العرش وما روي فيه - محققا

محمد بن عثمان بن أبي شيبة

مقدمة

العرش وما روي فيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة دراسة وتحقيق: محمد بن خليفة التميمي بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد: فما من بناء إلا وله أصل وأساس يقوم عليه، ديان أصل بناء الإسلام وأساسه الذي يقوم عليه هو توحيد الله، الذي يشتمل على معرفة الله تعالى باسمائه وصفاته، ومعرفة ما يجب له على عباده. ومن المعلوم أن هذه المعرفة وهذا التوحيد لا يتحقق ولا يكون إلا عن طريق ما أنزله الله في كتابه، أو ما شرعه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إذ أن هذا هو السبيل الوحيد إلى ذلك، فالله سبحانه وتعالى قد أتم لهذه الأمة أمر دينها وأكمله، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينا} 1، كما أن نبيه صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لأمته حتى تركها على المحجة البيضاء، فقد قال

_ 1سورة المائدة، الآية: 3.

: " وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء"1، فما من سبيل إلى معرفة أمور هذا الدين إلا عن طريق الكتاب والسنة. ولقد كان لجانب توحيد الله الحظ الأوفر، والنصيب الأعظم، من ذلك البيان والإيضاح الذي جاءت به آيات القرآن ونصوص السنة المتواترة، ولقد عرف السلف من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم ذلك المنهج الذي يعرف به توحيد الله حق المعرفة، فطبقوه أتم التطبيق، فلذلك كان الكتاب والسنة هما المنبع الوحيد الذي يستمدون منه ما يجب عليهم تجاه خالقهم عز وجل. ولقد صنف كثير من السلف وبخاصة في القرنين الثالث والرابع الهجريين مؤلفات ورسائل كثيرة في مسائل أسماء الله وصفاته، فبينوا فيها ما يجب على المسلم تجاه هذا الأمر العظيم، وقد اعتمدوا في تصانيفهم تلك على نصوص القرآن والسنة، وقد كان من ضمن تلك المؤلفات كتاب "العرش" للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وقد عالج المصنف- رحمه الله- في هذا الكتاب مسألة تعد من أهم مسائل الأسماء والصفات، بل ومن أهم مسائل العقيدة وأخطرها، ألا وهي: مسألة علو الله عز وجل على خلقه، واستوائه على عرشه. ولقد وقع اختياري على "كتاب العرش " هذا لكي يكون هو موضوع رسالتي في مرحلة الماجستير، ولعل من أهم الأسباب والدوافع التي جعلتني أقدم على تحقيق الكتاب ما يلي:

_ 1سنن ابن ماجه: (4/ 4، حديث 5) .

أولا: كونه يبحث في مسألة هي من أعظم المسائل التي ينبغي على المسلم معرفتها في باب الأسماء والصفات، وهي مسألة علو الله عز وجل واستوائه على عرشه، الثابتة في الكتاب والسنة المتواترة. ثانيا: كون المؤلف قد سار على طريقة السلف ومنهجهم في تأليفه لهذا الكتاب، وذلك لاعتماده في مادة الكتاب على آيات من القرآن، وعلى الأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم. ثالثا: رغبتي الشخصية في الاشتغال بتحقيق المخطوطات من تراث سلفنا الصالح، وبخاصة في مجال العقيدة، وذلك لكونها ترجع إلى الأصول الأولى المستمدة من الكتاب والسنة، ولخلوها من شوائب الفلسفة والانحراف. رابعا: تشجيع أستاذي الشيخ حماد بن محمد الأنصاري لي على تحقيق هذا الكتاب، فقد أشار- جزاه الله خيرا - علي بان أقوم بتحقيق هذا الكتاب وإخراجه من حيز المخطوطات. وبحمد من الله وفضل منه فقد قمت بتحقيق هذا الكتاب، ولم أواجه خلال عملي في إنجازه من الصعوبات التي تستحق الذكر، سوى ما واجهته في البحث عن أماكن بعض الأحاديث والآثار التي لم أقف على مكانها، وكذلك في تراجم الأعلام الواردة أسماؤهم في الكتاب، حيث لم أقف على تراجم بعضهم، بالرغم من أني بذلت من الجهد والوقت ما أستطيع.

المبحث الأول: أقوال نفاة الاستواء. المبحث الثاني: أقوال مثبتة الاستواء. وأما القسم الثاني من الدراسة فقد جعلته في التعريف بالمؤلف والكتاب والمخطوطة، وهو يشتمل على بابين - هما: الباب الأول: التعريف بالمؤلف - وفيه فصلان: الفصل الأول: عصر المؤلف. وقد تعرضت فيه للأمور التالية: أولا: الحالة السياسية. ثانيا: الحالة الاجتماعية. ثالثا: الحالة العلمية. الفصل الثاني: سيرته الشخصية، وحياته العلمية. وتكلمت فيه عن الجوانب التالية: أولا: اسمه، وكنيته. ثانيا: أصله. ثالثا: مولده. رابعا: أسرته. خامسا: نشأته، وطلبه للعلم. سادسا: ثقافته، وعلمه. سابعا: شيوخه. ثامنا: تلاميذه.

تاسعا: عقيدته. عاشرا: مؤلفا ته. الحادي عشر: وفاته. الثاني عشر: مكانته العلمية، وأقول، العلماء فيه. وأما الباب الثاني فهو في: التعريف بالكتاب والمخطوطة وفيه فصلان: الفصل الأول: التعريف بالكتاب - وتطرقت فيه لما يلي: أولا: اسم الكتاب. ثانيا: موضوع الكتاب، ومنهج المخالف فيه. ثالثا: سبب التأليف. رابعا: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف. خامسا: أهمية الكتاب. سادسا: المآخذ على الكتاب. الفصل الثاني: التعريف بالمخطوطة، ويتضمن ما يلي: أولا: دراسة النسخة الخطية. ثانيا: سند الكتاب. ثالثا: السماعات الموجودة على الكتاب. وأما بالنسبة لما يتعلق بالجانب الثاني من جوانب الرسالة فهو قسم التحقيق: وقد كان عملي في الكتاب يتلخص في النقاط التالية:

أولا: الترجمة: فقد ترجمت لكثير من الرواة الذين وردت أسماؤهم في أسانيد الكتاب، أما من لم أقف على تراجمهم- وهم قلة- فإني أشير إلى ذلك بقولي: "لم أقف على ترجمته"، وأما إذا ترجمت لشخص ثم تكرر اسمه مرة أخرى فإني أكتفي بقولي: "تقدمت ترجمته"، وقد لا أشير إلى ذلك، فإذا أراد القارئ معرفة مكان التعريف به فليرجع إلى الفهارس الأخيرة، ليعرف مكانه من الكتاب. ثانيا: تخريج الأحاديث: اشتمل الكتاب على الكثير من الأحاديث، ولم يذكر المؤلف مخرجيها مما اضطرني إلى البحث عن أماكن وجودها، وقد وجدت أماكن جلها، وأما بعضها الآخر- وهو قليل - فلم أجد مكانه، ولكنني لم أشر في كثير من الأحيان إلى اختلاف الألفاظ، لأن ذلك سيخرجنا عن غرض التحقيق. ثالثا: درجة الحديث: لم يذكر المؤلف- رحمه الله- درجة الأحاديث، التي أوردها، وقد بينت صحة أو ضعف كل حديث من تلك الأحاديث معتمدا في ذلك على أسانيدها، ثم بعد ذلك أذكر أقوال العلماء فيها إن وجدت شيئا من ذلك، كما تتبعت بعض الأحاديث بالمتابعات والشواهد التي تتعلق بها. وقد أخذ مني هذا الجانب الكثير من الوقت والجهد، ولكني لم أبخل بشيء من ذلك، لعلمي أن معرفة صحة الحديث من ضعفه

خطة الرسالة: أما الخطة التي سلكتها في إنجاز هذه الرسالة فهي كما يلي: قسمت الرسالة إلى قسمين: القسم الأول: الدراسة. القسم الثاني: التحقيق. أما ما يتعلق بجانب الدراسة فقد جعلته على قسمين هما: القسم الأول: الدراسة الموضوعية. القسم الثاني: التعريف بالمؤلف، والكتاب، والمخطوطة. أما القسم الأول وهو الدراسة الموضوعية: فقد جاء رغبة مني في الجمع بين منهج التحقيق ومنهج البحث العلمي، وقد أحببت أن أجعل القسم الأول من أقسام الدراسة يتعلق بدراسة موضوعية لموضوع الكتاب، الذي يتحدث عن مسائل العلو، والاستواء، والعرش، والكرسي، وما يتعلق بها، وقد دفعني إلى ذلك كون الكتاب من أوله إلى آخره يبحث في هذه المسائل بذاتها، كما أن المؤلف- رحمه الله- لم يتطرق إلى تلك المسائل إلا من جانب واحد فقط، هو ذكر ما ورد فيها من آيات وأحاديث وآثار، ولذلك قمت بهذه الدراسة المشتملة على ثلاثة أبواب هي: الباب الأولى: تعريف العرش، والأدلة عليه- وفيه فصلان: الفصل الأول: تعريف العرش- وفيه مبحثان: المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة "عرش ".

وقد ذكرت في هذا المبحث الاستعمالات اللغوية لكلمة "عرش" عند علماء اللغة، وذكرت في نهاية هذا المبحث أن أصل استعمال هذه الكلمة عند العرب إنما هو في سرير الملك، وأن هذا المعنى هو المقصود في عرش الرحمن، كما يشهد لذلك نصوص القرآن، والأحاديث الصحيحة. وأما المبحث الثاني: فهو في الخلاف في تعريف العرش. وقد بينت في هذا المبحث قول السلف وأدلتهم، كما بينت فيه أقوال المخالفين وما استدلوا به، ورد السلف عليهم. وأما الفصل الثاني: فهو في الأدلة على صفة العرش من الكتاب والسنة- وفيه مبحثان: المبحث الأول: الأدلة القرآنية على صفة العرش. وقد ذكرت في هذا المبحث الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر عرش الرحمن، وأشرت إلى بعض ما تضمنته تلك الآيات من الدلائل والصفات على عرش الرحمن- تبارك وتعالى-. وأما المبحث الثاني: فهو في الأدلة من السنة على صفة العرش. وقد أوردت فيه بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في العرش وصفته، والتي لم يذكرها صاحب كتاب العرش في كتابه. وأما الباب الثاني: فهو في صفة العرش، وذكر ما يتعلق به - وفيه فصلان هما:

المبحث الأول: خلق العرش وهيئته. المبحث الثاني: مكان العرش. المبحث الثالث: خصائص العرش. وأما الفصل الثاني: فهو في ذكر ما يتعلق بالعرش- وفيه مبحثان هما: المبحث الأول: الكلام على حملة العرش. المبحث الثاني: الكلام على الكرسي. وأما الباب الثالث: فهو في الكلام على صفتي العلو والاستواء - وفيه فصلان هما: الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو- وفيه مبحثان: المبحث الأول: أقوال المخالفين في مسألة العلو. وقد تعرضت في هذا المبحث لأقوال المنكرين لعلو الله وذكر بعض شبههم العقلية والسمعية والرد عليها. وأما المبحث الثاني فهو في: قول السلف ومن وافقهم. وقد بينت في هذا المبحث مذهب السلف في إثبات علو الله - تعالى- فوق خلقه، ومن وافقهم في هذا المذهب، كما أوردت ما استدلوا به على هذا القول من القرآن والسنة والإجماع والمعقول والفطرة. أما الفصل الثاني: فهو الاستواء والأقوال فيه - وفيه مبحثان:

واجبة في كل مسألة، سواء كانت فرعية أو أصلية، إذ أن ما لم يصح لا يجوز التدين به. رابعا: تخريج الآثار: وقد ذكرت أماكن الكثير من هذه الآثار، وأشرت في البعض إلى درجته. خامسا: التعليق على بعض الأحاديث والآثار، وبيان ما تضمنته من مسائل في العقيدة، وتبيين الحق في تلك المسائل. سادسا: الكلمات الغريبة بينت معانيها من كتب اللغة. سابعا: الترقيم: رقمت جميع الأحاديث المرفوعة والموقوفة والآثار وذلك ليسهل معرفتها في الكتاب. ثامنا: وضعت أرقاما في داخل نص الكتاب تدل على بداية الصفحة في المخطوط، وقد كان هناك ترقيمان على صفحات المخطوطة استعملت أحدهما. تاسعا: جعلت الآيات القرآنية بين قوسين هكذا: {} . وأشرت في الحاشية إلى رقم تلك الآية والسورة التي وردت فيها، وكذلك جعلت الأحاديث بين قوسين هكذا: " "، وأما الآثار فهي بين قوسين هكذا " ". عاشرا: إذا أضفت حرفا أو كلمة أو جملة أو عنوانا مما يقتضيه السياق جعلت ذلك بين قوسين هكذا، ليعرف أنه ليس من الأصل. الحادي عشر: وضعت فهارس للأمور التالية:

أ- فهرس للآيات القرآنية حسب ترتيب سورها. ب- فهرس للأحاديث المرفوعة والموقوفة. ج- فهرس للآثار على ترتيب أصحابها. د- فهرس للأعلام الوارد ذكرهم في الكتاب. هـ- فهرس المفردات. وفهرس للتعريف بالفرق. ز- فهرس للأبيات الشعرية. ح- فهرس للمصادر والمراجع. ط- فهرس لموضوعات الرسالة. وفي الختام أتوجه بالشكر إلى الله تعالى الذي سهل لي أمر إعداد هذه الرسالة بفضل منه وتوفيق، وأسأله - سبحانه - أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه على كل شيء قدير. كما أشكر فضيلة الشيخ/ عبد الله بن محمد الغنيمان - المشرف على هذه الرسالة - على ما بذله من جهد وعون لي في إعدادها. وكذلك كل من بذل المساعدة لي في إنجازها، وعلى رأسهم فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري- جزاه الله خيرا-، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الباب الأول: تعريف العرش والأدلة عليه

الباب الأول: تعريف العرش والأدلة عليه الفصل الأول: تعريف العرش المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش ... قال ابن فارس: ""عرش " العين والراء والشين أصل صحيح واحد، يدل على ارتفاع في شيء مبني، ثم يستعار في غير ذلك"1. والعرش في كلام العرب يطلق على عدة معان منها: ا- سرير الملك: قال الخليل: "العرش: السرير للملك"2. وقال الأزهري: "والعرش في كلام العرب: سرير الملك، يدلك على ذلك سرير ملكة سبا، سماه الله- جل وعز- عرشا فقال: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل، آية: 21] 3. وقال ابن منظور- بعد أن نقل كلام الأزهري-: "وقد يستعار لغيره ... والجمع أعراش، وعروش، وعرشة، وفي حديث بدء الوحي: "فرفعت رأسي فإذا هو قاعد على عرش في الهواء"، وفي رواية: "بين السماء والأرض" يعني: جبريل على سرير"4.

_ 1"معجم مقاييس اللغة": (4/ 264) . 2 "كتاب العين": (4/ 291) . 3 "تهذيب اللغة": (4/ 413) . 4 "لسان العرب": (4/ 2880) .

2- سقف البيت: قال الخليل: "عرش البيت: سقفه"1. وقال الزبيدي: "والعرش من البيت سقفه ومنه الحديث: "أو كالقنديل المعلق بالعرش"، يعني: السقف، وفي حديث آخر: "كنت أسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عرشي" أي: سقف بيتي، وبه فسر قوله تعالى: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة، آية: 259] ، أي: صارت على سقوفها، كما قال عز من قائل: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أراد أن حيطانها قائمة وقد تهدمت سقوفها، فصارت في قرارها، وانقعرت الحيطان من قواعدها فتساقطت على السقوف المتهدمة قبلها، ومعنى الخاوية والمنقعرة واحد، وهي: المنقلعة من أصولها"2. 3- ركن الشيء: قال الزبيدي: "والعرش: ركن الشيء، قاله الزجاج والكسائي، وبه فسر قوله تعالى: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} أي: وخرت على أركا نها"3. 4- الملك: قال الأزهري: "والعرش: الملك، يقال: ثل عرشه، أي: زال ملكه وعزه".

_ 1"كتاب العين": (4/ 291) ، "الصحاح": ص 722. 2 "تاج العروس": (4/ 321) . 3 "تاج العروس": (4/ 321) .

قال زهير: تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها ... وذبيان إذ زلت باقدامها النعل1 قال الزبيدي: "قال ابن الأعرابي: العرش: الملك بضم الميم، وهو كناية...."2. 5- قوام أمر الرجل: قال ابن فارس: "استعيرت كلمة عرش هنا، فقيل لأمر الرجل وقوامه: عرش، وإذا زال ذلك عنه قيل: ثل عرشه، قال زهير: تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل"3 قال الزبيدي: "قولهم: ثل عرشه أي: عدم ما هو عليه من قوام أمره، وقيل: وهى أمره، وقيل: ذهب عزه، ومنه حديث عمر- رضي الله عنه - أنه رؤي في المنام فقيل له: ما فعل بك ربك، قال: لولا أن تداركني لثل عرشي"4. 6- عرش السماك: قال ابن فارس: "ويقال: إن عرش السماك: أربعة كواكب أسفل من العواء على صورة النعش، ويقال: هي عجز الأسد، قال ابن أحمر:

_ 1 "تهذيب اللغة": (4/ 414) . 2 "تاج العروس": (4/ 321) . 3 "معجم مقاييس اللغة": (4/ 264) - بتصرف. 4 "تاج العروس": (4/ 321) .

باتت عليه ليلة عرشية ... شربت وبات إلى نقا متهدم"1 7- عرش البئر: قال الأزهري: "وقال أبو عبيد: قال أبو زيد: بئر معروشة: وهي التي تطوى قدر قامة من أسفلها بالحجارة، ثم يطوى سائرها بالخشب، فذلك الخشب هو العرش، يقال: منه عرشت البئر أعرشها، فإذا كانت كلها بالحجارة فهي مطوية وليست بمعروشة. وقال غيره: المثاب: مقام الساقي فوق العروش، ومنه قول الشاعر: وما لمثابات العروش بقية ... إذا استل من تحت العروش الدعائم وقال ابن الأعرابي: العرش: بناء، فوق البئر يقوم عليه الساقي، وأنشد: أكل يوم عرشها مقيلي"2. 8- عرش القدم: قال الخليل: "العرش في القدم كل ما بين الحمار والأصابع من ظهر القدم، والحمار: المرتفع من ظهر القدم، وجمعه: عرشة وأعراش"3. وقال بن الأعرابي: "ظهر القدم: العرش، وباطنه: الأخمص"4.

_ 1"معجم مقاييس اللغة": (267/4) . 2"كتاب العين": "1/ 293) . 3 "لسان العرب": (4/ 2882) . 4 "تهذيب اللغة": "1/ 416) .

قلت: من المعلوم أن معرفة كل معنى من تلك المعاني إنما يتحدد بحسب ما أضيف إلى الكلمة، والمعنى المقصود في عرش الرحمن من تلك المعاني السابقة، هو سرير الملك، ذلك لأن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة قد جاءت معينة لهذا المعنى وحده دون غيره من المعاني، وهذا ما سياتي بيانه. أما زعم الجهمي بان معنى العرش في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1، يحتمل عدة معاني، فلا يعرف أي هذه المعاني هو المراد، فقد أجاب عنه ابن القيم بقوله: "هذا تلبيس منك على الجهال، وكذب ظاهر، فإنه ليس لعرش الرحمن الذي استوى عليه إلا معنى واحد، وإن كان للعرش من حيث الجملة عدة معاني، فاللام: للعهد، وقد صار بها العرش معينا، وهو عرش الرب- تعالى- الذي هو سرير ملكه الذي اتفقت عليه الرسل، وأقرت به الأمم، إلا من نابذ الرسل ... "2.

_ 1 سورة طه، الآية: 5. 2"مختصر الصواعق المرسلة": (1/ 17، 18) .

المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش

المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش أولا: مذهب السلف: قال الطبري- عند تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} 1-: يعني بالعرش: السرير. ثم ذكر بسنده عن السدي في تفسير هذه الآية قوله: "محدقين حول العرش، قال العرش: السرير"2. وقال الطبري في موضع آخر: {ذُو الْعَرْش} 3 يقول: ذو السرير المحيط بما دونه"4. وقال البيهقي: "وأقاويل أهل التفسير على أن العرش: هو السرير، وأنه جسم مجسم خلقه الله، وأمر ملائكته بحمله، وتعبدهم بتعظيمه والطواف به، كما خلق في الأرض بيتا، وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة،. وفي الآيات والأحاديث والآثار دلالة واضحة على ما ذهبوا إليه"5.

_ 1سورة الزمر، الآية: 75. 2"تفسير الطبري (24/ 37، 38) . 3 سورة غافر، الآية: 15. 4"تفسير الطبري": (24/ 49) . 5 "الأسماء والصفات": ص 497.

وقال- أيضا-: "العرش: هو السرير المشهور فيها بين العقلاء"1. وقال ابن كثير: "هو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم، وهو سقف المخلوقات"2. وقال الذهبي- بعد أن ذكر سرر أهل الجنة-: "فما الظن بالعرش العظيم الذي اتخذه العلي العظيم لنفسه في ارتفاعه وسعته، وقوائمه وماهيته وحملته، والكروبيين الحافين من حوله وحسنه ورونقه وقيمته: فقد ورد أنه من ياقوته حمراء"3 قلت: وهذا الذي ذكره الطبري والبيهقي وابن كثير والذهبي في تعريف العرش، هو الذي جاءت به الآيات والأحا ديث والآثار، وهو ما ذهب إليه سلف الأمة وأئمتها في عرش الله، فهم يعتقون أن عرش الرحمن هو: سرير: قال ابن قتيبة: "وطلبوا للعرش معنى غير السرير، والعلماء في اللغة لا يعرفون للعرش معنى إلا السرير، وما عرش من السقوف وأشباهها قال أمية بن أبي الصلت: مجدوا الله وهو للمجد أهل ... ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق النـ ... اس وسوى فوق السماء سريرا شرجعا لا يناله بصر العيـ ... ن ترى دونه الملائك صورا"4.

_ 1 "الاعتقاد": ص 112. 2 "البداية": (1/ 12) . 3 "العلو": ص 57. 4"الاختلاف في اللفظ": ص. 24.

وقال ابن كثير: "العرش في اللغة: عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال تعالى: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} 1 وليس هو فلكا، ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، فهو سرير ذو قوائم ... "2. وأنه ذو قوائم: قال شارح "الطحاوية": "قد ثبت في الشرع أن له قوائم تحمله الملائكة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور" 3"4. وأنه مخلوق: قال الحافظ ابن حجر: "قوله: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 5 إشارة إلى أن العرش مربوب، وكل مربوب مخلوق ... ، وفي إثبات القوائم للعرش دلالة على أنه جسم مركب له أبعاض وأجزاء، والجسم المؤلف محدث مخلوق"6. وقد جاء ذكر خلق العرش في حديث أبي رزين العقيلي قال: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه، قال: "كان في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء" 7.

_ 1 سورة النمل، الآية: 23. 2البداية": (1/ 11، 12) . 3 سيأتي تخريجه ص ا4. 4 "شرح العقيدة الطحاوية": ص 310، 311. 5سورة التوبة، الآية: 129. 6 "فتح الباري": (13/ 455) . 7 سياتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 7.

