العرش وما روي فيه - محققا
محمد بن عثمان بن أبي شيبة
مقدمة
العرش وما روي فيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة دراسة وتحقيق: محمد بن خليفة التميمي بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد: فما من بناء إلا وله أصل وأساس يقوم عليه، ديان أصل بناء الإسلام وأساسه الذي يقوم عليه هو توحيد الله، الذي يشتمل على معرفة الله تعالى باسمائه وصفاته، ومعرفة ما يجب له على عباده. ومن المعلوم أن هذه المعرفة وهذا التوحيد لا يتحقق ولا يكون إلا عن طريق ما أنزله الله في كتابه، أو ما شرعه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إذ أن هذا هو السبيل الوحيد إلى ذلك، فالله سبحانه وتعالى قد أتم لهذه الأمة أمر دينها وأكمله، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينا} 1، كما أن نبيه صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لأمته حتى تركها على المحجة البيضاء، فقد قال
: " وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء"1، فما من سبيل إلى معرفة أمور هذا الدين إلا عن طريق الكتاب والسنة. ولقد كان لجانب توحيد الله الحظ الأوفر، والنصيب الأعظم، من ذلك البيان والإيضاح الذي جاءت به آيات القرآن ونصوص السنة المتواترة، ولقد عرف السلف من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم ذلك المنهج الذي يعرف به توحيد الله حق المعرفة، فطبقوه أتم التطبيق، فلذلك كان الكتاب والسنة هما المنبع الوحيد الذي يستمدون منه ما يجب عليهم تجاه خالقهم عز وجل. ولقد صنف كثير من السلف وبخاصة في القرنين الثالث والرابع الهجريين مؤلفات ورسائل كثيرة في مسائل أسماء الله وصفاته، فبينوا فيها ما يجب على المسلم تجاه هذا الأمر العظيم، وقد اعتمدوا في تصانيفهم تلك على نصوص القرآن والسنة، وقد كان من ضمن تلك المؤلفات كتاب "العرش" للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وقد عالج المصنف- رحمه الله- في هذا الكتاب مسألة تعد من أهم مسائل الأسماء والصفات، بل ومن أهم مسائل العقيدة وأخطرها، ألا وهي: مسألة علو الله عز وجل على خلقه، واستوائه على عرشه. ولقد وقع اختياري على "كتاب العرش " هذا لكي يكون هو موضوع رسالتي في مرحلة الماجستير، ولعل من أهم الأسباب والدوافع التي جعلتني أقدم على تحقيق الكتاب ما يلي:
أولا: كونه يبحث في مسألة هي من أعظم المسائل التي ينبغي على المسلم معرفتها في باب الأسماء والصفات، وهي مسألة علو الله عز وجل واستوائه على عرشه، الثابتة في الكتاب والسنة المتواترة. ثانيا: كون المؤلف قد سار على طريقة السلف ومنهجهم في تأليفه لهذا الكتاب، وذلك لاعتماده في مادة الكتاب على آيات من القرآن، وعلى الأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم. ثالثا: رغبتي الشخصية في الاشتغال بتحقيق المخطوطات من تراث سلفنا الصالح، وبخاصة في مجال العقيدة، وذلك لكونها ترجع إلى الأصول الأولى المستمدة من الكتاب والسنة، ولخلوها من شوائب الفلسفة والانحراف. رابعا: تشجيع أستاذي الشيخ حماد بن محمد الأنصاري لي على تحقيق هذا الكتاب، فقد أشار- جزاه الله خيرا - علي بان أقوم بتحقيق هذا الكتاب وإخراجه من حيز المخطوطات. وبحمد من الله وفضل منه فقد قمت بتحقيق هذا الكتاب، ولم أواجه خلال عملي في إنجازه من الصعوبات التي تستحق الذكر، سوى ما واجهته في البحث عن أماكن بعض الأحاديث والآثار التي لم أقف على مكانها، وكذلك في تراجم الأعلام الواردة أسماؤهم في الكتاب، حيث لم أقف على تراجم بعضهم، بالرغم من أني بذلت من الجهد والوقت ما أستطيع.
المبحث الأول: أقوال نفاة الاستواء. المبحث الثاني: أقوال مثبتة الاستواء. وأما القسم الثاني من الدراسة فقد جعلته في التعريف بالمؤلف والكتاب والمخطوطة، وهو يشتمل على بابين - هما: الباب الأول: التعريف بالمؤلف - وفيه فصلان: الفصل الأول: عصر المؤلف. وقد تعرضت فيه للأمور التالية: أولا: الحالة السياسية. ثانيا: الحالة الاجتماعية. ثالثا: الحالة العلمية. الفصل الثاني: سيرته الشخصية، وحياته العلمية. وتكلمت فيه عن الجوانب التالية: أولا: اسمه، وكنيته. ثانيا: أصله. ثالثا: مولده. رابعا: أسرته. خامسا: نشأته، وطلبه للعلم. سادسا: ثقافته، وعلمه. سابعا: شيوخه. ثامنا: تلاميذه.
تاسعا: عقيدته. عاشرا: مؤلفا ته. الحادي عشر: وفاته. الثاني عشر: مكانته العلمية، وأقول، العلماء فيه. وأما الباب الثاني فهو في: التعريف بالكتاب والمخطوطة وفيه فصلان: الفصل الأول: التعريف بالكتاب - وتطرقت فيه لما يلي: أولا: اسم الكتاب. ثانيا: موضوع الكتاب، ومنهج المخالف فيه. ثالثا: سبب التأليف. رابعا: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف. خامسا: أهمية الكتاب. سادسا: المآخذ على الكتاب. الفصل الثاني: التعريف بالمخطوطة، ويتضمن ما يلي: أولا: دراسة النسخة الخطية. ثانيا: سند الكتاب. ثالثا: السماعات الموجودة على الكتاب. وأما بالنسبة لما يتعلق بالجانب الثاني من جوانب الرسالة فهو قسم التحقيق: وقد كان عملي في الكتاب يتلخص في النقاط التالية:
أولا: الترجمة: فقد ترجمت لكثير من الرواة الذين وردت أسماؤهم في أسانيد الكتاب، أما من لم أقف على تراجمهم- وهم قلة- فإني أشير إلى ذلك بقولي: "لم أقف على ترجمته"، وأما إذا ترجمت لشخص ثم تكرر اسمه مرة أخرى فإني أكتفي بقولي: "تقدمت ترجمته"، وقد لا أشير إلى ذلك، فإذا أراد القارئ معرفة مكان التعريف به فليرجع إلى الفهارس الأخيرة، ليعرف مكانه من الكتاب. ثانيا: تخريج الأحاديث: اشتمل الكتاب على الكثير من الأحاديث، ولم يذكر المؤلف مخرجيها مما اضطرني إلى البحث عن أماكن وجودها، وقد وجدت أماكن جلها، وأما بعضها الآخر- وهو قليل - فلم أجد مكانه، ولكنني لم أشر في كثير من الأحيان إلى اختلاف الألفاظ، لأن ذلك سيخرجنا عن غرض التحقيق. ثالثا: درجة الحديث: لم يذكر المؤلف- رحمه الله- درجة الأحاديث، التي أوردها، وقد بينت صحة أو ضعف كل حديث من تلك الأحاديث معتمدا في ذلك على أسانيدها، ثم بعد ذلك أذكر أقوال العلماء فيها إن وجدت شيئا من ذلك، كما تتبعت بعض الأحاديث بالمتابعات والشواهد التي تتعلق بها. وقد أخذ مني هذا الجانب الكثير من الوقت والجهد، ولكني لم أبخل بشيء من ذلك، لعلمي أن معرفة صحة الحديث من ضعفه
خطة الرسالة: أما الخطة التي سلكتها في إنجاز هذه الرسالة فهي كما يلي: قسمت الرسالة إلى قسمين: القسم الأول: الدراسة. القسم الثاني: التحقيق. أما ما يتعلق بجانب الدراسة فقد جعلته على قسمين هما: القسم الأول: الدراسة الموضوعية. القسم الثاني: التعريف بالمؤلف، والكتاب، والمخطوطة. أما القسم الأول وهو الدراسة الموضوعية: فقد جاء رغبة مني في الجمع بين منهج التحقيق ومنهج البحث العلمي، وقد أحببت أن أجعل القسم الأول من أقسام الدراسة يتعلق بدراسة موضوعية لموضوع الكتاب، الذي يتحدث عن مسائل العلو، والاستواء، والعرش، والكرسي، وما يتعلق بها، وقد دفعني إلى ذلك كون الكتاب من أوله إلى آخره يبحث في هذه المسائل بذاتها، كما أن المؤلف- رحمه الله- لم يتطرق إلى تلك المسائل إلا من جانب واحد فقط، هو ذكر ما ورد فيها من آيات وأحاديث وآثار، ولذلك قمت بهذه الدراسة المشتملة على ثلاثة أبواب هي: الباب الأولى: تعريف العرش، والأدلة عليه- وفيه فصلان: الفصل الأول: تعريف العرش- وفيه مبحثان: المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة "عرش ".
وقد ذكرت في هذا المبحث الاستعمالات اللغوية لكلمة "عرش" عند علماء اللغة، وذكرت في نهاية هذا المبحث أن أصل استعمال هذه الكلمة عند العرب إنما هو في سرير الملك، وأن هذا المعنى هو المقصود في عرش الرحمن، كما يشهد لذلك نصوص القرآن، والأحاديث الصحيحة. وأما المبحث الثاني: فهو في الخلاف في تعريف العرش. وقد بينت في هذا المبحث قول السلف وأدلتهم، كما بينت فيه أقوال المخالفين وما استدلوا به، ورد السلف عليهم. وأما الفصل الثاني: فهو في الأدلة على صفة العرش من الكتاب والسنة- وفيه مبحثان: المبحث الأول: الأدلة القرآنية على صفة العرش. وقد ذكرت في هذا المبحث الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر عرش الرحمن، وأشرت إلى بعض ما تضمنته تلك الآيات من الدلائل والصفات على عرش الرحمن- تبارك وتعالى-. وأما المبحث الثاني: فهو في الأدلة من السنة على صفة العرش. وقد أوردت فيه بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في العرش وصفته، والتي لم يذكرها صاحب كتاب العرش في كتابه. وأما الباب الثاني: فهو في صفة العرش، وذكر ما يتعلق به - وفيه فصلان هما:
المبحث الأول: خلق العرش وهيئته. المبحث الثاني: مكان العرش. المبحث الثالث: خصائص العرش. وأما الفصل الثاني: فهو في ذكر ما يتعلق بالعرش- وفيه مبحثان هما: المبحث الأول: الكلام على حملة العرش. المبحث الثاني: الكلام على الكرسي. وأما الباب الثالث: فهو في الكلام على صفتي العلو والاستواء - وفيه فصلان هما: الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو- وفيه مبحثان: المبحث الأول: أقوال المخالفين في مسألة العلو. وقد تعرضت في هذا المبحث لأقوال المنكرين لعلو الله وذكر بعض شبههم العقلية والسمعية والرد عليها. وأما المبحث الثاني فهو في: قول السلف ومن وافقهم. وقد بينت في هذا المبحث مذهب السلف في إثبات علو الله - تعالى- فوق خلقه، ومن وافقهم في هذا المذهب، كما أوردت ما استدلوا به على هذا القول من القرآن والسنة والإجماع والمعقول والفطرة. أما الفصل الثاني: فهو الاستواء والأقوال فيه - وفيه مبحثان:
واجبة في كل مسألة، سواء كانت فرعية أو أصلية، إذ أن ما لم يصح لا يجوز التدين به. رابعا: تخريج الآثار: وقد ذكرت أماكن الكثير من هذه الآثار، وأشرت في البعض إلى درجته. خامسا: التعليق على بعض الأحاديث والآثار، وبيان ما تضمنته من مسائل في العقيدة، وتبيين الحق في تلك المسائل. سادسا: الكلمات الغريبة بينت معانيها من كتب اللغة. سابعا: الترقيم: رقمت جميع الأحاديث المرفوعة والموقوفة والآثار وذلك ليسهل معرفتها في الكتاب. ثامنا: وضعت أرقاما في داخل نص الكتاب تدل على بداية الصفحة في المخطوط، وقد كان هناك ترقيمان على صفحات المخطوطة استعملت أحدهما. تاسعا: جعلت الآيات القرآنية بين قوسين هكذا: {} . وأشرت في الحاشية إلى رقم تلك الآية والسورة التي وردت فيها، وكذلك جعلت الأحاديث بين قوسين هكذا: " "، وأما الآثار فهي بين قوسين هكذا " ". عاشرا: إذا أضفت حرفا أو كلمة أو جملة أو عنوانا مما يقتضيه السياق جعلت ذلك بين قوسين هكذا، ليعرف أنه ليس من الأصل. الحادي عشر: وضعت فهارس للأمور التالية:
أ- فهرس للآيات القرآنية حسب ترتيب سورها. ب- فهرس للأحاديث المرفوعة والموقوفة. ج- فهرس للآثار على ترتيب أصحابها. د- فهرس للأعلام الوارد ذكرهم في الكتاب. هـ- فهرس المفردات. وفهرس للتعريف بالفرق. ز- فهرس للأبيات الشعرية. ح- فهرس للمصادر والمراجع. ط- فهرس لموضوعات الرسالة. وفي الختام أتوجه بالشكر إلى الله تعالى الذي سهل لي أمر إعداد هذه الرسالة بفضل منه وتوفيق، وأسأله - سبحانه - أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه على كل شيء قدير. كما أشكر فضيلة الشيخ/ عبد الله بن محمد الغنيمان - المشرف على هذه الرسالة - على ما بذله من جهد وعون لي في إعدادها. وكذلك كل من بذل المساعدة لي في إنجازها، وعلى رأسهم فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري- جزاه الله خيرا-، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الباب الأول: تعريف العرش والأدلة عليه
الباب الأول: تعريف العرش والأدلة عليه الفصل الأول: تعريف العرش المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش ... قال ابن فارس: ""عرش " العين والراء والشين أصل صحيح واحد، يدل على ارتفاع في شيء مبني، ثم يستعار في غير ذلك"1. والعرش في كلام العرب يطلق على عدة معان منها: ا- سرير الملك: قال الخليل: "العرش: السرير للملك"2. وقال الأزهري: "والعرش في كلام العرب: سرير الملك، يدلك على ذلك سرير ملكة سبا، سماه الله- جل وعز- عرشا فقال: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل، آية: 21] 3. وقال ابن منظور- بعد أن نقل كلام الأزهري-: "وقد يستعار لغيره ... والجمع أعراش، وعروش، وعرشة، وفي حديث بدء الوحي: "فرفعت رأسي فإذا هو قاعد على عرش في الهواء"، وفي رواية: "بين السماء والأرض" يعني: جبريل على سرير"4.
2- سقف البيت: قال الخليل: "عرش البيت: سقفه"1. وقال الزبيدي: "والعرش من البيت سقفه ومنه الحديث: "أو كالقنديل المعلق بالعرش"، يعني: السقف، وفي حديث آخر: "كنت أسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عرشي" أي: سقف بيتي، وبه فسر قوله تعالى: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة، آية: 259] ، أي: صارت على سقوفها، كما قال عز من قائل: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أراد أن حيطانها قائمة وقد تهدمت سقوفها، فصارت في قرارها، وانقعرت الحيطان من قواعدها فتساقطت على السقوف المتهدمة قبلها، ومعنى الخاوية والمنقعرة واحد، وهي: المنقلعة من أصولها"2. 3- ركن الشيء: قال الزبيدي: "والعرش: ركن الشيء، قاله الزجاج والكسائي، وبه فسر قوله تعالى: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} أي: وخرت على أركا نها"3. 4- الملك: قال الأزهري: "والعرش: الملك، يقال: ثل عرشه، أي: زال ملكه وعزه".
قال زهير: تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها ... وذبيان إذ زلت باقدامها النعل1 قال الزبيدي: "قال ابن الأعرابي: العرش: الملك بضم الميم، وهو كناية...."2. 5- قوام أمر الرجل: قال ابن فارس: "استعيرت كلمة عرش هنا، فقيل لأمر الرجل وقوامه: عرش، وإذا زال ذلك عنه قيل: ثل عرشه، قال زهير: تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل"3 قال الزبيدي: "قولهم: ثل عرشه أي: عدم ما هو عليه من قوام أمره، وقيل: وهى أمره، وقيل: ذهب عزه، ومنه حديث عمر- رضي الله عنه - أنه رؤي في المنام فقيل له: ما فعل بك ربك، قال: لولا أن تداركني لثل عرشي"4. 6- عرش السماك: قال ابن فارس: "ويقال: إن عرش السماك: أربعة كواكب أسفل من العواء على صورة النعش، ويقال: هي عجز الأسد، قال ابن أحمر:
باتت عليه ليلة عرشية ... شربت وبات إلى نقا متهدم"1 7- عرش البئر: قال الأزهري: "وقال أبو عبيد: قال أبو زيد: بئر معروشة: وهي التي تطوى قدر قامة من أسفلها بالحجارة، ثم يطوى سائرها بالخشب، فذلك الخشب هو العرش، يقال: منه عرشت البئر أعرشها، فإذا كانت كلها بالحجارة فهي مطوية وليست بمعروشة. وقال غيره: المثاب: مقام الساقي فوق العروش، ومنه قول الشاعر: وما لمثابات العروش بقية ... إذا استل من تحت العروش الدعائم وقال ابن الأعرابي: العرش: بناء، فوق البئر يقوم عليه الساقي، وأنشد: أكل يوم عرشها مقيلي"2. 8- عرش القدم: قال الخليل: "العرش في القدم كل ما بين الحمار والأصابع من ظهر القدم، والحمار: المرتفع من ظهر القدم، وجمعه: عرشة وأعراش"3. وقال بن الأعرابي: "ظهر القدم: العرش، وباطنه: الأخمص"4.
قلت: من المعلوم أن معرفة كل معنى من تلك المعاني إنما يتحدد بحسب ما أضيف إلى الكلمة، والمعنى المقصود في عرش الرحمن من تلك المعاني السابقة، هو سرير الملك، ذلك لأن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة قد جاءت معينة لهذا المعنى وحده دون غيره من المعاني، وهذا ما سياتي بيانه. أما زعم الجهمي بان معنى العرش في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1، يحتمل عدة معاني، فلا يعرف أي هذه المعاني هو المراد، فقد أجاب عنه ابن القيم بقوله: "هذا تلبيس منك على الجهال، وكذب ظاهر، فإنه ليس لعرش الرحمن الذي استوى عليه إلا معنى واحد، وإن كان للعرش من حيث الجملة عدة معاني، فاللام: للعهد، وقد صار بها العرش معينا، وهو عرش الرب- تعالى- الذي هو سرير ملكه الذي اتفقت عليه الرسل، وأقرت به الأمم، إلا من نابذ الرسل ... "2.
المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش
المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش أولا: مذهب السلف: قال الطبري- عند تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} 1-: يعني بالعرش: السرير. ثم ذكر بسنده عن السدي في تفسير هذه الآية قوله: "محدقين حول العرش، قال العرش: السرير"2. وقال الطبري في موضع آخر: {ذُو الْعَرْش} 3 يقول: ذو السرير المحيط بما دونه"4. وقال البيهقي: "وأقاويل أهل التفسير على أن العرش: هو السرير، وأنه جسم مجسم خلقه الله، وأمر ملائكته بحمله، وتعبدهم بتعظيمه والطواف به، كما خلق في الأرض بيتا، وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة،. وفي الآيات والأحاديث والآثار دلالة واضحة على ما ذهبوا إليه"5.
وقال- أيضا-: "العرش: هو السرير المشهور فيها بين العقلاء"1. وقال ابن كثير: "هو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم، وهو سقف المخلوقات"2. وقال الذهبي- بعد أن ذكر سرر أهل الجنة-: "فما الظن بالعرش العظيم الذي اتخذه العلي العظيم لنفسه في ارتفاعه وسعته، وقوائمه وماهيته وحملته، والكروبيين الحافين من حوله وحسنه ورونقه وقيمته: فقد ورد أنه من ياقوته حمراء"3 قلت: وهذا الذي ذكره الطبري والبيهقي وابن كثير والذهبي في تعريف العرش، هو الذي جاءت به الآيات والأحا ديث والآثار، وهو ما ذهب إليه سلف الأمة وأئمتها في عرش الله، فهم يعتقون أن عرش الرحمن هو: سرير: قال ابن قتيبة: "وطلبوا للعرش معنى غير السرير، والعلماء في اللغة لا يعرفون للعرش معنى إلا السرير، وما عرش من السقوف وأشباهها قال أمية بن أبي الصلت: مجدوا الله وهو للمجد أهل ... ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق النـ ... اس وسوى فوق السماء سريرا شرجعا لا يناله بصر العيـ ... ن ترى دونه الملائك صورا"4.
وقال ابن كثير: "العرش في اللغة: عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال تعالى: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} 1 وليس هو فلكا، ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، فهو سرير ذو قوائم ... "2. وأنه ذو قوائم: قال شارح "الطحاوية": "قد ثبت في الشرع أن له قوائم تحمله الملائكة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور" 3"4. وأنه مخلوق: قال الحافظ ابن حجر: "قوله: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 5 إشارة إلى أن العرش مربوب، وكل مربوب مخلوق ... ، وفي إثبات القوائم للعرش دلالة على أنه جسم مركب له أبعاض وأجزاء، والجسم المؤلف محدث مخلوق"6. وقد جاء ذكر خلق العرش في حديث أبي رزين العقيلي قال: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه، قال: "كان في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء" 7.
وأن الله سبحانه قد أمر ملائكته بحمله، وتعبدهم بتعظيمه: تال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} 1، وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} 2. وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" 3. وهو أعلى المخلوقات وأعظمها، وسقفها، وهو كالقبة على العالم، وما تحته بالنسبة إليه كحلقة في فلاة. قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتاب "أصول السنة": "ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش، واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق"4. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما العرش فإنه مقبب، لما روي في "السنن" لأبي داود عن جبير بن مطعم قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أعرابي فقال: يا رسول الله، جهدت الأنفس، وجاع العيال،- وذكر الحديث- إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله على عرشه، وإن عرشه على سمواته وأرضه، كهكذا" 1 وقال بأصابعه مثل القبة ... وفي علوه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعالاها، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة" 2. فقد تبين بهذه الأحاديث أنه أعلى المخلوقات وسقفها، وأنه مقبب ... "3. وفي حديث أبي ذر المشهور قال: قلت يا رسول الله، أي ما أنزل عليك أعظم، قال: "آية الكرسي"- ثم قال: " يا أبا ذر ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة" 4 وهذا القول للسلف في عرش الله هو ما جاءت به الآيات والأحاديث الصحيحة، وقد كان سلف الأمة وأئمتها- دائما- يصرحون بذلك في كتبهم عند الحديث عن هذه المسألة.
وقد وافقهم- في هذا القول في عرش الله- الكلابية1، والكرامية2، ومتقدمو الأشاعرة3، وبعض الجهمية4،
والمعتزلة1،2. ثانيا: أقوال المخالفين: القول الأول: ما زعمه طائفة من الجهمية، والمعتزلة، والماتريدية3، وعامة متأخري الأشاعرة4، من أن معنى العرش في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} هو الملك. قال الدارمي في كتابه "الرد على الجهمية": "باب: الإيمان بالعرش، وهو أحد ما أنكرته المعطلة. فادعت هذه العصابة أنهم يؤمنون بالعرش ويقرون به، فقلت لبعضهم: ما إيمانكم به إلا كإيمان {الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بافْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ
قُلُوبُهُمْ} 1، وكالذين: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَياطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} 2، أتقرون أن لله عرشا معلوما موصوفا فوق السماء السابعة تحمله الملائكة، والله فوقه كما وصف نفسه، بائن من خلقه، فأبى أن يقر به كذلك، وتردد في الجواب، وخلط ولم يصرح. قال أبو سعيد: فقال لي زعيم منهم كبير: لا، ولكن لما خلق الله الخلق يعني السموات والأرض وما فيهن، سمى ذلك كله عرشا له، واستوى على جميع ذلك كله"3. وقال ابن تيمية- في سياق كلامه على حمله العرش-: "ثم إن قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} 4، وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} 5 يوجب أن لله عرشا يحمل، ويوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك كما تقوله طائفة من الجهمية"6. وقال الزمخشري: "إنه لما كان الاستواء على العرش- وهو سرير الملك- مما يردف الملك جعلوه كناية عن الملك، فقالوا: استوى فلان
على العرش، يريدون ملك، وإن لم يقعد على السرير ألبتة، وقالوه – أيضا - لشهرته في ذلك المعنى، ومساواته ملك في مؤداه، وإن كان أشرح وأبسط وأدل على صورة الأمر"1. وقال البغدادي: "والصحيح عندنا تأويل العرش في هذه الآية على معنى الملك، كأنه أراد أن الملك ما استوى لأحد غيره، وهذا التأويل مأخوذ من قول العرب: ثل عرش فلان، إذا ذهب ملكه، قال متمم بن نويره في هذا المعنى: عروش تفانوا بعد عز، وأمة ... هووا بعدما نالوا السلامة والبقا وأراد بالعروش ملوكا انقرضوا. وقال سعيد بن زائدة الخزاعي في النعمان بن المنذر: قد نال عرشا لم ينله حائل ... جن ولا إنس ولاديار وأراد بالعرش الملك والسلطان. وقال النابغة: بعد ابن جفنة وابن هاتك عرشه ... والحارثين يؤملون فلاحا وأراد بهاتك عرش ابن جفنة سالب ملكه، فصح بهذا تأويل العرش على الملك في آية الاستواء على ما بيناه"2. وقال القفال: "العرش في كلامهم هو السرير الذي يجلس عليه الملوك، ثم جعل العرش كناية عن نفس الملك، يقال: ثل عرشه، أي:
انتقض ملكه وفسد، وإذا استقام ملكه واطرد أمره وحكمه قالوا: استوى على عرشه، واستقر على سرير ملكه"1. قال الآلوسي: "واختار كثير من ال خلف أن المراد بذلك: الملك والسلطان، وذكره لبيان جلالة ملكه وسلطانه- سبحانه- بعد بيان عظمة شأنه وسعة قدرته بما مر من خلق هاتيك الأجرام العظيمة"2. الرد عليهم: ما ذهب إليه هؤلاء المخالفون من تفسير معنى العرش الوارد في الآيات بمعنى الملك، إنما هو تاويل باطل، وصرف للفظ عن معناه إلى معنى آخر لا يحتمله. والمتامل لهذا القول يرى ما فيه من التلبيس والمخالفة. فقد سبق أن ذكرنا في المبحث اللغوي لكلمة عرش، أن لهذه الكلمة عدة معاني في اللغة العربية، ومن المعلوم أن معرفة المعنى المراد من تلك المعاني لهذه الكلمة أو غيرها، إنما يتحدد بحسب سياق الكلمة، وبحسب ما أضيفت إليه، وليس في سياق الآيات ما يثبت صحة ما ذهبوا إليه، كفا أن ما استدل به هؤلاء المخالفون من الأبيات الشعرية ليس إلا دليلا على أن الملك هو من المعاني اللغوية لكلمة عرش، وهذا أمر لا خلاف عليه، وهذا الاستدلال يماثل ما لو استدللنا على أن من معاني كلمة العرش السقف بقوله: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ،
فليس في هذه الأبيات أي إشارة، لا من قريب ولا من بعيد على أن الملك هو المعنى المراد في الآيات الواردة في العرش، بل إن المتأمل للآيات والأحاديث الواردة في هذه المسألة، يرى أنها تدل دلالة واضحة وصريحة على أن المراد بالعرش هو ذلك المخلوق العظيم الذي خلقه الله تعالى فوق العالم كله، ثم استوى عليه بعد أن خلق السموات والأرض، وكذلك ترد على هؤلاء المخالفين زعمهم الباطل الذي هو في الحقيقة تحريف لكلام الله. فيا ترى ماذا يصنع ذلك المخالف الذي يزعم أن العرش إنما هو كناية عن الملك والسلطان بقوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} 1 هل يزعم أن الملك كان على الماء، وكذلك ماذا يصنع بقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} ، أيقول: ويحمل ملكه يومئذ ثمانية، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش" 2، أيقول: آخذ بقائمة من قوائم الملك، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: "اهتز عرش الرحمن" 3، أيقول: اهتز ملكه وسلطانه،
فخلاصة القول: إن هذا التأويل إنما هو تأويل باطل، ترده الآيات، والأحاديث، ولا يمكن أن يقول به من له أدنى ذوق أو فهم، بل هو في الحقيقة تحريف لكلام الله تعالى. وكذلك فإن ما استدل به المخالفون من الأبيات ليس فيه دليل لا من قريب أو بعيد على صحة ما زعموا، وذلك أنه ليس في سياق الآيات ما يؤيده، فاستدلالهم إنما هو نوع من التلبيس، وتحريف الكلم عن مواضعه. القول الثاني: زعم طائفة من أهل الكلام أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه، محيط بالعالم من كل جهة، وهو محدود الجهات، وربما سموه الفلك الأطلس، أو الفلك التاسع، أو الأثير، أو الفلك الأعلى1. وفي ذلك يقول ابن سينا في رسالتة، "إثبات النبوات وتاويل رموزهم وأمثالهم": "ومن السهل عليك أن تفهم كيف أن العرش بنص القرآن يحمله ثمانية، فهذه الثمانية هي: الثمانية أفلاك التي تحت هذا الفلك المحيط"2.
الرد عليهم: إن المتامل لكلام هؤلاء المتكلمين كابن سينا وأمثاله يرى مدى تأثرهم بالفلاسفة وكلامهم، حتى أنهم وصلوا إلى درجة اعتقادهم أنه لا موجود إلا ما علموه هم والفلاسفة. ولهذا كان هؤلاء الذين عرفوا ما عرفته الفلاسفة إذا سمعوا أخبار الأنبياء بالملائكة، والعرش، والكرسي، والجنة، والنار، صاروا حائرين ومتأولين لكلام الأنبياء على ما عرفوه وعلى ما تعلموه، وإن كان هذا التأويل لا دليل لهم عليه سوى ظنهم الفاسد بأنه لا موجود إلا ما عرفوه هم والفلاسفة، فقالوا العرش: هو الفلك التاسع، والكرسي: هو الفلك الثامن، فنفوا ما ليس لهم به علم"1، فانطبق عليهم قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَما ياتِهِمْ تاوِيلُهُ} 2. وقد ثبت أنه ليس لهؤلاء دليل يتمسكون به لا من الشرع ولا من العقل، وأن الذي دفعهم إلى هذا القول هو أنهم نظروا في عالم الهيئة وعلوم الفلسفة فرأوا أن الأفلاك تسعة، وأن التاسع وهو: الأطلس محيط بها، ومستدير كاستدارتها، وهو الذي يحركها الحركة الشوقية، وأن لكل فلك حركة تخصه غير هذه الحركة العامة، ثم سمعوا في أخبار الأنبياء- صلوات الله وسلام عليهم- ذكر عرش الله، وذكر كرسيه، وذكر السموات السبع، فقالوا- بطريق الظن-: إن العرش: هو الفلك التاسع لاعتقادهم
أنه ليس وراء التاسع شيء، إما مطلقا، وإما أنه ليس وراءه مخلوق"1. وهم معترفون بانه لم يقم لديهم دليل عقلي على صحة قولهم هذا، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن أئمة الفلاسفة مصرحون بأنه لم يقم عندهم دليل على أن الأفلاك هي تسعة فقط، بل يجوز أن تكون أكثر من ذلك، ولكن دلتهم الحركات المختلفة والكسوفات ونحو ذلك على ما ذكروه، وما لم يكن لهم دليل على ثبوته فهم لا يعلمون ثبوته ولا انتفاءه. مثال ذلك: أنهم علموا أن هذا الكوكب تحت هذا بان السفلي يكسف العلوي من غير عكس، فاستدلوا بذلك على أنه من فلك فوقه، كما استدلوا بالحركات المختلفة على أن الأفلاك مختلفة حتى جعلوا في الفلك الواحد عدة أفلاك، كفلك الدوير وغيره، فأما ما كان موجودا فوق هذا ولم يكن لهم ما يستدلون به على ثبوته، فهم لا يعلمون نفيه ولا إثباته بطريقهم ... وإذا كان هؤلاء ليس عندهم ما ينفي وجود شيء آخر فوق الأفلاك التسعة، كان الجزم بان ما أخبرت به الرسل من أن العرش: هو الفلك التاسع- رجما بالغيب وقولا بلا علم"2. ومع عدم وجود الدليل العقلي عند هؤلاء على صحة زعمهم، فكذلك الأدلة الشرعية ترد زعمهم هذا وتبطله.
وقد ذكر شيح الإسلام ابن تيمية في معرض رده على هؤلاء المتكلمين في رسالته "العرشية" أن الآيات والأحاديث قد دلت على أن العرش مباين لغيره من المخلوقات، وأن الله قد اختصه وميزه بأمور كثيرة، منها أن له حملة يحملونه اليوم ويوم القيامة، وأن الله قد أخبر بوجوده قبل خلق السموات والأرض، وقبل وجود الأفلاك، وأن الله سبحانه تمدح نفسه بانه ذو العرش، ووصف العرش بأنه مجيد وعظيم وكريم، فكل هذه الميز والخصائص تبطل قول المنازع، لأنه يقول بان نسبة الفلك الأعلى إلى ما دونه كنسبة الآخر إلى ما دونه، ذلك، لأنه لو كان العرش من جنس الأفلاك لكان إلى ما دونه كنسبة الآخر إلى ما دونه، وهذا لا يوجب خروجه عن الجنس وتخصيصه بالذكر"1. كما أن مما يدل على فساد قولهم ما ثبت في الشرع من أن للعرش قوائم، وأنه يهتز، ومعلوم أن الأفلاك مستديرة، وليس لها قوائم، كما أنها متحركة دائما بحركة متشابهة لا تتغير، كما ثبت- أيضا- أن العرش أثقل الأوزان2، وهم يقولون إن الفلك لا ثقيل ولا خفيف3. فعلم مما تقدم انتفاء الدليل العقلي عند هؤلاء، كما علم مخالفتهم للأدلة الشرعية وإبطالها لأقوالهم، ويضاف إلى هذا- أيضا- مخالفتهم للغة العرب، فالعرب لا تفهم من كلمة العرش هذا المعنى، ولا هو
مستعمل في لغتها والقرآن إنما نزل بما يفهمون. وبعد هذا كله لا تبقى أدنى شبهة في فساد هذا القول وبطلانه. والله أعلم.
الفصل الثاني: الأدلة على صفة العرش من الكتاب والسنة
الفصل الثاني: الأدلة على صفة العرش من الكتاب والسنة المبحث الأول: الأدلة القرآنية على صفة العرش. ... لقد جاء ذكر عرش الرحمن في القرآن في واحد وعشرين موضعا: قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بأمره أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1. وقال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم} 2. وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} 3. وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} 4.
وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّىً} 1. وقال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} 2. وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 3. وقال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَما يَصِفُونَ} 4. وقال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 5. وقال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} 6. وقال تعا لى: {الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} 7. وقال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 8.
وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} 1. وقال تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 2. وقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْما فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} 3. وقال تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} 4 وقال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَما يَصِفُونَ} 5. وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْهَا وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 6. وقال تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} 7.
وقال تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} 1. وقال تعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} 2. من خلال هذه النصوص التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن- تبارك وتعالى-، نستطيع أن نرى الدلائل والصفات العظيمة التي وصف الله بها هذا المخلوق العظيم، فذكر العرش في هذه المواضع الكثيرة، وفي خلال تسع عشرة سورة من سور القرآن- أمر يشعر بعظم هذا المخلوق وعظم ما اختص به، وسنعرض في هذا المبحث دلالة تلك الآيات على ما للعرش من مكانة ومنزلة. وأما ما نبدأ به من تلك الآيات آيات الاستواء على العرش، فالاستواء على العرش هو أعظم ما اختص الله به هذا المخلوق، وقد جاء ذكر الاستواء في سبع آيات، وهذه الآيات السبع التي جاء فيه ذكر الاستواء على العرش قد جاءت مصحوبة بما يبهر العقول من صفات الله وجلاله وكماله3، وسنذكر تلك الآيات وما اقترن بها. ا- فأول سورة ذكر الله فيها صفة الاستواء حسب ترتيب المصحف سورة الأعراف: قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثا
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بأمره أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1. فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال2. 2- والموضع الثاني في سورة يونس قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِما كَانُوا يَكْفُرُونَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} 3. فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الكمال والجلال. 3- الموضع الثالث في سورة الرعد في قوله جل وعلا: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ وَهُوَ الَّذِي
مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِماءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 1. فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال. 4- الموضع الرابع في سوره طه قال تعالى: {طه ما أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّماوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ ما فِي السَّماوَاتِ وَما فِي الأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْماءُ الْحُسْنَى} 2. فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال. 5- الموضع الخامس في سورة الفرقان في قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} 3.
فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الكمال والجلال. وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "إنه ينبغي للمؤلين أن يتاملوا هذه الآية من سورة الفرقان وهي قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} ويتاملوا معها قوله تعالى: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} 1، فإن قوله في الفرقان: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} بعد قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} يدل دلالة واضحة أن الله الذي وصف نفسه بالاستواء خبير بما يصف به نفسه، ولا تخفى عليه الصفة اللائقة من غيرها ويفهم منه أن الذي ينفي عنه صفة الاستواء ليس بخبير، نعم هو والله ليس بخبير"2. 6- الموضع السادس: في سورة السجدة في قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْما ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِما تَعُدُّونَ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ} 3.
فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الجلال وا لكمال.. 7- الموضع السابع: في سورة الحديد في قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْهَا وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 1. فالله سبحانه وتعالى مع استوائه على عرشه لا يخفى عنه شيء من أمور مخلوقاته، فهو يعلم جميع ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وجميع ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، فسبحان من لا يعزب عن علمه مثقال حبة من خردل لا في السماء ولا في الأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم. فالشاهد من ذكر آيات الاستواء على العرش وذكر ما اقترن بها من صفات العظمة والجلال بيان أن هذه الصفة التي ظن الجاهلون أنها صفة نقص، ويتهجمون على رب السموات والأرض بأنه وصف نفسه بصفة نقص، ثم يسببون عن هذا أن ينفوها ويؤولوها، مع أن الله- جل وعلا- تمدح بها، وجعلها من صفات الجلال والكمال مقرونة بما يبهر العقول من صفات الجلال والكمال، وهذا يدل على جهل وهوس من ينفي بعض صفات الله جل وعلا بالتأويل2.
