قوله: (سجد وجهي للذي الخ) هذا مستدلنا على أن حقيقة السجدة وضع الجبهة بشرط وضع إحدى الرجلين، فإنه عليه الصلاة والسلام نسب السجدة إلى الوجه فإن حقيقة السجدة يتقوم بالوجه.

باب ما جاء من التشديد في الذي يرفع رأسه قبل الإمام

باب ما جاء من التشديد في الذي يرفع رأسه قبل الإمام

[582] هذا مكروه تحريماً عندنا وفي أقوال باقي الأئمة أيضاً ضيق. قوله: (إنما قال: أما يخشى إلخ) غرضه أن قوله عليه الصلاة والسلام هذا إنما هو تهديد وتخويف لا إخبار لأن خبر الشارع لا بد من وقوعه، وأقول: لعله يكون التحويل في القيامة حقيقة، فإن في القيامة تكون المعاني مصورة.

باب في الذي يصلى الفريضة ثم يؤم الناس بعد ما صلى

باب في الذي يصلى الفريضة ثم يؤم الناس بعد ما صلى

[583] هذه مسألة اقتداء المفترض خلف المتنفل. وذلك جائز عند الشافعي، وغير جائز عند أبي حنيفة

ومالك، وعند أحمد روايتان ورجح أبو البركات مجد الدين بن تيمية في المنتفي ص (51) رواية عدم الجواز، وفي تمهيد أبي عمر أن عدم الجواز مذهب جمهور العلماء والفقهاء. قوله: (يصلي المغرب إلخ) قال البيهقي في معرفة السنن والآثار: إن لفظ المغرب معلول لتصريح العشاء في سائر الروايات، وعبارة البيهقي تشير إلى الاتفاق على الإعلال، وتأول البعض في لفظ المغرب. تمسك الشافعية بحديث الباب على جواز الاقتداء المذكور، وقالوا: إن معاذاً كان يصلي الفريضة خلفه عليه الصلاة والسلام ويتطوع أي يعيد في بني سلمة وكانت تقع نافلة، وأجاب الطحاوي عن هذا بثلاثة أوجه؛ أحدها: أنا لا نسلم أن معاذاً كان يصلي الفريضة خلفه عليه الصلاة والسلام والإعادة في بني سلمة فإنا نقول بعكسه أي كان يصلي خلفه عليه الصلاة والسلام صلاة العشاء أي صلاته عليه الصلاة والسلام ولكنه ما كان يريد به إسقاط ما في الذمة والفريضة، بل كان يريد إسقاط ما في الذمة في بني سلمة في صورة من يريد أداء صلاة الإمام خلفه، وما أراد فيها إسقاط الفريضة تكون صلاته نافلة في المآل، وأنا عبرت بهذا التعبير كيلا يخالفنا لفظ الراوي، وأما المشهور على الألسنة من قول: إن معاذاً كان يتطوع خلفه عليه الصلاة والسلام من أول الأمر فيخالفه لفظ الراوي ولا يقبله عاقل، ولهذا عدلت من التعبير المشهور إلى تعبير الطحاوي، ولله در القائل: والحق قد يعتريه سوء تعبير. فالحاصل أنا قلنا بعكس ما قالوا، وأيضاً نقول: إن الناقل هو جابر بن عبد الله، ولم يطلع على ما نوى معاذ، وما أفصح معاذ بنيته. والوجه الثاني: أن تمسككم إنما يصح لو كان فعل معاذ بلغ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقرره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونقول: إنه عليه الصلاة والسلام لما بلغه فعل معاذٍ أنكره كما في معاني الآثار ص (238) أن سليماً شكا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تطويل قراءة معاذ، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفتان أنت يا معاذ إما أن تصلي معي وأما أن تخفف على قومك» إلخ، ورجال الحديث ثقات، أخرجه أحمد في مسنده مرسلاً بسند قوي سنداً ومتناً، ومر الحافظ على هذا الحديث وأجاب عنه بتقدير العبارة بأن المراد إما أن تصلي معي فقط وإما أن تخفف على قومك إلخ، ونقول: إن التقدير خلاف الأصل، وأقول: إن قوله عليه الصلاة والسلام: «إما أن تصلي معي» يدل على أن معاذاً لم يكن يصلي خلفه عليه الصلاة والسلام الصلاة المعهودة أي بالنية بإسقاط ما في الذمة، ثم رأيت في عبارة أبي البركات مجد الدين بن تيمية قريب ما قلت هذا. والوجه الثالث للجواب: أن فعل معاذ هذا إنما هو قبل نسخ تكرار الصلاة في وقت واحد، وليعلم أن نسخ التكرار يستثنى منه ثلاث صور لأحاديث أخر: إحداها: من صلى منفرداً ثم وجد الجماعة فأراد إحراز ثواب الجماعة لنفسه.

وثانيتها: أن يصلي بالجماعة ليحصل ثواب الجماعة للغير بعد أن صلى بنفسه بالجماعة مثل فعل علي وأبي بكر. وثالثها: أنه صلى منفرداً في عهد أئمة الجَور ثم ابتلي واضطر إلى إعادة ما صلى. ثم مر ابن دقيق العيد في عمدة الأحكام على أجوبة الطحاوي ولما مر على الجواب الثالث قال: لم يذكر الطحاوي أن تكرار الصلاة كان جائزاً في حينٍ ما فإنه لم يأت بالسند، ولما مر الحافظ على كلام ابن دقيق العيد قال: إنه لم يطلع على كلام الطحاوي فإنه قد أسند قوله وأتى بالرواية في صلاة الخوف ص (182) : أن أهل العوالي كانوا يصلون مرتين فنهاهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلوا صلاة في يوم مرتين، إلخ. لما مرَّ الحافظ عليه ما تكلم في سنده جرحاً وتعديلاً، أقول: إن رجال السند ثقات ومعروفون إلا خالد بن أيمن المعافري فإنه ليس بمذكور في كتب الرجال، ولكنه لا يضرنا فإن قراءة عمرو بن شعيب تلك الرواية على سعيد بن المسيب وتصديق ابن المسيب الرواية كاف لنا لأن سعيد بن مسيب لا ريب في ثقته، فإن الشافعي يقبل مراسيله، وهو من أفضل التابعين وقيل: الأفضل أويس القرني، وقيل: زين العابدين، ثم أقول: إن خالد بن أيمن المعافري هو حفيد أم أيمن وابن أيمن، ولي في هذا قرائن، منها أن في مسند أحمد راوياً خالد بن عبيد المعافري وعلم من الخارج أن عبيداً زوج أم أيمن قبل أن نكحها زيد بن حارثة، ويقولون: إن عبيداً معافري فعلمت أن خالداً في الطحاوي هو عين خالد في مسند أحمد إلا أنه نسب في الطحاوي إلى أبيه أي أيمن، وفي مسند أحمد نسب إلى جده عبيد، فأصل نسبه خالد بن أيمن بن عبيد المعافري وقرائن أخر، وهذا كان تبرعاً مني لأن خالداً ليس بموقوف عليه لمستدلنا بل صدقه سعيد، ثم عارض الطحاوي الشافعية برواية مرفوعة عن ابن عمر قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تصلوا صلاة في يوم مرتين» ، وفي بعض الألفاظ: «لا تصلوا صلاةً مكتوبةً في يوم مرتين» أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما، وتأول الشافعية فيها بأن مراده النهي عن التكرار بلا سبب، ويكون التكرار بالاختيار كما قال الخطابي ، أقول: إن صلاة معاذ خلفه عليه الصلاة والسلام كانت أفضل فأي سبب لإعادته صلاته؟ وإن قيل: كان معاذ أقرأهم ولم يكن في بني سلمة قارئاً، فهذا الاحتمال بعيد غاية البعد، فإن فيهم جابراً وغيره، وهل يقول أحد: إنهم كانوا غير قارئين قدر ما تصح به الصلاة؟ وتأول بعضهم بأن مورد النهي إنما من صلى بالجماعة ثم أعادها في الجماعة ثم إذا يذكرون هذه المسألة، فيقول البعض: إن كانت الجماعة الثانية ذات فضيلة يعيدها وإلا فلا، والبعض يترددون في المسألة، ونقول: إن آية جماعة أفضل من جماعة يكون إمامها نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والحق أن دليلنا ناهض ومعارضة الطحاوي قوية، ونقول: إن النهي منسحب على فعل معاذ أيضاً، وفعل معاذ متقدم فإنه قبل غزوة أحد لما أن سليماً لما شكا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال معاذ: إنك منافق، قال سليم: ستعلم أني منافق أم مخلص لو جاء الله بأمر بيننا، فشهد سليم أحداً واستشهد، وقال معاذ: صدق الرجل، فدل على أن فعل معاذ متقدم، ثم نخرج الجزئيات الثلاثة الواردة المذكورة

أولاً من حديث ابن عمر ولكنه منسحب على فعل معاذ كما يدل تبويب أبي داود ص (85) باب: إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد؟ ثم ذكر تحته حديث ابن عمر، وفعل ابن عمر، عن سليمان قال: أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون فقلت: ألا تصلي معهم؟ قال قد صليت، إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تصلوا صلاة في يوم» إلخ، وكذلك تبويب النسائي ص (145) سقوط الصلاة عمن صلى مع الإمام في المسجد جماعة، ثم ذكر تحته حديث ابن عمر ثم أورد على جوابنا الأول بأن في سنن الدارقطني والبيهقي ورواية الشافعي زيادة: «هي له تطوع ولهم فريضة» إلخ في رواية جابر، أقول: نقل أبو البركات ابن تيمية عن أحمد كما في العمدة، وعن ابن الجوزي وابن العربي عن أحمد بن حنبل: أخشى أن لا تكون هذه الزيادة محفوظة إلخ، أي لعلها من إدراج الراوي وبعض الحفاظ الآخرين أيضاً أعلوها، وأقول: إن هذه الزيادة إنما هي من ابن جريح عن ابن دينار، ولا يذكرها غير ابن جريح وتدل عليه فتيا ابن جريح، وأقول أيضاً: في مختصر المزني ومسند الشافعي قال المزني والأصم صاحب النسخة: إن هذه الزيادة وجدتها عن ابن جريح عن ابن دينار ولم تكن هذه عندي، فدل قوله: إن هذه الزيادة ليست في رواية الشافعي، فكيف يقولون: إنها في رواية الشافعي؟ ثم نتنزل، ونقول: إن معنى هذه الزيادة إنها له تطوع أي خصلته هذه تطوع ويطوع نفسه، لا إن كانت صلاته تطوعاً، سيما إذا كان في لفظ الدارقطني «وهي له نافلة» أي مجاناً لا التطوع، وقد يطلق لفظ النافلة على الفريضة كما قلت في أول الكتاب في بحث صلاة أئمة الجور، ثم لي جواب آخر كنت استخرجته ثم رأيت بعد مدة في شرح أبي بكر بن العربي على الترمذي بعين ما قلت، وصورة الجواب: أن معاذاً لم يكن يصلي بالقوم صلاته خلفه عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم في ذلك الوقت بل في يوم آخر ولا لفظ يدل على أنه يصلي بهم صلاته خلفه عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم والوقت إلا ما في البخاري أو غيره: «ويصلي بهم تلك الصلاة» إلخ، ومراده عندي أن التشبيه إنما هو في الإطالة، وكان يتعلم منه عليه الصلاة والسلام تطويل القراءة في يوم ثم يجزيه على من يقتديه في يوم آخر، ونظير التشبيه في الإطالة ما مر في الترمذي في خطبة الاستسقاء «ولم يخطب خطبتكم هذه» إلخ أي مطولة، وأما ما في أبي داود ص (115) عن جابر إلخ، فأخبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الصلاة، وقال مرة العشاء، فصلى معاذ مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم جاء يؤم قومه فقرأ البقرة إلخ، فمراده أنه تعلم التأخير عنه عليه الصلاة والسلام يوماً ثم أجراه على قومه في يوم آخر، ثم أقول: إن وقائع معاذ متعددة، فإن في البخاري ص (98) رواية تطويل معاذ صلاة الصبح، ومر عليها الحافظ، وقال: قيل: إنه معاذ، والحق إنه أبي بن كعب، لأن الواقعة واقعة قبا وإمام قبا كان أُبِيّ، أقول: إن الرواية التي تمسك بها الحافظ أنه أبي بن كعب في سندها عيسى بن جارية وضعفه أكثر المحدثين، وعندي رواية صريحة في أن معاذاً كان إمام قبا أيضاً في وقت ما، وأقول: إنه لم يثبت في رواية من الروايات أن معاذاً صلى الفجر خلفه عليه الصلاة والسلام ثم أتى بني سلمة أو قبا فإذا لم يثبت فنقول: إنه لا يصلي

بهم الصلاة التي صلاها خلفه عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم والوقت، والله أعلم بالصواب. قوله: (فإن صلاة المقتدى فاسدة إلخ) احتج بعض الأحناف على الفساد برواية: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» إلخ أقول: لا يحتج بهذا فإن مراده أن الإمام إمام في أداء الأفعال، ولا دخل فيه للنية، والله أعلم وعلمه أتم.

باب ما جاء من الرخصة في السجود على الثوب في الحر والبرد

باب ما جاء من الرخصة في السجود على الثوب في الحرّ والبرد

[584] وقال الشافعي: لا تصح الصلاة والسجدة على الثوب الذي لبسه المصلي، وقال أبو حنيفة: تصح الصلاة على الثوب الملبوس له، وظاهر حديث الباب لأبي حنيفة.

باب ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس

باب ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس

[585] الحديث القولي في مضمون الباب ثابت وصحيح، وأما فعله عليه الصلاة والسلام فنادر، ويستحب للإمام والمصلي تبديل الموضع الذي صلى فيه المكتوبة وفي حق الإمام زيادة تأكيد لما في مسلم ص (288) عن معاوية رضي الله عنه: «أمرنا أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج إلى آخره» .

قوله: (كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ) هل هذا الفعل إلا نادر؟ وعبره الراوي بطريق العادة والاستمرار. قوله: (كأجر حجة وعمرة إلخ) التشبيه يمكن أن يكون في إلحاق العبادة الصغيرة بالكبيرة لا بيان أن هذا المصلي أحرز ثواب حجة وعمرة واختار الشارحون الثاني، وأقول: إن حديث الباب يفيد بظاهره أن تقديم الحج على العمرة أيضاً شاكلة العبادة وإن كان مفرداً لا قارناً أو متمتعاً خلاف ما قال ابن قيم في الزاد: أن السنة تقديم العمرة على الحج، والله أعلم.

باب ما ذكر في الالتفات في الصلاة

باب ما ذكر في الالتفات في الصلاة

[587] من اللفتة، أي لَيُّ العنق، ويجوز النظر بالعين عندنا، ويكره بِلَيِّ العنق، وأما بِلَيِّ الصدر فمفسد للصلاة، والمذكور في الحديث هو النظر بِلَيِّ العنق.

قوله: (ففي التطوع إلخ) دل الحديث على أن بين الفريضة والتطوع فرقاً، وكذلك في الفقه فإن النافلة جائزة جالساً لا الفريضة. قوله: (اختلاس إلخ) (ربودن) أي تكون الصلاة مقطوعة بعض الأجزاء لما في سنن أبي داود ص (115) : أن البعض يرجع بعشر الصلاة، وبعضهم بربعها، وبعضهم بنصفها، وهكذا.

باب ما جاء في الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع؟

باب ما جاء في الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع؟

[591] مدرك الركوع مدرك الركعة عند الجمهور، وقال أبو هريرة: إن مدرك الركوع مدرك الركعة بشرط أن يدرك الإمام قبل انحناء الإمام إلى الركوع، ولا يجب إدراك القراءة لما في موطأ مالك وبعض الكلام مر في باب القراءة خلف الإمام، وفيه كلام مع البخاري في مذهب أبي هريرة، وللجمهور حديث أبي داود: «من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة، ومن أدرك السجود لا تعتدها شيئاً» وتكلم فيه البخاري من قِبَل يحيى، وللجمهور أيضاً ما في المطالب العالية أي أطراف ابن حجر نقله من مسند مسدد: «إن مُدرك الركوع مدرك الركعة لا مدرك السجدة» وصححه الحافظ مرفوعاً، والحديث قولي فلا يضرنا كلام البخاري في جزء القراءة في الحديث السابق، ولنا آثار كثيرة، وأجلها ما روى أنس: أن القنوت في الفجر كان بعد الركوع فقدمه عثمان ليدرك الناس الركوع، كما في الفتح وقال الشوكاني: لا دليل للجمهور على هذه المسألة، وبالغ في نيل الأوطار ثم رجع في فتاواه إلى قول الجمهور.

باب ما جاء في تطييب المسجد وتنظيفه

باب ما جاء في تطييب المسجد وتنظيفه

[594] لقد ثبت التجمير من عهده عليه الصلاة والسلام، وفي الروايات ما يدل على تنظيف المسجد أي كنسه، فإن امرأة كانت تنظف المسجد كل يوم فماتت، فدفنها الصحابة في ليلتها، فسأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن حالها؟ فقالوا: ماتت فدفناها، فقال: «لمَ ما أخبرتم إياي» ؟ قالوا: استكرهنا إيقاظك، فذهب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قبرها، وكذلك ثبت التطييب لما في الروايات أن رجلاً بزق في المسجد فاستكرهه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتى رجل بخلوق فمس النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الخلوق على الموضع الذي بزق فيه الرجل، وكذلك ثبت تجمير المسجد في عهد عمر. قوله: (وفي الدور إلخ) الدار المحادة مثل دار بني قزعة ودار بني عبد الدار، والدار في اللغة: ما يقال له: سراي خانه، ويقال: الدار وإن هدم وبقي الآثار، بخلاف البيت كما قيل (شعر) : ~ الدار دار وإن زالت حوائطها ... والبيت ليس بيتاً بعد تهديم

باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى

باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى

[597] قد استقصيت المذاهب أولاً، والظاهر من حيث الحديث لمذهب صاحبي أبي حنيفة. واعلم أن الكلام في هذا طويل لا يمكن إحصاءه هاهنا، وحديث «صلاة الليل مثنى مثنى» مرفوعاً فبلغ التواتر عن ابن عمر تواتر السند، وأما حديث (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) مرفوعاً فأعله جمهور

المحدثين، وذكر ابن تيمية وجه الإعلال: أن في تتمة الحديث «فإذا خشي الصبح يصلي واحدة توتر له ما قد صلى» فالمذكور في التتمة هو حال الليل لا النهار فيكون في الأول أيضاً ذكر حال صلاة الليل فقط، ويمكن لأحد أن يقول: إن المذكور في الأول الأمران وأخذ أحدهما في آخر الحديث، والكلام في إعلال لفظ النهار في المرفوع أطول فلا أذكر إلا نبذة، فأقول: قد أعله النسائي في الصغرى، وقال: إنه خطأ، وأعله ابن معين فإنه بلغه أن أحمد بن حنبل قائل بمثنى مثنى في الليل والنهار على رواية علي الأزدى عن ابن عمر أي رواية الباب، فقال ابن معين: من علي الأزدي البارقي حتى أقبله وأترك ما روى يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر: أن ابن عمر كان يصلي بالليل مثنى مثنى وبالنهار أربعاً أربعاً، وأعله ـ أي حديث «صلاة النهار مثنى مثنى» ـ أحمد بن حنبل، كما في فتاوى ابن تيمية أن أحمد أعله في الآخرة إلخ، فلعله ما أعله أولاً، كما يدل عليه ما ذكرت أن ابن معين بلغه إلخ، وكذلك أعلَّه الأكثرون، وأما البخاري فصححه نقله البيهقي في السنن الكبرى عن ابن الفارس أنه صححه البخاري، وفي السنن الكبرى عن البخاري قال: روى سعيد بن: أن ابن عمر كان لا يصلي أربعاً بالنهار بتسليمة واحدة، فإذن لعله دار تصحيح حديث ابن عمر على عمله، فأقول: إن عمل ابن عمر قد صح أربعاً بالنهار بأسانيد قوية، منها ما في الترمذي، ومنها ما نقله ابن معين عن يحيى عن نافع عن ابن عمر، ومنها ما في الطحاوي، وأما ما رواه البخاري فليس إلا بسند واحد، فلا يمكن إنكار عمله أربعاً بالنهار، فإنه صححه ابن تيمية أيضاً، فالترجيح في إعلال لفظ النهار في المرفوع للجمهور، ثم روى الزيلعي: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» في التخريج عن أبي هريرة مرفوعاً ورجال السند ثقات، ومر عليه الحافظ في الدراية وتردد في أنه عن ابن عمر فوهم الراوي في ذكر أبي هريرة أو مروي عن أبي هريرة فصار متردداً فيه، ثم روى الزيلعي بسند آخر عن عائشة: «صلاةُ الليل والنهار مثنى مثنى» مرفوعاً ولكن في سنده عامر بن خداش، ولم أجد ترجمته، وظني أنه ليس بصحيح، ثم قال الزرقاني: إن في عمل ابن عمر أربعاً بالنهار لا تصريح بالتسليمة الواحدة، بل يمكن أن تكون بتسليمتين، أقول: فكيف التقابل بين مثنى عمله بالليل وأربع عمله بالنهار؟ وأيضاً في الطحاوي تصريح التسليمة الواحدة فلا يصح تأويل الزرقاني فالحاصل أن الترجيح لمذهب الصاحبين، وأما: صلوة الليل والنهار مثنى مثنى، موقوفاً على ابن عمر فلا ريب في صحته.

باب في كراهية الصلاة في لحف النساء

باب في كراهية الصلاة في لحف النساء

[600] أي في ثيابهن لأن في ثيابهن احتمال التلوث، فالشريعة الغراء تعتبر الاحتمالات الغالبة بخلاف أرباب الفتوى، وكذلك لا يعتبرها أرباب المتون كما في مسألة الدجاجة المخلاة.

باب ما يجوز من المشي والعمل في صلاة التطوع

باب ما يجوز من المشي والعمل في صلاة التطوع

[601] في البحر الرائق: أن غلق الباب عمل كثير وفتحه عمل قليل، ولا أعلم أي فارق بين الغلق والفتح، وأما الخطوات فيحتاج الشافعية والحنفية إلى أنه عليه الصلاة والسلام ما خطا متوالياً فخطا خطوة أو خطوتين، وإن انفصلت الخطوات فلا تنحصر في خطوتين بل تجوز خطوات منفصلة كما في كتب أهل المذهبين.

باب ما ذكر في قراءة سورتين في ركعة

باب ما ذكر في قراءة سورتين في ركعة

[602] يجوز السورتان في ركعة واحدة بلا كراهة شيء كما في الطحاوي، وأما ما في الكبير شرح المنية ففيه ضيق والعبرة لما قال الطحاوي.

قوله: (السور النظائر إلخ) أي المتساوية في الطول والقصر. قوله: (من المفصل إلخ) سورتان من عشرين سورة ليستا من المفصل، ولعله عمل الراوي بالتغليب والسور المقروءة له مذكورة في رواية أبي داود. قوله: (يقرن بين كل سورتين في ركعة إلخ) استنبط شمس الدين الكرماني أن هذه الرواية تدل على الوتر ركعة واحدة، فإن صلاته عليه الصلاة والسلام كانت إحدى عشر ركعة وعشر ركعات منها على نسق واحد والحادية عشر تكون منفردة، أقول: قد ثبت صلاته عليه الصلاة والسلام ثلاث عشر ركعة وثبوتها في الصحيحين أيضاً.

باب ما ذكر من فضل الصلاة بعد المغرب في البيت أفضل

باب ما ذكر من فضل الصلاة بعد المغرب في البيت أفضل

[604] غرب المصنف حديث الباب ولم يحسنه، وقد أخرجه النسائي في الصغرى فلا بد من كونه صحيحاً، والأولى أداء السنن في البيت كما في الهداية، ولم يصل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنن المغرب في المسجد إلا في واقعة أو واقعتين في غير المسجد النبوي.

قوله: (ما زال يصلي في المسجد إلخ) ظاهره أنه لم يخرج من المسجد حتى صلى العشاء الآخرة وتطوع في المسجد، وعلى هذا يدل ما أخرجه الترمذي ص (319) عن حذيفة وتمشى الترمذي على ظاهره، وعندي رواية تدل على أنه عليه الصلاة والسلام خرج من المسجد بعد المغرب قبل العشاء، والله أعلم.

باب ما ذكر في الاغتسال عندما يسلم الرجل

باب ما ذكر في الاغتسال عندما يسلم الرجل

[605] اغتساله هذا يكون بعد إسلامه، وهذا الغسل واجب إن كان جنباً وإلا فمستحب، والحديث والفقه أيضاً يصرح بأن يغتسل بعد الإسلام.

باب ما ذكر من سيماء هذه الأمة يوم القيامة من آثار السجود والطهور

باب ما ذكر من سيماء هذه الأمة يوم القيامة من آثار السجود والطهور

[607] قيل: إن الوضوء لم يكن في الأمم السابقة، وقيل: كان ولكن الغرة والتحجيل من خصائص الأمة المرحومة، والمختار القول الثاني، فإن التوضي في الأمم السابقة ثابت بلا ريب بالروايات المستقيمة، ولا يخفى أن الغرة والتحجيل من آثار الوضوء لأنه حلية ظاهرة، فلا يعرفون إلا بما هو الظاهر، فانحصر المعرفة فيه، ولا اختصاص بل الغرض انحصار المعرفة فيه. قوله: (محجلين إلخ) من الحجال وهو شد الفرس رجله ويده من خلاف، ودل الحديث على أن الغرة بسبب السجود، وتدل بعض الروايات أن الغرة أيضاً من الوضوء.

باب ما جاء من ما يجزي من الماء في الوضوء

باب ما جاء من ما يجزي من الماء في الوضوء

[609] مر البحث بقدر الضرورة قوله: (يتوضأ من المكوك إلخ) المكوك في اللغة ليس بمساوي للمد، واتفق المحدثون على أن المراد في حديث الباب من المكوك هو المد بسبب الروايات الأخر. قوله: (الحديث غريب إلخ) الرجال كلهم ثقات إلا أن في حفظ شريك شيئاً، وهو من روات مسلم، وصحح البخاري روايته في خارج الصحيح في باب إبراد الظهر.

باب ما ذكر في فضل الصلاة

باب ما ذكر في فضل الصلاة

[614] قوله: (فليس مني ولست منه) هو على ظاهره و «مِن» ابتدائية اتصالية نحو: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» وأقول: لعل الحوض الكوثر تمثال السنة المحمدية في المحشر، وفي مسلم: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» إلخ، فيؤيد ما قلت، وقال مولانا محمد قاسم النانوتوي: إن مصداق حديث مسلم الخوارج، وقيل: إن مصداقه هم المرتدون في عهد أبي بكر الصديق، وقال الغزالي: إن الصراط في المحشر تمثال الصراط المستقيم، وأقول: إن للأعمال تماثيل في المحشر كما في حديث

الباب «الصوم جنة» ، وفي مسند أحمد: أن الرجل يحفظه القرآن في القبر من جانب الرأس، والصوم من جانب اليسار، أقول: إن الجنة تكون في اليد اليسرى، وفيه إن الصدقة تأتي من جانب القدم، والصلاة من جانب اليمين، وكذلك في الأحاديث أن سورة البقرة في المحشر تكون كالظلة على الرأس فذخيرة الأحاديث تدل على ما أدعيت، ويستنبط من الأحاديث أن الحوض الكوثر يمد من منبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الشام، وفي الحديث الذي «منبري على الحوض» ورواية «في الجنة» إلخ شرحه هذا المذكور، وفي الحديث الصحيح: «بين منبري وقبري روضة من رياض الجنة» أقوال كثيرة في الشرح، والمختار هاهنا أن الموجودة الآن قطعة من الجنة لا أن هذه القطعة ترفع إلى الجنة، وإن قيل: إن في الأحاديث يكون الوعيد بالنار على ذنوب والوعد بالجنة على حسنات، مثل حديث الباب وغيره بلا شرط وقيد، وتأول فيه المتأولون بأن المراد بالوعيد يكون المستحل أو المُصِّر على الفعل، فيجب في مثل هذه الأحاديث ذكر القيود والشروط فإنها بظاهرها غير مستقيمة المراد وتأول فيه المتأولون ومرادها على ظواهرها، وأقول: إن الأصل أن المذكور في الأحاديث في عالم التشريع المفردات مثل التذكرات في كتب الطب، وأما في المحشر فيركب المفردات ويؤخذ الحكم الخارج من الاجتماع مثل القرابادين في الطب، فعلى هذا من ذكر خواص شيء واحد في التذكرة فتخلف خاصة ذلك الشيء في موضع من المواضع بسبب مانع لا يقول أحد: إن هذا القائل الذي ذكر خاصة ذلك الشيء كاذب فإن تخلف الأثر إنما كان بسبب مانع وذكر الموانع في التذكرة ليس موضوع التذكرة، وكذا المذكور في التشريع ليس إلا حكم المفردات ولا يتعرض إلى الموانع، وأما القرابادين فتكون في الحشر فإذن لا تؤول بما تأول المتأولون، بل يعمل على الظاهر. قوله: (الصلاة برهان إلخ) أي حجة فإن الإيمان أمر قلبي مستور لا يمكن الاطلاع عليه إلا بالانقياد الظاهري. قوله: (الصدقة إلخ) في الحديث الصحيح: «أن البلاء تنزل من السماء والصدقة تصعد إلى السماء فتتنازعان إلى قيام القيامة» . قوله: (نبت من سحت) إلخ السحت الحلق، ويطلق في الشريعة على المال الحرام لأنه يحلق الدين.

باب منه

باب منه

[616] قوله: (أطيعوا إذا أمركم إلخ) قيل: إن المراد من آية: إلخ {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم} [النساء: 59] العلماء المسلمون، وقال البيضاوي: لا يصح هذا، فإن العلماء ليس لهم حكم مستقل، فإنهم ناقلو أمر الله وأمر الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: إن المراد هم حكام المسلمين المسلمون، وفي كتب الشافعية والحنفية: أن الحاكم المسلم إذا أمر بأمر مباح يصير ذلك الأمر واجباً، وقيل: يشترط في هذا أن يكون في الأمر مصلحة، وفي حاشية الأشباه للحموي إذا انتشر مرض الهيضة أو الطاعون فأمر الحاكم رعيته بالصوم صار الصوم عليهم واجباً، وفي أثر عن ابن مسعود أخرجه الحافظ في تلخيص الحبير: أن أولي الأمر في الآية هم العلماء، أقول: لعل مراده أنه ينبغي أن يكون الأمراء علماء فلا يخالف هذا ما قال البيضاوي، وأما الرازي فقال في التفسير الكبير وأطنب كلامه، وحاصله أن آية {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] الآية، أن الآية جزيلة وفيها ذكر الأصول الأربعة كتاب الله والسنة والإجماع والقياس، وأما الإجماع ففي أولى الأمر أي أهل الحل والعقد وأما القياس ففي آية إلخ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي} [النساء: 59] فإن هذا قياس، ويجب في القياس أن يكون العلة من الكتاب أو السنة. والله أعلم.

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة

في الدر المختار أن وجوب الزكاة في السنة الثانية قبل وجوب صوم رمضان، وقال: إن وجوب رمضان بعد سنة ونصفها بعد الهجرة، وفي السيرة الحلبية قال الشيخ سراج الدين: ما حقق لي من الأحاديث متى وجبت الزكاة، وأقول: إن فرضية الزكاة والصوم والجمعة والعيدين في مكة وأما إجراؤها ففي المدينة، فإن نَصْبَ نُصُبِ الزكاة كانت في المدينة، وأقول: إن سورة المزمل نزلت بمكة بتمامها على ما روينا عن عائشة، وأما الحج فقيل: وجوبه في السنة السادسة، وقيل: في التاسعة، وليعلم أن الزكاة كانت تطلق على الصدقة في الجاهلية، وأما في الشريعة فزيادة القيود والشروط كذلك في المنقولات الشرعية، فإن المنقولات لا نقلَ فيها لأن الأسماء الشرعية مستعملة في معانيها اللغوية بزيادة القيود والشروط، ولا يكون بهذا مجازاً وهكذا ذكره فخر الإسلام البزدوي.

باب ما جاء من منع الزكاة من التشديد

باب ما جاء من منع الزكاة من التشديد

[617] قوله: (في ظل الكعبة إلخ) في البخاري: «في ناحية المدينة في ظل القمر» إلخ، وقيل بالتأويل لتجتمع الروايتان، أقول: إما أنه وهم الراوي أو يقال بتعدد الوقائع، كما قال الحافظ في فتح الباري. قوله: (فيدع إبلاً إلخ) المضارع إما مرفوع أو منصوب، وبينهما فرق لا يسعه الوقت.

قوله: (أعظم ما كانت وأسمنه إلخ) مرجع الضمير ليس ما، لأنه حرف، بل المرجع المصدر المنسبك، وفي الرضي: أن زيداً أفضل رجل معناه أنه أفضل رجل رجل أي كل رجل، ومعنى زيد أفضل الرجلين أنه أفضل رجلين رجلين أي مثنى مثنى، ومعنى أنه أفضل الرجال أنه أفضل رجل رجل، أقول: عليه جمهور النحاة وأرباب المعاني والأصول فإنهم يصرحون بأن الجمع معناه واحدٌ واحد لا المجموع من حيث المجموع. قوله: (كلمات نفدت عليه أخراها عادت عليه أولاها إلخ) وفي صحيح مسلم: «كما نفدت عليه أولاها عادت عليه أخراها» فقال أرباب الحديث: إن الراوي قلب في الألفاظ، وقيل: إنه لا قلب ولكن الدواب تمر على مانع الصدقة على طريق التدوير، والله أعلم، والحق أنه وهم الراوي وقلب. قوله: (الأكثرون أصحاب إلخ) هذا ليس على محله فإن ضحاكاً لم يفسر في لفظ الحديث المرفوع المذكور، بل في موضع آخر.

باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك

باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك

[618] الجمهور إلى أنه لا حق في المال بعد أداء الزكاة، وبعض السلف إلى أن حقاً آخر في المال سوى الزكاة، ولكنه غير منضبط وهو موكول إلى رأي المبتلى به وهو المختار، وأما حديث الباب فمراده أنك قضيت ما عليك من الواجب من هذا النوع أو غيره من المحامل.

قوله: (نتمنى إلخ) كان الصحابة نهوا عن السؤال بآية: {لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] وروي عن ابن عباس أن أسئلة الصحابة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة عشر، أقول: لا أعلم مراده أو يقال: إن المراد أن المذكور من الأسئلة في القرآن تبلغ العدد المذكور. قوله: (رجل إلخ) اسمه ضمام بن ثعلبة ومثل هذه الواقعة واقعة في حديث الصحيحين، وقال الحافظ بتعدد الواقعتين. قوله: (الحج إلخ) تعرضوا إلى كون الحج مذكوراً في حديث الباب فقيل: إنه وهم الراوي لأن ضمام بن ثعلبة أتى في السنة الخامسة ووجوب الحج في السادسة أو التاسعة. قوله: (دخل الجنة إلخ) أقول: إن هذا الرجل ليست السنن الرواتب عليه، ولكنه من خصوصه لأنه حضر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخذ مشافهة هذا القدر فلا عليه غيره، ولا يجوز ترك السنن لغيره وقيل: إن مراده من «لا أدعهن» لا أجاوزهن في تغيير الصفة مع أداء السنن، أقول: كيف يقال بهذا والحال أن في البخاري تصريحاً «لا أتطوع» ؟ إلخ، وإن قيل: إن كثيراً من الأحكام ليست بمذكورة في حديث

الباب مثل الوضوء أو غيره فكيف يكون الرجل ناجياً بأداء ما ذكر في الحديث؟ أقول: إن كثيراً من الأحكام مذكور في طرق حديث الباب كما في بعض طرق في مسند أحمد، وأما مسألة الإثم على ترك السنن فلا أذكرها، فإنها صعب المنال، وظني لعل تاركها بقدر ما ثبت من صاحب الشريعة لا يكون آثماً، والله أعلم. قوله: (قال بعض أهل العلم: إن فقه هذا الحديث إلخ) المراد به الحميدي شيخ البخاري تلميذ الشافعي، لا الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين.

باب ما جاء في زكاة الذهب والورق

باب ما جاء في زكاة الذهب والورق

[620] الورق بكسر الوسط: الفضة غير مسكوكة. قوله: (عن صدقة الخيل والرقيق إلخ) قال الشافعي وأحمد ومالك: لا زكاة في الخيل، وقال أبو حنيفة: إن في الخيل أيضاً صدقة إذا كانت مختلطة ذكوراً وإناثاً، وإذا كانت إناثاً على القولين لكل فرس دينار أو بحسب التقويم من كل أربعين درهماً درهم، بشرط النصاب أي مائتي درهم، وأتى الزيلعي بواقعتين أخذ فيهما عمر زكاة الخيل، ونقول: إن في عهده عليه الصلاة والسلام كانت الخيل للركوب لا للتجارة والتناسل، وتمسك الحجازيون بحديث الباب، وجوابه منا ما ذكرته، ولأبي حنيفة استنباط من حديث الصحيحين، وله ظاهر ما في مسلم ص (319) : «ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا في رقابها» إلخ، وتأول فيه آخرون، وفي فتح القدير أنه لا يجبر على أداء زكاة الخيل بل الواجب عليه أداء زكاتها ديانةً فيما بينه وبين الله، فالمال عندنا ظاهر وباطن؛ والظاهر مثل الإبل والغنم والبقر فإنه يزكيها ظاهراً وللساعي أن يجبره على أداء زكاة الأموال الظاهرة، بخلاف الباطن وأما التعزير فأمر آخر، وفي كتاب الطحاوي أن عثمان كان يضع زكاة النقدين إذا أعطى الناس ممن تجب عليهم الزكاة ما له من بيت المال ودل الأثر على أن للخليفة حقاً في الأموال الباطنة.

قوله: (من كل أربعين درهماً درهماً إلخ) اتفقوا على أن أربعين درهماً لا شيء فيها حتى تبلغ مائتين، وأما أربعون فلذكر الحساب، وأما الزائد على مائتين، فلا شيء في الكسور عند أبي حنيفة، وتجب في كسور السوائم خلاف صاحبيه في المسألتين، وأفتى أرباب الفتوى على قولهما وأما تفصيل الدرهم الشرعي فقد مر في كتاب الطهارة ص (32) ، ولقد سها مولانا عبد الحي في بيان نصاب زكاة الذهب والفضة، والصواب ما ذكر القاضي ثناء الله الپاني پتي رحمه الله: أن الزكاة في الفضة إذا كانت ثنتين وخمسين تولجة ونصفها، ومنشأ سهوه أنه زعم أن الاعتبار هاهنا لأحمر الأطباء وهي أربعة شعيرات وهي أكبر من أحمر الفقهاء، والتفصيل في رسالة الشيخ المخدوم هاشم بن عبد الغفور السند هي ثم قال الأحناف: إن الدرهم الشرعي سبعون شعيرة، وقال الشافعية: إنه خمسون شعيرة وخمساها، وقال ابن همام: إن المعتبر درهم كل بلدة بشرط أن لا ينقص من درهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قوله: (كلاهما عندي صحيح إلخ) لعل الصحة من حيث سماع أبي إسحاق عن عاصم والحارث لا الصحة المصطلحة بين المحدثين، فإن الحارث الأعور لم يحسن له وأما عاصم فصحح البعض بعض رواياته مثل ابن قطان المغربي الفاسي في كتاب الوهم والإيهام، وقيل: إن الحارث كذاب، ولكني لا أسلمه فإن أحداً من التابعين لم يوجد كذاباً ولا كاذباً كما صرح الذهبي في خارج الميزان، وقيل: إنه شيعي، وكذلك قيل في حق أبي الطفيل أي يحبان علياً، والله أعلم.

باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم

باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم

[621] الغنم والشاة أعم من ذات الوبر، وذات الأشعار والضأن مختص بذات الوبر والمعز بذات الأشعار ذكراً كان أو أنثى، وأما بنت المخاض فبنت الناقة ذات سنة واحدة، وكذلك بنت لبون المراد

أنثى، فإن الواجب هاهنا أنثى ويجوز الذكر عندنا تقويماً، وأما الجَذَعَة ففي أصل اللغة يقال لشاب قوى من الحيوان والإنسان أو غيرهما، وقال أبو حاتم السجستاني: إن الجَذَعَة اسم لموسم يطلع فيه السهيل في أول الليل، وهذا موسم ولادة النوق طبعاً وحينها، وإن لم تلد في حينها فهيع، كما قال: ~ إذا سهيل أول الليل طلع ... فإن اللبون الحق والحق جذع لم يبق من أسنانها غير الهيع قوله: (إلى مائة وعشرين إلخ) اتفق أهل المذاهب الأربعة على ما ذكر في حديث الباب إلى مائة وعشرين خلاف لبعض الأئمة غير الأربعة، وأما بعد مائة وعشرين فاختلفوا؛ فقال أبو حنيفة: إن الحساب إلى مائة وعشرين يبقى على حاله ولو زادت خمس ذود إبل ففيها شاة، ولو زادت عشرة فشاتان، ولو زادت خمس عشرة فثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض فصار المجموع مائة وخمس وأربعون إبلاً ففيها بنت مخاض وحقتان، وإذا صارت خمسين ومائة فثلاث حقاق، ثم تستأنف الفريضة مثل الحساب إلى خمسين قبل مائة وعشرين، فإذا صارت مائتين فأربع حقاق ثم تستأنف وهلم جرّاً، فالخمسينيات مدار عند أبي حنيفة، وقال الشافعي: إذا زاد الإبل على مائة وعشرين فتغير الحساب الأول، ولا شيء في الزائد حتى تبلغ عشرة فعلى هذا إذا كانت مائة واحد وعشرون إبلاً فعليه ثلاث بنات لبون، فإن في كل أربعين بنت لبون فإذا صارت مائة واثنين فبنتا لبون وحقة، وإذا صارت مائة وأربعين فحقتان وبنت لبون وهلم جراً، فمدار الحكم الأربعينيات والخمسينيات في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وقريب من هذا قول أحمد، وقال مالك إن الزائد على مائة وعشرين لا يغير الحكم السابق حتى تصير مائة وثلاثين فحقة وبنتا لبون، ولا فرق بينه وبين الشافعي إلا أن الشافعي يجعل الزائد على مائة وعشرين ولو واحدة مغير الحكم السابق بخلاف مالك فحديث الباب صادق وأقرب إلى مذهب الحجازيين بل مطرد على مذهبهم، وأما على مذهبنا فصادق أيضاً لكنه بعد مائة وخمسين ثم بعدها تكون الخمسينيات مدارات الحكم بخلاف الأربعينيات فإنها وإن صدق الحديث أي في كل أربعين بنت لبون لأنا قلنا: إن في ستة وثلاثين إلى

خمسة وأربعين بنت لبون لكن الأربعين ليس بمدار بل وقع في وسط الحساب فقطعة في كل خمسين حقة صادقة، ولطيفة على مذهبنا مطرداً، وأما قطعة في كل أربعين بنت لبون فصادقة إلا بعد مائة وعشرين وغير لطيفة إذ ليست مداراً، وأما على مذهب الحجازيين فالقطعتان لطيفتان وصادقتان مطرداً فالحديث لا يخالفنا لأنه لا يدل بنصه على أربعين وخمسين مداراً، وقريب مما قلنا هاهنا في الحديث السابق أن في كل أربعين درهماً درهم إلخ، فإن المذكور فيه بيان الحساب فإنه لا شيء في أربعين حتى تكون مائتي درهم، ونظير ما قلنا ما في حديث الباب: «فإذا زادت فثلاث شياه إلى ثلاثمائة شاة» إلخ أيضاً فإن الحديث ذكر ثلاث مائة شاة والحال أنها ليست بمدار بل إذا زادت على مائتين فثلاث شياه إلى تسع وتسعين وثلاثمائة شاة فليس ثلاث مائة شاة إلا أنه وقع في وسط الحساب، فالحاصل أن حديث الباب صادق على مذهبنا بلا ريب باعتبار قطعة، ولطيف باعتبار قطعة أخرى، فإذن نذكر أدلتنا الصريحة منها ما في معاني الآثار ص (412) ج (2) بسندين وذكر المتن في أولاهما ولكن السند الثاني أعلى من الأول لأن في الأول خصيب بن ناصح وفيه لين، ولكنه من رجال السنن ربما يحسن رواياته، وفيه: أن حماد بن سلمة قال لقيس: اكتب لي كتاب أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وفيه نُصب الصدقات فإنه عليه الصلاة والسلام كان أرسل عمرو بن حزم جد أبي بكر إلى نجران لأخذ الصدقات وفيه: «في كل خمس ذود شاة» إلخ هذا بعد مائة وعشرين وهذا عين مذهب أبي حنيفة، وأيضاً في هذا الحديث في كل خمسين حقة وليس ذكر أربعين فحديثنا حسن لذاته أو صحيح، وقال الزيلعي في التخريج: إن الطحاوي أخرجه في معاني الآثار ومشكل الآثار (أي في الحصة التي هي غير مطبوعة) وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده وأبو داود في مراسيله، وتعرض البيهقي إلى الكلام في حديثنا، وقال في معرفة السنن والآثار: إن حماد بن سلمة كان عنده كتاب قيس بن سعد ففقده حماد وكان يروي من ذلك الكتاب على حفظه فأوهم في الروايات، أقول: إن هذا الكلام يذكره البعض تحت سياق تليين حماد، والبعض تحت سياق مدح حماد، ولا يقال: إن حماداً يروي وكان اختلط في آخر عمره نقول: إنه أخرج عنه مسلم في الصحيح وأكثر المحدثين يصححون ويحسِّنون رواياته بلا فرق بين تلامذته المتقدمين والمتأخرين، ولا يقال: إنه يروي من الكتابة، نقول: إن مثل هذه الكتابة معتبرة فالحاصل أن حديثنا صحيح ولا أقل من الحسن لذاته، ولنا ما هو موقوف على ابن مسعود أخرجه الطحاوي (ج2) ومحمد في كتاب الآثار بسند قوي وأعلى، وهو مذهب سفيان الثوري، ولنا مذهب علي أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، فأقول: إن ما في أبي داود ص (332) عن علي مرفوعاً أيضاً حجة لنا فإن ألفاظه صادقة على مذهبنا ومحتملة لمذهب الشافعية، وأقول: لما علم مذهب علي موافقاً لأبي حنيفة نقول: إن مرفوعه أيضاً موافق لنا وما تمسك به أحد من الأحناف إلا أن فيه: وفي خمس وعشرين خمسة من الغنم، وفي ستة وعشرين بنت مخاض إلخ، وأما عندنا ففي خمس وعشرين بنت مخاض، ولا يخالفنا ما فيه فإنا نحمله على أنه بحسب التقويم، وقال سفيان الثوري: هذا غلط وقع من رجال علي وهو أفقه من أن يقول هكذا، وأما رواية أبي داود

فصححها ابن القطان في كتاب الوهم والإيهام، وفيها أيضاً: ليس ذكر في كل أربعين بنت لبون بل المذكور فيها في كل خمسين حقة، وزعم الشافعية: إنها يفيدنا، والحال أنها تفيد الأحناف، ثم أقول في تمسكنا: إن علياً كان عنده كتاب، وقال الحافظان: فيه أسنان الإبل، أقول: كيف لم يفصح الحافظ بأن فيه أحكام الزكاة؟ فإنه قد صرح في البخاري في موضع أن فيه أحكام الصدقات أيضاً أحدها ما في ص (438) : أنها صدقة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ، ولما علمنا مذهب علي من الخارج أنه موافق لأبي حنيفة لا بد من أن يكون المذكور في كتابه أيضاً ما هو مذهبه، فلأحد أن يقول: إن دليلنا يساوي دليل الحجازيين، فإن دليلنا كأنه حديث البخاري، وأما دليل الشافعية فأخرجه البخاري ست مرات بسند واحد ولم يجد أعلى من ذلك السند وفي طريقه أيضاً روى محمد بن عبد الله بن المثنى، عن أبيه وهو ابن المثنى، وقالوا: إن ابن المثنى سيء الحفظ فلا بد تساوي حجتنا وحجتهم، وقال ابن معين: إن كتاب علي من كتاب في حديث الباب، ولكنه لم يفصح بأنه أي كتاب علي وظني أنه هو كتاب الصدقات، وفيه أحكام عديدة، وما أخرج مسلم حديثاً في نصب الزكاة، وأما حديث الباب ففيه سفيان بن حسين وهو لين في الزهري، ثم أقول الحق: إن حديث الباب أقرب بمذهب الحجازيين لأنه عليه الصلاة والسلام قد أجمل بعد مائة وعشرين، ومذهب الحجازيين مستقيم على هذا الحديث بعد مائة وعشرين إلى الأبد، وأما مذهبنا فاستقامته إنما هو بعد خمسين ومائة، وفي أبي داود ص (220) في رواية الباب تصريح مذهب الحجازيين فإنه فصل الراوي بعد مائة وعشرين فإن فيها: «فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة، ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعاً وعشرين ومائة، وإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقه» إلخ، وأقول: إن هذه الزيادة من مدرج الراوي، فإنه لما كانت هذا كتابه عليه الصلاة والسلام فكيف لا يهتم به الترمذي والبخاري ولا ينقله بتمامه؟ وأيضاً في سنن الدارقطني روى حديث أبو داود، وقال: وتفسير الكتاب هذا، فذكر هذه الزيادة فدل على أنه من إدراج الراوي، فلا بد من أن يقال: إنه من إدراج الراوي، وبعد اللتيا والتي أن الحق ما قال ابن جرير الطبري: إن قول العراقيين والحجازيين صحيحان وتتأدى الزكاة على الترتيبين، أقول: نقطع بأن الترتيبين ثابتان فإن الزكاة أخذت في عهده عليه الصلاة والسلام، وعهد الخلفاء الأربعة والشيء مما تعامل به السلف ولا يمكن إخفاء قول من القولين فلا مساغ لأحد إنكار أحدهما، والعجب مما قال بحر العلوم في الأركان الأربعة: إن مثل الزكاة مما عمل به السلف ولا بد فيه من دليل متواتر، وأما دليل العراقيين في الطحاوي فخبر واحد فلا يقبل، أقول: أي تواتر أعلى من أن يكون به عمل علي في عهد خلافته وابن مسعود وسفيان الثوري وأبو حنيفة فكيف لا يقبل؟ قوله: (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق إلخ) واعلم أن الجمع والتفريق عند الشافعي ومالك وأحمد في الأمكنة، وقالوا: إن في الجمع والتفريق تسعة شروط منها الاتحاد في المرعى والمسرح

والمراح والمحلب والفحل وغيرها، والنهي هذا للساعي والمُصَّدق ويسمون هذا الجمع بخلطة الجوار، ومثاله: أن لأحد عشرين شاة وللآخر عشرين شاة فخلطا في المكان بخلطة الجوار وقالوا: إن خلطة الجوار مؤثرة في الحكم حتى إنه يكون الواجب في الصورة المذكورة شاة واحدة ثم يرجع من ذهبت شاته على خليطه بحصة، وقال الشافعي: لو كانت أربعون شاة لأربعين رجلاً مشتركة بخلطة الجوار تجب الشاة الواحدة، وقال مالك بن أنس: يجب أن يكون كل من الخلطاء مالك قدر النصاب وإلا فلا، ويخرج الأمثلة التي فيها نفع الساعي أو نقصانه أو نفع المُصَّدق أو نقصانه، فالحاصل أنهم يقولون: إن الجمع والتفريق لا يفعل وأما لو جمع أو فرق بشروط مذكورة يكون مؤثراً في الحكم، وقال الأحناف: إن الجمع والتفريق في حديث الباب لا ينبغي ولا يؤثر وأما لو جعلوا أو فرقوا في الأملاك فيكون الجمع والتفريق مؤثراً، ويسمى الجمع بخلطة الشيوع مثل أن وجد رجلان ثمانين شاة من الوصية أو الإرث أو البيع فتجب شاتان، والفروع مذكورة في المبسوطات فليراجع إليها. قوله: (مخافة الصدقة إلخ) قيل: متعلق بالنفي، وقيل: بالإثبات والمخافة مخافة الساعي أو المُصَّدق، وقيل: إن النهي متوجه إلى مالك الأموال عند مالك بن أنس، وإلى المُصَّدق عند الشافعي، وقيل إليهما عند الشافعي ولكنه لا تفاوت في جميع المذكور، قال الشيخ ابن همام وغيره: إن الجمع والتفريق في هذه القطعة خلطة الشيوع، وإنهم لو خلطوا لكانت الخلطة مؤثرة وأقول: في هذه الخلطة خلطة الجوار على ما قال الحجازيون ويكون المراد النهي عن خلطة الجوار لأنه أمر لغوٍ لا يجدي شيئاً ولا يؤثر شيئاً بل ارتكاب أمر عبث، وأما وجه اختياري هذا الشرح أن تعبير الشارع في هذه القطعة غير تعبيره في قطعة وما كان من خليطين إلخ، فإن الجمع هاهنا الجمع في الأمكنة وفي القطعة الثانية خلطة الشيوع كما يشير إليه اختلاف التعبير، وأما مثال نفع المصدق عند الحجازيين فكما أن لأحد أربعين شاة وللآخر أربعين شاة وكانت متفرقة فجمع المُصَّدقان في المكان بشروط مذكورة وفي هذه الصورة نقصان الساعي، وأما لو كانت مجتمعة ففرقها الساعي، إلى نصابين، ففي هذه الصورة نفعُ الساعي ونقصان المالكين. قوله: (وما كان من خليطين فيتراجعان بالسوية إلخ) قال الحجازيون: إن المراد خلطة الجوار بشروط مذكورة فلو كانت ثمانون شاة لرجلين متميزة فأخذ الساعي شاة واحدة من المخلوطة فلم تذهب إلا شاة أحدهما من جانبهما فيرجع هذا على خليطه بالنصف من قيمة الشاة التي أخذت، ونقول: إن الخلط خلطة الشيوع، وفي القطعة الأولى خلطة الجوار لاختلاف التعبيرين في القطعتين، ومثال خلطة الشيوع، أن لرجلين ثمانين شاة وليست بمتميزة في الأملاك فيأخذ الساعي شاتين فإن لم يكن تفاوت في قيمتي الشاتين فلا تراجع وإلا فتراجع وكذلك اشترى رجلان إبلاً واشتركا في الأملاك

ولا تمييز، ولأحدهما خمسة وعشرون سهماً، وللآخر ستة وثلاثون سهماً، وحصل إحدى وستون إبلاً، فجاء الساعي وأخذ بنت مخاض من الأول وبنت لبون من الثاني لأنهما بمنزلة النصابين، فبنت مخاض وبنت لبون المأخوذتان في الصدقة مشتركة بينهما فتجعلان أحداً وستين سهماً، ويرجع الأول على الثاني ويأخذ خمسة وعشرين سهمَ بنت لبون، ويرجع الثاني على الأول ويأخذ ستة وثلاثين سهم بنت مخاض، فلهذا تراجع بالسوية، وأما في الصورة المذكورة إذا كانت خلطة الجوار فالجواب أداء الجذعة ثم يرجع الذي أخذ جذعته على خليطه بحصة ذلك الخليط. وهذه القطعة أي (وما كان من خليطين) إلخ لطيفة على مذهبنا بخلاف مذهب الحجازيين فإن في الحديث لفظ (يتراجعان) من باب التفاعل، والتفاعل من الطرفين في زمان واحد صحيح على مذهبنا، وأما على مذهبهم فالتفاعل باعتبار الأزمنة كأن أخذت في هذه السنة جذعة أحد ويرجع هذا على الآخر، وأخذت في السنة الثانية جذعة الآخر فيرجع على الأول، وليُتدَبر فإن المقام دقيق، ووافقنا البخاري في أن خلطة الجوار غير مؤثرة وخلطة الشيوع مؤثرة، لكن الحافظان لم يفصحا بوفاقه، وكذلك وافقنا ابن حزم الظاهري في أن خلطة الجوار غير مؤثرة، وذكر العيني في العمدة عبارته ولكن عبارته لا تفصح حتى أن رأيت في قواعد ابن رشد أنه صرح بوفاق ابن حزم أبا حنيفة، هذا ما حصل لي الآن والبحث أطول، واعلم أن محشي البخاري قد غلط في الفروع فإنه ذكر مثالاً بغير تأمل مآله فرقاً. قوله: (إذا جاء المُصَّدق) قيل: إن المصدق إن كان من التفعيل فمعناه الآخذ، وإن كان من التفعل فمعناه المعطي، وقيل: لا فرق، وهذا ـ أي (إذا جاء المصدق) إلخ ـ من قول الزهري لا أنه مرفوع. قوله: (ولم يذكر الزهري البقر إلخ) وذكر أبو داود في مراسيله زكاة البقر. قوله: (حسن إلخ) في حديث الباب أخذات لا أذكرها، منها أن سفيان بن حسين ضعيف في الزهري. واتفقوا على أن الذكر والأنثى جائز دفعه في صدقة الغنم والبقر بخلاف الإبل.

باب ما جاء في زكاة البقر

باب ما جاء في زكاة البقر

[622] واعلم أنه في بعض الروايات: عليه الصلاة والسلام أخذ الزكاة على حساب غير حساب الباب من البقر، أخرجها أبو داود في مراسيله، ولكن المشهور المختار عند الفقهاء ما في حديث الباب، ولعل ما في مراسيل أبي داود كان في زمان ما، وعندي لا يجوز التأويل فيه كي يوافق المشهور، ولا خلاف في البقر إلى أربعين، وإذا زادت فعند أبي حنيفة في الكسور أيضاً زكاة لا عند صاحبيه. قوله: (من كل حالم إلخ) هذا حكم الجزية، الجزية عندنا على نوعين: جزية توضع على الكفار صلحاً، وجزية توضع عليهم بعد استيلائنا عليهم عنوة، ولعل ما في الباب من القسم الأول ولا تحديد في هذا، وأما القسم الثاني فعندنا العمل ما وضع عمر الجزية، أي ثمانية وأربعون درهماً على الغني، وأربعة وعشرون على المتوسط، واثني عشر على الفقير، وأما ما في الباب فجزية صلح لأن أهل نجران أتوا إليه عليه الصلاة والسلام للمباهلة فكفوا عنها ثم قبلوا الجزية. قوله: (دينار إلخ) في رواية اثنا عشر درهماً، فنقول: إن الدرهم على نوعين درهم تكون عشرة منها قدر دينار، ودرهم تكون اثنا عشر منها قدر دينار كما لعلها تدل مناظرة الشافعي وشيخه محمد بن حسن. قوله: (أو عدله معافر إلخ) هذا يدل على جواز دفع قيمة ما وجب، ووافقنا البخاري في هذه المسألة وأشار إلى الأدلة، والمعافر ثوب يمني، وقيل: إن معافر اسم قبيلة في اليمن.

باب ما جاء في كراهية أخذ خيار مال الصدقة

باب ما جاء في كراهية أخذ خيار مال الصدقة

[625] أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السعاة أن لا يتعدوا على المُصَّدقين، وأمر أرباب الأموال أن لا يمنعوا الساعين من أموالهم، فإن الأمر دائر بين الطرفين كما قلت في إمامة من زار قوماً، وبعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاذاً إلى اليمن في السنة التاسعة ثم اختلف أنه هل يرجع من سفره أم لا؟ والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارتحل إلى دار البقاء ومعاذ في اليمن وكان في اليمن مخلافان، على أحدهما معاذ بن جبل، وعلى ثانيتهما أبو موسى الأشعري. قوله: (فإن هم أطاعوك فأعلمهم إلخ) استدل بعض الأحناف بحديث الباب على أن الكفار ليسوا بمخاطبين في الفروع، وأجاب الشافعية بأن المذكور في الحديث الترتيب لأنه يعلم الكافر الإسلام أولاً ثم ما بعده من الفروع، وأقول: إن في المسألة تفصيلاً بعضه في التحرير. واعلم أن الشافعية والأحناف متفقون على أن الكفار مخاطبون بالإيمان والعقوبات أي الحدود والمعاملات، واتفقوا على أن الكافر إذا أسلم لا شيء عليه من قضاء ما مضى من الصلوات في حالة الكفر، والاختلاف في الصوم والصلاة والحج والزكاة في حال الكفر، فقال الشافعية والمالكية: إنهم مخاطبون بها، وقال العراقيون منا: إنهم مخاطبون، ومعنى كونهم مخاطبين أنهم يعذبون في جهنم على ترك ما يخاطبون به، وأما إذا أسلم المرتد فقيل: يجب عليه قضاء الصلوات الفائتة حالة الارتداد، وقيل: لا قضاء عليه، وأقول: إن للأحناف ثلاثة أقوال في كونهم مخاطبين بالفروع؛ قال العراقيون: إنهم مخاطبون بالفروع اعتقاداً وأداءً أي يعذبون في النار على اعتقادهم بعدم الفرضية وعلى عدم أداءهم، وقال جماعة من مشائخ ما وراء النهر: إنهم مخاطبون اعتقاداً لا أداءً فلا يعذبون في جهنم إلا على عدم اعتقادهم الفرضية، وقال جماعة منهم: إنهم ليسوا بمخاطبين اعتقاداً وأداءً فلا يعذبون

عندهم إلا على تركهم الإيمان، والمختار قول العراقيين واختاره صاحب البحر في شرح المنار، وهناك بحث في كونهم مخاطبين بالمعاملات بأنهم هل هم مخاطبون حلة وحرمة أي باعتبار أحكام العقبى أو صحة وفساداً، أي باعتبار أحكام الدنيا، ومر على هذا الشيخ ابن الهمام في فتح القدير ولم يذكر فاصلاً، فأقول: إنهم مخاطبون حلة وحرمة اطراداً وأما صحة وفساداً فمخاطبون في بعض الجزئيات لا في البعض كما تدل عليه عبارات فقهاءنا كما في الكنز: أنه إذا نكح بلا شهود يقرّ على نكاحه إذا أسلم، ولو نكح ذات رحم محرمة يفرق بينهما، وتدل على ما قلت ما في الهداية ص (318) ج (1) ، وفيه ص (324) ج (1) . باب نكاح أهل الشرك، وأما النكاح فهل هم مخاطبون فيه أم لا؟ فتردد فيه الشيخ ابن الهمام، ولعلهم مخاطبون مرة لا أخرى أي في بعض الجزئيات لا في بعض الآخر كما يدل عليه ما نقلت من الهداية. قوله: (وترد على فقرائهم الخ) استدل بحديث الباب الشيخ ابن الهمام على أنه لا يجب أداء الزكاة إلى جميع الأصناف، قال الشافعية: يجب أداء الزكاة إلى ثلاثة أفراد من كل صنف من الأصناف، وزعم صاحب شرح الوقاية أن محتج الشافعي الجمع المذكور في الآية، أقول: إن مدار الخلاف الاختلاف في التفقه، تفقُّهُ الشافعي أن الأصناف مستحقون لمال الزكاة، وتَفَقُّهَ أبي حنيفة أن الأصناف مصارف لا أنهم مستحقون، وقال الشافعية: لو لم يجد الأصناف في بلاده يجوز أداءه إلى من يجده من الأصناف.

باب ماجاء في صدقة الزرع والثمر والحبوب

باب ماجاء في صدقة الزرع والثمر والحبوب

[626] قوله: (خمسة ذود إلخ) تركيب إضافي أو توصيفي، وذود جماعة الإبل من ثلاثة إلى تسعة والذود في أصل اللغة ما يدفع الفقر. قوله: (فيما دون خمسة أوسق إلخ) قال الحجازيون وصاحبا أبي حنيفة: لا صدقة فيما دون

خمسة أوسق مما أخرجت الأرض، وقال أبو حنيفة: ما أخرجت الأرض فيه العشر قلَّ أو كثر، وتمسك الحجازيون بحديث الباب، وأجاب صاحب الهداية أن في الحديث ذكر بيان زكاة مال التجارة وكان خمسة أوسق ذلك الزمان قدر مائتي درهم، أقول: إن جواب الهداية يخالفه ما رواه الطحاوي ص (315) ج (1) (ما سقت السماء أو كان سيحاً أو بعلاً فيه العُشر إذا بلغ خمسة أوسق) إلخ عن أبي بكر بن محمد عن أبيه عن جده، وتكلم المحدثون في سنده من جانب سليمان بن داود، قيل: إنه ابن أرقم وهو متروك، وقيل: إنه راوٍ آخر ثم رأيت في كتاب الديات لأبي بكر بن عاصم الظاهري أنه راوٍ آخر فيكون السند قوياً، وأجاب العيني بأن حديث الباب في المتفرقات (نده) ، وجواب العيني نافذ، لأن جمعه عليه الصلاة والسلام المتفرقات في بعض الأحيان ثابت، ولكن الظاهر رواية الطحاوي السابقة تخالفه فإن ظاهرها يدل على أنه عشر، والجواب أنه محمول على العرايا، والعرية تكون في خمسة أوسق، فلما أعطى رجل ما خرج من أرضه بطريق العرية فلا زكاة عليه فيما أعرى لأنه مثل من وهب بجميع ماله أو بعضه أنه لا زكاة عليه فيما وهب، فصح أنه لا عشر فيما دون خمسة أوسق لأنها عرية، وعندي قرائن تدل على أن الحديث في العرايا كما ذكرها، وتمسك الأحناف على مذهب أبي حنيفة بحديث عام رواه مسلم: «فيما أخرجت الأرض العشر» إلخ وقالوا: إن «ما» عامة فتعارض العام والخاص فترجح فرجحنا العام، أقول: إن الصحيح الاحتجاج بالرواية الخاصة في مقابلة الخاص فتحج بما رواه الطحاوي ص (213) ج (2) باب العرايا عن جابر بن عبد الله «وفي كل عشرة أقناء قنو يوضع في المساجد للمساكين» إلخ، وما تمسك به أحد منا، والحديث قوي وأخرجه الحافظ في الفتح عن ابن خزيمة في الموضعين، ولم يخرج هذه القطعة في الموضعين، ولا أعلم باعث عدم إخراجه هذه القطعة، وأخرجه أبو داود أيضاً في سننه ص (241) إلا أن في ألفاظه نقصاناً حتى صار المراد مقلوباً وغلط المحشون في بيان المراد وفيه: أمر من كل حادّ عشرة أوسق من التمرقنو يعلق في المسجد للمساكين إلخ باب في حقوق المال، وعندي يحمل ما في أبي داود على ما في الطحاوي لأنه أصرح ومسألة الباب مما لا يمكن إخفاءه فإنه قد جرى عليها تعامل السلف فإنه مذهب مجاهد والزهري وإبراهيم النخعي، ونقل الزيلعي أنه مذهب عمر بن عبد العزيز خليفة الحق والخليفة الرشيد، وكتب إلى رعيته في البلاد أن يؤخذ العشر في كل قليل وكثير، ولم ينقل أن أحداً أنكر على عمر بن عبد العزيز فعلم أنه تلقاه الأمة بالقبول، وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: إن ظاهر القرآن لأبي حنيفة وتدل عليه أربع آيات من {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] إلخ وغيرها، وأما تفقه أبي حنيفة فهو أن العشر كالخراج والخراج في القليل والكثير فيكون العشر أيضاً كذلك، وأما القرائن على

أن المذكور في الحديث حكم العرايا ويشير إليها كلام الطحاوي في غير موضعه منها أن في الصحيحين: أن العرايا إنما تصح إلى خمسة أوسق، فالمتبادر أن في حديث الباب أيضاً حكم العرية والمراد أن دون خمسة أوسق يؤدونه ديانة فيما بينه وبين الله ولا يجب رفعه إلى بيت المال فإنه يؤدي إلى المعرى له ثم لما أداه بجميعه فتأدى زكاته أيضاً، فمراد حديث الباب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة أي لا يجب رفعه إلى بيت المال ورواية جابر في الطحاوي ص (213) أيضاً تشير إلى أنها في العرايا ومنها ما في الطحاوي ص (215) مرسلاً عن مكحول: خففوا في الصدقات فإن في المال العرية والوصية إلخ سندها قوي: رواها أبو داود في مراسيله وفيه: فإن في المال العرية والواطئة إلخ ورواها أبو عمرو في تمهيده وفيه: فإن في المال العرية والوطيئة مراد ما في مراسيل أبي داود وتمهيد أبي عمرو: أن الثمرات تضيع من وطئ الناس بالأرجل لمشيهم ولكن ظني أن الصحيح الوصية، وأما الوطيئة والواطئة فمن تصحيف الراوي، ولنا أيضاً ما في السنن الكبرى للبيهقي أن عمر وأبا بكر كانا يأمران سعاتهما أن لا يخرصوا في العرايا، وقرائن أخر تدل على أن المذكور في حديث الباب حكم العرايا ثم رأيت بعد مدة في كتاب الأموال لأبي عبيد أن هذا حكم العرية، فالجواب هذا والاستدلال ذلك أي في معاني الآثار ص (213) ، وأبو عبيد إمام غريب الحديث ويروي النقول في غريب الحديث عن محمد بن حسن الشيباني، وهو معاصر ابن معين وأحمد بن حنبل.

باب ما جاء ليس في الخيل والرقيق صدقة

باب ما جاء ليس في الخيل والرقيق صدقة

[628] قال أبو حنيفة: إن في الخيل إذا كانت للتجارة أو للتناسل زكاة، وقال سائر الأئمة: لا زكاة في الخيل وأتى الزيلعي لواقعتين أخذ فيهما عمر بن الخطاب زكاة الخيل، وأقول: إن لنا ظاهر ما في مسلم ص (319) «ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا في رقابها» إلخ فإن الحق في رقاب الخيل هو حق الزكاة وتأول فيه، والجواب عن حديث الباب أن الخيل خيل الركوب وقد سلم سائر الأئمة أن

المراد من العبد في حديث الباب عبيد الخدمة، فقال أبو حنيفة: لما كان العبد عبد الخدمة يكون الخيل أيضاً خيل الخدمة والركوب فتكون الجملتان القرينتان متناسبتين.

باب ما جاء في زكاة العسل

باب ما جاء في زكاة العسل

[629] قال أبو حنيفة: إن العسل الذي في أرض عشرية فيه عشر قلَّ أو أكثر، وحديث الباب لنا وتكلم فيه الترمذي، ولنا حديث مرسل جيد ذكر الحافظ الزيلعي في التخريج والشيخ ابن الهمام، وأما أكثر أهل العلم وأحمد بن حنبل فمع أبي حنيفة بإقرار الترمذي، وأما العسل الذي حصل من المفاوز والجبال ففي فتاوى قاضي خان أن فيه أيضاً عشراً، وهذا في دار الإسلام، وأما في دار الحرب فلا عشر ولا خراج. (ف) واعلم أن أراضينا في هذا العصر ـ أي أراضي الهند ـ لا عشر فيها في شيء لأنها أراضي دار الحرب وهكذا حصل لي من كتب الفقه، وقال مولانا المرحوم الگنگوهي أيضاً: بأن أراضينا أراضي دار الحرب، وأما دار الحرب فهي التي تكون فيها فصل الأمور ـ أي الخصومات ـ في أيدي الكفار، وليس الاصطلاح أنها هي التي يمنع فيها المسلمون من أداء الفرض من الصوم والصلاة كما زعم بعض الناس فإنه لا أصل لهذا التعريف، وأما دار يَمن فيها للمسلمين أن يجعلوا فصل الأمور أي الخصومات في أيديهم وقادرون على هذا فهو دار الإسلام ويكون الناس آثمين على عدم جعلهم الخصومات في أيديهم مثل مملكة كابل، وذكر مولانا محمد أعلى التهانوي رحمه الله في رسالة له: أن أراضي الهند ليست بعشرية ولا خراجية بل أراضي الحوزة أي أراضي بيت المال والمملكة والله أعلم، وسمعت أن مولانا المرحوم الگنگوهي أفتى بأن الرجل الذي لا يعلم أن أرضه انتقلت إليه من أيدي الكفار والأرض الآن في ملكه فعليه عشر، والله أعلم، وأما الأرض الخراجية فعلى أربعة عشر

قسماً، والأرض العشرية على ثمانية أقسام ذكرها صاحب الولوالجية، ولي نظم في تفصيل الأرض الخراجية والعشرية.

باب ما جاء لا زكاة على المال المستفاد حتى يحول عليه الحول

باب ما جاء لا زكاة على المال المستفاد حتى يحول عليه الحول

[631] واعلم أن المال المستفاد على ثلاثة أنواع: أحدها: الربح الذي حصل بعد التجارة ويضم هذا المستفاد إلى الأصل اتفاقاً. وثانيها: أن يحصل المال من غير جنس المال الذي عنده، كمن كانت عنده إبل فحصلت له الشياه ولا يضم هذا إلى ما عنده من المال اتفاقاً، ومال التجارة جنس واحد والنقدان من جنس واحد والسوائم أجناس مختلفة. وثالثها: المال الذي حصل من جنس ما عنده لا من ربح بل بوصية أو توريث أو غيرهما هذا مختلف في الضم وعدمه، قال أبو حنيفة ومن تبعه: يضم وقال الحجازيون: لا يضم، ثم للضم عندنا شروط كما في الكنز: ويضم، المستفاد في أثناء الحول إلى نصاب من جنسه، إلخ. وتمسك

الحجازيون بحديث الباب، وأقول: لولا أن في سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف، وثانياً إن المذكور في الحديث لا يجب أن يكون من القسم الثالث المصطلح للفقهاء بل مراده هو المستفاد لغة أي المال الحاصل ابتداءً فإنه لا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول. قوله: (عن نافع عن ابن عمر إلخ) سنده قوي غاية القوة إلا أنه موقوف.

باب ما جاء ليس على المسلمين جزية

باب ما جاء ليس على المسلمين جزية

[633] أجمعوا أن الجزية على الذمي لا المسلم، ولو أسلم الذمي وكانت عليه جزية سنين فلا يجب أداءها بل سقطت، وسمعت أن رجلاً صنف كتاباً وموضوعه أن الجزية على الذميين مظلمة لم تكن أقول: لا يجزئ المسلم على هذا القول فإن الجزية ثابتة بالقرآن العظيم [التوبة: 39] الآية وتواتر به تعامل السلف والأحاديث ولا يقول به إلا من لا شمة له من العلم، فإنه إن استنكر الجزية على الذميين لمحض التسمية بالجزية فليس إلا جهالة، فإن المسلمين يؤخذ منهم ما لا يؤخذ من الذميين فإن المسلم يجب عليه الزكاة والعشر أو الخراج وغيرهما من الأموال والأنفس. قوله: (يحيى بن أكثم إلخ) هذا ثقة حنفي، وكان قاضياً في عهد المأمون.

قوله: (جزية عشور الخ) أصله أن ملوك العرب كانوا يأخذون العشر ممن تحتهم ثم استعمل العشور في حق أخذ مظلمة، وفي الحديث رواه صاحب المشكاة: أنه عليه الصلاة والسلام لعن العشار. إلخ، أي الآخذين من غير حق وأما في حديث الباب فالمراد به الجزية لا ما أخذ مظلمة.

باب ما جاء في زكاة الحلي

باب ما جاء في زكاة الحلي

ّ

[635] لا زكاة في الحلي عند الشافعي ومالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: فيها زكاة إذا صيغت من الذهب والفضة وصح الحديثان لمذهب أبي حنيفة، وتعرض الشافعية وتبعهم أن يكلموا في إسنادهما ولا يمكن الكلام فيهما. قوله: (تصدقن ولو من. . إلخ) سياق الحديث مشير إلى الصدقة هذه واجبة، ويمكن للشافعية التأويل فيه بحمله على المتفرقات، وظاهر أحاديث الباب لأبي حنيفة.

قوله: (ولا يصح في هذا عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيء إلخ) تمعجب الحفاظ من قول الترمذي هذا لأن الأحاديث ثابتة، أخرج الزيلعي حديثاً صحيحاً عن ابن عمر، ولنا ما أخرج أبو داود ص والنسائي وصححه ابن القطان في كتاب الوهم والإيهام رجلاً رجلاً، وتأول فيه ابن حجر المكي الشافعي في كتاب الزواجر عن ارتكاب الكبائر، وذلك التأويل تأويل محض لا روح فيه.

باب ما جاء في زكاة الخضروات

باب ما جاء في زكاة الخضروات

[638] قال الحجازيون: لا عشر في الخضروات، وقال أبو حنيفة: إن في الخضروات صدقة ويؤديها

ديانة أي فيما بينه وبين الله، ولا يجب رفعها إلى بيت المال، وأما جواب حديث الباب المرسل فما قال صاحب الهداية ص (184) ج (1) : إنه لا يجب رفعها إلى بيت المال، ولنا ما أخرج الزيلعي أن عمر بن عبد العزيز خليفة العدل الراشد كتب إلى رعيته في البلاد من كانت عنده عشرة وستجات فعليه أداء وستجة.

باب ما جاء في الصدقة فيما يسقى بالأنهار وغيرها

باب ما جاء في الصدقة فيما يسقى بالأنهار وغيرها

[639] اتفقوا على أن ما سقت العيون والسماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر ويدخل في النضح ما سقي بالدولاب أو الناقة أو بالدلاء، ثم اختلف في رفع المؤنة. فقيل: العشر أو نصفه بعد رفع المؤنة، وقيل: العشر أو نصفه بلا رفع المؤنة، وإليه ذهب أبو حنيفة.

قوله: (عَثَرِّياً إلخ) من العاثور بمعنى الكارينه (جوتاليال زين يى هول) ، وقيل: من العثور أي الاطلاع والحاصل أن العثور هي الأشجار التي على شط النهر وتأخذ الماء بأنفسها.

باب ما جاء في زكاة مال اليتيم

باب ما جاء في زكاة مال اليتيم

[641] المراد من اليتيم الصبي غير الحالم مات والداه أم لا، وقال الشافعي: يزكي ماله، ولا مرفوع لأحد، وللطرفين آثار، لنا أثر ابن مسعود، ولهم أثر عائشة الصديقة، وأما حديث الباب فساقط لأن فيه مثنى بن الصباح وما حسن أحد رواياته. قوله: (أن عمر بن الخطاب. . إلخ) يشير إلى أنه موقوف. قوله: (هو عندنا واه. . إلخ) أي الحديث واه، لا أن عبد الله واهٍ، فإن الكلام في سنده وعن أبيه عن جده لا في سائر الأسانيد فإن أسانيده غير هذا مروية في الصحيحين، وقيل: إن عمراً لم

يسمع من جده عبد الله أقول: إن في مستدرك الحاكم في كتاب البيوع لفظ سمعت فثبت سماعه من جده، وقيل: إنه كان يروي من جادة جده له.

باب ما جاء أن العجماء جرحها جبار وفي الركاز الخمس

باب ما جاء أن العجماء جرحها جبار وفي الرّكاز الخمس

[642] قوله: (العجماء جرحها جبار إلخ) هذا معمول به في الجملة عند الأحناف والتفصيل في الفقه، وإن أنفلت الدابة وأتلفت زرع أحد لا ضمان على مالك البهيمة ليلاً كان أو نهاراً هذا مذهب أبي حنيفة، وقال الشافعي: إنها إن انفلت في الليل فضمان ما أتلفت على مالك الدابة لأن حفاظة الدواب على مالكها ليلاً، وحفاظة الزرع على مالك الزرع نهاراً، وللشافعي في هذا التفصيل حديث مرفوع في خارج الصحاح لكنه أعله بعض الأئمة وقالوا: إنه موقوف، ولأبي حنيفة عموم حديث الباب «العجماء جرحها جبار» إلخ ثم أقول: إن في عامة كتب فقهنا عدم التفصيل في المسألة المذكورة ليلاً ونهاراً، وفي الحاوي القدسي التفصيل مثل ما في الحديث المذكور، أقول: بجمع بين الروايتين بالحمل على اختلاف الأحوال باختلاف تعامل البلاد. قوله: (والمعدن جبار إلخ) أي من حضر المعدن فهدم عليه فدمه هدر هذا الشرح منا، وقال الشافعية: إن مراده عدم الخمس في المال الحاصل من المعدن. قوله: (والبير جبار إلخ) شرحه كما شرحنا في المعدن جبار وتفصيل الفروع في الفقه. قوله: (وفي الركاز الخمس إلخ) مسألة الركاز أول المسائل التي اعترض فيها البخاري على أبي حنيفة، وذكر ببعض الناس في اثنين وعشرين موضعاً، وقال الشافعية: إن مراد البخاري ببعض الناس أبو حنيفة في جميع المواضع، وأن مراده في جميع المواضع الرد أقول: إن الزعمين ليسا بصحيحين فإنه قد يذكر ببعض الناس ويختار تلك المسألة كما في سورة الرحمن كما يدل عليه سياقه وسباقه وكما يظهر لمن تتبع في صحيحه، وأيضاً قد يعبر ببعض الناس ويريد به محمد بن حسن وقد يريد عيسى بن أبان تلميذ محمد، وكذلك يريد زفر بن وقد يريد الشافعي كما سيظهر في البخاري،

والركاز عند الحجازيين وفي رواية لا يجب، وأما التفقه فقال أبو حنيفة: إن دفن الجاهلية والمعدن مثل مال الغنيمة لأنها من أجزاء الأرض ففيهما الخمس، وقال الشافعي: إن المعدن مخلوق فيكون كما حصل له مال دفن الجاهلية كالغنيمة فيكون فيه الخمس، ثم قال الشافعية: لو كان الركاز أعم لكان حق العبارة في حديث الباب «وفيه الخمس» إلخ بإرجاع الضمير لأن المعدن مذكور سابقاً، وقال الأحناف: ليس المحل محل إرجاع الضمير لأن المعدن خاص من الركاز ولا يدخل فيه دفن الجاهلية، وفي كتاب الخراج لأبي يوسف حديث مرفوع أن الركاز أعم من المعدن والكنز إلا أن في سنده عبد الله بن سعيد المقبري وهو ينسب إلى الضعف، وأقول: إن لنا ما رواه أبو داود ص (241) : «وما كان في الخراب وفيها وفي الركاز الخمس» إلخ، الخراب ما يكون على فم الأرض والركاز مقابله أي بأن يكون في بطن الأرض وداخلها وهو أعم من المخلوق والمدفون، وفي أبي داود في هذه الرواية لفظ في طريق الميتاء إلخ، الميتاء مشتق من الإيتان أي الشارع العام، وهذه الرواية تفيدنا في شروط الجمعة من مصر جامع وإسنادها قوي، وأدلتنا على كون الركاز أعم مذكورة في موطأ محمد.

باب ما جاء في الخرص

باب ما جاء في الخرص

[643] الخرص التخمين (كن كرنا) ، أي يرسل الأمير رجلاً قياساً ومعتمداً عليه ليخمن الزروع والثمار، والغرض منه أن لا يتلف المالك حق المساكين، واتفق كل من الأئمة الأربعة على عدم الخرص في الصورتين: أحدهما: معاملة المزارعة في الأرض والمساقاة في الثمر فلا خرص بين المالك والمزارع ولا بين المالك والمساقي، والخلاف فيما يخرص رجلاً معتمداً عليه من جانب بيت المال، وفي هذا خلاف فيما بين الحجازيين أيضاً كما في فتح الباري، قال الجماعة منهم: إن الخرص تضمين وهو مدار فصل الأمر، ثم قيل: إنه إذا وقع التنازع بين المالك والخارص فيكفي قول الخارص فقط في التضمين واللزوم، وقيل: يجب رجلان للزوم والتضمين، وقالت جماعة منهم إن الخرص إنما هو اعتبار وتعبير لابه اللزوم وفصّل الأمر وأكثرهم إلى القول الأول، وأما الأحناف فنسب إلينا بأنا نافون للخرص وليس هذا حقيقة الأمر، وموهم هذه النسبة عبارة الطحاوي ولكن جميع عباراته تدل على أن الخرص عندنا أيضاً معتبر ولكنه تعبير فقط وليس مدار اللزوم وهو الحق فلا يجب علينا جواب

الحديث فإنه صادق على مذهبنا إذن فإنه لا يدل على أن الخرص مدار اللزوم، وقد صح الخرص في عهده عليه الصلاة والسلام إلا أن الأحناف ذكروا مسألة الخرص في كتبهم لأنه ليس مدار اللزوم وفصل النزاع، وزعم الناظرون أنهم ينفون وإذا وقع النزاع بين الخارص والمالك فالعمل عندنا بالبينة على المدعي واليمين على من أنكر، وأما وقت لزوم العشر فعند أبي حنيفة إذا صلح الزرع وأمن من العاهة، وعند أبي يوسف وقت الإيواء أي عند الرفع إلى البيت وعند محمد بن حسن عند الحصاد فلو تلف الزرع قبل لزوم وقت العشر فلا شيء فتخلف الفروع على اختلاف وقت لزوم العشر. قوله: (فدعوا الثلث إلخ) في شرح هذه القطعة أقوال: 1 ـ قال الحافظ في فتح الباري: ليس العمل عليه عند الشافعي ومالك، أقول: إن الشافعي قائل بوضع الثلث أو الربع من العشر ولعل الحافظ لم يطلع على هذا. 2 ـ ونسب إلى أحمد أن عمله على هذا الحديث، وقال: يترك العاشر ثلث العشر أو ربعه على ما مر من حديث «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» أي ترك هذا الثلث أو الربع غير ما مر من عدم الصدقة فيما دون خمسة أوسق. 3 ـ قال القاضي أبو بكر بن العربي: إن هذا مؤنة الأرض لأن المالكية قائلون بوضع مؤنة الأرض من العشر. 4 ـ قوله عليه الصلاة والسلام لبيان أن الخرص ليس بأمر تحقيقي ليكون مدار فصل الأمور بل تخمين وتقدير، فروعيت أحوال مالكي الأراضي والبساتين. 5 ـ وفي بعض كتب الشافعية منسوب إلى الشافعي أن الثلث أو الربع ثلث العشر أو ربعه وهذا يعود إلى قول ثلث كل ما خرج من الأرض أو ربعه كما في جوهر النقي.

6 ـ وفي البدائع عن أبي يوسف أن مالك الزرع والبستان يجوز له أن يأكل أو يعطي أحباءه أو عياله من هذا الثلث أو الربع، ويكون العشر من غير هذا الثلث أو الربع، وقال أبو حنيفة: لو تصدق المالك بالثلث أو الربع فلا عشر وإن أكله أو أعطى أحباءه فعليه العشر فيما أعطى أيضاً وقال أبو يوسف: أفتى أبو جعفر الهندواني بأن مالك الأرض يجوز له أن يأكل بالمعروف قبل الخرص. 7 ـ قالت جماعة: إن المالك يجوز له أن يعطي الثلث أو الربع الفقراء بتعارفه ومواجهته ولا يجب رفعه إلى بيت المال. والله أعلم. وظني أن مراد الحديث هو القول الرابع أي بيان أن الخرص أمر تخميني لا تحقيقي فلا يدار عليه فصل الأمور والنزاعات.

باب ما جاء من تحل له الزكاة

باب ما جاء من تحل له الزّكاة

[650] ذكر في البحر: أن الغني على ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يكون مالك النصاب النامي من جنس واحد ويحرم له أخذ الزكاة ويجب عليه أداء الزكاة. وثانيها: من هو مالك مال غير نامٍ زائد على قدر حاجته ولا يجب عليه أداء الزكاة ويحرم عليه أخذها ويجب عليه الأضحية. وثالثها: من يحرم عليه المسألة ويجوز له أخذ الزكاة بدون مسألة، وهو الذي مالك قوت يوم وليلة والأحاديث في تحديد الغني الثالث مضطربة، وكذلك الفقهاء في كنز الأحناف: أنه من يكون مالك قوت يوم وليلة، وفي كتب الشافعية من يكون مالك خمسين درهماً، وقال الغزالي في الإحياء: إن ملك قوت يوم وليلة في حق المتجرد والمنفرد وملك خمسين درهماً في حق صاحب العيال، وأما الأحاديث ففي بعضها: «من له قوت يوم وليلة» وفي بعضها: «من كان ذا مرّة سوياً» أي يقدر على الكسب، وفي بعضها «من يملك خمسين درهماً» وأطنب الطحاوي في الروايات وبوب باباً في المجلد الأول من معاني الآثار وباباً آخر في المجلد الثاني منه، وحاصل البابين أن الاختلاف باختلاف الأحوال. مسألة: من حرم له مسألة فسأل هل يجوز الإعطاء إياه أم لا؟ في الأشباه والنظائر: أن السائل والمعطي آثمان، وأما إثم المعطي فلكونه معيناً على الحرام، وفي شرح المشارق للشيخ أكمل الدين أنه لا إثم على المعطي وأفتى مولانا المرحوم الكنكوهي بما في الأشباه والنظائر ولعله يفصل في المسألة بأنه لو علم المعطي أن السائل لا يتخذه كسباً فلا إثم عليه، ولو علم أنه يتخذه كسباً ويعتاد السؤال فهو آثم وتدل على هذا فروع الهداية في الحظر والإباحة، ولا يجوز لرجل أن يؤكل كلبه لحم الميتة باختياره كما ذكره ابن وهبان في نظمه: ~ وما مات لا تطعمه كلباً فإنه ... حرام خبيث نفعه متعذر وفي شرحه لابن الشحنة أنه لو قطع الميتة وألقى القطعات بين يدي كلبه فآثم وإلا فلا، فالحاصل أن الحكم مختلف باختلاف الأحوال، وفي بعض كتبنا أن الأمر بشيء بدون طيب نفس المأمور والحال أن الأمر يقدر عليه حرام كالمسألة. قوله: (في وجهه خدوش إلخ) قيل: إنه شك الراوي، وقيل: إنه قوله عليه الصلاة والسلام وبعض الألفاظ يدل على شدة وزيادة من الآخر، والاختلاف لعله يكون باختلاف الأحوال.

باب ما جاء من تحل له الصدقة من الغارمين وغيرهم

باب ما جاء من تحل له الصدقة من الغارمين وغيرهم

[655] الغارم عند أبي حنيفة المديون، وعند الشافعي من تحمل غرامة الصلح وإطفاء ما بين الرجلين أو القبيلتين، وفي اللغة كلا المعنيين ثابت بل يجيء الغارم بمعنى الدائن أيضاً، وليعلم أن الاختلاف هل هو مقتصر على التفسير أم مؤثر في الحكم أيضاً؟ قال صاحب البدائع: إن الغارم بمعنى من تحمل غرامة متحمل عند أبي حنيفة أيضاً، أقول: لعل اختلاف الأحكام يكون باعتبار القول الجديد من الشافعي، فإنه يقول في جديده: إن الرجل إذا تحمل غرامة وعنده مال تستغرقه الغرامة ففيه زكاة وقال أبو حنيفة لا زكاة في هذا المال المستغرق. واعلم أن المصارف من الأصناف المذكورة في القرآن مرجع كلها إلى أمرين أي الفقر والسفر كما ثبت بتحقيق المناط. قوله: (أصيب أجل الخ) قال مالك بن أنس: من ابتاع الثمار فأصيبت وهلكت فإن كان الهلاك ثلثاً أو أزيد من الثلث فالضمان على البائع، وإن كان الهلاك أقل من الثلث فالهالك من مال المشتري، وقال أبو حنيفة والشافعي: إن الهلاك من مال المشتري ولا شيء على البائع، وحديث الباب لنا، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «وليس لكم إلا ذلك» إلخ أنه من جانبه عليه الصلاة والسلام إبقاء على هذا الرجل وقبله غرمائه، أو مثل قول من يفصل بين المتخاصمين، ويكون ثالثاً بينهما فإنه يضع شيئاً عن أحدهما لو أراد الوضع ويقبله المتخاصمان.

باب كراهية الصدقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته ومواليه

باب كراهية الصدقة للنبي - صلّى الله عليه وسلّم - وأهل بيته ومواليه

[656] المسألة متفق عليها، وأهل البيت هم آل عليّ وحارث وجعفر وعقيل والحارث عمه عليه الصلاة والسلام والثلاثة بنو أبي طالب، ثم في كتبنا أن الهاشمي لو سعى أي عمل السعاية فلا يأخذ من الزكاة، ويجوز أخذه من الوقف بلا خلاف وأما النافلة ففيها اختلاف، قال الزيلعي شارح الكنز: إنها لا تجوز للهاشمي وتبعه ابن الهمام، وأما غيره فيجوزها له ونقل محمد بن شجاع الثلجي رواية شاذة في جواز أخذ الزكاة للهاشمي لو لم يجد الخمس من بيت المال، ونقله الطحاوي من أمالي أبي يوسف وفي عقد الجيد أفتى الطحاوي من الحنفية وفخر الدين الرازي من الشافعية بجواز الزكاة للهاشمي في هذه الصورة، وأما النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا تجوز له النافلة أيضاً. قوله: (إن قالوا هدية أكل إلخ) الصدقة ما يكون فيه نية الثواب ابتداءً، والهدية ما فيه نية الإرضاء وتطييب الخاطر ابتداءً وإن حصل الثواب أيضاً في المآل، قال عمر بن عبد العزيز خليفة العدل والرشد: إن الهدية كانت هدية في عهده عليه الصلاة والسلام وصارت رشوة في زماننا.

باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة

باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة

[658] قال أبو حنيفة: لا تتأدى الزكاة بدفعها إلى من له قرابة الولادة أو الزوجية، وأما النافلة ففيها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة، وذكر الغزالي أن في الصدقة على ذي قرابة ضعف أجر وتتضاعف بتضاعف الجهات وبسطه بمضمون ذوقيّ كما هو شأنه ودأبه.

باب ما جاء أن في المال حقا سوى الزكاة

باب ما جاء أن في المال حقا سوى الزكاة

[659] أقول: إن في المال حقاً سوى الزكاة ولكنه غير منضبط هو مذهب بعض السلف مثل أبي

ذر فإنه كان يقول به حتى إذا بعثه ومعاوية ذو النورين إلى الشام تنازعا في هذه المسألة، فلما اطلع عثمان على هذا دعاه إلى المدينة، فقال أبو ذر: أريد أن أتخلى وأنفرد في ناحية من المدينة لأعبد الله عز وجل فذهب بامرأته، فلما قرب الموت واحتضر بكت امرأته رضي الله عنهما فقال لم تبكين؟ قالت: إنك محتضر وما عندي شيء أجهزك به وأكفنك، قال: تعزي ولا تبكي وإذا مت فأخبري أحداً فهو يكفنني إن شاء الله، فإذا مات صعدت امرأته على طلل فرأت قافلة فنادت فجاؤها وكان فيهم ابن مسعود فسألها فأطلعته على حالها، قال: ما اسم زوجك؟ قالت: أبو ذر فنزع ابن مسعود عمامته وكفنه بها. قوله: (وهو أصح) يشير إلى أن الصحيح وقفه، وأقول: عندي ذخيرة في مسألة الباب مرفوعة منها رواية ابن عمر بسند صحيح قوي، ويؤيد في ما مر في أول الزكاة عن أبي ذر عنه: «إلا من قال هكذا وهكذا فخشي» إلخ فإن هذا ليس شأن الزكاة الواجبة.

باب ما جاء في فضل الصدقة

باب ما جاء في فضل الصدقة

[661] قوله: (يربى بيمينه إلخ) في حديث صحيح: «كلتا يدي الرحمن يمين» أقول: إن المفهوم من القرآن والأحاديث أن الصدقات تأخذ تزيد من حين تصدق المتصدق فيه وتربو يوماً فيوماً إلى القيامة لا

أنها توضع الآن كما هي وتزاد في المحشر دفعة واحدة، وفي القرآن التشبيه بالسنبلة وهو يشير إلى ما ادعيت، وأقول: من هذا القبيل الحسنة بعشر أمثالها. قوله: (أمرُّوها كما هي الخ) أمرُّوها على ظواهرها، وأما تأويل اليد بالقدرة أو القوة فقال الترمذي: إنه مذهب الجهمية، ولا يقال: إن اليد واليمين والوجه وغيرها من صفات الباري ويفوض التفصيل إلى الباري فإنه يقتضي أن يكون مثل اليد والوجه زائدة على الذات لأنه صفاته تعالى ليست عين ذات ولا غيرها مفصلة عنها بل زائدة على الذات، ومقتضى لفظ اليد ومثله، أن يعبر بلفظ لا لعلها يومئ إلى كونها زائدة على الذات فإنه خروج عن الموضوع، وعبر البخاري بالنعوت ولغته أي بين حليته ومذهب السلف في مثل هذا أن يحمل على ظاهره ويفوض التكيف إلى الله ولا يطلق لفظ

الصفة، وفي فتح الباري ص (343) ، ج (13) في بحث الاستواء على العرش عن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله عين مذهب السلف، وفيه: فإنه وصف الرب بصفة لا شيء إلخ أي فإنه وصف الرب بصفة منبئة عن الانفصال عن الذات، والحال أن الأفعال قائمة به تعالى وليس محلاً للحوادث بلا اختيار منه وبعض تفصيل المسألة مر في باب نزول الله إلى سماء الدنيا. قوله: (الجهمية إلخ) هذه فرقة تنسب إلى جهم بن صفوان الترمذي، وكان ينكر صفات الرب تبارك وتعالى ويقول: إن الصفات تنافي بساطة الذات وتنزيهها، وكان جهم في آخر عهد التابعين، ونقل ابن الهمام مناظرة مع إمامنا أبي حنيفة إمام المسلمين، وقال الإمام في الآخر: اخرج عني يا كافر، فالعجب من النواب صديق حسن أنه قال: إن أبا حنيفة جهمي عياذاً بالله، وهذا القول من غاية عناده ومقابل الجهمية الكرَّامية، والمشهور بفتح الكاف وتشديد الراء، وقيل بكسر الكاف وتخفيف الراء كما يدل من قال: ~ الفقه فقه أبي حنيفة وحده ... والدين دين محمد بن كرام

والفرق بين الكرامية والجهمية أن الجهمية مثل أهل الباطن والكرامية مثل أهل الظاهر وخير الأمور أوساطها.

باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم

باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم

[666] كان أناس حديث العهد بالإسلام ولم يكن الإسلام راسخاً في قلوبهم، فكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعطيهم لتأليف قلوبهم ولم يبق هذا المصرف الآن كما قال الأئمة الأربعة، ثم قيل: إن هذا المصرف انتهى بانتهاء العلة، وقيل: يعطيهم منسوخ ونسب الترمذي إلى الشافعي بأنه قائل ببقاء هذا المصرف إلى الآن، وقال الشاه ولي الله: إن هذا الصنف باق إلى الآن وظاهر حديث الباب أنهم يُعطون وهم في حال الكفر، ولكنه منظور فيه فإن المؤلفة قلوبهم هم الذين أسلموا ولم يرسخ الإسلام في قلوبهم.

باب ما جاء في المتصدق يرث صدقته

باب ما جاء في المتصدق يرث صدقته

[667] يجوز أخذها إذا أتته وراثته عند الأحناف وغيرهم، وفي كتبنا ضابطة أن تبدل الملك يوجب تبدل العين ولكن ليست بمطردة فإنها تتخلف في بعض الجزئيات، كما في الهداية أن المشتري إذا تصرف في بيع البيع الفاسد، فالربح له غير طيب، وأما البائع فيطيب له ربح الثمن، والمسألة هذه مسألة جامع الصغير، وقال الشيخ سعد الدين الذيري في حاشية العناية: إن هذا الخبث منحصر في التبدل بتصرف واحد وأما إذا تعد التصرف فلا خبث، وفي غصب الهداية ص (359) : أنه إذا غصب ألف درهم وشرى به جارية فباعها بألفين ثم اشترى بألفين جارية فباعها بثلاثة آلاف درهم فإنه يتصدق بجميع الربح إلخ، فإنه بقي الخبث مع تعدد التصرف فالحاصل أن الضابطة ليست بكلية، ويمكن لأحد أن يقول: إن هذه الضابطة كلية فيما ليس فيه معاوضة وتسبب تصرف عن تصرف. قوله: (صومي عنها الخ) قال أحمد بن حنبل: يجوز النيابة عن الآخر في صوم النذر لا الفريضة حتى قالوا: إنه إذا مات وعليه ستون صوم نذر، فصام عنه ستون رجلاً في يوم أجزأ عنه وللشافعي قولان: القديم وهو جواز النيابة والجديد وهو عدم جوازها ورجح النووي القديم، وقال أبو حنيفة ومالك: لا يصوم الولي عن الولي نيابة، وقال المحدثون: إن الرجحان من حيث الحديث لمذهب أحمد لأن في بعض طرق الحديث تصريح صوم النذر كما في البخاري ص (262) ، ثم في بعض

الطرق لفظ «رجل» وفي بعضها لفظ «امرأته» كما أشار البخاري فقيل بتعدد الواقعة، وقيل: لا وقال الحنابلة: إن حديث لا يصوم أحد عن أحد في حق الفريضة وتأول الأحناف وجمهور الشافعية في حديث الباب أن مراد «صومي عنها» أطعمي عنها ولكنه تأويل، وأما المسألة ففي الهداية ص276 أن العبادة على ثلاثة أقسام أحدها البدنية ولا يجوز النيابة فيها، وأما المالية فيجوز النيابة عند العجز والقدرة، وأما المركبة من المالية والبدنية فلا تجوز النيابة إلا عند العجز وما تعرض في الهداية إلى الإثابة وتعرض إليها في البحر في باب الحج عن الغير فقال: إن كل عبادة بدنية تجوز فيها الإثابة أي إيصال الثواب، ثم قيل: يجوز الإثابة في الفريضة أيضاً أي يصل الثواب ولا تسقط الفريضة عن ذمة من أصابه الثواب، وقيل: إن الإثابة منحصرة في النافلة، ثم قيل: إن الإثابة إنما تكون للميت فقط، وقيل: للميت والحي كليهما، وأقوال أخر؛ فيقال في حديث الباب: إنه صوم الإثابة لا النيابة، وإن قيل: إن لفظة «عن» تدل على النيابة قلت: إن «عن» أيضاً قد تكون للإثابة كما في البخاري في صدقة الفطر، وأما دليلنا فما في النسائي عن ابن عباس موقوفاً عليه: لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد، وكذلك عن ابن عمر في موطأ مالك (94) ، وأخرج الطحاوي عن عائشة موقوفاً: لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد، وهي رواية حديث الباب المرفوع، وفي العيني شرح البخاري مرفوعاً عن ابن عمر: «من مات وعليه صوم يطعم عنه» ، ونقل تحسينه عن القرطبي، وأعله أكثر حفاظ الحديث، وقالوا: الصحيح وقفه، ونقله محشي البخاري ص (262) وذكر الحديث وتحسين القرطبي، لا إعلال جمهور الحفاظ وهذا الاختصار مخل، وذكر أيضاً أن النسائي رفعه عن ابن عباس، أقول: وقفه النسائي، ثم ما في عمدة القاري عن ابن عمر فقد أخرجه الترمذي ص (90) أيضاً وصوب الوقف، وفي سنده محمد ، وقال الترمذي: إنه محمد بن أبي ليلى وأنه رواه ابن ماجة سنداً ومتناً وفي سنده تصريح محمد بن أبي سيرين فصح السند إلا أنه قال الحافظ في التلخيص: إن في ابن ماجه وهم ابن ماجه أو شيخه ثم رأيت في السنن الكبرى في موضعين تصريح ابن أبي ليلى في السند، وظني أن القرطبي لا يحسن بناءاً على ما في الترمذي فإنه فيه محمد بن أبي ليلى وما حسنه أحد إلا الترمذي في موضع واحد في أبواب السفر، ولعل تحسين القرطبي بناءً على ما في ابن ماجه والله أعلم، ولنا أيضاً قراءة ابن عباس في الآية: [البقرة: 184] كان يقول الشافعي: لا يصح الإثابة إلا إثابه الدعاء والصدقة ولا يمكن إيصال ثواب تلاوة القرآن، وأما عندنا فيجوز إيصال ثواب كل شيء من العبادة، ثم أفتى الشافعية بجواز إهداء ثواب التلاوة.

باب ما جاء في كراهية العود في الصدقة

باب ما جاء في كراهية العود في الصدقة

[668] أي يتصدق بشيء ثم يشتريه وهو جائز، وأما نهيه عليه الصلاة والسلام عمر فإنما كان لئلا يحابي الرجل لرعاية عمر، «إن رجلاً» إلخ هو سعد بن عبادة.

باب ما جاء في تصدق المرأة من بيت زوجها

باب ما جاء في تصدق المرأة من بيت زوجها

[670] إن كانت المرأة مجازة دلالة أو صراحة أو عرفاً فيجوز لها وتحرز الثواب، وإلا فلا بل عليها وزر.

قوله: (لها به أجر مثل إلخ) ليس المراد التشبيه في المساواة في الأجر وإن أجر الخادم كأجر مالكه، وإن ثواب الزوجة كثواب الزوج، هل المراد أن كل واحد يحرز ثواب عمله كما يدل حديث عائشة في الباب؟ وأما ما في سنن أبي داود ص (244) مرفوعاً عن أبي هريرة: «وإن أنفقت من غير أمره فلها نصف أجره» إلخ ففيه إشكال، فإن المنفي إما أمر صريح وأعم من الأمر صراحة أو دلالة فإن كان الأول فكيف التنصيف، وإن كان الثاني فكيف الأجر فضلاً عن النصف؟ بل يكون عليها وزر في هذه الحالة، وأقول: إن المنفي الأمر الصريح وأما التنصيف فمن أجر عملها معاً، أي لها أجر عملها، وأما النصف فبمعنى الحصة وقد ثبت النصف بمعنى الحصة كما في: ~ إذا مت كان الناس نصفان شامت ... وآخر مثن بالذي كنت أصنع وكذلك في: ~ إذا نصف من الشبان ولى ... فواصل شرب ليلك بالنهار فحاصل الحديث أن المرأة تحرز لعلها أجر عملها والزوج يحرز أجر عمله.

باب ما جاء في صدقة الفطر

باب ما جاء في صدقة الفطر

[673] في المُغرِب أن الفطرة بالتاء بهذا المعنى أي صدقة الفطر ليس بثابت في اللغة بل اللغة صدقة الفطر بدون التاء، ولما أضاف الشريعة الصدقة إلى الفطر دل على أن الفطر سبب فإن الإضافة من علامات السببية كما في الأصول ثم السبب عند أبي حنيفة فطر صبح يوم العيد لأن شأن هذا الفطر جديد، وقال الشافعي: إن السبب فطر آخر مغرب رمضان وتدار الأحكام على هذا الاختلاف، ووجه مذهب أبي حنيفة أن فطر المغرب شأنه مثل شأن سائر الإفطارات بخلاف فطر صبح يوم العيد، وينبغي للخطيب أن يذكر في خطبته جواب سؤالات: على من تجب؟ كم تجب؟ عمن تجب؟ مم تجب؟ متى تجب؟ أما الأول أي على من تجب فعلى مالك النصاب ولو غير نام، وأما عند الشافعي: فعلى من له فاضل من قوت يوم وليلة، وأما عمن تجب؟ فعن أولاده الصغار والعبيد ولو كانوا كافرين هذا عندنا، ووافقنا البخاري في الصدقة عن العبيد الكافرين لأنه بوب أولاً ص (204) على العبيد بقيد المسلم ثم بوّب ص (205) على العبيد بدون قيد المسلم، وأما كم تجب؟ فالصاع عند أبي حنيفة في بعض الأشياء ونصف صاع في بعض الأشياء، وقال الشافعي: يجب الصاع من كل شيء، وأما مم تجب؟ فبأن يعطي الحنطة أو الشعير أو الأقط أو قيمتها، وأما متى تجب؟ فعند أبي حنيفة بعد صبح يوم العيد، وعند الشافعي بعد غروب ذكاء اخر رمضان، وأما اختلاف أن النصاب شرط الصدقة عندنا لا عند الشافعي، فتمسك الأحناف بحديث البخاري: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنًى» إلخ أي يبقى الغنى بعد الصدقة، أقول: إن التمسك بهذا ليس بظاهر فإنه استدلال بالأعم من الأعم، والخارج من الأحاديث عدم اشتراط النصاب في الأضحية وصدقة الفطر، وأقول: إن غاية مسكة استدلالنا أن يقال: إن الشريعة تسمي صدقة الفطر بالزكاة فإنه روي في خارج الصحاح الست أن آية إلخ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] في صدقة الفطر {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] في صلاة العيد، والرواية قوية مرسلة، وكما في حديث الباب تلقيب الصدقة بالزكاة وكذلك في أحاديث أخر، فإذن نقول: إن الزكاة المعروفة زكاة الأموال، وصدقة الفطر زكاة الأبدان، وفي حديث المشكاة: «أن صدقة الفطر طهرة النفس» فدل على أنها زكاة الأبدان، فإذا كانت الصدقة زكاة يشترط النصاب فيها كما في زكاة الأموال، ويشير إلى هذا ما قال أصحابنا: إن في عبيد التجارة زكاة فقط لا صدقة الفطر وهذا غاية المسكة، وللعامل أن يضحي ويتصدق بصدقة الفطر من تيسر له أقول أيضاً: إن ما في فتح الباري يشير إلى ما قلت: إن صدقة الفطر زكاة وفيه: أنه عليه الصلاة والسلام أمر بصدقة الفطر في المدينة ثم بعده نزل الزكاة ولم ينه عن الصدقة، فقول الصحابي يشير إلى المعادلة بين الصدقة والزكاة، وأعله الحافظ في موضع وقواه في موضع آخر.

قوله: (صاعاً من طعام إلخ) قال الشافعية: إن في صدقة الفطر صاعاً من كل شيء، وفي كفارة اليمين مدين من كل شيء، وقال أبو حنيفة رحمه الله: إن في الصدقة صاعاً من بعض الأشياء ونصف صاع من بعض الأشياء مثل الحنطة، وأما الزبيب ففيه روايتان المشهورة نصف صاع وفي الشاذة صاع صححهما البهنتي كما في الدر المختار، وأخذها أبو اليسر البزدوي، وقال: إنها معمولة بها وقال ابن عابدين: لا يمكن للبهنتي التصحيح فإنه ليست له مرتبة التصحيح والمختار أن يجمع بين الروايتين أي الاختلاف بحسب الاختلاف في القيمة، وأما باقي الأشياء المذكورة في حديث الباب فليس لنا خلاف وقال الشافعية في حديث الباب: إن المراد من الطعام الحنطة أقول: قال الزرقاني شارح موطأ مالك: إن المراد من الطعام الذرة (مكي) وكانت الحنطة قليلة في الحجاز، وأيضاً في صحيح البخاري ص (304) ما يدل صراحة على خلاف قول الشافعية فإنه قال أبو سعيد: طعامنا الشعير والتمر والزبيب، وأغمض الحافظ عن هذه الرواية، وأما أدلتنا مما في معاني الآثار ص (321) ، ج (1) . روايات تدل على نصف صاع حنطة رفعاً وقفاً، وفي بعض الطرق حجاج بن أرطأة وهو متكلم فيه، ومع ذلك حسَّن الترمذي أحاديث حجاج بن أرطأة في مواضع تزيد على عشرين، ولنا أيضاً ما في معاني الآثار عن الخلفاء الثلاثة من الشيخين وعثمان وذكره عثمان في خطبته على المنبر، وأما المرفوع فلنا ما ذكره صاحب الهداية رواية ثعلبة بن أبي صُعَيرُ وأخرجها أبو داود بسند حسن، ولنا ما أخرج الزيلعي مرسل سعيد بن المسيب ومراسيله مقبولة عند الشافعي أيضاً، وأحاله إلى الطحاوي ولم أجده في النسخة المتداولة في أيدينا لمعاني الآثار ولا بد من كونه في الطحاوي، ولعل في نسختنا سقطاً نعم في معاني الآثار ص (320) حديث آخر لنا بسند من ربيع الجيزي وربيع المؤذن، وإذا كان مروياً بسند وسيما هو مرسل سعيد بن المسيب وافقه فتيا السلف يكون مقبولاً بلا ريب. قوله: (فعدل الناس إلى نص إلخ) لا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان أمر بصاع من حنطة.

قوله: (على كل مسلم الخ) إن كان المراد منه عمن تجب الزكاة؟ فيخالفنا الحديث وأن المراد على من تجب عليه فلا، أقول: إن المراد على من تجب؟ ولا يخالف. قوله: (حر أو عبد) الآن المذكور في الحديث عمن يلزم والله أعلم. قوله: (غريب حسن إلخ) الرجال ثقات إلا سالم بن نوح العطار وهو أيضاً من رجال مسلم. قوله: (من المسلمين إلخ) قال أبو حنيفة وإسحاق ابن راهويه: إن العبد الكافر يتصدق عنه مولاه، وأشار البخاري إلى مذهبنا بل إنه اختار مذهبنا، وقال الحجازيون: لا صدقة إلا عن العبيد المسلمين، وقال ابن دقيق العيد إن زيادة «من المسلمين» تفرد بها مالك ويشير إليه كلام الترمذي وقد وجدت متابعات عن ستة رجال منهم عمر بن نافع في البخاري، وضحاك بن عثمان في مسلم ذكره النووي ص (317) وزاد عليه الحافظ في النكت على ابن الصلاح، وأما الجواب من جانبنا فنقول: إن

قيد «المسلمين» قيد على من تجب لا قيد عمن تجب نقله الطحاوي والكلام صحيح عربية بلا تكلف، وأيضاً نقول: إن راوي حديث الباب ابن عمر، وفي فتح الباري في غير باب الصدقة: أن ابن عمر كان يتصدق من عبيد الكفار، هذا والله أعلم.

ما جاء في تقديمها قبل الصلاة

ما جاء في تقديمها قبل الصلاة

[677] يستحب أداؤها قبل الصلاة ولو أداها بعد صلاة العيد كان أداءاً لا قضاء، وفي الصحيحين: أن يده عليه الصلاة والسلام كان أجود من الريح المرسلة في رمضان، فدل على أن الصدقة أفضل في رمضان وكذلك ذو الحجة، وكان السلف أيضاً يزكون في رمضان.

باب ما جاء في تعجيل الزكاة

باب ما جاء في تعجيل الزكاة

[678] يصح إذا كان مالك نصاب ثم له شروط وإن جواز التعجيل فلأنه إذا ملك النصاب فحصل نفس الوجوب.

واعلم أن وجوب الأداء ونفس الوجوب شيء واحد عند البعض ولا فرق بينهما وإليه ميلان صاحب البدائع، قال: إليه ميلان مشائخنا أي ما وراء النهر، وقيل: إن بينهما فرقا. قوله: (زكاة العباس إلخ) كان عمر عامله عليه الصلاة والسلام، فذهب إلى العباس وخالد وابن جميل فلم يعطوه الزكاة فشكا الفاروق الأعظم إليه عليه الصلاة والسلام، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أما خالد فإنكم تظلمونه لأنه تصدق بجميع ماله في بيت المال، وأما العباس فأخذت منه زكاة عامين، وأما ابن جميل فما أعطى إلا أنه تعالى أعطاه الله مالاً، ثم أتى ابن جميل بزكاته فما أخذها عليه الصلاة والسلام وما أخذ الشيخان في عهد خلافتهما.