وأن الله سبحانه قد أمر ملائكته بحمله، وتعبدهم بتعظيمه: تال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} 1، وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} 2. وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" 3. وهو أعلى المخلوقات وأعظمها، وسقفها، وهو كالقبة على العالم، وما تحته بالنسبة إليه كحلقة في فلاة. قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتاب "أصول السنة": "ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش، واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق"4. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما العرش فإنه مقبب، لما روي في "السنن" لأبي داود عن جبير بن مطعم قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 1 سورة غافر، الآية: 7. 2 سورة الحاقة، الآية: 17. 3 أخرجه أبو داود في 9 "سننه"، كتاب السنة، باب في الجهمية: (96/5، حديث 4727) . وأورده ابن كثير في "تفسيره": (4/ 414) ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم " وقال: إسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات. 4 "أصول السنة": ص 282، تحقيق: احمد إبراهيم بن محمد بن هارون، رسالة ماجستير من قسم الدراسات العليا، الجامعة الإسلامية.

أعرابي فقال: يا رسول الله، جهدت الأنفس، وجاع العيال،- وذكر الحديث- إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله على عرشه، وإن عرشه على سمواته وأرضه، كهكذا" 1 وقال بأصابعه مثل القبة ... وفي علوه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعالاها، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة" 2. فقد تبين بهذه الأحاديث أنه أعلى المخلوقات وسقفها، وأنه مقبب ... "3. وفي حديث أبي ذر المشهور قال: قلت يا رسول الله، أي ما أنزل عليك أعظم، قال: "آية الكرسي"- ثم قال: " يا أبا ذر ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة" 4 وهذا القول للسلف في عرش الله هو ما جاءت به الآيات والأحاديث الصحيحة، وقد كان سلف الأمة وأئمتها- دائما- يصرحون بذلك في كتبهم عند الحديث عن هذه المسألة.

_ 1 سياتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 11. 2أخرجه البخاري في "صحيحه، كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} . انظر: "فتح الباري": (13/ 404) . 3 "الفتاوى": (5/ 151) . 4سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 58.

وقد وافقهم- في هذا القول في عرش الله- الكلابية1، والكرامية2، ومتقدمو الأشاعرة3، وبعض الجهمية4،

_ 1 هم أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن محمد بن كلاب (بضم الكاف وتشديد اللام) القطان، المتوفى بعد سنة 240 هـ بقليل، قال عنه ابن حزم إنه شيخ قديم للأشعرية. انظر عنه وعن مذهبه: "لسان الميزان": "3/ 295، 291"، "طبقات الشافعية": (2/ 51) ، "مقالات الأشعري": (1/ 298، 299) ، "الملل والنحل": (1/ 48 1) ، "أصول الدين": ص 89، 5 9، 97، 104، 109" وغيرها، "الفصل": (2/ 23 1) ، (4/ 208) . 2 الكرامية هم أتباع محمد بن كرام بن عراق بن حزبه السجستاني المتوفى سنة 255 هـ وهم يوافقون السلف في إثبات الصفات ولكنهم يبالغون في ذلك إلى حد التشبيه والتجسيم. انظر عن ابن كرام والكرامية: "لسان الميزان": (5/ 353، 356) ، "ميزان الاعتدال": (4/ 21، 22) ، "الفصل": (4/ 45، 204، 205) ، "الملل والنحل": (1/ 5 8 1، 93 1) ، "الفرق بين الفرق": ص 30، 137. 3هم أتباع أبي الحسن الأشعري، وهم ينقسمون إلى قسمين: متقدمين ومتأخرين، فالمتقدمون كأبي الحسن الأشعري- نفسه- والباقلاني، وهؤلاء يوافقون السلف في إثبات العرش والاستواء عليه، ولكنهم ينكرون أن يكون الاستواء صفة الله، وذلك لأنهم ينكرون قيام الأفعال الاختيارية بذات الله، وأما متأخروهم فمنهم الجويني، والغزالي، والرازي، والآمدي، وابن فورك، فهم الذين ينفون الصفات الخبرية، وسيأتي الكلام على قولهم في المسألة. 4 انظر: ص 276.

والمعتزلة1،2. ثانيا: أقوال المخالفين: القول الأول: ما زعمه طائفة من الجهمية، والمعتزلة، والماتريدية3، وعامة متأخري الأشاعرة4، من أن معنى العرش في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} هو الملك. قال الدارمي في كتابه "الرد على الجهمية": "باب: الإيمان بالعرش، وهو أحد ما أنكرته المعطلة. فادعت هذه العصابة أنهم يؤمنون بالعرش ويقرون به، فقلت لبعضهم: ما إيمانكم به إلا كإيمان {الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بافْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ

_ 1هم أتباع واصل بن عطاء الغزالي، الذي اعتزل مجلس الحسن البصري، وهم يقولون بنفي الصفات، وبالمنزلة بين المنزلتين وغيرها من المسائل. انظر الكلام عنهم في: "ميزان الاعتدال": (3/ 274 (، "الفرق بين المرق ": ص 20، 21، و"الملل والنحل": (1/ 49) وغيرها. 2"شرح الأصول الخمسة": ص 226، "أصول الدين" للبغدادي: ص 112، "الفرق بين الفرق": ص 215، 216، "شرح جوهرة التوحيد": ص 181، "نقض التأسيس": (1/ 396"، 2/ 14، 15) . 3 هم أتباع أبي منصور محمد. بن محمد الماتريدي السمرقندي. انظر قولهم في هذه المسألة في: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي: (1/ 85) . 4"التبصر في الدين" للإسفرائيني: ص 158.

قُلُوبُهُمْ} 1، وكالذين: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَياطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} 2، أتقرون أن لله عرشا معلوما موصوفا فوق السماء السابعة تحمله الملائكة، والله فوقه كما وصف نفسه، بائن من خلقه، فأبى أن يقر به كذلك، وتردد في الجواب، وخلط ولم يصرح. قال أبو سعيد: فقال لي زعيم منهم كبير: لا، ولكن لما خلق الله الخلق يعني السموات والأرض وما فيهن، سمى ذلك كله عرشا له، واستوى على جميع ذلك كله"3. وقال ابن تيمية- في سياق كلامه على حمله العرش-: "ثم إن قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} 4، وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} 5 يوجب أن لله عرشا يحمل، ويوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك كما تقوله طائفة من الجهمية"6. وقال الزمخشري: "إنه لما كان الاستواء على العرش- وهو سرير الملك- مما يردف الملك جعلوه كناية عن الملك، فقالوا: استوى فلان

_ 1سورة المائدة، الآية: 41. 2 سورة البقرة، الآية: 14. 3"الرد على الجهمية": ص 12، 13. 4 سورة غافر، الآية: 7. 5 سورة الحاقة، الآية: 17. 6 "نقض تأسيس الجهمية": (1/ 576) .

على العرش، يريدون ملك، وإن لم يقعد على السرير ألبتة، وقالوه – أيضا - لشهرته في ذلك المعنى، ومساواته ملك في مؤداه، وإن كان أشرح وأبسط وأدل على صورة الأمر"1. وقال البغدادي: "والصحيح عندنا تأويل العرش في هذه الآية على معنى الملك، كأنه أراد أن الملك ما استوى لأحد غيره، وهذا التأويل مأخوذ من قول العرب: ثل عرش فلان، إذا ذهب ملكه، قال متمم بن نويره في هذا المعنى: عروش تفانوا بعد عز، وأمة ... هووا بعدما نالوا السلامة والبقا وأراد بالعروش ملوكا انقرضوا. وقال سعيد بن زائدة الخزاعي في النعمان بن المنذر: قد نال عرشا لم ينله حائل ... جن ولا إنس ولاديار وأراد بالعرش الملك والسلطان. وقال النابغة: بعد ابن جفنة وابن هاتك عرشه ... والحارثين يؤملون فلاحا وأراد بهاتك عرش ابن جفنة سالب ملكه، فصح بهذا تأويل العرش على الملك في آية الاستواء على ما بيناه"2. وقال القفال: "العرش في كلامهم هو السرير الذي يجلس عليه الملوك، ثم جعل العرش كناية عن نفس الملك، يقال: ثل عرشه، أي:

_ 1 "الكشاف ": (2/ 535) . 2 "أصول الدين": ص 112.

انتقض ملكه وفسد، وإذا استقام ملكه واطرد أمره وحكمه قالوا: استوى على عرشه، واستقر على سرير ملكه"1. قال الآلوسي: "واختار كثير من ال خلف أن المراد بذلك: الملك والسلطان، وذكره لبيان جلالة ملكه وسلطانه- سبحانه- بعد بيان عظمة شأنه وسعة قدرته بما مر من خلق هاتيك الأجرام العظيمة"2. الرد عليهم: ما ذهب إليه هؤلاء المخالفون من تفسير معنى العرش الوارد في الآيات بمعنى الملك، إنما هو تاويل باطل، وصرف للفظ عن معناه إلى معنى آخر لا يحتمله. والمتامل لهذا القول يرى ما فيه من التلبيس والمخالفة. فقد سبق أن ذكرنا في المبحث اللغوي لكلمة عرش، أن لهذه الكلمة عدة معاني في اللغة العربية، ومن المعلوم أن معرفة المعنى المراد من تلك المعاني لهذه الكلمة أو غيرها، إنما يتحدد بحسب سياق الكلمة، وبحسب ما أضيفت إليه، وليس في سياق الآيات ما يثبت صحة ما ذهبوا إليه، كفا أن ما استدل به هؤلاء المخالفون من الأبيات الشعرية ليس إلا دليلا على أن الملك هو من المعاني اللغوية لكلمة عرش، وهذا أمر لا خلاف عليه، وهذا الاستدلال يماثل ما لو استدللنا على أن من معاني كلمة العرش السقف بقوله: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ،

_ 1 "التفسير الكبير" للرازي: ص 143، 1115. 2 "روح المعاني": (11/ 56) .

فليس في هذه الأبيات أي إشارة، لا من قريب ولا من بعيد على أن الملك هو المعنى المراد في الآيات الواردة في العرش، بل إن المتأمل للآيات والأحاديث الواردة في هذه المسألة، يرى أنها تدل دلالة واضحة وصريحة على أن المراد بالعرش هو ذلك المخلوق العظيم الذي خلقه الله تعالى فوق العالم كله، ثم استوى عليه بعد أن خلق السموات والأرض، وكذلك ترد على هؤلاء المخالفين زعمهم الباطل الذي هو في الحقيقة تحريف لكلام الله. فيا ترى ماذا يصنع ذلك المخالف الذي يزعم أن العرش إنما هو كناية عن الملك والسلطان بقوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} 1 هل يزعم أن الملك كان على الماء، وكذلك ماذا يصنع بقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} ، أيقول: ويحمل ملكه يومئذ ثمانية، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش" 2، أيقول: آخذ بقائمة من قوائم الملك، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: "اهتز عرش الرحمن" 3، أيقول: اهتز ملكه وسلطانه،

_ 1 سورة هود، الآية: 7. 2أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهودي. انظر: "فتح الباري": (5/ 70) ، ومسلم في "صحيحه"، كتاب الفضائل: (4/101، 102) . 3سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 48.

فخلاصة القول: إن هذا التأويل إنما هو تأويل باطل، ترده الآيات، والأحاديث، ولا يمكن أن يقول به من له أدنى ذوق أو فهم، بل هو في الحقيقة تحريف لكلام الله تعالى. وكذلك فإن ما استدل به المخالفون من الأبيات ليس فيه دليل لا من قريب أو بعيد على صحة ما زعموا، وذلك أنه ليس في سياق الآيات ما يؤيده، فاستدلالهم إنما هو نوع من التلبيس، وتحريف الكلم عن مواضعه. القول الثاني: زعم طائفة من أهل الكلام أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه، محيط بالعالم من كل جهة، وهو محدود الجهات، وربما سموه الفلك الأطلس، أو الفلك التاسع، أو الأثير، أو الفلك الأعلى1. وفي ذلك يقول ابن سينا في رسالتة، "إثبات النبوات وتاويل رموزهم وأمثالهم": "ومن السهل عليك أن تفهم كيف أن العرش بنص القرآن يحمله ثمانية، فهذه الثمانية هي: الثمانية أفلاك التي تحت هذا الفلك المحيط"2.

_ 1"البداية": (1/ 11) ، "الرسالة العرشية": ص 2، "المفردات": ص 329، "روح المعاني": (24/ 45) . 2نقلا عن كتاب ابن سينا "بين الدين والفلسفة": ص 137، 139.

الرد عليهم: إن المتامل لكلام هؤلاء المتكلمين كابن سينا وأمثاله يرى مدى تأثرهم بالفلاسفة وكلامهم، حتى أنهم وصلوا إلى درجة اعتقادهم أنه لا موجود إلا ما علموه هم والفلاسفة. ولهذا كان هؤلاء الذين عرفوا ما عرفته الفلاسفة إذا سمعوا أخبار الأنبياء بالملائكة، والعرش، والكرسي، والجنة، والنار، صاروا حائرين ومتأولين لكلام الأنبياء على ما عرفوه وعلى ما تعلموه، وإن كان هذا التأويل لا دليل لهم عليه سوى ظنهم الفاسد بأنه لا موجود إلا ما عرفوه هم والفلاسفة، فقالوا العرش: هو الفلك التاسع، والكرسي: هو الفلك الثامن، فنفوا ما ليس لهم به علم"1، فانطبق عليهم قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَما ياتِهِمْ تاوِيلُهُ} 2. وقد ثبت أنه ليس لهؤلاء دليل يتمسكون به لا من الشرع ولا من العقل، وأن الذي دفعهم إلى هذا القول هو أنهم نظروا في عالم الهيئة وعلوم الفلسفة فرأوا أن الأفلاك تسعة، وأن التاسع وهو: الأطلس محيط بها، ومستدير كاستدارتها، وهو الذي يحركها الحركة الشوقية، وأن لكل فلك حركة تخصه غير هذه الحركة العامة، ثم سمعوا في أخبار الأنبياء- صلوات الله وسلام عليهم- ذكر عرش الله، وذكر كرسيه، وذكر السموات السبع، فقالوا- بطريق الظن-: إن العرش: هو الفلك التاسع لاعتقادهم

_ 1 "الفتاوى": (7 1/ 335، 336) . 2سورة يونس، الآية: 39.

أنه ليس وراء التاسع شيء، إما مطلقا، وإما أنه ليس وراءه مخلوق"1. وهم معترفون بانه لم يقم لديهم دليل عقلي على صحة قولهم هذا، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن أئمة الفلاسفة مصرحون بأنه لم يقم عندهم دليل على أن الأفلاك هي تسعة فقط، بل يجوز أن تكون أكثر من ذلك، ولكن دلتهم الحركات المختلفة والكسوفات ونحو ذلك على ما ذكروه، وما لم يكن لهم دليل على ثبوته فهم لا يعلمون ثبوته ولا انتفاءه. مثال ذلك: أنهم علموا أن هذا الكوكب تحت هذا بان السفلي يكسف العلوي من غير عكس، فاستدلوا بذلك على أنه من فلك فوقه، كما استدلوا بالحركات المختلفة على أن الأفلاك مختلفة حتى جعلوا في الفلك الواحد عدة أفلاك، كفلك الدوير وغيره، فأما ما كان موجودا فوق هذا ولم يكن لهم ما يستدلون به على ثبوته، فهم لا يعلمون نفيه ولا إثباته بطريقهم ... وإذا كان هؤلاء ليس عندهم ما ينفي وجود شيء آخر فوق الأفلاك التسعة، كان الجزم بان ما أخبرت به الرسل من أن العرش: هو الفلك التاسع- رجما بالغيب وقولا بلا علم"2. ومع عدم وجود الدليل العقلي عند هؤلاء على صحة زعمهم، فكذلك الأدلة الشرعية ترد زعمهم هذا وتبطله.

_ 1"الرسالة العرشية": ص 2- 3. 2"الرسالة العرشية": ص 2.

وقد ذكر شيح الإسلام ابن تيمية في معرض رده على هؤلاء المتكلمين في رسالته "العرشية" أن الآيات والأحاديث قد دلت على أن العرش مباين لغيره من المخلوقات، وأن الله قد اختصه وميزه بأمور كثيرة، منها أن له حملة يحملونه اليوم ويوم القيامة، وأن الله قد أخبر بوجوده قبل خلق السموات والأرض، وقبل وجود الأفلاك، وأن الله سبحانه تمدح نفسه بانه ذو العرش، ووصف العرش بأنه مجيد وعظيم وكريم، فكل هذه الميز والخصائص تبطل قول المنازع، لأنه يقول بان نسبة الفلك الأعلى إلى ما دونه كنسبة الآخر إلى ما دونه، ذلك، لأنه لو كان العرش من جنس الأفلاك لكان إلى ما دونه كنسبة الآخر إلى ما دونه، وهذا لا يوجب خروجه عن الجنس وتخصيصه بالذكر"1. كما أن مما يدل على فساد قولهم ما ثبت في الشرع من أن للعرش قوائم، وأنه يهتز، ومعلوم أن الأفلاك مستديرة، وليس لها قوائم، كما أنها متحركة دائما بحركة متشابهة لا تتغير، كما ثبت- أيضا- أن العرش أثقل الأوزان2، وهم يقولون إن الفلك لا ثقيل ولا خفيف3. فعلم مما تقدم انتفاء الدليل العقلي عند هؤلاء، كما علم مخالفتهم للأدلة الشرعية وإبطالها لأقوالهم، ويضاف إلى هذا- أيضا- مخالفتهم للغة العرب، فالعرب لا تفهم من كلمة العرش هذا المعنى، ولا هو

_ 1 "الرسالة العرشية": ص 3- 7. 2 سيأتي ذكر الحديث. انظر: ص 61. 3 "جلاء العينين في محاكمة الأحمدين": ص 363.

مستعمل في لغتها والقرآن إنما نزل بما يفهمون. وبعد هذا كله لا تبقى أدنى شبهة في فساد هذا القول وبطلانه. والله أعلم.

الفصل الثاني: الأدلة على صفة العرش من الكتاب والسنة

الفصل الثاني: الأدلة على صفة العرش من الكتاب والسنة المبحث الأول: الأدلة القرآنية على صفة العرش. ... لقد جاء ذكر عرش الرحمن في القرآن في واحد وعشرين موضعا: قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بأمره أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1. وقال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم} 2. وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} 3. وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} 4.

_ 1 سورة الأعراف، الآية: 54. 2سورة التوبة، الآية: 129. 3سورة يونس، الآية: 3. 4سورة هود، الآية: 7.

وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّىً} 1. وقال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} 2. وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 3. وقال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَما يَصِفُونَ} 4. وقال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 5. وقال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} 6. وقال تعا لى: {الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} 7. وقال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 8.

_ 1سورة الرعد، الآية: 2. 2سورة الإسراء، الآية: 42. 3سورة طه، الآية: 5. 4سورة الأنبياء، الآية: 22. 5سورة المؤمنون، الآية: 86. 6سورة المؤمنون، الآية: 116. 7 سورة الفرقان، الآية: 59. 8 سورة النمل، الآية: 26.

وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} 1. وقال تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 2. وقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْما فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} 3. وقال تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} 4 وقال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَما يَصِفُونَ} 5. وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْهَا وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 6. وقال تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} 7.

_ 1سورة السجدة، الآية: 4. 2 سورة الزمر، الآية: 75. 3 سورة غافر، الآية: 7. 4سورة غافر، الآية: 15. 5 سورة الزخرف، الآية: 82. 6سورة الحديد، الآية: 4. 7 سورة الحاقة، الآية: 17.

وقال تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} 1. وقال تعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} 2. من خلال هذه النصوص التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن- تبارك وتعالى-، نستطيع أن نرى الدلائل والصفات العظيمة التي وصف الله بها هذا المخلوق العظيم، فذكر العرش في هذه المواضع الكثيرة، وفي خلال تسع عشرة سورة من سور القرآن- أمر يشعر بعظم هذا المخلوق وعظم ما اختص به، وسنعرض في هذا المبحث دلالة تلك الآيات على ما للعرش من مكانة ومنزلة. وأما ما نبدأ به من تلك الآيات آيات الاستواء على العرش، فالاستواء على العرش هو أعظم ما اختص الله به هذا المخلوق، وقد جاء ذكر الاستواء في سبع آيات، وهذه الآيات السبع التي جاء فيه ذكر الاستواء على العرش قد جاءت مصحوبة بما يبهر العقول من صفات الله وجلاله وكماله3، وسنذكر تلك الآيات وما اقترن بها. ا- فأول سورة ذكر الله فيها صفة الاستواء حسب ترتيب المصحف سورة الأعراف: قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثا

_ 1 سورة التكوير، الآية: 20. 2 سورة البروج، الآية: 15. 3 "منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات": ص 15.

وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بأمره أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1. فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال2. 2- والموضع الثاني في سورة يونس قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِما كَانُوا يَكْفُرُونَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} 3. فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الكمال والجلال. 3- الموضع الثالث في سورة الرعد في قوله جل وعلا: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ وَهُوَ الَّذِي

_ 1 سورة الأعراف، الآية: 54. 2 "منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات": ص 15. 3 سورة يونس، الآيات: 3-6.

مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِماءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 1. فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال. 4- الموضع الرابع في سوره طه قال تعالى: {طه ما أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّماوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ ما فِي السَّماوَاتِ وَما فِي الأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْماءُ الْحُسْنَى} 2. فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال. 5- الموضع الخامس في سورة الفرقان في قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} 3.

_ 1 سورة الرعد، الآيات: 2- 4. 2 سورة طه، الآيات: 1- 8. 3 سورة الفرقان، الآيتان: 58- 59.

فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الكمال والجلال. وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "إنه ينبغي للمؤلين أن يتاملوا هذه الآية من سورة الفرقان وهي قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} ويتاملوا معها قوله تعالى: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} 1، فإن قوله في الفرقان: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} بعد قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} يدل دلالة واضحة أن الله الذي وصف نفسه بالاستواء خبير بما يصف به نفسه، ولا تخفى عليه الصفة اللائقة من غيرها ويفهم منه أن الذي ينفي عنه صفة الاستواء ليس بخبير، نعم هو والله ليس بخبير"2. 6- الموضع السادس: في سورة السجدة في قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْما ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِما تَعُدُّونَ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ} 3.

_ 1 سورة فاطر، الآية: 14. 2 "منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات": ص 26. 3 سورة السجدة، الآيات: 3- 9.

فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الجلال وا لكمال.. 7- الموضع السابع: في سورة الحديد في قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْهَا وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 1. فالله سبحانه وتعالى مع استوائه على عرشه لا يخفى عنه شيء من أمور مخلوقاته، فهو يعلم جميع ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وجميع ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، فسبحان من لا يعزب عن علمه مثقال حبة من خردل لا في السماء ولا في الأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم. فالشاهد من ذكر آيات الاستواء على العرش وذكر ما اقترن بها من صفات العظمة والجلال بيان أن هذه الصفة التي ظن الجاهلون أنها صفة نقص، ويتهجمون على رب السموات والأرض بأنه وصف نفسه بصفة نقص، ثم يسببون عن هذا أن ينفوها ويؤولوها، مع أن الله- جل وعلا- تمدح بها، وجعلها من صفات الجلال والكمال مقرونة بما يبهر العقول من صفات الجلال والكمال، وهذا يدل على جهل وهوس من ينفي بعض صفات الله جل وعلا بالتأويل2.

_ 1 سورة الحديد، الآيتان: 3- 4. 2 "كتاب منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات": ص 17.