وبعد ذكر آيات الاستواء وما اقترن بها من صفات الجلال والكمال، نتامل المواضع الأخر ى التي جاء فيها ذكر العرش فقوله تعالى: {هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} ، وقوله: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَما يَصِفُونَ} ، وقوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، وقوله: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} ، وقوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، وقوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَما يَصِفُونَ} . ففي هذه الآيات نرى أن الله أخبر عن العرش بما يدل على أنه مخلوق من مخلوقات الله، وذلك بوصفه له بأنه مربوب، ومعلوم أن كل مربوب مخلوق، وهذه الآيات تؤكد لنا وجود العرش، وتبطل زعم القائلين بان المراد منه الملك، فالإخبار عنه بهذه الصيغة يؤكد استقلاله وتميزه، ومما يزيدنا يقينا وصف العرش بتلك الصفات الجليلة، فقد وصفه الله بأنه كريم، ومجيد، وعظيم1. كما أن مما يدلنا على منزلة العرش ومكانته عند الله تعالى من خلال هذه الآيات هو أنه سبحانه قد تمدح نفسه في بعضها بأنه ذو العرش قال تعالى: {إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} ، وقوله: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْش} ، وقوله: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} ، وقوله: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} . وأما ما جاء في قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} ، وقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} .
فإن هذه الآيات توجب أن لله عرشا يحمل، وتوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك كما تقوله طائفة من الجهمية، فإن الملك مجموع الخلق، فهنا دلت الآيات على أن لله ملائكة من جملة خلقه يحملون عرشه، وآخرين يكونون حوله، وعلى أنه يوم القيامة يحمله ثمانية، إما ثمانية صفوف أو ثمانية أملاك، أو ثمانية أصناف1، فهذه الآيات أعظم إثبات على وجود العرش حقيقة، ومن أعظم الردود على زعم النافين له.
المبحث الثاني: الأدلة من السنة على صفة العرش
المبحث الثاني: الأدلة من السنة على صفة العرش أورد ابن أبي شيبة في كتاب "العرش" الكثير من الأحاديث والآثار الواردة في العرش وصفته، وفي هذا المبحث لن نذكر تلك الأحاديث والآثار التي أوردها لأنها ستأتي، وإنما سنورد ههنا بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في العرش وصفته، والتي لم يذكرها ابن أبي شيبة في كتابه، وهذه الأحاديث كثيرا ما يوردها السلف في كتبهم ويستدلون بها، لما فيها من الصحة والقوة، ولما فيها من الصفات الدالة على عرش الخالق سبحانه وتعالى. ا- فقد جاء في "الصحيحين " عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس جاء يهودي فقال: يا أبا القاسم، ضرب وجهي رجل من أصحابك. فقال: "من"، قال: رجل من الأنصار، قال: "ادعوه"، فقال: "أضربته" فقال: سمعته بالسوق يحلف: والذي اصطفى موسى على البشر، قلت: أي خبيث على محمد صلى الله عليه وسلم فأخذتني غضبة ضربت وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم
العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق أم حوسب بصعقته الأولى ... " 1. والشاهد لنا من هذا الحديث قوله: "فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش" حيث إن للعرش قوائم، ولم يرد في الشرع تحديد عدد لها، وهذا الحديث هو من أقوى الأدلة على أن العرش ليس المراد به الملك أو الفلك التاسع. 2- وفي "صحيح مسلم" عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء" 2. وفي الحديث دلالة واضحة على أن العرش كان مخلوقا على الماء قبل خلق السموات والأرض. 3- وفي "الصحيحين" عن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله الله رب السموات، ورب الأرض، ورب العرش الكريم" 3.
4- وعن ابن عباس، عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: "مازلت على الحال التي فارقتك عليها"، قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته" 1. قال ابن تيمية: "فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان"2. 5- وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش: إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" 3. 6- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها"، قالوا: يا رسول الله: أفلا ننبئ الناس بذلك، قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين
ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة" 1. 7- وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله" 2. 8- وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: "أتدري أين تذهب"، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} " 3. 9- وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق
العرش: إن رحمتي غلبت غضبي" 1. 10- وعن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله كله يقول: "المتحابون في الله يظلهم الله في ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله" 2.
الباب الثاني: صفات العرش وذكر ما يتعلق به
الباب الثاني: صفات العرش وذكر ما يتعلق به الفصل الأول: صفة العرش وخصائصه المبحث الأول: خلق العرش وهيئته ... إن أول صفة نذكرها لعرش البارئ- سبحانه وتعالى- كونه مخلوقا من مخلوقات الله- تعالى-، ذلك لأن كل ما على الوجود هو مخلوق خلقه الله- تعالى- وأوجده، قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 1، فكل شيء في هذا الكون مخلوق، والعرش من ضمن هذا الكون، فهو مخلوق أيضا. وسلف الأمة وأئمتها يقولون: إن القرآن والسنة قد دلا على أن العرش مخلوق من مخلوقات الله تعالى خلقه وأوجده، قال تعالى: {هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، فالعرش موصوف بأنه مربوب، وكل مربوب مخلوق، فالعرش مخلوق من مخلوقات الله. وقد دلت الآيات والأحاديث على أن خلق العرش متقدم على خلق السموات والأرض، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} ، فالآية تدل على أن العرش كان موجودا على الماء قبل خلق السموات والأرض، ويؤيد تفسير الآية بهذا المعنى حديث عمران بن حصين- رضي الله عنه- الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب
في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض" 1. وأما مسألة خلق العرش فقد-جاء ذكرها في حديث أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه، قال: "كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء" 2. وهذه الأدلة التي استدل بها السلف على إثبات خلق العرش فيها أبلغ الرد على من زعم من الفلاسفة أن العرش هو الخالق الصانع، أو أنه: لم يزل مع الله تعالى. ولقد خالف السلف في قولهم هذا بعض أهل الكلام، الذين زعموا أن السموات والأرض كانتا مخلوقتين قبل العرش، وهم بزعمهم هذا الذي لا دليل لهم عليه إنما يحاولون به إخراج الاستواء عن حقيقته في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، ليكون معنى الاستواء في الآية على زعمهم بمعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه، ذلك لأنهم لو سلموا أن العرش مخلوق قبل السموات والأرض لقيل لهم: إنكم تزعمون أن "استوى" بمعنى: استولى، فلماذا تأخر الاستيلاء إلى ما بعد خلق السموات مع أنه كان موجودا قبل ذلك، فهم- فرارا من هذا الأمر- ادعوا أن العرش مخلوق بعد السموات والأرض.
وقد رد ابن القيم- رحمه الله- على زعمهم هذا بقوله: "إن هذا لم يقله أحد من أهل العلم أصلا، وهو مناقض لما دل عليه القرآن والسنة وإجماع المسلمين أظهر مناقضة، فإنه تعالى أخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وعرشه حينئذ على الماء، وهذه واو الحال، أي: خلقها في هذه الحال، فدل على سبق العرش والماء للسموات والأرض، وفي "الصحيح" عنه صلى الله عليه وسلم: "قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء" 1"2. وكذلك فيما ذكرناه من أدلة على سبق خلق العرش للسموات والأرض فيه رد على زعم هؤلاء، وبيان مدى مخالفة قولهم للكتاب والسنة. وبعد أن علمنا أسبقية خلق العرش على خلق السموات والأرض، وإجماع سلف الأمة على ذلك، نود أن نتطرق في هذا المبحث- أيضا- إلى ترتيب خلق العرش مع غيره من المخلوقات من حيث الأولوية في الخلق. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال:
القول الأول: أن القلم أول المخلوقات، وأنه أسبق في الخلق من العرش، وهذا القول هو اختيار ابن جرير الطبري1 وابن الجوزي2، وهو ما يفهم في الظاهر من قول من صنف في الأوائل، كابن أبي عروبة الحراني، وأبي القاسم الطبراني3. والدليل على هذا القول حديث عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب، قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ... " الحديث4. قال ابن جرير عند ترجيح هذا القول: "وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رويناه عنه أولى قول في ذلك بالصواب، لأنه كان أعلم قائل في ذلك قولا بحقيقته وصحته ... من غير استثناء منه شيئا من الأشياء أنه تقدم خلق الله إياه خلق القلم، بل عم بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أول شيء خلقه الله القلم" كل شيء، وإن القلم مخلوق قبله من غير استثنائه من ذلك عرشا ولا ماء ولا شيئا غير ذلك"5.
القول الثاني: أن الماء أول المخلوقات، وأنه مخلوق قبل العرش. وهذا القول ذكره ابن جرير ونقله عنه ابن كثير1. وذكره أيضا ابن حجر2، واستدل له بما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا: "أن الماء خلق قبل العرش". وقال ابن حجر: "وروى السدي في "تفسيره" بأسانيد متعددة "أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء". القول الثالث: أن أول شيء خلقه الله عز وجل من خلقه النور والظلمة. وهذا القول ذكره ابن جرير، وعزاه إلى ابن إسحاق3. القول الرابع: أن العرش هو أول المخلوقات. وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية4، وابن القيم5،
وابن كثير1، وشارح "العقيدة الطحاوية"2، ونسبه ابن كثير وابن حجر- نقلا عن أبي العلاء الهمداني- إلى الجمهور، ومال إليه ابن حجر- أيضا3. واستدلوا على قولهم هذا بما رواه مسلم في "صحيحه" بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا، قال: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء" 4. ففي هذا الحديث تصريح بان التقدير وقع بعد خلق العرش، وحديث عبادة صريح بان التقدير وقع عند أول خلق القلم، فدل ذلك على أن العرش سابق على القلم. ومما يؤيد هذا القول- أيضا- حديث عمران بن حصين: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض"5. فالحديث يدل على أن العرش كان موجودا قبل كتابه المقادير. وهذا هو الراجح من الأقوال، وأما القول الثاني "أن الماء أول
المخلوقات" واستدلال ابن حجر بحديث، أبي رزين "أن الماء خلق قبل العرش" فغير صحيح، لأنه لم يرد في حديث أبي رزين هذا اللفظ، وإنما ورد فيه: "ثم خلق عرشه على الماء"، وليس في هذا ما يدل على أولية الماء. وأما ما رواه السدي فهو- أيضا- لا يصلح للاحتجاج، لكونه أثرا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك. وأما القول الثالث: وهو قول ابن إسحاق فهو- أيضا- غير صحيح، ولعله أخذه من الإسرائيليات كما أخذ غيره من الأمور، وقد قال ابن جرير في هذا القول: "وأما ابن. إسحاق فإنه لم يسند قوله الذي قاله في ذلك إلى أحد، وذلك من الأمور التي لا يدرك علمها إلا بخبر من الله عز وجل أو خبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم"1. أما القول الأول فقد أجاب الجمهور على استدلالهم بحديث عبادة بن الصامت بقولهم: لا يخلو قوله "أول ما خلق الله القلم ... " إلخ من أن يكون جملة أو جملتين، فإن كان جملة- وهو الصحيح- كان معناه أنه عند أول خلقه قال له: "اكتب" كما في اللفظ، "أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب" بنصب "أول" و"القلم "، فعلى هذا تكون الأولية راجعة إلى الكتابة لا إلى الخلق. وإن كانت جملتين وهو مروي برفع "أول" و"القلم " فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، فيتفق بهذا الحديثان، إذ
حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن العرش سابق على التقدير، والتقدير مقارن لخلق القلم"1. أما هيئة العرش: فقد دلت الأحاديث على أنه مقبب الشكل، وأنه على هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيهما كهيئة القبة، وهذا ما يدل عليه حديث الأعرابي الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا" 2، وأشار بأصابعه مثل القبة، ويؤيد وصف هيئة العرش بهذه الصفة ما جاء في الحديث الآخر: "إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلاها، وفوقه عرش الرحمن" فالحديث يبين أن الفردوس أوسط الجنة، وأعلاها، والجنة كما جاء في الحديث الآخر مائة درجة، وما بين كل درجة ودرجة كما بين السموات والأرض، فكون العرش سقفا للفردوس- الذي هو أوسط الجنة وأعلاها- يدل على أنه مقبب لأن هذه الصفة لا تكون إلا في المستدير. والعرش له قوائم كما جاء في الحديث الصحيح: "لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش" الحديث. وفي إثبات كون العرش مقببا، وأن له قوائم تحمله، رد على من
زعم من الفلاسفة أن العرش فلك من الأفلاك، أو أنه الفلك التاسع. وقد تقدم الرد على زعم هؤلاء، وكذلك فيه رد على من زعم أن العرش بمعنى الملك، لأنه لا يعقل أن يكون ماسكا بقائمة من قوائم الملك، وقد ذكر ابن كثير، والذهبي: أن العرش من ياقوتة حمراء1، وقد استدلوا لهذا القول بما رواه إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت سعدا الطائي يقول: "العرش ياقوتة حمراء"2.
المبحث الثاني: مكان العرش
المبحث الثاني: مكان العرش إن الآيات والأحاديث التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن تبارك وتعالى لتدل دلالة واضحة على أن لعرش الرحمن مكانا قبل وجود السموات والأرض وبعد خلقهما، فأما مكانه قبل خلق السموات والأرض فالآيات والأحاديث تبين لنا أن مكانه على الماء، فالله سبحانه يقول في كتابه الكريم: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} . قال الطبري في تفسير هذه الآية: "وقوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} ، يقول وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض وما فيهن، وعن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} قبل أن يخلق شيئا"1. وأما الأدلة من السنة على ذلك فكثيرة، منها حديث عمران بن حصين الذي جاء فيه: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض". وكذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: "كتب الله
مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال: وعرشه على الماء". وكذلك حديث أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه، قال: "كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء". فكل من الآية والأحاديث تدل دلالة قاطعة على أن مكان العرش منذ خلقه على الماء، وليس المراد بالماء هنا ماء البحر، لأن ماء البحر إنما وجد بعد خلق السموات والأرض، وإنما الماء المذكور هنا ماء آخر تحت العرش على ما شاء الله تعالى1. وقد سئل حبر الأمة عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- عن قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} على أي شيء كان الماء، قال: على متن الريح2. وعن سليمان التيمي أنه قال: "لو سألت أين الله، لقلت: في السماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل السماء، لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل الماء، لقلت: لا أعلم، قال أبو عبد الله وذلك لقوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِما شَاءَ} 3"4.
هذا مكان العرش قبل خلق هذا الكون الذي هو عبارة عن السموات والأرض، أما مكانه بعد خلق السموات والأرض فالحديث عنه من جانبين: الجانب الأول: مكانه بالنسبة إلى الله تعالى مع غيره من المخلوقات. الجانب الثاني: مكانه بالنسبة إلى السموات والأرض بعد خلقهما. أما مكان العرش بالنسبة إلى الله تعالى مع غيره من المخلوقات فهو أقربها إليه سبحانه، وذلك لأن الله سبحانه قد أخبر أنه مستو على عرشه في أكثر من موضع في القرآن الكريم قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ففي إثبات الاستواء على العرش دليل على قربه إليه، لأنه- سبحانه- مستو على أعلى مخلوقاته وأقربها إليه، وهذه ميزة امتاز بها العرش على ما سواه، ومما يؤيد كون العرش أقرب المخلوقات إلى الله ما جاء في حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولكن ربنا- تبارك وتعالى اسمه- إذا قضى أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربكم، فيخبرونهم ماذا قال"1. فالحديث يدل على أن حملة العرش هم أول من يتلقى أمر الله، ثم يبلغونه للذين يلونهم من أهل السموات، فكونهم أقرب الخلق إلى الله
دليل على أن العرش أقرب منهم إليه – سبحانه - لأنهم إنما يحملونه. أما مكان العرش بالنسبة للسموات والأرض بعد خلقهما وهل مازال على الماء، فالجواب ما يلي: إن العرش ما يزال على الماء المذكور في الآية والأحاديث، بدليل ما جاء في حديث الأوعال، في قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم فوق السماء السابعة بحر، بين أعلاه وأسفله، مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك كله ثمانية أملاك أوعال، ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش". فالحديث يشير كما أسلفنا إلى وجود ذلك الماء الذي تحت العرش، وإلى أنه مازال موجودا إلى ما بعد خلق السموات والأرض. أما مكان العرش بالنسبة إلى السموات والأرض فهو أعلى منها، وفوقها، وهو كالقبة عليها، كما جاء في الحديث: "إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة، وكذلك ما جاء في حديث العباس بن عبد المطلب الذي يسمى حديث الأوعال، فكلا الحديثين يدلان على أن العرش فوق السموات والأرض، وأعلى منهما، وهو كالسقف عليهما، بل هو سقف الجنة، كما في الحديث: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن" 1.
فمكان العرش فوق السموات والأرض، وفوق الجنة، وهو أعلى المخلوقات، وأرفعها، وجميع المخلوقات دونه في العلو والارتفاع والله أعلم.
المبحث الثالث: خصائص العرش
المبحث الثالث: خصائص العرش خص الخالق سبحانه وتعالى عرشه الكريم بخصائص عديدة، ميزته على كثير من المخلوقات الأخرى، وذلك لما للعرش من المكانة الرفيعة عند البارئ- عز وجل-، فقد جاء ذكر عرش الرحمن في واحد وعشرين موضعا من القرآن الكريم، ومجيء ذكر العرش بهذا العدد يدل على ما له من مكانة ومنزلة عالية عند الخالق- سبحانه وتعالى-، فالله - سبحانه وتعالى - قد مدح نفسه في أكثر من موضع من كتابه الكريم بانه صاحب العرش العظيم، والكريم، والمجيد، قال تعالى: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، وقال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} ، وقال تعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} . فالله سبحانه يصف لنا في هذه الآيات وغيرها العرش بانه عظيم، وكريم، ومجيد، فهو عظيم لكونه أكبر المخلوقات، وأعظمها، وأعلاها، وذلك لما خص الله به هذا العرش من الاستواء عليه، ومجيد وكريم لما له من منزلة تميز بها عما سواه من المخلوقات، فهو إنما اتصف بهذه الصفات لجلالته وعظيم قدره، كما أن في قوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْش} إخبار منه تعالى عن عظمته وكبريائه، وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع خلقه، ومما يدل- أيضا- على
عظمة هذا العرش اقترانه باسم "الرحمن" كثيرا في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} . ففي هذا الاقتران بين اسم الرحمن والعرش حكمة، وهي إخباره- عز وجل- بأنه قد استوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات، ذلك لأن العرش محيط بالمخلوقات وقد وسعها، والرحمة بالخلق واسعة لهم1، كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} 2. وسنذكر في هذا المبحث بعض الخصائص التي اختص بها العرش وكرم بها، والتي جعلته يوصف بهذا الوصف في القرآن الكريم ويجعل له تلك المنزلة الرفيعة. أولا: الاستواء عليه: يعتبر استواء الله- سبحانه وتعالى- على العرش أعظم الخصائص التي اختص بها العرش، بل إن ما سواها من الخصائص الأخرى التي تميز بها العرش إنما جعلت له لأجل استواء الله- عز وجل- عليه، وذلك أن الله - تعالى- لما اختصه بهذا الأمر جعل له من الخصائص والصفات، كارتفاعه، وعظم خلقه، وكبره، وثقل وزنه، لكي يتناسب مع ما ميز وشرف به من الاستواء عليه. ومسألة الاستواء على العرش ثابتة في الكتاب والسنة، فقد جاء ذكر
الاستواء في القرآن الكريم في سبعة مواضع، ومجيء ذكر الاستواء في القرآن بهذا العدد إنما هو ليؤكد عظم هذا الأمر وأهميته، وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار التي تثبت الاستواء وتؤكده. وإن مذهب السلف الصالحين من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم- رضوان الله عليهم أجمعين- أنهم يقولون: إن الله على عرشه بلا تكييف، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، فهو سبحانه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، واستواؤه حقيقة لا مجاز، كما يزعم الجهمية وأتباعهم الذين ينكرون العرش، وأن يكون الله فوقه. وأما كيفية ذلك الاستواء فهي مجهولة لدينا، والسؤال عن كيفية ذلك الاستواء بدعة، لأن الله- سبحانه- لم يطلعنا على كيفية ذاته، فكيف يكون لنا أن نعرف كيفية استوائه وهو- سبحانه وتعالى- يقول: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِما شَاءَ} . ثانيا: العرش أعلى المخلوقات، وأرفعها، وسقفها إن مما خص به الخالق- سبحانه وتعالى- العرش مع استوائه عليه كونه أعلى المخلوقات، وأرفعها، وأقربها إلى الله تعالى، فقد ثبت أن العرش أعلى من السموات والأرض والجنة، وأنه كالسقف عليها، والأدلة على هذا الأمر كثيرة، وقد سبق أن أوردنا جزءا منها خلال حديثنا عن مكان العرش. والقول بان العرش أعلى المخلوقات هو قول السلف الذي قالوا به وذهبوا إليه، قال محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتابه "أصول
السنة": "ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش، واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء"1. وكون العرش أعلى المخلوقات يدل على أنه أقربها إلى الله- تعالى- وهذه ميزة أخرى تضاف إلى الخصائص التي انفرد بها العرش، ويدل على هذا الأمر ما جاء في حديث الأوعال: "ثم فوق ظهورهم العرش، بين أعلاه وأسفله مثل ما بين السماء إلى سماء، والله- تعالى- فوق ذلك "2. وكذلك ما جاء. ابن مسعود: "بين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي إلى الماء خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه "3. ثالثا: العرش أكبر المخلوقات، وأعظمها، وأثقلها: إن عرش الرحمن- تبارك وتعالى- يعتبر أكبر مخلوقات الله، وأوسعها، وأعظمها على الإطلاق، فقد خص الله عز وجل العرش بهذه الميزة العظيمة، وشرفه بها مع غيرها من الميزات، لكي يتناسب مع ذلك الشرف العظيم ألا وهو استواء البارئ- عز وجل- عليه.
وعظم العرش وسعة خلقه قد دل عليهما القرآن والسنة، فالله - سبحانه وتعالى- يقول في محكم التنزيل: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} فالله- سبحانه- وصف العرش في هذه الآية وغيرها بكونه عظيما في خلقه وسعته، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي هو مالك كل شيء، وخالقه، لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى"1. ومما يشهد لعظم العرش وسعة خلقه الأحاديث والآثار التي تتحدث عن كبر حجمه وسعته، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عرشه على سمواته وأرضه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشبه العرش بأنه كالقبة على هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيها، وكالسقف عليهما، وفي هذا بيان واضح على عظم العرش، وكبر مساحته، وفي حديث آخر يبين لنا مدى عظم العرش، وكبر ومساحته، فليس العرش باكبر من السموات والأرض فقط، بل هو من الكبر وسعة الحجم بحيث لا تعدل السموات والأرض على سعة حجمهما بجانبه شيئا يذكر، فعن أبي ذر- رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا ذر ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة"، وفي رواية: "ما السموات السبع والأرضون السبع وما بينهن وما فيهن
في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة" 1. فالحديث كما أسلفنا دليل واضح على سعة العرش وعظم خلقه. وأما مقدار ذلك وتلك السعة لا يعلمها إلا الله- تعالى-. قال عبد الله بن عباس- رضي، الله عنهما-: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدره إلا الله- تعالى- "2. والعرش يمتاز مع كبر حجمه وسعته، بكونه أثقل المخلوقات، وزنته أثقل الأوزان،. جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجويرية: "لقد قلت بعدك أربع كلمات مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته "3. قال ابن تيمية: "فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان"4. رابعا: العرش داخلا فيما يقبض ويطوى: لقد خص الله- سبحانه وتعالى - العرش بخصائص منها ما انفرد بها العرش عن غيره من المخلوقات، ومنها ما اشترك بها العرش مع بعض المخلوقات الأخرى، ولقد سبق الحديث عن بعض الخصائص التي
انفرد بها العرش، وأود ههنا أن أبين بعض ما اشترك فيه العرش مع غيره من المخلوقات من الخصائص. فقد سبق أن علمنا أن العرش مخلوق قبل السموات والأرض، فهو بهذا ليس داخلا فيما خلق في الأيام الستة، ومعلوم أن الله- سبحانه- قد أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه يقبض يوم القيامة السموات والأرض ويطويها ويبدلها قال تعالى: {وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِياتٌ بِيَمِينِه} 1، وقال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّماوَاتُ} 2، وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} 3، وقال تعالى: {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} 4، وقال تعالى: {إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ} 5. وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض " 6، وفي "صحيح مسلم" عن
عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله لجم: "يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم ياخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون، أين المتكبرون" 1. فالآيات والأحاديث السابقة تدل على أن السموات والأرض وما فيهما تقبض، وتطوى، وتبدل. وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى، كالجنة، والنار، والعرش2. فعلى هذا يكون العرش ليس داخلا فيما يقبض، ويطوى، ويبدل، والأدلة على بقاء العرش كثيرة في الكتاب والسنة، فالله سبحانه وتعالى يقول مخبرا عن بقاء عرشه يوم القيامة: {وَحُمِلَتِ الأرض وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} 3، وكذلك ما جاء في سورة الزمر من إخباره- تعالى- بقبضه للأرض، وطيه للسموات بيمينه، وذكر نفخ الصور، وصعق من في السموات والأرض، إلا من شاء الله، ثم ذكر النفخة الثانية التي يقومون بها، وأن الأرض تشرق بنور ربها، وأن الكتاب يوضع، ويجاء بالنبيين والشهداء، وأنه توفى كل نفس بما عملت، وذكر سوق الكفار إلى النار، وسوق المؤمنين إلى الجنة، إلى
أن قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1. فالآيات فيها إخبار عن الموقف يوم القيامة، والشاهد أن العرش باق حتى بعد انتهاء الحساب. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما العرش فلم يكن داخلا فيما خلقه في الأيام الستة، ولا فيما يشقه ويفطره، بل الأحاديث المشهورة دلت على ما دل عليه القرآن من بقاء العرش، فقد ثبت في الصحيح أن جنة عدن سقفها عرش الرحمن، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وفوقه عرش الرحمن"2.
الفصل الثاني: ذكر ما يتعلق بالعرش
الفصل الثاني: ذكر ما يتعلق بالعرش المبحث الأول: الكلام على حملة العرش ... إن كون عرش الرحمن له حملة يحملونه هو أمر ثابت في الكتاب والسنة، فقد جاء ذكر حملة العرش في موضعين من القرآن الكريم، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْما فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} ، وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} . فالآيتان تدلان على أن لعرش الله حملة يحملونه اليوم ويوم القيامة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن قوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} ، وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} : يوجب أن لله عرشا يحمل، ويوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك كما تقوله طائفة من الجهمية، فإن الملك هو مجموع الخلق، فهنا دلت الآية على أن لله ملائكة من جملة خلقه، يحملون عرشه، وآخرون يكونون حوله، وعلى أنه يوم القيامة يحمله ثمانية"1. وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار الدالة على أن لعرش الرحمن حملة من الملائكة يحملونه:
فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله سكت: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" 1. وكذلك ما جاء في حديث الأوعال: "ثم فوق ذلك ثمانية أملاك أوعال، ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش". والقول بان حملة العرش هم من الملائكة هو قول السلف، الذين يثبتون العرش على أنه جسم عظيم خلقه الله فوق العالم، وأن الله استوى عليه بعد أن خلق السموات والأرض، وهذا ما جاء به القرآن والسنة، وأجمع عليه السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم. وأما الذين أنكروا استواء الله على عرشه وقالوا: إن استوى بمعنى: استولى، وأن المراد بالعرش: الملك، فإنهم أنكروا- أيضا- كون حملة العرش هم من الملائكة فقالوا: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} ، {وَيَحْمِلُ} بالجذب {عَرْشَ رَبِّكَ} ملك ربك للأرض والسموات، {فَوْقَهُمْ} ، أي: فوق الملائكة الذين هم على أرجائها يوم القيامة، {ثَمانِيَةٌ} ، أي: السموات السبع والأرض2، وقيل المراد بالثمانية: السموات والكرسي3.
فقد أولوا هذه الآية، كما أولوا آيات الاستواء التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن- تبارك وتعالى-. وأما الصنف الآخر الذين زعموا أن العرش المذكور في الآيات المراد به: الفلك التاسع، وهم الفلاسفة، فهم يقولون: إن المراد بالحملة الثمانية في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} الثمانية أفلاك التي تحت الفلك المحيط، أو ما يسمونه الفلك التاسع1، وقد تقدم الرد على كلا الفريقين أثناء الكلام على الأقوال في العرش. فمما تقدم تقرر أن لعرش الله حملة من الملائكة يحملونه بقدرة الله، وقد أخبرنا الله- تعالى- أنهم يوم القيامة ثمانية، ولكن اختلف في هؤلاء الثمانية هل هم ثمانية أملاك، أم ثمانية أصناف، أم صفوف، وهل هم اليوم ثمانية، أم أقل، على عدة أقوال: القول الأول: أن المراد بالثمانية: ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدتهم إلا الله، وهذا القول مروي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} ، قال: "ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدتهم إلا الله "2، وهو- أيضا- مروي عن سعيد بن جبير3،
والشعبي، وعكرمة، والضحاك، وابن جريج1. القول الثاني: أن المراد بالثمانية: أنهم ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة، وهذا القول مروي عن ابن عباس2، وقال به مقاتل3، والكلبي4. القول الثالث: أن حملة العرش هم اليوم ويوم القيامة ثمانية من الملائكة. ويستدل لهذا القول بحديث العباس بن عبد المطلب الذي جاء فيه: "ثم فوق ذلك ثمانية أملاك أوعال، ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش". فالحديث يدل على أن حملة العرش هم اليوم ثمانية. وروي عن العباس بن عبد المطلب- رضي الله عنه- في قوله تعالى:: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} ، قال: "ثمانية أملاك في صورة الأوعال، بين أظلافهم وركبهم مسيرة ثلاث وستين أو خمس وستين سنة"5.
وكذلك ما روي عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنه قال: "حملة العرش ثمانية ما بين موق أحدهم إلى مؤخرة عينه مسيرة مائة عام"1. وعن الربيع بن أنس في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} ، قال: ثمانية من الملائكة2. وعن شهر بن حوشب قال: "حملة العرش ثمانية: أربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك"3. القول الرابع: أن حملة العرش اليوم أربعة من الملائكة، ويوم القيامة ثمانية، وهذا القول رجحه ابن كثير4، وابن الجوزي5، وقال: هو قول الجمهور"6. ويستدل لهذا القول بعدة أدلة منها: ما رواه الطبري بسنده عن
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحمله اليوم أربعة، ويوم القيامة ثمانية" 1. وروى الطبري- أيضا- بسنده عن ابن إسحاق قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هم اليوم أربعة"، يعني: حملة العرش، "وإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فكانوا ثمانية" 2. واستدلوا- أيضا- بما جاء عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أمية بن أبي الصلت في شيء من شعره فقال: رجل وثور تحت رجل يمينه ... والنسر للأخرى وليث مرصد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق" 3. واستدلوا- أيضا- بما جاء في حديث الصور المشهور، فقد جاء فيه: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} ، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى، والسموات إلى حجزهم، والعرش على مناكبهم...."4.
ولعل هذا القول هو الأقرب إلى الصواب، ولكن ليس هناك نص صريح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسألة. و. الله أعلم.
المبحث الثاني: الكلام على الكرسي
المبحث الثاني: الكلام على الكرسي لما كان موضع البحث في الكلام. على العرش وما يتعلق به كان لزاما علي أن أتحدث عن الكرسي، وذلك لما بين الاثنين من علاقة، فالكرسي بالنسبة إلى العرش كالمرقاة إليه. وقد جاء ذكر الكرسي في موضع واحد في القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تأخذه سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماوَاتِ وَما فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاَّ بإذنه يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِما شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} 1. وهذه الآية هي أفضل الآيات، وقد سميت باية الكرسي، وقد تضمنت العديد من المعاني، قال ابن القيم في شرحها: "ففي آية الكرسي ذكر الحياة التي هي أصل جميع الصفات، وذكر معها قيوميته المقتضية لدوامه وبقائه وانتفاء الآفات جميعها عنه، ومنها النوم والسنة والعجز وغيرها، ثم ذكر كمال ملكه، ثم عقبه بذكر وحدانيته في ملكه، وأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، ثم ذكر سعة علمه وإحاطته، ثم عقبه بأنه لا سبيل للخلق إلى علم شيء من الأشياء إلا بعد مشيئته لهم أن يعلموه،
ثم ذكر سعة كرسيه منبها به على سعته - سبحانه- وعظمته وعلوه، وذلك توطئة بين يدي علوه وعظمته، ثم أخبر عن كمال اقتداره وحفظه للعالم العلوي والسفلي من غير اكتراث، ولا مشقة، ولا تعب"1. وأما الأحاديث والآثار الواردة في الكرسي فهي كثيرة جدا، وقد أورد ابن أبي شيبة بعضا منها، فنكتفي بما أورده2. وقد تعددت الأقوال واختلفت في الكرسي كما تعددت واختلفت من قبل في العرش. والأقوال في الكرسي هي: القول الأول: أن المراد بالكرسي: العلم. وهذا القول هو قول الجهمية3، فقد أولوا الكرسي بمعنى العلم، كما أولوا العرش بمعنى الملك، وكل ذلك فرارا منهم عن إثبات علو الله واستوائه على عرشه، وقد استدلوا بما روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} قال: كرسيه علمه4.
وهدا القول قد رجحه الطبري بقوله:"وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه أنه قال: هو علمه"1. القول الثاني: أن المراد بالكرسي هو: العرش نفسه. وهذا القول مروي عن الحسن البصري، فقد روى ابن جرير بسنده عن جويبر عن الضحاك قال: كان الحسن يقول: "الكرسي هو العرش"، وقد مال ابن جرير إلى هذا القول2، واعتمد في ذاك على حديث عبد الله بن خليفة قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة، فعظم
الرب - تعالى ذكره -، ثم قال: "إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإنه ليقعد عليه، فما يفضل منه مقدار أربع أصابع، ثم قال باصابعه فجمعها: وإن له أطيطا كأطيط الرحل التجديد إذا ركب من ثقله "1. القول الثالث: أن المراد بالكرسي: قدرته التي يمسك بها السموات والأرض2،
ويقول هؤلاء: إن العرب تسمي أصل كل شيء الكرسي، كقولك: اجعل لهذا الحائط كرسيا، أي: اجعل له ما يعمده ويمسكه1. القول الرابع: أن الكرسي هو: الفلك الثامن، أو ما يسمونه فلك البروج، أو فلك الكواكب الثوابت2. وقد قال بهذا القول بعض المتكلمين، في علم الهيئة من فلاسفة المسلمين، كابن سينا وغيره، وهؤلاء هم الذين قالوا: إن العرش هو: الفلك التاسع. القول الخامس: أن الكرسي جسم عظيم، مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه، وهو موضع القدمين للبارئ- عز وجل - 3. وهذا القول هو مذهب السلف من الصحابة، والتابعين، ومن سار على نهجهم، واقتدى بسنتهم، وهذا هو ما دل عليه القرآن، والسنة، والإجماع، ولغة العرب التي نزل القرآن بها.
فالأحاديث والآثار الثابتة دلت على هذا وبينته بيانا واضحا لا يدعو إلى الشك أو الارتياب، ومن تلك الأحاديث والآثار: حديث أبي ذر الغفاري- رضي الله عنه- قال: دخلت المسجد الحرام، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فجلست إليه، فقلت: يا رسول الله، أيما أنزل عليك أفضل، قال: "آية الكرسي، وما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة" 1. وقال الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (رقم 109) - بعد أن سرد الطرق لهذا الحديث-: "وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق صحيح، والحديث خرج مخرج التفسير لقوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ} ، وهو صريح في أن الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش، وأنه جرم قائم بنفسه، وليس شيئا معنويا، وفيه رد على من يتأوله بمعنى الملك وسعة السلطان". وأيضا ما جاء عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ} ، قال: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره أحد"2. وهذا ثابت عن ابن عباس في تفسير معنى الكرسي الوارد في الآية، وهذا القول في الكرسي نقل عن كثير من الصحابة والتابعين، منهم ابن
مسعود1، وأبو موسى الأشعري2، ومجاهد3 وغيرهم. ولذلك فقد ذكر كثير من العلماء أن هذا القول في الكرسي قد حصل عليه إجماع السلف: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الكرسي ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع جمهور السلف"4، قال شارح "العقيدة الطحاوية": "وإنما هو: الكرسي- كما قال غير واحد من السلف- بين يدي العرش كالمرقاة إليه"5. وقال محمد بن عبد الله زمنين: "ومن قول أهل السنة: أن الكرسي بين يدي العرش، وأنه موضع القدمين"6. وقال القرطبي: "والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه"7. كما أن أهل اللغة لا يعرفون معنى للكرسي غير هذا المعنى. قال الزجاج: "والذي نعرفه من الكرسي في اللغة: الشيء الذي يعتمد
ويجلس عليه، فهذا يدل على أن الكرسي عظيم، دونه السموات والأرض"1. وقال ثعلب: "الكرسي: ما تعرفه العرب من كراسي الملوك"2. ومن هذا كله يتبين لنا مدى صحة هذا القول، وموافقته للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، ومطابقته لما جاء في لغة العرب، وأما الأقوال الأخرى فهي أقوال باطلة، ومخالفة لما عليه جمهور أهل السنة من سلف الأمة وخلفها. وأما ما استدل به أهل القول الأول من قول ابن عباس فهو غير صحيح، كما بيناه في تخريجه، والصحيح عن ابن عباس هو قوله: "الكرسي موضع القدمين ... "، وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها. وأما القول الثاني أن الكرسي هو العرش نفسه، فلم يثبت عن الحسن البصري، لأن في إسناده جويبر وهو متفق على ضعفه، وقال فيه الحافظ ابن حجر: "ضعيف جدا". وقال ابن كثير: "رواه ابن جرير من طريق جويبر، وهو ضعيف، وهذا لا يصح عن الحسن، بل الصحيح عنه وعن غيره من الصحابة والتابعين أنه غيره"3.
وقال البيهقي عند الكلام على هذا القول: "هذا ليس بمرضي، والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه"1. ومساندة ابن جرير الطبري لهذا القول غير صحيحة، لأن حديث عبد الله بن خليفة ضعيف كما تقدم. وأما القول الثالث: فهو قول مخالف لما دلت عليه الأحاديث والآثار، ومخالف لما عليه الجمهور من أهل السنة والجماعة ومخالف للغة العربية، وهو تأويل باطل ترده الأحاديث، وهو- أيضا- تكذيب بالكرسي، وتكذيب للأحاديث الصحيحة التي دلت على وجود الكرسي. وأما القول الرابع: فيكفي في إثبات بطلانه أن جماعة من أنفسهم ردوا عليهم هذا القول- كما ذكره ابن كثير- وبالإضافة إلى ذلك فإن أصحاب هذا القول ليس لديهم أي دليل على قولهم هذا، كما سبق وأن بيناه في قولهم في العرش.