باب ما جاء في النهي عن المسألة

باب ما جاء في النهي عن المسألة

[680] قوله: (فإن اليد العليا إلخ) اختلفوا في تفسير الحديث فقيل: إن العليا المنفقة والسفلى الآخذة، ويؤيده ما في سنن أبي داود ص (204) عن ابن عمر، وقال المحدثون: إنه موقوف، وإلى هذا التفسير يشير أكثر الأحاديث وقيل: إن العليا المتعففة والسفلى السائلة، ويشير إليه ما في سنن أبي داود ص (233) ولكنه ليس في أكثر طرق هذا الحديث، وقيل: إن العليا يد الله والسفلى يد الخلق وموهم هذا التفسير آية «يد الله هي العليا» إلخ. قوله: (الرجل سلطاناً إلخ) لأن السلطان عنده حقوق المسلمين في بيت المال كما قال الغزالي في الإحياء، وقيل: إن السؤال من السلطان ليس فيه إذهاب العِرض، وإن لم يكن له حق في بيت المال والله أعلم بالصواب.

كتاب الصوم

كتاب الصوم

الصوم في اللغة الإمساك عن الأكل كما قال قائل: ~ خيل صيام وخيل غير صائمه ... وصوم رمضان فُرض في السنة الثانية بعد الهجرة كما قال في الدر المختار والله أعلم. وكان صيام البيض وعاشوراء فرضاً، ثم نسخ الفرضية لما في أبي داود: أنه عليه الصلاة والسلام أرسل أن من أكل يوم عاشوراء فليقض يوماً مكانه.

باب ما جاء في فضل شهر رمضان

باب ما جاء في فضل شهر رمضان

[682] قال علماء اللغة: إن لفظ شهر لا يضاف إلا إلى رمضان والربيعين، واختلفوا في رجب وجاء في رواية ضعيفة أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى والله تعالى أعلم، وفي الربيع الآخر في راء الآخر اختلاف قيل بكسرها وقيل بفتح وقال قائل: ~ لا تضف شهراً للفظ الشهر ... إلا الذي أوله الراء فادر

قوله: (صام شهر رمضان إلخ) هذا يدل على التراويح وسيجيء التفصيل في آخر أبواب الصوم. قوله: (إيماناً واحتساباً إلخ) تفصيل الإيمان سيأتي في البخاري، وأما احتساباً فمعناه حسبة لله وأكثر ما يجيء في ما يخشى الذهول عنه.

باب ما جاء لا تقدموا الشهر بصوم يوم أو يومين

باب ما جاء لا تقدّموا الشهر بصوم يوم أو يومين

[684] حديث الباب حديث الصحيحين وفي الهداية أن تقديم رمضان بيوم أو يومين بنية رمضان مكروه تحريماً، وأما صوم ثلاثة أيام فصاعداً قبل رمضان فلا بأس فيه وأما القضاء والكفارة فقيل: إنه خلاف الأولى ومكروه تنزيهاً، وأما النفل المطلق قبل رمضان بثلاثة أيام فصاعداً فلا كراهة فيه، وقال الديري في حاشية العناية نكتة ما في الهداية: إن نية رمضان لا تكون إلا في يوم أو يومين وأقول: إن مراد صاحب الهداية ليس ما زعموا أي ينوي الصائم في رمضان قبل أن يدخل رمضان فإن الشريعة لا تتعرض إلى هذا الأمر اللغو المفروض، ومراد صاحب الهداية بنية رمضان أن يصوم لرعاية رمضان كما في الترمذي في الباب لمعنى رمضان إلخ، فإذن تلائم نكتة الديري وغرض الشريعة بهذا التهديد الحدود، والمكروه تحريماً هو صوم يوم لرعاية رمضان وحال رمضان، وأما صوم الشك فمستحب في بعض الصور فيرد على ما زعموا في مراد صاحب الهداية. قوله: (صوموا لرؤيته إلخ) وسيأتي مسألة الرؤية، وعند الثلاثة الاعتبار للرؤية أو ما يقوم مقامها مما سيأتي، وقال أحمد بن حنبل: إن حساب محاسبي منازل القمر معتبر.

قوله: (أخبرنا منصور إلخ) قول أخبرنا ليس بصحيح لأن الترمذي لم يلق منصوراً بل يروي عنه معلقاً. قوله: (لمعنى رمضان إلخ) أي رعاية رمضان وحاله، وأما ما في الحاشية لتعظيم رمضان فغلط، وأما الحديث الذي مر في الزكاة وفيه لفظ لتعظيم رمضان فضعيف.

باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك

باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك

[686] يوم الشك يوم الغيم لا يوم الصحو كما قالوا، ونقلوا أن الشافعي وأبا حنيفة ومالكاً كرهوا الصوم يوم الشك وأحمد بن حنبل يحبّه هكذا في عامة الكتب، ثم قال ابن تيمية: إن صوم يوم الشك المنهي عنه في الحديث ليس المراد به يوم الغيم بل يوم الصحو، والشك هو الوسواس والوهم المحض، وقد ثبت صوم يوم الغيم عن بعض السلف منهم ابن عمر. أقول: إن أبا حنيفة موافق لأحمد بن حنبل في استحباب صوم يوم الشك لأن مجموعة مسائله تدل على هذا، وذكر في الهداية أن صوم يوم الشك تتصور على أنحاء ستة وقالوا: يستحب الصوم للخواص وينظر العوام ليبدء الأمر ولو ظهر بعده رمضان يكون الصوم صوم رمضان ويجب في هذا أن يقطع في نية النافلة، والخواص هم الذين لا يترددون ولا يضجون ويجب في نية الصوم النافلة، فالحاصل أن أبا حنيفة يحب صوم يوم الشك، والجواب عن حديث الباب ما قال ابن تيمية، وعندي أن هذا الصوم لرعاية رمضان وليس بمنهي عنه لأن هذا الصوم إنما هو لوجه وجيه، وأما المنهي عنه المذكور في الحديث السابق فهو الذي كان من غير وجه وكان بناؤه على الاحتمالات الضعيفة، وأما الأدلة فأكثر ابن تيمية بالآثار.

(ف) النية إرادة ومن مقولة الفعل عندهم وهذا مستنبط من عباراتهم وفروعاتهم كما قالوا: إن الكفار إذا تترسوا بالمسلمين وقت الحرب فللمجاهدين أن يرموهم بنية الكفار ولا يكفوا أيديهم عن الحرب، وقال الرازي: إن التصديق من مقولة الفعل، وقوله هذا صحيح من وجه لأنه قال الأشعري: إن التصديق المعتبر في الإيمان هو الكلام النفسي وإذا تكلم به صار لفظياً، واللغة تساعده لأن التصديق في اللغة النسبة إلى الصدقي، وأما ما قالوا: إن التصديق في اللغة (باوركرون) فلا أصل له من اللغة. قوله: (الشافعي وأحمد إلخ) نسبته إلى أحمد غير صحيحة.

باب ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال والإفطار له

باب ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال والإفطار له

[688] واعلم أن الهلال يثبت بالشهادة بالرؤية أو الشهادة على الشهادة أو الشهادة على القضاء أو الإفاضة أي التواتر، وفي متوننا أن هلال رمضان يثبت بشهادة رجل يوم الغيم، وأما يوم الصحو فلا بد من جماعة يقع بهم علم اليقين، وأما هلال الفطر يوم الغيم فيكفي فيه شهادة رجلين وفي الصحو يجب جماعة، وقال الشارحون: إذا أتى رجل من مكان عال أو من الصحراء من خارج البلدة فيقبل قوله واحداً يوم الصحو أيضاً كما في الدر المختار ص (152) ، وصححه المرغيناني والطحاوي وقال البعض: إن هذا ظاهر الرواية، وأقول: إن هذا إذا كان الرجل الجائي جاء من حوالي هذه البلدة ولو كان من غير هذه البلدة فتحول المسألة إلى عبرة اختلاف المطالع وعدمها، ولا بد من هذا القيد وإن لم يذكره أحد، ثم في هلال الفطر يجب من الشاهد لفظ أشهد أو ما في معناه من سائر الألسنة، لا كما زعمه بعض الجهلة حيث قال يجب لفظ أشهد العربي بعينه، ثم إذا رأى أهل بلدة الهلال وانتقلت الرؤية إلى بلدة أخرى بما لها من الشروط كما مر وثبت لهم الهلال بثبوت شرعي ففي عامة كتبنا أن أهالي هذه البلدة الثانية يجب عليهم اتباع أهل البلدة الأولى ولو كان بين البلدتين مسافة شرق وغرب، ويسمى هذا الاتباع بأنه لا عبرة لاختلاف المطالع وأما في فطر كل يوم والصلوات الخمسة فيعتبر اختلاف المطالع، وقال الزيلعي شارح الكنز: إن عدم عبرة اختلاف المطالع إنما هو في البلاد المتقاربة لا البلاد النائية، وقال كذلك في تجريد القدوري، وقال به الجرجاني، أقول: لا بد من تسليم قول الزيلعي وإلا فيلزم وقوع العيد يوم السابع والعشرين أو الثامن والعشرين أو يوم الحادي والثلاثين أو الثاني والثلاثين فإن هلال بلاد قسطنطنية ربما يتقدم على هلالنا بيومين، فإذا صمنا على هلالنا ثم بلغنا رؤية هلال بلاد قسطنطنية يلزم تقديم العيد، أو يلزم تأخير العيد إذا صام رجل من بلاد قسطنطنية ثم جاءنا قبل العيد ومسألة هذا الرجل لم أجدها في كتبنا، وظني أنه يمشي على رؤية من يتعيد ذلك الرجل فيهم، وقست هذه المسألة على ما في كتب الشافعية: من صلى الظهر ثم بلغ في الفور بموضع لم يدخل فيه وقت الظهر إلى الآن أنه يصلي معهم أيضاً والله أعلم وعلمه أتم، وكنت قطعت بما قال الزيلعي ثم رأيت في قواعد ابن رشد إجماعاً على اعتبار اختلاف المطالع في البلدان النائية، وأما تحديد القرب والنائي فمحمول إلى المبتلى به ليس له حد معين وذكر الشافعية في التحديد شيئاً. قوله: (لا تصوموا قبل رمضان إلخ) هذا للفرق بين النافلة والفريضة.

باب ما جاء أن الشهر يكون تسعا وعشرين

باب ما جاء أن الشهر يكون تسعا وعشرين

[689] أي قد يكون وليس المراد نفي كونه ثلاثين، كما قال عبد القاهر رحمه الله: إن تقديم الخبر قد يكون لبيان الجزئية، وما في مسند أحمد عن عائشة قالت: لا تقولوا إن الشهر إنما يكون تسعاً وعشرين بل قال عليه الصلاة والسلام: «الشهر يكون تسعاً وعشرين» بلا لفظ إنما، فأشارت عائشة الصديقة إلى ما قال عبد القاهر الشافعي رحمه الله، وروي عن ابن مسعود: أني صمت معه عليه الصلاة والسلام عشرة سنين تسعة منها تسع وعشرون يوماً وعاشرتها ثلاثون، وسند ما روي عنه ضعيف. قوله: (آلى من نسائه إلخ) استدل الترمذي بهذا على كون الشهر تسعة وعشرين ووجه الاستدلال ظاهر، واتفق الأئمة الأربعة على أن إيلاءه عليه الصلاة والسلام كان لغوياً لا شرعياً لأن الإيلاء الشرعي أربعة أشهر، وللحافظ شبهة قوية فإنه قال: إنه عليه الصلاة والسلام وإن آلى إيلاء لغوياً لكن ترك قربان الزوجة بهذا القدر أيضاً غير جائز وما أجاب عنها، ثم في وجه إيلاءه عليه الصلاة والسلام روايات في بعضها أن أمهات المؤمنين طلبن النفقة منه عليه الصلاة والسلام، وفي بعضها قصة العسل كما في الصحيحين، وفي بعضها قصة مارية القبطية رضي الله عنها كما في سنن النسائي، وهذا الموضع من المواضع التي رجح فيها الحافظ النسائي على الصحيحين كما في شرح نخبة الفكر.

باب ما جاء في الصوم بالشهادة

باب ما جاء في الصوم بالشهادة

[691] قد مرت المسألة تفصيلاً بقدر الحاجة مسألة: لو شهد رجل بأني رأيت الهلال في النهار لا يعتبر قوله أصلاً سواء شهد قبل نصف النهار أو بعده، ولو قال: رأيته في لعلها الليلة الماضية، فإن كان هلال رمضان وكان قبل نصف النهار فمن لم يأكل بعد الصبح يصوم ومن أكل يقضيه، واعلم أن في بلادنا التي ليست حكومة الإسلام فيها فالحكم فيها: صوموا بقول ثقة وأفطروا بقول ثقتين، ولا ينبغي لمفتي العصر المشي على ما هو شأن قضاة دار الإسلام من الشهادة وغيرها، وأما جواب حديث الباب من جانب الأحناف فبأنه محمول على من جاء من خارج البلدة أو كان اليوم يوم الغيم.

باب ما جاء أن شهرا عيد لا ينقصان

باب ما جاء أن شهرا عيد لا ينقصان

[692] في بيان شرح حديث الباب أقوال، قال أحمد بن حنبل: إن مراده أنه لا يجتمع كون شهر رمضان وشهر ذي الحجة تسعة وعشرين يوماً في كليهما، بل إن كان أحدهما تسعة وعشرين يكون الآخر ثلاثين يوماً، وقال الطحاوي: إني قد شاهدت أنه كان رمضان تسعة وعشرين يوماً وكذلك ذو الحجة، وقال إسحاق والبخاري: إن شهرا عيد لا ينقصان في الأجر وإن كان أحدهما أو كلاهما تسعة وعشرين يوماً أقول: يرد على هذا أن شهر ذي الحجة أيام عبادتها المقررة فيها تنتهي إلى ثلاثة عشر يوماً، فكيف يصدق على أن أجر ذي الحجة لا ينقص وإن كان تسعة وعشرين يوماً؟ اللهم إلا أن يقال: إن بعض السلف رحمهم الله ذاهب إلى أن الأضحية تجوز إلى آخر ذي الحجة، وقال السيوطي: إن الحديث يتعرض إلى الباطن لا إلى الظاهر، وقال: اتفق الحساب على أن الأشهر الواقعة في مرتبة الأوتار تكون تسعة وعشرين يوماً، والواقعة في مرتبة الأشفاع تكون ثلاثين يوماً، وإن لم نشاهد القمر بالأعين فالحديث تعرض إلى الواقع لا المشاهد بالأعين. وأطنب السيوطي أقول: كيف يقال بهذا والحال أن مراد الحساب أن القول المذكور مجرد اصطلاحهم لبناء الكبيسة عليه وليس مرادهم بيان الواقع؟ ثم علم من الكتب أن ستة أشهر من السنة تكون تسعة وعشرين يوماً، وستة منها تكون ثلاثين يوماً ولا يجب التوالي والترتيب إلى أن يكون أحدها تسعة وعشرين والآخر ثلاثين، وهكذا بل ستة من المجموعة بكذا وستة بكذا، وأخذت هذا القول من كتب الحنابلة كما في غايته الحنبلية: ~ لا يتوالى النقص في أكثر من ... ثلاثة من الشهور يا فطن ~ كذا توالى خمسة مكمله ... هذا الصواب وما سواه أبطله أي يمكن توالي ثلاثة أشهر تسعة وعشرين يوماً وكذلك يمكن شهر ثلاثين يوماً، وهل يمكن أن يكون مراد الحديث أنهما لا ينقصان أجراً؟ وأما صدقه على ذي الحجة فإن في نص الحديث أن عشر أيام ذي الحجة أفضل من السنة كلها، والحال أن صوم يوم العاشر مكروه تحريمي، فالمراد أن صوم يوم العاشر إنما هو إلى الضحى فإن الإمساك إلى الضحى ثابت بالحديث وليس مني إلا التسمية فيقول حديث الباب إن صيام عشرة ذي الحجة ليست إلا تسعة أيام وبعض العاشر لكن بعض العاشر الناقص أيضاً تام أجراً، هذا والله أعلم وعلمه أتم.

باب ما جاء أن لكل أهل بلدة رؤيتهم

باب ما جاء أن لكل أهل بلدة رؤيتهم

[693] قد فصلت المسألة في السابق، وقال الشافعية: إن حكم حديث الباب في البلدان النائية لا للمتقاربة. قوله: (ليلة الجمعة إلخ) تكون غرة رمضان من يوم الجمعة، وفعل ابن عباس هذا غير ما ورد علينا على ما ذكره المتون ويرد على ظاهر ما في الشروح، فأجاب الزيلعي شارح الكنز: أن في واقعة الباب لم تثبت الرؤية بثبوت شرعي فإن كريباً لم يشهد برؤيته، ولم يشهد على الشهادة ولم يشهد على القضاء، فإنه نقل صوم معاوية وغيره لا قضاءه، أقول: كيف يجاب بهذا والحال أن في مسلم ص (348) تصريح أنه قال رأيته ورآه الناس فتكون شهادة بالرؤية، قيل: إن شهادته بالرؤية شهادة واحد ولعل يومه كان يوم الصحو فلا بد من شهادة جم كثير، والحق في الجواب ما قال مولانا مد ظله العالي: إن في كتبنا أنهم إذا صاموا بشهادة رجل واحد لكون اليوم يوم الغيم أو لأنه أتى من خارج البلدة أو مكان عال فصاموا ثلاثين يوماً فما وجدوا الهلال على ثلاثين يوماً فقيل: يعتبر قول من صاموا بشهادته ويفطرون وإن لم يجدوا الهلال، وقيل: لا يعتبر بقوله بل يصومون أحداً وثلاثين يوماً، وكلا القولين في كتبنا ونظر ابن عباس إلى هذه المسألة.

باب ما جاء فيما يستحب عليه الإفطار

باب ما جاء فيما يستحب عليه الإفطار

[694] مطمح نظر الشريعة أن يكون الإفطار على شيء حلال طيب. قوله: (فتميرات إلخ) إذا قطع ثمر النخلة قبل أن يجف يسمى رُطباً، وبعدما جف بحيث يدخر يسمى تمراً بسكون الوسط، وأما ما يكون في زماننا في الأسواق من اليابسات فليس له اسم في كلام

العرب، إلا أنه قريب من البسر لأن البسر في العرب ما قطع وهو أصفر قبل أن يحمر وأما ما في زماننا فيقطع وهو أصفر لكنه يجفف على النار فأطلق عليه البسر على ما كان.

باب ما جاء أن الصوم يوم تصومون أن الفطر يوم تفطرون إلخ

باب ما جاء أن الصوم يوم تصومون أن الفطر يوم تفطرون إلخ

[697] لا أعلم وجه تبويب المصنف هذا الباب فإن مسألة اختلاف المطالع مرت سابقاً اللهم إلا أن يقال: إن الغرض أن اليوم الذي وقع الفطر فيه بحكم الشريعة هو يوم الفطر في الواقع، ولا يجوز تطريق الوساوس والأوهام الباطلة بل يوافق فيه الجمهور، وكذلك الحكم في الأضحى. قوله: (عظم الناس إلخ) ولذا أدار الفقهاء حكم ثبوت الهلال على قضاء القاضي، وأما ما يذكر في كتب الفقه من أن القضاء لا يجري إلا في المعاملات ولا يدخل في العبادات فأقول: لا أجده كلية فإنا نجد قضاء القاضي دخيلة في العبادات فإن الجمعة والعيدين والكسوف موكولة إلى الإمام، وأما الصلاة الخمسة فكان نصب الإمام في السلف من جانب أمير المؤمنين والخليفة، وفي الزكاة أن الإمام جبر الناس على أن يرفعوا الزكاة إلى بيت المال، وأما في الحج فكان أمير الموسم مقتدى الناس، وكذلك الصيام موكول إلى رأي القاضي فإنه إن حكم القاضي بالصوم على رؤية رجل يوم الغيم يجب الصوم، وإن لم يحكم القاضي فلا يكون قوله حجة وكذلك في الدر المختار ص (70) إن من قال: إن صليت فعبدي حر فصلى ولم يقرأ إلا التسمية بدل القراءة لا يحنث الرجل لأن التسمية لا تصح الصلاة بها عندنا، ثم إن لحقه قضاء القاضي الشافعي بصحة صلاة فقد حنث وصحت صلاة الحنفي إجماعاً.

باب ما جاء إذا أقبل الليل وأدبر النهار فقد أفطر الصائم

باب ما جاء إذا أقبل الليل وأدبر النهار فقد أفطر الصائم

[698] ظاهر حديث الباب يدل على أن الإفطار عند إقبال الليل وإدبار النهار بحكم الشريعة وجبرها وإن لم يفطر حقيقة، أي ظاهراً، وأنه يكون مرتكب الفعل اللغو إلا أن ابن تيمية جوز الوصال إلى السحر وقال باستحبابه كما سأبين، فلا يتمشى على ظاهر حديث الباب، فإن حديث الصحيحين: (لا تواصلوا، وأيكم واصل يواصل إلى السحر) إلخ يخالفه، ويؤيد ابن تيمية، فيحمل حديث الباب على من لا يريد الوصال إلى السحر.

باب ما جاء في تأخير السحور

باب ما جاء في تأخير السحور

[703] يستحب تأخير السحور وتعجيل الإفطار. قوله: (خمسين آية) لقد تحير الحافظ في هذا الحديث فإن قدر خمسين آية يمكن في أقل من أربع دقائق، ثم قال: إن هذا التبين إنما هو من شأن النبوة لا يمكن لغيره وهو حقيقة الأمر، ودل الحديث على تغليسه عليه الصلاة والسلام في رمضان وهو عمل قطان ويوبند.

باب ما جاء في بيان الفجر

باب ما جاء في بيان الفجر

[705] في فتاوى قاضي خان رواية أن الصائم يجوز له أن يأكل إلى انتشار الصبح الصادق، وروي عن

أبي بكر الصديق أنه أكل حين طلع الفجر، وقال: أغلقوا الباب، وثبت عنه بسند صحيح، وقال الطحاوي: إنه كان ثم نسخ، وكذلك قال الداودي المالكي شارح البخاري، ومن حذيفة أثر أيضاً مثل أثر أبي بكر الصديق رواهما في التفسير المظهري تحت آية: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة: 187] أقول: لو ناب على أحد ما في قاضي خان فلا كفارة عليه، نعم يقضي الصوم. وليعلم أن في بيان الفجر ثلاثة أقوال، القول المهجور: جواز الأكل إلى الصبح الأحمر، وتمسك هذا القائل بحديث الباب، والجمهور أن الامتناع من الصبح الصادق الأبيض، ثم قيل: إن التبين المذكور في الآية أي تبين الصبح الأبيض التبين في نفسه وقيل التبين للصائم المكلف، والقولان في البداية لابن رشد مذكوران.

باب ما جاء من التشديد في الغيبة للصائم

باب ما جاء من التشديد في الغيبة للصائم

[707] ما قال لفساد الصوم بالغيبة إلا الأوزاعي. قوله: (وحدثنا ابن أبي ذئب إلخ) ها هنا تحويل ما ذكره الناسخ، واعلم أن الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ثم لها أقسام عديدة مذكورة في الحظر والإباحة، وفيه أن الغيبة إن كانت لغرض صحيح

كالاطلاع على فعل أحد ليأمن الناس من شره فليست بمعصية، وحديث الباب يدل على اجتماع نهي الشارع والصحة خلاف ما قال ابن تيمية، فإن الأئمة الأربعة قائلون بصحة صوم المغتاب، وقد ورد النهي عن الغيبة، وسيأتي الكلام في هذا بقدر الضرورة، ثم في العمل الجامع مع الكراهة تحريماً لنا قولان، قيل: إن فيه حبط الثواب تيار، وقيل: إن فيه شيئاً من الثواب ذكره في رد المحتار من حكم الصوم بعد تعريفه، ومن قوله في الإمامة ويصف الرجال، وللشافعية في هذا القول أربعة أقوال ذكرها في جمع الجوامع. مسألة: لو اغتاب أحد ثم أكل وأفسد صومه زعماً منه أن الصوم يفسد بالغيبة لحديث الباب فهل عليه كفارة أم لا؟ فقال في الهداية: إنه يكفِّر، وقال بعدم التكفير في من احتجم ثم أفسد الصوم بناء على أن الحجامة مفسدة الصوم عند أحمد، وأقول: لا وجه للفرق بينهما، فإن الحديثين صحيحان وذهب إلى الأول الأوزاعي وإلى الثاني أحمد بن حنبل، وقيل بعدم الكفارة فيهما، وقيل بها فيهما ثم أقول: من جانب الهداية في وجه الفرق أن الغيبة معصية يكثر وقوعها ويتعذر الاجتناب عنها فلا ينبغي أن يقال بأنها مفسدة للصوم بخلاف الحجامة، هذا والله أعلم.

باب ما جاء في فضل السحور

باب ما جاء في فضل السحور

[708] السحور بالفتح اسم الأكل وبالضم مصدر. قوله: (أهل الكتاب إلخ) كان في أهل الكتاب وابتداء شريعتنا الغراء أنه لا يجوز الأكل بعد ما نام كما في سنن أبي داود ص (75) .

قوله: (موسى بن علي إلخ) بالتصغير وكان الناس يسمونه بِعلَي مصغراً، وكان يغضب موسى على هذا كما في الترمذي أيضاً.

باب ما جاء في كراهية الصوم في السفر

باب ما جاء في كراهية الصوم في السفر

[710] قال الأئمة الأربعة: إن الأفضل في السفر الصوم ويجوز الإفطار، وقال داود الظاهري: إن صوم رمضان في السفر باطل ويشير بعض الأحاديث إلى ما قال أي أن يكون الأصوب الإفطار، ولكن الأربعة حملوها على حال الجهد والمشقة، واعلم أن هاهنا مسألتين: أحدهما ما قال به أبو حنيفة وهو أنه: لا يجوز للمسافر إفطار صوم يوم خروج من بيته، وثانيتهما ما قال به الأكثرون وأبو حنيفة وهو أنه: لو نوى الصوم في السفر لا يجوز له الإفطار في ذلك اليوم، وحديث الباب يرد على ما قال أبو حنيفة، وهو ما أجاب أحد من الأحناف عن حديث الباب فأقول: إن في التاتار خانية تصريح أن الغزاة يجوز لهم الإفطار، وكذلك في غير كتاب لنا، فإذن نقول: إن الإفطار في واقعة الباب جائز لأنهم كانوا غزاة كما تدل الروايات، منها ما في الترمذي ص (202) فلما بلغ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر الظهران فآذننا بلقاء العدو فأمرنا بالفطر إلخ. وواقعة الباب واقعة السنة الثامنة بعد الهجرة، وقال علماء السِّير: إنها وقعت في سابع عشرة من رمضان، ومستدل داودَ الظاهري حديث: «ليس من البر الصيام في السفر» إلخ، وفي صحيح ابن حبان: «ليس من امبر الصيام في امسفرو» وأجابوا عن حديثه، نعم ذكروا وجه قوله: أن رجلاً صام في السفر فشق عليه فقام عليه الناس بالظل فرآه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكروا قصتة فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس من» إلخ، فمدار جوابهم على أن تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر فورد النفي على هذا الحصر، فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام أن الصوم في السفر لا ينحصر في البر بل قد يكون لعدم ترخص برخص الله أيضاً، لكن ظاهر الحديث يشير إلى عدم الصوم في السفر وقال ابن تيمية في فتاواه إن الحديث لا يدل على عدم جوازه في السفر لأن نفي البر لا يوجب عدم الجوازظ، ولكني لست أحصله فإنه انتفى البر فما بقي شيء والله أعلم.

قوله: (قال الشافعي) معنى قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ ليس قوله هذا شرح الحديث بل بيان المسألة، وهذا شبيه ما قال محمد بن حسن في حديث «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» إلخ فإنه ذكر المسألة لا شرح الحديث، وأيضاً أجاب الجمهور عن حديث «ليس من البر» إلخ أنه محمول على حال الجهد والمشقة.

باب ما جاء في الرخصة في الصوم في السفر

باب ما جاء في الرخصة في الصوم في السفر

[711] حديث الباب صريح حجة للجمهور.

قوله: (فلا يجد المفطر على الصائم إلخ) مشتق من وجد يجد موجدة الغضب، وأما وجد يجد وجوداً فمعناه معروف، وأما وجد يجد وجداً فمعناه (يا فتن) ، وأما وجد يجد وجداناً فمعناه الحزن.

باب ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع

باب ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع

[715] إن خشيت على ولدها يجوز لها الإفطار ولا فدية عليها بل القضاء، وعند البعض الفدية أيضاً

واجبة، واعلم ان المشهور على الألسنة أن آية الفدية نسخت، وأقول إن الفدية ثابتة عند الكل وعندنا ستة مواضع، ولو قيل بنسخها فكيف تكون الفدية باقية؟ وسيأتي البحث في هذا الباب: «وعلى الذين يطيقونه فدية» إلخ.

باب ما جاء في الصائم يذرعه القيء

باب ما جاء في الصائم يذرعه القيء

[719] ظاهر الرواية لنا أن ذرع القيء غير مفسد والستقاء مفسد، ثم فصل المصنفون فيها وصارت اثنتي عشر صورة لأن القيء وإما قليل أو كثير، ثم إما ذرعه أو استقاء، ثم يرب هذه الأربعة في الثلاثة أي أنه خرج أو أعاده فمصلت ثثنتي عشر صورة، وأحكام الكل مذكورة في المبسوطات مثل البحر وغيره، وحديث الباب ساقط من جانب عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو سيء الحفظ، وأما أخوه عبد الله وأما مرسل عبد الله فيفيدنا في مسألة عدم إفساد الصوم بالجماعة أيضاً فثقة.

قوله: (أبا داود السجزي إلخ) السجز منسوب إلى سجستان معرب سيستان، يقال نيابستان أيضاً، وهو مولد رستم الشجاع المعروف، وغلط في هذا ابن خلكان حيث قال: إنها قرية من قرى البصرة، ويقال ليستان سكز أيضاً، وفي العجم اسمه طبرستان ونسب هذا أبو جعفر الطبري، ويقد يقال: السكزي أيضاً، وأما الطبراني فمنسوب إلى طبرية قرية من قرى الشام.

باب ما جاء في الصائم يأكل ويشرب ناسيا

باب ما جاء في الصائم يأكل ويشرب ناسيا

[721] قال الثلاثة: إن صوم من أكل وشرب ناسياً باقي، وقال مالك: إن كان صومه صوم الفريضة فيقضيه وإن كان صوم تطوع فلا قضاء قد تم صومه، وفي كتبنا لو أخذ الصائم في الأكل ويراه رجل آخر ويعلمه أنه صائم والآكل ضعيف فينبغي للرائي أن لا يخبره بأنك صائم بل يدعه يأكل. ويروى أن رجلاً في عهد الصحابة صام يوماً فدعاه رجل للطعام فأكل عنده شبع بطنه ناسياً، ثم دعاه آخر فأكل عنده شبع بطنه ناسياً، ثم دعاه آخر فأكل عنده شبع بطنه ناسياً، ثم جاء عند أبي هريرة وذكر قصته، فقال أبو هريرة: إنك رجل ما تعودت الصيام.

باب ما جاء في الإفطار متعمدا

باب ما جاء في الإفطار متعمدا

[723] قال مالك وأبو حنيفة: إن الأكل والشرب عمداً أيضاً يوجب الكفارة، وقال الشافعي وأحمد: إن الكفارة مقتصرة على الجماع عمداً، وقال البخاري: إن الكفارة في الجماع فقط، وأما في الأكل والشرب فلا قضاء ولا كفارة في دار الدنيا وأمره مفوض إلى دار الآخرة، وتمسك بحديث الباب: «لم يقض عنه صوم الدهر كله» إلخ، وحمل الجمهور حديث الباب على أنه لم يحرز ثواب رمضان وخواصه، وأما تفقه البخاري فبأن الكفارة ليست بعوض من الجناية لتتعدى إلى الأكل والكفارة بل هي

عتاب وزجر، ومن المعلوم أن التمرد في الجماع أعلى من التمرد في الأكل والشرب، وقال داود الظاهري وابن تيمية: لا قضاء على من ترك الصلاة عمداً بل القضاء على من تركها ناسياً، ولم يذهب أحد من الأربعة إلى هذا، وإن قيل: إنكم أثبتم الكفارة في الأكل والشرب بالقياس، والحال أن القياس لا يجري في الحدود قلت: أولاً: إنا أثبتنا الكفارة فيهما بتحقيق المناط لا القياس وبينهما بون بعيد، وثانياً: إن قول أهل الأصول: إن القياس لا يجري في الحدود وليس مراده ما زعمتم أي الحدود بمعنى الزواجر، بل الحدود بمعنى الحدود الشرعية التي تكون فاصلة بين المتجانسين كما يدل بعض الفروع، منها ما قال السرخسي في المبسوط: إن العمل الكثير مفسد للصلاة وتفسير العمل الكثير فيه أقوال خمسة، وقال: الأشبه أن يحول العمل الكثير إلى رأي من ابتلي به فما زعمه كثيراً كثير وما لا فلا، وكذلك في بيع السَّلم بأن تعيين مدة السَّلم بالشهر أو غيره ليس بأشبه بمذهب أبي حنيفة، بل الأشبه ما عينه رب المال والمشتري بالتراضي، وكذلك في مدة تشهير اللقطة بأنها محولة إلى رأي من ابتلي به فعلى هذا أقول: يمكن بيع السلم على مدة ثلاثة أيام، وبالجملة المراد من الحدود الشريعة لا الزواجر.

باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان

باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان

[724] قوله: (رجل إلخ) قيل: إنه أوس بن صامت الذي هو صاحب واقعة الظهار في رمضان في حديث آخر فيكون حديث الباب وذلك الحديث واحداً، وقيل: إن حديث الباب غير ذلك الحديث والواقعتان متعددتان، وفي واقعة الباب هو سلمة بن صخر والله أعلم، فالصواب تعدد الواقعتين ثم اختلف فقال الثلاثة: إن الخصائل الثلاثة: بالترتيب كما في الحديث، وقال مالك: لا ترتيب بل العبد مخير بينهما وتعجب المحدثون من أن مالكاً كيف خالف نص حديث الباب؟ أقول: يمكن له أن يقول: إن المذكور في الحديث من الترتيب إنما هو في الذكر لا في الحكم فلا خلاف للنص أصلاً.

قوله: (شهرين متتابعين إلخ) في بعض الروايات أنه قال: ما ابتليت بهذا إلا من الصوم فعدل من الصيام إلى الإطعام بعذر شدة الشبق، والحال أن شدة الشبق ليس بعذر للعدول عندنا، وعذر عند الشافعية وإما أجاب الأحناف، وأقول: إنه من خصوصية هذا الرجل وأخذت هذه الخصوصية مما يرد علينا وعلى الشافعية أن هذا الرجل أطعم الكفارة أهله ولا تتأدى الكفارة بمثل هذا فقيل: إنه لم تتأد الكفارة بل الكفارة عليه دين ويؤديها إذا تيسر له، وقيل: إن كفارته قد أديت، وهذا من خصوصيته، وهذا قول الشافعي رحمه الله والزهري نقله الدارقطني وأبو داود ص (333) ، وزاد الزهري إنما كان هذا رخصة له خاصة إلخ، فإذن أقول: لما ادعيتم الخصوصية في مسألة تدعى الخصومة في مسألة أخرى أيضاً أي عدوله عن الصوم إلى الإطعام لشدة الشبق، وأما ادعاء الخصوصية فليس له ضابطة كلية، بل يكون بالذوق السليم، وكذلك روي أن أبا بردة بن دينار قال له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قسم هذه الشياه في الناس» فقسمها في الناس وبقي له عتود، فأمر له عليه الصلاة والسلام أن يضحي بها، وهذه الأضحية من خصوصية، فإن العتود لا تصح الأضحية بها على أن في بعض الروايات تصريح: «أن ضحِ بهذا ولا يجوز لغيرك» إلخ.

باب ما جاء في السواك للصائم

باب ما جاء في السواك للصائم

[725] يستحب السواك عندنا في جميع الأحيان قبل الزوال وبعده، وما من حديث يدل على نفي السواك بعد الزوال كما هو مذهب الشافعي، ومختارنا مختار البخاري، وأما حديث: «خلوف فم الصائم» إلخ فلا يدل على النهي عن السواك بل حث على الصيام بذكر فضله. قوله: (ولم ير الشافعي إلخ) هذا خلاف ما في عامة كتب الشافعية فإن فيها كراهية السواك بعد الزوال، ولعل ما في كتب الترمذي رواية عن الشافعي رحمه الله.

باب ما جاء في الكحل للصائم

باب ما جاء في الكحل للصائم

[726] لا بأس بالكحل للصائم وإن ظهر أثره في البزاق، ومن بزق وفيه أثر الكحل ثم أعاده فسد صومه وإن لم يعد فلا شيء عليه.

واعلم أن الاكتحال لقصد الزينة يكره، كما قال صاحب الأشباه والنظائر: إن التختم للزينة مكروه.

باب ما جاء في القبلة للصائم

باب ما جاء في القبلة للصائم

[727] تجوز القبلة لمن يأمن على نفسه الجماع مثل المشيخة، وتكره لمن لم يأمن مثل الشبان، وأما الاعتكاف فلا تجوز القبلة فيه لأحد، ووجه الفرق بين جواز ارتكاب دواعي الوقاع في الصوم، وعدم جوازه في الاعتكاف مذكور في العناية شرح الهداية للشيخ أكمل الدين. واعلم أن الإفطار لازم والتفطير متعد.

باب ما جاء في مباشرة الصائم

باب ما جاء في مباشرة الصائم

[728] ليس المراد من المباشرة المباشرة الفاحشة بل اللمس فقط. قوله: (وأملككم لإربه إلخ) الإرب بكسر الهمزة العضو وجمعه آراب، وبفتحتين بمعنى الحاجة، وهذا اسم جنس والأشبه بالتعظيم الثاني أن بمعنى الحاجة.

باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل

باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل

[730] هذه المسألة مسألة التبييت، قال الشافعي: يجب التبييت في كل صوم إلا النفل، وجوز فيه أن ينوي بعد الزوال أيضاً من لم يأكل بعد الصبح، ومذهب أبي حنيفة: أنه لا يجب التبييت في رمضان والنفل والنذر المعين لأن رمضان مؤقت من جانب الشارع، والنذر المعين مؤقت من جانب العبد، والنفل وقته كل يوم، وأما حديث الباب فساقط فلا حاجة إلى جوابه أصلاً، وأما استدلالنا فروى الطحاوي أنه عليه الصلاة والسلام أمر من نادى أهل العوالي نهار عاشوراء أن يصوم من لم يأكل من الصبح ويمسك من أكل ويقضي وكان صوم عاشوراء فرضاً، وأطنب الطحاوي بالروايات، وقال الحافظ: لم يثبت أمره عليه الصلاة والسلام بالقضاء لمن أكل من الصبح فلا يكون فرضاً، أقول: كيف غفل الحافظ؟ والحال أن في سنن أبي داود تصريح القضاء أيضاً.

باب ما جاء إفطار الصائم المتطوع

باب ما جاء إفطار الصائم المتطوع

[731] هاهنا مسألتان أحدهما جواز إفطار المتنفل وعدمه، وثانيتها أنه لو أفطر فهل عليه القضاء أم لا؟ وفي مدونة مالك أنه إن أفطر لعذر مسموع فلا قضاء وإلا فيقضي، وقال أبو حنيفة: يلزم بالشروع وإن أفطر يقضي بلا تفصيل، واتفق الأئمة الأربعة على أنه من شرع في الحج يجب عليه إتمامه، فقال أبو حنيفة: كذلك يكون في الصوم والصلاة أيضاً، وقال الشافعي: لا قضاء إن أفطر المتنقل، وفي كتب الحنابلة مثل ما في كتب الشافعية، ولكن في كتاب الصلاة لأحمد بن حنبل تصريح أن المتنفل في الصوم والصلاة يتمهما ويلزمان بالشروع، وأما مسألة الإفطار ففي ظاهر الرواية جواز إفطاره بالعذر والضيافة عذر للضيف والمضيف، وفي الكنز في رواية عن أبي حنيفة يجوز الإفطار بلا عذر أيضاً، وكذلك في منتقى الحاكم الشهيد والجمع بين الروايتين أن الإفطار بلا عذر جائز ولكنه غير مرضي، والمفهوم من الأحاديث جوازه بلا عذر، وأما تفقه أبي حنيفة فهو أن الشروع بمنزلة النذر والنذر لازم إجماعاً، ولكن التحريمة كالنذر القولي في الصلاة لا الصوم. والله أعلم.

قوله: (أمير نفسه إلخ) في حديث عائشة في كتاب الطحاوي ص (355) ، ج (1) . ذكر القضاء أيضاً بسند الشافعي، والسند صحيح غاية الصحة، وفيه: «سأصوم يوماً مكان ذلك» إلا أن في معاني الآثار قال محمد بن إدريس: سمعت هذا الحديث عن سفيان بن عيينة ولم يذكر لفظ «سأصوم مكان ذلك يوماً» إلخ، ثم قبل وفاته بسنة لما كررت عليه زاد لفظ «سأصوم يوماً مكان ذلك» إلخ، ومر عليه الحافظ في تلخيص الحبير، وقال: اختلط ابن عيينة قبل وفاته بسنة، وأنكره الذهبي من الأول إلى الآخر، ثم ذكر منشأ قول الحافظ ورده، ثم أقول: رواه غير الشافعي أيضاً أحدهما في النسائي الكبرى، وثانيها في سنن الدارقطني وأما حديث الباب أي «أمير نفسه إن شاء» إلخ فلا ينفي القضاء، وقال الزرقاني: أن مراد الحديث أنه أمير نفسه قبل الشروع في الصوم وفي بعض الألفاظ «أمين نفسه» وظني أنه تصحيف من الناسخين والله أعلم.

باب ما جاء في إيجاب القضاء عليه

باب ما جاء في إيجاب القضاء عليه

[735] حديث الباب صريح لنا وللموالك، وقال الترمذي: إنه مرسل مالك بن أنس والسند جيد، وأما الحديث السابق عن عائشة ففي معاني الآثار ص (355) ج (1) فيه تصريح القضاء عن المزني عن الشافعي ومر الكلام فيه.

باب ما جاء في وصال شعبان برمضان

باب ما جاء في وصال شعبان برمضان

[736] حديث الباب يدل على صيامه عليه الصلاة والسلام في شعبان كله، ولكن في بعض الألفاظ الأخر تصريح أكثر شعبان، وأما وجه صيامه فهو قضاء أمهات المؤمنين ما فاتهن من الصيام لعذر الطمث أو غيره، ويفيد الشافعي إفادة شيء في أن تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر لا ينبغي.

باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان لحال رمضان

باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان لحال رمضان

[738] أي لمعنى رمضان ورعاية رمضان، هذا الحديث في حق من يصوم بعد نصف شعبان، وأما فعله عليه الصلاة والسلام المار فكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأخذ في الصوم قبل نصف شعبان، وحديث الباب قوي أعله أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن مهدي كما في التهذيب، وبوب الطحاوي على هذا وحاصل كلامه أن النهي الوارد في حديث الباب نهي إرشاد وشفقة.

قوله: (لا تقدموا شهر رمضان بصيام إلخ) أخرج المصنف في الأول: «لا تقدموا شهر رمضان بيوم أو يومين» وأتى هاهنا بلفظ «صيام» وأقول: إن لفظ الصيام مصدر وليس جمع صوم كما صرح أرباب اللغة.

باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان

باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان

[739] هذه الليلة ليلة البراءة وصح الروايات في فضل ليلة البراءة، وأما ما ذكر أرباب الكتب من الضعاف والمنكرات فلا أصل لها، واختلف في الليلة المباركة المذكورة في القرآن قيل: هي ليلة البراءة، وقيل: ليلة القدر وتمسك القائل الثاني بأن في القرآن تصريح أنها في رمضان، وليلة البراءة ليست في رمضان وتأول القائل الأول. قوله: (غنم كلب إلخ) كلب قبيلة من قبائل العرب ذو غنم كثيرة، وحديث الباب لم يبلغ الصحة لأن في سنده حجاجاً وهو ابن أرطاة، قال العلماء: إن أفضل ليالي السنة ليالي رمضان، وأفضل نهرها نُهُر ذي والحجة العشرة، وأفضل الأيام يوم عرفة، وأفضل أيام الأسبوع يوم جمعة وعند ابن ماجه: أن يوم الجمعة أفضل من يوم الفطر والأضحى.

باب ما جاء في صوم يوم المحرم

باب ما جاء في صوم يوم المحرم

[740] أي يوم عاشوراء وفي نص الحديث أن صوم عاشوراء كفارة السنة. قوله: (حسن إلخ) حسنه الترمذي مع أن فيه نعمان بن سعد وهو مجهول، وعبد الرحمن ابن إسحاق الوسطي وهو ضعيف.

باب ما جاء في صوم يوم الجمعة

باب ما جاء في صوم يوم الجمعة

[742] يستحب صوم يوم الجمعة كما في الدر المختار ص (89) إلا أن المحشِّين ترددوا في الاستحباب، وعندي: إن كان يتوهم فساد الاعتقاد لا يصوم، وإلا فيستحب وهكذا يجمع في الروايات الفقهية والحديثية، وفي شرح الوقاية باب الحظر والإباحة: أن أبا حنيفة، دعي لطعام فذهب إلى الدعوة ومعه أبو يوسف فلما بلغا المدعى وجد اللهو واللعب ثمة فأكلا في ناحية من المكان ورجعا ثم بعده بمدة دعي أبو حنيفة، وسمع أبو حنيفة أن في ذلك المكان لعباً فرجع أبو حنيفة وأبو

يوسف من الطريق فسأل أبو يوسف عن أكله الطعام في المكان الأول لا في المكان الثاني قال أبو حنيفة لأن الآن اتخذ في الناس مقتد لهم.

باب ما جاء في صوم يوم الإثنين والخميس

باب ما جاء في صوم يوم الإثنين والخميس

[745] لم تكن عادته عليه الصلاة والسلام في الصوم مستمرة وأتى النسائي بالروايات الكثيرة في صيامه عليه الصلاة والسلام، وأما وجه صوم يوم الاثنين ففي رواية عن ابن عباس بسند قوي: أنه عليه

الصلاة والسلام ولد يوم الاثنين وارتحل إلى دار البقاء يوم الاثنين ودخل المدينة أي قباء يوم الاثنين، ولأن يوم الاثنين والخميس ترفع الأعمال إلى الله تعالى وفي الأحاديث ما يدل على رفع الأعمال كل يوم وكل يوم الاثنين وكل يوم الخميس وكل ليلة البراءة وفي الأيام الأخر، ولعل الفهرس مختلفة كما تكون في الدوادين والدفاتر.

باب ما جاء في صوم يوم الأربعاء والخميس

باب ما جاء في صوم يوم الأربعاء والخميس

[748] الأربعاء بكسر الباء ولفظ الأربعاء في حديث الباب غير منصرف مع دخول لفظ الكل عليه لأن وجه عدم انصرافه الألف الممدودة وصيرورة غير المنصرف منصرف بعد إضافة كل إليه في غير ما علة انصراف الألف الممدودة.

قوله: (صمت الدهر إلخ) أي صوم الدهر تنزيلاً وسيجيء البحث فيه عن قريب.

باب ما جاء في الحث على صوم يوم عاشوراء

باب ما جاء في الحث على صوم يوم عاشوراء

[752] عاشوراء صفة الليل لا النهار واليوم يكون في النهار، فقالوا: إن النُّهُر تكون تابعة ولاحقة بالليالي السابقة في أحكام الشريعة إلا في أيام الرمي في الحج، ونسب إلى ابن عباس أن يوم عاشوراء اليوم التاسع وأقول: إن هذه النسبة غلط، ثم تأولوا في ما نسبوا إلى ابن عباس بأنه من قبيل إظماء الإبل كما ذكره النووي ص (359) في شرح مسلم فإن العرب يسمون اليوم الخامس من أيام الورد ربعاء وكذا في باقي الأيام على هذه النسبة فيكون التاسع عشراء إلخ، وإظماء الإبل ألغت والثني والثِلث والرابع والخمس وهكذا، وأقول: لا احتياج إلى هذه التأويلات فإن مراده أن الصيام يوم التاسع أيضاً منضماً مع العاشر لا أن يوم التاسع يوم عاشوراء، وكذلك مروي مرفوعاً وموقوفاً كما في معاني الآثار ص (338) ، ج (1) عنه عليه الصلاة والسلام «صوموه وصوموا قبله يوماً وبعده يوماً لا تشبهوا بيهود» إلخ وفي سنده محمد بن أبي ليلى، وأما الموقوف على ابن عباس فهذه قوي وفي كتاب الطحاوي أيضاً بعض الروايات صارت موهمة إلى ما نسب إلى ابن عباس، وحاصل الشريعة أن الأفضل صوم عاشوراء وصوم يوم قبله وبعده، ثم الأدون منه صوم عاشوراء مع صوم يوم قبله أو بعده، ثم الأدون صوم يوم عاشوراء فقط. والثلاثة عبادات عظمى، وأما ما في الدر المختار من كراهة صوم عاشوراء منفرداً تنزيهاً فلا بد من التأويل فيه أي أنها عبادة مفضولة من القسمين الباقيين، ولا يحكم بكراهة فإنه عليه الصلاة والسلام صام مدة عمره صوم عاشوراء منفرداً وتمنى أن لو بقي إلى المستقبل صام يوماً معه، وكذلك في كلام ملتقى الأبحر حيث قال: إن الترجيع مكروه فإن صاحب البحر قد صرح بأن الترجيع في الأذان ليس بسنة ولا مكروه، وكذلك في عبارة النووي حيث قال: إن نهي عمر وعثمان عن القران والتمتع محمول على الكراهة تنزيهاً فلا مخلص في هذه المذكورات من تأويل أنها عبادات مفضولة.

باب ما جاء في ترك صوم عاشوراء

باب ما جاء في ترك صوم عاشوراء

[753] قال الطحاوي: إن صوم عاشوراء في بدء الإسلام كان فرضاً ثم نسخ الفرضية وبقي الاستحباب وأثبته بالروايات، وكذلك قال بعض الشافعية كما في منهاج النووي شرح مسلم ص (359) وهذا يفيدنا في مسألة التبييت كما مر آنفاً.

باب ما جاء في صوم يوم عاشوراء أي يوم هو؟

باب ما جاء في صوم يوم عاشوراء أي يوم هو؟

[754] حديث الباب صار موهماً للناس إلى ما نسبوا إلى ابن عباس. قوله: (قال نعم إلخ) أي تمنى هذا الفعل لأنه صام حقيقة. واعلم أن في هذا الباب إشكالاً أورده رجل من هذا العصر وحاصله أن صوم عاشوراء فضله إنما هو لأنه يوم خلَّص موسى عليه الصلاة والسلام من يد فرعون فيه، فالفضل باعتبار الشريعة الموسوية وكان في اليهود حساب شمسياً فكيف انتقل صوم عاشوراء إلى عاشر المحرم من الحساب القمري؟ والجواب أن صوم عاشوراء في

اليهود كان عاشر الشهر الأول، من السنة المسمى بتشرين الأول فوضعه عليه الصلاة والسلام من الشهر الأول من سنتنا وهو عاشر المحرم، وفي المعجم الطبراني: أنه عليه الصلاة والسلام لما دخل المدينة وجد اليهود صاموا عاشوراء، فسأل أي يوم هذا؟ قالوا: عاشوراء خلَّص فيه موسى عليه الصلاة والسلام من يد فرعون، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نحن أحق باتباع موسى عليه الصلاة والسلام، وكان دخل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة في الربيع الأول، ولا يمكن فيه عاشوراء المحرم، فلعله كان اتفق عاشر تشرين الأول بيوم دخوله من الربيع الأول، ثم لعل أمره بالصوم كان في عاشر المحرم، ثم أقول: إن اليهود كان بعضهم كان يصوم عاشر تشرين، وبعضهم عاشر المحرم، فدل على أنهم عالمون الحسابين الشمسي والقمري، وكذلك روايات تدل على علمهم الحساب الشمسي والقمري ويدل عليه القرآن العزيز: «إنما النسيء زيادة في الكفر» إلخ على ما فسر الزمخشري من الكبيسة، ويحولون الحساب القمري إلى الشمسي، وأيام السنة القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً (354) ، وأيام السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يومٍ (365) فبعد ثلاث سنين، تزيد الشمسية على القمرية بشهر، فكان العرب يقولون بعد التحويل نجعل صفر محرماً بناء على أن الكبيسة تصير ثلاثة عشر شهراً بعد ثلاث سنين، وكان الحرب في المحرم حراماً عليهم، وكذلك في الأربعة الحرم فهذا التحويل هو النسيء لا فرض محرم صفراً بلا قاعدة وضابطة هذا والله أعلم وعلمه أتم.

باب ما جاء في صوم العشر

باب ما جاء في صوم العشر

[756] أي عشر ذي الحجة ومر بعض الكلام المتعلق بهذا الباب من صدق عشرة أيام. قوله: (صائماً في العشر قط إلخ) قالوا: إن هذا بيان علم عائشة بأن العشر متفق في نوبة غيرها

من أمهات المؤمنين والأفصح صومه عليه الصلاة والسلام صوم العشر، وقيل: إن في رواية عائشة تصحيفاً والأصل ما رُأيَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي ما رآه صائماً غيري، أي غير عائشة والله أعلم.

باب ما جاء في العمل في أيام العشر

باب ما جاء في العمل في أيام العشر

[757] تحير الناس في حديث الباب وقالوا بإجراء مسألة الكحل أي الجهاد في هذه الأيام أفضل من الجهاد في غيرها من الأيام، أقول: لا احتياج إلى هذا التكلف بل يستقرأ عمله عليه الصلاة والسلام وعمل السلف وما وجدناه إلا الصوم والتكبيرات، وكان بعض السلف يكبرون أرسالاً غير تكبيرات العيد وبعد الخمس من الصلوات فيقال: إن الفعلين المذكورين أفضل من غيرهما في سائر الأيام ومن الجهاد في سائر الأيام أيضاً.

باب ما جاء من ستة أيام من شوال

باب ما جاء من ستة أيام من شوال

[759] قال أبو يوسف: يستحب ستة أيام متفرقاً ويجوز متوالياً أيضاً. قوله: (فذلك صيام الدهر إلخ) أي تنزيلاً لضابطة الحسنة بعشر أمثالها فإنه إذا صام رمضان يكون أجر عشرة أشهر وبقي شهران وإذا ضربنا ستة في عشرة حصل ستون يوماً، ولصوم الدهر أنواع عديدة مثل صوم ثلاثة أيام بيض من كل شهر، وضابطة الحسنة بعشرة أمثالها من خصوص الأمة المرحومة أهدي به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ليلة الإسراء كما رواه مسلم في صحيحه. قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أعطيت في ليلة الإسراء خواتيم البقرة والحسنة بعشر أمثالها» وصورة أخرى لصوم الدهر تنزيلاً وهو أن يصوم يوماً في أول الشهر ويوماً في وسط الشهر ويوماً في آخر الشهر.

باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر

باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر

[760] هذا صوم الدهر تنزيلاً. قوله: (عهد إلى رسول الله إلخ) مثل عهده عليه الصلاة والسلام هذا عهده إلى أبي الدرداء. قوله: (وأن أصلي الضحى إلخ) في بعض نسخ النسائي بدل الضحى «الركعتين قبل الفجر» وقال المحدثون: إن ما في النسائي غلط، وعندي لعل نسخة النسائي صحيحة ويراد من قوله: «الضحى» هاهنا الركعتان قبل الفجر والله أعلم.

باب ما جاء في فضل الصوم

باب ما جاء في فضل الصوم

[764] حديث الباب حديث الصحيحين وفي شرحه عشرة أقوال ذكرها الحافظ، قيل: إن الصوم لم يكن في الجاهلية لغير الله بخلاف السجود والحج والصدقات، وقيل: إن الصوم أمر عدمي وباطني لا يمكن الرياء فيه بخلاف غيره من العبادات الظاهرية وقيل: إن الصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب وهذا من صفات الله تعالى، ونسب إلى ابن عيينة أنه يقول: إن المراد أن كل عبادة تكون كفارة السيئات إلا الصوم ويفيده بعض الروايات ويضره بعضها، وأما المضر له أخرجه الترمذي ص (64) ، ج (2) عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصيام وصلاة زكاة» إلخ فإن في هذا تصريح أن الصوم يؤخذ في الكفارة والحديث قوي فإن سنده سند حديث: «إذا انتصف عن شعبان فلا صوم إلا عن رمضان» إلخ وهذا وإن أعله البعض لكن لا من حيث السند وأقول: من تصدى إلى شرح حديث الباب يجب عليه أن يلاحظ في البخاري من الزيادة على حديث الباب في أبواب التوحيد: «لكل عمل كفارة إلا الصوم؟ فإنه لي وأنا أجزي به» إلخ وهذا لفظ البخاري مختلف فيه بين الرواة والكتب ففي أكثر نسخ البخاري: «لكل عمل كفارة إلا الصوم» إلخ فيكون المراد من العمل عمل السيئة، وفي بعض النسخ وفي مسند أحمد وفي كتاب الأسماء والصفات

للبيهقي: (كل عمل كفارة. . إلخ) فيكون المراد من العمل عمل الخير، وظني أن الترجيح لما في كتاب الأسماء والصفات ومسند أحمد وهو أفصح من حيث العربية، والمختار عندي في شرح الحديث قول ابن عيينة، وأما ما في الترمذي فمراده أن الصوم يؤخذ في حقوق العباد، ومراد حديث الباب أنه يأخذ في حقوق الله تعالى وإن وضع سائر العبادات لتكون كفارة بخلاف الصوم وإن صار بالآخر مكفراً كما تدل روايات منها: «أن المصلي كمن يكون على شط نهر ويغتسل فيه كل يوم خمس مرات، فهل يبقى من درنه شيء؟ إلخ» وفي الوضوء: «من توضأ فخرجت الذنوب من عينيه وتحت أشفاره وأظفاره» . قوله: (والصوم جنة من النار إلخ) كنت أزعم أنه تكون بشكل الجنة وقاية في يوم القيامة حتى أن رأيت في مسند أحمد: «أن الرجل إذ يوضع في القبر تجئ الصلاة من يمينه، والصدقة من تحت رجله، والقرآن من جانب رأسه، والصوم من جانب يساره» فعلمت أن مراد حديث الباب هو ما في مسند أحمد. قوله: (وإن جهل الخ) الجهل قد يكون مقابل الحلم أيضاً كما قال الشاعر الحماسي: ~ ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا وكذلك قال في الحماسة: ~ وبعض الحلم عند الجهو ... ل للذلة إذعان قوله: (فليقل إلخ) أي في نفسه أو باللسان.

باب ما جاء في صوم الدهر

باب ما جاء في صوم الدهر

[767] قال الحجازيون: إن صوم الدهر وصوم داود متساويان، وفي كتب الحنفية أن صوم الدهر مكروه تنزيهاً، أقول: إن صوم داود أفضل من صوم الدهر، والكلام في هذا الموضع في الدهر التحقيقي لا التنزيلي، وقال مصنف الفتاوى الهندية: إن صوم الدهر وصوم الوصال واحد، هذا غلط فإن صوم الدهر الصوم كل السنة إلا خمسة أيام والإفطار على كل غروب على الصوم المعروف، وأما صوم الوصال فلا يكون الإفطار فيه ويصدق على صوم يومين بدون فصل الإفطار أيضاً، وباب الحظر والإباحة من تلك الفتاوى مملوءة من الروايات الضعيفة فإن مأخذه كتاب مطالب المؤمنين للمولوي بدر الدين اللاهوري وهو رجل غير معتمد عليه، ثم الوصال على قسمين وصال إلى السحر ووصال اليومين، والثاني منهي عنه فإنه ورد به النهي وعذره عليه الصلاة والسلام عن وصاله، وأما الوصال إلى السحر فقال ابن تيمية باستحبابه، وأقول: لا بد من الجواز من جانب الأحناف فإنهم لم يتعرضوا إلى الوصال إلى السحر وقد صح ثبوته في حديث الصحيحين: «لا تواصلوا وأيكم واصل يواصل إلى السحر» إلخ. قوله: (لا صام ولا أفطر إلخ) عدم إفطاره ظاهر والكلام في عدم صومه ولا يمكن التمسك بحديث الباب على كراهة صوم الدهر فإن الأحاديث صريحة في جواز صوم الدهر بلا كراهة، وقال قائل: لا صام أي كأنه لم يصم لأنه بمنزلة من اعتاد أكل الطعام في وقت واحد، وقيل: إن أول الحديث أي كيف بمن صام الدهر؟ إلخ عام أي الصوم مع صوم الأيام الخمسة أيضاً ولكنه غير صحيح فإن صوم الأيام المنهية عنه خارج عن حديث الباب ومكروه تحريماً، وفي فتح الباري حديث قوي ورواه ابن خزيمة: «من صام الدهر ضيقت عليه جهنم» هكذا قال الراوي: إنه عليه الصلاة والسلام

أشار بيده وقبض أصابعه كالجمع، قال قائل: إن هذا الحديث يدل على كراهة صوم الدهر، أقول: إن هذا القول باطل فإنا لو سلمنا بالفرض أن صوم الدهر مكروه فلا يرد هذا الوعيد عليه فإن شأن هذا الوعيد شأن أكبر الكبائر، وقال قائل: إن المراد أن جهنم ضيقت عنه وتبعد عنه ولا تقربه، وقالوا: إن «على» بمعنى «عن» أقول: إن مراد الحديث بيان فضل صوم الدهر قطعاً، ولا احتياج إلى ما ارتكبوا من المجاز في على بل تبقى على على حالها، ويدل الحديث على الوعد العظيم ولا يمكن إدراكه إلا لمن له حذاقة بالعربية، ويؤيد قول القائل الثاني ما في الحديث: «أن المؤمن إذا يمر على جهنم فتصيح جهنم أن أسرع فإنك أطفأت ناري» إلخ ثم لأحد أن يقول: إن في حديث فتح الباري ومسند أحمد لا يجب أن يكون هو صوم الدهر التحقيقي بل لعله صوم داودي أو صوم الدهر التنزيلي والله أعلم. ثم أقول: إن صوم داود أفضل من صوم الدهر ووعده أعظم، ثم حديث الباب «لا صام ولا أفطر» يمكن في ظاهر الصورة أن يقال: إن مراد لا صام أنه لا يمكن له التعهد على صوم الدهر ولا يداوم عليه فكأنه لا صام، وفي الحديث: «أحب الأعمال أدومها» وأما عدم التعهد على صوم الدهر فيدل عليه فعل عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه ندم على عدم اختياره رخصته، ونظير ما قلت في بيان ظاهر الصورة ما في بعض أحاديث جوامع الكلم: «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ـ أي اعمل بالرخص ـ أيضاً فإن المنبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى» ، إلخ فمضمون هذا وتركيبه مثل حديث الباب، وقال قائل: إن في فضل صوم الدهر أحاديث كثيرة فإن إحالته الأيام البيض وستة شوال على صوم الدهر يدل على فضل صوم الدهر وأنه عبادة عظيمة، وأما سرد الصوم فهو الصوم متوالياً مع الفطر على حينه أي على كل مغرب لا يجب فيه إكمال السنة كلها، فسرد الصوم أعم من صوم الدهر.

باب ما جاء في كراهية صوم يوم النحر ويوم الفطر

باب ما جاء في كراهية صوم يوم النحر ويوم الفطر

[771] صيام الأيام الخمسة مكروه تحريماً عندنا، والمكروه تحريماً قريب من الحرام أو حرام كما قال محمد، وقال الحجازيون: إن صوم الخمسة حرام ثم إن شرع فيه وأفسده بلا نذر فلا شيء عليه من القضاء، ولو أتمه صح شروعه مع ارتكابه المكروه تحريماً، وأما في الثواب فقولان كما مر، وفي

رواية عن زفر من شرع في الصلوات في الأوقات المكروهة ثم أفسدها لا قضاء عليه واختارها ابن همام في تحرير الأصول، ولو نذر الصوم في لعلها هذه الأيام صح نذره ويصوم في الأيام الأُخر، وأما انعقاد النذر فيجب التلفظ باللسان ولفظ لله عليّ أو كلمة الشرط والجزاء وفي جزيته عن السرخسي ما يدل على أن لفظ عليّ فقط أيضاً قائم مقام لله عليّ، وفي رواية عن أبي يوسف أن من نذر أن يصوم صوم يوم الاثنين مثلاً فاتفق في ذلك اليوم العيد صح نذره ويصوم يوماً آخر ولو نذر صوم يوم العيد بالتعيين فنذره باطل، وفي الصورة الأولى لو صام فبر وعصى وكنت متردداً في وجه الفرق بين شروع الصلاة في الأوقات المكروهة فإنها يجب قضاؤها إلا في رواية عن أبي يوسف وبين شروع الصوم في الأيام الخمسة المكروهة فإنه لا قضاء فيه إن لم ينذر وقال البعض: إن في الصوم إذا أمسك ساعة فبعدها تكون الأجزاء متكررة بخلاف الصلاة فإنه ما لم يركع ركعة واحدة لا يقال له إنه مصل فإذا صلى ركعة واحدة فقد أدى قدراً معتداً به فلا ينبغي إلغاؤه، ولم يكن هذا شافياً حتى رأيت في البدائع عن أبي بكر العياضي وجهين: أحدهما: أن عدم جواز الصوم في الأيام الخمسة متفق عليه لا يشذ عنهم شاذ وأما جواز الصلاة في الأوقات المكروهة فمختلف فيه فإن الشافعي يجوزها فيها إذا كانت ذات سبب. وثانيهما: أن المصلي إذا شرع في الصلاة وكبر فصارت تحريمته بمنزلة النذر بخلاف الصوم فإنه إذا شرع فلم يتلفظ بشيء فلم يكن الشروع بمنزلة النذر، وفي النذر حقيقة يلزمان أي الصوم والصلاة ويجب الإفساد والقضاء، وهاهنا بحث طويل للحافظ ابن تيمية رحمه الله وأطنب إطناباً، وحاصله أن نهي الشارع عن أمر يقتضي بطلان ذلك الأمر، ولا يمكن اجتماع صحة أمر مع ورود النهي عنه لا عقلاً ولا شرعاً، وأما في كتب أصولنا، ففي كتب الأحناف والشافعية عبارات، منها ما في كتبنا: أن النهي لا ينافي الصحة إلا لداع، وفي عبارة للشافعية: أن النهي يقتضي البطلان إلا لمانع، ثم في عبارة لنا: أن الأفعال على قسمين حسيّة مثل الزنا وشرعية مثل الصلاة وغيرها، والنهي الوارد في الحسيّة يدل على البطلان، والنهي الوارد على الشرعية لا ينافي الصحة، والوجوه لهذا عديدة وأحسنها أن في الحسية يكون النهي وارداً على جميع الجزئيات ومنسحبةً عليها، وأما في الشرعية فلا يكون منسحباً على جميع الجزئيات بل تكون بعضها خارجة عنه وتكون مشروعة مثل الصلاة والصوم فإنهما مكروهان في الأوقات والأيام المكروهة لا في غيرها فلا يقتضي البطلان، فدار النهي على نظر المجتهد وأما ما في بعض الكتب أن النهي يقرر المشروعية فمشكل، والصواب أن يقال: إن النهي لا ينافي الصحة، وفي عبارة للشافعية: أن النهي الوارد على العبادات يقتضي البطلان والوارد على المعاملات لا يقتضي البطلان فإن في المعاملات طرفين دنيوياً وأخرويّاً وأما في العبادات فليس الاطراف الآخرة فإذا انتفى الثواب لم يبق شيء، واختاره ابن همام في التحرير وقال: إن العبادات

متمحضة للثواب، ويتوهم على مختار الشافعية وابن همام ارتفاع باب مكروهات الصلاة التحريمة، ولم يتوجه الشيخ إلى دفع هذا الاعتراض في التحرير والفتح ولا شارح التحرير المحقق ابن أمير الحاج، ثم بدا لي أن هذا الباب ليس بمرتفع، فإن الكراهة إذا انسحبت على تمام الصلاة مثل كونها في الوقت المكروه فتكون باطلة، وإذا كانت الكراهة في بعض أجزاء الصلاة التي حقيقة مركبة ممتدة لا تكون الصلاة باطلة، ثم في عبارة لنا أن علة النهي قبح الشيء، والقبح إما لعينه أو لغيره والغير إما لازم أو مجاور، وإذا كان العلة قبيحة لعينه فالنهي يدل على البطلان، وإن كان القبح لغيره فإن كان الغير لازماً فتعرض الشيخ ابن همام إلى الحرمة وعدمها ولم يتعرض إلى البطلان وعدمه وإن كان الغير مجاوراً مثل البيع عند السعي إلى الجمعة فلا يقتضي البطلان وقال الشيخ ابن همام في التحرير: إن النهي إن كان للغير المجاور لا يكون المنهي إلا مكروهاً تحريماً ولا يثبت به الحرمة وإن كان الدليل قطعياً ثبوته ولي في هذا نظر فإن صاحب الهداية قال في موضع؛ أي في الأذان: إن البيع عند أذان الجمعة حرام، وقال في البيع: إنه مكروه تحريماً، وقد اتفقوا على أن النهي لأمر مجاور وأيضاً في مختصر القدوري: أن الرجل الصحيح إن صلى الظهر في بيته ولم يسع إلى الجمعة أصلاً فإنها مكروهة، وقال الشيخ ابن همام إنها حرام ولكنها صحيحة وكذلك في بعض أنه إذا خالع الرجل وكان النشوز من جانبه فأخذ المال من زوجته ارتكب الحرام مع صحة الخلع والله أعلم وجهه ثم قال ابن تيمية في موضع: إن الشارع يرفع المعاصي بالنهي ويوفرها الذين قالوا بالصحة مع النهي، أقول: إن الأحناف لم يوفر المعاصي فإنهم حكموا بالكراهة تحريماً، والمكروه تحريماً حرام لما قال محمد رحمه الله وقال ابن تيمية، إنا عرفنا بالاستقراء أن النهي الوارد على كل من التصرفات أعم من أن تكون بعض جزئياتها مشروعة أو لا يقتضي البطلان ولا يترتب الحكم عليها، ويرد عليه الصلاة في الأرض المغصوبة وهي صحيحة مع الكراهة عند الثلاثة، وباطلة عند أحمد، وقال ابن تيمية: إن النهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة إنما هو لتعلق حق الغير بها والصلاة فيها صحيحة، وكذلك قال في تلقي الجلب: إن النهي من جانب الناس وتعلقهم ولو تلقى أحد الجلب صح بيعه، وقال ابن تيمية ببطلان البيع عند الأذان خلاف الأحناف والشافعية، ثم قال: إن السلف كانوا يحكمون ببطلان شيء متمسِّكين بلفظ النهي مطرداً، ويرد عليه أن ابن عمر طلق امرأته حال الطمث والطلاق صار معتبراً، والحال أن الطلاق في حالة الطمث منهي عنه، وقال ابن تيمية: إن طلاقه باطل وقال في شرح (أرأيت إن عجز واستحمق) إلخ: أتتغير أحكام الشريعة وإن عجز واستحمق بل لا يقع الطلاق، وقال الجمهور في شرحه (أرأيت إن عجز واستحمق) إلخ: أي تتعطل أحكام الشريعة وإن عجز واستحمق، أي يقع الطلاق ولا يندفع، أقول: كيف يقول ابن تيمية بأن طلاقه غير معتبر والحال أنه عليه الصلاة والسلام

أمره برجوعه وفي المسلم تصريح أنها عدت عليه تطليقة واحدة وأغمض عنه ابن تيمية وكذلك يرد على الحافظ ابن تيمية ما في مسلم ص (477) عن أبي الصهباء قال: قال ابن عباس: كان الطلاق على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، قال: فقال عمر بن الخطاب رحمه الله: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلم لو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم إلخ، ومذهب أبي حينفة وأحمد أن جمع ثلاث طلقات في وقت واحد بدعة، وقال الشافعي: إن البدعة جمعها في الحيض ولا بدعة في الطهر، ولنا ما في القرآن: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أي مرة بعد مرة لا جمعهما، وجمهور السلف أيضاً معنا أي مع أبي حنيفة وأحمد بن حنبل، ومع كون الطلاق ثلاثاً في الطمث بدعة تقع الثلاث عند الأربعة والبخاري، وخالف داود الظاهري، وقال: إن الثلاث تقع واحدة فورد على مختار ابن تيمية حديث المسلم هذا وحديث ابن عمر السابق، فترك ابن تيمية في الطلاق ثلاثاً مذهب إمامه أحمد، واختار مذهب داود، وقال الجمهور في حديث المسلم: إنه ليس المراد أن في عهده كانت ثلاث طلقات ملفوظات تعد واحدة بل المراد أنهم كانوا يكتفون على التطليقة الواحدة منزلة ثلاث طلقات، وكانوا لا يطلقون طلاق البدعة ثم أخذوا في عهد عمر في طلاق البدعة فأمضاها عمر، وشرح الجمهور الحديث لطيف بلا ريب، وقال ابن تيمية: إن شرح الجمهور تأويل، وقال ابن قيم: لما بلغ التأويل إلى هذه المرتبة فصار تحريفاً ولم تبق تأويلاً، أقول: إن في القرآن نظير حديث مسلم في المحاورة: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص: 5] إلخ وليس المراد ثمة دمج الآلهة في إله واحد، بل الاكتفاء على إله واحد بدل آلهة، وله نظير من الحديث كما سيأتي في الترمذي: (ومن جعل همومه كلها هماً واحداً هم آخرته كفاه الله هم الدنيا) إلخ فليس المراد دمج الهموم في هم واحدٍ بل أخذُ همٍّ واحد بدل الهموم كلها والاكتفاء على هم واحد، فالحاصل أن الفاروق أجرى الحكم على ثلاث طلْقَات منهيَّة عنها، وقال ابن تيمية: إن حكمه هذا إنما هو تعزيز، أقول: لم أجد مثال هذا التعزير الذي يغلظ إيضاع الناس عليهم، ويرد على ابن تيمية ما في الترمذي عن عمران بن حصين: «لا نذر في معصية، وكفارته كفارة اليمين» إلخ، فنهى الشارع عن نذر معصية ثم حكم بكفارته وبنى عليه الأحكام وتكلموا في سنده منهم النسائي، أقول: قد أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار بسند قوي ونقله علاء الدين المارديني، والمسألة عندنا أنه

لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين، ويحنث من حلف، وأما النذر بمعصية فلا يوفيه عندنا، قيل: إن هذا الرجل كافر ويرد على الحافظ ابن تيمية ما في القرآن أن الظهار منكر وقول زور إلخ، ويتفرع عليه الحرمة والكفارة لو عاد إلى ما قال فبنى القرآن الحكم على الظهارّ مع ورود النهي عنه، وأجاب ابن تيمية بأن الكفارة والحرمة ليس من قبيل التسبيب بل من قبيل الزواجر أي من قبيل تسبب الرجم عن الزنا، أقول: إنه في غاية الخفاء فإن المؤثر في حرمة المسيس قول المظاهر لا الزجر فإن في الهداية: إن الظهار كان طلاقاً في الجاهلية فقرر الشارع أصله وحكمه مؤقتاً إلى مزيل من الكفارة. . إلخ وكذلك وجدت في بعض عبارات الشافعي في الأم فدل على أن الحرمة من الظهار لا من قبيل الزواجر، وأما دعواه بأن السلف كانوا إذا تمسكوا على بطلان شيء يتمسكون بصيغة النهي، أقول: إن هذا ليس بمطرد بل ربما يتمسكون بصيغة النهي ومع ذلك يقولون بصحة الشيء فلا تقتضي صيغة النهي البطلان، فإن في الشريعة أن نكاح الشغار غير جائز ومع ذلك لو نكحوا النكاح الشغار ثم رفعوا علة القبح أي نفي المهر فقد صح النكاح، ثم نقول إن اجتماع النهي عن شيء مع صحته معقول لغة وعقلاً، فإنا إذا قلنا فرضاً أن يقول الشارع: لا تصم يوم النحر ولو صمت لعصيت وصح صومك، فإن هذا القول معقول بلا ريب، فالحاصل أنه ليس في المنهي الإثم إذا كان المنهي نهي الكراهة تحريماً أو نهي الحرمة لا نهي إرشاد فلم يثبت إلا أن النهي لا يقتضي البطلان إلا لداعٍ، وأما الأفعال الحسّية ففيها داعٍ، وينبغي إجراء هذه الضابطة في كثير من المسائل، فإنها أنفع في مواضع، وليتدبر فإن المقام دقيق.

باب جاء في كراهية صوم أيام التشريق

باب جاء في كراهية صوم أيام التشريق

[773] حكم صيام أيام التشريق حكم صوم العيدين، وقال مالك وأحمد والشافعي: يجوز الصوم أيام التشريق للمتمتع والقارن الذي لا يجد الهدي وليس لهم إلا فتوى عائشة في البخاري، وبوب

الطحاوي على هذه المسألة وقال: إنه عليه الصلاة والسلام نادى يوم حجة الوداع في منى: «أن لا يصومَ أحد أيام التشريق، فإذا كان نداءه عليه الصلاة والسلام في أيام الحج في منى فمن يدعي جواز الصيام أيام التشريق فلا مناص له من أن يأتي بدليل خاص نص له أو استثناءه عليه الصلاة والسلام في نداءه، وإلا فلا وجه لتخصيص هذه الأيام.

باب ما جاء في كراهية الحجامة للصائم

باب ما جاء في كراهية الحجامة للصائم

[774] وقال أحمد وبعض السلف: إن الحجامة مفطر الصوم خلاف الأئمة الثلاثة، وتمسك أحمد بن حنبل بحديث الباب: (أفطر الحاجم والمحجوم) وقال البعض: إن كل طريق من طرق هذا الحديث لا يخلوا عن اضطراب شيء، وقال البعض: إنه متواتر لأنه مروي عن قريب من اثنين وعشرين صحابياً ذكرهم السيوطي في الجامع الكبير ولكنه لم ينقد الأسانيد، وقال أحمد بن حنبل: صح الحديثان في هذه المسألة وكذلك قال ابن المديني، وذكر أرباب كتب النقل: أن رجلاً سأل ابن معين عن حديث «أفطر الحاجم والمحجوم» فقال يحيى بن معين: ما من شيء خال عن الاضطراب، فذهب الرجل عند أحمد فذكر عنده قول ابن معين، قال أحمد: إنه مجازفة، وقال الحنابلة: ما من جواب عند الجمهور وتأول المحشون بأن في الحاجم توهم دخول الدم في حلقه، وأما المحجوم فله خطره الضعف فهما على إشفاء الإفطار وإن لم يفطرا حقيقة، وأجاب الطحاوي بأنه عليه الصلاة والسلام لم يذكر التشريع في قوله هذا بل هذا ورد في واقعة، وهي: أنه عليه الصلاة والسلام مر برجلين حاجم ومحجوم يغتابان رجلاً فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفطر الحاجم والمحجوم» ، فمناط الإفطار الغيبة لا الحجامة،

إلا أن رواية الطحاوي ضعيفة لا يمكن الاحتجاج بها، وعندي حديث الباب معناه أنه قد أفطر أي أدخل النقص في صومه، وإنما يظهر في أحكام الآخرة لا أحكام الدنيا مثل الغيبة، ومن المعلوم أن الشريعة ربما تتعرض إلى أحكام الآخرة وتنبئ عما هو غائب عن أعيننا مثل قطع الصلاة بالكلب والحمار والمرأة أي قطع الوصلة بين الرب وعبده، والصلاة ليست بباطلة في أحكام الدنيا، وادعى البعض نسخ إفطار الصوم بالحجامة لحديث أخرجه النسائي وأعله بعض الحفاظ، وقالوا: إنه موقوف، وفي أبي داود ص (330) حديث قوي يقول الراوي: إن كراهة الحجامة إبقاءاً على أصحابه، وفيه قال أنس بن مالك: ما كنا ندع الحجامة للصائم إلا كراهة الجهد انتهى، وصنف ابن تيمية كتاباً في القياس وموضوعه توفيق المسائل النقلية بالعقل، ومر على مسألة الباب وقال: إن الصوم ينبغي أن يكون على حالة اعتدال وفي الحجامة ليس حالة الاعتدال وإن لم يخرج شيء من المني بالجماع ولم يدخل في بطنه من المفطرات، وقال: كذلك الحائض والنفساء لا تكون على حالة الاعتدال، وأقول: ليس المدار على ما قال ابن تيمية بل المدار على أن الأنسب لحالة الصوم الطهارة، وكان في حينٍ ما عدمُ جواز صوم الجنب ثم نسخ كما في البخاري، وفي الحيض والنفاس والحجامة أيضاً نجاسة.

باب ما جاء من الرخصة في ذلك

باب ما جاء من الرخصة في ذلك

[775] حديث الباب، ومن مستدلاتنا ما روي مرسلاً عن عبد الله بن زيد بن أسلم في باب الصائم يذرعه القيء. قوله: (صائم محرم إلخ) أجاب الحنابلة عن حديث الباب بوجهين: الأول: بأنه لم يثبت إحرامه في رمضان، فإن جميع العمرات له كان إحرامها وأفعالها في ذي القعدة إلا عمرة مع الحجة، فإن أفعالها كانت في ذي الحجة فلا يكون الصوم إلا صوم النفل وإفطاره جائز بلا ريب، ولا قضاء عند الحنابلة كما في كتبهم بخلاف ما في كتاب أحمد بن حنبل كتاب الصلاة. وأما الوجه الثاني لجوابهم: فبأن ابن تيمية وابن قيم يقولان: إن ألفاظ الحديث أربعة: 1 ـ (احتجم وهو صائم) . 2 ـ (احتجم وهو محرم) . 3 ـ (احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم) . 4 ـ (واحتجم وهو محرم وهو صائم) كما في حديث الباب، والثلاثة الأول صحيحة غيرُ مضرَّةٍ لنا، وأما الرابع فمضر لنا وجوابه مر سابقاً بلا ريب، أقول: إنا نرجع إلى آثار السلف فأكثر السلف موافقون لنا، ولنا ما في النسائي أيضاً الرخصة في الحجامة للصائم مرفوعاً أو موقوفاً، وذلك دال على النسخ، وأما ما قال الترمذي في الباب السابق: لا أعلم أحداً من المحدثين إلخ، فأقول: قد صحح المحدثون حديث الإفطار بالصوم وعدمه وأما رواية ابن عباس في باب الرخصة في الحجامة ففي بعض طرقها يزيد بن أبي زياد وهو موصوف بسوء الحفظ.

باب كراهية الوصال في الصوم

باب كراهية الوصال في الصوم

[778] مواصلة الصوم إلى يومين أو أكثر فنهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه، وبيَّن عذره بأن «ربي يطعمني ويسقيني» وهذا من خصوصيته عليه الصلاة والسلام، وأما الوصال إلى السحر فجائز للأمة لحديث الصحيحين، وقال ابن تيمية باستحبابه. قوله: (إن ربي يسقيني إلخ) وأما طريق الإسقاء والإطعام من الرب تبارك وتعالى فمحمول إلى صاحب الشريعة والرب عز برهانه. قوله: (وروي عن عبد الله إلخ) كان عبد الله بن الزبير يواصل إلى سبعة أيام أيضاً وكذلك ثبت مواصلة عمر أيضاً إلى يومين أو ثلاثة أيام، ولعلهما زعما لنهي الحديث محملاً مثل حمله على نهي الإرشاد.

باب في الجنب يدركه الفجر وهو يريد الصيام

باب في الجنب يدركه الفجر وهو يريد الصيام

[779] الجنابة لا تنافي الصوم عند الأئمة الأربعة إلا أبا هريرة، وهو أيضاً رجع عنه بعد مدة، وكنت رأيت في بعض كتبنا كراهة الصبح جنباً ثم نسيته ثم خطر ببالي أن صبحه عليه الصلاة والسلام وهو جنب ثابت فكيف يحكم بالكراهة؟ فتتبعت فوجدت في حاشية ما لا بد منه نقلاً عن جامع الفتاوى: إن الرجل يكره له أن يصبح وهو جنب، وعندي لا بد من التأويل في قول جامع الفتاوى، وأما عامة كتبنا ففيها أنه لا مضائقة في أن يصبح وهو جنب، واحتج محمد بن حسن في موطأه على جواز الغسل بعد الصبح بآية {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة: 187] الآية فإنه لا بد من أن يكون الغسل بعد تبين الصبح وهذا تمسك بإشارة النص.

باب ما جاء في إجابة الصائم الدعوة

باب ما جاء في إجابة الصائم الدعوة

[780] أي يجيب الداعي ثم إن رأى أن المستدعي لا يجد عليه فيجوز له الإمساك، وإلا فيفطر فإن الضيافة عذر. قوله: (فليصل يعني الدعاء إلخ) قال أتباع المذاهب الأربعة: أن الصلاة على غير الأنبياء أصالة مكروهة، وأما ما في بعض الأحاديث مثل حديث الصحيحين من إطلاقها على غير الأنبياء فسيأتي جوابه في البخاري إن شاء الله تعالى.

باب ما جاء في تأخير قضاء رمضان

باب ما جاء في تأخير قضاء رمضان

[783] لو أخر قضاء رمضان إلى أن دخل رمضان الثاني فليس عليه عندنا إلا القضاء، وقال الشافعي: إنه مفرط إذا أخره إلى رمضان الثاني، ثم عن الشافعي روايتان؛ في رواية أنه يقضي ويفدي، وفي رواية أنه يقضي فقط، وأما القضاء ففي قول لنا أن قضاء كل شيء يجب في الفور وهو قول الحلواني، ويشير إلى هذا ما في الدر المختار ص (99) . قوله: (إسماعيل السدي إلخ) هذا راوي ما يفيدنا في القراءة خلف الإمام في معاني الآثار ص (129) ، وما تمسك به وإن حسنه الترمذي وصححه في هذا الموضع فإنهم متكلم فيه، وكذلك لنا رواية مرفوعة مفيدة لنا في مسألة القراءة خلف الإمام في الطحاوي ص (129) ، وفي سندها يحيى بن سلام وهو متكلم فيه فلذا لم أتمسك بها هناك.

باب ما جاء في فضل الصائم إذا أكل عنده

باب ما جاء في فضل الصائم إذا أكل عنده

[787] في حديث الباب أيضاً الصلاة على غير الأنبياء. قوله: (عن جدته أم عمارة إلخ) لم يوجد في كتب الرجال والأنساب تلاقي نسب حبيب بأم عمارة فلا أعلم كيف قال الترمذي هذا القول؟ وكذلك في الطحاوي ص (19) :، ج (1) . عبد الله بن زيد جد حبيب إلخ ولم يوجد تعلق عبد الله بن زيد بحبيب بن زيد الأنصاري في الأنساب وكتب الرجال، والله أعلم وعلمه أتم.

باب ما جاء في كراهية الاستنشاق للصائم

باب ما جاء في كراهية الاستنشاق للصائم

[788] مخافة بلوغ الماء الدماغ، ومفسد الصوم عندنا ما يبلغ الدماغ أو الجوف. واعلم أن دخول الدخان ليس بمفسد وأما إدخاله فمفسد، وكذلك شرب الدخان (تمباكونوشي) ، مفسد ويوجب الكفارة كما في نظم وهبانية: ~ وأفتوا بتحريم الدخان وشربه ... وشاربه لا شك في الصوم يفطر ~ ويلزمه التكفير لو ظن نافعاً ... كذا دافعاً شهوات بطن فقرروا والتجمير بالعود مفسد ويلزم الكفارة، وأما شم الرائحة فليس بمفسد.

باب ما جاء في الاعتكاف

باب ما جاء في الاعتكاف

[790] الاعتكاف على ثلاثة أقسام؛ الواجب: وهو اعتكاف النذر، ويجب في النذر التلفظ باللسان ويجب قضاؤه بالإفساد. والثاني: سنة مؤكدة على كفاية فلو أداها واحد من أهل مسجد فتأدت وإلا فأثم الكل، وهذا اعتكاف العشرة الأخيرة من رمضان، ولو لم يتم عشره بل نقصه من البين ما أتى بالسنة، ولكنه أحرز ثواب ما اعتكف. والثاني: النافلة وهو غير هذين القسمين، وفيه اختلاف، قال الشيخ ابن همام: أن يشترط له الصوم، ثم يتأدى هذا النوع بمكث ساعة أيضاً، ولكنه يلزمه إتمام صوم ذلك اليوم إلى غروب ذكاء وتمسك الشيخ بعبارات عامة، وقال صاحب البحر: لا يشترط الصوم في هذا النوع، وأتى بعبارة صريحة عن محمد بن حسن فالترجيح لصاحب البحر، وأما ما في كتاب الدارقطني من أنه لا اعتكاف إلا بالصوم فمخصوص بغير النافلة، فإن عدم اشتراط الصوم في النافلة مؤيد بالوجوه الفقهية. قوله: (صلى الفجر ثم دخل إلخ) أي: في معتكفه المتخذ من الحصير أو غيره، وأما دخوله المسجد كما في الروايات فكان قبيل غروب شمس العشرين من رمضان، والمعتكف لو أراد إتمام العشر الأواخر فعليه أن يدخل متصلاً بغروب شمس العشرين في المسجد، وإلا فلا يتم العشر فإن الليالي الماضية تلحق بالأيام التالية بعدها.

باب ما جاء في ليلة القدر

باب ما جاء في ليلة القدر

[792] واعلم أن في ليلة القدر أقوالاً، والجمهور إلى أنها في رمضان، ثم قيل: دائرة، وقيل: متعينة ثم أرجاها العشر الأواخر، وأرجاها الأوتار، وأرجاها الحادية والعشرون، أو الثالثة والعشرون، أو الخامسة والعشرون، أو السابعة والعشرون، وأرجاها السابعة والعشرون، وفي رواية مشهورة عن أبي حنيفة أنّها دائرة في السنة كلها، وله حديث أخرجه الطحاوي ص (53) ، ج (2) قال ابن مسعود: «من قام السنة كلها وجد ليلة القدر إلخ» ، وفي رواية غير مشهورة عن أبي حنيفة، وقول صاحبيه: إنها في رمضان كما في فتاوي قاضي خان، ثم قيل: دائرة، وقيل: متعينة، وقال الشيخ عمر النسفي في منظومته: ~ وليلة القدر بكل الشهر ... دائرة وعيناها فادر ويؤيد هذا القول ما في معاني الآثار ص (49) ، ج (2) عن ابن مسعود قال: هي في كل رمضان إلخ، وقال الطحاوي: يحتمل أن يكون مراده في كل رمضان إلى يوم القيامة إلخ، وعلى الأول تكون رمضان غير منصرف والكل للإجزاء، وعلى الثاني يكون رمضان منصرفاً فإنه إذا نكر صُرِفَ ويكون الكل للإفراد، وقال الشيخ الأكبر: إني رأيتها في خارج رمضان مراراً كما قال أبو حنيفة، وفي الصحيحين وغيرهما: «أنه عليه الصلاة والسلام أتى المسجد ليعين ليلة القدر للناس فرأى رجلين يتنازعان فرفع علمه بسبب نزاعهما» ، وأقول: لا يدل الروايات على أن الذي رفع كان علم رمضان الذي خرج فيه عليه الصلاة والسلام، أو علم كل رمضان إلى يوم القيامة. قوله: (يجاور إلخ) واعلم أن من لغة المدينة المجاورة بمعنى الاعتكاف، والبيع بمعنى الإجارة،

والمعاملة بمعنى المساقاة، والمخابرة بمعنى المزارعة، وفي رواية في فتح الباري: «ليلة القدر رُفِعَتْ، أقول: مرادها أن علمها اليقيني مرفوع لا الليلة نفسها. قوله: (بعلامتها إلخ) مذكورة في الحديث اللاحق لكن معرفة قلة أشعة الشمس لا يمكن لكل أحد، وروى السيد نعمان الدين الآلوسي في مواعظه العربية رواية ضعفها وهي: أن من علامة ليلة القدر أن يعذب ويحلوا الماء المالح، وأن تسجد الشجرات.

قوله: (تسع يبقين إلخ) لو كان الشهر تسعة وعشرين يوماً فلا إشكال فإن المذكورات في حديث الباب تكون أوتاراً، فإن تسعاً يبقين ليلة الحادية والعشرين، وسبع يبقين ليلة ثالثة وعشرين وهكذا، وأما لو كان الشهر ثلاثين يوماً فيلزم طلب ليلة القدر في الأشفاع منتخبة، ولا يقول بانتخاب الأشفاع أحَدٌ فذكروا معاذير، قيل: يمكن أن يقال: إن المذكور في حديث الباب حكم شهر تسعة وعشرين، وأقول له: إن النكتة أن أكثر رمضان في عهده عليه الصلاة والسلام كان تسعة وعشرين يوماً. وقيل: يؤخذ الشهر تسعة وعشرين، وإن كان ثلاثين فإن كونه ثلاثين غير معلوم فيؤخذ بالجزم، وأقول: في لفظ حديث الباب، أنه يؤخذ من تسع يبقين جميع الليالي مما بعد تسع بقت أشفاعاً وأوتاراً وكذلك يؤخذ في سبع يبقين جميع الليالي أشفاعاً وأوتاراً بعدها، وهكذا فإن مطمح نظر الشريعة أن يقيموا عشرة رمضان الآخرة أو تسع ليال أو سبع ليالي أو خمس ليالي؛ وهكذا، وأيضاً لفظ «يبقين» جمع المؤنثات الغائبات لا المفردة الواحدة، ولكن في بعض الألفاظ «تاسعة تبقى» و «سابعة تبقى» وهكذا.

باب ما جاء في {وعلى الذين يطيقونه}

باب ما جاء في {وعلى الّذين يطيقونه}

[798] المشهور أن هذه الآية كانت في حق رمضان ثم نسخت، وتمسكوا بحديث الباب وهو حديث الصحيحين ولكنه أثر سلمة بن أكوع، وقال بعض المفسرين: إن الآية محكمة، ويقولون بتقدير «لا» أي «لا يطيقونه» إلخ، ولكني لا أقبل تقدير «لا» فإن مثل هذا التقدير لا أصل له ولا ضابطة، وضابطة تقديرها أن يكون مثبتاً ولم تكن فيه طلائع جواب القسم من التأكيد وغيره كما قالوا في: لله يبقى على الأيام ذو حيد أي لا يبقى، وعندي لا احتياج إلى تقدير «لا» في هذا بل يذكر المثبت أي سياق القسم ويراد به المنفي بصورة الإنكار، وأما منشأ ما قال أوساط المفسرين من تقدير «لا» فهو قول بعض المفسرين: إن في الطاقة مشقة وكلفة ما يطيقه معتبرة، يعني: لا يطلق لفظ الطاقة إلا فيما يكون شاقاً فيكون مراد الآية: أن الفدية على من يطيق الصوم لكنه بمشقة وحمل كلفة فما أدركوا كلام ذلك البعض، وقالوا بتقدير «لا» في الآية، وأما المفسرون الذين يُعتمد عليهم فيقولون: إن الآية على ظاهرها وإنما هي واردة في حق صوم البيض وعاشوراء وكان فيه خيرة بين الفدية والصوم لمن يقدر أيضاً على الصوم ثم نسخ فرضية هذا الصوم وفرض رمضان، وأقول: إن حق المراد هو هذا، أي هذه الآية كانت في البيض وعاشوراء لا في رمضان، وأيضاً لوقلنا: إنها في رمضان يلزم التكرار في الآية وأشكل التكرار على أهل المقالة الأولى، وأيضاً ألفاظ القرآن تشير إلى ما قلت فإن الأيام المعدودات المذكورة في الآية تصدق على الأيام البيض فإن المعدودات تكون بمعنى البضع، ولأن أياماً جمع قلة وغير معرَّف باللام فلا يصدق على صوم الشهر، وأما حال رمضان في القرآن ففي آية: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] إلخ، ويفيد حديث أبي داود ص (83) عن معاذ أهل المقالة الثانية، فإن فيه تصريح أن {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَه} [البقرة: 184 ] إلخ في الأيام البيض بأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ويصوم صوم عاشوراء فأنزل الله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] إلخ، ثم أقول: إن حديث سلمة ومعاذ موقوف، ومعاذ أعلم من سلمة فيكون الترجيح له على سلمة بن أكوع، وإن قيل: إن حديث سلمة حديث الصحيحين وحديث معاذ حديث السنن، قلت: لا ينبغي الجمود على هذا بعد صحة

الحديثين، وأقول أيضاً: إن حديث معاذ أخرجه البخاري أيضاً في كتاب الصيام إلا أن البخاري اختصر في المتن أشد الاختصار وما في أبي داود مفصل. (ف) واعلم أن نسخ آيات القرآن ففي عرف المتقدمين كان لفظ النسخ يطلق على تخصيص العام وتقييد المطلق وتأويل الظاهر، وأما المتأخرون فقصروا للنسخ على ما لا يبقى مشروعاً فإطلاق النسخ على آيات القرآن في عرف المتقدمين كثير، وأما المتأخرون فقال السيوطي في الإتقان: إن المنسوخ إحدى وعشرون آية، وقلّله الشاه ولي الله ـ رحمه الله ـ فقال في الفوز الكبير: إن المنسوخ ستة آيات، وقال الشاه ولي الله: إن آية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَه} [البقرة: 184] إلخ في حق صدقة الفطر ولا نسخ.

باب ما جاء في من أكل ثم خرج يريد سفرا

باب ما جاء في من أكل ثم خرج يريد سفرا

[799] قال أبو حنيفة: لا يجوز إفطار صوم يوم خروجه من البيت، وحديث الباب يخالفه، والجواب عنه كما قالوا: إن أنس بن مالك لعله صام وأفطر في التبريز لا يوم خرج من بيته، والتبريز أن يخرج الناس خارج البلدة قبل السفر يقضي حوائجه من البلدة من يريد السفر، والتبريز عادة العرب معروفة فإذن إفطار أنس كان في السفر وفي غير صوم يوم خروجه. قوله: (سنة إلخ) ربما يطلق الصحابي لفظ السنة على شيء لا يكون مرفوعاً، ثم حديث الباب أخرج أبو حاتم في علله وفيه لفظ: «ليس بسنة» إلخ فتعارض ما في الترمذي وما في علله، ولا يمكن دعوى سهو نسخ الكاتب كما يدل عليه كلام صاحب تلخيص علله.

باب المعتكف يخرج لحاجته أم لا؟

باب المعتكف يخرج لحاجته أم لا؟

[804] لا يخرج المعتكف من معتكفه إلا لحاجة شرعية أو طبعية، وفي كتبنا أنه إذا أراد الخروج للجمعة فينبغي له أن يخرج في وقت يسع أربع ركعات في جامع المسجد، وأما لو خرج قبله فلا فساد وأما إذا خرج من المسجد بدون حاجة شرعية أو طبعية فيفسد الاعتكاف، ويروى عن أبي يوسف في هذه الصورة أنه لا يفسد إلا إذا بقي خارج المسجد أكثر اليوم، ويروى عنه أن المعتكف لو استثنى الخروج لجنازة أو عيادة مريض ينفذ استثناؤه. قوله: (أن يعود المريض إلخ) لا يجوز تشيع الجنازة وعيادة المريض عندنا وتجوز العيادة إذا

وقعت في طريق خرج فيه لحاجته الطبعية، وأما إذا ذهب للخلاء وله إليه طريقان طويل وقصير فتردد ابن عابدين في أنه يمشي في الطريق القصير أو يجوز له المشي في الطويل. قوله: (مصر يجمع فيه إلخ) يدل على أن المصر شرط لإقامة الجمعة عند بعض السلف

باب ما جاء في قيام شهر رمضان

باب ما جاء في قيام شهر رمضان

[806] أي التراويح، لم يقل أحد من الأئمة الأربعة بأقل من عشرين ركعة في التراويح، وإليه جمهور الصحابة رضوان الله عنهم، وقال مالك بن أنس: بستة وثلاثين ركعة فإن تعامل أهل المدينة أنهم كانوا يركعون أربع ركعات انفراداً في الترويحة، وأما أهل مكة فكانوا يطوفون بالبيت في الترويحات، ثم إن حديث: «يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن» فيه تصريح أنه حال رمضان، فإن السائل سأل عن حال رمضان وغيره كما عند الترمذي ومسلم ص (254) ، ولا مناص من تسليم أن تراويحه كانت ثمانية ركعات ولم يثبت في رواية من الروايات أنه صلى التراويح والتهجد على حدة في رمضان بل طول التراويح، وبين التراويح والتهجد في عهده لم يكن فرق في الركعات بل في الوقت والصفة أي التراويح تكون بالجماعة في المسجد بخلاف التهجد، وإن الشروع في التراويح يكون في أول الليل وفي التهجد في آخر الليل نعم ثبت عن بعض التابعين الجمع بين التراويح والتهجد في رمضان، ثم مأخوذ الأئمة الأربعة من عشرين ركعة هو عمل الفاروق الأعظم، وأما النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصح عنه ثمان ركعات، وأما عشرون ركعة فهو عنه بسند ضعيف وعلى ضعفه اتفاق، وأما فعل

الفاروق فقد تلقاه الأمة بالقبول واستقر أمر التراويح في السنة الثانية في عهد عمر كما في تاريخ الخلفاء وتاريخ ابن أثير وطبقات ابن سعد، وفي طبقات ابن سعد زيادة أنه كتب عمر في بلاد الإسلام: أن يصلوا التراويح، وقال ابن همام: إن ثمانية ركعات سنة مؤكدة وثنتي عشر ركعة مستحبة، وما قال بهذا أحد، أقول: إن سنة الخلفاء الراشدين أيضاً تكون سنة الشريعة لما في الأصول أن السنة سنة الخلفاء وسنته، وقد صح في الحديث: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» فيكون فعل الفاروق الأعظم أيضاً سنة، ثم قيل: إن شروع التراويح أول الليل من سنة عمر، وأقول: إنه من سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما يدل حديث الباب وحديث عائشة وجابر وزيد، ثم هل يجب بلوغ عشرين ركعة إلى صاحب الشريعة أم يكفي فعل عمر ولا يطلب رفعه إلى صاحب الشريعة؟ ففي التاتار خانية: سأل أبو يوسف أبا حنيفة: أن إعلان عمر بعشرين ركعة هل كان له عهد منه؟ قال أبو حنيفة ما كان عمر مبتدعاً، أي لعله يكون له عهد فدل على أن عشرين ركعة لا بد من أن يكون لها أصل منه وإن لم يبلغنا بالإسناد القوي، وعندي أنه يمكن أن يكون عمر نقل عشراً إلى عشرين بتخفيف القراءة وتضعيف الركعات، وليعلم أن التراويح في عهد عمر تروى بخمس صفات، أربعة منها ثابتة بالأسانيد القوية، منها أنه صلى إحدى عشرة ركعة، ومنها أنه صلى ثلاث عشرة ركعة، ومنها إحدى وعشرين ركعة، ومنها ثلاث وعشرون ركعة، وأما إحدى وأربعون ركعة فسيجيء الكلام فيه، وأما الأولى والثانية والرابعة فمذكورة في موطأ مالك ص (40) ، واستقر الأمر على عشرين ركعة، ثم الصفة الأولى ففيها تكون التراويح ثمان ركعات وثلاث ركعات الوتر، وفي الثانية عشر ركعات تراويح وثلاث ركعات الوتر، وأما الصفة الثالثة فظاهرها يضرنا في مسألة الوتر بأنها تشير إلى أن الوتر ركعة، فأقول: لعل التراويح فيها كانت ثماني عشرة ركعة لثبوت الوتر عن الفاروق ثلاث ركعات بتسليمة واحدة، ويؤيد ما قلت ما في قيام الليل لمحمد بن نصر: أن معاذ بن الحارث القارئ صلى ثمانية عشر شفعاً، وزعم الناس أنه صلى ستة وثلاثين ركعة وزعموا أن شفعاً تمييز، وأقول: إنه حال لا تميز، وأنه صلى ثمانية عشر ركعة شفعاً شفعاً، وفي البخاري وموطأ مالك؛ قال عمر: والتي تنامون عنها خير مما تقومون إلخ، وكذلك في موطأ مالك: نعم البدعة هذه إلخ، فقال الحافظ: إن مراد عمر أن الأفضل التراويح آخر الليل، وأقول: إنه كان يصلي التراويح أول الليل، نعم أطالها أحياناً إلى آخر الليل حتى خافوا الفلاح؛ أي السحر، فإذن قول عمر يخالف فعله في الصحيحين، وقال الطيبي شارح المشكاة: إن قول عمر عمل به أهل مكة، أي كانوا يصلون التراويح آخر الليل، وأقول: إن مراد قول عمر إنكم اخترتم النوم آخر الليل ولو كنتم أطلتم التراويح إلى آخر الليل لكان أولى وأفضل، ويشرعون من أول الليل ولا كلفة في هذا الشرح أصلاً، ولا يتوهم أن مراد عمر أن يأتوا بالتهجد أيضاً فإنه لم يثبت عنه، ولا عن الصحابة جمعهم بين التراويح والتهجد، وأما ما في موطأ مالك: «أن عمر كان يصلي التراويح آخر الليل» فمراده أنه إذا لم يصل مع الجماعة أول الليل، ذا والله أعلم. وأما ما في بعض الروايات

مثل ما في النسائي: «ثم لم يقم بنا حتى ارتحل» إلخ فلا يؤخذ بظاهره، فإن تراويحه ثبت في عدة رمضان لا في رمضان واحد وهو المفهوم الخارج من الأحاديث. قوله: (على ما روي عن أبي بن كعب إلخ) أقول: لا يصح ظاهر عبارة الترمذي هذه أصلاً، اللهم إلا أن يتأول فيه بأنه يذكر مبنى من قال بعشرين ركعة، وأما وجه عدم استقامة قوله فهو أن أبي بن كعب كان إمام الناس في عهد عمر، وكذلك كان إمام النسوان تميم الداري، وكان معاذ بن الحارث أيضاً إمامهم في ما بعد عهد خلافة عمر، وأما إمامته في عهد خلافته فمترددة فيها ولم أجد في ذخيرة الحديث رواية لا ضعيفة ولا قوية لتدل على صلاة أبي بن كعب إحدى وأربعين ركعة، وما مر حافظ من حفاظ الحديث على كلام الترمذي هذا لنعلم ما يقول فيه. قوله: (مع الإمام إلخ) اختلف الحنفية في أن الأفضل التراويح في البيت، أو في المسجد فمتقدمونا إلى أفضلية التراويح في البيت، وقال الطحاوي في معاني الآثار ص (206) ج (1) : وذلك هو الصحيح الصواب، وكان عمر أيضاً يصلي في البيت كما في موطأ مالك ص (40) : «خرجت مع عمر فوجدنا الناس إلخ» فدل على أن عمر لم يكن شريكاً فيهم، وأتى الطحاوي بآثار السلف على هذا، وثبت أن أكثر حفاظ القرآن من السلف كانوا يصلون التراويح في البيوت، وقال متأخرون: ويأتي كل واحد في المسجد فإن الناس لعلهم يتركون التراويح في هذه الصورة لضعف التدين، لأنه إذا ابتلي ببليتين يختار أهونهما، وكذا ينبغي في هذا الزمان فإن الفتيا تختلف باختلاف الأزمنة.

كتاب الحج

كتاب الحج

الحج في اللغة: قصد الشيء العظيم الفخيم، قيل: إنه فُرض في السنة السادسة بعد الهجرة، وقيل: في السنة التاسعة، ويرد على أهل المقالة الأولى: «أنه لم يحج حين وجب عليه في السادسة» ، ولهم أن يقولوا: لأنه لا يجب الأداء في الفور.

باب ما جاء في حرم مكة

باب ما جاء في حرم مكة

[809] قال الحجازيون: إن المدينة حرماً مثل حرم مكة، وأما حكم الجزاء في حرم المدينة؛ فقيل: جزاء صيد مثل جزاء صيد حرم مكة، وقيل: إن الرجل يسلب ثيابه، وقال أبو حنيفة: ليس حرم المدينة مثل حرم مكة، وأما حرم مكة ففيه مسألتان: أحدهما: قطع شجرة حرم مكة، والضابطة عند أبي حنيفة أن لزوم الجزاء إنما هو بقطع شجرة نابتة بنفسها لا منبتة ولا من جنس المنبتة، ولا تكون جافة ولا منكسرة، ولا إذخراً ولا حشيشاً. وثانيتهما: إن الملتجئ بالحرم إن جنى في ما دون النفس في خارج الحرم والتجأ بالحرم فلا يأمنه الحرم لأن الأطراف جارية بمنزلة الأموال فيقتص بخلاف الحدود، كمن سرق ثم التجأ بالحرم، وأما الذي قتل النفس خارج الحرم ثم لجأ إليه فلا يتعرض له ولا يرزق الماء والطعام ليلجأ إلى الخروج، وإن فعل شيئاً من ذلك في الحرم يقام عليه بقتل نفس لا يعيذه الحرم، ويتعرض له حديث الباب لأبي حنيفة في هذه المسألة.

قوله: (ساعة من نهار إلخ) في مسند أحمد أن تلك الساعة من الصبح إلى العصر. قوله: (عادتها حرمتها إلخ) هذه الحرمة إلى أبد الآباد. قوله: (عمرو بن سعيد إلخ) لا يتمسك بقوله هذا فإنه عامل يزيد ويزيد فاسق بلا ريب، وفي شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري: روي عن أحمد بن حنبل أن يزيد كافر، وكان عمرو بن سعيد جمع العساكر ليكرّ على ابن الزبير، معاوناً ليزيد على عبد الله بن الزبير وفي تذكرة ابن سعيد هذا أن رجلاً اشتراه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جده وأعتقه، وكان لهذا المعتق حفيد فدعاه عمرو بن سعيد وسأله: لمن أنت المولى؟ قال: أنا مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقام عليه عمرو بسوطه وضربه ثم دعاه بعد مدة، وسأله كما كان سأل، فأجاب بما كان أجاب، فقام عليه بالسوط فإذا كان حال هذا الرجل هذا فكيف يستدل بقوله. قوله: (أنا أعلم منك إلخ) كلامه هذا كاذب لأن أبا شريح يروي خطبته لفظاً لفظاً وأنه صحابي، وكيف يبلغ عمرو بن سعيد مرتبته فلا يمكن الاحتجاج بقوله. قوله: (عاصياً إلخ) لم يكن عبد الله بن الزبير عاصياً ـ عياذاً بالله ـ ولا فاراً بدم ولا فاراً بخربة، والخربة سرقة الإبل ثم استعمل في الجناية مطلقاً.

باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة

باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة

[810] قال صاحب البحر: إن الحج مكفر السيئات والكبائر أيضاً ظنّاً، الكير الزق، والكور موضع إيقاد الفحم، وقيل: بالعكس، وقيل: لا فرق. قوله: (الحج المبرور إلخ) قالوا: إن الحج المبرور هو السالم عن الجنايات. قوله: (ولم يرفث إلخ) الكلام الفحش في حضور النسوان. قوله: (حديث حسن إلخ) حسَّن الترمذي رحمه الله حديث إبراهيم بن يزيد وهو متكلم فيه عند الأكثر، ولذا قيل: إن تحسين الترمذي ليّن ولعله يحسن الحديث نظراً إلى متابعاته وشواهده، وحديث الباب تنهى عن الفسق في الحج، والحال أن الفسق منهي عنه في كل حال، والوجه أن في الحج زيادة تأكيد في النهي عن الفسق، والفسق الفتق وفي الإصلاح المعاصي. (ف) التاء في الراحلة ليست تاء التأنيث بل تاء النقل، وقال ابن قتيبة إمام اللغة وغريب الحديث: إن الراحلة لا يستعمل إلا في الأنثى.

باب ما جاء كم فرض الحج

باب ما جاء كم فرض الحج

[814] اتفقوا على أن الفرض حجة واحدة في العمر.

قوله: (البختري إلخ) بفتح الباء وبالخاء المعجمة، وأما البحتري بضم الباء وبالحاء المهملة فشاعر إسلامي مشهور. قوله: (لو قلت: نعم لوجب إلخ) وليعلم أن الفرض والحرام يثبت بالحديث أيضاً كما يدل حديث الباب بل يثبتان بالقياس أيضاً، وأما التعريف بأنه ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه فهو ما ثبت بالكتاب، وليس هذا تعريف ما ثبت بالحديث أو القياس.

باب ما جاء كم حج النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

باب ما جاء كم حج النبي - صلّى الله عليه وسلّم -؟

[815] حجته بعد الهجرة إلى المدينة واحدة، وأما قبل الهجرة وبعد النبوة فواحدة أيضاً وأما قبل النبوة فالحج ثابتة بدون تعيين العدد، كما يقول صحابي: إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأيته قبل البعثة قائماً بعرفات حين كنت أطلب ناقة لي فقدت، ولعل عمله هذا كان عملاً بفطرته، فإنه كانت قريش يحجون كل عام، وكانوا يقفون بمبزدلفة ولا يخرجون إلى عرفات، وكان سائر العرب يذهب إلى عرفات. قوله: (معها عمرة إلخ) رواية الباب عن جابر تدل صراحة على كونه قارناً وهذا يفيدنا عن قريب. وقوله: (ثلاثة وستين بدنة إلخ) وسرُّ هذا ما ذكروا أن عمره كان ثلاثة وستين سنة، وكان علي جاء بسبع وثلاثين إبلاً من اليمن وذبح منها علي ثنتين وثلاثين بدنة، وقيل: إن عمره في ذلك الحين كان ثنتين وثلاثين سنة وخمسة منها ذبحها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان كل إبل تسعى إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليذبحه، وهذا من المعجزات، وفي رواية أبي داود أنه ذبح خمسة إبل، وتعرض المحدثون إلى إعلالها، وعندي لا تعل، بل يقال: إنه ذبح ثلاثة وستين في مجلس، وخمسة في مجلس آخر فلا تنافي. قوله: (فشرب من مرقها إلخ) هذا يدل صراحة على أنه كان قارناً لأنه لا يجوز للمُهدي أن يأكل من دم الجناية، ويفيدنا هذا في أن دم القران والتمتع دم شكر، ويجوز له أكله لا دم جبر كما قال الشافعي، وقال: إنه لا يجوز له أن يأكل من دم الجبر.

قوله: (أربع عمرة إلخ) ثلاث عمرات كانت في ذي القعدة مع إحرامها وأفعالها، وأما عمرة حجة الوداع فكان إحرامها في ذي القعدة وأفعالها في ذي الحجة.

باب ما جاء كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

باب ما جاء كم اعتمر النبي - صلّى الله عليه وسلّم -؟

[816] خرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معتمراً عام الحديبية فأحصر عنها فذبح الهدي ثمة وحلق وأحل، ثم قال الأحناف: من أحرم بالعمرة فأحصر يهدي ويذبح ويقضي عاماً مقبلاً، وقال الحجازيون: لا قضاء في العذر السماوي إذا أحصر به، وأما ما مر من الشافعي من أن الحج والعمرة يلزم بالشروع ولو نفلاً فذلك حكمه إذا شرع فيهما، ثم قال العراقيون: إن عمرة القضاء إنما سميت بعمرة القضاء لأنها قضاء ما حل عنها عاماً ماضياً، وقال الحجازيون: إن التسمية بعمرة القضاء إنما هي لوقوع القضاء أي الصلح فيها، فالقضاء بمعنى المصالحة، ويفيدهم ما في البخاري: أنه قاضاهم، إلخ، أي صالحهم. قوله: (عمرة القصاص إلخ) الصحيح عمرة القضاء وكانت في السنة السابعة. قوله: (الجعرانة إلخ) هذه العمرة وقعت بعد الرجوع من حنين في السنة الثامنة، فالتام من العمرات ثلاثة، ولم يخرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السنة التاسعة، بل جعل أبا بكر أمير موسم الحج.