وبعد ذكر آيات الاستواء وما اقترن بها من صفات الجلال والكمال، نتامل المواضع الأخر ى التي جاء فيها ذكر العرش فقوله تعالى: {هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} ، وقوله: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَما يَصِفُونَ} ، وقوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، وقوله: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} ، وقوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، وقوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَما يَصِفُونَ} . ففي هذه الآيات نرى أن الله أخبر عن العرش بما يدل على أنه مخلوق من مخلوقات الله، وذلك بوصفه له بأنه مربوب، ومعلوم أن كل مربوب مخلوق، وهذه الآيات تؤكد لنا وجود العرش، وتبطل زعم القائلين بان المراد منه الملك، فالإخبار عنه بهذه الصيغة يؤكد استقلاله وتميزه، ومما يزيدنا يقينا وصف العرش بتلك الصفات الجليلة، فقد وصفه الله بأنه كريم، ومجيد، وعظيم1. كما أن مما يدلنا على منزلة العرش ومكانته عند الله تعالى من خلال هذه الآيات هو أنه سبحانه قد تمدح نفسه في بعضها بأنه ذو العرش قال تعالى: {إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} ، وقوله: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْش} ، وقوله: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} ، وقوله: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} . وأما ما جاء في قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} ، وقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} .

_ 1 هذا إذا قرئ بالخفض، أما إذا قرئ بالرفع فتكون تلك الصفات لله.

فإن هذه الآيات توجب أن لله عرشا يحمل، وتوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك كما تقوله طائفة من الجهمية، فإن الملك مجموع الخلق، فهنا دلت الآيات على أن لله ملائكة من جملة خلقه يحملون عرشه، وآخرين يكونون حوله، وعلى أنه يوم القيامة يحمله ثمانية، إما ثمانية صفوف أو ثمانية أملاك، أو ثمانية أصناف1، فهذه الآيات أعظم إثبات على وجود العرش حقيقة، ومن أعظم الردود على زعم النافين له.

_ 1 "نقض التأسيس": (1/ 576) .

المبحث الثاني: الأدلة من السنة على صفة العرش

المبحث الثاني: الأدلة من السنة على صفة العرش أورد ابن أبي شيبة في كتاب "العرش" الكثير من الأحاديث والآثار الواردة في العرش وصفته، وفي هذا المبحث لن نذكر تلك الأحاديث والآثار التي أوردها لأنها ستأتي، وإنما سنورد ههنا بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في العرش وصفته، والتي لم يذكرها ابن أبي شيبة في كتابه، وهذه الأحاديث كثيرا ما يوردها السلف في كتبهم ويستدلون بها، لما فيها من الصحة والقوة، ولما فيها من الصفات الدالة على عرش الخالق سبحانه وتعالى. ا- فقد جاء في "الصحيحين " عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس جاء يهودي فقال: يا أبا القاسم، ضرب وجهي رجل من أصحابك. فقال: "من"، قال: رجل من الأنصار، قال: "ادعوه"، فقال: "أضربته" فقال: سمعته بالسوق يحلف: والذي اصطفى موسى على البشر، قلت: أي خبيث على محمد صلى الله عليه وسلم فأخذتني غضبة ضربت وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم

العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق أم حوسب بصعقته الأولى ... " 1. والشاهد لنا من هذا الحديث قوله: "فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش" حيث إن للعرش قوائم، ولم يرد في الشرع تحديد عدد لها، وهذا الحديث هو من أقوى الأدلة على أن العرش ليس المراد به الملك أو الفلك التاسع. 2- وفي "صحيح مسلم" عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء" 2. وفي الحديث دلالة واضحة على أن العرش كان مخلوقا على الماء قبل خلق السموات والأرض. 3- وفي "الصحيحين" عن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله الله رب السموات، ورب الأرض، ورب العرش الكريم" 3.

_ 1 تقدم تخريجه ص 41. 2 أخرجه مسلم في القدر: (8/ 51) . 3 أخرجه البخاري في التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} واللفظ له. "فتح الباري": (13/ 405) ، ومسلم في الذكر والدعاء: (8/ 85) .

4- وعن ابن عباس، عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: "مازلت على الحال التي فارقتك عليها"، قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته" 1. قال ابن تيمية: "فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان"2. 5- وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش: إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" 3. 6- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها"، قالوا: يا رسول الله: أفلا ننبئ الناس بذلك، قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين

_ 1 أخرجه مسلم في الذكر: (8/ 83) ، واللفظ له، وأخرجه أبو داود في تفريع أبواب الوتر، باب التسبيح بالحصى: (2/ 171) ، والترمذي في الدعوات، وقال: حديث- حسن صحيح: (5/ 556) . 2 "الرسالة العرشية": ص 8. 3 تقدم تخريجه ص 34.

ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة" 1. 7- وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله" 2. 8- وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: "أتدري أين تذهب"، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} " 3. 9- وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق

_ 1 أخرجه البخاري في التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} . "فتح الباري": (13/ 454) . 2 أخرجه مسلم في البر والصلة: (7/8) . 3 أخرجه البخاري في المغازي، باب صفة الشمس والقمر. "فتح الباري": (297/6) .

العرش: إن رحمتي غلبت غضبي" 1. 10- وعن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله كله يقول: "المتحابون في الله يظلهم الله في ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله" 2.

_ 1 أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} . "فتح الباري": (6/ 287) ، ومسلم في التوبة، باب في سعة رحمة الله، وأنها سبقت غضبه: (8/ 95) . 2 أخرجه أحمد: (5/ 9 22، 236، 237) ، وابن حبان: (2510) ، والحاكم: (169/4- 170) ، وابن المبارك في "الزهد": ص 715، من طريقين صحيحين عنه.

الباب الثاني: صفات العرش وذكر ما يتعلق به

الباب الثاني: صفات العرش وذكر ما يتعلق به الفصل الأول: صفة العرش وخصائصه المبحث الأول: خلق العرش وهيئته ... إن أول صفة نذكرها لعرش البارئ- سبحانه وتعالى- كونه مخلوقا من مخلوقات الله- تعالى-، ذلك لأن كل ما على الوجود هو مخلوق خلقه الله- تعالى- وأوجده، قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 1، فكل شيء في هذا الكون مخلوق، والعرش من ضمن هذا الكون، فهو مخلوق أيضا. وسلف الأمة وأئمتها يقولون: إن القرآن والسنة قد دلا على أن العرش مخلوق من مخلوقات الله تعالى خلقه وأوجده، قال تعالى: {هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، فالعرش موصوف بأنه مربوب، وكل مربوب مخلوق، فالعرش مخلوق من مخلوقات الله. وقد دلت الآيات والأحاديث على أن خلق العرش متقدم على خلق السموات والأرض، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} ، فالآية تدل على أن العرش كان موجودا على الماء قبل خلق السموات والأرض، ويؤيد تفسير الآية بهذا المعنى حديث عمران بن حصين- رضي الله عنه- الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب

_ 1 سورة الأنعام، الآية: 152.

في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض" 1. وأما مسألة خلق العرش فقد-جاء ذكرها في حديث أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه، قال: "كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء" 2. وهذه الأدلة التي استدل بها السلف على إثبات خلق العرش فيها أبلغ الرد على من زعم من الفلاسفة أن العرش هو الخالق الصانع، أو أنه: لم يزل مع الله تعالى. ولقد خالف السلف في قولهم هذا بعض أهل الكلام، الذين زعموا أن السموات والأرض كانتا مخلوقتين قبل العرش، وهم بزعمهم هذا الذي لا دليل لهم عليه إنما يحاولون به إخراج الاستواء عن حقيقته في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، ليكون معنى الاستواء في الآية على زعمهم بمعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه، ذلك لأنهم لو سلموا أن العرش مخلوق قبل السموات والأرض لقيل لهم: إنكم تزعمون أن "استوى" بمعنى: استولى، فلماذا تأخر الاستيلاء إلى ما بعد خلق السموات مع أنه كان موجودا قبل ذلك، فهم- فرارا من هذا الأمر- ادعوا أن العرش مخلوق بعد السموات والأرض.

_ 1 سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 1. 2 سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 7.

وقد رد ابن القيم- رحمه الله- على زعمهم هذا بقوله: "إن هذا لم يقله أحد من أهل العلم أصلا، وهو مناقض لما دل عليه القرآن والسنة وإجماع المسلمين أظهر مناقضة، فإنه تعالى أخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وعرشه حينئذ على الماء، وهذه واو الحال، أي: خلقها في هذه الحال، فدل على سبق العرش والماء للسموات والأرض، وفي "الصحيح" عنه صلى الله عليه وسلم: "قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء" 1"2. وكذلك فيما ذكرناه من أدلة على سبق خلق العرش للسموات والأرض فيه رد على زعم هؤلاء، وبيان مدى مخالفة قولهم للكتاب والسنة. وبعد أن علمنا أسبقية خلق العرش على خلق السموات والأرض، وإجماع سلف الأمة على ذلك، نود أن نتطرق في هذا المبحث- أيضا- إلى ترتيب خلق العرش مع غيره من المخلوقات من حيث الأولوية في الخلق. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال:

_ 1 تقدم تخريجه: ص 65. 2 "مختصر الصواعق": (2/ 131) .

القول الأول: أن القلم أول المخلوقات، وأنه أسبق في الخلق من العرش، وهذا القول هو اختيار ابن جرير الطبري1 وابن الجوزي2، وهو ما يفهم في الظاهر من قول من صنف في الأوائل، كابن أبي عروبة الحراني، وأبي القاسم الطبراني3. والدليل على هذا القول حديث عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب، قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ... " الحديث4. قال ابن جرير عند ترجيح هذا القول: "وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رويناه عنه أولى قول في ذلك بالصواب، لأنه كان أعلم قائل في ذلك قولا بحقيقته وصحته ... من غير استثناء منه شيئا من الأشياء أنه تقدم خلق الله إياه خلق القلم، بل عم بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أول شيء خلقه الله القلم" كل شيء، وإن القلم مخلوق قبله من غير استثنائه من ذلك عرشا ولا ماء ولا شيئا غير ذلك"5.

_ 1 "تاريخ الطبري": (1/ 36) . 2 "البداية والنهاية": (1/ 8) . 3 "توضيح المقاصد وتصحيح القواعد": (1/ 375) . 4 أخرجه أحمد في سننه: (1/ 311) ، وأبو داود في "سننه": (1/ 76، حديث 4700) ، والترمذي في "سننه": (1/ 424، حديث 3319) ، واللفظ لأبي داود. 5 "تاريخ الطبري": (1/ 35، 31) .

القول الثاني: أن الماء أول المخلوقات، وأنه مخلوق قبل العرش. وهذا القول ذكره ابن جرير ونقله عنه ابن كثير1. وذكره أيضا ابن حجر2، واستدل له بما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا: "أن الماء خلق قبل العرش". وقال ابن حجر: "وروى السدي في "تفسيره" بأسانيد متعددة "أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء". القول الثالث: أن أول شيء خلقه الله عز وجل من خلقه النور والظلمة. وهذا القول ذكره ابن جرير، وعزاه إلى ابن إسحاق3. القول الرابع: أن العرش هو أول المخلوقات. وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية4، وابن القيم5،

_ 1 "البداية والنهاية": (1/ 9) . 2 "فتح الباري ": (1/ 289) . 3 "تاريخ الطبري": (1/ 33) . 4 "مجموع الفتاوى": (18/ 213) . 5 انظر: "مختصر الصواعق المرسلة": (1/ 323) ، و"اجتماع الجيوش الإسلامية": ص 99، 100.

وابن كثير1، وشارح "العقيدة الطحاوية"2، ونسبه ابن كثير وابن حجر- نقلا عن أبي العلاء الهمداني- إلى الجمهور، ومال إليه ابن حجر- أيضا3. واستدلوا على قولهم هذا بما رواه مسلم في "صحيحه" بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا، قال: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء" 4. ففي هذا الحديث تصريح بان التقدير وقع بعد خلق العرش، وحديث عبادة صريح بان التقدير وقع عند أول خلق القلم، فدل ذلك على أن العرش سابق على القلم. ومما يؤيد هذا القول- أيضا- حديث عمران بن حصين: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض"5. فالحديث يدل على أن العرش كان موجودا قبل كتابه المقادير. وهذا هو الراجح من الأقوال، وأما القول الثاني "أن الماء أول

_ 1 "البداية والنهاية": (1/ 9) . 2 "شرح العقيدة الطحاوية": ص 295. 3 "فتح الباري ": (1/ 289) . 4 سيأتي تخريجه ص 60. 5 سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 1.

المخلوقات" واستدلال ابن حجر بحديث، أبي رزين "أن الماء خلق قبل العرش" فغير صحيح، لأنه لم يرد في حديث أبي رزين هذا اللفظ، وإنما ورد فيه: "ثم خلق عرشه على الماء"، وليس في هذا ما يدل على أولية الماء. وأما ما رواه السدي فهو- أيضا- لا يصلح للاحتجاج، لكونه أثرا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك. وأما القول الثالث: وهو قول ابن إسحاق فهو- أيضا- غير صحيح، ولعله أخذه من الإسرائيليات كما أخذ غيره من الأمور، وقد قال ابن جرير في هذا القول: "وأما ابن. إسحاق فإنه لم يسند قوله الذي قاله في ذلك إلى أحد، وذلك من الأمور التي لا يدرك علمها إلا بخبر من الله عز وجل أو خبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم"1. أما القول الأول فقد أجاب الجمهور على استدلالهم بحديث عبادة بن الصامت بقولهم: لا يخلو قوله "أول ما خلق الله القلم ... " إلخ من أن يكون جملة أو جملتين، فإن كان جملة- وهو الصحيح- كان معناه أنه عند أول خلقه قال له: "اكتب" كما في اللفظ، "أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب" بنصب "أول" و"القلم "، فعلى هذا تكون الأولية راجعة إلى الكتابة لا إلى الخلق. وإن كانت جملتين وهو مروي برفع "أول" و"القلم " فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، فيتفق بهذا الحديثان، إذ

_ 1 "تاريخ الطبري": (1/ 33) .

حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن العرش سابق على التقدير، والتقدير مقارن لخلق القلم"1. أما هيئة العرش: فقد دلت الأحاديث على أنه مقبب الشكل، وأنه على هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيهما كهيئة القبة، وهذا ما يدل عليه حديث الأعرابي الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا" 2، وأشار بأصابعه مثل القبة، ويؤيد وصف هيئة العرش بهذه الصفة ما جاء في الحديث الآخر: "إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلاها، وفوقه عرش الرحمن" فالحديث يبين أن الفردوس أوسط الجنة، وأعلاها، والجنة كما جاء في الحديث الآخر مائة درجة، وما بين كل درجة ودرجة كما بين السموات والأرض، فكون العرش سقفا للفردوس- الذي هو أوسط الجنة وأعلاها- يدل على أنه مقبب لأن هذه الصفة لا تكون إلا في المستدير. والعرش له قوائم كما جاء في الحديث الصحيح: "لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش" الحديث. وفي إثبات كون العرش مقببا، وأن له قوائم تحمله، رد على من

_ 1 "شرح العقيدة الطحاوية": ص 295، 296، "اجتماع الجيوش الإسلامية، ص 98، 99. 2 سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 11.

زعم من الفلاسفة أن العرش فلك من الأفلاك، أو أنه الفلك التاسع. وقد تقدم الرد على زعم هؤلاء، وكذلك فيه رد على من زعم أن العرش بمعنى الملك، لأنه لا يعقل أن يكون ماسكا بقائمة من قوائم الملك، وقد ذكر ابن كثير، والذهبي: أن العرش من ياقوتة حمراء1، وقد استدلوا لهذا القول بما رواه إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت سعدا الطائي يقول: "العرش ياقوتة حمراء"2.

_ 1 "تفسير ابن كثير": (1/ 74) ، "العلو" للذهبي: ص 57. 2 سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 47.

المبحث الثاني: مكان العرش

المبحث الثاني: مكان العرش إن الآيات والأحاديث التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن تبارك وتعالى لتدل دلالة واضحة على أن لعرش الرحمن مكانا قبل وجود السموات والأرض وبعد خلقهما، فأما مكانه قبل خلق السموات والأرض فالآيات والأحاديث تبين لنا أن مكانه على الماء، فالله سبحانه يقول في كتابه الكريم: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} . قال الطبري في تفسير هذه الآية: "وقوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} ، يقول وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض وما فيهن، وعن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} قبل أن يخلق شيئا"1. وأما الأدلة من السنة على ذلك فكثيرة، منها حديث عمران بن حصين الذي جاء فيه: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض". وكذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: "كتب الله

_ 1 "تفسير الطبري": (12/ 4) .

مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال: وعرشه على الماء". وكذلك حديث أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه، قال: "كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء". فكل من الآية والأحاديث تدل دلالة قاطعة على أن مكان العرش منذ خلقه على الماء، وليس المراد بالماء هنا ماء البحر، لأن ماء البحر إنما وجد بعد خلق السموات والأرض، وإنما الماء المذكور هنا ماء آخر تحت العرش على ما شاء الله تعالى1. وقد سئل حبر الأمة عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- عن قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} على أي شيء كان الماء، قال: على متن الريح2. وعن سليمان التيمي أنه قال: "لو سألت أين الله، لقلت: في السماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل السماء، لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل الماء، لقلت: لا أعلم، قال أبو عبد الله وذلك لقوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِما شَاءَ} 3"4.

_ 1 "فتح الباري": (13/ 411) . 2 انظر تخريج الأثر في التحقيق تحت رقم 2. 3 سورة البقرة، الآية: 255. 4 "خلق أفعال العباد": ص 127.

هذا مكان العرش قبل خلق هذا الكون الذي هو عبارة عن السموات والأرض، أما مكانه بعد خلق السموات والأرض فالحديث عنه من جانبين: الجانب الأول: مكانه بالنسبة إلى الله تعالى مع غيره من المخلوقات. الجانب الثاني: مكانه بالنسبة إلى السموات والأرض بعد خلقهما. أما مكان العرش بالنسبة إلى الله تعالى مع غيره من المخلوقات فهو أقربها إليه سبحانه، وذلك لأن الله سبحانه قد أخبر أنه مستو على عرشه في أكثر من موضع في القرآن الكريم قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ففي إثبات الاستواء على العرش دليل على قربه إليه، لأنه- سبحانه- مستو على أعلى مخلوقاته وأقربها إليه، وهذه ميزة امتاز بها العرش على ما سواه، ومما يؤيد كون العرش أقرب المخلوقات إلى الله ما جاء في حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولكن ربنا- تبارك وتعالى اسمه- إذا قضى أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربكم، فيخبرونهم ماذا قال"1. فالحديث يدل على أن حملة العرش هم أول من يتلقى أمر الله، ثم يبلغونه للذين يلونهم من أهل السموات، فكونهم أقرب الخلق إلى الله

_ 1 سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 21.

دليل على أن العرش أقرب منهم إليه – سبحانه - لأنهم إنما يحملونه. أما مكان العرش بالنسبة للسموات والأرض بعد خلقهما وهل مازال على الماء، فالجواب ما يلي: إن العرش ما يزال على الماء المذكور في الآية والأحاديث، بدليل ما جاء في حديث الأوعال، في قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم فوق السماء السابعة بحر، بين أعلاه وأسفله، مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك كله ثمانية أملاك أوعال، ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش". فالحديث يشير كما أسلفنا إلى وجود ذلك الماء الذي تحت العرش، وإلى أنه مازال موجودا إلى ما بعد خلق السموات والأرض. أما مكان العرش بالنسبة إلى السموات والأرض فهو أعلى منها، وفوقها، وهو كالقبة عليها، كما جاء في الحديث: "إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة، وكذلك ما جاء في حديث العباس بن عبد المطلب الذي يسمى حديث الأوعال، فكلا الحديثين يدلان على أن العرش فوق السموات والأرض، وأعلى منهما، وهو كالسقف عليهما، بل هو سقف الجنة، كما في الحديث: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن" 1.

_ 1 تقدم تخريجه ص 35.

فمكان العرش فوق السموات والأرض، وفوق الجنة، وهو أعلى المخلوقات، وأرفعها، وجميع المخلوقات دونه في العلو والارتفاع والله أعلم.

المبحث الثالث: خصائص العرش

المبحث الثالث: خصائص العرش خص الخالق سبحانه وتعالى عرشه الكريم بخصائص عديدة، ميزته على كثير من المخلوقات الأخرى، وذلك لما للعرش من المكانة الرفيعة عند البارئ- عز وجل-، فقد جاء ذكر عرش الرحمن في واحد وعشرين موضعا من القرآن الكريم، ومجيء ذكر العرش بهذا العدد يدل على ما له من مكانة ومنزلة عالية عند الخالق- سبحانه وتعالى-، فالله - سبحانه وتعالى - قد مدح نفسه في أكثر من موضع من كتابه الكريم بانه صاحب العرش العظيم، والكريم، والمجيد، قال تعالى: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، وقال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} ، وقال تعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} . فالله سبحانه يصف لنا في هذه الآيات وغيرها العرش بانه عظيم، وكريم، ومجيد، فهو عظيم لكونه أكبر المخلوقات، وأعظمها، وأعلاها، وذلك لما خص الله به هذا العرش من الاستواء عليه، ومجيد وكريم لما له من منزلة تميز بها عما سواه من المخلوقات، فهو إنما اتصف بهذه الصفات لجلالته وعظيم قدره، كما أن في قوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْش} إخبار منه تعالى عن عظمته وكبريائه، وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع خلقه، ومما يدل- أيضا- على

عظمة هذا العرش اقترانه باسم "الرحمن" كثيرا في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} . ففي هذا الاقتران بين اسم الرحمن والعرش حكمة، وهي إخباره- عز وجل- بأنه قد استوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات، ذلك لأن العرش محيط بالمخلوقات وقد وسعها، والرحمة بالخلق واسعة لهم1، كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} 2. وسنذكر في هذا المبحث بعض الخصائص التي اختص بها العرش وكرم بها، والتي جعلته يوصف بهذا الوصف في القرآن الكريم ويجعل له تلك المنزلة الرفيعة. أولا: الاستواء عليه: يعتبر استواء الله- سبحانه وتعالى- على العرش أعظم الخصائص التي اختص بها العرش، بل إن ما سواها من الخصائص الأخرى التي تميز بها العرش إنما جعلت له لأجل استواء الله- عز وجل- عليه، وذلك أن الله - تعالى- لما اختصه بهذا الأمر جعل له من الخصائص والصفات، كارتفاعه، وعظم خلقه، وكبره، وثقل وزنه، لكي يتناسب مع ما ميز وشرف به من الاستواء عليه. ومسألة الاستواء على العرش ثابتة في الكتاب والسنة، فقد جاء ذكر

_ 1 "مدارج السالكين": (1/ 33، 34) . 2 سورة الأعراف، الآية: 156.