الباب الثالث: الكلام على صفتي العلو والاستواء
الباب الثالث: الكلام على صفتي العلو والاستواء الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو المبحث الأول: أقوال المخالفين ... القول الأول: قول المعطلة من الفلاسفة1، والجهمية2، والمعتزلة3، ومتأخري الأشاعرة4، والقرامطة الباطنية5. وهؤلاء جميعا ينفون علو الله وارتفاعه فوق خلقه، وكل ذلك تحت دعوى التوحيد، والتنزيه، ونفي التشبيه، فهم يزعمون أن إثبات العلو لله - تعالى- فيه إثبات للجهة، والمحايثة، والحد، والحركة، والانتقال، وهذه الأمور- على زعمهم- تستلزم الجسمية، والأجسام حادثة والله منزه عن الحوادث، فمن أجل ذلك نفوا العلو، وأولوا النصوص الثابتة
فيه بان المراد بها علو القهر والغلبة. وقد انقسم الجهمية المعطلة النافون لعلو الله إلى فريقين في هذه المسألة: الفريق الأول: وهم الذين يقولون: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا هو كل مباين له ولا محايث له. وهذا القول هو ما يذهب إليها النظار والمتكلمون من هؤلاء المعطلة1، وهم بقولهم هذا قد نفوا الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود منهما، وبالغوا في نفي التشبيه، حتى أدى بهم ذلك إلى نفي وجوده بالكلية، وذلك خشية منهم أن يشبهوا، فهم قالوا بهذه المقالة هربا منهم- على حد زعمهم - من إثبات الجهة، والمكان، والحيز، لأن فيها كما يدعون تجسيما، وهو تشبيه، فقالوا: يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات، فنحن نسد الباب بالكلية. وقد استند أصحاب هذا القول في قولهم هذا على حجج، زعموا أنها عقلية، أسسوها وابتدعوها وجعلوها مقدمة على كل نص، وليس لهؤلاء أي دليل من القرآن أو السنة على صحة قولهم هذا، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: "وجميع أهل البدع قد
يتمسكون بنصوص، كالخوارج، والشيعة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم، إلا الجهمية، فإنهم ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه في النفي"1. وسنأتي بعد ذكر القول الثاني إلى ذكر بعض تلك الحجج التي زعمها هؤلاء. الفريق الثاني: وهم الذين يقولون بان الله بذاته في كل مكان. وهذا القول هو ما يذهب إليه النجارية2، وكثير من الجهمية وبخاصة عبادهم، وصوفيتهم، وعوامهم، وأهل المعرفة والتحقيق منهم3. ويحتج هؤلاء ببعض الحجج العقلية المزعومة بالإضافة إلى بعض الآيات القرآنية الدالة على المعية والقرب. وقد يجمع كثير من هؤلاء المعطلة بين القولين، فهو في حالة نظره وبحثه يقول بسلب الوصفين المتقابلين كليهما، فيقول: لا هو داخل العالم ولا خارجه.
وفي حالة تعبده وتألهه يقول: بأنه في كل مكان، ولا يخلو منه شيء1. أولا: شبه المعطلة العقلية: إن جل ما اعتمد عليه هؤلاء المعطلة من أدلة على نفي صفة العلو وغيرها من الصفات إنما هو عبارة عن حجج عقلية مزعومة ومبتدعة، بناها هؤلاء المعطلة على أصول فلسفية كانوا قد تاثروا بها، وليس لهؤلاء المعطلة في نفيهم هذا أساس من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد جعل هؤلاء المعطلة لتلك الحجج حكم الأمر المحكم، الذي يجب اتباعه واعتقاد موجبه والتسليم به، وقد بلغ من تقديسهم لها أنهم جعلوها مقدمة على الكتاب والسنة، فإذا ورد النص من الكتاب أو السنة عرضوه على تلك الأسس العقلية، فإن وافقها احتجوا به اعتضادا لا اعتمادا، وإن خالفها فهم يحرفون العلم عن مواضعه، فيؤولون نصوص القرآن، ويطعنون في نصوص السنة، وكل ذلك تحت دعوى التنزيه، والتوحيد، ونفي التشبيه. وقد أفرط هؤلاء المعطلة في هذا الجانب- أي جانب نفي التشبيه- فجعلوا من قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} 2 جنة يتترسون بها لنفي علو الله- سبحانه- فوق عرشه، وتكليمه لرسله، وإثبات صفات كماله، وغير ذلك مما أخبر الله به عن نفسه، أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم عنه،
حتى أنه قد آل ببعضه هؤلاء المعطلة إلى نفي ذاته خشية التشبيه، فقالوا: هو وجود محض لا ماهية له، ونفى آخرون وجوده بالكلية، خشية التشبيه- على حد زعمهم- حيث قالوا: يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات والكلام والعلو، فنحن نسد الباب بالكلية1. وسوف نتعرض في هذا المبحث لبعض أسس تلك الشبه العقلية المزعومة، التي جعلها هؤلاء المعطلة مستندا لهم في نفي صفة العلو وغيرها من الصفات، ونبين ما فيها من مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مع بيان ما في تلك الأسس من تناقض، وبخاصة من الناحية العقلية. ونظرا لتعدد مذاهب المعطلة واختلاف بعضها عن بعض في القول والرأي، فسوف نعرض شبهة كل فرقة من الفرق السابقة الذكر على حدة فنبدأ: أولا: شبهة الفلاسفة2: الفلاسفة ينفون صفة العلو، وباقي صفات البارئ- عز وجل- كما سبق وأن ذكرنا، تحت دعوى التوحيد، والتنزيه عن مشابهة المخلوقين، فابن سينا يقول: "إن واجب الوجود بذاته واحد بسيط لا تكثر فيه بوجه من الوجوه، فهو ليس بجسم، ولا صورة جسم، ولا مادة معقولة لصورة معقولة، ولا صورة معقولة في مادة معقولة، ولا له قسمة في
الكلام، ولا في المبادئ المقومة له، ولا في قول الشارح، ولا غير ذلك مما ينافي وحدة واجب الوجود وبساطته المطلقة"1. والمتامل لهذه العبارات التي أوردها ابن سينا يعرف أنها إنما هي مجرد اصطلاحات اصطلحها هو وأمثاله من الفلاسفة، الذين تأثروا بفلسفة اليونان، فجعلوا من تلك العبارات المبتدعة ما أسموه بالتوحيد، وادعوا أن ما تضمنته هو التنزيه، مع أننا في الحقيقة متضمنة لنفي جميع الصفات، بما فيها العلو والاستواء لقوله: "إن واجب الوجود بذاته واحد بسيط لا تكثر فيه بوجه من الوجوه" يعني به: أنه ليس لله تعالى صفة ولا قدر، لأن ذلك على رأيه يستلزم التجسيم، والتجزئة، والتركيب، فيلزم نفيه. لأنه يلزم من ذلك الحدوث، والافتقار، وذلك ينافي واجب الوجود. فابن سينا وأمثاله من الفلاسفة يعودون في نفي الصفات على حجة التركيب، والتي هي: "أنه لو كان له صفة لكان مركبا، والمركب يفتقر إلى جزئيه، وجزءاه غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه" وهم بهذا الكلام تجدهم قد نفوا صفات البارئ جميعها. ولو توقفنا عند العبارة السابقة وهي قوله: "إن واجب الوجود بذاته واحد بسيط ... " من أجل بيان أن ما فيها من مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل وحتى مخالفتها للعقل الذي يقدمه هؤلاء على كل شيء
لوجدنا أن هذه العبارة هي تفسير للواحد بما لا أصل له في الكتاب أو السنة، بل هو تفسير باطل شرعا، وعقلا، ولغة. أما في اللغة: فإن أهل اللغة مطبقون على أن هذا القول ليس هو معنى الواحد في اللغة، إذ القرآن ونحوه من الكلام العربي متطابق على ما هو معلوم بالاضطرار في لغة العرب وسائر اللغات، أنهم يصفون كثيرا من المخلوقات بأنه واحد ويكون ذلك جسما، إذ المخلوقات إما أجسام وإما أعراض- عند من يجعله غيرها أو زائدة عليها. وإذا كان أهل اللغة متفقين على تسمية الجسم الواحد واحدا، امتنع أن يكون في اللغة معنى الواحد الذي لا ينقسم، إذا أريد بذلك أنه ليس بجسم، وأنه لا يشار إلى شيء منه دون شيء، ولا يوجد في اللغة اسم الواحد إلا على ذي صفة ومقدار، لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} 1، ومعلوم أن النفس الواحدة المراد بها هنا آدم عليه السلام، وحواء خلقت من ضلع آدم، فمن جسده خلقت، ولم تخلق من روحه، حتى لا يقول القائل: الواحدة هي باعتبار النفس الناطقة التي لا تركيب فيها، وإذا كانت حواء خلقت من جسد آدم، وجسد آدم جسم من الأجسام التي سماها الله نفسا واحدة، علم أن الجسم قد يوصف بالوحدة، وأبلغ من ذلك ما ذكره الإمام أحمد وغيره من قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} 2، فإن الوحيد مبالغة في الواحد، فإذا وصف
البشر الواحد بأنه وحيد في صفة فإنه واحد من باب أولى، ومع هذا فهو جسم من الأجسام. وأما في العقل: فإن الواحد الذي وصفوه يقول لهم فيه أكثر العقلاء وأهل الفطر السليمة أنه أمر لا ينقل، ولا له وجود في الخارج، وإنما هو أمر مقدر في الذهن، فليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات، ولا قدر، ولا يتميز منه شيء عن شيء، بحيث يمكن أن يرى ولا يدرك ولا يحاط به، وإن سماه المسمى جسما. وأما في الشرع: فنقول: إن مقصود المسلمين أن الأسماء المذكورة في القرآن والسنة وكلام المؤمنين المتفق عليه بمدح أو ذم، تعرف مسميات تلك الأسماء حتى يعطوها حقها، ومن المعلوم بالاضطرار أن اسم الواحد لما في كلام الله لم يقصد به سلب الصفات، وسلب إدراكه بالحواس، ولا نفي الحد والقدر، ونحو ذلك من المعاني التي ابتدعها هؤلاء1. وأما حجة التركيب التي اعتمد عليها هؤلاء الفلاسفة في نفي الصفات وهي قولهم: "إنه لو كان صفة لكان مركبا، والمركب يفتقر إلى جزئيه، وجزءاه غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه"، فهي تتكون من ألفاظ مجملة، بمعنى أن كل لفظة منها تحتمل عدة معان، فلابد من توضيح المراد من كل لفظ- أولا- حتى يتكلم فيه.
فلفظ المركب- مثلا-: قد يراد به ما ركبه غيره، أو ما كان متفرقا فاجتمع، أو ما يقبل التفريق، والله منزه عن هذه المعاني باتفاق. وأما الذات الموصوفة بصفاتها اللازمة لها فإذا سميتم هذا تركيبا كان ذلك اصطلاحا لكم، وليس هو المفهوم من لفظ المركب، ولن تستطيعوا- أيها الفلاسفة- إقامة الدليل على نفيه. وأما قولهم "لكان مركبا": فإن أرادوا لكان غيره ركبه، أو لكان مجتمعا بعد افتراقه، أو لكان قابلا للتفريق، فاللازم باطل. فإن الكلام إنما هو في الصفات اللازمة للموصوف الذي يمتنع وجوده بدونها. وإن أرادوا بالمركب الموصوف، أو ما يشبه ذلك، قيما قالوا إن ذلك يمتنع، وأما قولهم: "والمركب مفتقر إلى غيره"، فالجواب عنه: أما المركب بالتفسير الأول فهو مفتقر إلى ما يباينه، وهذا ممتنع على الله - تعالى-. وأما الموصوف بصفات الكمال اللازمة لذاته، الذي سميتموه أنتم مركبا، فليس في اتصافه هذا ما يوجب كونه مفتقرا إلى مباين له. وإن قالوا: هو غيره، وهو لا يوجد إلا بها، وهذا افتقار إليها، قيل لهم: إن أرادوا بقولهم هي غيره أنها مباينة له فذلك باطل. وإن أرادوا أنها ليست إياه، قيل لهم: إذا لم تكن الصفة هي الموصوف فأي محذور في هذا.
واذا قالوا هو مفتقر إليها، قيل: أتريدون بالافتقار أنه مفتقر إلى فاعل يفعله، أو محل يقبله، أم تريدون أنه مستلزم لها فلا يكون موجودا ألا وهو متصف بها. أما الثاني فأي محذور فيه، وأما الأول فباطل إذ الصفة اللازمة للموصوف لا يكون فاعلا لها1. وأما قولهم: "إنه لو كان صفة لاإ ن مركبا، والمركب مفتقر إلى جزأيه"، فهذا القول لا يتم إلا عند من يثبت الجوهر الفرد، وأما نفاته فعندهم أن الجسم في نفسه واحد بسيط ليس مركبا من الجواهر المنفردة، وهذه المسألة خلافية، قد "توقف فيها أذكى المتأخرين من الأشعرية، وإمامهم أبو المعالي الجويني2، وكذلك أذكى متأخري المعتزلة أبو الحسين البصري3، وكذلك الرازي4، فهي مقدمة
ممنوعة، لا تصلح دليلا لوجود، والنزاع فيها حتى بين الفلاسفة أنفسهم1. ثانيا: شبهة المعتزلة: وأما شبهة المعتزلة التي اعتمدوا عليها في نفي صفات البارئ- عز وجل- بما فيها صفة العلو، فهي ما تسمى بطريقة الأعراض، ذلك أنهم يزعمون أن الصفات إنما هي أعراض، والأعراض لا تقوم إلا بجسم، والأجسام حادثة، والله منزه عن الحوادث، ومن أجل ذلك كان قول المعتزلة في الله: أنه قديم، واحد، ليس معه في القدم غيره، فلو قامت به الصفات لكان معه غيره2، ولكان جسما، إذ إن ثبوت الصفات
تقتضي كثرة، وتعددا في ذاته، وتقتضي أنه جسم، وذلك خلاف التوحيد. فهم يزعمون أن توحيد الله وتنزيهه متوقف على أنه ليس بجسم، وكونه ليس بجسم موقوف على عدم قيام الأعراض والحوادث التي هي الصفات والأفعال-، ونفي ذلك عندهم موقوف على ما يلي عليه حدوث الأجسام، والذي دلهم على- حدوث الأجسام أنها لا تخلو من الحوادث، وما لا يخلو عن الحوادث لا يسبقها، وما لا يسبق الحوادث فهو حادث. ويزعمون- أيضا- أن الأجسام لا تخلو من الأعراض، والأعراض لا تبقى زمانين، فهي حادثة، فإذا لم تخل الأجسام منها لزم حدوثها. ويزعمون- أيضا- أن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة، والمركب مفتقر إلى جزئيه، وجزءاه غيره، وما افتقر إلى غيره لم يكن إلا حادثا مخلوقا، فالأجسام متماثلة، فكل ما صح على بعضها صح على جميعها، وقد صح على بعضها التحليل، والتركيب، والاجتماع، والافتراق، فيجب أن يصح على جميعها1. والمعتزلة يقولون: إننا بهذا الطريق أثبتنا حدوث العالم، ونفي كون الصانع جسما وإمكان المعاد. الرد عليهم: مما تقدم نعلم أن المعتزلة إنما بنوا دليلهم في نفي الصفات على أن
القديم لا يكون محلا للصفات والحركات، فلا يكون جسما، ولا متحيزا، لأن الصفات أعراض وهم يستدلون على حدوث الجسم بحدوث الأعراض والحركات، وأن الجسم لا يخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث. فهم بهذا القول نفوا صفات البارئ، وجعلوا نفيها يتوقف عليه ثبوت الصانع، وحدوث العالم، فإذا جاء في القرآن والسنة ما يدل على إثبات الصفات لم يمكن القول بموجبه. والمتدبر لحجج المعتزلة يرى فيها الأمور التالية: أولا: أنهم يستدلون لأقوالهم بعبارات مبتدعة، وفيها الكثير من الاشتباه والإجمال، وذلك كلفظ العرض، والجسم، والحيز، والمركب، وغير ذلك، فهم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ليخدعوا به جهال الناس بما يشبهون عليهم، وهذه الألفاظ المجملة تتضمن معاني باطلة، ومعاني أخرى صحيحة، فهم بهذا ينفون كلا المعنيين الحق والباطل. وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- ما في هذه الألفاظ من معاني، وما تدل عليه من عبارات1، وكيف استعملها هؤلاء المعطلة في نفي صفات البارئ- عز وجل-، حيث ادعوا أن هذه الأمور من مستلزمات الجسمية، والله منزه عن ذلك، وقد بين شيخ الإسلام أن
استعمال هذه الألفاظ نفيا وإثباتا لم يرد عن السلف، ولا جاء به أثر صحيح، ولم يستعملها الأقدمون بالمعنى الاصطلاحي الذي اتفق عليه هؤلاء، بل جميعهم معترفون بأن العلو صفة كمال، كما أن السفل صفة نقص، وما ثبت لله من العلو فهو العلو المناسب لكمال ذاته، المنزهة عن اعتبارات المحدثين ومماثلتهم. ومعلوم أن القول بأن العلو يستلزم هذه المعاني المبهمة إنما هو مأخوذ من قياس الغائب على الشاهد، ومحاولة تطبيق الاعتبارات الإنسانية على الصفات الإلهية، وهذا قياس خاطئ إذ ليس معنى كونه في السماء أن السماء تحويه، وتحيط به، وتحصره، أو هي محل وظرف له، بل هو- سبحانه- محيط بكل شيء، وسع كرسيه السموات والأرض، وهو فوق كل شيء، وعلا كل شيء1. ثانيا: إن ما استدل به المعتزلة لا أصل له من الكتاب أو السنة بل هو مأخوذ من كلام الفلاسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعا ليس بعالم ولا قادر ولا حي2. كما أن مذهب المعتزلة في الذات قريب من مذهب اليونان القائلين بأن ذات الله واحدة، لا كثرة فيها بوجه من الوجوه3.
ثالثا: أن أصل هذه القاعدة التي اعتمد عليها المعتزلة في نفي الصفات إنما هي مأخوذة من قولهم في دليل حدوث العالم1، الذي أثبتوا فيه حدوث العالم بحدوث الأجسام، وهذا الدليل قد بين الأشعري في رسالة إلى أهل الثغر: أنه دليل محرم في شرائع الأنبياء، ولم يستدل به أحد من الرسل ولا أتباعهم2، فهي بهذا طريق يحرم سلوكها لما فيها من الخطر والتطويل، وما يلزم عليها من لوازم باطلة، لأنها مستلزمة لنفي الصانع بالكلية، وهي مستلزمة لنفي صفاته، ونفي أفعاله، ونفي المبدأ والمعاد، فهذه الطريق لا تتم إلا بنفي سمع الرب، وبصره، وقدرته، وحياته، وإرادته، وكلامه، فضلا عن نفي علوه على خلقه، ونفي الصفات الخبرية من أولها إلى آخرها، فلو صحت هذه الطريقة لنفت الصانع، وأفعاله، وصفاته، وكلامه، وخلقه للعالم، وتدبيره له، وما يثبته أصحاب هذه الطريقة من ذلك لا حقيقة له، بل هو لفظ لا معنى له، وبهذه الطريقة قالت الجهمية بفناء الجنة والنار، وأن الله بذاته في كل مكان، وقال إخوانهم: إنه ليس داخل العالم، ولا خارج العالم، وقالوا بخلق القرآن، إلى غير ذلك من اللوازم الباطلة3.
ثالثا: شبهة متأخري الأشاعرة: وهم- أيضا- ينفون صفة العلو، لأنها من الصفات الخبرية1. ومعلوم أن مذهب متأخري الأشاعرة في الصفات أنهم يثبتون سبع صفات فقط، وهي ما يسمونها بصفات المعاني، وهي: العلم، والقدرة، والإرادة، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، وهم يثبتون لهذه الصفات أربعة أحكام هي: ا- أن هذه الصفات ليست هي الذات، بل زائدة عليها، فصانع العالم عندهم عالم بعلم، وحي بحياة، وقادر بقدرة، وهكذا. 2- أن هذه الصفات كلها قائمة بذات الله- تعالى-، ولا يجوز أن يقوم شيء منها بغير ذاته، لأن الدليل دل على أنه متصف بها، ولا معنى لاتصافه بها إلا قيامها بذاته، حتى لو قلنا: إنه عالم، كان هو بعينه مفهوم قولنا: قام بذاته علم، فلا تكون الصفة صفة لشيء إلا إذا قامت به لا بغيره. 3- أن هذه الصفات كلها قديمة، لأنها إن كانت حادثة كان القديم محلا للحوادث، وهذا محال، أو متصف بصفة لا تقوم به، وذلك أظهر استحالة.
4- أن الأسماء المشتقة لله- تعالى- من هذه الصفات السبعة صادقة عليه أزلا وأبدا، فهو في القدم كان حيا، قادرا، عليما، سميعا، بصيرا، متكلما1. فهم على قولهم هذا لا يثبتون سوى هذه الصفات السبع- فقط-، لأنها قديمة. أما باقي الصفات التي يسمونها الصفات الخبرية فهم ينفونها جميعا، بدعوى تنزيه ذات الله عن الحوادث. ومتأخرو الأشاعرة هؤلاء وإن كان يخالفون المعتزلة في جعلهم الصفة غير الذات كما في الحكم الأول، فيثبتون الصفات القديمة من هذا الباب، إلا أنهم قد وافقوا المعتزلة في دليلهم المسمى بدليل نفي الحوادث، فنفوا باقي الصفات الأخرى، ذلك لأن قولهم في الحكم الثالث من الأحكام الأربعة التي أوردناها: إنها لو كانت حادثة لكان القديم محلا للحوادث، هو بعينه ما استدل به المعتزلة على نفي الصفات2. ويقول متأخرو الأشاعرة في دليلهم العقلي على نفي العلو: إن إثبات العلو يقتضي إثبات الجهة، وإثبات الجهة يقتضي كونه جسما، وكونه جسما يقتضي كونه مركبا، والمركب مفتقر إلى جزئيه والمفتقر إلى جزئيه لا يكون إلا حادثا، والله- سبحانه- منزه عن الحوادث3.
فعلى قولهم هذا يكونون هم والمعتزلة على دليل واحد، وقد سبق وأن ذكرنا الرد على المعتزلة، فيكون الرد على هؤلاء من جنس الرد على أولئك، ويضاف إلى ذلك أن القول في الصفات التي نفاها هؤلاء هو كالقول في الصفات التي أثبتوها، فإن كان هذا تجسيما وقولا باطلا فهذا كذلك. وإن قالوا: إنا نثبتها على الوجه الذي يليق بالرب. قيل لهم: وكذلك هذا. فإن قالوا: نحن نثبت تلك الصفات وننفي التجسيم. قيل لهم: وهذا كذلك، فليس لكم أن تفرقوا بين المتماثلين1. رابعا: شبه النفاة السمعية في نفي صفة العلو: لقد سبق وأن ذكرنا أن المعطلة قد انقسموا في هذه المسألة إلى فريقين: فأما الفريق الأول: وهم القائلون بأن الله لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، وهؤلاء- كما سبق وأن ذكرنا- ليس لهم دليل واحد من الكتاب أو السنة. وأما الفريق الثاني: وهم القائلون بأن الله بذاته في كل مكان، فقد احتجوا لقولهم هذا بنصوص "المعية" و"القرب" الواردة في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إلاَّ هُوَ
مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 1، وقوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُم} 2، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 3، وقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 4، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} 5، وقوله تعا لى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} 6 وقوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} 7 وقد زعم حلولية الجهمية أن المراد بهذه النصوص: معية الذات، وقرب الذات، فلذلك قالوا: إن الله بذاته في كل مكان. الرد عليهم: قد أبطل علماء السلف زعم هؤلاء الجهمية واستدلالهم بهذه الآيات، وبينوا أن كل نص يحتجون به هو في الحقيقة حجة عليهم، فنصوص المعية التي استدلوا بها لا تدل بأي حال من الأحوال على ما زعمه هؤلاء،
وذلك لأن كلمة "مع" في لغة العرب لا تقتضي أن يكون أحد الشيئين مختلطا بالآخر، وهي إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة، من غير وجوب مماسة، أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى. ولفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع، واقتضت في كل موضع أمورا لم تقتضها في الموضع الآخر، وذلك بحسب اختلاف دلالتها في كل موضع، وهي قد وردت في القرآن بمعنيين هما: المعنى الأول: المعية العامة والمراد بها أن الله معنا بعلمه، فهو مطلع على خلقه، شهيد عليهم، ومهيمن، وعالم بهم، وهذه المعية هي المرادة بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} . فالله- سبحانه وتعالى- قد افتتح الآية بالعلم، وختمها بالعلم، ولذلك أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم تفسير القرآن على أن تفسير الآية هو أنه معهم بعلمه، وقد نقل هذا الإجماع ابن عبد البر1، وأبو عمرو الطلمنكي، وابن تيمية2، وابن القيم3.
وعلى هذا فلا حجة للمخالفين في ظاهر هذه الآية. وكذلك- أيضا- ما جاء في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} . فظاهر الآية دال على أن المراد بهذه المعية هو علم الله- تبارك وتعالى-، واطلاعه على خلقه، فقد أخبر الله- تعالى- في هذه الآية بأنه فوق العرش، يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا، فجمع- تعالى- في هذه الآية بين العلو والمعية، فليس بين الاثنين تناقض ألبتة، وهو كقوله عليهم في حديث الأوعال: "والله فوق العرش، يعلم ما أنتم عليه". المعنى الثاني: المعية الخاصة وهي معية الاطلاع، والنصرة، والتأييد، وسميت "خاصة" لأنها تخص أنبياء الله وأولياءه مثل قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} 1. فهذه المعية على ظاهرها، وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد. ولفظ المعية على كلا الاستعمالين ليس مقتضاه أن تكون ذات الرب - عز وجل - مختلطة بالخلق، ولو كان معنى المعية أنه بذاته في كل
مكان لتناقض الخبر العام والخبر الخاص، ولكن المعمى. أنه مع هؤلاء بنصره وتأييده دون أولئك1. وأما استدلالهم بقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "إن هذه الآية لا تخلو إما أن يراد بها قربه- سبحانه-، أو قرب ملائكته، كما قد اختلف الناس في ذلك. فإن أريد بها قرب الملائكة: فدليل ذلك من الآية قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} ، ففسر ذلك القرب الذي هو حين يتلقى المتلقيان، فيكون الله- سبحانه- قد أخبر بعلمه هو- سبحانه- بما في نفس الإنسان، {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} ، وأخبر بقرب الملائكة الكرام الكاتبين منه، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، وعلى هذا التفسير تكون هذه الآية مثل قوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} 2. أما إذا كان المراد بالقرب في الآية قربه- سبحانه-، فإن ظاهر السياق في الآية دل على أن المراد بقربه هنا: قربه بعلمه، وذلك لورود لفظ العلم في سياق الآية: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} "3. وأما استدلالهم بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَه} ،
فمعنى الآية: أي هو إله من في السموات، وإله من في الأرض، قال ابن عبد البر: "فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجتمع عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذلك قال أهل العلم بالتفسير"1. وقال الآجري: "وقوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَه} : فمعناه أنه جل ذكره إله من في السموات وإله من في الأرض، وهو الإله يعبد في السموات، وهو الإله، يعبد في الأرض، هكذا فسره العلماء"2. وروى الآجري بسنده في تفسيره هذه الآية عن قتادة قوله: "هو إله يعبد في السماء، وإله يعبد في الأرض"3. وأما استدلالهم بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَه} فقد فسرها أئمة العلم، كالإمام أحمد، وغيره، أنه: المعبود في السموات والأرض4. وقال الآجري: "وعند أهل العلم أن أهل الحق: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَه يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} هو كما قال أهل
الحق: يعلم سركم. فمما جاءت به السنن أن الله- عز وجل- على عرشه، وعلمه محيط بجميع خلقه، يعلم ما تسرون وما تعلنون، ويعلم الجهر من القول، ويعلم ما تكتمون"1. القول الثاني من أقوال المخالفين وهو قول من يقول: إن الله بذاته فوق العرش، وهو بذاته في كل مكان. وهذا هو قول طائفة من أهل الكلام والتصوف، كأبي معاذ التومني2، وزهير الأثري3، وأصحابهما4، وهو موجود في كلام السالمية5
كأبي طالب المكي1 وأتباعه كأبي الحكم بن برجان2 وأمثاله، ما يشير إلى نحو من هذا، كما يوجد في كلامهم ما يناقض هذا3، فهم يقولون بأن الله في كل مكان، وأنه مع ذلك مستو على عرشه، وأنه يرى بالأبصار بلا كيف، وأنه موجود الذات بكل مكان، وأنه ليس بجسم، ولا محدود، ولا يجوز عليه الحلول، ولا المماسة، ويزعمون أنه يجيء يوم القيامة كما قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} 4، وقولهم هذا يشبه قول بعض مثبتة الجسم، الذين يقولون بأنه لا نهاية له5. والفرق بين هذا القول وقول الجهمية: بأن الله في كل مكان هو أن هؤلاء يثبتون العلو، ونوعا من الحلول، أما الجهمية فلا يثبتون العلو على مقصود هؤلاء من الاستواء على العرش والمباينة.
ويزعم أصحاب هذا القول أنهم بقولهم هذا قد اتبعوا النصوص كلها، سواء كانت نصوص علو أو معية أو قرب. الرد عليهم: إنهم بقولهم هذا جمعوا بين كلام أهل السنة وكلام الجهمية، ولذلك كان قولهم ظاهر الخطأ، وغاية في التناقض. أما بيان خطئه، فهو يكمن في أن كل من قال بأن الله بذاته في كل مكان، فهو مخالف للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها، مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده، ولصريح المعقول، وللأدلة الكثيرة، فالقرآن الكريم مملوء بالآيات التي تنص على علو الله بذاته فوق خلقه، واستوائه على عرشه، وبينونته من خلقه، كما أن السنة قد تحدثت عن هذا المعنى في كثير من الأحاديث كقصة المعراج، وصعود الملائكة ونزولها من عند الله، وعروج الروح إليه، واستوائه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، وسيأتي عرض تلك الأدلة عند الكلام على مذهب السلف، مع الإشارة إلى دليل الفطرة، والأدلة العقلية، فكل هذه الأدلة تبين بطلان هذا القول ومخالفته. وأما استدلال هؤلاء بنصوص المعية والقرب، فقد بينا خطأ هذا الاستدلال وبطلانه عند الرد على الأدلة السمعية لمذهب الجهمية، وقد بينا أنه ليس للمخالفين، أي: متمسك في جعلها لمعية الذات أو قرب الذات. أما بيان تناقض هذا القول: فهو واضح من أقوالهم، فهم يجمعون
بين أقوال متناقضة، فهم تارة يقولون بأنه بذاته فوق العرش، وتارة يقولون: بأنه فوق العرش، ونصيب العرش فيه كنصيب قلب العارف - كما يذكر ذلك أبو طالب المكي وغيره-، ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان وما يتبع ذلك، فإن قالوا: إن العرش كذلك، فقد نقضوا قولهم بأنه بنفسه فوق العرش. وإن قالوا بحلول ذاته في قلوب العارفين، كان ذلك قولا بالحلول الخاص، وهذا ما وقع فيه طائفة من الصوفية، ومنهم صاحب "منازل السائرين"1.
المبحث الثاني: قول السلف ومن وافقهم
المبحث الثاني: قول السلف ومن وافقهم فالسلف يقولون بأن الله فوق سمواته، مستو على عرشه، عال على خلقه، بائن منهم، وهم بائنون منه. وقد وافقهم على قولهم بإثبات علو الله عامة الصفاتية، كأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأتباعه1، وأبي العباس القلانسي2 وأبي الحسن الأشعري والمتقدمين من أصحابه كأبي المعالي الجويني وغيره، وهو قول الكرامية ومتقدمي الشيعة الإمامية3.
أدلتهم: وهذا القول الذي ذهب إليه السلف ومن وافقهم هو الذي دل عليه القرآن والسنة، وإجماع سلف الأمة، والمعقول الصريح الموافق للمنقول الصحيح، والفطر السليمة التي فطر الله عليها الخلق، وسوف نتعرض لهذه الأدلة جميعها. أولا: الأدلة من القرآن إن القرآن الكريم من أوله إلى آخره مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر في أن الله فوق كل شيء، وأنه عال على خلقه، ومستو على عرشه، وقد تنوعت تلك الدلالات، فوردت بأصناف من العبارات، وما ذلك إلا لتدل دلالة واضحة على علوه- سبحانه-، وبينونته من خلقه، وارتفاعه على عرشه، ثم لا تدع بعد ذلك مجالا للمتأول أن يؤولها، أو يحرف معانيها. فتارة يخبر- تعالى- بأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، وقد ذكر استواءه على العرش في سبعة مواضع تقدم ذكرها. وتارة يخبر بعروج الأشياء وصعودها وارتفاعها إليه كقوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} 1، وقوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ} 2،
وقوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه} 1، وقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} 2 وتارة يخبر بنزولها من عنده كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَق} 3، وقوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ} 4، وقال تعالى: {حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} 5. وتارة يخبر بأنه العلي الأعلى كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} 6، وقوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} 7. وتارة يخبر بأنه في السماء، كقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} 8، فذكر السماء دون الأرض، ولم يعلق بذلك ألوهية أو غيرها، كما ذكر في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} .
وتارة يجعل بعض الخلق عنده دون بعض، ويخبر عمن عنده بالطاعة كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} 1، فلو كان موجب العندية معنى عاما، كدخولهم تحت مشيئته وقدرته وأمثال ذلك، لكان كل مخلوق عنده، ولم يكن أحد مستكبرا عن عبادته، بل مسبحا له ساجدا2. ثانيا: الأدلة من السنة كما أن السنة مليئة بالأحاديث الدالة على علو الله- سبحانه وتعالى- واستوائه على عرشه، وقد تكلم على إثبات ذلك في خلال الكثير من الأحاديث، كأحاديث المعراج، وأحاديث صعود الملائكة ونزولها من عند الله، وعروج الروح إليه، واستواء الخالق على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، ورؤيته في الآخرة، وسأكتفي بما ورد في متن الكتاب الذي أقوم بتحقيقه من أحاديث، تجنبا للتكرار والإطالة، وفيها الكفاية- إن شاء الله-. ثالثا: دليل الإجماع إجماع السلف من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم منعقد على إثبات علو الله، واستوائه على عرشه، وقد نقل غير واحد من السلف هذا الإجماع عنهم، ومن ذلك ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن الأوزاعي أنه قال: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله- تعالى-
ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت فيه السنة من صفاته"1. وقال أبو نصر السجزي: "فأئمتنا كسفيان الثوري، ومالك، وسفيان ابن عيينة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، وفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي: متفقون على أن الله- سبحانه- بذاته فوق العرش، وأن علمه بكل مكان، وأنه يرى يوم القيامة بالأبصار فوق العرش"2. وقال أبو نعيم الأصبهاني في عقيدته المشهورة: "وطريقتنا طريقة السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، فما اعتقدوه اعتقدناه، فمما اعتقدوه أن الأحاديث التي تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش والاستواء عليه يقولون بها، ويثبتونها من غير تكييف ولا تشبيه، وأن الله بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم، ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمواته من دون أرضه"3. وكلام السلف من الصحابة والتابعين،- من تبعهم في إثبات العلو كثير جدا ولا يتسع المقام ههنا لذكره، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية الكثير من تلك النصوص الواردة عنهم، وبين إجماعهم على إثبات ذلك4، وكذلك فعل تلميذه ابن القيم في كتابه "إجتماع الجيوش الإسلامية".
رابعا: دليل العقل وكما أن علو الله ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف، فهو - أيضا- ثابت بالمعقول الصريح الموافق للمنقول الصحيح. والأدلة العقلية على إثبات العلو كثيرة، وسنورد ههنا ثلاثة منها: الأول: قول الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: "إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله- تعالى-. حين زعم أنه في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان. فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟ فسيقول: نعم. فقل له: حين خلق الشيء هل خلقه في نفسه، أم خارجا عن نفسه؟ فإنه يصير إلى ثلاثة أقاويل: واحد منها: إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه، كفر حين زعم أنه خلق الجن والشياطين وإبليس في نفسه. وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم، كان هذا- أيضا- كفرا حين زعم أنه في كل مكان وحش قذر رديء. وإن قال خلقهم خارجا عن نفسه. لم لم يدخل فيهم، رجع عن قوله كله أجمع"1. الثاني: قول ابن القيم: "إن كل من أقر بوجود رب للعالم، مدبر له، لزمه الإقرار بمباينته لخلقه، وعلوه عليهم".
فمن أقر بالرب، فإما أن يقر بأن له ذاتا وماهية مخصوصة أو لا، فإن لم يقر بذلك، لم يقر بالرب، فإن ربا لا ذات له، ولا ماهية له، هو والعدم سواء، وإن أقر بأن له ذا" مخصوصة وماهية، فيما أن يقر بتعينها أو يقول: إنها غير معينة، فإن قال: إنها غير معينة كانت خيالا في الذهن لا في الخارج، فإنه لا يوجد في الخارج إلا معينا، لا سيما وتلك الذات أولى من تعيين كل معين، فإنه يستحيل وقوع الشركة فيها، وأن يوجد لها نظير، فتعيين ذاته - سبحا نه- واجب. وإذا أقر بأنها معينة لا كلية، والعالم مشهود معين لا كلي، لزم - قطعا- مباينة أحد المتعينين للآخر، فاز" إذا لم يباينه لم يعقل تميزه عنه وتعينه. فإن قيل: هو يتعين بكونه لا داخلا فيه، ولا خارجا عنه. قيل: هذا- والله- حقيقة قولكم، وهو عين المحال، وهو تصريح منكم بأنه لا ذات له، ولا ماهية تخصه، فإنه لو كان له ماهية يختص بها لكان تعينها لماهيته وذاته المخصوصة، وأنتم إنما جعلتم تعيينه أمرا عدميا محضا، ونفيا صرفا، وهو كونه لا داخل العالم ولا خارجا عنه، وهذا التعيين لا يقتضي وجوده مما به يصح على العدم المحض. وأيضا، فالعدم المحض لا يعين المتعين، فإنه لا شيء، وإنما يعينه ذاته المخصوصة وصفاته، فلزم- قطعا- من إثبات ذاته تعيين تلك
الذات، ومن تعيينها مباينتها للمخلوقات، ومن المباينة العلو عليها، لما تقدم من تقريره"1. الثالث: إنه قد ثبت بصريح المعقول أن الأمرين المتقابلين إذا كان أحدهما صفة كمال والآخر صفة نقص، فإن الله يوصف بالكمال منهما دون النقص، فلما تقابل الموت والحياة وصف بالحياة دون الموت، ولما تقابل العلم والجهل، وصف لي العلم دون الجهل، ولما تقابل القدرة والعجز وصف بالقدرة دون العجز، ولما تقابل المباينة للعالم والمداخلة له وصف بالمباينة دون المداخلة، وإذا كان مع المباينة لا يخلو إما أن يكون عاليا على العالم أو مسامتا له، وجب أن يوصف بالعلو دون المسامتة، فضلا عن السفول. والمنازع يسلم أنه موصوف بعلو المكانة، وعلو القهر، ؤعلو المكانة معناه أنه أكمل من العالم، وعلو القهر مضمونه أنه قادر على العالم، فإذا كان مباينا للعالم كان من تمام علوه أن يكون فوق العالم، لا محاذيا له ولا سافلا عنه. ولما كان العلو صفة كمال، كان ذلك من لوازم ذاته، فلا يكون مع وجود غيره إلا عاليا عليه، لا يكون- قط غير عال عليه2 وبهذه النماذج التي أوردناها عن الأدلة العقلية يتضح لنا مدى دلالة المعقول الصريح على إثبات علو الله ومباينته لخلقه، وكذلك مدى
مخالفة أقوال المعطلة والحلولية لصريح المعقول، وصحيح المنقول. خامسا: دليل الفطرة من المعلوم أن الفطرة السليمة قد جبلت على الاعتراف بعلو الله- سبحانه وتعالى-، ويظهر هذا الأمر حينما يجد الإنسان نفسه مضطرا إلى أن يقصد جهة العلو ولو بالقلب حين الدعاء، وهذا الأمر لا يستطيع الإنسان دفعه عن نفسه، فضلا عن أن يرد على قائله وينكر هذا الأمر عليه. ومن أجل ذلك لم يجد الجويني- إمام الحرمين- جوابا حين سأله الهمداني محتجا عليه بها، فقد ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس الأستاذ أبا المعالي الجويني المعروف بـ"إمام الحرمين"، وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: "كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان"، فقال الشيخ أبو جعفر: يا أستاذ دعنا من ذكر العرش- يعني: لأن ذلك إنما جاء في السمع- أخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يا ألله، إلا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة عق قلوبنا؟ قال: فلطم أبو المعالي على رأسه، وقال: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني1.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "علو الخالق على المخلوق وأنه فوق العالم، أمر مستقر في فطر العباد، معلوم لهم بالضرورة، كما اتفق عليه جميع الأمم، إقرارا بذلك، وتصديقا من غير أن يتواطئوا على ذلك ويتشاعروا، وهم يخبرون عن أنفسهم أنهم يجدون التصديق بذلك في فطرهم. وكذلك هم عندما يضطرون إلى قصد الله وإرادته، مثل قصده عند الدعاء والمسألة، يضطرون إلى توجه قلوبهم إلى العلو، فكما أنهم مضطرون إلى دعائه وسؤاله هم مضطرون إلى أن يوجهوا قلوبهم إلى العلو إليه، لا يجدون في قلوبهم توجها إلى جهة أخرى، ولا استواء الجهات كلها عندها، وخلو القلوب عن قصد جهة من الجهات، بل يجدون قلوبهم مضطرة إلى أن تقصد جهة علوهم دون غيرها من الجهات. فهذا يتضمن بيان اضطرارهم إلى قصده في العلو، وتوجههم عند دعائه إلى العلو، كما يتضمن فطرتهم على الإقرار بأنه في العلو والتصديق بذلك"1.