باب ما جاء من أي موضع أحرم النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

باب ما جاء من أي موضع أحرم النبي - صلّى الله عليه وسلّم -؟

[817] واعلم أن حقيقة الإحرام عندنا ليست النية فقط، بل يجب بها مع ضم القول أو الفعل، وهو أن يسوق الهدي هدي القران أو التمتع أو دم الجزاء فإذا لحقه صار محرماً، وأما القول فهي التلبية ولا يجب في التلبية ذكر الحج أو العمرة فإذن يجوز للقارن أن يذكر الحج أو العمرة أو كلاهما لا يذكرهما في تلبية، وليحفظ هذا التعميم فإنه يفيدنا، ثم السنة في صيغة التلبية ما هو في الحديث وهو هذا: «لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» ويسن الوقف في هذه المواضع الأربعة، ويكفي في التلبية كلُّ ذكرٍ مُشعرٍ بالتعظيم ولا يتأدى به السنة، وأما حقيقة الإحرام عند الشافعية فمترددة فيها ومضطربة لا يمكن تحديدها كما أقرَّ به الشيخ عز الدين بن عبد السلام ملك العلماء الشافعي صاحب الشرح على أبي داود في ثلاثين مجلداً، ثم الحج فرائضه عندنا ثلاثة؛ وقوف عرفة، والطواف، وهما ركنان، والإحرام وهذا شرط، وأما الواجبات فكثيرة تزيد على عشرين وسائرها سنن وآداب، وأما عند الشافعية فالفرائض خمسة تلك الثلاثة مع وقوف مزدلفة، والسعي بين الصفا والمروة، وأقروا بالواجبات في الحج وأنكروها في الصلاة. قوله: (أحرم بالبيداء إلخ) قال العراقيون: يلبي بعد ركعتي الطواف في الفور في ذلك الموضع، وقال الحجازيون: يلبي عند الركوب، والروايات مختلفة، حديث الباب للحجازيين، ولنا ما في الباب عن ابن عمر، ولنا ما في أبي داود ص (246) قال ابن عباس: أيم الله أوجب في مصلاه وأهلَّ حين استقلت به الناقة وأهلَّ حين أشرف على البيداء. إلخ، فحديث ابن عباس يفيد زيادة العلم وهو مثبت، فإن بعض الروايات تدل على أنه لبى في مصلاه، وبعضها على أنه لبى حين ركب الناقة، وبعضها على أنه لبى حين جاء على شرف البيداء فنقول: إنه حين لبى في مصلاه رآه بعض الصحابة، ثم البعض الآخرون حين استقلت الناقة، ثم حين جاء على البيداء، وفي هذا رووه أكثرهم بل جميعهم وقال الواقدي: كان الصحابة قريب سبعين ألفاً، والبيداء موضع مرتفع على ستة أميال من مدينة في طريق مكة، وفي سند حديث الباب خصيف، وهو متكلم فيه، ولعله من رواة الحسان.

قوله: (الشجرة إلخ) اسم بالغلبة لذي الحليفة على قريب من ستة أميال من المدينة، وأما اسمها اليوم فبير علي، وليس هذا علي أمير المؤمنين بل هذا علي آخر بدوي.

باب ما جاء في إفراد الحج

باب ما جاء في إفراد الحج

[820] واعلم أن الحج والإحرام على أقسام كثيرة مذكورة في الفقه أحدها العمرة فقط، وثانيها الحج فقط، وثالثها الحج ثم العمرة بعده، وهذه الصورة صورة إفراد الحج، وأما القران فله أيضاً أقسام، والقران أن يحرم للحج والعمرة من الميقات وهذا أعلى، ولو أدخل العمرة على الحج في القران فهو مكروه، وقسم آخر للقران وهو أن يدخل الحج على العمرة، ثم إحرام العمرة وإحلالها يدخلان في إحرام الحج وإحلاله للقارن اتفاقاً، ثم قالت الشافعية بتداخل الأفعال أيضاً، أي تداخل السعي والطواف أيضاً، فلم يبق إلا النية وقالوا: إن تعدد السعي للقارن بدعة، وتعدد السعي للقارن واجب عندنا، وكذلك الطواف ولكنهم لم يحكموا بالبدعة على تعدد الطواف. واختلف في أن عمرة القارن تصح قبل أشهر الحج أم لا؟ والقوي الصحة، وأما المتمتع فيشترط فيه أن تكون العمرة في أشهر الحج، ثم التمتع إما أن يكون بسوق الهدي أو بغيره فإن كان متمتعاً بسوق الهدي فلا يتحلل في الوسط بل يوم النحر، وإن كان متمتعاً بغير سوق الهدي فيستحل بعد أداء أفعال العمرة ثم يهل إهلال الحج، وظاهر الهداية وعامة كتبنا أن التحلل في الوسط واجب، ولكن في مبسوط شيخ الإسلام خواهر زاده أن التحلل لمن لم يسق الهدي جائز لا واجب، وأقسام أخر للحج، وهاهنا معركة الآراء وهو أن التمتع والقران والإفراد كلها عبادات علينا، والخلاف في الأفضلية

فالأفضل عند الشافعي ومالك الإفراد ثم التمتع ثم القران، وقال أحمد: الأفضل التمتع بغير سوق الهدي ثم الإفراد ثم القران، وقال أبو حنيفة: الأفضل القران ثم التمتع ثم الإفراد ثم هاهنا اختلاف في أن الإفراد الفاضل من القران هو الإفراد بالحج محض أو الإفراد بالحج ثم العمرة، ويسمى هذا إفراداً في الاصطلاح، وأما الإفراد الذي يكون فيه الحج والعمرة في سفرين فنص محمد في موطئه على أن هذا الإفراد أفضل من القران، فإنه قال: حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل عندنا، ثم لمصنفينا كلام في أن هذا المذكور هو مختار محمد فقط أو هو قول شيخيه أيضاً، ومبنى الاختلاف في الأفضلية الاختلاف في حجته فقال الشافعي ومالك: إنه كان مفرداً. وقال أبو حنيفة: إنه كان قارناً، وقال أحمد بن حنبل: إنه كان قارناً إلا أنه تمنى التمتع بغير سوق الهدي لما في الصحيحين: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي» ، وأما أتباع الشافعي فقالوا: إنه كان قارنا، مآلاً أي أفرد بالحج أولاً ثم قارن لرد زعم الجاهلية من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، وسيأتي كلامنا في هذا إن شاء الله تعالى، وإنما قال الشافعية: بأنه كان قارناً لأنه لا يمكن لهم إنكاره بسبب وفور الروايات، وإنما قالوا بالتداخل أي إدخاله العمرة على الحج، والحال أن الروايات الدالة على قرانه آبية عن هذا أشد إباءٍ، والعجب من الحافظ أنه قال بإدخاله العمرة على الحج وقرانه في المآل لا من بدء الإحرام، وأغمض عن كثير من الروايات، ومثل هذا عن مثل هذا الجبال بعيد، ثم للشافعية فيما بينهم اختلاف في أن الإفراد الأفضل على القران هو الحج الواحد أو الحج وبعده العمرة، ولعلهم يفضلون القسم الثاني من الإفراد، ثم حجته مختلفة فيما بين الصحابة فإن بعضهم يقول: إنه كان قارناً، وبعضهم: أنه متمتع، وبعضهم: أنه مفرد، بل اختلف الرواة على صحابي واحد مثل عائشة، فإنها تقول في حديث الباب: إنه أفرد بالحج وفي بعض الروايات عنها تصريح القران أنه اعتمر مع حجته، وكذلك اختلف على جابر وغيره، وأسانيد كلها صحاح وحسان وصنف الطحاوي في حجته أزيد من ورقة كما في منهاج النووي شرح مسلم ص (386) نقلاً عن القاضي عياض، وتكلم في معاني الآثار في عدة أوراق، وذهل الحافظ في إدراك مراده في معاني الآثار فإنه نسب إلى الطحاوي بأنه قائل بإدخاله العمرة على الحج كما تقول الشافعية، وأقول: إن هذه النسبة خلاف الواقع وخلاف تصريح الطحاوي بأنه كان قارناً من أول الأمر، نعم لكلام الطحاوي قطعتان الأولى في الجمع بين روايات الصحابة في حجته وقال فيه بإدخال، والقطعة الثانية في تحقيق إحرامه في الواقع وصرح في هذه القطعة بأنه كان قارناً من أول الإحرام وبدء الأمر، ثم قال علماء المذاهب الأربعة منهم الشيخ ابن همام والحافظ ابن حجر وابن قيم وبعض الموالك: إن التمتع المذكور في آية {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] تمتع لغوي أي تحصيل النفع وهو أداء الأمرين في سفر واحد، وهذا أعم من التمتع المصطلح والقران المصطلح، وقال البعض: إن التمتع الذي نسبه بعض الصحابة إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأحاديث أيضاً تمتع لغوي، وفي التفسير المظهري للقاضي ثناء الله

الحنفي رحمه الله صاحب كتاب منار الأحكام في الحديث لبيان المذاهب الأربعة، وطريقه في منار الأحكام طريق المحدثين وهو من الكبار المحققين، اختار أن الأفضل التمتع بغير سوق الهدي ثم القران ثم التمتع بسوق الهدي ثم الإفراد، وظني أن التمتع المذكور في القران لعله مصطلح الفقهاء، وإليه تشير ألفاظ القرآن {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] إلخ، وأقول في اختلاف روايات الصحابة في حجه أن من قال: إنه كان متمتعاً، فمراده التمتع اللغوي كما قال بعض العلماء، وأما إثبات أنه كان قارناً فعلينا، وذخيرته كثيرة، منها ما مر عن جابر في أول الأبواب، ومنها ما في آخر البخاري تصريح: أنه اعتمر مع حجته إلخ، لا أنه وقع في غير موضع الحج، ومنها ما في تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي الحنبلي عن ستة عشر رجلاً ثقة قال أنس: إني سمعت بأذناي تلبية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لبى بحجة وعمرة وكنت آخذ بلجام ناقته، وفي مسلم (405) عن أنس قال: سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلبي بالحج والعمرة جميعاً، قال بكر: فحدثت بذلك ابن عمر فقال: لبى بالحج وحده، فلقيت أنساً فحدثته بقول ابن عمر فقال أنس: ما تعدونا إلا صبياناً سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: لبيك عمرة وحجاً، فلا يمكن إنكار قرانه أصلاً، ثم الإفراد الذي رواه بعض الصحابة لا يجب أولاً جوابه بعد إثبات قرانه ولأن القران مثبت والإفراد نفي، والمثبت مقدم على المنفي، وقد روى الزيلعي قرانه عن اثنين وعشرين صحابياً، والرجل قادر على أزيد منهما، فجواب الإفراد منا ليس إلا تبرع، فنقول قال بعض الأحناف: إنه أفرد بالحج، أي شرع الإفراد، لا أنه كان مفرداً بنفسه، وعندي مراد أنه أفرد بالحج أنه اعتمر وحج بإحرام واحد بدون الحلال في الوسط مثل المتمتع بغير سوق الهدي فإنه يحل في الوسط، ولم يحل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل ما أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدايا، فاستنكر الصحابة أن يحلوا أو يروحون إلى منى ومذاكيرهم تقطر منياً، ووجه استنكاف الصحابة سيأتي عن قريب، ويمكن أن يقال في أنه أفرد بالحج وتمتع بالحج وقارن: بأن اختلاف الصحابة ليس في إحرامه بل الإحرام كان إحرام القارن وإنما اختلافهم في تلبية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي لفظها أنه ذكر لفظ الحج أما الحج والعمرة أو غيرهما، لمولانا هاهنا لطيفة، وهو أن الشافعية قالوا في رواية سراقة بن مالك: «إن العمرة دخلت في الحج إلخ» إن المراد به أن أفعال العمرة دخلت في أفعال الحج فينبغي لنا أن نقول في أفرد بالحج إلخ: إنه جعل الحج والعمرة مفرداً مفرداً، وهاهنا شيء آخر وهو أن ابن الهمام كان يقول: إن المكي لا يجوز له العمرة في أشهر الحج، أراد الحج من عامه أم لا؟ وهذا خلاف الأحناف فإنهم يقولون: إن من أراد الحج من أهل مكة لا يجوز له العمرة في أشهر الحج، ولا يجوز للآفاقي في خمسة أيام وهي التاسع والعاشر الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وذكر بحثه في فتح القدير، ودعواه أن زعم عدم جواز العمرة في أشهر الحج لم يكن محض زعم الجاهلية بل كان ملة إبراهيم ثم صار جائزاً في الشريعة الغرّاء للآفاقي، وأما المكي فالنهي في حقه باق فإنه لا يجوز له القران والتمتع، ثم في هوامش فتح القدير أنه رجع عن تحقيقه هذا بعد خمسة وثلاثين سنة، ثم هذه الحاشية في كتب هذا العصر في بعض النسخ

مفقودة، وفي بعضها في الهوامش كما كانت، وفي بعضها في حوض الكتاب ثم تردد ابن الهمام في التمتع والقران للمكي أنهما غير جائزان فقط أو باطلان أيضاً، وقال ابن عابدين: إن القران صحيح ومكروه تحريماً والتمتع باطل، أقول: الصواب إلى ابن عابدين فإن الوجه يساعده، وهو أن الإلمام الصحيح مبطل للتمتع لا للقران، وقال الشافعي: إن المكي يجوز له القران والتمتع ولكنه لا دم عليه، واختلف الشافعي وأبو حنيفة في تفسير آية: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَام} [البقرة: 169] إلخ، قال الشافعي: إن المشار إليه بذلك هو الدم، وقال أبو حنيفة: إن المشار إليه القران والتمتع. قوله: (عن عائشة إلخ) روت عائشة إفراد الحج وفي بعض الروايات عنها أنه أهل بالعمرة والحج. قوله: (وفي الباب عن جابر إلخ) روى جابر في حديث الباب أنه أفرد بالحج، وقد روى في باب كم حج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أنه أهل بالعمرة والحج، إلا أن البخاري صوب إرساله ولا يضرنا، وما حسنه الترمذي مع أن رجاله ثقات، وأما ابن عمر فروى الإفراد هاهنا وصرح في مسلم والبخاري أنه كان متمتعاً، وأيضاً روى ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعمر وعثمان أفردوا بالحج إلخ.

باب ما جاء في التمتع

باب ما جاء في التمتع

[822] قال أكثر العلماء: إن التمتع المذكور في القرآن تمتع لغوي لا اصطلاحي، وظني أنه أيضاً اصطلاحي. قوله: (صنعها رسول الله إلخ) من قال بأفضلية التمتع استدل بحديث الباب، وادعى أنه حل في الوسط، وأقول: لا مسكة لهذا القائل أصلاً إلا ما في النسائي رواية، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما حلقه في منى، وأيضا كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد ساق الهدي فكيف يحل في الوسط فما في حديث الباب من التمتع قيل: إنه أجاز التمتع، وقيل: إن المراد بالتمتع التمتع اللغوي. قوله: (نهى أبي إلخ) ثبت نهي عمر وعثمان عن القِران والتمتع، وتمسك به الشافعية على أفضلية الإفراد، وحمل النووي النهي على الكراهة تنزيهاً، ولعله أراد المفضولية لأن الأقسام الثلاثة للحج عبادات عظمى إجماعاً، ثم أجاب الحنفية عن نهي عمر كما أجاب الطحاوي لكنه لم يبحث عن نهي عثمان، وأما عامة الأحناف فأجابوا عن نهي عمر إجمالاً ويجب التفصيل في الجواب عن نهيه عن القران والتمتع، فأقول: إن مشار النهي عن القران ليس ما زعموا بل غرضه أن يسافروا إلى بيت الله مرتين فالأفضل من القران الإفراد الذي في سفرين ولا يخالفنا هذا لأنه قد نص محمد في موطئه أن حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل عندنا، وأما دليل أن مطمح نظر عمر تعدد السفر فما أخرجه الطحاوي ص (375) قال عمر: «افصلوا بين حجكم وعمرتكم» إلخ، وفيه قال عمر: «أتموا الحج والعمرة لِلّه» إلخ أي الإتمام أن يكون الحج والعمرة في سفرين، وأقول: إن عمر بن الخطاب يقول بأفضلية القران فإنه يتمناه كما في معاني الآثار ص (375) بسندين عن ابن عباس. قال: قال عمر: لو اعتمرت في عام مرتين ثم حججت لجعلتها مع حجتي إلخ، وفي السند الأول سليمان بن شعيب وهو الكيساني ووثقه ابن يونس والسمعاني، وأما نهي عمر عن التمتع ففي مسلم: أنه كان لا يرضى الحل في الوسط، فمنشأ النهي عدم الرضاء بالحل في الوسط، وقال الأئمة الثلاثة: إن الحل في الوسط للمفرد الذي لم يسق الهدي كان خاصاً بعهده ولا يجوز لغيره، وقال أحمد: يجوز الحل في الوسط الآن أيضاً، وقال ابن تيمية: إن التحلل في الوسط واجب ويكون جبراً من جانب الشارع من حين يرى بيت الله طاف ونسبه إلى ابن عباس أيضاً، وأقول: إن منشأ نهي عمر عن التمتع هو وجه إنكار الصحابة من الحل في الوسط كما قالوا: نروح إلى منى ومذاكيرنا تقطر منياً، وأحبوا أن يتمادوا في العبادة أي الإحرام، وزعموا أن أمره بالتحلل

إنما هو إبقاءً علينا، وزعم الزاعمون كافة أن وجه إنكار الصحابة من الحل في الوسط كان زعم الجاهلية من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ولم أر أحداً عدل عن هذا الوجه، ولكني أقول: إن هذا الوجه لا يلصق فإنه كان الصحابة قد اعتمروا قبل هذه الحجة ثلاث عمرات الحج أي ذي القعدة وما أنكر أحدهم على تلك العمرات فليس باعث استنكاف الصحابة من الإحلال إلا أنهم أحبوا التمادي في حال الإحرام، ولم يرضوا بالحل في الوسط، وقالوا: نذهب إلى منى ومذاكيرنا تقطر منياً، وأما نهي عثمان فوجهه لم أجده بالروايات إلا ما في مسند أحمد، هذا والله أعلم. قوله: (ليث إلخ) أي ابن أبي سليم وهو راوي حديث: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» في معاني الآثار ص (128) ، وحسن له الترمذي، ومسلم في المقدمة عده من رواة الحسان، ثم أقول: الحق أنه من رواة الحسان. قوله: (تمتع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعمر إلخ) روى ابن عباس هاهنا: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر وعمر تمتعوا، وروى ابن عمر سابقاً أنهم أفردوا بالحج. قوله: (معاوية إلخ) قد ثبت النهي عن عمر وعثمان أيضاً.

قوله: (دم استيسر إلخ) قال الشافعي: إن دم التمتع والقران دم جبر أي جبر ما فاته من إفراد الإحرام فلا يجوز له أن يأكل منه، وقال أبو حنيفة: إنه دم شكر فيجوز له أكله، ونقول: قد ثبت أكله. قوله: (في الحج إلخ) يستحب الصوم عندنا يوم السابع والثامن والتاسع لمن لم يجد الهدي، ولو تأخر عن التاسع فتحتم الدم. قوله: (إذا رجع إلخ) قال أبو حنيفة: إنه كناية من الفراغ عن الحج، وقال الشافعي: لا كناية بل يعمل بظاهره. (تتمة) : إن لي إشكالاً في آية: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَام} [البقرة: 196] إلخ على ما قال الأحناف من أنها للنهي عن التمتع والقران للمكي بأن مشار النهي إما العمرة في أشهر الحج أي عدم جوازها في أشهر الحج فصار المآل ما قال الشيخ ابن الهمام ثم رجع عنه، وذلك خلاف جميع الأحناف وإما مشار النهي ضم الحج والعمرة في السفر والإحرام فدل على أفضلية الإفراد، وهذا أيضاً يخالفنا في أفضلية القران، والإشكال قوي ولم يذكره أحد من الأحناف؟ وأما الجواب فليس بذلك القوي وهو أن مشار النهي غير هذين الأمرين وهو أن المرضي ومطمح النظر تحقيق السفرين فلا إيراد، وإن قيل: إن الإفراد الذي يكون فيه الحج ثم العمرة يجب أن يكون أفضل من القران في سفر لأن في القران أتى المحرم بشيئين أي الحج والعمرة من ميقات واحد، وأما في هذا الإفراد فأتى بمزية أي تعدد الميقات لأنه أحرم للحج من الميقات التي له، وأحرم للعمرة من خارج مكة فإذا تعدد الميقات فيفضل على الذي ميقاته واحد، قلت: إن المفرد بهذا الإفراد اعتمر بعمرة هي في قدرته ومكنته، وليست بلازمة من جانب الشريعة، وأما القارن فالعمرة عليه واجبة لا في مكنته فما يكون لازماً من جانب الشارع يكون أفضل.

باب ما جاء في التلبية

باب ما جاء في التلبية

[825] الوقف في أربعة مواضع في ألفاظ التلبية مستحب، ويسن الجهر بالتلبية لهم لا لهنّ. قوله: (لبيك إلخ) هذا مفعول مطلق يجب حذف عامله لضابطة ذكرها الرضي وذكرناها في ابتداء الكتاب تحت «غفرانك» إلخ، وتقدير العبارة هكذا: ألب، لك إلباباً بعد إلباب، والمثنى للتكرار كما صرح النحاة، ومثل هذا قال السيوطي في آية {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] أي كرة بعد كرة، وكذلك في آية: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [قّ: 24] إلخ أي ألق ألق. قوله: (الحمد إلخ) ذكر في الهداية: قال أبو حنيفة: «أن الحمد» بفتح الهمزة وكنت متحيراً في أن المستحسن ذوقاً هو كسر «إن» كما قال محمد، فاستقريت حتى أن رأيت في الكشاف رواية الكسر أيضاً عن أبي حنيفة. (زائدة) : ذكر في دلائل الإعجاز أن شاعراً قرأ قصيدته على آخر وكان فيها: ~ بَكِّرا صاحبيَّ قبل الهجير ... إن ذاك النجاح في التكبير فقال: ينبغي في المصراع الثاني: بكراً فالنجاح في التكبير، فقال الشاعر: إنك بليد وحشي.

قوله: (وكان يزيد في التلبية إلخ) في الكنز: إن من أراد الزيادة في التلبية يزيد في عجزها آخرها لا في وسطها، وليكن هذه الضابطة في كل من الأدعية المأثورة، والأَوْلى الاقتصار على ما هو مأثور، فإن الروح في المسنون، قال الفقهاء: إن المحرم يكثر التلبية مهما أمكن، ويختمها الحاج عند رمي الجمار، ويختمها المعتمر عند استلام الحجر.

باب ما جاء في الاغتسال عند الإحرام

باب ما جاء في الاغتسال عند الإحرام

[830] يسن الغسل عند الإحرام ولكنه ليس للتطهير بل للتنظيف، وفرعوا على هذا أن الحائضة تغتسل للتنظيف ولا تطهر به.

باب ما جاء في مواقيت الإحرام للآفاقي

باب ما جاء في مواقيت الإحرام للآفاقي

[831] قال الحنفية: إن خمسة مواقيت مرفوعات مع ذات عرق العراقيين وهي خامسة، وكانت حملت في عهده ثم أعلن بها عمر، وقال الشافعية: إن ابتداءها من عمر لا منه، وأبعد المواقيت ميقات المدنيين ذو الحليفة، وأقربها ذات عرق للعراقيين وهذه المواقيت لمن مر عليها، ومن مرّ بين الميقاتين يحرم من محاذاة أبعدهما، ولو مرَّ بلا إحرام يجوز، ولا يجوز المرور بلا إحرام من أقربهما إلى مكة، ولو تجاوز بلا إحرام يكون جانياً، وقال محمد في موطئه ص (194) : وقد رخص لأهل المدينة أن يحرموا من الجحفة إلخ، وهذه الميقات أقرب إلى مكة من ذي الحليفة، ثم أتى محمد بمرفوع على هذا وهذه المسألة لم أجدها في غير الموطأ من كتب الأحناف إلا أنه قال صاحب البحر: سألني ابن حجر المكي الشافعي: من مر بين الميقاتين من أي موضع يحرم؟ فقلت: إنه يقدّر بأقربهما ولا يتجاوز من مسافة المرحلتين من مكة لأن أقرب المواقيت ذات عرق على مرحلتين، ثم قال أبو حنيفة: من مرَّ على الميقات مريداً مكة يجب عليه الإحرام أراد الحج أو العمرة أو لا إلا الحطابين أو الحشاشين، وقال الشافعي: لا يجب الإحرام إلا على من يريد أحدهما، وقَرْنُ المنازل بسكون الراء وأخطأ الجوهري حيث قال: إن قرن المنازل بفتح الراء. قوله: (لأهل المشرق العقيق إلخ) هذه الميقات عند ذات عرق، وبين ذات عرق وعقيق جبل فاصل، وهذا عقيق غير وادي عقيق على ستة أميال من المدينة.

باب ما جاء ما لا يحرم لبسه للمحرم

باب ما جاء ما لا يحرم لبسه للمحرم

[833] مذهب الحنفية أنه لا يجوز لبس الثوب المخيط الذي يتمسك على البدن بلا الشد، وأما غرز الشوكة في الإزار فجائز، ويجوز ضم القطعتين في الإزار والرداء، ذكره الشيخ رحمة الله السندهي في لباب المناسك وكتاب المنسك الكبير. قوله: (القميص إلخ) القميص ما يكون شقه على الصدر، والدرع ما يكون شقه على الكتفين، ذكره في فتح القدير من التفقه. قوله: (السراويلات) معرب شلوار، والبرانس جمع برنس الجبة التي يستر به الرأس أيضاً، والسراويل لم يكن في العرب بل جاء من الإيران، أثبت المحدثون اشتراءه السراويل وما أثبتوا لبسه. قوله: (الخفين إلخ) قطع الخفين واجب عند الثلاثة، وقال أحمد: إنه مستحب وتمسك بما روى ابن عباس في حديث الباب فإن القطع ليس بمذكور فيه، وقال الجمهور: إنه ساكت ثم قال الثلاثة: من وجد السراويل ولا إزار له يجوز له لبسه، وقال أبو حنيفة: لا يجوز إلا بعد فتقه، ولم أجد هذه مسألة أبي حنيفة إلا في معاني الآثار، ولعله قاس أبو حنيفة السراويل على الخفين، وظني أن من وجد السراويل الذي لا يمكن الإزار منه بعد فتقه يجوز له لبسه وتلزم الجناية. قوله: (مسه الزعفران إلخ) مناط النهي عندنا في الإحرام الريح أي الطيب، وفي الإحداد اللون. قوله: (متنقب المرأة إلخ) يجوز لها النقاب الذي لا يمس وجهاً، وأما القفازان فيجوزان عندنا مع الكراهة ويحمل حديث الباب على الكراهة، وأيضاً قطعة «ولا تنقب المرأة» إلخ مندرجة من ابن عمر وأشار إليه البخاري.

باب ما جاء في الذي يحرم وعليه قميص وجبة

باب ما جاء في الذي يحرم وعليه قميص وجبّة

[835] في رواية في الطحاوي أن المحرم إذا أحرم وكان لبس القميص فلا يخرجه بل يشقه ويخرقه فإنه لو أخرجه من جانب رأسه يستر رأسه ويصير جانياً ثم أعلها الطحاوي. قوله: (أعرابي إلخ) وهو يعلى بن أمية، ويقال: يعلى بن منية

باب ما يقتل المحرم من الدواب

باب ما يقتل المحرم من الدواب

[837] قوله: (خمس فواسق إلخ) بالإضافة أو الرفع مع التنوين، وقال ابن دقيق: إن بين التركيبين فرقاً فإن فك الإضافة تبادر التعليل بالفسق لا تبادر المفهوم، وفي الإضافة تبادر المفهوم ثم في بعض الروايات «ستة» وفي بعضها «سبعة» ، والمذكور في حديث الباب ثلاثة أنواع أي حشرات الأرض، وسباع الطيور، والدواب، ونقح الشافعي المناط، وقال: إن المناط كون الحيوان غير مأكول اللحم فلا شيء في قتل حيوان مما لا يؤكل لحمه، وقال مالك: مناط الحكم كونه سبعاً عادياً، ونقح أبو حنيفة في بعض الأجزاء أي في الفأرة والعقرب، وجوز قتل كل من حشرات الأرض، ثم الظاهر أن مناط مالك أرجح من مناط الشافعي فإن الإيذاء في هذه المذكورات معروف بخلاف عدم مأكولية اللحم فإنه غير معروف في هذه الخمسة، ويؤيد مالكاً رواية العادي الثانية في الباب، ونسب أرباب الأصول إلى صاحب الهداية أنه قائل بمفهوم العدد، ومنشأ النسبة هذا المقام الذي ذكر فيه «خمس فواسق» . إلخ ولعله اعتبره في هذا الموضع لا أنه أخذه في كل موضع. (اطلاع) في كتبنا أكثرها لو ابتدأ السبع بالصولة على المحرم فقتله المحرم لا شيء عليه، ولو ابتدأ المحرم بقتل السبع فعليه جزاء ولا يجاوز الشاة، والغراب عندنا المراد به الأبقع لصراحته في النسائي وابن ماجه، والغراب في كتبنا أنه على ثلاثة أقسام: أحدها: الذي يأكل الحبوب فقط وهو حلال اتفاقاً. والثاني: الذي يأكل الجيف فقط وهو حرام اتفاقاً. والثالث: هو الذي يخلط بين أكلهما وهو مكروه عند أبي يوسف وحلال عندهما. قوله: (الكلب العقور إلخ) قال ابن الهمام: إن مدلول لفظ الحديث ومراده الكلب الوحشي وإن دخل الإنسي في حكمه، وقال: إن المحرم منهي عنه عن الصيد والإنسي ليس بصيد والمتبادر من لفظ الكلب الإنسي وإن دخل في حكمه الوحشي، وفي البداية قال أبو يوسف: من قتل الذئب لا شيء عليه، وعندي أنه ليس بتنقيح المناط بل يلحقه الذئب لأنه أيضاً عقور ويشبهه في الصوت والهيأة، وفي الهداية قال زفر: الأسد مثل الكلب، أقول: لم ينقح المناط بل جعله من مصداق الكلب، ومن شواهده أنه دعا على رجل: (باللهم سلط عليه كلباً) فأكله أسد.

باب ما جاء في الحجامة للمحرم

باب ما جاء في الحجامة للمحرم

[839] إن اضطر إلى حلق الشعر عند الحجامة فكفارة وإلا فلا شيء، وفائدة العذر رفع المعصية، وثبت احتجامه في حجة الوداع كما صرح به الشافعي، والله أعلم.

باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم

باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم

[840] قال الثلاثة: نكاح المحرم باطل، وقال أبو حنيفة: نكاحه صحيح والوطئ ودواعيه منهية عنها، والإنكاح صحيح عندنا وعندهم، وحديث الطرفين صحيح إلا أن حديثنا أعلى سنداً، فإنه أخرجه البخاري واختاره وأخرجه مسلم، وأما حديثهم فأخرجه مسلم لا البخاري، والواقعة واقعة نكاح ميمونة خالة ابن عباس ويزيد بن الأصم وخالد بن وليد.

قوله: (ينكح وينكح إلخ) أحدهما مجرد والآخر مزيد وكلاهما معلومان وحملناه على الكراهة، فإن الحجازيين أيضاً قائلون بجواز الإنكاح المذكور في حديث الباب ثم أجرى الطرفان باب المقائيس ولكن كلامنا في النص، وتمسك الحجازيون بحديث أبي رافع ويزيد بن الأصم فنقول: أولاً: إن حديث أبي رافع مختلف في إسناده وانقطاعه، وأما ثانياً: فسيأتي جوابه في الباب اللاحق، وأما حديث يزيد فنقول: إنه مضطرب فإن في بعض الروايات رواية من ميمونة قالت: نكحني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو حلال، وفي بعضها أنه يقول من جانبه فإن كان من جانبه فلا يصلح لمعارضة ابن عباس سيما حديث الصحيحين، وإن كان يروي عن ميمونة فسيأتي جوابه في الباب اللاحق.

باب ما جاء في الرخصة في ذلك

باب ما جاء في الرخصة في ذلك

[842] حديث الباب للعراقيين، وتأول فيه الشافعية فقال الترمذي: إنه أرسل أبا رافع إلى ميمونة في مكة للخطبة، ثم نكحها في طريق مكة بالوكالة والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حلال بحل قبل الإحرام ثم فشا أمر تزوجه وهو محرم، أقول: يلزم عليه قول أنه تجاوز عن الميقات بلا إحرام وهو يريد الحج لأن في الروايات أنه نكح بسرف وهو بين مكة وذي الحليفة، فقالوا: إن توقيت المواقيت كان في حجة الوداع وواقعة نكاح ميمونة في السنة السابعة في عمرة القضاء، أقول: إن تصريح الراوي في البخاري ص (600) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلد وأشعر وأحرم من ذي الحليفة في عام الحديبية، وهو قبل عام عمرة القضاء يخالفهم، فكيف يقول الشافعية بأن توقيتها في حجة الوداع؟ ثم عارض الأحناف الشافعية بأنا نقول بعكس ما قلتم أي نكح وهو محرم وظهر أمر تزوجه وهو حلال، وقال ابن حبان في توجيه حديثنا: بأنه نكح وهو حلال أي بحل بعد الإحرام وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داخل الحرم فالمحرم بمعنى داخل الحرم مثل أعرق وأشأم وأيمن أي ذهب إلى العراق والشام واليمن، وقال: إن هذه المحاورة صحيحة وأتى عليه بشاهد من الأشعار: ~ قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً ... فدعا فلم أر مثله مخذولاً وقال: إن عثمان لم يكن في الإحرام بل في حرم المدينة، أقول: لا ينحصر المحرم في هذا المعنى بل بمعنى ذي حرمة؛ أي قتلوه بغير وجه وسفكوا دماً ذا حرمة كما في: ~ قتلوا كسرى بليل محرماً ... فتولى لم يمتّع بالكفن ويدل على ما قلت ما في تاريخ الخطيب البغدادي أن في مجلس الرشيد اجتمع الكسائي والأصمعي وجرى الكلام في: ~ قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً ... فقال الكسائي: إنه بمعنى الداخل في حرم مدينة، قال الأصمي: إنك لا تدري، بل معناه قتلوه وهو ذو دمٍ محقون ذي حرمة، وأتى بشعر: قتلوا كسرى بليل محرماً إلخ. والأصمعي هو عبد الملك بن قريب من رواة مسلم، وكان حافظ اللغة، وأقول: إنه ثبت

بالروايات أنه نكح ميمونة بسَرِف، فإذن لا يصدق أنه داخل الحرم، وأيضاً يخالف قول ابن حبان قرائن أخر منها ما في مسلم ص (453) قال يزيد بن الأصم: نكحها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو حلال، وقال ابن عباس: إنه نكحها وهو محرم إلخ، فجعل الراوي بين محرم وحلال مقالة ولم يثبت الحلال بمعنى الداخل في الحل، ومنها أن الطحاوي ص (442) روى عن عائشة وأبي هريرة: «أنه تزوجها وهو محرم» فكيف اجتمع ابن عباس وأبو هريرة وعائشة على لغة غريبة أي المحرم بمعنى الداخل في الحرم؟ وأسانيد روايات الطحاوي قوية، ومنها أن راوياً يقول متعجباً: إن ميمونة زُوجت في سرف وبني بها في سرف، وماتت في سرف، وكلامه في صدد التعجب يقتضي أن يكون الوقائع الثلاثة المتفرقة أزمنة اجتمعت في مكان واحد، وأما على ما قال ابن حبان فلا تعجب، وأطنب الطحاوي الكلام في المسألة في مشكل الآثار وقال في تحقيق الواقعة وتعينها: إنه أرسل أبا رافع من المدينة إلى مكة لخطبة ميمونة ثم أحرم بنفسه خارجاً إلى مكة، فأحالت ميمونة أمرها إلى عباس وجعلته وكيلاً فلما ولته خرج العباس لاستقباله ونكحها إياه بسرف، وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محرماً فأقول: إن رواية ابن عباس أعلى من رواية ابن الأصم إسناداً واعتباراً، لأن مرتبة ابن عباس أعلى من مرتبة يزيد بن الأصم، حتى أن قال بعض الرواة: ما يزيد بن الأصم عند ابن عباس أنه بوال على عقبيه، وأيضاً كان ابن عباس في بيت العباس فيكون أعلم بحال النكاح من أبي رافع وكذلك من ميمونة أيضاً لأنها لما ولت العباس نكاحها فلا تكون مباشرة النكاح بنفسها.

باب ما جاء في أكل الصيد للمحرم

باب ما جاء في أكل الصيد للمحرم

[846] قال بعض السلف: لا يجوز للمحرم أكل الصيد وإن لم يُصد بدلالته وإشارته أو إعانته أو بنيته، والأخص منه مذهب العراقيين، أي لا اعتبار لنية من صاد، والشرط أن لا يصاد بدلالته أو إشارته أو إعانته، واختار البخاري مذهب العراقيين، ثم الأخص منه مذهب الحجازيين فإنهم جوزوا له أكله إذا لم يكن فيه دلالته وإشارته أو نيته، وغرض هذا الباب بيان خلاف ذلك السلف. (ف) قال صاحب البحر: إن إشارة المحرم في الشاهد والدلالة في الغائب، وقال علماء اللغة: إن المستعمل في المعاني الدلالة بفتح الأول وفي الأعيان الدلالة بكسره. قوله: (يصد لكم إلخ) تمسك الحجازيون بهذا، وأجاب العراقيون بوجوه منها ما قال صاحب العناية على الهداية: إن الرواية «أو يصاد لكم» بالألف و «أو» بمعنى إلا أن، وقال: في بعض الألفاظ تصريح «أو يصاد لكم» أقول: إن عامة الطرق خالية عن الألف أي «يصاد لكم» وأيضاً إن كان الألف موجوداً فيصاد لكم مرفوع من عطف الجملة على الجملة لا منصوب والقرينة رواية الباب بالجزم وغيرها من عامة الطرق، ومنها إن لكم في (يصاد لكم) بمعنى بإعانتكم أو إشارتكم، ولكن التأويل هذا تأويل لا يشفي ما في الصدور، والحق أن يقال: إن مراد الحديث هو ما قاله الحجازيون ولكنه يحمل على الكراهة، ويقال: إن النهي لسد الذرائع كما أنه أخذ صيد أبي قتادة للدلالة على الجواز ولم يأخذ صيد صعب بن جثامة. قوله: (أحسن حديث روي إلخ) أقول: إن الأحسن إسناداً حديث أبي قتادة حديث الصحيحين، وأخذ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحم صيد أبي قتادة، وفي رواية في الزيلعي أنه لم يأخذ لحم صيد أبي قتادة وحكم عليها الزيلعي بأنه وهم الراوي قطعاً وواقعة عدم الأخذ واقعة صعب بن جثامة.

قوله: (وهو غير محرم إلخ) مرور أبي قتادة عن الميقات بلا إحرام وارد على الأحناف، ونقول: إنه وارد على الشافعية أيضاً، وأما قولهم من أن واقعة أبي قتادة واقعة لم تكن المواقيت إذ ذاك معينة فيرد عليه ما في البخاري في الموضعين إحرامه من ذي الحليفة في عمرة الحديبية، وأما الجواب من الأحناف فهو أن محمداً صرّح في موطئه أن المدني يجوز له التجاوز من ذي الحليفة بلا إحرام ويحرم من جحفة وليس هذا قول الشافعية، وفي الروايات: أنه أرسل أبا قتادة إلى سيف البحر للتجسس أو لتحصيل الصدقات، وأراد أبو قتادة أن يلحقه في الطريق ورافقه بعض الصحابة فصال على حمار وحش وهو حلال وكان رفقاؤه محرمين فأكل بعضهم صيده ولم يأكله بعضهم، ثم سألوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكلهم فأجاز لهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسألهم عن إشارتهم ودلالتهم كما في الروايات، ولم يرد سؤاله عن نيته لهم مع أنه كان ضرورياً محتاجاً إليه عند الحجازيين، فترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة عموم المقال، فواقعة أبي قتادة دليل العراقيين، ولينظر إلى ألفاظ مسلم أيضاً فإن فيه: «أن أبا قتادة لم ير الحمار الوحشي بل رآه أصحابه فجعلوا يضحك بعضهم إلى بعض» إلخ، وكان ضحكهم على أنهم محرمون ولا يجوز لهم الاصطياد فلما رأى أبو قتادة ضحكهم فهم الكلام فصاد الحمار، وفي بعض ألفاظ مسلم: «فجعلوا يضحك بعضهم إليّ» وهذا اللفظ يشير إلى حثهم إياه على صيده وذهاب أبي قتادة لأجلهم، وقال القاضي عياض: إن في لفظ يضحك بعضهم إلي سقطاً والأصل بعضهم إلى بعض، ثم يبحث في ضحكهم هل هو داخل في الإعانة أو خارج منه، فإني لم أجد تصريح أن هذا إعانة أو لا.

باب ما جاء في كراهية لحم الصيد للمحرم

باب ما جاء في كراهية لحم الصيد للمحرم

[849] هذا الباب على مذاق بعض السلف فإن لفظ اللحم أعم، وقصة الباب قصة حجة الوداع

وحديث الباب يخالف الحجازيين والعراقيين، وأجابوا بأنه محمول على سد الذرائع ومسألة سد الذرائع من أهم مسائل أصول الفقه وما ذكرها الشافعية والأحناف وذكرها الموالك وابن تيمية، وسد الذرائع أن لا يكون الشيء منهياً عنه في الشريعة إلا أن المكلف ينهى عنه كيلا يكون مؤدياً إلى ما هو منهي عنه، مثل نهي عمر وابن مسعود من التيمم للجنب كيلا يكون مؤدياً إلى المنهي عنه من التيمم في أدنى البرد. قوله: (حماراً وحشياً إلخ) ظاهر حديث الباب أنه أتى به وهو حي، واختاره البخاري ص (245) فإذن رده فإنه لا يجوز له ذبح الصيد، ومذبوح المحرم عندنا ميتة لكن طرق مسلم تدل على أنه أتي به عنده مذبوحاً لأن في بعضها ذكر العجز، وفي بعضها ذكر الورك، وفي بعضها ذكر اللحم فيكون رده لسد الذرائع.

باب ما جاء في صيد البحر للمحرم

باب ما جاء في صيد البحر للمحرم

[850] جائز عند الكل لنص القرآن، وأما قتل الجراد فعند أبي حنيفة فيه جزاء خلافاً للثلاثة والجزاء عندنا على أربعة أنواع: البدنة، وهي عندنا بقرة وناقة، وقال الشافعية: إنها ناقة، والدم، والطعام

بثلاثة أصوع، والتصدق بما شاء، وحديث الباب ليس بحجة علينا لسقوط سنده، ولنا أثر عمر في موطأ مالك ص (162) قال عمر: أطعم قبضة من الطعام، وفيه ص (161) : تمرة خير من جرادة، وقال الحجازيون: إن راوياً يقول في ابن ماجه: إني رأيت سمكاً عطس فخرجت الجرادة من أنفه، لكنه لا يدل على أنها من خلق البحر لأنه لعله أخذها من الخارج ولم يقل أحد من كتاب حالات الحيوانات بأنها من خلق البحر، ولعل السمك إن كان بيضه داخل الماء يخرج السمك وإن كانت خارجة تخرج الجراد فإذا عاشت في البر صارت برية، وقالوا: إن سقنقور (ريك ما هي) يعيش في البر ومن نسل السمك، والله أعلم.

باب ما جاء في الضبع يصيبها المحرم

باب ما جاء في الضبع يصيبها المحرم

[851] الضبع في الفارسية يقال لها (كفتار) ، وفي الهندية (بهندار) ، والضبع حلال يؤكل عند الشافعي وذكر أرباب التذكرات أن الضبع من أخبث الحيوانات، ويقال: إنها تحفر حفرة تحت رأس الرجل النائم فإذا يقع الرأس في الحفرة تقطعها، ونقول: إنها من السباع وذات أنياب، وقال الشوكاني: إنها ليست بذات ناب بل لها فك (جبر) أقول: كلامه لا يجدي شيئاً، وتمسك الشافعي بحديث الباب لفظ الصيد والصيد يطلق على ما يؤكل لحمه، ولا نسلم هذا فإنه يطلق الصيد على صيد الأسد أيضاً، نعم يرد علينا قول الراوي نعم ورفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فالجواب أطول، وأطنبه الطحاوي في مشكل الآثار على أوراق في الحصة المطبوعة، ولكن الأغلاط في النسخة المطبوعة، كثيرة وحاصل ما ذكر الطحاوي: أنه روي عن يحيى بن سعيد القطان بإسناده أنه من وهم الراوي (وابن أبي عمار) في رفعه، فإنه كان يروي عن عمر موقوفاً برهة من الزمان ثم بعده رفعه، وابن سعيد أول من صنف في الجرح والتعديل وهو حنفي مذهباً بتصريح ابن خلكان، وأشار الترمذي إلى أن الحديث موقوف نقلاً عن

يحيى بن سعيد، وأما فتوى عمر وجابر فأخرجها مالك في موطؤُه ص (161) ثم في خارج الستة ما يخالفنا في حديث الباب وهو زيادة: «أن في قتل الضبع شاة وتؤكل إلخ» بصيغة المؤنث وإني متردد في أنه صيغة المذكر أو المؤنث، ثم أقول: إن المرجع هو الشاة أي تؤكل الشاة والقرينة عليه ما في الترمذي في المجلد الثاني ص (1) عن خزيمة بن جزء قال: «سألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل الضبع؟ فقال: أوَ يأكل الضبع أحد» ، وسألته عن أكل الذئب؟ فقال: أو يأكل الذئب أحد! إلخ» إلا أن سند هذا الحديث ضعيف من جانب عبد الكريم بن أبي أمية، وهو ابن أبي المخارق وهو ضعيف، وأما عبد الكريم بن مالك فثقة، وأخطأ المولويّ محمد حسن السنبهلي في حاشية الهداية حيث قال: إنه عبد الكريم بن مالك وهو ثقة، والحال أنه ابن أبي المخارق، وحديث الباب ما أعله الطحاوي عن يحيى بن سعيد رحمه الله، ثم أقول: فتوى عمر ليست في جواز أكلها بل في جزاء قتل إياها، وأما فتوى جابر ففي أكلها كما في موطأ مالك ص (161) ، ومن أدلتنا ما رواه الزيلعي عن مسند أحمد ووجدت سنده قوياً، وفيه أن بعض المشائخ أفتى بحرمة الضبع بين يدي سعيد بن المسيب، فلم ينكر عليه ابن المسيب ورجح ابن قيم مسألة الأحناف من حرمة الضبع في إعلام الموقعين.

باب ما جاء في دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعلى مكة وخروجه من أسفلها

باب ما جاء في دخول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - من أعلى مكة وخروجه من أسفلها

[854] أعلى مكة جانبها الشرقي ويسمى: بكداء، وأسفلها جانبها الغربي ويسمى: بكدى، وقال ابن همام: إن الأدب وهو استقبال في هذا الطريق أي طريقه.

باب ما جاء في كراهية رفع اليد عند رؤية البيت

باب ما جاء في كراهية رفع اليد عند رؤية البيت

[855] قال بعض العلماء: يرفع يديه حين رؤية البيت، ولهم رواية عند الطحاوي إلا أنها ليست بقوية، وهذا الرفع عندنا مكروه، نقول: مراده أن يرفع عند استلام الحجر كما في الحديث أنه يرفعهما في ثمانية مواضع، ورفعهما عند الأشواط ـ أي لاستلام الحجر ـ ضروري في الشوط الأول والأخير، وفي سائر الأشواط مستحب.

باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر

باب ما جاء في الرّمل من الحجر إلى الحجر

[857] كان ابتداء الرمل أنه لما أتى مكة للعمرة عام القضاء وأراد الطواف خرج الكفار مستكرهين طواف الصحابة، وكانوا ينظرون من أعلى الجبل، وقالوا: أضناهم حمى يثرب، فأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه بالرَّمل، فكانوا يرملون في ثلاثة جوانب لأنها كانت منظر الكفار، وأما الجانب الرابع فلم يكونوا فيه، وكانت الصحابة يمشون فيه ثم صار حكم الرَّمل في الجوانب الأربعة، وقال ابن عباس: الرَّمل ليس بسنة، وإنما كان لغرض إظهار الجلادة والصحة في أعين كفار مكة، وارتفع الغرض خلافاً لجمهور الأمة، ونقول: إن واقعة إظهار الجلادة كانت واقعة عمرة القضاء، وقد رمل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع بعد فتح مكة فعلم أن الرمل سنة، والرمل سنة في كل طواف بعده سعي، وللقارن عندنا طوافان والرمل مرتين.

باب ما جاء في استلام الحجر الأسود والركن اليماني دون ما سواهما

باب ما جاء في استلام الحجر الأسود والركن اليماني دون ما سواهما

[858] استلام الحجر الأسود مستحب عند الكل، وأما استلام الركن اليماني فمروي عن محمد بن الحسن رحمه الله. قوله: (الركن اليماني إلخ) ياء اليماني ليست بمشددة، بل عوض عن التنوين، وكان في الأصل يمانٍ، وأما وجه تخصيص الاستلام بالحجر الأسود والركن اليماني دون الركن العراقي والشامي فهو أن الأوليين باقيين على البناء الإبراهيمي بخلاف الآخرين، وكان بيت الله احترقت في زمان فجمع القريش الأموال الطيبة لبناء بيت الله الكعبة فبنوها وأخرجوا الحطيم لأن الأموال الطيبة كانت قليلة، والحطيم على شكل نصف الدائرة، ودوران الحطيم ستة وثلاثون ذراعاً وأبعد الحطيم عن بيت الله ستة أذرع، وقال الشافعية: إن بناء البيت من الجانب المقابل أيضاً ضيق فيه شيء تضييق ولذا جعل بعض سلاطين الشافعية موضعاً مرتفعاً من الأرض مسمناً في أصل جدار الكعبة ليقع الطواف خارجاً ويسمى ذلك الموضع المرتفع (شاذروان) ، وورد في حديث: «أن الحجر الأسود بمنزلة يمين الله تعالى فيبايع به كما يبايع على يد الرجل» .

باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا قبل المروة

باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا قبل المروة

[862] تفصيل الفروع في الفقه ومن بدأ بالمروة قبل الصفا لا يعتبر الشوط الذي إلى الصفا قوله: (شعائر الله إلخ) قال السيوطي: إن المراد بالشعائر العلامات (ياوگارين) ، والسعي بين الصفا والمروة واجب عند أبي حنيفة، فرض عند الشافعي.

باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة

باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة

[863] في رواية البخاري في كتاب الأنبياء وجه السعي بين الصفا والمروة غير ما في هذا الحديث وذلك قصة هاجر وكانت هاجر، تمشي من الصفا إلى الميل الأخضر، وتسعى من الميل إلى الميل الثاني لغيبوبة إسماعيل عن نظرها ثم تمشي من الميل إلى المروة وجرت سنتها إلى قيام القيامة.

باب ما جاء في الطواف راكبا

باب ما جاء في الطواف راكبا

[865] المشي المقابل للركوب واجب عند أبي حنيفة، ولو ركب وترك الواجب لعذر فلا دم عليه كما أن ستة واجبات لآدم على تركها بعذر كما في هذا الشعر: ~ سعي وحلق ومشي عند طوفهما ... صدر وجمع وزور قبل المساء من واجبات ولكن حيث ما تركت، وأما سوى هذه الستة فتوهم عبارات البعض إلى الدم وعبارات بعضهم إلى عدم وجوب الدم. قوله: (على راحلته إلخ) ركوبه كان لعذر، والعذر في مسلم أنه ركب ليراه الناسُ يسألوه وفي أبي داود: أنه كان مشتكياً، إلا أن في إسناد ما في أبي داود يزيد بن أبي زياد المتكلم فيه، وذكر البخاري في الترجمة أنه ركب لمرض، وقال الشارحون: إن بناء ترجمة البخاري على ما في أبي داود والله أعلم. قوله: (انتهى إلي الركن إلخ) أي الحجر الأسود، وتمسك الموالك بهذا على طهارة أبوال ما يؤكل لحمه وأزباله، فإنها لو لم تكن طاهرة لما أدخل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناقته في المسجد الحرام. وقال الحافظ في الفتح: إن ناقة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلها كانت مُدَرَّبَةً، لكن جواب الحافظ ليس بذاك القوي، وهناك بحث في تمسك الموالك بأن جوانب البيت في عهده كانت مطافاً ولم يكن ثمة بناءً، وأما بناء الحائط وتحديد المسجد الحرام فمن عهد عمر، كما في البخاري في باب بنيان الكعبة، فلم يكن المسجد الحرام حين طوافه فرق استدلال المالكية ثم فيه نظر بأن القرآن العظيم يخبر بالمسجد الحرام، ويسمي فلا بد من كون المسجد الحرام في عهده، فيبحث أن العرصة إذا كانت لا تعمير فيها فهل تأخذ أحكام المسجد أم لا؟ فعاد نظر الموالك فأقول: إنه يبحث في أن مطافه كان خارج البيت متصلها أو منفصلاً عنها، والبحث بقدر الضرورة مر سابقاً. واعلم أن أطوفة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الهجرة ستة؛ طواف عمرة القضاء، وطواف فتح مكة بلا عمرة، وطواف في عمرة الجعرانة، وثلاثة أطوفة في حجة الوداع اتفاقاً، والاختلاف في النظر؛ فعندنا أولها: طواف العمرة، وثانيها: طواف الزيارة، وثالثها: طواف الوداع، وقال الشافعية: طواف طواف

القدوم، وأما طواف العمرة فدخل في طواف الحج، وأما سوى هذه الستة فأشار إليها البخاري تمريضاً، ومن المعلوم أن البخاري إذا أتى في الترجمة بالتمريض فلا يكون مختاره، وبات النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وطاف البيت في هذه الليالي ولكن عددها غير معلوم، وأما حال كونها ركوباً وماشياً ففي كتب السير أن طواف عمرة القضاء وطواف الزيارة كانا في حال الركوب، ونقل الواقدي أن طواف فتح مكة أيضاً كان راكباً ولكن الواقدي متكلم فيه، ويأتي في تصانيفه بالرطبة واليابسات وطواف عمرة جعرانة وطواف عمرة الحج في حجة الوداع والوداع كانت ماشياً.

باب ما جاء في فضل الطواف

باب ما جاء في فضل الطواف

[866] قوله: (خمسين مرة إلخ) أي طواف النافلة لا الحج خمسين مرة، وقالوا: إن أعلى العبادات للآفاقي الطواف فليكثره مهما أمكن، وأما في الحج فللمفرد ثلاثة أطوفة، وللقارن أربعة أطوفة، وللمتمتع ثلاثة أطوفة.

باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح في الطواف لمن يطوف

باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح في الطواف لمن يطوف

[868] ركعتا الطواف واجبتان عندنا ومع هذا لا يصح أداؤهما بعد العصر والصبح كذا في الهداية، وقال: إنهما واجبتان لغيرهما لا يصح أداؤهما في هذا الوقت المكروه، وأما الواجب لغيره فمر، وقال الشافعية: تصح صلاة الطواف في الوقت المكروه، وقال الشافعية: إن حديث: «صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار» إلخ عام، ونقول: إنه يخصص بأحاديث تدل على كراهة الصلاة في الأوقات المكروهة وقيل: إن حديث الباب لا يدل على مذهب الشافعية بل مراده أن بني عبد مناف لاحقّ لهم بالمنع كما مر نظيره من حديث: «لا تمنعوا إماء الله من المساجد» إلخ أي لاحق لكم في المنع، ولنا أثر الفاروق الأعظم أخرجه الطحاوي ص (396) ، والبخاري ص (220) في الترجمة، وللطرفين آثار ويمكن لأحد من الأحناف أن يستدل بما في البخاري ص (220) : عن أم سلمة كانت مريضة وقت طواف الوداع فسألت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كيف تفعل؟ فقال: طوفي وراء الناس راكبة، فطافت ولم تصل حتى خرجت إلخ، ولعل عدم صلاتها كانت بأمره، ولكني هناك متردد في خروجها أنها خرجت من مكة أو حتى خرجت من المسجد الحرام، وعلى التقدير الثاني لا يكون الحديث المرفوع حجة لنا.

باب ما جاء في كراهية الطواف عريانا

باب ما جاء في كراهية الطواف عريانا

[871] ستر العورة في الحج واجب، وإن قيل: إن ستر العورة فرض في نفسه فكيف يكون واجباً للحج؟ قلت: لا تنافي بينهما فإنه قد يكون الشيء فرضاً في نفسه وواجباً للغير. (ف) واعلم أن دلالة ظنية الدليل على الوجوب وقطعية الدليل على الفرضية إنما يظهر في دواخل الحقيقة لا في خارج الحقيقة من الأحكام والشروط، فإنهم لا يبحثون في الأحكام والشروط ظناً وقطعاً والموانع أيضاً من باب الأحكام والشروط فعلى هذا ما زدنا على نص آية السرقة من عشرة دراهم بأخبار الآحاد فلا إشكال فيه بل عشرة دراهم شرط قطع اليد، وكذلك المهر في النكاح من عشرة دراهم زيادة على نص آية تدل على أن يكون النكاح بمال، فهذه الزيادة بأخبار الآحاد زيادة

الحكم لأن المهر حكم فلا إشكال، وقال صاحب الهداية: إن «أخرجوهن من حيث أخرجهن الله» إلخ خبر مشهور، وجعله مبنى مسكة المحاذاة، أقول: إنه ليس بمشهور بل ليس بمرفوع أيضاً، بل أثر، وقد علمت بالاستقراء أن الواجبات الداخلية ليست إلا في الحج والصلاة هذا عندنا، وأما عند الشافعية ففي الحج فقط.

باب ما جاء في الصلاة في الكعبة

باب ما جاء في الصلاة في الكعبة

[874] إنه دخل في الكعبة في فتح مكة وخرب الأصنام، وفي كتب السِّير أنه كان يشير بأصبعه إلى الأصنام ويقرأ: [الإسراء: 81] وكانت تنكب الأصنام بأنفسها، ثم محا التماثيل على جدران الكعبة، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلي كرم الله وجه: إن يبلَّ الثوب ويمحو التصاوير، فقال علي للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ضع قدميك على كتفي وامحها، فقال: إنك لا تستطيع أن تحملني بل ضع قدميك على كتفي، وقال زيد بن ثابت لما نزل قطعة [النساء: 95] وكان فخذه على فخذي فخشيت أن ترض فخذي ولا كانت تحمل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناقة إلا ناقته القصواء، وفي بعض الروايات أنه دخل الكعبة في حجة الوداع لكن البعض الآخر تخالفها كما أشار البخاري إلى اختلاف الرواة، وكانت التوفيق بين الروايتين ممكناً لكن المحدثين لم يتوجهوا إلى التوفيق، وأما الصلاة في الكعبة فروى بلال أنه صلى في عام فتح مكة وروى ابن عباس بأنه لم يصلِّ بل كبَّر وسبَّح في جوانبه، ورجح المحدثون رواية بلال على ابن عباس لأنه

مثبت والمثبت مقدم كما صرح البخاري في أبواب الزكاة، وكان التوفيق بين روايتهما ممكناً بالحمل على الواقعتين لكن المحدثين لم يتوجهوا إلى التوفيق بل إلى الترجيح، وقال البخاري: إن ابن عباس أيضاً مثبت لشيء آخر أي التكبيرات. قوله: (المكتوبة في الكعبة إلخ) لأن في داخل الكعبة تكون بعض أجزاء الكعبة مستقبلة إليها وبعضها مستدبرة إليها. قوله: (وقال الشافعي لا بأس إلخ) مذهب الشافعي عدم جواز الصلاة متوجهاً إلى باب الكعبة أو على أسقف الكعبة بدون السترة فإن الكعبة عنده البناء لا الهواء، ولم يفرق بين المكتوبة والنافلة. قيل: باني الكعبة إبراهيم، وقيل: آدم ورفعت إلى السماء في طوفان نوح حذاء هذا البناء، أقول: ثبت في حديث البخاري أن في حذاء كعبتنا كعبة الملائكة في السماء الرابعة المسمى بالبيت المعمور، ويسجد فيها كل يوم سبعون ألف ملك، وأما بناء الكعبة فقيل: بنيت الكعبة اثنين وعشرين مرة، وقيل: ست مرات، وأما البناء في الحال فبناء حجاج الثقفي مبير ثقيف، فإن ابن الزبير كان بناها على ما تمنى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين سمع الحديث عن خالته عائشة، فهدم حجاج المبير بناءه رضي الله تعالى عنه، وحكي أن الرشيد سأل مالك بن أنس أن يبني الكعبة على ما كان بناء ابن الزبير ومتمنى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فما أجاز له مالك لسد الذرائع.

باب ما جاء في الصلاة في الحجر

باب ما جاء في الصلاة في الحجر

[876] الحِجر بالكسر الحطيم، وغرض المصنف بيان أن الصلاة في الحطيم متوجهاً إلى الكعبة توجب ثواب الصلاة في الكعبة أم لا؟ وقال الفقهاء الأربعة: من صلى مستقبل الحطيم بلا استقبال جزء من البيت صلاته غير صحيحة، فإن استقبال البيت في الصلاة ثابت بالقرآن أي النص القاطع، وجزئية الحطيم من البيت ثابتة بأخبار الآحاد فلا تصح الصلاة هذه. أقول: إن مرجع هذه المسألة مسألة عدم جواز الزيادة بخبر الواحد، وهذه المسألة مسألة الأحناف، وينكر عليها غيرنا ثم أخذ بها هاهنا، ثم قال الفقهاء بالأخذ بما هو أحوط في الصلاة والطواف.

باب ما جاء في فضل الحجر الأسود والركن والمقام

باب ما جاء في فضل الحجر الأسود والركن والمقام

[877] مقام إبراهيم أصله ما قيل: إنه كان حجر بنى إبراهيم الكعبة قائماً عليه، وقالوا: إنه كان يرتفع وينخفض حسب الضرورة عند البناء ثم نادى إبراهيم بعد بناء الكعبة قائماً على ذلك الحجر: يا أيها الذين في أصلاب أبائكم وأرحام أمهاتكم حجوا البيت، فسمع كل من كان حجه مقدراً وأجاب نداءه، وكان أكثر مجيبي النداء أهل اليمن، كذا ذكره المفسرون. قوله: (سودته خطايا إلخ) قيل: سودته خطاياهم وكيف لا تبيضه حسناتهم؟ أقول: إن الاعتراض من الجاهل الغبي والنتيجة للأخس الأرذل، وقيل: إنا لم نجد من التواريخ أن الحجر الأسود

كان أبيض في حال ما، أقول: إن مبدء التاريخ من الإسلاميين والتاريخ ليس بمتصل إلى آدم، وأيضاً لما أخبر الحديث القوي المسند: بأنه (سودته الخطايا) فما رتبة التاريخ في مقابلة الحديث؟ ومن ينتظر إلى ثبوته بالتاريخ، والحال أن مدار التاريخ على الحكايات بلا أسانيد، وبناء الأحاديث على الأسانيد مع نقدها.

باب ما جاء في الخروج إلى منى والمقام بها

باب ما جاء في الخروج إلى منى والمقام بها

[879] لفظ منى منصرف أو غير منصرف، يسن الخروج إلى منى يوم التروية ويصلي ظهر يوم التروية وعصرها وعشائيها وصبح التاسع في منى ثم يرتحل إلى عرفات

باب ما جاء في تقصير الصلاة بمنى

باب ما جاء في تقصير الصلاة بمنى

[882] التقصير عند مالك ليس للسفر بل من النسك، وقال أبو حنيفة: إن القصر للسفر فلا قصر لأهل مكة عند أبي حنيفة خلاف مالك، واختار ابن تيمية قول مالك، وقال: لم يثبت أمره أهل مكة بالإتمام وقد كان أمرهم حين جاء لعمرة القضاء، لكنه ما أتى بما يكون حجة علينا، ونقول: إن عدم الذكر لا يوجب النفي في الواقع.

باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء بها

باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء بها

[883] وقوف عرفات عندنا أعظم ركن من أركان الحج، حتى لو فات لا يتلافاه شيء إلا القضاء عاماً مقبلاً، والطواف أيضاً ركن لكنه له تلافٍ لو فات، ووقت وقوف عرفات بعد زوال شمس يوم عرفة إلى صبح يوم النحر، فمن وقف في جزء من أجزاء هذا الوقت أجزأه وإلا فلا، ويخطب الإمام خطبة طويلة ويلبي الناس وقتاً فوقتاً أو يدعون بالمأثورات، وعرفات في الحل والمزدلفة في الحرم، وكان ينبغي لمن تعرض لأسرار الحج أن يبني كلامه على أثر علي رضي الله عنه، وعرفات قريب من وادي نعمان التي فيها نشرت الأرواح لآدم، وتعرض العلماء إلى تعيين موقف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرفات فأول من عين هو القاضي بدر الدين أبو عبد الله الشبلي الحنفي رحمه الله تلميذ الذهبي. قوله: (وهم الحمس إلخ) التفسير المذكور في الحديث ليس التفسير اللغوي، بل الحمس في اللغة جمع أحمس بمعنى الشجاع.

باب ما جاء أن عرفة كلها موقف

باب ما جاء أن عرفة كلها موقف

[885] العرفات كلها موقف إلا وادي عرنة، والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر، ثم بحث ابن الهمام في من قام بعرنة أو محسراً أجزأه أم لا؟ فقال: إنه مجزئ مع ارتكاب الكراهة تحريماً. قوله: (على هيئة إلخ) في نسخة على هنية وكلا اللفظين في نسخ الهداية. قوله: (إلا وادي محسّر إلخ) خسف فيه أصحاب الفيل، قالوا: إن أبرهة ملك اليمن بنى الكعبة اليمانية في مقابلة بيت الله الكعبة المكية فتغوط رجل من قريش في الكعبة اليمانية فغضب أبرهة وأراد أن يكسر بيت الله ويهدمها، فجاء ونزل بأصحابه في وادي محسّر فقضى عليهم أمر الله، ورأيت في مشكل الآثار رواية تدل على أن وجه عدم وقوف أهل الجاهلية بعرفة أنهم كانوا يعتقدون من وقف به يطير به الجنات. قوله: (أحج عنها إلخ) هذه المسألة تسمى في الفقه بمسألة المغصوب، وفي حديث الباب في بعض الألفاظ: «أن أبي لا يثبت على الراحلة» ، قال أبو حنيفة: من عنده الزاد والراحلة ويمكن له الثبات على الراحلة ثم عجز وتمادى عجزه فعليه الإحجاج أو الوصية، ثم إن قدر بعد العجز بطل إحاجه ويحج بنفسه.

قوله: (احلق فلا حرج إلخ) واعلم أن في يوم النحر أربعة نسك، رمي ونحر وحلق وطواف على ترتيب ما ذكرت، والترتيب في الثلاثة الأول هذا واجب والأسولة المذكورة في الأحاديث في سوء الترتيب سبعة، وأما الفروع الفقهية فكثيرة، ثم مذهب الشافعي وصاحبي أبي حنيفة عدم الجزاء في سوء الترتيب وتمسكوا بحديث الباب، وعند أحمد لو أساء الترتيب عمداً فجزاء، وإن كان سهواً فلا جزاء، وعند أبي حنيفة جزاء بلا فرق عمد وسهو، وعند مالك أيضاً أجزاء في بعض الجزئيات كما يدل مُوطَؤُه ص (158) ، ثم الطواف فلا شيء في تقديمه أو تأخيره فإنه عبادة في كل حال، وأما الثلاثة الباقية فالنحر لازم على القارن والمتمتع فيكون ترتيبه واجباً في حقهما، وأما المفرد بالحج فالنحر ليس بواجب في حقه ولم يبق في حقه وجوب الترتيب إلا في الرمي وأما الصور الواردة في الأحاديث في سوء الترتيب فسبعة وليس فيها ذكر أن السائل كان قارناً أو متمتعاً أو مفرداً فلو حملناها على المفرد لا تكون الجناية فيها عند أبي حنيفة إلا في صورة فإنها لا مناص فيها من الجناية وجزائها، وإن حملت على المفرد أيضاً لأنها مشتملة على سوء الترتيب في الحلق فعلينا جوابها فنقول: قد بوب الطحاوي ص (444) على المسألة لأبي حنيفة، وقال ابن عباس راوي حديث المرفوع: (لا حرج) . وفتواه بإهراق الدم والجزاء فيكون مراد الحديث المرفوع: (لا حرج) إلخ، نفي الحرج في أحكام الآخرة، أي نفي الإثم مع وجوب الجزاء، ومر الحافظ على فتوى ابن عباس فأعلَّها في موضع، وسكت في موضع، وأقول: إن فتواه قوية السند بلا ريب، ثم أتى الطحاوي بقرائن أن النفي في (لا حرج) نفي الإثم بأنه لما كثر عليه تساؤل الناس جلس وقال: «إنما الحرج في تعرض عرض الأخ المسلم» كما في معاني الآثار (444) وأبي داود، وأشار الطحاوي إلى الجواب في موضع آخر حيث قال: إن الشريعة الغراء إذا أجازت عمل شيء في الصلاة لا يجعل ذلك العمل مفسد الصلاة ومضراً لها بخلاف الحج فإن الشيء ربما يكون مجازاً في الحج ومع ذلك يكون ذلك العمل مضراً للحج في أحكام الدنيا لا في أحكام الآخرة، مثل أن نص القرآن أجاز الحلق لعذر للمحرم وأوجب عليه الجزاء لآية من كان به أذى إلخ، وكذلك المحصر يجب عليه القضاء عاماً مقبلاً مع أن الخروج عن الإحرام مجاز له وكلام الطحاوي هذا قوي في الجواب فحاصل الجواب أن لفظ لا حرج لا ينفي الجزاء بل الإثم، وأما نفي الإثم فلأن السائلين كانوا غير عالمين بالمسألة كما صرحوا في أسولتهم، و (إني لم أشعر) كما ذكره ابن دقيق العيد في شرح عمدة الأحكام.

قوله: (يجمع بين الظهر والعصر إلخ) قال أبو حنيفة: إن لجمع الظهر والعصر بعرفة وجمع العشائين بمزدلفة شروطاً، أما جمع العصرين فيشترط له الإمام والإحرام والعرفات، وأما جمع العشائين فله الإحرام والمزدلفة ولا يشترط الإمام، وأما جمع العصرين فبأذان وإقامتين وجمع العشائين بأذان وإقامة، وروي عن زفر إقامتان في العشائين أيضاً، واختاره الطحاوي وابن الهمام وهو مذهب الشافعي رحمه الله، وأما وجه مذهب أبي حنيفة فهو أن ابن عمر يروي مثل مذهب أبي حنيفة، وأما جابر بن عبد الله فيروي موافقاً للجمهور، وأما وجه الفرق بين إقامة بمزدلفة وإقامتين بعرفة عند أبي حنيفة فذكروا أن العصر يقدم عن وقته فيحتاج إلى اطلاع جديد، وأما في تأخير العشاء الأولى فتأخيرها معلوم لا يحتاج إلى الاطلاع، وعندي أن وجه الفرق هو التفقه بأن وقت الظهر للعصر مستعار للعصر ليس وقته أصالة، وأما في المغرب فلا استعارة بل هذا الوقت وقت المغرب أصالة في هذا اليوم خاصةً فيكون الإقامة الواحدة كافية، لأن المغرب واقعة في وقتها في ذلك اليوم وهذا الوجه يؤيده مسائل أبي حنيفة عنه منها أن تقديم العصر بعرفة ليس بواجب وتأخير المغرب إلى العشاء واجب، ومن صلى المغرب في الوقت المتعارف يجب الإعادة عليه إلى طلوع الصبح ولو لم يعدها وطلع الصبح عادت الصلاة صحيحة، وأما وجه الوجه فهو أن تقديم العصر كان لصرف الوقت جميعه بعد أدائها في استماع الخطبة، والوقوف بعرفة وأما تأخير المغرب فلا داعي فيه بل ذلك الوقت وقت المغرب في هذا اليوم، وأما الأحاديث في تعدد الأذان والإقامة في الجمع بمزدلفة فستة متعارضة صحاح ذكرها العيني في العمدة والواقعة واقعة واحدة.

باب ما جاء في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة

باب ما جاء في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة

[887] حديث الباب عن ابن عمر حديث أبي حنيفة، وتأول فيه النووي بأن المراد بإقامة إقامة ولكن التأويل غير ظاهر، ويمكن لنا أن نتأول في حديث جابر بأن تعدد الإقامة إنما هو عند الفصل بين المغرب والعشاء بالأكل ونحوه كما هو مذكور في فقهنا من تعدد الإقامتين عند الفصل، كذا في الهداية.

باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج

باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج

[889] ظاهر الحديث هذا موافق للشافعي في ركنية الوقوف بمزدلفة لأن نسق الوقوفين في حديث الباب واحد وأما وقوف عرفة فركن اتفاقاً فإنه توراث العمل به وإن كان ثابتاً بخبر الواحد. قوله: (من جبلي طيء إلخ) وهو سلمى وأجاء، وطيء على وزن سيّد.

قوله: (صلاتنا هذه إلخ) أي صلاة الصبح بمزدلفة.

باب ما جاء في تقديم الضعفة من جمع بليل

باب ما جاء في تقديم الضعفة من جمع بليل

[892] وقوف مزدلفة واجب، ووقته من الليل إلى طلوع الشمس، وإن قدموا الضعفة إلى منى بالليل جاز، ولا شيء على فوت وقوف مزدلفة بعذر، وأما العذر ووجه تقديم الضعفة إلى منى فهو أن يفرغوا من الرمي قبل ازدحام الناس، ووقت الرمي بعد طلوع الصبح عند أبي حنيفة إلى طلوع الذكاء وهذا وقت الإجزاء، وأما وقت السنة فبعد طلوع الشمس، ولا يجوز عندنا أن يرمي الضعفة قبل طلوع الصبح، وإن قيل: كان غرض التقديم الاحتراس من الازدحام وإذا رموا بعد الصبح يأتي سائر الناس أيضاً، نقول: إنهم يفرغون من الرمي قبل أن يأتي الناس ويزدحموا، وقال الشافعي: يجوز الرمي بالليل، ولنا ما في الطحاوي ص (414) عن ابن عباس مرفوعاً، وللشافعي ما في البخاري عمل صحابية ثم رفعها وقولها: «كنا نفعل هكذا في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، ولنا قولي.

باب ما جاء في رمي النحر ضحى

باب ما جاء في رمي النحر ضحى

[894] وقت رمي الجمار فأما رمي يوم النحر أي عاشر ذي الحجة فبعد طلوع الشمس إلى الزوال ويجزي بعد الصبح إلى طلوع اليوم الثاني، وقال الشافعي: يجزي بعد نصف الليل وأما رمي اليوم الحادي عشر والثاني عشر فظاهر الرواية لنا أن يرمي بعد زوال الشمس إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني عشر، أو الثالث عشر، وأما وقت الجواز فمن طلوع الفجر، إلى طلوع الفجر، وأما رمي يوم الثالث عشر فمن طلوع الشمس إلى غروبها، والمسنون بعد زوالها إلى غروبها وتفصيل المسائل والفروع يطلب من الفقه.

باب ما جاء في رمي الجمار راكبا وماشيا

باب ما جاء في رمي الجمار راكبا وماشيا

[899] الرمي الذي بعده رمي الأفضل فيه المشي لأن بعده دعاءً، والذي لا رمي بعده فالأفضل فيه الركوب، ذكر في البحر أن أبا يوسف كان مريضاً فأتاه بعض أصحابه عيادة ففتح أبو يوسف عينيه ونظر إليه وسأله كيف الرمي أفضل ماشياً أو راكباً؟ قال راكباً قال: لا، قال: ماشياً، قال: لا، وقال: كل رمي بعده رمي الأفضل فيه المشي، وكل رمي لا رمي بعده فالأفضل فيه الركوب، فقال: خرجت من عنده فما بلغت الباب إلا أدركتني جارية تقول: قد ارتحل الإمام رحمه الله تعالى.

باب كيف ترمى الجمار؟

باب كيف ترمى الجمار؟

[901] يرمي الجمرة الأولى والوسطى مستقبل القبلة ويقوم جانب الشرق من الجمرتين، وأما في العقبة فيرمي مستقبل الجمرة ويجعل البيت عن يساره، وفي حديث الباب استقبال القبلة عند رمي العقبة، وفي الصحيحين عن ابن مسعود: أن يستقبل الجمرة ويجعل البيت عن يساره خلاف حديث الباب، وكلا الحديثين عن ابن مسعود فأعل الحافظ حديث الباب وحسنه الترمذي، ولا بد من إعلال حديث الترمذي ولا احتياج إلى التأويل.

باب ما جاء في الاشتراك في البدنة والبقرة

باب ما جاء في الاشتراك في البدنة والبقرة

[904] البدنة عندنا تعم البقر والجزور، وقال الشافعية: إنها مختصة بالجزور ومذهب الأئمة الأربعة اشتراك السبعة في الناقة، وعند إسحاق بن راهويه يجوز اشتراك عشرة في ناقة، وله أيضاً حديث في هذا الباب وأجاب أتباع الأئمة الأربعة بأنها واقعة حال ولا نعلم تفصيلها فليؤخذ بالضابطة العامة. والرواية تدل على أن الواقعة واقعة السفر ولا أضحية على المسافر فيكون الذبح ذبح تبرع أو يكون الذبح للأكل أو يقال: إن اشتراك عشرة رجال لعله كان في زمان ثم استقر الأمر على سبعة رجال في الناقة، ومرَّ الحافظ على حديث ابن عباس متمسك إسحاق وأشار إلى الإعلال لكنه لم يفصح بالإعلال. قوله: (نحرنا إلخ) أطلق النحر على ذبح البقرة وليس هذا أصل استعماله، والمستحب في البقرة الذبح وفيما هو طويل عنقه مثل الناقة والبط النحر

باب ما جاء في إشعار البدن

باب ما جاء في إشعار البدن

[906] الإشعار هو الكشط برمح في سنام البعير، وقيل: أن الإشعار سنة الملة الإبراهيمية، والإشعار سنة عند الجمهور ونسب إلى أبي حنيفة كراهته، وأنه مثلَة. قوله: (أهل الرأي إلخ) لفظ أهل الرأي ليس للتوهين بل يطلق على الفقيه، وسمى أبو عمر كتابه الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار مما تضمنه الموطأ في معاني الرأي والآثار، وأطلق ابن تيمية في تصانيفه على الفقهاء إلا أن أول إطلاق هذا اللفظ على أبي حنيفة وأصحابه فإنه أول من دون الفقه،

ومحمد بن حسن أول من أفرز الفقه من الحديث بخلاف غيره من مالك وأبي يوسف وغيرهما، فإنهم كانوا يجمعون بين الأحاديث والآثار والفقه ثم يستعمل لفظ أهل الرأي في كل فقيه، ثم إن أعلم الناس بمذهب أبي حنيفة وهو الإمام الطحاوي نقل: إنما كرهه أبو حنيفة فإن أهل عصره كانوا يعدون في الأشعار ويتجاوزون عن حد السنة. قوله: (بدعة إلخ) لم يصرح وكيع بأن هذا قول أبي حنيفة، وإذا ذكر قوله لم يقله بدعة إلا أنه لم يرض به، وأما غضب وكيع فإنما كان على هذا الرجل حيث عارض السنة بقول إبراهيم صورة كما أمر أبو يوسف بقتل رجل عارض قوله عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله حيث قال أبو يوسف: إنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحب الدباء، فقال رجل: إني لا أحب كما في تكملة الطوري، نقول: إن وكيعاً حنفي كان يفتي بمذهب أبي حنيفة كما في عقود الجواهر ومثله في كتاب الضعفاء لأبي الفتح الأزدي إمام الجرح والتعديل، وكان وكيع شيخ أحمد بن حنبل تلميذ أبي حنيفة، وفي الميزان للشعراني قال وكيع: لو لم ألق ثلاثة رجال: ابن المبارك وأبا حنيفة والثوري لكنت من عوام الناس، فعلم أن وكيعاً ممن يعتقد في حق أبي حنيفة.

باب ما جاء في تقليد الهدي للمقيم

باب ما جاء في تقليد الهدي للمقيم

[908] سوق الهدي لمن يكون مقيماً في بيته لأن يذبح في منى مستحب وقربة، ثم هل يجري عليه

أحكام المحرم أم لا؟ فمختلف فيه؛ بعض السلف إلى أنه في حكم المحرم ما لم يذبح هديه خلاف الفقهاء الأربعة وابن عباس من ذلك البعض.

باب ما جاء في تقليد الغنم

باب ما جاء في تقليد الغنم

[909] تقليد الغنم ليس بمذكور في كتبنا نفياً وإثباتاً، وأما ما في كتبنا من نفي تقليد الغنم فمراده نفي التقليد بالنعل لا من الخيط، فأقول: لما لم يكن التقليد بالخيط مذكوراً وصح في الحديث فلا بد من جوازه. وفي بعض ألفاظ حديث الباب الوبر الأحمر.

باب ما جاء إذا عطب الهدي ما يصنع به

باب ما جاء إذا عطب الهدي ما يصنع به

[910] العطب الهلاك، قال أبو حنيفة: إن كان الهدي نفلاً فيذبحه ويلطخ نعلها بدمها ليعلمه الفقراء ويأكلوه ولا يجوز للمهدي أكله، وإن كان الهدي واجباً فعلى المهدي بدله ويفعل بهذا المعطوب ما يشاء ويجوز له أكله، وقال الشافعي: الهدي الذي لا يجوز أكله للمهدي لا يجوز لرفقائه أيضاً، وله حديث الباب ونحمله على أنه نهي لسد الذرائع.

باب ما جاء في ركوب البدنة

باب ما جاء في ركوب البدنة

[911] يجوز الركوب عند أبي حنيفة عند الاضطرار، وعند الشافعي عند الحاجة، والاضطرار أشد من الحاجة، ثم الاضطرار والحاجة موكولان إلى رأي من ابتلي بهما، وظاهر حديث الباب للشافعي ولكن في مسلم ص (436) تصريح: إذا ألجئت فيؤيدنا.

باب ما جاء بأي جانب الرأس يبدأ في الحلق

باب ما جاء بأي جانب الرأس يبدأ في الحلق

[912] الجمهور إلى أنه يبدأ من اليمين ونسب إلى أبي حنيفة أن يبدأ من اليسار، وهذه الرواية عن أبي حنيفة أخذها النووي واعترض على أبي حنيفة وقال: إنه خالف النص، ونقل بعض من يتصدى إلى الطعن في حق أبي حنيفة حكاية؛ وهي أن أبا حنيفة لما ذهب حاجاً ففرغ عن حجته وأراد الحلق فاستدبر القبلة، قال الحالق: استقبلها، ثم بدأ أبو حنيفة باليسار، قال الحالق: ابدأ باليمين ثم بعد

الحلق أخذ أبو حنيفة أن يقوم وما دفن الأشعار، قال الحالق: ادفنها فقال أبو حنيفة: أخذت ثلاثة مسائل من الحالق، أقول: إن هذه الحكاية ثبوتها لا يعلم وبعد فرض تسليمها تدل على جلالة قدره وقبوله الشيء ممن دونه إذا وقع ذهول، وأقول: قد ثبت الروايتان عن أبي حنيفة التيامن والتياسر كما في غاية السروجي، وأيضاً يمكن للمجتهد أن يبحث أن التيامن المذكور في الحديث يمين الحالق أو المحلوق. قوله: (ابن حسان إلخ) حسان إن اشتق من الحسن فمنصرف، وإن اشتق من الحس فغير منصرف. قوله: (أقسمة بين الناس إلخ) أي للتبرك، وهذا يدل على أخذ التبركات، وتبركاته كثيرة منها البردة العباسية هذه البردة أعطى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كعب بن الزهير حين قرأ قصيدة بانت سعاد في حضرته واشتراها العباسيون.

باب ما جاء في الحلق والتقصير

باب ما جاء في الحلق والتقصير

[319] الاختلاف في قدر حلق رأس المحرم مثل الاختلاف في مسحه في الوضوء، وبحث ابن الهمام في الحلق وقال: ليس بين المسح والحلق جامع يقاس الحلق على المسح وإنه قياس شبه لا قياس علة، والمقبول قياس العلة وأطنب الكلام وهو من تفرداته، أقول: زعم الشيخ أن في قدر حلق الرأس قياساً والحال أنه لا قياس في هذا بل هاهنا أصل مختلف فيه وهو أنه كم يجب أداء حصة المحل إذا أمر الشارع بالفعل المتعدي المتعلق بالمحل لصدق قول: إنه امتثل الأمر الشرعي فقال الشافعي: يكفي بعض المحل، وقال أبو حنيفة: يجب القدر المعتد به أي ربع المحل، وقال مالك بالاستيعاب، فكأن الاحتمالات ثلاثة، ذهب ذاهب إلى كل واحد منها وما ذكرت أشار إليه ابن رشد في القواعد، وأخذ أبو حنيفة بربع الشيء في مواضع منها ما في المسألة ومنها مسألة بطلان الصلاة بكشف العضو، ومنها نجاسة الثوب، ومنها قطع أذان الأضحية، ومسائل أخر فمدار الاختلاف في مسألة الباب أصولية لا ما زعم الشيخ ثم اختار مسألة مالك.

قوله: (مرة أو مرتين إلخ) دعا للمحلقين مرتين وللمقصرين مرة ثابت في واقعتين أحدهما في عام الحديبية وثانيتها في حجة الوداع.

باب ما جاء في كراهية الحلق للنساء

باب ما جاء في كراهية الحلق للنساء

[914] الحلق للنسوان حرام عند كافة العلماء، ولا يجوز لهن عند التحلل إلا القصر قدر ما يلف حول أنملة، وهاهنا إشكال قوي لم يتوجه إليه أحد، وهو ما في المسلم ص (148) : إن بعض أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصر الأشعار وجعلت مثل الوفرة إلخ، وما حله النووي والقاضي عياض المازري والقرطبي وأبو عبد الله المالكي الأُبِّيُّ، وسألت مولانا مد ظله العالي عن حل الإشكال؟ وقال: لعلها قلت الأشعار حالة الشيب، وعندي أن قصر بعض أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما كان عند التحلل من الإحرام لا في غيره من الأوقات، ولي في هذا الجواب قرائن، وأشكل من حديث مسلم ما أخرجه الزيلعي في التخريج أن ابن عباس ويزيد بن الأصم لما دفنا ميمونة في القبر وجدا. . اه.

باب ما جاء في من حلق قبل أن يذبح أو نحر قبل أن يرمي

باب ما جاء في من حلق قبل أن يذبح أو نحر قبل أن يرمي

[916] تفصيل المسألة مر سابقاً، كلا السؤالين لو حملناهما على المفرد فلا جزاء عند أبي حنيفة أيضاً ولا جناية.

باب ما جاء في الطيب عند الإحلال قبل الزيارة

باب ما جاء في الطيب عند الإحلال قبل الزيارة

[917] المحلل عندنا اثنان الحلق وطواف الزيارة هذا هو المشهور في عامة كتبنا، وقال صاحب الهداية إن المحلل هو الحلق فقط لكن أثره في تحليل النساء موقوف على طواف الزيارة، والوجه يؤيد قول الهداية بأن المحلل إنما يكون ما كان محظوراً، والطواف ليس بمحظور في الإحرام وفي قاضي خان رواية شاذة عن أبي حنيفة أن الطيب أيضاً في حكم النساء أي لا يحل إلا بعد طواف الزيارة، أقول: تحمل الرواية الشاذة على الكراهة على وفاق ما في ابن ماجه فإن فيه أيضاً: حلال كل شيء في ما بعد الحلق إلا النساء والطيب، وأقول: لا بد من تسليم الرواية الشاذة أيضاً وإلا فلا جواب عن حديث ابن ماجه، وأيضاً نسب الترمذي إلينا هذا القول أي عدم حل الطيب بعد الحلق قبل طواف الزيارة.

باب ما جاء متى تقطع التلبية في الحج

باب ما جاء متى تقطع التلبية في الحج

[918] يقطع الحاج التلبية عند رمي الجمرة العقبة، ويقطع المعتمر عند استلام الحجر، فإن العمرة الإحرام وطواف البيت والسعي والحلق. وإن قيل في محل النكات: إن التلبية شعار الحج فإذا انقطعت ختم الحج فإذا ختم الحج لا يكون الترتيب بعده واجباً أي في الأشياء الأربعة، خلاف ما قال أبو حنيفة فإنه يقول بوجوب الترتيب، وقال صاحباه والجمهور بالسنية فتفيد النكتة الجمهور، قلت: إن هذا الاستنباط إنما هو مني ولا يكون حجة على الأئمة.

باب ما جاء في طواف الزيارة بالليل

باب ما جاء في طواف الزيارة بالليل

[920] قال أبو حنيفة: يطوف للزيارة عاشر ذي الحجة، ولو أخره إلى غروب شمس الثاني عشر من ذي الحجة فلا جناية ولو أخره إلى ما بعده فجناية وأما طوافه ففي الصحيحين أنه طاف بعد الزوال وصلى الظهر بمنى أو مكة على اختلاف الروايتين، وفي حديث الباب أنه أخره إلى الليل فلما يسقط حديث الباب لخلافه حديث الصحيحين، وأما أن يوجه في حديث الترمذي بأن المراد أخر إلى الليل أنه طاف في النصف الثاني من النهار، ويدل على هذا التوجيه ما أخرجه أبو داود وأحمد في مسنده، وأقول: يمكن أن يقال في حديث الباب بأن هذا الطواف ليس طواف الزيارة بل طواف نفل، وصح أطوفته في الأيام التي أقام بمنى كما أخرجه البخاري إلا أنه مرَّضه وقد صح بسند صحيح قوي، وتمسك الشافعية برواية أنه: صلى الظهر بمكة ومنى على صحة اقتداء المفترض خلف المتنفل، وقالوا بالجمع بين حديث ابن عمر أنه: صلى بمنى إلخ وحديث جابر أنه: صلى بمكة إلخ، فتكون صلاته بمنى نفلاً، أقول: إن المحدثين أكثرهم إلى الترجيح فرجحوا حديث جابر على حديث ابن عمر، وأيضاً يمكن أن يقال: إنه صلى بمنى مقتدياً خلف رجل مع أصحابه.

باب ما جاء في نزول الإبطح

باب ما جاء في نزول الإبطح

[921] الإبطح في اللغة (وامن كوه) ، وكذلك البطحاء، ثم صار علماً بالغلبة للمحصَّب، ويقال لها: خيف بني كنانة أيضاً، والتحصيب أي النزول بالمحصب مستحب، وقال ابن عباس: لا استحباب بل كان نزوله اتفاقاً، وهذا هو الموضع الذي قام فيه بنو هاشم بعدما أخرج قريش آل هاشم من مكة، وقال قريش لأبي طالب: ادفع إلينا ابن أخيك محمداً وخذ عنا بدله ومالاً كثيراً، فلم يقبل أبو طالب.

قوله: (قال الشافعي إلخ) في كتب الشافعية استحباب التحصيب، وأما ما ذكر الترمذي فلعله رواية عن الشافعي رحمه الله، ولا بد منه فإن الترمذي من أوثق ناقلي مذهب الشافعي

باب ما جاء في حج الصبي

باب ما جاء في حج الصبي

[924] حج الصبي والرقيق صحيح عندنا بلا ريب إلا أنه لا يكفي عن حجة الإسلام إذا وجب عليهما الحج، وسها النووي حين نسب عدم صحة حجهما إلى أبي حنيفة، والحال أنه يقول بأنه لا ينوب عن

حجة الإسلام كما قال غيره أيضاً، قال الفقهاء: إن الولي يأمر الصبي أن يتجرد عن ثيابه المخيطة، ويحرم ويلبي عنه الولي ويكفه من الجنايات. قوله: (يلبي من النساء إلخ) لم يقل أحد بأن ينوبوا عن تلبيتهن فيتأول في الحديث بأنا نجهر وهن يسررن ولكن حديث الباب معلول.

باب ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت

باب ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت

[928] إن عجز الشيخ عن الحج يأمر الغير يحج عنه، ولو مات يوصي بالحج عنه، والشرائط مذكورة في الفقه، وأما استطاعة البدن شرط أم لا؟ ثم الشرط هل لنفس الوجوب كما قال أبو حنيفة أو لوجوب الأداء كما قال صاحباه، فمذكورة في الكتب، وأما الحديث فلا بد فيه من جانب أبي حنيفة تسليم أنه كان قادراً على الحج مثل ثباته على الدابة ثم فقد القدرة.

باب ما جاء في العمرة أواجبة هي أم سنة؟

باب ما جاء في العمرة أواجبة هي أم سنة؟

[931] في عامة كتبنا أنها سنة مؤكدة، وفي البدائع وفي الدر المختار (143) قول الوجوب أيضاً واختار الشيخ ابن الهمام السنية في الفتح ص (577) ، والوجوب اختاره البخاري والأدلة قوية ولكنها منحطة من أن يأتي بها البخاري، وقال أصحابنا الذين قالوا بالسنية: إن الآية لا تدل على الوجوب فإن معنى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] إلخ ليس ما زعم بل تعرض الآية إلى مسألة أن القضاء واجب، لأن العمرة والحج يلزمان بالشروع، أقول: إن مراد الآية الصحيح أتموا الحج والعمرة تامين، واحتج ابن الهمام على السنية بحديث الباب وفي سنده حجاج بن أرطاة وهو متكلم فيه، وقال ابن دقيق العيد: لم أجد تصحيح الترمذي حديث الباب إلا في نسخة الكروخي لا غيره.

باب منه

باب منه

[932] قوله: (دخلت العمرة في الحج الخ) قال الشافعية: إن أفعال عمرة القارن تدخل في أفعال حجه ولا فرق إلا في النية، وفي أن القارن والمتمتع يجب عليه الدم بخلاف المفرد، وقال كافة الأحناف: مراد حديث الباب ردّ زعم الجاهلية أي عدم جواز العمرة في أشهر الحج، وأقول: إن مراده ليس ما قال عامة الناس بل مراد الحديث بيان انضمام العمرة بالحج وربطها به من حيث القران والتمتع. قوله: (أشهر الحج الخ) قالوا: إن للحج ميقاتين زماني ومكاني وتقديم الإحرام على الميقات الزماني مكروه خلاف الميقات المكاني فإن التقديم عليها مستحب عند أبي حنيفة خلاف الجمهور، ثم تعرض المفسرون إلى أن المذكور في الآية الأشهر بلفظ الجمع، والحال أن الميقات الزماني لا يزيد على شهرين وبعض الثالث، وإن قيل بإطلاق الجمع على ما فوق الواحد نقول: إنه خلاف ما عليه جمهور أهل العربية، وإن قيل بالتخصيص نقول: إن في الآية يلزم أن يكون استثناءاً لا تخصيصاً، نعم تصدق الآية على ما قال مالك صدق شيء فإنه قال بجواز الأضحية إلى آخر ذي الحجة، ثم في عامة كتبنا أن أيام الحج عشر ليالي ذي الحجة مع الشهرين السابقين، وإن قيل: إن أكثر أفعال الحج يكون في اليوم العاشر من ذي الحجة، قلت: إن مدار الحج على وقوف عرفة وذلك دون صبح الليلة العاشرة.

قوله: (أشهر حرم إلخ) كان الحرب في ما قبل الإسلام حراماً في أربعة أشهر وكذلك في بدء الإسلام ثم نسخ الحرمة، وقال ابن تيمية وتلميذه ابن القيم: إن بدء الجهاد من المسلمين الآن أيضاً غير جائز مثل ما كان في ملة إبراهيم غير جائز.

باب ما جاء في العمرة من التنعيم

باب ما جاء في العمرة من التنعيم

[934] من أراد العمرة من مكة فيخرج لإحرام العمرة إلى الحل ليتحقق نوع سفر، والأفضل عندنا من التنعيم لأمره عائشة أن تعتمر من التنعيم، وما قال الشافعية من التنعيم.

باب العمرة من الجعرانة

باب العمرة من الجعرانة

[935] ودخل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام فتح مكة بلا إحرام وهذا من خصوصيته، وأما عمرته فيثبتها بعض الصحابة وينفيها بعضهم لوقوعها بالليل.

قوله: (حتى جاء مع الطريق إلخ) في بعض الكتب لفظ: «حتى جامع الطريق» ، وفي بعضها: «جاء مع الطريق» ولعل «جامع» تصحيف.

باب ما جاء في عمرة رجب

باب ما جاء في عمرة رجب

[936] قال التفتازاني: إن الرجب معدول من الرجب وقال: رأيت في الأصول البزدوي لفخر الإسلام بقلمه لفظ رجب بنصب رجب بلا تنوين حال الجر، فدل على عدم انصرافه. قوله: (في رجبٍ قط إلخ) هذا رجب منصرف لأنه نكر هاهنا لأنه في حيز العموم.

باب ما جاء في الذي يهل بالعمرة ثم يعرج أو يكسر

باب ما جاء في الذي يهل بالعمرة ثم يعرج أو يكسر

[940] عَرج إن كان من باب عَلِمَ فمعناه (لنگ شدن) ، وإن كان من ضَرَبَ فمعناه (بتكلف لنگ شدن) . اختلفوا في الإحصار: قال العراقيون: إنه عام من كونه بالعدو أو المرض وانقطاع النفقة، وعند الحجازيين مختص بالعدو، ثم حكم الإحصار عندنا أن يرسل هدياً ليذبح في الحرم وليس وقت ذبحه مؤقتاً إلا أنه يؤقت بمن أرسل معه ليحل في ذلك الوقت المقدر بينهما، ويقضي عاماً مقبلاً وإن لم يهد

فلا يمكن له الخروج وإن كثرت الجنايات، وحكم الإحصار عند الحجازيين أن يذبح الدم، وأما الحصر بالمرض أو انقطاع النفقة عندهم فحكمه أنه لا يجوز له التحلل إلا إن كان اشترط عند الإحرام، ثم اختلف المفسرون الحنفية والشافعية أيضاً حتى أن قال بعض الحنفية: إن الحصر في العدو، والإحصار في المرض وغيره، لكنه يرد عليهم لفظ إحصار القران مع أن الواقعة واقعة الحبس بالعدو، ووافقنا البخاري في أن الإحصار عام، وحديث الباب لنا.

باب ما جاء في الاشتراط في الحج

باب ما جاء في الاشتراط في الحج

[941] أي يشترط عند الإحرام: اللهم إن عوقتني عارضة فأحلل، وهذا سبيل الإحلال عند الحجازيين، وقال العراقيون: إنه قال لضباعة لتسلية نفسها، ولا أثر للاشتراط إلا هذا، وضباعة هذه بنت عم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي ضباعة بنت زبير بن عبد المطلب لا ابن العوام، ووافقنا البخاري فإنه لم يخرج حديث ضباعة في الاشتراط في الحج مع كونه أصرح فيه، وأخرجه في النكاح وهذه عادته أي عدم

إخراجه الحديث في باب إذا كان صريحاً فيه، وإخراجه في موضع آخر وما نبه أحد على هذه العادة، ونظيره أنه أخرج حديث الركعتين بعد الوتر جالساً ولم يبوب الترجمة عليهما، ولم يخرجه في أبواب الوتر بل في السنتين قبل الفجر، ولنا ما قال ابن عمر لا معنى للاشتراط في الحج، وقال العراقيون: إن المحصر المعتمر عليه قضاء، وقال الحجازيون: لا قضاء.

باب ما جاء في المرأة تحيض بعد الإفاضة

باب ما جاء في المرأة تحيض بعد الإفاضة

[943] أي بعد طواف الزيارة وهو واجب ويسقط بهذا العذر، وأما لو طمثت قبل طواف الزيارة الفريضة تنتظر إلى أن طهرت وطافت، في فتاوى ابن تيمية أنه سأله رجل عن امرأة طمثت قبل الطواف؟ قال في الجواب: يقال لتلك المرأة: قال أبو حنيفة: إنها تهرق الدم وتحلل.

باب ما جاء ما تقضي الحائض من المناسك

باب ما جاء ما تقضي الحائض من المناسك

[945] لا تمنع من الحج إلا الطواف، وأما السعي فمترتب على الطواف ويستحب لها الاغتسال عند الإحرام للنظافة، قال شارح الوقاية: إن النهي عن طواف الحائض بسبب المسجد الحرام والحق أن الدخيل هو الطواف بأنه يشترط له الطهارة ولا دخل للمسجد الحرام، والحائضة إن كانت قارنة فعند الشافعي دخلت أفعال العمرة في الحج فتأتي بالمناسك وتنتظر الطواف، وأما عندنا فترفض العمرة إلى الحج وتقضيها بعده، واختلف العلماء في حجة عائشة الصديقة قلنا: إنها كانت مفردة وقضت العمرة بعد الحج لإنهاء فضتها إلى الحج بسبب الحيض وقالت الشافعية: إنها كانت قارنة والعمرة التي أدتها بعد الحج كانت لتطييب الخاطر أي لتقع العمرة مستقلة.

باب ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت

باب ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت

[946] اتفقوا على أن طواف الوداع ليس للمعتمر، فما تمشى الترمذي في ترجمته هذا الباب، إلا على ظاهر حديث الباب، والحال أن الحديث ليس بذاك القوي من حجاج بن أرطاة، وكان الأولى له باب «من حج فليكن آخر عهده بالبيت» بلا ذكر العمرة، وحديث الباب أخرجه أبو داود ص (281) بسند غير حجاج بن أرطاة وليس فيه ذكر العمرة أصلاً. قوله: (خررت من يديك إلخ) كان عمر يأمر بطواف الوداع للحاج ولم يكن عنده نص على هذا، فلما سمعه عن هذا الرجل قال له هذا القول بسبب أنه ما كان أخبره بهذا.

باب ما جاء أن القارن يطوف طوافا واحدا

باب ما جاء أن القارن يطوف طوافا واحدا

[947] مذهبنا أن القارن يطوف طوافين وسعيين خلاف الشافعية فإنهم قالوا بالتداخل، وللقارن عندنا أربعة أطوفة؛ طواف العمرة، وطواف القدوم وهو سنة، وطواف الزيارة وهو فرض، وطواف الوداع وهو واجب، واتفقوا على أن أطوفته في حجة الوداع كانت ثلاثة وتتابع الروايات على هذا، والخلاف في التخريج وأول أطوفته يوم دخل مكة لرابع من ذي الحجة، والثاني لعاشر ذي الحجة، والثالث للرابع عشر من ذي الحجة، ولم يثبت طواف نفل بين الرابع والعاشر، ثم ثبتت بعد العاشر إلى الرابع عشر برواية قوية عندي، ثم شرح الشافعية في أطوفته بما يوافقهم في مسألة تداخل أفعال العمرة في الحج، فقالوا: إن الأول طواف القدوم، والثاني طواف واحد عن الحج والعمرة،

والثالث طواف الوداع، فمراد حديث الباب أنه طاف طوافاً الذي يجزئ عن النسكين الحج والعمرة، وأما على مذهبنا فنقول: إن الأول للعمرة ودخل فيه طواف القدوم، والثاني للزيارة، والثالث للوداع، ولكني ما وجدت أحداً قال بإدراج طواف القدوم في طواف العمرة، إلا أنهم قالوا: إنه لو ترك طواف القدوم لا شيء عليه لأنه ترك سنة، وفي عبارة في معاني الآثار أنه لم يطف طواف القدوم، أقول: إن أحسن ما يجاب عن الحديث الوارد علينا ما ذكره مولانا مد ظله العالي أن المراد أنه طاف لهما طوافاً واحداً أنه طاف للإحلال عن الحج والعمرة واحداً وهكذا المسألة عندنا أي الإحرام والإحلال للقارن واحد عن النسكين، ويشير إلى ما قال مولانا دام ظله العالي حديث ابن عمر الآتي: «حتى يحل منهما» إلخ، وفي سنده عبد العزيز بن محمد الدراوردي وهو من رواة مسلم وقال الأكثرون: إنه من رواة معلقات البخاري أقول: وفي ص (737) ، ج (2) من كتاب التفسير مرفوعاً أخرج له موصولاً في أبواب الجمعة في موضع واحد فاكتفى على جواب مولانا، ولا أذكر جواب غيره لقلة الجدوى فيه. وهاهنا دقيقة: وهو أن رواية جابر موقوفة فإنه وإن رضي فعله لكنه يروي ما خرّج بنفسه من فعله، وأما ابن عمر فحديثه قولي مرفوع فإذاً صار حديث جابر موقوفاً، فلنا أيضاً موقوفات منها ما أخرجه في معاني الآثار ص (406) ، ج (1) . بأسانيد قوية عن ابن مسعود ومجاهد وعلي وفيه: القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين، وفي بعض الأسانيد حجاج وهو الأعور لا ابن أرطاة، ومر الحافظ على ما في الطحاوي وقال: إن الآثار صالحة للاحتجاج إذا ضم بعضها إلى بعض وقال: أمثلها ما فيه عبد الرحمن بن أذينة، وأقول: أمثلها ما فيه أبو نصر السلمي، وقال البيهقي: إن أبا نصر مجهول وأخذه الحافظ في اللسان العرب ونقل توثيقه من العجلي، وأما أنا فوجدته في طبقات ابن سعد وأنه من أصحاب علي فالحاصل أن ما فيه أبا نصر أعلى مما فيه ابن أذينة، واختلفوا في تعدد سعيه، وقال الشاه ولي الله رحمه الله في شرح الموطأ بما حاصله: إن اختلاف الصحابة في طوافه في التخريج وما اختلفوا فيما شاهدوه بأعينهم من أفعاله، وعُدّ من هذه الأفعال السعي أيضاً، وقال: لم يثبت تعدد سعيه أصلاً لرواية جابر، أقول: لا بد من سعي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه كان قارناً على مختارنا، فأخرج الزيلعي روايتين لتعدد السعي إلا أنهما ضعيفتان وفي سند أحدهما رجل ما حسنه أحد إلا ابن حبان، ثم تصدى ابن الهمام فحسن الرواية ومر القسطلاني على ما في فتح القدير، وقال: إن الاستدلال في مقابلة الصحيحين بما ليس على رسمهما خارج من الإنصاف، وأما إثبات تعدد السعي فأول من أتى به هو القاضي ثناء الله رحمه الله في منار الأحكام وذكر بعض كلامه في التفسير المظهري، وتمسك على التعدد بوجه صحيح، وقال: وإن لم يصرح أحد بتعدد السعي ولكنه لازم وطريق لزومه أن في بعض الروايات ذكر سعيه راكباً وفي بعضها

ماشياً كما في مسلم، فيكون السعي اثنان: الأول راجلاً وهو بعد طوافه للقدوم عند الشافعية، وطوافه للقدوم والعمرة عندنا ما «طاف طوافاً واحداً راجلاً» كما في مسلم ص (396) ، وأخرجه أبو داود أيضاً في الحديث الطويل عن جابر، وفيه: حتى انصبت قدماه في بطن الوادي حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة إلخ، فهذه المذكور شأن المشي راجلاً صراحة، وأما الطواف الثاني راكباً فأخرجه مسلم ص (413) عن جابر: طاف في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجن ليراه الناس إلخ، باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب ولكني لا أعلم تاريخ هذا السعي الثاني أنه كان قبل يوم النحر أو بعده؟ والأليق بمسائل الأحناف أن يكون يوم النحر فإن السعي يكون بعد الطواف، وما طاف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد طوافه للعمرة أو القدوم على خلاف المذهبين إلا هذا الطواف أي يوم النحر، ولما مرَّ ابن حزم على ما في مسلم تأول بتأويلين، وقال بأن المراد حتى انصبت قدماه أنه انصبت قدماه وهو على راحلته والنزول والصعود إنما هو نزول الناقة وصعودها، أقول: إن هذا التأويل غير مقبول فإن ألفاظ الحديث وتبادرها يخالفه، وأيضاً: من كان راكباً لا يسعى بين الميلين الأخضرين بل يمشي، وعندي قرائن كثيرة تدل على خلاف قول ابن حزم منها ما في الدارقطني عن حبيبة بنت أبي تجرات أنه رأيته أنه يسعى ويدور إزاره من شدة السعي حتى رأيت ركبتيه. . إلخ وإسناده قوي لكنه ليس فيه تصريح أنه واقعة حجة الوداع أو عمرة من العمرات وليست بعمرة الجعرانة لأنها وقعت بالليل فلا يكون إلا عمرة القضاء أو حجة الوداع، وظني الموثق بالقرائن أنه واقعة حجة الوداع ولكني لم أجد تصريحه في متن الحديث، وأما التأويل الثاني من ابن حزم في رواية مسلم فقال: إن بعض الأشواط كانت راجلاً وبعضها كانت سعيها راكباً، أقول: يرده حديث أخرجه أبو داود ص ( 266) : طاف سبعاً على راحلته. . إلخ، باب الطواف الواجب، مصرح فيه أنه طاف سبع أشواط راكباً، وحديث أبي داود عن أبي الطفيل أخرجه مسلم أيضاً إلا أنه ليس فيه ما تمسكت به، ثم فيما في أبي داود كلام في أنها واقعة عمرة القضاء أو الجعرانة أو حجة الوداع وليست واقعة عمرة الجعرانة فإنه سعى فيها بالليل مضطجعاً، وليست واقعة عمرة القضاء فإن الرجال كانوا معه قليلاً قريب أربعة عشر مائة، وفي البخاري كنا نحفظه كيما يصيبه كافر بحجارة، فإذن كيف كثرة الناس وتسأل الصحابة الذي في رواية مسلم وأبي داود، وأما في حجة الوداع فكانوا أربعين أيضاً إلى سبعين ألفاً فعلم أن الواقعة واقعة حجة الوداع، ومما يدل على هذا أن أبا الطفيل من آخر الصحابة موتاً، وفي مسند أحمد أنه قال: ولدت عام أحد، فإذن يكون عمره في عمرة القضاء خمسة سنين، وفي حجة الوداع قريب ثمانية سنين، ومما يدل على قصر عمره في عهده ما أخرجه أبو داود ص (352) ج (2) ، قال أبو الطفيل: وأنا يومئذٍ غلام أحمل عظم الجزور. . إلخ، باب بر الوالدين، ومما يدل على أن ما في أبي داود واقعة حجة الوداع ما أخرجه

مسلم ص (411) : أراني قد رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صفه لي» قال: قلت رأيته عند المروة على ناقة وكثر عليه الناس. . إلخ، وهذه الواقعة واقعة حجة الوداع، لأن كثرة الناس فيها، ومصداق ما في أبي داود وما في مسلم واحد هذا ما وفق لي، والكلام أطول منه. وأما أدلة الشافعية وجوابها من جانبنا فأقول: لا أتعرض إلى كل لفظ لفظ، بل أذكر أجوبة يجري كل واحد منها في نوعها من الذي يقربه في ألفاظ الحديث، فمنها ما أخرجه مسلم في صحيحه ص (414) عن جابر، لم يطف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أصحابه إلا طوافاً واحداً بين الصفا والمروة. . إلخ، قال النووي: إنه دليلنا على وحدة السعي، أقول: العجب من النووي أنه تصدى للاستدلال على وحدة السعي للقارن قبل أن يستقيم الحديث على مذهبه؛ فإن المتمتع يجب عليه السعيان اتفاقاً إلا في رواية عن أحمد. وقد ثبت أن الصحابة كانوا أكثرهم متمتعين، وفي مسلم منهم مفرد ومنهم متمتع ومنهم قارن، وقالوا: إن القارن هو النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء الأربعة وطلحة والزبير فإذن لا يصدق حديث مسلم إلا على أقل من الحجاج على شرح النووي، وأقول في شرح حديث مسلم: فقد سنح لي قبل ثم وجدت إليه إشارة خفية من الطحاوي، والمراد أن السعي الواحد لنسك واحد كاف وهذا من المتفق عليه، فمراد حديث جابر وما يضاهيه أن السعي الواحد لنسك واحد كاف، ومنها ما في البخاري فعل ابن عمر: أنه حج في فتنة الحجاج المبير ودخل ابن عمر مكة وطاف طوافاً واحداً ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول إلخ، ومر عليه الحافظ ولم يأت بشاف فإنه غير مستقيم على مذهبهم أيضاً وشرحه على مذهب أبي حنيفة أنه طاف طواف العمرة وأدرج فيه طواف القدوم للحج لا طواف الزيارة، ومما يرد علينا ما في أبي داود ص (256) عن جابر ما يدل على وحدة سعي المتمتعين في حجة الوداع فإن فيه: وطافوا بالبيت ولم يطوفوا بين الصفا والمروة. . إلخ باب إفراد الحج، وأخرجه الطحاوي أيضاً ولا يستقيم هذا الحديث إلا على رواية عن أحمد فتمسك ابن قيم على وحدة السعي للمتمتع بذاك الحديث أقول: كيف يتمسك بما في أبي داود والحال أنه يخالف صريحاً حديث البخاري ص ( 213) عن ابن عباس؟ ورواية البخاري تفيدنا في أن إشارة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام إلى القران والتمتع فإذن إما أن يسقط ما في أبي داود لخلافه حديث البخاري أو يتأول فيه بأن مراد ما في أبي داود أن بعض الصحابة سعوا سعياً واحداً كلهم، ومما يرد علينا ما أخرجه مسلم ص (386) عن عائشة: وأما الذين كانوا جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً إلخ، وتمسك الشافعية بذلك على الطواف الواحد للقارن، وأما شرحنا في حديث عائشة

فمثل شرحنا في حديث الباب على ما شرح مولانا مد ظله العالي فيجري هذه الأجوبة الأربعة في ما يضاهيها في الألفاظ، وأما أدلتنا فكثيرة ذكرت بعضها أولاً من معاني الآثار ص (406) ج (1) .

باب ما جاء أن يمكث المهاجر بمكة بعد الصدر ثلاثا

باب ما جاء أن يمكث المهاجر بمكة بعد الصدر ثلاثا

[949] الصدر بفتح الوسط وسكونه الرجوع، والحكم المذكور في حديث الباب كان ثم نسخ والمراد في حديث الباب من طواف الصدر طواف الوداع.

باب ما جاء ما يقول عند القفول من الحج والعمرة

باب ما جاء ما يقول عند القفول من الحج والعمرة

[950] قد اعتنى أرباب متون الشافعية إلى الأذكار الواردة في الصلاة والحج بخلاف الأحناف فإنهم ما اعتنوا بها، ويزعم الناظر عدم الاعتداد عندهم، وصنف صاحب الهداية في أذكار الحج وسماه عدة الناسك في عدة من المناسك قال النووي: إن الوقف على ثلاثة مواضع في دعاء الباب مستحب أي على وعده، ووحده، وعبده.