الاستواء في القرآن الكريم في سبعة مواضع، ومجيء ذكر الاستواء في القرآن بهذا العدد إنما هو ليؤكد عظم هذا الأمر وأهميته، وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار التي تثبت الاستواء وتؤكده. وإن مذهب السلف الصالحين من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم- رضوان الله عليهم أجمعين- أنهم يقولون: إن الله على عرشه بلا تكييف، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، فهو سبحانه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، واستواؤه حقيقة لا مجاز، كما يزعم الجهمية وأتباعهم الذين ينكرون العرش، وأن يكون الله فوقه. وأما كيفية ذلك الاستواء فهي مجهولة لدينا، والسؤال عن كيفية ذلك الاستواء بدعة، لأن الله- سبحانه- لم يطلعنا على كيفية ذاته، فكيف يكون لنا أن نعرف كيفية استوائه وهو- سبحانه وتعالى- يقول: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِما شَاءَ} . ثانيا: العرش أعلى المخلوقات، وأرفعها، وسقفها إن مما خص به الخالق- سبحانه وتعالى- العرش مع استوائه عليه كونه أعلى المخلوقات، وأرفعها، وأقربها إلى الله تعالى، فقد ثبت أن العرش أعلى من السموات والأرض والجنة، وأنه كالسقف عليها، والأدلة على هذا الأمر كثيرة، وقد سبق أن أوردنا جزءا منها خلال حديثنا عن مكان العرش. والقول بان العرش أعلى المخلوقات هو قول السلف الذي قالوا به وذهبوا إليه، قال محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتابه "أصول

السنة": "ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش، واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء"1. وكون العرش أعلى المخلوقات يدل على أنه أقربها إلى الله- تعالى- وهذه ميزة أخرى تضاف إلى الخصائص التي انفرد بها العرش، ويدل على هذا الأمر ما جاء في حديث الأوعال: "ثم فوق ظهورهم العرش، بين أعلاه وأسفله مثل ما بين السماء إلى سماء، والله- تعالى- فوق ذلك "2. وكذلك ما جاء. ابن مسعود: "بين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي إلى الماء خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه "3. ثالثا: العرش أكبر المخلوقات، وأعظمها، وأثقلها: إن عرش الرحمن- تبارك وتعالى- يعتبر أكبر مخلوقات الله، وأوسعها، وأعظمها على الإطلاق، فقد خص الله عز وجل العرش بهذه الميزة العظيمة، وشرفه بها مع غيرها من الميزات، لكي يتناسب مع ذلك الشرف العظيم ألا وهو استواء البارئ- عز وجل- عليه.

_ 1 "أصول السنة": ص 282. 2 سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 11. 3 أثر صحيح وافر الطرق: أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد": ص 105، والدارمي في "الرد على الجهمية": ص 26، 27، وأبو الشيخ في "العظمة": (ت 34/أ) ، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة": (3/396) ، وأورده ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية: ص 100، وقال: رواه سنيد بن داود بإسناد صحيح.

وعظم العرش وسعة خلقه قد دل عليهما القرآن والسنة، فالله - سبحانه وتعالى- يقول في محكم التنزيل: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} فالله- سبحانه- وصف العرش في هذه الآية وغيرها بكونه عظيما في خلقه وسعته، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي هو مالك كل شيء، وخالقه، لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى"1. ومما يشهد لعظم العرش وسعة خلقه الأحاديث والآثار التي تتحدث عن كبر حجمه وسعته، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عرشه على سمواته وأرضه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشبه العرش بأنه كالقبة على هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيها، وكالسقف عليهما، وفي هذا بيان واضح على عظم العرش، وكبر مساحته، وفي حديث آخر يبين لنا مدى عظم العرش، وكبر ومساحته، فليس العرش باكبر من السموات والأرض فقط، بل هو من الكبر وسعة الحجم بحيث لا تعدل السموات والأرض على سعة حجمهما بجانبه شيئا يذكر، فعن أبي ذر- رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا ذر ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة"، وفي رواية: "ما السموات السبع والأرضون السبع وما بينهن وما فيهن

_ 1 "تفسير ابن كثير"، سورة التوبة: (1/ 451) .

في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة" 1. فالحديث كما أسلفنا دليل واضح على سعة العرش وعظم خلقه. وأما مقدار ذلك وتلك السعة لا يعلمها إلا الله- تعالى-. قال عبد الله بن عباس- رضي، الله عنهما-: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدره إلا الله- تعالى- "2. والعرش يمتاز مع كبر حجمه وسعته، بكونه أثقل المخلوقات، وزنته أثقل الأوزان،. جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجويرية: "لقد قلت بعدك أربع كلمات مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته "3. قال ابن تيمية: "فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان"4. رابعا: العرش داخلا فيما يقبض ويطوى: لقد خص الله- سبحانه وتعالى - العرش بخصائص منها ما انفرد بها العرش عن غيره من المخلوقات، ومنها ما اشترك بها العرش مع بعض المخلوقات الأخرى، ولقد سبق الحديث عن بعض الخصائص التي

_ 1 سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 58. 2 سيأتي تخريجه في التحقيق رقم 61. 3 تقدم تخريجه ص 61. 4 "الرسالة العرشية": ص 61.

انفرد بها العرش، وأود ههنا أن أبين بعض ما اشترك فيه العرش مع غيره من المخلوقات من الخصائص. فقد سبق أن علمنا أن العرش مخلوق قبل السموات والأرض، فهو بهذا ليس داخلا فيما خلق في الأيام الستة، ومعلوم أن الله- سبحانه- قد أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه يقبض يوم القيامة السموات والأرض ويطويها ويبدلها قال تعالى: {وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِياتٌ بِيَمِينِه} 1، وقال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّماوَاتُ} 2، وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} 3، وقال تعالى: {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} 4، وقال تعالى: {إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ} 5. وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض " 6، وفي "صحيح مسلم" عن

_ 1 سورة الزمر، الآية 670. 2 سورة إبراهيم، الآية: 48. 3 سورة الأنبياء، الآية: 104. 4 سورة الانشقاق، الآيتان: 1، 2. 5 سورة الانفطار، الآية: 1. 6 أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب التوحيد. "فتح الباري": (13/ 367) ومسلم في "صحيحه"، كتاب صفة القيامة والجنة والنار: (1/ 126) .

عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله لجم: "يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم ياخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون، أين المتكبرون" 1. فالآيات والأحاديث السابقة تدل على أن السموات والأرض وما فيهما تقبض، وتطوى، وتبدل. وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى، كالجنة، والنار، والعرش2. فعلى هذا يكون العرش ليس داخلا فيما يقبض، ويطوى، ويبدل، والأدلة على بقاء العرش كثيرة في الكتاب والسنة، فالله سبحانه وتعالى يقول مخبرا عن بقاء عرشه يوم القيامة: {وَحُمِلَتِ الأرض وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} 3، وكذلك ما جاء في سورة الزمر من إخباره- تعالى- بقبضه للأرض، وطيه للسموات بيمينه، وذكر نفخ الصور، وصعق من في السموات والأرض، إلا من شاء الله، ثم ذكر النفخة الثانية التي يقومون بها، وأن الأرض تشرق بنور ربها، وأن الكتاب يوضع، ويجاء بالنبيين والشهداء، وأنه توفى كل نفس بما عملت، وذكر سوق الكفار إلى النار، وسوق المؤمنين إلى الجنة، إلى

_ 1 "صحيح مسلم"، كتاب صفة القيامة: (8/126) . 2 "الفتاوى": (18/ 307) . 3 سورة الحاقة، الآيات: 14- 17.

أن قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1. فالآيات فيها إخبار عن الموقف يوم القيامة، والشاهد أن العرش باق حتى بعد انتهاء الحساب. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما العرش فلم يكن داخلا فيما خلقه في الأيام الستة، ولا فيما يشقه ويفطره، بل الأحاديث المشهورة دلت على ما دل عليه القرآن من بقاء العرش، فقد ثبت في الصحيح أن جنة عدن سقفها عرش الرحمن، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وفوقه عرش الرحمن"2.

_ 1 سورة الزمر، الآيتان: 74- 75. 2 "نقض التأسيس": (1/ 151) .

الفصل الثاني: ذكر ما يتعلق بالعرش

الفصل الثاني: ذكر ما يتعلق بالعرش المبحث الأول: الكلام على حملة العرش ... إن كون عرش الرحمن له حملة يحملونه هو أمر ثابت في الكتاب والسنة، فقد جاء ذكر حملة العرش في موضعين من القرآن الكريم، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْما فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} ، وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} . فالآيتان تدلان على أن لعرش الله حملة يحملونه اليوم ويوم القيامة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن قوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} ، وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} : يوجب أن لله عرشا يحمل، ويوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك كما تقوله طائفة من الجهمية، فإن الملك هو مجموع الخلق، فهنا دلت الآية على أن لله ملائكة من جملة خلقه، يحملون عرشه، وآخرون يكونون حوله، وعلى أنه يوم القيامة يحمله ثمانية"1. وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار الدالة على أن لعرش الرحمن حملة من الملائكة يحملونه:

_ 1 "نقض التأسيس": (1/ 575) .

فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله سكت: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" 1. وكذلك ما جاء في حديث الأوعال: "ثم فوق ذلك ثمانية أملاك أوعال، ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش". والقول بان حملة العرش هم من الملائكة هو قول السلف، الذين يثبتون العرش على أنه جسم عظيم خلقه الله فوق العالم، وأن الله استوى عليه بعد أن خلق السموات والأرض، وهذا ما جاء به القرآن والسنة، وأجمع عليه السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم. وأما الذين أنكروا استواء الله على عرشه وقالوا: إن استوى بمعنى: استولى، وأن المراد بالعرش: الملك، فإنهم أنكروا- أيضا- كون حملة العرش هم من الملائكة فقالوا: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} ، {وَيَحْمِلُ} بالجذب {عَرْشَ رَبِّكَ} ملك ربك للأرض والسموات، {فَوْقَهُمْ} ، أي: فوق الملائكة الذين هم على أرجائها يوم القيامة، {ثَمانِيَةٌ} ، أي: السموات السبع والأرض2، وقيل المراد بالثمانية: السموات والكرسي3.

_ 1 تقدم تخريجه ص 34. 2 "تفسير القاسمي"، سورة الحاقة، الآية 17: (16/ 5915) . 3 "الفصل": (2/126) .

فقد أولوا هذه الآية، كما أولوا آيات الاستواء التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن- تبارك وتعالى-. وأما الصنف الآخر الذين زعموا أن العرش المذكور في الآيات المراد به: الفلك التاسع، وهم الفلاسفة، فهم يقولون: إن المراد بالحملة الثمانية في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} الثمانية أفلاك التي تحت الفلك المحيط، أو ما يسمونه الفلك التاسع1، وقد تقدم الرد على كلا الفريقين أثناء الكلام على الأقوال في العرش. فمما تقدم تقرر أن لعرش الله حملة من الملائكة يحملونه بقدرة الله، وقد أخبرنا الله- تعالى- أنهم يوم القيامة ثمانية، ولكن اختلف في هؤلاء الثمانية هل هم ثمانية أملاك، أم ثمانية أصناف، أم صفوف، وهل هم اليوم ثمانية، أم أقل، على عدة أقوال: القول الأول: أن المراد بالثمانية: ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدتهم إلا الله، وهذا القول مروي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} ، قال: "ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدتهم إلا الله "2، وهو- أيضا- مروي عن سعيد بن جبير3،

_ 1 "تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات" "رسالة النبوات": ص 87. 2 سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 33. 3 انظر الأثر الوارد عنه في قسم التحقيق تحت رقم 32.

والشعبي، وعكرمة، والضحاك، وابن جريج1. القول الثاني: أن المراد بالثمانية: أنهم ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة، وهذا القول مروي عن ابن عباس2، وقال به مقاتل3، والكلبي4. القول الثالث: أن حملة العرش هم اليوم ويوم القيامة ثمانية من الملائكة. ويستدل لهذا القول بحديث العباس بن عبد المطلب الذي جاء فيه: "ثم فوق ذلك ثمانية أملاك أوعال، ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش". فالحديث يدل على أن حملة العرش هم اليوم ثمانية. وروي عن العباس بن عبد المطلب- رضي الله عنه- في قوله تعالى:: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} ، قال: "ثمانية أملاك في صورة الأوعال، بين أظلافهم وركبهم مسيرة ثلاث وستين أو خمس وستين سنة"5.

_ 1 "تفسير ابن كثير": (1/ 414) . 2 سيأتي تخريجه في قسم التحقيق تحت رقم 27. 3 "زاد المسير": (8/ 351) . 4 "فتح القدير": (5/ 282) . 5 سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 28.

وكذلك ما روي عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنه قال: "حملة العرش ثمانية ما بين موق أحدهم إلى مؤخرة عينه مسيرة مائة عام"1. وعن الربيع بن أنس في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} ، قال: ثمانية من الملائكة2. وعن شهر بن حوشب قال: "حملة العرش ثمانية: أربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك"3. القول الرابع: أن حملة العرش اليوم أربعة من الملائكة، ويوم القيامة ثمانية، وهذا القول رجحه ابن كثير4، وابن الجوزي5، وقال: هو قول الجمهور"6. ويستدل لهذا القول بعدة أدلة منها: ما رواه الطبري بسنده عن

_ 1 ذكره ابن كثير في "تفسيره" عن ابن أبي حاتم: (4/ 414) . 2 سيأتي تخريجه في قسم التحقيق تحت رقم 31. 3 سيأتي تخريجه في قسم التحقيق تحت رقم 24. 4 "تفسير ابن كثير": (4/ 71) . 5 "زاد المسير": (7/ 208) . 6 "زاد المسير": (8/ 350) .

عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحمله اليوم أربعة، ويوم القيامة ثمانية" 1. وروى الطبري- أيضا- بسنده عن ابن إسحاق قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هم اليوم أربعة"، يعني: حملة العرش، "وإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فكانوا ثمانية" 2. واستدلوا- أيضا- بما جاء عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أمية بن أبي الصلت في شيء من شعره فقال: رجل وثور تحت رجل يمينه ... والنسر للأخرى وليث مرصد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق" 3. واستدلوا- أيضا- بما جاء في حديث الصور المشهور، فقد جاء فيه: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} ، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى، والسموات إلى حجزهم، والعرش على مناكبهم...."4.

_ 1 رواه الطبري في رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خبر مقطوع: (29/ 59) ، وإسناده ضعيف. 2 انظر: "تفسير الطبري"، سورة الحاقة: (29/59) . 3 أخرجه الإمام أحمد في "مسنده": (1/ 256) ، والدارمي في "سننه"، كتاب الاستئذان: (2/ 296) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 453. وأورده ابن كثير في "النهاية": (1/ 12) ، وقال: "حديث صحيح الإسناد، ورجاله ثقات، وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة". 4 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (24/ 30) . وأورده ابن كثير في "النهاية": (1/ 172، 176) ، وعزاه للحافظ أبو يعلى الموصلي في "مسنده"، وقال: رواه جماعة من الأئمة في كتبهم كابن جرير في "تفسيره"، والطبراني في "المطولات" وغيرها، والحافظ البيهقي في كتاب "البعث والنشور"، والحافظ أبي موسى المديني في "المطولات" - أيضا - من طرق متعددة عن إسماعيل بن رافع قاص المدينة، وقد تكلم فيه بسببه، وفي بعض سياقاته نكارة واختلاف.

ولعل هذا القول هو الأقرب إلى الصواب، ولكن ليس هناك نص صريح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسألة. و. الله أعلم.

المبحث الثاني: الكلام على الكرسي

المبحث الثاني: الكلام على الكرسي لما كان موضع البحث في الكلام. على العرش وما يتعلق به كان لزاما علي أن أتحدث عن الكرسي، وذلك لما بين الاثنين من علاقة، فالكرسي بالنسبة إلى العرش كالمرقاة إليه. وقد جاء ذكر الكرسي في موضع واحد في القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تأخذه سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماوَاتِ وَما فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاَّ بإذنه يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِما شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} 1. وهذه الآية هي أفضل الآيات، وقد سميت باية الكرسي، وقد تضمنت العديد من المعاني، قال ابن القيم في شرحها: "ففي آية الكرسي ذكر الحياة التي هي أصل جميع الصفات، وذكر معها قيوميته المقتضية لدوامه وبقائه وانتفاء الآفات جميعها عنه، ومنها النوم والسنة والعجز وغيرها، ثم ذكر كمال ملكه، ثم عقبه بذكر وحدانيته في ملكه، وأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، ثم ذكر سعة علمه وإحاطته، ثم عقبه بأنه لا سبيل للخلق إلى علم شيء من الأشياء إلا بعد مشيئته لهم أن يعلموه،

_ 1 سورة البقرة، الآية: 255.

ثم ذكر سعة كرسيه منبها به على سعته - سبحانه- وعظمته وعلوه، وذلك توطئة بين يدي علوه وعظمته، ثم أخبر عن كمال اقتداره وحفظه للعالم العلوي والسفلي من غير اكتراث، ولا مشقة، ولا تعب"1. وأما الأحاديث والآثار الواردة في الكرسي فهي كثيرة جدا، وقد أورد ابن أبي شيبة بعضا منها، فنكتفي بما أورده2. وقد تعددت الأقوال واختلفت في الكرسي كما تعددت واختلفت من قبل في العرش. والأقوال في الكرسي هي: القول الأول: أن المراد بالكرسي: العلم. وهذا القول هو قول الجهمية3، فقد أولوا الكرسي بمعنى العلم، كما أولوا العرش بمعنى الملك، وكل ذلك فرارا منهم عن إثبات علو الله واستوائه على عرشه، وقد استدلوا بما روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} قال: كرسيه علمه4.

_ 1 انظر: "مختصر الصواعق": (1/ 288) . 2 انظر الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب تحت رقم 45، 46، 58، 59، 61، 88. 3 انظر: "التنبيه والرد": ص 104، و"الكشاف": (1/ 385، 386) ، "مجموع الفتاوى": (5/ 60) ، و"الرد على بشر المريسي": ص 71، و"تفسير روح المعاني": (3/ 10) . 4 أخرجه الطبري في "تفسيره": (3/ 9) ، وعبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب السنة": (2/ 167) ، وابن منده في "الرد على الجهمية": ص 45، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 497. وأورده ابن كثير في "تفسيره": (1/ 309) ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم. وجميعهم من طريق مطرف عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه، وهو حديث غير صحيح. وقال الدارمي: "هو من رواية جعفر الأحمر، وليس جعفر ممن يعتمد على روايته إذ قد خالفه الرواة المتقنون". وقال ابن منده: "لم يتابع عليه جعفر، وليس هو بالقوي في سعيد بن جبير".

وهدا القول قد رجحه الطبري بقوله:"وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه أنه قال: هو علمه"1. القول الثاني: أن المراد بالكرسي هو: العرش نفسه. وهذا القول مروي عن الحسن البصري، فقد روى ابن جرير بسنده عن جويبر عن الضحاك قال: كان الحسن يقول: "الكرسي هو العرش"، وقد مال ابن جرير إلى هذا القول2، واعتمد في ذاك على حديث عبد الله بن خليفة قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة، فعظم

_ 1 "تفسير الطبري": (3/ 11) . 2 في كلام ابن جرير في هذه المسألة تناقض، فقد ذكر أولا أن هذا القول هو أولى بتأويل الآية، ثم نقض كلامه فقال: "أما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس أنه علم الله سبحانه"، وقد تكلم محمود شاكر في تعليقه على "تفسير الطبري" على هذا التناقض، وبين عدم أرجحية كلا القولين. انظر: "تفسير الطبري ": (1/ 401) ، طبعة دار المعارف المصرية.

الرب - تعالى ذكره -، ثم قال: "إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإنه ليقعد عليه، فما يفضل منه مقدار أربع أصابع، ثم قال باصابعه فجمعها: وإن له أطيطا كأطيط الرحل التجديد إذا ركب من ثقله "1. القول الثالث: أن المراد بالكرسي: قدرته التي يمسك بها السموات والأرض2،

_ 1 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (1/ 111) ، والدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 47، وأحمد في "السنة": ص 17. كلهم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة مرسلا بنحوه. وقد روى الحديث مرفوعا وموقوفا، وقد. طعن في هذا الحديث لاضطراب في السند والمتن، قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية": (1/ 5، 6) : "هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده مضطرب جدا"، ثم قال: "وتارة يرويه ابن خليفة عن عمر عن رسول الله، وتارة يقفه على عمر، وتارة يوقف على ابن خليفة، وتارة يأتي "فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع"، وتارة يأتي "فما يفضل منه مقدار أربع أصابع"، وكل هذا تخليط من الرواة فلا يعول عليه. وقال ابن كثير: "ثم منهم من يرويه عن عمر موقوفا، ومنهم من يرويه عن عمر مرسلا، ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة، ومنهم من يحذفها". "تفسير ابن كثير": (1/ 310) . وهذا بالإضافة إلى أن عبد الله بن خليفة الذي عليه مدار الحديث لم يوثقه إلا ابن حبان، وقال فيه الذهبي: لا يكاد يعرف. وقال فيه ابن كثير: ليس بذاك المشهور، وفي سماعه عن عمر نظر. انظر: "ميزان الاعتدال": (1/ 414) . 2 انظر: "تفسير القرطبي": (1/ 276) ، "تهذيب اللغة": (10/ 53) ، "أقاويل الثقات في تأويل آيات الأسماء والصفات": (ق 14/أ) ، "لسان العرب": (6/194) .

ويقول هؤلاء: إن العرب تسمي أصل كل شيء الكرسي، كقولك: اجعل لهذا الحائط كرسيا، أي: اجعل له ما يعمده ويمسكه1. القول الرابع: أن الكرسي هو: الفلك الثامن، أو ما يسمونه فلك البروج، أو فلك الكواكب الثوابت2. وقد قال بهذا القول بعض المتكلمين، في علم الهيئة من فلاسفة المسلمين، كابن سينا وغيره، وهؤلاء هم الذين قالوا: إن العرش هو: الفلك التاسع. القول الخامس: أن الكرسي جسم عظيم، مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه، وهو موضع القدمين للبارئ- عز وجل - 3. وهذا القول هو مذهب السلف من الصحابة، والتابعين، ومن سار على نهجهم، واقتدى بسنتهم، وهذا هو ما دل عليه القرآن، والسنة، والإجماع، ولغة العرب التي نزل القرآن بها.

_ 1 "تفسير القرطبي": (3/ 276) ، "غرائب القرآن وركائب الفرقان": (3/ 18) . 2 "كتاب الكليات": (4/ 122) ، "البداية والنهاية": (1/ 14) ، "تفسير ابن كثير": (1/310) . 3 "الفتاوى": (5/ 54) ، "تفسير ابن كثير": (1/ 309) ، "أقاويل الثقات": (ق 24/ ب) ، "الأسماء والصفات": ص 510، "شرح العقيدة الطحاوية": ص 213.

فالأحاديث والآثار الثابتة دلت على هذا وبينته بيانا واضحا لا يدعو إلى الشك أو الارتياب، ومن تلك الأحاديث والآثار: حديث أبي ذر الغفاري- رضي الله عنه- قال: دخلت المسجد الحرام، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فجلست إليه، فقلت: يا رسول الله، أيما أنزل عليك أفضل، قال: "آية الكرسي، وما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة" 1. وقال الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (رقم 109) - بعد أن سرد الطرق لهذا الحديث-: "وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق صحيح، والحديث خرج مخرج التفسير لقوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ} ، وهو صريح في أن الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش، وأنه جرم قائم بنفسه، وليس شيئا معنويا، وفيه رد على من يتأوله بمعنى الملك وسعة السلطان". وأيضا ما جاء عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ} ، قال: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره أحد"2. وهذا ثابت عن ابن عباس في تفسير معنى الكرسي الوارد في الآية، وهذا القول في الكرسي نقل عن كثير من الصحابة والتابعين، منهم ابن

_ 1 حديث صحيح. انظر تخريجه في قسم التحقيق تحت رقم 58. 2 انظر تخريجه في قسم التحقيق تحت رقم 61.