الفصل الثاني: الاستواء والأقوال فيه
الفصل الثاني: الاستواء والأقوال فيه المبحث الأول: أقوال نفاة الاستواء ... سبق أن ذكرنا في الفصل الأول من هذا الباب أن المعطلة من الفلاسفة والجهمية ومتأخري الأشاعرة على الرغم من أن لكل واحد منهم منهجا مستقلا في مسألة الصفات إلا أنهم يتفقون جميعا على إنكار الصفات الخبرية، بما فيها صفتا العلو والاستواء، ويذهبون إلى تأويل الآيات القرآنية الواردة في إثباتها إلى ما أدت إليه عقولهم من المعاني الفاسدة، التي يزعمون أن فيها تنزيها لله عن مشابهة المخلوقين. وإن سبب ذلك التأويل الباطل، هو اعتقاد هؤلاء المعطلة أنه ليس في نفسه الأمر صفة دلت عليها النصوص، وذلك بسبب الشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الفلاسفة، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر- وكان مع ذلك لابد للنصوص من معنى- بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى، وهي التي يسميها هؤلاء المعطلة طريقة السلف، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف، وهي التي يسمونها طريقة الخلف، وبهذا يتبين لنا أن هذا الباطل الذي ذهب إليه هؤلاء المعطلة إنما هو مركب من فساد العقل والكفر بالسمع، وذلك لأنهم إنما اعتمدوا في نفي تلك الصفات على شبه عقلية ظنوها بينات، وهي في الحقيقة شبهات.
وبناء على المسلك الثاني الذي سلكه هؤلاء المعطلة من تأويل تلك النصوص، فقد تعددت أقوالهم واختلفت في المعنى الذي يجب أن يؤول إليه لفظ الاستواء الوارد في الآيات إلى عدة أقوال- منها: القول الأول: من هؤلاء المعطلة من يؤول معنى الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} على الاستيلاء، والقهر، والغلبة. وهذا القول يذهب إليه كثير من الجهمية1، والمعتزلة2، والحرورية3، وكثير من متأخري الأشاعرة4، كسيف الدين الآمدي5، وأبي حامد الغزالي6، والبغدادي7، وغيرهم. وقد استدل هؤلاء المعطلة على صحة زعمهم هذا بأن هذا التأويل الذي هو تأويل الاستواء بالاستيلاء هو أمر مشهور في لغة العرب، ومن ذلك قول الشاعر: قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ولا دم مهراق
وقال الآخر: هما استويا بفضلهما جميعا ... على عرش الملوك بغير زور وقال الآخر: فلما علونا واستوينا عليهم ... تركناهم صرعى لنسر كاسر وقد ذكر عمر بن عبد البر- رحمه الله تعالى- أن بعضهم قد احتج بما رواه عبد الله بن داود الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: استولى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان1. ومن هؤلاء المعطلة من يبقي كلمة العرش الواردة في الآية على معناها الحقيقي الثابت، ويقول إنما خصص العرش بالذكر من بين جميع المخلوقات لكونه أعظم المخلوقات، وأرفعها، وأوسعها، فخصص بالذكر تنبيها على ما دونه. ومنهم من يؤول العرش الوارد في الآية بمعنى: الملك2، ويزعم
أن معنى الآية أنه استولى واستعلى على الملك، ويقول أصحاب هذا القول: إن الله قد عبر بالعرش كناية عن نفس الملك، لأنه يخاطب الناس على الوجه الذي ألفوه من ملوكهم، واستقر في قلوبهم، ذلك لأن العرش- في كلامهم- هو السرير الذي يجلس عليه الملوك، فجعل العرش كناية عن نفس الملك، ويستدل هؤلاء بأن هذا الأمر مشهور في اللغة، وكذلك بقوله تعالى في سورة يونس: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْر} فقالوا: إن قوله: {يُدَبِّرُ الأَمْر} جرى مجرى التفسير لقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} "1. الرد عليهم: لقد أجمع السلف على أن هذا التأويل الذي ذهب إليه هؤلاء الجهمية، والمعتزلة، والخوارج، ومتأخرو الأشاعرة، هو تأويل باطل، ترده نصوص القرآن والسنة وإجماع الأمة، وهو قول لا أصل له في لغة العرب، بل هو تفسير لكلام الله بالرأي المجرد الذي لم يذهب إليه صاحب، ولا تابع، ولا قاله إمام من أئمة المسلمين، ولا أحد من أهل التفسير الذي يحكون قول السلف. ولبيان فساد هذا القول على وجه التفصيل نقول: أولا: إنه من المعلوم أن لفظ الاستواء قد ورد في القرآن الكريم في سبعة مواضع، وهذه المواضع جميعها قد اطرد فيها لفظ الاستواء دون الاستيلاء، وكذلك الأمر بالنسبة لما ورد في السنة، فلو كان معناه
استولى- كما يزعم هؤلاء- لكان استعماله في أكثر موارده، كذلك، فإذا جاء في موضع أو موضعين بلفظ استوى حمل على معنى استولى لأنه المألوف المعهود. أما أن يأتي إلى لفظ قد اطرد استعماله في جميع موارده على معنى واحد فيدعى صرفه في الجميع إلى معنى لم يعهد استعماله فيه، فهذا أمر في غاية الفساد، ولم يقصده ويفعله من قصد البيان، هذا لو لم يكن في السياق ما يأبى حمله على غير معناه الذي اطرد استعماله فيه، فكيف وفي السياق ما يأتي ذلك1. ثانيا: ومما يرد هذا التأويل الباطل أن كلمة استوى قد جاءت بعد "ثم" التي حقيقتها الترتيب والمهملة، فلو كان المعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والأرض، فإن العرش كان موجودا قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف عام كما ثبت في "صحيح مسلم" عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء" 2. وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} .
وفي "صحيح البخاري" عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض" 1. فالآية والحديثان يدلان دلالة واضحة على أن العرش كان موجودا قبل خلق السموات والأرض، فكيف يجوز أن يكون غير قادر ولا مستول على العرش إلى أن خلق السموات والأرض2. ثالثا: أن الاستيلاء سواء كان بمعنى: القدرة، أو القهر، أو نحو ذلك، عام في المخلوقات كالربوبية. والعرش وإن كان أعظم المخلوقات، ونسبة الربوبية إليه لا تنفي نسبتها إلى غيره كما في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، فلو كان استوى بمعنى: استولى كما هو عام في المخلوقات كلها، لجاز مع إضافته للعرش أن يقال: استوى على السماء، وعلى الهواء، وعلى البحار، والأرض، وعليها، ودونها، ونحوها، إذ هو مستو على العرش، فلما اتفق المسلمون على أن يقال: استوى على العرش، ولا يقال استوى على هذه الأشياء مع أنه يقال: استولى على العرش والأشياء، علم أن معنى استوى خاص بالعرش، وليس عاما كعموم الأشياء3.
رابعا: أنه إذا فسر الاستواء بالغلبة والقهر عاد معنى الآيات كلها إلى أن الله- تعالى- أعلم عباده بأنه خلق السموات والأرض، ثم غلب على العرش بعد ذلك وقهره وحكم عليه أفلا يستحي من الله من في قلبه أدنى وقار لله ولكلامه أن ينسب ذلك إليه وأنه أراد بقوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : أي: اعلموا يا عبادي أني بعد فراغي من خلق السموات والأرض غلبت عرشي وقهرته واستوليت عليه1. خامسا: أن ما يستند إليه هؤلاء المعطلة في زعمهم هذا من قولهم أن تفسير استوى باستولى أمر مشهور في اللغة، هو قول باطل مردود لأنه لم يثبت عند أحد من أهل اللغة أن لفظة استوى يصح استعمالها بمعنى استولى بل إن هذا القول منكر عند اللغويين. فهذا ابن الأعرابي أحد علماء اللغة أتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فقال: "هو كما أخبر عز وجل، فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: اسكت ما أنت وهذا، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضادا فإذا غلب أحدهما قيل استولى أما سمعت النابغة: إلا لمثلك أن من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد"2 وقد سئل الخليل بن أحمد هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى؟
فقال: "هذا ما لا تعرفه العرب، ولا هو جائز في لغتها، والخليل إمام في اللغة على ما عرف من حاله- فحينئذ حمله على ما لا نعرف في اللغة هو قول باطل"1. وكذلك فإنه قد روي عن جماعة من أهل اللغة أنهم قالوا: لا يجوز استوى بمعنى استولى إلا في حق من كان عاجزا ثم ظهر، والله - سبحانه- لا يعجزه شيء، والعرش لا يغالبه في حال، فامتنع أن يكون بمعنى استولى. وقد روي عن أبي العباس ثعلب أنه قال: "استوى: أقبل عليه وإن لم يكن معوجا، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} 2: أقبل، و {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} : علا، واستوى الوجه: اتصل، واستوى القمر: امتلأ، واستوى زيد وعمرو: تشابها، واستوى فعلاهما وإن لم تتشابه شخوصهما، هذا الذي نعرفه من كلام العرب"3. فبما تقدم من أقوال علماء اللغة يتضح لنا فساد زعم هؤلاء المعطلة، وكذب ادعائهم بأن هذا القول مشهور في اللغة. وأما ما استدل به هؤلاء من أبيات- كقول الشاعر: قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ولا دم مهراق
وقول الآخر: هما استويا بفضلهما جميعا ... على عرش الملوك بغير زور فهذان البيتان لم يثبت نقل صحيح على أنهما شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة قد أنكرهما. قال ابن فارس: "هذان البيتان لا يعرف قائلهما"1. فهما على هذا بيتان مصنوعان، ومعلوم أنه لو احتج بحديث رسول الله عام لاحتاج إلى صحته، فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده، وقد طعن فيه أئمة اللغة. قال عمر بن عبد البر: "وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم في تأويل استوى: استولى، فلا معنى له، لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة: المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله- عز وجل- أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها، مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء، والاستقرار والتمكن فيه، قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {اسْتَوَى} قال: علا.
قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت، وقال غيره: استوى، أي: انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد"1. وأما ما استدل به المعطلة من قول ابن عباس- رضي الله عنهما- فقد بين ابن عبد البر أنه مكذوب على ابن عباس، ورواته مجهولون وضعفاء، كما تقدم ذكره. القول الثاني: أن معنى استوى: أقبل على خلق العرش، وعمد إلى خلقه، كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} 2 أي:. عمد إلى خلق السماء. وهذا هو قول بعض الجهمية3، وإليه ذهب الفراء4، والأشعري، وابن الضرير، واختاره الثعلبي5. الرد عليهم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الوجه من أضعف الوجوه، فإنه قد أخبر أن العرش كان على الماء قبل خلق السموات والأرض. وكذلك ثبت في "صحيح البخاري" عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء ... " فإذا كان العرش مخلوقا قبل خلق السموات والأرض، فكيف يكون استواؤه عمده إلى خلقه له؟! لو كان يعرف في اللغة أن استوى على كذا بمعنى أنه عمد إلى فعله، وهذا لا يعرف قط في اللغة لا حقيقة ولا مجازا، ولا في نظم ولا في نثر. ومن قال استوى بمعنى عمد ذكره في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} لأنه عدى بحرف الغاية، كما يقال: عمدت إلى كذا وقصدت إلى كذا، ولا يقال عمدت على كذا ولا قصدت عليه، مع أن ما ذكر في تلك الآية لا يعرف في اللغة- أيضا- ولا هو قول أحد من مفسري السلف، بل المفسرون من السلف، قولهم بخلاف ذلك"1. وقال ابن القيم- رحمه الله تعالى..: "إن قولهم هذا يتضمن أن يكون خلقه بعد خلق السموات والأرض، وهذا بخلاف إجماع الأمة، وخلاف ما دل عليه القرآن والسنة، وإن ادعى بعض الجهمية المتأخرين أنه خلق بعد خلق السموات والأرض وادعى الإجماع على ذلك، وليس العجب من جهله، بل من إقدامه على- حكاية الإجماع على ما لم يقله مسلم"2.
القول الثالث: أن استوى بمعنى: علا في هذه الآية، ولكن ليس المراد علو المسافة والمكان، إنما المراد علو المكانة والقهر. وقد ذهب إلى هذا القول جماعة من الأشاعرة منهم أبو بكم بن فورك1، وهم بهذا القول جعلوا الاستواء صفة ذات وليست صفة فعل. الرد عليهم: إن الآيات والأحاديث قد أثبتت استواء الله على العرش حقيقة، ولو كان معنى الاستواء ههنا المراد به علو المكانة فإن الله لم يزل متعاليا على الأشياء قبل خلق العرش، فلما أضاف الاستواء على العرش فيجب على ذلك أن يكون لهذا التخصيص فائدة2.
المبحث الثاني: أقوال مثبتة الاستواء
المبحث الثاني: أقوال مثبتة الاستواء القول الأول: وهو قول من يثبت الاستواء على أنه صفة للعرش، وليس على أساس أنه صفة الله- تعالى-. وأصحاب هذا القول يقولون: إن الاستواء فعل يفعله الرب في العرش، بمعنى أنه يحدث في العرش قربا فيصير مستويا عليه من غير أن يقوم به- أي بالله- فعل اختياري. وهذا القول هو ما يقول به ابن كلاب، والأشعري1 وأئمة أصحابه المتقدمين، كالباقلاني وغيره، وهو- أيضا- قول القلانسي، ومن وافق هؤلاء من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم من أصحاب الإمام أحمد كالقاضي أبي يعلى، وابن الزاغوني، وابن عقيل في كثير من أقواله2. والسبب الذي جعل هؤلاء القوم يمنعون جعل الاستواء صفة لله- تعالى- هو قولهم بنفي قيام الأفعال الاختيارية بذاته- سبحانه وتعالى-
ولذلك يجعلون أفعاله اللازمة لذاته - كالنزول والاستواء - كأفعاله المتعدية- كالخلق والإحسان-، وقولهم في نفي الأفعال الاختيارية راجع إلى قولهم في صفات الله. وهم يقولون: "إن الله هو الموصوف بالصفات، لكن ليست الصفات أعراضا، إذ هي قديمة ولا تزول"1. وحجتهم في منع قيام الحوادث بذات الله- تعالى- أنهم يقولون: "إن كل ما صح قيامه بالبارئ- تعالى- فإما أن يكون صفة كمال أو لا يكون، فإن كان صفة كمال استحال أن يكون حادثا، وإلا كانت ذاته قبل اتصافه بتلك الصفة خالية من صفة الكمال، والخالي من الكمال الذي هو ممكن الاتصاف به ناقص، والنقص على الله محال بإجماع الأمة. وإن لم يكن صفة كمال استحال اتصاف البارئ بها، لأن إجماع الأمة على أن صفات البارئ بأسرها صفات كمال، فإثبات صفة لا من صفات الكمال خرق للإجماع وهو أمر-غير جائز"2. الرد عليهم: لقد اعتمد أصحاب هذا القول فر، منعهم كون الاستواء صفة لله تعالى- على حجة منع قيام الحوادث بذاته- تعالى-، وهي حجة واهية، وقد رد عليها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "إن المقدمة التي اعتمد عليها هؤلاء وهي قولهم: إن الخالي من الكمال الذي يمكن
الاتصاف به ناقص. فيقال لهم: معلوم أن الحوادث المتعاقبة لا يمكن الاتصاف بها في الأزل، كما لا يمكن وجودها في الأزل، وعلى هذا فالخلو عنها في الأزل لا يكون خلوا عما يمكن الاتصاف به في الأزل. ثم إنه لم يثبت امتناع ما ذكر من النقص بدليل عقلي، ولا بنص من كتاب ولا سنة، بل بما ادعوه من إجماع، وإذا فمعلوم أن المنازعين في اتصافه بذلك هم من أهل الإجماع، فكيف يحتج بالإجماع في مسألة النزاع. وقولهم باجماع الأمة على أن صفاته صفات كمال، فإن قصد بذلك صفاته اللازمة لم يكن في هذا حجة لهم، وإن قصد بذلك ما يحدث بمشيئته وقدرته لم يكن هذا إجماعا، فإن أهل الكلام يقولون: إن صفة الفعل ليست صفة كمال ولا نقص، والله موصوف بها بعد أن لم يكن موصوفا. ثم إن هذا الإجماع الذي ادعوه حجة عليهم، فإنا إذا عرضنا على العقول موجودين: أحدهما يمكنه أن يتكلم ويفعل بمشيئته كلاما وفعلا، والآخر لا يمكنه ذلك، بل لا يكون كلامه إلا غير مقدور، ولا مراد، أو يكون بائنا عنه، لكانت العقول تقتضي بأن الأول أكمل من الثاني. وكذلك إذا عرضنا على العقول موجودين من المخلوقين، أو مطلقا أحدهما يقدر على الذهاب والمجيء، والتصرف بنفسه، والآخر لا يمكنه ذلك، لكانت العقول تقضي بأن الأول أكمل.
فنفس ما به يعلم أن اتصافه بالحياة والقدرة صفات كمال، به يعلم أن اتصافه بالأفعال والأقوال الاختيارية التي تقوم به، والتي يفعل بها المفعولات المباينة له- صفات كمال"1. وكذلك مما يرد به على هذا القول ما قاله ابن القيم: "إنه لو كان الاستواء عائدا على العرش لكانت القراءة برفع العرش، ولم تكن بخفضه، فلما كانت بخفض العرش دل على أن الاستواء عائد إلى الله تعالى"2. القول الثاني: القول بالتفويض ويذهب أصحاب هذا القول إلى إثبات لفظ الاستواء فقط مع التوقف في المعنى المراد، فهم يقولون أن إن الاستواء ثابت في القرآن، حيث إنه قد ورد في سبع آيات، وكذلك قد وردت به الأخبار الصحيحة، وقبوله من جهة التوقف واجب، والبحث عنه وطلب الكيفية غير جائز، وهو استواء لا نعلمه3. وقد ذهب إلى هذا القول البيهقي في كتابه "الاعتقاد"4، وهو
أحد قولي الرازي1. وقد زعم كثير من الأشاعرة أن القول بالتفويض هو قول السلف2. ويستدلون على نسبة هذا القول إلى السلف بعبارات نقلت عن السلف، ظنوا أنها ترمي إلى القول بالتفويض كقول الأوزاعي: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله- تعالى ذكره- فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته- جل وعلا-". وقول ربيعة بن عبد الرحمن، والإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب". والقول بالتفويض هو مقصود هؤلاء القوم في قولهم: "إن طريقة السلف أسلم"، حيث إنهم ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيّ} 3. الرد عليهم: معلوم أن نسبة هذا القول إلى السلف إنما هو محض كذب وافتراء، ومن نسب هذا القول إلى السلف فإنما هو جاهل بطريقة السلف الذين
لم يقولوا بهذا القول، ولم يرد عن واحدة منهم أنه فوض معنى الاستواء، بل إن الوارد عنهم جميعا أنهم يفسرون الاستواء بالمعنى المراد وهو: العلو والارتفاع على العرش، ويؤمنون بأن الله مستو على العرش حقيقة. قال شيخ الإسلام: "وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف، أما في كثير من الصفات فقطعا مثل أن الله فوق العرش، فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة، وأنهم ما قصدوا خلاف هذا قط، وكثير منهم صرح في كثير من الصفات بمثل ذلك"1. وقال في موضع آخر: "وقد فسر الإمام أحمد النصوص التي نسميها متشابهات، فبين معانيها آية آية، وحديثا حديثا، ولم يتوقف فيها هو والأئمة قبله، مما يدل على أن التوقف عن بيان معاني آيات الصفات وصرف الألفاظ عن ظواهرها لم يكن مذهبا لأهل السنة، وهم أعرف بمذهب السلف، وإنما مذهب السلف إجراء معاني آيات الصفات على ظاهرها، بإثبات الصفات له حقيقة، وعندهم قراءة الآية والحديث تفسيرها، وتمر كما جاءت دالة على المعاني لا تحرف، ولا يلحد فيها"2.
ويقول ابن القيم- رحمه الله تعالى-: "تنازع الناس في كثير من الأحكام، ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها، أعني فهم أصل المعنى، لا فهم الكنه والكيفية"1. وأما بالنسبة إلى ما استدل به أصحاب هذا القول على أن القول بالتفويض هو مذهب السلف وذكرهم لقول الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، فليس المراد ههنا تفويض معنى الاستواء، ولا نفي حقيقة الصفة، ولو كان المراد الإيمان بمجرد اللفظ من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قال: "الكيف مجهول"، لأنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى2. والاستواء على هذا المعنى لا يكون معلوما، بل هو مجهول بمنزلة حروف المعجم، لكن الأمر على عكس ذلك، فنفى علم الكيفية لأنه أثبت الصفة، وأراد بقوله: الاستواء معلوم، أي: أنه معلوم معناه في اللغة التي نزل بها القرآن، فعلى هذا يكون معلوما في القرآن. ومعلوم أن ادعاء هؤلاء أن مذهب السلف إنما هو القول بالتفويض سببه اعتقاد هؤلاء أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر- كان مع ذلك
لابد للنصوص من معنى- فبقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف، وهذا التردد هو الذي وقع فيه من قال بالتفويض من هؤلاء كالبيهقي، والرازي.، فهم لم يلتزموا بهذا القول مطلقا، بل غالبا ما يخالفونه، كما فعل الرازي في تأسيسه حيث جنح إلى التأويل وترك القول بالتفويض. القول الثالث: قول المشبهة، والمقصود بها الهشامية1 من الروافض، والكرامية2 وغيرهم. وهؤلاء يثبتون استواء الله، وارتفاعه فوق عرشه، إلا أنهم تعمقوا في الكلام على كيفية ذلك الاستواء. فالهشامية مثلا يقولون إن الله تعالى مماس لعرشه لا يفضل منه شيء في العرش ولا يفضل عن العرش شيء منه3 وأما الكرامية فقد تعددت أقوالهم في كيفية استوائه: فمنهم من يقول: إنه على بعض أجزاء العرش.
ومنهم من يقول: إن العرش مكان له، وأن العرش امتلأ به. ومنهم من يقول: إنه لو خلق بإزاء العرش عروشا موازية لعرشه لصارت العروش كلها مكانا له، لأنه أكبر منها كلها. ومنهم من يقول: إن بينه وبين العرش من البعد والمسافة ما لو قدر مشغولا بالجواهر لاتصلت به1. وقول هؤلاء المشبهة إنما هو نتيجة لازمة لأقوالهم في صفات الله وكلامهم في ذاته. فالهشامية يقولون: "إن الله جسم ذو أبعاض، له قدر من الأقدار، ولكن لا يشبه شيئا من المخلوقات، ولا يشبهه شيء". ونقل عنهم أنهم قالوا: إنه سبعة أشبار بشبر نفسه، وأن له مكانا مخصوصا، وجهة مخصوصة، وأنه يتحرك، وحركته فعله، وليست من مكان إلى مكان، وهو متناه بالذات، غير متناه بالقدرة، وأنه مماس لعرشه، ولا يفضل منه شيء من العرش، ولا يفضل عن العرش شيء منه2. وأما الكرامية فيقول عنهم ابن كرام: "إن معبوده مستقر على العرش استقرارا، وإنه بجهة فوق ذاتا، وإنه أحدي الذات، أحدي الجوهر، وإنه مماس للعرش من الصفحة العليا". ولهم في معنى العظم خلاف فقال بعضهم: "إنه مع وحدته على
جميع أجزاء العرش، والعرش تحته وهو فوقه كله، على الوجه الذي هو فوق جزء منه". وقال بعضهم: إنه يلاقي مع وحدته من جهة واحدة أكثر من واحد، وهو يلاقي جميع أجزاء العرش وهو العلي العظيم. وقالت المهاجرية منهم: إنه لا يزيد على عرشه في جهة المماسة ولا يفضل منه شيء على العرش، وهذا يقتضي أن يكون عرضه كعرض العرش. وصار المتأخرون منهم إلى أنه تعالى بجهة فوق وأنه محاذ للعرش1. الرد عليهم: هذا القول للمشبهة يتضمن حقا وباطلا. فالحق فيه هو: اعترافهم بعلو الله، واستوائه على عرشه، وأنه بائن عن خلقه، والخلق بائنون عنه. وأما الباطل فهو: كلامهم في ذات الله، والتعرض لكيفية استوائه، وهو كلام باطل وفاسد ليس لهم به دليل من القرآن أو السنة، بل هو قول على الله بغير علم، فالله- سبحانه وتعالى- لم يطلعنا على كيفية ذاته، فأنى لنا أن نعلم كيفية صفاته، وأمر الكيفية هو مما استأثر الله بعلمه قال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ} 2.
ومما يدلنا على فساد هذا القول وعدم وجود دليل لأصحابه على ما يقولون هو اختلاف آرائهم وأقوالهم عند الحديث عن ذات الله وكيفية استوائه، فمن خلال عرض أقوالهم يتضح اختلافهم وتناقضهم، وما ذاك إلا أنهم يفترون على الله الكذب، قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} 1. والسؤال الذي ينبغي أن يوجه إلى هؤلاء المشبهة في هذا المقام هو: أين الدليل من الكتاب أو السنة على ما تزعمون؟ والجواب معروف، وهو أنه لا دليل لهم على ذلك لا من القرآن ولا من السنة. ومما ينبغي معرفته أن الكلام على كيفية ذات الله، أو كيفية استوائه، أو غيرها من الصفات، هو أمر غير جائز عند السلف، ويحرم الخوض فيه، بل ويبدعون السائل عن ذلك، ولذلك بدع الإمام مالك السائل الذي سأله عن كيفية استواء البارئ- عز وجل-، حيث قال له: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، وما أراك إلا رجل سوء"، وأمر به أن يخرج. وما قاله الإمام مالك هو الذي جاءت به النصوص، وهو الذي سار عليه السلف جميعا. القول الرابع: مذهب السلف في الاستواء. والمقصود بالسلف: هم الصحابة، والتابعون، ومن سار على نهجهم.
ولقد كان قولهم في الاستواء كقولهم في سائر صفات الله، فهم وسط بين طائفتين هم المعطلة والمشبهة. فهم لا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا ذاته بذوات خلقه، كما يفعل المشبهة. وكذلك لا ينفون عن الله ما وصف، به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فيعطلون أسماءه وصفاته، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويلحدون في أسمائه وآياته. بل كان مذهبهم في سائر الصفات- بما في ذلك الاستواء- أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم نفيا وإثباتا. وطريقتهم في الإثبات أنهم يثبتون ما أثبته الله من الصفات من غير تكييف لها، ولا تحريف، ولا تمثيل، ولا تعطيل. وطريقتهم في النفي أنهم ينفون عن الله ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات، فطريقة السلف هي إثبات أسماء الله وصفاته مع نفي مماثلة المخلوقين، فإثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} 1، ففي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد للتشبيه والتمثيل، وفي قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} رد للإلحاد والتعطيل2.
ولقد كانت هذه طريقة السلف في جميع الصفات دون تفريق بين صفة وصفة، وفي ذلك يقول الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والسنة"1. وبناء على هذه القاعدة كان مذهب السلف في صفة الاستواء أنهم يثبتون استواء الله على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، ويناسب كبرياءه، وهو بائن من خلقه، وخلقه بائنون به. فالاستواء صفة ثابتة في القرآن والسنة، وقد أجمع سلف الأمة على إثباتها، فذكر صفة الاستواء جاء في سبعة مواضع من القرآن الكريم، وقد تقدم ذكرها، كما أن السنة مليئة بالأحاديث الثابتة الصحيحة الدالة على علو الله، واستوائه على عرشه. والسلف يقولون: إن معنى هذا الاستواء الوارد في الكتاب والسنة معلوم في اللغة العربية، كما قال ربيعة بن عبد الرحمن، والإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" فقولهم: "الاستواء معلوم"، أي: أن معنى الاستواء معلوم في اللغة، وهو ههنا بمعنى العلو والارتفاع. قال ابن القيم- رحمه الله-: "إن لفظ الاستواء في كلام العرب الذي خاطبنا الله بلغتهم وأنزل به كلامه نوعان: مطلق، ومقيد.
فالمطلق ما لم يوصل معناه بحرف مثل قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} 1، وهذا معناه: كمل وتم، يقال: استوى النبات، واستوى الطعام. وأما المقيد فثلاث أضرب: أحدهما: مقيد بـ"إلى" كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} ، واستوى فلان إلى السطح، وإلى الغرفة، وقد ذكر الله- سبحانه وتعالى- المعدى بـ"إلى" في موضعين من كتابه، الأول: في سورة البقرة في قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} ، والثاني في سورة فصلت: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} 2، وهذا بمعنى العلو والارتفاع بإجماع السلف. الثاني: المقيد بـ"على" كقوله تعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} 3، وقوله: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ} 4، وقوله: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} 5، وهذا - أيضا- معناه العلو والارتفاع والاعتدال بإجماع أهل اللغة. الثالث: المقرون بواو "مع" التي تعدى الفعل إلى المفعول معه،
نحو استوى الماء والخشبة بمعنى: ساواها، وهذه معاني الاستواء المعقولة في كلامهم1. ومما يؤكد- أيضا- أن السلف يعلمون معنى الاستواء قول ابن عبد البر: "والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو: العلو والارتفاع على الشيء، والاستقرار والتمكن فيه". قال أبو عبيدة في قوله واستوى قال: علا، قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت، وقال غيره: استوى، أي: انتهى شبابه، واستقر فلم يكن في شبابه مزيد، والاستواء الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله عز وجل وقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} ، وقال: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ} ، وقال: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} 2. وقال الشاعر: فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة ... وقد حلق النجم اليماني فاستوى وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد: استولى، لأن النجم لا يستولي. وقد ذكر النضر بن شميل- وكان ثقة، مأمونا، جليلا في علم الديانة واللغة- قال: "حدثني الخليل- وحسبك بالخليل- قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي، وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح فسلمنا فرد علينا السلام، وقال لنا: استووا، فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال؟
فقال لنا أعرابي إلى جنبه: إنه أمركم أن ترتفعوا، قال الخليل: هو من قول الله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} فصعدنا إليه1. وقال ابن القيم: "إن ظاهر الاستواء وحقيقته هو العلو والارتفاع، كما نص عليه جميع أهل اللغة والتفسير المقبول"2. ولما كان هذا هو معنى الاستواء في لغة العرب فقد تكلم السلف والمفسرون بهذا المعنى عند تفسير هذه الآية، فقد روي عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: علا على العرش3، وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عن أبي العالية في تفسير الآية السابقة الذكر قال: ارتفع4. وقد روى عن الحسن البصري والربيع بن أنس مثله"5. وقد روى اللالكائي بسنده عن بشر بن عمر قال: "سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: إ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، قال: على العرش استوى: ارتفع6. وفي هذا التفسير لمعنى الاستواء من قبل السلف رد على من زعم
أن مذهب السلف هو التقيد باللفظ مع تفويض المعنى المراد، وأنهم كانوا لا يفسرون الاستواء ولا يتكلمون فيه، فمن خلال ما تقدم من أقوال نقلت عن السلف يتضح كذب هؤلاء وزيف ادعائهم. ومما ينبغي معرفته أن السلف مع إثباتهم لمعنى الاستواء، واعتقادهم بأن الله مستو على عرشه ومرتفع عليه، إلا أنهم يكلون علم كيفية ذلك الاستواء إلى الله- عز وجل- لأن أمره هو مما استأثر الله بعلمه، وفي ذلك يقول القرطبي: "ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا تعلم حقيقته، كما قال الإمام مالك: "الاستواء معلوم "- يعني في اللغة- والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة"1. وقال ابن القيم: "إن العقل قد يئس من تعرف كنه صفات الله وكيفياتها، فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله، وهذا معنى قول السلف "بلا كيف"، أي: بلا كيف يعقله البشر، فإنه من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته، كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته، ولا يقدح ذلك في الإيمان بها، ومعرفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك، كما أنا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر، ولا نعرف حقيقة كيفيته مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق، فعجزنا عن معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم"2.
الباب الرابع: التعريف بالمؤلف
الباب الرابع: التعريف بالمؤلف الفصل الأول: عصر المؤلف ... أولا: الحالة السياسية: عاش محمد بن عثمان بن أبي شيبة في القرن الثالث الهجري، فقد كان مولده في العشر الأول من هذا القرن، وكانت وفاته سنة سبع وتسعين ومائتين للهجرة، وقد شهد في هذه الفترة من حياته دولة الخلافة العباسية في مختلف مراحلها وعاصر عددا من خلفائها فقد أدرك بعضا من عصر المأمون (198- 211) ، وأدرك عصر المعتصم (18 2- 221) ، والواثق (127- 231) ، والمتوكل (132- 47 1) ، والمنتصر (147- 241) ، والمستعين (148- 251) ، والمعتز (152- 251) ، والمهتدي (155- 251) ، والمعتمد (156- 271) ، والمعتضد (179- 281) ، والمكتفي (189- 291) ، وبعض عصر المقتدر (195- 321) . والذي يعنينا هنا هو تصور الجو السياسي في تلك الحقبة من الزمن، فقد كانت مشحونة بالفتن والاضطرابات والصراعات التي كانت تنتاب الدولة العباسية من حين إلى حين- وقد كانت هذه الصراعات في مجملها ذات أهداف شخصية لا تمت إلى الإسلام بصلة، وكان الهدف الرئيسي منها هو السيطرة على زمام الدولة العباسية، أو الاستئثار بحكم
إقليم معين، أو منصب، أو وزارة في الدولة، فابتداء من عصر المأمون والحرب التي دارت بينه وبين أخيه الأمين، والتي هي في حقيقتها ليست إلا لونا مقنعا من الحرب بين العرب والفرس، فكان العرب وراء الأمين، والفرس وراء المأمون، وما ثورة "نصر بن شبث" ضد المأمون الأخير دليل ونموذج على ذلك1. ثم إن الفرس أنفسهم حاربوا المأمون وجها لوجه مثلما كان من "حرب البابكية"2 بزعامة قائدهم "بابك الخرمي"، الذي خرج على المأمون وانتصر عليه في بعض المواقع، ومات المأمون ولم يستطع القضاء على هذه الثورة بل خلفها لأخيه المعتصم. هذا بالإضافة إلى الثورات والتمردات والفتن الأخرى مثل: "حركة الزط"3، و "ثورة المصريين"4، و "فتنة خلق القرآن" التي كانت أعظم هذه الفتن، والتي لم يسلم من تيارها المحدثون والفقهاء. ففي سنة ثماني عشرة ومائتين كتب الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد إلى ابن الحسين إسحاق بن إبراهيم ببغداد في امتحان
القضاة والمحدثين بخلق القرآن، فمن أقر أنه مخلوق خلي سبيلا ومن أبى أعلمه به ليأمره فيه برأيه وطول كتابه بإقامة الدليل على خلق القرآن1. وهكذا استمرت هذه المحنة التي شغلت المأمون أكثر مما شغلت المعتزلة، وعنى بها المأمون نفسه كما عنى بها المسلمون، ووقف المأمون يناصب العداء كل من خالفه في هذه المسألة، وسومه سوء العذاب2. ثم يأتي المعتصم من بعد أخيه المأمون، ولم يكن عصره أحسن حالا من عصر أخيه، فقد ورث الخلافة وورث معها الثورات والفتن والاضطرابات التي لم يستطع المأمون القضاء عليها أو التخلص منها، فتورط المعتصم فيما تورط فيه المأمون من القول بخلق القرآن، واستمرت المحنة في عصره، وكذلك واجهته الكثير من المصاعب في القضاء على "فتنة الزط"3، الذين عاثوا في طريق البصرة فسادا، فقطعوا الطريق، وأخافوا السبيل، وكذلك في القضاء على ثورة "بابك الخرمي"4، التي خلفها له المأمون وقد أنهاها المعتصم بعد جهد كبير.