باب ما جاء في المحرم يموت في إحرامه

باب ما جاء في المحرم يموت في إحرامه

[951] حال المحرم الميت عند الشافعي حال المحرم الحي حتى لا يستر رأسه ووافقه أحمد، وقال أبو حنيفة ومالك: إن حال الموتى كلهم سواءٌ ويستر الوجه والرأس، واحتج الأولون بحديث الباب وهذا الرجل مات في عرفات، وحمله الآخرون على خصوصية هذا الرجل بشارة ثم اعترض الآخرون بأن في مسلم: «لا تخمروا رأسه ولا وجهه» والحال أنكم قلتم بجواز ستر الوجه عند الحياة فتمسك الأولون بما في الهداية أن إحرام الرجل في الرأس وإحرام المرأة في الوجه، ثم اعترض الأولون بوجه آخر وهو أن في حديث الباب الغسل بالسدر فالحال إن المحرم الحي لا يجوز له الغسل بالسدر فلا يكون حكم الحي والميت سواءً، بل المذكور في حديث الباب البشارة لهذا الرجل وخاص به.

باب ما جاء في الرخصة للرعاة أن يرموا يوما ويدعوا يوما

باب ما جاء في الرخصة للرعاة أن يرموا يوما ويدعوا يوما

[954] الرعاة مرخصون في رمي الجمار جمعاً في يوم واحد رمي يومين ولا جناية عند مالك وأحمد والشافعي ومحمد وأبي يوسف رحمهم الله، وقال أبو حنيفة: إن التأخير عن الوقت الذي ذكرنا أولاً يوجب الجزاء والجناية، وأما الجمهور فيجوزون جمع رمي يومين في يوم واحد ثم الجمع جمع تقديم وتأخير ولم يذهب أحد من الأئمة إلى جمع التقديم إلا ما توهم إليه رواية مالك وسيأتي شرحها، وأما كتب الموالك ففيها نفي الجمع تقديماً، وأما جواب حديث الباب من جانب أبي حنيفة فأقول: إن في كتب الحنفية انتشاراً في البدائع لا يلزم الجزاء بترك واجب، وكذلك نسب صاحب البحر إلى البدائع وهذا مفهوم من البدائع ولم أجد التصريح فيه، وفي بعض الكتب أنه لا جزاء إلا في البعض وهي ست واجبات جمعتها: ~ سعي وحلق ومشي عند طوفهما ... صدر وجمع وزور قبل إمساءٍ ~ من واجبات ولكن حيثما تركت ... من العوارض قد قالوا بإجزاءٍ ثم قالوا: إن ترك هذه الستة منصوص فلا يكون فيها الجزاء، أقول: فعلى هذا تأخير الرمي أيضاً منصوص فيستثنى، وفي الهداية تصريح أنه لو أخر الرمي إلى الغد بعذر أو بدونه فجناية عند أبي حنيفة وإلى هذا تشير عبارة محمد في موطئه ص (233) فإنه ذكر الحديث المرفوع عن عاصم بن عدي ثم ذكر مذهبهما ومذهب أبي حنيفة ونسب لزوم الجزاء إليه، وما فصل العذر أو بدونه فظاهر الموطأ تؤيد قول الهداية، فلا يجري الجواب بناءً على ما قال في البدائع والبعض الآخرون فلم أجد أحداً أجاب عن حديث الباب، وأما في حاشية الموطأ نقلاً عن البناية للعيني فلا يخرج ما نقله من كلام العيني،

وكلام العيني ليس تحت هذا الحديث، فأقول في الجواب: إن الرعاة مرخصون في جمع رمي يومين ولكنه عند العذر، وأما ما نقل محمد في موطئه عن أبي حنيفة فمراده أن الرخصة للرعاة ليست بناءً على رعي الإبل بهذا القدر فقط بل مدار الرخصة هو ضياع المال، فالعذر هو ضياع المال لا رعي الإبل فقط، فإنه إذا كانوا كثيراً فالعذر يسير فإنه يمكن لهم أن يرعى بعضهم، ويرمي بعضهم، فيقال: إن الحديث يرخص لعذر ضياع المال لا لعذر رعي الإبل، أو يقال: إن التأخير عنده أن يؤخر رمي الحادي عشر مثلاً إلى طلوع فجر الثاني عشر ويرمي له بعد طلوع الفجر لأنه وقت جواز على ما روى حسن بن زياد رواية عن أبي حنيفة، والشريعة تعتبر الأيام اللاحقة مع الليالي الماضية إلا في أيام الرمي. قوله: (ورواية مالك أصح إلخ) أي الآتية، أقول كيف الفرق بين رواية مالك وابن عينية، وإن قيل: إن في مسند مالك بيان أن عدياً جد أبي البداح لا في سند ابن عينية لكن هذا لا يصلح مدار للأصحية، وإن كان التصحيح باعتبار المتن فمتن رواية مالك هاهنا موهم إلى خلاف الجمهور ولا موهم في رواية ابن عينية، فإذن يكون الترجيح لرواية ابن عينية، اللهم إلا أن يقال: إن الأصح متن مالك الذي في موطئه الذي في الترمذي ولكنه أيضاً بعيد، فالحاصل أني لم أجد وجهاً شافياً لترجيح رواية مالك على رواية ابن عينية. قوله: (في الأول منهما إلخ) ظاهر هذا خلاف الكل فإنه يشير إلى جمع تقديم ولا يقول به أحد فيتأول فيه، ويقال بأن المراد أن يكون الترك في الأول والأداء في الثاني، لا الرمي في الأول منهما، وفي مسند أحمد عن مالك: وظننت أنه قال في الآخر منهما فصح الحديث بمعناه، وإني أقطع بصحة ما في المسند. قوله: (البيتوتة إلخ) أي كان السنة البيتوتة في منى فرخص لهم أن يبيتوا في إبلهم.

باب ما جاء في يوم الحج الأكبر

باب ما جاء في يوم الحج الأكبر

[956] أحرم علي إحراماً مبهماً، ونسب النووي إلى أبي حنيفة بطلان الإحرام المبهم، والحال أنه خلاف ما في كتبنا نعم يجب عليه التعيين قبل الشروع في أفعال الحج. قوله: (الحج الأكبر إلخ) الحج الأكبر في عرف الحديث هو الحج، وأما الحج الأصغر فالعمرة، لا ما هو متعارف في عامة الناس من أن الحج الأكبر الذي يكون يوم عرفة فيه يوم الجمعة.

باب ما جاء في استلام الركنين

باب ما جاء في استلام الركنين

[959] استلام الركن اليماني مستحب عندنا لما صرح محمد رحمه الله. قوله: (مثل الصلاة إلخ) هكذا عند الفقهاء في بعض الأحكام مثل ستر العورة والطهارة، وفي مشكل الآثار: إن المرور بين يدي مصلي يصلي حول الكعبة جائز للطائف لأن الطواف مثل الصلاة.

قوله: (بطيب غير المقتت إلخ) أي الذي لم تلق فيه الرياحين، وحديث ال

باب

باب

يخالف أبا حنيفة فإنه يقول بعدم جواز الزيت الخالص أيضاً، وأما الوجه فقيل: إن فيه طيباً، وقيل: إنه مادة العطريات وأصلها في العرب فله طيب في نفسه أيضاً، وأصلها في العرب دهن الزيت، وفي قديم عهد الهند كان دهن السمسم والصندل، والجواب من الحديث بأنه لعله دهن قبل الإحرام وبقي إلى داخل الإحرام، ويجوز للمحرم أن يطيب قبل الإحرام بطيب يبقى جرمه بعد الإحرام أيضاً عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد ولا يجوز عند محمد رحمه الله ومالك رحمه الله، ويبحث من حيث الحديث فنقول: إن المصنف غرب الحديث والغريب يجتمع مع الحسن والصحيح، ولكن الظاهر من كتاب المصنف أنه إذا غرب حديثاً ولم يحسنه لا يكون الحديث صالح التحسين عنده، ومر الحافظ على حديث الباب فأعله وقال: ليس بمرفوع. باب

[963] ذكر من فضائل ماء زمزم أنه إذا دعى بدعوة حين شربه بمكة تستجاب تلك الدعوة، وعليه واقعة ابن حجر حافظ الدنيا وواقعة السيوطي وواقعة ابن الهمام، وأتى ابن الهمام بحديث في فتح القدير ص (495) بحديث فضل ماء زمزم، وعبر عن الحافظ بقوله: شيخنا فهل له تلمذ منه أم لا؟ . والله أعلم.

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز

قيل: الجنازة بالفتح تابوت الميت، وبالكسر الميت، وقيل بالعكس

باب ما جاء في ثواب المريض

باب ما جاء في ثواب المريض

[965] نقل عن الإمام الشافعي أن المصائب كفارات للسيئات وإن لم يصبر مثل التعزيرات، نعم لو صبر على الشدائد يكون له أجران. قوله: (فما فوقها إلخ) قالوا: الفوقية في التقليل أو التكثير مثل ما قال الحساب: إن الكسر إذا يضرب يقل، والحال أنه خاصة الضرب التكثير، أقول: إن المتبادر الفوقية في التكثير. قوله: (من نصب إلخ) النَّصَب مطلق الألم، والوَصَب الحمى، ثم استعمل في كل ألمٍ توسعاً، والحزن على ما فات، والهمُّ على ما يستقبل.

باب ما جاء في النهي عن تمني الموت

باب ما جاء في النهي عن تمني الموت

[970] قال العلماء: إن تمني الموت إن كان لأمر دنيوي فغير جائز، وإن كان لأمر أخروي ـ أي لمصيبة دينية ـ فجائز، ثم له دعاء؛ أي يقول: اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي وأمتني إذا كان الموت خيراً لي. وبحث قاضي ثناء الله رحمه الله في التفسير المظهري تحت آية: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 94] وحاصله ما ذكرت. قوله: (اكتوى في بطنه إلخ) قيل: إنه منهي عنه وخلاف التوكل، ولكنه أجازه الفقهاء إذا كان لا بد له منه، وسَيُبوِّب المصنف على الكيّ.

باب ما جاء في التعوذ من للمريض

باب ما جاء في التعوذ من للمريض

[972] الرقية في أصل اللغة (أفسول) وفي العرف الكلمات غير المشروعة، وأما في حديث الباب فليس المراد هذا، وأما المسألة فكل رقية لا تكون معانيه معلومة لا تجوز الرقية بها لاحتمال الشر والاستمداد بغير الله، والتي من كلمات مهملة لا تجوز بها الرقية إلا ما ورد في أن صحابياً كان يقرأ على اللديغ وأجاز له بها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين عرضها عليه: بسم الله شجة قرينة ملحة بحر قفطا. قوله: (من شر كل نفس الخ) يشير الحديث إلى أن أثر بعض النفوس يسري إلى البعض الآخر، وسيأتي الكلام فيه.

باب ما جاء في الحث على الوصية

باب ما جاء في الحثّ على الوصية

[974] قال داود الظاهري بوجوب كتابة الوصية، وقال سائر الأئمة بالاستحباب، وثبت عن بعض السلف أنهم كانوا يضعون وصاياهم تحت رؤوسهم عند المنام. قوله: (ما حق امرء مسلم إلخ) قيل: إن خبر «ما» «يبيت ليلتين» إلخ، ومعنى الحديث أنه مجاز في أن يكون غير مكتوبة الوصية عنده إلى يومين لا بعدهما. وقيل إن خبر (ما) (إلا وصيته مكتوبة) . . إلخ، وأما ما قبله فصفات لرجل، فعلى هذا معنى الكلام: أن المرء مأمور بكون الوصية عنده ولا مداو على ليلتين، وبين التركيبين فرق ظاهر، وللحافظين هاهنا كلام في شرحي البخاري، وللطيبي شارح المشكاة كلام آخر لطيف مما قال الحافظان.

باب ما جاء في الوصية بالثلث والربع

باب ما جاء في الوصية بالثلث والربع

[975] اتفقوا على عدم جواز الوصية أزيد من ثلث المال. قوله: (سعد بن مالك إلخ) أي سعد بن أبي وقاص، والروايات مختلفة في بعضها أنه مرض فتح مكة، وفي بعضها أنه مرض في حجة الوداع. قوله: (أناقصه إلخ) في شرحه احتمالان؛ إما أن يقال: إنه يقول كنت أعد ما يقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناقصاً، وإما أن يقال: إني أوصيت بكل المال فنهاني النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه فأخذت أنقصه شيئاً فشيئاً.

باب ما جاء في تلقين المريض عند الموت والدعاء له عنده

باب ما جاء في تلقين المريض عند الموت والدعاء له عنده

[976] التلقين مستحب للمحتضر يقرأ عنده ولا يؤمر، فإنه في حال السكرات فيحتمل أن يتكلم بكلام خلاف الشريعة، وقال الفقهاء: إن المستحضر لو تكلم بكلمة الكفر حالة السكرات لا يعمل بها ولا يحكم عليه بالكفر، وتلقين آخر بعد الدفن ذكر صاحب الدر المختار بكلماته، وقال صاحب الدر: لا يؤمر به ولا ينهى عنه، وله حديث أخرجه الطبراني في معجمه وابن قيم في كتاب الروح لكن سنده ضعيف ولكنه يصلح للعمل. قوله: (موتاكم إلخ) اتفقوا على أن المراد من الموتى المحتضرون، فلا يكون حديث الباب حجة للتلقين بعد الدفن.

باب ما جاء في التشديد عند الموت

باب ما جاء في التشديد عند الموت

[978] الغمرة في اللغة: عمق الماء، والمراد الشدة والسكرات، والمراد بها المصائب والتشديد عند الموت، قال العلماء: إن الشدة عند الموت ليس علامة سوء حالة الميت ولا التخفيف علامة صلاحية حاله، بل يمكن الشدة للصالح لرفعة درجاته، ويمكن السهولة لغيره ليجزى خيره في الدنيا ولا يبقى له حظ في الآخرة.

باب ما جاء أن المؤمن يموت بعرق الجبين

باب ما جاء أن المؤمن يموت بعرق الجبين

[982] قوله: (المؤمن يموت بعرق الجبين إلخ) في شرح حديث الباب أقوال؛ قيل: إن عرق الجبين حساً عند الموت من علامات الخير، وقيل: ليس العرق حساً بل المراد أنه يكون في الشدة قبل النزع وتكون الشدة كفارة للسيئات، وإن قيل: إن هذا يخالف ما في المشكاة يدل على خروج روح المؤمن بالسهولة فقال العلماء القائلون بالشرح الثاني: إن المؤمن تحمل الغمرات قبل النزع وأما حالة النزع فيخرج روحه سهلاً والطالح لا يخرج روحه إلا بالتشديد، حكي في تذكرة عبد المطلب جد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقول: إن الظالم لا بد له من أن يصاب. وكان القريش يسافرون إلى الشام وكان ثمة ظالم، فقالوا: سمعنا أنه مات بلا شدة، قال عبد المطلب: أظن أن وراء هذا العالم عالماً يكون فيه انتقام الشدائد فإن الظالم لا يتجاوز عن جزاء ظلمه، أقول: ولينظر إلى قول عبد المطلب الذي في زمان الفترة وقول من يدعي أنه من العقلاء، وقيل في شرح حديث الباب: إن المراد تحمل الشدة في حالة الحياة حين كسب رزقه الحلال، والله أعلم، وهو كذلك في التوراة، ذكر الغزالي في الإحياء: قال عمر: لو نودي في المحشر أن لا يدخل النار إلا رجل أزعم أنه عمر: ولو نودي في المحشر أن لا يدخل الجنة إلا رجل أزعم أنه، عمر، أقول: هذا مراد حديث «إن المؤمن بين الخوف والرجاء» ، وقال الغزالي: إن الرجل إذا كان حياً فليكن الخوف عليه غالباً، وإذا أيس عن الحياة فليكن الرجاء غالباً.

باب ما جاء في كراهية النعي

باب ما جاء في كراهية النعي

[984] أي الغلو الذي كان في الجاهلية من إيقاد النار وإقامة ناقة على قبره وقيام النائحات وغيره. قوله: (أذان بالميت إلخ) قال العلماء: إن الاطلاع لمن يحضر الجنازة عرفاً أو شرعاً جائز، وفي الهداية ص (163) وفي بعض النسخ: لا بأس بالأذان إلخ، حمل الشارحون عبارة الهداية على أن الولي يؤذن ويخبر الناس ليذهبوا إلى حوائجهم بعد أداء صلاة الجنازة، وأقول: لعل مراد عبارة الهداية أنه يؤذن الناس لشهود الجنازة، وقال الفقهاء: يجوز أن يخبر أهل الميت بموت الرجل لا ما كان يفعل أهل الجاهلية.

باب ما جاء في غسل الميت

باب ما جاء في غسل الميت

[990] غسل الميت فرض كفاية، وقالوا: لو وجد الميت في البحر يحرك ثلاثاً. اسم أم عطية نسيبة. قوله: (إحدى بنات إلخ) قيل: زينب، وقيل: رقية، وقيل أم كلثوم، والمختار الأول. قوله: (ابدأن بميامنها إلخ) في بعض النسخ: أبدأ بصيغة الواحد وهو غلط، قال الموالك: العدد في غسل الميت ليس بمسنون بل الفرض التنظيف. قوله: (بماء السدر إلخ) هذا يخالف الشافعية فإن الماء المخلوط فيه السدر ماء مضاف عندهم أي مقيد ولا يجوز الغسل بالمضاف، وعندنا لا يصير الماء بهذا مقيداً، وتأول الشافعية فيه بأن هذه الغسلة لا تعد من العدد في الغسل لكن هذا خلاف تبادر الألفاظ. (حِقْوَه) أي إزاره. قوله: (ثلاثة قرون إلخ) قال الشافعية: تجعل أشعار المرأة ثلاث حصص خلف الظهر، وعندنا

تجعل نصفين على الصدور، وللحافظين في الشرح كلام، قال العيني: إنه فعلهن وما من لفظ يدل على الرفع، وأقول كما أخرجت عبارات الفقه: إن الخلاف في الأفضلية، نعم الامتشاط عندنا غير جائز، ولنا في النهي عن الامتشاط ما في الهداية ص (159) عن عائشة: «على ما تنصون موتاكم» إلخ، وأخرجه الزيلعي من غريب الحديث للحربي. قوله: (قال الشافعي: إنما قال مالك إلخ) غرض الشافعي شرح قول مالك، ولكن شرح قوله ما في كتب المالكية.

باب ما جاء في الغسل من غسل الميت

باب ما جاء في الغسل من غسل الميت

[991] غُسل الغاسل مستحب لخواص وثابت بالحديث، وترك الغسل ثابت من بعض السلف، وقيل: إنه صار منسوخاً، وفي بعض كتبنا أنه يستحب الغسل خروجاً عن الخلاف.

باب ما جاء في ما يستحب من الأكفان

باب ما جاء في ما يستحب من الأكفان

[994] يستحب الثياب البيض، ولا يجوز تكفينه بثوب لا يجوز له في الحياة، وأحب الألوان إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البياض، وأحب القطعات القميص، وأحب الأقسام الحبرة اليمانية.

باب ما جاء في كم كفن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

باب ما جاء في كم كفّن النبي - صلّى الله عليه وسلّم -؟

[996] في الصحيحين وغيرهما: أن كفنه ثلاث أردية، وهو مختار الشافعية، والخلاف في الأولوية لا الجواز، وقال المالكية في حديث الصحيحين: ليس فيها عمامة وقميص أي لم يكن القميص والعمامة في ثلاثة ثياب بل زائداً عنها، أقول: يجوز العمامة لأن ابن عمر كفن ابنه واقداً في عمامة، وأما ثياب كفنه فالروايات فيها مختلفة، وأصح ما في الباب: ثلاث لفائف أي من قرن الرأس إلى الرجلين، ومختار المالكية أنها كانت خمسة ثياب، وفي رواية في طبقات ابن سعد: أنه كفن في سبعة ثياب، وفي سندها عبد الله بن محمد بن عقيل وحسنه السيوطي، ويتأول فيها بأن سبعة ثياب أوتيت للكفن ولكنه دفن في ثلاثة منتخبة منها، وفي بعض الروايات كما سيأتي في الترمذي وفي كتب السير: أن قطيفة فُرشت في قبره فَرَشَها شقران مولى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي بعض كتب السير أنها أخرجت كما في سيرة العراقي: ~ وفرشت في قبره قطيفة ... وقيل: أخرجت وهذا أثبت فأقول بعد تسليم: إن كفنه لم يكن فيه عمامة ولا قميص: إن إثبات القميص في الكفن أدلته محصاة عندنا ومرفوعات؛ منها ما في الطحاوي ص (291) ، ج (1) باب الشهيد: إن أعرابياً كفن حين شهد وفيها جبة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والرواية أخرجها النسائي سنداً ومتناً في الصغرى، ومنها ما في الصحيحين أنه أعطى قميصه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول لكفن عبد الله بن أبي رأس المنافقين، ولنا أدلة أخرى، ثم هاهنا نظر وهو أن ظاهر كتبنا أن يخاط القميص فإنهم لا يقيدون القميص إلا أن يكون فيه وخريص وكمان، ولكن عملنا لبس الثوب الذي على هيأة القميص بلا خيط ويكون من الرأس إلى القدمين، فلو كان مراد ما في كتبنا ما هو عملنا فيمكن لأحد أن يقول أنه

كفن في الثوب على هيأة القميص، وأما النفي الذي في الصحيحين فالمراد به نفي القميص المخيط فلا يخالفنا حديث الصحيحين، فإذن أثر عبد الله بن عمرو بن العاص يشير إلى أن لا يخاط القميص؛ أخرجه الإمامان في موطأيهما، وأما في موطأ مالك ففي ص (78) : الميت يقمص ويلف بالثوب الثالث إلخ، فما قال بلبس القميص بل قال: بقميص، وفي سند موطأ مالك سهو من يحيى فإنه ذكر عن عبد الرحمن بن عمرو بن العاص، والصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه أخرجه محمد في موطئه ص (166) ، وليس فيه عبد الرحمن بن عمرو، بل عبد الله بن عمرو وعندي أعلى نسخ موطأ مالك نسخة موطأ محمد، وأخرج محمد في موطئه ص (166) أثر ابن عمرو بن العاص، وفيه أيضاً «يقمص» إلخ لا يلبس القميص، وبين التعبيرين فرق ظاهر على حاذق اللغة، وفي مسند موطأ محمد أيضاً سهو الكاتب فإنه كتب عن عبيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو بن العاص، والصحيح عن عبيد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن إلخ لما في موطأ مالك، والله أعلم.

باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت

باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت

[998] يستحب للجيران والأقرباء صنع الطعام لأهل الميت، وفي عامة كتبنا أن ما في زماننا أكل الطعام

من بيت أهل الميت فبدعة، وفي فتح القدير رواية أخرجها من مسند أحمد تدل على المنع من أكل الطعام من بيت أهل الميت وسندها قوي. واقعة الباب واقعة غزوة مؤتة في السنة التاسعة بعد الهجرة أمر النبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زيد بن حارثة وقال: إن قتل فجعفر، وإن قتل فعبد الله بن رواحة، وكان الصحابة في غزوة مؤتة ثلاثة آلاف، والكفار أزيد ولما شهد الأمراء الثلاثة أمرَّ الناس خالد بن الوليد ففتح الله على يده.

باب ما جاء في كراهية النوح

باب ما جاء في كراهية النوح

[1000] أقول: لا بد من استثناء من النهي ويكون جائزاً ولكنه غير منضبط، وأشار إليه البخاري حيث أتى في الترجمة «بما» ومن تدل على البعضية، وقد ثبت البكاء بالصوت عن بعض السلف، وقد ثبت إغماضه عن البكاء بالصوت فلا مناص من التقسيم في المسألة، وينسحب النهي على ما هو مشتمل على الغلو وخارج عن الحد كما كان في الجاهلية حيث أوصى رجل ابنته بالبكاء عليه: ~ إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي عليَّ الجيب يا ابنة معبد وقال الآخر موصياً: ~ إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولاً كامل فقد اعتذر

قوله: (من ينح عليه إلخ) هاهنا إشكال بأن حديث الباب يخالف نص القرآن: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] الآية فروي عن عائشة أن قوله في هذا الحديث إنما هو جنازة يهودية مر عليها والناس يبكون، فقال: إنهم يبكون عليها وهي معذبة؛ أي على كفرها لا بسبب بكائهم، فغلطت عائشة قول ابن عمر، لكن المحدثين لا يقبلون تغليط عائشة فإن بعض الصحابة الآخرين أيضاً يروون مثل رواية ابن عمر، ففي شرح الحديث أقوال كثيرة؛ في فتح الباري وقال البخاري: إنه يعذب على فعله لا بسبب فعلهم، وقال: إنه إذا أوصل بالنوحة عليه أو كان يرضى بها أو كان يعلم أن يبكوا عليه فلم ينههم فعليه وزر فعله وإلا فلا وزر عليه ولا عذاب، وقال ابن حزم الأندلسي وهو أعلى الشروح في حديث الباب: إنهم يبكون على أفعال يزعمونها حسناته والحال أنها تكون سيئات فيعذب على تلك السيئات، ويقال له: أهكذا أنت؟ كما يُبْكَى على أنه كان شجاعاً لا يدع النفس إلا ويقتلها، ويؤيد شرح ابن حزم الحديث اللاحق عن أبي موسى. قوله: (العدوى إلخ) في حديث الباب نفي العدوى، وفي مسلم «فرّ من المجذوم» إلخ فقال جماعة: إن الحديث ينفي الأسباب الطبيعية لا العادية كما ذكره في شروح النخبة تحت بحث التعارض، أقول: ما مراد الأسباب الطبعية فإن كان المراد ما قال الفلاسفة الطبيعيين وهو أنهم ينكرون الباري، ويقولون: لا شيء إلا المادة والصورة كما صرح به محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في الملل والنحل، ولا ينكر الفلاسفة الإلهيون الباري، ويزعم الناظر أن الطبيعين لا ينكرون الباري فإن الفلاسفة المتأخرين جمعوا الطبيعات والإلهيات في كتاب واحد، ويزعم أن قائل الطبيعات والإلهيات فرقة واحدة، والحال أن الطبعيين فرقة غير فرقة الإلهيين، فإن كان المراد من الأسباب الطبعية هذا فلا يتعرض الشريعة إلى دفعها فإن أحداً من كفار العرب لا ينكر الباري لنص القرآن، وإن كان النفي نفي الطبعية إن الأشياء ليست بمؤثرة كما قال الأشعري: فتحولت المسألة إلى علم الكلام؛ فأقول: مذهب أبي الحسن الأشعري أن السببية ليست ذاتية، وقال: إن العالم مثل أشياء اجتمعت في مكان واحد

حسب الاتفاق ولا تسبيب بينها فإحراق النار ليس بالتسبيب بل بالعادة وخلق الباري، وإن الإحراق مستند إلى الباري بلا واسطة وهكذا في كل شيء، وقال المعتزلة: إن إحراق النار بالتوليد، وقال الفلاسفة: إنه بالإعداد والإيجاب، فجعلوا الباري علة ومجبوراً محضاً، وهل هذا إلا كفر صريح؟ وقال الماتريدية: وهذا أرجح أن التسبيب بين الأشياء ثابت إلا أنها بخلق الباري لا بالتوليد أو الإعداد، وإن في الأشياء خواص بإذن الله، وقال الحافظ في شرح النخبة: إن الحديث ينفي السببية والعادية والطبعية، وأما ما في مسلم: «فرّ من المجذوم» فمحمول على سد الذرائع، أقول: كيف ينكر الحافظ السببية العادية والحال أنها لا ينكرها الأشعري أيضاً، فقول الحافظ لا مصداق له، فأقول: إن أحسن ما قيل في شرح حديث الباب ما ذكره ابن قيم في كتاب الروح ص (197) أن المنفي في حديث الباب العدوى وهو ما يكون بناؤه على الأوهام الباطلة مثل أن يقولوا: إن مرض فلان تَطَيَّرَ وانتشر إلى فلان، وأما الحديث الذي أخرجه مسلم ففيه إثبات التسبيب وهو أن يكون فيه دخل الأسباب الظاهرة مثل إن جلس وخالط المجذوم أو المجروب، وذكر الأطباء بعض الأمراض متعدية لا ينافي الشريعة، وأما المرض الموروث فغير المتعدي، فالحاصل أن الشريعة تنفي الأوهام الباطلة لا المجربات، وما فيه دخل الأسباب الظاهرة لتمادي الزمان والخلط مع المريض. قوله: (الأنواء إلخ) يقال له في الهندية: (ن هتر) وهي منازل القمر وغيره من الكواكب، وكان أهل الجاهلية يزعمون أن مدار الأحكام الدنيوية على دوران الكواكب في تلك المنازل.

باب ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت

باب ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت

[1004] بعض البكاء جائز ولكنه غير منضبط، قال أرباب اللغة: إن البكاء ممدواً ما فيه الصوت، والبكاء مقصوراً والأصوات فيع وقد ثبت المراثي عن السلف كما روي قصيدة حسان بن ثابت وقصيدة أبي بكر على موته ذكرها في السيرة الشامية. قوله: (إبراهيم إلخ) كان هذا الولد من مارية القبطية وكان ابن ثمانية عشر شهراً.

باب ما جاء في المشي أمام الجنازة

باب ما جاء في المشي أمام الجنازة

[1007] الأفضل عندنا المشي خلف الجنازة لأنهم مودعوا الجنازة، والأفضل عند الشافعية المشي أمام الجنازة لأنهم شافعوه، والخلاف في الأولوية لا الجواز؛ والتعامل إلى الطرفين، وأطنب الطحاوي في الروايات لنا.

باب ما جاء في كراهية الركوب خلف الجنازة

باب ما جاء في كراهية الركوب خلف الجنازة

[1012] يكره الركوب عند الذهاب ويجوز عند الإياب لما في الحديث، وقال المحدثون في حديث الباب: إن راشد لم يسمع عن ثوبان. قوله: (ابن دحداح إلخ) ومن مناقبه أن يتيماً مات والده، وكان عنده حائط فجاء رجل وادعى الحائط فجاء الصبي إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باكياً وقال: ما عندي سوى هذا البستان فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذلك الرجل: إن وهبت البستان لهذا الصبي فأعدك مثله في الجنة فأبى الرجل الشقي، فقام ابن دحداح واشترى البستان فجاء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أعطيه البستان على ذلك الشرط، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نعم فأعطاه إياها.

باب ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة

باب ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة

[1016] جبل أحد على مسافة ثلاثة أميال من المدينة جانب الشرق والشمال، وكان موتى أحد قريب سبعين نفساً، وفي عبارة الشافعي ذكر ثلاثة وسبعين، وفي بعض الكتب ذكر خمسة وسبعين. قوله: (قد مثّل به إلخ) كان شق بطنه وأخرج كبده وصفية أخت حمزة. قوله: (لتركته حتى الخ) يدل الحديث على الترك لأنه تمناه ولم يذهب أحد إلى هذا وهذا إنما هو من خصوصية حمزة. قوله: (فكفن الرجل والرجلان إلخ) لا يجوز جمع رجلين فصاعداً في ثوب واحد بلا حائل، وقال الأكثر: معلم: ألقوا بين رجلين رجلين الإذخر، ومر ابن تيمية على حديث الباب وقال: المراد إن رجلين يدفنان في ثوب واحد بجعله شقين، وشرحه هذا أنصف ولا بعد فيه. قوله: (يدفنون في قبر واحد إلخ) جوز العلماء دفن رجلين فصاعداً في قبر واحد عند الضيق. قوله: (ولم يصل عليهم إلخ) قال الشافعي: لا يصلى على الشهيد، وجاء بعض المتأخرين منهم

وقال بعدم جواز الصلاة عليه، وأما غسل الشهيد فلهم فيه وجهان: الغسل، وحرمة الغسل، والمستحب عدم الغسل، وأما الموالك ففي عامة كتبهم عدم الصلاة، وفي حاشية المدونة رواية ابن القاسم أن ابتداء الحرب إن كان من الكفار وجاء الكفار حاربين علينا فلا يصلى، وإن كان البداية منا، وذهبنا مجاهدين عليهم فيصلى، وقال أحمد: الصلاة مستحبة ويجوز تركها، ومذهب الحنفية إن الصلاة واجبة فيرد حديث الباب حديث الصحيحين علينا، فجوابنا: أخرج الطحاوي سبيلين أخذ الزيلعي أحدهما والعيني ثانيهما، والترجيح لما قال الزيلعي، قال المحدثون: إن الأوفق بالحديث مذهب أحمد، وجواب الزيلعي أن شهداء أحد صلي عليهم في الحال، وقال العيني آخذاً بظاهر حديث الصحيحين: إنه لم يصلِّ عليهم الآن بل صلى عليهم قبل وفاته بسنة، وتمسك بما في الصحيحين أنه خرج فصلى عليهم صلاته على الجنازة، قال النووي: إن المراد الدعاء، وقال العيني: إن هذا لا يقبل فإن الراوي يقول صلاته على الجنازة، ثم قال: لعل تأخير صلاتهم من خصوصيتهم، أقول: إن الظاهر ما قال النووي، وعندي نظائر على إرادة الدعاء من الصلاة، وأيضاً نقول: أين خرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ خرج إلى أحد أو إلى المسجد النبوي، وما تعرض حافظ من الحفاظ إلى بيان مخرجه، وعندي رواية تدل على خروجه إلى المسجد النبوي أخرجها الطحاوي ص (290) أنه صلى عليهم ثم أتى المنبر، وخروجه هذا وصلاته كان في مرض موته، ومثل ما في الطحاوي روى مرسلاً ابن جرير الطبري، وأما ما في الطحاوي في سنده ابن لهيعة، ومر الحافظ على تأويل النووي وما جدَّ عليه، وسها النووي حيث أحال الرواية المفيدة له في تفسير الصلاة بالدعاء إلى مسلم، والحال أنه لا لفظ في مسلم. وأذكر بعض أدلتنا على الصلاة على الشهيد، ويبلغ عددها إلى سبعة، موصولاً ومرسلاً، صحاحاً وحساناً، بعضها أخرجها الطحاوي، وبعضها أخرجها الزيلعي، بعضها أحرزت منها ما أخرجه الطحاوي ص (260) عن عبد الله بن الزبير مرسلاً: صلى عليه وكبر سبع تكبيرات. . إلخ، ثم أتى بالقتلى ويصفون إلخ، وإنما قلت: مرسلاً لأن ولادة ابن الزبير عام الهجرة، ومرسل الصحابي مقبول، ومنها ما في الطحاوي ص (290) مرسل أبي مالك الغفاري التابعي بسند قوي، وفي رواية أخرى يزيد بن أبي زياد، ومنها ما أخرجه الزيلعي من مسند أحمد عن الشعبي عن ابن مسعود صلى على حمزة إلخ، وفي سنده في الزيلعي حماد بن سلمة، وتتبعت نسخ أحمد فلم أجد تصريح ابن سلمة، وليس في النسخة القلمية أيضاً، ولعله جرى على ضابط أن عفان لا يروي إلا عن حماد بن سلمة لا عن حماد بن زيد، وتكلموا في حديث مسند أحمد بأن في سنده عطاء بن السائب وكان اختلط في آخر عمره، أقول: اتفق الجمهور على أن ابن سلمة أخذ عنه قبل الاختلاط وخالف ابن مواق الجمهور، والجمع بين قول الجمهور وابن مواق مر سابقاً، وأيضاً نقول: إن حديث مسند أحمد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه وفيه سفيان عن عطاء بن السائب وسفيان سمع قبل الاختلاط، وإن

قيل: لم يسمع الشعبي عن ابن مسعود يقال: إن الشعبي لا يرسل إلا صحيحاً كما قالوا، ومنها ما في سيرة علاء الدين المغلطائي الحنفي أن ابن ماجشون تلميذ مالك سأله رجل: كيف صُلي على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: كانت تدخل جماعة وتخرج جماعة كما صلي على حمزة سبعين مرة، فقيل له: من أين أخذت هذا؟ قال عن مالك عن نافع عن ابن عمرو مكتوب بقلم مالك في صندوق، هذا فالسند أظهر من الشمس، وأما تكرار الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ففي ابن ماجه أيضاً، والتكرار عندنا غير جائز، فتكرار الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خصوصيته، وهذه رواية ابن ماجشون لم يذكرها أحد، ومنها ما في الطحاوي ص (291) ، والنسائي: أن أعرابياً حديث العهد بالإسلام استشهد فصلي عليه وكفن بجبته، وتأول فيه البيهقي بأنه لعله ارتث، أقول: ألفاظ الحديث تأبى عن هذه، ومنها ما في أبي داود ص (344) عن أبي سلام عن بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه: فلفه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثيابه ودمائه وصلى عليه ودفنه إلخ، باب في الرجل يموت بسلاحه، وظني الموثق أن هذا الرجل غير ما الطحاوي ص (291) من أعرابي، ولكن هذا احتجاجنا إلزامي على قول الشافعية، وإلا فذلك الرجل ليس بشهيد فقهاً على مذهب الأحناف فإنه قتله نفسه، وشهيد عند الشافعية، ولنا واقعة أخرى في كتاب الجنائز ص (442) لأبي داود، ولكني متردد في أنها واقعة أعرابي في الطحاوي أو غير تلك الواقعة، وأبو داود اختصر فيه أشد الاختصار، ومنها أن الصلاة على عثمان بن عفان مختلفة فيها، والراجح أنه صلي عليه، ومنها ما في أبي داود ص (442) عن أنس: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بحمزة وقد مُثِّل به ولم يصلِّ على أحد من الشهداء غيره إلخ وسنده قوي، وتعرض البخاري إلى الكلام فيه، وبحث الشافعي فيما احتججنا به في معاني الآثار ص (290) : أن عشرة يصلى عليهم، والعاشر حمزة، ثم جيء بتسعة أخر وحمزة بمكانه الأول بأن حمزة صلي عليه سبعين صلاة أخرجه في السنن الكبرى للبيهقي أيضاً، وكيف تكون سبعين صلاة وكنت زعمت لجواب الشافعي أن المراد من سبعين صلاة سبعين مرة لأن حمزة كان مع كل رجل من سبعين أو أزيد رجلاً، ثم رأيت في تلخيص السنن الكبرى لشمس الدين الذهبي على رواية سبعين صلاة قال الذهبي: إن أكثر الرواة يذكرون سبع صلوات وذكر هذا الراوي سبعين صلاة، وقال: لعل المراد بسبعين صلاة سبعين تكبيرة، وسبعين تكبيرة أيضاً غير مستقيم ثم أقول في محمل حديث الصحيحين: لم يصل عليهم أنه يفسره ما في أبي داود ص (442) لم يصل على أحد من الشهداء غيره، أي غير حمزة فالمراد أنه لم يصل على غير حمزة مستقلاً بل كان حمزة موجوداً في كل صلاة وتجوز الصلاة على موتى مجتمعة كما في الفقه، ولينظر إلى ما في الطحاوي ص (287) عن عبد خير، من عمل علي كرم الله وجهه أنه كان يكبر على أهل بدر ستاً وعلى أصحاب

النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمساً إلخ فدل على أنه لعله رأى صلاته بهذه التكبيرات على شهداء بدر، ورواية الطحاوي هذه أخرجها البخاري أيضاً إلا أن في الطحاوي زيادة هذا والله أعلم وعلمه أتم.

باب ما جاء في التكبير على الجنازة

باب ما جاء في التكبير على الجنازة

[1022] أثبتت التكبيرات من ثلاثة أو أربعة إلى تسعة، وعمل الفقهاء الأربعة بأربع تكبيرات، واستقر عليه الأمر في عهد عمر وقالوا: إن منتهى فعله أربع تكبيرات، وفي بعض كتبنا أنه لا يتبع من كبر خمس تكبيرات أقول: إن الاتباع في ما هو مجتهد فيه جائز سيما إذا كان خمس تكبيرات مروية عن أبي يوسف في مبسوط السرخسي. قوله: (صلى على النجاشي الخ) في السنة التاسعة بعد الهجرة واسم النجاشي أصحمة، أي عطية الله، وقال بعض من قال بأزيد من أربع تكبيرات: إن المذكور في حديث الباب فعله مرة ولا ينفي سائر الصفات، وقال الشوكاني: ما من ناسخ لغير أربع تكبيرات أقول: لا ندعي النسخ؛

ونقول: إنه صار متروكاً، وأما أدلة أربع تكبيرات منها: أنه صلى العيدين بأربع تكبيرات وقال: «احفظوها أربع تكبيرات مثل تكبيرات الجنازة» أخرجه الطحاوي، وقد تمسكت بهذا على مذهبنا في تكبيرات العيدين، وفي سنده دفين بن عطاء حسنه له الحافظ في رواية مفيدة له في الوتر، ولنا أيضاً في أربع تكبيرات الجنازة حديث قولي أخرجه الزيلعي عن سليمان بن أبي خيثمة من تمهيد أبي عمر رجاله ثقات أخرجه الحافظ في الفتح المجلد السادس معلقاً، وفيه سهو الكاتب حيث قال: ورواه سليمان بن أبي خيثمة وسليمان هذا إمام من الأئمة، وأما سليمان بن أبي خثيمة فصحابي وراوي الحديث هو صحابي هذا، ولنا ما هو تعامل الصحابة حين أجمعوا في عهد عمر كما في معاني الآثار ص (286) عن إبراهيم مرسلاً، وفي أوائل تمهيد أبي عمر أن كل ما أرسل إبراهيم عن عمر أو عن ابن مسعود مقبول إلا اثنين منها. ثم هاهنا مسألة الصلاة على الغائب: فعند أبي حنيفة ومالك رحمهم الله لا يصلى على الغائب، وعند الشافعي وأحمد يصلى، ثم للشافعية وجوه قيل: يصلى على من لم يصل عليه، وقيل: من كان في جهة القبلة وأقوال أخر أيضاً وقال أبو الحسن عبد الملك بن قطان المغربي ـ صاحب كتاب الوهم والإيهام ـ: إن الصلاة على الغائب إنما تجوز على من لم يصل عليه، وأشار إليه أبو داود ص457 ولكن تعامل السلف لم يجر على الصلاة على الغائب وما صح في الحديث إلا واقعتي الصلاة على الغائب، أحدهما واقعة الصلاة على النجاشي، وثانيتها واقعة معاوية بن معاوية الليثي أو المزني، ومر البعض على هذه الواقعة وقال: إنها قوية السند، وقال البعض: إنها ساقطة ومثله عند ابن كثير في تفسير سورة الإخلاص، وأجاب الحنفية والمالكية عن واقعة الباب بأن واقعة الباب لا يصح أن يقاس عليها لأن النجاشي مات في الحبشة وما كان ثمة أحد ليصلي عليه، وأيضاً كان جنازة النجاشي يراها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما أخرج ابن حبان في صحيحه بسند جيد عن عمران بن حصين وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه إلخ، وأخرجها الزيلعي أيضاً ويشير إلى خصوصية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قول محمد بن الحسن في موطئه إنه صلاته كانت نوراً لهم وفي مسلم ص (309) : «إن هذه القبور مملؤة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم لصلاتي عليهم» إلخ، وأيضاً نقول: إن كثيراً من المسلمين مات غائباً ولم يصل عليهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

باب ما جاء في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب

باب ما جاء في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب

[1026] لا يجب الفاتحة في صلاة الجنازة، وعند مالك وأبي حنيفة ولو قرأها فلا بأس، وقال الشافعي: إن قراءة الفاتحة فريضة، وفي رسالة الأتباع في مسألة الاستماع للشرنبلالي في استحباب سورة الفاتحة في الجنازة بنية الثناء، وفي فتاوى ابن تيمية أن السلف كان يقرأ بها بعضهم لا بعضهم، وتمسك بعض الأحناف بحديث أبي داود: «أخلصوا له الدعاء» إلخ، أقول: إن مراده أن يدعوا له مخلصين لا أن لا يأتون إلا بالدعاء، وأقول: الحق في الاستدلال ما قال: ابن تيمية في فتاواه: إن بعض السلف كانوا لا يقرؤون بها، ثم تمسك الشافعية بعمل ابن عباس المذكور في الباب أخرجه النسائي أيضاً أنه جهر ابن عباس بالفاتحة وقال: ما جهرت إلا ليتعلموا إلخ، أقول: عندي رواية يعارض تمسك الشافعية بعمل ابن عباس أخرجها الحافظ في فتح الباري وعمر بن ثنية في أخبار المدينة ومكة بسند قوي عن أبي حمزة، قال: قلت لابن عباس: كيف أصلي في الكعبة؟ قال: كما تصلي في الجنازة تسبح وتكبّر إلخ، وما ثبت قراءة الفاتحة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرفوعاً، وأما الدعاء في الجنازة فمختارنا ما في الباب ومختار الشافعية ما في الصحيحين، ودعاؤنا أيضاً ثابت بأسانيد قوية. قوله: (من السنة القراءة على الجنازة إلخ) يذكر في الأصول أنه إذا قال الصحابي: إن الشيء الفلاني سنة يكون ذلك الشيء مرفوعاً، وروي عن الشافعي أنه قال: ربما نجد لفظ السنة من الصحابي ولكنه لا يكون المذكور تحته مرفوعاً بل استنباطه واجتهاده.

باب ما جاء في كراهية الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها

باب ما جاء في كراهية الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها

[1030] المسألة مرت بقدر الضرورة، وإذا حضرت الجنازة في عين الأوقات الثلاثة يجوز أداؤها فيها لا إن حضرت قبلها والتفقه ظاهر، ثم في الصورة الأولى هل يستحب أداؤها في ذلك الوقت أو بعده؟ فيه قولان. قوله: (تقبر فيهن إلخ) أشار أبو داود إلى أن وجه الكراهة في هذه الأوقات الصلاة في هذه الأوقات وإلا فالدفن جائز بلا ريب كما قال ابن المبارك.

باب ما جاء في الصلاة على الأطفال

باب ما جاء في الصلاة على الأطفال

[1031] قال أبو حنيفة: إن علم علامة حياة الولد فيغسل ويكفن ويصلى عليه وإن لم يعلم حياته فَسِقْط فيغسل ويدفن بلا صلاة، وأما الطفل الذي أخذ من دار الحرب فمسألة مذكورة في الفقه. وهاهنا شيء آخر وهو أن الشافعي لا يعتبر عنده إسلام الصبي كما نسب إليه الحافظ ابن حجر، وأما عند أبي حنيفة فإسلامه معتبر وارتداده غير معتبر، ومثل ما نسب إلى الشافعي نسب إلى زفر رحمه الله كما في شروح

الهداية في باب الجنازة ولا يرد هذا على الأئمة الثلاثة والبخاري، ثم رأيت البيهقي ذكر أن إناطة الأحكام بالبلوغ بعد الخندق.

باب ما جاء في الصلاة على الميت في المسجد

باب ما جاء في الصلاة على الميت في المسجد

[1033] تكره الصلاة على الجنازة في المسجد عندنا وإن كان الميت خارج المسجد، واختار العلامة قاسم بن قطلوبغا الكراهة تحريماً وشيخه ابن همام تنزيهاً، ولعل هذه الكراهة بين التحريمية والتنزيهية وتسمى بالإساءة كما قال صدر الإسلام أبو اليسر، والأفضل عند الحجازيين أيضاً خارج المسجد ويجوز في داخل المسجد بلا كراهة، وتمسك الحجازيون بحديث الباب حديث الصحيحين، وأتى مالك بأثر عمر أنه صلى في المسجد كما في موطئه ص (80) ، ولهم أثر أبي بكر الصديق أيضاً، وأما أدلتنا فمنها ما في أبي داود ص (455) : «من صلى على الجنازة في المسجد فلا شيء له» إلخ، وقال الحجازيون: إن في سنده صالح مولى التوأمة واختلط في آخر عمره، نقول: ابن أبي ذئب أخذ

عنه قبل الاختلاط اتفاقاً إلا ما نقل عن رجل، وظني أن هذا النقل أيضاً لعله من سهو الناسخ، وصالح من رواة السنن ومسلم، ثم تكلموا في متن الحديث، وقال النووي في شرح مسلم (313) : الصحيح من نسخ أبي داود: «ولا شيء عليه» وكذلك صحح ابن قيم لفظ: «فلا شيء عليه» ونقول: نقل الزيلعي عن الخطيب صاحب نسخة أبي داود أن الصحيح «فلا شيء له» ، أقول: إن الصحيح «لا شيء له» لأن في ابن ماجه ص (110) : «فليس له شيء» إلخ بسند قوي، وأيضاً ابن أبي ذئب راوي حديث أبي داود مذهبه موافق لمذهب أبي حنيفة كما ذكر النووي ص (313) مذهبه، ثم أجاب السرخسي عن حديث الباب بأنه لعله كان معتكفاً أو كان اليوم يوماً مطيراً فواقعة حال لا تعارض الحديث القولي، وأشار محمد في موطئه ص (169) إلى استدلال آخر وهو أنه اتخذ المصلى لصلاة الجنازة في خارج المسجد متصلة فدل على كون الجنازة خارج المسجد، ونقل الحافظان اتخاذه المصلى خارج المسجد عن القاضي عياض، ثم قال: إن صح هذا إلخ فكلامه دل على أن الحافظ لم يعلم هذا، ويمكن لأحد أن يقول: إن البخاري ص (176) وافق العراقيين فإنه بوب الصلاة على الميت بالمصلى والمسجد، وأخرج حديث الصلاة في المصلى فقط، ولم يخرج حديث الصلاة في المسجد. قوله: (سهيل بن بيضاء إلخ) بيضاء اسم المرأة، وفي مسلم: على ابني بيضاء سَهْل وسُهَيل، وهو وهم، وعاش سهل إلى مدة بعد وفاته.

باب ما جاء أين يقوم الإمام من الرجل والمرأة

باب ما جاء أين يقوم الإمام من الرجل والمرأة

[1034] المشهور عندنا أن يقوم حذاء الصدر، وقال الشافعي: يقوم حذاء رأسه وحذاء عجيزتها، وللشافعي ما أخرجه الترمذي وأبو داود، وأقول: روي عن أبي حنيفة مثل ما قال الشافعي كما في الهداية ص (161) ، ونقل الطحاوي هذه الرواية عن أبي يوسف وتعرض صاحب الهداية إلى حديث أبي داود، أقول: لا احتياج إلى التأويل بعد ثبوت الروايتين عن الإمامين.

قوله: (فقام وسطها إلخ) الوسْط بسكون الوسَط ما بين الطرفين، وبفتح الوسط المنتصف عن المتوسط، ولذا قيل: إن الساكن متحرك والمتحرك ساكن، وتأول بعض الأحناف في حديث الباب.

باب ما جاء في الصلاة على القبر

باب ما جاء في الصلاة على القبر

[1037] قال مالك وأبو حنيفة: لا يصلى على القبر إن صلي عليه قبلُ، وإن دفن بلا صلاة يصلى عليه ما لم يتفسخ، وقال الشافعي وأحمد: يجوز الصلاة على القبر لمن كان يريد الصلاة من أهل الجنازة وإن صلي عليه مرة، ثم قال أحمد: يجوز الصلاة إلى شهر لا بعده لأن صلاته على القبر ثبتت إلى شهر لا بعده، وقال أحمد: صح ست وقائع للصلاة على القبر أو أزيد كما في شرح الموطأ للزرقاني، وأما الجواب من الأحناف والموالك فعديدة منها أن الصلاة على القبر من خصوصية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ودليل الخصوصية حديث مسلم ص (309) قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إن هذه القبور مملوءة من الظلمة على أهلها وإن الله ينورها بصلاتي عليهم» إلخ، ومر الحافظ على حديث مسلم في موضع ونقل عن أحمد أن هذه القطعة مدرجة من الراوي، وطريق الإدراج أنها قطعة حديث ثابت عن أنس لا في حديث أبي هريرة، فأخذ الراوي قطعة حديث أنس وأدرجها في حديث أبي هريرة، أقول: رأيت في حديث أبي هريرة بغير هذا الطريق أيضاً زيادة ما في مسلم في مشكل الآثار فتكون القطعة في حديث أبي هريرة أيضاً، ومنها ما ذكر السيوطي في خصائصه في أنموذج اللبيب أن الأحناف يقولون إن جنازة ما لا تتأدى لا تسقط في المدينة ما لم يكن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أدائها، أقول: لو كان نسبته إلينا صحيحة فالوجه تساعده، فإذن نقول: إن صلاته كانت صلاة الولي لأنه ولي المؤمنين كما يشير إليه القرآن والأحاديث، ويجوز للولي إعادة صلاة الجنازة ولكنه لا يستقيم أيضاً فإن أكثر شراح الهداية إلى أن الولي تجوز له الإعادة منفرداً، وأما في واقعته فكان معه بعض الصحابة أيضاً، فأقول: إن في مبسوط السرخسي خلاف شروح الهداية فإنه ذكر صلوات الصحابة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكرراً فقال: إن أبا بكر كان ولي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى أبو بكر ومعه بعض الصحابة ولم يصل بعده، فلازم قوله أن يكون من الجائز أن يصلي مع الولي من لم يصل قبل، فلو اعتمدنا على ما يلزم من كلام السرخسي يمكن جواب واقعته، فالحاصل أن جميع الوقائع حملناها على خصوصيته.

باب ما جاء في القيام للجنازة

باب ما جاء في القيام للجنازة

[1042] قال جماعة من العلماء: إن القيام للجنازة كان ثم نسخ، وقيل: إن وجه قيامه أن لا تكون جنازة اليهودية مرتفعة من رأسه، وقيل: إن قيامه كان لتعظيم الملائكة، والأقوال هذه مروية عن السلف، وقيل: إن القيام كان عملاً بالتوراة كما في الطحاوي ص (283) ج (1) عن علي، وكثير من المسائل كانت على حسب التوراة ثم نسخت بعد نزول الشريعة الغراء.

قوله: (ثم قعد إلخ) قيل: إن المراد القعود في تلك الواقعة لا التشريع العام، وذلك القعود أيضاً بعد مرور تلك الجنازة، والجمهور إلى أن المراد: ثم قعد. . إلخ التشريع العام كما يدل حديث علي في الطحاوي ص (283) .

باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «اللحد لنا والشق لغيرنا»

باب قول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - «اللحد لنا والشق لغيرنا»

[1045] قيل: إن المراد اللحد لنا أي للمسلمين، والشق لغير المسلمين فدل على فضل اللحد، وقيل: اللحد لنا أي أهل المدينة، والشق لأهل مكة فإن أرض مكة ذات رمل فلا يدل على فضل اللحد، وأما المسألة فقال الفقهاء باستحباب اللحد، وفي بعض كتبنا وجه أفضلية اللحدد أن اللحد كالحجرة ففيه الشرف والتعظيم. مسألة: إذا انخرق القرآن العزيز وبليت الأوراق يدفن في اللحد، أو يحرق ويلقى رماده في البحر كما ثبت أن ذا النورين أحرق الصحائف.

باب ما جاء في تسوية القبر

باب ما جاء في تسوية القبر

[1049] قال الشافعية: الأفضل التربيع والتسطيح، وقلت: الأفضل التسنيم، وذكر ابن الهمام أن يرفع القبر قدر شبر واحد، وظاهر حديث الباب أن لا يرفع القبر أصلاً، ولكني قد وجدت حديثاً لما قال ابن الهمام أي رفعه قدر شبر واحد.

باب كراهية الوطئ على القبر والجلوس عليه

باب كراهية الوطئ على القبر والجلوس عليه

[1050] يكره الوطئ أي المشي على القبر، واختار الطحاوي الكراهة، واختار الشيخ الكمال الكراهة تنزيهاً، والجلوس على القبر. قيل: معناه قضاء الحاجة من البول والغائط على القبر، وقيل: الجلوس المعروف، وهذا أيضاً مكروه، وثبت بسند صحيح عن علي الاتكاء على القبر لا الجلوس، وبين الجلوس والاتكاء فرق ظاهر.

باب ما جاء في كراهية تجصيص القبور والكتابة عليها

باب ما جاء في كراهية تجصيص القبور والكتابة عليها

[1052] لا يجوز التجصيص عند أحد ولا البناء، وأما ما ذكر الشيخ الدهلوي في المدارج جوازه عن بعض مشائخنا أي محمد بن سلمة فينبغي أن تراجع عبارة ابن سلمة مشافهة، وأما الكتابة فنجد كتائب على قبور السلف فلا أعلم أنها مندرجة تحت نهي الحديث أم لا؟ وقال الحاكم صاحب المستدرك: إنا نجد

الكتائب على القبور شرقاً وغرباً والحديث ينهى عن الكتابة، والله أعلم، وفي طبقات المالكية: أن الشيخ ناصر الدين بن المنير كتب على قبر ابن حاجب شعرين، فالحاصل أني لا أداخل في هذا، والحديث عام. قوله: (تطيين القبور إلخ) أي رش الماء على تراب القبر، وهذا جائز كما في كتبنا أيضاً.

باب ما جاء ما يقول الرجل إذا دخل المقابر

باب ما جاء ما يقول الرجل إذا دخل المقابر

[1053] ثبت الأدعية في الأحاديث الصحاح، وفي فتح القدير عن أبي حنيفة أن الزائر يستقبل القبر وليستدبر القبلة ويتيامن شيئاً ليراه الميت سهلاً. قوله: (السلام عليكم إلخ) ظاهر حديث الباب وغيره من كثير من الأحاديث يدل على سماع الموتى، واشتهر على ألسنة الناس أن الموتى ليس لهم سماع عند أبي حنيفة، وصنف ملا علي القاري رسالة وذكر فيها أن المشهور ليس له أصل من الأئمة أصلاً، بل أخذ هذا من مسألة في باب الأيمان أنه إذا حلف أنه لا يتكلم مع فلان فمات الرجل فتكلم معه على قبره ميتاً لا يحنث، أقول: إن وجه عدم الحنث أن مبنى الأيمان على العرف، وأهل العرف لا يعلمون أن الموتى تسمع، والمحقق أن أبا حنيفة لا ينكر سمع الأموات وإن خالف ابن الهمام، وقال: إن الموتى لا تسمع، وإن ذخيرة الحديث تدل على سمع الموتى، وقال الشيخ: إن الموتى لا تسمع ويستثنى منه سمع قرع النعال والسلام عليكم، أقول: لو قلنا بسمع الموتى لا إشكال فإنه ثبت بقدر مشترك تواتراً في الحديث ولا نتعرض إلى التخصيصات المتكلفة، وسيما إذا لم يرد الإنكار عن أئمتنا الثلاث، وأما الآيات المشيرة إلى عدم السمع فلها محامل حسنة، قال التفتازاني في شرح المقاصد: إن علم الميت في مجمع عليه ولكنه لا حركة له، أقول: إن نقل إجماع التفتازاني في حيز الخفاء وأما نفي الحركة ففي فتاوى ابن حجر

العسقلاني، ولم تنطبع أن حركة الروح وإيابه وذهابه ثابت في الشريعة، وذكر بعض التفصيل السيوطي في رسالته.

اجاء في زيارة القبور للنساء

اجاء في زيارة القبور للنساء

[1055] في زيارة النسوان روايتان عن أبي حنيفة الجواز وعدمه، أقول: وجه الجواز أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجاز زيارة القبور للرجال، والنساء تبع الرجال، ووجه الثانية: أن الإجازة المذكورة في الحديث للرجال، وتردد ابن عابدين في تعدد الرواية عن أبي حنيفة، أقول: يحمل على اختلاف الأحوال. قوله: (بالحُبْشيّ إلخ) بضم الحاء وتشديد الياء المثناة التحتانية، والحديث يدل على جواز نقل الميت من موضع إلى موضع، في عامة كتبنا عدم جواز النقل، وفي البحر أن الجواز في المسافة القريبة لا البعيدة، والنقل ثابت عن السلف أيضاً، ورفع اليدين عند الدعاء على القبر جائز كما في جزء رفع اليدين للبخاري وصحيح مسلم: «أنه دخل جنة البقيع ودعا رافعاً يديه» ، وأما قراءة القرآن على المقابر فروي كراهتها مع الجواز عن محمد بن الحسن.

قوله: (لن يتصدعا. . إلخ) هذا ألف التثنية، وأما الإشباع والألف إذا كانت للإشباع فالضمير إلى المصدر المفهوم كما في: ~ قد حيل بين العير والنزوان ... وقال السيرافي في حاشية الكتاب (سيبويه) : إن معاني اللغة بمعنيين جاء في القوم معاً أي مجتمعين أو أجمعين. ويستحب زيارة القبور الملحقة ببلدة الزائر، وقال به ابن تيمية أيضاً.

باب ما جاء في الدفن بالليل

باب ما جاء في الدفن بالليل

[1057] يجوز الدفن بالليل وأطنب الطحاوي في الروايات، وأما حديث النهي فلئلا يشكل الدفن على الناس وهذا بعد صحة رواية النهي.

قوله: (قبل القبلة إلخ) يدفن عندنا من قبل القبلة، وقال الشافعية: يسل الميت من جانب رجل القبر إلى رأسه. . والخلاف في الأفضلية، وتمسك الشافعية بأنه سل، واعتذر الأحناف أن في جانب الجدار القبلية كان ضيق المكان، فكان لا يمكن فيه الأخذ من جانب القبلة.

باب ما جاء في ثواب من قدم ولدا

باب ما جاء في ثواب من قدّم ولدا

[1060] ثبت الوعد على موت ولد وولدين وثلاثة.

قوله: (إلا تحلة القسم إلخ) والقسم ما في الآية {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم: 71] . قوله: (لم يبلغوا الحنث إلخ) إن قيل: إن زيادة الحزن والوجع على موت الكبار، قلنا: إن الغرض التشفيع والشفاعة تكون من المعصومين الذين لم يحتلموا.

قوله: (من الأئمة إلخ) كان المتقدمون من أبي حنيفة وأحمد ومالك والشافعي وابن المديني وابن معين وعبد الرزاق والبخاري وغيرهم لا يروون ولا يأخذون من الضعفاء، ولا يروون المنكرات والمتروكات أصلاً، وجاء المتأخرون وخلطوا وأحالوا على النقد مثل الدارقطني والبيهقي وغيرهما.

باب ما جاء في الشهداء من هم؟

باب ما جاء في الشهداء من هم؟

[1063] الشهيد دنيوي وأخروي، وفي الفقه خاص أي الدنيوي، وأما في الحديث فعام، وفي الصحيحين سبعة شهداء، وزاد السيوطي وأبلغ إلى أربعين، وزاد الأجهوري المالكي في بعض رسائله وأبلغ إلى خمسين، والطاعون على أقسام أشدها ما يكون بخراج أصفر وهذا من الأمراض المتعدية والوباء غير الطاعون، وأما المبطون فقيل: من به استطلاق البطن، وقيل: الحاملة، وقيل: من ابتلي في ذات الجنب، وإن قيل: إن في أبي داود الاستعاذة من الموت مفاجأة، والحال أن الحديث ينبئ بأن الموت فجاءة شهادة، قلنا: إن الشريعة تأمر بالاستعاذة كيلا يفوت الرجل الوصية وغيرها من أمور الشريعة، وأما لو ابتلي ومات بالموت فجاءة فيكون شهيداً.

باب ما جاء في كراهية الفرار من الطاعون

باب ما جاء في كراهية الفرار من الطاعون

[1065] في الدر المختار في المسائل الشتى قبيل الفرائض الخروج عن البلدة المطعونة جائز ولكن الحديث ينهى، والنهي محمول على موضع فساد الاعتقاد وزعم العدوى، وغرض الحديث الرضا بما قضى الله ويجوز الخروج والدخول لحوائج أخر، وفي البخاري لفظ صار مشكلاً على الشارحين وهو هذا: «ولا يخرجكم إلا فراراً منه» إلخ فقالوا: ظاهره يدل على جواز الفرار، قول: إن المذكور في الحديث الفرار المقدر لا المحقق ومثل هذا يعبره سيبويه بالواقع وغير الواقع، وأقول: معناه (هزادرده باشد شمار أزال مگرگريختن) أي لا يخرجوا على هذا الحال واختلفوا في إعراب (فراراً منه) .

باب ما جاء فيمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

باب ما جاء فيمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

[1066] أقول: إن مراد الحديث كان ظاهراً أي التعميم في حالة الحياة وقرب الوفاة وإنما أشكله سؤال عائشة وجوابه، ودل ذلك على أن الحديث خاص بحالة الوفاة، أقول: إن مراد الحديث الآن أيضاً ما هو ظاهر متبادر، أما جوابه إنما هو على تلقي المخاطب بما لا يترقب أو أسلوب الحكيم، أو القول بموجب العلة أو المجاراة مع الخصم.

باب ما جاء فيمن يقتل نفسه لم يصل عليه

باب ما جاء فيمن يقتل نفسه لم يصلّ عليه

[1068] قال الفقهاء: يصلى على كل من يدعي الإسلام وإن كان فاسقاً فاجراً إلا على قاتل نفسه وقاتل أبويه عند أبي حنيفة، وروي عن أبي يوسف لا يصلى على الباغي، ولم يرو عن أبي حنيفة.

باب ما جاء في الصلاة على المديون

باب ما جاء في الصلاة على المديون

[1069] يصلى على المديون عند الفقهاء، وأما النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكان لا يصلي إلا إذا تكفل رجل دينه، وتمسك الشافعية بحديث الباب على صحة الكفالة عن الميت، أقول: لا استدلال في هذا فإنه من باب الديانة، ومسألتنا من باب القضاء والمعاملات، نعم لو أنكر المتكفل فرضاً وألزم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لتكفله لكان حجتهم.

باب ما جاء في عذاب القبر

باب ما جاء في عذاب القبر

[1071] عذاب القبر ثبت متواتراً، متواتر القدر المشترك، وقال به أهل السنة والجماعة قاطبة، ومنكر التواتر هذا لا ريب في تبديعه، ومنكر التواتر بالقدر المشترك كافر إن كان التواتر بديهياً، وفاسق مبتدع إن كان نظرياً، ونسب إلى المعتزلة أنهم ينكرون عذاب القبر، ويرد عليه أن المعتزلة المختار عدم إكفارهم، وإذا كانوا أنكروا عذاب القبر فكيف يكونوا أهل القبلة؟ أقول: يقال أولاً: لعل التواتر نظري، وثانياً: أنه لم ينكر أحد منهم إلا ضرار بن عمرو وبشر المريسي، وإني في هذا أيضاً متردد ما لم ير عبارتهما. ثم لأهل السنة قولان؛ قيل: إن العذاب للروح فقط، وقيل: للروح والجسد والمشهور الثاني، اختاره أكثر شارحي الهداية وهو المختار، وإن صار البدن ذرة ذرة في الدنيا فإن الشعور لكل شيء عند جمهور الأمة، وتفرد ابن حزم الأندلسي وقال: لا شعور إلا للثقلين، وقال الصوفية: العذاب للبدن المثالي، وقال الفلاسفة: لا شعور للطبيعة، وقال صاحب الشمس البازغة: لكل طبيعة شعور وأما الروح فمرَّ حقيقته في أول الكتاب أنه جسم لطيف ذو أعضاء عند أهل السنة إلا من شذ وتفرد مثل الغزالي، ونسب إلى راغب الأصبهاني والقاضي أبي زيد الدبوسي.

قوله: (يقال لأحدهما المنكر إلخ) قيل: إن الملكين الذين يأتيان المؤمن بشير ومبشر، والله أعلم. قوله: (هذا الرجل إلخ) قيل: إنه يشاهده الميت، وقيل: يشار إلى المعهود، وأقول: يكفي العهد فقط ولا دليل على المشاهدة. قوله: (يفسح له إلخ) إن كان فساحة النظر فلا بعد فيه فإنا شاهدناه في هذا العالم بالآلات، وإن كان الفساحة في المكان فيفوض الحقيقة إلى الباري عز اسمه تعالى. قوله: (منافقاً إلخ) في البخاري شك الراوي بين الكافر والمنافق، وقالت جماعة: إن السؤال في القبر إنما يكون من المسلمين لا الكافر المجاهر، وقيل: يسأل الكافر المجاهر ومدعي الإسلام.

باب ما جاء فيمن يموت يوم الجمعة

باب ما جاء فيمن يموت يوم الجمعة

[1074] ما صح الحديث في فضل موت يوم الجمعة، ولو صح بالفَرَض لكان الفضل من عدم السؤال لمن مات يوم الجمعة لا من مات قبل وأخر دفنه إلى يوم الجمعة.

باب ما جاء في رفع اليدين عند الجنازة

باب ما جاء في رفع اليدين عند الجنازة

[1077] من قال برفع اليدين في الصلاة المكتوبة قال بالرفع في الجنازة، ومن لم يقل به فيها، لم يقل به فيها، وذهب مشائخنا البلخية إلى ما قال الشافعي، والخلاف في الأفضلية وليس المرفوع لأحد.

باب ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «إن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يفض عنه»

باب ما جاء عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال «إن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يفض عنه»

[1078] في كتب النقل أن عباساً رأى في المنام عمر الفاروق بعد وفاته بسنة فقال عباس: ما لقيتني قبل

السنة، قال عمر: كنت مشغولاً في محاسبة الرب لي وفرغت عنها الآن، وكنت كدت أن أتزلزل وزل قدمي لكن الله فضل علي بمنه سبحانه، اللهم اغفر للكاتب ولسائر المسلمين. آمين.

كتاب النكاح

كتاب النكاح

النكاح في اللغة قيل: الوطئ: وقيل: العقد ويستعمل في اللغة في المعنيين، وأصله الضم. والنكاح عند أبي حنيفة عبادة، وقال الحنفية: إن النكاح الوطئ والعقد مجاز، وقال الشافعية بالعكس، أقول: إن الحذاق يقللون المجاز كما قال ابن تيمية: إن المجاز لم يكن في المتقدمين، وقال ابن تيمية: إن منشأ قول المتأخرين أن المتقدمين يذكرون للفظ معنى ثم يذكرون بعده أنه يتجوز به في كذا وكذا ومراد التجوز ثمة التوسع في الاستعمال لا استعمال اللفظ في غير الموضوع له. وذكر ابن تيمية أنهم اختلفوا في أفضل العبادات بعد أداء الفرائض والسنن، فقال أبو حنيفة ومالك: إن الأفضل التبحر في علوم دينية، وقال الشافعي: الأفضل صلاة النفل، وقال أحمد: الأفضل الجهاد، وقال الصوفية: قول الشافعي أقرب إلى الولاية، وقول ما روي عن أبي حنيفة أفضلية النكاح أقرب إلى النبوة، وأفتى الشيخ نور الدين الطرابلسي في البرهان شرح مواهب الرحمن أن النكاح في زماننا ليس بأفضل بل الأولى التجرد.

قوله: (بالباءة إلخ) أي القوة البدنية على الجماع، وقيل: أن أريد بالباءة القوة فلا يستقيم، وإن لم يستطع الباءة فيصوم فإنه إن لم يقدر على الجماع فأي حاجة إلى الصوم؟ والحل أن المراد القوة على النكاح مع متعلقاته من نفقة الزوجة والمكان وغيرها.

باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة

باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة

[1087] قالوا: يجوز النظر إلى المخطوبة كيلا ينجر الأمر إلى الفساد، وقالوا: إنه يخلص النية عند ابتداء النظر ثم يفوض الأمر إلى الله.

باب ما جاء في إعلان النكاح

باب ما جاء في إعلان النكاح

[1088] ويستحب الإعلان عند الفقهاء، أقول: لعل مذهب مالك أن الشاهدين لا يجب استماعهما في مجلس واحد ووقت واحد خلاف سائر الأئمة. قوله: (الدف إلخ) الدف ما يكون مجلداً من جانب واحد، وصرح الفقهاء بعدم جواز الدف ذي جلاجل، أقول: تدل المسائل على التوسيع وجواز ما يقال له: الدبل، وجواز النقارة والطبل فإنه لا ذوق ولاحظ في هذه الأشياء، وقد جوزوا ضرب الدف للتسحير، وأما طبل الغزاة فجائز، وكذا عند السرور ويوم العيد وفي أكثر الكتب القصر على الدف، ولم أجد التوسيع إلا في تكملة فتح القدير لقاضي زاده الرومي فإنه أشار إلى التوسيع، وفي الحديث الصحيح أنه كان جلس يوماً وصغيرتان تضربان الدف فلم يمنعهما فإذا جاء عمر ذهبتا فقال: «إن الشيطان يفر من

عمر» ، وأشكل هذا على العلماء من سماعه ثم جعله من الشيطان؟ فأقول: إنه وإن كان أمراً مباحاً لكن المباح قد ينجر فيصير صغيرة عند الإصرار، وأيضاً كان حين ضربهما مستكرهة، وأما صيرورة المباح صغيرة بالإصرار فذكره الغزالي في باب التوبة والاستغفار. قوله: (في المساجد إلخ) في كتبنا أن النكاح يوم الجمعة بعد العصر في المسجد مستحب. قوله: (فجلس على فراشي إلخ) قال القاضي عياض: إنه لا حجاب عنه لأحد، ونقول: يجوز النظر إلى الوجه والكفين فلا ضير علينا، نعم الأحوط الحجاب وهذا أصل المذهب. قوله: (وفينا نبي يعلم ما في غد إلخ) اعتقاد أهل السنة والجماعة أن علمه اطلاعي، وأنه أعلم الأولين والآخرين، وقال بعض الجهلة: إن علم الباري وعلمه متساويان،

والفرق أن علمه عرضي وعلم الباري ذاتي، أقول: هذا ادعاء الباطل المحض فإن علمه متناه، وعلم الباري غير متناه فلا نسبة بين المتناهي وغير المتناهي. وفي المعجم الطبراني أنهن كن يغنين: ~ وأهدي لها كبشاً تنحنح في المربد ... وزوجك في النادي وتعلم ما في غد

باب ما جاء في الوليمة

باب ما جاء في الوليمة

[1094] قيل: إن الوليمة دعوة النكاح فقط، وقيل: إنه عام، وتجوز الوليمة إلى ثلاثة أيام، والضيافة على أنواع تسعة: منها الوتيرة والوكيرة والطعام الذي يصنع على ختم تعمير المكان، والطعام وقت القفول عن السفر، والضيافة التي تكون يوم الإيجاب والقبول في النكاح، وليس إجابة الدعوة مؤكدة، وفي بعض كتب الشافعية الوجوب، وإليه تشير عبارة الهداية. قوله: (وزن نواة إلخ) يصح المهر عند الشافعي بكل قليل وكثير من المال وما يخالفنا نحمله على المهر المعجل وأما المؤجل فغيره، أقول: هذا المحمل يصح بعد إثبات مذهب عشرة دراهم وسيأتي الكلام فيه، وقال ابن حزم: يصح النكاح على حبة شعيرة أيضاً. صنف عالم مجلداً كاملاً وموضوعه إثبات حرمة الذهاب بلا دعوة أي التطفل.

باب ما جاء أنه لا نكاح إلا بولي

باب ما جاء أنه لا نكاح إلاّ بوليّ

[1101] مذهب الشافعي وأحمد ومالك أن النكاح لا يصح بعبارات النساء وإن أظهر الولي رضاءه مائة مرة بل يجب عبارة الرجال، وقال أبو حنيفة: يصح النكاح بعبارة النسوان أيضاً، وقد يصح النكاح بدون إذن الولى أيضاً، وقال صاحباه: لا يجب عبارة النسوان ويجب إذن الولي وبدونه باطل، وتمسك الحجازيون بحديث الباب: «لا نكاح إلا بولي» ، أقول: لا يصح التمسك بهذا ولا تعلق له بمرادهم أيضاً، وإنما أخذوا المسألة من عرف الناس وتعرضوا إلى إثباتها بالمرفوعات ولا تعلق لحديث أبي موسى وحديث عائشة بمراد الحجازيين أصلاً كما سيظهر عن قريب، وأقول: أولاً إن حديث الباب مختلف في الوصل والإرسال، ورجح الطحاوي الثاني، ولكن المحدثين أقروا بأن الحديث حجة إسناداً وحديث أبي موسى رواه أبو حنيفة أيضاً كما في مسانيده وفي مستدرك الحاكم، فعلم أن الحديث بلغ أبا حنيفة ولا يتفوه بأنه لعله لم يبلغه الحديث، فأتعرض إلى متن الحديث فأقول: إنه لا يدل على ما ادعاه الحجازيون أصلاً، بل يدل على أنه لا بد من إذن الولي، وهذا مذهب أبي يوسف ومحمد، ويدل صراحة على أن الغرض في حديث الباب إذن الولي حديث عائشة الآتي: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها» إلخ، وتعرض الأحناف إلى جواب حديث عائشة وأبي موسى فقال الشيخ ابن همام بقول الموجب بأنا نقول: إنه لا نكاح إلا بولي، لكن الولي أعم من أن يكون غير المولية كما في الصغيرة، أو يكون نفس المولية كما في الكبيرة، أقول: ألفاظ الحديث يدل على أن المولية غير الولي، وقيل: إن كون إذن الولي لا بد منه صادق عندنا أيضاً، فإن إذن الولي واجب في بعض الصور ومستحب في بعض الصور، وما من صورة لا يستحب فيها إذن الولي، وقيل: إن النفي نفي كمال، وإني لا أقول بنفي الكمال في اللفظ بل في مصداق اللفظ، أي تنزيل الناقص منزلة المعدوم، فإذا ثبت أن الحديث يدل على إذن الولي فينظر الفقيه إن أذن الولي هل لكون إذنه حق الولي ولا حق له وإذنه إنما هو نظراً إليها، فزعم الشافعية ومن تبعهم أن استئذان الولي لكونه حقاً له، وقلنا: إنه نظراً للمولية لتحصيل النفقة والكفاءة والمهر كما في موطأ محمد ص (249) ، فأما أبو حنيفة فقال: إذا وضعت نفسها في كفاءة ولم تقصر في نفسها في الصداق والنكاح جائز إلخ، وجعل محمد أثر الفاروق الأعظم حجة أبي حنيفة، ثم إن قيل: إن تخصيص الحديث العام بالرأي وقصره على غرض خاص ابتداء غير جائز. قلت: أولاً: إن تخصيص النص بالرأي جائز إذا كان الوجه جلياً كما قال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام، ولذا تجد أكثر أحاديث الأخلاق تخصص بالرأي، والوجه أن الوجه فيها يكون جلياً، وأقول ثانياً: إن التخصيص ليس بالرأي بل بالنص كما سأذكر مستدلاتنا التي

تدل على التخصيص؛ ثم يمكن لأحد أن يدعي أن الغرض لا يجب أن يتعين في ما قلتم، لمَ لا يجوز أن يكون الغرض غيره، أقول: يؤتى البيان على ذلك الغرض، وعندي محملان آخران لحديث «لا نكاح إلا بولي» إلخ، أذكر أحدهما في آخر الباب، وتمسك أصحابنا على المذهب بحديث سيأتي «البكر تستأذن» إلخ؛ وسأذكر الاستدلال به ويرد على الحجازيين حديث الباب، فإنه يدل على أن الضروري إذنه، وفيه «فلها المهر بما استحل» إلخ، فإن تفريع المهر يدل على أن النكاح صحيح، فقالوا: إن المهر لشبهة النكاح، أقول: إثبات الحكم بالشبهة يفيدنا في مسألة أخرى وهي أن من نكح بمحرمته فلا حد عليه من الجلد أو الرجم، وإن كان هذا أشد من الزنا فإنه فيه شبهة النكاح، وأما ما في حديث عائشة فنكاحها باطل؛ فقيل: إنه على شرف البطلان وإن الباطل بمعنى مالا فائدة فيه: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} [آل عمران: 191] ألا كل شيء ما خلا الله باطل، ورجل بطال (بيكار) ، أو يقال: إن هذا الحديث فيما تزوجت بمهر أقل أو في غير كفئها لأنها لو تزوجت في الكفاءة وبتمام الصداق فالغرض حاصل، فإذا تزوجت في غير كفئها أو بمهر أقل ففي ظاهر الرواية لنا أن النكاح صح لكنه يجوز للأولياء فسخ نكاحها برفع القضية إلى القاضي، وفي رواية عن حسن بن زياد أن هذا النكاح باطل من الرأس وأفتى بها المتأخرون، وأفتى بها السرخسي، فإذن لا ضير علينا في لفظ باطل، وأيضاً لفظ «وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» إلخ يفيدنا في أن إذن الولي ليس لكون الإذن حقه بل نظراً للمولية ونقول أيضاً: إن الزهري راوي حديث عائشة ومذهب الزهري موافق لمذهب أبي حنيفة، وأما أدلتنا فمنها ما في الطحاوي ص (5) ج (2) أن عائشة أنكحت حفصة بنت أخيها بابن أختها وكان أبو حفصة عبد الرحمن بالشام وما كانت عائشة وليتها، وقال الحجازيون: إن عائشة لم تنكح بعبارتها بل هيأت الأمر من الرضاء وغيره ثم حولت أمر الإيجاب والقبول إلى الرجال كما في الطحاوي ص (6) ج (2) ، قال الطحاوي: إن هذا لا يفيدهم فإن هؤلاء الرجال لم يكونوا أولياء وكلامنا في الأولياء، ومن أدلتنا على أن الغرض إذن الولي ورضاؤه ولا يجب عبارته ما أخرجه في معاني الآثار ص (7) ج (2) أنه أراد أن ينكح أم سلمة فقال لها، قالت: ليس أحد من أوليائي حاضراً، قال: ليس أحد من أوليائك حاضراً ولا غائباً إلا ويرضاني إلخ، فدل على أن العبارة من الأولياء ليس بضروري بل يكفي إذنهم، فقيل في جواب هذه الرواية: إن المنكح عمر بن أبي سلمة وكان ولياً وعمره أزيد من ثلاث سنين، وقيل: إن عمر هذا كان عمر الفاروق وكان وكيلهما والوكالة جائزة عند الشافعية أيضاً، وقيل: ما أنكح عمر بل أنكح سلمة أخوه الأكبر، أقول: كيف ما قيل الحديث؛ وقوله دال على أن الغرض رضاء الولي، ومما يدل على عدم ضرورة العبارة ما في موطأ مالك ص (216) : وكان أهلها غائباً إلخ، وفيه قال لها: «قد حللت فانكحي من شئت» إلخ، والحديث مرفوع ويجوز لها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النكاح بدون حضور الأولياء، وما تمسك أحد من الأحناف بهذا الحديث، والله أعلم وجه عدم تمسكهم بهذا؟

ولنا أدلة أخر محصاة في موضعها، فأذكر أحد المحملين الذين وعدت فأقول: إن حديث: «لا نكاح إلا بولي» صادق على مذهب أبي حنيفة، فإنها إن نكحت في غير كفئها أو بتنقيص المهر فالحكم مَرَّ، وإن نكحت في كفنها وبتكميل المهر ولم يأذن لها الولي فيجبر الولي على أن يأذنها ويأمره الشريعة بالإذن لحديث علي السابق، والأيم إذا وجدت لها كفؤها إلخ، والآية {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنّ} [البقرة: 232] إلخ، فإن أذن الولي فيها فصدق أنه نكاح بإذن ولي وإن كان الإذن لاحقاً ولا ضير في هذا فإنا نعمم الإذن، وإن لم يأذنها فقد خالف أمر الشارع، فالسلطان ولي من لا ولي له، فحاصل الحديث استرضاء الولي واستئذانه هذا ما حصل لي من المحمل مختصراً، ثم ليعلم أن الخارج من الأحاديث أجزاء، وهي أن يكون النكاح بإذن الولي وإن العبرة للمولية عند تنازع الولي والمولية، وأن الولاة إذا تعارضوا فالولاية للسلطان ولا خلاف لأبي حنيفة في أحدها، وأيضاً اعتبار المولية وترجيحها عند النزاع يقرب الحديث إلى مذهبنا. قوله: (فيها المهر إلخ) هاهنا كلام للطحاوي في مشكل الآثار وقع ضمناً في باب آخر وكلامه ذلك ألطف فليراجع إليه. قوله: (عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة إلخ) سقطت العبارة في أكثر النسخ الصحيح عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة إلخ.

قوله: (فأنكره الزهري إلخ) وضعف الترمذي إنكار الزهري، أقول: روى بشر بن مفضل عن ابن جريح كما روى ابن علية فلا يكون إنكار الزهري بلا أصل.

قوله: (والعمل على هذا إلخ) إني متردد في قول الترمذي هذا، فإذن مذهبهم إثبات أن النكاح لا بد فيه من عبارة الرجال، ولا يدل عليه مثل حديث أبي موسى وعائشة فإذن الأقرب إلى ظواهر الأحاديث مذهب الصاحبين.

باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة

باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة

[1103] البينة شرط عندنا لصحة العقد لا لمحض إثباته.

باب ما جاء في خطبة النكاح

باب ما جاء في خطبة النكاح

خطبة النكاح عندنا مستحبة، وقال في الدر المختار: إن استماع كل خطبة واجب، أقول: إن هذه الكلية في حيز الخفاء فإن في استماع خطبة العيدين توسعاً. وقال الشافعي: يستحب الخطبة في ابتداء كل أمر ذي بال.

باب ما جاء في استئمار البكر والثيب

باب ما جاء في استئمار البكر والثيب

[1105] المذكور في حديث الباب الولاية، وولاية الإجبار عندنا دائرة على الصغر، وعند الشافعي على البكارة، وليس المراد بولاية الإجبار أن ينكحها جبراً وضرباً بل المراد صحة الإنكاح ونفاذه بدون أمرها، وإذن تخرج مواد أربعة، ثنتان منها متفقة عليها، وثنتان مختلفة فيها، وأما حديث الباب فقال الحجازيون: إن الحديث يقابل بين البكر والثيب ولم يتعرض إلى الصغر والبكر، وقالوا: إن بين الاستيئذان والاستئمار فرقاً، وقالوا: إن الاستئمار من الثيب واجب، والاستئذان من البكر مستحب، والحديث في المذهب محمول على الكبيرة، ونقول: إن في الجملتين حكماً وجوبياً، والحديث في الكبيرة لأن الصغيرة لا اعتبار بإذنها فتكون مستثناة عقلاً، ثم ليس ولاية الإجبار عندنا على الكبيرة بكراً كانت أوثيباً إلا أن البكر يكفي صموتها، والثيب يجب التلفظ منها بعين ما في حديث الباب من الاستئمار والاستئذان، وأقول: الأقرب إلى الحديث مذهب أبي حنيفة ووافقه كثير من أئمة الحديث بأن مدار الولاية على الصغر لا البكر، ووافقنا الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي وله اختيارات خلاف الشافعية تزيد على مائة مسألة، وأقول: إن حديث الباب يدل على رجحان حق المولية عند التعارض، فتمسُّكُ بعض الأحناف بهذا الحديث له وجه.

قوله: (الأيم أحق بنفسها إلخ) الأيم في اللغة قيل: من طلقها زوجها أو مات عنها، وقيل: من لا زوج لها وهذا أعلم من الأول، قال الحجازيون: المراد من الأيم الثيب لقرينة المقابلة بين الأيم والبكر هاهنا، والمقابلة بين البكر والثيب، في الحديث السابق، ويراد في هذا الحديث أيضاً الثيب

وقال العراقيون: إن المراد من الأيم الكبيرة التي لا زوج لها، وأما قيد الكبيرة فلما ذكرنا أولاً والشرح ما مر أولاً، وتمسك العراقيون بحديث الباب على أن الولي ليس بشرط لصحة النكاح. أقول: لا يدل الحديث على ما قالوا بل يدل على أن يشترك الولي والمولية، في النكاح ويكون الولي تابعاً لرأي المولية، وأما إذا اختلفا فالترجيح لرأي المولية وقال الترمذي في شرح حديث الباب ما قلت، وقال الشافعية: إذا اختلفا وتريد النكاح في الكفؤ فيجبر الولي على الإنكاح وإلا فالسلطان ولي من لا ولي له، وقال الشافعية: إن الولاية على البكر وليس ولاية الإجبار إلا للوالد والجد، وعندنا الأب ثم الجد، ثم العصبات ثم ذو أرحام، ويخرج صورة عند الشافعية لا يمكن النكاح فيها إلا بعد مدة وهي إن كان صغيرة ثيباً ومات عنها أبوها وجدها فإذن لا تنكح إلا بعد البلوغ ولا يمكن لها سبيل النكاح قبل البلوغ.

باب ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج

باب ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج

[1109] أشكل هذا الباب على الناس لأن حكم الولاية وعدمها على الصغيرة والكبيرة قد مر في الأبواب الأول، قال الطيبي شارح المشكاة: إن المراد من اليتيمة الكبيرة لا الصغيرة، وأطلق عليها لفظ اليتيمة على ما كانت قبل، ومعنى الباب أنهما لا يسارع في نكاحها ما لم تأذن فكأنه شرط بلوغها، فمعناه لا تنكح حتى تبلغ فتستأمر، وقال الشافعية: إن ولاية الإجبار ليست على البكر الصغيرة إلا للأب والجد، والثيب الصغيرة إذا مات أبواها فلا سبيل لنكاحها إلا بعد بلوغها لأنها لا تجبر عليها لأن ولاية الإجبار على البكر، وأما السلطان فلا ولاية له أيضاً لأن ولي الصغيرة ليس إلا الأب

والجد، وقال مالك: لا ولي إلا الأب. والمراد في حديث الباب من اليتيمة البالغة مات والدها أم لا، وقال الشافعية: إن المراد من اليتيمة من مات والدها أي المعنى اللغوي.

باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده

باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده

[1110] نكاح العبد بغير إذن السيد باطل عند الكل، وولاية الإجبار على العبد والأمة للمولى في النكاح لا في الطلاق.

باب ما جاء في مهور النساء

باب ما جاء في مهور النساء

[1111] أقل المهر عندنا عشرة دراهم، وعند مالك ربع الدينار كنصاب السرقة، وعند الشافعي ما اجتمع

عليه الزوجان قلَّ أو كثر، وعند ابن حزم يصح النكاح على حبة شعيرة أيضاً وهو نصاب السرقة عنده، ودليل الشافعية حديث الصحيحين، وأما دليل الحنفية فأكثرنا يحتج بحديث الدارقطني: «لا مهر أقل من عشرة دراهم» أقول: إن في جميع طرقه حجاج بن أرطاة وهو متكلم فيه، وإني لا أتمسك به وإن حسن الترمذي رواياته بل صحح أيضاً في بعض المواضع، وأقول: إن الصحيح تمسكاً ما أخرجه في فتح القدير ص (417) باب الأكفاء بسند ليس فيه حجاج، وأخذ الشيخ متنه من شرح السنة للبغوي وما وجد فيه السند، قال: فجاء في بعض أصحابي بسنده من الحافظ شهاب الدين أبي الفضل ابن حجر العسقلاني وحسنه الحافظ فإذن صح استدلالنا فتتأول في الأحاديث التي فيها المهر أقل من عشرة ونحمله على المهر المعجل وأما الباقي فمؤجل، وهذا الحديث من ما زاد الشيخ على تخريج الزيلعي بحث أصولي بأن زيادة عشرة دراهم في حكم النكاح زيادة بالخبر الواحد على نص القرآن وذلك غير جائز، فيقال: إنه ليس زيادة الركن والشرط بل زيادة الحكم ولكن الحق إن الزيادة على القاطع بخبر الواحد في مرتبة الظن جائز لا في مرتبة القطع أعم من أن يكون شرطاً أو حكماً، ولا بد من هذا وإن لم يذكره أرباب الأصول فإذن لا يرد، واشتراط عشرة دراهم في سرقة النصاب فإنه ثابت بالخبر الواحد ولا يرد اشتراط المصر في إقامة الجمعة وككل اشتراط ستر العورة في الحج وكذلك مسائل أخر، وأما إذا صار خبر الواحد قطعياً فيجوز به زيادة الركن أيضاً أي في مرتبة القطع ويكون قطعياً إذا كان محفوفاً بالقرائن.

قوله: (وهبتُ نفسي إلخ) قال الشافعي: لا يصح النكاح إلا بلفظين النكاح والتزويج، وأما عند أبي حنيفة فيصِح بكل لفظ يدل على التمليك المؤبد، وقال الشافعية: إن صحة النكاح بلفظ الهبة مخصوص به لآية {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] وقال الأحناف: إن الخصوصية في النكاح بلا مهر، وأما تزويجه إياه فإما أن يقال: إنه صار وكيل تلك المرأة، أو يقال: إنه ولي المؤمنين والمؤمنات لآية: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] إلخ، ولكن ولايته مجملة تكون في بعض الأمور لا في البعض الآخر. واعلم أن للمهر في اللغة تسعة أسماء. قوله: (إلا إزاري إلخ) في بعض الروايات أنه قال: يكون بيني وبينها، فبوب الطحاوي في

مشكل الآثار على التهائي بحديث أن يكون الإزار بني وبينها والتهائي أن يكون الشيء مشتركاً بين الشخصين يستعمله كل واحد نوبة بنوبة. قوله: (ولو خاتماً من حديد إلخ) في كتب الأحناف أن خاتم الحديد للرجال حرام، وأما للنساء ففي الجوهرة أنه مكروه للنساء أيضاً كما في رد المحتار، وفيه لا بأس بأن يتخذ خاتم حديد قد لوي عليه فضة. اه، والله أعلم، وفي الحديث: النهي عن خاتم الحديد. قوله: (بما معك من القرآن إلخ) المشهور من مذهب مالك ورواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة أن تعليم القرآن لا يصلح مهراً، وقال الشافعي: يصلح للمهر، وقال في النهر: إن المتأخرين لما أفتوا بجواز الأجرة على القرآن يجوز أن يكون يصلح للمهر أيضاً، وأما الجواب عن حديث الباب عن جانب الجمهور فيقال: إن هذا كان تصاب العلم عندهم عند النكاح ولم يكن مهراً فيعبر عن حاصل الجواب بأن الباء للسببية لا للبدلية، ومثل هذا ما في الترمذي ص (113) ج (2) في فضائل القرآن عن أنس، فلا يكون تأويلاً بل شرحاً، وفي الزرقاني شرح الموطأ أن هذا من خصوصية هذا الرجل لحديث: «لا يكون لأحد بعدك مهر» إلخ، وأحاله إلى سنن سعيد بن منصور، أقول: أخرجه ابن السكن في معرفة الصحابة، وضعفه السيوطي في الخصائص الكبرى. قوله: (ثنتي عشر أوقية إلخ) في الكتب ذكر النش أيضاً، وهو نصف الأوقية أي عشرون درهماً، وكان مهر أم حبيبة أربعة آلاف درهم وزوجها النجاشيُّ النبيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

باب ما جاء في الرجل يعتق الأمة ثم يتزوجها

باب ما جاء في الرجل يعتق الأمة ثم يتزوجها

[1115] سبيت صفية بنت حيي في غزوة خيبر واشتراها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأعتقها ثم تزوجها إلخ، قال أبو حنيفة ومالك والشافعية: إن العتق لا يصلح صداقاً، وروى الترمذي عن الشافعي، وفي كتبنا عن أبي يوسف أنه يصلح مهراً، وجواب الجمهور عن حديث الباب أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعتقها مجاناً وتزوجت إياه بلا مهر، ولم يكن العتق صداقاً فعبر الراوي هذه الواقعة بهذا التعبير، وفي كتبنا أنه إذا أعتق أمة على أن تتزوجه فلم توفِ فعليها ضمان قيمتها، وقال أبو عمرو بن الصلاح: إن الحديث هذا مثل حديث (الدنيا زاد من لا زاد له) وأقول مثله: ~ وخيل قد ولغت لهم بخيل ... تحية بينهم ضر بعد وجيع ومثله آية {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82] ونظائر أخر، وقد أتى الطحاوي بنظير لطيف، وهو أن أبا طلحة خطب أم سليم فقالت: أنكح على أن تسلم، ولم يكن في ذلك الوقت مشرفاً بالإسلام فلا يقول أحد بأن الإسلام كان صداقاً، ثم ظاهر حديث الباب أنه لم يجدد والنكاح أيضاً بل كان العتق بمنزلة النكاح، ولكن سائر الأحاديث يدل على تجديد النكاح، منها حديث الباب الآتي، ولم يذهب أحد إلى أن العتق يكون بمنزلة النكاح بلا تجديد النكاح.

باب ما جاء في الفضل في ذلك

باب ما جاء في الفضل في ذلك

[1116] قوله: (أجرين إلخ) أي أجران على فعلين، ولا يقال: إن الأجرين على فعلين لا ندرة فيه، لأن

الصور المذكورة في الحديث فيها خفاء فذكرّها وذلك كأجرين له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة قاعداً، لا أنه كان يوعَك كما يوعك رجلان منا. قوله: (رجل آمن بالكتاب الأول. . إلخ) ها هنا إشكال، وأذكر جوابه في البخاري، وصورة الإشكال أن حكم الأجرين حكم القرآن، واتفقوا على أن الآية نزلت في عبد الله بن السلام وكان يهودياً ولم يؤمن بعيسى، وقال العلماء: أن يهودياً إذا آمن بموسى ولم يؤمن بعيسى ثم آمن بمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه له أجر واحد.

باب ما جاء فيمن يتزوج المرأة ثم يطلقها

باب ما جاء فيمن يتزوج المرأة ثم يطلقها

[1117] قال الجمهور: إن بين نكاح الأم والبنت فرقاً يشترط الدخول في أحدهما لا في أخراهما، وقال بعض السلف منهم علي: إن الدخول مشروط في الأم والبنت، ومبنى الخلاف تفسير الآية: [النساء: 23] إلخ قيد الأم والبنت وقيد إحداهما.

باب ما جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر إلخ

باب ما جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر إلخ

[1118] لا تجوز هذه المرأة لزوجها الأول إلا بعد دخول الزوج الثاني، وهذا مذهب الأمة المرحومة إلا سعيد بن المسيب كما نسب إليه، واختلف في أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث أم لا، قال محمد: لا يهدم، خلاف شيخيه، والصحابة أيضاً مختلفون في هذا. قوله: (عبد الرحمن بن زَبير إلخ) بفتح الزاء المعجمة، وسوى هذا في تمام ذخيرة الحديث الزُّبير بضم الأول.

باب ما جاء في المحل والمحلل له

باب ما جاء في المحل والمحلّل له

[1119] صنف ابن تيمية جلداً كاملاً في مسألة الباب وغرضه أن النكاح، بنية التحليل وبشرط التحليل باطل، ولا تحل للأول ولا تترتب عليه أحكام النكاح، وهاهنا دقيقة ذكرها صاحب الدر أيضاً أن بين التعليق بالشرط والتقييد به فرقاً، فإن امرأة إذا نكحت، وقالت: نكحت إن كنت عالماً فهذا تعليق

بالشرط، وإن قالت: نكحتك على أن تكون عالماً، وهذا تقييد بالشرط، وفي الصورة الأولى إن لم يكن عالماً لا يصح النكاح، وفي الصورة الثانية يصح النكاح، والمشهور عندنا أن الشرط معصية وإثم؛ والنكاح صحيح، وإن لم يشترط في اللفظ فإن كان الرجل معروفاً بهذا الفعل فمكروه تحريماً كما في فتح القدير، وفي بعض كتبنا أنه إذا لم يشترط في اللفظ فالمِحل له ثواب لأنه نفع أخيه المسلم، وفي رواية عن محمد أنه إذا اشترط يصح النكاح ولا تحل للأول، وفي رواية عن أبي يوسف أن النكاح أيضاً باطل، أقول: يحمل حديث الباب على الاشتراط عند أبي حنيفة بالتفقه، ولأبي حنيفة ما أفتى عمر بسند لعله جيد، ولعله في الكنز ص (170) ج (5) وفتاوى الحافظ: ابن تيمية ص (200) أن رجلاً نكح امرأة للتحليل فقال له عمر: لا تفارق امرأتك وإن طلقتها فأعزرك، فدل هذا على صحة النكاح للتحليل، ولابن تيمية بحث في أن النهي يقتضي البطلان، ومر الكلام مني بقدر الضرورة.

باب ما جاء في تحريم نكاح المتعة

باب ما جاء في تحريم نكاح المتعة

[1121] ذكر ابن همام بين النكاح المؤقت ونكاح المتعة فرقاً بأن في المتعة يكون لفظ التمتع ولا يكون بحضور الشاهدين ولا بتعيين مدة بخلاف المؤقت، وأما في المؤقت فالتوقيت باطل والنكاح مؤبد، ونسب صاحب الهداية جواز المتعة إلى مالك بن أنس، وينكره المالكية صراحة، وأجمعوا على أن نكاح المتعة حرام، ثم أكثر العلماء إلى أن المتعة كانت جائزة ثم نسخت، وأجمعوا على حرمة وعدم جوازه في آخر عهد التابعين، وأما لو وطئ امرأة بنكاح المتعة فهل عليه حدّ أم لا؟ فقيل: لا حدَّ لأنها كانت مختلفة في صحتها في عهد الصحابة كما نسب إلى ابن عباس أنه يقول بجواز المتعة، وكذلك نسب إلى ابن مسعود، فقيل في حق ابن عباس كلمات منكرة كما قال علي: إنك رجل تائه إلخ، وذكر الحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ قيل لابن عباس: قد اضطرب الناس بفتوتك، وأنشدوا عليه أشعاراً منها: ~ قد قلت للشيخ لما طال صحبة ... يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس ~ أهل لك في رخصة الأطراف آنسة ... تكون مثوى لك حتى مصدر الناس فقال ابن عباس: سبحان الله ما قلت إلا أنه كالخنزير والميتة، أي جوازها عند شدة الشبق والاضطرار ولكن الجواز عند الاضطرار أيضاً مذهب ابن عباس لا غيره، فإنه يمكن له دفع الشهوة بالصوم وغيره، ثم قال حذاق المحدثين: إن في فتح مكة كانت جائزة إلى ثلاثة أيام ثم نسخت، وأما الموسعون فقالوا بجوازها في فتح مكة وخيبر وغزوة تبوك وحجة الوداع، ويشير إلى هذا بعض ألفاظ الروايات وأقول: إن مدار جوازها في خيبر مبني على رواية الباب، وقال المحدثون: إن النهي عن لحم الحُمرُ كان في خيبر، وأما النهي عن المتعة المبني على أنها كانت ثم نسخ فواقعة فتح مكة وخلط الراوي بينهما بوهمِه، وقال ابن قيم: كيف تكون جائزة في فتح خيبر مع أن النساء كلها كانت يهودية وما كانت أحدها مسلمة؟ وأما رواية جوازها في غزوة تبوك فغير قوية، وأما في حجة الوداع فالمتعة فيها ليست متعة النكاح بل التمتع المقابل للقران والإفراد، وأما أنا فأتردد في جواز المتعة في زمان ما في الإسلام، وأما ما في فتح مكة فكان نكاحاً بمهر قليل بنية أن يؤبد النكاح وهذا جائز الآن أيضاً، ومستندي في هذا حديث ابن عباس اللاحق.

باب ما جاء في النهي عن نكاح الشغار

باب ما جاء في النهي عن نكاح الشغار

[1123] قال أبو حنيفة: إن النكاح صحيح ويلزم مهر المثل، وقال بعض الأئمة: إن النكاح باطلُ، والسلف أيضاً مختلفون. قوله: (لا جلب ولا جنب إلخ) هذان اللفظان قد يستعملان في الرهان، وقد يستعملان في الزكاة أيضاً، وأما المذكور فى حديث الباب فعندي أن يضم بما في الزكاة كما يشير حديث أبي داود ص (225) بسند قوي: «لا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ الصدقات إلا في دورهم» ، ويشير شعر الحماسي أيضاً إلى أن الجلب والجنب يكونان في الزكاة.

باب ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها»

باب ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها»

[1125] هذه المسألة قد أجمع عليها ونقح أبو حنيفة في مناط [النساء: 23] بأن كل امرأتين إذا فرضت إحداهما ذكراً تحرم على الأخرى لا يجوز الجمع بينهما، ومر ابن قيم على هذا في أعلام الموقعين وقال: إنكم أنكرتم الزيادة على القاطع وهاهنا زيادة بخبر الواحد على القاطع واعترض على ضابطتنا هذه اعتراضات، أقول: قول ابن قيم في هذه المسألة في غاية التساهل فإنه لا زيادة بخبر الواحد على القاطع بل تنقيح المناط في الآية، وأيضاً مسألة الباب لم يثبت بخبر الواحد بل بالخبر المشهور، فإن المشهور عند الفقهاء ما تلقاه الأمة بالقَبول، وتلقى الأمة هذه المسألة بالقبول فتكون الزيادة بالمشهور وذا جائز وإن اقتصر الشهرة والتواتر على تواتر الإسناد فقط للزم كون القرآن العظيم غير متواتر وهذا باطل بداهة، وأيضاً الزيادة المحذورة ما فيها زيادة ركن أو شرط. قوله: (ولا الصغرى على الكبرى. . إلخ) هذا بيان الجملة السابقة وفي رواية أبي داود

ص (283) إشكال فإن فيها: «نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الجمع بين العمتين والخالتين. .» إلخ، وتكلف الشارحون والمحشون فيها فأخرجوا صورة العمتين والخالتين، وظني أن الحديث لا يتعرض إلى النوادر وإنما وجه الحديث أن فيه تغليباً والمراد الخالة وبنت الخالة والعمة وبنت العمة ولا بعد في هذا أصلاً، وهذا مثل أن يقال: إن فلاناً وفلاناً ابنا خالة، والقياس ابنا خالتين.

باب ما جاء في الشرط عند عقدة النكاح

باب ما جاء في الشرط عند عقدة النكاح

[1127] الشروط التي لا تنافي النكاح جائزة ويوفى ديانة، ولا تلزم قضاء عند أبي حنيفة رحمه الله. حكاية: حكي أن أعرابياً دخل على القاضي شريح ولعله كان ضعيف البصر فقال الأعرابي: أين أنت؟ قال القاضي: بينك وبين الجدار، قال: أتسمع مني؟ قال: للاستماع جلست، قال: تزوجت امرأة قال: بالرفاء والبنين، قال: بشرط أن لا أخرجها من البلد، قال: والشرط أملك، قال: أريد أن أخرج بها، قال: بسم الله، قال: على من قضيت؟ قال: على ابن أمك، قال: بشهادة من؟ قال: بشهادة ابن أخت خالتك، وكان القاضي يجيبه ولا يفهمه الأعرابي.

باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشرة نسوة

باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشرة نسوة

[1128] مذهب الشافعي رحمه الله وأحمد ومالك رحمه الله ومحمد رحمه الله أن الرجل يخيّر، يختار أيتهن شاء، وقال أبو يوسف رحمه الله وأبو حنيفة: إنه يختار أولاهن نكاحاً، تمسك الجمهور بحديث الباب، وأجاب الشيخان بما أجاب الطحاوي ص (149) وحاصله أن الكفار مخاطبون بالفروع مثل النكاح، وأما المسألة التي ذكر الشيخان تكون في الأنكحة التي تنعقد بعد ورود النهي عن الزائد على مثنى وثلاث ورباع، وأما الأنكحة التي قبل ورود الشريعة بهذه المسألة فكانت صحيحة فإذا أسلم فأنكحته صحيحة ويختار أيتهن شاء، فالحاصل أن الخلاف في الأنكحة التي بعد ورود النهي، وأما ما مضى قبل ورود الشريعة فلا تبديل فيها، وأما نظير عدم التبديل فيما كان في الجاهلية فما أخرجه أبو داود ص (309) باب الادعاء بولد الزنا ليس له مما قسم من الميراث إلخ، وشرح حديث أبي داود ولم أجد لطيفاً إلا في فتاوى ابن تيمية ضمناً، وحديث أبي داود قوي أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بسند أقوى مما في أبي داود ففيه كثير من الأحكام لعلها تبلغ مائة، وأخرجه أحمد رحمه الله في مسنده، وفيه قال أحمد: كنا عند عبد الرزاق لتحصيل العلم وكان الماء منه على مسافة ثلاثة أميال فكنا نأتي بالماء كل يوم من تلك المسافة، وأما جواب حديث: «من أسلم وتحته أختان» فعلى منوال جواب الطحاوي في حديث الباب، أي اختيار أوليهما فيمن تزوج بعد نزول شريعة: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] إلخ ولا يجب علينا جواب حديث: «من أسلم وتحته أختان» لأنه ضعيف من قبل ابن لهيعة، وإنما اكتفيت على الأجوبة وأما الأدلة فمذكورة في موضعها.

قوله: (قال محمد رحمه الله إلخ) غرض البخاري بيان أن الراوي أوهم وضم متن حديث بسند حديث آخر، ومرَّ على هذا عبد الملك بن قطان المغربي في كتاب الوهم والإيهام واستوفى الكلام واستقر رأيه على صحة الحديثين، أي واقعة رجل في عهده، وواقعة رجل في عهد عمر، وأتى بالمتابعات والشواهد ثم قال: إن صاحب الواقعة في عهده وصاحب الواقعة في عهد عمر واحد، وإن التقفي هو غيلان بن سلمة، وقال: إن غيلان أراد في عهد عمر أن يطلق نسوته ويتبتل ويتجرد فنهاه عمر، وأما قصة أبي رغال فمعروفة.

باب ما جاء في الرجل يشتري جارية وهي حامل

باب ما جاء في الرجل يشتري جارية وهي حامل

[1131] قال أبو حنيفة: يجب استبراء الأمة المشتراة بكراً كانت أوثيباً، وقال الشافعي رحمه الله في الاستبراء في البكر، ويذكر في كتب أصول الشافعية أن تخلف الحكم عن العلة مثل السفر لقصر

الصلاة فغير جائز، ويجوز تخلف الحكم من الحكمة مثل المشقة في السفر، ويكفي وجود الحكمة في نوع الحكم فقط، ثم قالوا: إن النوع المنضبط لا يخلو من الحكمة، ويجوز خلو النوع المنتشر من الحكمة، فإذن حكمة الاستبراء عندنا مفقودة في البكر، وأقول: قال في فتاوى قاضيخان: إن البكر يمكن علوقها بوصول الماء إلى الرحم بلا دخول رجل، فإذن لم يفقد حكمة الاستبراء في البكر أيضاً. اطلاع ضروري: في سند الباب اللاحق عثمان التبتي وذكر الخطيب البغدادي في بعض تصانيفه الألفاظ المنكرة في حق أبي حنيفة، وذَكر أن أبا حنيفة ذكر مسألة عند رجل فقال الرجل: إن النبي يقول هكذا، قال أبو حنيفة: ينبغي للنبي أن يتبعني. أقول: هذا القول لا يمكن من أدنى المسلمين، وكيف يقول بهذا من هو إمام المسلمين من الأمة المحمدية؟ والحق أن هذا ليس النبي بل هو عثمان التبتي ووقع التصحيف من الكاتب فأخذ الخطيب ونقله عن أبي حنيفة بدون أن يتدبر في حقيقة الحال، فجاء الخوارزمي ورد على الخطيب البغدادي ثم جاء ملك حنفي الملك المعظم فتصدى إلى جواب الخطيب وصنف السهم المصيب في كبد الخطيب، وهذا السلطان كان يعمل بما روي عن أبي حنيفة فقط، وأخرج جميع مسائل أبي حنيفة وأفرزها في كتاب كان يداوم عليه في مسائل الفقه، وأما في الحديث فكان أمر بتبويب مسند أحمد على أبواب الفقه وكان يدارسه وترجمته مذكورة في تاريخ ابن خلكان.

باب ما جاء في كراهية مهر البغي

باب ما جاء في كراهية مهر البغي

[1133] حرام عند الكل ذكر أخي يوسف لپي في حاشية شرح الوقاية أن أجرة المزنية في الإجارة الفاسدة طيبة لها، واعترض رجل من غير المقلدين وقال: إن أبا حنيفة يجعل أجرة البغي طيبة وهذا خلاف نص الحديث وإجماع الأمة، وأجاب مولانا المرحوم الگنگوهي أن صورة المسألة أن يستأجر رجل امرأة لعمل ما من الطحن (حكي ميسينا) أو الخبز أو غيرهما واشترط معهما أنه يزني بها فإذن أجرة عملها طيبة ألا يرى إلى أنهم يذكرونها في باب الإجارة الفاسدة. واعلم لپي بمعنى مولانا، وفي اللسان الرومي يكون النعت متأخراً ومعنى أخي (صوفي) في الرومية. قوله: (ثمن الكلب إلخ) قال الشافعي: إن الكلب نجس عين ويرد عليه جواز اقتنائه للزرع أو للصيد، ونجس العين الذي تكون المستثنيات من الشعر والعظم وغيرهما منه نجسة، والمشهور عندنا أنه نجس اللحم لا العين، وفي قاضيخان رواية عن أبي حنيفة في كونه نجس العين قد صححهما أرباب المطولات والمبسوطات، ثم في الهداية: جواز بيع الكلب المعلم وغيره، وقال السرخسي شيخ صاحب الهداية جواز البيع منحصر في المعلم، أقول: ثبت استثناء الكلب المعلم في الأحاديث أخرج النسائي ص (701) عن جابر: «إلا كلب صيد» إلخ، وأنكره النسائي وقال: إنه منكر، والرجال ثقات والله أعلم، وقال العيني: أخرج أحمد في مسنده: «نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ثمن الكلب إلا كلباً معلماً» . ويمكن جواب عموم حديث الباب، ورواية أيضاً بأن المراد أن لا يجعل الكلب مملوكاً بل يترك مباح الأصل، فلا تنافي بين الحديث والجزئيات المجازة ومثل هذا ما قال الخطابي في شرح أبي داود في باب الهرة إن النهي عن جعل الهرة مملوكة، ولنا أيضاً ما في الطحاوي أن رجلاً قتل كلب رجل فأخذ عثمان ضمانه وأعطى مالك الكلب. قوله: (وحلوان الكاهن إلخ) ويندرج في الكاهن الرمال والجفار وعالم النجوم وغيرهم.

باب ماجاء في العزل

باب ماجاء في العزل

[1136] وهو أن يطأ امرأته ويخرج العضو عند الإنزال وينزل خارج الفرج. قال الفقهاء: لا يجوز العزل في الحُرة إلا بإذنها، ولا في الأمة بغير إذن وليِّها، هذا كله قضاءً، وأما ديانة فلم يرض به الشريعة وتدل الأحاديث على الكراهة، ما يدل حديث الباب على عدم الكراهة، فإن جوابه هذا لرد زعم اليهود ورد كليتهم وإن كان لقولهم في ما نحن فيه بعض اتجاه، وهذا شبيه حديث الرجلين الذين لم يدخلا في صلاة الصبح خلفه، وحديث أن طفلاً من أطفال المسلمين مات فقالت عائشة: طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما أدراك؟ وإنكاره كان على تسارع عائشة وإلا فأطفال المسلمين في الجنة إجماعاً، وفي الحديث أنه قال رجل: أأعتزل يا رسول الله؟ فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله يخلق ما يشاء تعتزل أم لا» ثم جاء الرجل بعد مدة وقال: كنت اعتزلت وحبلت امرأتي فقال: «قد كنت قلت: إن الله يخلق ما يشاء» فالخارج من الأحاديث قبح العزل، منها حديث الباب اللاحق.