مسعود1، وأبو موسى الأشعري2، ومجاهد3 وغيرهم. ولذلك فقد ذكر كثير من العلماء أن هذا القول في الكرسي قد حصل عليه إجماع السلف: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الكرسي ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع جمهور السلف"4، قال شارح "العقيدة الطحاوية": "وإنما هو: الكرسي- كما قال غير واحد من السلف- بين يدي العرش كالمرقاة إليه"5. وقال محمد بن عبد الله زمنين: "ومن قول أهل السنة: أن الكرسي بين يدي العرش، وأنه موضع القدمين"6. وقال القرطبي: "والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه"7. كما أن أهل اللغة لا يعرفون معنى للكرسي غير هذا المعنى. قال الزجاج: "والذي نعرفه من الكرسي في اللغة: الشيء الذي يعتمد

_ 1 تقدم تخريج الأثر الوارد عنه في ص 88. 2 انظر تخريج الأثر الوارد عنه في قسم التحقيق تحت رقم 60. 3 انظر تخريج الأثر الوارد عنه في قسم التحقيق تحت رقم 45، 59. 4 "الفتاوى": (1/ 584) . 5 "شرح العقيدة الطحاوية": ص 313. 6 "أصول السنة": ص 292. 7 "تفسير القرطبي": (3/ 276) .

ويجلس عليه، فهذا يدل على أن الكرسي عظيم، دونه السموات والأرض"1. وقال ثعلب: "الكرسي: ما تعرفه العرب من كراسي الملوك"2. ومن هذا كله يتبين لنا مدى صحة هذا القول، وموافقته للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، ومطابقته لما جاء في لغة العرب، وأما الأقوال الأخرى فهي أقوال باطلة، ومخالفة لما عليه جمهور أهل السنة من سلف الأمة وخلفها. وأما ما استدل به أهل القول الأول من قول ابن عباس فهو غير صحيح، كما بيناه في تخريجه، والصحيح عن ابن عباس هو قوله: "الكرسي موضع القدمين ... "، وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها. وأما القول الثاني أن الكرسي هو العرش نفسه، فلم يثبت عن الحسن البصري، لأن في إسناده جويبر وهو متفق على ضعفه، وقال فيه الحافظ ابن حجر: "ضعيف جدا". وقال ابن كثير: "رواه ابن جرير من طريق جويبر، وهو ضعيف، وهذا لا يصح عن الحسن، بل الصحيح عنه وعن غيره من الصحابة والتابعين أنه غيره"3.

_ 1 "تهذيب اللغة": (10/53) . 2 "تهذيب اللغة": (10/35) . 3 "البداية والنهاية": (1/ 13) .

وقال البيهقي عند الكلام على هذا القول: "هذا ليس بمرضي، والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه"1. ومساندة ابن جرير الطبري لهذا القول غير صحيحة، لأن حديث عبد الله بن خليفة ضعيف كما تقدم. وأما القول الثالث: فهو قول مخالف لما دلت عليه الأحاديث والآثار، ومخالف لما عليه الجمهور من أهل السنة والجماعة ومخالف للغة العربية، وهو تأويل باطل ترده الأحاديث، وهو- أيضا- تكذيب بالكرسي، وتكذيب للأحاديث الصحيحة التي دلت على وجود الكرسي. وأما القول الرابع: فيكفي في إثبات بطلانه أن جماعة من أنفسهم ردوا عليهم هذا القول- كما ذكره ابن كثير- وبالإضافة إلى ذلك فإن أصحاب هذا القول ليس لديهم أي دليل على قولهم هذا، كما سبق وأن بيناه في قولهم في العرش.

_ 1 "الأسماء والصفات": ص 493.

الباب الثالث: الكلام على صفتي العلو والاستواء

الباب الثالث: الكلام على صفتي العلو والاستواء الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو المبحث الأول: أقوال المخالفين ... القول الأول: قول المعطلة من الفلاسفة1، والجهمية2، والمعتزلة3، ومتأخري الأشاعرة4، والقرامطة الباطنية5. وهؤلاء جميعا ينفون علو الله وارتفاعه فوق خلقه، وكل ذلك تحت دعوى التوحيد، والتنزيه، ونفي التشبيه، فهم يزعمون أن إثبات العلو لله - تعالى- فيه إثبات للجهة، والمحايثة، والحد، والحركة، والانتقال، وهذه الأمور- على زعمهم- تستلزم الجسمية، والأجسام حادثة والله منزه عن الحوادث، فمن أجل ذلك نفوا العلو، وأولوا النصوص الثابتة

_ 1 "النجاة" لابن سينا: ص 37. 2 "مجموع الفتاوى": (1/ 297- 298) ، (5/ 122) . 3 "مجموع الفتاوى": (1/ 297- 298) ، (5/ 122) . 4 "تأويل مشكل الحديث" لابن فورك: ص 63، "الاقتصاد في الاعتقاد" للغزالي: ص 29، 34. 5 "درء تعارض العقل والنقل": (5/ 178) ، والقرامطة: من الباطنية، وهم ينتسبون إلى حمدان بن الأشعث الذي كان يلقب بقرمط، لقرمطة في خطه أو خطوه، انظر: "الفرق بين الفرق": ص 281، 293، "المنتظم" لابن الجوزي: (5/ 110، 119) .

فيه بان المراد بها علو القهر والغلبة. وقد انقسم الجهمية المعطلة النافون لعلو الله إلى فريقين في هذه المسألة: الفريق الأول: وهم الذين يقولون: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا هو كل مباين له ولا محايث له. وهذا القول هو ما يذهب إليها النظار والمتكلمون من هؤلاء المعطلة1، وهم بقولهم هذا قد نفوا الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود منهما، وبالغوا في نفي التشبيه، حتى أدى بهم ذلك إلى نفي وجوده بالكلية، وذلك خشية منهم أن يشبهوا، فهم قالوا بهذه المقالة هربا منهم- على حد زعمهم - من إثبات الجهة، والمكان، والحيز، لأن فيها كما يدعون تجسيما، وهو تشبيه، فقالوا: يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات، فنحن نسد الباب بالكلية. وقد استند أصحاب هذا القول في قولهم هذا على حجج، زعموا أنها عقلية، أسسوها وابتدعوها وجعلوها مقدمة على كل نص، وليس لهؤلاء أي دليل من القرآن أو السنة على صحة قولهم هذا، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: "وجميع أهل البدع قد

_ 1 "الرسالة الأضحوية"، نقلا عن "مختصر الصواعق": (1/ 237) ، "الاقتصاد في الاعتقاد": ص 34، "تأويل مشكل الحديث": ص 63، 64، "مجموع الفتاوى": (2/ 297، 298) ، (5/ 122- 124) ، "نقض التأسيس": (1/6،7) .

يتمسكون بنصوص، كالخوارج، والشيعة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم، إلا الجهمية، فإنهم ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه في النفي"1. وسنأتي بعد ذكر القول الثاني إلى ذكر بعض تلك الحجج التي زعمها هؤلاء. الفريق الثاني: وهم الذين يقولون بان الله بذاته في كل مكان. وهذا القول هو ما يذهب إليه النجارية2، وكثير من الجهمية وبخاصة عبادهم، وصوفيتهم، وعوامهم، وأهل المعرفة والتحقيق منهم3. ويحتج هؤلاء ببعض الحجج العقلية المزعومة بالإضافة إلى بعض الآيات القرآنية الدالة على المعية والقرب. وقد يجمع كثير من هؤلاء المعطلة بين القولين، فهو في حالة نظره وبحثه يقول بسلب الوصفين المتقابلين كليهما، فيقول: لا هو داخل العالم ولا خارجه.

_ 1 "مجموع الفتاوى": (5/ 122) . 2 هم أتباع حسين بن محمد بن عبد الله بن النجار، وقد كان أكثر معتزلة الري ومن حولها على مذهبه، وقد نقل الشهرستاني في "الملل والنحل": (1/131، 114) عن الكعبي قوله: "إن النجار كان يقول: إن البارئ بكل مكان وجودا، لا على معنى العلم والقدرة". وانظر: "مقالات الإسلاميين": (1/ 135- 137، 283- 285) ، و"الفرق بين الفرق": ص 126، 127، و"أصول الدين" للبغدادي: ص 334، و"التبصير في الدين": ص 101، 102، 103. 3 انظر: "نقض التأسيس": (1/ 7) .

وفي حالة تعبده وتألهه يقول: بأنه في كل مكان، ولا يخلو منه شيء1. أولا: شبه المعطلة العقلية: إن جل ما اعتمد عليه هؤلاء المعطلة من أدلة على نفي صفة العلو وغيرها من الصفات إنما هو عبارة عن حجج عقلية مزعومة ومبتدعة، بناها هؤلاء المعطلة على أصول فلسفية كانوا قد تاثروا بها، وليس لهؤلاء المعطلة في نفيهم هذا أساس من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد جعل هؤلاء المعطلة لتلك الحجج حكم الأمر المحكم، الذي يجب اتباعه واعتقاد موجبه والتسليم به، وقد بلغ من تقديسهم لها أنهم جعلوها مقدمة على الكتاب والسنة، فإذا ورد النص من الكتاب أو السنة عرضوه على تلك الأسس العقلية، فإن وافقها احتجوا به اعتضادا لا اعتمادا، وإن خالفها فهم يحرفون العلم عن مواضعه، فيؤولون نصوص القرآن، ويطعنون في نصوص السنة، وكل ذلك تحت دعوى التنزيه، والتوحيد، ونفي التشبيه. وقد أفرط هؤلاء المعطلة في هذا الجانب- أي جانب نفي التشبيه- فجعلوا من قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} 2 جنة يتترسون بها لنفي علو الله- سبحانه- فوق عرشه، وتكليمه لرسله، وإثبات صفات كماله، وغير ذلك مما أخبر الله به عن نفسه، أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم عنه،

_ 1 "نقض التأسيس": (1/ 7) . 2 سورة الشورى، الآية: 11.

حتى أنه قد آل ببعضه هؤلاء المعطلة إلى نفي ذاته خشية التشبيه، فقالوا: هو وجود محض لا ماهية له، ونفى آخرون وجوده بالكلية، خشية التشبيه- على حد زعمهم- حيث قالوا: يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات والكلام والعلو، فنحن نسد الباب بالكلية1. وسوف نتعرض في هذا المبحث لبعض أسس تلك الشبه العقلية المزعومة، التي جعلها هؤلاء المعطلة مستندا لهم في نفي صفة العلو وغيرها من الصفات، ونبين ما فيها من مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مع بيان ما في تلك الأسس من تناقض، وبخاصة من الناحية العقلية. ونظرا لتعدد مذاهب المعطلة واختلاف بعضها عن بعض في القول والرأي، فسوف نعرض شبهة كل فرقة من الفرق السابقة الذكر على حدة فنبدأ: أولا: شبهة الفلاسفة2: الفلاسفة ينفون صفة العلو، وباقي صفات البارئ- عز وجل- كما سبق وأن ذكرنا، تحت دعوى التوحيد، والتنزيه عن مشابهة المخلوقين، فابن سينا يقول: "إن واجب الوجود بذاته واحد بسيط لا تكثر فيه بوجه من الوجوه، فهو ليس بجسم، ولا صورة جسم، ولا مادة معقولة لصورة معقولة، ولا صورة معقولة في مادة معقولة، ولا له قسمة في

_ 1 "مختصر الصواعق": (1/ 285) . 2 أقصد بهم فلاسفة المسلمين كابن سينا، والفارابي.

الكلام، ولا في المبادئ المقومة له، ولا في قول الشارح، ولا غير ذلك مما ينافي وحدة واجب الوجود وبساطته المطلقة"1. والمتامل لهذه العبارات التي أوردها ابن سينا يعرف أنها إنما هي مجرد اصطلاحات اصطلحها هو وأمثاله من الفلاسفة، الذين تأثروا بفلسفة اليونان، فجعلوا من تلك العبارات المبتدعة ما أسموه بالتوحيد، وادعوا أن ما تضمنته هو التنزيه، مع أننا في الحقيقة متضمنة لنفي جميع الصفات، بما فيها العلو والاستواء لقوله: "إن واجب الوجود بذاته واحد بسيط لا تكثر فيه بوجه من الوجوه" يعني به: أنه ليس لله تعالى صفة ولا قدر، لأن ذلك على رأيه يستلزم التجسيم، والتجزئة، والتركيب، فيلزم نفيه. لأنه يلزم من ذلك الحدوث، والافتقار، وذلك ينافي واجب الوجود. فابن سينا وأمثاله من الفلاسفة يعودون في نفي الصفات على حجة التركيب، والتي هي: "أنه لو كان له صفة لكان مركبا، والمركب يفتقر إلى جزئيه، وجزءاه غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه" وهم بهذا الكلام تجدهم قد نفوا صفات البارئ جميعها. ولو توقفنا عند العبارة السابقة وهي قوله: "إن واجب الوجود بذاته واحد بسيط ... " من أجل بيان أن ما فيها من مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل وحتى مخالفتها للعقل الذي يقدمه هؤلاء على كل شيء

_ 1 "النجاة" لابن سينا: ص 37.

لوجدنا أن هذه العبارة هي تفسير للواحد بما لا أصل له في الكتاب أو السنة، بل هو تفسير باطل شرعا، وعقلا، ولغة. أما في اللغة: فإن أهل اللغة مطبقون على أن هذا القول ليس هو معنى الواحد في اللغة، إذ القرآن ونحوه من الكلام العربي متطابق على ما هو معلوم بالاضطرار في لغة العرب وسائر اللغات، أنهم يصفون كثيرا من المخلوقات بأنه واحد ويكون ذلك جسما، إذ المخلوقات إما أجسام وإما أعراض- عند من يجعله غيرها أو زائدة عليها. وإذا كان أهل اللغة متفقين على تسمية الجسم الواحد واحدا، امتنع أن يكون في اللغة معنى الواحد الذي لا ينقسم، إذا أريد بذلك أنه ليس بجسم، وأنه لا يشار إلى شيء منه دون شيء، ولا يوجد في اللغة اسم الواحد إلا على ذي صفة ومقدار، لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} 1، ومعلوم أن النفس الواحدة المراد بها هنا آدم عليه السلام، وحواء خلقت من ضلع آدم، فمن جسده خلقت، ولم تخلق من روحه، حتى لا يقول القائل: الواحدة هي باعتبار النفس الناطقة التي لا تركيب فيها، وإذا كانت حواء خلقت من جسد آدم، وجسد آدم جسم من الأجسام التي سماها الله نفسا واحدة، علم أن الجسم قد يوصف بالوحدة، وأبلغ من ذلك ما ذكره الإمام أحمد وغيره من قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} 2، فإن الوحيد مبالغة في الواحد، فإذا وصف

_ 1 سورة النساء، الآية: 1. 2 سورة المدثر، الآية: 11.

البشر الواحد بأنه وحيد في صفة فإنه واحد من باب أولى، ومع هذا فهو جسم من الأجسام. وأما في العقل: فإن الواحد الذي وصفوه يقول لهم فيه أكثر العقلاء وأهل الفطر السليمة أنه أمر لا ينقل، ولا له وجود في الخارج، وإنما هو أمر مقدر في الذهن، فليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات، ولا قدر، ولا يتميز منه شيء عن شيء، بحيث يمكن أن يرى ولا يدرك ولا يحاط به، وإن سماه المسمى جسما. وأما في الشرع: فنقول: إن مقصود المسلمين أن الأسماء المذكورة في القرآن والسنة وكلام المؤمنين المتفق عليه بمدح أو ذم، تعرف مسميات تلك الأسماء حتى يعطوها حقها، ومن المعلوم بالاضطرار أن اسم الواحد لما في كلام الله لم يقصد به سلب الصفات، وسلب إدراكه بالحواس، ولا نفي الحد والقدر، ونحو ذلك من المعاني التي ابتدعها هؤلاء1. وأما حجة التركيب التي اعتمد عليها هؤلاء الفلاسفة في نفي الصفات وهي قولهم: "إنه لو كان صفة لكان مركبا، والمركب يفتقر إلى جزئيه، وجزءاه غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه"، فهي تتكون من ألفاظ مجملة، بمعنى أن كل لفظة منها تحتمل عدة معان، فلابد من توضيح المراد من كل لفظ- أولا- حتى يتكلم فيه.

_ 1 انظر: "نقض التأسيس": (1/ 482، 484، 488) .

فلفظ المركب- مثلا-: قد يراد به ما ركبه غيره، أو ما كان متفرقا فاجتمع، أو ما يقبل التفريق، والله منزه عن هذه المعاني باتفاق. وأما الذات الموصوفة بصفاتها اللازمة لها فإذا سميتم هذا تركيبا كان ذلك اصطلاحا لكم، وليس هو المفهوم من لفظ المركب، ولن تستطيعوا- أيها الفلاسفة- إقامة الدليل على نفيه. وأما قولهم "لكان مركبا": فإن أرادوا لكان غيره ركبه، أو لكان مجتمعا بعد افتراقه، أو لكان قابلا للتفريق، فاللازم باطل. فإن الكلام إنما هو في الصفات اللازمة للموصوف الذي يمتنع وجوده بدونها. وإن أرادوا بالمركب الموصوف، أو ما يشبه ذلك، قيما قالوا إن ذلك يمتنع، وأما قولهم: "والمركب مفتقر إلى غيره"، فالجواب عنه: أما المركب بالتفسير الأول فهو مفتقر إلى ما يباينه، وهذا ممتنع على الله - تعالى-. وأما الموصوف بصفات الكمال اللازمة لذاته، الذي سميتموه أنتم مركبا، فليس في اتصافه هذا ما يوجب كونه مفتقرا إلى مباين له. وإن قالوا: هو غيره، وهو لا يوجد إلا بها، وهذا افتقار إليها، قيل لهم: إن أرادوا بقولهم هي غيره أنها مباينة له فذلك باطل. وإن أرادوا أنها ليست إياه، قيل لهم: إذا لم تكن الصفة هي الموصوف فأي محذور في هذا.

واذا قالوا هو مفتقر إليها، قيل: أتريدون بالافتقار أنه مفتقر إلى فاعل يفعله، أو محل يقبله، أم تريدون أنه مستلزم لها فلا يكون موجودا ألا وهو متصف بها. أما الثاني فأي محذور فيه، وأما الأول فباطل إذ الصفة اللازمة للموصوف لا يكون فاعلا لها1. وأما قولهم: "إنه لو كان صفة لاإ ن مركبا، والمركب مفتقر إلى جزأيه"، فهذا القول لا يتم إلا عند من يثبت الجوهر الفرد، وأما نفاته فعندهم أن الجسم في نفسه واحد بسيط ليس مركبا من الجواهر المنفردة، وهذه المسألة خلافية، قد "توقف فيها أذكى المتأخرين من الأشعرية، وإمامهم أبو المعالي الجويني2، وكذلك أذكى متأخري المعتزلة أبو الحسين البصري3، وكذلك الرازي4، فهي مقدمة

_ 1 انظر: "منهاج السنة": (1/ 188- 191) بتصرف. 2 هو إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، ولد بنيسابور سنة 419هـ، وتوفي بها سنة 478 هـ، من أعظم أئمة الأشاعرة، تتلمذ عليه الغزالي. انظر ترجمته في: "تبيين كذب المفتري": ص 278، "طبقات الشافعية": (4/249 - 282) . 3 هو أبو الحسين محمد بن علي الطيب البصري، من متأخري المعتزلة، ومن أئمتهم، توفي سنة 436 هـ. انظر: "الملل والنحل": (1/ 130- 131) ، لسان الميزان: (5/ 598) . 4 هو أبو عبد الله فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري الرازي، ويعرف بابن الخطيب، وبابن خطيب الري، ولد سنة 544 هـ، وتوفي سنة 606 هـ، من أئمة الأشاعرة الذين مزجوا المذهب الأشعري بالفلسفة والاعتزال. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان": (1/ 381- 385) ، "شذرات الذهب": (5/ 21) ، "طبقات الشافعية": (5/ 33- 41)

ممنوعة، لا تصلح دليلا لوجود، والنزاع فيها حتى بين الفلاسفة أنفسهم1. ثانيا: شبهة المعتزلة: وأما شبهة المعتزلة التي اعتمدوا عليها في نفي صفات البارئ- عز وجل- بما فيها صفة العلو، فهي ما تسمى بطريقة الأعراض، ذلك أنهم يزعمون أن الصفات إنما هي أعراض، والأعراض لا تقوم إلا بجسم، والأجسام حادثة، والله منزه عن الحوادث، ومن أجل ذلك كان قول المعتزلة في الله: أنه قديم، واحد، ليس معه في القدم غيره، فلو قامت به الصفات لكان معه غيره2، ولكان جسما، إذ إن ثبوت الصفات

_ 1 "نقض التأسيس": (1/ 495، 496) . 2 بالإضافة إلى زعم المعتزلة أن الصفات لا تقوم إلا بأجسام، فهم- أيضا- يزعمون أن في إثبات الصفات قول بكثرة وتعدد ذات الله، لأنهم يقولون: "إن من أثبت لله صفة أزلية قديمة، فقد أثبت الإلهين"، كما اعتقدوا أن الصفات لو شاركته في القدم لشاركته في الألوهية. انظر: "الملل للشهرستاني": (1/ 44- 46) ، "مقالات الإسلاميين": (1/245) ، "منهاج السنة،: (2/169) .

تقتضي كثرة، وتعددا في ذاته، وتقتضي أنه جسم، وذلك خلاف التوحيد. فهم يزعمون أن توحيد الله وتنزيهه متوقف على أنه ليس بجسم، وكونه ليس بجسم موقوف على عدم قيام الأعراض والحوادث التي هي الصفات والأفعال-، ونفي ذلك عندهم موقوف على ما يلي عليه حدوث الأجسام، والذي دلهم على- حدوث الأجسام أنها لا تخلو من الحوادث، وما لا يخلو عن الحوادث لا يسبقها، وما لا يسبق الحوادث فهو حادث. ويزعمون- أيضا- أن الأجسام لا تخلو من الأعراض، والأعراض لا تبقى زمانين، فهي حادثة، فإذا لم تخل الأجسام منها لزم حدوثها. ويزعمون- أيضا- أن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة، والمركب مفتقر إلى جزئيه، وجزءاه غيره، وما افتقر إلى غيره لم يكن إلا حادثا مخلوقا، فالأجسام متماثلة، فكل ما صح على بعضها صح على جميعها، وقد صح على بعضها التحليل، والتركيب، والاجتماع، والافتراق، فيجب أن يصح على جميعها1. والمعتزلة يقولون: إننا بهذا الطريق أثبتنا حدوث العالم، ونفي كون الصانع جسما وإمكان المعاد. الرد عليهم: مما تقدم نعلم أن المعتزلة إنما بنوا دليلهم في نفي الصفات على أن

_ 1 انظر: "مختصر الصواعق": (1/ 254) .