وبالإضافة إلى ذلك فقد ضعفت ثقة المعتصم ومن جاء بعده من الخلفاء بالعرب1. فذهب المعتصم يشتري الأتراك ويجمعهم، حتى اجتمع له منهم عدد كبير، فألبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهبة2، ثم إنه اعتمد عليهم في تسيير أمور الدولة فأسند إليهم الولايات ومناصب الدولة، وأدر عليهم الهبات والأرزاق، وآثرهم على العرب والفرس في كل شيء3. وقد كان لهذا التصرف من قبل المعتصم أثره السيء على دولة الخلافة، فقد بلغ من نفوذ هؤلاء الأتراك في العصر العباسي الثاني أنهم استولوا على زمام الأمور في بغداد والعراق، واستبدوا بالسلطة من دون الخلفاء إلى درجة أنهم كانوا هم الذين يعينون الخلفاء وهم الذين يعزلونهم، وكانوا أحيانا لا يتورعون عن قتل الخلفاء فقتلوا مثلا المتوكل، والمهتدي بالله، والمقتدر، والراضي4. وقد تولى الخلافة من بعد المعتصم ابنه الواثق الذي استمر فيما كان عليه أبوه المعتصم وعمه المأمون فيما يتعلق بالقول بخلق القرآن واستمرت هذه المحنة في عهده حتى ملها وود لو وجد لنفسه منها
مخرجا1، واستمرت الاضطرابات في زمانه وقوي نفوذ الأتراك، وولي الخلافة من بعده المتوكل فناصر السنة وأبطل ما كان عليه من قبله من القول بخلق القرآن، وأمر بمناصرة مذهب السلف والرد على مقالة المعتزلة والجهمية، وحاول القضاء على نفوذ الأتراك واستبدادهم بأمور الدولة، ولكنهم سبقوه إلى ذلك فقتلوه في عام (248هـ) ، ومنذ ذلك الحين بدأ الضعف في دولة الخلافة، فزالت هيبتها، وضعف سلطانها وأصبح الأمر كله بيد الأتراك يصرفون الأمور، فيولون من شاءوا من الخلفاء، ويعزلونهم متى أرادوا، فأخذ الانحلال يدب في كيان الدولة، ولم يزل هذا شأنها حتى قضى عليها تماما في منتصف القرن السابع (156 هـ) على أيدي التتار. من هذا الاستعراض الموجز والسريع للحالة السياسية في عهد المؤلف، يتضح لنا أن الأحوال السياسية في ذلك الوقت كانت على وجه العموم غير مستقرة، ومشحونة بالفتن والاضطرابات. ثانيا: الحالة الاجتماعية: اصطبغت الحياة الاجتماعية في معظم حواشيها بالصبغة الأجنبية بما فيها من ترف وزينة ومباهج، فكانت قصور الخلفاء والأمراء وكبار رجال الدولة مضرب المثل في حسن رونقها وبهائها، كما امتازت بفخامة بنائها واتساعها وما يكتنفها من حدائق غناء وأشجار متكانفة، كما ازدانت بالمناضد الثمينة، بالزهريات المزخرفة، والتربيعات المرصعة
المذهبة1. وكان الشعب يتألف في هذا العصر من أربعة عناصر رئيسية هي: العرب، والفرس، والأتراك، والمغاربة2، وكان الرقيق يكونون طبقة كبيرة من طبقات المجتمع آنذاك، فقد كان اتخاذ الرقيق منتشرا انتشارا كبيرا، ولم ينظر الخلفاء العباسيون إلى الرقيق نظرة امتهان وازدراء إذ أن كثيرين منهم كانت أمهاتهم من الرقيق3. وقد كان من ضمن طبقات الشعب في ذلك العصر أهل الذمة- اليهود والنصارى- وكانوا يتمتعون بكثير من ضروب التسامح، حيث كانوا يقيمون شعائرهم الدينية في أديارهم وبيعهم خارج مدينة بغداد في أمن ودعة، مما يدل على أن الخلفاء العباسيين كانوا على جانب عظيم من التسامح الديني معهم4. وأما من حيث الزواج والمصاهرة فقد تغيرت تقاليدها عن ذي قبل، وذابت تلك العادة العربية المتمثلة في التحفظ عن مصاهرة غير العرب، فقد حطم العصر العباسي تلك الحواجز، وامتزج الدم العربي بالدم الفارسي وغيره من العناصر الأخرى5.
وأما الحالة الخلقية فقد كانت مزيجا من الفساد والصلاح، كما كانت مزيجا من الهدى والضلال، فتجد إلى جانب الإسراف والمجون الفاجر، الورع النادر، والزهد، والتقوى، والصلاح، والاستقامة، وهذا التغاير أمر طبيعي، نظرا لاتساع رقعة الخلافة واختلاف الملل والنحل، وتقاعس الخلفاء عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كثير من الأحيان1. وقد عاش المؤلف- رحمه الله- في هذه البيئة فلم يظهر تأثره بها، ولا بالتيارات المختلفة على الرغم من أنه كان في بغداد عاصمة الخلافة، وقد كان في ذلك شأنه شأن العلماء الأجلاء الذين عاشوا في هذا العصر. ثالثا: الحالة الثقافية والعلمية: على الرغم من مظاهر الضعف والتدهور وعدم الاستقرار السياسي الذي انتاب دولة الخلافة العباسية في ذلك العصر، إلا أن الحالة الثقافية كانت على حالة مغايرة تماما، فقد تميز هذا العصر بنهضة علمية وفكرية قوية، إذ عاش فيها جل المحدثين، والفقهاء، وعلماء اللغة، والمؤرخين، وغيرهم، وباستعراض سريع لبعض علماء كل علم من هذه العلوم نرى كيف أن هذه الفترة قد حوت علماء مبرزين قل أن يوجد مثلهم في زمن مشابه. فمن المحدثين: شيخ المحدثين الإمام محمد بن إسماعيل البخاري
(ت 256 هـ) ، والإمام مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261هـ) ، وأبو داود السجستاني (ت 275هـ) ، ومحمد بن عيسى الترمذي (ت 278هـ) ، وأحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ) ، ومحمد بن يزيد بن ماجه (ت 273هـ) ، وأحمد بن حنبل (ت 241هـ) ، وغيرهم. ومن الفقهاء أبو سليمان داود بن علي الظاهري (ت 270هـ) ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ) ، ومحمد بن إبراهيم بن المنذر (ت 318هـ) وغيرهم. ومن المؤرخين الزبير بن بكار (ت 256هـ) ، وعمر بن شبه (ت 262هـ) ، واليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب (ت 278هـ) ، والبلاذري أحمد بن يحيى (ت 279هـ) . ومن اللغويين: المفضل بن سلمة الضبي (ت 250هـ) ، وأبو عمرو الهروي (ت 255هـ) ، وأبو حاتم السجستاني (ت 255هـ) ، وأبو العباس ابن المبرد (ت 285هـ) ، وأبو حنيفة الدينوري (ت 282هـ) وغيرهم. ومن النحاة: أبو العباس المازني (ت 249هـ) ، وأبو العباس ثعلب (ت 291هـ) ، وابن كيسان محمد بن أحمد (ت 299هـ) وغيرهم. هذا بالإضافة إلى فتح العباسيين الأبواب على مصارعها لكل الثقافات الوافدة على الفكر الإسلامي آنذاك، وذلك عن طريق ترجمة الكتب الفارسية، واليونانية، والهندية، والسريانية، إلى غير ذلك من الكتب التي تتحدث عن ألوان الثقافات المعاصرة في ذلك الوقت، وقد أولى المأمون هذا الجانب اهتماما كبيرا، فأصبح للترجمة في هذا
العصر شأن وأي شأن1، وحسبك دليلا على ذلك ما كان من "حنين بن إسحاق" الذي كان يأخذ من المأمون ذهبا بوزن كل كتاب ينجز ترجمته2. وقد كان لهذه الترجمة آثار سلبية على المجتمع الإسلامي، من فساد في العقيدة، وانحلال في المجتمع، بما أتت من فلسفات بعيدة عن منهج الإسلام، الأمر الذي أحدث بلبلة فكرية، وأنشأ طوائف زائغة عن العقيدة الإسلامية الصحيحة، ومن تلك الطوائف طائفة المعتزلة التي ابتلت الأمة حينذاك بسببها بمحنة خلق القرآن في سنة 218 هـ. وقد أدى انتشار تلك الفلسفات وتأثيرها على عقائد المسلمين ردة فعل من قبل علماء السلف، الذين نهضوا لخدمة الكتاب والسنة، والدفاع عن العقيدة الصحيحة، فاخترعوا علوم القرآن، لخدمة القرآن ودونوا علوم الحديث لخدمة السنة المطهرة، كما قاوموا حركة الوضع في الحديث والطعن فيه، ودافعوا عن العقيدة الصحيحة، فألفوا كتبا كثيرة في التوحيد، والسنة، والرد على المخالفين من المعتزلة، والجهمية، والروافض، كما نشطوا في تدوين الفقه وأصوله، وتركوا ثروة علمية ضخمة تدل على رفعة العلم وانتشار الثقافة في زمانهم.
الفصل الثاني: سيرته الشخصية وحياته العلمية
الفصل الثاني: سيرته الشخصية وحياته العلمية اسمه وكنيته: هو الإمام الحافظ، المسند البارع، محدث الكوفة، أبو جعفر محمد بن عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خُوَاستي1، العبسي مولاهم، الكوفي2. أصله: ينتسب محمد بن عثمان بن أبي شيبة إلى بني عبس بن يفيض بن ريث بن غطفان، وهذا الانتساب إنما هو من جهة الولاء وليس من جهة الأصل، فهو ليس من أصل عربي، إذ أن جده الثالث كان اسمه عثمان
ابن خواستي، وهذا يدل على أنه من أصل أعجمي، أسلم ثم نسب إلى بني عبس غطفان ولاء، كما هي عادة من يسلم من غير العرب في ذلك الوقت، وهذا ما ذكرته الكتب التي ترجمت لبني أبي شيبة. وإن كان الأزدي قد ذكر أنهم يعودون في نسبهم إلى أبي سعيدة، أسامة بن قتادة الحبسي صاحب سعد1، ولكن السمعاني في"الأنساب" قد نقل هذا الكلام عن يحيى بن معين بصيغة التضعيف، حيث قال:"ويزعم ولده أن أبا سعيدة صاحب سعد جدهم"2، ولعل الراجح هو ما اتفق عليه أصحاب التراجم، وهو أنهم من الموالي، والله أعلم. مولده: لم تشر المصادر التي ترجمت له إلى عام ولادته، وإن كانت جميعها قد اتفقت على أن عام وفاته هو سنة سبع وتسعين ومائتين، وقد كان عمره حين توفي يقارب التسعين، وهذا يعني أن مولده كان في الفترة ما بين سنة ثمان ومائتين وإحدى عشرة ومائتين للهجرة على سبيل التقريب. أسرته: ينحدر الحافظ بن الحافظ من أسرة مشهورة بالعلم والمعرفة، وبخاصة في الحديث وعلومه، فقد كانت لهذه الأسرة مكانتها ومنزلتها في أوساط الناس إذ ذاك، قال يحيى الحماني: "أولاد ابن أبي شيبة من
أهل العلم، كانوا يزاحمونا عند كل محدث"1، وقال الذهبي:"هم بيت علم، وأبو بكر أجلهم"2. ونود أن نعرض ههنا نبذة يسيرة عن أشهر أفراد أسرته. والده: هو الإمام الحافظ الكبير المفسر أبو الحسن عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، العبسي مولاهم، الكوفي، المعروف بابن أبي شيبة. قال محمد بن عثمان: ولد أبي سنة ست وخمسين ومائة. روى عن شريك، وهشيم، وابن المبارك، وخلق. وروى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبغوي، وابنه محمد بن عثمان، وعبد الله بن الإمام أحمد، وغيرهم. وله من المصنفات:"المسند"، و"التفسير". قال عنه ابن حجر: ثقة، حافظ، شهير، وله أوهام، وقيل: كان لا يحفظ القرآن. وقد كانت وفاته سنة تسع وثلاثين ومائتين، وله ثلاث وثمانون سنة3.
عمه: الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، العبسي مولاهم، الكوفي، المعروف بابن أبي شيبة، قال عنه الذهبي: الإمام العلم، سيد الحفاظ، وصاحب الكتب الكبار"المسند" و"المصنف" و"التفسير". وهو من أقران الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلي ابن المديني في السن والمولد والحفظ، ويحيى بن معين أسن منهم بسنوات. طلب أبو بكر العلم وهو صبي، وكان أكبر شيخ له هو شريك بن عبد الله القاضي سمع منه ومن أبي الأحوص سلام بن سليم، وعبد السلام بن حرب، وعبد الله بن المبارك، وجرير بن عبد الحميد، وأبي خالد الأحمر، وسفيان بن عيينة، وعلي بن مسهر، وعباد بن العوام وغيرهم. حدث عنه الشيخان، وأبو داود، وابن ماجه، وروى النسائي عن أصحابه، ولا شيء له في جامع أبي عيسى. وروى عنه- أيضا- أحمد بن حنبل، وأبو زرعة، وأبو بكر بن عاصم، وبقي بن مخلد، ومحمد بن وضاح محدثا الأندلس، والحسن ابن سفيان، وغيرهم. وقال أحمد بن حنبل: أبو بكر صدوق، وهو أحب إلي من أخيه عثمان.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان أبو بكر ثقة، حافظا للحديث. وقال ابن حجر: ثقة، حافظ، صاحب تصانيف، توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين1. وعمه: القاسم بن محمد بن أبي شيبة العبسي، أخو الحافظين أبو بكر وعثمان، حدث عن ابن عليه، وعبد الله بن إدريس. وعنه أبو زرعة، وأبو حاتم، ثم تركا حديثه، وآخر من حدث عنه أبو يعلى، قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سألت يحيى عن عمي القاسم فقال لي: عمك ضعيف يا ابن أخي. وذكره ابن حبان في"الثقات"، وقال: يخطئ ويخالف، ثنا عنه الحسن بن سفيان. وقال العجلي: ضعيف. مات سنة خمس وثلاثين ومائتين2.
ابن عمه: الحافظ، الثبت، إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، العبسي، الكوفي. ولد في أيام سفيان بن عيينة. وسمع من: جعفر بن عون، وهو أكبر شيخ له، وابن عبيد الله بن موسى، وأبي نعيم، وقبيصة، وأبيه، وأعمامه، وخلق كثير. حدث عنه: ابن ماجه، وأبو عوانة في"صحيحه" والنسائي في"اليوم والليلة"، وأبو العباس بن عقده، ومحمد بن جرير الطبري، وعبد الرحمن ابن أبي حاتم، وطائفة أخرى. وكان من تلامذة الإمام أحمد في الفقه، وله عنه مسائل. قال أبو حاتم: صدوق. قال الذهبي: توفي في سنة خمس وستين ومائتين1. جده: محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي، العبسي مولاهم الكوفي. روى عن إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وأبي خلدة خالد بن دينار، وغيرهم. وروى عنه ابناه أبو بكر وعثمان، ويزيد بن هارون وسعيد بن سليمان، وغيرهم.
وكان رجلا جميلا، كيسا، أكيس من يزيد بن هارون، وكان قاضيا ببعض بلاد فارس، وكان ثقة مأمونا، وذكره ابن حبان في"الثقات"، ومات بفارس. قال القاسم بن محمد بن أبي شيبة: مات أبي سنة اثنتين وثمانين ومائة، وهو ابن سبع سنين1. جده الثاني: إبراهيم بن عثمان بن خواستي، أبو شيبة العبسي مولاهم، الكوفي، قاضي واسط، ولي القضاء بواسط للمنصور ثلاثا وعشرين سنة. روى عن خاله الحكم بن عتبة، وأبي إسحاق السبيعي، والأعمش، وغيرهم. وعنه شعبة، وهو أكبر منه، وجرير بن عبد الحميد، وشبابه، والوليد بن مسلم، وزيد بن الحباب، ويزيد بن هارون، وعلي بن الجعد، وغيرهم. قال أحمد ويحيى بن معين وأبو داود: ضعيف. وقال البخاري: سكتوا عنه. قال يزيد بن هارون: ما قضى على الناس رجل- يعني في زمانه أعدل في قضاء منه، وكانت وفاته سنة (161) 2.
نشأته وطلبه للعلم: لقد كانت أهم العوامل التي أثرت في تنشئة محمد بن عثمان وإعداده هذا الإعداد العلمي الجيد أسرته وبلده. فلقد نشأ محمد بن عثمان وتربى في ببت علم، اشتهر رجاله بطلب العلم والمعرفة وبخاصة الحديث وعلومه، حتى وصل بعضهم إلى مصاف كبار العلماء الذين يشار إليهم بالبنان في زمانه. ولقد عاصر محمد بن عثمان أباه وعميه أبا بكر والقاسم، وقد كان لأبيه وعمه أبي بكر قصب السبق في التدريس والتأليف في بلدهم الكوفة حين ذاك، فعاش محمد في جو علمي قد لا يتهيأ لكثير من الناس، وقد كان ملازما لأبيه وعمه في دروسهما التي يلقيانها في مسجد الكوفة، كما أنه كان ملازما لأبيه حتى في تأليفه، فهو الذي كتب المسند لأبيه بخط يده، كما قال عبدان:"كتبنا عن أبيه المسند بخط ابنه محمد"1. وهذا يدل على حرص والده على تعليمه وتثقيفه، وقد استغل محمد بن عثمان هذا الجو العلمي لأسرته فروى الكثير عن أبيه وعمه أبي بكر، وقد ساعده على ذلك استعداده الفطري، وحافظته القوية، ورغبته في العلم. وأما العامل الثاني المهم في تنشئته فهو بلده الكوفة، التي اشتهرت وذاع صيتها في ذلك الوقت، وعرفت بكثرة فقهائها ومحدثيها والقائمين بعلوم القرآن وعلوم اللغة العربية فيها، وقد كان ابن أبي شيبة ملازما
لكبار مشايخها، وخاصة الذين برعوا في الحديث وعلومه، لأن ابن أبي شيبة قد أولى هذا الجانب جل اهتمامه واعتنى به، حتى برع فيه، وقد التقى بالكوفة بعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن يونس، ومنجاب بن الحارث، وغيرهم، وقد استفاد محمد بن عثمان من وجود علي بن المديني، ويحيى بن معين بالكوفة، فنمى ثقافته فيما يتعلق بعلم الرجال، الذي كان يميل إليه حتى برع فيه، وأصبح من أئمة هذا الشأن فيما بعد. وقد بقي محمد بن عثمان بالكوفة حتى أصبح أحد محدثيها المشهورين، ثم انتقل عنها إلى بغداد سنة ثلاث وسبعين ومائتين1. ثقافته وعلمه: برع محمد بن عثمان في أكثر من فن من فنون العلم، قال عنه الذهبي:"جمع وصنف ... وكان من أوعية العلم"2، وقال:"وكان بصيرا بالحديث والرجال"3. ففي جانب الحديث: كان أحد المحدثين المكثرين من الحديث، واسعا في الرواية، قال عنه الخطيب:"وكان كثير الحديث، واسع الرواية، ذا معرفة وفهم"4.
وقد استطاع محمد بن عثمان أن يكتسب لنفسه لقب الحافظ، وأن يتصدر مكانة مرموقة بين علماء عصره في هذا المجال، وأصبح من أكبر مشائخ الحديث في الكوفة، حتى قيل:"مات حديث الكوفة بموت موسى بن إسحاق، ومحمد بن عثمان، وأبي جعفر الحضرمي، وعبيد ابن غنام"1. وقد بقيت هذه المكانة له بعد انتقاله إلى بغداد، فقد كان طلاب العلم من أهل بغداد وغيرهم من طلاب العلم الوافدين إليها يزدحمون على مجلسه ودروسه، وقد أحب الشيخ بغداد وأهلها لما رأى منهم من حب العلم وأهله، كما أن أهل بغداد عرفوا قيمته ومنزلته، قال جعفر بن محمد بن نمير الخلدي: سمعت محمد بن عثمان بن أبي شيبة وقد قال له قوم غرباء من أصحاب هذا الحديث: يا أبا جعفر نحن قوم غرباء فزدنا، فقال:"لكم حق ولجيراني حقوق، هؤلاء- يعني من حوله من أهل بغداد- إن مرضت عادوني، وإن مت حضروني وإن مروا بقبري ترحموا علي، وأنتم تفارقوني، ولا أعلم ما يكون منكم"2. وقد بلغ المؤلف من علمه في الحديث أن أصبح مقصد طلاب العلم ورواة الحديث حتى ازدحم بهم مجلسه، وأصبحوا يتنافسون في السماع منه، والقصة التي أوردناها قبل قليل هي أصدق دليل على ذلك.
ولم يقتصر علم المؤلف على جانب رواية الحديث وحفظه فقط، بل كان ذا معرفة وفهم بأحوال الرجال جرحا وتعديلا، حتى صار إماما من أئمة هذا الشأن، وله مؤلفات فيه، قال عنه الذهبي1، والسخاوي2:"وهو مع ضعفه من أئمة هذا الشأن"، وقد تتلمذ محمد بن عثمان في هذا المجال على يد عالمين لهما باع طويل وخبرة واسعة في هذا الفن، وهما، علي بن المديني، ويحي بن معين. وإلى هذين الجانبين من جوانب العلم، كان للشيخ دراية ومعرفة بعلوم القرآن، والعقيدة، والفقه، والتاريخ، حيث إنه ألف في كل فن من هذه الفنون مؤلفا مستقلا، وسيأتي الكلام عليها في مبحث مؤلفاته. شيوخه: يتبين لي من أسانيد الأحاديث والآثار المذكورة في هذا الكتاب الذي أقوم بتحقيقه، أن المؤلف- رحمه الله- روى عن الكثير من العلماء، وقد بلغ عدد الأشخاص الذين روى عنهم في هذا الكتاب ثلاثة وخمسين شخصا، ولا شك أن هذا عدد كبير إذا ما قورن بحجم الكتاب، وهو يدل على كثرة شيوخه الذين تلقى العلم على أيديهم. وقد أشار العلماء الذين ترجموا لحياة المؤلف- رحمه الله- إلى كثرة شيوخه، وسعة سماعه، قال الخطيب البغدادي:"وحدث عن
أبيه، وعمه، وعلي بن المديني، ونحوهم، وكان كثير الحديث، واسع الرواية"1. وقال الذهبي:"سمع أباه، وعميه..، وخلقا سواهم"2. وسنورد في هذا المبحث بعضا من شيوخه: 1- أبوه. 2- عمه أبو بكر. 3- عمه القاسم. وقد سبقت ترجمة كل واحد من هؤلاء عند الحديث عن أسرته. 4- أبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن يونس بن قيس التميمي، اليربوعي، الكوفي، روى عن إبراهيم بن سعد، وإسرائيل بن يونس. وعنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. وصفه الإمام أحمد بأنه: شيخ الإسلام. وقال ابن حجر: ثقة، حافظ، توفي سنة سبع وعشرين ومائتين3. 5- الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عبد الله المديني، سمع أباه، وحماد بن يزيد، وابن عيينة، وعبد الرزاق، وجرير بن عبد الحميد، وغيرهم.
روى عنه البخاري، وأبو داود، وروى عنه أبو داود، والترمذي والنسائي وابن ماجه في التفسير بواسطة الحسن بن الصباح البزار الزعفراني، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وخلق كثير. قال عنه الذهبي: إليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي، مع كمال المعرفة بنقد الرجال، واسع اللفظ والتبحر في هذا الشأن، بل لعله فرد زمانه في معناه1. وقد استفاد محمد بن عثمان من علم هذا الإمام، وبخاصة فيما يتعلق بالرجال، والدليل على ذلك كتابه المسمى"سؤالات محمد بن عثمان لعلي بن المديني في الرجال". 6- الحافظ أبو محمد منجاب بن الحارث بن عبد الرحمن، التميمي، الكوفي، روى عن علي بن مسهر، وبشر بن عمارة الخثعمي، ويزيد بن مقدام. وعنه مسلم، وابن ماجه في"التفسير"، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. قال عنه ابن حجر: ثقة2. 7- الإمام الحافظ أبو زكريا يحيى بن معين بن عون، الغطفاني، مولاهم، البغدادي، روى عن ابن عيينة، أبي أسامة، وعبد الرزاق، وعفان، وغندر.
وعنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وعبد الله بن الإمام أحمد، وهناء بن سعد، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. قال الخطيب: كان إماما ربانيا، عالما، حافظا، ثبتا، متقنا، توفي بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وحمل على سرير النبي صلى الله عليه وسلم وله نحو سبع وسبعين سنة1. 8- الحافظ أبو عثمان سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث، الكندي، الأشعثي، الكوفي، روى عن أبي زيد عبثر بن القاسم، وعبد الله بن المبارك، وعنه مسلم، والنسائي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وأبو زرعة، وغيرهم. وقال عنه أبو زرعة: ثقة2. 9- الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، الأنصاري، الكوفي، روى عن أبيه، وأيوب بن جابر. وروى عنه البخاري في"كتاب الأدب"، والترمذي، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. قال أبو حاتم: كوفي، صدوق، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة"3.
10- الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الحميد بن عبد الله بن ميمون بن عبد الرحمن الحماني الكوفي، روى عن أبيه، وسليمان بن بلال، وقيس بن الربيع. وروى عنه مسلم، وأبو حاتم، ومطين، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيرهم. قال ابن حجر: حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث1. طائفة من تلاميذه: 1- الحافظ الأوحد، أبو بكر محمد بن سليمان بن الحارث بن عبد الرحمن، الأزدي، الواسطي، المعروف بابن الباغندي، سمع محمد بن عبد الله بن نمير، وأبا بكر عثمان ابنا أبي شيبة، وشيبان ابن فروخ، وعلي بن المديني، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. وروى عنه الحسين بن إسماعيل المحاملي، ومحمد بن مخلد الدوري، وأبو بكر الشافعي، وغيرهم. قال عنه الخطيب: عامة ما رواه حدث به من حفظه، وقال إسماعيل: لا أتهمه بالكذب، لكنه خبيث لتدليس، ومصحف - أيضا-، وقال ابن عبدان: هو أحفظ من أبي بكر بن داود، توفي سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة2.
2- الإمام أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، كاتب مولى ابن جعفر المنصور، الهاشمي، البغدادي، كان مولده سنة ثمان وعشرين ومائتين، سمع ابن منيع، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة. وروى عنه البغوي، والدارقطني، وقال عنه: ثقة، ثبت، حافظ، توفي سنة ثماني عشرة وثلاثمائة1. 3- أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل، بن محمد بن إسماعيل بن سعيد ابن آبان الضبي، القاضي، المحاملي، سمع يوسف بن موسى القطان، وأبا هاشم الرفاعي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. وعنه دعلج بن أحمد، وأبو الحسن الدارقطني، قال عنه الخطيب: كان فاضلا، صادقا، دينا، توفي سنة ثلاثين وثلاثمائة2 4- الحافظ الإمام الحجة أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير، اللخمي، الشامي، الطبراني. روى عن هاشم بن مرثد الطبراني، وأبي زرعة الثقفي، وبشر بن موسى، وأبي عبد الرحمن النسائي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. وعنه أبو خليفة الجمحي، وابن عقده، وأحمد بن محمد الصحاف، وهم من شيوخه، وأبو بكر بن مردويه، وأبو نعيم الأصبهاني، وغيرهم.
أثنى عليه العلماء، ووصفوه بالحفظ، وسعة الاطلاع، وبالصدق، والثقة، والأمانة. وكانت وفاته في ذي القعدة سنة ستين وثلاثمائة1. 5- الإمام المفيد أبو عبد الله محمد بن مخلد بن حفص الدوري، العطار، الخطيب، مسند العراق، سمع مسلم بن الحجاج، والحسن بن عرفة، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، صنف، وخرج، وكان معروفا بالثقة والصلاح روى عنه الدارقطني، وقال: ثقة، مأمون، توفي سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة2. 6- أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس النجاد، الفقيه، الحنبلي. روى عن هلال بن العلاء، وأبي قلاب، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ورحل، وصنف السنن. روى عنه ابن مردويه، والدارقطني، قال الخطيب: كان صدوقا، عارفا، توفي سنة ثمان وأربعين وثلاثه سائة3. 7- أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي، أحد أصحاب
محمد بن جرير الطبري، تقلد قضاء الكوفة، وكان من العلماء بالأحكام، وعلوم القرآن، والنحو، والشعر، وأيام الناس، وتواريخ أصحاب الحديث، وله مصنفات في ذلك. حدث عن محمد بن سعيد العوفي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن الجهم السمري، وغيرهم. وروى عنه أبو الحسن الدارقطني، وغيره، قال أبو الحسن زرقويه: لم تر عيناي مثله، ولينه الدارقطني، ومشاه غيره، توفي سنة خمسين وثلاثمائة1. 8- أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل بن يحيى بن بيان، الخطبي، سمع الحارث بن أبي أسامة التميمي، وبشر بن موسى الأسدي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وروى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وغيرهما. وكان فاضلا، فهما، عارفا بأيام الناس، وأخبار الخلفاء، قال الدارقطني: ما أعرف إلا خيرا، كان يتحرى الصدق، وقال - أيضا-: ثقة. توفي سنة خمسين وثلاثمائة2. 9- الإمام الحجة المفيد أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدوية، الشافعي، البغدادي، البزار، ولد سنة ستين ومائتين. سمع موسى بن سهل الوشاء، ومحمد بن شداد المسيجي، ومحمد
ابن عثمان بن أبي شيبة، وروى عنه الدارقطني، وابن شاهين، قال الخطيب: ثقة، ثبت، حسن التصنيف، جمع أبوابا، وشيوخا، توفي في ذي الحجة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة1. 10- أبو الحسن شعبة بن الفضل بن سعيد بن سلمة التغلبي، اسمه سعيد، وغلب عليه شعبة، حدث بمصر عن بشر بن موسى، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، روى، عنه جماعة، وكان ثقة. توفي بمصر سنة إحدى وأربعين ومائة2. عقيدته: تتبين عقيدة المؤلف- رحمه الله تعالى - من كتابه هذا الذي نقوم بتحقيقه، فهو سلفي العقيدة، على طريقة أهل الحديث. وقد ألف كتابه هذا ناصرا لمذهب السلف القائلين بعلو الله واستوائه على عرشه، متبعا لطريقة أهل الحديث أن الاستدلال بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين. وقد رد المؤلف في كتابه هذا على أكبر الطوائف المخالفة للسلف في مسألة الصفات، وهم الجهمية، والمعتزلة المنكرين لصفات الله، وقد تكلم في بداية كتابه عن مذهب هؤلاء، كلام خبير بأقوالهم وأدلتهم، ورد تلك الأقوال بطريقة السلف ومنهجهم.
ولقد كان محمد بن عثمان- كما كان أبوه وعمه أبو بكر- منافحا عن مذهب السلف، ناصرا لأقوالهم، رادا على المعتزلة، والجهمية، وأقوالهم وأكاذيبهم، فقد كان أبوه وعمه وأبو بكر ممن أشخصهم المتوكل في سنة أربع وثلاثين ومائتين لكي يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، فجلس عثمان بن أبي شيبة في مدينة المنصور، واجتمع عليه نحو ثلاثين ألفا، وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة، وكان أشد تقدما من أخيه، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفا1. ومن هذا وذاك يتبين لنا اعتقاده السلفي، ومناصرته لمذهب السلف واتباعه لمنهجهم. مؤلفاته: قال عنه الذهبي:"جمع وصنف ... "2، وقال في موضع آخر:"له تواليف مفيدة ... "3. وقد ذكرت المراجع التاريخية سبعة من مؤلفاته، غالبها يدور حول الحديث والرجال. وهذه هي أسماؤها: 1-"سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني": وهي عبارة عن رسالة صغيرة الحجم، تقع في سبع ورقات، وهي
موجودة ضمن مجموعة في سراي أحمد الثالث، برقم 624/ 21"من 220- 226 ب"، وقد ذكرها السخاوي في"الإعلان بالتوبيخ": ص 231. وذكرها فؤاد سزكين في كتابه"تاريخ التراث العربي"1. وموضوع الرسالة هو: في الجرح والتعديل، حيث إنها اشتملت على ستين ومائتي ترجمة مع التراجم المكررة، وهي عبارة عن أجوبة أجابها علي بن المديني عن سؤالات سأله عنها محمد بن عثمان بن أبي شيبة في الرجال. وقد طبعت هذه الرسالة بتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، ونشرتها مكتبة المعارف بالرياض. 2-"سؤالات محمد بن عثمان لطائفة من شيوخه في الجرح والتعديل": وهي- أيضا- عبارة عن رسالة صغيرة الحجم، تقع في خمس ورقات، وهي موجودة في المكتبة الظاهرية ضمن مجموع برقم"مجمع 40/9 من 206أ- 221أ) سنة 520 وموضوعها في الجرح والتعديل، حيث إنها عبارة عن سؤالات، سأل فيها طائفة من شيوخه، أمثال علي بن المديني، ويحيى بن معين، ووالده عثمان ابن أبي شيبة عن أحوال الرجال جرحا وتعديلا. وقد وعد محقق الرسالة السابقة بنشرها قريبا2.
3-"كتاب في خلق آدم، وخطيئته، وتوبته": هكذا ورد اسمه في فهرس الظاهرية"مجمع 19/ الأوراق 46-57"1. وكذلك فؤاد سزكين في"تأريخ التراث العربي": (1/ 415) . وقد اطلعت على مصورة له في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية، فاتضح لي أنها ليست كتابا مستقلا، وإنما هي جزء من كتاب، ويغلب على ظني أنها قطعة من كتاب"التاريخ" للمؤلف، لأنه قال في الورقة 53/ ب باب في نبوة النبي، وما كان من ذكره قبل أن يخلق، وقال في نهاية هذه الأوراق:"آخر الجزء الثاني": وقد حوت هذه القطعة آثارا عن خلق آدم، وإدخاله الجنة، وخطيئته، وإخراجه من الجنة، وكذلك عن مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء في ذكره قبل أن يولد. 4-"كتاب التاريخ": وقد وصفه الخطيب بأنه"تاريخ كبير"2. ولم أقف على نسخة له، وإن كان يغلب على ظني أن الكتاب السابق ذكره هو قطعة من هذا الكتاب. والله أعلم. 5-"كتاب العرش": وهو الكتاب الذي أقوم بتحقيقه. 6-"السنن في الفقه":
وقد ذكره ابن النديم في"الفهرست"1. 7-"فضائل القرآن": وقد ذكره الداودي في"طبقات المفسرين" حيث قال:"له تصانيف مفيدة منها كتاب"فضائل القرآن""2. وفاته: كانت وفاته- رحمه الله تعالى- ببغداد في يوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر ربيع الأول سنة سبع وتسعين ومائتين. وهذا ما أورده الخطيب في تاريخ وفاته3، وقد اتفقت المصادر الأخرى التي ترجمت له مع ما ذكره الخطيب على سنة وفاته، ولكن بعضها قد خالفه في تحديد الشهر الذي توفي فيه، فقالوا: إنه توفي في جمادى الأولى كما بين ابن الحماد في"شذرات الذهب"4، والذهبي في"العبر"5، و"سير أعلام النبلاء"6، والسيوطي في"طبقات الحفاظ"7، ولعل الأقرب للصواب هو ما ذكره الخطيب، لكونه قد
روى ذلك بسنده عن إسماعيل بن علي، وحدد فيه بدقة اليوم والشهر والسنة. وقد ذكر ابن المنادي وفاته ثم قال، كنا نسمع شيوخ الحديث وكهولهم يقولون مات حديث الكوفة بموت موسى بن إسحاق ومحمد ابن عثمان وأبي جعفر الحضرمي وعبيد بن غنام1. مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه: بالرغم مما يكتنف الجزء الأكبر من حياة الحافظ محمد بن عثمان ابن أبي ثييبة- رحمه الله- من الغموض، وعدم إحاطة الكتب التاريخية بها، إلا أن هناك إشارات وعلامات متناثرة في بطون الكتب، تدل على حفظه وعلى شأنه، وبخاصة في الحديث وعلومه. وقد شهد العلماء له بذلك، فوصفوه تارة بالحفظ وسعة الرواية، وتارة بالمعرفة والفهم، وتارة أخرى بالإمامة والجمع والتصنيف. ومن تلك الشهادات قول الخطيب:"وكان كثير الحديث واسع الرواية ذا معرفة وفهم...."2. وقول الذهبي:"الإمام الحافظ المسند..، جمع وصنف..، وكان من أوعية العلم"3.
وقال عنه السيوطي:"الحافظ البارع، محدث الكوفة..، صنف وجمع ... "1. فهو على هذا كان يتمتع بالحفظ والفهم وسعة الرواية إلى جانب الإمامة في الجرح والتعديل، وهذه مميزات كبيرة قل أن يجمع عالم بينها، ولعل هذه المميزات هي التي يسرت، الجمع في التأليف بين عدة علوم كما تبين لنا عند سرد مؤلفاته. ولكنه مع هذا العلم وهذه الجلالة لم يكن له حظ كما قال عنه الذهبي:"لم يرزق حظا، بل نالوا منه"2. وقد تضاربت أقوال العلماء فيه، فمنهم من وثقه وأثنى عليه، واعترف بفضله وعلمه وإمامته، ومنهم من ذمه وشانه وطعن فيه. أقوال من أثنى عليه: سئل أبو علي صالح بن محمد جزره3 عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة فقال: ثقة4.
وسئل عنه عبدان1: فقال ما علمنا إلا خيرا، كتبنا عن أبيه المسند بخط ابنه2. وسئل ابن عدي عبدان: وكان إذ ذاك رجلا، قال: نعم3. وقال ابن عدي4:"ومحمد بن عثمان هذا على ما وصفه عبدان، لا بأس به.. ولم أر له حديثا منكرا فأذكره"5. وقال ابن المنادي:"كنا نسمع شيوخ الحديث وكهولهم يقولون: مات حديث الكوفة بموت موسى بن إسحاق، ومحمد بن عثمان، وأبي جعفر الحضرمي، وعبيد بن غنام". وقد ذكره ابن حبان في"الثقات" وقال:"كتب عنه أصحابنا...."6.
وقال مسلمة بن قاسم:"لا بأس به، كتب الناس عنه، ولا أعلم أحدا تركه"1. ويبدو أن مكانته عند ابن معين وعلي بن المديني كانت طيبة، فقد كان من المقربين إليهما، كما يظهر ذلك، من سؤالاته لهما وإجابتهما عليها، وقد كان ابن معين يخاطبه بـ"يا ابن أخي"، وفي هذا ما يشعر أن له منزلة خاصة عنده. والمتأمل لشيوخه وتلاميذه يشعر بمنزلته العلمية التي لا يتطرق إليها الشك، وقد كان- رحمه الله- موضع تقدير، سواء في المدة التي مكث فيها بالكوفة، أو بعد ارتحاله إلى بغداد، وقد استطاع أن يكتسب هذا التقدير وهذه المنزلة في وقت كانت فيه الكوفة وبغداد تزخران بكبار الأئمة وأشهر العلماء. أقوال من ضعفه وتكلم فيه: لعل أشد نقاده وأكثرهم خصومة له هو محمد بن عبد الله الحضرمي الملقب بمطين2، وقد كان سيء الرأي فيه، ويقول: عصا موسى تلقف ما يأفكون.