باب ما جاء في القسمة للبكر والثيب

باب ما جاء في القسمة للبكر والثيب

[1139] يقيم عند البكر الجديدة سبعة أيام، وعند الثيب الجديدة ثلاثة أيام، ثم هذه الأيام تكون زائدة على القسمة بين القديمات والجديدات عند الحجازيين، وعندنا تكون هذه الأيام معدودات في أيام القسمة أي يقيم بعده عند القديمات أيضاً سبعة أو ثلاثة، وقال مولانا عبد الحي في شرح موطأ محمد: إن الحديث للحجازيين، ويرد على أبي حنيفة، أقول: ما من لفظ دال على أن هذه الأيام تكون فاضلة على أيام القسمة ليكون الحديث يرد على أبي حنيفة، وأتى الطحاوي ص (16) ، ج (2) برواية تدل على أن هذه الأيام لا تكون فاضلة ومتمحضة للجديدة ووجه الاستدلال أن أم سلمة تزوجها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأقام عندها ثلاثة أيام فاستزادت فقال: «لو سبعت لك لأقوم عند غيرك أيضاً سبعة أيام» فتسبيعه لهن أيضاً يدل على أن هذه الأيام ليست متمحضة للجديدة، وتأولوا فيه بأنها إذا استزادت بطل حقها الأول أيضاً، لكن هذا تأويل، وحديث الطحاوي قوي رواه بثلاث طرق قوية.

باب ما جاء في الزوجين المشركين أسلم أحدهما

باب ما جاء في الزوجين المشركين أسلم أحدهما

[1142] قال أبو حنيفة: إذا أسلم أحدهما يعرض الإسلام على الآخر فإن أسلم فبها وإلا ففرق، ومثل هذا روى الطحاوي عن عمر الفاروق وهذا إذا كانا في دار الإسلام، وأما في دار الحرب فإذا أسلمت تنتظر ثلاث حيض ثم تبين، وقال البعض: تبين في الحال ولكنها تعتد، وقال الحجازيون: إن

أسلم قبل مضي العدة فالزوجة لها، وإن أسلم بعد العدة فلا، واختصر الترمذي في بيان مذهبه اختصاراً مخلاً. قوله: (بنكاح جديد إلخ) كانت بناته على الفطرة وتحت الكفار إلا فاطمة، وكانت زينب تحت أبي العاص، وأما حديث بنكاح جديد فنقول: أولاً بأن في سند الحديث حجاج بن أرطاة، وثانياً بأن أبا العاص كان بمكة وتبائن الدارين سبب الفرقة. قوله: (بعد ست سنين إلخ) هذا الحديث يخالف الحديث السابق في تجديد النكاح، وللحنفي أن يقول: إنه ما عرض الإسلام على أبي العاص، ووقع في بعض الروايات: ردت عليه بعد سنتين، وعلى التقديرين يشكل الأمر على الشافعية، فإن الظاهر انقضاء العدة في هذه المدة، وأقول: إن الروايتين صحيحتان، والواقعة أن أبا العاص جاء أسيراً في غزوة بدر، فأرسلت زينب قلادتها للفدية فلما رآها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرفها وبكى وسالت دموعه، فقال: لو شئتم تركتم أبا العاص مجاناً فتكروه مجاناً فوعده النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرسل زينب إلى المدينة، فأوفى العهد فأرسل زينب إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم جاء أبو العاص أسيراً بعد بدر بسنتين فزعمت زينب أنه سيقتل فجاءت والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي فقالت: أنا بنت رسول الله وأمنت أبا العاص، فقال: «ذمة المسلمين يسعى بها أدناهم» ثم ذهب بعد هذا وجاء بعد سنتين مسلماً. فيحمل ست سنين على ما بعد الهجرة، وأربع سنين بعد بدر وسنين بعد أسر ثانياً، فإذن ادعاء الشافعية عدم انقضاء عدتها في هذه المدة بعيد جداً، ونقول: إنه لم يعرض عليه الإسلام، وذكر في الطحاوي ص (150) ج (2) عن أبي توبة عن محمد بن حسن بما حاصله أن نهي التناكح بين المسلمين والكافرين نزل في السنة السادسة كما يدل حديث البخاري أن نزول النهي في السنة السادسة أي عام الحديبية حين طلق عمر زوجته، فإذن لا احتياج إلى احتمال أنه عرض عليه الإسلام أم لا،

وقيل: إن نزول الآية في مكة ولكن قول هذا القائل يخالف ما في البخاري، ثم قال الشافعي: إن المؤثر في التفرقة هو السبي، وقال أبو حنيفة: إن المؤثر هو تباين الدارين كما في الهداية ص (330) وظاهر آية {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] له، فإن الآية تشير إلى أن المؤثر الملك وذلك يكون بالسبي من دار الحرب. والله أعلم.

كتاب الرضاع

كتاب الرضاع

باب ما جاء يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب

باب ما جاء يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب

[1146] هكذا المسألة عندنا إلا في بعض مستثنيات ذكرها الأكثرون إحدى وعشرين صورة، وجعلها صاحب البحر أربعة وثمانين صورة، ثم قال: لا انحصار في هذا بل يجب ضابطة، ثم قالوا: إن هذا استثناء ليس بالعقل بل ليس التحقيق والاستثناء في الواقع بل صورة، فإن المعنى المحرم مفقود في هذه المستثنيات وذكر صاحب الدرر في جمع الصور السبعة شعرين: ~ يفارق النسب الإرضاع في صور ... كأم نافلة أو جدة الولد ~ وأم أخت وأخت ابن وأم أخ ... وأم خال وعمة ابن اعتمد أقول: يقيم شعر آخر لتكميل السبع وهو مني: ~ وأم أخت ابن أم أو بنت عمة ... فخذهما في تمام السبع واقتصد ويعلم أن الحرمات تسعة، منها حرمة النسب، فالمحرمات بالنسب في القرآن سبع، وقصرها صدر الشريعة في النقاية على أربع، وهي الأصول والفروع وفروع الأصل القريب أي الأب والأم وصلبيات الأصل البعيد، ومنها حرمة المصاهرة، وهي في أربعة فإن أصول الواطئ وفروعه تحرم على الموطوءة نفسها، وأصول الموطوءة وفروعها على الواطئ نفسه، وها هنا إشكال من الشيخ ابن الهمام وهو أن الشريعة تحيل الرضاع على النسب لا على المصاهرة، فإذن لا يحرم بالرضاع ما هو نظره حرام بالصهر، فإذن يرد أن زوجة الأب رضاعاً حرام على الولد وزوجة الابن رضاعاً حرام على الأب

إجماعاً، والحال أن الحرمة في زوجة الأب أو الابن ليسا بسبب الصهر وما أجاب الشيخ عن الاعتراض، وأقول: لا إشكال فإن الحرمة في زوجة الابن أو الأب نسباً ليست من جهة الصهر فقط بل النسب أيضاً دخيل فيها كما يدل لفظ الأب والابن، ومنشأ الإشكال ذكر الفقهاء الصورتين المذكورتين في باب المصاهرة لا النسب فالإشكال منحل.

باب ما جاء في لبن الفحل

باب ما جاء في لبن الفحل

[1148] قال بعض السلف: إن الرجل الذي لبن المرأة منه لأجله ليس أب الرضيع فلا تكون الحرمة من جانب الأم خلاف الفقهاء الأربعة فإن لبن الفحل عندهم معتبر، وفي حديث الباب إشكال بضم حديث آخر وهو أن في الروايات أن رجلاً دخل بيت حفصة فشكت عائشة إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن رجلاً أجنبياً دخل على حفصة فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنه عمها رضاعاً» فإذن إن كان شكوى عائشة مقدمة على واقعة الباب فالسؤال في واقعة الباب على غير محله فإنها علمت المسألة من قبل، وإن كانت الشكوى متأخرة فشكواها على غير محلها لأنها عالمة المسألة، وحل الإشكال أن للعم رضاعاً ثلاث صور فعلمت صورة لا أخرى.

قوله: (كرهوا لبن الفحل إلخ) أي أثبتوا به الحرمة.

باب ما جاء لا تحرم المصة ولا المصتان

باب ما جاء لا تحرم المصة ولا المصتان

[1150] المصة فعل الرضيع والإملاجة فعل المرضع، قال أبو حنيفة ومالك: ثبت الحرمة بلبن وصل إلى الجوف قل أو كثر، وفي بعض كتب المالكية أن هذا مذهب جمهور السلف، وقال ابن تيمية في فتاواه مثل ما نقل هذا البعض، وقال أحمد: لا تحرم المصة والمصتان بل ثلاث مصات فظاهر حديث الباب له، وقال الشافعي رحمه الله: ثبوت الحرمة إنما هو بخمس مصات وفي بعض كتب الشافعية: أن المحرم خمس رضعات مشبعات في خمسة أوقات جائعات، وتمسك الشافعي رحمه الله بالحديث الآتي في الباب ولنا ظاهر القرآن، ونقول: نسخ أولاً عشر مصات ثم سائرها تدريجاً، ثم قال الأحناف: إن ظاهر حديث عائشة أن حكم خمس رضعات من القرآن ولا نجده في المصاحف، فقال الشافعية: لعلها نسخت تلاوته سيما إذا روي عن عائشة قالت: كان هذا الحكم في مصحفي فأكلته الشاة. وقال الأحناف: إن الآية ليست بمتواترة وكان حكمها أولاً ثم نسخ وصار ثلاث مصات ثم نسخت هذه أيضاً، وقال ابن جرير الطبري الحنفي معاصر ابن جرير الطبري صاحب التفسير: إن استدلال الشوافع أكلته الشاة.

قوله: (وجبن عنه إلخ) إن كان صيغة الماضي فتكون مقولة الترمذي، وإن كان مصدر فمقولة أحمد، وهذا أفصح عندي، ومثل هذا اللفظ عن أحمد في ابن ماجه أيضاً، ويمكن لأحد أن يقول: إن مَيلان البخاري إلى الجمهور فإنه وضع التراجم على الرضاع ولم يخرج حديث الشافعي وأحمد.

باب شهادة ما جاء في المرأة الواحدة في الرضاع

باب شهادة ما جاء في المرأة الواحدة في الرضاع

[1151] شهادة الرضاع عندنا كشهادة المال أي رجلان أو رجل وامرأتان، وأما شهادة امرأة فالعبارات فيها منتشرة ومفهوم ما في باب المحرمات والرضاع في قاضي خان أنها تقبل قبل النكاح لا بعدها، وأما شهادة امرأة واحدة كما في حديث الباب فحمله ابن همام على التورع، وإني وجدت في حاشية البحر للرملي أن شهادتها تقبل ديانة لا قضاء.

باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين

باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرّم إلا في الصغر دون الحولين

[1152] مدة الرضاعة عند الشافعي رحمه الله وأحمد رحمه الله وصاحبي أبي حنيفة سنتان، وعند أبي حنيفة سنتان ونصفها، وعند مالك الزائد على الحولين وأقل من ثلاثين شهراً، ويحول هذا إلى من

ابتلي به وأكثر المصنفين قصروا في هذه المسألة، قال صاحب الهداية: متمسكناً {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: 15] وكان مقتضى الآية أن يكون الحمل أيضاً سنتين ونصفها إلا أن عائشة قالت: إن الحمل لا يزيد على سنتين. أقول: هل يقبل أحد هذا القول؟ فإنه كيف نسخ آثر عائشة نص القرآن؟ ورد ابن الهمام ما قال صاحب الهداية ثم اختار مذهب الصاحبين، أقول: الوجه ليس ما قال صاحب الهداية بل الوجه ما ذكره الزمخشري في الكشاف، النسفي في المدارك أن الحمل الحمل على الأيدي لا الحمل في البطن، وقال الجمهور: إن المذكور في آية: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: 15] مدة الحمل في البطن والفطام فإن أقل مدة الحمل ستة أشهر، أقول: كيف يحمل نص القرآن على الأشذ الأندر؟! والحال أن عادة الشريعة أخذ الحكم الكلي أو الأكثري لا الأندر، وإن قيل: إن أقل مدة الحمل عند أبي حنيفة أيضاً كذلك. قلت: لا ضير فيه فإنه لا يحمل الآية على الأشذ، وأما آية: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] إلخ فليست بصدد بيان مدة العظام والمذكور فيها أن المرأة إذا طلقت فاستأجرها الزوج للرضاع فيجوز لها أخذ الأجرة إلى الحولين لا بعدهما والمذكور في هذا الركوع جميعه حكم الأجرة وغيرها ليراجع أحكام القرآن لأبي بكر الرازي فإنه وجه المذهب.

باب ما جاء يذهب مذمة الرضاع

باب ما جاء يذهب مذمة الرضاع

[1153] بكسر الذال الحق قوله: (غرة عبد إلخ) قال التفتازاني: إن الغرة بياض جبهة الفرس قدر الدرهم، والمراد هاهنا العبد، والغرة من أسماء العبيد كما يقال في الفارسية (يك شاخ گوسپند ويك رأس قلبه گأو (وهكذا) ؛ ووقع في الصحيحين: قال أبو بكر: والله لأقاتلهم ولو منعوني عقالاً، فقيل: إن ذكر العقال مبالغة،

وقيل: إن موالك المواشي كانوا يعطون مواشي الصدقات مع عقالهم، وقيل: العقال زكاة العروض، وقيل: العقال زكاة الحول، أقول: يمكن أن يكون العقال اسم الحيوانات مثل الغرة للعبد، وثبت المعنى في اللغة. قوله: (هذه كانت أرضعت إلخ) اسمها حليمة السعدية والواقعة أنه أقام بحنين حين فرغ من غزوة حنين ليأتوه مسلمين ويرد إليهم أموالهم فجاؤوا وجاءت حليمة السعدية أيضاً فبسط النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها رداءه، واختلف أهل معرفة الصحابة في إسلامها والأرجح الغالب أنها أسلمت.

باب ما جاء في الأمة تعتق ولها زوج

باب ما جاء في الأمة تعتق ولها زوج

[1154] قال الحجازيون: لو عتقت فلها الخيار ولو عتق فلا خيار، وقال أبو حنيفة: إن لها خياراً في الصورتين، والواقعة واقعة مغيث وبريرة، فقال راوٍ: إنه كان عبداً يوم عتقت، وقال راوٍ آخر: إنه كان حراً يوم عتقت، والرواة كبار أجلة، وقال بعض الحنفية: إن المراد أنه كان عبداً ثم عتق فاجتمع

الروايتان، وللحافظين هاهنا كلام، فقال ابن حجر: إن قطعة: كان زوجها حراً إلخ منقطعة وقول الأسود. أقول: إن في حديث الباب لفظ قالت. . إلخ صيغة المؤنث، ونقول أيضاً: إن بعض الروايات تصريح قول عائشة كما روي، قال علقمة والأسود سمعنا عائشة تقول: كان زوجها حراً حين عتقت صحح إسناده أخرجه أبو بشر الدولابي في كتب الأسماء والكنى، وفي سنده أبو معشر وهو زياد بن كليب، وقال العيني: إنه لا يخالفنا إلا قول ولو كان عبداً لم يخبرها إلخ، وذلك قول عروة كما هو مصرَّح في النسائي، وكذلك قال الطحاوي، وأما تفقه التخيير فذكره في الهداية بما ردّه ابن قيم شديداً وأقول: والوجه ما ذكره الطحاوي من أن الأمة كانت قبل عتقها عليها ولاية الإجبار، وأما إذا اعتقت فلا بدّ من أن تكون مختارة فترتفع ولاية الإجبار، وأما قول ابن عباس إنه عبد أسود إلخ فلا يدل على كونه عبداً في الحال بل باعتبار ما كان، ولي بحث في أن ابن عباس جاء إلى المدينة مع أبيه في السنة التاسعة وأنها عتقت قبلها وكانت تخدم عائشة، فإنه سألها عن شأن عائشة في قصة الإفك، وأقول: إن كونه عبداً أو كونه حراً لا يضرنا أصلاً فإنا نقول بالتخيير في الحالين حر وعبد.

باب ما جاء أن الولد للفراش

باب ما جاء أن الولد للفراش

[1157] ظاهر الحديث أن الحديث يوافق ما قال أبو حنيفة، وقال النووي: إن أبا حنيفة جمد على ظاهر حديث الباب، واعلم أن الفراش عندنا ثلاثة أقسام، القوي: وهو فراش المنكوحة فإن نفي ولدها لا يمكن إلا باللعان، والمتوسط: وهو فراش أم الولد كان أقر قبل الولد الثاني وما بعده لا ينتفي إلا بالنفي ويثبت النسب بالسكوت، والضعيف: وهو فراش أمة حين ولدت أول مرة فإنه لا يثبت إلا بالدعوة والإقرار، وبناءً على هذه المسألة قلنا: إن رجلاً شرقياً تزوج امرأة غربيةً فأتت بالولد بعد ستة أشهر ولا يتصور الجمع بينهما فالولد عند أبي حنيفة للفراش أي للزوج المشرقي، واستبعده النووي، وقال: إن أبا حنيفة جمد على محض ظاهر الحديث، ولما زعم ابن الهمام أنه مستبعد تعرض إلى التقييد فقال: إنه لعله استخدم أو كانت له كرامة وتبعه صاحب الدر المختار في باب ثبوت النسب (قيل: إن كل معجزة تصح كرامة للولي، وقيل: إن الكلية غير صحيحة والحق أن بعض المعجزات تكون مختصة بالأنبياء ولا تصلح كرامة للولي، أقول: الأرجح هو الثاني وهو مذهب الأستاذ أبي القاسم القشيري صاحب الولاية) ، أقول: إن من استبعد مسألة أبي حنيفة فقد غفل عن باب مستقل في الفقه وهو باب اللعان، فنقول: إن ولدت المغربية ولم ينف المشرقي ولده، فكيف يمكن لأحد أن ينفي الولد، وإذا علم الزوج أنه ليس من نطفتي فعليه أن يلاعن، وروي عن أبي حنيفة أن الرجل إذا علم أن الولد ليس من نطفتي فعليه أن يلاعن وجوباً عليه ديانة، نعم لا حق للقاضي في الاستفسار قبل رفع الأمر إليه، ومسألة وجوب اللعان ذكره في الدر المختار ص (267) ، الإقرار بالولد الذي ليس منه حرام كالسكوت إلخ فإذن امتناعه عن اللعان يوجب لحوق الولد بأبيه وثبوت نسبه منه شرعاً، وروي عن أبي حنيفة في رد المحتار أن المولى إذا علم أن ولد أمته من نطفته فيحرم عليه السكوت والامتناع عن الدعوة والإقرار ديانة، وأما قضاءً فلا يثبت النسب إلا بالإقرار والدعوة فصار حاصل المسألة أنه إذا علم أن الولد ليس منه فيحرم عليه الكف عن اللعان ديانة وإذا لم يلاعن فليس لأحد أن ينفي ولده، والعجب من الشافعية أنهم استبعدوا هذه المسألة والحال أنهم يقولون بمثل هذا في مسألة أخرى لهم، وهي أن مذهب مالك أن المرأة ترجم بالإقرار أو البينة أو الحبل إذا لم تكن تعلم نكاحها ومذهب الأحناف والشافعية أن الرجم لا يكون إلا بالبينة أو الإقرار لا بالحبل، ثم قال الشافعية: إن المرأة إذا حبلت ولا نعلم نكاحها بأحد فكيف ترجم؟ فإنها لعلها نكحت خفية، وهل يجب علينا استفسار أنها

نكحت أم لا قبل رفع القضية إلينا بالإقرار أو البنية؟ فإذن لم يبق في مسألة أبي حنيفة استبعاد شيء. قوله: (وللعاهر الحجر إلخ) العاهر الزاني، والحجر قيل: الرجم، وقيل: المراد الذلة والخيبة.

باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن

باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن

[1164] أي الإيلاج في الدبر وهو حرام بإجماع الأمة لا يشذ عنهم شاذ، وجوزه الروافض الملاعنة. وقالوا: إن هذا الفعل ليس في الحيوانات أيضاً إلا في الحمار والكلب والله أعلم، وهاهنا مغلظة شديدة تخرب البلاد وتدعها بلاقع، فإنه نسب إلى ابن عمر جواز الإدبار في النسوان وهذه نسبة ما تدع البلاد بلاقع، وقد ذكر الإمام الهمام البخاري أيضاً في هذه المسألة حيث روى عن نافع عن ابن عمر وذكر: (ويأتيها في. .) ولم يذكر مدخول (في) أقول: إن هذه النسبة إليه محض افتراء عليه، ومنشأ الغلط أنه يجوز أن يأتي الزوج من جانب الدبر والحال أن غرضه أن يكون الإيلاج في القبل لا في الدبر، وقد صرح ابن عمر خلاف ما نسب إليه كما رواه الطحاوي ص (23) ، ج (2) باب وطئ النساء في أدبارهن إنحمض لهن، قال ابن عمر: وما التحميض؟ فذكرت الدبر، فقال ابن عمر: وهل يفعل من المسلمين. . . إلخ.

باب ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة وحدها

باب ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة وحدها

[1169] واعلم أن الحديث في السفر غير سفر الحج وأما العلماء فيذكرون مسألة سفر الحج تحت هذه الأحاديث، وكذلك الطحاوي وغيره فعل مثل هذا أي ذكر سفر الحج تحت هذه الأحاديث، ثم ورد في الأحاديث: «لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام» ، وفي بعض الروايات سفر يوم، وفي بعض الروايات سفر يوم وليلة وغيرها من الألفاظ، ومذهب أبي حنيفة أن سفر الحج إن كان ثلاثة أيام فلا تسافر إلا ومعها محرم، وإذا كان أقلَّ من ثلاثة أيام فيجوز لها السفر، فيقال: إن الأحاديث ترد على أبي حنيفة، أقول: لا ترد على أبي حنيفة، فإن الأحاديث ليست بواردة في سفر الحج بل في غيره من الأسفار، والمحقق فيها أن يدار الأمر على الفتنة وعدمها ويحول الأمر إلى رأي من ابتلي به ولا يكون فيه تحديد الأيام، وهذا ما تحقق لي من المذهب وإن لم يصرح به أحد.

باب حدثنا نصر بن علي الخ

باب حدثنا نصر بن علي الخ

[1172] قال الغزالي: إن الشيطان يدخل في بدن الإنسان ويسري فيه، وقال ابن حزم الأندلسي: إنه يلقي الوساوس على الإنسان من الخارج بلا سراية، أقول: إن القرآن يؤيد ما قال ابن حزم الأندلسي كما في آية: {يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] إلخ، وأما في حديث الباب فهذا مثل: ~ وقد كنت أجري في حشاهن مرة ... كجري معين الماء في قصب الآس واعلم أن الجن والشيطان من نوع واحد وتأثيرهما في الإنسان بطريق واحد. قوله: (فأسلم إلخ) في رواية «أسْلَمُ» أقول: يمكن أن يُسلم الشيطان وأن تُركَّب الشهوة في المَلَك، وقال البيضاوي والرازي: إِن هاروت وماروت ما كانا ملكين بل هذا تمثيل النفس والبدن. أقول: إن قصة هاروت وماروت مروية بحديث، قال الحافظ: إنه ليس بلا أصل، فأقول: لا يلتفت إلى غيره.

كتاب الطلاق واللعان

كتاب الطلاق واللعان

باب ما جاء في طلاق السنة

باب ما جاء في طلاق السّنّة

[1175] الطلاق على ثلاثة أقسام: الأحسن: أن يطلق في الطهر الذي لم يجامع فيه واحدة ولا يراجع، وطلاق السنة ثلاث طلقات في ثلاث أطهار، وطلاق البدعة: ثم هذا عندنا إما من حيث العدد وإما من حيث الوقت، أما من حيث العدد ثلاث طلقات في طهر واحد، وأما من حيث الوقت فالطلاق في الحيض، وأما عند الشافعية فلا بدعة من حيث العدد، وعندنا لا طلاق بدعة من حيث الوقت في حق الحامل فإنها لا تحيض، ووقوع طلاق البدعة عند الفقهاء الأربعة والبخاري محقق خلاف ابن تيمية، أما تمسك الأحناف والحنابلة على أن البدعة من حيث العدد أيضاً فبالآية: [البقرة: 229] إلخ أي مرة بعد مرة، أي تفريقاً، وأما إذا طلق ثلاث طلقات فلا تقع عند داود الظاهري وابن تيمية، وكذلك نسب إلى ابن عباس إلا طلقة واحدة، وقال: إن الطلاق المنهي عنه لا يترتب عليه الأحكام، وعندي في خلافه نصوص كثيرة، وقال: إن رجلاً إذا وكل رجلاً بأن ينكح فأنكح الوكيل نكاحاً فاسداً لا ينفذ النكاح في حق الموكل، وكذلك وكل الله تعالى عباده بالطلاق فلا ينفذ الطلاق المنهي عنه عنده تعالى. أقول: لو التفت ابن تيمية إلى كلام الطحاوي لم يقل ما قال. قوله: (أن يراجعها إلخ) لنا في الرجوع قولان؛ قيل: واجب، وقيل: مستحب، ورجح صاحب الهداية الأول.

قوله: (فَمَهْ، أرأيت إلخ) قال ابن تيمية: إن طلاقه باطل، والشرح عنده: أرأيت أن الأحكام تتبدل إن عجز واستحمق بل ولا تقع الطلقة، أقول: إن في مه (ما) استفهامية، والهاء بدل الألف، وقد صرح ابن حاجب بأن الألف قد تتبدل بالهاء، والشرح عند الجمهور: فما تقول، أتتعطل الأحكام الشريعية؟ أقول: كيف ينكر ابن تيمية وقوع الطلاق والحال أن في كثير من طرق مسلم ص (476) تصريح الطلقة الواحدة، والفاء الداخلة على (مه) تلغو على شرح ابن تيمية لا شرح الجمهور، ويدل بعض طرق الحديث على أن ما استفهامية كما في مسلم (476) : فما يمنعني؟ إلخ، وأما المراجعة ففي بعض الروايات أنه يطلق في الطهر اللاحق وفي بعض الروايات أن يطلق في الطهر الذي بعد الطهر اللاحق، ولنا أيضاً قولان مثل الروايتين، وأبدى حكمته ابن رشد في قواعده. قوله: (ثم يطلقها طاهراً أو حاملاً إلخ) الحامل لا تحيض، عندنا، وقال الشافعية: تحيض، وتمسكوا بحديث الباب أي التقابل بين الطاهر والحامل، ونقول: إنه لا تمسك لكم فيه، ونقول: إن الطاهر على قسمين حامل، وحائل، وإني سألت من أهل التجربة هل تحيض؛ أم لا؟ فقالوا: قد تحيض ومثل هذا التأييد لأهل الطب، روي عن ابن عباس في مسند الدارمي: أن الحامل إذا حاضت تزيد الأيام على وضع حملها قدر ما حاضت، فأقول: إنها تحيض لكن الأحكام لم تفرد لها لأن بناء الأحكام على الأغلب، وحيض الحامل أندر وحجتنا على أن الحامل لا تحيض هي مسألة استبراء الأمة المشتراة، فإنها لو حاضت حالة الحمل أيضاً. فأي جدوى في الاستبراء؟ فلعل الدم الذي تراه الحامل دم لمرض لحقها. قوله: (أحمد إلخ) أقول ليس مذهب أحمد هذا بل مذهبه مذهبنا. مسألة: هل الطلقة الواحدة البائنة بدعة أم لا؟ فقيل: بدعة لأنها فاضلة عن الحاجة، وقيل: ليست ببدعة، والقولان مذكوران في المبسوطات، واتفقوا على أن الخلع وإن كان طلاقاً بائناً لكنه ليس ببدعة.

باب ما جاء في الرجل يطلق امرأته ألبتة

باب ما جاء في الرجل يطلق امرأته ألبتة

[1177] يحتمل أن يكون هذا حكاية طلاقه بلفظ (ألبتة) أو حكاية الطلاق ثلاثاً، وقال أبو حنيفة: يصح نية الواحدة البائنة والثلاث في ألبتة، وقال الشافعي: يصح نية الثنتين أيضاً، وأما الواقعة ففي أكثر الطرق أنه طلق بلفظ ألبتة، وفي بعضها أنه طلق ثلاثاً كما في أبي داود ص (298) ، ص (306) باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث رواه ابن جريج، ورجح المحدثون أنه طلق بألبتة، أقول: إن كان طلق ثلاثاً فأمره بالمراجعة فيحمل على جزئية في كتب الشافعية والحنفية كما في الدر المختار ص (139) أنه لو أراد التأكيد لا التأسيس يصدق ديانةً وكان سؤاله لعلم أنه أراد الواحدة أو الثلاث، وأما لو كان طلق بألبتة فيشكل الأمر على الحنفي، فإنه يقول: إن الكنايات بوائن، وقال الشافعي: إنها رواجح، فأمره بالمراجعة عندنا مشكل فنحمل المراجعة على المراجعة حساً أي بنكاح جديد. واعلم أن مسألة الديانة يفتي بها المفتي، ومسألة القضاء يحكم بها القاضي، ولا يجوز للمفتي الحكم بمسألة القضاء ولا للقاضي الحكم بمسألة الديانة، ثم الافتاء الذي جرى في زماننا فإنهم يفتون كأنهم قضاة غير جائز لهم فإن المفتي يجب عليه الحكم بمسألة الديانة ولا يجوز الحكم بمسألة القضاء بعكس حال القاضي، والفرق بين الفتوى والقضاء قد يكون فرق الحلال والحرام وقد يكون فرق الاحتياط، وأما ما قلت من وجوب الحكم بالفتوى والديانة على المفتي فيؤخذ من عبارات كتبنا، منها ما في الكنز: قال لامرأته: إن ولدتِ غلاماً فأنتِ طالق واحدة، وإن ولدتِ جاريةً فطالق بثنتين، فأتت بهما ولم يدر الأول، تقع واحدة قضاء وثنتين ديانة، وقد صرحوا بأن الفتوى بثنتين ليس حكم الاستحباب والاحتياط بل حكم واجب وفي فتح القدير أن الإقالة في العزر الفعلي واجبة ديانة لا محض استحباب، وهاهنا بحث وهو أنه إذا رفع الأمر إلى القاضي فحكم القاضي بمسألة القضاء فهل لهذا الرجل بعد القضاء أن يعمل بالفتوى بخيرته أم لا؟ وظني أنه لا يجوز له العمل بالفتوى بعد قضاء

في هذه الجزئية، وهذا يجري في كثير من المسائل منها إذا وهب شيئاً ثم عاد إليه بقضاء القاضي والحال أن العودة في الهبة مكروه تحريماً ديانة فهل يرفع القضاء هذه الكراهة أم لا؟ وكذلك إذا حكم القاضي بكون المغصوب للغاصب فهل يكون له هذا الشيء حراماً أو حلالاً بعد أن قضى القاضي؟ وكذلك مسائل أخر، وأما ما ذكرت من ظني أنه لا يبقي الخيرة في الديانة فشبيه ما يقال: إن قضاء القاضي نافذ ظاهراً وباطناً، ووجدت جزئية عن محمد تؤيده وهي أن رجلاً شافعياً مثلاً طلق امرأته الحنفية مثلاً بلفظ الكناية فيريد الرجل الرجوع ولا ترضى به فرفعا القضية إلى القاضي، فإذا حكم القاضي بحكم لا يمكن لأحدهما الخلاف في هذه الجزئية أصلاً ولا لأحد أن يحكم خلاف حكم هذا القاضي شرقاً وغرباً، وفي الهداية أن القضاء بمجتهد فيه صار في حكم المجمع عليه في هذه الجزئية، ولا يمكن لأحد أن يفسخه ثم كل مسألة من مسائل الشافعية مثلاً مجتهدة فيها عندنا إلا ما عدد بعض المسائل لا تزيد على عدد الأصابع، ولكن يظهر من الكتب كون هذه المسائل المستثناة مجتهدة فيها أيضاً، فتكون كل مسألة من المذاهب الأربعة مجتهدة فيها، ثم قضاء القاضي المشهور أنه في المعاملات لا في العبادات، أقول: قد يكون في العبادات، أيضاً كما ذكرت أولاً، وأما دليل أن فرق القضاء والديانة كان في السلف أيضاً مما أخرجه الطحاوي ص (250) ج (2) عن أبي يوسف عن عطاء عن شريح استفتى رجل شريحاً فقال شريح: إنما أقضي لا أفتي إلخ، ثم يرو هاهنا أنه كان قاضياً لا مفتياً فكيف أجاز له الرجوع حين طلق ثلاث؟ أقول: إنه قاض ومفت.

باب ما جاء في أمرك بيدك

باب ما جاء في أمرك بيدك

[1178] قال الفقهاء: إن لفظ «أمرك بيدك، واختاري نفسك، وأنت طالق إن شئت» ألفاظ التوكيل لا التطليق وإنما تقع الطلاق بعد اختيار المرأة الطلاق، وذكرها في الكنايات يوهم أنها من الكنايات وأنها ألفاظ التوكيل، واختلف أبو حنيفة والشافعي في إرادة الثنتين في هذه الألفاظ. قوله: (فالقول قوله إلخ) واعلم أنهم إذا ذكروا القول قول فلان يراد باليمين في كل موضع.

باب ما جاء في الخيار

باب ما جاء في الخيار

[1179] مذهبنا أنه يشترط لفظ النفس في كلام المرأة، واختيارة بالتاء، وقال علي: إذا خيرها فتقع طلقة واحدة إذا لم تختر وليس هذا مذاهب الأربعة، وواقعة الباب واقعة أنه آلى إلى شهر ثم خيرهن فاخترن إياه.

باب ما جاء في المطلقة ثلاثا لا نفقة لها ولا سكنى

باب ما جاء في المطلقة ثلاثا لا نفقة لها ولا سكنى

[1180] هذه مسألة المبتوتة الحائل، قال أبو حنيفة لها النفقة والسكنى، وقال أحمد: لا نفقة ولا سكنى كما في ظاهر حديث الباب، وقال الشافعي ومالك: لها السكنى لا النفقة. طرق حديث الباب كثيرة، وتعبير المسألة أن المبتوتة الحائل تستحق النفقة والسكنى أم لا؟ وتمسك بعض الأحناف بقول عمر على عدم الزيادة على القاطع بالخبر الواحد، أقول: إنه ليس بنافع فيه.

قوله: (فاطمة بنت قيس إلخ) فاطمة هذه وراوية حديث جساسة واحدة غير ما في أبواب المستحاضة وتلك فاطمة بنت أبي حبيش ويسمى بقيس أيضاً. قوله: (كتاب الله إلخ) نقلوا أن أحمد بن حنبل كان يضحك ويقول: أين في كتاب الله، وغرضه أن هذا من اجتهاد عمر وأما سنة نبيكم فأخذ الأحناف بالعضّ وقالوا: إن عند عمر نصاً صريحاً منه وليس هذا محض اجتهاده فيكون إحالة إلى حديث مرفوع، وقال الدارقطني: إن لفظ سنة نبينا إلخ وهم الراوي، أقول: إن هذا اللفظ مروي في طرق مسلم صراحة فلا يمكن الإنكار، وتأول بعض الحنابلة بأن عمر لا نص عنده بل هذا اجتهاده، أقول: قد روى عمر ألفاظه المرفوعة كما أخرجه في معاني الآثار ص (39) ج (2) بسند لا ينحط عن الحسن، قال عمر: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لها النفقة والسكنى» إلخ، وفيه خصيب ابن ناصح ولعله من رواة الحسان، وفي سنده حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة، وقالوا: لم يخرج عنه البخاري، أقول: إنه أخرج عنه لكنه في نسخة غير متداولة بيننا، ومر عليه بعض الحفاظ أيضاً، ومر الحافظ على ما في الطحاوي في الفتح وقال: لم يسمع إبراهيم عن عمر، وقال ابن قيم: إني أشهد أنه لم يقل به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أقول: كيف مثل هذا التجاسر بعد حسن السند؟ وأما ما قال الحافظ من الانقطاع فقد مر أن النخعي لا يرسل إلا صحيحاً كما في أوائل التمهيد، ولهم ما في مسلم تقول فاطمة بنت قيس: إن نفي السكنى والنفقة موجود في القرآن، فإن في القرآن قيداً بالحمل فالحائل لا يكون لها النفقة والسكنى، وأيضاً في القرآن {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [الطلاق: 1] (الآية) قالت: إن الأمر هو الرجعة فلا يكون النفقة للمبتوتة، نقول: إن الآيات عامة في سياقها وإن كان الأمر هو الرجعة فلا علينا إلا بيان النكتة في القيد، وأجاب الطحاوي عن تمسك فاطمة، وأما ما قلت: إن سياق الآية عام وإن كان العجز خاصاً فله نظائر في القرآن العظيم أيضاً، أقول: من جانب الأحناف ما هذا لي فأراجع إلى قياس جلي وهو أنه ثبت بالأحاديث وتلقاه الأمة بالقبول أن المتوفى عنها زوجها لا يجوز لها الخروج من بيت العدة، وأقول: كذلك حال المطلقة بلا فرق شيء فيكون للمطلقة السكنى، ثم قال أبو حنيفة: إذا كانت لها

السكنى تكون النفقة أيضاً فالمسألة قوية والقياس جلي لا يمكن العدول عنها أصلاً، ومذهبنا في المتوفى عنها زوجها أن تعتد في بيت العدة ولا سكنى لها ولا نفقة ولها إرث فتكون كراية البيت التي اعتدت فيها عليها ولا يجوز لها الخروج منها، وذكر الطحاوي ص (40) الاستنباطات من الآيات منها الآية: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] إلخ وفيه اختلاف المفسرين أنها للمطلقة الرجعية أو البائنة، ووافق البخاري ص (803) أبا حنيفة والشافعي وما وافق أحمد، وحديث الباب لما كان يخالف الشافعية أيضاً فقالوا: إن نزاع فاطمة كان في النفقة لا في السكنى، أقول: إن في بعض الأحاديث الصحاح ذكر نزاعها في السكنى أيضاً، منها ما في حديث الباب، أقول: إن خروجها من بيت العدة كان لمعاذير مروية في الأحاديث كما في مسلم أنها كانت تطيل اللسان على أحمائها فكان لها السكنى، ولكنها خرجت من بيت العدة لمعاذير، وأما نفي النفقة في حديث الباب فلا بد من القيد في الحديث عندنا، فقال الطحاوي بالإلزام على الشافعية أنها خرجت من بيت العدة لكونها طويلة اللسان على أحمائها، فإذا خرجت تكن ناشزة ولا نفقة للناشزة، وفيه نظر، فإنها خرجت بإجازته فلا بد من عذر آخر من نفي النفقة، وقد مر العذر عن نفي السكنى، وذكر الشافعية أيضاً معاذير نفي السكنى لأنهم يقولون بنفي النفقة لا السكنى فأقول مجيباً عن نفي النفقة: إن النفي نفي الزائد الذي كانت تطلبها فإن أصل النفقة قد أعطيت كما في الروايات وأصحها أنها أعطاها زوجها عشرة آصوع كما مر في الترمذي، وفي بعض الروايات أنه أعطاها أزيد من عشرة آصوع كما في الطحاوي، فكان المراد لا نفقة أي الفاضل على ما كان أعطاها وكنت جعلت قرينة أخرى على أنها كانت تطلب أزيد مما أعطيت وكانت أعطيت أصل النفقة، وهي ما أخرجه الطحاوي ص (38) ، ج (2) عن أبي عمرو قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليست لك نفقة ولكن متاع بالمعروف» إلخ، أي بالقدر المعروف لكني رأيت في مشكل الآثار أن الطحاوي حمل متاع بالمعروف على متعة الثبات للمطلقة فإنه جره تحت باب متعة النساء فلما حمله الطحاوي على هذا ترك هذه القرينة وتمسك بالروايات الدالة أنها أعطيت النفقة، ثم أقول: إن الروايات في موت زوج فاطمة وحياته مختلفة، فإن مسلماً أخرج في صحيحه في حديث جساسة ص (404) ج (2) : إن زوجي أشهد وخطبني أبو معاوية ومر عليه الحافظ واختار أنه لم يمت بل طلقها وهو حي، ولو كان زوجها مات فلا نفقة لها ولا سكنى عندنا أيضاً، ولكن الحافظ أعله وقال: إنه وهم الراوي، فإنه عاش إلى عهد عمر، فإن عمر حين عزل خالد بن الوليد وخطب فقام هذا الرجل وكلم في عزله خالداً، ويخالفه كلام الحافظ في كنى التقريب حين جزم بأنه مات، فإذن لا سكنى ولا نفقة لها عندنا، وإن الخطيب السائل عمر رجل آخر بهذا الاسم ولكن علماء معرفة الصحابة والبخاري في تاريخه قالوا: إنه عاش إلى عهد عمر فصار حال هذا الرجل متردداً فيه، وأما إذا قيل: إنه طلق ثم مات فأقول: لم أجد في كتبنا مسألة هذه المرأة، هل تكون لها السكنى

والنفقة أم لا؟ وفي النظم: ويسقط بالتطليق والموت وانقضاء عدتها المعلوم لا يتقرر، وأما اسم هذا الرجل ففيه اختلاف قيل: إنه أبو عمرو بن حفص بن مغيرة وهذا مختار المحدثين، وفي باب الروايات أنه أبو حفص بن مغيرة، وفي بعضها حفص بن أبي عمرو بن مغيرة، ولنا ما أخرجه دارقطني في سننه ص (432) ج (2) عن جابر مرفوعاً وسند رجاله ثقات وفيه: «المطلقة ثلاثاً لها النفقة والسكنى» وفي سنده قوة إلا أبو قلابة عبد الملك بن محمد، وأخرج عنه ابن ماجه، وقيل: إنه اختلط في آخر عمره، وقال أبو داود: إنه أمين مأمون أخذت عنه. واعلم أن الراوي عنه عند الدارقطني أخذ قبل الاختلاط أو بعده، وأما البخاري فلم يخرج حديث: «لا نفقة ولا سكنى» وما أخرج ما يخالفه من فتوى عائشة وعمر وبعض التابعين، والإنصاف أنه وافق الشافعي ومالكاً لا أبا حنيفة. قوله: (ثلاثاً إلخ) لنا وللحنابلة أن نحمل الثلاث على تفرقة، سيما إذا كان في مسلم تصريح الثلاث تفرقة، والمسألة مختلفة فيها في السلف أيضاً، هذا والله أعلم.

باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح

باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح

[1181] مذهب أبي حنيفة أنه إذا أضاف الطلاق إلى المِلك وإلى سببه يقع الطلاق بعد المِلك وتحقق الشرط، وخالفنا سائر الأئمة إلا أن مالكاً فَصَّلَ بأنه إن كان قيد فمثل أبي حنيفة، وإن أطلق مثل إن قال: دخلت الدار فكل امرأة أتزوج طالق، فلا أثر مثل الشافعي، والسلف أيضاً مختلفون، وأطنب الحافظان، ولعل أكثر السلف إلى الحجازيين، وأتى الحافظ بآثار عليها ما أخرج أن وليد بن عبد الملك كتب الاستفتاء إلى البلاد فأجاب العلماء بعدم الطلاق، ولنا أيضاً آثار كما ذكر مالك في موطئه ص (214) أسامي بعض الصحابة والتابعين، ولنا فتوى عمر أخرجه الحافظ في الفتح أن

الظهار المعلق يقع بعد النكاح، وتكلم الحافظ في سنده من قبل عبد الله العمري، أقول: قد أخرجه مالك في موطئه ص (203) عن القاسم بن محمد عن عمر وكان أفتى عمر في الظهار المضاف وأجريناه إلى الطلاق أيضاً، فكيف أغمض الحافظ عن هذا الأثر القوي؟ قوله: (لا طلاق فيما لا يملك إلخ) قال صاحب الهداية بقول بالموجب، والمراد بالقول بالموجب هو مصطلح الأصوليين لا مصطلح أهل المعاني، وهذا هو شرح الزهري كما في التخريج. قوله: (في المنصوبة إلخ) الأصح المنسوبة بالسين أي التقييد بالبلدة أو القبيلة أو غيرهما لا الإطلاق.

قوله: (قال ابن المبارك: إن كان يرى إلخ) هذا القول يخالف ما قال ابن عابدين: يجوز أن يعمل بمذهبين في واقعتين متضادتين، وأقول: إن هذا لا نظير له من أقوال السلف، وقد قلت: ~ وليس رجوعه عما قضاه ... ولا تخيير شيء والنقيض ~ وكانوا يسألون من ارتضوه ... ولا يرجى خلاف من مفيض ~ ومن أفتى بمسألة لغير ... فسلسلة على عرض عريض وهذه المسألة طويلة الذيل لا يسع ذكرها بالمقام وبعض تفصيلها مر أولاً.

باب ما جاء أن طلاق الأمة تطليقتان

باب ما جاء أن طلاق الأمة تطليقتان

[1182] اختلف في أن الاعتبار في الطلاق والعدة للرجال أو النساء، قال أبو حنيفة رحمه الله بالثاني، وفي كتب الشافعية أن العبرة للرجال، وحديث الباب «عدتها حيضتان» إلخ يفيدنا في أن المراد من الأقراء الحيضات لا الأطهار.

باب ما جاء فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأته

باب ما جاء فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأته

[1183] قوله: (ما حدثت به نفسها إلخ) نفسها فاعل أو مفعول، ورجح الطحاوي النصب في مشكل الآثار، وفي حديث الباب إشكال وهو أن ظاهر حديث الباب أن معاصي القلب لا إثم عليها ما لم يعمل بها أو تكلم حتى أن الكفر أيضاً من أمور القلب، والحال أن الأمة المحمدية اتفقت على أن البغض والحسد والكبر من أعلى المعاصي، وتفرد البعض بأن معاصي القلب لا إثم عليها إلا إذا عمل أو تكلم، أقول: إن هذا القول لا يحتاج إلى أن يبطل فإن شريعتنا والشرائع السماوية اتفقت على ترتب العقاب على معاصي القلب، وقال رجل: إن مراتب ما في النفس خمسة، الهاجس والخاطر وحديث النفس والهم والعزم وغيرها، والهم معتبر في الطاعة لا المعصية، ولا إثم على أربعة منها وإنما الإثم على العزم، وقريب من هذا كلام الغزالي، أقول: إن مدلول الحديث أن كل ما قبل العمل والكلام حديث النفس، فأجوبة الإشكال عديدة، أقول: إن المراد التصميم كناية وإنه لا إثم ما لم يصمم، والكناية ليس بمجاز لما حررت أولاً، وأقول: إنه إذا صمم إرادة المعصية ثم مُنِعَ لعارض عن تلك المعصية فهل عليه إثم أم لا؟ أقول: إنه مأخوذ وعليه إثم، وأما إذا امتنع عن المعصية بقدرته وخيرته بعد تصميم الإرادة فلا وزر عليه، هل هو مأجور؟ كما في مسلم ص78: «وإن تركها اكتبوه له حسنة وإنما تركها من جراي» إلخ، وأما ما فيه «فأنا أغفر له ما لم يعملها» إلخ فلا يرد علي، فإنه ليس بعام في ما يكون بعمل اختياري واضطراري بل ما يكون تركه بخيرته.

باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق

باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق

[1184] الجد أن يتلفظ بلفظ يريد إيقاع حكمه، والهزل أن يتلفظ بلفظ لا يريد إيقاع حكمه، وعندنا عدة أشياء يكون الجد والهزل فيه سواء مثل الطلاق والعتاق واليمين والنكاح وغيرها، وتنقيح المناط أن كل تصرف يمين ففيه الجد والهزل سواء، والمراد من اليمين التزام التصرف بذمته وصرح الشيخ في فتح

القدير أن الهزل بكلمة الكفر كفر أقول: إن الكفر، ليس بمقتضى الكلمة بل بسبب ارتكابه الهزل بكلمة الكفر والهزل بكلمة الكفر، حرام وكفر.

باب ما جاء في الخلع

باب ما جاء في الخلع

[1185] في رواية عن الشافعي الفسخ، والمشهور عنه أنه طلاق وهو مذهب أبي حنيفة وفي الحديث: «عدة الخلع حيضة» وليس هذا مذهب أحد إلا رواية عن أحمد، وأطنب ابن تيمية وقال: إن الطمث الواحد حكم منصوص وخلافه خلاف النص، ومر عليه الحافظان وقال بعض المدرسين في جواب حديث الباب: إن في الحديث حيضة وهذا اسم جنس يطلق على القليل والكثير، ومراده أن يكون العدة بالحيض لا بالأشهر فلا يدل على وحدة الحيضة، أقول: إنه تأويل سيما إذا كان في النسائي تصريح الواحدة أيضاً، أقول: إن حق الجواب أن تعتد حيضة واحدة في بيت العدة فيدل الحديث على أن خرجت من بيت العدة، لا يدل على نقصان العدة، وأما وجه هذا الحمل فما أخرجه النسائي ص (552) باب عدة المطلقة عن محمد بن عبد الرحمن أن الربيع بنت عفراء إلخ، وفي الروايات أن زوجها ضربها وكسر ذراعها فهذا عذر خروجها، وحديث صحيح صححه الذهبي سنداً ومتناً وقال: رجاله ثقات، وفي سنده حمدون وهو غير مشهور لكن الذهبي وثقه، وأما واقعة خلع هذا الرجل أن الربيع بنت عفراء كانت جميلة وكان ثابت بن قيس بن شماس زوجها قصير القد فرأته يوماً في جماعة رجال طوال وهو قصير، فلما دخل عليها بزقت على وجهه فبلغ الأمر إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لها، فقالت: إني لا كلام لي في دينه وأمره ولكني لا أرضى بالكفر في الإسلام، فأمرَه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالخلع، فخلع فخروجها من بيت العدة كان لعذر، وأيضاً أقول: إن في سنن الدارقطني أمرها أن تعتد حيضة ونصفها إلخ، وليس هذا مذهب أحد فدل على أن المراد أن تحيض بقدر ما أمرها في

بيت العدة ثم تلحق بأهلها، ولنا دليل على أن الخلع طلاق أخرجه النسائي في صغراه ص (548) باب الخلع «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة» إلخ أخرجه البخاري أيضاً.

باب ما جاء في طلاق المعتوه

باب ما جاء في طلاق المعتوه

[1191] المعتوه مغلوب العقل. قوله: (تسريح بإحسان) إلخ التفسير المشهور أنه تركها بلا رجعة، والمشهور أن الخلع طلاق وفي رواية عن الشافعي أن الخلع فسخ لأن الخلع عنده لو كان طلاقاً يكون الطلاق الثالث في قول الله عز وجل: لا جناح عليكم فيما افتدت به فيكون قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 23] إلخ طلاقاً فقال الحنيفة: إن الخلع داخل في قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ، ثم بينه أن الطلاق إما على مال أو بغير مال فبين أولاً طلاقاً بلا مال، ثم بين الطلاق على مال بقوله: «لا جناح» إلخ، هذا ما قال المفسرون، أقول: يرد على المفسرين ما أخرجه أبو داود أنه: «قال أو تسريح بإحسان» طلاق ثالث حين سأله رجل يا رسول الله في قوله عز وجل: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ، طلاقان فأين الثالثة؟ قال: «تسريح بإحسان» . أقول: قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 23] إنه إعادة اسم ما استؤنف عنه ليجري الحكم عليه كما قال أرباب المعاني، وإن لم يعتد بالرواية فالقول الذي اختاره المفسرون صحيح أيضاً، وإنما قلت: إن لم يعتد بالرواية لأن الرواية لا تصير حسنة إلا باللهم، ورعاية سياق القرآن وسباقه أولى من رعاية أمثالها.

باب ما جاء في عدة المتوفى عنها زوجها

باب ما جاء في عدة المتوفى عنها زوجها

[1195] زينب هذه ليست بأم المؤمنين بل ربيبة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنت أم سلمة، وأبو سفيان والد معاوية. قوله: (إلا على زوجها إلخ) دل الحديث على أن الإحداد على من مات من الأقارب جائز لثلاثة أيام، وقد روي عن محمد في النوادر يجوز الإحداد على بعض الأقارب إلى ثلاثة أيام ولا بد من اعتداد هذه الرواية وإلا فلا جواب عن الحديث، وفي القصص المذكورة في حديث الباب كلام طويل وأما في قصة زينب بنت جحش فإشكال ذكره الحافظ في الفتح بأن إخوتها كانوا ثلاثة، مات أحدهم نصرانياً بحبشة، والثاني مات صحابياً قبل نكاحها بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والثالث عاش بعدها وعندي في دفع الاضطراب كلام. قوله: (أفنكحلها إلخ) يجوز الاكتحال للعذر عندنا ويحمل قوله على حال لم تبلغ مرتبة الضرورة، والإحداد عندنا وعند غيرنا واجب للمتوفى عنها زوجها وفي المطلقة المبتوتة اختلاف عليها الإحداد عندنا ولا شيء في مذهبنا فيه مرفوعاً وموقوفاً إلا أثر في معاني الآثار، ومر ابن الهمام على مسألة الإحداد وقال: إن الإحداد ليس بزيادة على القاطع فإن الزيادة إنما تكون لو قلنا بعدم أداء العدة

إذا لم تحد، نعم تكون مرتكبة الكراهة تحريماً، أقول: ولا ريب في جواز الزيادة بخبر الواحد على القاطع في مرتبة الظن كما قلت أولاً.

باب ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر

باب ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر

[1198] اختلفوا في أن هذا الرجل والذي مر حديثه أولاً في الصوم واحد أو اثنان وأن هذا غير ذاك، وأما اتحاد سطحي الحديثين فلأن الحكم واحد. اختلفو في مراد آية: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] إلخ وأتى الإمام داود الظاهري بشيء عجيب فإنه قال: العود قولي، وهو أن يقول مرة ثانية: أنت علي كظهر أمي، وقال أتباع الأربعة: إن العود لما قال يكون بمعنى نقض قول السابق، أو المراد أن يعود إلى الحل الذي قبل الظهار، وفي هذه المسألة مناظرة بين الطبراني ومحمد بن داود الظاهري مذكورة في الكتب.

باب ما جاء كفارة الظهار

باب ما جاء كفارة الظهار

[1200] قوله: (خمسة عشر صاعاً إلخ) هذا لا يكفي في أداء الكفارة عندنا، وفي الروايات ألفاظ كثيرة منها ما في كتاب الطحاوي أتى له بمكتلين في كل منهما خمسة عشر صاعاً، قال العلماء: لا بد في الظهار من التشبيه وإذا قال: أنت أمي لا يكون ظهاراً بل لغواً، أقول: لا بد من أن يكون طلاقاً بائناً عند النية وقد روي عن أبي يوسف كما في العمدة.

باب ما جاء في الإيلاء

باب ما جاء في الإيلاء

[1201] من الآلية الحلف وفي اصطلاح الفقهاء: هو حلف على ترك قربان المرأة أربعة أشهر فصاعداً، وإن حلف بترك القربان بأقل من أربعة أشهر، يكون يميناً ولا تبين المرأة أن تبر، وقال أبو حنيفة

وبعض السلف منهم زيد بن ثابت وابن مسعود: إن المرأة تبين بعد مضي أربعة أشهر بلا تفريق القاضي، وقال الحجازيون وجمهور السلف: لا تبين إلا بحكم القاضي وفي اللعان عكس هذا، وأما وجه التفرقة بين الإيلاء واللعان عندنا فهو ما ذكره أن اللعان لما كان من أوله إلى آخره بمحضرة القاضي يكون التفريق أيضاً من القاضي، وأما الإيلاء فهذه وختمه ليس عند القاضي فلا يكون التفريق من القاضي، واستنبط ابن قيم عشرة استنباطات من القرآن على مذهب الحجازيين، وفي كتاب الأسماء والكنى للدولابي أثر صحابي موافقاً للحجازيين رواه بسند أبي حنيفة وأما وجه إيلائه ففي الصحيحين: أنه أكل العسل من عند زينب فقالت بعض أزواجه: إن في فيك رائحة مغافير، وفي سنن النسائي قصة مارية القبطية وأنه حرمها على نفسه لإرضاء حفصة، وفي رواية صحيحة أن أزواجه طلبن النفقة، ورجح الحافظ في النخبة ما في النسائي على ما في الصحيحين، وهاهنا مسألة أخرى وهي أن الشافعي ومالك بن أنس يقولان: إن تحريم الطعام وتحريم اللباس ليس له حكم بل هذا التحريم لغو، وقال أبو حنيفة: إن هذا التحريم يمين وله أيضاً أحكام، وتمسك بأن في القرآن سمى الله تعالى تحريم الحلال يميناً، وقال النووي: إن اليمين ليس تحريم الحلال بل كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلفظ بلفظ والله ونقول أن لفظ (والله) وإن كان في القصة والواقعة لكن ذكره ليس في القرآن وسمى القرآن باليمين ما هو مذكور فيه، وقوى ابن قيم قول الأحناف في زاد المعاد، وقال: إن تحريم الحلال يمين وهذه رواية عن أحمد بن حنبل وهاهنا إشكال للحافظ، وهو إن ترك القربان وإن كان أقل من أربعة أشهر إثم ومنهي عنه فكيف ارتكبه؟ وما أجاب الحافظ، وقد أشار في فتح القدير إلى جوابه. قوله: (اليمين كفارة إلخ) إن قيل: إنه برّ من إيلائه فكيف الكفارة؟ قلت: إنها كفارة التحريم الذي هو يمين ولي هاهنا كلام مستنبط من القرآن، وهو في مقابلة ابن تيمية بأنه تعالى يقول: إلخ {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ثم فرع الكفارة عليه ففرع الله الأحكام على تحريم الحلال الذي هو غير جائز وهو أن الظهار وتحريم الحلال من وادٍ واحد فتكون الكفارة فيهما، ويذكر في عامة كتبنا أن الكفارة بعد الحنث ولكني لا أجد أن الرجل إذا حرم الشيء الحلال على نفسه فهل يصير حراماً أم لا؟ فما وجدت في كتبنا مع التتبع الكثير إلا ما نقل ابن قيم من الحنفية أن يحرم الشيء ثم يحل عند العزم بالحنث.

باب ما جاء في اللعان

باب ما جاء في اللعان

[1202] حقيقة اللعان عندنا الشهادات المؤكدات بالأيمان، وقال الشافعية: إن حقيقة الأيمان المؤكدات بالشهادات فشرط العراقيون كون الزوجين أهلاً للشهادة، ولم يشترط الحجازيون. قوله: (بالله إنه لمن إلخ) قال الرضي: المقتضى فتح «إن» إلا أنه بعد الشهادة وهي بمعنى الحلف ويكون بعد الحلف الكسر، وغرض اللعان أشار إليه حديث الباب: «إن سكت لسكت على أمر عظيم» ، وأما اللعان فالتفريق فيه عندنا من القاضي خلاف الحجازيين، وذكرت تفقهنا في الباب السابق من قواعد ابن رشد ومن أحكام اللعان أن تكون المرأة محصنة بعده، ومذهب أبي حنيفة أنه إذا لاعن بالقذف بالزنا تكون المرأة بعد اللعان محصنة حتى لو أن هذا الزوج الذي بانت عنه أو الأجنبي إن قذفها بعد يحد، وأما لو لاعن على نفي الولد فلا تكون محصنة بعد اللعان لأن هاهنا شبهة بسبب الولد فلا حدَّ على القاذف، وما ذكرنا من هذه التفرقة يخالفه ما أخرجه أبو داود ص (307) وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا ترمى ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد إلخ لعل المراد به التعزير وما توجه إليه. قوله: (فلان بن فلان إلخ) قيل: عُوير العجلاني، وقيل: هلال بن أمية. في كتب الحنفية أن اللعان في حقه قائم مقام حد القذف وفي حقها مقام حد الزنا.

قوله: (فالحق إلخ) حديث الباب يخالفنا فإنا نقول: إنه إذا لاعن بنفي الولد قبل الولادة صح اللعان ولا ينتفي الولد ويكون نسبه منه لأنا لا نعلم بالقطع أنها حاملة لأنها لعلها نفخ بطنها لمرض لحقها، وهذا الإشكال على تقدير إن لاعَنَ رجل حالة حبلها، وتفصيل مذهبنا أنه إن أراد نفي الولد وقطع نسبه منه فعليه أن يلاعن بعد الولادة متصلاً، ولو تأخر زماناً أو لاعَنَ قبل الولادة لا ينقطع النسب، وأجاب صاحب الهداية عن حديث الباب بأنه لعله علم كونها حاملة بالوحي: أقول: لعله أراد دعاءه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «اللهم بين» وبوب الطحاوي على هذا وعندي جواب طويل. مسألة: في كتب الحنفية أن قضاء القاضي بشهادة الزور من الشاهدين في العقود والفسوخ لا الأملاك المرسلة إذا كان المحل قابل الإنشاء نافذ ظاهراً وباطناً بشرط أن لا يكون القاضي آخذ الرشوة فيحل في هذه الصورة للمرأة فيما بينها وبين الله أن تمكن الرجل منها، وقد قرر الطحاوي هذه المسألة، وفي فتح القدير أن إثم الكذب ووزره مسلط على الناكح والشاهدين في الآخرة، وأنكر الناس على أبي حنيفة هذه المسألة ومنهم البخاري، أقول: لا وجه للإنكار على هذا وله نظائر من السلف، وصنف العلامة قاسم بن قطلوبغا في هذه المسألة كتاباً مستقلاً، ومن مبلغات محمد في الأصل ذكره في رد المحتار عن علي ما قال أبو حنيفة: فإن رجلاً ادعى عند علي أن هذه زوجته وشهد الشاهدان عليها فقضى أمير المؤمنين فقالت بعد النكاح: إني أعلم أن هذا الرجل كاذب فقضيت به فأنكحني به يا أمير المؤمنين كيلا يأثم في وقاعه علي، فقال علي: شاهداك زوجاك، وكذا عن الشعبي في المبسوط، فقال أبو حنيفة في هذه الصورة: إن قضاء القاضي نكاح ولذا قال بعض المشائخ بأن شهود الشاهدين وقت القضاء واجب بخلاف سائر الأقضية وهذا خلاف أكثر المشائخ، والقاضي له ولاية على المؤمنين والمؤمنات من وجه حتى قال الشافعي: يفرق القاضي بين الزوجين بسبب الأعذار الخمسة في الزوجة أو الأعذار في الزوج فيكون كذلك له ولاية الضم فيما بينهما، وتدل مسائل التفريق أن القضاء ثبت من وجه وليس مظهراً محضاً كما ذكره في رد المحتار من تعريفه عن بعضهم، وكذلك جعلوه مثبتاً في المسائل المجتهد فيها أو أثبتوا الحكم اقتضاء، وفي الرجوع عن الشهادة لم يفسخوا الحكم، وراجع الفتح ص (302) ، (12) ولكن في القياس على اللعان تردد لأن اللعان انتقل فيه إلى حكم آخر وهو التفريق من ولاية الحاكم بخلاف القضاء بشهادة الزور فإنه قضاء بعين ما شهدوا به وليس انتقالاً، ثم إن جعله حلالاً للمقضي عليه أبداً دون المقضي له والمعاملة واحدة في الإشكال، وقال الطحاوي ص (227) ، ج (2) : إن أحد الزوجين كاذب قطعاً ولا يمكن تعيين كذب أحدهما، فيحكم القاضي بحكم الثالث وهو التفريق، ثم قال الطحاوي: لا باطن للعقود والفسوخ بل الظاهر

فقط وليراجع إلى الطحاوي، أقول: ثبت محكي عنه للأملاك المرسلة، وأما العقود والفسوخ فليس لها محكي عنه حتى إن قال الشافعية: إن العقود والفسوخ إنشاءات محضة، وأما عندنا فإنها إخبارات وثبوت العقد فباقتضاء النص، ورأيت في الهداية في أول أبواب البيوع ما يومي إلى أنه اختار مذهب أصولي الشافعية، ثم رأيت أنه اختار بعض مشائخنا ثم رأيت في المبسوط من ص (180) صرح بكونه إنشاءً دفعاً للزنا كما صرحوا بمثله فيما إذا وطئ جارية ابنه، وادعى الولد، وهو في نكاح الرقيق من رد المحتار، وكذا فيما إذا اشترى المضارب أمة فولدت فادعاه يحمل على أنه تزوجها ثم اشتراها حبلى منه، وكون الفعل واحداً كما إذا أقر بالزنا وأنكره الأمة أخر لا حد فيه على المقر.

باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟

باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟

[1204] لا نفقة ولا سكنى عندنا، وتعتد في بيت العدة ولا تخرج منه إلا بعذر مبيح، ويجوز الخروج نهاراً للاكتساب، ويجوز لها الانتقال من بيت العدة بالمعاذير كما في الدر المختار، وأما المطلقة فلا يجوز لها الخروج للاكتساب لأن نفقتها على زوجها.

قوله: (للمرأة أن تعتد حيث شاءت إلخ) هذا مذهب علي وابن عباس والله أعلم.

كتاب البيوع

كتاب البيوع

البيع على عدة أقسام بيع الصرف ما يكون فيه النقدان، وبيع السلم، وبيع مطلق، وبيع المقايضة ما يكون فيه العروض من الطرفين، ذكر في البحر قال رجل لمحمد: ما صنفت في التصوف؟ قال محمد بن حسن: صنفت في البيوع؛ كان غرضه أن التصوف هو العلم بالحل والحرمة.

باب ما جاء في ترك الشبهات

باب ما جاء في ترك الشبهات

[1205] الحديث جزيل، وشرحه خارج عن قدرتنا وكان الأولى فيه الشرح من أئمة الاجتهاد، وأعلى ما قيل في هذا ما قال ابن دقيق العيد في شرح عمدة الأحكام للشيخ عبد الغني المقدسي وذلك ليس بمحتضر لي فلا أذكر إلا حل الألفاظ، فأقول: إنه إما في المقلد أوفي المجتهد ولكنه ليس في المقلد فإن المجتهد قد فصل له الأحكام ولم يدع حكماً إلا حكم بالحل أو الحرمة فلا مشتبه في حقه، نعم المقلد يكون جاهلاً عن الوقائع لا المسائل، فقالوا: إن الجهل عن المسألة ليس بعذر والجهل عن الواقعة عذر على الاطراد ويذكر في آخر كتب الأصول أن الجهل عن ضروريات الدين ليس بعذر والجهل عن المسائل الاجتهادية عذر إطلاقاً، فعلى هذا يرد ذخيرة من الاعتراضات، أقول: إن الحكم المذكور إنما هو في دار الآخرة لا دار الدنيا، وللحديث رجوع إلى مسألة أصولية أيضاً وهي أن الحق في موضع الاجتهاد لا في ضروريات الدين واحد دائر أو متعدد، ونسب إلى الأئمة الأربعة وحدة الحق وأنه دائر غير معلوم، واشتهر هذا في المصنفين والرواية الغير المشهورة عنهم تعدد الحق، وقيل: إن هذا مذهب صاحبي أبي حنيفة، وعن الأشعري روايتان ورجح البعض غير المشهورة، ويقول أهل الأصول في تمهيد المسألة: هل لكل واقعة حكم واحد أو مناسبة أم لا؟ والمشهور أنه

واحد ووجد بعضهم لا البعض الآخر، ومن وجده فهو مصيب ومن أخطأ فهو مخطئ وللأول أجران وللآخر أجر واحد، ونسب إلى الصاحبين قول: إن في كل واقعة مناسبة حكم أي شيء مناسب بحيث لو جاء الحكم فجاء مثل هذا، وقال جماعة: لا يجب في كل واقعة بل ما سنح للمجتهد فهو حكم، وفي هذه المسألة أشياء كثيرة والمسألة طويلة ولا يجوز لأحد أن يترك تحقيقه في مسألة ويتبع الرخص ويقع في التناقض كما ذكره الترمذي في مسألة التسمية في الوضوء والطلاق المضاف. قوله: (مشتبهات إلخ) في بعض الألفاظ من التفاعل، وفي بعضها من الافتعال، وفي بعضها من التفعيل، ومقتضى الأول كونها غير معلومة المراد مثل متشابهات القرآن، ومقتضى الثاني عدم علم الحكم، ومقتضى الثالث الإشارة إلى قياس الفقهاء، والتقسيم في الحديث إما ثنائي أو ثلاثي وإشارة بعض الألفاظ إلى الثنائي، وإشارة بعضها إلى الثلاثي، وأما حكم فمن تركها إلخ فإما أنه حكم أو تخليص الرقبة، أقول: إن كان الحديث في المجتهد فالمشبهات تعارض الأدلة، قال قائل: إن المشبهات المباحات، فإنه إذا أصر على المباح يقع في المكروه، وإذا أصر على المكروه صار حراماً، ونقلوا أن المتورع من تجنب من المباحات أيضاً. قوله: (الحمى إلخ) هل اتخاذ الحمى جائز للملك أم لا؟ فهذه المسألة ليست في فقه الحنفية نفياً وإثباتاً، وتعرض إليه الشافعية وجوزوا الحمى للملك لمواشي الزكاة أو الجهاد أي مواشي بيت المال، وثبت اتخاذ الحمى عن عمر فإنه اتخذ الربذة حمىً وكان فيها أربعون ألفاً من الفرس.

باب ما جاء في أكل الربا

باب ما جاء في أكل الربا

[1206] قيل آكل الربا المباشر لمعاملة الربا وإن لم يأكل، وعندي الآكل والموكل على ظاهرهما وإن لم يباشرا في الكسب، وفي بعض الروايات اللعنة على تسعة رجال.

باب ما جاء في التغليظ في الكذب والزور ونحوه

باب ما جاء في التغليظ في الكذب والزور ونحوه

[1207] في تفسير الكبائر أقوال كثيرة ذكرها الحافظان، وأما عدد الكبائر ففي الصحاح يبلغ إلى سبعة أو ثمانية إذا ضمت الحسان فيزيد، وروي عن ابن عباس أنها تبلغ إلى سبعمائة، وصنف ابن حجر المكي في الكبائر رسالة، وكذلك صنف صاحب البحر.

باب ما جاء في التجار وتسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم

باب ما جاء في التجار وتسمية النبي - صلّى الله عليه وسلّم - إياهم

[1208] دل الحديث على جواز الدلالة والسمسرة، وفي كتبنا أن الدلال يجوز له أن يأخذ الأجرة من المشتري أو البائع أو من كليهما أن كان العرف كذلك، واختلف في المفاضلة بين التجارة والزراعة، ومختارنا أن التجارة أفضل.

قوله: (قيس بن أبي غرزة إلخ) سها الحافظ في اسم هذا الصحابي في لسان الميزان، وزعم أنه عرزة بن أبي قيس وأنه ليس بصحابي.

باب ما جاء فيمن حلف على سلعة كاذبا

باب ما جاء فيمن حلف على سلعة كاذبا

[1211] المنان قيل: من وهب وأتبعه منَّه وإحسانه، وقيل: من ينقص الكيل والوزن، وهذا أصح. قوله: (مسبل الإزار إلخ) قال الشافعية: من أسبل بدون التبختر ليس له وعيد وزعموا قيد خيلاء احترازياً، وأما الأحناف فيذكرون المسألة بلا قيد وزعموا القيد واقعياً، فإذن لا يتبدل الحكم وإن اختاره الصلحة.

باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل

باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل

[1213] يجوز البيع بثمن مؤجل أو معجل، والبيع المعجل أن يقع البيع على معين، ويلزم أداء ما وقع عليه العقد خاصة ولا يجوز أداء مثله بدله، ويكون مشاراً إليه أي معيناً لا أن يكون حاضراً في المجلس مشاهداً بل يكون أداء ذلك المعين متى طولب وإن قبضه بعد سنين، والبيع المؤجل ما هو خلافه وليتدبر هذا فإنه قد يغفل عنه، وأما القبض بالبراجم فليس عند أبي حنيفة إلا في بيع الصرف فإنه يجب القبض في المجلس ورأس المال في السلم ولكن فيه توسع أنه يجوز القبض بالبراجم ما لم يتفرقا أبداناً وإن تفرقا مجلساً، فيجوز عند أبي حنيفة بيع الحنطة بالحنطة بحسب التعيين وإن لم يقبض، واشترط الشافعي القبض في الحنطة بالحنطة وغيرها من الربوية. قوله: (قطريين إلخ) القطري هو الأبيض ذو جداول حمر.

قوله: (ما أمسى آل محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ) روى أن أهل نجران أتوه للمباهلة فخرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسيدة النساء والحسنين فأبى أهل نجران من المباهلة ورضوا بالجزية، فأرسل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا عبيدة لأخذ الجزية فأتى بمائة ألف درهم فوهبها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقسم على الناس حتى لم يبق إلى الإشراق عنده درهم. قوله: (سنخة إلخ) في مشكل الآثار إذا سنخ وأنتن الجامد يحرم بخلاف المائع مثل الدهن والثمن والإهالة، وحديث الباب دليل له.

باب ما جاء في كتابة الشروط

باب ما جاء في كتابة الشروط

[1216] ليس المراد هو المتعارف فيما بيننا بل كتابة المحاضر، والسجلاّت ومثلها ويسمى كاتبها شروطياً، وأساليب كتابتها مذكورة في الهندية (عالمگيرية) ، وللطحاوي في هذا كتاب وكان شروطياً ظاهر حديث الباب أنه كان بائعاً، وظاهر حديث البخاري أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مشترياً والعداء بائعاً، والأوفق بالمراد والألفاظ عندي أنه كان بائعاً فإن الكتابة تكون من البائع.

باب ما جاء في بيع من يزيد

باب ما جاء في بيع من يزيد

[1218] أي (نيلام) ولا يتوهم فيه أنه انتقال من بيع إلى بيع.

قوله: (الحلس إلخ) ليس معناه () بل أصل اللغة ما نسج بالأحبال المفتولة من أشعار المعز.

باب ما جاء في بيع المدبر

باب ما جاء في بيع المدبّر

[1219] المدبر مطلق ومقيد، المطلق من قال له مولاه: أنت حر عن دبر موتي، والمقيد أن يقول: لو مُتُّ في هذا المرض أو مُتُّ من هذا السفر فأنت حر، ولا يجوز بيع المطلق ويجوز بيع المقيد قبل تحقق شرط، وقال الحجازيون: يجوز بيع المطلق وكل تصرف فيه قبل موت المدبر، والرِّق ضعف شرعي يعطل من التصرفات الشرعية كالقضاء والشهادة، فالرقة باعتبار المسلمين جميعهم، والملك باعتبار المالك خاصة، ومقابل الرقبة العتق، والمتجزئ عند أبي حنيفة الملك لا العتق والقِن الذي ليس فيه استحقاق الحرية، فلا يكون المدبر والمكاتب وأم ولدٍ قناً، قال بعض الحنفية: إن بيع المدبر المطلق غير مجتهد فيه، ولكني وجدت رواية أو قولاً لكل ما يذكرونه تحت غير المجتهد فيه لكونه مجتهداً فيه، وذكر الشافعي في كتاب الأم عن أبي يوسف أنه باع المدبر المطلق وليس له لقاء أبي يوسف. قوله: (أنصارياً إلخ) اسم المولى أبو مذكور واسم العبد يعقوب. قوله: (مات إلخ) ظاهر أنه مات المولى، وهذا مخالف لكل مذهب، وأما حمله على المقيد فغير صحيح لما في مسلم ص (322) تصريح «عن دبر» إلخ، وقيل في الجواب: إنه لم يبعه بل إجاره وقد ثبت البيع بمعنى الإجارة في لغة المدينة كما ذكر الشيخ العيني في غير هذا الموضع أن البيع

في لغة المدينة بمعنى الإجارة، والمجاورة بمعنى الاعتكاف، والمخابرة بمعنى المزارعة ثابت في لغات المدينة، أقول: إن هذا الجواب نافذ ويؤيده ما في سنن الدارقطني مرسلاً عن محمد الباقر أنه كان يؤجر المدبرين، ويؤيده ما أخرجه الزيلعي في نصب الراية ص (62) ج (2) ، أخرج من مصنف عبد الرزاق عن زياد الأعرج عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه أعتق عبده عند الموت قال: يستسعى العبد في قيمته. . إلخ، ثم أخرج عن علي مثله إلخ، ولكن الزيلعي لم يصرح بأن الواقعة واقعةُ الباب أو غيرها وعندي قطع أنها واقعة الباب، ولي في هذا قرائن أخر، وقال مولانا قدس سره: إنه ردّ تدبيره وهذا مخصوص به لا يجوز الرد لغيره، أقول: يؤيد قول مولانا أن البخاري وضع على حديث الباب ترجمة بيع المدبر وترجمة الحجر فأشار إلى أن واقعة الباب كان فيها الحجر ورد التدبير، أقول: لا يمكن استخراج الترجمتين من الحديث كما فعل البخاري بل لا يمكن إلا أحدهما، وأقول: إن لقول مولانا قدس سره نظائر، منّها ما في أبي داود: أن عبداً شكا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن مولاي يضربني وآذاني شديداً فدعى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مولاه فلم يأتي فأعتقه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال العبد: من لي حامياً إن أخذني مولاي؟ قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الله ورسوله، ومنها ما في الطحاوي ج (2) حديث سُرَّق أنه أمر رجلاً أن يبعه، والحال أن سُرَّق كان حرّاً، فهذا مخصوص به، وأصل قصته أن سُرَّق اشترى الإبل من أعرابي، فقال للأعرابي: جئ معي أعطيتك الثمن، فجاء معه الأعرابي، فدخل سُرَّق في بيته وخرج من طرف آخر، فذهب الأعرابي بعد الانتظار الشديد فلقيه بعد مدة وجاء به إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقص حاله، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بعه في السوق» ، فأخذ الأعرابي يبيعه فاتفق أمره بمشتري، فقال الأعرابي للمشتري: ما تفعل به؟ قال المشتري: أعتقه لِلّه، فقال الأعرابي: فأنا أحق به فتركه الأعرابي وأعتقه، وحديث سُرَّق ذكره أرباب معرفة الصحابة أيضاً، ومنها ما أخرجه أبو داود أنه أعتق أمة جار عليها مولاها، فهذه الروايات مختصة به، ثم ليعلم أن حديث الباب يدل على أن المولى مات، وأعله الشافعي والحافظ والبيهقي والزيلعي، فإن في سائر الطرق تصريح أنه كان حيّاً كما في مسلم ص (332) ، ج (1) عن جابر، أقول: يمكن توجيه لفظ مات أيضاً بأن يقال: إن الضميرات راجع إلى العبد، وذكر الراوي موته مقدماً فإن في حديث الباب تصريح أنه مات عامة الأول، فقدم الراوي ذكر موته بعد الواقعة، هذا والله أعلم.

باب ما جاء في كراهية تلقي البيوع

باب ما جاء في كراهية تلقي البيوع

[1220] قال أبو حنيفة: إن كراهية تلقي الجلب ليس في جميع الأحوال بل في بعضها، وإنما قصرها على بعض الأحوال فإن الوجه أجلى، وأما في صورة الكراهة فبيعه صحيح ويكون مرتكب المكروه تحريماً، ثم إن غرّر المتلقي قولاً فللبائع الفسخُ قضاءً، وإن غرَّرَ فعلاً فيجب الفسخ والإقالة ديانةً، وأما الاغترار ففيه اختلاف العبارات. الجَلَب: اسم جمع للجالب.

باب ما جاء لا يبيع حاضر لباد

باب ما جاء لا يبيع حاضر لباد

[1222] صورته أن يريد البادي البيع فقال الحاضر لا تبع الآن وضعه عندي ووكلني، سأبيعه في حالة الغلاء، وأما بيع حاضر لباد بأن يكون البادي مشترياً وقال الحاضر: سأشتريه لك حالة الرخص فذلك جائز له، ويؤخذ من قوله: دعوا الناس يرزق الله بعضهم ببعض، إنه لا يراعي الضرر الداخل في الإبهام والانتشار، وإنما يراعي المتشخص المتعين.

باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة

باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة

[1224] المحاقلة بيع الحنطة بالزرع، والمزابنة من الزبن بتقديم الزاء معجمة وبعدها ياء موحدة الدفع، وهو بيع الثمار على رؤوس الأشجار بالتمر المجذوذ، وقيل: المحاقلة المزارعة فيكون الحديث حجة لأبي حنيفة للنهي عن المزارعة. قوله: (بالسلت إلخ) يقال له في الهندية (پغيبري جو) ، ولا تكون ذات أشعار ويجوز بيع الحنطة بالسلت متفاضلاً لأنهما نوعان إلا عند مالك لأنهما نوع واحد كما قال سعد. قوله: (اشتراء التمر بالرطب إلخ) قالوا: إن التمر هو المجذوذ، والرطب ما دام على الأشجار،

أقول: يطلق الرطب ما دام لم يصلح للادخار وإن قطع، ولم يجوز الشافعي ومالك وأحمد وصاحبا أبي حنيفة بيع التمر بالرطب وجوزه أبو حنيفة، وحديث الباب يخالفه فأجاب الطحاوي ص (199) ج (2) عن سعد بن أبي وقاص، وفيه قيد إلى أجل إلخ، فيكون المنهي عنه البيع نسِئَة، وحديث الطحاوي أخرجه أبو داود أيضاً، ثم هاهنا أسئلة وأجوبة؛ قيل: إذا كان البيع نِسئَة تحت النهي فأيّ فائدة في سؤاله «أينقص الرطب» ؟ إلخ، فإن علة عدم الجواز هو النِسئَة، قال الفاضل بهاء الدين المرجاني صاحب الحاشية على التلويح: بأن سؤاله كان تبرعاً أي زائداً على الضرورة، والوجه النسيئة ثم تبرع، أي؛ أيُّ فائدة في هذا البيع إذا تنقص الرطب؟ ثم لي شبهة أخرى وهي أن نقصان الرطب بعد اليبس بديهي يعلمه كل واحد فما وجه سؤاله عن أمر بديهي؟ وقول: إنه استفهام تقريري لا يشفي ما في الصدور، ولعل المراد ينقص بعدما جف أي هل حال ذلك الرطب أن ينقص؟ فسأل عن حال الجزئي ولم يسأل عن القاعدة. ذكر شراح الهداية أن أبا حنيفة دخل ببغداد فوقع مناظرته بالعلماء في مسائل، منها مسألة بيع التمر بالرطب فقال: جائز، فروى أحدهم عنده حديث الباب، فقال أبو حنيفة: إن زيداً أبا العياش مجهول، ثم قال: إن التمر والرطب جنس واحد أو جنسان، فإن كانا جنسين فيجوز التفاضل أيضاً وإن كانا من جنس واحد فيجوز التساوي، فقال ابن حزم: إن أبا العياش معروف عند أهل الصناعة وإن لم يعرفه أبو حنيفة فإنه أخرج عنه مالك في موطئه، أقول: إن قول هذا من أبي حنيفة إنما كان بلاغة، ولا يتوهم أن قابل النص بالقياس، فإنه لا يفعله العامي أيضاً فضلاً عن إمام المسلمين والمجتهدين، وغرضه أنه محمول على البيع نسئة.

باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها

باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها

[1226] بدو الصلاح عندنا إلا من العاهات، وعند الشافعية ظهور الحلاوة، وذكر الشيخ في الفتح أن المسألة على ست صور لأنه إما وقع البيع بشرط القطع أو بشرط الإبقاء أو بإطلاق، ثم في الحالين إما قبل بدو الصلاح أو بعده، فقال الشافعي: يجوز البيع بعد بدو الصلاح في الصور الثلاثة لا قبله، فاعتبر البدو وعدمه فقالوا: أخذنا الحديث مفهوماً ومنطوقاً، ومذهبنا أن البيع بشرط القطع جائز في الحالين، وبشرط الإبقاء غير جائز فيهما، وفي الإطلاق جائز في الحالين، لكنه يفرغ الأشجار عند

طلب البائع فليس الفرق عندنا قبل البدو وبعده، والحال أن في كثير من الأحاديث قيد قبل البدو، وجوابنا عن الحديث بوجهين ذكرهما الطحاوي؛ أحدهما أن البيع المذكور في الحديث بيع السلم لا المطلق ويجب فيه بدو الصلاح عندنا أي يكون المعقود عليه في السلم موجوداً من حال العقد إلى وقت الأداء في الأسواق، ووجوده في الأسواق إنما يكون بعد الأمن من العاهات، وأما دليل التقييد بالسلم فما في الصحيحين وغيرهما: أنه لما دخل المدينة وجد الناس يسلمون إلى سنة وسنتين فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فليسلم أحدكم إلى أجل معلوم في كيل معلوم» في عدد معلوم في وزن معلوم» فدل على أن بدو الصلاح في السلم شرط فتحمل الأحاديث الساكتة على الناطقة، والجواب الثاني تسليم أن البيع بيع مطلق لكنه بشرط القطع، وأما النهي قبل البدو فنهي شفقة، وأخرج الطحاوي على هذا حديث زيد بن ثابت أخرجه البخاري أيضاً، ثم أقول: إن حديث النهي محمول على ما كان بالإطلاق لا شرط القطع، فإن الأصوب حمل الحديث على ما هو أكثر، وأما شرط القطع فنادر، وأيضاً عامة الحديث خالية عن ذكر أنه كان البيع على شرط الإبقاء أو فلا بد من أن يكون البيع بالإطلاق بلا شرط القطع والإبقاء، وذلك جائز عند أبي حنيفة قبل البدو على ما قال في قاضيخان من عامة مشائخنا بأنهم يقولون: لا يجوز قبل بدو الصلاح إذا لم يكن فيه جدوى، فلا يتمشى على عموم الهداية هذا ما حصل مني، وأجاب أكثر الأحناف بأن المفهوم عندنا غير معتبر أقول: إنه معتبر لكنه لا يصير دليلاً شرعياً بل تخرج النكات، وأما البيع مطلقاً فذكر في الهداية جوازه واعترض ابن عابدين بأن المعروف بالعرف كالمشروط بالشرط فلا يصح البيع مطلقاً، وكنت متردداً في هذا حتى أن وجدت في فتاوى ابن تيمية عن أبي حنيفة والثوري أنهما أجازا البيع مطلقاً إذا أجاز البائع الترك على الأشجار، فإذن لما وجدت عن أبي حنيفة فلا أبالي. فالحاصل إذا لم يشترط الإبقاء في صلب العقد يصح البيع وإن كان معروفاً بالعرف، هذا ما حصل لي، والله أعلم وعلمه أتم.

باب ما جاء في بيع حبل الحبلة

باب ما جاء في بيع حبل الحبلة

[1229] قيل: أن يكون حبل الحبلة مبيعاً، وقيل يكون أجل أداء الثمن.

باب ما جاء في كراهية بيع الغرر

باب ما جاء في كراهية بيع الغرر

[1230] في القصة أن الغرر القولي يجب فيه الفسخ قضاءً، أو الفعلي يجب فيه الفسخ ديانة كما في الفتح في الإقالة، وأما الاغترار فلا اعتبار فيه، وأما تفسير بيع الحصاة فمعروف أي يكون فيه إلقاء الحصاة لتعيين المبيع أو لقطع الخيار، وكذلك المنابذة.

قوله: (بيع السمك إلخ) السمك إذا كان سهل الأخذ فالبيع جائز وإلا فلا.

باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة

باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة

[1231] نقل صاحب المشكاة عن الخطابي تفسير بيعتين في بيعة مثل ما ذكر الترمذي عن الشافعي وهو المختار وهو تفسير أبي حنيفة في كتاب الآثار.

باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك

باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك

[1232] لا يجعل بيع السلم معارض حديث الباب فإنه باب مستقل ولا يعارض باب باباً.

قوله: (بيع السلف إلخ) ليس المراد من السلف السلم بل المراد الدين. قوله: (شرطان إلخ) قال أحمد: مراده أن الشرط الفاسد إذا كان واحداً متحمل أي شرط كان ولا يتحمل شرطان فاسدان، وقال الثلاثة: المراد أن الشرطين أي ملائماً وغير ملائم غير متحملان والواحد متحمل أي الشرط الملائم. قوله: (ولا ربح ما لم يضمن إلخ) معنى الضمان أن المبيع لو هلك فلمن هلك فلمن كان في ضمانه يحل له ربحه، وتتفرع على هذا مسائل؛ منها أن المشتري إذا اشترى عبداً ثم أجاره ثم اطلع على العيب فرده بخيار عيب فهل تحل له الربائح التي كسبهما العبد المشتري أم لا؟ فإن كان في ضمانه تحل له المنافع وإلا فلا، وأما زوائد المغصوب أي الأعيان ومنافعه أي الأعمال لا تجوز للغاصب. قوله: (قال إسحاق كما) إلخ أي قال إسحاق بن راهويه كما قال أحمد. مسألة: التصرف في المبيع قبل القبض عند الشيخين جائز إذا كان المبيع عقاد إلا في المنقولات، وعند محمد لا يجوز في شيء، وقال الثلاثة أي الحجازيون يجوز التصرف في كل شيء إلا الطعام، والله أعلم.

ما جاء في باب كراهية بيع الولاء وهبته

ما جاء في باب كراهية بيع الولاء وهبته

[1236] الولاء عندنا ولاء العتاقة وولاء الموالاة، وعند الشافعية ولاء العتاقة فقط، ولا تنتقل الولاء بالبيع أو الهبة أو المعاوضة وأما ولاء الموالاة إن جاء رجل من دار الحرب وأسلم على يد رجل وقال له:

إن مت فمالي لك وإن جنيت فعليك العقل، وقال السرخسي: لا يجب أن يجيء من دار الحرب بل يشترط أن لا يعرف أقاربه وورثته، وحكم الموالاة أنه ما لم يأخذ الأرش يجوز الفسخ وإذا أخذ فلا، ولنا على ولاء الموالاة حديث تميم الداري، أقول: إن ولاء الموالاة كان ذائعاً في المتقدمين وكثيراً ما ينسب الرجل إلى المولى بالموالاة، مثل البخاري يقال له: الجعفي، وليس بجعفي صلبية بل ولاءً فدل على أن ولاء الموالاة لها حق وثبوت من السلف، وحق الولاء ليس بقابل للبيع والانتقال، وأما مسألة جر الولاء المذكورة في كتبنا فليس بمخالف لحديث الباب فإنها ثبتت بالحديث لكن الحديث متكلم فيه ولكنه باب مستقل فلا يخالف باب باباً، وحديث الباب يسمى بالمسلسل بالأئمة فإنه مروي عن الأئمة فإنه رواه أحمد عن الشافعي عن محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، ثم قيل: رواه أبو حنيفة عن مالك، ولقد صنف السيوطي رسالة مستقلة في المسلسل بالأئمة، وقال الأحناف: لم يرد أبو حنيفة بل أخذ عنه حال المذاكرة، وأما ما روى مالك عن أبي حنيفة فحمله المالكية على أخذه حال المذاكرة، أقول: لا تنقيص في رواية أحدهما عن الآخر ليتأول فيه، وعندي أنهما روى كل واحد منهما عن الآخر، وعندي ثلاث أحاديث رواها أبو حنيفة عن مالك، وقال علاء الدين المغلطائي الحنفي: روى أبو حنيفة عن مالك بلا ريب.

باب ما جاء في كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة

باب ما جاء في كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة

[1237] قال أبو حنيفة وجمهور الصحابة: إن بيع الحيوان بالحيوان نِسئَةً غير صحيح وإن لم يكن الحيوان من الأشياء الربوية، وقال الحجازيون: إنه جائز والمنهي عنه ما يكون النسأ فيه من الطرفين. وحديث الباب لأبي حنيفة حسن السند، وتصدى الحافظ إلى الإعلال ولكنه ليس كذلك، ولا يثبت عندنا في الذمة إلا ما يكون من قبيل المكيلات أو الموزنات أو المزروعات أو المعدودات المتقاربة،

ويصح السلم في هذه المذكورة، لا ما قال بعض من لاحظ له في العلم: أن السلم لا يصح عندنا إلا في الربوية، قال مولانا المرحوم: إن الحديث لأبي حنيفة، وأما ما قال الحجازيون من أنه نهى عن ما فيه النسأ من الطرفين فيصير مآل حديث الباب مصداق حديث: «نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الكالئ بالكالئ» ، فكيف يحمل أحد الحديثين المتغائرين مضموناً على الآخر؟ فإنه إذن يخرج الحديث عن مدلوله.

باب ما جاء في شراء العبد بالعبدين

باب ما جاء في شراء العبد بالعبدين

[1239] لا اختلاف في بيع عبد بعبدين يداً بيد بل الخلاف في النسئة، وهاهنا إشكالان أحدهما أن العبد المهاجر ظاهره أنه أسلم لأنه بايع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيما عند الأحناف، فإنا نقول: إنه إذا هاجر إلينا صار حراً، فإذا كان أسلم صار حراً فكيف اشتراه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ والإشكال الثاني أن العبدين الأسودين إن كانا مسلمين فلا يجوز دفعهما إلى دار الحرب، فلم يتعرض أحدنا إلى الجواب، فيدعي العبدين أنهما كانا

كافرين ويدعي في العبد أنه لعله كان عبد قبيلة حليفة، بينه وبينها كان عهد، وفي كتبنا إذا أسلم العبد أو الأمة وهما ملك كافر عُتِقا، ودليل مسألتنا أنه قال عند محاصرة هوازن: من نزل فهو حر فنزلوا منهم نفيع بن حارث أبو بكرة الطائفي، وجعله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حراً من غير إعتاق، ويقال: مولى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مجازاً، وأما دليلنا على أن العبد المهاجر إلينا قد عتق أثر أخرجه البخاري في الجزء الثاني من النكاح.

باب ما جاء في أن الحنطة بالحنطة مثلا بمثل وكراهة التفاضل فيه

باب ما جاء في أن الحنطة بالحنطة مثلا بمثل وكراهة التفاضل فيه

[1240] قوله: (يداً بيدٍ إلخ) قال أبو حنيفة: إن النقدين يجب القبض بالبراجم فيهما وأما سائر الأشياء الربوية فيكفي التعيين فيها، وأما ما في حديث الباب من لفظ يداً بيد فمراده التعيين لما في مسلم: (عيناً بعين) ، وأما النقدان فلا تعيين فيهما إلا بالقبض بالبراجم في المجلس، وأما قبض رأس المال في السلم فأيضاً ضروري عندنا لكنه لا يجب في مجلس العقد بل قبل تفرق الأبدان.

قوله: (قول مالك بن إلخ) لعل قوله في السلت بالحنطة لا في الحنطة بالحنطة، فإنه كيف يقول خلاف الحديث الصريح؟

باب ما جاء في بيع الصرف

باب ما جاء في بيع الصرف

[1241] ما يكون فيه الثمن والمبيع النقدان ويجب القبض من الطرفين بإجماع الأمة، ونسب إلى ابن عباس أنه كان يقول بجواز التفاضل في الربوية، وتمسك بحديث البخاري: «لا رَبواً إلا في النسئة» ، وقال الجمهور: إن معناه لا ربواً الذي يخرب البلاد أي أشد الربا إلا في النسئة فإن الربا متفاضلاً نادراً أندر، ثم روي أن ابن عباس رجع عن مختاره حين بلغه إجماع الأمة واستغفر الله تعالى. واعلم أن العبرة في بيع الصرف للوزن لا للضرب، فلا يؤخذ غير المضروب بما هو أقل منه مضروباً.

قوله: (الورق بالورق ربَواً إلخ) لفظ ربَواً بالألف والواو في الكتابة، وبالتنوين على الباء في القراءة، وأما وجه كتابة الواو فلأن في مثل الزكاة، والربا، والصلاة، لغة: صَلَوْةٌ، وزَكَوْة، ورِبَوْ، بالواو السكونة للجهولة في عرف العجم قراءة. قوله: (فأبيع بالدنانير. . إلخ) أي التصرف في الثمن قبل القبض، وهذا جائز عندنا، وأما التصرف في المبيع قبل القبض ففي غير المنقول جائز عند الشيخين لا عنده، ولكن التميز بين المبيع والثمن متعذر سيما في الصرف والمبيع المقايضة، وإني قد جمعت جزئيات من كتب الفقه ونظمتها، ومنها هذين الشعرين مرابحة: ~ تعرّف المثلى صاح ثمناً ... مدخول باء وكذا معيناً ~ وهو في النقد بيع فاعتن ... كغير مدخول ولا معين وذكرها الفقهاء أن الثمن مدخول الباء ولكن هذه الضابطة لا تجدي ولزومها من العوام متعذر، وأما الضابطة التي نظمتها في الأشعار فأخذتها من مرابحة رد المحتار وغيرها. قوله: (هاء إلخ) اسم فعل بمعنى خذ.

باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير والعبد وله مال

باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير والعبد وله مال

[1244] قال الشافعي: إن الثمرة قبل التأبير للمشتري وبعده للبائع فعمل بالمفهوم والمنطوق، وقال أبو حنيفة: إن الثمرة للبائع في الحالين إلا إذا صرح المشتري بأنها لي، وأجاب أكثر الأحناف بأن المفهوم عندنا غير معتبر ولكن هذا الجواب لا يعلق بالقلب، وأما قول إنها إذا كانت للبائع بعد التأبير، يكن له قبل التأبير بالأولى فلأحد أن يمنعه بأن البائع عمل في الثمرة إذا كان البيع بعد التأبير، وأما في صورة البيع قبل التأبير فلم يعمل بشيء وتصدى العيني إلى المعارضة، أقول: إن معارضة الخاص بالعام لا يقبله الذوق السليم، والصحيح في الجواب من جانب أبي حنيفة ما ذكر الطيبي وأبو عمر في التمهيد بأن التأبير كناية عن ظهور الثمرة، فمفهومه أن يكون الثمرة قبل الظهور للمشتري أي في عام البيع وبعد هذا العام فلا يذهب الوهم إلى نزاع، وهكذا مذهب أبي حنيفة فصار الحديث لطيفاً على مذهبنا أيضاً.

باب ما جاء البيعان بالخيار ما لم يتفرقا

باب ما جاء البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا

[1245] قال مالك وأبو حنيفة: ليس خيار المجلس إذا انعقد البيع، قال الشافعي وأحمد بخيار المجلس. قوله: (ما لم يتفرقا أو يختارا إلخ) أو إما عاطفة، أو بمعنى إلا أن، أو إلى أن، فإذا كانت عاطفة يعطف على يتفرقا تحت النفي، وإذا كانت بمعنى إلى أن أو إلا أن يكون استثناءً أو غاية وفي يختار تفاسير أحدها ما قال الشافعية أن يقول المتبايعان: اختر اختر قبل ختم المجلس لختم الخيار فلا يمتد الخيار إلى آخر المجلس، وثانيها خيار الشرط، وخيار الشرط عندنا أيضاً معتبر، وهذا إلى ثلاثة أيام عند أبي حنيفة ولا تحديد عند الصاحبيين، وأما قول: (البياعان بالخيار ما لم يتفرقا) فقال الشافعي وأحمد: إنه خيار المجلس وأما شرح أبي يوسف فهو أن التفرق هو تفرق الأبدان كما قال الشافعي وأحمد، والغرض من الحديث أن المجلس جامع المتفرقات فيضم القبول بالإيجاب ويكون المراد أن المشتري له أن يقبل أو لا يقبل، وللبائع قبل القبول أن يرجع عن إيجابه فالاختيار هو هذا ما ذكره الطحاوي، وشرح محمد كما في موطئه ص (340) قال: ما لم يتفرقا من منطق البيع، ثم في شرح قول محمد أقوال؛ أحدها: إن للتفرق أقوالاً هو الفراغ عن الإيجاب والقبول، فإذن لا خيار وإن كان المجلس باقياً، وهذا أحسن فإنه يكون من حيث اللفظ، والأعلى تفرق الأبدان ومن حيث الحكم مراداً به تفرق الأقوال، أي تفرق الأبدان كناية عن تفرق الأقوال أي الفراغ عن الإيجاب والقبول، والوجه أن في الفراغ عن الإيجاب والقبول تمكن تفرق الأبدان. والشرح الثاني لقول محمد شرحُ ابن همام، والأرجح في شرح قول الهداية ما قال ملا الهدا والجونپوري، وقال الشافعية: إن شرحنا راجح على شرح محمد فإن التفرق من التفعل يكون في الأبدان والافتراق من الافتعال يكون في الأقوال، أقول: إن في شرح أبي يوسف وأحد شرحي محمد تفرق الأبدان وأيضاً باقي التفرق في الأقوال كما في أحد لفظي حديث: «ستفرق أمتي إلى بضع وسبعين فرقة» فإن في لفظ منه من الافتعال وفي لفظ من التفعل وليس فيه إلا تفرق الأقوال، وفي القرآن العزيز: في تفرق الأقوال، والأحسن شرح أبي يوسف وهو ألطف، وقال فاضل حنفي: إن شرح هو بعين ما قال الشافعية، ويكون الخيار خياراً مستحباً لا واجباً، واختاره مولانا قدس سره، أقول: يؤيده ما في ابن ماجه والبخاري لفظ: أو يقول اختر ثلاثاً، وحمله الشافعية أيضاً على الاستحباب فإن التثليث عندهم ليس بضروري، وقول ذلك الفاضل ليس بمخالف لمسائل الأحناف فإن في إقالة الهداية استحباب الإقالة في كل وقت إن ندم أحدهما وقال بعض الشافعية أن ابن عمر راوي المرفوع وفعله هو موافق لمذهبنا، وأما شرح ذلك الفاضل فنقله الحافظ ولم يرض به

ولكنه لم يرده أيضاً، أقول: أن مذهب الشافعية أن العبرة لما روي لا لما رأى فكيف يستدل عندهم بفعل ابن عمر؟ وأيضاً أقول: إن فعل ابن عمر ترك الواجب عندهم المستحب عندنا فإن مذهبهم أن لا يقوم من المجلس خشية أن يستقيله، وهذا الحق لازم عندنا، هذا الحق مستحب، فإذن الأقرب هو قولنا أو قولهم، حكي أنه وقع المناظرة في المسألة بين مالك وابن أبي ذئب فقيه المدينة، فقال مالك بن أنس: حديث الباب ليس عليه عملنا فعارضه ابن أبي ذئب، فقال مالك: اخرج عني، فقال ناقل القصة: إن مالكاً لم يحمد على ذلك ذكره الموالك في كتبهم، وبعد اللتيا والتي الألطف شرح أبي يوسف. قوله: (لا أراكما تفرقتما إلخ) تمسك الشافعية بهذا، وأصل قصَّتِهما ما ذكر الطحاوي بأنهما كانا في السفينة فتبايعا أول الليل ثم عند الفجر أراد أحدهما الفسخ، فإذن ادعاء أنهما لم يتحركا عن مجلسهما ادعاء بعيد، وذكر البيهقي في السنن الكبرى أن ابن عينية بلغ كوفة وروى حديث الباب فبلغ الخبر أبا حنيفة، فقال أبو حنيفة: ليس بشيء، أرأيت إذا كانا في السفينة، فقال رجل: إن الله يسأل أبا

حنيفة. أقول: ما أراد أبو حنيفة معارضة الحديث بقياسه والعياذ بالله، بل مراده أن شرح الحديث مثل ما قال أبو يوسف أو غيره. قوله: (ولا يحل له أن يفارق إلخ) قال الشافعية: إن هذا يفيدنا، وقال الحنفية: إن لفظ خشية أن يستقيله يفيدنا فإن الإقالة لا يكون إلا بعد صحة العقد، وطلب الإقالة من سين الاستفعال يدل على أن المشتري أو البائع ليس بمستبد فإن المستقيل لا بد من أن يقول لمتبائعه: أقلني فيصدق الاستقالة في هذا وإن كان الفسخ بخيرية، وأيضاً قوله: (ولا يحل له أن يفارقه) اه؛ ليس تفسيراً لما قبله بل جملة مستقلة. وليعلم أن الإقالة عندنا أيضاً مستحبة عند ندم أحدهما، ومسألة أخرى لنا وهي أن الرجل إذا باع أو اشترى ثم لقي الآخر بعد مدة طويلة فقال له: أنت بالخيار ففي هذا يكون خياراً قبل تفرق الأبدان ومفتقراً على المجلس ولكن هذه المسألة بعد العقد وأما إذا قال هذا القول في صلب العقد يصير مفسداً للبيع، وإذا قال بعد الفراغ فهي مختلفة بين صاحب البحر وابن همام ولكن ظاهر الحديث على الخيار من جانب الشارع وفيما ذكرت التخيير من جانب المكلف.

قوله: (خير أعرابياً. . إلخ) تمسك به الحجازيون، أقول تفصيل الحديث: إنه اشترى الإبل ثم قال له عليك أن تدبر في صفقتك، إن أردت استرجع، ثم بلغ الأعرابي بعد مدة طويلة عنده فقال: هل عرفتني يا رسول الله؟ قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نعم. فأقول: إن قوله كان من مروته ومصداق خلقه العظيم لا أنه حق شرعي.

باب ما جاء فيمن يخدع في البيع

باب ما جاء فيمن يخدع في البيع

[1250] اسم هذا الرجل حبان بن منقذ، قال أبو حنيفة: لا حَجْر إلا على ثلاثة، وعند صاحبيه على خمسة وهو قول الصاحبين. قوله: (فنهاه إلخ) أي نهى عن البيع لا أنه حَجَره، واعلم أن الحَجْر إنما يكون من الأقوال لا في الأفعال. قوله: (لا خلابة إلخ) قبل: إنه ليس عليه حكم شرعي بل كان يقول عند البيع لأن الناس كانوا متدينين، وقيل: إنه مدار الحكم الشرعي ويكون لهذا الرجل خاصة أن رد البيع إن لم يرض وهذا مختار الشافعي وأشار إليه محمد في موطئه، وفي مستدرك الحاكم زيادة: «لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام» إلخ فإذن يكون هذا خيار الشرط.

فائدة: أخرج مسلم حديث حبان بن منقذ وفيه أن في لسانه كانت لكنة، فدل على أن المدار على المقاصد وإن كانت الألفاظ قاصرة قصور شيء.

باب ما جاء في المصراة

باب ما جاء في المصرّاة

[1251] قال الشافعي وأحمد ومالك وأبو يوسف: إن في المصراة يجوز رد المبيع وصاع تمر، بدل اللبن، وعن أبي يوسف روايتان تحت وفاقه إياهم بأنه إما أن يرد المبيع وقيمة اللبن وإما أن يرده وصاع تمر، إحدى الروايتين في شرح أبي داود ومعالم السنن للخطابي، وثانيتهما في شرح مختصر الطحاوي للاسبيجابي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز الرد، وأول من أجاب الطحاوي فعارض الحديث وأتى بحديث الخراج بالضمان وسنده قوي، أقول: إن هذا الجواب ليس بذاك القوي فإن في مسألة خيار العيب ثمانية أقسام، فإن الزيادة إما متولدة من المبيع أو غير متولدة، ثم إما منفصلة أو متصلة، وكلاهما إما قبل القبض أو بعده، وأما مصداق حديث «الخراج بالضمان» عندنا فهي الزيادة غير المتولدة وأما ما نحن فيه فالزيادة منفصلة متولدة فلا يجدي في الجواب، واتبع المتأخرون الطحاوي وأما الزيادة المتولدة المنفصلة أو عكس هذه الصورة فلا يرد البيع فيهما، وفيما نحن فيه من الصورة الأولى، فأقول: إن المذكور في عامة كتبنا هو حكم القضاء وأما ديانة فالرد واجب فيحمل الحديث على الديانة والحكم يكون وجوباً، وأما حكم الرد ديانة فمذكور في الوجيز والتهذيب والحاوي القدسي، وجمعت هذا المضمون في البيتين: ~ بزيادة المنفصل المتولد ... أو عكسه متعيب لم يردد

ثم في التهذيب والوجيز والحاوي الجواز بالتراضي يحمل فصار الخلاف في أنه حكم قضاءٍ أو ديانةٍ، والفرق في الديانة والقضاء عند الشافعية أيضاً، فإن في الصحيحين أن زوجة أبي سفيان استغاثت عنده بأنه لا يعطيني النفقة وأنه رجل شحيح، فأمره النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تأخذ من ماله قدر نفقتها ونفقة العيال، فقال بعض الشافعية: أمْرُه فتوى، وقال بعضهم: إنه حكم القضاء، وأما وجه ما ادعيت من وجوب الرد ديانة فما في الفتح أن الفسخ في الغرر الفعلي واجب، وحمل مولانا الحديث على الاستحباب على أن الإقالة مستحبة إذا ندم أحدهما وأما ما ذكر صاحب المنار وغيره من أن حديث المصراة يرويه أبو هريرة وهو غير فقيه، ورواية الذي ليس بفقيه غير معتبر إذا كانت خلاف القياس، والقياس يقتضي بالفرق بين اللبن القليل والكثير، ولبن الناقة أو الشاة أو البقرة وغيرها من الأقيسة، فأقول: إن مثل هذا قابل الإسقاط من الكتب فإنه لا يقول به عالم وأيضاً هذه الضابطة لم ترد عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ولكنها منسوبة إلى عيسى بن أبان، وذلك صنف كتاباً في بيع المصراة فذكر فيه كلاماً وزعمه الناس ضابطة فلا يقبل نسبتها إلى عيسى بن أبان أيضاً. حكي أنه وقع مناظرة بين حنفي وشافعي في مسجد رصافة في بغداد في مسألة المصراة، فقال الحنفي: لم يكن أبو هريرة قابل الاجتهاد ولم يكن فقيهاً إذ أسقطت عليه حية سوداء، فكان الحنفي يعدو لا تدعه الحية، فقيل له: استغفر من قولك، فاستغفر فتركته الحية، والله أعلم.

باب ما جاء في اشتراط ظهر الدابة

باب ما جاء في اشتراط ظهر الدابة

[1253] الشرط المفسد غير متحمل عند الثلاثة ومتحمل عند أحمد إذا كان واحد، وفي الهداية أن الشرط الذي فيه نفع أحد المتعاقدين أو المبيع وهو من أهل الاستحقاق غير جائز، وواقعة الباب واقعة ليلة البعير وأكثرهم إلى أنها في غزوة ذات الرقاع، وفي السير أنها في السنة الرابعة أو الخامسة، واختلفت الروايات في قيمة البعير ذكرها البخاري ولا يمكن التوفيق بينهما، وتحمل على اختلاف الأوقات، فإن تكرار البيع في الطريق ثابت، وأجاب الطحاوي بأن الشرط لم يكن في صلب العقد بل بعده، أقول: إن في المسألة تفصيلاً بأن الشرط إن كان في مجلس العقد فيلحق الشرط بالعقد، وإن كان بعده فلا، فإذن لعل شرطه أو استدعاءه كان بعد العقد، أقول: يفصل في المسألة بأنه إن كان

المراد إلحاق الشرط بالعقد يكون فاسداً وإلا فلا، وإن كان الشرط في صلب العقد فإنه كالمواعيد، لا كالشروط، ذكر في جامع الفصولين أنه إذا اشترى حمل حطب واشترط نقله إلى بيته صح البيع ويجب عليه نقله، فإنه كالوعد، وأداء الوعد في المعاوضات واجب، أقول: إن في المسألة زيادة تفصيل، فإن في رواية أن الشرط يلحق بالعقد، وفي رواية أنه لا يلحق، وفي قول إنه إن كان قبل تبدل المجلس فيلحق وإلا فلا يلحق، وفي الهداية جواز الاشتراط بشروط متعارفة أقول: إن الحديث لم يخالفنا إذا فصلنا المسائل بهذا التفصيل وأقول أيضاً: إن غرضه لم يكن البيع حقيقة بل صورة وإيصال النفع إلى جابر كما تدل القصة أنه أعطاه الثمن وزاد فيه ورد عليه الإبل، فإذن لم تكن بيعاً واقعياً يتحمل فيه بعض التحمل، حكي أنه اجتمع أبو حنيفة وابن شبرمة وابن أبي ليلى الكوفيون في حج مكة فجاء رجلٌ فسأل أبا حنيفة عن مسألة الباب فقال: إن الشرط والبيع باطل، ثم بلغ إلى ابن شبرمة فسأله فقال: إن الشرط والبيع صحيحان ثم بلغ إلى ابن أبي ليلى: فقال ابن أبي ليلى البيع صحيح والشرط باطل، ثم عاد الرجل على أبي حنيفة فقص ما قالا، فقال: لا أعلم ما زعما فروى حديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع وشرط» ، ثم عاد على ابن شبرمة فقال ما قال، فروى ابن شبرمة حديث الباب، ثم عاد على ابن أبي ليلى فقال ما قال فقال: لا أعلم ما زعما فروى حديث بريرة، أقول: إن المطابق بالسؤال هو جواب أبي حنيفة وأما ابن أبي ليلى فعمل بالقياس، وأما ابن شبرمة فالكلام في استدلاله مر منَّا، ولم يكن سؤال الرجل إلا عن بيع وشرط، وما ورد فيه إلا حديث: نهى عن بيع وشرط.

باب ما جاء في الانتفاع بالرهن

باب ما جاء في الانتفاع بالرهن

[1254] قال الثلاثة لا يجوز الانتفاع بالمرهون، وقال أحمد: يجوز الانتفاع، وقال أبو حنيفة: إن منافع المرهون وزوائدها مرهونة، وأما أجرة حفظه وبيته فما كان له دخل في إبقاء المرهون فهو على الراهن

وأما غيره من الذي ليس بدخيل في بقائه فعلى المرتهن، ويجوز الانتفاع عندنا إذا أجاز الراهن ولا تكون الإجازة أو الانتفاع مشروطاً أو معروفاً. قوله: (وعلى الذي يركب إلخ) قد أطنب الحافظ ابن تيمية الكلام أن من محاسن الشريعة الغراء إجازة الانتفاع من المرهون، وأجاب بعض المحشين بأن المراد من الذي يركب أو يشرب هو الراهن، أقول: كيف يجري هذا وقد صرح الراوي بالمرتهن في بعض الروايات؟ أقول: يمكن لنا أن نجيب بأن هذا إذا لم يكن مشروطاً أو معروفاً ويمكن أن يقال: إن المرهون ليس هو مصطلح الفقهاء بل المراد المنيحة، وقد ثبت في القاموس الراهن بمعنى المانح، ولينظر إلى ما في الطحاوي ص (253) ، ج (2) وما في حديث أبي داود من الزكاة قريب من حديث أبي هريرة، وليراجع إلى ما في تخريج الزيلعي فإنه يجدي شيئاً آخر.

باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز

باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز

[1255] قال الثلاثة: لا يجوز هذا البيع إلا عند تفصيل الذهب من القلادة، وقال أبو حنيفة: يجوز البيع بلا فصل أيضاً إذا علم أن البدل أزيد في القلادة فإنه يصير الذهب مقابل الذهب، والزائد بدل القلادة، وأما شرط الزيادة فلكيلا يلزم الربا، وقال النووي: إن أبا حنيفة خالف النص، أقول: لا ينبغي مثل هذه الأقاويل، فإنه إذا أدار الحكم على الوجه الذي هو أجلى فأي بعد وأي خلاف من النص

باب ما جاء في اشتراط الولاء والزجر عن ذلك

باب ما جاء في اشتراط الولاء والزجر عن ذلك

[1256] من المجمع عليه أن انتقال حق الولاء غير جائز، وأما جر الولاء فباب آخر ولا يجوز بيع المكاتب عند أبي حنيفة، وأما في واقعة الباب فلعلها عجزت ويجوز البيع عند التعجيز عن أداء بدل الكتابة.

باب حدثنا أبو كريب إلخ

باب حدثنا أبو كريب إلخ

[1257] في حديث الباب حجة لنا على الشافعي على جواز بيع الفضولي، ولنا في صحة نكاح الفضولي حديث: «أن جاريةً جاءت إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالت: إن أبي زوجني ولم يستأمِرْني فخيَّرها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إني راضية بنكاحِ أبي، وإنما أردت أن للنساء أمراً» . فإذن هذه الجارية إما ثيب فيلزم إنكاحها بدون استيمارها وذلك غير جائز عندهم، وإما بكر فلزم أن لا يكون ولاية الإجبار عليها.

باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي

باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي

[1259] أشكل الحديث على العلماء فإنه يدل على تجزئ هذه الأشياء، ولا يقول به أحد. قوله: (أصاب حد إلخ) أي يكون العبد جانياً، لا كما قال المحشي فإنه غلط. قوله: (أو ميراثاً إلخ) أي حصل له الميراث، دل الحديث على أن العبد عتق بحصة ما أدى، وليس هذا مذهب أحد، بل قالوا: إن العبد عبد ما دام عليه درهم. قوله: (يُوْدَى المكاتب إلخ) مثال وادى من الدية وليس بمهموز، ويكون العبد في هذه الصورة مجنياً عليه، وحديث الباب قوي، وأما حديث عمرو بن شعيب فضعيف من قبل يحيى بن أنيسة وهو سيء الحفظ، وأما الحديث الأول فقوي ووارد وما أجاب أحد عنه وإنما أتى بالاستدلالات، ولي هاهنا شيء أذكره وسيفيد للجواب إن شاء الله تعالى، وهو أن بحساب ما عتق إلخ وإن كان ظاهره العتق بقدر ما أدى ولكن المراد أنه حر من زمان أداء بدل الكتابة، وهذا المعنى محتمل في اللغة، وأما جملة يودي المكاتب ديته حر وعبد فلا تدل على أنه عتق بعضه بل فيها تشبيه بدية حر وعبد، والمراد أنه إذا جنى على المكاتب فعلى الجاني أرش وأرشه يكون قيمته، ثم في تقويم الأرش تعتبر شائبة الحرية والعبدية، وهذا يظهر مما أذكر مسألة مفصلة ففي كتبنا أن المدبر قيمته ثلثا قيمة القن كما في الهداية لفقدان أحد المنافع الثلاثة، وفي القن المنافع الثلاثة أي البيع والاستخدام والوطي موجودة، ثم يذكرون في الجنايات أن دية العبد قيمته، ويذكرون العبد هاهنا بلا تقييد القن أو المكاتب، والمروي عن أبي حنيفة أن دية العبد قيمته، وإذا زادت قيمته على دية الحر تنقص منها عشر دراهم، ودية الأمة قيمتها وإن زادت على خمسة آلاف تنقص منها خمسة دراهم، روي عن أبي يوسف أن دية العبد قيمته بالغة ما بلغت وقدوتنا في المسألة ابن مسعود، ثم يذكرون في التدبير أن قيمة المكاتب نصف قيمة القن، وقيل: ثلثها فنقصت قيمته من قيمة القن فإذا أودِيَ يودى بالنظر إلى جانب الحرية والعبدية لأنه قريب الحرية، فإن نقصت قيمته فتكون الدية أيضاً ناقصة، فعلم تشبيه دية بدية حر وعبد للشبهتين وليس فيه الحكم بحرية قدر ما أدى فلا يخالف الحديث مذهب الأربعة، ويكون دية حر وعبد إلخ منصوباً مثل: له صراخ صراخ الثكلى، وإنما شرح الجملتين متفرقاً، وقطعت في نظم الحديث فإن الجملتين حديثان مستقلان لما في النسائي ص (722) ، فتدل حديث النسائي على تعدد الحديثين، وأما

دليل ما ذكرت في الجملة الأولى وحملتها على الزمان فإن ابن عباس راوي حديث الباب يفتي موافق الفقهاء الأربعة كما أخرجه الطحاوي ص (64) ج (2) فإنه قال بعد رواية المرفوع: ويقام على المكاتب حد المملوك إلخ. قوله: (فلتحتجب إلخ) ظاهر حديث أنه إذا اجتمع عنده بدل الكتابة صار حراً قبل أدائه وليس مذهب أحد، فيقال: إنه على التورع، وهاهنا مسألة أخرى مختلفة فيها، قال الشافعي: إن الموليات لا يحتجبن عن عبيدهن وقال أبو حنيفة: إن بينهن وبينهم حجاب، وظاهر حديث الباب يفيد الشافعي، فحمل الأحناف الحديث على زيادة الاحتجاب، وذكر الطحاوي في مشكل الآثار محمل الحديث لطيفاً وهو أن الاحتجاب في الصورة التي اجتمع عنده بدل الكتابة، ولا يؤديه تعنتاً كيلاً تنقطع التعلقات التي بينه وبين مولاته فأمر الشارع بالاحتجاب قبل أداء بدل الكتابة لسد الذرائع، ومثل هذا ثبت أن أم سلمة كان لها عبد فكاتبه فأدى بعض النجم (قسط) ثم أتى بالباقي للأداء، وكانت أم سلمة في الهودج فاحتجبت، فقال: ماذا تفعلين؟ قالت: هكذا حكم الشريعة فبكا وأراد أن لا يؤدي، فقالت: أد أم لا ولكن حكم الشريعة قد جرى، وقال العيني: إن معنى فلتحتجب أن تهيأ للاحتجاب.

باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنده متاعه

باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنده متاعه

[1262] قال أبو حنيفة: إن البائع قبل قبض المبيع يجوز له أن يحبس المبيع، وأما بعد القبض فهو وسائر الغرماء سواسية، وقال الحجازيون: يجوز له أن يأخذ شيئه إذا كان على حاله بدون تصرف فيه، ونقول: إن في العارية والمغصوب حق أخذ الرجل شيئه، وحديث الباب الصحيح ظاهره للحجازيين، وأما محمل الحديث عندنا فقال الأحناف: إنه محمول على الغصوب والعواري والأمانات، أقول: كيف يجري هذا الجواب والحال أن في مسلم تصريح البيع؟ فأقول: إن حكم حديث الباب محمول على الديانة لا القضاء أي يعطي المديون الدائن شيئه إذا كان موجوداً عنده بعينه لتعلق حق له به كما ذكر وفي فرس عاد إلى دار الحرب ثم أصابه المسلمون ما أحق المالك الأصلي بعدما قسمه الغانمون، كما في مسلم والترمذي: إن رجلاً من بني إسرائيل كان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا ويمهلوا الناس إذا أعسروا فتجاوز الله عنه لهذه الحسنة، وإذا قصته الشريعة علينا ولم تنكره يكون ذلك الحكم في شريعتنا أيضاً. فلا بد من حمل الحديث على الديانة.

باب ما جاء في النهي للمسلم أن يدفع إلى الذمي الخمر ليبيعها له

باب ما جاء في النهي للمسلم أن يدفع إلى الذمي الخمر ليبيعها له

[1263] المسألة التي في الترجمة صحيحة عندنا، والمسألة ليست في حديث الباب بل مستنبطة من الحديث، وفي الهداية مسألة أخرى أنه إذا وكل المسلم الذمي ليشتري له الخمر ويبيع له فاشترى

الخمر يثبت الشراء في حق الموكل هذا عند أبي حنيفة خلاف صاحبيه، وحديث الباب لا يضره وله فتوى عمر رضي فيما إذا أمر الذمي على العاشر بالخمر، ذكروها في شروح البخاري.

باب أد الأمانة إلى من ائتمنك

باب أد الأمانة إلى من ائتمنك

[1264] هذه المسألة مسألة الظفر، والصورة إن كان لأحد حق على الآخر فظفر المستحق على حقه فعند الشافعي يجوز له أخذ ذلك الشيء وإن كان بسرقة ومن أي جنس كان، وقال أبو حنيفة: إنه إذا وجد جنس حقه يجوز له وإلا فلا، والنقدان عنده في هذه المسألة جنس واحد، وأفتى أرباب فتوانا بما قال الشافعي.

باب أن العارية مؤادة

باب أن العارية مؤادة

[1265] قال الشافعي وغيره من الحجازيين: إن في العارية ضماناً هلكت أو استهلكها. قال أبو حنيفة: الضمان في الاستهلاك ولا يرد الحديث علينا أصلاً، فإن العارية مؤداة أي إذا كانت موجودة، قال الشافعي: إن في العارية إباحة المنفعة، وقال أبو حنيفة: إن فيها تمليكاً. قوله: (قال قتادة ثم نسئ إلخ) زعم الراوي أن بين القولين تعارضاً، أقول: لا تعارض بل يفسر أحدهما الآخر.

باب ما جاء في الاحتكار

باب ما جاء في الاحتكار

[1267] من الحكرة المنع والمراد، حبس الشيء عن بيعه ليباع في الجدب غالياً، والمنهي عنه هو حبس قوت الإنسان، وروي عن أبي يوسف في قوت الحيوان أيضاً، وأما إذا ادخر الغلة الخارجة من أرضه وحبسه عن البيع فذلك جائز، وفي كل باب مستثنيات.

باب ما جاء إذا اختلف البيعان

باب ما جاء إذا اختلف البيّعان

[1270] قال الشافعي: القول قول البائع وإلا فتخالفا وترادّا، قال أبو حنيفة: إن العبرة للتخالف والتراد عند كون المبيع قائماً، والحديث عندنا أيضاً محمول به.

باب ما جاء في بيع فضل الماء

باب ما جاء في بيع فضل الماء

[1271] الماء ثلاثة أقسام؛ أحدها: الماء الذي لا صنع فيه لأحد كالنهر الجاري ويجوز فيه لكل واحد أن ينصب الرحى.

والثاني: أن تحفر جماعة نهراً صغيراً فيجوز منه سقي الدواب ولا يجوز سقي الأرض ونصب الرحى. والثالث: الماء المحرز في الأواني ويجوز منه الشرب، ويجوز أخذه بالقتال أيضاً عند الاضطرار، وفيه أثر عمر فإنه قال حين ذكروا القصة: أفلا وضعتم فيهم السيف.

باب ما جاء في كراهية عسب الفحل

باب ما جاء في كراهية عسب الفحل

[1273] واعلم أن حديث الباب حديث أنس قوي وجزيل يفيد في أن الألفاظ دخيلة في اصطلاح الحكم خلاف ما قال ابن تيمية: إن العبرة للمقاصد لا للألفاظ، وفي هذا أدلة منها الآية الدالة على أن المتوفى عنها زوجها لا تخطب تصريحاً، ويجوز الكناية فالغرض واحد والاختلاف في التعبير.

باب ما جاء في كراهية ثمن الكلب

باب ما جاء في كراهية ثمن الكلب

[1275] قال صاحب الهداية: يجوز بيع الكلب وإن لم يكن معلماً، وقال شيخه السرخسي: إن جواز البيع منحصر على الكلب المعلم، والراجح ما قال السرخسي ووقع استثناء الكلب المعلم في الأحاديث منها ما في مسند أحمد بسند قوي، ومنها ما في النسائي ص (195) ، ج (2) . باب الرخصة في بيع كلب الصيد فإن فيه تصريحاً لا يجوز بيع الكلب إلا بيع كلب صيد، وأعلَّه البعض، وقيل: إن الحديث ثابت بأسانيد قوية، وصورة الإعلال بأن «إلا كلب صيد» ليست قطعة هذا الحديث بل حديث نهي اقتناء الكلب، ولنا ما في الطحاوي أن عثمان ذا النورين أوجب على رجل قتل كلب رجل قيمته وافرة، وأما حديث الباب وما يضاهيه فيمكن فيه أن يقال بعين ما قال الخطابي: إن حديث النهي عن

بيع الهرة إنما معناه أن لا تجعل الهرة مملوكة بل تمهل مباحة، ومذهب الشافعية أن بيع الهرة جائز، وفي الدر المختار باب البيع: المكروه: أن بيع القردة للهو واللعب غير جائز.

باب ما جاء في كسب الحجام

باب ما جاء في كسب الحجام

[1277] أجرة الحجامة غير مرضية، وتصير في ملك الحجام، ولو بملك الحجام، ولو بملك فيه خبث وهذا يكون خلاف المرؤة، ومثله: «إن الله يحب أعالي الأمور ويكره سفا سفها» ، وإن قيل: إن الحجامة من ضروريات الدنيا، فلم جعلت أجرتها غير مرضية؟ قلت: أجاب الغزالي عن هذا في كتاب الضرورة من الإحياء. قوله: (لرقيقك إلخ) دل الحديث على أن للحلال أيضاً مراتب ولا يخالفه ما في كتبنا من أن ما لا يجوز للإنسان لا يؤكل دوابه، وفي نظم ابن وهبان: ~ وما مات لا تطعمه كلباً فإنه ... حرام خبيث نفعه متعذر وقال ابن الشحنة: إن هذا فيما يقطع لحم الميتة ويؤكل كلبه، وأما إذا مر عند ميتة بكلبه فوقع الكلب عليه فلا وزر عليه، وقول ابن الشحنة هذا ينظر فيه.

باب ما جاء فيمن يشتري عبدا فيستعمله ثم يجد به عيبا

باب ما جاء فيمن يشتري عبدا فيستعمله ثم يجد به عيبا

[1285] قال الأحناف: إن حديث الخراج بالضمان محمول على الزيادة المنفصلة غير المتولدة فإذن لا يعارض حديث الباب حديث المصراة كما قال الطحاوي في المعارضة، والواقعة ليست بمذكورة في

طريق الباب ولكنها مذكورة في سائر الطرق وهي أن رجلاً اشترى عبداً فاستعمله ثم رده بعيب فرفع القضية إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «الخراج بالضمان» .

باب ما جاء في الرخصة في في أكل الثمرة للمار بها

باب ما جاء في الرخصة في في أكل الثمرة للمارّ بها

[1287] قال العلماء: إن هذا الحديث وحديث: حلب اللبن للمار بها، دائر على عرف الناس فما كان وقيعاً وعزيزاً عند المالك لا يجوز أكله بلا إجازة.

باب ما جاء في النهي عن الثنيا

باب ما جاء في النهي عن الثنيا

[1290] الثنيا الاستثناء، قال العلماء: إن استثناء الأشجار من الأشجار المبيعة جائز، وأما استثناء بعض الثمار فإما أن يستثني الأرطال المعلومة أو المجهولة، فإن كانت معلومة أو استثناء الجزء الشائع مثل النصف أو الربع ففيه لنا روايتان، وإن كانت مجهولة فالمبيع غير جائز، وأما في استثناء الأرطال المعلومة فاختار صاحب الهداية ص (14) عدمَ الجواز، ودرُّ المختار الجوازَ، واختاره الطحاوي فإنه يؤيده الحديث الصريح وقد اختاره محمد في موطئه. قوله: (المخابرة إلخ) قيل: المزارعة فيكون الحديث دليل أبي حنيفة للنهي عن المزارعة وقيل: المخابرة هو عمله بأهل خيبر، ولكن الأرجح هو القول الأول.

باب ما جاء في كراهية بيع الطعام حتى يستوفيه

باب ما جاء في كراهية بيع الطعام حتى يستوفيه

[1291] قال الحجازيون: لا يجوز بيع الطعام قبل القبض والطعام عندهم عن الأشياء الربوية، وقال الشيخان: لا يجوز التصرف قبل القبض في المبيع إلا العقار، وقال محمد: لا يجوز التصرف في بيع ما قبل القبض، وأما القبض في الطعام عند أبي حنيفة فيكون بمحض التخلية، وأما تعريف التخلية فمتعذر ومحصله ما ذكره المصنف أن يرفع البائع ملكه عن المبيع بحيث يتمكن المشتري من القبض ولا يجب القبض بالبراجم، وأما ما في الأجناس الناطفي من أن يقول قد خليت فغير ضروري، وقال الشافعي: إن القبض بالنقل، وأما الحديث ففيه ذكر الطعام فنقح فيه الشيخان المناط وقرر المناط أن يكون الشيء منقولاً، وقصر الحجازيون الحكم على الطعام، وقال محمد وابن عباس: إن قيد الطعام اتفاقي والحكم حكم كل مبيع، وأما ألفاظ الحديث فثلاثة: (حتى يستوفيه) (حتى ينقله) (يقبضه) فزعم الشافعية أن الأصل (حتى ينقله) والآخران يحملان عليه، وقال الأحناف: إن الكل صور القبض أو كناية عن القبض.

باب ما جاء في بيع الخمر والنهي عن ذلك

باب ما جاء في بيع الخمر والنهي عن ذلك

[1293] إن كان الخمر مبيعاً فالثمن إن كان نقداً فالبيع باطل، وإن كان عروضاً فالبيع فاسد وإن كان الخمر ثمناً فالبيع فاسد، وقال أبو حنيفة: إن التخليل والتخلل جائز، وقال الشافعي: لا يجوز التخليل وتفصيل مذهبه أن التخلل جائز والتخليل إن كان بلا إلقاء شيء ففيه قولان، وإن كان بإلقاء شيء فغير جائز، وحديث أنس يخالفنا في التخليل، وفي الحديث كلام، فإن حديث الباب يدل على أنه اشترى الخمر حين نزول الآية، والحديث السابق المار يدل على أنه كان الخمر عنده موجوداً قبل نزول الآية، وأجاب الزيلعي شارح الكنز من حديث الباب: أنتخذ الخمر خلاّ؟ إلخ أن معناه أنجعل الخمر بدل الخل للإدام ونأكله؟ أقول: إن هذا الجواب لا يعلق بالقلب وتمسك الأحناف بحديث، وذلك مروي بسندين ضعفهما الزيلعي في التخريج، وتأول فيه البيهقي بأن خل الخمر في نفسه الحجاز العنب، أقول: يتمسك بما أخرجه الدارقطني أنه جوز التخليل ورجاله ثقات إلا مغيرة بن زياد وضعفه الدارقطني، أقول: إنه من رجال السنن، وأما في خارج الصغرى للنسائي فقال مرة: إنه متروك، وقال مرة: إنه حسن، وأكثر أرباب الجرح والتعديل لهم فيه قولان وعن أحمد أيضاً قولان، فإذن أقول: إنه حسن بحسب الضابطة فيمكن تحسين الحديث وإن كان الكلام في خصوص هذا الحديث فلا أعلمه، ولنا ما في كامل ابن عدي عن أم سلمة أنه قال: «يطهر الخمر بالتخليل كما يطهر الجلد بالدباغة» ولا أعلم حال سند حديث كامل إلا أنه من عادته إخراج الحديث في كامله ما لا يكون حسناً ولا صحيحاً بل ما يكون فيه الوهم، وأما وجود الخمر عند المسلم فلا سبيل له إلا أن يكون غصب، أو كافر وعنده خمر فأسلم، وأما اشتراط الخمر فغير جائز عندنا، وفي الدر المختار من ملتقى الأبحر: إن النظر إلى الخمر على سبيل التلهي حرام، وفي الدر المختار إذا أتلف أحد خمر أخيه

المسلم فلا ضمان، وفي كتبنا أن نقل دن الخمر إلى الخل غير جائز، ويجوز نقل دن الخل إلى الخمر. قوله: (فأحملها إلخ) قال أبو حنيفة: إن الأجرة على نقل الخمر وحمله طيبة خلاف صاحبيه، وأشار في الهداية ص (123) إلى الجواب من جانب أبي حنيفة، والحديث محمول على المقرون بالقصد إلخ، أي قصد الشرب.

باب ما جاء في بيع جلود الميتة والأصنام

باب ما جاء في بيع جلود الميتة والأصنام

[1297] ظاهر حديث الباب يشير إلى بطلان بيع نجس العين، قال أبو حنيفة: شحم الميتة نجس ولا ينتفع به أصلاً، وأما السمن الذي سقطت الفأرة فيه، وماتت تنجس لمجاورة النجس وليس نجس عين، يجوز بيعه إذا أخبر المشتري بأنه سقطت الفأرة فيه، ويجوز الاستصباح به، وقال الشافعي: إن الاستصباح وطلي السفن بشحم الميتة جائز. قوله: (الأصنام إلخ) من كسر الصنم فإن كان كسره بلا إجازة الإمام فعليه قيمة ما اتخذ منه لا قيمة الصنع، وإن كان كسره بإجازة الإمام فلا شيء أصلاً. واعلم أن الخنزير لم يكن حلالاً في الشريعة خلاف ما قال في أول نور الأنوار، فإن في التوراة كان فيه حرمة كل ذي ظفر فاختلف علماء الإنجيل في دخول الخنزير في ذي ظفر، ولم يكن تصريح جوازه وحلته في شريعة ما.

باب ما جاء في كراهية الرجوع عن الهبة

باب ما جاء في كراهية الرجوع عن الهبة

[1298] قال الشافعية بظاهر ما في جملتي حديث الباب، وفي متون الحنفية أن الرجوع عن الهبة جائز عند فقدان الموانع السبعة وهي ما ذكرها النسفي في منظومته:

~ يمنع الرجوع عن الهبة ... يا صاحبي حروف ومع خزفة ثم يذكر في الكتب أن الرجوع عن الهبة لا يجوز إلا بتراضي الطرفين كما في الكنز، وفي الدر المختار أن الرجوع مكروه تحريماً أو تنزيهاً وإن فقدت الموانع، وهذا حكم الديانة فأقول: إن حديث الباب محمول على الديانة لا القضاء والرجوع ديانة مكروه تحريماً وتمسكوا بحديث ابن ماجه: «الواهب أحق بالهبة ما لم يثب منها» إلخ. قوله: (إلا فيما يعطي الوالد إلخ) قال أبو حنيفة: إن الوالد لا يرجع عن هبته لولده، وأما حديث الباب فجوابه أن في مال الولد حقاً للوالد أيضاً، فإذا أخذ شيء ولده فليس برجوع عن الهبة في الواقع والحقيقة.

باب ما جاء في العرايا والرخصة في ذلك

باب ما جاء في العرايا والرخصة في ذلك

[1300] البحث طويل الذيل ولا أذكر إلا نبذة من الكلام، العرايا جمع العرية، وهي من علم أو

نصر، الأول لازم، والثاني متعد، وتفاسير العرية عديدة ذكرها في فتح الباري، قال الشافعي: العرايا بالأشجار التي أعطى صاحب البستان لأكل الرطب التي على رؤوس الأشجار خرصاً بدل التمر المجذوذ، فإن الرجل إذا كان عنده تمر مجذوذ ويشتهي قلبه أن يأكل الرطب في زمان النخيل فذهب عند صاحب البستان ليشتري الرطب بدل التمر فيجوز له ذلك البيع إلى خمسة أوسق لهذا الاشتهاء، فيكون هذا استثناءاً عن المزابنة أي يحرم بيع الثمار على رؤوس الأشجار بتمر مجذوذ إلا في خمسة أوسق، ثم قال الشافعي: يشترط الكيل في التمر والخرص في الرطب، فالعرايا هي الأشجار التي أفرز له صاحب البستان ليأكله، ثم قال الشافعية: إنه يجوز له أزيد من خمسة أوسق ولو ألف وسق في صفقات كل صفقة لا تزيد على خمسة أوسق ولمالك في العرية تفسيران أحدهما ما في موطئه، والثاني ما في كتاب الطحاوي وما ذكره الطحاوي، هو تفسير أبي حنيفة، فأحد تفسيريه أن لرجل نخيلاً كثيرةً في البستان ولرجل آخر عدة نخل في ذلك البستان، فذهب صاحب النخيل الكثيرة بعياله في البستان كما هو دأب العرب فضره إياب ذي النخيل القليلة وذهابه في البستان فقال لذي النخل القليلة: خذ عني تمراً بدل رطبك على تخيلك، فهذا البيع جائز لذي النخيل الكثيرة ولا يجوز لغير هذين الرجلين، فالعرايا هي الأشجار القليلة وفي هذا أيضاً يكون استثناءً من المزابنة. والتفسير الثاني للعرية عن مالك بن أنس أن يهب رجل صاحب البستان إعانة أو عارية بعض النخيل ثم ضرّه إياب الموهوب له وذهابه في البستان فيعطي الموهب له التمر المجذوذ بدل الرطب على رؤوس الأشجار، ويمنعه من الدخول في البستان، وهذا هو تفسير أبي حنيفة لفظاً بلفظ، والاختلاف في التخريج بأن معاوضة التمر والرطب عند مالك بيع فإنه إذا كان وهبه الرطب ثبت ملك الموهوب له فإذا باعه بدل التمر يكون بيعاً، وقال أبو حنيفة: إنه إذا وهب بعض ثمر النخيل لم يثبت ملكه في ثمر النخيل بالتخلية فإن ملك الثمر لا يثبت إلا بقبض، ولا يثبت القبض إلا بالتخلية في صورة الهبة بخلاف بيع النخيل فإنه يثبت الملك فيه بالتخلية فقط، ففي هبة النخيل وبيع النخيل في ثبوت الملك فرق فإن الملك يثبت في البيع بالتخلية لا في الهبة ثم إذا أعطى مالك البستان التمر بدل الرطب على رؤوس الأشجار فلا يكون بيعاً بل استرداد وهبة وبدء هبة مستأنفة، وقال مالك: إنه بيع فليس الاختلاف إلا في التخريج، ومثل ما قال أبو حنيفة ومالك في تفسير العرية قال أحمد أيضاً، وهاهنا تفسير آخر عن أبي عبيد، وهو أن العرية هي الأوسق التي تخرج من مال الزكاة لأن يعطي من يشاء ولا يحملها إلى بيت المال وهي مصداق حديث: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» أي لا يحملها إلى بيت المال بل يتصدق بها على من يشاء بتعارفه هذه التفاسير التي يحتاج إلى ذكرها، وهذه التفاسير كلها مروية عن الصحابة بالأسانيد القوية بلا ريب، ثم يرد على تفسير الحنفية أنكم فسرتموها بالهبة، والحال أن في جميع طرق الأحاديث إما إطلاق البيع على العرية أو استثناء العرية من البيع، والأحاديث تبلغ إلى عدد من الطرق ثم هي على خمسة أنواع، وتحت كل نوع أفراد فإن في

بعضها استثناء العرية من المزابنة، وفي بعضها عن أشياء أخر، وفي بعضها إطلاق البيع على العرية، فإذن يرد على الأحناف أن إطلاق البيع واستثناءها من البيع يخالف التفسير بالهبة فقال الأحناف: بأن في العرية صورة بيع، لا حقيقة بيع وتمشي الأحاديث على إطلاق البيع فإنها بيع مجازاً كما في الهداية ص (49) ج (2) وهو بيع مجازاً لأنه لم يملكه إلخ، أقول: قد ثبت تفسير أبي حنيفة من الصحابة بلا ريب، والعرية في اللغة الهبة كما صرح في الشعر: ~ وليست بسنها ولا رجبية ... ولكن عرايا في السنين الجوائح ذكره في معاني الآثار ص (113) ج (2) أيضاً، وقد نص علماء اللغة أن الهبة على أنواع العرية والمنيحة وغيرهما فلا ريب في كون تفسيرنا موافقاً للغة، ثم أقول من جانب الشافعية: إن عند أهل اللغة العرية هي الأشجار التي توهب للغير لأكله، ثم توسِّع وأطلق على كل شجرة منتخبة لأن يأكل ثمارها بنفسه أو يعطي غيره فإذن قرب تفسير الشافعية إلى اللغة، وأقول في الجواب من الأحناف من الحديث الدال على البيع بعد ثبوت تفسيرنا من اللغة: إن بيع العرية صورته أن يقول: اشتريت خمسة أوسق، من ثمار هذه الشجرة بدل هذا التمر ويكون المبيع خمسة أوسق، وأما إذا قال: اشتريت ثمار هذه الشجرة التي هي خمسة أوسق بدل هذه التمر ويكون المبيع ثمار الشجرة ثم البائع لا يضمن أن تخرج قدر خمسة أوسق أم لا، فهذه صورة أخرى فالصورة الأولى جائزة وهي صورة العرية عندنا، والصورة الثانية غير جائزة عند أبي حنيفة إلا أن في الصورة الأولى تخرص الخمسة الأوسق على الأشجار في الحال وإنما يكون البيع بالكيل فإنه كلما جناها يكيلها فالكيل يكون بعد الجني لا في الحال والبيع لا يكون بالخرص بل بالكيل فصدق لفظ البيع حقيقة وكون الرطب على رؤوس الأشجار وبدل التمر وبصورة الخرص في الحال وإن كان البيع بالكيل فإذن صار مذهبنا عين ظاهر الأحاديث، هذا ما حصل لي في توفيق المذهب بالحديث، وأما وجه خمسة أوسق فإما أن يقال: إن البيع يكون بالكيل والكيل لم يكن في الرطب حالة الرطب بل المعروف الكيل في التمر فإذا اختار بنفسه الكيل الذي غير معروف يقتصر على ما يقتضي به الحاجة، وحاجة الأكثرين يقتضي بخمسة أوسق وهذا أوسط الأحوال، وإما أن يقال بحمل خمسة أوسق على ما حملتُ حديث: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) فيقتصر الحكم على خمسة أوسق بحكم الشرع لا بالعادة. قوله: (بمثل خرصها إلخ) قال الشافعية: إن الباء باء البدلية، والمخروص الرطب، والمثل هو التمر المجذوذ، وأما من جانب الحنفية فأقول: إن الباء باء التصوير أي يبيع بصورة الخرص هذا، والله أعلم، والبحث أطول.

باب ما جاء في الرجحان في الوزن

باب ما جاء في الرجحان في الوزن

[1305] زيادته إما هبة وإما زيادة في الثمن، فإن كانت زيادة في الثمن فيلحق بالثمن لما في الهداية، وإن كانت هبة فلا يقال: إنها هبة مشاع، فإن الفضة لم تكن مضروبة بل كانت مكسورة فلا شيوع فمن أي باب كانت زيادته يعتبر فيه الشروط ذلك الباب، قيل: إن أول من أخرج الضرب هو عبد الملك كما قال الشافعية، أو عمر الفاروق كما قال الأحناف، وهذا الضرب هو في الإسلام، وأما ضرب غير المسلم فكان في عهده أيضاً.

باب ما جاء في السلف في الطعام والتمر

باب ما جاء في السلف في الطعام والتمر

[1311] السلف السلم، في السلم عند أبي حنيفة فإنه سبع شروط، ولا يصح عندنا إلا في المكيلات والموزونات والمزروعات والمعدودات المتقاربة، فإنه لا يصح إلا فيما يثبت في الذمة، ولا يكون بيع صحيحاً إلا ما يكون المبيع فيه موجوداً إلا بيع السلم، ويلحقه فصل الاستصناع كما يذكرونه لاحق السلم، وفي متوننا: إن السلم لا يكون في أقل من شهر، وقال السرخسي: إن العبرة لما وقع عليه العقد ولا يجب تعيين شهر، والسلم في الحيوان غير صحيح عندنا. قوله: (إلى أجل معلوم إلخ) قال الشافعي: إن أجَّل يجب التعيين، وإن سلم المسلم فيه في المجلس فلا يجب تعيين الأجل، وعندنا يجب تعيين الأجل، وشرح جميع الجمل في حديث الباب على شاكلة ونسق واحد على ما قال أبو حنيفة خلاف الشافعية.

باب ما جاء في المخابرة والمعاومة

باب ما جاء في المخابرة والمعاومة

[1313] المخابرة المزارعة، والمزارعة على النقدين جائزة اتفاقاً، وأما المزارعة بجزء معين فغير جائزة اتفاقاً، وأما بجزء مشاع فمختلفة فيها؛ قال أبو حنيفة بعدم الجواز، وقال مالك وأحمد وصاحبا أبي حنيفة بالجواز، وقال الشافعي: إن كانت المزارعة بتبعية المساقاة فجائزة وإلا فلا، والمساقاة تكون في الثمار وهي جائزة عند الشافعي لا عند أبي حنيفة، وأما أرباب فتوى أهل المذهبين فأفتوا بالجواز خلاف الإمام، وأما الأحاديث ففي الجواز وعدمه صحاح وحمل المجوزون النهي على الشفقة، وطرق الطحاوي بالروايات واختار مذهب الصاحبين، وأما أرباب التصنيف فيذكرون في أول الباب أن المزارعة عند أبي حنيفة باطلة خلاف صاحبيه ثم بعده يذكرون خلاف الفروع بينهم، وأقول: إذا فقد باب المزارعة عند أبي حنيفة فكيف يذكر الخلاف في الفروع؟ فقال شراح الهداية: إن ذكر أبي حنيفة الفروع بناءً على فرض صحة المزارعة، أقول: إن هذا لا يجدي بل مثله يجري في كل باب ثم رأيت في الحاوي القدسي قال: إن أبا حنيفة إنماكرهها ولم ينه عنها أشد النهي إلخ، فانحل الإشكال،

ومراده أن أبا حنيفة لم يقل ببطلان المزارعة بل كرهها، ذكر بعض الشافعية أن البذر إن كان من ربّ الأرض فمزارعة وإلا فمخابرة، ولم أجد هذا الفرق في غير كتبهم. قوله: (سعّر لنا إلخ) روي عن أبي يوسف أن الغلو والمظلمة إذا انتهى يعين الإمام السعر بنفسه ويدخل في ترخيص الأشياء.

باب ما جاء في كراهية الغش في البيع

باب ما جاء في كراهية الغش في البيع

[1315] ذكر في الفتح أن البيع ذا غرر قولي يجب فسخه قضاء، وذا غرر فعلي يجب فسخه ديانة، وكل بيع مكروه تحريماً يجب فسخه ديانة.

باب ما جاء في استقراض البعير أو الشيء من الحيوان إلخ

باب ما جاء في استقراض البعير أو الشيء من الحيوان إلخ

[1316] قال أبو حنيفة: لا يجوز القرض إلا في المثلي أي المكيل أو الموزون، وقال الشافعي: يجوز استقراض الحيوان كالسلم ويعين كل تعيين كيلا يقع النزاع بعد، وللشافعي حديث الباب، ولنا ما مر من التشريع العام (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسئة) ، وحديث الباب واقعة حال، وإن قيل: إن حديث المار في البيع لا القرض، أقول: إن مناطهما واحد، ومحمل واقعة الباب عندي أنه اشترى البعير بثمن مؤجل ثم أعطى إبلاً بدل ذا الثمن فعبَّرَ الراوي بهذا، ومثل هذه المعاملة تكون في عصرنا كثيرة.

قوله: (استلف إلخ) أي اشترى بثمن مؤجل، ومثل هذا ما في الصحيحين: «أنه استسلف الطعام ورهن درعه» ولم تكن الدرع ثمناً بل رهناً بدل الثمن.

باب النهي عن البيع في المسجد

باب النهي عن البيع في المسجد

[1319] يجوز للمعتكف بلا إحضار سلعة، وقال ابن وهبان في منظومته: إن اعتياد المرور بمسجد فسق والتعليم للأطفال فيه غير جائز، وقال الشارح: هذا إذا كان يعلم على الأجرة وإلا فلا: ~ ويفسق معتاد المرور بجامع ... ومن علّم الأطفال فيه ويؤزر

كتاب الأحكام

كتاب الأحكام

لا نجد كتاب الأحكام في كتب الفقه بل نجد في كتب الحديث، ويذكر تحته مسائل مثل مسائل القضاء في الفقه

باب ما جاء في القاضي يخطئ ويصيب

باب ما جاء في القاضي يخطئ ويصيب

[1326] قال الشاه ولي الله رحمه الله في عقد الجيد: إن حديث الباب في حق القاضي لا في حق المفتي أو المجتهد والقاضي الحاكم يحتاج إلى معرفة المسائل والوقائع أيضاً بخلاف المفتي. قوله: (أجران إلخ) في مسند في رواية بسند ضعيف أن للمصيب عشرة حسنات.

باب ما جاء كيف يقضي القاضي؟

باب ما جاء كيف يقضي القاضي؟

[1327] حديث الباب يفيد في القياس وأخذه أرباب الأصول وتكلم فيه المحدثون لأن الراوي عن معاذ مبهم، أقول: إن الراوي عنه جماعة من أصحاب معاذ، وأصحاب معاذ ثقات فلا ضير والحديث قوي، وقال البيهقي: إن الحديث وإن هو منقطع لكنه مروي عن أصحاب معاذ فيكون حجة وأخذ أرباب القياس حديث الباب، أقول: إن الاجتهاد الذي أعم من القياس الذي قسيم الكتاب والسنة والإجماع لا ينكره داود الظاهري ولا يقال: إن داود الظاهري منكر القياس وليس بمجتهد، وإن أشار إليه في الهداية لكن الحق أنه مجتهد، والاجتهاد يشتمل على تقييد المطلق وتخصيص العام وتفسير المجمل وتقديم النص على الظاهر ومثل هذه الأبحاث، هذا والله أعلم، وراجع تخريج الهداية من أحاديث الاجتهاد من القضاء.

باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان

باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان

[1334] لأن القضاء ينبغي أن يكون حالة الاعتدال، وثبت قضاؤه حالة الغضب لكنه لا يقاس عليه سائر أناس أمته.

باب ما جاء في هدايا الأمراء

باب ما جاء في هدايا الأمراء

[1335] قال أرباب متون الحنفية: إن القاضي لا يجيب دعوة رجل إلا أن يكون من متعلقيه أو كان يدعوه قبل نصبه على منصب القضاء، والهدية على أربعة أقسام، وبحث ابن عابدين في جواز الدعوة المفتي وعدم الجواز.

باب ما جاء في الراشي والمرتشي إلخ

باب ما جاء في الراشي والمرتشي إلخ

[1336] الرشوة في اللغة إدلاء الدلو في البير، وقال فقهاؤنا: يجوز إعطاء الرشوة إذا كان مظلوماً، وإن كان ظالماً أو كان له غرض فاسد فلا يجوز، والراشي المعطي، والمرتشي الآخذ، ووقع في بعض

كتب اللغة حديث: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش» إلخ، والرائش الوكيل بين الراشي والمرتشي، وأحاديث أرباب اللغة لا تكون بلا أصل، وذكر العسكري إمام اللغة في كتاب الأمثال قريب ألف حديث ليست بلا أصل.

باب ما جاء في التشديد على من يقضى له بشيء ليس له أن يأخذه

باب ما جاء في التشديد على من يقضى له بشيء ليس له أن يأخذه

[1339] قالوا: إن حديث الباب يرد على الحنفية حين قالوا: إن القضاء نافذ ظاهراً وباطناً، وأنكره البخاري في كتاب الحيل أشد الإنكار، أقول: ليست المسألة أن ينكر ذلك الإنكار فإن عنوان المسألة هذا قضاء القاضي بشهادة الزور في العقود والفسوخ لا في الأملاك المرسلة إذا كان المحل قابل الإنشاء ولا يأخذ القاضي الرشوة نافذ ظاهراً وباطناً وقيود أخر أيضاً، وأما الأملاك المرسلة فهي أن يدعي أن هذا الشيء لي ولا يذكر سبب ملكه فإنه قضاء ظاهراً لا باطناً، وأما وجه عدم نفاذه باطناً فذكر صاحب الهداية أن الشيء يتملك بأسباب عديدة فإذا قضي فالقضاء يكون بدل السبب، ولا وجه ترجيح بعض الأسباب على بعض فيكون ترجيحاً بلا مرجح، والوجه إلى أن العقود والفسوخ في يد القاضي وقدرته بخلاف الأملاك المرسلة، فعلى ما ذكر قلنا: إنه إذا ادعى رجل نكاح امرأة وشهد شاهدان فحكم القاضي بنكاحه حل له الاستمتاع، وزعم خصومنا أنا أخبرنا هذا الارتكاب بلا نكير، والحال أن هذا الزعم فاسد وعلى المدعي والشاهدين وزر الآخرة كما قال الشيخ في الفتح، وخلاف العراقيين والحجازيين في أن النكاح صحيح أم لا؟ والمرأة منكوحة أم لا؟ فقال الحجازيون: إنها تقوم عنده ولا تمكنه من نفسها، وقلنا: إنها تمكنه من نفسها، ثم قال جماعة منا: إن القضاء بمنزلة النكاح حتى قالوا: إنه يجب عند هذا القضاء شاهدان مثل ما يكون الشاهدان في النكاح، وقيل: لا يجب الشاهدان لأن القضاء ليس بنكاح صريح بل النكاح في ضمنه، واتفقنا على أن القضاء قائم مقام النكاح، وأما حديث الباب فلا يرد علينا فإنه في من هو ألحن بحجته، ولا نقول بأن القضاء نافذ بمحض ذلك اللحن بل يجب الشاهدان وغيره من الشروط، ونقول أيضاً: إن الحديث في الأملاك المرسلة فإنه في الميراث لما أخرجه أبو داود ص (148) ج (2) ، وقد يدور بالبال أنه مع الحل باطناً من النار لا في الكذب ابتداءً فقط بل مستمراً، ونظيره ما ذكره في رد المحتار في نكاح الرقيق فيما وطئ جارية ابنه وادعى الولد، والأسهل أن يقال: إنه قطع له من النار من جهة السبب فهو في نفس الدفع لا بعده فالسبب تحقق ابتداءً والاتصاف مستمر كما قال بعض أرباب الفنون. إن التحقق مرة يكفي للصدق بإطلاق العام مستمراً أو أنه حكم من جهة السبب وبمثله قالوا في حديث عمار: «تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» . وأما حجتنا فذكر الطحاوي حين بوب على المسألة وأتى بشيء لطيف من باب التفقه ويذكر أرباب تصنيفنا واقعة علي أنه ادعى عنده رجل نكاح امرأة وشهد شاهد الزور فحكم علي بالنكاح، فقامت المرأة فقالت: واللهِ أعلم أنه كاذب، فأنكحني به

يا أمير المؤمنين كيلا يأثم، فقال علي: شاهداك زوّجاك إلخ، ذكره محمد في الأصل، ولا يذكرون سند هذه الواقعة ولم أجد السند وظني أنها لا تكون بلا أصل، ومر الحافظ على هذا الأثر ولم يرده زيادة الرد ولم يقبله أيضاً، فدل على أنه ليس بلا أصل.

باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه

باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه

[1340] قال أبو حنيفة: إن فصل الأمور بطريقين: البينة على المدعي أو اليمين من المنكر؛ ولا ثالث، وقال الشافعية بالثالث أي الشاهد الواحد واليمين من المدعي، وحديث الباب لنا أي البينة على المدعي واليمين على من أنكر ولا ثالث، وسيأتي حديث للحجازيين ولعل البخاري وافقنا فإنه لم يخرج حديث الحجازيين.

قوله: (عن ابن عباس إلخ) حديث ابن عباس: «ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر» إلخ أخرجه النووي: في أربعينه وصححه، وابن حبان صححه في صحيحه، ورواه البيهقي في السنن الكبرى وسنده صحيح، وأخرج البخاري قطعة منه في تفسير سورة البقرة، لكن معرفة المدعي والمدعى عليه متعذرة لا يدركها كل واحد، ولذا صرح الفقهاء في جميع الجزئيات بأن المدعي فلان والمدعى عليه فلان.

باب ما جاء في اليمين مع الشاهد

باب ما جاء في اليمين مع الشاهد

[1343] حديث الباب حديث الحجازيين وحجة علينا، وأجاب الحنفية بأوجه منها أن الحديث لا يدل على أن اليمين كان على المدعي بل يمكن مراد أن يقال: إن الشاهد على المدعي واليمين للمنكر ومنها أن المراد أن فصل الخصومات في عهده كان بسببين إما بالبينة أو باليمين والشاهد اسم جنس يطلق على الواحد والكثير ولا يدل على الشاهد الواحد، وقال الجمهور: إن اسم الجنس لا يكون في المشتقات لكن الزمخشري قال بأنه قد يكون مشتق أيضاً اسم جنس كما قال تحت آية: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِم} [الفرقان: 27] الآية، فدل الحديث على أن يكون فصل الأمر بالبينة لكن البينة عام من أن يكون رجلين أو رجلاً وامرأتين أو امرأة واحدة أو رجل واحد أو أربعة شهداء لكن هذا الوجه للجواب يرده سائر طرق الحديث، وحديث الباب أخرجه مسلم في صحيحه، ونقل المحقق ابن أمير

الحاج إعلال ابن معين حديث الحجازيين بجميع طرقه لكن الجمهور إلى تصحيح الحديث، فأقول: ولينظر إلى أصل الواقعة، فأقول: إنه كان صلحاً لا فصل الأمر بالقضاء لما أخرجه أبو داود ص (508) أنه: قضى بشاهد واحد إلخ، وفيه: «اذهبوا فقاسموهم أنصاف المال» إلخ، فدل على أنه مصالحة فإنه لو كان قضاءً بشاهد واحد ويمين فكيف يكون التصنيف فليس إلا صلحاً، وعبره الراوي بالقضاء بشاهد ويمين فإذن لا حاجة إلى الجوانب، والمسألة مختلفة فيها في السلف. قيل: إن أول من قضى بشاهد ويمين معاوية، ولكنه قال باقر: قضى جدي علي بيمين وشاهد، وسنده قوي رواه أبو يوسف في مسنده، تأليف ابن عروبة الحراني تلميذ أبي جعفر الطحاوي وهو في كنز العمال، ورأيت في تمهيد أبي عمر أنه روى مذهبنا ثم رد عليه أشد الرد، ولم يكن هذا الإنكار دأبه فإنه نقل عن محمد بن حسن أنه خبر الواحد خلاف كتاب الله تعالى، ثم توجه إلى أن يأتي بنظائر فيها الزيادة بخبر الواحد على القاطع ثم نقل عن محمد أنه إذا قضى قاضي بشاهد ويمين يجوز لقاضٍ آخر أن يفسخه، ثم غضب أبو عمر وقال: أليس مذهبنا مجتهداً فيه أيضاً، أقول: قول: إن محمد إنه خلاف الكتاب، فإن الكتاب قد تعرض إلى هذه المسألة في مواضع وليس فيها ذكر الطريق الثالث للفصل، وأما ما نقل عن محمد أن القاضي الثاني يجوز له أن يفسخه، فأقول: إن هاهنا دقيقة وهي أنه قد يكون القضاء مختلفاً فيه وقد تكون المسألة مختلفة فيها وإذا لحق القضاء مسألة مختلفة فيها مجتهدة فيها صارت مجمعة علينا، وأما إذا كان المختلف فيه قضاءً فإذا لحقه قضاء قاضٍ لا يصير مجمعاً عليه، وإلا إذا لحقه قضاء قاضٍ ثان فيصير مجمعاً عليه، فقول محمد في القضاء لا في المسألة فلا وجه للغضب.

باب ما جاء في العبد يكون بين رجلين فيعتق أحدهما نصيبه

باب ما جاء في العبد يكون بين رجلين فيعتق أحدهما نصيبه

[1346] أي إذا كان العبد مشتركاً بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه، فقال أبو يوسف ومحمد: إن العبد حر ثم أن كان المعتق موسراً فيضمن قيمة شريكه وإن كان معسراً فيستسعي العبد. قال الشافعي: إن المعتق إن كان موسراً فيضمن شريكه ولا يتجزئ العتق، وإن كان معسراً فيتجزئ العتق ولا يقول بالاستسعاء، بل يقول: يتخذ منه الشريك الثاني يوماً ويدعه يوماً إلى الأبد، وقال أبو حنيفة: إن كان المعتق معسراً فإما إن يستسعى أو يعتق وإن كان موسراً فإما ضمان أو استسعاء أو اعتاق والعتق يتجزئ عند أبي حنيفة في كل حال ولا يتجزئ عند صاحبيه في حال، وقال الشافعي: يتجزئ في بعض الأحوال لا في البعض الآخر، وقال النووي: إن وفاق الأحاديث للشافعي أقول: كيف وقد أخذ الشافعي، بحديث الضمان وأمهل حديث الاستعساء مع صحته؟ والإنصاف من حيث الحديث ما قال الطحاوي من أنه اختار مذهب الصاحبين، وأقول: إن مذهب أبي حينفة قوي تفقهاً فإن الإعتاق لازم الضمان والاستعساء المذكورين في الأحاديث، ووافق البخاري رحمه الله أبا حنيفة من الأول إلى الآخر.

قوله: (فهو عتيق إلخ) قال أبو حنيفة: معناه أنه لا يبق رقيقاً وإن لم يعتق كله في الحال. قوله: (عتق منه ما عتق إلخ) قال أبو حنيفة: معناه أن هذا إعتاق المعتق الأول وأما الباقي فيعتق في المآل بعد الضمان أو الإعتاق أو الاستسعاء، وقال بعض الشافعية في الاستسعاء بأن المراد به أن يخدم مولاه يوماً ويترك يوماً، ويبقى على هذا إلى الأبد، أقول: إن هذا يخالفه قوم قيمة عدل إلخ، وأذكر مستدلات أبي حنيفة؛ منها أثر عمر أخرجه الطحاوي ص (63) ج (2) سنده قوي فيه: فقال عمر: أعتقوا أنتم وإذا بلغ عبد الرحمن فإن رغب فيما رغبتم وإلا فضمنكم إلخ، ولأبي حينفة حديثان صحيحان أحدهما في مصنف عبد الرزاق، والثاني في مسند أحمد ورجاله ثقات، وصحح حافظ من الحفاظ أحدهما.

واعلم أن ما يذكر في كتبنا أن العتق عند أبي حنيفة متجزئ فيه مسامحة، والحق أن يقال: إن إزالة الملك متجزية فإن إزالة الملك بمنزلة السبب للعتق، وكذلك الملك سبب الرقية فإن العتق هو قبول شهادته وكونه أهل الولاية وغيرهما، ولا يكون هذا إلا بعد إزالة الملك كله، فبين الرق والملك فرق وكذلك في ضدهما، ولذا قال النسفي في الكنز: إن الولد يتبع أمه في الملك والرق إلخ فإنه عطف الرق على الملك فيكونان مفترقين، وعلى هذا يقال: إن العبد مملوك زيد ورقيق في حق كل أناسي الدنيا، وكذلك إزالة الملك، حق المولى، والعتق في حق كل رجل، هذا والله أعلم.

باب ما جاء في العمرى

باب ما جاء في العمرى

[1349] هي إعطاء الدار ويقال للمعطي: المُعَمِّر، والمعطى له: المُعَمَّر له، ثم عند الثلاثة تكون الدار للمُعَمَّر له ولعقبه إذا قال: لك ولعقبك، وإذا لم يصرح بهذا فكذلك أيضاً، وإذا اشترط العدم فيلغوا الشرط، وقال الموالك: إنه ليس بهبة وتمليك بل عارية وألفاظ الأحاديث تؤيد الثلاثة. وأما الرقبى فقال أبو حنيفة ومحمد: إنه عارية وليس بتمليك، وقال أبو يوسف: إنه هبة. قالا: إنه من الارتقاب الانتظار، وقال: إنه من الرقبة، وأما الأحاديث فبعضها يفيده مثل ما في الباب اللاحق: «الرقبى جائزة لأهلها» إلخ، وكذلك ما في ابن ماجه، ويقال من جانبها: إن المدار على العرف ولعل عرف أهل كوفة وعرف عهده متبدل.

قوله: (مالك بن أنس والشافعي إلخ) المذكور في كتب الشافعية ما ذكرت لا ما نقله الإمام المصنف رحمه الله تعالى.

باب ما ذكر في الصلح بين الناس

باب ما ذكر في الصلح بين الناس

[1352] يجوز الصلح عندنا في الإقرار والسكوت والإنكار، وقال الشافعية: لا يجوز إلا في الأول. قوله: (كثير بن عبد الله إلخ) صحح المصنف هاهنا حديثه وحسن في باب تكبيرات العيدين، وقال أحمد: إنه لا يساوي درهماً ولكنه متحمل عند البخاري وابن خزيمة وضعفه الجمهور.

باب ما جاء في الرجل يضع على حائط جاره خشبة

باب ما جاء في الرجل يضع على حائط جاره خشبة

[1353] يجوز له ديانةً ولا جبر قضاء. قوله: (أن يغرز خشبة إلخ) قال النووي في شرح المسلم: إن في عامة الطريق خشبة، بالتاء المعجمة، وفي مشكل الآثار للطحاوي خشبة بهاء الضمير، وأخذه النووي عن القاضي عياض فإنه ليس عنده مشكل الآثار. قوله: (لأرمين بها إلخ) مرجع الضمير إما كلمة أو خشبة. حكي في تذكرة أبي حنيفة أن رجلاً كانت له حائط فأراد كوة فيها فسأل أبا حنيفة عن الغرفة فأجاز له ومنعه جاره، وجاء ابن أبي ليلى فلم يجز له الكوة، فجاء الرجل الأول عند أبي حنيفة وأخبره بما قال ابن أبي ليلى، فقال له أبو حنيفة: أهدم جدارك، فلما أراد ذلك ذهب الجار عند ابن أبي ليلى وأخبره بما قال أبو حنيفة، فقال ابن أبي ليلى: ما أفعل فإنه جدره يفعل به ما شاء. قوله: (وبه قال الشافعي إلخ) لعل قول الشافعي ديانة، وقول مالك قضاء فلا خلاف.

باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه

باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه

[1354] أي العبرة في نية الحلف للحالف والمستحلف، وفي كتبنا أن الحالف إن كان ظالماً فالعبرة لنية المستحلف، وإن كان مظلوماً فالعبرة لنية الحالف، والمذكور في الحلف في محكمة القضاء الذي عليه

مدار فصل الأمر ولا الذي يكون فيما بينهم ولا يدور عليه فصل الأمور، حكي أن حجاجاً مبير الأمة أرسل رجلاً إلى واحد من السلف ليأتي به عنده، فأتى الرجل باب سفيان ونادى وكان سفيان في بيته فبدل مجلسه الذي كان فيه وقال ولأمته: قولي: إنه ليس هاهنا (في الموضع الذي جلس فيه أولاً) ، وكذلك يذكر قصة الشافعي بين يدي المأمون في مسألة خلق القرآن.

باب ما جاء في الطريق إذا اختلف فيه كم يجعل؟

باب ما جاء في الطريق إذا اختلف فيه كم يجعل؟

[1355] قال الأحناف: إن طول الطريق وعرضه، كطول الباب وعرضه، المراد بهذا الطول هو الارتفاع، والمراد بالارتفاع أنه لا يجوز لأحد أن يكشف غرفة في حد الارتفاع، ولا يخالفنا حديث الباب، وقال الطحاوي في مشكل الآثار: إن الحديث في الطريق الجديد، وأما القديم فيترك على ما عليه سابقاً، وأشار البخاري إلى هذا ولا خلاف في الحديث ومسألتنا زيادة.

باب ما جاء في تخيير الغلام بين أبويه إذا افترقا

باب ما جاء في تخيير الغلام بين أبويه إذا افترقا

[1357] أي إذا طلق امرأته وفارقته بوجه آخر فبمن يلحق الولد؟ ومذهبنا أنه يكون في حضانة الأم إن لم تنكح، ومدة الحضانة في الغلام سبع سنين وفي الجارية تسع سنين، وأما أصل مذهبنا فمدة الحضانة إلى التميز حتى يأكل بنفسه ويستنجي بنفسه كما قرأه خصاف رحمه الله، وقال الحنابلة: إن الغلام والجارية يتخيران في الاختيار فيلحق بمن شاء، وحديث الباب يخالفنا سيما إذا كانت الواقعة واقعة مسلم وكافر فإنه لا يتخير له في المسلم والكافر، والواقعة في أبي داود وابن ماجه: أن أحد الزوجين كان مسلماً والآخر كافراً فخير النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فانحرف الولد إلى الكافر فدعا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يلتحق بالمسلم فلحق به، وهذه واقعة خاصة به لأنه مستجاب الدعوات ولعل غرضه من التمييز حساً رفع حجة الكافر لئلا يتوهم الكافر أنه راعي للمسلم.

باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده

باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده

[1358] الحديث معمول به وتفصيل أنه يأخذ من ماله المنقول، لا من غير المنقول، أو أنه يأخذ جنس النفقة بلا إذن القاضي وما ليس من جنسها بإذن القاضي يطلب من النفقة، وفي بعض طرق حديث الباب قيد النفقة لعله في الجامع الكبير للسيوطي لكنه لعله موقوف على عمر.

باب ما جاء فيمن يكسر له الشيء ما يحكم له من مال كاسره؟

باب ما جاء فيمن يكسر له الشيء ما يحكم له من مال كاسره؟

[1359] قال الطحاوي في المشكل: إن الإناء من ذوات القيم لا من المثليات، فكيف يكون الإناء بإناء؟ أقول: إن بعض الأواني يكون مثلياً بل في زماننا أكثر الأواني مثلية، وكذلك بعض الثياب كما نقل في الهداية عن العتابي أن الكرباس مثلي، ويمكن أن يقال: إنه ليس بمفصل الأمر على الضوابط بل هو صلح كما وقع مصالحته في واقعة أخرجها في أبي داود ص (509) «وفيه: فقام نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال للرجل: «رد على هذا زريبة أمته التي أخذت منها» فقال يا نبي الله إنها خرجت من يدي قال: «فاختلع نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيف الرجل وأعطانيه، وقال للرجل: «اذهب فزده آصعاً» إلخ، فإن هذا صلح لا قضاء.

باب ما جاء في حد بلوغ الرجل والمرأة

باب ما جاء في حد بلوغ الرجل والمرأة

[1361] البلوغ حقيقي وحكمي، وظهور العانة ليس علامة البلوغ، والروايات في الفقه في البلوغ الحكمي مختلفة، ولعل اختلاف الروايات بحسب اختلاف الأحوال. قوله: (بين الذرية والمقاتلة إلخ) الذرية أولاد المجاهدين، وليحفظ هاهنا قصة علي وعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز.

باب فيمن تزوج امرأة أبيه

باب فيمن تزوج امرأة أبيه

[1362] أي حليلة الأب كان هذا النكاح في الجاهلية، وجعل أبو حنيفة النكاح شبهة دارئة للحد خلاف

غيره، وكذلك فعل في النكاح بالمحارم، وقال: إنه ليس بزنا فلا يحد، وإن كان أشد من الزنا مثل اللواطة، والمسألة طويلة الذيل متعلقة بالنصوص والفقهيات، وأما حديث الباب فلا يرد على أبي حنيفة فإنه قتل، والقتل ليس بحد فإن الحد الجلد أو الرجم، وأيضاً قال الطحاوي: إن الذي يقيم الحد لا يعطي لواءً، وهذا الرجل قد أعطاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لواءً في يده كقتل أهل الجاهلية.

باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء

باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء

[1363] قيل: إن الرجل القائل: بأن كان ابن عمك منافق، أقول: إن لفظ الأنصار لفظ المدح ولا يطلق إلا على المخلصين، وقيل: إنه أطلق عليه توسعاً، أقول: أطلق عليه لفظ البدري، في البخاري: وللبدريين وعد عظيم، وقيل: إنه حضر البدر لا أنه مسلم مخلص، وقيل: إن قوله هذا وإن كان يوجب الإكفار فإنه نسبة الجور إلى ختم المرسلين لكنه عنه بسبب الغضب، وجرى هذا اللفظ على لسانه، أقول: ليس هذا اللفظ موجب التكفير فإنه من المحاورات ومراده أنك فعلته يا رسول الله تحت حد الجواز لكنه بسبب رعاية القريب، ومثل هذه الكلمات تختلف باختلاف الأحوال، وأما غضبه فقد غضب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على معاذ حين إلحان القراءة، وغضب على صحابي آخر كما في البخاري ص (19) باب الغضب في الموعظة، وأما قول الباري عز اسمه {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء: 65] الآية فتلقي المخاطب بما لا يترقب مثل قوله في حق نبيٍ {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] الآية، وأما الحكم المذكور في حديث الباب فالحكم الأصلي هو الثاني في

قوله: «يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى» إلخ، وحديث الباب يخالف ما في عامة كتبنا من أن يسقي الأسفل أولاً ثم الأعلى فالأعلى، لم يجب أحد منا حديث الباب، وأقول: إن في غاية البيان على الهداية للشيخ قوام الدين عن محمد بن حسن أن ما في كتبنا في ما لم يتعارف تقديم الأعلى، وإذا تعورف فوفاق ما في الحديث، وإلى هذا وجدت إشارات الكتب منها ما في موطأ محمد ص (358) قال محمد: وبه نأخذ لأنه كذلك الصلح بينهم إلخ، وفيه: لكل قوم ما اصطلحوا عليه إلخ، فدل على أن العبرة لعرف الناس فإنهم يتمشون على عرفهم.

باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته وليس له مال غيرهم

باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته وليس له مال غيرهم

[1364] قال الثلاثة أن يقرع الإمام في مثل هذه الصورة، وقال أبو حنيفة: لا حكم للقرعة، فإنه قال: إن القرعة ليست مدار الحكم الشرعي بل لتطييب الخاطر، وقال الطحاوي: إن القرعة كانت ثم نسخت وواقعة الباب لعلها حين ثبوت القرعة، أقول: إن قول الطحاوي مؤيد بالروايات منها ما في مسند أحمد: أنه أرسل علياً إلى اليمن عاملاً أنه عمل بالقرعة، في واقعة أن رجالاً حضروا زبية أي حبالة الأسد فسقط فيها رجل وأخذ رجلاً آخر عند سقوطه والآخر ثالثاً فاختلفوا في الدية فأقرع علي فبلغ الفصل إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكان يضحك على فصل علي، وأما دليل النسخ فهو أن

علياً عرضته واقعة في عهده فلم يعمل فيها بالقرعة والواقعة ذكرها الطحاوي في باب أم الولد فلا عبرة للقرعة، وأما صورة الباب فالعبيد كلهم معتق البعض عند أبي حنيفة فيعتق ثلث كل واحد ويستسعي في ثلثيه، ومحمل الحديث عند أبي حنيفة أن الراوي ذكر الحساب الحاصل فإن حصص العبيد ثماني عشرة وعتقت ستة منها وبقيت ثنتا عشر في الرِّقيَّة، فالستة مثل عبدين، وثنتا عشر مثل أربعة أعبد، فذكر الراوي حاصل الحساب ولا بعد في هذا، وأما مراد فأقرع بينهم إلخ فأقول: إن القرعة لم تكن على الحرية والرِّقيَّة بل للتهائي في العمل والاستخدام، فإن في الاستخدام صوراً مثل أن يقول المالك الوارث: اخدموني من ستة أيام أربعة أيام واجعلوا يومين في أمركم للاستسعاء، أو يقول: اخدموني أربعة أشهر من ستة أشهر ويقول: اخدموني أربع وأستسعي عبدان منكم، ومثل هذه الأمور، فالقرعة في هذه الأمور، لكن ما قلت غير متبادر، وأما وجه تغييري خلاف التبادر وهو أن ألفاظ الحديث مضطربة، فإن في بعض الطرق أنه أعتق واحداً، وفي بعضها أنه أعتق ستة، وفي بعضها أنه دبّر عبيده، فالحديث مضطرب، وأما أدلة أبي حنيفة على تجَزُّئ العتق فمنها حديث مصنف عبد الرزاق الذي أخرجه الزيلعي وذكرته في بيع، المدبر، ومنها ما في فتح الباري: أن رجلاً دبّر فمات فاستسعى العبد في الثلثين، ومنها ما في لسان الميزان ووثقه الحافظ: أن رجلاً أعتق بعض عبده فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تعتق في عتقك وترق في رقك» ، ومنها ما في مسند أحمد عن سعيد بن عاص رحمه الله: أن صحابياً أعتق بعض عبده، وفي سنده راو مبهم لا أعلمه وثقه عبد الرزاق في مسنده والكل مرفوعات وقوية.

باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم

باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم

[1365] قال أبو حنيفة: من ملك وذا رحم محرم عتق عليه، وقال الشافعي من كان ذا قرابة الولاء عتق عليه أصلاً وفرعاً. قوله: (محرم إلخ) قال علماء اللغة: إن الجرَّ جرُّ الجوار، ورجال حديث الباب ثقات، ولا أعلم وجه كف المصنف لسانه عن التحسين أو التصحيح؟ والحديث حجة لنا.

باب ما جاء فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم

باب ما جاء فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم

[1366] قال أبو حنيفة: إن الزرع تبع البذر فإذا زرع في أرض مغصوبة فالغاصب له الخارج بملك خبيث وعليه كراء الأرض، والغصب هذا في معناه اللغوي فإن الغصب الشرعي لا يكون إلا في المنقول عند أبي حنيفة خلاف محمد بن حسن، وحديث الباب للحجازيين ويخالفنا، وأما الطحاوي فروى دليلنا ولم يذكر محمل حديث الباب، أقول: المحمل لطيف بعد ذكر تفصيل المسألة، والمسألة مذكورة في

الهداية وهي أنه إذ غصب أرض رجل فالخارج يملكه الغاصب بملك خبيث، وإذا أعطى مالك الأرض كراء الأرض من هذا الخارج فهو له طيب، فإن الخبث كان لتعلقه وأما الخارج قدر أجرة الأرض فله مملوك بملك طيب، فتعرض الحديث إلى الحلة والحرمة. قوله: (وليس له من الزرع إلخ) أي لا يطيب له ديانةً وأما قضاءً فمملوكه بملك خبيث يجب تصدقه ويطيب بقدر ما أنفق. قوله: (وله نفقته إلخ) أي يطيب له قدر ما أنفق، وأما دليل أبي حنيفة فما أخرجه الطحاوي ص (264) ، ج (2) : فجعل الزرع لصاحب البذر وجعل لصاحب الأرض أجراً معلوماً إلخ بسند جيد أرسله مجاهد، ومراسيله تقبل عند الجمهور.

باب ما جاء في النحل والتسوية بين الولدان

باب ما جاء في النّحل والتسوية بين الولدان

[1367] قال بعض المحدثين: إنه إذا فضل بعض ولده على البعض الآخر بلا فضل فالوصية باطلة خلاف

أكثر الفقهاء، فإن الهبة عندهم صحيحة مع الكراهة تحريماً، وقال الأحناف: يجوز الترجيح عند الفضل والرجحان، ولا يقال: إن الحديث سيخالفنا فإن الوجه جليُّ. قوله: (الذكر والأنثى إلخ) قال أبو يوسف: إن التسوية هو للذكر مثل حظ الأنثيين.

باب ما جاء في الشفعة

باب ما جاء في الشفعة

[1368] الشفعة عند أبي حنيفة إما في نفس المبيع أو في حق المبيع أو في حق الجوار، وخالف الحجازيون في الثالث، والبخاري وافقنا فإنه أخرج حديث العراقيين ولا يمكن إدراجه في الشفعة لو كان ما تأول خصمنا، ولنا حديث صريح نعم حديث يوهم إلى خلافنا، وسأذكر محمله ومراده، وتأول الشافعية في حديثنا بأن المراد البر والإحسان لاحق الشفعة، وقال بعضهم: إن المراد من الجار الشريك في نفس المبيع لكن التأويلين تأويلان، ولنا: (جار الدار أحق بالدار) .

باب ما جاء في الشفعة للغائب

باب ما جاء في الشفعة للغائب

[1369] للغائب حق الشفعة وعليه ثلاث طلبات: طلب المواثبة، وطلب الإشهاد، وطلب الخصومة. قوله: (تكلم شعبة إلخ) مر ابن قطان في كتاب الوهم والإيهام على كلام شعبة فقال ما كان شعبة فقيهاً بل حافظ الحديث ثم ذكر منشأ كلام شعبة وردّه.

باب ما جاء إذا حدت الحدود ووقعت السهام فلا شفعة

باب ما جاء إذا حدّت الحدود ووقعت السّهام فلا شفعة

[1370] حديث الباب يوهم إلى نفي شفعة الجوار، أقول أوّلاً: إن نفي حق الجوار مفهوم حديث الباب، ولنا حديث صريح فنطالب بالنكت، وجواب حديث الباب ما قال المحشون مذكور في الحاشية، والجواب عندي أن الفرق بين الحديث والفقه ليس إلا في التلقيب بأن الحديث يسمى الشفيع

في حق الجوار بالجار وسماه الفقهاء بالشفيع، ولا ينفي حديث الباب حكم شفعة الجوار، ودليلنا في حق الجوار ما أخرجه البخاري في صحيحه ص (300) . قوله: (فلا شفعة إلخ) أي ما يسمى بالشفعة وهو القسمان الأولان للشفعة بل حق الجوار. قوله: (عمر وعثمان) في هذا نظر دائر فإن في البخاري إعطاء حق الجوار في قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه فإنه لم يكن ثمة إلا شفعة الجوار وكان ذلك في عهد عمر والظن الغالب أن يكون بإجازة عمر. قوله: (في كل شيء إلخ) لا شفعة في المنقولات عند الأربعة خلاف بعض العلماء فلا بد من التخصيص أو التأويل في لفظة «كل» والحديث أيضاً ساقط السند.

باب ما جاء في اللقطة وضالة الإبل والغنم

باب ما جاء في اللّقطة وضالة الإبل والغنم

[1372] أصل اللغة أن اللقطة في غير الحيوانات، وفي المبسوط عن محمد أن مدة التعريف وقدر المال محولان إلى رأي من ابتلي به، وقال السرخسي: إنه أقرب إلى مذهب أبي حنيفة، وهكذا قال السرخسي في تفسير العمل الكثير في الصلاة، والوجه أن القياس لا يجري في الحدود وزعموا أن المراد بالحدود الزواجر، أقول: إن المراد بالحد هو ما يقع بين شيئين متجانسين ومختلفين حكماً لما قد صرح السرخسي في مواضع أن أبا حنيفة لا يحدد ولا يؤقت بالرأي، فدل على أن الحد معناه ما ذكرت. قوله: (فادفعها إلخ) لا يجب الدفع قضاء بلا بينة وأما ديانة فيردها. قوله: (فاستمتع إلخ) قلنا: إنه إن كان فقيراً يستمتع بها وإلا فلا، وقال الشافعية: إنه يستمتع بها وإن كان غنياً، وقالوا: إن أبي بن كعب كان من المياسير، وقال في الهداية ص (593) ج (1) وانتفاع

أبي كان بإذن الإمام وهو جائز إلخ، وأيضاً قال: إن الغنى يتبدل وقتاً فوقتاً ولا شيء يدل على كونه من المياسير حالة الاستمتاع بها، وأما ما قال: إنه كان استمتاعه بالإذن فقال في العناية: إن الاستمتاع بها للغني مجتهد فيه فإذا حكم به القاضي صار مجمعاً عليه، أقول: هذا ليس مراد الهداية أنه مذهبنا وإلا فكيف يصح جواباً وليس مراده أنه مذهب غيرنا. قوله: (فضالّة الإبل إلخ) تمسك الشافعية بهذا على عدم التقاط الإبل، ومذهبنا أن يلتقط الإبل، وأما عهد السلف وكان عهد الأمانة بخلاف زماننا فإنه زمان الجناية فيلتقط فالاختلاف باختلاف الأعصار. قوله: (وكان علي لا تحل له الصدقة إلخ) الواقعة مذكورة في سنن أبي داود، وغرض الترمذي أنه انتفاع به لا تصدق، ونقول: إنه صدقة نافلة وهي جائزة لأهل البيت عند أكثرنا وإن تردد فيه فخر الدين الزيلعي وابن همام، ولذا قلنا بجواز اللقطة على الفروع والأصول فافترق الزكاة والتصدق باللقطة. قوله: (وإن جاء صاحبها وردها إلخ) قال الكرابيسي: إنه إذا عرف إلى المدة ثم استمتع بها فجاء المالك فلا شيء على الملتقط، ويرد عليه حديث الباب وبوّب البخاري موافق الكرابيسي لعله وافقه والله أعلم.

باب ما جاء في الوقف

باب ما جاء في الوقف

[1375] قال الأئمة الثلاثة وأبو يوسف ومحمد: إن الوقف حبس الشيء على ملك الله تعالى والمشهور

أن أبا حنيفة يقول: إن الوقف حبس الشيء على ملك الواقف والتصدق بالمنافع حتى قيل: إن الوقف عنده لا شيء فإن التصدق بالمنافع يتحقق بلا وقف أيضاً، وما أوجد الوقف شيئاً آخر، وكذلك قال السرخسي أيضاً، وقالوا: إن الوقف عنده باطل، أقول: إن في الحاوي القدسي أن الوقف عنده نذر بالتصدق بالمنافع والرجوع عنه مكروه تحريماً، ويكون على ملك الواقف إلا في صور أربعة، أي وقف المسجد أو علقه بموته أو خرج مخرج الوصية أو قضى بخروجه عن الملك قاضٍ، ففي هذه الأربعة لا يمكن الرجوع أصلاً، أقول: لا حاجة إلى ذكر الصورة الرابعة فإن هذا الحكم في كل مسألة، وقال ابن همام: إن أوقاف الصحابة باقية إلى الآن، أقول: إذا كان الرجوع مكروه تحريماً فكيف الرجوع عنهم؟ واختار الشيخ والطحاوي قول الصاحبين، وذكر الطحاوي حجة أبي حنيفة في معاني الآثار ص (250) ج (2) وقف عمر وهذا الوقف أول الأوقاف في الإسلام، وتعقب الحافظ على اختيار الطحاوي مذهب الجمهور ثم إتيانه تمسك أبي حنيفة وتصدى الحافظ إلى التأويل في حجتنا، فقال: إن عمر لم يقف بل شاور معه، أقول: إن في الأحاديث تصريح أنه وقف في الحال وكتب كتاباً بعض ألفاظه في النسائي منها ما في الترمذي وفي بعض معتبراتنا ونسيت تعينه لعله شرح صدر الشهيد على الجامع الصغير أن أبا يوسف رجع عن مذهب أبي حنيفة حين رجع من المدينة ورأى أوقاف الصحابة. قوله: (حبست أصلها إلخ) ظاهره لأبي حنيفة. قوله: (أو يطعم صديقاً الخ) هذا لفظ كتاب عمر، والوقف يكون في غير المنقول، وروي عن محمد بن حسن وقف المنقول، إذا كان متعارفاً مثل سرير الميت، وصنف محمد بن عبد الله المثنى الأنصاري حفيد أنس كتاباً في الوقف موافق أبي حنيفة، وهو من أخص تلامذة زفر، وأخذ منه مصنفونا ويعبرونه بالأنصاري. قوله: (لا يباع الخ) أي لا يجوز لا أنه لا ينفذ.

باب ما ذكر في إحياء أرض الموات

باب ما ذكر في إحياء أرض الموات

[1378] ويشترط عندنا إذن الإمام لا عند الحجازيين، ونقول: إن الأراضي تحت تصرف الإمام فمن أخذ بظاهر الحديث لم يشترط الإذن ومن ضم الحديث والنفقة اشترط الإذن. قوله: (وليس لعرق ظالم إلخ) قيل: تركيب إضافي، وقيل: توصيفي، وهو غرس الشجرة في أرض الغير بلا إذنه، وأصل مذهبنا أن يقلع مالك الأرض الأشجار قل قيمة الأرض من الأشجار أو كثر، ونظر أرباب الفتوى إلى قلة القيمة وكثرتها وإذا رضي صاحب الشجرة بالقيمة تقوم مقلوعة لا مغروسة، ولكن في طبقات الشافعية مناظرة الشافعي ومحمد في المسألة وتلك تدل على التفصيل في المسألة.

باب ما جاء في القطائع

باب ما جاء في القطائع

[1380] جمع قطيعة وتفسيرها في عرف المتأخرين هو العفو الدائم عن الخراج (جاگير) ، ويقال لها في التركية: (سيرغال) ووضع البخاري ترجمة على القطائع ولم يفسرها الشارحون أيضاً ولعله أراد أن يأذن الإمام بإحياء أرض الموات، وذكر أبو يوسف أيضاً لفظ القطيعة في كتاب الخراج ولم يفسرها واستعملها في الدر المختار ولعله أراد بها المقاطعة (تحطيكه) ، وأما العفو الدائم عن الخراج فقيل: إنه جائز، وقيل: لا يجوز، واتفقوا على عدم جواز عفو العشر، وأما إقطاع المعدن فعندنا غير جائز، والمقطوع له غير ظالم في ما أخذ، وإنما الظلم في منعه غيره عن الأخذ.

باب ما ذكر في المزارعة

باب ما ذكر في المزارعة

[1383] قد مر ذكرها بالأقسام الثلاثة، قيل: إن المعاملة في لغة المدينة بمعنى المساقاة، وحديث الباب وارد على أبي حنيفة والشافعي، وأجاب الشافعي بأن هذه المزارعة تبع المساقاة، واعترض القدوري بأن أكثر أراضي خيبر كانت مكشوفة، وما كانت الأشجار حاوية على جميع الأراضي، وأما جواب أبي حنيفة فأجاب صاحب الهداية بأنه خراج المقاسمة لا المزارعة وهو تقسيم ما خرج من الأرض، وأخذه المرغيناني عن شيخه السرخسي، وقيل: إن جميع الهداية مأخوذ من مبسوط السرخسي، وكنت أتوهم أن جواب الهداية مناقض لكلامه في موضع آخر فإنه ذكر في السير أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتح خيبر عنوة وقسمها بين الغانمين، فإذن تكون الأراضي في ملك الغانمين ومزارعة، وقال في جواب حديث الباب: إنه خراج بالمقاسمة فتكون أراضي خيبر على ملك يهود الكفار فتدافع بين كلاميه، وما توجه إلى دفعه شارح من الشراح، ثم رأيت في مبسوط السرخسي فأطنب الكلام على أوراق تزيد على ثلاثين ورق. وكلامه يفيد دفع التدافع، وأجاب خواهر زاده في مبسوطه نقله العيني في العمدة، وذلك أيضاً مستبعد جداً.

كتاب الديات

كتاب الديات

باب ما جاء في الدية كم هي من الإبل

باب ما جاء في الدية كم هي من الإبل

[1386] اتفقوا على أن الدية مائة إبل والاختلاف في أنها أرباعاً أو أثلاثاً، والدية مغلظة ومخففة، ولا يظهر الغلظة والشدة إلا في الإبل لا في الدراهم، ولنا رواية ابن مسعود موقوفة عليه بسند صحيح، والقتل على أقسام عديدة مذكورة في الفقه، وظني أن في الأحاديث صوراً فاخترنا صورةً واختاروا صورة، وحديث الباب لنا، وقال الخصوم: إن خشف بن مالك مجهول، وقلنا: إنه ليس بمجهول فيكون الحديث حجة.

قوله: (قرابة الرجل إلخ) مذهبنا أن في العرب عبرة النسب فإن الأنساب فيهم محفوظة، أفي العجم على أهل الديوان، والتفصيل في الفقه. قوله: (إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا إلخ) هذا يخالفنا، فإنا نقول بعدم التخيير خلاف الشافعية فنضيف في هذا قيداً. قوله: (ثلاثون إلخ) هذا حجة الشافعي ونحمله على أنه بحسب التقويم، والحق أنه أيضاً صورة ثابتة، والمسلك الترجيح فقهاً.

باب ما جاء في الدية كم هي من الدراهم

باب ما جاء في الدية كم هي من الدراهم

[1388] قال الشافعي: اثنا عشر ألف درهم، وقلنا بعشرة آلاف درهم، وقال محمد للشافعي: إن اثنا عشرة من وزن الستة يكون عشرة آلاف من وزن السبعة، والمختار تسليم ثبوت الصورتين ثم مسلك الترجيح فقهاً.

باب ما جاء في دية الأصابع

باب ما جاء في دية الأصابع

[1391] هكذا مذهبنا ومذهب غيرنا في نقل صحيح أن عمر كان يفتي أن دية الإبهامة أقل من دية سائر الأصابع فإن للإبهامة مفصلين وفي سائرها ثلاثة مفاصل حتى رأى في كتاب عمرو بن حزم أن في كل إصبع صغيرة وكبيرة عشرة من الإبل، واعلم أن دية أعضاء الإنسان قد تزيد على دية الكل كأن وُدِيَ أولاً في الأصابع ثم في الرجلين ثم في اليدين، وروي صحيحاً أن عمر أخذ ثلاث ديات سوالم لرجل جرح ثم بقي حيّاً.

باب ما جاء فيمن رضخ رأسه بصخرة

باب ما جاء فيمن رضخ رأسه بصخرة

[1394] هاهنا مسألتان؛ أحدهما: أن اليهودي رضخ الرأس بصخرة فيكون فيه شبهة العمد عند أبي حنيفة فلا قصاص عنده، فإن القصاص في العمد وهو القتل بالأحد لا بالمثقل، ولكنه عمد عند صاحبيه. وثانيتهما: أن في الحديث مماثلة ولا مماثلة عندنا، وجواب الأول أن اليهودي قطع الطريق أيضاً فيكون من قطاع الطريق ويقتل قاطع الطريق كيف ما قتل، ثم في متوننا أن قطع الطريق، في المصر في النهار ليس بقطع الطريق، لكن في المبسوطات أنه أيضاً قطع الطريق، فجواب الطحاوي

نافذ بلا ريب ويمكن حمل الحديث على السياسة وباب السياسة موجود عند الكل إلا أنه وسيع عندنا، وصنف عبد البر بن الشحنة في السياسة وذكر فيها مسائل كثيرة، وصنف ابن تيمية أيضاً وسماه بالسياسة الشرعية، وغرضه في ذلك الكتاب الرد على من يقول: إن مسائل الإسلام لا تكتفي نظام العالم، وبحث فيه من جانب الشريعة لا من جانب مذهب من المذاهب، ثم ظني أن باب التعزير غير باب السياسة، والله أعلم. وجواب الثاني أيضاً الحمل على السياسة والمماثلة عند الشافعية في كل شيء إلا عمل لوط والإحراق. حكي أن أبا العلاء إمام اللغة سأل أبا حنيفة عمن قتل بحجر كبير عظيم هل يكون قتلاً بشبهة العمد؟ قال أبو حنيفة: ولو ضرب بأبا قبيس (اسم جبل) ، فاعترض بعض الجهلة بأن أبا حنيفة عارٍ عن معرفة اللغة حيث قرأ أبا قبيس بالألف بعد دخول الباء الجارة عليه، أقول: إن هذا الاعتراض من قلة المعرفة وكثرة الجهل، وحقيقة الأمر أن في لغة فصيحة من لغات العرب أن إعراب الأسماء الستة بالألف في الأحوال الثلاثة: ~ إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد منتهاها

باب ما جاء لا يحل دم امرأ مسلم إلا بإحدى ثلاث

باب ما جاء لا يحل دم امرأ مسلم إلا بإحدى ثلاث

[1402] بعض الكلام في حديث الباب مر ولكن الكلام فيه أطول من حيث إدخالُ ما في الفقه من جواز قتل غير ما في حديث الباب، من قطاع الطريق ومن تارك الصلاة عند غيرنا مثل الشافعية والحنابلة، لكن القتل عند الحنابلة ارتداداً وفي كتاب لنا أن يقتل تارك الصلاة، وفي عامة كتبنا أنه يضرب حتى يسيل الدم من بدنه، فقيل في وجه إلحاق مثل هذين بما في الحديث بأنهم داخلون تحت النعت أي المفارق لجماعة، وقيل بإدخالهم تحت المنعوت أيضاً أي التارك لدينه، وورد في المعجم للطبراني: «من ترك الصلاة فقد كفر جهاراً» إلخ، وهو متمسك الحنابلة وتمسك النووي بحديث فيه المقاتلة على قتل تارك الصلاة، والحال أن بين القتال والقتل بوناً بعيداً حتى أن القتال قد يكون على ترك السنة أيضاً.

باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو

باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو

[1405] قال الحجازيون: إن في الدية والقصاص تخييراً، وقلنا: إن التخيير بعد رضاء ولاة القتيل والصلح، وليس في حديث الباب ما يرد علينا فإن المذكور فيه التخيير بين القصاص والعفو لا بين الدية والقصاص.

قوله: (قتل رجل في عهد إلخ) أصل القصة ما في مسلم أن رجلين خرجا محتطبين فتنازعا فضرب أحدهما بفأسه على رأس الآخر فيكون عند أبي حنيفة القتل بالسلاح ولا عبرة فيه للإرادة وعدمها فيقال من جانبه: لعله ضربه بخشبة لا بالمحدد، والله أعلم، أو يقال: إن حكمه هذا حكم الديانة لا حكم القضاء.

باب ما جاء في النهي عن المثلة

باب ما جاء في النهي عن المثلة

[1408] أي قتل الأعضاء صبراً، وفي النسائي قال صحابي: ما سمعت خطبة من خطبته بعد نزول الآية إلا وحث فيها على الصدقة ونهى عن المثلة، وروي بسند صحيح، قال ابن سيرين: إن حديث العرنيين قبل النهي عن المثلة.

باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر

باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر

[1412] قال الحجازيون: لا يقتل مسلم بكافر أيُّ كافر كان، وقال أبو حنيفة يقتل المسلم بدل الذمي، وفي الحربي المعاهد دية، وفي المستأمن روايتان وذكر الحافظ في فتح الباري أن رجلاً قال لزفر رحمه الله: إن الحد عندكم يندرء بالشبهة وأية شبهة أعلى من شبهة كفره، فقال زفر رحمه الله: كن شاهداً على أني رجعت مما قال أبو حنيفة. قوله: (لا يقتل مسلم بكافر إلخ) قال الشافعية: أن لا يقتل مسلم بكافر ولكن قتل الذمي وذي عهد حرام، وإن قتلا فلا قصاص بل الدية، وقالوا: إن معنى القطعة الثانية أي «ولا ذو عهد في عهده» غير مصداق الأولى، وقال الطحاوي: إن مرادها أن لا يقتل ذو عهد في عهده بدل كافر فصار حاصل الحديث لا يقتل مسلم بحربي أقول: يتمشى على معنى ما قاله الشافعية أي «لا يقتل ذو عهد في عهده» وأما لو تصدى أحد إلى قتل ذي عهد فيقتص منه فإن المعاهد محقون الدم إجماعاً فيكون

حكمه حكم سائر الدماء، وحصل أن لا يقتل مسلم بدل حربي، وقال العيني في العمدة: إن حديث: «لا يقتل مسلم بكافر» ليس متعرضاً إلى ما نحن فيه بل غرضه بهذا وضع دماء الجاهلية أي لا يقتل بعد الإسلام بدل ما كان دم الجاهلية، ولقوله شواهد أيضاً منها أنه خطب في حجة الوداع كما في مسلم، وقال فيها: «ألا وإن دماء الجاهلية موضوعة تحت قدمي» إلخ ثم في حديث مسلم كلام فإن فيه ذكر حجة الوداع، وفي سائر الطرق ذكر أنه خطب في فتح مكة والرجحان إلى أنه خطب في فتح مكة بتعدد الخطبة فإذن صار شرح الجملة الأولى لطيفاً ألطف، لكن الجملة الثانية «ولا ذو عهد في عهده» وصارت ركيكة وعلى شرح الطحاوي يكون المراد بالكافر الحربي ونطالب وجه التخصيص بالحربي، ولي شيء آخر لا ركة فيه ولا تخصيص وهو أن يقال: إن الذمي في حكم المسلم فإن حقن دمه مستفاد من حقن دماء المسلمين فصار شرح «لا يقتل مسلم بكافر» أي لا يقتل مسلم وذمي بدل كافر، وليس ذلك إلا الحربي، ثم أقول: إن مستدلنا ما أخرجه الطحاوي ص (112) ج (2) بسند قوي: أن عمر أمر بأن يقتص من مسلم بكافر ثم أمر أن لا يقتص بل يودى، وزعم الشافعية أن عمر رجع عن القول الأول، وقال الطحاوي: إن الرجوع بعيد وحقيقة الأمر أنه أمر أولاً بالمسألة ثم صالح بالدية، ونقل علاء الدين المارديني أنه قتل مسلماً بكافر ولكني لم أجد تفصيل تلك الواقعة ولعله يجدي فيها ما أخرجه أبو داود ص (274) باب القسامة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه قتل بالقسامة رجلاً من بني نضر بن إلخ» ، إلا أن في سنده وليد بن مسلم المدلس ولأن فيه ذكر القسامة أيضاً فلم أجد تفصيل ما رواه المارديني في كتب السير أيضاً، ولنا مرسل آخر أخرجه الطحاوي ص (111) ج (2) لكن في سنده عبد الرحمن البيلماني وهو متكلم فيه ومع ذلك من رجال السنن، وفيه ذلك المرسل بسند آخر، وسيأتي بعض التفصيل في البخاري، وأما دية الذمي فعندنا ديته ودية المعلم كاملة، وعند الشافعية نصفها والآثار من الطرفين، وثبت دية الذمي نصف دية المسلم وكلها وثلثها، ولعل الاختلاف اختلاف الصور وودي الذمي بصور في عهده، ونحمل الناقصة على معاذير وحمل الكاملة على معاذير الشكل من حمل الناقصة على معاذير، وفي تخريج الزيلعي أن دية الذمي في عهد الخلفاء الأربعة كانت دية المسلم وسنده قوي، وإنما قلت في عهد معاوية.

باب ما جاء في الحبس في التهمة

باب ما جاء في الحبس في التهمة

[1417] الحديث عندنا معمول به، وفي لسان الحكام لابن شحنة: من خرج من بيت خال وفيه مقتول وسيف الخارج متلطخ بالدم يقتص صاحب السيف الذي خرج، والله أعلم.

باب ما جاء في من قتل دون ماله فهو شهيد

باب ما جاء في من قتل دون ماله فهو شهيد

[1418] في الدر المختار: من تعدى على محارم رجل يجوز له قتله وإن لم يجد البينة فيقتص في أحكام الدنيا، ولا حرج عليه في أحكام الآخرة.

باب ما جاء في القسامة

باب ما جاء في القسامة

[1422] من وجد قتيلاً في موضع ولا يدري قاتله، فقال مالك بن أنس: إن كان لولاة القتيل لوث فينتخبون الذين عليهم لوث ويحلف ويقسم خمسون رجلاً من ولاة القتيل إن فلاناً قاتل قتيلنا فإن أقسموا يقتص المدعي عليه، وقال الشافعي: لا قصاص في صورة بل يقسم خمسون رجلاً من المدعين فإن أقسموا فيودى، وإلا فالقسم على ولاة القاتل فإن أقسموا بأنه لم يقتل فلا دية ولا قصاص، وقال أبو حنيفة: لا قسم على المدعين وإنما القسم على المنكرين أي خمسون رجلاً من المنتخبين مما حول موضع القتل يحلفون بالله ما علمنا قاتله وما قتلناه، وفائدة القسم درء القصاص وإن علموا بالقاتل أعلموا، ومذهب عمر الفاروق موافق لمذهب أبي حنيفة وسأل سائل عمر عن القسم قال: إنه يرفع القصاص، ويمكن لأحد أن يقول: إن البخاري موافق لنا فإنه أخرج قسامة أبي طالب في الجاهلية وقسامته موافق قسامتنا، ولعله يشير البخاري إلى أن تلك القسامة باقية على ما كانت في الجاهلية، والواقعة في عهده واحدة والخلاف في تخريجها. قوله: (كبّر الكبر إلخ) كان عبد الرحمن ومن معه بنو أعمام، والمدعي إنما هو عبد الرحمن، وأما سؤاله عن الكبر ليس لكونه ممن ادعى عليه بل تفسير القصة ومعرفتها، ونقول في حديث الباب: إن غرضه من استحلاف المدعين هو ليس حكم الشريعة وضابطتها بل غرضه استفسار ما في ضميرهم لينكلوا عن الحلف، ولذا قالوا: كيف نحلف ولم نشهد؟ ونظير استفسار ما في القلب ما في الصحيحين: قالت بنت أبي سفيان أم المؤمنين: تزوج أختي يا رسول الله، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أتريدين» ؟ فمراده استفسار ما في قلبها، فقالت: أريد أن تكون أختي شريكتي في الخير، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا، فإن الله حرم جمع أختين» ونقول أيضاً: إن راوياً قال بعد رواية الحديث: ليس العمل على هذا رواه أبو داود وأيضاً في أبي داود ص (622) باب ترك القود بالقسامة، قال: إن سهيلاً ـ والله ـ أوهم، الحديث أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ فصار الحديث معلولاً

قوله: (أعطه عقله إلخ) في البخاري: وهي يومئذ صلح، أي كان معهم عهداً، وقال محمد بن إسحاق في السيرة: إن هذه القصة بعد فتح خيبر، وفي بعض الصور عندنا الدية من بيت المال، وأدلتنا في مسألة الباب محصاة في موضعها كما في التخريج، وذكرها الشيخ علاء الدين المارديني أيضاً.

كتاب الحدود

كتاب الحدود

باب ما جاء في الستر على المسلم

باب ما جاء في الستر على المسلم

[1425] في كتب الحنفية من رأى رجلاً يزني بغير محارم، الرائي لا يرفع الأمر إلى الحاكم، بل يستر عليه إلا إذا علم أنه يعتاده.

باب ما جاء في التلقين في الحد

باب ما جاء في التلقين في الحد

[1427] يستحب للإمام أن يلقن المعترف، ولا تلقين فيمن قام عليه البينة، وثبت تلقنيه رجلاً. قوله: (أربع شهادات إلخ) هذا حجة لأبي حنيفة في الاعتراف أربع مرات في أمكنة، وقال أبو يوسف: يكفي الإقرار مرتين، وقال الحجازيون: يكفي مرةً واحدةً، وفي أبي داود وغيره: أنه أقر مرة فأعرض عنه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم أقرَّ فأعرض، ثم أقرَّ فأعرض، ثم أقر وتمسك الحجازيون ببعض المبهمات التي ليس فيها ذكر أربع شهادات ونحمل الساكت على الناطق.

باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع

باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع

[1428] يجوز الرجوع في صورة الاعتراف لا في حالة إقامة البينة عليه، وهكذا عندنا وعند غيرنا.

قوله: (مر برجل إلخ) قيل: إنه أبو بكر الصديق، وقيل غيره. قوله: (هلاّ تركتموه إلخ) قال الموالك: إذا فرّ المعترف بالزنا في أثناء إقامة الحد عليه فيسأل إن كان فراره لألمٍ يحد، وإن كان رجوعاً فيترك ويسقط الحد والاستفسار لازم، وقال الشافعية: إذا هرب فلا يسقط الحد إلا إذا رجع صراحة، وفي كتبنا: أنه إذا فرّ فعلاً أو قولاً سقط الحد، واعترض على الموالك بأنهم إذا سألوا استفساراً فيلزم الدية على الصحابة رضوان الله عليهم، فاعترض الموالك بمعاذير، والحديث وارد على الكل ولكن أكثر ألفاظ الحديث أقرب إلى قول الموالك، منها لفظ الباب: «هلاّ تركتموه» وفي أبي داود ص (259) «هلا تركتموه لا تثبت» إلخ، وفيه لعله «يتوب فيتوب الله عليه» إلخ، وأقول لا بد من التفصيل في المسألة هاهنا، ولا بد من أن يقال: إنه إن فرّ من الألم الفوري فلا يسقط الحد، ثم رأيته في البدائع قال: فر ولم يرجع، ويقال إن ما عزاً فرَّ من الألم كما في الصحيحين: «فلما وجد مس الحجارة فرّ» إلخ، وفي أبي داود أنه قام بعد فرارٍ يسير. قوله: (لم يصلِّ عليه إلخ) الروايات في الصلاة عليه مختلفة، وقيل في الجمع بأنه لم يصل وأمر غيره بالصلاة عليه ثم دعا له بعد عدة أيام، وصلى على الغامدية وامرأة أخرى لتوبتهما كما في أبي داود، وسيأتي في الترمذي. قوله: (أحصنت إلخ) الإحصان له شروط عندنا في الزنا وحد القذف، واستخراج هذه الشروط عندنا متعذر، وبوّب عليه في المبسوط، ولعل الحنفية أخذوا بجميع إطلاق المحصن في القرآن فإن إطلاقات المحصنات كثيرة منها؛ الحرائر، ومنها المنكوحات، ومنها المسلمات ومنها العفائف، وظني أن المذكور والمسؤول في الحديث الإحصان بمعنى النكاح، فإن هذا ركن ركين من أركان الإحصان. (مغلطة) قد يذكر في كتبنا أن المحصن حر عاقل بالغ مسلم، نكح بنكاح صحيح ودخل بها

ويكونان محصنين، وزعم بعض أرباب التصنيف أيضاً أن الإحصان هو إحصان الزاني والمزنية، والحال أن المراد بهما الزوجان، فإن الزاني إذا كان محصناً يرجم، والمزنية إذا كانت غير محصنة تجلد، فاستبصر ولا تخلط ولا تغلط.

باب ما جاء في كراهية أن يشفع في الحدود

باب ما جاء في كراهية أن يشفع في الحدود

[1430] يجوز الشفاعة قبل رفع القضية إلى القاضي لا بعده، هذا في الحدود، وأما في التعازير فتجوز في الحالين. قوله: (سَرقَتُ إلخ) في أكثر الطرق أنها وجحدت العواري التي عندها، ولقد أطنب الحافظ وأقول: إن كان جحود العواري فلا قطع، وإنها لعلها سرقت جحدت العواري. قوله: (لقطعت يدها إلخ) قالوا: يستحب بعد هذا كلمة: أعاذها الله عنها.

باب ما جاء في تحقيق الرجم

باب ما جاء في تحقيق الرجم

[1431] قيل: إن الخوارج أنكروا الرجم، لكن في قراءة ابن مسعود كان الرجم فإن في مصحفه: «الثيب والثيبة إذا زنيا فارجموهما نكالاً من الله» فتكون القراءة مشهورة، لكن الإمام أي مصحف عثمان خال عن حكم الرجم، وحكم الرجم موجود في التوراة أيضاً. قوله: (الاعتراف إلخ) قال به الموالك، ولا ترجم عندنا إلا بالبينة أو الاعتراف ولا عبرة للحبل، وهو مذهب الشافعية، وقال النووي: إذا حبلت ولا ندري نكاحها فكيف ترجم؟ لعلها نكحت وهل يجب علينا تحقيق أسرار المخلوق؟ أقول: يجب الجواب عن قول عمر فإنه قال به بمحضر من الصحابة، فقال الحافظ. إن عمر كان يقول بالرجم بالحبل في بعض الصور لا في كلها، وفاق الموالك، وأقول: يمكن أن يقال: إن أمر الحبل لا يبقى كذلك بل يبلغ إلى الاعتراف أو البينة فإن عادة للدنيا إنهم لا يدعونها مهملة بل يرفعون أمرها، فإما أن تدعي نكاح السر أو تعترف أو يقام البينة عليها، ولا مرفوع يدل على الرجم بالحبل وظني أن حقيقة الحال أن مراد عمر أن لا يبقى أحد في دار الإسلام غير منتسب ومهمل النسب، بخلاف أبي حنيفة والشافعي فإن جماعة من قطان دار الإسلام تبقى غير منتسبين إلى أحد، فإنا نقول: إن الأمة إذا ولدت أولاً ولم يدِّع مولاها فيبقى ولدانها بلا نسب، وأما عند الشافعية فمثل من أتي به حبلى لا نعلم نكاحها فإن أولادها تكون بلا انتساب، وأما المذكور منا فحكم القضاء، وأما باعتبار الديانة فلا يبقى بلا نسب لما ذكرت أولاً من وجوب الدعوة ديانة إذا علم أن نطفة أمته منه، وظني أن نهي عمر عن بيع أم الولد أيضاً من فروع هذه المسألة، فإن السلف كانوا مختلفين في بيع أم الولد ثم منع عمر، وأخذه أرباب المذاهب الأربعة. قوله: (ولولا أني إلخ) هاهنا إشكال وهو أن حكم الرجم إما من القرآن أو ليس منه، فإن كان

حكم القرآن فلا يجوز لعمر ترك كتابته، وإن لم يكن منه فلا يجوز له كتابته، وفي فتح الباري بسند قوي عن عمر رضي الله عنه: كتبتها في آخر القرآن.

باب ما جاء في الرجم على الثيب

باب ما جاء في الرجم على الثيب

[1433] الثيب المنكوحة. قوله: (لما قضيت إلخ) لما بعنى إلا. قوله: (المائة شاةٍ إلخ) بالجر عند الكوفيين. قوله: (وتغريب عام إلخ) حمل الحنفية التغريب على السياسة، ولنا على هذا ما رواه الطحاوي أن عمر غرَّب رجلاً فلحق بأهل الشام فقال عمر: لا أغرِّب بعدُ ولو كان حدّاً، كيف كف عنه عمر؟ ولنا ما في البخاري: بإقامة حد وتغريب إلخ ودل العطف على أنه ليس بحد، ولا تغريب

للأرقاء والنسوان عند الحنفية، ونقول: إن في مسلم وفي الترمذي في الصفحة الآتية الجمع بين الجلد والرجم وليس ذلك مذهب أحد، فقيل بالحمل على النسخ أو بالسياسة، فكذلك نقول هاهنا. قوله: (خادماً إلخ) قال شارح: إن المائة شاة والخادم أعطي زوج المزنية. قوله: (واغد يا أنيس إلخ) قيل: لا تفتيش على الحاكم في الحدود، فكيف أرسله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فأجاب النووي بأن في الواقعة كان السؤال بسبب حد القذف فإنه من حقوق العباد، ولم يكن التفتيش عن حد الزنا الذي من حقوق الله، ولا يقال: إن أحدهما إذا أقر بالزنا وأنكره الآخر فلا حد على المقر، وفي كتبنا أن الإمام يسأل الزاني بمن زنيت وأين زنيت وما الزنا؟ وهاهنا كيف ما دعا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المزنية وانتظر سؤالها؟ فإنا نقول: إن هذا إنما يرد لو كانت حاضرة وإذا كانت غائبة يقام عليه الحد، وكذا لو أقر بالزنا بمن لا يعرفها وما لو أطلق وقال: زنيت. قوله: (فإن زنت في الرابعة فبيعوها إلخ) إن قيل: لا يجوز له أن يرفع الكل عن نفسه ووضعه على رأس أخيه المسلم، قلنا: إنه ليس وضعه على معين فإن المشتري يجوز له أن يبيعها ثم هكذا.

باب ما جاء في رجم أهل الكتاب

باب ما جاء في رجم أهل الكتاب

[1436] ذيل المسألة طويل وذخيرتها كثيرة قال أبو حنيفة رحمه الله: لا يرجم أهل الكتاب، وقال الشافعي: يرجم أهل الكتاب ووافقه أحمد، وقال مالك رحمه الله: لاحد على الحربي أصلاً، ثم قال الموالك: إن كل قضية الذمي إذا رفعت إلى الحاكم فهو مخير بين أن يحكم بالشريعة الغراء أو يعرض عنه وتمسك بالآية، وقال الثلاثة: لا تخيير بل يحكم بما في الشريعة الغراء، وادعينا نسخ ما في الآية، ثم ظاهر حديث الباب للشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى، وأجاب الطحاوي واعترض عليه الحافظ، أقول: إن في جواب الطحاوي اختصاراً فإنه قال: إن حكم الرجم كان بحكم التوراة وأذكر احتمالات مراد الطحاوي منها: أنهم جعلوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكماً، فإذن يحكم بما في شريعتهم، نعم يبحث أنه هل له أن يحكم بشريعة حقة غير كتابه أم لا؟ ومنها: أن الإسلام لم يكن شرط الإحصان في التوراة بل كان الرجم على المحصن وغيره، ويقال على هذا: إن اشتراط الإسلام في الإحصان في شريعتنا ما مأخذه؟ ويطلب منا إثبات التسوية بين المحصن وغيره في التوراة، وقال الحافظ: لا تسوية بين المحصن وغيره في التوراة فإن في أبي داود ص (263) ج (2) : أنه سأل عن إحصانهما وعدمه، أقول: إن الإحصان في أبي داود ص (263) بمعنى التزوج لا بمعنى الإسلام، لما قلت أولاً: إن الإحصان المذكور في الأحاديث بمعنى التزوج، ومن تلك الاحتمالات أنه ألزم ما يعملونه من شريعتهم وإلزامه إياهم بما يلتزمونه ليس ببعيد، وأما دليل اشتراط الإسلام في الإحصان مما في الهداية بسند عبد الباقي بن قانع الحنفي بينه وبين أبي داود واسطة واحدة رواه عن ابن عمرو، وفي الجوهر النقي من باب من يلاعن من الأزواج، وعن ابن عمر: من أشرك بالله فهو غير محصن إلخ، ورجال السند ثقات أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده، واختلف في رفعه ووقفه وظني الغالب أنه مرفوع، وتأول الشافعية بأنه في حد القذف لا في الزنا، واختلف في وقت واقعة الباب، ففي أكثر الروايات أنها في المدينة وفي بعضها أنها واقعة في خيبر، وفي أسباب النزول للسيوطي أنها واقعة في الفدك، وورد في الروايات: أن اليهود تشاوروا وتناجوا. أن نذهب إلى هذا النبي ونبتليه فإن حكم

بالرجم كما في التوراة فهو نبي وإلا فليس بنبي، وأدعي أن آية الجلد بعد هذه الواقعة وكذلك آية الرجم: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما» ولي في هذه الدعوى ذخيرة كثيرة، وقال الحافظ: إن واقعة الباب في السنة الثامنة، وما أتى بما يشفي، وتمسك بأن ابن عباس شهد الواقعة وهجرته إلى المدينة المنورة في السنة الثامنة مع أبيه عباس، أقول: إن ابن عباس راوي الحديث وما من لفظ يدل على أنه شهد الواقعة، وكذلك تمسك الحافظ بأن عبد الله بن حارث بن جزء راوي الواقعة، وأتى المدينة في السنة الثامنة مع أبيه، أقول: لم أجد في كتاب من الكتب حارث بن جزء اسم صحابي من الصحابة، ولم يذكر الحافظ أيضاً صحابياً في الإصابة باسم حارث بن جزء، وقد سلمت أن عبد الله بن حارث أتي المدينة في السنة الثامنة لكن ما من رواية تدل على شهود الواقعة إلا ما أتى بسند ضعيف ما أخرجه الطبراني، أقول: إنه وهم الراوي فإن [من] أتي المدينة مع أبيه عبد الله بن عباس كما في مسلم لا عبد الله بن حارث، ثم أقول: إن في سيرة محمد بن إسحاق بسند صحيح أن اليهود امتحنوه حين دخل المدينة وعدّ الأشياء الممتحنة فيها وعدّ منها واقعة الباب أيضاً، وذكر القسطلاني أن الواقعة واقعة السنة الرابعة ولا مأخذ عنده، وعندي روايات دالة على تقدم الواقعة منها أن في واقعة الباب: «كان ثلاثة من اليهود وقد قتلوا في قرب أحد منهم كعب بن أشرف» ، أقول: كان للحافظ أن يستدل بما في تفسير ابن جرير عن أبي هريرة ما يدل على أنه شهد الواقعة ولكنه لم يأخذه، أقول: إن في أبي داود ص (263) ، ج (2) عن أبي هريرة يخالف ما في تفسير ابن جرير فيكون ما في تفسير [ابن جرير] وهم الراوي فلا تكون القصة إلا قبل حكم الآية، وليحفظ هاهنا أنه كان يؤمر بالحكم بالتوراة لما في آية: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44] إلخ، وفي أبي داود أنه أيضاً داخل فيه، وفي الأحاديث أنه كان يحب العمل بما في التوراة قبل نزول الشريعة الغراء لما في البخاري ص (503) : كان يحب العمل بالكتاب ما لم ينزل فيه حكم الله إلخ، وقال حافظ من الحفاظ: إن ابتداء خلاف أهل الكتاب كان بعد فتح مكة ولا أعلم مأخذه، وذكر ابن العربي المالكي في أحكام القرآن أن ما في الواقعة إلزام على اليهود بما في كتابهم، أقول: إن مدلول الآيات والأحاديث أن اليهود معاقبون على تركهم ما في التوراة كما يعاقبون على ترك الإيمان

بمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولنا على مسألة الباب في باب المكاتبة في الزيلعي أن محمد بن أبي بكر الصديق كان عاملاً على مصر في عهد علي وكتب إلى علي أن مسلماً زنى بذمية، فقال. علي: حول الذمية إلى الذميين وارجم المسلم، فدل على عدم رجم الذمية. واعلم أن في أبي داود ص (610) عن أبي هريرة ما يدل على قبول شهادة الكافر، ولا يجوز ذلك عند الشافعي، وجائز عندنا في بعض الصور.

باب ما جاء أن الحدود كفارة لأهلها

باب ما جاء أن الحدود كفارة لأهلها

[1439] في كتب أصولنا أن الحدود زواجر، وعند الشافعية سواتر وكفارات، ولم أجد عن أئمتنا ومشائخنا أن الحدود زواجر فقط لا كفارات، لكن المحقق أن الحدود كفارات بعض الكفارة وعلى هذا عندي نُقول، فإن في جنايات الحج من ملتقط الفتاوى وهو من المعتبرات: أنه إذا جنى وفدى فمغفرة إلا إذا أصّر بحيث يجني ويكفر، ويجني ويكفر ومثله في التيسير تفسير الشيخ نجم الدين عمر النسفي معاصرالزمخشري وهو غير أبي البركات النسفي صاحب الكنز، وكذلك في الهداية ص (201) كتاب الصيام نقل عن الشافعي وقال: عُلِم أن التوبة ليست بمكفرة للجنايات إلخ، أي الحدود أيضاً دخيلة في المغفرة، وإليه يشير كلام الطحاوي ص (323) ، ووجدت في تعزير البدائع تصريح أن الحدود كفارات بعض الكفارة، وللحافظين كلام في شرح البخاري، وأما الأحاديث ففي الصحيحين: «أن الحدود كفارات» ، وفي مستدرك الحاكم عن أبي هريرة قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا أدري أن الحدود كفارات أم لا» والسند قوي باعتراف الحافظ، وأبو هريرة متأخر عن عبادة فالعبرة له، وقال الحافظ: إن حديث عبادة متأخر عن حديث أبي هريرة، وقال: إن عند عبادة حديثين أحدهما في ليلة العقبة والثاني في وقت نزول سورة الممتحنة، وللحافظين هاهنا كلام طويل وقال العيني: إن الحديث واحد، أي في ليلة بيعة العقبة، وله قرائن أعلاها أن في مثل حديث الباب لفظ: أنه كان مع رهط من أصحابه ولا يطلق الرهط على ما فوق الأربعين، وأما في وقت نزول سورة الممتحنة فكان كثير من الصحابة والصحابيات، ثم لنا ما أخرجه الطحاوي ص (286) ج (2) عن محمد بن ثوبان، ثم قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تب إلى الله» إلخ، فدل على أن قطع اليدين فقط لم تكن كفارة كل كفارة. قوله: (كفارة له إلخ) التنوين أيضاً مفيد لنا في المسألة ولا يدريه إلا من كانت له حذاقة في علم المعاني، قال التفتازاني في المطول: إن تنوين الخبر لا فائدة فيه، أقول: ربما تكون فيه فوائد وسيما إذا وقع لفت له فخرج من أن يكون وصفاً إلى أن يكون ذاتاً، وكما في البخاري أيضاً: «إيمان بالله ورسوله» إلخ، أي شيء إيمان بالله ورسوله.

باب ما جاء في إقامة الحدود على الإماء

باب ما جاء في إقامة الحدود على الإماء

[1440] قال العراقيون: لا يقيم الحد إلا الحاكم، وقال الحجازيون: يجوز للمولى أن يقيم الحد، ومراد حديث الباب عندنا أن لا يخفي المولى الحد، وليس المراد أن يقيم الحد بنفسه، ولنا آثار ثلاثة من التابعين أخرجها الزيلعي: أن الجمعة والفيء وإقامة الحد للإمام السلطان، وهذه الآثار تفيدنا في مسألة الجمعة، ولنا أثر صحابي أيضاً بسند قوي: «أن إقامة الحد حق الإمام» ، رواه الطحاوي في أحكام القرآن، وقال الطحاوي لا نعلم خلاف هذا عن الصحابة، وقال ابن حزم: إن إقامة الحد من الصحابة على أرقائهم ثابت منها ما أخرجه مالك في موطئه.

باب ما جاء في حد السكران

باب ما جاء في حد السكران

[1442] قال الشافعي: إن حد الخمر أربعون جلداً، وقال أبو حنيفة: إن الحد ثمانون جلداً، وكلامهم يشير إلى نفي ثمانين في عهده، أقول: إن حد الخمر في عهده كان بصور عديدة وما كان مقرراً ومؤقتاً وإنما وقته عمر، وأقول: إن التوقيت في مثل هذا جائز لعمر كما وقت في الصاع، والمسألة طويلة متعلقة بالاجتهاد وأشار في الهداية ص (229) باب المعاقل إنه جائز لعمر، فإنه قال: وليس ذلك نسخاً بل تقرير معنى لأن العقل كان على أهل إلخ، أقول: إن إيماء الشافعية إلى نفي ثمانين في عهده غير صحيح كيف وذلك ثابت برواية البخاري والطحاوي ص (88) ؟ والعجب على إغماض الحافظ عن هذه الرواية، والحال أن جلد ثمانين مصرح في البخاري ص (522) في مناقب عثمان: فأمر أن يجلد فجلده ثمانين إلخ، وفيه قال علي: وكلٌّ سنَّة وهذا أحب إليّ إلخ، فدل لفظ السنّة على رفع ثمانين، وقال: هذا أحب إليّ وزعم الشافعية أن إشارة هذا إلى أربعين أقول: الإشارة إلى ثمانين وإنما وقف علي على أربعين وقد صح جلده ثمانين في تلك الواقعة بلا ريب لما ذكرت من البخاري والطحاوي، وقال بعض الشافعية: إن أربعين حدٌ وأربعين سياسةٌ، ومرَّ البيهقي على بعض روايات ثمانين، وتأول فيه بأن الجلد كان ذا فرعين وجلد أربعين وعده الراوي

بثمانين، أقول: يلزم على هذا التأويل أن يقال في حديث الباب: إنه جلد عشرين وعدّه الراوي أربعين، فالحاصل أن نفي ثمانين في عهده غير صحيح.

باب ما جاء «من شرب الخمر فاجلدوه وإن عاد في الرابعة فاقتلوه»

باب ما جاء «من شرب الخمر فاجلدوه وإن عاد في الرابعة فاقتلوه»

[1444] الحديث صحيح، وقالوا: ليس عليه عمل أحد من الأربعة، وقال السيوطي في قوت المغتدي: إني أقول به وإن لم يعمل به أحد من الأئمة، أقول الحديث معمول به عندنا أي الأحناف ونحمله على التعزير، ويجوز القتل عندنا تعزيراً كما يجوز قتل المبتدع تعزيراً، ذكر الشيخ عبد الرزاق المناوي في شرحه على الجامع الصغير للسيوطي: أن السيوطي ادعى الاجتهاد فكتبوا إليه تسعة مسائل من مسائل الشافعية يسألونه عن ترجيحها ومواضع تلك المسائل، فقال السيوطي: لا أقدر على هذا، ثم قال المناوي: والعجب ممن يدعي الاجتهاد ولا يقدر على ترجيح مسائل مذكورة وبيان مواضعها، وحكي في الطبقات الشافعية أن أبا محمد الجويني أراد أن يكتب تصنيفاً ويخرج عن تقليد الشافعي، فكتب

إليه البيهقي: إني سمعت إرادتك فاعلم أنك لست أهل الاجتهاد فلا تخرج عن تقليد الشافعي فترك أبو محمد الجويني ما أراد.