وقد كانت بين الاثنين مشاقة، ساق الخطيب البغدادي بعض خبرها عن الحافظ أبي نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني، الذي توسط بينهما1. وقد ذكر أبو نعيم بن عدي أن هذه الخصومة قد استمرت بينهما حتى خرج كل واحد منهما إلى حد الخشونة والوقيعة في صاحبه، وقد ساق أبو نعيم فصلا طويلا ذكر فيه ما أخذ كل واحد منهما على الآخر، وأن هذه الخصومة قد استمرت إلى ما بعد سنة تسعين ومائتين، إلى أن قال: والذي يظهر لي أن الصواب الإمساك عن القبول من كل واحد منهما في صاحبه. وليس في القصة ما هو بين في التكذيب، فعلى هذا لا يعتد بقول مطين لأنهما كوفيان، ومن عصر واحد، وخلاف الأقران لا يعتد به. وقد نقل ابن عقدة2 تكذيب محمد بن عثمان عن تسعة من علماء الحديث المشهورين حيث قال: سمعت عبد الله بن أسامة الكلبي يقول: محمد بن عثمان كذاب، أخذ كتب ابن عبدوس الرازي، مازلنا نعرفه بالكذب.
وقال- أيضا- سمعت إبراهيم بن إسحاق الصواف يقول: محمد بن عثمان كذاب، يسرق حديث الناس، ويحيل على أقوام بأشياء ليست من حديثهم. وقال داود بن يحيى يقول: محمد بن عثمان كذاب، وقد وضع أشياء كثيرة، ويحيل على أقوام أشياء ما حدثوا بها قط. وقال سمعت عبد الرحمن بن يوسف بن خراش يقول: محمد بن عثمان كذاب، مازلنا نعرفه بالكذب منذ هو صبي. وقال سمعت عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل يقول: محمد بن عثمان كذاب بين الأمر، يقلب هذا على هذا، ويعجب عمن يكتب عنه. وقال: سمعت جعفر بن محمد بن أيوب عثمان الطيالسي يقول: ابن عثمان هذا كذاب، يجيء عن أقوام بأحاديث ما حدثوا بها قط، متى سمع؟ أنا عارف به جدا. وقال: سمعت عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة يقول: ابن عثمان أخذ كتب ابن عبدوس وادعاها، مازلنا نعرفه بالتزيد. وقال سمعت محمد بن أحمد العدوي يقول: محمد بن عثمان كذاب مذ كان، متى سمع هذه الأشياء التي يدعيها؟ وذكر كلاما غير هذا في بدئه. وقال: حدثني محمد بن عبيد بن. حماد قال: سمعت جعفر بن هذيل يقول: محمد بن عثمان كذاب"1. اهـ.
وهذا التكذيب الذي نقله ابن عقدة فيه نظر، وذلك لأن هذا التكذيب قد انفرد بنقله ابن عقدة وحده، فلم يرد - فيما أعلم- من طريق آخر غير طريق ابن عقدة، بالرغم من أن الذين نقل عنهم هم من المحدثين المشهورين، وكذلك فإن محمد بن عثمان كان في بغداد بغاية الشهرة، وكثير الخصوم، فانفراد ابن عقدة بهذا النقل عن هذا الجم الغفير من العلماء، مع إضافة أن الخطيب البغدادي قد روى بسنده عن علي بن محمد بن نصر أنه قال: سمعت حمزة السهمي يقول: سألت أبا بكر بن عبدان عن ابن عقدة إذا حكى حكاية عن غيره من الشيوخ في الجرح فهل يقبل قوله أم لا؟ قال: لا يقبل. وهذا دليل على توهين هذا النقل وتضعيفه، حيث إنه قد جمع بين انفراد ابن عقدة بنقله، وكونه ممن لا يقبل قوله فيما ينقله من الجرح، وفوق هذا وذاك فابن عقدة مخالف لابن أبي شيبة في المذهب. ومما جاء في تضعيفه ما نقله حمزة السهمي في سؤالاته للدارقطني حيث قال: وسألته عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، فقال: كان يقال أخذ كتاب أبي أنس وكتب منه فحدث1. وهذا القول للدارقطني ليس فيه ما هو بين الجرح، لأنه لا يدرى من القائل، وليس فيه ما يثبت أن محمدا قد أخذ الكتاب بغير حق، أو روى منه بغير حق، ومن المعلوم أن الحافظ العارف قد يشتري كتب
غيره ليطالعها، كما كان الإمام أحمد يطلب كتب الواقدي وينظر فيها1. وقال الخطيب: سألت البرقاني عن ابن أبي شيبة فقال: لم أزل أسمع الشيوخ يذكرون أنه مقدوح فيه2. وليس في قول البرقاني هذا ما يوجب الجرح، إذ لم يبين من هو القادح، وما هو قدحه، ومن المعلوم أن الجرح لا يقبل إلا إذا كان مفصلا، وكأن ذلك إشارة إلى كلام مطين ونقل ابن عقدة، وقد مر ما في ذلك3. وروى الخطيب- أيضا- عن ابن المنادي أنه قال:"أكثر الناس عنه على اضطراب فيه"4. والجواب على هذا: أن اضطرابه في بعض أحاديثه ليس بموجب جرحا"5. وبعد استعراض هذه الأقوال المتضاربة التي أثنت عليه أحيانا وقدحت فيه، وجرحته أحيانا أخرى، أرى أن في إطلاق الكذب عليه الكثير من المبالغة، كما أن الذين شنعوا عليه واتهموه هم من أقرانه،
وفي نظري أن أعدل الأقوال وأرجحها هو ما قاله ابن عدي ومسلمة بن القاسم من أنه لا بأس به. هذا من حيث الحديث وروايته، أما من حيث علوم الرجال، وفنون الجرح والتعديل، فهو من أئمة هذا الشأن، كما أطلق عليه ذلك الذهبي والسخاوي، وكفاه فخرا في هذا أنه تلميذ لإمامين من أئمة الجرح والتعديل، وهما ابن معين وابن المديني.
الباب الخامس: التعريف بالكتاب وبالمخطوطة
الباب الخامس: التعريف بالكتاب وبالمخطوطة الفصل الأول: التعريف بالكتاب ... أولا: اسم الكتاب: إن الكتب التي ذكرت هذا الكتاب أو استشهدت بشيء منه قد تنوعت عباراتها في مسمى الكتاب فتارة سمى: 1-"كتاب العرش وصفته"، وهذا ما ذكره حاجي خليفة1. 2- وتارة:"صفة العرش"، وهذا ما ذكره شارح"العقيدة الطحاوية"2، وابن كثير3. 3- وتارة:"كتاب العرش وما روي فيه"وهذا الاسم هو الموجود على نفس مخطوطة الظاهرية4. 4- وتارة:"كتاب العرش"، ذكره الذهبي5، وابن حجر6، وابن تيمية7، وابن
القيم1، وابن الجوزي2، وأبو الحسن علي بن محمد الكناني3، والسخاوي4، والسيوطي5، وغيرهم. وهذا الاسم هو ما ختم به الناسخ آخر الكتاب حيث قال: آخر كتاب العرش. وهو- أيضا- ما ورد في السماع الثاني من السماعات الموجودة في آخر الكتاب، حيث قال:"سمع هذا الجزء وهو كتاب العرش على شيخنا ... ". وهذه الأسماء جميعها متقاربة، وليس هناك اختلاف كبير بينها، وإن كنت أرى أن الاسمين الأول والثاني قد حصل فيهما نوع من التصرف من قبل الناقلين، وأن أشهر هذه الأسماء هو الاسم الرابع، وهو الشائع عن كثير من العلماء عند حديثهم عن هذا الكتاب، ولعلهم حذفوا العبارة الواردة في الاسم الثالث اختصارا، وأرى أن أقرب الأسماء إلى تسمية المؤلف هو الاسم الثالث لوروده نصا في عنوان الكتاب، ولمناسبته لمضمون الكتاب، والله أعلم.
ثانيا: الكتاب ومنهج المؤلف فيه: يبحث الكتاب في واحدة من المسائل، الاعتقادية الهامة، وبالتحديد في مسألة من مسائل الصفات، تعددت فيها المذاهب والأقوال، ولا يزال الخلاف مستمرا فيها إلى اليوم، وهذه المسألة هي مسألة علو الله واستوائه على عرشه. وقد بين المؤلف- رحمه الله تعالى- في هذا الكتاب منهج السلف، ومعتقدهم في هذه المسألة، من إثبات علو الله، واستوائه على عرشه، وذلك عن طريق النصوص التي بينت هذه المسألة، وأوضحتها سواء كانت نصوصا من القرآن أو السنة أو أقوال الصحابة والتابعين. وقد تعرض المؤلف في بداية كتابه لسبب تأليفه، فعرض نبذة مختصرة عن مذهب الجهمية في هذه المسألة، وبين مخالفتهم لمنهج السلف، وذلك بإنكارهم لعلو الله واستوائه، والحجب التي احتجب بها عن خلقه، وإنكارهم لوجود عرشه، وكل ذلك بصورة موجزة دون التعرض لشبههم واعتراضاتهم، والمؤلف في عمله هذا قد سلك طريقة السلف، واتبع منهجهم من حيث إنهم لا يتعمقون في عرض شبه مخالفيهم واعتراضاتهم، بل يكتفون بعرض أقوالهم بصورة موجزة، ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن السلف قد سلكوا طريقة خاصة في تأليف الكتب الاعتقادية، وهذه الطريقة تعتمد على منهجين هما: الأول: منهج الرد: ويعتمد هذا المنهج على عرض شبه خصومهم على الطريقة السالفة الذكر، ثم بعد ذلك يبينون الحق في تلك المسألة
مدعمين كلامهم بالأدلة النقلية من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين، ومن المؤلفات هذا المنهج: ا-"كتاب الإيمان" لأبي عبيد القاسم بن سلام (224 هـ) . 2-"الرد على الزنادقة والجهمية" للإمام أحمد بن حنبل (241 هـ) . 3-"الرد على الجهمية، والرد على بشر المريسي" لعثمان بن سعيد الدارمي"285 هـ) . ويدخل ضمن هذا المنهج"كتاب العرش" الذي نحن الآن بصدد الكلام عليه. المنهج الثاني: هو منهج العرض، ويعتمد على عرض العقيدة الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، دون التعرض للمذاهب المخالفة في المسألة. ومن مؤلفات هذا المنهج: ا-"كتاب السنة" للإمام أحمد بن حنبل. 2-"كتاب السنة" لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل (291 هـ) . 3-"كتاب التوحيد" لابن خزيمة (311 هـ) . وبعد عرض المؤلف الموجز لمذهب الجهمية، أشار إلى دليل العقل في إثبات علو الله وإبطاله لمذهب الجهمية. ثم بين مذهب السلف في المسألة، فبين أنهم يثبتون علو الله واستواءه على عرشه، وقولهم في آيات المعية، وإثباتهم للحجب. ثم بعد ذلك ذكر الآيات القرآنية المثبتة للعلو، ثم ذكر دليل الفطرة على إثبات العلو لله.
ثم بعد ذلك بدأ بذكر الأحاديث والآثار الدالة على إثبات علو الله واستوائه على عرشه، وإثبات أن العرش موجود حقيقة، وأنه أعظم مخلوقات الله، وما جاء في ذكر صفته وحملته، ثم ختم الكتاب بذكر بعض الأحاديث المثبتة للنزول، ويعتبر"كتاب العرش" لابن أبي شيبة هو أول كتاب من كتب السلف من حيث إفراده هذا الموضوع بمؤلف مستقل - على حسب ما وصل إلينا من المصادر التي جاء فيها ذكر مؤلفات السلف - وقد ألف بعد ذلك مؤلفات اختصت بهذا الموضوع مثل كتاب"العلو" لابن قدامة المقدسي، وكتاب"العلو" للذهبي، الذي يعتبر"كتاب العرش" مصدرا من المصادر التي اعتمد عليها في تأليفه للكتاب، وكذلك"الرسالة العرشية" لشيخ الإسلام ابن تيمية. ثالثا: سبب تأليفه: بين المؤلف - رحمه الله - في بدء كتابه السبب الذي دعاه إلى تأليف هذا الكتاب، فذكر أنه ألفه ردا على طائفة الجهمية في واحد من المسائل التي خالفوا فيها الكتاب والسنة، وحادوا فيها عن طريق الحق، وهي مسألة العلو والاستواء، ومما تجدر الإشارة إليه أن المؤلف قد عاش في فترة زمنية انتشرت فيها آراء الجهمية ومذهبهم الباطل المتمثل في التعطيل، وإنكار الصفات، والقول بخلق القرآن، حتى أصبحت السلطة السياسية تحت تصرفهم ورهن إشارتهم، فهذا المأمون يمتحن المحدثين والفقهاء في مسألة خلق القرآن تحت قهر السيف وسياط التعذيب، ومن بعده المعتصم ثم الواثق.
وقد دفع هذا الأمر الكثير من علماء السلف- ومن ضمنهم: محمد ابن عثمان بن أبي شيبة- إلى التصدي لهذه الفرقة بالرد عليها، وبيان ضلالها وانحرافها، وبطلان عقائدها وفسادها، فظهرت في هذه الحقبة الزمنية- القرن الثالث- الكثير من مؤلفات السلف، التي ترد على هذه الفرقة الزائغة، وأفكارها المنحرفة، التي لا تتفق مع الكتاب والسنة، ولا مع نصوصها الصريحة الواضحة التي ليلها كنهارها. وقد وصلنا العديد من هذه الردود التي ألفت في ذلك القرن، وقد كان منها كتاب"الرد على الجهمية" للإمام أحمد بن حنبل (241 هـ) ، و"الرد على الجهمية" لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (256 هـ) ، و"الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة" لعبد الله بن مسلم ابن قتيبة (276 هـ) ، و"الرد على الجهمية"، و"الرد على بشر المريسي" لعثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ) ، وغيرها من الكتب الكثيرة التي يصعب حصرها. وهذا العدد الكبير من المؤلفات التي ألفت في هذه المدة يشعرنا بأهمية هذه المؤلفات، وعظم السبب الذي ألفت من أجله. رابعا: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف: إن توثيق نسبة"كتاب العرش" إلى المؤلف هو أمر واضح جلي، لا يحتاج معه الباحث إلى كبير جهد أو عناء. وذلك لأن جميع المصادر التي ذكرت الكتاب أو التي اقتبست منه قد اتفقت على نسبة الكتاب إلى المؤلف، وعلى أنه كان من ضمن
الكتاب على الأحاديث والآثار التي يرويها بسند متصل إلى أصلها الذي أخذت منه. كما أنه لا يكاد يمر وقت من الأوقات إلا ويذكر الكتاب بعض العلماء الذين يستفيدون منه، وذلك بنقل بعض النصوص للاستشهاد بها، وسنحاول هنا ذكر بعض العلماء من فترات زمانية مختلفة نقلوا من الكتاب مع ذكر بعض النصوص التي نقولها: 1- عبيد الله محمد بن بطة العكبري (387 هـ) : نقل من الكتاب بدون ذكر اسمه وإنما يذكر السند ثم ينقل النص، مثال ذلك:"حدثنا أبو بكر أحمد بن سليمان قال حدثنا أبو جعفر محمد بن عثمان العبسي- ثم ساق بسنده إلى أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "في عماء، ما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء"1. وقد نقل عنه ثلاثة نصوص أخرى2. 2- ابن تيمية (728 هـ) : ذكره ابن تيمية، ونقل عنه في كتابه"نقض التأسيس" حيث قال:"وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة في"كتاب العرش" له: ذكروا أن الجهمية يقولون ليس بين الله وبين خلقه حجاب ... "3.
3- ابن أبي العز الحنفي (746 هـ) : قال:"وروى ابن أبي شيبة في كتاب"صفة العرش" ... عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} 1 أنه قال: "الكرسي موضع القدمين ... "2 4- الذهبي (848 هـ) : وقد استفاد كثيرا من"كتاب العرش" لابن أبي شيبة، ونقل منه في مواطن متعددة في كتابه"العلو"، وقد كان يصرح أحيانا بنقله منه، وأحيانا أخرى لا يصرح. ويعتبر"كتاب العرش" مصدرا من المصادر التي اعتمد عليها في تأليفه لكتاب"العلو"، وقد روى"كتاب العرش" بسنده إلى محمد بن عثمان بن أبي شيبة كما جاء في ص 46 من كتاب"العلو". مثال لما رواه: قال: حديث للعبسي في"كتاب العرش" قال: حدثنا سفيان بن بشر- ثم ساق بسنده إلى ابن عباس قال:"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار صفين ... "3. وقد نقل عنه أربعة نصوص أخرى4.
5- ابن كثير (774 هـ) : قال: وذكر الحافظ ابن الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب"صفة العرش" عن بعض السلف:"أن العرش من ياقوتة حمراء...."1. 6- ابن القيم (751 هـ) : وقد ذكره في كتابيه:"الصواعق المرسلة"، و"اجتماع الجيوش الإسلامية"، حيث قال في كتابه"الصواعق": "وفي كتاب العرش لابن أبي شيبة أن داود عليه السلام كان يقول في دعائه ... "2. وكذلك في"اجتماع الجيوش الإسلامية"، حيث قال:"روى ابن أبي شيبة في"كتاب العرش" بإسناد صحيح ... قال: بلغني أن داود ... "3. وله ذكر في موضع آخر من هذا الكتاب4. كما أنه امتدح الكتاب بقوله في قصيدته النونية: واقرأ كتاب العرش للعبسي وهو محمد المولود من عثمان 7- السيوطي (911 هـ) : وقد ذكر الكتاب في عدة مواطن في كتابه"الدر المنثور"، وكذلك في كتابه"الحبائك في أخبار الملائك".
ومن ذلك قوله في"الدر المنثور":"وأخرج ابن أبي شيبة في"كتاب العرش": ... عن علي- رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يقول الله وعزتي وجلالي ... " 1. خامسا: أهمية الكتاب: على الرغم من صغر حجم الكتاب، واقتصاره على موضوع معين، ومع ما عليه من الملاحظات والمآخذ التي سنبينها، إلا أن الكتاب يتصف بأهمية لا يمكن التغافل عنها أو تجاهلها. وهذه الأهمية تنجلي في الموضوع الذي حواه الكتاب، حيث إنه يبحث في مسألة عظيمة وخطيرة من مسائل الصفات التي دار حولها جدل كبير وعميق، واختلفت حولها الآراء والمذاهب وتشعبت، حتى أنه قد زلت فيها أقدام كثير من العلماء قديما وحديثا، واستمر الخلاف فيها من بداية القرن الثاني الهجري حتى زماننا الحاضر، وقد نتج عن هذا الخلاف نشوء فرق مستقلة بذاتها من جراء ما ذهب إليه البعض من أقوال في هذه المسألة، ومن تلك الفرق الحلولية، والاتحادية، كما نتج من تلك الأقوال الحكم بكفرها وخروجها عن ملة الإسلام، بسبب ما ذهبت إليه من إنكار ذات الله، أو القول بحلوله في الأجسام أو اتحاده بها. ولأهمية هذه المسألة في عقيدة المسلم، ومدى ما لها من تأثير كبير في مسألة الإيمان بوجود الله - تعالى-، كان لزاما أن يقوم علماء السلف، والأئمة بالكتابة والتأليف في هذا الموضوع الهام، وبينوا
للمسلمين منهج القرآن والسنة في هذه المسألة، مستدلين على ذلك بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الصحيحة، وأقوال الصحابة، والتابعين في هذه المسألة، ويردوا على كل من خالف هذا المنهج، ويفندوا مزاعمه وشبهه وافتراءاته. وقد قام علماء السلف الأوائل بهذه المهمة، وأدوها على أكمل وجه، وبينوا طريق الحق فيها، لكن كان كلامهم في هذه المسألة بنوع من الاختصار، وضمن مواضيع أخرى في مجال العقيدة. ولكن رقعة الخلاف قد اتسعت في هذه المسألة، وتشعبت الأقوال، وكثرت الشبه، وكثر أعوان المخالفين وأنصارهم في هذا الأمر؟ مما جعل المؤلف- رحمه الله تعالى- يشعر بما لهذه المسألة من أهمية كبرى، وبما لها من تأثير عظيم في عقيدة المسلم سلبا وإيجابا، ذلك لأن أي خلل في هذه المسألة قد يقلب كثيرا من الأمور الاعتقادية، ويميل بها عن الطريق الصحيح، فقام المؤلف- رحمه الله تعالى- بتأليف هذا الكتاب في هذه المهمة، فبين القول الحق السليم فيها، وذلك بالرجوع إلى المنبع الأساسي لعقيدة المسلم، وهو الكتاب والسنة، ومع البعد كل البعد عما خالط الأقوال المنحرفة في هذه المسألة، من الفلسفة الصابئية، وأقوال النصارى النسطورية، وتأويل وتحريف الباطنية. فبين- رحمه الله تعالى- اعتقاد السلف المستند إلى الكتاب والسنة في مسائل عظيمة، مثل مسألة علو الله واستوائه على عرشه، وبينونته من خلقه، وكذلك معتقد السلف في معية الله وقربه ونزوله، كل ذلك
بما ورد فيها من النصوص القرآنية والأحاديث والآثار، كما أشار إلى إثبات وجود عرشه، وخلقه له، وما جاء في وصفه، وذكر حملته، ومسائل أخرى متعددة. ويعتبر كتاب المؤلف هذا، أول كتاب سلفي يخص هذه المسألة، ويفردها بكتاب مستقل، وقد تلت هذا الكتاب عدة مؤلفات اختصت بهذه المسألة بالذات. ومن تلك المؤلفات كتاب"العلو" لابن قدامة، وكتاب"العلو" للذهبي- الذي يعتبر"كتاب العرش" واحدا من المصادر التي اعتمد عليها الذهبي في تأليف كتابه، حيث إنه قد اقتبس منه في عدة مواضع- وكذلك"الرسالة العرشية" لابن تيمية، وغيرها من المؤلفات. ومع كون"كتاب العرش" هو أول كتاب للسلف اختص بهذا الموضوع، فإنه- أيضا- يكتسب أهمية أخرى من حيث كونه يعتبر مرجعا في عدة أمور منها: 1- أنه مرجع من المراجع التي تبين موقف السلف في قضية العلو والاستواء وما يتعلق بهما من المسائل، الأخرى، حيث إن المؤلف قد سلك في تأليف هذا الكتاب منهج السلف، وطريقتهم، وبين فيه اعتقادهم على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة. 2- والكتاب- أيضا- مرجع من مراجع الحديث في عدة مسائل من مسائل العقيدة ذلك لأن المؤلف قد سلك في تأليفه طريقة المحدثين، فالكتاب من أوله إلى آخره- ما عدا المقدمة- كان
عبارة عن مجموعة من الأحاديث، والآثار رواها المؤلف بأسانيده، وقد بلغت تلك الأحاديث والآثار التسعين، لذلك يعتبر الكتاب مرجعا في عدة مسائل هي: العلو، الاستواء، المعية، العرش والكرسي وصفتهما، حملة العرش: خلقهم، وعددهم، وصفاتهم، ووظائفهم. كما أنه يمكن اعتباره مرجعا من مراجع التفسير في هذه المسائل، لارتباطها ببعض الآيات القرآنية. 3- ويعتبر مرجعا من المراجع في قضية الجهمية والرد عليهم، وذلك لأن السبب الرئيسي في تأليف الكتاب إنما هو للرد على الجهمية لإبطال أقوالهم. ولهذا يلحق هذا الكتاب في سلسلة كتب السلف التي اعتنت بقضية الرد على الجهمية. سادسا: المآخذ على الكتاب: إن الإقدام على نقد عمل من أعمال السلف القدامى كعمل ابن أبي شيبة الذي اشتهر بغزارة علمه وسعة اطلاعه ومعرفته وفهمه، هو أمر صعب جدا، ولاسيما لشخص مثلي. ولكن لابد من الإقدام على مثل هذا الأمر الصعب، ولعل عذري في إقدامي هذا هو أنه ما من كتاب من الكتب البشرية يخلو من صفات النقص والخطأ، لأن الإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة معرض للخطأ والنسيان، إذ العصمة لم يجعلها الله- تعالى- إلا لأنبيائه ورسله.
و"كتاب العرش" هو واحد من تلك الكتب التي ألفها بشر، ومن المآخذ التي تؤخذ عليه ما يلي: 1- المقدمة: لاحظت أن النسخة التي بيدي قد خلت من البسملة، والحمدلة، والثناء عليه، كما هي السنة في مثل هذا المقام، وقد كان بدء كلام المؤلف فيها بقوله:"ذكروا أن الجهمية ... " إلخ، ولعل العذر في هذا المقام، هو احتمال أن يكون المؤلف قد بدأ بالبسملة، ولكن بعض رواة لكتاب أو نساخه قد حذفها مكتفيا بذكرها قبل سند الكتاب. والله أعلم. والذي نلاحظه على المؤلف في مقدمته بوجه عام هو: عدم الاعتناء بتنظيمها وتنسيقها، واحتواءها على عبارات مجملة وغير مترابطة، والمعروف عن المؤلف - رحمه الله- أنه ذو معرفة وفهم، فكان الأولى به أن يقدم لكتابه بمقدمة يشرح فيها مذهب السلف في المسألة، وما يتعلق بها من مسائل، ثم بعد ذلك يورد قول الجهمية في المسألة، ويبطله ويرد عليه ويفند كل ادعاء لهم على حدة. 2- لقد كان جل اهتمام المؤلف هو جمع الأحاديث والآثار الواردة في الموضوع، دون الاهتمام بجانب التنظيم فيها، فقد ساق الأحاديث والآثار جملة واحدة، دون أن يصنف الأحاديث التي تختص بأمر معين ويجعل لها بابا مستقلا عن الأحاديث الأخرى التي تختص بجانب آخر في المسألة، ودون أن ينظمها فيقدم الأحاديث
المرفوعة على الموقوفة، والموقوفة على الإسرائيليات وهكذا. 3- لم يهتم المؤلف حين جمعه للأحاديث والآثار التي أوردها بدرجة تلك الأحاديث والآثار من حيث الصحة والضعف؟ فقد جمع في كتابه هذا الغث والسمين، فكان هناك الكثير من الأحاديث والآثار الضعيفة، والإسرائيليات، إلى جانب بعض الأحاديث الموضوعة التي لا يصح أن يستدل بها بأي حال من الأحوال. والمؤلف - رحمه الله- محدث حافظ، وله باع طويل في معرفة رجال الأحاديث، جرحا وتعديلا، فكان الأولى به أن يجنب كتابه مثل هذه الأمور، وخاصة أن كتابه يتحدث في مسائل اعتقادية لا يقبل فيها إلا ما صح من الأحاديث، ولكن يبدو أن المؤلف قصد من إيراده لهذه الأحاديث والآثار جمع كل ما ورد في الموضوع بغض النظر عن الصحة والضعف، وذلك لأن عصره عصر الرواية والإسناد، والمحدثون يرون أنهم إذا ساقوا الحديث بالإسناد فقد خرجوا من العهدة وبرئت الذمة، وفي هذا يقول ابن حجر:"إن أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته"1.
الفصل الثاني: التعريف بالمخطوطة
الفصل الثاني: التعريف بالمخطوطة أولا: دراسة النسخة الخطية: لم أقف للمخطوطة إلا على نسخة واحدة فقط، وقد بذلت ما في وسعي من أجل البحث عن نسخة أخرى للكتاب، فقمت باستعراض الكثير من فهارس المخطوطات الموجودة في مكتبات العالم على أمل أن أوفق في الاهتداء إلى نسخة أخرى، ولكن جهدي في هذا الأمر لم يكلل بالنجاح. ومن المعلوم أنه متى تعددت النسخ للمخطوطة المراد تحقيقها، كان ذلك مما يسهل على الباحث مشكلة تقويم النص، وتلافي ما قد يقع فيه من السهو، أو الشطب، أو الطمس أو غير ذلك من المشكلات الأخرى. ولكن إذا لم يتوفر سوى نسخة واحدة فسيكون في ذلك صعوبة- وأي صعوبة- لأن ذلك يحتاج إلى الوقوف على مراجع متعددة لتحقيق النص والتثبت منه، وهذا ما حصل لي أثناء تحقيقي للكتاب حيث إنني لم أعثر على نسخة أخرى. والنسخة التي اعتمدت عليها في تحقيقي لهذا الكتاب موجودة في المكتبة الظاهرية تحت رقم (297- حديث) .
وقد ذكرها الألباني في فهرس الظاهرية (قسم المنتخب من مخطوطات الحديث ص 17) حيث قال:"كتاب العرش ما ورد فيه، حديث 297، (ق 106- 119) "، وكذلك فؤاد سيزكين في"تاريخ التراث العربي" (1/ 3201) حيث قال:"كتاب العرش وما ورد فيه- الظاهرية- حديث 297، الأوراق ص 106- 119". ولهذه النسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 559 (مصورات) . ويبلغ عدد صفحات المخطوطة سبعا وعشرين صفحة، وعدد أسطرها يتراوح بين سبعة عشر سطرا وأربع وعشرين سطرا ومقاسها هو 18×24 سم. وخطها عادي. ولم يذكر فيها اسم الناسخ، ولا تاريخ نسخها. وتمتاز هذه النسخة بأنها مقابلة على الأصل المنسوخة منه أكثر من مرة، كما ذكر في الصفحة الأخيرة حيث قال:"بلغ مقابلة غير مرة". وتمتاز هذه النسخة- أيضا- بقلة أخطائها ووضوح خطها، كما تمتاز بكثرة سماعاتها. ثانيا: سند الكتاب: جاء في الورقة الأولى (106/ ب) ذكر سند الكتاب حيث قال: كتاب العرش وما روي فيه، تأليف: محمد بن عثمان بن أبي شيبة - رحمه الله-:
رواية أبي علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف عنه1. رواية أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس عنه2. رواية أبي طالب3 محمد بن علي العشاري4، وأبي علي الحسن
بن أحمد بن عبد الله بن البنا1 كلاهما عنه. رواية أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش2 عنهما.
رواية أبي إسحاق إبراهيم بن بركة بن طاقويه1 وأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن المظفر بن السبط2 كلاهما عنه. رواية يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي3
عنهما1. سماع لصاحبه الشيخ الصالح أبي محمد محمود بن القاسم بن بدران الدشتي2 - نفعه الله به-. رواية الإمام فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد ابن أحمد المقدسي3
عن أبي القاسم هبة الله بن المظفر بن الحسن بن السبط كتابة1. رواية مالكه يحيى بن إسحاق بن خليل بن فارس، الشيباني، الشافعي2، بحق إجادته من الشيخ السند فخر الدين أبي الحسن علي ابن أحمد بن عبد الواحد المقدسي، البخاري، بسنده المذكور أعلاه. السماعات الموجودة على الكتاب: السماعات الموجودة على الورقة الأولى 106:
السماع الأول: (ق 106/ أ) سمع هذا الجزء على أبي القاسم هبة الله بن الحسن السبط1 بقراءة أبي الفتح محمد بن عبد الغني المقدسي2، وإخوانه3: عبد الله4، وعبد الرحمن5، وعبد اللطيف6، وعبد المنعم7.
وكاتب السماع في الأصل محمد بن عبد الواحد المقدسي1، وآخرون في العشر الأول من ذي القعدة سنة ست وتسعين وخمسمائة ببغداد. السماعات الموجودة على الورقة (119/ ب) : سمع جميع هذا الجزء على الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن بركة ابن طاقويه2 بروايته عن ابن كادش3، بقراءة صاحبه الشيخ الإمام العالم أبي الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي4، محمد بن [....] 5، وذلك في سنة سبع وثمانين وخمسمائة. وسمعه على أبي القاسم هبة الله بن الحسن بن المظفر بن السبط، بروايته عن ابن كادش، بقراءة صاحبه الشيخ الإمام أبي الحجاج يوسف ابن خليل بن عبد الله الآدمي6، جماعة لم أذكرهم وذلك في رمضان سنة سبع وثمانين وخمسمائة بباب المراتب نقله مختصرا.
سمع هذا الجزء وهو كتاب العرش على شيخنا الإمام العالم الحافظ [......] 1 أبي الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي آدم الله [ ... ] 2 صاحبه الشيخ محمود بن أبي القاسم بن بدران الدشتي وجماعة. وذلك بقراءة الفقير إلى الله- تعالى -، محمد بن صالح بن إبراهيم الامدي [ ... ] 3 عفا الله عنه. السماعات الموجودة على الورقة (120/ أ) : سمع هذا الجزء على الشيخ الإمام أبي الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي، عن شيخيه بقراءة محمد بن عبد المنعم بن هامل الحرافي4، إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم بن النحاس5، وآخرون
يوم الثلاثاء الحادي والعشرون من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وستمائة بحلب. وسمعه على الشيخ الإمام فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري المقدسي، بإجادته من أبي القاسم هبة الله بن الحسن بن السبط بسنده، أوله بقراءة كاتب السماع يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي1، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن ابن شامة الطائي2 يوم السبت الثاني من أيام التشريق سنة ثمان وسبعين
وستمائة بسفح جبل قاسيون بظاهر دمشق. وسمعه عليه بقراءة الإمام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني1، عبد الرحمن بن أحمد بن شامة الطائي، ومحمد بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي2، وكاتب السماع في الأصل القاسم بن محمد بن يوسف بن النقيب البرزالي3 يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وستمائة.
قرأت جميع هذا الجزء على شيخنا الإمام الأوحد البارع، العلامة، بقية السلف، شيخ الإسلام، عمدة الحفاظ، إمام النقد، الحجة، الرحالة، جمال الدين، أبي الحجاج يوسف بن الزكي، عبد الرحمن بن يوسف المزي- نفع الله به- قال: قرأته على الإمام فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري، المقدسي، قال: أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن المظفر بن السبط قال: أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش العكبري قال: أخبرنا أبو طالب محمد ابن علي بن الفتح العشاري، وأبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء، قالا: أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس، قال: أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن بن الصواف، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة فذكره عن شيوخه. وصح ذلك لي وثبت في يوم الخميس التاسع والعشرين من شهر شعبان سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وهو مما أجاز شيخانا أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية، وأبو محمد البرزالي.
الباب السادس: قسم التحقيق
الباب السادس: قسم التحقيق ... قسم التحقيق: كتاب العرش وما روي فيه تأليف: محمد بن عثمان بن أبي شيبة (ت 297) (ق 50/ ب) تأليف محمد بن عثمان بن أبي شيبة- رحمه الله-. رواية أبي علي محمد بن أحمد بن الحسن الصوف عنه. رواية أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس عنه. رواية أبي طالب1 محمد بن علي العشاري، وأبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنا كلاهما عنه. رواية أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش عنهما. رواية أبي إسحاق إبراهيم بن بركة بن طاقويه وأبي القاسم هبة الله ابن الحسن بن المظفر بن السبط كليهما عنه. رواية يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي عنه2. سماع لصاحبه الشيخ الصالح أبي محمد محمود بن القاسم ابن بدران الدشتي- نفعه الله به-.
رواية الإمام فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي، عن أبي القاسم هبة الله بن المظفر بن الحسن ابن السبط كتابة1. رواية مالكه يحيى بن إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي، بحق إجادته من الشيخ المسند فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي البخاري بسنده المذكور أعلاه.
بسم الله الرحمن الرحيم (ق 51/ أ) أَخْبَرَنَا1 شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ يَوسُفُ بْنُ خَلِيلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ، وَرَحِمَ وَالِدَيْهِ-، قِرَاءَةً وَأَنَا أسمع في جماد الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِجَامِعِ حَلَبٍ2 قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَرَكَةَ بْنِ طَاقُويَه، وَأَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ السَّبْطِ بِقِرَاءَتِكَ عَلَيْهِمَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَأَقَرَّ بِهِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعِزِّ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَادِشَ الْعُكْبَرِيُّ، قِرَاءَةُ عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ الْعُشَارِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ الْبَنَّا، قَالَا: أَخْبَرَنَا
أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّوَّافِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ1
يَقُولُونَ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَ خَلْقِهِ حِجَابٌ1 وَأَنْكَرُوا
الْعَرْشَ1 وأن يكون الله هُوَ فَوْقَهُ، وَفَوْقَ
السَّمَاوَاتِ1، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ2، وَإِنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْ
خَلْقِهِ، وَلَا يَتَخَلَّصُ الْخَلْقُ مِنْهُ إِلَّا أن يفنيهم أجمع، فَلَا يَبْقَى مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مع الآخر، الْآخَرِ مِنْ خَلْقِهِ مُمْتَزِجٌ بِهِ، فَإِذَا أَفْنَى خَلْقَهُ تَخَلَّصَ مِنْهُمْ وَتَخَلَّصُوا
مِنْهُ1 تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَمَنْ قَالَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ فَإِلَى التَّعْطِيلِ يَرْجِعُ قَوْلُهُمْ. وَقَدْ عَلِمَ الْعَالِمُونَ أَنَّ اللَّهَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ قَدْ كَانَ مُتَخَلِّصًا مِنْ خَلْقِهِ بَائِنًا مِنْهُمْ، فَكَيْفَ دَخَلَ فِيهِمْ1؟
تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُوصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. بَلْ هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ كَمَا قَالَ1، مُحِيطٌ بِالْعَرْشِ2،
مُتَخَلِّصٌ مِنْ خلقه، بائن منه1. عِلْمُهُ فِي خَلْقِهِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ عِلْمِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْعَرْشَ كان قبل خلق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى الماء، وأخبرنا عز وجل أَنَّهُ صَارَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ وَمِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْعَرْشِ فَاسْتَوَى على العرش2، قال عز جَلَّ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى
الْمَاءِ} 1، وقال: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ... {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 2.
ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ مَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} 1. "ق 51/ ب" وَقَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ} 2. ففسرت الْعُلَمَاءُ قَوْلَهُ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} يَعْنِي: عِلْمَهُ3.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1، فَاللَّهُ تَعَالَى اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَرَى كُلَّ شيء في السموات والأراضين، وَيَعْلَمُ وَيَسْمَعُ كُلَّ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَهُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ، لَا الْحُجُبُ الَّتِي احتجب بها عن خَلْقِهِ تَحْجُبُهُ مِنْ أنْ يَرَى وَيَسْمَعَ مَا فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى2، وَلَكِنَّهُ خَلَقَ الْحُجُبَ وَخَلَقَ الْعَرْشَ كَمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِمَا
شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ وَمَا يَحْمِلُهُ إِلَّا عَظَمَتُهُ1 فَقَالَ: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} 2، وَقَالَ
جَلَّ وَعَزَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} 1، وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} 2، وَقَالَ: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} 3. وَأَجْمَعَ الْخَلْقُ جَمِيعًا أَنَّهُمْ إِذَا دَعَوُا اللَّهَ جَمِيعًا رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَوْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى مَا كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مَعَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ4. ثُمَّ تَوَافَرَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَرْشَ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ بِذَاتِهِ ثُمَّ خلق الأرض والسموات، فَصَارَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، وَمِنَ السَّمَاءِ إلى العرش. (52/ أ) فَهُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَفَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ5 مُتَخَلِّصًا
مِنْ خَلْقِهِ بَائِنًا مِنْهُمْ، عِلْمُهُ فِي خَلْقِهِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ عِلْمِهِ.
1- قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ1، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ2، عَنِ الْأَعْمَشِ3، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ4، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ
مُحْرِزٍ1، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ2 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ غَيْرَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ، ثم خلق السموات". قَالَ: قِيلَ لِي: أَدْرِكْ نَاقَتَكَ، قَالَ: فَقُمْتُ فَإِذَا السَّرَابُ يُنْقَطِعٌ دُونَهَا، فَلَيْتَهَا ذَهَبَتْ، قَالَ: يَقُولُ لِمَا فَاتَهُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3.
والأحاديث كلها مدرجة على شيوخ المصنف محمد بن عثمان بن أبي شيبة1
2- حَدَّثَنَا أَبِي1 وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ2 قَالَا،. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ 3 عَنْ سُفْيَانَ4، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ
عَمْرٍو1، عْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ2 قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ، قَالَ: "عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ"3.
3- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ1، حَدَّثَنَا مَيْمُونٌ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّكُونِيُّ2، حَدَّثَنِي شَيْخٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَ: مِنْ أَيِّ الْعِرَاقِ؟ قَالَ: مِنْ أهل الكوفة (52/ ب) قَالَ: أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكَ وَلَا أَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، كَانَ الْمَاءُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ وَكَانَتِ الرِّيحُ عَلَى الْهَوَاءِ3.
4- حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ1، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ2 عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ3 عَنِ أبن عباس و {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ثُمَّ رُفِعَ بُخَارُ الْمَاءِ ففتقت منه السموات، ثُمَّ خُلِقَ النُّونُ فُدُحِيَتِ4 الْأَرْضُ عَلَى ظَهْرِ النُّونِ5 فَتَحَرَّكَ فَمَادَتِ (6) ، فَأُثْبِتَتْ
بِالْجِبَالِ، فَإِنَّ الْجِبَالَ لَتَفْخَرُ عَلَيْهَا1.
5- حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْأَسَدِيُّ1، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ2 عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ3، عَنْ
مُجَاهِدٍ1 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا، ثُمَّ خَلَقَ الْقَلَمَ فَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"2.
6- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ1، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ سُلَيْمَانَ1، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ2 (6) عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى3 وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ4 حَدَّثَنَا عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى5 عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ
عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} قَالَ: كَانَ عَرْشُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جَنَّةً ثُمَّ اتَّخَذَ دُونَهَا أُخْرَى، ثُمَّ أَطْبَقَهُمَا بِلُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ قَالَ: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} 1 وَهِيَ الَّتِي لَا يَعْلَمُ الْخَلَائِقُ مَا فِيهِمَا، وَهِيَ الَّتِي قَالَ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} 2 تَأْتِيهِمْ3 مِنْهَا أَوْ مِنْهُمَا كُلَّ يَوْمٍ تَحِيَّةٌ4"5.
7- حَدَّثَنَا أَبِي، وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ1 أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ2 عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ 3
عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ1 وَهُشَيْمٌ2 يَقُولُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ نُسَمِّيهِ وَكِيعَ بْنَ عُدُسٍ3 عنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ4 قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: "كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ"5.
8- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ1، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ2 يَقُولُ: وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: "الْعَمَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السَّحَابُ الْأَبْيَضُ الْمَمْدُودُ، وَأَمَّا العمى المقصور قالبصر، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَعْنَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ قَدِيرُ الْعَمَاءِ فِي مَبْلَغِهِ وَكَيْفَ كَانَ"3.
9- حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بن أبي القغراء1، وَأَبُو صُهَيْبٍ النَّضْرُ بْنُ سَعِيدٍ2 وَعَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ3، قَالُوا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ
الْهَمْدَانِيُّ1 عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ2، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ3 عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ
قَيْسٍ1 عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: كُنَّا بِالْبَطْحَاءِ2 فِي عِصَابَةٍ3 فِيهِمْ رسول الله خير، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَقَالَ: "تَدْرُونَ مَا هَذِهِ، " قَالُوا: سَحَابٌ، قال: "والمزن"4، قا لوا: وَالْمُزْنُ، قَالَ: "وَالْعَنَانُ"، ثُمَّ قَالَ: "تَدْرُونَ كَمْ بُعْدُ مَا بين السماء والأراضين"، (53/ أ) قَالُوا: لَا، قَالَ: "إِمَّا وَاحِدَةً أَوِ اثنتين أو ثلاث وَسَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَ ذَلِكَ، حَتَّى عد سبع سموات، ثُمَّ فَوْقَ السَّابِعَةِ بَحْرٌ [بَيْنَ] 5 "" أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ ثَمَانِيَةُ أَمْلَاكٍ أَوْعَالٍ6 (6) ، مَا بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ إِلَى
رُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ،، ثُمَّ فَوْقَ ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ [بَيْنَ] 1 أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ"2.
10 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ
1 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ2 عَنْ عَمِّهِ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ3، قَالَ: حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي حَديثِهِ الْأَحْنَفَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ " قُلْنَا: السَّحَابُ، قَالَ: "وَالْمُزْنُ"، قُلْنَا: والمزن، قال: "وَالْعَنَانُ"، قَالَ: فَسَكَتْنَا، فَقَالَ: "فَهَلَّا تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وَفَوْقَ السَّمَاءِ4 السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ رُكَبِهِمْ وَأَظْلَافِهِمْ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشُ مَا بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ ذَلِكَ لَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ شَيْءٌ"1. 11- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ2 حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ
جَرِيرٍ1 حَدَّثَنَا أَبِي2 قَالَ: سَمِعْتُ، مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ3 يُحَدِّثُ
عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ1، وَجُبَيْرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ2 عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ جَدِّهِ4 قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جُهِدَتِ الْأَنْفُسُ، وَضَاعَ الْعِيَالُ، وَهَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَهَلَكَتِ الْأَنْعَامُ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ، وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "وَيْحَكَ تَدْرِي مَا تَقُولُ"؟
فَسَبَّحَ رسول الله، فمازال يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوِهِ أصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَيْلَكَ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ مَا تُدْري مَا اللَّهُ، إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ وَأَرَاضِيهِ هَكَذَا"، وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ، وَصَفَ ذَلِكَ وَهْبٌ، وَأَمَالَ كَفَّهُ وَأَصَابِعَهُ الْيُمْنَى، وَقَالَ هَكَذَا، وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ"1.
12- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ1، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَعْنَى2،
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ1 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ2، عَنِ الْقَاسِمِ3، عن أبي أسامة4، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَلُوا اللَّهَ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ، فَإِنَّهَا
صُرَّةُ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْفِرْدَوْسِ لَيَسْمَعُونَ أَطِيطَ1 الْعَرْشِ" 2.
(ق 54/ ب) 13- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ1، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ2، عَنْ خُصَيْفٍ3 عَنْ
عِكْرِمَةَ1، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} 2، قَالَ: "مِمَّنْ فَوْقِهِنَّ مِنَ الثِّقَلِ"3، قَالَ: وقرأها خصيف يتفطرن4.
14- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ1، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
يَمَانٍ1، عَنْ شَرِيكٍ2، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} 3، قَالَ: "بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"4.
15- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ2، عَنْ مَعْمَرٍ3، عَنْ
قَتَادَةَ1 {يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} قَالَ: "يَنْفَطِرْنَ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ"2. 16- حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ3، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ4،
عَنْ عَطَاءٍ1، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عنهما- قال: "فكروا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ، فَإِنَّ بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى كُرْسِيِّهِ أَلْفَ نُورٍ، وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ" 2.
17- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مُعَاوِيَةَ1، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ2
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ1، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ نَصْرٍ2، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا بَيْنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، غِلَظُ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وَمَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَة سَنَةٍ،
وَالْأَرَضِينَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى الْعَرْشِ مِثْلُ جَمِيعِ ذَلِكَ كُلِّهِ"1.
(ق 55/ أ) 18- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ1، عَنْ سُفْيَانَ2، عَنْ جَابِرٍ3، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى4، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: "مُمْتَلِئَةٌ"5.
19- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ1، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ الْأَشْعَثِ السُّلَمِيُّ2، حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ الْيَمَامِيُّ الْأَنْصَارِيُّ3، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ1، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ قَالَ: كُنْتُ إِذَا أَمْسَكْتُ2 عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَدَأَنِي، وَإِنْ سَأَلْتُهُ عَنِ الْخَبَرِ أَنْبَأَنِي، وَإِنَّهُ حَدَّثَنِي عَنْ رَبِّهِ قَالَ: "قَالَ الرَّبُّ- جَلَّ وَعَزَّ-: وَارْتِفَاعِي فَوْقَ عَرْشِي، مَا مِنْ أَهْلِ، قَرْيَةٍ وَلَا مِنْ أَهْلِ بِيتٍ كَانُوا عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ مَعْصِيَتِي، ثُمَّ تَحَوَّلُوا عَنْهَا إِلَى مَا أحْبَبْتُ مِنْ طَاعَتِي، إِلَّا تَحَوَّلْتُ لهم عما يكرهم من مِنْ عَذَابِي إِلَى مَا يُحِبُّونَ مِنْ رَحْمَتِي"3.
25- حَدَّثَنَا عَمِّي أبو بكر، حدثثا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ1، عَنْ
عَوْفٍ1 عَنْ عَبَّاسٍ الْقَمِّيِّ2 قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ دَاوُدَ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ أَنْتَ تَعَالَيْتَ، فَوْقَ عَرْشِكَ، وَجَعَلْتَ خَشْيَتَكَ عَلَى من في السموات وَالْأَرْضِ، فَأَقْرَبُ خَلْقِكَ مِنْكَ أَشَدُّهُمْ لَكَ خَشْيَةً، وَمَا عِلْمُ مَنْ لَمْ يَخْشَكَ، وَمَا حِكْمَةُ مَنْ لَمْ يُطِعْ أمْرَكَ"3.
21- حَدَّثَنَا مُلَيْحُ بْنُ وَكِيعٍ1، وَإِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى2، قالا: حدثنا الزايد بْنُ مسلم3، حدثني (ق 55/ ب) أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو1، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ2، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ3،، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ
- رضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِمِثْلِ هَذَا فِي الْجَاهِليَّةِ؟ " قَالُ: كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، أَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ رَبَّنَا- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِذَا قَضَى فِي السَّمَاءِ أَمْرًا، سَبَّحَتْهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَ حملة الْعَرْشَ، ثُمَّ سَبَّحَتْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّسْبِيحُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَقُولُ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، فَيُخْبِرُونَهُمْ، ثُمَّ يَسْتَخْبِرُ أَهْلُ السماء أهل السموات بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَخْطَفُ الْجِنُّ السمع، فما جاؤا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يفْرقُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ" 1.
22- حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ1، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ2، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ3، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ4، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ5، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ6 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: "مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي هَذِهِ النُّجُومِ الَّتِي
يُرْمَى بِهَا؟ " قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كُنَّا نَقُولُ حِينَ رَأَيْنَاهَا يُرْمَى بِهَا: مَاتَ مَلِكٌ، هَلَكَ مَلِكٌ، وُلِدَ مَوْلُودٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ إِذَا قَضَى فِي خَلْقِهِ أَمْرًا سَمِعَهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ فَسَبَّحُوا، فَسَبَّحَ مَنْ تَحْتَهُمْ بِتَسْبِيحِهِمْ، فَسَبَّحَ مَنْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلِ التَّسْبِيحُ يَهْبِطُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسَبِّحُونَ، ثُمَّ يَقُولُ بعضهم لبعض: مما سَبَّحْتُمْ، فَيَقُولُونَ: سَبَّحَ مَنْ فَوْقَنَا فَسَبَّحْنَا بِتَسْبِيحِهِمْ، فَيَقُولُونَ: أَفَلَا1 تَسْأَلُونَ من فوقكم مما سَبَّحُوا، فَيَقُولُونَ: مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهُونَ إِلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فيقال لهم مما سَبَّحْتُمْ، فَيَقُولُونَ: قَضَى اللَّهُ فِي خَلْقِهِ كَذَا وَكَذَا، الْأَمْرَ الَّذِي كَانَ قَدْ هَبَطَ بِهِ الْخَبَرُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، حَتَّى يَنْتَهُونَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَتَحَدَّثُونَ بِهِ، فَيَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ بِالسَّمْعِ عَلَى قَوْلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ ثُمَّ يَأْتُونَ الْكُهَّانَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَيُحَدِّثُونَهُمْ بِهِ، فَيُخْطِئونَ وَيُصيبُونَ، فَيَتَحَدَّثُ بِهِ الْكُهَّانُ، فَيُصِيبُونَ بَعْضًا، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ حَجَبَ الشَّيَاطِينَ بِهَذِهِ النُّجُومِ الَّتِي يُقْذَفُونَ بِهَا، فَانْقَطَعَتِ الْكِهَانَةُ فَلَا كِهَانَةَ"2.
(ق 56/ أ) 23- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ1، حَدَّثَنَا أَبِي فُدَيْكٍ2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ3، عَنْ هِشَامِ
بْنِ الْغَازِ1، عَنْ مَكْحُولٍ2، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي اللَّهُمَّ إني أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ 3 وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ، بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، أُعْتِقَ اللَّهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ، فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ" 1.
24- حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ هَارُونَ1، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ2،
قَالَا: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ1، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ2، حَدَّثَنَا هارون بن رياب3، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ4 قَالَ: "حَمَلَةُ
الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ، فَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، وَأَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ"، قَالَ: "وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ ذُنُوبَ بَنِي آدَمَ1"2.
25- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ1، حَدَّثَنَا ابْنُ الْحُبَابِ2، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ مَوْلَى ابْنِ عَلْقَمَةَ الْمَكِّيُّ3، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ4،
حَدَّثَنِي سَلْمَانُ ابْنُ الإسلام1، قال- قالا رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ، وَأُشْهِدُ الْمَلَائِكَةَ وحملة العرش، والسموات وَمَنْ فِيهِنَّ، وَالْأَرْضَ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَأُشْهِدُ جَمِيعَ خَلْقِكَ، بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَأُكَفِّرُ مَنْ أَبَى ذَلِكَ2 مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، مَنْ قَالَهَا مَرَّةً أَعْتَقَ ثُلُثَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أعتق الله ثلثاه3، مِنَ قَالَهَا ثَلَاثًا أُعْتِقَ مِنَ النَّارِ" 4.
26- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ1، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ2، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ3، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا- قَالَ: "حَمَلَةُ الْعَرْشِ مَا بَيْنَ كَعْبِ أحَدِهِمْ إِلَى أَسْفَلِ قَدَمَيْهِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَزَعَمُوا أَنَّ خُطْوَةَ مَلَكِ الْمَوْتِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ"1.
27- حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بن الحارث، أحبرنا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ1، عَنْ أَبِي رَوْقٍ2، عَنِ الضَّحَّاكِ3، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} 4،
قَالَ: الثَّمَانِيَةُ، يَقُولُ: ثَّمَانِيَةُ أَجْزَاءٌ مِنْ تِسْعَةٍ، قَالَ: الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالشَّيَاطِينُ وَالْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ إِلَّا الْكَرُوبِيِّينَ1 حَمَلَةُ الْعَرْشِ جُزْءٌ، وَالْكَرُوبِيُّونَ ثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ، كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُمْ بِعُدَّةِ هَؤُلَاءِ2 الْأَرْبَعَةِ، قَالَ: فَهُوَ قَوْلُهُ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} 3.
28- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ1، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ2، عَنْ سِمَاكٍ3، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قَالَ: ثَمَانِيَةُ أَمْلَاكٍ فِي صورة الأوعال (ق 56/ ب) قَالَ: مَا بَيْنَ ظِلْفِ قَدَمِهِمْ4 إِلَى رُكْبَتِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ خَرِيفًا"5.
29- حَدَّثَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ1، عَنْ جَعْفَرٍ2 عَنِ الْقَاسِمِ3، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: "إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْفَارِسِيَّةِ الدَّرِيَّةِ4"5.
30- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ1، عَنْ عَطَاءٍ2 عَنْ مَيْسَرَةَ3، فِي قَوْلِهِ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}
قَالَ: أرْجُلُهُمْ فِي التُّخُومِ1، لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرْفَعُوا أبْصَارَهُمْ مِنْ شُعَاعِ النُّورِ"2. 31- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى3، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ4، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ
أَنَسٍ1، فِي قَوْلِهِ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} ، قَالَ: ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ2. 32- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ3، عَنْ أَشْعَثَ4، عَنْ
جَعْفَرٍ1، عَنْ سَعِيدٍ2، {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قَالَ: ثَمَانِيَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ3. 33- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ4، عَنِ
السُّدِّيِّ1 عَنْ أَبِي مَالِكٍ2 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قَالَ: ثَمَانِيَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إِلَّا اللَّهُ3.
34- حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ الْكَاهِلِيُّ1، حَدَّثَنَا مُهَاجِرُ بْنُ كَثِيرٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو عَامِرٍ2، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مَصْقَلَةَ3، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَسْرَجَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ بِسِرَاجٍ لَمْ يزل الملائكة (ق 56/ أ) وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ يستغفرون له مادام فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ ضَوْءٌ مِنْ ذَلِكَ السِّرَاجِ" 4.
35- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ1 حَدَّثَنَا سَيَّارٌ2، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ الرَّاسِبِيُّ3، حَدَّثَنَا هِلَالٌ أَبُو جَبَلَةَ4، عَنْ أَبِي
عَبْدِ السَّلَامِ1، عَنْ أَبِيهِ2، عن كعب (ح) 3 قَالَ سَيَّارٌ: وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ4 عَنْ عَبْدِ الْجَلِيلِ5 عَنْ أَبِي عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ إِنِّي آمُرُ حَمَلَةَ الْعَرْشِ أَنْ يُمْسِكُوا عَنِ الْعِبَادَةِ6 إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَنْ كلما دعا صائم شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَقُولُوا آمِينَ، فَإِنِّي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أَرُدَّ دَعْوَةَ صَائِمِ شَهْرِ رَمَضَانَ7.
36- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ1،
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَطِيَّةَ1، عَنْ أَبِيهِ2، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ3، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيدًا، وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلَائِكَتَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ، وَأنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ فِكَاكًا مِنَ النَّارِ" 4.
37- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بَكَّارٍ1، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ2، عَنْ نَافِعٍ مَوْلًى لِآلِ الزُّبَيْرِ3، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ سَعِيدٍ4، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أن يخلق (ق 56/ ب) آدَمَ، بَعَثَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَمَّا أَهْوَى لِيَأْخُذَ مِنْهَا، قَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ: أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَرْسَلَكَ أَلَّا تَأْخُذَ مِنِّي الْيَوْمَ شَيْئًا يَكُونُ لِلنَّارِ فِيهِ نَصِيبٌ غَدًا، قَالَ: فَتَرَكَهَا، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِمَا أَمَرْتُكَ بِهِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ سَأَلَتْنِي بِكَ أَلَّا آخُذَ مِنْهَا شَيْئًا يكُونُ لِلنَّارِ غَدًا مِنْهُ نَصِيبٌ، فَأَعْظَمْتُ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا سَأَلْنِي بِكَ، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ آخَرَ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَلَمَّا أَهْوَى لِيَأْخُذَ مِنْهَا قَالَتْ له الأرض: أسألت بِالَّذِي أَرْسَلَكَ أَلَّا تَأْخُذَ مِنِّي الْيَوْمَ شَيْئًا يَكُونُ لِلنَّارِ فِيهِ نَصِيبٌ، قَالَ: فَتَرَكَهَا، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِمَا أَمَرْتُكَ بِهِ، قَالَ: يَا رَبِّ سَأَلَتْنِي بِكَ أَلَّا آخُذَ مِنْهَا شَيْئًا يكُونُ لِلنَّارِ فِيهِ نَصِيبٌ غَدًا، فَأَعْظَمْتُ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا سَأَلَْنِي بِكَ، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ آخَرَ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ فَلَمَّا أَهْوَى لِيَأْخُذَ مِنْهَا، قَالَتْ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لِلْأَوَّلِ فَتَرَكَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُ، حَتَّى أَرْسَلَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ كُلَّهُمْ، كُلُّ ذَلَكٍ تَقُولُ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيْرِجُعونَ إلى ربهم فَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَرْسَلَ مَلَكَ الْمَوْتِ، فَلَمَّا أَهْوَى لِيَأْخُذَ مِنْهَا قَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَرْسَلَكَ أَنْ
لَا تَأْخُذَ مِنِّي الْيَوْمَ شَيْئًا يكُونُ لِلنَّارِ فِيهِ نَصِيبٌ غَدًا، فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ: إِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ أَحَقُّ بِالطَّاعَةِ مِنْكِ"1. 38- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُكتفِ بْنِ بَكْرٍ التَّمِيمِيِّ2، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ3، عَنْ أَبِيهِ4، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ1، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ2 قَالَ: أَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَسْأَلُهُ، هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْ نَعَمْ، قَالَ: فَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ رَسُولَهُ: أَنْ كَيْفَ رَآهُ، قَالَ: رَآهُ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ3 رَوْضَةٍ مِنَ الْفِرْدَوْسِ
دُونَهُ فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، مَلَكٌ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ ثَوْرٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ أَسَدٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ نَسْرٍ1.
39- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ خليفة1، حدثنا عمر بْنُ مُحَمَّدٍ2، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيُّ3، عَنْ عَطَاءٍ4، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ كَانَ رَأْسُهُ فِي السماء ورجلاه (ق 1/57) فِي
الْأَرْضِ، فَوَضَعَ اللَّهُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فطأطأه سبعين بدعا1 قَالَ: يَا رَبِّ مَا لِي لَا أَسْمَعُ صَوْتَ مَلَائِكَتِكَ وَلَا أُوجِسُهُمْ2، فَقَالَ اللَّهُ: خَطِيئَتُكَ يَا آدَمُ، وَلَكِنِ اذْهَبْ فابْنِ لِي بَيْتًا وَطُفْ بِهِ وَاذْكُرْنِي حَوْلَهُ كَمَا رَأَيْتَ الْمَلَائِكَةَ يَصْنَعُونَ حَوْلَ عَرْشِي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَقْبَلَ آدَمُ يَتَخَطَّى الْأَرْضَ، فَمَوْضِعُ كُلِّ قَدَمٍ قَرْيَةٌ وَمَا بَيْنَهُمَا مَفَازَةٌ3، حَتَّى وَضَعَ الْبَيْتَ4.
40- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ1، عَنْ أَيُّوبَ2،
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ1، قَالَ: لَمَّا أُهْبِطَ آدَمُ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ،: يَا آدَمُ2 إِنِّي مُهْبِطٌ مَعَكَ بَيْتًا يُطَافُ حَوْلَهُ كَمَا يُطَافُ حَوْلَ عَرْشِي، وَيُصَلَّى عِنْدَهُ كَمَا يُصَلَّى عِنْدَ عَرْشِي، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَ الطُّوفَانُ رُفِعَ، فَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَحُجُّهُ، فَيَأْتُونَهُ وَلَا يَعْرِفُونَ مَوْضِعَهُ، حَتَّى بَوَّأَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ3.
41- حَدَّثَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ، وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ1، وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْعِجْلِيُّ2، جَمِيعًا عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ3، عَنْ حُجْرٍ الْيَشْكُرِيِّ4، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} 1 قَالَ: هُمُ الشُّهَدَاءُ ثَنِيَّةُ اللَّهِ حَوْلَ الْعَرْشِ مُتَقَلِّدِي السُّيوفِ2.
42- حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ سُهَيْلٍ1 (11) ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ زَائِدَةَ2، عَنْ عَاصِمٍ3، عَنْ عِيسَى الْمَدَنِيِّ4 قَالَ: سَمِعْتُ
عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ1، سَألَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} قَالَ: "الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ جِبْرِيلُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَمَلَكُ الْمَوْتِ، قَالَ: فَيَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ فَيَقْبِضُ أَرْوَاحَ هَؤُلَاءِ حَتَّى لَا يَبْقَى غَيْرُهُ وَرَبُّ الْعِزَّةِ جَلَّ فَيَقُولُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مُتْ فَيَمُوتُ، فذَلِكَ قَوْلُهُ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} 2، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} 3"4.
34 - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ 1، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ 2 قَالَ: حَدَّثَنِي كَعْبٌ " أَنَّ §سُبْحَانَ اللَّهِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ , وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَاللَّهُ أكْبَرُ لَهُنَّ دَوِيُّ حَوْلَ الْعَرْشِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ فِي الْخَزَائنِ " 3
44- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ1، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ2، عَنْ ثَابِتٍ3، عَنْ
مُطَرِّفٍ1، عَنْ كَعْبٍ2 قَالَ: "إِنَّ لِلْكَلَامِ الطَّيِّبِ حَوْلَ الْعَرْشِ دَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ يذكر بصاحبه"3. (ق 57/ ب) 45- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَزْوَانَ4، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ5، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ
الرَّبِيعِ1، عَنْ لَيْثٍ2، عَنْ مُجَاهِدٍ3 {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} 4 قَالَ: "مَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي الْعَرْشِ إِلَّا مِثْلُ حَلْقَةٍ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ"5.
46- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شَاذَانُ1، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ2، عَنْ
أَبِي النَّضْرَةِ1 قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "آتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ بحَلْقَةِ الْبَابِ، فَأَقْرَعُ الْبَابَ، فَيُقَالُ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ؟ فَيُفْتَحُ لِي، فَيَتَجَلَّى لِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ أَوْ عَلَى كُرْسِيِّهِ- شَكَّ حَمَّادٌ-" 2.
47- حَدَّثَنَا أَبِي، وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ1، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ2 قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ الْعَرْشَ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ3.
48- حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ1، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ2، عَنْ جَابِرٍ3 قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اهتز العرش لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ"4.
49- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ2 (ح) ، وَحَدَّثَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
فُضَيْلٍ1، جَمِيعًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِحُبِّ لِقَاءِ اللَّهِ سَعْدًا" 2. 55- حَدَّثَنَا أَبِي وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ3 عَنِ
امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا أسماء بنت قيس بْنِ السَّكَنِ1 قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ صَاحَتْ أُمُّهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَرْقَأُ 2 دَمْعُكِ وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ، فَإِنَّ ابْنَكِ أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللَّهُ لَهُ وَاهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ" 3.
51- حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ1، حَدَّثَنَا يونس بن كبير2، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ1، حَدَّثَنَا مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ مُعْتَجِرًا2 بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ3 فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ هَذَا الْمَيِّتُ الَّذِي فُتِّحَتْ لَهُ أبْوابُ السَّمَاءِ وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ؟ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا يَجُرُّ4 ثَوْبَهُ إِلَى سَعْدٍ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ5.
52- حَدَّثَنَا عُقْبَةُ1، حَدَّثَنَا يُونُسُ2، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ3 عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: مَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللَّهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ..سَمِعْنَا بِهِ إِلَّا لِسَعْدٍ أبي عمرو4. (ق 58/ أ) 53- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ5، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ6،
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سليمان1، حدثنا سعد الْجُرَيْرِيُّ2، قَالَ: "بَلَغَنَا أن داود عليه السلام سَألَ جِبْرِيلَ أيُّ اللَّيْلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي إِلَّا أَنَّ الْعَرْشَ يَهْتَزُّ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ3"4.
54- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ1، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ2، عَنْ أبي إبراهيم3 عز ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "مَا مِنْ
شَيْءٍ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِثْلُهُ إِنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كانْتَ لَهُ امْرَأَةٌ جِمِيلَةٌ، فَأُولِعَ بِهِ رَجُلٌ يُخْبِرُهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَذَا وَكَذَا بِالْفُحْشِ، قَالَ كَيْفَ أَصْنَعُ وَلَهَا عَلَيَّ دَيْنٌ؟ قَالَ: فَأَنَا أُسَلِّفُكَ مَا عَلَيْكَ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا1 أخَذَهُ بِحَقِّهِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّكَ لَمْ تَزَلْ بِي حَتَّى فَعَلْتُ الَّذِي فَعَلْتُ، ثُمَّ تَزَوَّجْتَ امْرَأَتِي، قَالَ: فَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ حَتَّى أَجَرَهُ نَفْسَهُ، فَبَيْنمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَكَلَا طَعَامًا، فَجَعَلَ يَصُبُّ عَلَيْهِما الْمَاءَ، فَبَكى2 فَاهْتَزَّ الْعَرْشُ، فَقَالَ تبارك وتعالى: فإن رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي"3. 55- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ4 عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ5، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
بَشِيرٍ1، عَنْ قَتَادَةَ {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} 2 قَالَ: فِي قَائِمَةِ الْعَرْشِ الْيَمِينِ3.
56- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ1 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ2، عَنْ إِبْرَاهِيمَ3، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ
عُتْبَةَ1، عَنْ سَلْمَانَ2 أَنَّهُ قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: [الْإِمَامُ الْعَادِلُ] 3، ورَجُلٌ لَقِيَ رَجُلًا فَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذلك، ورجل كان قلبه معلقا بِالْمَسَاجِدِ مِنْ حبها، ورجل يجعل شَبَابَهُ وَنَشَاطَهُ فِيمَا يُحِبُّ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ جَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا فَتَرَكَهَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ إِذَا أعْطَى صَدَقَتَهُ بِيَمِينِهِ كَادَ أَنْ يُخْفِيَهَا مِنْ شِمَالِهِ، وَرَجُلٌ إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ فَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى" 4
57- حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حَمَّادٍ1، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُوسَى الطَّائِفِيُّ2، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ عِيسَى3 قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، وَلَهُ فَضْلُ أجورهم، فإذا (ق 58/ ب) كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَظَلَّهُ اللَّهُ بِظِلِّ عَرْشِهِ، وَأَطْعَمَهُ مِنْ ثَمَرِ
الْجَنَّةِ، وَشَرِبَ مِنَ الْكَوْثَرِ وَاغْتَسَلَ مِنَ السَّلْسَبِيلِ1. 58- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى2، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَسَدِيُّ3، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ غَسَّانَ الْعَبْدِيِّ4، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَلْمٍ1، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ2، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَا آيَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "آيَةُ الكرسي، ما السموات السَّبعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ تِلْكَ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ" 3.
59- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ لَيْثٍ1، عَنْ مُجَاهِدٍ قال: "ما السموات وَالْأَرْضُ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِالْفَلَاةِ، وَمَا أُخِذَتْ مِنَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَمَا أُخِذَتْ تِلْكَ الْحَلْقَةُ مِنَ الْأَرْضِ"2. 60- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ3، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَزْوَانَ4، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ5، حَدَّثَنِي
أَبِي1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ2، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ3، عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ4، عَنْ أَبِي مُوسَى5- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-
قَالَ: "الْكُرْسِيُّ (ق 59/أ) مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَلَهُ أَطِيطٌ كَأَطِيطِ الرَّحْلِ"1. 61- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ2، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ3، عَنْ
سُفْيَانَ1، عن عمار الذهني2، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ3، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] : {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} قَالَ: "الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَالْعَرْشُ لَا يُقَدِّرُ أَحَدٌ قَدْرَهُ"4.
62- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَهْرَامَ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ2، عَنْ مَعْمَرٍ3، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ4، عَنْ وَهْبِ بْنِ
مُنَبِّهٍ1، قَالَ: الْعَرْشُ مَسِيرَةُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ2. 63- حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ3، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ1، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ2، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَأْ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِيهَا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ" 3.
64- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ1، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ2، عَنْ حَسَّانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ3 عَنْ
هِشَامٍ1، عَنِ الْحَسَنِ2، قَالَ: "مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِائَةَ أَلْفٍ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْحَجِّ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَ فُلَانًا الْعَامَ بِالْحَجِّ، ولو أن (ق 59/ ب) لَهُ مِائَةَ أَلْفٍ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْعُمْرَةِ حتى ينادي منادي مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَ فُلَانًا بِالْعُمْرَةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ فِيمَا بَيْنَ صَفَّيْنِ فَضَرَبَ مِائَةَ أَلْفِ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ لَمْ يُرْزَقِ الشَّهَادَةَ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ قَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ فُلَانًا بِالشَّهَادَةِ3.
65- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ1، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ2، عَنْ أَبِي صَالِحٍ3، عَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} 4، قَالَ: 5الْبَحْرُ بَحْرُ السَّمَاءِ الَّذِي تَحْتَ الْعَرْشِ: الْمَحْبُوسُ عَنِ الْعِبَادِ"6.
66- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ1، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيُّ2، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ3، عَنْ أَبِيهِ4، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحْتَ الْعَرْشِ الرَّحِمُ تُنَادِي
اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي، وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي وَالْأَمَانَةَ" 1. 67- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ طَارِقٍ2، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ3 عَنْ أَبِيهِ4، عَنْ حَبَّةَ
الْعُرَنِيِّ1، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْكَوَّاءِ2 لعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه -: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَآيَةً قَدْ أَفْسَدَتْ عَلَيَّ قَلْبِي، وَشَكَّكَتْنِي فِي دِينِي، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المؤمنين: "ويحك يابن الْكَوَّاءِ، وَمَا هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي أَفْسَدَتْ عَلَيْكَ قَلْبَكَ وَشَكَّكَتْكَ فِي
دِينِكَ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} 1، مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ وَمَا هَذِا الصَّفُّ؟ وَمَا هَذَا التَّسْبِيحُ؟ فَقَالَ لَهُ أمير المؤمنين: يابن الْكَوَّاءِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ فِي صُوَرٍ شَتَّى، وَإِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا فِي صُورَةِ دِيكٍ أَشْهَبَ، بَرَاثِنُهُ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى السَّابِعَةِ، وَعُرْفُهُ مُثَنًّى تَحْتَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، لَهُ جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ مِنْ نَارٍ، وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ مِنْ ثَلْجٍ، فَإِذَا حَضَرَ وَقْتُ كُلِّ صَلَاةٍ قَامَ عَلَى بَرَاثِنِهِ2 وَأَقَامَ عُرْفَهُ تَحْتَ الْعَرْشِ، ثُمَّ صَفَّقَ بِجَنَاحَيْهِ كَمَا تُصَفِّقُ الدِّيَكَةُ فِي مَنَازِلِكُمْ، فَلَا الَّذِي مِنَ النَّارِ يُذِيبُ الثَّلْجَ، وَلَا الَّذِي مِنَ الثَّلْجِ يُطْفِئُ الَّذِي مِنَ النَّارِ، ثُمَّ نَادِى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا خَيْرُ النَّبِيِّينَ، فَتَسْمَعُهُ الدِّيَكَةُ فِي مَنَازِلِكُمْ فَتُصَفِّقُ بِأَجْنِحَتِهَا فَتَقُولُ كَنَحْوٍ مِنْ قَوْلِهِ، فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} 3.
68- حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ1، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ2، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَكِّيُّ3، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ4 أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أمِّ سَعْدٍ امْرَأَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ5 قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَرْشُ عَلَى مَلَكٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ فِي صُورَةِ دِيكٍ رِجْلَاهُ فِي التُّخُومِ السُّفْلَى وَعُنُقُهُ مَثْنِيَّةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَجَنَاحَاهُ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَإِذَا سَبَّحَ اللَّهَ ذَلِكَ الْمَلَكُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ إِلَّا سَبَّحَ" 1. 69- حَدَّثَنَا أَبِي، وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ2 عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ3، قَالَ: "كَانَ مَلَكُ الْمَوْتِ
صَدِيقًا لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: يَا ملك الموت مالك، تَأتِي أَهْلَ الدَّارِ فَتَأْخُذَ أَهْلَهَا كُلَّهُمْ، وَتَدَعَ الدَّارَ إِلَى جَنْبِهِمْ لَا تَأْخُذَ مِنْهُمْ أحَدًا؟ قَالَ: مَا أَنَا بِأَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْكَ، إِنَّمَا أَكُونُ تَحْتَ الْعَرْشِ فيلقى إلي صكاكا1 فِيهَا أَسْمَاءٌ"2
70- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ1، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ2، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ3، عَنِ الْحَكَمِ4، عَنْ
مُجَاهِدٍ، قَالَ: "لَقِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَلَكَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَأتِي الْقَريَةَ فتَذْهَبَ بأَهْلِهَا، وَالْقَرْيَةُ الْأُخْرَى إِلَى جَنْبِهَا لا تذهب منهم بِأَحَدٍ؟ فَقَالَ: وَأَنْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا؟ مَا لِي بِهَذَا عِلْمٌ، إِنَّمَا هِيَ رِقَاعٌ أَوْ صِكَاكٌ تَسْقُطُ إِلَيَّ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ"1. 71- حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى2، حَدَّثَنَا سَيْفٌ3، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَكْتُوبٌ فِي سَقْفِ الْعَرْشِ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي" 2.
72- حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ1، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ2، حَدَّثَنَا مسلمة بن حامد3، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الضَّحَّاكِ الْجُمَحِيِّ4 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ وَهُوَ يَبْتَسِمُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا يُضْحِكُكَ؟ " قَالَ: "ضَحِكْتُ مِنْ رَحِمٍ رَأَيْتُهَا مُعَلَّقَةً بِالْعَرْشِ تَدْعُو اللَّهَ عَلَى مَنْ قَطَعَهَا"، قَالَ: "قُلْتُ: يَا
جِبْرِيلُ كَمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا؟ " قَالَ: "خَمْسَةَ عَشَرَ أَبًا" 1. 73- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ2، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ3، قَالَا: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ4، عَنْ
هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ1، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ2، عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ جَاءُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "مَا عِنْدِي وَلَكِنِ اسْتَقْرِضْ عَلَيْنَا" 4 حَتَّى يَأْتِيَنَا
فَنَقْضِيَكَ، قَالَ عُمَرُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ [مَا كلفك الله] 1 (ق 60/ ب) هَذَا، أَعْطَيْتَ مَا عِنْدَكَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ فَلَا تَكَلَّفْهُ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ عُمَرَ حَتَّى عَرَفَ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ2، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَعْطِ وَلَا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا3، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ: "بِهَذَا أُمِرْتُ" 4.
74- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ1، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ2، عَنْ مُحَارِبٍ3، عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولِ اللَّهِ أَيُّ الْبِقَاعِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "لَا أَدْرِي" أَوْ سَكَتَ، قَالَ: فَأَيُّ الْبِقَاعِ شَرٌّ؟ قَالَ: "لَا أَدْرِي" أَوْ سَكَتَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: "لَا أَدْرِي"، قَالَ: سَلْ رَبَّكَ، قَالَ "مَا نَسْأَلُهُ عَنْ شَرٍّ"، وَانْتَفَضَ انْتِفَاضَةً كَادَ يَصْعَقُ مِنْهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَعِدَ جِبْرِيلُ قَالَ لَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "سَأَلَكَ مُحَمَّدٌ أَيُّ الْبِقَاعِ خَيْرٌ؟ قُلْتَ: لَا أَدْرِي، وَسَأَلَكَ أيُّ الْبِقَاعِ شَرٌّ؟ قُلْتَ:
لَا أَدْرِي"، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "فَحَدِّثْهُ أَنَّ خَيْرَ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ، وَشَرَّ الْبِقَاعِ الْأَسْوَاقُ" 1. 75- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى2، حَدَّثَنَا أَبِي3،
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى1، عَنِ الْحَكَمِ2، عَنْ مِقْسَمٍ3، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: بَيْنَا جِبْرِيلُ مَعَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ق 61/ أ) يُنَاجِيهِ، إِذِ انْشَقَّ أفُقُ السَّمَاءِ، فَدَخَلَ جِبْرِيلَ مِنْ ذَلِكَ خَوْفٌ، فَإِذَا مَلَكٌ قَدْ تمَثَّلَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَخْتَارَ عَبْدًا نَبِيًّا، أَوْ مَلِكًا نَبِيًّا، فَأَشَارَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ بِيَدِهِ
أَنْ تَوَاضَعْ، فَقُلْتُ: "عَبْدًا نَبِيًّا، فَارْتَفَعَ ذَلِكَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ فَقُلْتُ: "يَا جِبْرِيلُ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا، فَرَأَيْتُ مِنْ حَالِكَ مَا شَغَلَنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا إِسْرَافِيلُ خَلَقَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَافًّا قَدَمَيْهِ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّبِّ سَبْعُونَ نُورًا، مَا مِنْهَا نُورٌ يَكَادُ يَدْنُو مِنْهُ إِلَّا احْتَرَقَ، بَيْنَ يَدَيْهِ لَوْحٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ فِي الْأَرْضِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ اللَّوْحُ فَضَرَبَ جَبِينَهُ، فَيَنْظُرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِي أَمَرَنِي بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مِيكَائِيلَ أمَرَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مَلَكِ الْمَوْتِ أمَرَهُ بِهِ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ وَعَلَى أَيْ شَيْءٍ أَنْتَ؟ قَالَ: عَلَى الرِّيحِ وَالْجُنُودِ، قُلْتُ: وَعَلَى أَيْ شي مِيكَائِيلُ؟ قَالَ: عَلَى النَّبَاتِ وَالْقَطْرِ، قُلْتُ: وعَلَى أَيْ شيء مَلَكُ الْمَوْتِ؟ [قَالَ] 1: عَلَى قَبْضِ الْأَنْفُسِ، وما ظننته (ق 61/ ب) هَبَطَ إِلَّا لِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَمَا الَّذِي رَأَيْتَ مِنِّي إِلَّا خَوْفًا مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ"2.
76- حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ يَعْقُوبَ1، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ2،
عَنْ أَبَانَ1، عَنْ أَنَسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "مَا مِنْ خَلْقِي أَحَدٌ أقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَإِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةَ أَلْفِ عَامٍ"2.
77- حَدَّثَنَا طَاهِرُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ2، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ1، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ2، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى3 أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ [هَلْ تَرَى رَبَّكَ] 4؟ فَقَالَ: "إِنَّ
بَيْنِي وَبَيْنَهُ سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ لَوْ دَنَوْتُ مِنْ أَحَدِهَا احْتَرَقْتُ" 1.
78- حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ1، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ2 عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ3، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ4، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، بَيْنَمَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَعِنْدَهُ جِبْرِيلُ حَتَّى جَاءَتْ مِنْ جِبْرِيلَ نَظْرَةٌ قِبَلَ السَّمَاءِ فَامْتَقَعَ1 لَهَا لَوْنُهُ حَتَّى صَارَ كَرَمْدَةٍ2 وَلَاذَ رَسُولُ اللَّهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ حَيْثُ نَظَرَ جِبْرِيلُ، فَإِذَا هُوَ بِشَيْءٍ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ يُخَيِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مَلَكًا رَسُولًا أَوْ عَبْدًا رَسُولًا، فَالْتَفَتُّ إِلَى جِبْرِيلَ فَإِذَا هُوَ قَدْ رَجَعَ لَوْنُهُ، ثُمَّ ضَرَبَ رُكْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تَوَاضَعْ وَكُنْ عَبْدًا رَسُولًا، أَوْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "أَكُونُ رَسُولًا"، فَرَفَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ، ثُمَّ رَفَعَ الْيُسْرَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ رَفَعَ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ كُلَّمَا ارْتَفَعَ بَعُدَ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ
لِجِبْرِيلَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ"، وَجِبْرِيلُ يَقُولُ، لِلنَّبِيِّ: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ"-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ: "يَا جِبْرِيلُ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ ذُعْرًا وَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا أذْعَرَكَ مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنِكَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا تَلُمْنِي أَنْ أُذْعَرَ مِنْ هَذَا، إِنَّ هَذَا إِسْرَافِيلُ وَهُوَ حَاجِبُ الرَّبِّ، وَمَا يَزُولُ مِنْ مرتبته بَيْنِ يَدَيْهِ مُنْذُ خلق الله السموات وَالْأَرْضَ حَتَّى كَانَ الْيَوْمُ، فلما رأيته (ق 62/ أ) رَأَيْتُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَهُوَ الَّذِي رَأَيْتَ مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنِي، فَلَمَّا رَئَيْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا اخْتَصَّكَ اللَّهُ بِهِ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي، وَهَذَا الَّذِي تَرَى مِنْ أقْرَبِ خَلْقِ اللَّهِ، إِلَى اللَّهِ اللَّوْحُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ1، وَهُوَ مَلَكٌ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ"2. 79- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ3، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ4، قال ذكر مطرح بْنُ
يَزِيدَ1، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ2، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ3، عَنِ
الْقَاسِمِ1، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-2، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا انْتَهَى مَلَكُ الْمَوْتِ بِرُوحِ الْمُؤْمِنِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ لَهُ: مَرْحَبًا بِهَذِهِ النَّفْسِ الطَّيِّبَةِ وَبِجَسَدٍ خَرَجَتْ مِنْهُ، وَإِذَا قَالَ لِشَيْءٍ: مَرْحَبًا، رَحَّبَ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ الضِّيقُ، انْطَلِقُوا بِهَذِهِ النَّفْسِ الطَّيِّبَةِ فَأَرُوهَا مَقْعَدَهَا مِنَ الْجَنَّةِ، وَاعْرِضُوا عَلَيْهَا مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنَ الْكَرَامَةِ، مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْخَدَمِ وَالْأَزْوَاجِ، ثُمَّ اهْبِطُوا بِهَا إِلَى الْأَرْضِ فَإِنِّهَا قَدْ قَضَيْتُ أنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى" 3. 80- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو4
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ1، عَنْ عَمْرٍو2، عَنْ عِكْرِمَةَ3، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا قَضَى الْأَمْرَ في السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا- خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَصَوْتِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ فذَلِكَ قَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 4، قَالَ: وَيُسْتَرَقُ السَّمْعُ
هَكَذَا1 - فَوَصَفَ سُفْيَانُ2 بِيَدِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ بَعْضِهَا فَوْقَ بَعْضٍ - يُسْتَرَقُ السَّمْعُ، فَرُبَّمَا أدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ، وَرُبَّمَا لم يدركه حتى يَرْمِي بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَيَرْمِي بِهَا هَذَا إِلَى هَذَا وَهَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى يُلْقِيَهَا3 عَلَى فَمِ سَاحِرٍ وَكَاهِنٍ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيُصَدَّقَ فِيهَا، فَيُقَالُ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا بِكَذَا وَكَذَا فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا، وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعَهَا مِنَ السَّمَاءِ "4.
81- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى1، عَنْ سَعِيدٍ2، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ3، قَالَ: "لَيْسَ يَصْعَدُ إِلَى
اللَّهِ1 مِنْكُمْ إِلَّا ثَلَاثَةُ خِصَالٍ"، قِيلَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "عَمَلٌ صَالِحٌ، وَقَوْلٌ صَالِحٌ، وَرُوحٌ طَيِّبَةٌ"2. 82- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ بِشْرٍ3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ4، عَنْ لَيْثٍ5، عَنْ مُجَاهِدٍ6، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَفَّ المهاجرين والأنصار (ق 62/ ب)
صَفَّيْنِ، ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَمَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَضَحِكَ رسول الله عبيد فَقَالَ عَلِيٌّ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: "هَبَطَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ بَاهَى بِي، وَبِكَ يَا عَبَّاسُ، وَبِكَ يَا عَلِيُّ حَمَلَةَ العرش، وباهى بالمهاجرين وَالْأَنْصَارَ أَهْلَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا" 1. 83- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ2، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ
أَبِي إِسْحَاقَ1، عَنْ مُجَاهِدٍ2، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إن الله ليباهي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ قَالَ: يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا 3 غُبْرًا4" 5.
84- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ1، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ2، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ3، عَنْ أَبِي سَعْدٍ4، عَنِ الْحَسَنِ5 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ
عَرَفَةَ بِالنَّاسِ عَامَّةً، وَيُبَاهِي بِعُمَرَ خَاصَّةً"1. 85- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ2، عَنْ لَيْثٍ3، عَنِ الْقَاسِمِ
بْنِ أَبِي بَزَّةَ1، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: "أَمَّا مَوْقِفُكَ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، يَقُولُ: انْظُرُوا إلى عِبَادِي شعثا غبرا جاءوني مِنْ كُلِّ فَجٍّ2 عَمِيقٍ، جَاءُونِي يَرْجُونَ مَغْفِرَتِي، وَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِنَ الذُّنُوبِ مِثْلُ رَمْلِ عَالِجٍ3 وَعَدَدُ قَطْرِ السَّمَاءِ، وأيَّامَ الدُّنْيَا لَغَفَرَهَا اللَّهُ لَكَ" 4. 86- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ5، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ6، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ1، قال: حدثني زياد بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ2، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ3، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ- رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ-1، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -2، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِينَ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَفْتَحُ الذكر في (ق 63/ أ) السَّاعَةِ الْأُولَى، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ، ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ السَاعةِ الثَّانِيَةِ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ وَهِيَ دَارُهُ الَّتِي لَمْ يَسْكُنْهَا غَيْرُهُ، وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَهِيَ مَسْكَنُهُ وَلَا يَسْكُنُهَا مَعَهُ مِنَ بَنِي آدَمَ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ: النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ
الثَّالِثَةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِرُوحِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، فَتَنْتَفِضُ، فَيَقُولُ: قُومِي بِعِزَّتِي ثم يطلع على عِبَادِهِ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ يُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ، وَهَلْ مِنْ دَاعٍ أُجِيبَهُ، حَتَّى يَكُونَ صَلَاةُ الْفَجْرِ، وَكَذَلِكَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} 1 فَيَشْهَدُهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ" 2. 87- حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ الْحَارِثِ3، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ4، عَنِ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ5، عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ
حَبِيبٍ1، عَنْ مَكْحُولٍ2، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ3 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يَطَّلِعُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ" 4.
88- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ1، عَنْ لَيْثٍ2 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ3، عَنْ أَنَسِ بن مالك (ق 63/ ب) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الرَّبَّ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا مِنْ مِسْكٍ أفْيَحَ 1، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَيَنْزِلُ عَنْ كُرْسِيِّهِ مِنْ عِلِّيِّينَ 2 وَحُفَّ الكُرْسِيُّ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَواْهَرِ، وَيَجِيءُ النَّبِيُّونَ فَيَجْلِسُونَ عَلَى تِلْكَ الْمَنَابِرِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ الْغُرَفِ فَيَجْلِسُونَ عَلَى ذَلِكَ الْكَثِيبِ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمِ نِعْمَتِي، وَهَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي فَاسْأَلُونِي قَالَ: فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا، قَالَ: فَلَيْسُوا إِلَى شَيْءٍ أحْوَجَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ - عَزَّ وَجَلَّ-" 3.
89- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ1، حدثنا سعيد بن عَبْدِ الَرزَّاقِ2
عَنْ ثَوْرٍ1، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ2، قَالَ: يَطَّلِعُ اللَّهُ إِلَى الزَّرْعِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ نِيسَانَ، فَيَقُولُ لِيَلْحَقْ آخِرُكَ بِأَوَّلِكَ3. 90 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَثِيرٍ4، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ5، عَنْ
صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو السَّكْسَكِيِّ1، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ2، عَنْ كَعْبٍ3 قَالَ: إِذَا كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ نِيسَانَ أَوْ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْأَرْضِ فَيَنْظُرُ إِلَى الزَّرْعِ فَيَقُولُ لِيَلْحَقْ آخِرُكَ بِأَوَّلِكَ1. آخر كتاب العرش.
مصادر ومراجع
مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع "الأباطيل": الجوزقاني، أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم (ت 540 هـ) ، تحقيق عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، الجامعة السلفية بنارس. "الإبانة عن أصول الديانة": أبو الحسن الأشعري علي بن إسماعيل (ت 324 هـ) ، حققه وخرج أحاديثه عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة دار البيان، الطبعة الأولى 1401هـ. "الإبانة": العكبري، عبيد الله محمد بن بطة الحنبلي (ت 387 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري. "ابن تيمية السلفي ونقده لمسالك المتكلمين والفلاسفة في الإلهيات": محمد خليل هراس، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1404 هـ. "ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل ": محمد السيد الجليند، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1393 هـ. "ابن سينا بين الدين والفلسفة"، غرابة حمودة، رسالة ماجستير من كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، مكتوب بالآلة الكاتبة. "الإتقان في علوم القرآن": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، دار الفكر، بيروت، وطبعة: مصطفى الحلبي وأولاده. "إثبات صفة العلو لله تعالى": ابن قدامة، موفق الدين، أبو محمد عبد الله ابن أحمد (ت. 62 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 1528
"اجتماع الجيوش الإسلامية": ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر الحنبلي (751 هـ) ، دار المعرفة. "الأحاديث الطوال": الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت 360 هـ) ، المطبوع في آخر "المعجم الكبير" بتحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. "أخبار أصبهان": أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله بن أحمد (ت.43 هـ) ، ط. ليدن 1931 م. "أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار": الأزرقي أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد، تحقيق: رشدي الصالح ملحس، مطابع دار الثقافة، مكة المكرمة، الطبعة الرابعة. "الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة": ابن قتيبة، عبد الله ابن مسلم الدنيوري (ت 276 هـ) ، تحقيق: علي سامي النشار، منشأة المعارف الإسكندرية 1971 م. 14-"الأدب المفرد،: البخاري، محمد بن إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 15- "الأذكار": النووي، محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف (ت 676 هـ) ، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان 1399 هـ. 16- "الأربعين في دلائل التوحيد": الهروي، أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي (ت481 هـ) ، تحقيق: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي. 17- "الاستقامة": ابن تيمية، أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت 728 هـ) ، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى، 1403 هـ.
18- "الاستيعاب في أسماء الأصحاب": ابن عبد البر، أبو عمر بن عبد الله ابن محمد (ت 463 هـ) ، الناشر: دار اللا! تاب العربي، بيروت. 19- "أسد الغابة في معرفة الصحابة": لعز الدين علي بن محمد بن الأثير الجزري، ط. دار الشعب، القاهرة 1390 هـ. 25- "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة": ملا علي القارئ، علي بن محمد (ت 1014 هـ) ، تحقيق: محمد الصباغ، مطبعة دار القلم، بيروت 1391 هـ. 21- "الأسماء والصفات": البيهقي، أبوبكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيرورت، الطبعة الأولى 1405 هـ. 22- "الإشارات والتنبيهات": أبو علي بن سينا (ت 428 هـ) ، تحقيق: د. سليمان دنيا، دائرة المعارف بالقاهرة 1965 م. 23- "الإصابة في تمييز الصحابة": ابن حجر العسقلاني، دار الكتاب العربي، بيروت. 24- "أصول الدين": البغدادي، أبي منصور عبد القاهر بن طاهر (ت 429 هـ) ، طبعة مصورة من الطبعة الأولى باستانبول 1346 هـ. 25- "أصول السنة": ابن أبي زمنين، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الألبيري (ت 324 هـ) ، تحقيق: محمد إبراهيم هارون، مطبوع على الآلة الكاتبة. 26- "الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد": أبو بكر البيهقي، أحمد بن الحسين (ت 458 هـ) ، قدم له وخرج أحاديثه وعلق حواشيه. أحمد عصام الكاتب، دار الآفاق الجديدة، الطبعة الأولى 1401 هـ. 27- "الأعلام": الزركلي، خير الدين، الطبعة الثانية.
"أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات": مرعي بن يوسف الحنبلي، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 2532. "الاقتصاد في الاعتقاد": الغزالي أبي حامد محمد بن محمد (ت 505 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1453 هـ. "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم": ابن تيمية، أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت 728 هـ) ، تحقيق: محمد علي الصابوني، مطابع المجد التجارية. "الأنساب": أبو سعد السمعاني، عبد الكريم بن محمد بن منصور (562 هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدرأباد. "البداية والنهاية": ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء، إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 هـ) ، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة. الرابعة 1401 هـ. "البعث والنشور"، البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين (ت 458 هـ) ، نسخة مصورة من مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية رقم 502، وكذلك القسم المحقق منه، وحققه: د. عبد العزيز الصاعدي، مكتوب على الآلة الكاتبة. "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية": "نقض تأسيس الجهمية": شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، ط. 1 مطبعة الحكومة 6 مكة المكرمة 1391 هـ. "البيهقي وموقفه من الإلهيات": د. أحمد بن عطية الغامدي، المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية.
"تاج العروس من جواهر القاموس": الزبيدي، محمد مرتضى، مطبعة حكومة الكويت، وطبعة مكتبة الحياة، لبنان. "تاريخ الأدب العربي"، كارل بروكلمان، ترجمة: عبد الحليم النجار، دار المعارف بالقاهرة. "تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي": د. حسن إبراهيم حسن، الناشر: مكتبة النهضة المصرية، الطبعة التاسعة 1979 م. "تاريخ الأمم الإسلامية": محمد خضري بك، المكتبة التجارية الكبرى 1969 م. "تاريخ بغداد": الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي (ت 463 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. "تاريخ التراث العربي": فؤاد سزكين، ترجمة: محمود فهمي حجازي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض 1403 هـ. "تاريخ جرجان": السهمي أبو القاسم حمزة بن يوسف (ت 479 هـ) ، عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1401 هـ. "تاريخ الجهمية والمعتزلة": جمال الدين القاسمي الدمشقي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1401 هـ. "تاريخ الرسل والملوك": "تاريخ الطبري": محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) ، دار المعارف، القاهرة 1968 م. "التاريخ الصغير": البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ) ، إدارة ترجمان السنة، أبيك رود، لاهور.
"التاريخ الكبير": أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت256هـ) ، تصحيح: المعلمي، دائرة المعارف العثمانية، حيدرأباد 1378 هـ. "تأويل مختلف الحديث": ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 هـ) ، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت. "التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين": أبي المظفر الإسفراييني، تحقيق: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1403 هـ. "تبيين كذب المفتري": ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله (ت 571 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت 1399 هـ. "التجسيم عند المسلمين": سهير محمد مختار، ط. شركة الإسكندرية للطباعة والنشر. "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف": المزي، أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن (ت 742 هـ) ، ط. المطبعة القيمة بومباي، الهند. "تذكرة الحفاظ": الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين (ت 448 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، طبعة مصورة عن مطبعة دائرة المعارف بالهند. "التذكرة في أحوال الموتى والآخرة": القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح (ت 671 هـ) ، تحقيق: د. أحمد حجازي السقا، دار الكتب العلمية، بيروت. "الترغيب والترهيب": المنذري عبد العظيم بن عبد القوي (ت 656 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة 1388 هـ. "تفسير عبد الرزاق": عبد الرزاق بن همام الصنعاني، مخطوط برقم 1745 مصور ورقم 2263 ميكروفيلم.
"تفسير القرآن العظيم": ابن كثير: عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 هـ) ، دار المعرفة، بيروت، 1452 هـ. "تفسير القرطبي": "الجامع لأحكام القرآن": القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، وطبعة دار الكتب المصرية. "التفسير": ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي (ت 327 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة تحت رقم 279- 286 "نسخة المحمودية"، ورقم 1480- 1874 "نسخة أيا صوفيا". "تفسير الطبري": "جامع البيان في تأويل آي القرآن": الطبري، أبي جعفر محمد بن جرير (ت. 31 هـ) ، ط. شركة ومكتبة مصطفى الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الثالثة، ونسخة أخرى، تحقيق: محمود شاكر، طبعة دار المعارف بمصر. "التفسير الكبير": فخر الدين الرازي، محمد بن عمر (ت 606 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة. "تفسير الماتريدي" المسمى: "تأويلات أهل السنة": الماتريدي، أبي منصور محمد بن محمد الماتريدي السمرقندي (ت 333 هـ) ، تحقيق: د. إبراهيم عوضين والسيد عوضين، ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بجمهورية مصر العربية 1391 هـ. "تقريب التهذيب": ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) ، دار نشر الكتب الإسلامية، باكستان 1393 هـ.
"التمهيد" ابن عبد البر أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد، ط. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب، الطبعة الثانية. "التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع": الملطي، أبو الحسين محمد ابن أحمد بن عبد الرحمن (ت 377 هـ) ، نشر دار الثقافة الإسلامية، الطبعة الأولى 1368 هـ. "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة": ابن عراق، أبو الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني (ت 963 هـ) ، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف/ عبد الله محمد الصديق، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1401 هـ. "تهذيب التهذيب": ابن حجر العسقلاني، طبعة مصورة من طبعة دائرة المعارف بالهند. "تهذيب السنن لأبي داود": ابن القيم، شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن أبي بكر (751 هـ) ، تحقيق: محمد حامد الفقي وأحمد شاكر، طبعة دار المعرفة، بيروت. "تهذيب الكمال في أسماء الرجال": المزي، الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف (ت 742 هـ) ، دار المأمون للتراث، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى 1402 هـ. "تهذيب اللغة": الأزهري، أبي منصور محمد بن أحمد، المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة، تحقيق: عبد السلام هارون. "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل": عبد الرحمن بن يحيى المعلمي (ت 1386 هـ) ، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، نشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد،
الرياض، الطبعة الثانية، 1403 هـ، 1983 م. "التوحيد": ابن منده، محمد بن إسحاق بن يحيى (ت 395 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة تحت رقم 50. "التوحيد وإثبات صفات الرب": ابن خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311 هـ) ، تعليق محمد خليل هراس، توزيع دار الباز، مكتبة مكة المكرمة. "توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة ابن القيم": أحمد ابن إبراهيم بن عيسى الشرقي، المكتب الإسلامي، 1382 هـ. "الثقات": ابن حبان، محمد بن حبان البستي (ت 354 هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد. "الجامع الصحيح": البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ) ، مع "فتح الباري لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) ، طبعة المكتبة السلفية. "الجامع الصغير": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، الطبعة الرابعة، دار الفكر. "الجرح والتعديل": الرازي، أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس (ت 327 هـ) ، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد 1271 هـ. "جلاء العينين في محاكمة الأحمدين"، نعمان خير الدين الشهير بابن الألوسي البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. "جمع الجوامع": "الجامع الكبير": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر (ت 911 هـ) ، مصور من النسخة الخطية.
"حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح": ابن القيم، محمد بن أبي بكر الدمشقي (ت 751 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. "الحبائك في أخبار الملائك"، السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، تعليق: عبد الله الصديق، مطبعة التأليف بمصر. "الحد": الدشتي، أبي محمد محمود بن القاسم بن بدران الدشتي، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 1496. "خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال": صفي الدين أحمد ابن عبد الله الخزرجي الأنصاري (ت 923 هـ) ، مكتب المطبوعات الإسلامية، بيروت، الطبعة الثالثة 1399 هـ. "خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل": البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ) ، تحقيق: على سامي النشار وعمار جمعي الطالبي، ضمن "عقائد السلف"، ط. منشأة المعارف بالإسكندرية. "حلية الأولياء": أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله (ت 430 هـ) ، ط. دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1387 هـ. "درء تعارض العقل والنقل": شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم (ت 728 هـ) ، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، الطبعة الأولى، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض. "الدر المنثور": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، دار المعرفة، بيروت.
"دفع شبه التشبيه": ابن الجوزي، جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي البغدادي (ت 597 هـ) ، المكتبة التوفيقية بالقاهرة. "ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل": الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت 748 هـ) ، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، بيروت. "ذيل الطبقات": ابن رجب، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين (ت 795 هـ) ، مطبعة السنة المحمدية 1372 هـ، تحقيق: محمد حامد الفقي. "رحلة ابن جبير": أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير، دار مكتبة الهلال، بيروت، لبنان 1981 م. "الرد على بشر المريسي": الدارمي، عثمان بن سعيد (ت 284 هـ) ، تحقيق: علي سامي النشار وعمار جمعي الطالبي، ضمن "عقائد السلف"، طبعة منشأة المعارف بالإسكندرية 1971 م. "الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن": الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، منشأة المعارف بالإسنكندرية 1971 م. "الرد على الجهمية": أبو عبد الله بن منده، محمد بن إسحاق (ت 395 هـ) ، تحقيق: د. علي بن محمد ناصر الفقيهي، الطبعة الثانية 1402 هـ، 1982 م. "الرد على الجهمية": الدارمي، عثمان بن سحيد (ت 282 هـ) ، تحقيق. زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1398 هـ. "الرد على المعطلة": الحكيم الترمذي، أبو عبد. الله محمد بن علي
(ت 295هـ) ، نسخة مصورة من نسخة دار الكتب المصرية تحت رقم 3282. "رسالة إلى أهل الثغر": أبو الحسن الأشعري، تحقيق: عبد الله شاكر الجنيدي، رسالة ماجستير من قسم الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية، مطبوعة على الآلة الكاتبة. "الرسالة التسعينية": شيخ الإسلام ابن تيمية، ضمن مجموعة "فتاوى ابن تيمية"، طبعة دار الفكر 1403 هـ. "الرسالة العرشية": شيخ الإسلام ابن تيمية، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده بمصر. "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني": للآلوسي، أبي الفضل شهاب الدين محمود البغدادي (ت 1270 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، مصورة من الطبعة المنيرية. "زاد المسير في علم التفسير": أبي الفرج ابن الجوزي، جمال الدين عبد الرحمن بن علي البغدادي (ت 597 هـ) ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1404 هـ. "الزهد": الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: محمد جلال شرف، دار النهضة العربية، بيروت، 1981 م. "الزهد": عبد الله بن المبارك المروزي (ت 181 هـ) ، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. "سلسلة الأحاديث الصحيحة". الألباني، محمد بن ناصر الدين، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى. 105- "السنن": الترمذي، أبي عباس محمد بن عيسى بن سوره
(ت 279 هـ) ، تحقيق: أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. "السنن": أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (ت 275 هـ) تعليق: عزت عبيد الدعاس، وعادل السيد، نشر وتوزيع محمد علي السيد، حمص، الطبعة الأولى 1388 هـ. "السنن" مع شرح السيوطي، وحاشية السندي: النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر (ت 303 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت. "السنن": ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت 275 هـ) تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، 1395 هـ. "السنة": الحافظ أبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني (ت 287 هـ) ، ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1400 هـ. "السنة": أحمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ) ، إدارة البحوث العلمية بالرياض. "السنة": عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني (ت 290 هـ) ، الناشر: المطبعة السلفية بمكة المكرمة 1349 هـ. "سير أعلام النبلاء": الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ) ، مؤسسة الرسالة. "سؤالات السهمي للدارقطني": السهمي، حمزة بن يوسف (ت 427 هـ) ، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى 1404 هـ.
شذرات الذهب في أخبار من ذهب": ابن العماد الحنبلي، أبو الفلاح عبد الله بن العماد (ت 1089هـ) ، دار المسيرة، بيروت، الطبعة الثانية 1399هـ. "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة": اللالكائي، أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري (ت 418 هـ) ، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع بالرياض. "شرح الأصول الخمسة": القاضي عبد الجبار بن أحمد، تحقيق: د. عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة بمصر، الطبعة الأولى 1384 هـ. "شرح السنة": البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء (ت 516 هـ) ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، 1394 هـ. "شرح العقيدة الطحاوية": ابن أبي العز الحنفي، علي بن محمد، تعليق وتخريج: الألباني، محمد بن ناصر الدين، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة 1391 هـ. "شرح جوهرة التوحيد" المسماة: "تحفة المريد": إبراهيم اللقاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ. "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري": الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان، توزيع مكتبة الدار بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1405 هـ. "الشريعة": الآجري، أبو بكر محمد بن الحسين (ت 360 هـ) ، تحقيق: محمد حامد الفقي، أحاديث أكادمي باكستان، الطبعة الأولى 1403 هـ.
"شعب الإيمان": البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين (ت 458 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة تحت رقم 316- 321، ونسخة مصورة في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري. "الصحاح": الجوهري، إسماعيل بن حماد، تحقيق: عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية،1402 هـ، 1982 م. "صحيح مسلم" المسمى: "الجامع الصحيح": مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261 هـ) ، دار المعرفة، بيروت، ونسخة أخرى بشرح النووي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1399 هـ. "الصفات": الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر (ت 380 هـ) ، تحقيق: الشيخ عبد الله الغنيمان، مكتبة الدار، ونسخة أخرى بتحقيق: د. علي ناصر الفقيهي، الطبعة الأولى 1403 هـ. "طبقات الحفاظ": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، مطبعة دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1403 هـ. "طبقات الشافعية الكبرى": السبكي تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، ومحمود الطناحي، ط. عيسى الحلبي، القاهرة 1383 هـ، ونسخة أخرى ط. المطبعة الحسينية بالقاهرة 1324 هـ. "طبقات المفسرين": الداودي، شمس الدين محمد بن علي بن أحمد (ت 945هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1403 هـ. "طبقات النحويين واللغويين": لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي،
تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، ط. سامي الخانجي، القاهرة 1373 هـ. "ظلال الجنة في تخريج السنة": ابن أبي عاصم، تحقيق: الألباني، محمد ناصر الدين، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1400 هـ. "ظهر الإسلام": أحمد أمين، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة 1388 هـ. "العبر في تاريخ من غبر": الذهبي، أبو عبد الله، شمس الدين محمد ابن أحمد (ت 748 هـ) ، تحقيق: فؤاد سيد، دائرة المطبوعات والنشر، الكويت 1961 م. "العصر العباسي الأول": شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، 1966 م. "العصر العباسي الثاني": شوقي ضيف، طبعة دار المعارف، القاهرة 1973 م. "العظمة": أبي الشيخ الأصبهاني أبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان (ت 369 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات في الجامعة الإسلامية تحت رقم 2496، 2497. "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية": ابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي التيمي (ت 597 هـ) ، تحقيق: إرشاد الحق الأثري، الناشر: دار العلوم الأثرية، فيصل أباد، باكستان، الطبعة الثانية 1401 هـ. "العلو للعلي الغفار": الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 هـ) ، الناشر: المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.
"عمدة القارئ شرح صحيح البخاري": للعيني، بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد (ت 855 هـ) ، دار الفكر، بيروت. "عمل اليوم والليلة": أبو بكر بن السني (ت 364 هـ) ، تحقيق وتعليق: عبد القادر أحمد عطا، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت 1399 هـ. "عمل اليوم والليلة": للنسائي، أحمد بن شعيب (ت 303 هـ) ، تحقيق: د. فاروق حمادة، طبعة دار الإفتاء، 1401 هـ. "كتاب العين": الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، ط. وزارة الثقافة والإعلام 1981 - 1982 م. "غاية المرام في علم الكلام": الآمدي، تحقيق: د. حسن محمود عبد اللطيف، ط. لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة 1391 هـ. "غرائب القرآن ورغائب الفرقان": نظام الدين الحسن بن محمد القمي النيسابوري، تحقيق: إبراهيم عطوه عوض، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، 1381 هـ. "فتح الباري": ابن حجر العسقلاني، محمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) ، المكتبة السلفية. "فتح القدير": الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (ت.1250 هـ) ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية 1383 هـ. "الفتوى الحموية الكبرى": شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) ، المكتبة السلفية، القاهرة، الطبعة الثالثة 1398 هـ. "الفرق بين الفرق": عبد القاهر بن طاهر البغدادي، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، نشر: دار المعرفة، بيروت، لبنان.
"الفصل في الملل والأهواء والنحل ": لابن حزم الظاهري، أبي محمد علي بن أحمد (ت 456 هـ) ، الناشر: مكتبة الخانجي بمصر. "الفهرست": النديم، محمد بن إسحاق النديم، تحقيق: رضا- تجدد، بدون. "الفوائد": سموية أبو بشر إسماعيل بن مسعود الأصبهاني (ت 267 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 543 (136- 147) . "فيض القدير شرح الجامع الصغير": المناوي، محمد المدعو بعبد الرؤوف المناوي (ت 1301 هـ) ، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1391 هـ. "القدر": الفريابي، أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن (ت 301 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات في الجامعة الإسلامية تحت رقم (2570) . "الكامل في ضعفاء الرجال": ابن عدي، أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (ت 365هـ) ، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، عام 1404 هـ. "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل": الزمخشري، أبي القاسم جار الله محمود بن عمر الخوارزمي (ت 538 هـ) ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1385 هـ. "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون": حاجي خليفة، مصطفى ابن عبد الله، مكتبة المثنى بغداد.
"الكليات": لأبي البقاء، أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، تحقيق: عدنان درويش، ط. إحياء التراث العربي. "كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال": علاء الدين علي بن المتقي ابن حسام الدين الهندي (ت 975 هـ) ، مؤسسة الرسالة، 1399 هـ. "الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات": ابن الكيال، أبو البركات محمد بن أحمد (ت 939 هـ) ، تحقيق: عبد القيوم بن عبد رب النبي، دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى 1401 هـ. "اللآلى المصنوعة في الأحاديث الموضوعة": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1401 هـ. "اللباب في تهذيب الأنساب": ابن الأثير الجزري (ت 630 هـ) ، دار صادر، بيروت، 1400 هـ. "لب اللباب في تحرير الأنساب": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، مكتبة المثنى، بغداد. "لسان العرب": ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم المضري، دار صادر، بيروت، ونسخة دار المعارف، القاهرة. "لسان الميزان": ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) ، طبعة مصورة من طبعة دائرة المعارف بالهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثانية، 1390 هـ. "لطائف المعارف": ابن رجب الحنبلي، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد، ط. مكتبة الرياض الحديثة.
"متشابه القرآن": القاضي عبد الجبار المعتزلي، دار التراث، القاهرة. "المتكلمون في الرجال": السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن (ت 902 هـ) ، ضمن أربع رسائل في علوم الحديث، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، الطبعة الخامسة 1404 هـ. "المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين": ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم البستي (ت 354 هـ) ، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي بحلب، الطبعة الأولى 1396 هـ. "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد": الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر (ت 807 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت 1402 هـ. "مجموع الفتاوى": شيخ الإسلام ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الحراني (ت 728 هـ) ، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، دار العربية، بيروت، طبعة مصورة عن الطبعة الأولى. "مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة": ابن قيم الجوزية، اختصره: محمد الموصلي، دار الفكر. "مختصر العلو للعلي الغفار" الذهبي، تحقيق: الألباني، محمد ناصر الدين، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1401 هـ. "مختصر قيام الليل": المروزي، أبو عبد الله محمد بن نصر (ت 294 هـ) ، حديث أكادمي، باكستان، الطبعة الأولى 1402 هـ. "مدارج السالكين": ابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) ، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان 1972 م.
"مروج الذهب ومعادن الجوهر": المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، المطبعة الأزهرية المصرية 1403 هـ. "المستدرك على الصحيحين": الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري (ت 405 هـ) ، دار الفكر، بيروت، 1398 هـ. "المسند": أحمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ) ، دار صادر، بيروت. "المسند": للبزار، أبو بكر أحمد بن عمرو (ت 292 هـ) ، نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم (804- 1907) . "المسند": أبي يعلى الموصلي، أحمد بن علي (ت 307 هـ) ، نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة تحت رقم (301- 306 و1097) ، والقسم المحقق منه حققه فالح الصغير. "مشتبه النسبة": للأزدي، الطبعة الهندية. "مشكل الحديث وبيانه": ابن فورك، أبو بكر محمد بن الحسن (ت 406 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 1450 هـ. "المصنف": أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد (ت 235 هـ) ، الدار السلفية، بومباي، الطبعة الأولى. "المعتمد في أصول الدين": القاضي أبي يعلى، محمد بن الحسين ابن الفراء (ت 458 هـ) ، دار المشرق، بيروت، تحقيق: د. وديع زيدان حداد. "المعجم الكبير": الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت 360 هـ) ، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الدار العربية بغداد الطبعة الأولى.
"معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع": عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري، تحقيق: مصطفى السقا، ط. لجنة التأليف والترجمة، 1368 هـ. "المعجم المفهرس": ابن حجر العسقلاني، أحمد بن محمد بن علي (ت 852 هـ) ، نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم (897 هـ) . "معجم مقاييس اللغة": ابن فارس، أبو الحسن أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة مصطفى الحلبي، الطبعة الثانية. "المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم": محمد طاهر بن علي الهندي (ت 986 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت، 1402 هـ. "المفردات في غريب القرآن": أبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (502 هـ) ، دار المعرفة، بيروت. "المقاصد الحسنة": للسخاوي، شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن (ت 902 هـ) ، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1399 هـ. "مقالات الإسلاميين": أبو الحسن الأشعري، علي بن إسماعيل (ت 324 هـ) ، تحقيق: محمد محي الدين، مكتبة النهضة المصرية، 1389 هـ. "مكارم الأخلاق": الخرائطي، أبي بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل السامري، راجعه وقدم له: أبو محمد عبد الله بن حجاج، الناشر: مكتبة السلام العالمية، القاهرة.
"الملل والنحل": الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم (ت 548 هـ) ، تحقيق: محمد سيد الكيلاني، مصطفى الحلبي، القاهرة 1387 هـ. مناهل العرفان": الزرقاني، محمد بن عبد العظيم، دار الفكر، بيروت. "المنتظم": أبو الفرج بن الجوزي، عبد الرحمن بن علي (ت 597 هـ) ، ط. دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد، 1359 هـ. "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية": شيخ الإسلام ابن تيمية، دار الكتب العلمية. "المنهاج في شعب الإيمان": أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي (ت 403 هـ) ، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1399 هـ. "المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد": أبي اليمن مجير الدين عبد الرحمن بن محمد العليمي (ت 928 هـ) ، تحقيق: محمد محي الدين، عالم الكتاب، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ. "منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات": الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، مطبوعات الجامعة الإسلامية. "موقف المعتزلة من السنة النبوية": أبو لبابة حسين، نشر دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى 1399 هـ. "ميزان الاعتدال": الذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ) ، تحقيق: علي البيجاوي، دار المعرفة، بيروت. "النجاة": ابن سينا، ط. محي الدين صبري الكردي، الطبعة الثانية، القاهرة 1357 هـ.
"النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة": ابن تغري بردي الأتابكي، دار الكتب المصرية. "النزول": الدارقطني، أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت 385 هـ) ، تحقيق: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، الطبعة الأولى، بدون. "النهاية": ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ) ، تحقيق: إسماعيل الأنصاري، مطابع مؤسسة النور، الرياض، 1388 هـ. "النهاية في غريب الحديث": ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت 606 هـ) ، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناجي، نشر المكتبة الإسلامية. "الوافي بالوفيات": الصفدي، طبع سنة 1381 هـ.