باب ما جاء في كم يقطع يد السارق؟

باب ما جاء في كم يقطع يد السارقّ؟

[1445] المذاهب في مسألة الباب تبلغ عشرين، قال ابن حزم: يقطع في سرقة حبة شعيرة أيضاً، وقال مالك رحمه الله: يقطع في ثلاثة دراهم، وقال الشافعي: يقطع في ربع الدينار، وقال أبو حنيفة رحمه الله والثوري رحمه الله: لاقطع في أقل من عشر دراهم، وأصح ما في الباب حديث الحجازيين فإنه حديث الصحيحين، وتكلم الطحاوي في المسألة وأتى بالاستدلالات ولم يذكر محمل حديث الحجازيين وتكلم الحافظ في المسألة وقال في آخر كلامه: إن حديث العراقيين لا يخالفنا فإنه لا ينفي القطع في أقل من عشرة دراهم، ثم أتى برواية دالة على نفي القطع في أقل من عشرة دراهم أخرجها ابن ماجه والطحاوي وضعفها الحافظ، أقول: محمل حديث الحجازيين أنه محمول على السياسة لكني

لم أجد في كتبنا القطع في أقل من عشرة دراهم سياسةً إلا أن للقطع سياسةً نظائر، منها ما في الدر المختار ص (215) أن القطع ثالثاً جائز سياسة، وقد ثبت في كتبنا القتل سياسة وهو أشد من القطع أيضاً وإنه كان هناك صور ما انتهى الأمر إلى عشرة دراهم، وفرق بين المنسوخ والمتروك وهذا المحمل أعلى المحامل عندي، وقال الأحناف: إن قيمة المجن مختلفة فيها، في بعض الروايات عشرة دراهم، وفي بعضها ثلاثة دراهم، وفي بعضها اختلاف آخر، فيؤخذ بالأحوط فإن الحدود تندرء بالشبهات، وأما أدلتنا من الحديث مما روى الطحاوي من حديثين، وقال الحافظ: إنهما مضطربان وفي سندهما محمد بن إسحاق وهو قد يروي عن ابن عباس وقد يروي عن ابن عمرو بن العاص، أقول: أخرجهما أبو داود والنسائي ص (240) عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص أقول: إن عند محمد بن إسحاق حديثين وهما حسنان لذاتهما، ووثق البخاري محمد بن إسحاق وهو من رجال مسلم، ولنا حديث ثالث أخرجه النسائي ص (240) عن عطاء عن أيمن بسند قوي، وفيه بحث طويل، فإن أيمن اختلف في أنه صحابي أو تابعي، والحديث على الأول منقطع وعلى الثاني مرسل، وقال النسائي: ما أحسب أنه له صحبة إلخ، فيكون مرسلاً وإذا كان صحابياً فليس لعطاء لقاء أيمن، لأن أيمن استشهد في غزوة حنين، وقال الطحاوي في أحكام القرآن: إن أيمن صحابي وعاش إلى ما بعد عهده والحديث متصل لكنه لم يذكر مأخذه، وقال محمد بن إسحاق في سيرته: إنه شهد غزوة حنين واستشهد، وذكر في كتاب الأم للشافعي أنه سأل محمد بن حسن دليل عشرة دارهم؟ فروى محمد حديث أيمن، فقال الشافعي: إنه منقطع فإنه شهد غزوة حنين قبل ولادة مجاهد، وقال شريك بن عبد الله في الطحاوي: إن أيمن صحابي، وقال الحافظ: إن كثيراً سيء الحفظ، أقول: إن أبا أيمن عُبَيْدٌ، وفي بعض الروايات تصريح أنه ابن أم أيمن، وفي الطحاوي ص (93) ج (2) حديث النسائي عن أيمن الحبشي، والحال أن أبا أيمن الصحابي اسمه عُبَيدُ وهو يمني، ويذكر في كتب معرفة الصحابة أيضاً أيمن الحبشي ويذكر أيمن بن عُبَيد اليمني أيضاً، ولا يؤقتون موت الحبشي والله أعلم، وأقول: إن المذكور في الطحاوي هو ابن أم أيمنُ، والحبشة قبيلة من قبائل اليمن، هذا فاعلم والله

أعلم، ولنا فتوى عمر لكنه ثبت عنه القطع في أقل من عشرة دراهم أيضاً، وفتوى عمر أخرجه الزيلعي بسند قوي، وروي عن ابن مسعود أيضاً القطع في خمسة دراهم كما في النسائي ص (739) أقول: إن حقيقة الأمر أن الاعتماد على قيمة المجن ولعل قيمته أولاً كانت أقل من عشرة دراهم ثم غلت وصارت عشرة دراهم في آخر عهده فيبحث في أن العبرة لقيمة الأولى أو الآخرة والعمل بالآخرة ليس بنسخ، وشبيه هذا ما في ديات أبي داود ص (279) أن الدية كانت أربعمائة درهم ثم غلت الإبل فصارت الدية ثمانمائة درهم، ثم خطب عمر وقدر الدية عشرة آلاف دراهم، ولقد وجدت إلى ما قلت إشارت كتبنا كما في الهداية ص (516) ، ج (1) : وأقل ما نقل في تقديره ثلاثة دراهم إلخ، وهذا ما سنح لي من جانب الحنفية وهو قوي إن شاء الله تعالى.

باب ما جاء في الرجل يقع على جارية امرأته

باب ما جاء في الرجل يقع على جارية امرأته

[1451] قال أبو حنيفة: لا حد على هذا الرجل وجعله شبهة دافعة للحد، والشبهة عنده على ثلاثة أقسام، وشبهة في العقد، شبهة في المحل، وشبهة الاشتباه.

قوله: (أحلتها له إلخ) أي أحلت له الوقاع بلا هبة أو نكاح أو تمليك، وهذا حرام باتفاق الفقهاء خلاف الروافض الملاعنة، وحديث الباب محمول عندنا على التعزير، ثم في متوننا أن التعزير لا يزاد على الحد والحد أربعون سوطاً، وفي الحاوي القدسي وغيره عن أبي يوسف أن التعزير يجوز إلى خمسةٍ وسبعين، وفي مشكل الآثار: ومعاني الآثار: يعزّر بالغاً ما بلغ ولا تقييد إلى حد، أقول: الأرجح هو هذا فإن فتاوى عمر ووقائعه تؤيده رواها الشاه ولي الله رحمه الله في إزالة الخفاء، منها أن عمر كتب إليه أن فلاناً يسأل دقائق القرآن تعنتاً فقال عمر: أرسلوه إليّ، فأرسل إليه، فضرب عمر في رأسه حتى انفجرت الدم من رأسه وحبسه، ثم جيء به فضربه في اليوم الثاني ثم حبسه، ثم جيء به يوماً ثالثاً فأراد عمر الضرب فقال ذلك الرجل: لم تعذبني يا أمير المؤمنين إن شئت فاقتلني، فقال عمر أَخَرَجَ من رأسك ما كان؟ قال: نعم خرج، فتركه فما اعترض على القرآن، وروي أن عليّاً ضرب شارب الخمر مائة وعشرين سوطاً، فالحاصل أني أقول بما في معاني الآثار ص73 ج (2) : إن قال قائل: أي يجوز التعزيز بمائة قيل له: نعم عزر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في. . إلخ، وأحمل ما في المتون على أنه لسدّ ذرائع أرباب المظلمة من سلاطين الجور.

باب ما جاء في المرأة استكرهت على الزنى

باب ما جاء في المرأة استكرهت على الزنى

[1453] قوله: ولم يذكر أنه جعل لها مهراً إلخ، فإن الحد والمهر لا يجتمعان. قوله: (فأمر به إلخ) أي تصدى إلى الأمر لا أنه أمر، فإنه كيف يقام الحد قبل الاعتراف والبينة؟ فإنه ليس مذهب أحد، واعلم أن لحم البهيمة المزنية ليس بحرام.

باب ما جاء في حد اللوطي

باب ما جاء في حد اللوطي

[1456] قال الحجازيون: إن اللواطة مثل الزنا جلداً ورجماً، وقال العراقيون: لاحد عليه وإن كان أشد من الزنا فإنه ليس بزنا ويعزر الإمام بما بدا له من الإحراق أو هدم الحائط عليه، وكان مأخذه في القرآن من تدمير قوم لوط وحديث الباب لنا فإنه قتل، والقتل ليس بحد، فإن الحد الجلد أو الرجم وحديث الباب قوي عند المحدثين بطريق غير طريق الباب.

قوله: (أهل الكوفة إلخ) ليس هذا مذهب أهل الكوفة، بل المذهب ما ذكرت وثبت الإحراق والهدم وغيرهما عن الصحابة، وإحراق أبي بكر الصديق رجالاً، وسيأتي مسألة الإحراق.

باب ما جاء في المرتد

باب ما جاء في المرتد

ّ

[1458] قلنا من ارتد عياذاً بالله يكشف شبهته ويعرض عليه الإسلام ويحبس ثلاثة أيام فإن رجع فبها وإلا فيقتل، وأما المرأة فتحبس عندنا وتقتل عند الحجازيين، وفي المسألة حديثان عامان معارضان فيقاسم في الأصول، نعم أخرج الحافظ حديثاً قوياً صريحاً خاصاً في قتل المرتدة، وما أجابه أحد من الحنفية وتخصصه ولكنه يقتضي جواباً شافياً عنه. قوله: (حرّق قوماً إلخ) وهؤلاء الذين اعتقدوا سراية الألوهية في علي عياذاً بالله وكان رأسهم عبد الله بن السبأ رأس الروافض، وزعم أكثر الشارحين أنه أحرقهم وهم حيوان، لكن في تمهيد

أبي عمر أنه أحرقهم بعد قتلهم وروى عليه رواية، وأما مسألة الإحراق فمأخذ من قال بعدم الجواز رواية أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «إن وجدتم فلاناً وفلاناً ـ لرجلين من قريش ـ فأحرقوهما بالنار» ثم قال إلخ، وأصل الواقعة أنه لما خلّص أبا العاص وأخذ منه الوعد بأنه يرسل زينب إلى المدينة فأرسل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زيد بن حارثة لقتل جبار بن أسود كان آذى زينب، فأرسل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه في أثره ليحرقوه ثم منع عن الإحراق، وزعم بعض أنه اطلع على الخطأ في حكم الإحراق، أقول: لا داعي إلى هذا بل هذا إمهال في دار الدنيا ومسامحة ليؤخذ في الآخرة أشد الأخذ، ولا يدل على منع الإحراق، وثبت الإحراق عن الصحابة أيضاً، وفي الدر المختار ص (334) : جواز إحراق اللوطي، وروي عن أحمد بن حنبل جواز إحراق الحيوانات المؤذية من القمل والزنابير وغيرها وبه أخذ عنه عدم البدّ منه.

باب الغال ما يصنع به؟

باب الغالّ ما يصنع به؟

[1461] أي يُقطع يد سارق مال الغنيمة أم لا؟ قوله: (فأحرق متاعه إلخ) يدل حديث الباب على إحراق المال تعزيراً، وفي عامة كتبنا نفي التعزير بالمال وأنه منسوخ، ووجدت في الحاوي القدسي جواز التعزير بالمال عن أبي يوسف.

باب ما جاء في التعزير

باب ما جاء في التعزير

[1463] حديث الباب حديث الصحيحين وغربه المصنف لأن طريقه غريب، وقالوا: إن حديث الباب صحيح وليس عليه عمل أحد من الفقهاء فإن التعزير عند الكل زائد على عشرة جلدات، وفتاوى الصحابة تخالف المرفوع، والمرفوع أيضاً صحيح، وقال ابن دقيق العيد: بلغنا من بعض حفاظ العصر أنه يقول: إن المراد بالحدود ليست حدود الفقه بل حدود القرآن، أي مناهي الشرع فمراد الحديث أن لا يعزر على أشياء حقيرة صغيرة أزيد من عشر جلدات، أقول: إن المراد بهذا البعض هو ابن تيمية أقول: يمكن أن يكون مراد وحديث الباب سد مظالم الجائرين أي المنع عن التعزير على أمور محقرة، والله أعلم.

كتاب الصيد

كتاب الصيد

باب ما جاء ما يؤكل من صيد الكلب وما لا يؤكل

باب ما جاء ما يؤكل من صيد الكلب وما لا يؤكل

[1464] تفصيل الكلب المعلم والبازي المعلم مذكور في الفقه، والمختار عندنا أين يجرح الكلب ولا يخنق، فإذا خنق فقد حرم الصيد وأما صيد البندق فحرام عند الثلاثة بلا تزكية فإن فيه الدفع لا الحد، وفيه خلاف مالك بن أنس.

باب ما جاء الرجل يرمي الصيد فيغيب عنه

باب ما جاء الرجل يرمي الصيد فيغيب عنه

[1468] في المسألة قيود سبعة عندنا ما استقصاها إلا الزيلعي شارح الكنز؛ منها: أنه لا يجلس عن طلبه. قوله: (إن سهمك قتله إلخ) في هذا عندنا تفصيل فإذا رماه فوقع على الأرض فذهب ثم وقع فمات لا يحل، وإذا رماه فوقع على الأرض ولم يذهب ومات فحلال.

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة

باب ما جاء في ذكاة الجنين

باب ما جاء في ذكاة الجنين

[1476] قال الثلاثة وأبو يوسف ومحمد: إن الجنين حلال بلا ذكاته فإنه تبع أمه، وقال أبو حنيفة: إن خرج حيّاً فيجب تذكيته وإن خرج ميتاً فحرام، والمشهور ذكاة الجنين ذكاة أمه بالرفع، وقيل من الحنفية: إنه بالنصب فيظهر صحته على مذهب أبي حنيفة، وقيل على تقدير الرفع: إنه تشبيه بليغ مثل ما قال: ~ وعياش صپناها وجيدش جيدها ... ولكن عظم الساق منش دقيق ولقد تكلموا علماء الطرفين في حديث الباب، وقال أبو الفتح بن الجني الحنفي: إن المراد إن كان الاتحاد الذكاة لكان حق العبارة: ذكاة الأم ذكاة الجنين، وفي موطأ مالك ص (182) أثر ابن عمر محتمل لتأيد الطرفين وفيه: ذكاة ما في بطنها ذكاة أمها إذا تم خلقه ونبت شعره، وإذا خرج من بطن أمه ذبح إلخ، فهذا يصلح أن يكون لهم أو لنا، وإن قيل: إن كان مراد الحديث ما قال أبو حنيفة فأي فائدة في ذكره؟ قلت: هذا القول لغو، فإنه إذا لم يبين الشارع الأحكام فمن يبين؟ وأيضاً بعض الطبائع يتنفرون عنه فتصدى الشارع إلى بيان حلّته.

باب ما جاء ما قطع من الحي فهو ميت

باب ما جاء ما قطع من الحيّ فهو ميت

[1480] ذكر في الهداية تفصيلاً دقيقاً في المسألة، وقال: إن مقتضى الحديث أن المبان فرع والمبان عنه أصل، فإذا صلح الأصل قابلاً للأصلية فالمبان حرام، وإذا كان القطع نصفين فهما حلالان وفي المسألة تفصيل الفروع، وأشار صاحب الهداية إلى حديث آخر: «وما أُبِين من الحي فهو ميت» إلخ.

باب ما جاء في الذكاة في الحلق واللبة

باب ما جاء في الذكاة في الحلق واللبّة

[1481] الحلق الحلقوم، واللبة (هنسلي يعني نبرگرون) . قوله: (لو طَعنتَ في فخذها إلخ) هذه ذكاة اضطرارية، وأما الاختيارية فتجب أن تكون في الحلقوم واللبة وإذا تأنس الوحش فذكاته اختيارية وإذا توحش الإنسي فذكاته اضطرارية، مثل: إن سقط الحيوان في البير وقرب الموت أو تعلقت الدجاجة على شجرة وكادت الموت.

كتاب الأحكام والفوائد

كتاب الأحكام والفوائد

باب ما جاء في قتل الحيات

باب ما جاء في قتل الحيات

[1483] ورد في الأحاديث تحريج العوامر، وقال بعض: إن التحريج منسوخ أقول: قد يضر العوامر كما تدل قصة أخ فخر الإسلام ذكرها في شرح الجامع الصغير، وقصة الشاه أهل الله الدهلوي رحمه الله فتحرج، وفي أبي داود: وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنا بريّ ممن يخاف من الثار» إلخ وزعمه بعض ناسخاً. قوله: (ذا الطفيتين إلخ) قيل: ذا نقطتين على الرأس، وقيل: ذا خطين من الرأس إلى الذنب وبلغني من بعض وهو عندي ثقة أني رأيت حية ذات قرنين.

باب من أمسك كلبا ما ينقص من أجره

باب من أمسك كلبا ما ينقص من أجره

[1487] قوله: (ليس بضار إلخ) من الضري ناقصاً، والكلب المجاز اقتناؤه مستثنىً عن حديث الباب، والاختلاف في دخول ملائكة الرحمة. قوله: (إن أبا هريرة له زرع إلخ) هذه ظرافة وبيان حال لا الطعن على أبي هريرة.

باب ما جاء في الذكاة بالقصب وغيره

باب ما جاء في الذكاة بالقصب وغيره

[1491] يجب الذبح بما هو أحدّ، ويستحب السهل في الذبح كيلاً يتألم الحيوان. قوله: (لم يكن سنّ إلخ) قال أبو حنيفة: يجوز الذبح بالسن المقلوع خلاف الشافعي وحديث الباب له، ويمكن لأبي حنيفة تخصيص الحديث بالوجه الفقهي، وأقول أيضاً: إن قوله: السن عظم إلخ إن كان المراد أن المناط كونه عظماً فقط فلا نسلمه مناطاً، وإن كان المراد أن النهي لكونه غير صالح للذبح، فأقول: إن أبا حنيفة أيضاً يفصل في المسألة بأنه إن صلح للذبح بحيث يكون ذا حدّ ومقلوعاً فالذبح به جائز وإلا فلا، فلا يرد عليه الحديث المرفوع هذا. والله أعلم وعلمه أتم.

كتاب الأضاحي

كتاب الأضاحي

باب ما جاء في الأضحية بكبشين

باب ما جاء في الأضحية بكبشين

[1494] أضحية الكبش عندنا أولى. قوله: (أملحين إلخ) الأملح مختلط السواد والبياض وهذا المعنى في هذا الموضع، وتختلف معانيه بحسب اختلاف المواضع مثل لفظ الأشهل.

قوله: (أحدهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ) الأضحية عن الميت إثابة جائزة ولا تنوب إلا بالوصية، وإذا أوصى فيلزم وإلا حكمها حكم أضحية الحي، قال ابن وهبان في منظومته: ~ وعن ميت بالأمر الزم تصدقاً ... وإلا فكُلْ منها وهذا المحرّر.

باب ما لا يجوز من الأضاحي

باب ما لا يجوز من الأضاحي

[1497] قوله: (التي لا تنقى إلخ) النقية المخ، إذا ذهب بعض العضو فالعبرة عندنا للثلث أو الربع أو النصف والمختار لعله النصف ويطلب التفصيل في الفقه.

باب ما يكره من الأضاحي

باب ما يكره من الأضاحي

[1498] قوله: (بمقابلة ولا مدابرة إلخ) قيل: المقابلة التي قطع الطرف العالي من أذنها، والمدابرة التي قطع الطرف السافل وتغير آخر أيضاً.

باب ما جاء في الجذع من الضأن في الأضاحي

باب ما جاء في الجذع من الضأن في الأضاحي

[1499] تصح عندنا الثني وهوابن حول من المعز، وابن حولين من البقر، وابن خمس من البعير، وابن فوق ستة أشهر من الضأن بشرط أن يشبه ابن سنة وأما قيد الألية في الضأن ابن ستة فقيد اتفاقي ذكره بعض المصنفين، وما إرادة ابن فوق ستة أشهر الجذع فخلاف اللغة، ونقول: يؤيدنا توارث السلف. قوله: (فبقي عتوداً وجَدي إلخ) العتود ابن أربعة أشهر، والجدي ابن ستة، ودلت الروايات أن هذا من خصوصية الرجل.

باب ما جاء أن الشاة الواحد تجزئ عن أهل البيت

باب ما جاء أن الشاة الواحد تجزئ عن أهل البيت

[1505] قال مالك: تنوب أضحية واحدة عن أهل بيت واحد وإن كان أهل بيت خمسين نفساً، وفي مذهب الشافعي تفصيل، وقلنا: لا تجزئ شاة إلا عن واحد، وتمسك مالك بحديث الباب، ونقول: إن المراد الاشتراك في اللحم لا الاشتراك في أداء الأضحية، وهذا شائع في عرفنا أيضاً، وتجوز في بقرة سبع أنفس ويجب نصوح النية للقربة لا اتحاد النية، فيجوز أن ينوي رجل الأضحية وآخر العقيقة.

باب ما جاء في الذبح بعد الصلاة

باب ما جاء في الذبح بعد الصلاة

[1508] يضحي من عليه الجمعة بعد الصلاة، ومن لا جمعة عليه بعد صبح يوم العيد. قوله: (هذا يوم اللحم فيه مكروه إلخ) قيل: إن المعنى أن سؤال اللحم مكروه، وقال النووي: إن اللحَم بفتح الوسط بمعنى الحرص، أي حرص اللحم مكروه.

باب ما جاء في العقيقة

باب ما جاء في العقيقة

[1513] نسب إلى أبي حنيفة أنه لا يقول بالعقيقة والموهم إليه عبارة محمد في موطئه، والحق أن مذهبنا استحبابها لسابع بعد يوم الولادة أو للرابع عشر أو الحادي وعشرين، ويسميه في ذلك اليوم، وراجع الناسخ والمنسوخ للخامس فقد ذكر عبارة عن محمد رحمه الله. قوله: (مكافئتان إلخ) المراد إما التساوي في السن، وإما بلوغهما إلى سن الأضحية، وعملنا بما في الحديث من الغلام والجارية، وصدقة الفضة قدر أشعار رأس الولد.

باب الأذان في أذن المولود

باب الأذان في أذن المولود

[1514] يستحب الأذان في الأيمن والإقامة في الأيسر، وفي عمل اليوم والليلة لابن السني: أن الأذان يدفع مرض أم الصبيان عن الولد، وقال الشاه عبد العزيز: إن الآذان أذان الصلاة، والصلاة صلاة الجنازة بعد الموت.

باب من العقيقة

باب من العقيقة

[1522] قوله: (الغلام المرتهن بعقيقته إلخ) في شرح هذه الجملة أقوال، والأرجح ما قال أحمد: بأن الولد إذا مات ولم يعق عنه فلا يشفع في الوالدين، ولفظ المرتهن على صيغة المجهول، ولا يزعم أنه لازم سيما إذا كان بعده باء كما قال امرء القيس: ~ عميد القلب مرتهناً ... بذكر اللهو والطرب قوله: (يجزئ في العقيقة إلخ) أي الأجزاء المستحب، ولم يقل أحد بوجوبها.

باب ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحى

باب ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحى

[1523] للعلماء في الحديث كلام وحسنه الترمذي، ومسألة حديث الباب مستحبة والغرض التشاكل بالحجاج، وأما حديث عائشة فلا يعارض ما ذكرت لأنه بعث الهدي في غير ذي الحجة وما ذكر ما في ذي الحجة.

كتاب النذور والأيمان

كتاب النذور والأيمان

العلماء يجمعون بين النذر واليمين في بعض الأحيان وهو مفهوم من الحديث.

باب ما جاء لا نذر في معصية

باب ما جاء لا نذر في معصية

[1524] النذر عندنا مشروط بشروط خمسة، منها: أن يكون القربة مقصودة، ومنها أنه عمل اللسان لا القلب فقط، وصيغته صيغة الشرط والجزاء، أو لله عليّ، ويفهم من مبسوط السرخسي: أن لفظ علَيَّ فقط أيضاً يكفي للنذر، ومنها أن يكون شيء من جنسه واجباً، أقول: إن أصل مذهبنا أنه لو نذر بمعصية فلا وفاء ولا كفارة، ونقل الشيخ في الفتح عن الطحاوي إذا قال: لِلّه عليّ أن أقتل فلاناً ففيه كفارة ولا يوفي، وإني متردد في أنه مذهب الطحاوي فقط، أو مذهب أئمتنا الثلاثة أيضاً ولعله ليس إلا مذهبه. وما في موطأ محمد ص (327) قال محمد: وبه نأخذ، (من نذر نذراً في معصية ولم يسم فليطع الله وليكفر عن يمينه) ، وبه قال أبو حنيفة إلخ، ينظر فيه وكذا ما في الطحاوي والفتح والموطأ، وفي كتبنا: من نذر أن يذبح ابنه فعليه شاة فهذا تحرير المذهب، وأما الحديث فحمله الأحناف على الظاهر على ما حررت في المذاهب، وحمله الشافعي ومالك على نذر اللجاج، وهو ما يكون على شاكلة الشرط والجزاء بأن قال: إن كلمت فلاناً فعلي كذا ففي هذا يجب الحنث عندهم ويكفر، وأما النذر الذي يكون على شاكلة التنجيز بأن قال: لا أكلم أبي فلا كفارة ولا وفاء. وأما حديث الباب فرجاله ثقات إلا أنه قال الترمذي: إن بين الزهري وأبي سلمة راويين يحيى بن أبي كثير وسليمان بن أرقم فأسقط الحديث أكثر المحدثين، وقال النسائي: إن مدار الحديث على سليمان بن أرقم وهو متروك وهو في أكثر الطرق، وفي طريق عمران بن حصين قال الزهري: أخبرنا أبو سلمة فلا يكون راوٍ ساقطاً ولا أدري أن هذا الطريق صحيح أو معلول وقال النووي: إن

الحديث ضعيف اتفاقاً، وقال الحافظ في التلخيص: صححه الطحاوي وابن السكن فلا يصح قول النووي، أقول: لا أعلم مأخذ نقل الحافظ تصحيح الحديث عن الطحاوي فإنه ضعفه في المشكل، نعم أخذ المسألة المذكورة في الحديث وأتى الطحاوي في المشكل على مسألته بحديث عائشة برجال ثقات ووافقه في تصحيح السند عبد الحق الإشبيلي في كتاب الأحكام وابن قطان في كتاب الوهم والإيهام وقال ابن قطان: إن قطعة (وكفارته كفارة اليمين) ، مدرجة أو مرفوعة فلا أدريها وجاء الطحاوي بما أخرجه أحمد في مسنده عن سمرة بن جندب، وعمران بن حصين أن عبد رجل فرّ ونذر الرجل إن وجدت أقطع يده، فسأل عمران وكان عنده سمرة فأمر أن يكفر ولا يقطع اليد فعلم أن في الحديث قوة شيء، ومثله عمل بعض الصحابة وبه قال أحمد بن حنبل، وكلام ابن تيمية يفيد أن أحمد أسقط الحديث، والله أعلم أسقطه أحمد أم لا؟ وأخرج الطحاوي ص (24) ج (2) عن عقبة بن عامر بسند صحيح: نذرت امرأة أن تمشي إلى كعبة حافية كاشفة رأسها فقال: «تستر رأسها وتركب وتكفر» وزعم الطحاوي أن الكفارة كفارة يمين، أقول: إن الكفارة بدل الجزاء، وفي حديث صحيح: نذر رجل أن يصوم ويجلس في حر الشمس، وقال: «إنه يصوم ولا يجلس في الحر» وليس فيه ذكر الكفارة، وقال ابن تيمية من نذر نذراً حسناً فهو مخير بين الكفارة والوفاء، ثم أقول: إن المذكور يدل على خلاف ما قال ابن تيمية في مسألة أن النهي يدل على بطلان حكم المنهي عنه، وكذلك يخالفه ما روي عن ابن عباس أخرجه محمد في موطئه ص (327) قال ابن عباس: أرأيت أن الله تعالى قال: إلخ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِم} [المجادلة: 3] ثم جعل فيهم الكفارة إلخ، وأقول يرد عليه أن الشارع ربما يغضب على أمر ولا يبطن بمحض غضبه حكم ذلك الأمر وله نظائر منها وصال الصوم، ومنها أن رجلاً أعتق ستّة عبيده ثم مات فصلى عليه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال بعد الصلاة: «لو دريت أنه أعتقهم لما صليت عليه» وكذلك أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع بفسخ الإحرام، وتأخروا في الفسخ ولم يبطل إحرامهم بمحض غضبه بل بفسخهم، وكذلك أمر في الحديبية بالحلق فما حلقوا وغضب فلم يبطل إحرامهم بمحض الغضب بل بالحلق، وأمثال أخر أيضاً، هذا فاعلم وادر.

باب ما جاء لا نذر فيما لا يملك ابن آدم

باب ما جاء لا نذر فيما لا يملك ابن آدم

[1527] الخلاف في النذر مثل الخلاف في الطلاق قبل النكاح.

باب ما جاء في الكفارة قبل الحنث

باب ما جاء في الكفارة قبل الحنث

[1530] التكفير قبل الحنث جائز عند الشافعية لا عندنا، وجواب حديث الباب أن في حديث الترمذي عكس ما في الصحيحين فإن فيهما: الحنث ثم الكفارة.

باب ما جاء في الاستثناء في اليمين

باب ما جاء في الاستثناء في اليمين

[1531] تفصيل الاتصال والانفصال في الاستثناء مذكور في الأصول والفقه، وفي التخريج عن ابن عباس جواز الاستثناء منفصلاً أيضاً، وفي المسألة حكاية محمد بن إسحاق وأبي حنيفة في حضرة الخليفة.

باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله

باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله

[1533] قوله: (ذاكراً أو أثراً إلخ) قيل: معناه عامداً وناقلاً، وقيل: عامداً وناسياً، واعلم أن بعض الروايات والوقائع تخالف حكم حديث الباب، منها ما في الصحيحين في قصة أعرابي قال: أفلح وأبيه إن صدق إلخ ففيه حلفه بغير الله، فقيل فيه أصله: أفلح والله إن صدق فصحف للتشابه الخطي وصار أفلح وأبيه، وهذا أمر مستبعد، وقيل: بتقدير المضاف أي: أفلح ورب أبيه وهذا أيضاً غير مقبول، وقيل: إن الحديث في ما كان فيه تعظيم المقسم به، وأما ما في الصحيحين ففيه صورة القسم لا حقيقة القسم بل فيه تأكيد وهذا أصوب، ومنها ما في حديث الإفك لعمري إلخ، وهكذا في خطبة الدر المختار، وكذلك في خطبة المطول، فقال حسن لپي محشيه: إن هذا قسم صورة وتأكيد حقيقة وليس بقسم حقيقة، وكلامه هذا صواب، ومنها ما في أوائل البخاري في قصة أضياف أبي بكر الصديق: وقرة عيني إلخ، فالجواب في الكل واحد أي صورة القسم والتأكيد لا حقيقة قسم، وكذلك كل ما في القرآن ليس بقسم حقيقة بل تأكيد وشهادة على المضمون الآتي، ومثل هذا قال ابن قيم في كتابه أقسام القرآن، وأما ما في حديث الباب: «فقد كفر» فسيأتي تفصيله في ابتداء البخاري. قوله: (واللات والعزى إلخ) أي تبادر به لسانه، قد أخطأ النووي في نقل مذهب أبي حنيفة خطأ

مفسداً، فإنه نقل من قال: واللات والعزى انعقد الحلف عند الحنفية، والحال أن المذكور في كتبنا أن من قال وحلف بهذا فقد كفر، ومنشأ غلط النووي ما في كتبنا أن قول: إن فعلت كذا فيهودي حلف، والحال أن هذا من وادٍ آخر فإن فيه ليس تعظيم اليهودية بل يزعمها قبيحاً وسبب الاحتراس، ثم إن فعل الفعل في هذه الصورة فإن زعم أنه يكفر بالفعل فكافر وإن لم يزعم فلا كفر، وإني أتعجب على العيني أنه نقل عبارة النووي وما ردّها، ولعل في عبارة العمدة سقماً وسقطاً.

باب ما جاء فيمن يحلف بالمشي ولا يستطيع

باب ما جاء فيمن يحلف بالمشي ولا يستطيع

[1535] من نذر المشي إلى بيت الله فهذا قربة ونذر فإن ركب فعليه الهدي، وأما الأحاديث ففي بعضها ذكر الهدي، وفي بعضها ذكر صيام ثلاثة أيام، وفي بعضها ذكرهما، وقال الطحاوي: لعلها، نذرت وحلفت، أقول: إن الواجب الهدي وأما صيام ثلاثة أيام فبدل الهدي لا كفارة اليمين، ويؤيد الطحاوي ما في أبي داود عن ابن عباس ذكر اليمين أيضاً، وعندي أنه من اجتهاد ابن عباس لأنه لم يسأل عن اليمين أصلاً فإنه ليس ذكره في الروايات.

باب في كراهية النذور

باب في كراهية النذور

[1536] النذر المعلق غير مرضي وإن كان النذر قربة ولو نذر لزم، وأما النذر المنجز فحسن ومرضي.

باب ما جاء في وفاء النذر

باب ما جاء في وفاء النذر

[1538] قال الحنفية: من حلف في حالة الكفر ثم أسلم لا يجب وفاء ذلك النذر، وقال الشافعية بوجوب الوفاء، وتمسكوا بحديث الباب، ونقول: الكلام في الوجوب، ولا ننفي الاستحباب ولا نص على وجوبه. قوله: (لا اعتكاف إلا إلخ) قال الشافعية: لا يجب الصوم في الاعتكاف، وتمسكوا بحديث الباب بأن فيه اعتكاف الليالي ولا صوم في الليالي، أقول: لا يجب الصوم على مختار صاحب البحر في اعتكاف النفل ويقال من جانب الشيخ ابن همام: إن في رواية البخاري لفظ اليوم أيضاً في حديث الباب.

باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الإسلام

باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الإسلام

[1542] المتبادر من حديث الباب الحلف باليهودية والنصرانية، لا بأنه إن فعل كذا فهو يهودي كما قال المصنف.

قوله: (كاذباً إلخ) أي لا بالعقيدة، ومذهبنا أن من حلف إن فعل كذا فهو يهودي؛ فإن زعم أنه يتهود بالفعل فهو كافر وإلا فلا، وهذا إذا أتى بذلك الفعل. قوله: (فهو كما قال إلخ) يحول حكم إكفاره إلى الفقهاء

قوله: (تعال أقأمرك فليتصدق إلخ) زعم الأكثر أن مراده أن القائل بهذا القول آثم فليتصدق، وقال الطحاوي في مشكل الآثار: إن المراد أنه لم لا يتصدق بمال القمار، فعلى هذا التصدق بدل القمار لا كفارة الإثم والمعصية.

كتاب السير

كتاب السّير

يذكر في أبواب السير ما نقل عنه في الجهاد والغزوات، وله فن مستقل صنفت فيه الكتب.

باب ما جاء في الدعوة قبل القتال

باب ما جاء في الدعوة قبل القتال

[1548] قال الطحاوي: إن كانت أمارات أن الدعوة قد بلغتهم فإبلاغها قبل القتال مستحب، وإلا فواجب، والتفصيل يطلب من كتب فقه. قوله: (فلكم مثل الذي علينا إلخ) هذا الحديث يصلح للدليل في أن يقتص من المسلم للذمي قوله: (سلمان الفارسي إلخ) من أبناء ملوك الفارس، اتفقوا على أن عمر سلمان لم يكن أقل من

مائتين وخمسين، وقيل: عمره أزيد من ذلك، وقد أدرك وصي عيسى كما في صحيح البخاري.

باب ما جاء في الغنيمة

باب ما جاء في الغنيمة

[1553] الغنيمة ما حصل بإيجاف الخيل، والفيء غيره كما قال السرخسي في المبسوط، واتفقوا على أن في الغنيمة خمساً ولا خمس في الفيء إلا عند الشافعي، واختلف في فتح مكة وخيبر أنه فتح صلحاً أو عنوةً وحله وتأويله مني متعذر، كما أن تأويل قول السرخسي: إن حصل بإيجاف الخيل والركاب فغنيمة وإلا ففيء إلخ لم أدركه، وقد قال العلماء: إن فتح بني نضير عنوة، وفي الروايات أنهم حاصروهم أياماً، وفي القرآن إطلاق الفيء عليه.

قوله: (بست إلخ) في بعض الرويات أشياء أخر ذكرها الحافظ في فتح الباري في التيمم. قوله: (جوامع الكلم إلخ) قد صنفت فيه الكتب، ونظائره، البينة على المدعي واليمين على من أنكر» ومثله. قوله: (طهوراً إلخ) هذا إن كان صيغة مبالغة الطاهر فلا يصلح بمعنى المطهر نعم إذا كان بمعنى الآلة فيصلح له.

باب في سهم الخيل

باب في سهم الخيل

[1554] قال أبو حنيفة: للفارس سهمان، وللراجل سهم، وقال الثلاثة وأبو يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله: للفارس ثلاثة أسهم سهمان للفرس وللراجل سهم، وحديث الباب لهم، وقال في الهداية: إن الفرس، بمعنى الفارس، وأقول: إن روايات ابن عمر بطريق أخرجها الزيلعي، وفي بعض طرق الفرس، وفي بعضها الفارس، ولا يجري تأويله إلا في الثاني ورجال الطرق ثقات له، أقول: يحمل الحديث على الظاهر، ويقال: إنه يتنفل لأسهم والتنفيل ثابت عند الكل ثم عند أبي حنيفة التنفيل من رأس الغنيمة قبل النقل إلى دار الإسلام، ومن الخمس بعد النقل ومن خمس الخمس عند الشافعي، وأما عند أحمد رحمه الله فمن الأخماس الأربعة، ولا ينفل من خُمِس الله، وقال أبو حنيفة: إني لا أفضل البهيمة على الإنسان، وقال بعض الخصوم: إنه قياس في مقابلة النص، وقيل: إن القياس أيضاً ليس بقياس، وقال الحافظ في الفتح: لا شبهة في أن القياس أجلى لكنه خلاف النص،

أقول: إن أعلى النصوص لنا ما أخرجه أبو داود ص (325) ، ج (2) فقسمها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ثمانية عشر سهماً وكان الجيش ألفاً وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس، فالحساب لا يستقيم إلا على إعطاء الراجل سهماً وإعطاء الفارس سهمين، ولكن الروايات مختلفة في جيش خيبر، ويمكن التوفيق بأن بعض الرواة عد جميع من كان، وعد بعضهم المعتدِّين بلا تعداد خدمهم.

باب ما جاء في «قتل قتيلا فله سلبه»

باب ما جاء في «قتل قتيلا فله سلبه»

[1562] السلب ما على الرجل من الثياب والسلاح لا الفرس، وحديث الباب عند أبي حنيفة رحمه الله ومالك رحمه الله في النفل، وعند أحمد رحمه الله والشافعي رحمه الله تشريع كلي، فالخلاف في الغرض وقوله: «من قتل قتيلاً فله سلبه» في غزوة حنين.

باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء

باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء

[1567] قوله: (عن عبيدة عن علي إلخ) عبيدة بفتح الأول على فعيلة.

قوله: (خيّرهم يعني أصحابك إلخ) هاهنا إشكال وهو أن أسارى بدر قد شور في حقهم فقال عمر: يقتلون ويقتل كل قريب قريبه، وقال أبو بكر الصديق: بالفداء واختاره النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم نزل العتاب كما في الروايات، قال: «كان العقاب على رأس هذه الشجرة» ، لو لم يكن عمر: فإذا كان الله تعالى قد خيّر فكيف العتاب؟ والجواب باللهم إن العتاب لعله على اختيار الشق المرجوع. قوله: (فدى رجلين مسلمين إلخ) الأسارى عندنا تقتل أو تسترق، وفي المفاداة بالنفس أو المال تردد، وعندي أنهما جائزان كما روي عن محمد بن حسن، وفي الدر المختار ص (219) وحرم منهم، أقول: إن أكثر أرباب التصنيف إلى نسخ المنّ بالآية: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191] وفي السير الكبير لمحمد بن حسن: أن المنَّ جائز بشرط أن يرى الإمام مصلحة، والتمسك بحديث ثمامة وحديث آخر. قوله: (مرسلاً إلخ) إذا كان مرسلاً فذكر عليّ ليس في موضعه كما وجد في النسخ.

قوله: (يقتل من شاء ويفدي من شاء إلخ) أقول: الأصوب يفادي من شاء من المفاعلة.

باب ما جاء في قبول هدايا المشركين

باب ما جاء في قبول هدايا المشركين

[1576] قوله: (إن كسرى أهدى له إلخ) أقول: لم أجد متى أهدى إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبل هديته، فإنه خرق كتابه حين كتب إليه، وأرسل أحشاءه إلى المدينة ليأتوا بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعندي أنه وهم الراوي قطعاً، وهاهنا مصداق قول الشافعي: أخذ فلان طريق المجرة إلخ، أي (كاهكشان) كان يقولها الشافعي فيمن يغلط.

باب ما جاء في سجدة الشكر

باب ما جاء في سجدة الشكر

[1578] روى مشائخنا عن أبي حنيفة أن سجدة الشكر ليست بشيء، ومثله روي عن مالك ثم في شرح قول أبي حنيفة قيل: إنه مكروه، وقيل: ليس بشكر كامل، والكمال في الركعتين، واختاره ابن عابدين والحموي محشي الأشباه وهو المختار لصحة الأحاديث، وقال في الدر المختار: سجدة الشكر مستحبة وبه يفتى.

باب ما جاء في أمان المرأة والعبد

باب ما جاء في أمان المرأة والعبد

[1579] لكل مسلم حق في أمان الكافر ويصير الكافر مأموناً، نعم لو رأى الإمام عدم المصلحة فله نبذه ويعذر من آمن، ولا يجوز تعرضه قبل النبذ بسوء.

قوله: (ذمة المسلمين. . إلخ) أفتى بعض أرباب الفتوى أن أناس العصر لو خالفوا نصارى العصر فغدر ونقض العهد وتمسكوا بحديث الباب، أقول: إنه قياس علماء العصر فإن الحديث في صورة المحاربة وإني لا أتكلم إلا في أن المسألة ليست في كتب الفقهاء نفياً ولا إثباتاً، وإن كان الحكم ما قالوا، وظني أن معاهدة أناس العصر تنحصر عليهم ولا تسري إلى الغير.

باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوسي

باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوسي

[1586] قال الشافعي: إن الجزية على الكتابي ومثله المجوسي فإنه كان ذا كتاب قد فقد، وقال أبو حنيفة: إن في مشركي العرب والمرتدين سيفاً أو إسلاماً والجزية على العجم، وتمسك الطحاوي في مشكل الآثار بحديث: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي طالب: «لو قلتم كلمة يطيعكم بها العرب وتؤدي الجزية العجم» إلخ، وقلنا: إن قيد الكتابي والمجوسي قيد اتفاقي، وإن قيل: إن تردد عمر يفيد الشافعية قلت إن تردد عمر بسبب أنه زعم المجوسي من أهل الكتاب وفقد ولكنه لما رأى أن المجوسي يناكحون بمحارمهم زعم أنهم تركوا كتابهم فأراد أن يردهم إلى كتابهم فوجه التردد هذا لا في أخذ الجزية وأراد أن لا يبقي بالجزية من ينكح محارمه لا يعاهد معهم، والله أعلم.

باب ما يحل من أموال أهل الذمة

باب ما يحل من أموال أهل الذمة

[1589] قال العلماء: إن محمل حديث الباب أنه عاهد بالذميين أن يطعموا إذا أتاهم المسلمون، وهذا مفهوم من كتبه التي أخرجها الزيلعي في آخر التخريج.

باب ما جاء في الهجرة

باب ما جاء في الهجرة

[1590] الهجرة إلى دار الإسلام من دار الحرب مختلفة في المتأخرين، وليست المسألة في كتب الأحناف نعم تعرض هاهنا الشافعية، وقال الشاه عبد العزيز في بعض رسائله باستحباب الهجرة وهو المختار، وقال بعض العلماء بالوجوب، وتدل الأحاديث والآيات على الاستحباب؛ منها ما أخرجه

الترمذي ص (195) عن بريدة لما فيه أنهم «يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم» إلخ، وقالوا: كانت واجبة على أهل مكة، وقد تجب في بعض الأحوال.

باب ما جاء في بيعة النساء

باب ما جاء في بيعة النساء

[1597] تجوز بيعة النسوان بأخذ الرداء وهو ثابت، ولا تجوز المصافحة أصلاً ولم تثبت.

باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب

باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب

[1606] الكافر لا يقيم في جزيرة العرب، نعم يجوز المرور، واختلف في أن الحكم لجميع جزيرة العرب أو لبعضها، وأشار إلى الأول الطحاوي في مشكل الآثار واختصر محمد في موطئه ص (372) .

باب ما جاء في تركة النبي - صلى الله عليه وسلم -

باب ما جاء في تركة النبي - صلّى الله عليه وسلّم -

[1608] كان حائط فدك بين مدينة وخيبر. قوله: (لا نورث إلخ معروف أو مجهول إلخ) قال الروافض الملاعنة: إن الشيخان ظلما عياذاً بالله، والحال أن عليّاً وعثمان أيضاً تمشيا على ما فعله الشيخان.

حكي أن رافضياً ذهب عند السفاح الخليفة العباسي، وقال: إني مظلوم فأجرني، قال الخليفة: من ظلمك؟ قال: أبو بكر وعمر في تركة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسأل الخليفة عند من الفدك؟ قال: عند عثمان قال: ثم عند مَنْ، قال: عند علي، وهكذا، قال الخليفة: فأي خصوصية أبي بكر وعمر، فسكت الرافضي الملعون، فأمر الخليفة بقطع رأسه فقطع، وقد تكلم شراح البخاري في حديث الباب، وقال السيد السمهودي: إن نزاع فاطمة لم يكن في تحصيل التركة وتملكها بل في تولي الوقف، وفي كتب الفقه أن الأولى بتولي الوقف أولاد الواقف، وقول السمهودي ألطف.

باب ما جاء في الطيرة

باب ما جاء في الطّيرة

باب ما جاء في الطِّيَرَة (بدغالي)

[1614] نهي الشريعة عن الطيِّرَةَ لا الفأل، وليسا بمؤثرين في الأمور، بل التفاؤل يورث ظن الخير في الله، وفي الحديث: «أنا عند ظن عبدي بي» إلخ، وثبت تفاؤله بالأسامي، وروي عن عائشة رواه الحافظ في التلخيص بسند أئمة النحاة وهم ثقات وهو بمسلسل بالنحاة قالت: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ هذا الشعر أحياناً: ~ تفاءل بما تهوى يكن فلقلما ... يقال الشيء كان إلا تحققا وقال الحافظ في بعض تصانيفه: إن قطعة حديث الباب «وما منا» إلخ مدرجة من الراوي، واعلم أنه نسب انشاد الشعرين إلى أبي حنيفة ونسب إليه قصيدة أيضاً، ولكن عبارة هذه القصيدة ركيكة ولم تذكر هذه النسبة بالسند فلا أصل لها، وكان الشافعي في أعلى ذروة الشعر، ولم أجد عن مالك إنشاد شعر ونسب إلى البخاري أيضاً إنشاد بعض الأشعار.

كتاب فضائل الجهاد

كتاب فضائل الجهاد

باب ما جاء في فضل الصوم في سبيل الله

باب ما جاء في فضل الصوم في سبيل الله

[1622] لعله أراد بالصوم «في سبيل الله» الصوم في الجهاد، وكلام البخاري أيضاً يشير إلى ما أراد الترمذي، والوجه أن لفظ «في سبيل الله» ، في عرف الشريعة يستعمل في الجهاد، واختلف أئمتنا في تفسير سبيل الله ولو لم يخرج الحديث تحت هذه الأبواب يزعم أن المراد به الصوم بنية ناصحة خالصة.

باب ما جاء في فضل من ارتبط فرسا في سبيل الله

باب ما جاء في فضل من ارتبط فرسا في سبيل الله

[1636] في بعض طرق حديث الباب أنه له أجر وإن لم ينو التفصيل، وفي مسلم زيادة: «ولم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها» إلخ في حديث الباب، وهي تفيدنا في زكاة الخيل، وقد أتى بها الزيلعي.

باب ما جاء في ثواب الشهيد

باب ما جاء في ثواب الشهيد

[1640] قوله: (في طير خضر إلخ) قيل: إن حديث الباب يدل على التناسخ، وأجابوا بأن التناسخ، هو تدبير الروح الخارج من جسم في جسم، وأما ما نحن فيه من الحديث فالمراد به أن أرواح المؤمنين في طير خضر كالظروف فيها مثل الماء في الآنية، أقول: لا يحتاج إلى هذه التوجيهات بل يستقر الأحاديث، وفي موطأ مالك ص (84) عن كعب بن مالك: «إنما نسمة المؤمنين طير يعلق في شجر

الجنة حتى يرجعه الله في جسده يوم القيامة» إلخ فدل على أن الأرواح مثل طير خضر في العيش وسرعة السير والطيران لا أنها في طير خضر، فيكون الحاصل تشبيه الأرواح بالطيور، ووجه الشبهة ما ذكرت. واعلم أن أرواح بعض المؤمنين غير الشهداء أيضاً طير خضر في الجنة، وفي حديث ضعيف السند أن الطير الخضر زرزور (مينا) . قوله: (عفيف متعفف إلخ) واعلم أن الأخلاق تكون جبلية وطبعية ويدل عليه نصوص الشريعة كما في حديث وفد عبد القيس حين أتوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

باب ما جاء في فضل الشهداء عند الله

باب ما جاء في فضل الشهداء عند الله

[1644] غرض المصنف رحمه الله ظاهر قوله: (فصدق الله إلخ) من المجرد لا المزيد، ومعناه (راست

گفت) ، وكذلك الكذب، والمجرد قد يكون متعدياً، مثل كذب فلان فلاناً. قوله: (سهم غرب إلخ) تركيب إضافي أو توصيفي وبينهما فرق، فإن معنى أحدهما سهم راميه غير معلوم، ومعنى الآخر سهم جهته غير معلومة.

باب ما جاء في غزوة البحر

باب ما جاء في غزوة البحر

[1645] البحر ما يكون ماؤه مالحاً هذا أصل اللغة. قوله: (تفلي رأسه إلخ) كانت أم حرام أخت أم أنس وهي من محارمه. قوله: (ركبت أم حرام إلخ) في عهد عثمان بن عفان وكان معاوية عامله.

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد

باب ما جاء في الرخصة لأهل العذر في القعود

باب ما جاء في الرخصة لأهل العذر في القعود

[1671] قال العلماء: إن مراد القرآن صحيح، والآية كاملة بلا ذكر {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] أيضاً فإن في القرآن القاعدون لا المقعدون، والقاعد بعذر مقعد لا قاعد.

باب ما جاء في الرخصة في الكذب إلخ

باب ما جاء في الرخصة في الكذب إلخ

[1675] لا يجوز الكذب إلا في مستثنيات، وهي أيضاً ليست بكذبات بل تورية، والمستثنيات عندنا أربعة ذكرها ابن وهبان في نظمه:

~ وللصلحِ جازَ الكذب أو دفع ظالمٍ ... وأهلٍ لتَرضَى أو قتالٍ ليظفَروا وتؤيدنا بعض الأحاديث المتوسطة في استثناء الأربعة، ولقد قرب الغزالي رحمه الله إلى رفع القبح من الكذب بل حسنه بحسن ما فيه، وقبحه بقبح ما فيه. قوله: (الحرب خدعة إلخ) هذا خبر لا تشريع، وقيل: إنه تشريع أي تجوز التدبيرات العملية في الحرب، وأفصح الروايات خَدَعة بفتحتين مبالغة اسم فاعل، ومراده قيل: إنه خَدَعة لا يدري لمن تكون عاقبته.

باب ما جاء في غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - وكم غزا

باب ما جاء في غزوات النبي - صلّى الله عليه وسلّم - وكم غزا

[1676] الغزوة في اصطلاح المحدثين ما كان فيه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والسرية ما لا يكون فيه، والغزوات سبع وعشرون، والسريات سبعون.

باب ما جاء يستحب من الخيل

باب ما جاء يستحب من الخيل

[1695] تحسينه هذا ليس بالتشريع بل بالتجربة. قوله: (في الشقر إلخ) الأشقر الذي يكون الشعار ذنبه ورقبته ولون بدنه أحمر، والمحجل طلق اليمين ما يكون إحدى قوائمه مخالفة اللون للأخرى.

باب ما يكره من الخيل

باب ما يكره من الخيل

[1698] مداره أيضاً على التجربة لا أنه تشريع وإخبار.

قوله: (الشكال إلخ) في تفسيره اختلاف الأقوال والأصوب الذي يكون إحدى رجليه ويديه من خلاف بلون واحد والأخريان بلون غيره.

باب ما جاء في الرهان والمسابقة

باب ما جاء في الرهان والمسابقة

[1699] ويطلق على المال المقرر في مسابقة الخيل، والمسألة أن المال لو كان من جانب فجائز وإلا فلا، وأما إذا كان من الجانبين فلجوازه صورة أن يدخل الثالث المحلل ويقول: إن سبقت فآخذ منكما وإلا فلا أعطي ويشترط في المحلل أن يحتمل فرسه أن يسبق، ودليل التحليل ما أخرجه أبو داود وجه جواز الشرط من الجانبين عند دخول المحلل مذكور في الزيلعي شرح الكنز، ولقد تعرض إليه ابن تيمية أيضاً وذكر فروعه في بعض تصانيفه. قوله: (لا سبق إلا في الخيل إلخ) السبق بسكون الوسط مصدر بمعنى الرهان، وأما بفتحه فهو

المال المقرر ويدل حديث الباب على قصر الشرط على ما ذكر في حديث الباب لكن الفقهاء ألحقوا به أشياء أخر.

باب ما جاء في كراهية أن تنزى الحمر على الخيل

باب ما جاء في كراهية أن تنزى الحمر على الخيل

[1701] نزو الحمار على الفرس غير مرضي، وقال الطحاوي: إن النهي نهي إرشاد وشفقة كيلا يكون تقليل آلة الجهاد فإن الفرس يعمل ما لا يعمل البغل، فالحاصل أن تحصيل البغال ليس غير جائز.

باب ما جاء في الاستفتاح بصعاليك المسلمين

باب ما جاء في الاستفتاح بصعاليك المسلمين

[1702] الصعاليك الغرباء، وبمثل هذا الحديث تمسك بعض أهل العصر على التوسل بالصالحين المتعارف في زماننا، وصنف ابن تيمية كتاباً في عدم جواز التوسل بالصالحين المتعارف في زماننا أي الدعاء بمثل أن يقول: اللهم اقبل دعائي بحق فلان وتوسله، والحال أن ذلك لم يأت إليه ولم يستدع

منه دعاء وإنما هو توسل لساني فقط، ولكن للشوكاني في رسالة في الجواز، ولقد أتى ابن تيمية بنقول العلماء من المذاهب الأربعة ونقل من الحنفية عن تجريد القدوري ما في التتار خانية معزيا إلى المنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وكره قوله بحق أنبيائك ورسلك وأوليائك، ولينظر في مراده.

باب ما جاء في كراهية الأجراس على الخيل

باب ما جاء في كراهية الأجراس على الخيل

[1703] أعلم أن مدلول الحديث جواز المعازف وجوزها بعض الصوفية مثل جلال الدين الدواني، والعجب أن الحافظ ابن حزم أيضاً جوزها، وأسقط جميع الأحاديث الدالة على عدم الجواز، وكان في صحيح البخاري قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يكون في أمتي من يحلون المعازف والحرير» وقال ابن حزم: إن في البخاري تعليقاً والسند معنعن، والحال أن المحدثين أوصلوه وأثبتوا السماع. واعلم أن المعازف ما يضرب بالفم، والملاهي ما يضرب بالأيدي، وذهب جمهور الأئمة وأهل المذاهب الأربعة إلى التحريم واستثنوا الطبل والدهل للتسحير أو الوليمة أو لغرض صحيح آخر ثم سند حديث الباب على شرط مسلم، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي من مقرونات البخاري ص (76) ، وفي موضع في تفسير سورة الجمعة هو راوٍ مستقل بلا قران، وقال الحافظ: إن في تفسير سورة الجمعة هو عبد العزيز بن محمد بن أويس الدراوردي، أقول: إنه إما من سهو القلم أو من نسخ الكاتب وأحاديث أخر تدل على عدم الجواز وهي صحاح، وما في تذكرات المشائخ (ال شتية) مثل اقتباس أنوار من أن بعض المتقدمين من الصوفية ارتكبوا السرود، وأقول: إن السرود لفظ فارسي ولا يطلق على ضرب المعازف بل على سماع الأشعار فقط، ويجب أن يعلم أن الصوفية المتقدمين لم يثبت عنهم سماع المعازف.

باب ما جاء من يستعمل على الحرب

باب ما جاء من يستعمل على الحرب

[1704] قوله: (فأخذ منه جارية إلخ) لعله أخذه بإذن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال الطحاوي: إن الإمام إذا أجاز القسمة للعامل تجوز له القسمة ثمة.

باب ما جاء في طاعة الإمام

باب ما جاء في طاعة الإمام

[1706] قد مر أن الإمام إذا أمر بشيء مباح يصير ذلك واجباً، وإذا نهى عنه صار حراماً، وراجع فيه شرح الجامع الصغير للعزيزي. قوله: (عبد حبشي إلخ) قيل: إن الإمامة مشروطة بأن يكون الإمام حرّاً وقرشياً، وأجيب بأنه يصلح أن يصير العبد عاملاً، وأما شرط كون الإمام قريشياً فعن أبي حنيفة وإمام الحرمين الشافعي خلاف ونقله نور الدين الطرابلسي عن أبي حنيفة كما في القول المختار، والمشهورة عن أبي حنيفة والشافعي وأحمد ومالك شرط القرشي، وقد ينقل الإجماع أيضاً.

باب ما جاء في كراهية التحريش بين البهائم والضرب والوسم في الوجه

باب ما جاء في كراهية التحريش بين البهائم والضرب والوسم في الوجه

[1708] أي في وجوه الحيوانات وثبت الوسم على الفخذ عن عمر الفاروق وكان في قالبه الوقف

لله، وفي الفتاوى البزازية وقعت عبارة عجيبة وهي هذه: ويخاصم ضارب الدابة بغير وجهها لا بوجهها إلا بوجهها.

باب ما جاء في المشورة

باب ما جاء في المشورة

[1714] أصل معنى المشُورة أخذ العسل، والغرض هو الرجوع إلى القلب. قوله: (قصة طويلة إلخ) والقصة أنه قال عمر أن يقتل الأسارى، وكان رأي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر الصديق المفاداة، فتمشى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رأيه ورأي الصديق الأكبر فعاتب الله، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كان عذاب الله على رأس هذه الشجرة ولو نزل لم ينج إلا عمر» ، قوله: وهذا حديث حسن إلخ، حسن الحديث مع أنه منقطع، وقد اشترط المصنف في كتاب العلل في الحديث الحسن الاتصال فعلم أنه لم يعتبره هاهنا، بل تمشى على حسنه بالمتابعات والشواهد.

باب ما جاء لا تفادى جيفة الأسير

باب ما جاء لا تفادى جيفة الأسير

[1715] قوله: (ابن أبي ليلى إلخ) عبد الرحمن بن أبي ليلى والد، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ولد، والولد فقيه وسيء الحفظ، وأبوه من رجال الصحيحين وتابعي جليل القدر وفي ربا في فتح القدير أن مسلماً إن أعطى كافراً خنزيراً أو خمراً في دار الحرب فثمنه طيب للمسلم، ويجوز عند أبي حنيفة الربا في دار الحرب، وله تمسك في الحديث في مشكل الآثار وذكر التفقه أيضاً، وأقول: إن الشيخ ابن همام ترك شيئاً وهو أن الخبث عندنا خبث الكسب وخبث السبب وخبث العوض، وخبث السبب مثل: السرقة والنهبة والغضب، ولا يجوز سرقة مال حربي ولا نهبه ولا غصبه، فإنه وإن كان مباحاً لكنه يكون مباحاً في الحرب لا بلا حرب، وللإباحة شروط مذكورة في الفقه، والناس عنه غافلون، وأما خبث العوض فمثل: الخمر والخنزير في دار الإسلام وإن كان بتراضي الطرفين فإن

الشريعة تفسخ العقد بطريق النيابة، وأما إذا أخذ المسلم ثمنها في دار الحرب فلا خبث في السبب ولا في العوض فإن الشريعة ليست بنائبة في دار الحرب تفسخ العقد، والخبث إنما هو في الكسب فإن تعاطي الخمر والخنزير وتداوله في الأيدي حرام، وغرضي أن الفقهاء يذكرون المسائل المتعلقة بباب في ذلك الباب ولا يذكرون شروطها وقيودها ثمة بل في موضع آخر، ويجب التنبيه على هذا، ويأخذ السفهاء مسألة بلا قيود وشروط ويعترضون علينا، فاعترضوا بما في الفتح مغمضين عما يذكر في كتبنا من حرمة تعاطي الميتة والخنزير والخمر، قال ابن وهبان في منظومته: ~ وما مات لا تطعمه كلباً فإنه ... حرام خبيث نفعه متعذر

باب ما جاء في الفيء

باب ما جاء في الفيء

[1719] الغنيمة ما حصلت بركض الخيل والركاب وما حصل بدونه فهو فيء، ولي هاهنا إشكال وهو أن نص القرآن يدل على أن أموال بني النضير لم تحصل بإيجاف الخيل فيكون فيئاً، والحال أن المسلمين حاصروا بني نضير أياماً فيكون فيه إيجاف خيل، كما في كتب السير فتعارض الأمر، وإن قيل: ما وقع الحرب بل صالح بنو النضير فإنهم قالوا: إن الأموال المنقولة لنا وغير المنقولة لكم، فيكون فيئاً لأن آخره الصلح، قلت: لا يشفي هذا ما في الصدور فإن الصلح في الآخر يكون في الغزوات كلها ولا يكون العبرة لذلك الصلح فالإشكال على حاله، واختلف الشافعية والحنفية في فتح مكة قلنا: إن فتحها كان غلبة وعنوة، وقالوا: إن فتحها كان صلحاً، وأدلتنا قوية حتى أن عجز الشافعية عن الجواب، ولعل الشافعي قال: إن آخر أمر فتح مكة وقوع الصلح وإن لم يكن في أوله، والله أعلم.

كتاب اللباس

كتاب اللباس

باب ما جاء في الحرير والذهب للرجال

باب ما جاء في الحرير والذهب للرجال

[1720] قال الحنفية: إن استعمال أواني الذهب غير جائز للرجال والنساء، ويجوز الحرير للرجال قدر أربع أصابع، والعبرة لأصابع اللابس ولبس الثوب الذي لحمته وسداه حرير حرام، والذي لحمته غير حرير جائز والعكس غير جائز، ولو كان الحرير مطرزاً فكذلك التفصيل الطراز السنجاف والمنسوج (كشيده) إن كان مفرقاً وقدراً زائداً على أربعة أصابع فلا يجوز، وإن كان غير مفرق فيحول إلى رأي من يراه بعيداً فإنه لو وجده مفرقاً لا يجوز وإلا فيجوز، والنعل المزركش إن كان مفرقاً فلا يجوز وإلا فيجوز. قوله: (خطب بالجابية إلخ) اعلم أن خطبة عمر في الجابية طويلة وتوجد قطعاتها في كتب الحديث ولا توجد بجميعها في الكتب.

باب ما جاء في الرخصة في لبس الحرير في الحرب

باب ما جاء في الرخصة في لبس الحرير في الحرب

[1722] قال أبو حنيفة: يجوز في الحرب ما كان سداه شيئاً أو لحمته حريراً في الحرب لا في غيره، ويجوز العكس في الحرب وغيره، ولا يجوز في الحرب الحرير الخالص. قوله: (فرخص لهما إلخ) في بعض الروايات أنهما كانا مبتليين في الحكة (خارش) وهذا الحديث نظير التداوي بالأبوال. قوله: (حدثنا أبو عمار إلخ) . في هذا الحديث شيئان أحدهما أن مرسل الثوب ليس لسعد بل رجل آخر، اللهم إلا أن يُقرأ بُعثَ مجهولاً، وثانيهما أنه لم يلبسه أصلاً.

باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

[1727] في كتب الشافعية أن الجلد يطهر بالدباغة، وذكر في الطبقات الشافعية مناظرة الشافعي وأحمد، وتدل المناظرة على عدم الطهارة بالدباغة عند الشافعي رحمه الله، وأحمد رحمه الله، وقال أبو حنيفة: كل إهاب إذا دبغ فقد طهر إلا جلد الآدمي والخنزير، خلاف مالك رحمه الله وأما الاختلاف في الكلب فقد مر في البخاري.

قوله: (النضر بن شميل إلخ) إطلاق الإهاب على كل شيء كان قبل الدباغة مشهوراً عن ابن شميل، وما ذكر المصنف والله أعلم مأخذه، وفي الحديث نزاع طويل والحديث ليس بأقل من الحسن.

باب ما جاء في كراهية جر الإزار

باب ما جاء في كراهية جر الإزار

[1730] في كتب الحنفية النهي عن جر الإزار بلا تقييد، وفي كتب الشافعية أن النهي عن جر الإزار خيلاء، وقال الحنفية: إن قيد خيلاء واقعي، وقال الشافعية: إنه احترازي ويجوز جر الإزار للنسوان.

باب ما جاء في لبس الصوف

باب ما جاء في لبس الصوف

[1733] حديث الباب أنكره المصنف، وبسند آخر في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني.

باب ما جاء في العمامة السوداء

باب ما جاء في العمامة السوداء

[1735] كانت عمامته في أكثر الأحيان ثلاثة أذرع شرعية، وفي الصلوات الخمس سبعة أذرع وفي الجُمع والأعياد اثنا عشر ذراعاً، وفي بعض الروايات: أنه أمّم رجلاً وسدل له عذبتين، وقال

ابن تيمية: إن سدل عذبته ثابت في ليلة رأى فيها رؤيا حين وضع الله تعالى يده على كتفيه، وتجلى له ما بين السموات والأرض، وسيجيء هذا الحديث.

باب ما جاء في خاتم الفضة

باب ما جاء في خاتم الفضة

[1739] يجوز خاتم الفضة للرجال بقدر معروف في الفقه. قوله: (وكان فصه حَبَشِياً إلخ) قيل: إنه كان من عقيق حبشة، وقيل: إنه كان من الفضة على صنع الحبشة، وما قلت: إن خاتم الفضة جائز بشرط أن لا يزيد على مثقال فمذكور في الدر المختار وغيره، وله حديث أخرجه الترمذي ص (210) ج (2) .

باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين

باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين

[1741] لبس الخاتم في اليمين واليسار ثابت منه والخلاف في الأولوية.

قوله: (محمد بن إسماعيل. . إلخ) البخاري صحح حديث محمد بن إسحاق في هذا الموضع وأما تحسينه ففي مواضع، ولكنه لم يرو عنه في صحيحه.

باب ما جاء في نقش الخاتم

باب ما جاء في نقش الخاتم

[1747] قوله: (ثلاثة أسطر إلخ) قيل: صورة السطور هذه وقيل: هذه والله أعلم. قوله: (لا تنقشوا عليه إلخ) لأنه كان لخوف الالتباس في عهده، وأما الآن فلا نهي، وفي فتح القدير أن التعويذ لو كان مشتملاً على القرآن وغيره ويكون مستوراً ففي الذهاب به في الخلاء بعض توسيع، وحديث الباب يصلح لأن يعرض دليلاً له.

باب ما جاء في الخضاب

باب ما جاء في الخضاب

[1752] الخضاب في اللغة اللون ولا يجب أن يكون سواداً، وفي الحديث النهي الشديد عن الخضاب الأسود الذي لا يميز به بين الشيخ والشاب، وأما اختلاط الحناء والكتم فجائز، وزعم الناس أن الكتم الوسمة المتخذة من النيل، وهكذا قال المحشي، والحق أن الكتم تجلب من اليمن وتشدد الأحمرية، لا السواد والوسمة إذا لم تكن أسوداً شد السواد ويتميز بين الشيخ والشاب فجائزة، كما في موطأ محمد.

باب ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر

باب ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر

[1754] قوله: (ربعة إلخ) (ميانه قد) ومع هذا صرح علماء السير أنه كان إذا مشى بين الرجال يرى أطول منهم معجزة. قوله: (أسمر اللون إلخ) هو الأحمر المائل إلى البياض، والفرق بين آدم وأسمر أن آدم مائل إلى الحمرية، والأسمر إلى البياض. قوله: (ليس بجعد إلخ) الجعد ضد المرسل، والسبط المرسل، وأشعاره كانت متوسطة، وقال صاحب التحفة في وصف أشعاره: ~ موئي نبي بودنه جعد قطط ... خيراً مور آمده مر وسط ~ رنگ نبي سرخ وسپيد آمده ... جاي يكي ضددو وقيد آمده قوله: (يتكفأ إلخ) التكفؤ على قسمين؛ تكفؤ المختال والتكفؤ حسن بحيث لا يتمارت في المشي، وتكفؤه كان حسناً كما في الشمائل لفظ يتقلّع.

قوله: (فوق الجمّة إلخ) أي فوق موضع الجمة ودون موضع الوفرة.

باب ما جاء في الاكتحال

باب ما جاء في الاكتحال

[1757] الكحل على قسمين أبيض وأسود وكلاهما جائزان، والإثمد الأسود، ويقول أرباب اللغة بتعبير (ترمه أصفهاني) وليس هذا نوعاً خاصاً بل كل كحل الأسود.

باب ما جاء في مواصلة الشعر

باب ما جاء في مواصلة الشعر

[1759] تفسيرها مذكور في أبي داود عن أحمد بن حنبل، والمواصلة من الأشعار منهية عنها لا من الغزل، وما في عصرنا فليست بممنوعة، وفي كتب الحنفية أن موضع الوشم نجس فإن الدم خرج من مستقره وانجمد تحت الجلد وهو نجس.

باب ما جاء في القميص

باب ما جاء في القميص

[1762] كان أحب القطع عنده القميس وأحب الأجناس البرد وأحب الألوان البياض. قوله: (أسماء بنت يزيد بن السكن إلخ) في مسلم في حديث يزيد بن الثكل وهو وهم.

باب ما جاء شد الأسنان بالذهب

باب ما جاء شد الأسنان بالذهب

[1770] في كتبنا شد السن بالفضة جائز، وأما بالذهب ففيه اختلاف العبارات، وصرح الطحاوي بالجواز وهو كاف، ويخرج من كلامه أن الجواز مذهب الأئمة الثلاثة. والله أعلم. قوله: (يوم الكلاب إلخ) في غاية البيان شرح الهداية للأمير الكاتب الإتقاني: أن كُلاب بضم الكاف، وقال: إنه اسم الماء، ووجه أمره أن الفضة تنتن سرعة بخلاف الذهب. قوله: (قال بن مهدي مسلم بن زرين إلخ) وليس هذا بمختص بهذا الحديث، بل كان يقرأ في كل حديث مسلم بن زرين بالنون كما استفيد من بعض الكتب.

باب ما جاء في ترقيع الثوب

باب ما جاء في ترقيع الثوب

[1780] الترقيع سُنة، وفي الإحياء للغزالي أن في ثوب عمر كانت بضع عشرة رقعة.

باب دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة

باب دخول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - مكة

[1781] الغدائر من المغادرة وهو الترك والإرسال، والضفائر جمع ضفيرة من الضفر الفتل (تافتن) ، وقيل: يشترط في الضفيرة أن تكون الأشعار ثلاث حصص، وقيل: إن كون الضفيرة عريضة أيضاً شرط، وفي الحديث إشكال وهو أن عادته في الأشعار الجمة واللمة والوفرة، ولم يثبت الضفر وأما ثلاث حصص فلعل الراوي رأى تحت عمامته، وكانت ثلاثة بسبب العمامة في فتح مكة ومر الحافظ على هذه الرواية ولم يقل بشيء، وفي الفتاوى الهندية في باب الحظر والإباحة أن الضفائر للرجال مكروهة وأما الإرسال فلم أجد كراهة.

باب العمائم على القلانس

باب العمائم على القلانس

[1784] الغرض ظاهر، وقالوا: إن ركانة هذا كان مصارعاً ذا قوة شديدة، وصارعه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث مرار لإظهار المعجزة فأسلم ركانة.

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة

باب ما جاء في أكل الأرنب

باب ما جاء في أكل الأرنب

[1789] الأرنب حلال عند الكل ونسب إلى الروافض تحريمه، والله أعلم.

باب ما جاء في أكل الضب

باب ما جاء في أكل الضب

[1790] يقال له في الفارسية: (سوسمار وفي الهندية گوه) وهذه مكروهة عندنا، وقال فقهاؤنا بكراهة تحريمة، ومحدثونا بكراهة تنزيهة، وقال الشافعي وغيره: إنها حلال، ونقول: إنه كان متوقفاً في أول الزمان ثم استقر رأيه على تركه، وقال الشافعية: إن النهي كان أولاً ثم أجاز النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأقول: الأحاديث الصحاح في الإجازة والنهي موجودة والخلاف في الترتيب، ويكفينا ما ذكره مسلم في كتابه فإنه ذكر النهي آخراً وفي مسلم أنه أتى عنده ضبّ فعد أصابعه فقال: «لا آكله فإن قوماً من بني إسرائيل قد فقدوا» ، لعل التردد هو هذا.

باب ما جاء في أكل الضبع

باب ما جاء في أكل الضبع

[1791] يقال له في الهندية (هندار) وفي الفارسية (كفتار) وهو عندنا حرام، وعند الشافعي حلال وأما ما ذكر والد مولانا عبد الحي أن الضبع (بّجو) فسهو، وحديث الشافعية قد أعله الطحاوي في مشكل الآثار نقلاً عن يحيى بن سعيد القطان، وأطنب الطحاوي كلاماً وهذا التعليل لم أجده في غيره، وفي مسند أحمد أن أحداً من الشيوخ أفتى عند سعيد بن المسيب بحرمة أكله فقبل ابن المسيب فتواه ولبعض الكلام في هذه المسألة مر سابقاً في الحج.

قوله: (حديث ابن جريج أصح إلخ) ليس هذا قول يحيى بن سعيد بل هو قول الترمذي كما في مشكل الآثار.

باب ما جاء في أكل لحوم الخيل

باب ما جاء في أكل لحوم الخيل

[1793] الخيل عندنا مكروه، والمختار الكراهة تنزيهاً، ونقل في الدر المختار رجوع أبي حنيفة عن هذا قبل الموت في مرض موته، وفي بعض كتبنا أنه لو قرب الموت تذبح وإلا فلا لكونه آلة الجهاد، وفي

كتب الموالك إنه مكروه أشد الكراهة قريب الحرمة، وقد وقع مناظرة في المسألة بين فخر الإسلام البزدوي الحنفي والغزالي الشافعي وسكت الغزالي.

باب ما جاء في لحوم الحمر الأهلية

باب ما جاء في لحوم الحمر الأهلية

[1794] الحمار الأهلي حرام عند الأربعة، ونسب حلته إلى ابن عباس، ونهى عنه في فتح خيبر، واختلفوا في مثار النهي.

باب ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل

باب ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل

[1806] أجمعت الأئمة على إباحته، نعم فيه رائحة كريهة فيكون مكروهاً عند أوقات الأذكار، وكذلك حال التتن (تمباكو) ، وما قيل: إنه حرام فإنه إنما كان الملوك منعوا الناس عنه وقد ذكرت أن الشيء المباح يصير حراماً بمنع خليفة وإمام، ولم يقل بتحريم الثوم إلا ابن حزم، وقد تعسر عليه الأمر فقهاً وحديثاً.

باب ما جاء في الرخصة في أكل الثوم مطبوخا

باب ما جاء في الرخصة في أكل الثوم مطبوخا

[1808] واقعةً حين كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دار أبي أيوب الأنصاري قبل بناء المسجد النبوي والحجرات، وحكاياته عجيبة منها أن أبا أيوب أقام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السفل، وأقام بنفسه وأهله العلو ثم خطر بباله أن في إقامته في السفل إساءة الأدب، مجلس في ناحية المكان كل الليلة، فلما أصبح نقل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى العلو، ومنها أنه حين كان في السفلى صب بعض ولدانه الماء في داخل البيت فشق ذلك على أبي أيوب فأخذ عمامته وجذب الماء بها كيلا يقطر عليه، فلله درهم الصحابة إنهم يسنح لهم ما لا يسنح لغيرهم.

باب ما جاء في تخمير الإناء وإطفاء السراج والنار عند المنام

باب ما جاء في تخمير الإناء وإطفاء السراج والنار عند المنام

[1812] دل الحديث على أن للشيطان قدرة على فتح الأبواب إلا إذا أغلق بالتسمية، وفي مسلم رواية أن في السنة ليلة تنزل فيها البلاء من السماء.

باب ما جاء أن المؤمن يأكل في معي واحد إلخ

باب ما جاء أن المؤمن يأكل في معيّ واحد إلخ

[1818] قيل: إن أحوال الأناسي مختلفة فإن بعض المسلمين يأكل كثيراً وبعض الكفار يأكل قليلاً، فما مراد الحديث؟ وأجيب بأن المذكور في الحديث الابتغاء أي ينبغي أن يكون هكذا، وليس بخبر ثم في الحديث إشكال وهو أن الحديث يدل على أن الأمعاء سبعة، واتفق الأطباء على أنها ستة فلم أجد جوابه إلا ما قال الطحاوي أن المعي السابع المعدة وأدرجها الحديث في المعاء.

باب ما جاء في أكل لحوم الجلالة وألبانها

باب ما جاء في أكل لحوم الجلاّلة وألبانها

[1824] الجلالة الحيوان التي تأكل القذرات والأرواث والأزبال، وقال الحنفية وقريب منه قول الشافعية: إن الجلالة لو وجدت رائحة كريهة فيها يحرم لبنها ولحمها حتى تترك ثلاثة أيام لتزول الرائحة الكريهة، أقول: إن الحديث لأبي حنيفة والشافعي في نجاسة أزبال ما يؤكل لحمه وغيره بأن الشريعة منعت عن لحم الجلالة ولبنها، والجلالة من الجلّة (يگنى) وهي روثة الغنم والإبل وغيرهما ولم يتبادر ذهن أحد إلى هذا الدليل.

باب ما جاء في كراهية الأكل متكئا

باب ما جاء في كراهية الأكل متكئا

[1830] قال الخطابي: إن الاتكاء هو الجلوس مطمئناً، أقول: إن المستحسن عند الأكل الجلوس جاثياً على ركبيته، أو مقيعاً، وأما التربيع فجلوس قبيح.

باب في ترك الوضوء قبل الطعام

باب في ترك الوضوء قبل الطعام

[1847] قوله: (كان سفيان الثوري يكره إلخ) اعلم أن أصح ما في باب غسل اليدين قبل الطعام حديث النسائي لكنه فيه قيد الجنب.

باب ما جاء في التسمية على الطعام

باب ما جاء في التسمية على الطعام

[1848] اعلم أن الثابت بالأحاديث في التسمية بسم الله فقط. قوله: (فإن نسي في أوله إلخ) في بعض الأحاديث أنه لو لم يسم على الطعام يشترك معه الشيطان وإذا قرأ التسمية في الوسط قاء الشيطان، ومدّ صاحب البحر هذا البحث إلى أن من ترك التسمية في أول الوضوء هل يفيد التسمية في وسط أم لا؟ ، والله أعلم وعلمه أتم.

كتاب الأشربة

كتاب الأشربة

باب ما جاء في شارب الخمر

باب ما جاء في شارب الخمر

[1861] أقول: إن هذه المسألة لم أجد فيها ما يشفي الصدور ونقل أن الكرخي صنف في هذه المسألة كتاباً مستقلاً لكنا ما وجدناه. الخمر عند أبي حنيفة وأبي يوسف عصير العنب إذا غلى (جوش مارا) واشتد (تيزهوا أدرائها) وقذف بالزبد، فأحكامه عشرة مذكورة في الهداية، منها أن مستحلها كافر، وأنها نجسة غليظة، وأن قليلها وكثيرها حرام وإن شاربها محدود أسكر أم لا، وسواها أشربة ثلاثة قليلها وكثيرها حرام، وفي رواية: «نجسة خفيفة» ، وفي رواية: «غليظة أحدها الطلماء» وهو عصير العنب المطبوخ الذي لم يطبخ ثلثاه واشتد والخمر لا يطبخ، وللطماء تفسير آخر وثانيها المسكر، والثالث النقيع، وهذه الثلاثة والخمر تسمى بالأشربة الأربعة، ويكون قليلها وكثيرها حراماً، ولا يطلق لفظ الخمر إلا على الأول من الأربعة، وأما سواها فيتخذ النبيذ من كل شيء من الحبوب والثمار والألبان وتسمى هذه الأقسام بالأنبذة وحكمها ما ذكروا أن القليل أي القدر غير المسكر منها حلال إذا كان بقصد التقوي على العبادة، وحرام بقصد التلهي، والكثير أي القدر المسكر منها حرام وهذا مذهب الشيخين للأحناف ومعه وكيع بن جراح وسفيان الثوري ولكنه لعله رجع سفيان عنه، وفي الهداية عن الأوزاعي أيضاً وفاق أبي حنيفة في الجملة وبعض الصحابة أيضاً وإن تأولت الخصوم أقوالهم وأئمة آخرون أيضاً موافقون للشيخين في الجملة، وأما الشافعي وأحمد ومالك ومحمد بن حسن وجمهور الصحابة فذهبوا إلى أن المسكر المائع من كل شيء يحرم قليله وكثيره أسكر أم لم يسكر، والمسكر الجامد ليس

بخمر، وأفتى أرباب الفتوى منا بقول محمد بن حسن، وأما أرباب اللغة فيشيدون أقوال أئمتهم ذكر صاحب القاموس الشافعي معنى الخمر موافق الجمهور، وذكر مذهب أبي حنيفة بقيل، وذكر الزمخشري معنى قول أبي حنيفة وقال: ليس في اللغة إلا هذا، ومن المعلوم أن الزمخشري أعلى من صاحب القاموس لأنه إمام اللغة، أقول: عندي أن أصل معنى الخمر لغة ما قال أبو حنيفة ولكنه مستعمل في معنى الحجازيين أيضاً، والمعنيان على الحقيقة ويمكن للجمهور أن يقولوا: إذا ذكر الشارع حكم ما زعمتموه خمراً وحكم غيره واحد فأي اعتراض. تنبيه: قد يذكر الزمخشري في أساس اللغة معنى اللفظ ثم بعده يقول: ومن المجاز إلخ، وليس مراده المجاز المتعارف في ما بينا، بل مراده استعماله في المشتقات والتوسعات، فإن اللفظ الواحد يشتق منه ألف مشتقات بل أزيد، ونظير استعمال الخمر في المعنيين حقيقة أن في الفارسية معنى (گل پهول گلاب) إذا استعمل مطلقاً، ولو كان مقيداً فالاعتبار للقيد نحو (گل ترگس) أو غيره، والاستعمالان حقيقيان هذا ما بدا من شواهد أبي حنيفة من اللغة ما قال المتنبي: فإن في الخمر معنى ليس في العنب وقال أبو الأسود الدؤلي أستاذ الحسنين: ~ دع الخمر يشربها الغواة فإنني ... أخذت أخاها مغيناً بمكانها ~ فإن لم تكنه أو يكنها فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها ويقول شاعر آخر متدين: ~ وإني لأكره تشديد الرواة لنا ... فيه ويعجني قول ابن مسعود قال ابن مسعود بمثل ما قال أبو حنيفة، ثم أقول مغيراً عبارتهم لا غرضهم وذلك يجدي شيئاً، قالوا: إن ما سوى الأشربة الأربعة حلال قليله على قصد التقوي على العبادة، ويحرم على قصد التلهي، وأقول مغيراً عبارتهم: إن ما سوى الأربعة حرام إلا قدر قليل بقصد التقوي على العبادة، والفرق أن عبارتهم تشعر أن الأصل الإباحة والحرمة بعارض التلهي، وعلى ما قلت تشعر بأن الأصل الحرمة وإنما الحلال قدر قليل بقصد التقوي على العبادة، فإذن يكون التقوي مثل التداوي فيحول الأمر إلى باب التداوي، ولا تكون الأحاديث الوافرة مخالفة لأبي حنيفة وهذا يكون شبيه قولنا: إن الميتة حرام إلا عند الاضطرار فيكون التقوي على العبادة مخصوصاً، ومستثنى ونطالب دليل التخصيص فسأبينه فيكون جميع أحاديث المسكر حرام على ظاهرها، مثل أن يقال: إن الميتة حرام، وفي كتب الحنفية: إن شرب الماء على حكاية شرب الخمر حرام، ووجدت لقولهم هذا دليل قول أبي هريرة مثل قولنا في مدخل ابن الحاج المالكي، وقال بعض الحنفية: إن كل محرم يكون بعض جنسه

حلالاً فيكون النبيذ حلالاً من جنس الخمر الذي حرام، والنظائر الحرير أنه حرام ويجوز قدر أربعة أصابع للرجال، وكذلك الذهب والفضة ووجدت لقولهم دليلاً من قول بعض السلف عن بعض أهل البيت أنهم ذكروا مثل ما ذكر بعض الأحناف، وقال: إن نهر طالوت كان كثيره حراماً وقليله حلالاً فعلم أن لقول ذلك البعض من الحنفية أصلاً، وأما أدلة الحنفية فمنها ما أخرجه أبو داود ص (164) ج (2) باب الأوعية: «فإن اشتد فاكسروه بالماء وإن أعياكم فأهرقوه» إلخ وسنده جيد، وقيل في الجواب: إن الاشتداد الغلظة لا الإسكار، وهذا مهمل لأن الاشتداد المستعمل في المسكرات والأنبذة بمعنى المسكر كما في مسلم ص (167) ج (2) : «ينبذ حتى يشتد» إلخ، قيل: إن المراد بالاشتداد الحموضة، وأقول: أي فائدة في الإهراق في هذه الصورة فإن دفع الحموضة ممكن بالماء أيضاً، والماء المختلط بالنبيذ يكون أصلح من الماء القراح، فأي نفع في الإهراق؟ ولأبي حنيفة آثار عمر في موطأ مالك ص (258) : طبخوا حتى ذهب ثلثاه وبقي الثلث إلخ، وفيه قال عبادة بن الصامت: أحللتها والله إلخ، وله أثر ابن عمر في البخاري في كتاب المغازي ص (627) وله أيضاً ما في الطحاوي ص (326) ج (2) أثر عمر الفاروق عن فهد نا عمر بن حفص نا أبي نا الأعمش إلخ: أن نبيذاً له عرام فذكر شدة لا أحفظها إلخ بسند صحيح، وفي الطحاوي لفظ وله غرام بالغين المعجمة وهو غلط، والصحيح بالعين أدلتنا المهملة كما قال النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ تلميذ الطحاوي وهو الذي أجاب عن أدلتنا جميعها من جانب الجمهور، وقال الحافظ: إن هذا أصح الآثار وفيه ص (327) حدثنا روح بن خرج نا عمرو بن خالد إلخ: فشربت من نبيذه وكان أشد النبيذ إلخ، وفيه ص (326) حدثنا ابن أبي داود نا أبو صالح ثني الليث إلخ، وأسانيد الكل صحاح وفي سند الثالث معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان الليفي وهو سهو الكاتب والصحيح التيمي وله آثار أخر في كتاب الآثار لمحمد بن حسن قوية السند، وأجاب الجمهور، بعض الأجوبة نافذ لا البعض الآخر، وأجاب الحافظ عما أخرجه أبو داود في الفتح بأن الاشتداد لم يكن واقعاً بل كان خوف الاشتداد، ولقوله نفاذ سيما إذا كان في الدارقطني عن أبي هريرة لفظ خشية الاشتداد، وأما جواب أثر الموطأ فنقول: إن ذكر الإسكار ليس فيه، فالجواب أن مراد عبادة أن نبيذ التمر أو العنب لا يكون دائم البقاء إلا أن يصير خمراً أو خلاً، وإذا طبخ فيصير دائم البقاء فإما يصير خلًّا وهو حلال أو خمراً فيكون حراماً، والناس يشربونه على إفتائك ويكون حلواً فالحاصل أنه يصير مسكراً بعد مدة يسيرة فيشربه الناس ويزعمون أنه حلو ويسكرهم هذا، فهذا الأثر لم يتعرض إليه الحافظ لكنه تعرض إلى آثار الطحاوي، والجواب بأن المراد من الشدة الحموضة فبعيد، وأما قول: إن الشدة شدة الحلاوة فخلاف ما يستعمل الاشتداد في المسكرات، فالحاصل أن الحافظ لم يتيسر له الجواب من آثار الطحاوي، وأقول: إن الباب باب النصوص من القرآن والأحاديث وضروريات الدين فلا بد من محامل تلك الآثار، ولكنها تكفي الاعتذار من جانب أبي حنيفة، وما في النسائي عن راوٍ أن نبيذ عمر كان صار

خلًّا فإنما هو رأيه، وأقول: إن عصير العنب والتمر لو كان مزاً وقارصاً فلا منع فيه، والله أعلم، ولا يمكن قول الحافظ في المرفوع محملاً لآثار الطحاوي عن عمر فإن في الألفاظ تصريح أنه صار مشتداً لا أنه قرب الاشتداد، ولأبي حنيفة أثر آخر أيضاً وهو أن رجلاً شرب النبيذ من سخية الفاروق الأعظم وأسكر فحدَّ فقال: يا أمير المؤمنين إني شربت من شنتك، فقال عمر: حددتك من الإسكار، أخبرنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج قال: أخبرني إسماعيل إن رجلاً عب في شراب لعمر بن الخطاب بطريق المدينة فسكر فتركه عمر حتى أفاق فحده ثم أوجعه عمر بالماء فشرب منه. قال: ونبذ نافع بن عبد الحارث لعمر بن الخطاب المزاد وهو عامل له على مكة، فاستأخر عمر حتى عد الشراب طوره فدعا عمر فوجده شديداً فصنعه في الجفان فأوجعه بالماء ثم شرب وسقى الناس، وأعلى الأشياء من جانب أبي حنيفة اعتذاراً ما أخرجه الطحاوي مرفوعاً ص (327) ج (2) قال: اشربا ولا تسكرا إلخ، ويمكن أن يقال: إن المراد باشربا الأنبذة لا الماء أو اللبن أو غيرهما لكن في الطحاوي والنسائي: «ولا تسكرا» فلا حجة لنا، وقال النسائي: إن لفظ ولا تسكرا وهم الراوي، والفرق بين لا تسكرا ولا تشربا مسكراً إلخ واضح ولكن حكم النسائي بأنه وهم الراوي غير متيقن، وأطنب الطحاوي في المسألة ما لم أجد ذلك التفصيل في غيره من الروايات، ورأيت في كتاب أن النسائي قد رمي في النبيذ بأنه كان يشرب على مذهب العراقيين لعله أطنب لهذا الاتهام ولم أجد الشفاء، فيما ذكر أهل كتبنا لكن في عقد الفريد كتاب الأدب شيء زائد على ما في كتبنا، ونقل التوسيعات في النبيذ من السلف الكبار وإني لم أجد رواية عن الشيخين موافق محمد، ولو وجدت لقطع بها وإن كانت شاذة ولكن لم أجد مع التتبع الكثير، وأما ما وقع في نظم ابن وهبان فزعمه بعض العلماء أنه مروي عن الشيخين موافق محمد والحال أنه ليس مراده ما زعموه بل مراده إن وقوع الطلاق مروى عن الثلاثة لا حكم النهي عن قدر قليل من الأشربة فادره فإنه زل فيه الأقدام، وشعر نظم ابن وهبان هنا: ~ ويمنع عن بيع الدخان وأوقعوا ... طلاقاً لمن من مسكر المحب يسكر ~ وعن كلهم يروى وأفتى محمد ... بتحريم ما قد قل وهو المحرر وزعموه أن المروي عن الكل تحريم ما قد قل، والحال أن المروي هو وقوع الطلاق. (واقعة) في شرح الهداية أن أبا حفص الكبير أفتى بحرمة النبيذ فقيل له: خالفت أبا حنيفة، فقال: ما خالفته فإنه يحرم إذا كان للتلهي، وأناس الزمان يشربونه على التلهي. واعلم أن ما ذكرت جميعه كان أكثر مما ذكره مصنفونا، ومع ذلك أعترف أنه كان على طريق الكلام والمناظرة بالخصم ويجب العمل بما قال الجمهور ومحمد بن حسن، وأعلى ما وجدت عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن ما في شروح الهداية قال أبو حنيفة: لو أعطيت جميع ما في الدنيا ومثلها لأشرب قطرة نبيذ فلا أشربه فإنه مختلف فيه، ولو أعطيت جميع ما في الدنيا لأحرم النبيذ لا أحرمه

لأنه مختلف فيه، هذا على ما في الباب وأعلى ما يشفى الصدر، وعن أبي يوسف ما رواه أبو جعفر النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ قال أبو يوسف، وفي نفسي في هذه الفتيا كأمثال الجبال ولكن عادة البلد أي كوفة، هذا والله أعلم وعلمه أتم، وراجع المبسوط من الرابع والعشرين. قوله: (من تاب لم يتب الله عليه إلخ) التوبة الناصحة الخالصة تقبل في أي مرة كانت في أي حين كان لكنه لما عاد في المرة الرابعة يدل صنيعه على أنه لم يتب توبة نصوحة.

باب ما جاء كل مسكر حرام

باب ما جاء كل مسكر حرام

[1863] قال صاحب الهداية: إن ابن معين قدح في هذه الجملة، قال الزيلعي: لم أجد قدح ابن معين ومر عليه الحافظ، وقال: إن الحافظ جمال الدين الزيلعي أكثرهم تتبعاً وهو يعترف بأنه لم يجد قدح ابن معين، وأقول: أنا أيضاً لم أجد قدح ابن معين، نعم قدح إبراهيم النخعي موجود في كتاب الآثار لمحمد بن حسن إلا أني رأيت في مسند الخوارزمي وله مهارة كاملة واطلاع تام ورد على الخطيب البغدادي، وفيه نقل قدح يحيى بن معين لكنه لم يذكر مأخذه لو ذكره لكان أولى وأفيد.

باب ما جاء في الحبوب التي يتخذ منها الخمر

باب ما جاء في الحبوب التي يتخذ منها الخمر

[1872] اعلم أن للخمر إطلاقين عمومي وخصوصي، فلا يخالف حديث الباب أبا حنيفة في أن الخمر هو عصير العنب، وأخذت الإطلاقين من كلام الطحاوي ص (324) ج (2) ، وأما قول أنس: (وإنها لخمرنا يومئذ) فيحتمل أن يكون أراد بذلك ما كنا نخمر إلخ، وفي روايات عديدة صراحة الإطلاقين.

باب ما جاء في النهي عن الشرب قائما

باب ما جاء في النهي عن الشرب قائما

[1879] النهي إنما هو إرشاد وشفقة كما يدل ما في الرخصة فيه، وقوله: نأكل على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن نمشي في الباب اللاحق، ليس معناه الأكل قائماً بل المراد أن تلقي اللقمة في فمك في ختم الطعام وتمشي وتلقمها وتختمها ماشياً، وإلا فالأكل ماشياً كما هو ظاهر اللفظ خلاف المروة.

باب ما جاء في الشرب بنفسين

باب ما جاء في الشرب بنفسين

[1886] في بعض الأحاديث ذكر النفسين وفي بعضها ذكر الثلاثة، والجمع وهو الأصل أن النفس الثالث بعد الفراغ عن الشرب ذكره بعض الرواة لا البعض الآخر، ولم يثبت التنفس في الإناء بل إخراج النفس في وسط الشرب يدفع الإناء عن الفم لا في الإناء.

كتاب البر والصلة

كتاب البر والصلة

باب ما جاء في بر الخالة

باب ما جاء في برّ الخالة

[1904] اعلم أن حديث الباب: (الخالة الأم إلخ) يصلح دليلاً لنا على إرث ذوي الأرحام، وتمسكنا بالآية الكريمة أيضاً.

باب ما جاء في قطيعة الرحم

باب ما جاء في قطيعة الرحم

[1907] قوله: (شققت لها من اسمى إلخ) اعلم أنهم اختلفوا في واضع اللغات، وقيل: إن الواضع هو الله تعالى ويفيدهم حديث الباب، واعلم أن بعض الأسماء أسماء الذات مثل الرحمن وهو مثل الله في أنه اسم الذات هذا مذهب البعض، وقال الشيخ الأكبر: إن لأسماء الله تعالى حضرات، لكل اسم حضرة لا دخل فيها لغيره، وذكر أن سيد الطائفة جنيد رحمه الله قيل له: ما مراد آية: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} [مريم: 85] إلخ والحال أن المتقين كانوا قبل أيضاً عند الرحمن، فلم يذكر جنيد جواباً، وقال الشيخ الأكبر: والعجب من عدم سنوح الجواب لسيد الطائفة، والجواب أنهم كانوا قبل ذلك في حضرة أخرى أي حضرة المنتقم ثم يؤتون إلى حضرة الرحمن.

باب ما جاء في صلة الرحم

باب ما جاء في صلة الرحم

[1908] قوله: (لا يدخل الجنة إلخ) في هذه الجملة محامل وتوجيهات ولي هاهنا ظرافة تجري في أكثر المواضع، وهي أن قاطع الرحم لا يدخل الجنة ما دام قاطعاً وإذا عذب وتكافأ النكال فيدخل الجنة، ولا يكون إذن قاطعاً فإنه رفع عنه ما كان على رقبته، وكذلك أقول في تارك الصلاة، وهذا نظير مزاحه لبعض العجائز أن العجائز لا يدخلن الجنة فبكت، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يدخلن إلا وهن شواب» .

باب ما جاء في رحمة الولد

باب ما جاء في رحمة الولد

[1911] قوله: (من ريحان الله) معناه (نازبو) ويأتي بمعنى الرزق أيضاً.

باب ما جاء في رحمة الصبيان

باب ما جاء في رحمة الصبيان

[1919] المعروف ما يكون معروف الشريعة فيكون حسناً، والمنكر ما ينكره الشرع ويكرهه فيكون قبيحاً، ولا يختص الأمر والنهي بالإمام بل لكل واحد من المسلمين، والتعزيز مختص به، وما دام الإنسان مرتكباً في معصية يكون لكل مسلم حق زجره وضربه ومنعه، وإذا فرغ فلا حق للتعزير إلا للإمام.

باب ما جاء في رحمة الناس

باب ما جاء في رحمة الناس

[1922] قوله: (من لم يرحم الناس لا يرحمه الله إلخ) هذا الحديث يسمى بمسلسل الأولين كانوا يسمعونه أول الشروع في سماع العلم، وقد كانوا يسمعونه في أول الملاقاة إذا أتوه أو أتى من سفر فالأولوية إذن إضافية وتمام الحديث ما في الباب عن عبد الله بن عمرو.

باب ما جاء في مواساة الأخ

باب ما جاء في مواساة الأخ

[1933] من الأسوء مهموز اللام بمعنى المواساة. قوله: (آخا رسول إلخ) كانت المواخات سبب التوارث، ولم يكن بينهم توارث النسب في ذلك الحين. قوله: (مهيم) هذه كلمة يمنية بمعنى أي شيء.

باب ما جاء في الغيبة

باب ما جاء في الغيبة

[1934] الغيبة تعريفها في الحديث أي ذكرك أخاك بما يكره لو اطلع عليه، وفي الفقه مستثنيات، ولا غيبة للفاسق ويجوز ذكر فعله الشنيع ليحترز الناس عنه وعن فعله.

باب ما جاء في حق الجوار

باب ما جاء في حق الجوار

[1942] هذا حق الجوار ثابت عند الشافعي أيضاً وإنما يمنع شفعة الجوار.

باب ما جاء في الإحسان إلى الخدم

باب ما جاء في الإحسان إلى الخدم

[1945] قوله: (سيء الملكة إلخ) أي الملكة بمعنى الملك ويمكن أن يكون بمعنى الخلق لكنه لم يثبت من اللغة. قوله: (ونبيُّ التوبة) لقب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

باب ما جاء في البخل

باب ما جاء في البخل

[1962] قوله: (المؤمن غرٌّ كريم إلخ) أي ساذج، ويخالفه ما في الصحيحين: أن رجلاً أسر في البدر وأتى عنده فاعتذر وألح، فخلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبيله، ثم ذهب إلى أهله، وقال: إني خادعت محمداً ثم جاء أسيراً فاعتذر وألح، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» إلخ، ولم يتركه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والجمع بين الحديثين أن مراد الأول أنه ليس بداهٍ ليكون يخرج الطرق والسبل قبل وقوع الأمر عليه، ومراد الثاني أنه يتعظ بما يقع عليه ولا يعود إلى ما صدر عنه مرة كالشطار.

باب ما جاء في اللعنة

باب ما جاء في اللعنة

[1976] اللعنة (پهنكار ونفرين) ولا يلعن معين، وتجوز على طائفة مثل المشركين أو الكافرين أو المرتدين أو الفلاسفة ولا يلعن رجل خاصة إلا من علم كونه محل للعنة بالشرع كالقادياني، وفي الروايات أن امرأة لعنت ناقتها ففرق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناقة عن القافلة، وقال: «لا ينبغي معنا الملعونة» ، وأما اللعن على يزيد فذكر عَنْ أحمد لا عن الثلاثة، ونقله الغزالي عن أبي حنيفة كما في ابن خلكان من الكيا، ولكن في الفقه عدم جوازه.

باب ما جاء في الشتم

باب ما جاء في الشتم

[1981] الشتم من القذف، وصرح الفقهاء بجواز قصاص الشتم وتدل عباراتهم على أن ينقل ألفاظ الشاتم ولو زاد يعزّر.

باب ما جاء في المزاح

باب ما جاء في المزاح

[1989] بكسر الميم (خوش طبعي) . قوله: (يا أبا عُميرُ ما فعل النُغير إلخ) هذا مزاح لأن الصغير لم يكن والد أحد، وقيل له: أبا عُمير، وتمسك الطحاوي بحديث الباب إن حرم المدينة ليس كحرم مكة فإن أبا عُمير أخذ النغير (لال رط يا) من المدينة، وقال الشافعي ومالك: إن حرم المدينة كحرم مكة. . . .

باب ما جاء في المداراة

باب ما جاء في المداراة

[1996] من الدرء مهموز اللام. قوله: (بئس ابن العشيرة إلخ) هكذا وقع فإنه ارتد بعد إسلامه، وعياذاً بالله.

باب ما جاء في الكبر

باب ما جاء في الكبر

[1998] قال الغزالي في الإحياء: إن ادعاء شيء لا يوجد في غيره ليس بداخل في الكبر، وإنما الكبر نفخ بسببه يزعم الإنسان غيره حقيراً وفي صيام فتح القدير: أن الجمال من الأخلاق الحسنة والزينة من أخلاق الشيطان، وروي عن أبي حنيفة: أن الكبر والظلم يجازان تباً في الدنيا والعقبى، ويجب للمؤمن أن يختار حالة متوسط لا ترتفع إليه الأصابع زينة أو قبحاً، واعلم أن خلقه عليه السلام في التوراة مثل خلقه في حديث اللاحق في باب خلقه.

باب ما جاء في حسن العهد

باب ما جاء في حسن العهد

[2017] في مسند أحمد أنه كان يذكر خديجة أم المؤمنين، فقالت عائشة يوماً: ما تذكرها يا رسول الله كانت عجوزاً ماتت ورزقك الله حسنى منهما، فغضب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غضباً شديداً وقال: «والله ما عندي مثلها» فاستفعت عائشة.

باب ما جاء في الصبر

باب ما جاء في الصبر

[2024] قال العلماء: إن الصبر على قسمين؛ صبر على الشيء أي المكروه، وصبر عن الشيء أي المرغوب، وذكر الأستاذ أبو القاسم القشيري: أن واحداً من أولياء الله الكبار أنه قال: ما فرحت مثل فرحتي في ثلاثة وقائع؛ أحدها: أني ذهبت وكنت في السفر فمرضت بالحمى الشديدة فوقعت في مسجد ولم أقدر على المشي، فجاء رجل مؤذن أذن وسألني: من أنت؟ قلت: مسافر فأخذ برجلي يجرني حتى ألقاني خارج المسجد، والثانية: أني كنت على شط نهر فبال رجل وقع كله عليّ وكان تعليني من الحيوانات، والثالثة: أني كنت جالساً في السفينة فكان شرطي يذكر قصة جهاد وكنت أبلاهم ثياباً فأخذ بذوابتي وفؤادي وحركني يقول: هكذا كنا نحرك الكفار.

باب ما جاء في إن من البيان لسحرا

باب ما جاء في إن من البيان لسحرا

[2028] قيل: إن قوله هذا في معرض الذم، وقيل: لا بل في معرض المدح.

كتاب الطب

كتاب الطّبّ

باب ما جاء في الدواء والحث عليه

باب ما جاء في الدواء والحثّ عليه

[2038] قال الغزالي: إن المريض لو علم بالقطع الشفاء ثم لم يداو به فهو عاص مثل الجائع الذي عنده طعام، ولو كان الشفاء مظنوناً فهو في حد الجواز، ولو كان موهوماً فترك ذلك الدواء أحسن وهو توكل.

باب ما جاء في الحبة السوداء

باب ما جاء في الحبة السوداء

[2041] الحبة السوداء بكسر الأول (كلونجي) ، ويقال لها في الفارسية (سياه وان) ، واعلم أن في الهندية (سياه وانه) اسم حب النيل وهو من السميات فلا يختلط، وذكر ابن سينا فوائد الحبة السوداء أزيد من أربعين.

باب ما جاء فيمن قتل نفسه بسم أو غيره

باب ما جاء فيمن قتل نفسه بسمّ أو غيره

[2043] قوله (خالداً مخلداً فيها أبداً إلخ) اعلم أن شأن حديث الباب غير شأن سائر الحديث، ويؤيد

قول المعتزلة فتأول فيه شراحنا والتأويلات مذكورة في المنهاج للنووي على صحيح مسلم، وأعمل المصنف الحديث ولكنه أخرجه مسلم ص (72) في صحيحه، أقول: إن مراد الحديث أن فعله هذا أبدي ما دام في جهنم لا أن قيامه في جهنم أبدي قال عبده الحقير محمد جراغ قال شيخنا مد ظله العالي في بعض دروسه: إن طبقات عصاة المؤمنين تفنن، وقوله ذلك لعله يفيد في حديث الباب.

باب ما جاء في السعوط وغيره

باب ما جاء في السعوط وغيره

[2047] السعوط ما يلقى في الأنف مائعاً كان أو جامداً، واللّدود ما يصب في أحد جانبي الفم، قالوا: إنه لما أغشي عليه زعموا أنه مبتلى بذات الجنب فأرادوا اللدود فلما أفاق منع عنه، ثم لما أغشي قالوا لدوه وإنما منعه ليس إلا لأن المريض لا يرضى للدواء فلدّوه فأمر بلدودهم حتى أن لدت بعض أمهات المؤمنين أيضاً مع كونهن صائمات وما لدَّ عباس فقيل: إنه لم يكن في مشاورة الصحابة بلدوده، وقيل: إنه لم يلدّ أدباً فإن العم صنو الأب، وأما وجه لدوده الصحابة إنه لعله لو لم ينتقم عنهم لعلهم يقعون في أشد منه.

باب ما جاء في كراهية التداوي بالكي

باب ما جاء في كراهية التداوي بالكي

[2049] الكي نوعان ناري، وغير ناري والكي جائز غير مرضي، واعلم أن في قول عمران بن حصين

إشارة إلى قصة وهي أنه ابتلي في مرض الباسور (بواسير) ، فاكتوى وكان الملائكة يسلمون عليه فإذا الكتوى كفوا عن التسليم فتأسف عمران عليه.

باب ما جاء في الحجامة

باب ما جاء في الحجامة

[2051] قوله: (في الأخدعين إلخ) الأخدعان العرقان، قال ابن سينا في قانونه: إن الحجامة يفيد في النصف الأخير من الشهر، فإن الرطوبات الصالحة تكون في الظاهر والفاسدة في الباطن في النصف الأول، وفي النصف الأخير يعكس الأمر.

باب ما جاء في كراهية الرقية

باب ما جاء في كراهية الرقية

[2055] الرقية (أفسون) إن اشتملت على ما هو غير جائز فلا تجوز، وإلا فتجوز كما يدل الباب الآخر أن بعض الرقى جائزة. . .

باب ما جاء في الرقية من العين

باب ما جاء في الرقية من العين

[2059] الحمة (نيش عقرب) ثم المراد أعم من لدغ العقرب أو الحية. قوله: (العين إلخ) وفي الطب دواؤه وذكروا إحراق ما يقال له في لساننا: (اسپند) ، وأنكر بعض الأطباء العين. قوله: (لسبقته العين إلخ) لو: في الحديث امتناعية، وليس المراد أن الرقية أو العين أو الدعاء يرد القدر بل هي أيضاً من القدر، فإن القدر يحتوي على كل شيء، وللعين غُسل مذكور في موطأ مالك ترتيب الغسل، وكذلك في حاشية الباب اللاحق، وذكروا سر ذلك الغسل ليوافق الطب، أقول: لو يطلب السر فأقول ما قال بعض الحذاق: إن الله وضع دافع السم مع ذلك السم كما قالوا: إن في رأس الحية حبة تفيد في دفع سمها، وفي الحديث: «إن في إحدى جناحي الذباب دواء وفي ثانيهما دواء» ، وكذلك قالوا: إن أخبث سموم المعدنيات سم الألماس دفيعة معه ياقوت وكذلك أخبث السموم هيش (ب هناك) ومعه رفيقه جدوار (ناربسي) .

باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ

باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ

[2063] لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن عند أبي حنيفة، وجوزه المشائخ وبعض التفصيل مر سابقاً، وتجوز الأجرة على التعويذ كما صرح به الشيخ في عمدة القاري وقال الشاه عبد العزيز في

تفسيره تحت آية: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} [البقرة: 41] ما حاصله: إنه إذا كان ختم البخاري أو القرآن العزيز لحاجة دنيوية تجوز الأجرة، وإذا كان لأمر دنيوي وقيد المكان والزمان تجوز الأجرة، وقال ابن عابدين في شفاء العليل: إن الأجرة حرام إذا كان لإيصال الثواب وأتى بالنقول الكثيرة، وقال بعض جاهلي العصر: إن عدم الجواز إنما إذا كانت الأجرة أقل من أربعين درهماً وأحاله إلى المبسوط والحال أنه لا لفظ في المبسوط، وإن هو إلا كذاب مفتر.

باب ما جاء في الكمأة والعجوة

باب ما جاء في الكمأة والعجوة

[2066] الكمأة في الفارسية (سماروغ) وجمعه كماً بلا تاء، والعجوة نوع تمر المدينة. قوله: (المن إلخ) في الجلالين: أن المن الترنجبين، واعلم أن هذا المذكور في الحديث قريب المن، لا عين المن في القرآن.

باب ما جاء في كراهية التعليق

باب ما جاء في كراهية التعليق

[2072] تجوز التعليق (بأعوذ بكلمات الله التامة. . إلخ) كما ثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وفي مسند أحمد عن أم سلمة: من ألقى وَدعة في عنق الصبي فالله بريء عنه إلخ، وسنده حسن عند ابن تيمية، الودعة الخرزة، ولعل تعليق ما هو مجرب بالطب جائز.

باب ما جاء في تبريد الحمى بالماء

باب ما جاء في تبريد الحمّى بالماء

[2073] قال الأطباء: إن الماء أنفع للحمى، لكنه مقيد ببعض أقسام الحمى، وذكر السيوطي: كنت أشفي بالماء من كل نوع الحمى.

باب ما جاء في دواء ذات الجنب

باب ما جاء في دواء ذات الجنب

[2078] اعترض بعض الأطباء من غير المسلمين بأن القسط البحري مضر أشد الهلاك لذات الجنب، أقول: ذات الجنب حقيقي وغير حقيقي، وإنما الإفادة لغير الحقيقي وهو احتقان الرياح في الجنب.

باب ما جاء في السنا

باب ما جاء في السنا

[2081] قوله: (بالشبرم إلخ) هو حب النيل (سياه وانه) ، وهذا مسهل مع السمِّية. واعلم أنه قد صنفت الكتب في الطب النبوي. [30] كتاب الفرائض عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

كتاب الفرائض

كتاب الفرائض

باب ما جاء في تعليم الفرائض

باب ما جاء في تعليم الفرائض

[2091] قوله: (تعلموا الفرائض إلخ) قيل: إن الفرائض في الحديث هي الأحكام المفروضة وتسمية هذا الفن بالفرائض محدث، أقول: كيف يقال أنه محدث؟ أقول: كيف يقال إنه محدث؟ والحال أنه قال: «إن زيد بن ثابت أفرضكم» .

باب ما جاء في ميراث الجد

باب ما جاء في ميراث الجد

[2099] قال أبو حنيفة: إن الجَد كالأب يحرم الإخوة، وقال صاحباه: الإخوة والجد يرثون جميعاً بمقاسمة، والسلف أيضاً مختلفون وأبو بكر الصديق مع أبي حنيفة.

باب ما جاء في ميراث الخال

باب ما جاء في ميراث الخال

[2103] قلنا: إن ذوي الأرحام يأخذ المال إذا لم يكن من قبلهم، وقال الشافعي: لاحظَّ لهم وإنما يوضع المال في بيت المال، ولنا حديث الباب، وتعرضوا إلى تعليل الحديث لكن تعليلهم ليس بشيء.

باب ما جاء في الذي يموت وليس له وارث

باب ما جاء في الذي يموت وليس له وارث

[2105] أفتى أرباب الفتوى بأن بيوت الأموال انعدمت فيدفع الوراثة إلى من يدلي إلى الميت رضاعاً، وأفتى صاحب مجمع الأنهر بوضعها في المدارس الإسلامية وهذا يوافق أهل العصر ويفيد أرباب الفتوى ما في باب ميراث المولى الأسفل، فإن المولى الأسفل لا يرث وإنما يرث الأعلى في بعض الأحيان، وفي الحديث: «يعطى الأسفل المال» فدل الحديث على إعطاء الأبعد عند عدم كون من يأخذ التركة.

باب ما جاء أن الميراث للورثة والعقل للعصبة

باب ما جاء أن الميراث للورثة والعقل للعصبة

[2111] اعلم أن معنى الغرة في اللغة معروف، وعند الفقهاء خمسمائة درهم، والشراح مختلفون في شرح الحديث قيل: إن المتوفية كانت جانية، وقيل: كانت مجنية. قوله: (على عصبتها إلخ) المرجوع إما الجانية أو المجنية.

باب ما جاء في ميراث الذي يسلم على يدي الرجل

باب ما جاء في ميراث الذي يسلم على يدي الرجل

[2112] هذه القرابة تسمى بالموالاة وفيها وراثة عندنا لا عند غيرنا، وصورتها أن حربياً أسلم على يد مسلم واشترط أن يكون أرشه وارثه من الجانبين، ولو أعطى أحدهما أرشاً لا يمكن الفسخ ويجوز قبل أداء أرش وقال السرخسي في المبسوط: لا حاجة إلى قيد الحربي وأدلتنا محصاة في موضعها فليراجع إليها في كتب الحديث.

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا

باب ما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوص

باب ما جاء أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - لم يوص

[2119] أي لم يوصِ في أمر الدنيا والمال، بل في أمور الدين مثل استخلاف أبي بكر، وبعث أسامة وإخراج اليهود من جزيرة العرب. قوله: (أوصى بكتاب الله إلخ) قيل: معناه أوصى موافق كتاب الله وقيل: أوصى بحفظ كتاب الله، وعدم تضييعه وثبت خطبته في مرض الموت، وقالوا: إن الخطبة كانت تلافي ما يريد أن يكتب في القرطاس مثل استخلاف أبي بكر وإخراج المشركين من جزيرة العرب.

كتاب الولاء والهبة

كتاب الولاء والهبة

باب ما جاء فيمن تولى غير مواليه أو ادعى إلى غير أبيه

باب ما جاء فيمن تولى غير مواليه أو ادعى إلى غير أبيه

[2127] قوله: (ما بين العير إلى ثور إلخ) العير يقال له في هذا الزمان العائر، وفي الحديث: «أن العائر جبل النار» ، وقال صاحب القاموس: إني تحيرت في أن ثوراً في مكة لا المدينة حتى لقيت أعرابياً فسألته فقال: إن جبل ثور في المدينة خلف جبل أحد على ثلاثة أميال من المدينة. قوله: (فعليه لعنة الله والملائكة إلخ) من قال بجواز لعن يزيد احتج بحديث الباب، ومن الثابت أن جماعة الصلاة في فتنة يزيد تركت في المدينة ثلاثة أيام، وقال سعيد بن المسيب: كنا نسمع صوت الأذان والإقامة من قبره عليه الصلاة والسلام، وقال ابن المسيب: إني تجنبت في أيام الفتنة لآمن شر يزيد.

باب في ما جاء القافة

باب في ما جاء القافة

[2129] قال الشافعي: إن القافة معتبرة وبحيث لو ادعى المولان نسب ولد جارية فالعبرة لما قال القائف، وقال أبو حنيفة: إن الولد لهما. قوله: (زيد بن حارثة إلخ) كان أسامة أسود وزيد آدم، فقال: الكفار إن أسامة ليس من زيد فمر هذا القائف عليهما، وقال: هذه الأقدام بعضها من بعض، وكان هذا القائف كافراً فسُر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مسألة الرجوع في الهبة مرت سابقاً.

كتاب القدر

كتاب القدر

القدر تحت صفة الإرادة لا صفة العلم، وزعمت المعتزلة اندراجه تحت العلم وهو خلاف نصوص الشرع والإجماع، والإرادة مؤثرة في وجود المراد لا العلم في وجود المعلوم، وقال أرباب المعقول: إن علم الباري مؤثر لا علم الكائنات، وقال علماء الإسلام: إن من شأن العلم انجلاء المعلوم متى وقع كيف ما وقع، وزعمت المعتزلة أن في الإنسان اختياراً مستقلاً، ونقول: إن فيه اختياراً لكنه ليس بمستقل بل صورة في الحالة الراهنة، ويطلق عليه لفظ المختار حقيقة لا مجازاً لكنه في الحقيقة غير مختار، والاختيار وصف موضوع في الممكن يفعل به الأشياء أو يتركها من إرادته، ثم ذلك الوصف مستند إلى الاضطرار، وأما التأثير فإنما هو للفاعل الحقيقي، وإنما الإنسان مجبور محض في قبول ذلك الوصف، فالحاصل أن الإنسان مثل آلات المركب الدخاني كما يدل عليه لفظ الحديث في الصفحة (37) وهو يستعمله إلخ، إن قيل: أي فائدة في خلق العالم كما قال إبليس؟ قلت: إن في خلق العالم ثلاث احتمالات فإنه ممكن أو محال أو واجب، ومن البداهة أنه ليس بمحال وإلا فكيف يُخلق؟ والحال أنه مخلوق فيكون ممكناً؟ فإذا كان ممكناً فهل يقول أحد: إن إيجاده ليس بمستحسن؟ كيف يقول وفيه إظهار عجائب بارئ النسم وبدائعه، وإن قيل: يرفع الثواب والعقاب قلت: إن هذا يستلزم رفع الحسن من الحسن والقبح من القبيح ولا يقول به أحد فيكون جزاء مرتكب الحسن حسناً ومستحسناً، وكذلك جزاء مرتكب القبيح قبيحاً وهو إلقاؤه في النار وإدخال المطيع في الجنة، ثم إن قيل: لم خلق الله القبيح من الأمور ولم لم يخلق جميع مخلوقه حسناً؟ فيقال: إن خلق القبيح نظراً إلى الخالق حسن وإن كان نظراً إلينا قبيحاً، فإنه أيضاً كمال الخالق وإن من القانون في مخلوقاته في الدنيا تقليل الحسنات وتكثير القبيحات لأن الحسن يقتضي الاعتدال في الأنحاء والأنواع، ومن المعلوم أن الأقل شروطاً أكثر وجوداً والأكثر شروطاً أقل وجوداً، وفي الاعتدال شروط كثيرة، ولقد صنفت نظماً في مسألة القدر وأذكره نبذة منه: ~ يا صاحبي إن الكلام بقدرتك ... طويل وتحرير الخلاف يطول

~ لعلها أضحى لنا منا على اختيارنا ... ولكنه نحو القدير يؤول ~ ففيك اختيار ليس منك وذلك ... لجبر اختيار لا يكنك ذهول ~ وهذا هو الكسب الذي كلفوا به ... وفيه اقتصاد فليكنك قبول ~ وأما اختيار مستقل فإنه ... محال فلا يسألك عنه سؤول ~ ويثمر شرشر ما ينبغي له ... فيزعمه الظلم الصريح جهول ~ كإيراث خبث البذر خبث نباته ... طباعاً ولا يأتيه قال يقول ~ ولا يستوي الميزان إلا بخصلة ... تفوت بأدنى ميلة فيعول أقول: إن عصيان العاصي سبب لدخوله جهنم من قبيل التسبيب والتسبيب لا من قبيل الانتقام، وقد قلت فيما مر أن في الأفعال تأثيرات كما في الأدوية فإذا أكل أحدهم الفأر ومات لا يقول أحد: إنه مظلوم بل يطعن عليه وكذلك في الأفعال القبيحة.

باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر

باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر

[2133] يجب للمسلم الاعتقاد بالقدر، ولا يجعل القدر عذراً لترك الأوامر وارتكاب النواهي، فإن صرفه اختياره إلى المرمر محسن في إرادته لكنه يعتقده أنه أيضاً من القدر، ولو فرض أن أحداً اطلع على شقاوته الأبدية قطعاً فلا يسقط عنه أحكام دار التكليف مثل الصوم والصلاة فلا يصح التقدير عذر في دار التكليف.

باب ما جاء في حجاج آدم وموسى عليهما السلام

باب ما جاء في حجاج آدم وموسى عليهما السلام

[2134] اسمع على طور النكتة أن مسألة التقدير مذكورة في سورة البقرة فإنه تعالى قال لآدم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} فأخطأت الملائكة وقالوا: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30] . لكنهم لم يصروا على الخطأ فخلق الله آدم وأمر الملائكة بالسجود، وكان الغرض من السجود تسليم خلافة آدم فسلمت الملائكة خلافته، وخالف إبليس وارتدّ وحاج مع خالق المخلوق تبارك وتعالى ولا يجرئ أحد من المخلوق على المحاجة مع الخالق وإن هذا إلا كفر وظلم صريح، ولم يتب الملعون عن خطئه، فعلّم الله آدم التلكيف والتشريع وستر عنه التقدير، وأخذ أهل السنة والجماعة بالتشريع والتقدير ووفقهم الله الجمع بينهما، وقال الجبرية بالتقدير وذهب عنهم التشريع وقال المعتزلة بالتشريع لا بالتقدير، ثم اعلم أن التشريع والتكليف أيضاً في إحاطة التقدير، فعلم الله آدم أمراً ونهيا ونهى عن قرب الشجرة لكنه نسي وأكل وبكى على نسيانه مدة، ولم يصر على ما ارتكبه فتاب الله عليه، كما كان الأليق في المخلوق وخالقه فاستخلفه الله على الدنيا إلى أبد الدهر، فعلم من هذا أن الإنسان أفضل فإنه خلق فيه الخير والشر وكلف بالخير وهو في إحاطة التقدير، ومقتضى العقل أيضاً أفضلية الإنسان على الملك، ثم اصطفى الله موسى، للمناظرة مع آدم وكان موسى حديد الطبع فحج آدم موسى وكان إذن مقابلة مخلوق بمخلوق والعالم وراء عالم التشريع كما قال ابن همام في المسائرة فلا يعتذر في عالم التشريع بعالم التقدير، ولم يناظر آدم مع الرب تبارك وتعالى موقوع الأمر بينهما أمر الخالق والمخلوق وكان الدار دار التكليف، وقال الحافظ ابن تيمية: إن التمسك بالقدر كان في المصيبة لا عذراً في المعصية.

باب ما جاء في الشقاء والسعادة هما أزليتان ومن القدر

باب ما جاء في الشقاء والسّعادة هما أزليتان ومن القدر

[2135] قوله: (فيما قد فرغ منه يا ابن الخطاب إلخ) قوله هذا من أعلى الإعجاز فإن حل العقيدة الوثيقة بمثل هذا المختصر من الكلام لا يحصل إلا لصاحب النبوة، ولا يحصل بعد تحصيل الفنون العقلية والنقلية مدة الأعمار والسنين، ويكفي لذوي الألباب في مسألة التقدير ما ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مختصر من الأقوال المباركة، ومعنى «كُلٌّ مُيْسَرٌ إلخ» أن كل واحد سهل له ما قدر له وليس الفعل والترك أيضاً مستأنفاً بل هو أيضاً مفروع عنه لا يخرج كل ما في الكون عن حيطة القدر. قوله: (ينكث في الأرض إلخ) هذه واقعته وهو في المقبرة وكان الميت يدفن.

باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم

باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم

[2137] قوله: (أربعين يوماً إلخ) في مسلم خمسة وأربعين يوماً، ولعل الاختلاف باختلاف الأحوال

والأشخاص، وفي علم الطب أن رحم المرأة إذا ضعف تطول مدة الحمل. قوله: (وعمله شقي أو سعيد إلخ) هذا شيء واحد والشقاوة والسعادة تفسير الحمل، وأما الشيء الرابع فليس بمذكور هاهنا، وهو أن الحمل ذكر أو أنثى وليعلم أن الأعمال قبل الموت أمارات الشقاوة والسعادة.

باب ما جاء كل مولود يولد على الفطرة

باب ما جاء كل مولود يولد على الفطرة

[2138] الحديث طويل الذيل سيأتي بحثه في جنائز البخاري، وكتب ابن قيم عدة أوارق في شفاء العليل على حديث الباب، والمسألة هاهنا مسألة نجاة أولاد المشركين والتوقف فيهم.

باب ما جاء لا يرد القدر إلا الدعاء

باب ما جاء لا يردّ القدر إلا الدعاء

[2139] الدعاء أيضاً غير رادٍّ للقدر فإنه أيضاً من القدر إلا إن القدر مستور عنّا.

باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن

باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن

[2140] قوله: (من أصابع الله إلخ) مرَّ الغزالي في إحياء العلوم على حديث الباب وهو من المتشابهات ولم يرض بقول التفويض إلى الله تعالى، ونقل أن أحمد بن حنبل لا يتأول في متشابه إلا هذا الحديث، وأقول: لعله لم يتأول فيه أيضاً إلا أنه حكي أن ابنه عبد الله كان يدرس الحديث فجاء أحمد بن حنبل في وقت درسه، وحديث الباب تحت الدرس وكان يحرك عبد الله أصابعه فغضب الإمام وقال: مه لعل الناس يزعمون أن أصابع الرحمن مثل أصابعك هذه، فلعل الغزالي أخذ من هذا، والله أعلم. ثم هذه الألفاظ الثابتة مثل اليد والأصبع واليمين والوجه والحقوة والقدم والساق فلم أجد نقلاً من السلف في إطلاق اسم مشترك على هذه، وأطلق المتكلمون لفظ الصفات وهو موهم للزيادة

على الذات وإخلاء للفظ عن موضوعه، وأطلق البخاري لفظ النعوت وهو وصت عليه الخص.

باب ما جاء أن الله كتب كتابا لأهل الجنة وأهل النار

باب ما جاء أن الله كتب كتابا لأهل الجنة وأهل النار

[2141] قوله: (ما هذان الكتابان إلخ) الشراح مترددون في الكتابين، وعندي يمكن أن يكون هو البياض المحض والغرض التمثيل. قوله: (سدّدوا وقاربوا إلخ) من السداد بفتح الأول، وأما السداد في الاعتقاد فعدم التعرض إلى التناقض بين نصوص الشريعة والنهي عن كونه مجادلاً، وأما في الأعمال فاختيار الأعمال المتوسطة والبلوغ إلى منتهاها بدون إفراط وتفريط. قوله: (فريق في الجنة إلخ) اعلم أن جواباته في مسألة التقدير كافية وافية لمن له فهم سليم وذوق صحيح ولقد كتبت نعته ومنه: ~ آدم بصف محشر وذريت آدم ... درزير لواءت كه خطيبي وأميري

~ يكتاكه بود مركزهر دائره يكتا ... تامركز عالم تواي لي مثل ونظيري ~ وحق است وممتاز زباطل ... آن دين نبي هست اگر صاف ضميري ~ آيات رسل بوده همه بهتر وبرتر ... آيات توقرآن همه وأني همه گيرى ~ آن عقده تقدير كه ازكسب نشد حل ... حرفي توكشا يدكه خبيري وبصيري ~ كانراكه جزاگفته آن عين عمل هست ... بكزرز حفاف ونگران هـ پذيرى ~ أي ختم رسل أمت توخير أمم بود ... ون ثمره كربا شد همه وردور أخيري ~ كس نيست أزين أمت توانكه وانور ... باروئ سياه آمده وموئ زرئيرى

باب ما جاء في القدرية

باب ما جاء في القدرية

[2149] المفهوم من أقوال المتكلمين أن مرجئة أهل البدعة قائلون بأن معصية من المعاصي لا تضر، وذكر التوربشتي أن المرجئة هم الجبرية، وهو الحافظ، وفضل الله التوربشتي حاذق في الكلام، وكذلك مقتضى ظاهر الحديث من التقابل بين القدرية والمرجئة، وقال القدرية بأن أفعال العباد بخلق العباد وأنكر التقدير.

قوله: (وهو عمران القطان إلخ) في مسند أحمد رواية صلاته بالليل تسع ركعات وثلاث ركعات منها وتر وفي إسنادها عمران، وفي نسخة مسند أحمد عمران العطار، وكنت متردداً فيه مدة وراجعت إلى النسخ القلمية وفيها أيضاً العطار حتى أن وجدت في البخاري في ذات الرقاع عمران، وفي الحوض عمران القطان، وفي الهوامش العطار فحصل لي أنهما واحد.

باب ما جاء في الرضا بالقضاء

باب ما جاء في الرضا بالقضاء

[2151] اعلم أن القضاء إجمال والقدر تفصيل، والكلام بين الإرادة والمشيئة سيجيء في البخاري إن شاء الله. قوله: (أو مسخ إلخ) أي مسخ الصورة، وورد في الحديث: «لا مسخ في أمتي» وقيل: إن حديث الباب محمول على المسخ القليل، وما ورد في الحديث فهو محمول على المسخ العام.

قوله: (أول ما خلق الله إلخ) في بعض الروايات: أن أول المخلوقات نور النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ذكره القسطلاني في المواهب بطريق الحاكم والترجيح لحديث النور على حديث الباب.

قوله: (إلى الأبد إلخ) الأبد عند الشارحين القيامة، لأن علم الباري غير متناهٍ بالفعل ولا يسع في المتناهي، وأقول: إن الأبد يحمل على معناه اللغوي إلا أن في كتابة العلم إجمالاً وفي علم الله تفصيلاً، وهكذا أقول فيما سيجيء: إني رأيت ربي في المنام، ووضع يده بين كتفي فتجلى لي ما بين السماوات والأرض بأن علم البشر يكون بما في الأرض، والإعجاز أن يكون له علم ما في السماوات، ولا يجب أن يكون ذلك بكل شيء وبالتفصيل بل يكفي العلم الإجمالي، ولما كان خارجاً عن قدرة البشر كفى فيه الجنس ولا حاجة إلى الاستغراق ببعض الأشياء لا الاستغراق، فالاستدلال بذلك الحديث على إثبات علم الغيب له عليه الصلاة والسلام وتساوي علم النبي والباري غير صحيح، وأما الشراح فقالوا: إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم ما في السموات والأرض ما شاء الله وغرضهم إبطال التمسك المذكور بذلك الحديث، وأيضاً التجلي هو عرض لا تفصيل.

كتاب الفتن

كتاب الفتن

باب ما جاء في إشارة المسلم إلى أخيه بالسلاح

باب ما جاء في إشارة المسلم إلى أخيه بالسلاح

[2162] من حمل السلاح على أخيه أو تعرض لماله يجوز للآخر الذي حُمِلَ عليه قتل الحامل المتعرض ديانة كما في كتب المذاهب الأربعة.

باب ما جاء في لزوم الجماعة

باب ما جاء في لزوم الجماعة

[2165] إذا تحققت الإمامة الكبرى لأحد فلا يجوز لأحدٍ البغاة الخروج عليه، ويجب اتباعه وتعبر الشريعة هذا الاتباع بلزوم الجماعة، وفي حديث: «لا تخرجوا على الإمام إلا أن تروا كفراً بواحاً» إلخ. قوله: (ولا يستحلف إلخ) في أصل مذهبنا المنع عن الاستحلاف، وجوز أرباب الفتوى للشاهدين.

باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

[2169] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ولو تيقن عدم النفع فيجوز الترك لكن العمل بالعزيمة أولى، وإذا خشي الأذية والضرر فيترك.

باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر

باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر

[2174] في جامع الفصولين لمحمود بن قاضي سماوة: أن قوماً بغت يسبب ظلم الإمام عليهم لا يحامي القوم ولا الإمام لأن الجور صدر عن الإمام، وأما إذا جاهد الإمام مع الكفار أو بلا مظلمة فيجب حماية الإمام إجماعاً، وزعم بعض الجاهلين مسألة جامع الفصولين على غير ما هي فأفتوا وضلّوا فأضلّوا.

باب ما جاء في رفع الأمانة

باب ما جاء في رفع الأمانة

[2179] هذه الأمانة في القرآن العزيز: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأحزب: 72] وذكر بعض تفصيلها في البخاري أي لون للقلب تمهيد للإيمان وبسببه يراعي الإنسان مواجب الناس وحقوقهم. قوله: (مثل الوَكت إلخ) حديث الباب يدل على زيادة الإيمان ونقصانه كما قلنا.

باب ما جاء في انشقاق القمر

باب ما جاء في انشقاق القمر

[2182] انشق القمر في عهده ولا يمكن إنكاره كما أنكر بعض الملاحدة، وما نسب إلى بعض كبارنا إنكاره فلم يدرك من نسب إليهم مراد كبارنا فإن مرادهم أنه كان من أشراط قرب القيامة، وفيه الإعجاز أيضاً لا نفي الإعجاز رأساً والعياذ بالله، وادَّعت جماعة من المحدثين أن ثبوته بالتواتر، وفي مشكل الآثار أيضاً روايات كثيرة.

باب ما جاء في الخسف

باب ما جاء في الخسف

[2183] قوله: (طلوع الشمس من مغربها إلخ) يوم طلوع الشمس من المغرب يوم خروج الدابة، ويكون لتلك الدابة عصى وخاتم ترسم المؤمنين بالعصى يظهر منه لفظ (المؤمن) ، ويرسم الكفار بالخاتم ويظهر لفظ (الكافر) ، هكذا قال العلماء ولقولهم روايات أيضاً، وفي رواية ضعيفة السند أن الشمس تدور على دور القطب، وذكر الشيخ الأكبر لطيفة وهي أن المدور إذا دوّرت فإذا ختمت حركته يرجع، وكذلك الشمس تدور فإذا ختمت حركتها ترجع وتطلع من المغرب. قوله: (نار تخرج من قعر عَدَن إلخ) قال النووي: إن هذه النار خرجت فيما مضى، وقال جماعة من المحدثين: إن قطعة الحديث: «تسوق الناس وتحشر الناس» وهم الراوي وأنها قطعة الحديث الذي فيه ذكر النار التي قريب القيامة لا النار التي وقعت، واعلم أنه وقع في الروايات أن الحشر والحساب يكون في الشام.

باب ما جاء في خروج يأجوج ومأجوج

باب ما جاء في خروج يأجوج ومأجوج

[2187] سدّ يأجوج ومأجوج نحو البلاد الشرقية الشمالية، وأما ما تقول الملاحدة من أهل العصر أن ما من بقعة من بقع الأرض إلا ومُسِحَت ولم يوجد له بها يأجوج ومأجوج وليس بموجود فغلط محصن، فإن في الإفريقية أرض في أربعين منزلاً لم يطئه قدم واطئ، فإذن قولهم كذب بحت، وذكر يأجوج ومأجوج في التوراة أيضاً. قوله: (الأثرة إلخ) ترجيح أحد على الآخر بلا وجه وجيه.

باب ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بما هو كائن إلخ

باب ما أخبر النبي - صلّى الله عليه وسلّم - أصحابه بما هو كائن إلخ

[2191] ليس المراد به إخبار جميع ما يكون إلى القيامة وكل جزئيته، بل المراد الجنس مثل أخبار الفتن.

باب ما جاء في أشراط الساعة

باب ما جاء في أشراط الساعة

[2205] الأشراط جمع شَرَطَ بفتح الوسط، والشروط جمع الشَرْط بسكون الوسط.

قوله: (الله الله إلخ) قال العلماء: إن روح الدنيا لا إله إلا الله، فإذا خرج الروح تفسد الدنيا، وأقول: هذا يدل على أن الله الله مفرد أيضاً ذكر، وكذلك في القرآن العزيز {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91] الآية، وقال الحافظ ابن تيمية: إن الله مفرداً ليس بذكر، وتأول في مثل هذا بالحذف أو التقدير.

قوله: (لكع بن لكع إلخ) لعين بن لعين. قوله: (تقئ الأرض إلخ) يفهم من الروايات أن نهر الفرات ينتقل من موضعه وتخرج منه دفينة عظيمة فلا يأخذونها، لعل وجه عدم أخذهم إنقراض ما في الدنيا عن قريب. قوله: (ريحاً حمراء إلخ) الريح التي تشتمل على البلاء والأمراض.

باب ما جاء في قتال الترك

باب ما جاء في قتال الترك

[2215] في الحديث نهي عن المقاتلة بالترك وتأذيهم، وفي الحديث: «واتركوا الترك ما تركوكم» وهذه إشارة إلى فتنة التاتار والتيمور، اعلم أن في الدنيا قومين لا يوجد رجل منهم كافر، وهم الأتراك والعرب.

باب ما جاء في ثقيف كذاب ومبير

باب ما جاء في ثقيف كذاب ومبير

[2220] ثقيف حي من قبائل طائف، المبير هو حجاج بن يوسف ظالم هذه الأمة، والكذاب هو مختار بن أبي عبيد وأخته صفية بنت أبي عبيد زائدة زوجة ابن عمر، ويروى عن أحمد بن حنبل أن حجاجاً كافر.

باب ما جاء في القرن الثالث

باب ما جاء في القرن الثالث

[2221] زعم أكثر العلماء أن مصداق القرن الأول من عهده والثاني عهد الصحابة والثالث عهد التابعين، وأقول: لعل هذا الأمر مستمر أي كل ماضٍ خير من مستقبل إلا ما شاء الله والخير والشر أمران إضافيان، وفي مسلم: «أنا بعثت لي خير القرون» فقرنه خير القرون الأولى والأخرى، والقرن في اللغة النسل أي ناس زمان وعصر واحد.

باب ما جاء في الخلفاء

باب ما جاء في الخلفاء

[2223] المراد باثني عشر أميراً عند أهل السنة والجماعة هم الخلفاء الأربعة، وحسن وعمر بن

عبد العزيز ومعاوية، ومثل المهدي والمستعصم ونقلوا أن المستعصم كان شهيداً في حرب تاتار وهو صائم وغيرهم من الصلحة، لا ما زعم المتشيعون من الأئمة اثني عشر من أهل البيت لأن عند أهل السنة كل من كان إماماً منهم فهو إمام ولا يحصرون والمراد هاهنا الأمراء.

باب ما جاء في الخلافة

باب ما جاء في الخلافة

[2225] قوله: (الخلافة في أمتي ثلاثون سنة إلخ) خلافة أبي بكر الصديق ثنتان مع بعض الأشهر، وخلافة عمر الفاروق عشرة سنين مع بعض الشهور، وخلافة ذي النورين اثنا عشر سنة وخلافة علي أمير المؤمنين أربعة سنين، وخلافة حسن سبط النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عدة أشهر. قوله: (بنو الزرقاء إلخ) زرقاء امرأة من جداتهم، ثم كون الخليفة قريشياً عند الجمهور واجب، وعند إمام الحرمين وذكر الطرابلسي عن أبي حنيفة الاستحباب.

باب ما جاء في المهدي

باب ما جاء في المهدي

[2230] يعلم من الأحاديث أن أكثر حروب تقع بين المسلمين والنصارى فينزل عيسى لإصلاح النصارى، ويكون نبياً ويعمل بشريعة محمد بن عبد الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي سن عمره روايات كثيرة ولكن الصحيحة أن يكون عمره في الدنيا بعد النزول أربعين سنة، وأتى الحافظ بالتوفيق بين الروايات في الأطراف، ويبعث المهدي لإصلاح المسلمين فبعد نزول عيسى يرتحل المهدي من الدنيا إلى العقبى.

باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم

باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم

[2233] قوله: (يضع الجزية إلخ) حكم وضع الجزية لعيسى من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي الأحاديث الصحاح أن نزول عيسى في المغرب، فما حال الملعون القادياني يدعي أنه ابن مريم؟ والحال أن الملعون ابن وهل هو دجال خرج من المشرق.

باب ما جاء علامات خروج الدجال

باب ما جاء علامات خروج الدجال

[2238] قوله: (في سبعة أشهر إلخ) في أبي داود ص (590) رواية تخالف رواية الباب، فإن فيها ستة سنين، ويمكن أن يقال: إن ست سنين تمضي في الحروب ثم بعدها تمضي سبعة أشهر في سائر الأمور ولكني ما وجدت النقل، وفي أبي داود ص590: عمران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال انتهى، ولا يتوهم اتصال جميع هذه الأشياء بل يمكن الفصل الطويل بين علامتين فإن صاحب الشريعة جمع في عدد العلامات.

باب ما جاء في فتنة الدجال

باب ما جاء في فتنة الدجال

[2240] قوله: (سورة أصحاب الكهف إلخ) لأنهم أيضاً ابتلوا في فتنة فنجاهم الله عنها بفضله اللهم أنجنا آمين. قوله: (يوم كسنة إلخ) قيل: إنه تصوير لشّدة الابتلاء وليس في الواقع سنة، وقيل: إن في ذلك الزمان يكون تكاثف السحب والأمطار والظلمة ولا يرى النهار، ولا ريب أن القحط أيضاً يكون في ذلك الزمان كما في بعض الروايات، وقيل: يكون يوم سنة في الواقع وقرينة لفظ (ولكن اقدروا. إلخ) لفظ حديث الباب، وتمسك ابن همام على أن صلوات أهل بلغار خمس بهذا الحديث، وفي بلغار يطلع الصبح حين غيبوبة الشفق بعد غروب الشمس ومختار الشيخ ابن همام، واختاره شمس الأئمة الحلواني، واختار البقالي الأربع، ولما بلغ الحلواني ما اختاره البقالي أرسل الحلواني رجلاً إلى البقالي فبلغ الرجل والبقالي يعظ الناس فقال الرجل: ما حال من أسقط خامسة الصلوات؟ فقال: حاله كمن يتوضأ وسقط يده فسكت الرجل وذهب إلى الحلواني وبلغه ما ورد به. أقول: إن الصلوات عليهم خمس، ولكن حال الصلاة وحال رمضان عليهم كيف يكون حكمه ولم يتوجه إلى هذا أحد إلا الشوافع توجهوا إلى الصلاة، ويقولون: إن أهل بلغار يمرون على حساب من قريب منهم ويجدون وقت العشاء، وأما ابن بطوطة السياح صاحب الرحلة قال: بلغت بلغار وصمت ثمة معهم ولم أجد شيئاً من الكلفة على نفسي: وأما بعض البلاد مثل قاذان فلا يوجد الشفق الأحمر أيضاً بل إذا غربت الشمس طلعت الفجر، وكان فيهم ملا بهاء الدين الحنفي المرجاني وهو ذكي الطبع وله حواشي على الكتب، وصنف رسالة فيما نحن فيه ولم أجدها، ونقل النواب في رسالة عبارة الشيخ رفيع الدين الدهلوي رحمه الله.

قوله: (أن حَوِّز عبادي إلى الطور إلخ) هذا الحكم في التوراة أيضاً.

باب ما جاء في الدجال لا يدخل المدينة

باب ما جاء في الدجال لا يدخل المدينة

[2242] قوله: (إن شاء الله إلخ) هذا لعله قيد الطاعون، وينظر في التواريخ هل دخل الطاعون في المدينة أم لا؟ وأما الوباء فقد دخلها، وذكر الشراح ما بدا لهم، وفي البخاري ص (1056) ج (2) أولاً الطاعون إن شاء الله، فبالجملة لو توهم نقض قاعدة الحديث يقال: إن عدم الدخول معلق بمشيئة الله تعالى فليتدبر.

باب ما جاء في ذكر ابن صياد

باب ما جاء في ذكر ابن صياد

[2246] كان مختلط الأحوال ويخبر عن المغيبات تكون بعضها صحيحة وبعضها كاذبة، وكان كاهناً فطرة وحلف بعض الصحابة بأنه دجال، ثم قيل: إنه غاب في وقعة الحرة مع يزيد، وقيل: إنه غاب في الحروب القادسية كان أولاً بالمسلمين ثم التحق باليهود.

قوله: (إن تميم الداري إلخ) هذا من خصوصية تميم الداري بأنه حدث عنه قائماً على المنبر، وقد ثبت ذهاب ابن الصياد إلى مكة مع أبي سعيد في حديث الباب، وثبت بسند صحيح أن ابن عمر غضب على ابن صياد وضربه بالعصا، وقالت حفصة: لم ضربته يا ابن عمر فإنه حدث أن سبب خروج الدجال غضبة فِلم أغضبته؟ . قوله: (لا تحل له مكة إلخ) قيل: إن المراد به عدم دخوله مكة والمدينة هو بعد خروجه دجالاً، ويجوز دخوله قبل الخروج ولكن الأرجح أن ابن الصياد ليس بالدجال الكبير الموعود، نعم أحواله مختلطة ومشبهة مع أحوال الدجال الكبير ولعله دجال صغير. قوله: (وهو الدُّخُّ إلخ) قيل: إنه قرأ الدخان في نفسه وسمعه الشيطان وأبلغه إلى ابن الصياد، أقول: من راجع إلى مقدمة ابن خلدون لا يحتاج إلى هذا، فإنه ذكر تفسير الكهانة وأنها قد تكون جبلياً وإنما أضمر هذه الآية لأن ابن صياد كان يرى دخاناً. قوله: (فاضرب عنقه إلخ) قيل: إنه كان واجب القتل لأنه ادعى النبوة، وقيل: إنه كان صبيّاً فلا يقتل. قوله: (تنام عيناه إلخ) هذه علامة الكاهن. قوله: (له همهمة إلخ) هذه أيضاً من علامات الكهانة.

باب حديث تميم الداري في الدجال

باب حديث تميم الداري في الدجال

[2253] هذا من خصوصية تميم الداري، وكان نصرانياً ثم أسلم، واعلم أن الرجل المذكور حاله هو الدجال الكبير.

كتاب الرؤيا

كتاب الرؤيا

باب أن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة

باب أن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة

[2270] قوله: (اقترب الزمان إلخ) قيل: اقتراب زمان القيامة، وقيل: إن معنى اقتراب الزمان استواء الليل والنهار في حين خاص ترى من اختلاف الليل والنهار طولاً وقصراً واستوائهما، وقيل: إن المراد ارتفاع البركة، والألزق بالقلب هو الأول فإن في قرب الساعة تكون خوارق. قوله: (الرؤيا ثلاث إلخ) تعين مصاديق الرؤيات الثلاثة في شرح السنة للبغوي.

باب ما جاء في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «من رآني في المنام فقد رآني»

باب ما جاء في قول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - «من رآني في المنام فقد رآني»

[2276] تفصيل المسألة والحديث سيجيء في البخاري.

باب ما جاء في تعبير الرؤيا

باب ما جاء في تعبير الرؤيا

[2278] قال جماعة من العلماء: إن الرؤيا تابعة لتعبير المعبر ولا تستقر حقيقتها إلا بالتعبير ويفهم من البخاري أنه لا تعبير بل لها أصل وحقيقة، فإن وافق التعبير الحقيقة فصادق وإلا فكاذب وهو المختار، وأما جواب حديث الباب فالمعنى أن مصداق الرؤيا غير معلوم لا نفي أصل المصداق، والحقيقة ومصداق الرؤيا قد يتأخر إلى ثلاثين سنة أيضاً، والمعبر المشهور محمد بن سيرين، ويقولون أنه أخذ هذا العلم من أبي بكر الصديق بالوسائط أخذتْ أسماء بنت أبي بكر عن أبي بكر، وأخذ

عنها محمد بن سيرين بواسطة، وله حكايات كثيرة أنه سئل عمن رأى في منامه أنه يختم على أفواه الناس أعضاءهم المخصوصة؟ فقال محمد: إن ذلك الرجل هو المؤذن في غير وقته وأما في عصرنا فسمعنا تعبيرات مولانا رشيد أحمد الگنگوهي رحمه الله عجيبة ومشهورة.

باب ما جاء في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - الميزان والدلو

باب ما جاء في رؤيا النبي - صلّى الله عليه وسلّم - الميزان والدّلو

[2287] قوله: (والله يغفر له إلخ) قيل: إن قوله قول بعد التيقظ، وقيل: إنه رأى هذا القول أيضاً في المنام. قوله: (يفري فرية إلخ) الفرية في اللغة إصلاح الأديم والغرض الإصلاح.

قوله: (أحدهما مسلمة إلخ) المشهور مسيلمة بالياء بعد السين قبل اللام ادعى النبوة وأقر بنبوته أيضاً، وكتب إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينصف له الأرض، فكتب النبي الكريم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جوابه مختصراً كافياً شافياً وفيه: عن محمد رسول الله إلى مسليمة الكذاب أما بعد: «فإن الأرض لِلّه يورثها من يشاء من عباده» ، وتسمح النووي في قصة مسيلمة الكذاب، فإنه قال: إن الأكثر ارتدوا والحال أن المرتدين عياذاً بالله عند مسيلمة الكذاب الملعون كانوا قليلاً، كما قال ابن حزم في كتاب الملل والنحل، وأخذت هذا من أشعار العرب، وقتل مسيلمة الكذاب حين اجتمع الصحابة على المحاربة وحشي وجعله كفارة لما مضى عنه قتل سيد الشهداء حمزة. قوله: (والعنسي إلخ) هذا هو الأسود العنسي قتله فيروز الديلمي حين كان عاملاً، واطلع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قتله بالوحي وفرح بذلك، أقول: أخذت من هذا أن مدعي النبوة كافر إجماعاً وواجب القتل، وشأن الملعون القادياني بعينه شأن مسلمة الكذاب بأنه ادعى النبوة، ولم ينكر رسالة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونبوته.

قوله: (أصبت أم أخطأت إلخ) هذا أيضاً من متمسكات البخاري.

كتاب الزهد

كتاب الزّهد

الزهد في الدنيا الرغبة عن الدنيا وقالوا: إن ذرة من الزهد خير من عبادة الثقلين، والعبادة شيء وجودي يشتهر والورع شيء عدمي يحتمل.

باب ما جاء «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه»

باب ما جاء «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه»

[2309] كان كالحديث سهل المراد، وإنما أشكل بسبب سؤال عائشة الصديقة وجوابه وأقول إن معنى الحديث الآن أيضاً ما هو الظاهر المتبادر سهل الوصول، وأما جوابه فكان على طريق القول بالموجب، والقطعة المشكلة ليست بمذكورة في طريق الباب.

باب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا»

باب في قول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا»

[2312] قوله: (لَوِددت أني كنت إلخ) قال المحدثون: إن هذه القطعة ليست بمرفوعة بل قول أبي ذر. قال أبو العتاهية الشاعر المسلم: كان شريباً ثم زهد وتورع: ~ إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر وصنف كتاباً مستقلاً في الزهد ونظم فيه الأحاديث والآيات مشتمل على أربعين ألف شعر، وذكر ابن قيم في كتاب الروح قال أحمد بن حنبل: ليس التوكل ترك الأسباب بل التوكل أن يأتي بالأسباب، ولا يعتقد حصول الرزق من تلقاء الأسباب، وهو عين ما روى عمر بن الخطاب في الترمذي ص (58) : «لو أنكم كنتم توكلون على الله حق التوكل لرزقتم كما ترزق الطير» إلخ.

باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه

باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه

[2347] قوله: (عُجِّلَت إلخ) ما مر من الحديث: «خير الناس من طال عمره وحسن عمله» إلخ في ص (59) يخالف حديث الباب، فإن مقتضى حديث الباب تحسين قصر العمر خلاف ما مر، والجواب أن الممدوح ليس هو طول العمر بل الممدوح ذهاب الإنسان من الدنيا وهو خال من الأوزار الهالكة له مع طول عمره.

باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم

باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم

[2350] قوله: (بخمسمائة عام إلخ) يوم الحشر في آية {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] وذكر المفسرون وجه التوفيق، وأقول: إن في الحديث أن الحساب يختم إلى نصف النهار ويكون خروج عصاة المؤمنين من النار قبل اختتام ذلك اليوم، واستخرج الشاه رفيع الدين الدهلوي من الروايات أن الشفاعة وإخراج العصاة من النار وجميع الأحوال يكون في يوم واحد، وفي الفتح عن تفسير ابن عيينة أن السلف كانوا يقولون: إن عمر الدنيا خمسون ألف سنة، وعندي هذا النقل أعلى مما يروى عن ابن عباس أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة ولكنه مختلف فيه في الوقف والرفع كما قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة، وحكم عليها ابن الجوزي بالوضع وذكر السيوطي بأسانيد قوية، بعض قوة ولعل رواية ابن عباس موقوفة ولعله أخذ من كتب العهد العتيق أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة.

باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -

باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم -

[2365] قوله: (بنو أسد إلخ) في الحاشية عن مجمع البحار أنه من بني الزبير بن العوام وهو غلط، والصحيح أنه بني أسد بن خزيمة بن مدركة، وأسد متحرك الوسط كما يفهم من البخاري ص (104) وهو الشاكي من سعد بن أبي وقاص في عهد عمر الفاروق، ومن البخاري ص (528) في مناقب سعد بن أبي وقاص.

بابما جاء في الرياء والسمعة

بابما جاء في الرياء والسمعة

باب (ما جاء في الرياء والسمعة)

[2381] قوله: (جُبِّ الحزن إلخ) هذه دركة عصاة المؤمنين لا الكفار، فإن المؤمن والكافر، كيف يستويان؟ وحال العالم المرائي أيضاً كقارئ مرائي، وفي رواية عبد الله بن عمرو بن العاص أن يوماً يكون جهنم خالياً ويدخله الهواء من الجوانب، وعند الشيخ الأكبر يدخل الكفار جهنم ثم بعد مدة طويلة متمادية، يدعون الله من أبواب جهنم، وكان ظواهرهم وبواطنهم في التعب والمشقة وتأكلهم النار ظاهراً وباطناً فبعد مدة الدعوة نتخلص بواطنهم وتأكلهم النار ظواهرهم، ثم بعد مدة طويلة يتخلص ظواهرهم أيضاً ويكونون في النار، ويتلذذون بالنار بسبب اعتيادهم وصيرورة طبعهم نارية،

ولعله يستدل برواية مسند أحمد لكن دعواه واستدلاله مخالف النصوص الشرعية، وما في مسند أحمد هو نار عصاة المؤمنين.

باب ما جاء أن المرء مع من أحب

باب ما جاء أن المرء مع من أحب

[2385] اعلم أن الدخل في دخول النار والجنة هو الكفر والإيمان، وأما الأعمال الصالحة فأثرها دافع العذاب بشرٍ أشره، ولذا يكون الكافر مخلداً في النار والمسلم مخلداً في الجنة، وظني أن قرب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون على درجات التوسل به، ومعدن الجنة هي الوسيلة وهي موضعه وهذا عندي مراد حديث الباب أي التفاوت في قربه في الجنة بتفاوت درجات التوسل، ويحتمل أن يكون هكذا حال كل نبي مع أتباعه، وفي الأحاديث أنه يكون له لواء يوم القيامة وتحته متبعوه،

ويكون لكل واحد أيضاً لواء نفسه ويخطب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت لواء ومما قلت فيه: ~ آدم بصف محشر وذريت آدم ... وازير لواءت كه خطيبي وأميري

باب ما جاء في حسن الظن بالله تعالى

باب ما جاء في حسن الظن بالله تعالى

[2388] قال العلماء: إن الأولى للمسلم أن يحسن ظنه بالله في كل حال، وقال الغزالي: المرء في الصحة بين الخوف والرجاء، وفي المرض له رجاء محض. (فائدة) : الشريعة تحكم باتباع الغير واتباعه وتقليده مثل حديث مضمونه أنه ينبغي في السفر أن تجعلوا رجلاً أميركم، وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد الخروج من المدينة لأمر يستخلف رجلاً خلفه، وكان

السلف يقتدون ويأتمرون بما يقول، ويأمر أمير المؤمنين حتى أن رجلاً لو ذكر رأيه في عهد أمير من أئمة المؤمنين لا يأخذ الأمير برأيه، ثم إذا صار ذلك الرجل أميراً يمضي على رأي نفسه كما نشاهد من خلافة الأربعة المهديين؛ كان أبو بكر يعطي الجدة السدس، ثم الفاروق الأعظم مضى على رأي نفسه في عهده، وفي موطأ مالك: أن عائشة أرسلت رجلاً إلى عثمان بن عفان وهو أمير المؤمنين تسأل مسألة ثم مضت على ما أفتى عثمان، ولا يقول أحد: إن عائشة انسدت عن الاجتهاد وليس ما ذكر إلا حاصل التقليد، فما قال بعض الناس من أن تقليد إمام من الأئمة بدعة هو سفاهة، وخلاف الشريعة وأنه لم توجد جزئية من جزئيات أبي حنيفة رحمه الله من المسائل المتعلقة بالحديث إلا ومعه بعض من السلف الصالح.

باب ما جاء في صحبة المؤمن

باب ما جاء في صحبة المؤمن

[2393] قوله: (لا يأكل طعامك إلا إلخ) أي في الصدقة على المسلم التقي زيادة الأجر والثواب، وإلا ففي السير الكبير لمحمد بن حسن: أن الصدقة على الكافر ولو كان حربياً توجب الأجر والثواب.

باب ما جاء في الصبر على البلاء

باب ما جاء في الصبر على البلاء

[2395] في حديث الباب لفظ الأنبياء، وذكر الداودي شارح البخاري زيادة المؤذنين أيضاً كما في حياة الحيوان.

باب ما جاء في حفظ اللسان

باب ما جاء في حفظ اللسان

[2404] قوله: (هذا حديث حسن إلخ) حسن الترمذي حديث الباب مع أن لسنده عبيد الله بن زِحر، وهو في سند حديث مسند أحمد: أن معاذاً أفتى في الشام بوجوب الوتر ضعفه الشافعية، والعجب من أنهم يضعفون رجلاً في موضع ويحسنونه في موضع آخر!

كتاب صفة القيامة والرقائق والورع

كتاب صفة القيامة والرقائق والورع

باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص

باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص

[2418] قوله: (حتى تُقاد الشاةُ الجلحاء إلخ) قيل: إن القصاص والقود إنما يكون في المكلفين وليست الحيوانات بمكلفة، فقال أبو الحسن الأشعري: إنه تمثيل ولا حساب من الحيوانات، وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية المغربي: إنها تحاسب ويوافقه ظاهر الحديث.

باب ما جاء في شأن الحشر

باب ما جاء في شأن الحشر

[2423] قوله: (مرتدين على أعقابهم إلخ) مصداق هؤلاء الناس عند البخاري الخوارج، ولعلهم هم المبتدعون لأن للأعمال تكون تماثيل مبصرة في المحشر، وتمثال السنة النبوية الحوض؛ والشريعة في اللغة بمعنى الحوض أي موضع الشرب وفي الحديث: «إن لكل نبي حوضاً» إلخ، لكن حوضه طويل عريض مثل ما بين المدينة الطيبة والشام، ومن المعلوم أن المبتدعين يطردون من الحوض، وضد السنة البدعة، وأيضاً الأحداث في الشريعة المتبادر عنها البدعات، وفي حديث الباب لفظ الإحداث، وقيل: إن المراد هم الذين ارتدوا في عهد الصديق الأكبر، ومنشأ هذا القائل لفظ أصحابي في حديث الباب، وأقول: لا يجب أن يكون المراد بالأصحاب أصحاب رؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل المراد من يزعم إدخاله في شريعته. قوله: (أنت قلت للناس إلخ) هذا الحساب يكون قبل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذكر المفسرون أن عيسى يقوم في موضعه على رجليه عند سؤال الله تعالى مائة سنة ثم يلهمه الله الجواب فيجيب، والله أعلم أقوال المفسرين لها سند أم لا؟

باب ما جاء في الصور

باب ما جاء في الصور

[2430] قال الشيخ الأكبر: إن الأفلاك إحدى عشر، وقال السماوات السبع والأرضين وجميع ما في الدنيا في صور إسرافيل، وقال: إن الصور على الهيأة المخروطية (كاجر) وقال: إن جميع ما أحاطه به الفلك السابع في جهنم إلا بعض الأشياء المستثناة، وقال: إن السماوات السبع مركبة من العناصر الأربعة والثامن والتاسع من طبيعة خامسة ولم يذكر تركيب العاشر والحادي عشر، وقال: إن الجنة خارجة عن السابع.

باب ما جاء في شأن الصراط

باب ما جاء في شأن الصراط

[2432] ذكر الغزالي في الدرة الفاخرة في أحوال الآخرة أن الصراط تمثال الصراط المستقيم في الدنيا، من استقام عليه استقام عليه ومن زل هاهنا زل ثمة. قوله: (أول ما تطلبني على الصراط إلخ) في بستان المحدثين: أن الأول حوض كوثر ثم الميزان ثم الصراط، وأجاب عن حديث الباب أنه يكون له إياب وذهاب على هذه المواضع ولا ترتيب في حديث الباب.

باب ما جاء في الشفاعة

باب ما جاء في الشفاعة

[2434] قال العلماء: إن الشفاعة على نوعين كبرى وصغرى؛ فالكبرى التي فيها يذهب الناس إلى آدم مستشفعين فيعتذر، ثم إلى الأنبياء الآخرين فيعتذرون، ثم إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ختم المرسلين فيشفع، ويقع ساجداً عند الرب تبارك وتعالى سبعة أيام، ثم يجيب الله الدعوة فيشفع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم بعدها شفاعات كثيرة صغرى من العلماء والصلحاء والحفاظ وغيرهم. قوله: (خلقك الله بيده إلخ) معناه أنه خلقه على طريق غير معروف أي بغير التولد. قوله: (أول الرسل إلى أهل الأرض إلخ) قيل له أول الرسل لأن ظهور الكفر قُبَيل عهد نوح، ولم يظهر في الأنبياء الصلبيين لآدم وظهر الكفر في ولد قابيل بن آدم ولقب نوح نبي الله.

قوله: (ثلاث كذبات إلخ) اتفق العلماء على أن الثلاثة توريات لا كذبات صريحة. قوله: (ولم يذكر ذنباً إلخ) الأشعريون ذهبوا إلى أن الصغيرة يجوز ارتكاب الأنبياء إياها، ولم يجوز الماتريدية، ولم يقل أحد بارتكاب الكبيرة من الأنبياء ووافقنا تقي الدين السبكي وفي بعض الروايات ذكر اعتذار عيسى أيضاً، والعذر هو اتخاذ الناس بعده إياه وأمه إلهين من دون الله. قوله: (غُفِر لك ما تقدّم إلخ) لا خصوصية في المغفرة بل الخصوصية في الاطلاع في الدنيا لأن الغرض من هذا شفاعته عند الرب تبارك وتعالى في المحشر، وورد في الحديث: «إني لا أعلم المحامد التي يعلمني الله إياها وقت الشفاعة وإنما أطلع عليها في الحشر» ، فما شأن جهل من يقول بعلم الغيب الكلي للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذرة ذرة، واعلم أن الحمد من أرفع المقامات العبدية، ومنه اشتق اسم محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمقام المحمود يكون في يده لواء الحمد وانفتح القرآن بالحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والحمد أقوى الذرائع إلى الدعوة إلى الله تعالى.

باب منه

باب منه

[2435] قوله: (شفاعتي لأهل الكبائر إلخ) استدل التفتازاني بحديث الباب على أن ترك السنة كبيرة، لأن في الحديث: «من ترك سنتي لا يرد على حوضي ولم ينل شفاعتي» والشفاعة تكون لأهل الكبائر. قوله: (مع كل ألف سبعون ألفاً إلخ) لعل السبعين ألف الأولين الأئمة والتابعون هم المقتدون بهم، فإن الحديث يقتضي التبعية والمتبوعية، وأما زيادة مع كل ألف سبعون ألفاً ليست في الصحيحين ولا يتوهم الخطأ فإن الحافظ عماد الدين ابن كثير أخرجها بطرق عديدة في تفسيره.

باب ما جاء في صفة الحوض

باب ما جاء في صفة الحوض

[2442] الحوض مثل ما بين المدينة والشام كما يدل حديث الباب اللاحق من عدن إلى عمان البلقاء، وهذا العمَّان بتشديد الميم موضع بالشام وبتخفيف الميم موضع بالبحرين، ومنبر المسجد النبوي يوضع على الحوض في المحشر، واخترت في شرح حديث: «ما بين روضتي ومنبري روضة من رياض الجنة» إن هذه القطعة الآن قطعة الجنة، وفي وقت المرور على الصراط لا تكون هناك مستقراً إلا الصراط أو الجنة والنار فيمرون على الصراط.

باب حدثنا أبو حصين الخ

باب حدثنا أبو حصين الخ

[2446] قوله: (تِنيناً إلخ) قال بعض: إن جبريل وغيره من الملائكة قوى كما اختار الشيخ الأكبر ومراد الشيخ أن في الإنسان جزءاً من عالم جبريل، وليس مراده أن جبريل وغيره أوهام، ولقد صنف الشبلي كتاب مستقلاً وهو على مشرب الفلاسفة الملاعنة خلاف الشريعة.

قوله: (فمن أخذ بسخاوة نفس بورك إلخ) قال أهل اللغة: إن السخاء يستعمل في المعطي والآخذ.

قوله: (فأتينا البحر فإذا نحن بحوت إلخ) قال الشافعية: إن هذا العنبر نوع من حيوانات البحر، وقالت الأحناف: إنه حوت وسمك وينكره الشافعية، والحال أن في أكثر الألفاظ لفظ الحوت، ولا يقال: إنها كانت طائفة فلا تكون حلالاً على مذهب أبي حنيفة أيضاً لأنه قذفه البحر كما في الحديث، وقالوا: إن ثلاثة عشر رجلاً قعدوا في عين ذلك الحوت.

قوله: (من ترك اللباس تواضعاً إلخ) ويخالفه ما مر في الترمذي «وليرد عليك من مالك» إلخ، والجمع بينهما أن أثر المال وإظهاره حسن ولو ترك اللباس تواضعاً فهو أحسن، واختلفوا في أن الفقير الصابر أفضل أم الغني الشاكر؟ أقول: مدلول الأحاديث أن الأفضل الفقير الصابر.

قوله: (خرج رجل ممن كان قبلكم إلخ) هذا الرجل هو قارون الملعون ظلم ما لم يظلم غيره، وهو كان ابن عم موسى، وجاء عنده وطلب المال فدعا له موسى فأغناه الله فطلب موسى زكاة المال فأنكر، وكان موسى يعظ يوماً وقال قارون الظالم لامرأة أن تقول بمحضر من الرجال: إن موسى زنى بها والعياذ بالله، فاعترت المرأة قول الخبيث، فدعا

موسى فنزل عليه من الله سل ما تشاء على قارون فخسفه الله في ذلك الحين، ويخسف في الأرض إلى يوم القيامة.

قوله: (من عير أخاه إلخ) بين التعيير والنهي عن المنكر فرق فإن التعيير يكون من الكبر ويكون فيه براءة لنفسه، والنهي عن المنكر يكون لكون الشيء منكراً في الشريعة ويكون لله لا للتكبر.

قوله: (عن أبي الحوراء السعدي، وقال: قلت لحسن بن علي إلخ) هذا الحديث صححه الترمذي، ودل الحديث على أن لأبي الحوراء سماعاً عن الحسن بن علي، وأما حديث أبي الحوراء عن الحسن بن علي في قنوت الوتر فتصدى الشافعية إلى جعله منقطعاً، وكيف يجعلونه منقطعاً وصححه الترمذي، وفيه تصريح السماع فإنه قال هاهنا وقلت للحسن بن علي إلخ، فيجب الاعتدال في الاحتجاج والجواب.

كتاب صفة الجنة

كتاب صفة الجنة

قال السيوطي في إتمام الدراية: إن الجنة فوق السماء السابع والعرش على الجنة، وهكذا في الصحيحين، والمشهور عند أهل العرف أن الجنة في السماء الرابع، وأما جهنم ففي كتاب الملل والنحل كما ذكر ابن حزم: أن رجلاً سأل علي بن أبي طالب أن فلاناً اليهودي يقول: إن جهنم في البحر، قال أمير المؤمنين: ما أراه إلا أنه صدق، والله أعلم بحال السند وما مراد علي رضي الله، وفصله السفاريني في عقيدته.

باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها

باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها

[2526] مسألة الباب واضحة. قوله: (كي يذنبوا فيغفر لهم إلخ) يدل الحديث على أن الخلق كله لا يصير اختياراً وقد قلت تحت مسألة التقدير: إن الاعتدال في دار التكليف أي الدنيا قليل كما هوسنة الله تعالى، وأما غير دار التكليف فالاعتدال فيه كثير مثل دار السماء ودار الملائكة، وذكر الشيخ الأكبر عالمين منها عالم يسمى بأرض مقدسة متخذ مما بقي من طين آدم وذلك أوسع من هذا العالم، قال: ذهبت ثمة وأقمت ونكحت وولد لي أولاد وأنا أعرف أبنتيه وأمكنته.

باب ما جاء في صفة أهل الجنة

باب ما جاء في صفة أهل الجنة

[2537] قوله: (لا يتغوطون. . إلخ) في تذكرة يحيى بن أكثم أنه كان راكباً، وقال رجل من اليهود: كيف لا يتغوط أهل الجنة؟ فقال يحيى بن أكثم: كم تأكل وكم تتغوط؟ فذكر أكله أكثر من غائطه، فقال يحيى: إن القادر على إذهاب بعض قادر على إذهاب كله فيك، فأفحم الملحد.

باب ما جاء في صفة ثياب أهل الجنة

باب ما جاء في صفة ثياب أهل الجنة

[2539] (ارتفاعها لكما بين السماء إلخ) هذا بيان مسافة بين درجتين وليس المراد بيان ارتفاع درجة واحدة بقدر هذا، وإن كان ذلك أيضاً ممكناً في نفسه، وهكذا التفسير من بعض أهل العلم كما في الترمذي؛ اعلم أن المكان غير متناه بالفعل، وكذلك معلومات الله تعالى غير متناهية بالفعل، وإنكاره ليس إلا لحمق وغباوة.

باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار

باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار

[2557] قال جماهير أهل السنة والجماعة: إن للفريقين دواماً وخلوداً أبدياً، وقال الشيخ الأكبر: إن أهل النار إذا صاروا ذوي طبائع نارية لا يشق عليهم النار ولا عذاب لهم ولا يفني جهنم، وقال الحافظ ابن تيمية وابن قيم: إن جهنم كفار وأهلها يفنون بعد مدة متمادية، وقالا وهو مذهب الفاروق الأعظم وأبي هريرة وابن مسعود، لعلهما وجدا الأسانيد قوية وإلا فكيف يخالفان جمهور السلف والخلف؟ وقالوا: إن الخلود المذكور في الآيات والأحاديث ما دام بقيت جهنم، وإذا فنت يفنى أهلها أيضاً، أقول: حصل لي أثر الفاروق الأعظم لكنه ليس فيه تصريح الكفار، وعندي أنه محمول على عصاة المؤمنين كما قلت في المرفوع عن ابن عمرو بن العاص من مسند أحمد ثم نكات عقلية. قوله: (فيتبعون ما كانوا إلخ) هذا الاتباع يكون تكوينياً لا تكليفياً.

باب ما جاء «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات»

باب ما جاء «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات»

[2559] عامة الشراح والعلماء ذهبوا إلى أن جهنم والجنة في داخل الشهوات والمكاره، وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: إن الجنة خارج المكاره وكذلك جهنم خارج الشهوات، أي جعلت الجنة حفاف المكاره وجعلت النار حفاف الشهوات وأنكر على الشرح الأول أشد الإنكار.

باب ما جاء في صفة أنهار الجنة

باب ما جاء في صفة أنهار الجنة

[2571] قوله: (أبو بكر بن عياش كثير الغلط إلخ) هذا هو الذي في سند الطحاوي في حديث رفع اليدين، وهو من رواة البخاري في مواضع كثيرة منها ما في ص (186) (1) .

كتاب صفة جهنم

كتاب صفة جهنم

باب ما جاء أن للنار نفسين إلخ

باب ما جاء أن للنار نفسين إلخ

[2592] بعض شرح الحديث مر في أبواب الصلاة، وقلت: إن النار تخرج النفس إلى موضع، وتجذب من جانب آخر، وبسبب هذا اختلاف الحرارة والبرودة.

قوله: (ذرة مخففة إلخ) هذا من تصحيف سبعة، وفي مقدمة مسلم أن المصحف فيه أبو بسطام، والله أعلم.

كتاب الإيمان

كتاب الإيمان

باب ما جاءأمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله

باب ما جاءأمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله

باب ما جاء (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)

[2606] قوله: (كفر من كفر إلخ) قال النووي نقلاً عن الخطابي: إن كثيراً من العرب ارتدوا ولكنه غلط، والصحيح ما قال ابن حزم: إن المرتدين كانوا قليلاً بل أقل، وكان بعضهم بغاة وزعموا أن الواجب أداء الزكاة إلى كل واحد من أمرائهم، أي لا يجب حملها إلى أمير المؤمنين ولم ينكروا من أصل الزكاة.

قوله: (قد شرح صدر أبي بكر إلخ) تعرض العلماء إلى بيان المناظرة بين الشيخين، فقيل: إن عمر تمسك بعموم النص، وأما أبو بكر الصديق فعمل بالقياس، وأقول: لا يجب اندراج مناظرتهما تحت ضوابط بل يوافق الضوابط لأفعالهم.

باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه

باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه

[2612] تفصيل المذاهب بقدر الضرورة ذكرت في البخاري.

قوله: (رضيع لعائشة إلخ) أي الأخ رضاعاً. قوله: (الثلاث والأربع لا تصلي إلخ) هذا الحديث المرفوع يفيدنا في أقل مدة الحيض وأما الآثار فللطرفين. قوله: (بضع وسبعون باباً إلخ) اعلم أن الروابط ثلاثة: رابطة العرض مع العروض كالسواد مع الثوب، ورابطة الأصل مع الفرع كالشجرة وغصونها، ورابطة أخرى وهي أن الشيء الواحد تكون له ظهورات مختلفة في مواطن مختلفة، وقالوا: إن رابطة الإيمان والأعمال كالبياض والأبيض، ولعل الرابطة كالشجرة وأغصانها.

باب ما جاء فيمن رمى أخاه بكفر

باب ما جاء فيمن رمى أخاه بكفر

[2636] قوله: (فقد باء بها أحدهما إلخ) لو كان المرمي محلاً قابلاً لتلك الكلمة فقد باء بها وإلا فترجع إلى القائل بحيث لا يصير كافراً.

باب ما جاء في افتراق هذه الأمة

باب ما جاء في افتراق هذه الأمة

[2640] قوله: (ما أنا عليه وأصحابي إلخ) مصداقه أهل السنة والجماعة، واشتهر أن الظاهرية ينكرون القياس وأنهم لا ينكرون الجلي بل الخفي، والفرق والتميز بين الجلي والخفي أمر ذوقي لا يمكن

ضبطه وتحديده، ونُسب إلى الظاهرية أنهم لا يحتجون بأقوال الصحابة، وأقول: هذه النسبة إليهم في معرض الخفاء فإن ابن حزم الأندلسي من كبار الظاهرية وهو يتمسك في كتابه المجلى والمحلى بأقوال الصحابة كما نتمسك بأقوالهم، وفي قول من الشافعي أيضاً عدم الاحتجاج بأقوال الصحابة ولا ريب في أنه يتمسك بها في تصانيفه، فالحاصل أن الكلية مدخولة وبالجملة الآن مصداق الحديث اتباع المذاهب الأربعة والظاهري، وطريق معرفة ما أنا عليه وأصحابي توارث السلف وتعاملهم وإذا اختلفوا في شيء فالحق إلى الطرفين، والله أعلم.

كتاب العلم

كتاب العلم

باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة

باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة

[2676] البدعة ما لا يكون في الكتاب والسنة واجتهاد مجتهد مسلم الاجتهاد، فإن كان مما لا يلتبس بالأمور الشرعية مثل ركوب العروس على الفرس يوم عرسه فليس ببدعة، وإن كان الأمر لغواً وإن كان مما يلتبس بالأمور الشرعية مثل الثالثة والأربعينية بعد موت ميت فهو بدعة، وقد صنفت في رد

البدعات تصانيف، ومن تصنيف الموالك مدخل ابن الحاج، ومن الحنابلة تصانيف ابن تيمية الذي حامل لواء رد البدعة، ومن الأحناف مجالس الأبرار، وبعض تصانيف علامة قاسم بن قطلوبغا والألطف والأعلى لمعرفة أصول رد البدعات الاعتصام بالكتاب والسنة للشاطبي المالكي في مجلدين.

باب ما جاء في عالم المدينة

باب ما جاء في عالم المدينة

[2680] دهب الجمهور إلى أن الحديث في حق الإمام مالك بن أنس إمام المدينة، وذهب البعض إلى أنه في حق العمري، أقول: يمكن أن الحديث عام، ومن المعلوم أن المشتق قد يكون عاماً كما ذكر العلامة جار الله الزمخشري الحنفي.

كتاب الاستئذان والآداب

كتاب الاستئذان والآداب

باب ما جاء في كراهية إشارة اليد بالسلام

باب ما جاء في كراهية إشارة اليد بالسلام

[2695] قالوا: إن الاكتفاء بإشارة اليد في السلام من صنيع اليهود والنصارى، نعم إذا كان الرجل المسلم بعيداً تجوز الإشارة ولا بد من التكلم باللسان أيضاً، ولا يكتفي بإشارة اليد فقط ويجوز التسليم على النساء عند عدم خشية الفتنة.

باب ما جاء في التسليم إذا دخل بيته

باب ما جاء في التسليم إذا دخل بيته

[2698] قوله: (علي بن زيد بن جدعان إلخ) هذا من رواة مسلم مقروناً مع الغير، وفي مسند أحمد

رواية بسند علي بن زيد بن جدعان في الوضوء بالنبيذ وعلي بن زيد هذا أعلى من شهر بن حوشب بمراتب، والبخاري قوى أمر شهر بن حوشب كما في الباب السابق، وقالوا: يجوز التسليم على الكافر عند الضرورة وإلا فلا.

باب ما جاء في الاستئذان قبالة البيت

باب ما جاء في الاستئذان قبالة البيت

[2707] قوله: (ففقأ عينيه إلخ) لو فقأ أحد عين الآخر في نحو صورة الباب ففي معراج الدراية وجوب الأرش وفي القنية عدمه.

باب ما جاء في المصافحة

باب ما جاء في المصافحة

[2727] المصافحة إفضاء صفحة اليد بصفحة اليد وفي الأحاديث التي أسانيدها متوسطة ذكر سنية المصافحة باليد، وتلاقى عبد الله بن المبارك وحماد بن زيد فتصافحا ويكفي هذا العمل فبيد واحدة تجزيء وباليدين أكمل وأخذه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يد ابن مسعود بين يديه وإن كان لتلقين التحيات ولكنه مأخوذ عن المصافحة فالجنس واحد، وأما الانحناء عند الملاقاة فمكروه تحريماً كما في فتاوى الحنفية، وأما التقبيل فمتحمل، والمعانقة جائزة بشرط الأمن عن الوقوع في الفتنة.

باب ما جاء في قبلة اليد أو الرجل

باب ما جاء في قبلة اليد أو الرجل

[2733] قبلة يد أو رِجل رَجل عالم متحملة. قوله: (وعليكم خاصة اليهود إلخ) من كان يهودياً ولم يسلم لا ريب في كفره، ثم إن لم يعمل بكتابه أيضاً فهل هو معذب أم لا؟ فلم يتعرض إليه أحد من العلماء والحفاظ إلا أن الحافظ ابن تيمية لعله ذكر أنه لو لم يعمل بكتابه فهو معذب عليه وإلا فلا، ولا يقول: إنه ناج من النار لأنه كافر، وأقول: إن حديث الباب يدل على هلاكه إن لم يعمل بكتابه، ويفيدنا هذا فيما أجبنا به في رجم اليهود.

كتاب الآداب

كتاب الآداب

باب ما جاء أن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب

باب ما جاء أن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب

[2746] العطاس دال على النشاط والتثاؤب دال على الكسل. قوله: (فإن الشيطان يضحك في جوفه إلخ) قال الغزالي: إن الشيطان يدخل في جوف الإنسان، وقال ابن حزم: إنه لا يدخل، وحديث: «الشيطان يجري مجرى الدم من الإنسان» يؤيد قول الغزالي، وحديث الباب وآية: يؤيد قول ابن حزم، والله أعلم ما الحقيقة. قوله: (قال محمد بن عجلان إلخ) هذا تعليل في محمد بن عجلان وهو من رجال الشيخين

وهو راوي حديث: «إذا قرأ فانصتوا» إلخ، ولكنه ليس عن محمد بن عجلان عن سعيد بل عن ابن عجلان عن راو آخر وهو صحيح بلا ريب فيه كما هو موجود في النسائي ص (152) ، فإنه عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم وصححه النسائي، وأشار إلى نفي القراءة خلف الإمام في الجهرية.

باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل

باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل

[2754] قال ابن قيم في الزاد: إن القيام على ثلاثة أقسام؛ الأول: أن يكون رجل مقتدى يذهب لحاجته إلى جانب آخر ولا يأتي إلى هذا الرجل القائم فهذا منهي عنه. والثاني: أن يأتي مقتدى إلى هذا القائم فقيامه له جائز، وقيل: مستحب، أقول: عندي إنه غير مرضي إذا بولغ فيه. والثالث: أن يكون المقتدى جالساً والناس قائمين فهذا طريق الأعاجم.

باب ما جاء في تقليم الأظفار

باب ما جاء في تقليم الأظفار

[2756] اعلم أن الفطرة عندي ليست هو الإسلام، ويدل عليه هذا الحديث عند من له تدبر وذوق ثم حديث الباب الدال على عشرة خصال من الفطرة المحدثون إلى تعليله، وإن أخرج مسلم أيضاً وصححوا رواية الخمس. قوله: (قصّ الشارب إلخ) ألفاظ الأحاديث مختلفة فإن في بعضها قص الشارب، وفي بعضها إحفاء الشارب، والإحفاء يدل على الأخذ من الأصل لا القص، وأما لفظ الحلق فغير ثابت، وقال مالك بن أنس: إن الحلق مثلة، فالحاصل أنه غير مرضي، وقال الشيخ ابن همام في الفتح في باب الصيام: إن أخذ الشوارب بالمقص من أصولها قصر لا حلق، ونقل الطحاوي عن أئمتنا الثلاثة أنهم كانوا يحفون، وقال: لم أجد عن الشافعي إلا فعل خالي المزني. ولعله أخذه عن شيخه الشافعي وهو الإحفاء، وأما الحد من الطرفين فلم يثبت، وتؤخذ بقدر ما لا تؤذي عند الأكل والشرب، ولعل عمل السلف أنهم كانوا يقصرون السبالتين أيضاً، فإن في تذكرة الفاروق الأعظم ذكر أنه كان يترك السبالتين،

واهتمام ذكر تركه السبالتين يدل على أن غيره لا يتركهما. والله أعلم، وأما أخذ اللحية فمرفوعاً فيخرجه المصنف رحمه الله ويضعفه، فإنه نقل عن البخاري أني سمعته أنه يقوِّي عمرو بن هارون ما دمت عنده ثم بلغني عنه بعدما ذهبت من عنده أنه يضعفه، وأما عمل السلف فآثار أجلها ما أخرجه البخاري: أن ابن عمر كان يأخذ من لحيته بعد الفراغ عن الحج، أي ما يزيد على القبضة ويأخذ من رأسه، وأما تقصير اللحية بحيث تصير قصيرة من القبضة فغير جائز في المذاهب الأربعة، وكذلك كل في الدر المختار في الصيام وترد شهادة مرتكب هذا الفعل، ولتراجع كتب المالكية، وأما الذي زائد مسترسل من القبضة فقيل: الأولى الترك، قيل: الأولى القصر، والمختار القصر ولي في هذا الأولوية عبارة محمد في كتاب الآثار، واللحية التي على اللحيتين، وأما الذي على العذار والحلقوم فيجوز أخذه لكن في الطب المنع عن نتف ما على العذارين، وأما نتف الإبط فقال الشافعي: إن في الحديث نتفاً، ولكنا لا نطيقه وهو يوجعنا فنحلق، وأما حلق العانة ففي القنية: في العانة التحمل إلى أربعين يوماً وبعدها الكراهة، ويفيده ما أخرجه مسلم. قوله: (وانتقاص الماء إلخ) بالقاف المثناة، وفي نسخة أبي داود بالفاء، والانتفاص بالفاء قال في القاموس: إنه أخذ الماء إلخ مفرجاً أصابعه بين خلل الأصابع ويكون إذن حكم الرش ولو كان بالقاف فيكون الماء مفعولاً به وانتقاصه الاستنجاء به.

باب قصة خبئه صلى الله عليه وسلم

باب قصة خبئه صلى الله عليه وسلم

[2818] قوله: (خبأت لك هذا إلخ) كان القبأ مزوراً بأزرار الذهب كما في البخاري في كتاب اللباس، وتمسك به محمد في السير الكبير على جواز اتخاذ أزرار الذهب، أقول: لا ريب في جواز الأزرار المشرز بالثوب والتردد في ما ينفك عنه.

باب ما جاء ما يستحب من الأسماء

باب ما جاء ما يستحب من الأسماء

[2833] أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وفي رواية أن الأحب كل لفظ يضاف إلى اسم من أسماء الله تعالى، وفي رواية في المعجم الطبراني: «من سمى ولده محمداً أنا شفيعه» وصححها أحد من المحدثين وضعفه آخر.

باب ما جاء في أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم -

باب ما جاء في أسماء النبي - صلّى الله عليه وسلّم -

[2840] أبلغ العلماء أسماءه إلى المائة، وفي التوراة اسمه فارق ليط أو بارق ليط أي الفارق بين الحق والباطل.

باب ما جاء في إنشاد الشعر

باب ما جاء في إنشاد الشعر

[2846] الإنشاد والإنشاء شيئان، والإنشاء منه لا يجوز لما في القرآن، وأما الإنشاد فمختلف فيه قيل بجوازه، وقيل بعدمه، ولمن قال بالجواز فله رواية أنه كان يقرأ شعر لبيد: ~ ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالإخبار من لم تزود ولم يشبع دال تزود وفي رواية أنه قرأ: ويأتيك من لم تزود بالأخبار. فقال أبو بكر الصديق: ليس الشعر هكذا فتدل على أنه لا ينشد أيضاً، لكن إنشاد الشعر التام الصحيح ثابت لما روت عائشة أنه كان يقرء هذا الشعر:

~ تفاءل بما تهوى يكن فلقلما ... يقال لشيء كان إلا تحققا قوله: (وهذا أصح عند بعض أهل الحديث إلخ) قال الحافظ: والعجب من الترمذي مع وفور علمه أنه كيف يخطئ مثل هذا فإن غزوة مؤتة بعد عمرة القضاء، ولا يتوهم بأنه من سهو الكاتب لأنه يقول إن النسخ الحاصل لنا من الكروخي جميعها هكذا، وأقول: إن هذه الأشعار لا تناسب عمرة القضاء أيضاً بل تناسب فتح مكة، وإني وجدت روايته في حرب صفين كانت الأنصار جميعهم مع علي أمير المؤمنين ومعه عمار بن ياسر، فخرج عمار في الحرب ويقرأ هذه الأشعار وبدل لفظ الكفار ووضع لفظ تأويله موضع تنزيله، وكان لبيد صرف نصف عمره في الأشعار ثم أسلم ولم ينشئ شعراً:

كتاب الأمثال

كتاب الأمثال

جمع العسكري أحاديث الأمثال كثيرة

باب ما جاء في مثل الله عز وجل لعباده

باب ما جاء في مثل الله عز وجل لعباده

[2859] قوله: (ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش إلخ) قول الترمذي هذا ليس بمأخوذ عند المحدثين بل المأخوذ به أن رواياته عن الشاميين مقبولة لا عن الحجازيين.

قوله: (إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض إلخ) هذا الحديث يدل على أن رؤية الملائكة ممكنة، والعلماء مختلفون في إمكان رؤية البشر، والأحاديث دالة على الإمكان، وفي الحديث أن ابن عباس رأى جبرائيل والاختلاف في رؤيتهم على شكلهم الأصلي.

باب مثل أمتي مثل المطر

باب مثل أمتي مثل المطر

[2869] قوله: (لا يدري أوله خير أم آخره إلخ) لم يذهب إلى فضل من بعد الصحابة على الصحابة إلا أبو عمر في التمهيد بسبب هذا الحديث، وقال الجمهور: إن الحديث يدل على الفضل الجزئي وهو أن تكون في رجل أشياء كثيرة فاضلة وفي رجل شيء فاضل غير تلك الأشياء، وليست تلك الأشياء موجودة في هذا الرجل الآخر، ولا يقابل هذا الشيء بتلك الأشياء أصلاً وحمله الطيبي على نحو: ~ تشابه يوماً باسه ونواله ... فما نحن ندري أي يوميه أفضل ~ يوم نداه الغمر أم يوم بأسه ... وما منهما إلا أغر محجل

باب ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله

باب ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله

[2870] قوله: (من يعمل إلى نصف النهار إلخ) استدل محمد في آخر موطئه بحديث الباب على تأخير العصر، لعل التمسك بالألفاظ المذكورة في طريق الباب خفي ولكن نظر الإمام لعله إلى الألفاظ أخر ولا يبقي نظراً إلى هذه الأخر خفياً، وفي بعض الألفاظ عن ابن عمر أنه قال هذا القول حين كان ضياء الشمس على المكانات المرتفعة من الجبال والقلل، وقال: لم يبق من الدنيا إلا مثل هذا الوقت إلى الغروب إلخ.

كتاب فضائل القرآن

كتاب فضائل القرآن

كتاب فضائل القرآن عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب

باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب

[2875] استدل الحافظ بحديث الباب على أن العمل بالخاص إذا تعارض العام والخاص، أقول: لا استدلال في هذا الحديث فإنا نقول: إن بين النصين عموماً وخصوصاًمن وجه فنقول بمقاسمة الأصول. قوله: (سبع من المثاني والقرآن العزيز إلخ) في تفسير المثاني اختلاف قيل: إن المثاني هو السبع السور الأول الطول وسموا أجزاء القرآن بالسبع الطول، ثم المثاني والمئين وذوات البراء والمفصل، والمشهور أن سبعاً من المثاني سورة الفاتحة، وأما القرآن العظيم في حديث الباب فقيل: إن المراد في

هذا الحديث سورة الفاتحة، وقال أبو عمر في التمهيد أن المراد به القرآن العزيز كله وإنما ذكر هاهنا استطراداً وليس مصداقه الفاتحة، والأقرب قول أبي عمر.

باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي

باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي

[2876] قوله: (تجيء الغول فتأخذ منه إلخ) الغول نوع من الجن يتخبط منه الإنسان، وأما ما في الحديث من إنكار الشارع فإنما هو على ما يتوهمه العرب من الأوهام في الأوهام، وإسناد حديث الباب بعينه إسناد الحديث الذي أخرجه أبو داود ص (116) في ترك رفع اليدين، أو سقطه الشافعية والحال أن الترمذي يحسن هذا السند.

باب ما جاء في سورة آل عمران

باب ما جاء في سورة آل عمران

[2883] قوله: (ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي إلخ) هذا الحديث غاية المسكة

لمن يقول بخلق كلام الله، والحال أنه لا يدل على خلقه، ونظير الحديث: «ما مر من شخص أغير من الله» إلخ فإن الشخص هو الموضع المرتفع من الأجسام والله تعالى بريء عنه، ولا يدل على أنه تبارك وتعالى شخص عياذاً بالله كذا قال الخطابي والله أعلم.

كتاب القراءات

كتاب القراءات

اعلم أن القراءات ليست بمنحصرة في السبع بل أزيد تبلغ عشر قراءات متواترة بل تزيد عليها أيضاً، ويدل حديث الباب على الوقف على كل آية، ويقال لهذه الأوقاف أوقاف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والوقف على هذه الأوقاف: مستحب، وذكر الجزري أن الوقف مستحب، وما من وقف واجب في القرآن العظيم، وذكر السيوطي في الإتقان عن أبي يوسف رحمه الله أن الوقف الذي في زماننا لا أصل له، وقيل: ليس الوقف في الحديث قطع النفس بل الوقف السكتة، وأجمع العلماء على أن ابتداء الآيات وختمها توقيفي من الشارع، واعلم أن ما تجد على حواشي القرآن العزيز من وقف لازم أو واجب فلا أصل له، وظني أن وصل الآيات أيضاً ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قوله: (لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس إلخ) هاهنا قراأتان قراءة: {الم*غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1 - 2] معلوماً ومجهولاً، وكان اشترط أبو بكر الصديق مع قريش حين حارب الروم وكسرى فلما

غلبت الروم وصار كسرى غالباً أعطى أبو بكر الصديق مائة إبل، ولما كان يوم بدر فظهرت الروم على كسرى فأخذ أبو بكر ما أعطى وزائداً عليه، فعلم من هذا مسألة أبي حنيفة جواز الربا في دار الحرب في الأشياء الربوية من الكفار، وظهر من هاهنا أيضاً أن القراأتين تكونان في حكم الآيتين المستقلتين وهو مذهبنا.

باب ما جاء أن القرآن أنزل على سبعة أحرف

باب ما جاء أن القرآن أنزل على سبعة أحرف

[2943] الإقوال في الحديث الباب تبلغ خمسة وأربعين ذكرها السيوطي في الإتقان، والصحيحة منها ثلاثة: أحدها المنسوب إلى النحاة وهو أن القراءات السبعة باللغات السبع من لغة بني هذيل وبني تميم وبني قيس وغيرهم. والقول الثاني: قول شارحي الحديث وهو أن الاختلاف في القراءات وليس اختلاف الحلال والحرام بل اختلاف المجرد والمزيد، واختلاف اللفظ بالبابين مثل أن يكون (يحسبون) بفتح السين في قراءة، وبكسر السين في قراءة، ومثل اختلاف (تعلمون) و (يعلمون) وذكر في الإتقان عن ابن مسعود أن الاختلاف كاختلاف الألفاظ المتقاربة مثل تعال وأقبل وهلم وعجل، ومنها ما في أبي داود: ومن قرأ موضع عزيزاً حكيماً غفوراً رحيماً فهو جائز، ما لم يضم آية الرحمة مع آية العذاب، أو آية العذاب

مع آية الرحمة، ثم على الأقوال إشكالات ويشكل على ما نسب إلى النحاة بأن عثمان ذا النورين أقرأ المصاحف على لغة قريش، وأما لغات غير قريش فجائزة لهم بدون سمع أم لا؟ فإن كانت جائزة فلا بد من نقل عليه، وإن كانت غير جائزة بل تكون موقوفة على السمع فأي سهولة فإن السبع أنزلت للتسهيل، ويرد على قول الشراح مثل الطيبي أن التبديل اليسير لو كان مجازاً في لغة قريش فأي تنازع بين عمر الفاروق وهشام بن حكيم بن حزام مع كونهما قريشيين، والمرفوع أيضاً يشكل الأمر بأن المدار على السمع ولا تكون إجازة القلب، وأقول يجمع بين الأقوال الثلاثة، ويقال: إن المراد القراءات التي هي متواترة تنتهي إلى الإمام أي مصحف ذي النورين كيف ما كان جمع ذو النورين ما أتى به جبرائيل في العرضة الأخيرة من المجازات ونسخ ما كان التوسيع قبلها من المجازات، ولا تنحصر القراءات في السبع بل تزيد وأما الإشكال الذي كان على المنسوب إلى النحاة فزعموا أن السبع ممتازة امتيازاً بيناً، والحال أن المراد الاختلاف اليسير فالاختلاف ليس اختلاف المادة مثل الجلمود والصخر بل المادة متحدة والاختلاف في الباب وفي المجرد والمزيد، وهذه لغات متعددة. هذا والله أعلم.

باب في كم أقرأ القرآن

باب في كم أقرأ القرآن

[2946] قوله: (قال: اختمه في خمس إلخ) هذا باعتبار جمهور الأمة والسلف وثبت عنهم الختم في يوم واحد أيضاً، كما ختم عثمان في ركعة واحدة للوتر، وكذلك كان تميم الداري يختم في ليلة واحدة، وكذلك ختم أبو حنيفة في ليلة واحدة، وثبت عن بعض السلف ختم القرآن خمس مرات في يوم وليلة، وعن البعض سبع مرات وهذه النقول قوية، وفي كنز الدقائق: لا يختم في أقل من ثلاثة أيام ولا يزيد على أربعين يوماً.

كتاب تفسير القرآن

كتاب تفسير القرآن

أخذ البخاري والترمذي أبواب التفسير، وكذلك الطحاوي في مشكل الآثار فإنه أيضاً جامع.

باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه

باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه

[2950] واعلم أن معرفة التفسير بدون الرأي، وأنه ما التفسير بالرأي أمر ذوقي لذوي ذوق سليم، ولا ضابطة له، يعرفه من تعانى التفسير أن التفسير ما هو والرأي ماذا.

باب ومن سورة فاتحة الكتاب

باب ومن سورة فاتحة الكتاب

[2953] قوله: (قال من صلى صلاة إلخ) استدل بعض الشافعية بهذا الحديث على القراءة خلف الإمام، ونقول: إن مذهب عائشة وأبي هريرة مذكور في السنن الكبرى وكتاب القراءة للبيهقي وهو القراءة في السرية لا الجهرية، والتمسك بجوابه تعالى لقارئ الفاتحة على القراءة خلف الإمام إنما هو ليس بحجة بل حكمة وستر، ولو نتعرض للحكم والأسرار فأقول: إن في رواية أن الملائكة يسجدون صامتين ساكتين حين نزول الوحي، ويكون أولهم رافعاً رأسه جبريل، فدل على أن الحكم الصوت والسكوت عند نزول كلام الله، وقراءة كلامه والإمام يكون حاكياً عن كلام الله تعالى عند قراءة الفاتحة والسورة، بخلاف التأمين والثناء فإن الأذكار ليست بكلام الله، وألفاظه لكن الحق أن النكات لا تجدي شيئاً.

باب ومن سورة النساء

باب ومن سورة النساء

[3015] قوله: (لا بدّلت وأنى له التوبة إلخ) ليس مذهب ابن عباس خلاف الجمهور، وإنما قال به سداً للذرائع، وإلا فالتوبة عنده مقبولة وإن كان قاتل النفس كذا يفهم من الأدب المفرد.

باب ومن سورة المائدة

باب ومن سورة المائدة

[3043] قوله: (قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام إلخ) الأكثر إلى أن السارق هو تميم الداري الذي من مخلصي الصحابة وارتكب هذا الفعل قبل إسلامه، أقول: إن السارق هو غير تميم الداري المعروف من مخلص الصحابة بل هو رجل آخر؛ فإن تميم الداري المعروف كان غنياً قبل الإسلام أيضاً وكان يهدي إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدايا قبل الإسلام، وشاور معه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وضع المنبر قبل إسلامه فكيف يخون؟ وعندي رواية أنه أسلم في مكة ثم ذهب إلى الشام ثم أفشى إسلامه بعد مدة طويلة، وكانت عنده كتاب كتب له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرض الشام المسماة بجيرون وعليه خاتمه وخاتم الخلفاء، واختلف في الحلف في واقعة الباب قال الشافعية: إنه حلف على المدعيين، وقال الأحناف: إن المدعيين صاروا مدعى عليهم فحلفوا به، قاله صاحب المدارك.

باب ومن سورة الأنعام

باب ومن سورة الأنعام

[3064] قوله: (من زعم أن محمداً رأى ربه) اعلم أن رؤيته ثابتة لكنها لا بالعين بل بالقلب، والرؤية بالقلب والعلم مفترقان ولي في هذا الدعوى رواية صحيح ابن خزيمة، وأما آية: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} [الإسراء: 60] المراد بها الرؤية بالقلب في المعراج لا أن المعراج كان في المنام كما زعمه الجهلة، وفي رواية حسنة عن ابن عباس أن هذه الآيات وآيات سورة النجم: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] واقعته مع الله لا مع جبريل، وقالت عائشة: إن الحال هذا مع جبرائيل، وما قال ابن عباس هو مقتضى نظم القرآن العزيز.

قوله: (أو كسبت في إيمانها خيراً إلخ) استدل المعتزلة بتخليد الفاسق في النار، وأجاب علماء أهل السنة والجماعة بأجوبة عديدة أعلاها ما قال الطيبي شارح المشكاة في حاشية الكشاف: إن مراد الآية أن الأعمال بعد طلوع الشمس غير مفيدة إذا لم يكن من قبل؛ أي فائدة الأعمال لا أن إيمان السابق الخالي عن الأعمال أيضاً غير مفيد فائدة الإيمان أيضاً، وقد قلنا بما يستفاد من الآية.

باب ومن سورة الأعراف

باب ومن سورة الأعراف

[3074] قوله: (فسقط من ظهره كل نسمة وهو خالقها) في سقوط الذرية من ظهر آدم قولان؛ قيل: تخرج الأرواح بلا واسطته من ظهر آدم نفسه، وقيل: تخرج من ظهر آدام أرواح أولاده الصلبية ثم تخرج الأرواح من أولاده ومنهم أولادهم هكذا، أي الخروج بالواسطة. قوله: (سَمِيُّه عبد الحارث فسمته عبد الحارث إلخ) قيل: إن الله عبره بالشرك، ونسب الإشراك إلى حواء وكيف يتوهم في حق زوجة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ والجواب أنه ليس بإشراك لأن حواء، لم تكن تعلم أن الحارث اسم إبليس عليه اللعنة إلى يوم القيامة، ولكن خطاب الله مع أنبيائه وخواصه يكون شديداً واعلم أن أحسن الأسماء ما فيه إضافة العبد إلى إسم من أسماء الله تعالى، وأما الاسم بإضافة العبد إلى غير الله الذي يعبد عند غير أهل الإسلام فشرك، وإضافة العبد إلى غير الله الذي لا يعبد إلا أنه

يلتبس أحياناً بالمعبود فمكروه مثل عبد النبي وعبد الرسول، ويذكر في كتب اللغة أن للعبد معنيين المخلوق والمملوك فلا يكون في عبد النبي وعبد الرسول شرك، وقد قيل: إن الحديث موقوف وليس بمرفوع ذكره في آكام المرجان وتفسير ابن كثير.

قوله: (إلا سهيل بن بيضاء إلخ) واعلم أن سهيلاً مصغراً مشكل والظاهر سهل بن بيضاء مكبراً.

باب ومن سورة التوبة

باب ومن سورة التوبة

[3086] قوله: (ثم تلا هؤلاء الآيات إلخ) قال النحاة. إن لفظ هؤلاء لا يستعمل إلا في ذوات العقول، أقول: إنه مستعمل هاهنا في غير ذوي العقول وكذلك استعمل في: ~ والعيش بعد أولئك الأيام ...

قوله: (مع خزيمة بن ثابت) {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] إلخ) قيل: إن هذه الآية غير متواترة، والقرآن متواتر فالجواب أن الآية لم توجد مكتوبة إلا عند رجل، وأما حفظاً فقد حفظها كثير من الصحابة، وفي رواية الباب خزيمة بن ثابت، وفي الرواية التالية أبي خزيمة، قال الحافظ في الجمع بين الروايتين: إن آية كانت عند خزيمة وآية عند أبي خزيمة. تنبيه: اعلم أن سبع قراءات وسبعة أحرف مفترقان، وبينهما عموم وخصوص من وجه من زعم اتحادها فقد جهل واغتفل.

باب ومن سورة يونس

باب ومن سورة يونس

[3105] قوله: (في فرعون الطين خشية إلخ) قال الزمخشري: إن هذا الحديث غلط فإن جبرائيل كيف يصير مانعاً من الإيمان والتوحيد؟ ولا نقول بما قال الزمخشري، وأما جواب الحديث فصنف ملا محمد يعقوب البنباني اللاهوري رسالة في هذا الحديث وما أتى بما يشفي، وأقول: إني وجدت عن أبي حنيفة مسألة واستخرجت عنها الجواب الشافي وهي أنه نقل الشيخ السيد محمود الآلوسي عن مبسوط الشيخ خواهرزاده عن أبي حنيفة أن أحداً لوكان كافراً مؤذياً للمسلمين إيذاءاً شديداً فدعاء موته والرضا بأن يموت كافراً ليعذب بالنار لما يؤذي المسلمين لا بأس به، فكذلك يقال في قصة جبرائيل مع فرعون وقال الشيخ الأكبر: إن فرعون مات طاهراً لكنه يعذب في النار فإنه آمن بالله حين غرغرة الموت كما أن الكفار يؤمنون في المحشر حين ينظرون الله ومع ذلك يعذبون في النار.

باب ومن سورة هود

باب ومن سورة هود

[3109] قوله: (في عماءٍ ما تحته هواء إلخ) في ما تحته وما فوقه، قيل: موصولة، وقيل: إنها نافية، وصنف العارف الجامي في هذا الحديث رسالة، أقول: الأولى التفويض إلى الله، فإنه أسلم، وقال الصوفية: إن عماء صفته تعالى وجلّ شأنه هو الصادر الأول ويسمى وجوداً منبسطاً، ويقولون: إن الصفات زائدة لا عين الذات كما نسب إليهم من لا يدري مذهبهم، وقالوا: إن الصادر الأول صدر بالإيجاب وهو قديم، وحاصل الحديث عندهم: كان الله ولم يكن شيء، لأن العماء وغيره من الصفات ليست بغير الله، وقال الشيخ محب الله أبادي الصوفي: إن الوجود المنبسط هو مستقر كل شيء ويتصور عليه الأشياء وتستقر وإنه غير متناهٍ، وقال الصوفية: إن صفات الله لا عين ولا غير كما صرح به الشيخ الأستاذ أبو القاسم القشيري، وصرح صاحب التعرف الحنفي وغيرهما مما نسب إليهم بعض المصنفين فغلط.

باب من سورة الكهف

باب من سورة الكهف

[3149] قوله: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ} [الكهف: 109] إلخ اعلم أن العلم يتعلق بكل شيء حتى إنه

يتعلق بالمعدوم أيضاً، والقدرة يتعلق بكل مخلوق، وظني أن كلام الباري هو الذي يتكلم به الباري تعالى بنفسه وأماما يلقيه ويلهمه إلى جبريل أو الأنبياء بدون أن يتكلم بنفسه فليس بكلام له، مثل الأذكار الواردة في الأحاديث، والمراد بكلمات الله ليس هو القرآن فقط بل الأعم والذي كان مع موسى فهو أيضاً كلامه تعالى، وعندي أن السمع والبصر علم كالمشاهدة والشفاه بخلاف العلم فإنه كالغياب، والبصر يتعلق بالقلبيات أيضاً بخلاف السمع فإنه لا ينسب في القرآن إلا إلى ما يتعلق بالأصوات.

قوله: (إلى المسجد الأقصى إلخ) في بعض الروايات أنه صلى في بيت المقدس ذاهباً وفي البعض أنه صلى آتياً، وأقول: الروايتان صحيحتان فإنه لعله صلى النافلة ذاهباً والفريضة صلاة الفجر آتياً.

باب ومن سورة طه

باب ومن سورة طه

[3163] قوله: (مثل صلاته في الوقت إلخ) قال محمد بن حسن الشيباني في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن إبراهيم النخعي مرسلاً: أنه صلى القضاء بالجهر في ليلة التعريس الفجر، ويفيدنا هذا في جهر ما يقضي الجهرية، ولم أجده إلا في كتب الآثار، ومراسيل إبراهيم النخعي مقبولة.

باب من سورة النور

باب من سورة النور

[3177] قوله: (لا ينكح إلا زانية إلخ) قيل: إن هذه الآية منسوخة ويجوز نكاح الزانية بغير الزاني، وقيل: إنها ليست بمنسوخة وإنما هي محمولة على الانبغاء، وفي الآية قصر عن وجهين وكلام تقي الدين السبكي فيه طويل، وتكلم الحافظ ابن تيمية طويلاً في حكم الآية وغرضه أن الآية غير منسوخة بل محكمة ولا يجوز نكاح الزانية بغير الزاني وأتى بأشياء كثيرة وأجاد فيه في بيان القرآن، ومذهب أبي حنيفة أن نكاح الزانية جائز بكل واحد، وإن كانت حبلى إلا أنها لا تجامع قبل وضع الحمل، إلا ممن منه الحمل واعلم أن ما قال ابن تيمية قال في من اشتهرت بالزنى وداومت عليه ولو نكحت قبل الزنا لا يفسد نكاحها نعم لا يجوز بعفيف آخر.

باب سورة ص

باب سورة ص

[3232] قوله: (تؤدي إليهم العجم الجزية إلخ) استدل الطحاوي بهذا على الجزية على كل كافر عجمي، في مشكل الآثار تفصيله وقد صحح المصنف حديث الباب.

باب ومن سورة الزمر

باب ومن سورة الزمر

[3236] قوله: (فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثنى إلخ) قيل: إن موسى قد مات فكيف يكون ممن استثني لأن المستثنى من لم يمت؟ فقال قائل: لعله لم يمت، ولكن هذا خلاف ما في البخاري في كتاب الجنائز من تصريح موته، والجواب ما ذكره الدواني عن شيخه في أنموذج العلوم وذكره القرطبي: أن النفخات ثلاثة، وأما نفخة صعق ففيها موت الأحياء، وأما الذين ماتوا قبلها فقيل: إنهم يصيرون مغشياً عليهم فيكون موسى مستثنى ممن يغشى عليها لما غشي على جبل الطور.

باب ومن سورة محمد - صلى الله عليه وسلم -

باب ومن سورة محمد - صلّى الله عليه وسلّم -

[3259] قوله: (لتناوله رجال من فارس إلخ) وقال السيوطي: إن هذا الحديث أحسن ما يعد في مناقب أبي حنيفة مرفوعاً باعتبار الطريق الذي فيه لفظ رجل من فارس إلخ وفي الأحاديث أنه سأل جبرائيل هل استفدت مني شيئاً؟ قال: نعم فإني علمت حسن عاقبتي ونجاتي حين نزل عليك القرآن، وفيه ذكر نجاتي إلا أن إسناد هذه الرواية ليس بذلك القوي.

باب ومن سور النجم

باب ومن سور النجم

[3276] قوله: (فكبر حتى جاوَبَتهُ الجبال إلخ) زعم الناس أن وجه تكبير كعب بأعلى صوته التعجب على رؤية الرب تبارك وتعالى والإنكار على رؤيته، وعندي نقل صحيح بأن كعباً قائل برؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ربه ولعل تكبيرته كانت للفرحة ووجدان شيء عجيب يوافقه.

باب ومن سورة القمر

باب ومن سورة القمر

[3285] قوله: (فانشق القمر بمكة مرتين إلخ) ليس المراد بالمرتين تكرار شق القمر بل المراد أنه صار شقين ونصفين في واقعة واحدة، وقد أكثر الطحاوي في مشكل الآثار بالروايات الدالة على شق القمر، ولقد أخطأ مولانا عبد الحليم حيث نسب إلى الشاه ولي الله إنكار شق القمر معجزة منه، فإن مراد الشاه ولي الله رحمه الله أن في شق القمر غرضين: الدلالة على قرب الساعة، وبيان معجزته، ويعني أن انشقاق القمر المذكور في القرآن من علامات الساعة وفي ضمنه إثبات المعجزة على النبوة فليتدبر.

باب ومن سورة التحريم

باب ومن سورة التحريم

[3318] قوله: (فجعل له كفارة اليمين إلخ) إن قيل: إنه قد أتم إيلاءه فمن أين الكفارة؟ فأقول لعل الكفارة كانت لتحريم العسل لا بتحريم المارية القبطية.

باب ومن سورة الحاقة

باب ومن سورة الحاقة

[3320] قوله: (إما واحدة وإما اثنان أو ثلاث وسبعون سنة إلخ) قد مر في الرواية السابقة خمسمائة سنة، فالتوفيق أن الراوي ترك في حديث الباب ذكر المائات وذكر الكسر ثم رأيته في كتاب العلو للذهبي. قوله: (ثمانية أوعال إلخ) ذكر ابن جرير الطبري وأتى بآثار أن ثمانية أوعال تكون في المحشر وأما في الدنيا فحامل قوائم العرش أربعة، وفي معاني الآثار ص (337) ، وكذلك في سند الدارمي أن

حامل قوائم العرش نسر وأسد وثور وحوت، فإن رجلاً قرأ أشعار أمية بن أبي الصلت عنده وكانت مشتملة على هذا المضمون أي حوامل العرش أربعة حيوانات نسر وأسد وحوت وثور، وصدق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلك الأشعار.

باب ومن سورة الضحى

باب ومن سورة الضحى

[3345] قوله: (هل أنت إلا أصبع دميت إلخ) لا يتوهم من هذا جواز إنشاء الشعر منه فإن علماء العروض صرحوا بأنه لو اتفق انسجام الموزون بدون الإرادة وانطبق على أوزان العروض لا يكون شعراً بل نثراً، فإنهم صرحوا بأن كلاً من البحور مستخرج من القرآن، ولا يقول أحد إن القرآن العزيز شعر، ثم قال أمير خسرو رحمه الله: إن خروج الوزن بدون الإرادة متحمل من الإنسان لا من الباري تعالى، وأقول: يمكن أن يقال: إن الله تعالى لا يريد الانسجام الوزني أولاً وبالذات، وقيل: إن هذا الشعر أي بل أنت إلا أصبع دميت إلخ لصحابي أنشده النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا إنشاءه، فبالجملة ليس فيه خلاف قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69] .

كتاب الدعوات

كتاب الدعوات

باب حديث في أسماء الله الحسنى

باب حديث في أسماء الله الحسنى

[3506] قوله: (من أحصاها دخل الجنة إلخ) قال أرباب التصوف: إن المراد بالإحصاء مطابقة الأخلاق بالأسماء الإلهية، وذهب أرباب الحديث إلى أن المراد حفظهما على اللسان، وفي مشكل الآثار وشرح تحرير ابن همام لابن أمير الحاج عن أبي حنيفة: أن الاسم الأعظم هو لفظ الله إذا قلته من أصل قلبك وأنت صاف عن غير الله، وفي الأسماء الحسنى كثير اختلاف، وأما حديث الباب فعللوه من وجوه منها؛ أن الأسماء ليست بموجودة في الصحيحين مع أن الرواية موجودة فيها فتكون مدرجة من الراوي، وأيضاً راوي الحديث وليد بن مسلم وهو يدلس تدليس التسوية وأيضاً في المذكورة في الترمذي والمروية في ابن ماجه اختلاف شيء، وقالت جماعة من المحدثين: الأولى أن يستقرأ القرآن العظيم ويستخرج منه الأسماء، واستقرأ ابن حزم الأندلسي ذكرها الحافظ في تلخيص الحبير وصوّب رأيه، وقال الشيخ عبد القادر الجيلي: إنَّ «هو» من الأسماء الحسنى، وذكر الحافظ الأسماء المستخرجة من القرآن عن ابن حزم وضم بها ما استخرجه بنفسه وأتمها وهي هذه الإله، الرب، الواحد، الله، الرب، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الحي، القيوم، العلي، العظيم، التواب، الحليم، الواسع، الحكيم، الشاكر، العليم، الغني، الكريم، العفو، القدير، اللطيف، الخبير، السميع، البصير، المولى، النصير، القريب، المجيب، الرقيب، الحسيب، القوي، الشهيد، الحميد، المجيد، المحيط، الحفيظ، الحق، المبين، الغفار، القهار، الخلاق، الفتاح،

الودود، الغفور، الرؤوف، الشكور، الكبير، المتعال، المقيت، المستعان، الوهاب، الحفي، الوارث، الولي، القائم، القادر، الغالب، القاهر، البر، الحافظ، الأحد، الصمد، المليك، المقتدر، الوكيل، الهادي، الكفيل، الكافي، الأكرم، الأعلى، الرزاق، ذو القوة، المتين، غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ذو الطول، رفيع الدرجات، سريع الحساب، فاطر السماوات والأرض، بديع السماوات والأرض، نور السماوات والأرض، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام.

باب في فضل الوضوء والحمدلة والتسبيح

باب في فضل الوضوء والحمدلة والتسبيح

[3517] قوله: (الوضوء شطر الإيمان إلخ) الوضوء هذا هو المستجمع لجميع أبواب الطهارة والنظافة. مسألة: ذكر الحلبي شارح المنية أن لبس الثوب النجس خارج الصلاة أيضاً مكروه، وذكر ابن تيمية في فتاواه اختلاف العلماء في هذه المسألة.

باب في فضل التوبة والاستغفار ما ذكر من رحمة الله لعباده

باب في فضل التوبة والاستغفار ما ذكر من رحمة الله لعباده

[3535] قوله: (يقبل التوبة العبد ما لم يغرغر إلخ) قالت العلماء: إن التوبة عن الكفر حالة الغرغرة غير مقبولة، والتوبة عن المعاصي مقبولة.

باب في دعاء الحفظ

باب في دعاء الحفظ

[3570] هذا الحديث وما فيه يفيد الحفظ، وقال الذهبي: إنه منكر، وقال: ولقد حيرتني جودة إسناد الحديث، وأقول: إن سند الحديث صحيح غاية الصحة.

باب في التوجه لإلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم

باب في التوجه لإلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم

[3578] قوله: (حدثنا محمود بن غيلان نا عثمان بن عمر إلخ) استدل القائلون بالتوسل بالصالحين بحديث الباب ومر ابن تيمية على هذا وتركه بأنه لا مساس له بغرضهم، وأتى بنقول المذاهب الأربعة الدالة على النهي عن التوسل المعروف في هذا الزمان، وأتى بنقل أبي حنيفة من تجريد القدوري وذلك موجود في الدر المختار أيضاً عن أبي يوسف عن أبي حنيفة بل هذا هو مراده، وأما التوسل في السلف فكان بأن يدعو من يتوسل به في حضرة الله كما توسلوا بالعباس في عهد عمر الفاروق، وأقول: إن المذكور في حديث الباب هو بيان التوسل المتعارف بين السلف في حضرة الله تعالى، وللشوكاني رسالة في جواز التوسل المعروف في هذا العصر.

كتاب المناقب

كتاب المناقب

باب في فضل النبي

باب في فضل النبي

[3609] قوله: (متى وجبت لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد إلخ) أي كان النبي (ص) نبياً وجرت عليه أحكام النبوة من ذلك الحين بخلاف الأنبياء السابقين، فإن الأحكام جرت عليهم بعد البعثة كما قال مولانا الجامي أنه كان نبياً قبل النشأة العنصرية.

باب ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم

باب ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم

باب ما جاء في بدء نبوة النبي (ص)

[3620] قوله: (إلا خرّ ساجداً إلخ) لعل السجدة بمعنى التعظيم كما مال ظل الشجرة إليه (ص) ولو كان ظاهراً لرآه غير بحيرا أيضاً.

باب ما جاء في مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلخ

باب ما جاء في مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلخ

أخرج الطحاوي في مشكل الآثار وجزم بها أن عمره كانت ستين سنة لأنه قال قريب موته لسيدة النساء: إن عمر النبي يكون نصف عمر النبي السابق وكان عمر عيسى مائة وعشرين سنة، ولكن الروايات في عمره مختلفة قيل بستين سنة وقيل: بثلاث وستين سنة، وقيل: بخمسة وستين سنة، وأما الرواية التي أخرجها في مشكل الآثار فمر عليها الحافظ في الأطراف، وقال: لعل المراد بها أن عمر زمان النبوة يكون نصف عمر زمان نبوة النبي السابق، ونبوة عيسى أربعون سنة وزمان نبوته عشرون سنة.

باب ما جاء في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -

باب ما جاء في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -

[3637] قوله: (تكفأ تكفياً إلخ) التكفؤ في اللغة هو حركة الفلك يميناً وشمالاً وهذا المشي من طريق المتكبرين فيكون المراد بالحديث المشي مائلاً إلى القدام كما فسرها رواية أخرى: يتقلع تقلعاً إلخ، وأما ما سيجيء في الصفحة اللاحقة التفسير بأشكل العينين فذلك غلط محض، وإنما معناه أن يكون الجداول الحمر في بياض العينين.

باب في مناقب أبى بكر وعمر رضى الله عنهما كليهما

باب في مناقب أبى بكر وعمر رضى الله عنهما كليهما

[3663] قوله: (فاقتدوا بالذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر إلخ) هذه إشارة إلى خلافتهما، وقال أرباب المعاني: إن الموصول يقتضي العهدية من قبل فيكون قوله هذا تصريحاً بخلافتهما، وأقول: إن المراد باتباعهما الاقتداء قولاً وفعلاً فيدل على أن عمل الشيخين لا يحتاج إلى طلب ثبوته مرفوعاً كما هو دأب أبي حنيفة، وليس المراد بالاقتداء اتباع روايتهما فإن اتباع رواية الراوي لا يختص بهما بل شامل لكل صحابي، ويدل على ما قلت رواية الترمذي الآتية. قوله: (إني كنت نذرت إن ردّك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدُّف إلخ) دل الحديث على أن فيه النذر باللغو أيضاً. وفاء كما في نذر المباح ولا يجب في إيفاء النذر أن يكون من جنسه واجب.

باب قوله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليخاف منك يا عمر

باب قوله صلى الله عليه وسلم إنّ الشّيطان ليخاف منك يا عمر

[3691] قوله: (فإذا حبشية تزفن والصبيان إلخ) ثم ظني أن هذا وهم فإن اللاعبين كانوا الحبشة لا نسوانهم كما في الصحيحين.

باب حديث الطير

باب حديث الطير

هذا حديث الطير مشهور بين العلماء في الاختلاف صححه الحاكم في مستدركه، وحكم ابن الجوزي بوضعه، وصنف محمد بن سعيد بن عقدة جلداً كاملاً في جمع طرق حديث الطير وهو حافظ.

باب مناقب أنس بن مالك

باب مناقب أنس بن مالك

[3831] قوله: (يعقوب بن إبراهيم نا حبان بن إلخ) هذا الحديث يفيدنا في الوتر ومتنه مذكور في تاريخ ابن العساكر بأنه صلى الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة، وأما الراوي ميمون بن أبان الهذلي فقد وثقه ابن حبان في كتاب الثقات وحسن له الترمذي في مواضع وذكر في التقريب وذكره في رمزه أبا داود وفي أبي داود ذكر ابن عبد الله ولكنه غلط، والصحيح ما وقع في الترمذي أبو عبد الله وهو إن كان هو الذي حسنه الترمذي في مواضع فيفيدنا بلا ريب وإلا فقد وثقه ابن حبان، هذا وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.

كتاب العلل

كتاب العلل

هذا الكتاب يسمى بالعلل الصغرى وللترمذي كتاب آخر يسمى بالعلل الكبرى. قوله: (جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به إلخ) هذا قول المصنف دال على أن الأعلى في باب الدين تعامل السلف، واعلم أن الحديثين معمولان بهما عندنا على ما حررت سابقاً فإن المذكور في الحديث هو الجمع الفعلي وذلك جائز عندنا بلا عذر، وأما قتل شارب الخمر في المرة الرابعة فجائز عندنا تعزيراً.

قوله: (الزعفراني عن الشافعي) وهذا الفقه يسمى به الفقه الزعفراني، وظني أن الشافعية تأثر في العراق عن محمد بن حسن لأنه تلميذ محمد، وقال: أخذت عن محمد حملي وقري بعير من العلم، وتأثر في مصر عن ليث بن سعد. قوله: (عن الربع عن الشافعي) الربيع اثنان الربيع الجيزي تلميذ الشافعي شيخ الطحاوي، والربيع بن سليمان المروزي تلميذ الشافعي شيخ الطحاوي.

في قوله: (أصحاب غفلة وكثرة خطأ) الغفلة عندي أن يكون الرجل مغفلاً في أخذ الرواية وإبلاغها، ولا يجب أن يكون سيء الحفظ، ولا يجب فيه وقوع الغلط بل يكفي شأن عادته وتتوهم الغلط لأن يحكم عليه بالمغفل والغافل، وأما كثرة الخطأ فهي أن يغلط في الرواية وإن كان يروي بالاحتياط وجمع الخاطر ولا يكون يروي في الغفلة، ولا يحكم بأن فلاناً كثير الخطأ إلا بعد وقوعها منه. قوله: (يحيى بن سعيد القطان) حنفي مثل ليث بن سعد، ويحيى هذا أول من صنف كتاب الجرح والتعديل.

قوله: (الحسن بن عُمارة) في صفحة هذا، هذا قاضي كوفة غاسل الإمام أبي حنيفة رحمه الله. قوله: (إبراهيم بن محمد الأسلمي) شيخ الشافعي رحمه الله وعنده ثقة لا عند غيره. قوله: (وكثرة خطئه) ذكر في شرح النخبة أن كثرة الخطأ أن لا يغلب صوابه خطأه وليس هذا عند أحد من المحدثين فإن عملهم خلافه، فإن الراوي مثلاً روى مائة رواية وأخطأ في ثلاثين فينبغي

على ذلك القول أن لا يضعف لأن صوابه غالب، والحال أنه ضعيف عند الكل، وعندي أنها أمر وجداني ذوقي ليس بأمر إضافي بل يحكم كل واحد على وجدانه وذوقه، وحكي أنه ذهب ابن معين وأحمد بن حنبل إلى أبي نعيم وقال ابن معين: إني أمتحن أبا نعيم وألقنه ومنعه أحمد فلم يمتنع فلما بلغا عنده، روى ابن معين حديثاً وخلط في سنده فغلطه أبو نعيم ورواه بما هو صحيح ثم روى ابن معين رواية أخرى كذلك فأصلحها وزعم أنه يبتليني ثم روى ابن معين رواية ثالثة كذلك فغضب أبو نعيم وضرب رجله في صدر ابن معين فخر ابن معين وقال: أتزعمني كأني غافل ملقن، فذهبا، فقال أحمد: ألم أمنعك من الامتحان؟ قال ابن معين: والله لقد فرحت بضربه أشد فرحة، وروي عن أحمد بن حنبل كان يقول: ما وقع عليه اجتماع أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف ومحمد رحمه الله لا يسمع خلافه، فإن أبا حنيفة أقيسهم، وأبا يوسف أعلمهم بالآثار، ومحمد أعلمهم بالعربية.

قوله: (فأما من أقام الإسناد وحفظه إلخ) تعرض إلى بيان الرواية بالمعنى وفصلتها في أوائل البخاري، ومذهب أبي حنيفة عدم جواز رواية الحديث ما لم تكن الألفاظ محفوظة، وكذلك روى أبو يوسف عن أبي حنيفة في بعض أماليه نقله ابن معين، ويظهر من مسند أحمد أن أحمد لا يجوز الرواية بالمعنى ومنهم أبو هريرة، وأما الشافعي فموسع ومعه أنس بن مالك، وكان الصحابة على ثلاثة أنواع كما قلت في البخاري في كتاب العلم.

قوله: (وقال يحيى: وكان شعبة أعلم بالرجال فلان إلخ) غرضه أن شعبة أحفظ ومحدث وليس بأفقه، وسفيان الثوري أفقه، وذكر الزيلعي في كتاب الشفعة عن ابن قطان أن شعبة ربما يروي بالمعنى فيغلط في المعنى لكونه غير فقيه.

قوله: (وقال أبو عيسى: ما ذكرنا في هذا الكتاب حديث إلخ) الفرق بين رواة الحسن والصحيح ليس إلا في الحفظ، فإن رواة الصحيح أعلون حفظاً من رواة الحسن، وأما الترمذي فلم يذكر الحفظ وقد مر الكلام بقدر الحاجة في الابتداء، وأقول: إن الحسن المستعمل في كتابه الحسن لذاته أو لغيره وتعريفه هاهنا يشتمل الضعيف أيضاً، وإذا أجمع الصنف بين الحسن والغريب فعندي أنه مستثنى من تعريفه هاهنا، كما يقول في بعض المواضع: لا نعلم إلا عن فلان. قوله: (وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث غريب إلخ) حاصل كلامه أن للغريب ثلاثة معان: الأوّل: أنه قد يكون السند فرداً واحداً، والثاني أن يكون الحديث مروياً بأسانيد مثلاً مروي بعشر أسانيد، ثم لم نروه عن آخر، فوجدنا عمن لم نروه عنه فيسمى بالغريب من هذا الوجه، والثالث: أن تكون قطعة من حديث معروفة عند المحدثين، فأتى راوٍ بزيادة قطعة أخرى أو جملة أخرى وهو ثقة، فهو غريب من تلك الجملة ويسمى بالغريب النسبي.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على مجتباه سيد المرسلين وخاتم النبيين، ولقد فرغ من تبييضه العبد المبيض محمد راغ بيض الله وجهه يوم الفراغ، ووقاه عما زاغ من قطان كورة وهكر من مضافات حجيرات بوستة ونگه يوم الاثنين للرابع والعشرين من جمادى الأولى من السنة 1338 الهجرية على صاحبها ألف ألف تحيات، وجعله عرضة لشيخه واسمه المنيف الأعلى محمد أنورشاه من قطان ناحيه كشمير ودار إفاضته وإرشاده وهدايته بلدة دويوبند مديرية سهارنفور واعلم أن ما اطلعت على الخطأ والسهو على ما حررت فأصلحه لكاتبه اللهم آمين ولا تنسبه إلى الشيخ بل إلى كاتبه الراجي رحمة ربّه القوي. تمت بالخير

§1/1