القديم لا يكون محلا للصفات والحركات، فلا يكون جسما، ولا متحيزا، لأن الصفات أعراض وهم يستدلون على حدوث الجسم بحدوث الأعراض والحركات، وأن الجسم لا يخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث. فهم بهذا القول نفوا صفات البارئ، وجعلوا نفيها يتوقف عليه ثبوت الصانع، وحدوث العالم، فإذا جاء في القرآن والسنة ما يدل على إثبات الصفات لم يمكن القول بموجبه. والمتدبر لحجج المعتزلة يرى فيها الأمور التالية: أولا: أنهم يستدلون لأقوالهم بعبارات مبتدعة، وفيها الكثير من الاشتباه والإجمال، وذلك كلفظ العرض، والجسم، والحيز، والمركب، وغير ذلك، فهم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ليخدعوا به جهال الناس بما يشبهون عليهم، وهذه الألفاظ المجملة تتضمن معاني باطلة، ومعاني أخرى صحيحة، فهم بهذا ينفون كلا المعنيين الحق والباطل. وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- ما في هذه الألفاظ من معاني، وما تدل عليه من عبارات1، وكيف استعملها هؤلاء المعطلة في نفي صفات البارئ- عز وجل-، حيث ادعوا أن هذه الأمور من مستلزمات الجسمية، والله منزه عن ذلك، وقد بين شيخ الإسلام أن

_ 1 انظر: شرح ابن تيمية لهذه العبارات في "نقض تأسيس الجهمية": (1/ 504، 511) ، وفي "مجموع الفتاوى": (1/ 418 -430) .

استعمال هذه الألفاظ نفيا وإثباتا لم يرد عن السلف، ولا جاء به أثر صحيح، ولم يستعملها الأقدمون بالمعنى الاصطلاحي الذي اتفق عليه هؤلاء، بل جميعهم معترفون بأن العلو صفة كمال، كما أن السفل صفة نقص، وما ثبت لله من العلو فهو العلو المناسب لكمال ذاته، المنزهة عن اعتبارات المحدثين ومماثلتهم. ومعلوم أن القول بأن العلو يستلزم هذه المعاني المبهمة إنما هو مأخوذ من قياس الغائب على الشاهد، ومحاولة تطبيق الاعتبارات الإنسانية على الصفات الإلهية، وهذا قياس خاطئ إذ ليس معنى كونه في السماء أن السماء تحويه، وتحيط به، وتحصره، أو هي محل وظرف له، بل هو- سبحانه- محيط بكل شيء، وسع كرسيه السموات والأرض، وهو فوق كل شيء، وعلا كل شيء1. ثانيا: إن ما استدل به المعتزلة لا أصل له من الكتاب أو السنة بل هو مأخوذ من كلام الفلاسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعا ليس بعالم ولا قادر ولا حي2. كما أن مذهب المعتزلة في الذات قريب من مذهب اليونان القائلين بأن ذات الله واحدة، لا كثرة فيها بوجه من الوجوه3.

_ 1 انظر كتاب: "موقف ابن تيمية من قضية التأويل": ص ا 38- 385. 2 "مقالات الإسلاميين": (177/1) ، و"موقف المعتزلة من السنة النبوية": ص 53 3."موقف المعتزلة من السنة النبوية": ص 53.

ثالثا: أن أصل هذه القاعدة التي اعتمد عليها المعتزلة في نفي الصفات إنما هي مأخوذة من قولهم في دليل حدوث العالم1، الذي أثبتوا فيه حدوث العالم بحدوث الأجسام، وهذا الدليل قد بين الأشعري في رسالة إلى أهل الثغر: أنه دليل محرم في شرائع الأنبياء، ولم يستدل به أحد من الرسل ولا أتباعهم2، فهي بهذا طريق يحرم سلوكها لما فيها من الخطر والتطويل، وما يلزم عليها من لوازم باطلة، لأنها مستلزمة لنفي الصانع بالكلية، وهي مستلزمة لنفي صفاته، ونفي أفعاله، ونفي المبدأ والمعاد، فهذه الطريق لا تتم إلا بنفي سمع الرب، وبصره، وقدرته، وحياته، وإرادته، وكلامه، فضلا عن نفي علوه على خلقه، ونفي الصفات الخبرية من أولها إلى آخرها، فلو صحت هذه الطريقة لنفت الصانع، وأفعاله، وصفاته، وكلامه، وخلقه للعالم، وتدبيره له، وما يثبته أصحاب هذه الطريقة من ذلك لا حقيقة له، بل هو لفظ لا معنى له، وبهذه الطريقة قالت الجهمية بفناء الجنة والنار، وأن الله بذاته في كل مكان، وقال إخوانهم: إنه ليس داخل العالم، ولا خارج العالم، وقالوا بخلق القرآن، إلى غير ذلك من اللوازم الباطلة3.

_ 1 انظر الكلام على دليل حدوث العالم في: "مجموع الفتاوى": (13/ 151) . 2 انظر كتاب: "رسالة إلى أهل الثغر": ص 164- 172، تحقيق عبد الله شاكر الجنيدي، رسالة ماجستير من قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية. 3 "مختصر الصواعق": (1/256، 257) ، و"درء تعارض العقل والنقل ": (1/ 38- 40) .

ثالثا: شبهة متأخري الأشاعرة: وهم- أيضا- ينفون صفة العلو، لأنها من الصفات الخبرية1. ومعلوم أن مذهب متأخري الأشاعرة في الصفات أنهم يثبتون سبع صفات فقط، وهي ما يسمونها بصفات المعاني، وهي: العلم، والقدرة، والإرادة، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، وهم يثبتون لهذه الصفات أربعة أحكام هي: ا- أن هذه الصفات ليست هي الذات، بل زائدة عليها، فصانع العالم عندهم عالم بعلم، وحي بحياة، وقادر بقدرة، وهكذا. 2- أن هذه الصفات كلها قائمة بذات الله- تعالى-، ولا يجوز أن يقوم شيء منها بغير ذاته، لأن الدليل دل على أنه متصف بها، ولا معنى لاتصافه بها إلا قيامها بذاته، حتى لو قلنا: إنه عالم، كان هو بعينه مفهوم قولنا: قام بذاته علم، فلا تكون الصفة صفة لشيء إلا إذا قامت به لا بغيره. 3- أن هذه الصفات كلها قديمة، لأنها إن كانت حادثة كان القديم محلا للحوادث، وهذا محال، أو متصف بصفة لا تقوم به، وذلك أظهر استحالة.

_ 1 الصفات الخبرية وتسمى الصفات السمعية وهى: ما كان الدليل عليها مجرد خبر الرسول صلى الله عليه وسلم، دون استناد إلى نظر عقلي، كالاستواء، والنزول، والمجيء، وغير ذلك. كتاب "ابن تيمية السلفي": ص 137، محمد خليل هراس.

4- أن الأسماء المشتقة لله- تعالى- من هذه الصفات السبعة صادقة عليه أزلا وأبدا، فهو في القدم كان حيا، قادرا، عليما، سميعا، بصيرا، متكلما1. فهم على قولهم هذا لا يثبتون سوى هذه الصفات السبع- فقط-، لأنها قديمة. أما باقي الصفات التي يسمونها الصفات الخبرية فهم ينفونها جميعا، بدعوى تنزيه ذات الله عن الحوادث. ومتأخرو الأشاعرة هؤلاء وإن كان يخالفون المعتزلة في جعلهم الصفة غير الذات كما في الحكم الأول، فيثبتون الصفات القديمة من هذا الباب، إلا أنهم قد وافقوا المعتزلة في دليلهم المسمى بدليل نفي الحوادث، فنفوا باقي الصفات الأخرى، ذلك لأن قولهم في الحكم الثالث من الأحكام الأربعة التي أوردناها: إنها لو كانت حادثة لكان القديم محلا للحوادث، هو بعينه ما استدل به المعتزلة على نفي الصفات2. ويقول متأخرو الأشاعرة في دليلهم العقلي على نفي العلو: إن إثبات العلو يقتضي إثبات الجهة، وإثبات الجهة يقتضي كونه جسما، وكونه جسما يقتضي كونه مركبا، والمركب مفتقر إلى جزئيه والمفتقر إلى جزئيه لا يكون إلا حادثا، والله- سبحانه- منزه عن الحوادث3.

_ 1 انظر: "الاقتصاد في الاعتقاد" للغزالي: ص 84- 101، بتصرف. 2 "مختصر الصواعق": (1/ 255) . 3 "نقض التأسيس": (1/ 503) .

فعلى قولهم هذا يكونون هم والمعتزلة على دليل واحد، وقد سبق وأن ذكرنا الرد على المعتزلة، فيكون الرد على هؤلاء من جنس الرد على أولئك، ويضاف إلى ذلك أن القول في الصفات التي نفاها هؤلاء هو كالقول في الصفات التي أثبتوها، فإن كان هذا تجسيما وقولا باطلا فهذا كذلك. وإن قالوا: إنا نثبتها على الوجه الذي يليق بالرب. قيل لهم: وكذلك هذا. فإن قالوا: نحن نثبت تلك الصفات وننفي التجسيم. قيل لهم: وهذا كذلك، فليس لكم أن تفرقوا بين المتماثلين1. رابعا: شبه النفاة السمعية في نفي صفة العلو: لقد سبق وأن ذكرنا أن المعطلة قد انقسموا في هذه المسألة إلى فريقين: فأما الفريق الأول: وهم القائلون بأن الله لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، وهؤلاء- كما سبق وأن ذكرنا- ليس لهم دليل واحد من الكتاب أو السنة. وأما الفريق الثاني: وهم القائلون بأن الله بذاته في كل مكان، فقد احتجوا لقولهم هذا بنصوص "المعية" و"القرب" الواردة في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إلاَّ هُوَ

_ 1 "مجموع الفتاوى": (13/ 165) .

مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 1، وقوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُم} 2، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 3، وقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 4، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} 5، وقوله تعا لى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} 6 وقوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} 7 وقد زعم حلولية الجهمية أن المراد بهذه النصوص: معية الذات، وقرب الذات، فلذلك قالوا: إن الله بذاته في كل مكان. الرد عليهم: قد أبطل علماء السلف زعم هؤلاء الجهمية واستدلالهم بهذه الآيات، وبينوا أن كل نص يحتجون به هو في الحقيقة حجة عليهم، فنصوص المعية التي استدلوا بها لا تدل بأي حال من الأحوال على ما زعمه هؤلاء،

_ 1 سورة المجا دلة، الآية: 7. 2 سورة النساء، الآية: 108. 3 سورة الحديد، الآية: 4. 4 سورة التوبة، الآية، 40. 5 سورة ق، الآية: 16. 6 سورة الزخرف، الآية: 84. 7 سورة الأنعام، الآية: 3.

وذلك لأن كلمة "مع" في لغة العرب لا تقتضي أن يكون أحد الشيئين مختلطا بالآخر، وهي إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة، من غير وجوب مماسة، أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى. ولفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع، واقتضت في كل موضع أمورا لم تقتضها في الموضع الآخر، وذلك بحسب اختلاف دلالتها في كل موضع، وهي قد وردت في القرآن بمعنيين هما: المعنى الأول: المعية العامة والمراد بها أن الله معنا بعلمه، فهو مطلع على خلقه، شهيد عليهم، ومهيمن، وعالم بهم، وهذه المعية هي المرادة بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} . فالله- سبحانه وتعالى- قد افتتح الآية بالعلم، وختمها بالعلم، ولذلك أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم تفسير القرآن على أن تفسير الآية هو أنه معهم بعلمه، وقد نقل هذا الإجماع ابن عبد البر1، وأبو عمرو الطلمنكي، وابن تيمية2، وابن القيم3.

_ 1 "التمهيد": (7/ 138) . 2 "مجموع الفتاوى": (5/ 193) ، و (5/ 519) ، و (11/ 249، 250) . 3 "اجتماع الجيوش الإسلامية: ص 44.

وعلى هذا فلا حجة للمخالفين في ظاهر هذه الآية. وكذلك- أيضا- ما جاء في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} . فظاهر الآية دال على أن المراد بهذه المعية هو علم الله- تبارك وتعالى-، واطلاعه على خلقه، فقد أخبر الله- تعالى- في هذه الآية بأنه فوق العرش، يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا، فجمع- تعالى- في هذه الآية بين العلو والمعية، فليس بين الاثنين تناقض ألبتة، وهو كقوله عليهم في حديث الأوعال: "والله فوق العرش، يعلم ما أنتم عليه". المعنى الثاني: المعية الخاصة وهي معية الاطلاع، والنصرة، والتأييد، وسميت "خاصة" لأنها تخص أنبياء الله وأولياءه مثل قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} 1. فهذه المعية على ظاهرها، وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد. ولفظ المعية على كلا الاستعمالين ليس مقتضاه أن تكون ذات الرب - عز وجل - مختلطة بالخلق، ولو كان معنى المعية أنه بذاته في كل

_ 1 سورة النحل، الآية: 128.

مكان لتناقض الخبر العام والخبر الخاص، ولكن المعمى. أنه مع هؤلاء بنصره وتأييده دون أولئك1. وأما استدلالهم بقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "إن هذه الآية لا تخلو إما أن يراد بها قربه- سبحانه-، أو قرب ملائكته، كما قد اختلف الناس في ذلك. فإن أريد بها قرب الملائكة: فدليل ذلك من الآية قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} ، ففسر ذلك القرب الذي هو حين يتلقى المتلقيان، فيكون الله- سبحانه- قد أخبر بعلمه هو- سبحانه- بما في نفس الإنسان، {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} ، وأخبر بقرب الملائكة الكرام الكاتبين منه، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، وعلى هذا التفسير تكون هذه الآية مثل قوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} 2. أما إذا كان المراد بالقرب في الآية قربه- سبحانه-، فإن ظاهر السياق في الآية دل على أن المراد بقربه هنا: قربه بعلمه، وذلك لورود لفظ العلم في سياق الآية: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} "3. وأما استدلالهم بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَه} ،

_ 1 "مجموع الفتاوى": (11/ 251) ، و (4/ 104) . 2 سورة الزخرف، الآية: 80. 3 "الفتاوى": (1/ 19- 21) .

فمعنى الآية: أي هو إله من في السموات، وإله من في الأرض، قال ابن عبد البر: "فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجتمع عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذلك قال أهل العلم بالتفسير"1. وقال الآجري: "وقوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَه} : فمعناه أنه جل ذكره إله من في السموات وإله من في الأرض، وهو الإله يعبد في السموات، وهو الإله، يعبد في الأرض، هكذا فسره العلماء"2. وروى الآجري بسنده في تفسيره هذه الآية عن قتادة قوله: "هو إله يعبد في السماء، وإله يعبد في الأرض"3. وأما استدلالهم بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَه} فقد فسرها أئمة العلم، كالإمام أحمد، وغيره، أنه: المعبود في السموات والأرض4. وقال الآجري: "وعند أهل العلم أن أهل الحق: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَه يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} هو كما قال أهل

_ 1 "التمهيد": (7/ 134) . 2 "الشريعة": ص 297. 3 "الشريعة": ص 298. 4 "الرد على الزنادقة والجهمية" للإمام أحمد: ص 92- 93، و"مجموع الفتاوى": (11/ 250) .

الحق: يعلم سركم. فمما جاءت به السنن أن الله- عز وجل- على عرشه، وعلمه محيط بجميع خلقه، يعلم ما تسرون وما تعلنون، ويعلم الجهر من القول، ويعلم ما تكتمون"1. القول الثاني من أقوال المخالفين وهو قول من يقول: إن الله بذاته فوق العرش، وهو بذاته في كل مكان. وهذا هو قول طائفة من أهل الكلام والتصوف، كأبي معاذ التومني2، وزهير الأثري3، وأصحابهما4، وهو موجود في كلام السالمية5

_ 1 "الشريعة ": ص 297. 2 أبو معاذ التومني من أئمة المرجئة، ورأس فرقة التومنية منها. انظر ترجمته ومذهبه في قي مقالات الأشعري": (1/ 204، 326) ، و (2/ 232) ، "الملل والنحل": (1/ 128) . 3 زهير الأثري، ولم أقف على ترجمته، وقد تكلم الأشعري عن آرائه بالتفصيل في "المقالات": (1/ 326) . 4 انظر: "نقض تأسيس الجهمية": (1/ 6) ، و"الفتاوى": (2/ 292) ، "مقالات الإسلاميين": (1/ 326) . 5 هم أتباع أبي عبد الله محمد بن أحمد بن سالم، المتوفى سنة 297 هـ، وابنه الحسن أحمد بن محمد بن سالم، المتوفى سنة 350 هـ، وقد تتلمذ أحمد بن محمد بن سالم على سهل بن عبد الله التستري، ويجمع السالمية بين كلام أهل السنة وكلام المعتزلة، مع ميل إلى التشبيه ونزعة صوفية اتحادية، انظر: "شذرات الذهب": (3/ 36) ، و"طبقات الصوفية": ص 414-416، و"الفرق بين الفرق ": ص 157- 202.

كأبي طالب المكي1 وأتباعه كأبي الحكم بن برجان2 وأمثاله، ما يشير إلى نحو من هذا، كما يوجد في كلامهم ما يناقض هذا3، فهم يقولون بأن الله في كل مكان، وأنه مع ذلك مستو على عرشه، وأنه يرى بالأبصار بلا كيف، وأنه موجود الذات بكل مكان، وأنه ليس بجسم، ولا محدود، ولا يجوز عليه الحلول، ولا المماسة، ويزعمون أنه يجيء يوم القيامة كما قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} 4، وقولهم هذا يشبه قول بعض مثبتة الجسم، الذين يقولون بأنه لا نهاية له5. والفرق بين هذا القول وقول الجهمية: بأن الله في كل مكان هو أن هؤلاء يثبتون العلو، ونوعا من الحلول، أما الجهمية فلا يثبتون العلو على مقصود هؤلاء من الاستواء على العرش والمباينة.

_ 1 هو أبو طالب محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي، صوفي، نشأ واشتهر بمكة، وهو صاحب كتاب: "قوت القلوب" في التصوف وهو من كبر رجال السالمية، قال عنه الخطيب البغدادي: "ذكر فيه أشياء مستشنعة في الصفات"، توفي سنة 386 هـ. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد": (3/ 89) ، "ميزان الاعتدال": (3/ 655) ، "لسان الميزان": (5/ 300) . 2 هو أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن محمد اللخمي الإشبيلي، متصوف، توفي سنة 536 هـ بمراكش، انظر ترجمته: "لسان الميزان": (4/ 13- 14) ، "فوات الوفيات": (1/ 569) ، "الأعلام": (4/ 129) . 3 "مجموع الفتاوى": (2/ 299) . 4 سورة الفجر، الآية: 22. 5 "نقض تأسيس الجهمية": (2/ 6) .

ويزعم أصحاب هذا القول أنهم بقولهم هذا قد اتبعوا النصوص كلها، سواء كانت نصوص علو أو معية أو قرب. الرد عليهم: إنهم بقولهم هذا جمعوا بين كلام أهل السنة وكلام الجهمية، ولذلك كان قولهم ظاهر الخطأ، وغاية في التناقض. أما بيان خطئه، فهو يكمن في أن كل من قال بأن الله بذاته في كل مكان، فهو مخالف للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها، مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده، ولصريح المعقول، وللأدلة الكثيرة، فالقرآن الكريم مملوء بالآيات التي تنص على علو الله بذاته فوق خلقه، واستوائه على عرشه، وبينونته من خلقه، كما أن السنة قد تحدثت عن هذا المعنى في كثير من الأحاديث كقصة المعراج، وصعود الملائكة ونزولها من عند الله، وعروج الروح إليه، واستوائه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، وسيأتي عرض تلك الأدلة عند الكلام على مذهب السلف، مع الإشارة إلى دليل الفطرة، والأدلة العقلية، فكل هذه الأدلة تبين بطلان هذا القول ومخالفته. وأما استدلال هؤلاء بنصوص المعية والقرب، فقد بينا خطأ هذا الاستدلال وبطلانه عند الرد على الأدلة السمعية لمذهب الجهمية، وقد بينا أنه ليس للمخالفين، أي: متمسك في جعلها لمعية الذات أو قرب الذات. أما بيان تناقض هذا القول: فهو واضح من أقوالهم، فهم يجمعون

بين أقوال متناقضة، فهم تارة يقولون بأنه بذاته فوق العرش، وتارة يقولون: بأنه فوق العرش، ونصيب العرش فيه كنصيب قلب العارف - كما يذكر ذلك أبو طالب المكي وغيره-، ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان وما يتبع ذلك، فإن قالوا: إن العرش كذلك، فقد نقضوا قولهم بأنه بنفسه فوق العرش. وإن قالوا بحلول ذاته في قلوب العارفين، كان ذلك قولا بالحلول الخاص، وهذا ما وقع فيه طائفة من الصوفية، ومنهم صاحب "منازل السائرين"1.

_ 1 "مجموع الفتاوى": (5/ 122- 131) .

المبحث الثاني: قول السلف ومن وافقهم

المبحث الثاني: قول السلف ومن وافقهم فالسلف يقولون بأن الله فوق سمواته، مستو على عرشه، عال على خلقه، بائن منهم، وهم بائنون منه. وقد وافقهم على قولهم بإثبات علو الله عامة الصفاتية، كأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأتباعه1، وأبي العباس القلانسي2 وأبي الحسن الأشعري والمتقدمين من أصحابه كأبي المعالي الجويني وغيره، وهو قول الكرامية ومتقدمي الشيعة الإمامية3.

_ 1 الكلابية هم أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب "بضم الكاف وتشديد اللام" القطان المتوفى بعد سنة 240 هـ بقليل، قال عنه ابن حزم: إنه شيخ قديم للأشعرية. انظر عنه وعن مذهبه: "لسان الميزان": (3/ 290- 291) ، "طبقات الشافعية": (2/ 51) ، "الملل والنحل": (1/ 148) ، "مقالات الأشعري": (1/ 298- 299) ، (2/ 52، 54، 118، 202- 203، 231، 233، 245) ، "أصول الدين": ص 89، 90، 97، 104، 109، 113، 123، 132، 222، 254) ، "الفصل" لابن حزم: (2/123) ، (4/208) . 2 قال عنه ابن عساكر في "تبيين كذب المفترى" ص 398: أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن خالد القلانسي الرازي من معاصري أبي الحسن الأشعري - رحمه الله- لا من تلامذته، كما قال الأهوازي، وهو من جلة العلماء الكبار الأثبات واعتقاده موافق لاعتقاده في الإثبات- أي: لاعتقاد الأشعري-. 3 انظر: "مجموع الفتاوى": (2/ 297) ، "نقض تأسيس الجهمية": (1/ 127) (2/14) .

أدلتهم: وهذا القول الذي ذهب إليه السلف ومن وافقهم هو الذي دل عليه القرآن والسنة، وإجماع سلف الأمة، والمعقول الصريح الموافق للمنقول الصحيح، والفطر السليمة التي فطر الله عليها الخلق، وسوف نتعرض لهذه الأدلة جميعها. أولا: الأدلة من القرآن إن القرآن الكريم من أوله إلى آخره مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر في أن الله فوق كل شيء، وأنه عال على خلقه، ومستو على عرشه، وقد تنوعت تلك الدلالات، فوردت بأصناف من العبارات، وما ذلك إلا لتدل دلالة واضحة على علوه- سبحانه-، وبينونته من خلقه، وارتفاعه على عرشه، ثم لا تدع بعد ذلك مجالا للمتأول أن يؤولها، أو يحرف معانيها. فتارة يخبر- تعالى- بأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، وقد ذكر استواءه على العرش في سبعة مواضع تقدم ذكرها. وتارة يخبر بعروج الأشياء وصعودها وارتفاعها إليه كقوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} 1، وقوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ} 2،

_ 1 سورة النساء، الآية: 158. 2 سورة آل عمران، الآية: 55.

وقوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه} 1، وقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} 2 وتارة يخبر بنزولها من عنده كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَق} 3، وقوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ} 4، وقال تعالى: {حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} 5. وتارة يخبر بأنه العلي الأعلى كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} 6، وقوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} 7. وتارة يخبر بأنه في السماء، كقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} 8، فذكر السماء دون الأرض، ولم يعلق بذلك ألوهية أو غيرها، كما ذكر في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} .

_ 1 سورة المعارج، الآية: 4. 2 سورة فاطر، الآية: 10. 3 سورة الأنعام، الآية: 114. 4 سورة النحل، الآية: 102. 5 سورة فصلت، الآيتان: 1- 2. 6 سورة الأعلى، الآية: 1. 7 سورة البقرة، الآية: 255، وسورة الشورى، الآية: 4. 8 سورة الملك، الآيتان: 16- 17.

وتارة يجعل بعض الخلق عنده دون بعض، ويخبر عمن عنده بالطاعة كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} 1، فلو كان موجب العندية معنى عاما، كدخولهم تحت مشيئته وقدرته وأمثال ذلك، لكان كل مخلوق عنده، ولم يكن أحد مستكبرا عن عبادته، بل مسبحا له ساجدا2. ثانيا: الأدلة من السنة كما أن السنة مليئة بالأحاديث الدالة على علو الله- سبحانه وتعالى- واستوائه على عرشه، وقد تكلم على إثبات ذلك في خلال الكثير من الأحاديث، كأحاديث المعراج، وأحاديث صعود الملائكة ونزولها من عند الله، وعروج الروح إليه، واستواء الخالق على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، ورؤيته في الآخرة، وسأكتفي بما ورد في متن الكتاب الذي أقوم بتحقيقه من أحاديث، تجنبا للتكرار والإطالة، وفيها الكفاية- إن شاء الله-. ثالثا: دليل الإجماع إجماع السلف من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم منعقد على إثبات علو الله، واستوائه على عرشه، وقد نقل غير واحد من السلف هذا الإجماع عنهم، ومن ذلك ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن الأوزاعي أنه قال: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله- تعالى-

_ 1 سورة الأعراف، الآية: 206. 2 "مجموع الفتاوى": (5/ 164- 165) .

ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت فيه السنة من صفاته"1. وقال أبو نصر السجزي: "فأئمتنا كسفيان الثوري، ومالك، وسفيان ابن عيينة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، وفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي: متفقون على أن الله- سبحانه- بذاته فوق العرش، وأن علمه بكل مكان، وأنه يرى يوم القيامة بالأبصار فوق العرش"2. وقال أبو نعيم الأصبهاني في عقيدته المشهورة: "وطريقتنا طريقة السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، فما اعتقدوه اعتقدناه، فمما اعتقدوه أن الأحاديث التي تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش والاستواء عليه يقولون بها، ويثبتونها من غير تكييف ولا تشبيه، وأن الله بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم، ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمواته من دون أرضه"3. وكلام السلف من الصحابة والتابعين،- من تبعهم في إثبات العلو كثير جدا ولا يتسع المقام ههنا لذكره، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية الكثير من تلك النصوص الواردة عنهم، وبين إجماعهم على إثبات ذلك4، وكذلك فعل تلميذه ابن القيم في كتابه "إجتماع الجيوش الإسلامية".

_ 1 "الأسماء والصفات": ص 515. 2 "درء تعارض العقل والنقل": (6/ 250) . 3 "درء تعارض العقل والنقل": (6/ 250) . 4 انظر: "مجموع الفتاوى": (5/ 6) .

رابعا: دليل العقل وكما أن علو الله ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف، فهو - أيضا- ثابت بالمعقول الصريح الموافق للمنقول الصحيح. والأدلة العقلية على إثبات العلو كثيرة، وسنورد ههنا ثلاثة منها: الأول: قول الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: "إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله- تعالى-. حين زعم أنه في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان. فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟ فسيقول: نعم. فقل له: حين خلق الشيء هل خلقه في نفسه، أم خارجا عن نفسه؟ فإنه يصير إلى ثلاثة أقاويل: واحد منها: إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه، كفر حين زعم أنه خلق الجن والشياطين وإبليس في نفسه. وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم، كان هذا- أيضا- كفرا حين زعم أنه في كل مكان وحش قذر رديء. وإن قال خلقهم خارجا عن نفسه. لم لم يدخل فيهم، رجع عن قوله كله أجمع"1. الثاني: قول ابن القيم: "إن كل من أقر بوجود رب للعالم، مدبر له، لزمه الإقرار بمباينته لخلقه، وعلوه عليهم".

_ 1 "الرد على الزنادقة والجهمية": "ص (95- 96) .

فمن أقر بالرب، فإما أن يقر بأن له ذاتا وماهية مخصوصة أو لا، فإن لم يقر بذلك، لم يقر بالرب، فإن ربا لا ذات له، ولا ماهية له، هو والعدم سواء، وإن أقر بأن له ذا" مخصوصة وماهية، فيما أن يقر بتعينها أو يقول: إنها غير معينة، فإن قال: إنها غير معينة كانت خيالا في الذهن لا في الخارج، فإنه لا يوجد في الخارج إلا معينا، لا سيما وتلك الذات أولى من تعيين كل معين، فإنه يستحيل وقوع الشركة فيها، وأن يوجد لها نظير، فتعيين ذاته - سبحا نه- واجب. وإذا أقر بأنها معينة لا كلية، والعالم مشهود معين لا كلي، لزم - قطعا- مباينة أحد المتعينين للآخر، فاز" إذا لم يباينه لم يعقل تميزه عنه وتعينه. فإن قيل: هو يتعين بكونه لا داخلا فيه، ولا خارجا عنه. قيل: هذا- والله- حقيقة قولكم، وهو عين المحال، وهو تصريح منكم بأنه لا ذات له، ولا ماهية تخصه، فإنه لو كان له ماهية يختص بها لكان تعينها لماهيته وذاته المخصوصة، وأنتم إنما جعلتم تعيينه أمرا عدميا محضا، ونفيا صرفا، وهو كونه لا داخل العالم ولا خارجا عنه، وهذا التعيين لا يقتضي وجوده مما به يصح على العدم المحض. وأيضا، فالعدم المحض لا يعين المتعين، فإنه لا شيء، وإنما يعينه ذاته المخصوصة وصفاته، فلزم- قطعا- من إثبات ذاته تعيين تلك

الذات، ومن تعيينها مباينتها للمخلوقات، ومن المباينة العلو عليها، لما تقدم من تقريره"1. الثالث: إنه قد ثبت بصريح المعقول أن الأمرين المتقابلين إذا كان أحدهما صفة كمال والآخر صفة نقص، فإن الله يوصف بالكمال منهما دون النقص، فلما تقابل الموت والحياة وصف بالحياة دون الموت، ولما تقابل العلم والجهل، وصف لي العلم دون الجهل، ولما تقابل القدرة والعجز وصف بالقدرة دون العجز، ولما تقابل المباينة للعالم والمداخلة له وصف بالمباينة دون المداخلة، وإذا كان مع المباينة لا يخلو إما أن يكون عاليا على العالم أو مسامتا له، وجب أن يوصف بالعلو دون المسامتة، فضلا عن السفول. والمنازع يسلم أنه موصوف بعلو المكانة، وعلو القهر، ؤعلو المكانة معناه أنه أكمل من العالم، وعلو القهر مضمونه أنه قادر على العالم، فإذا كان مباينا للعالم كان من تمام علوه أن يكون فوق العالم، لا محاذيا له ولا سافلا عنه. ولما كان العلو صفة كمال، كان ذلك من لوازم ذاته، فلا يكون مع وجود غيره إلا عاليا عليه، لا يكون- قط غير عال عليه2 وبهذه النماذج التي أوردناها عن الأدلة العقلية يتضح لنا مدى دلالة المعقول الصريح على إثبات علو الله ومباينته لخلقه، وكذلك مدى

_ 1 "مختصر الصواعق": (1/ 279- 280) . 2 "درء تعارض العقل والنقل": (7/ 5- 6) .

مخالفة أقوال المعطلة والحلولية لصريح المعقول، وصحيح المنقول. خامسا: دليل الفطرة من المعلوم أن الفطرة السليمة قد جبلت على الاعتراف بعلو الله- سبحانه وتعالى-، ويظهر هذا الأمر حينما يجد الإنسان نفسه مضطرا إلى أن يقصد جهة العلو ولو بالقلب حين الدعاء، وهذا الأمر لا يستطيع الإنسان دفعه عن نفسه، فضلا عن أن يرد على قائله وينكر هذا الأمر عليه. ومن أجل ذلك لم يجد الجويني- إمام الحرمين- جوابا حين سأله الهمداني محتجا عليه بها، فقد ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس الأستاذ أبا المعالي الجويني المعروف بـ"إمام الحرمين"، وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: "كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان"، فقال الشيخ أبو جعفر: يا أستاذ دعنا من ذكر العرش- يعني: لأن ذلك إنما جاء في السمع- أخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يا ألله، إلا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة عق قلوبنا؟ قال: فلطم أبو المعالي على رأسه، وقال: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني1.

_ 1 "مجموع الفتاوى": (4/ 44، 61) ، "شرح العقيدة الطحاوية": ص 325، 326.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "علو الخالق على المخلوق وأنه فوق العالم، أمر مستقر في فطر العباد، معلوم لهم بالضرورة، كما اتفق عليه جميع الأمم، إقرارا بذلك، وتصديقا من غير أن يتواطئوا على ذلك ويتشاعروا، وهم يخبرون عن أنفسهم أنهم يجدون التصديق بذلك في فطرهم. وكذلك هم عندما يضطرون إلى قصد الله وإرادته، مثل قصده عند الدعاء والمسألة، يضطرون إلى توجه قلوبهم إلى العلو، فكما أنهم مضطرون إلى دعائه وسؤاله هم مضطرون إلى أن يوجهوا قلوبهم إلى العلو إليه، لا يجدون في قلوبهم توجها إلى جهة أخرى، ولا استواء الجهات كلها عندها، وخلو القلوب عن قصد جهة من الجهات، بل يجدون قلوبهم مضطرة إلى أن تقصد جهة علوهم دون غيرها من الجهات. فهذا يتضمن بيان اضطرارهم إلى قصده في العلو، وتوجههم عند دعائه إلى العلو، كما يتضمن فطرتهم على الإقرار بأنه في العلو والتصديق بذلك"1.

_ 1 انظر: "درء تعارض العقل والنقل": (7/5) ، بتصرف.

الفصل الثاني: الاستواء والأقوال فيه

الفصل الثاني: الاستواء والأقوال فيه المبحث الأول: أقوال نفاة الاستواء ... سبق أن ذكرنا في الفصل الأول من هذا الباب أن المعطلة من الفلاسفة والجهمية ومتأخري الأشاعرة على الرغم من أن لكل واحد منهم منهجا مستقلا في مسألة الصفات إلا أنهم يتفقون جميعا على إنكار الصفات الخبرية، بما فيها صفتا العلو والاستواء، ويذهبون إلى تأويل الآيات القرآنية الواردة في إثباتها إلى ما أدت إليه عقولهم من المعاني الفاسدة، التي يزعمون أن فيها تنزيها لله عن مشابهة المخلوقين. وإن سبب ذلك التأويل الباطل، هو اعتقاد هؤلاء المعطلة أنه ليس في نفسه الأمر صفة دلت عليها النصوص، وذلك بسبب الشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الفلاسفة، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر- وكان مع ذلك لابد للنصوص من معنى- بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى، وهي التي يسميها هؤلاء المعطلة طريقة السلف، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف، وهي التي يسمونها طريقة الخلف، وبهذا يتبين لنا أن هذا الباطل الذي ذهب إليه هؤلاء المعطلة إنما هو مركب من فساد العقل والكفر بالسمع، وذلك لأنهم إنما اعتمدوا في نفي تلك الصفات على شبه عقلية ظنوها بينات، وهي في الحقيقة شبهات.

وبناء على المسلك الثاني الذي سلكه هؤلاء المعطلة من تأويل تلك النصوص، فقد تعددت أقوالهم واختلفت في المعنى الذي يجب أن يؤول إليه لفظ الاستواء الوارد في الآيات إلى عدة أقوال- منها: القول الأول: من هؤلاء المعطلة من يؤول معنى الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} على الاستيلاء، والقهر، والغلبة. وهذا القول يذهب إليه كثير من الجهمية1، والمعتزلة2، والحرورية3، وكثير من متأخري الأشاعرة4، كسيف الدين الآمدي5، وأبي حامد الغزالي6، والبغدادي7، وغيرهم. وقد استدل هؤلاء المعطلة على صحة زعمهم هذا بأن هذا التأويل الذي هو تأويل الاستواء بالاستيلاء هو أمر مشهور في لغة العرب، ومن ذلك قول الشاعر: قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ولا دم مهراق

_ 1 انظر: "مجموع الفتاوى": (5/ 96) ، و"مختصر الصواعق": (2/ 144) . 2 "متشابه القرآن" للقاضي عبد الجبار: (11/ 73، 351) . 3 انظر: "مجموع الفتاوى": (5/ 96) ، "مختصر الصواعق": (2/ 144) . 4 انظر: "تحفة المريد على شرح جوهرة التوحيد": ص 54. 5 انظر: "غاية المرام": ص 141. 6 انظر: "الاقتصاد في الاعتقاد": ص 104. 7 "شرح الأصول الخمسة": ص 221.

وقال الآخر: هما استويا بفضلهما جميعا ... على عرش الملوك بغير زور وقال الآخر: فلما علونا واستوينا عليهم ... تركناهم صرعى لنسر كاسر وقد ذكر عمر بن عبد البر- رحمه الله تعالى- أن بعضهم قد احتج بما رواه عبد الله بن داود الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: استولى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان1. ومن هؤلاء المعطلة من يبقي كلمة العرش الواردة في الآية على معناها الحقيقي الثابت، ويقول إنما خصص العرش بالذكر من بين جميع المخلوقات لكونه أعظم المخلوقات، وأرفعها، وأوسعها، فخصص بالذكر تنبيها على ما دونه. ومنهم من يؤول العرش الوارد في الآية بمعنى: الملك2، ويزعم

_ 1 "التمهيد": (7/ 231) . وقد أجاب ابن عبد البر على استدلالهم هذا بقوله: "إن هذا الحديث منكر على ابن عباس- رضي الله عنهما-، ونقلته مجهولون وضعفاء، فأما عبد الله ابن داود الواسطي وعبد الوهاب بن مجاهد فضعيفان، وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا الحديث لو عقلوا وأنصفوا" اهـ. 2 انظر: "شرح الأصول الخمسة": ص 226، "تفسير الرازي": (14/ 15) ، 9 "أصول الدين" للبغدادي: ص 112.

أن معنى الآية أنه استولى واستعلى على الملك، ويقول أصحاب هذا القول: إن الله قد عبر بالعرش كناية عن نفس الملك، لأنه يخاطب الناس على الوجه الذي ألفوه من ملوكهم، واستقر في قلوبهم، ذلك لأن العرش- في كلامهم- هو السرير الذي يجلس عليه الملوك، فجعل العرش كناية عن نفس الملك، ويستدل هؤلاء بأن هذا الأمر مشهور في اللغة، وكذلك بقوله تعالى في سورة يونس: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْر} فقالوا: إن قوله: {يُدَبِّرُ الأَمْر} جرى مجرى التفسير لقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} "1. الرد عليهم: لقد أجمع السلف على أن هذا التأويل الذي ذهب إليه هؤلاء الجهمية، والمعتزلة، والخوارج، ومتأخرو الأشاعرة، هو تأويل باطل، ترده نصوص القرآن والسنة وإجماع الأمة، وهو قول لا أصل له في لغة العرب، بل هو تفسير لكلام الله بالرأي المجرد الذي لم يذهب إليه صاحب، ولا تابع، ولا قاله إمام من أئمة المسلمين، ولا أحد من أهل التفسير الذي يحكون قول السلف. ولبيان فساد هذا القول على وجه التفصيل نقول: أولا: إنه من المعلوم أن لفظ الاستواء قد ورد في القرآن الكريم في سبعة مواضع، وهذه المواضع جميعها قد اطرد فيها لفظ الاستواء دون الاستيلاء، وكذلك الأمر بالنسبة لما ورد في السنة، فلو كان معناه

_ 1 "تفسير الرازي": (14/ 115) .

استولى- كما يزعم هؤلاء- لكان استعماله في أكثر موارده، كذلك، فإذا جاء في موضع أو موضعين بلفظ استوى حمل على معنى استولى لأنه المألوف المعهود. أما أن يأتي إلى لفظ قد اطرد استعماله في جميع موارده على معنى واحد فيدعى صرفه في الجميع إلى معنى لم يعهد استعماله فيه، فهذا أمر في غاية الفساد، ولم يقصده ويفعله من قصد البيان، هذا لو لم يكن في السياق ما يأبى حمله على غير معناه الذي اطرد استعماله فيه، فكيف وفي السياق ما يأتي ذلك1. ثانيا: ومما يرد هذا التأويل الباطل أن كلمة استوى قد جاءت بعد "ثم" التي حقيقتها الترتيب والمهملة، فلو كان المعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والأرض، فإن العرش كان موجودا قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف عام كما ثبت في "صحيح مسلم" عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء" 2. وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} .

_ 1 انظر: "مختصر الصواعق المرسلة": (2/ 128، 129) . 2 تقدم تخريجه ص 60. يأتي

وفي "صحيح البخاري" عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض" 1. فالآية والحديثان يدلان دلالة واضحة على أن العرش كان موجودا قبل خلق السموات والأرض، فكيف يجوز أن يكون غير قادر ولا مستول على العرش إلى أن خلق السموات والأرض2. ثالثا: أن الاستيلاء سواء كان بمعنى: القدرة، أو القهر، أو نحو ذلك، عام في المخلوقات كالربوبية. والعرش وإن كان أعظم المخلوقات، ونسبة الربوبية إليه لا تنفي نسبتها إلى غيره كما في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، فلو كان استوى بمعنى: استولى كما هو عام في المخلوقات كلها، لجاز مع إضافته للعرش أن يقال: استوى على السماء، وعلى الهواء، وعلى البحار، والأرض، وعليها، ودونها، ونحوها، إذ هو مستو على العرش، فلما اتفق المسلمون على أن يقال: استوى على العرش، ولا يقال استوى على هذه الأشياء مع أنه يقال: استولى على العرش والأشياء، علم أن معنى استوى خاص بالعرش، وليس عاما كعموم الأشياء3.

_ 1 سيأتي تخريجه في قسم التحقيق تحت رقم 1. 2 "مجموع الفتاوى": (5/ 145) . 3 "مجموع الفتاوى": (5/ 144) .

رابعا: أنه إذا فسر الاستواء بالغلبة والقهر عاد معنى الآيات كلها إلى أن الله- تعالى- أعلم عباده بأنه خلق السموات والأرض، ثم غلب على العرش بعد ذلك وقهره وحكم عليه أفلا يستحي من الله من في قلبه أدنى وقار لله ولكلامه أن ينسب ذلك إليه وأنه أراد بقوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : أي: اعلموا يا عبادي أني بعد فراغي من خلق السموات والأرض غلبت عرشي وقهرته واستوليت عليه1. خامسا: أن ما يستند إليه هؤلاء المعطلة في زعمهم هذا من قولهم أن تفسير استوى باستولى أمر مشهور في اللغة، هو قول باطل مردود لأنه لم يثبت عند أحد من أهل اللغة أن لفظة استوى يصح استعمالها بمعنى استولى بل إن هذا القول منكر عند اللغويين. فهذا ابن الأعرابي أحد علماء اللغة أتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فقال: "هو كما أخبر عز وجل، فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: اسكت ما أنت وهذا، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضادا فإذا غلب أحدهما قيل استولى أما سمعت النابغة: إلا لمثلك أن من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد"2 وقد سئل الخليل بن أحمد هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى؟

_ 1 "مختصر الصواعق": (2/ 140- 141) . 2 "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للالكائي: (2/ 399) .

فقال: "هذا ما لا تعرفه العرب، ولا هو جائز في لغتها، والخليل إمام في اللغة على ما عرف من حاله- فحينئذ حمله على ما لا نعرف في اللغة هو قول باطل"1. وكذلك فإنه قد روي عن جماعة من أهل اللغة أنهم قالوا: لا يجوز استوى بمعنى استولى إلا في حق من كان عاجزا ثم ظهر، والله - سبحانه- لا يعجزه شيء، والعرش لا يغالبه في حال، فامتنع أن يكون بمعنى استولى. وقد روي عن أبي العباس ثعلب أنه قال: "استوى: أقبل عليه وإن لم يكن معوجا، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} 2: أقبل، و {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} : علا، واستوى الوجه: اتصل، واستوى القمر: امتلأ، واستوى زيد وعمرو: تشابها، واستوى فعلاهما وإن لم تتشابه شخوصهما، هذا الذي نعرفه من كلام العرب"3. فبما تقدم من أقوال علماء اللغة يتضح لنا فساد زعم هؤلاء المعطلة، وكذب ادعائهم بأن هذا القول مشهور في اللغة. وأما ما استدل به هؤلاء من أبيات- كقول الشاعر: قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ولا دم مهراق

_ 1 "مجموع الفتاوى": (5/ 144، 159) . 2 سورة البقرة، الآية: 29. 3 "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للالكائي: (1/ 399-400) .

وقول الآخر: هما استويا بفضلهما جميعا ... على عرش الملوك بغير زور فهذان البيتان لم يثبت نقل صحيح على أنهما شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة قد أنكرهما. قال ابن فارس: "هذان البيتان لا يعرف قائلهما"1. فهما على هذا بيتان مصنوعان، ومعلوم أنه لو احتج بحديث رسول الله عام لاحتاج إلى صحته، فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده، وقد طعن فيه أئمة اللغة. قال عمر بن عبد البر: "وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم في تأويل استوى: استولى، فلا معنى له، لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة: المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله- عز وجل- أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها، مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء، والاستقرار والتمكن فيه، قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {اسْتَوَى} قال: علا.

_ 1 "زاد المسير" لابن الجوزي: (3/ 212) .

قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت، وقال غيره: استوى، أي: انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد"1. وأما ما استدل به المعطلة من قول ابن عباس- رضي الله عنهما- فقد بين ابن عبد البر أنه مكذوب على ابن عباس، ورواته مجهولون وضعفاء، كما تقدم ذكره. القول الثاني: أن معنى استوى: أقبل على خلق العرش، وعمد إلى خلقه، كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} 2 أي:. عمد إلى خلق السماء. وهذا هو قول بعض الجهمية3، وإليه ذهب الفراء4، والأشعري، وابن الضرير، واختاره الثعلبي5. الرد عليهم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الوجه من أضعف الوجوه، فإنه قد أخبر أن العرش كان على الماء قبل خلق السموات والأرض. وكذلك ثبت في "صحيح البخاري" عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه

_ 1 "التمهيد": (7/ 131) . 2 سورة فصلت، الآية: 11. 3 "مختصر الصواعق": (1/ 126) . 4 الفراء: هو يحى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، مولى بن أسد، المعروف بالفراء، ولد سنة 144 هـ، وتوفي سنة 207 هـ، انظر ترجمته: "وفيات الأعيان": (5/ 225- 230) ، "الأعلام": (9/ 178- 179) . 5 انظر: "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي: (2/ 8- 9) .

قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء ... " فإذا كان العرش مخلوقا قبل خلق السموات والأرض، فكيف يكون استواؤه عمده إلى خلقه له؟! لو كان يعرف في اللغة أن استوى على كذا بمعنى أنه عمد إلى فعله، وهذا لا يعرف قط في اللغة لا حقيقة ولا مجازا، ولا في نظم ولا في نثر. ومن قال استوى بمعنى عمد ذكره في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} لأنه عدى بحرف الغاية، كما يقال: عمدت إلى كذا وقصدت إلى كذا، ولا يقال عمدت على كذا ولا قصدت عليه، مع أن ما ذكر في تلك الآية لا يعرف في اللغة- أيضا- ولا هو قول أحد من مفسري السلف، بل المفسرون من السلف، قولهم بخلاف ذلك"1. وقال ابن القيم- رحمه الله تعالى..: "إن قولهم هذا يتضمن أن يكون خلقه بعد خلق السموات والأرض، وهذا بخلاف إجماع الأمة، وخلاف ما دل عليه القرآن والسنة، وإن ادعى بعض الجهمية المتأخرين أنه خلق بعد خلق السموات والأرض وادعى الإجماع على ذلك، وليس العجب من جهله، بل من إقدامه على- حكاية الإجماع على ما لم يقله مسلم"2.

_ 1 "مجموع الفتاوى": (1/ 520، 521) . 2 "مختصر الصواعق المرسلة": (2/ 143) .

القول الثالث: أن استوى بمعنى: علا في هذه الآية، ولكن ليس المراد علو المسافة والمكان، إنما المراد علو المكانة والقهر. وقد ذهب إلى هذا القول جماعة من الأشاعرة منهم أبو بكم بن فورك1، وهم بهذا القول جعلوا الاستواء صفة ذات وليست صفة فعل. الرد عليهم: إن الآيات والأحاديث قد أثبتت استواء الله على العرش حقيقة، ولو كان معنى الاستواء ههنا المراد به علو المكانة فإن الله لم يزل متعاليا على الأشياء قبل خلق العرش، فلما أضاف الاستواء على العرش فيجب على ذلك أن يكون لهذا التخصيص فائدة2.

_ 1 "كتاب مشكل الحديث" لابن فورك: ص 193، و"الأسماء والصفات" للبيهقي: ص 518. 2 "المعتمد في أصول الدين" للقاضي أبي يعلى: ص 54.

المبحث الثاني: أقوال مثبتة الاستواء

المبحث الثاني: أقوال مثبتة الاستواء القول الأول: وهو قول من يثبت الاستواء على أنه صفة للعرش، وليس على أساس أنه صفة الله- تعالى-. وأصحاب هذا القول يقولون: إن الاستواء فعل يفعله الرب في العرش، بمعنى أنه يحدث في العرش قربا فيصير مستويا عليه من غير أن يقوم به- أي بالله- فعل اختياري. وهذا القول هو ما يقول به ابن كلاب، والأشعري1 وأئمة أصحابه المتقدمين، كالباقلاني وغيره، وهو- أيضا- قول القلانسي، ومن وافق هؤلاء من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم من أصحاب الإمام أحمد كالقاضي أبي يعلى، وابن الزاغوني، وابن عقيل في كثير من أقواله2. والسبب الذي جعل هؤلاء القوم يمنعون جعل الاستواء صفة لله- تعالى- هو قولهم بنفي قيام الأفعال الاختيارية بذاته- سبحانه وتعالى-

_ 1 هذا القول لأبي الحسن الأشعري، قاله عندما كان على قول ابن كلاب من نفي الأفعال الاختيارية عن الله تعالى. 2 "مجموع الفتاوى": (5/ 386، 437، 466) ، (16/ 393) ، "الأسماء والصفات": ص 517، "اجتماع الجيوش الإسلامية": ص 64، 65.

ولذلك يجعلون أفعاله اللازمة لذاته - كالنزول والاستواء - كأفعاله المتعدية- كالخلق والإحسان-، وقولهم في نفي الأفعال الاختيارية راجع إلى قولهم في صفات الله. وهم يقولون: "إن الله هو الموصوف بالصفات، لكن ليست الصفات أعراضا، إذ هي قديمة ولا تزول"1. وحجتهم في منع قيام الحوادث بذات الله- تعالى- أنهم يقولون: "إن كل ما صح قيامه بالبارئ- تعالى- فإما أن يكون صفة كمال أو لا يكون، فإن كان صفة كمال استحال أن يكون حادثا، وإلا كانت ذاته قبل اتصافه بتلك الصفة خالية من صفة الكمال، والخالي من الكمال الذي هو ممكن الاتصاف به ناقص، والنقص على الله محال بإجماع الأمة. وإن لم يكن صفة كمال استحال اتصاف البارئ بها، لأن إجماع الأمة على أن صفات البارئ بأسرها صفات كمال، فإثبات صفة لا من صفات الكمال خرق للإجماع وهو أمر-غير جائز"2. الرد عليهم: لقد اعتمد أصحاب هذا القول فر، منعهم كون الاستواء صفة لله تعالى- على حجة منع قيام الحوادث بذاته- تعالى-، وهي حجة واهية، وقد رد عليها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "إن المقدمة التي اعتمد عليها هؤلاء وهي قولهم: إن الخالي من الكمال الذي يمكن

_ 1 "مجموع الفتاوى": (6/ 36) . 2 انظر كتاب: "ابن تيمية السلفي": ص 130.

الاتصاف به ناقص. فيقال لهم: معلوم أن الحوادث المتعاقبة لا يمكن الاتصاف بها في الأزل، كما لا يمكن وجودها في الأزل، وعلى هذا فالخلو عنها في الأزل لا يكون خلوا عما يمكن الاتصاف به في الأزل. ثم إنه لم يثبت امتناع ما ذكر من النقص بدليل عقلي، ولا بنص من كتاب ولا سنة، بل بما ادعوه من إجماع، وإذا فمعلوم أن المنازعين في اتصافه بذلك هم من أهل الإجماع، فكيف يحتج بالإجماع في مسألة النزاع. وقولهم باجماع الأمة على أن صفاته صفات كمال، فإن قصد بذلك صفاته اللازمة لم يكن في هذا حجة لهم، وإن قصد بذلك ما يحدث بمشيئته وقدرته لم يكن هذا إجماعا، فإن أهل الكلام يقولون: إن صفة الفعل ليست صفة كمال ولا نقص، والله موصوف بها بعد أن لم يكن موصوفا. ثم إن هذا الإجماع الذي ادعوه حجة عليهم، فإنا إذا عرضنا على العقول موجودين: أحدهما يمكنه أن يتكلم ويفعل بمشيئته كلاما وفعلا، والآخر لا يمكنه ذلك، بل لا يكون كلامه إلا غير مقدور، ولا مراد، أو يكون بائنا عنه، لكانت العقول تقتضي بأن الأول أكمل من الثاني. وكذلك إذا عرضنا على العقول موجودين من المخلوقين، أو مطلقا أحدهما يقدر على الذهاب والمجيء، والتصرف بنفسه، والآخر لا يمكنه ذلك، لكانت العقول تقضي بأن الأول أكمل.

فنفس ما به يعلم أن اتصافه بالحياة والقدرة صفات كمال، به يعلم أن اتصافه بالأفعال والأقوال الاختيارية التي تقوم به، والتي يفعل بها المفعولات المباينة له- صفات كمال"1. وكذلك مما يرد به على هذا القول ما قاله ابن القيم: "إنه لو كان الاستواء عائدا على العرش لكانت القراءة برفع العرش، ولم تكن بخفضه، فلما كانت بخفض العرش دل على أن الاستواء عائد إلى الله تعالى"2. القول الثاني: القول بالتفويض ويذهب أصحاب هذا القول إلى إثبات لفظ الاستواء فقط مع التوقف في المعنى المراد، فهم يقولون أن إن الاستواء ثابت في القرآن، حيث إنه قد ورد في سبع آيات، وكذلك قد وردت به الأخبار الصحيحة، وقبوله من جهة التوقف واجب، والبحث عنه وطلب الكيفية غير جائز، وهو استواء لا نعلمه3. وقد ذهب إلى هذا القول البيهقي في كتابه "الاعتقاد"4، وهو

_ 1 "الموافقة بين صريح العقل وصحيح النقل": (2/73-175) ، ط. دار الكتب. 2 انظر: "اجتماع الجيوش الإسلامية": ص 64- 65. 3 "الاعتقاد" للبيهقي: ص 115. 4 المصدر السابق.

أحد قولي الرازي1. وقد زعم كثير من الأشاعرة أن القول بالتفويض هو قول السلف2. ويستدلون على نسبة هذا القول إلى السلف بعبارات نقلت عن السلف، ظنوا أنها ترمي إلى القول بالتفويض كقول الأوزاعي: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله- تعالى ذكره- فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته- جل وعلا-". وقول ربيعة بن عبد الرحمن، والإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب". والقول بالتفويض هو مقصود هؤلاء القوم في قولهم: "إن طريقة السلف أسلم"، حيث إنهم ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيّ} 3. الرد عليهم: معلوم أن نسبة هذا القول إلى السلف إنما هو محض كذب وافتراء، ومن نسب هذا القول إلى السلف فإنما هو جاهل بطريقة السلف الذين

_ 1 "تلخيص المحصل": ص 114. 2 "الاعتقاد" للبيهقي: ص 117، "الإتقان في علوم القرآن": (2/ 6) ، "مناهل العرفان": (2/ 182، 183) ، "تحفة المريد": ص 91، 92، "شرح الخريدة البهية": ص 75، "الأسماء والصفات": ص 517. 3 سورة البقرة، الآية: 78.

لم يقولوا بهذا القول، ولم يرد عن واحدة منهم أنه فوض معنى الاستواء، بل إن الوارد عنهم جميعا أنهم يفسرون الاستواء بالمعنى المراد وهو: العلو والارتفاع على العرش، ويؤمنون بأن الله مستو على العرش حقيقة. قال شيخ الإسلام: "وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف، أما في كثير من الصفات فقطعا مثل أن الله فوق العرش، فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة، وأنهم ما قصدوا خلاف هذا قط، وكثير منهم صرح في كثير من الصفات بمثل ذلك"1. وقال في موضع آخر: "وقد فسر الإمام أحمد النصوص التي نسميها متشابهات، فبين معانيها آية آية، وحديثا حديثا، ولم يتوقف فيها هو والأئمة قبله، مما يدل على أن التوقف عن بيان معاني آيات الصفات وصرف الألفاظ عن ظواهرها لم يكن مذهبا لأهل السنة، وهم أعرف بمذهب السلف، وإنما مذهب السلف إجراء معاني آيات الصفات على ظاهرها، بإثبات الصفات له حقيقة، وعندهم قراءة الآية والحديث تفسيرها، وتمر كما جاءت دالة على المعاني لا تحرف، ولا يلحد فيها"2.

_ 1 "الفتوى الحموية": ص 64. 2 "مجموع الفتاوى": (17/ 414) .

ويقول ابن القيم- رحمه الله تعالى-: "تنازع الناس في كثير من الأحكام، ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها، أعني فهم أصل المعنى، لا فهم الكنه والكيفية"1. وأما بالنسبة إلى ما استدل به أصحاب هذا القول على أن القول بالتفويض هو مذهب السلف وذكرهم لقول الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، فليس المراد ههنا تفويض معنى الاستواء، ولا نفي حقيقة الصفة، ولو كان المراد الإيمان بمجرد اللفظ من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قال: "الكيف مجهول"، لأنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى2. والاستواء على هذا المعنى لا يكون معلوما، بل هو مجهول بمنزلة حروف المعجم، لكن الأمر على عكس ذلك، فنفى علم الكيفية لأنه أثبت الصفة، وأراد بقوله: الاستواء معلوم، أي: أنه معلوم معناه في اللغة التي نزل بها القرآن، فعلى هذا يكون معلوما في القرآن. ومعلوم أن ادعاء هؤلاء أن مذهب السلف إنما هو القول بالتفويض سببه اعتقاد هؤلاء أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر- كان مع ذلك

_ 1 "مختصر الصواعق": (1/ 15) . 2 "الفتوى الحموية": ص 25.

لابد للنصوص من معنى- فبقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف، وهذا التردد هو الذي وقع فيه من قال بالتفويض من هؤلاء كالبيهقي، والرازي.، فهم لم يلتزموا بهذا القول مطلقا، بل غالبا ما يخالفونه، كما فعل الرازي في تأسيسه حيث جنح إلى التأويل وترك القول بالتفويض. القول الثالث: قول المشبهة، والمقصود بها الهشامية1 من الروافض، والكرامية2 وغيرهم. وهؤلاء يثبتون استواء الله، وارتفاعه فوق عرشه، إلا أنهم تعمقوا في الكلام على كيفية ذلك الاستواء. فالهشامية مثلا يقولون إن الله تعالى مماس لعرشه لا يفضل منه شيء في العرش ولا يفضل عن العرش شيء منه3 وأما الكرامية فقد تعددت أقوالهم في كيفية استوائه: فمنهم من يقول: إنه على بعض أجزاء العرش.

_ 1 هم أصحاب هشام بن عبد الحكم الرافضي من الإمامية، وتنسب إليه وإلى هشام بن سالم الجواليقي أحيانا من الإمامية المشبهة. انظر: "المقالات": (1/ 31- 34) ، "الملل والنحل": (1/ 144- 147) . 2 هم أصحاب محمد بن كرام وهم طوائف يبلغ عددهم اثنتي عشرة فرقة وأصولها ستة هي: العابدية، والنونية، والزرينية، والإسحاقية، والواحدية، وأقربهم الهيصمية. انظر: "الملل والنحل": (1/ 144- 147) . 3 "الملل والنحل": (1/ 21) .

ومنهم من يقول: إن العرش مكان له، وأن العرش امتلأ به. ومنهم من يقول: إنه لو خلق بإزاء العرش عروشا موازية لعرشه لصارت العروش كلها مكانا له، لأنه أكبر منها كلها. ومنهم من يقول: إن بينه وبين العرش من البعد والمسافة ما لو قدر مشغولا بالجواهر لاتصلت به1. وقول هؤلاء المشبهة إنما هو نتيجة لازمة لأقوالهم في صفات الله وكلامهم في ذاته. فالهشامية يقولون: "إن الله جسم ذو أبعاض، له قدر من الأقدار، ولكن لا يشبه شيئا من المخلوقات، ولا يشبهه شيء". ونقل عنهم أنهم قالوا: إنه سبعة أشبار بشبر نفسه، وأن له مكانا مخصوصا، وجهة مخصوصة، وأنه يتحرك، وحركته فعله، وليست من مكان إلى مكان، وهو متناه بالذات، غير متناه بالقدرة، وأنه مماس لعرشه، ولا يفضل منه شيء من العرش، ولا يفضل عن العرش شيء منه2. وأما الكرامية فيقول عنهم ابن كرام: "إن معبوده مستقر على العرش استقرارا، وإنه بجهة فوق ذاتا، وإنه أحدي الذات، أحدي الجوهر، وإنه مماس للعرش من الصفحة العليا". ولهم في معنى العظم خلاف فقال بعضهم: "إنه مع وحدته على

_ 1 "الملل والنحل": (1/ 144- 147) . 2 "الملل والنحل": (2/ 22) .

جميع أجزاء العرش، والعرش تحته وهو فوقه كله، على الوجه الذي هو فوق جزء منه". وقال بعضهم: إنه يلاقي مع وحدته من جهة واحدة أكثر من واحد، وهو يلاقي جميع أجزاء العرش وهو العلي العظيم. وقالت المهاجرية منهم: إنه لا يزيد على عرشه في جهة المماسة ولا يفضل منه شيء على العرش، وهذا يقتضي أن يكون عرضه كعرض العرش. وصار المتأخرون منهم إلى أنه تعالى بجهة فوق وأنه محاذ للعرش1. الرد عليهم: هذا القول للمشبهة يتضمن حقا وباطلا. فالحق فيه هو: اعترافهم بعلو الله، واستوائه على عرشه، وأنه بائن عن خلقه، والخلق بائنون عنه. وأما الباطل فهو: كلامهم في ذات الله، والتعرض لكيفية استوائه، وهو كلام باطل وفاسد ليس لهم به دليل من القرآن أو السنة، بل هو قول على الله بغير علم، فالله- سبحانه وتعالى- لم يطلعنا على كيفية ذاته، فأنى لنا أن نعلم كيفية صفاته، وأمر الكيفية هو مما استأثر الله بعلمه قال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ} 2.

_ 1 انظر كتاب: "التجسيم عند المسلمين": ص 205. 2 سورة البقرة، الآية: 255.

ومما يدلنا على فساد هذا القول وعدم وجود دليل لأصحابه على ما يقولون هو اختلاف آرائهم وأقوالهم عند الحديث عن ذات الله وكيفية استوائه، فمن خلال عرض أقوالهم يتضح اختلافهم وتناقضهم، وما ذاك إلا أنهم يفترون على الله الكذب، قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} 1. والسؤال الذي ينبغي أن يوجه إلى هؤلاء المشبهة في هذا المقام هو: أين الدليل من الكتاب أو السنة على ما تزعمون؟ والجواب معروف، وهو أنه لا دليل لهم على ذلك لا من القرآن ولا من السنة. ومما ينبغي معرفته أن الكلام على كيفية ذات الله، أو كيفية استوائه، أو غيرها من الصفات، هو أمر غير جائز عند السلف، ويحرم الخوض فيه، بل ويبدعون السائل عن ذلك، ولذلك بدع الإمام مالك السائل الذي سأله عن كيفية استواء البارئ- عز وجل-، حيث قال له: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، وما أراك إلا رجل سوء"، وأمر به أن يخرج. وما قاله الإمام مالك هو الذي جاءت به النصوص، وهو الذي سار عليه السلف جميعا. القول الرابع: مذهب السلف في الاستواء. والمقصود بالسلف: هم الصحابة، والتابعون، ومن سار على نهجهم.

_ 1 سورة النساء، الآية: 82.

ولقد كان قولهم في الاستواء كقولهم في سائر صفات الله، فهم وسط بين طائفتين هم المعطلة والمشبهة. فهم لا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا ذاته بذوات خلقه، كما يفعل المشبهة. وكذلك لا ينفون عن الله ما وصف، به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فيعطلون أسماءه وصفاته، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويلحدون في أسمائه وآياته. بل كان مذهبهم في سائر الصفات- بما في ذلك الاستواء- أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم نفيا وإثباتا. وطريقتهم في الإثبات أنهم يثبتون ما أثبته الله من الصفات من غير تكييف لها، ولا تحريف، ولا تمثيل، ولا تعطيل. وطريقتهم في النفي أنهم ينفون عن الله ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات، فطريقة السلف هي إثبات أسماء الله وصفاته مع نفي مماثلة المخلوقين، فإثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} 1، ففي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد للتشبيه والتمثيل، وفي قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} رد للإلحاد والتعطيل2.

_ 1 سورة الشورى، الآية: 11. 2 انظر: "الرسالة التدمرية": ص 4- 7، ط. المطبعة السلفية، "الفتوى الحموية الكبرى": ص 16- 17، ط. المطبعة السلفية.

ولقد كانت هذه طريقة السلف في جميع الصفات دون تفريق بين صفة وصفة، وفي ذلك يقول الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والسنة"1. وبناء على هذه القاعدة كان مذهب السلف في صفة الاستواء أنهم يثبتون استواء الله على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، ويناسب كبرياءه، وهو بائن من خلقه، وخلقه بائنون به. فالاستواء صفة ثابتة في القرآن والسنة، وقد أجمع سلف الأمة على إثباتها، فذكر صفة الاستواء جاء في سبعة مواضع من القرآن الكريم، وقد تقدم ذكرها، كما أن السنة مليئة بالأحاديث الثابتة الصحيحة الدالة على علو الله، واستوائه على عرشه. والسلف يقولون: إن معنى هذا الاستواء الوارد في الكتاب والسنة معلوم في اللغة العربية، كما قال ربيعة بن عبد الرحمن، والإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" فقولهم: "الاستواء معلوم"، أي: أن معنى الاستواء معلوم في اللغة، وهو ههنا بمعنى العلو والارتفاع. قال ابن القيم- رحمه الله-: "إن لفظ الاستواء في كلام العرب الذي خاطبنا الله بلغتهم وأنزل به كلامه نوعان: مطلق، ومقيد.

_ 1 "مجموع الفتاوى": (5/ 26) .

فالمطلق ما لم يوصل معناه بحرف مثل قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} 1، وهذا معناه: كمل وتم، يقال: استوى النبات، واستوى الطعام. وأما المقيد فثلاث أضرب: أحدهما: مقيد بـ"إلى" كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} ، واستوى فلان إلى السطح، وإلى الغرفة، وقد ذكر الله- سبحانه وتعالى- المعدى بـ"إلى" في موضعين من كتابه، الأول: في سورة البقرة في قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} ، والثاني في سورة فصلت: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} 2، وهذا بمعنى العلو والارتفاع بإجماع السلف. الثاني: المقيد بـ"على" كقوله تعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} 3، وقوله: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ} 4، وقوله: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} 5، وهذا - أيضا- معناه العلو والارتفاع والاعتدال بإجماع أهل اللغة. الثالث: المقرون بواو "مع" التي تعدى الفعل إلى المفعول معه،

_ 1 سورة القصص، الآية: 14. 2 سورة فصلت، الآية: 11. 3 سورة الزخرف، 1 لآية: 13. 4 سورة هود، الآية: 44. 5 سورة الفتح، الآية: 29.

نحو استوى الماء والخشبة بمعنى: ساواها، وهذه معاني الاستواء المعقولة في كلامهم1. ومما يؤكد- أيضا- أن السلف يعلمون معنى الاستواء قول ابن عبد البر: "والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو: العلو والارتفاع على الشيء، والاستقرار والتمكن فيه". قال أبو عبيدة في قوله واستوى قال: علا، قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت، وقال غيره: استوى، أي: انتهى شبابه، واستقر فلم يكن في شبابه مزيد، والاستواء الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله عز وجل وقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} ، وقال: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ} ، وقال: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} 2. وقال الشاعر: فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة ... وقد حلق النجم اليماني فاستوى وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد: استولى، لأن النجم لا يستولي. وقد ذكر النضر بن شميل- وكان ثقة، مأمونا، جليلا في علم الديانة واللغة- قال: "حدثني الخليل- وحسبك بالخليل- قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي، وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح فسلمنا فرد علينا السلام، وقال لنا: استووا، فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال؟

_ 1 انظر: "مختصر الصواعق المرسلة": (2/ 126- 127) . 2 سروة المؤمنون، الآية: 28.

فقال لنا أعرابي إلى جنبه: إنه أمركم أن ترتفعوا، قال الخليل: هو من قول الله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} فصعدنا إليه1. وقال ابن القيم: "إن ظاهر الاستواء وحقيقته هو العلو والارتفاع، كما نص عليه جميع أهل اللغة والتفسير المقبول"2. ولما كان هذا هو معنى الاستواء في لغة العرب فقد تكلم السلف والمفسرون بهذا المعنى عند تفسير هذه الآية، فقد روي عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: علا على العرش3، وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عن أبي العالية في تفسير الآية السابقة الذكر قال: ارتفع4. وقد روى عن الحسن البصري والربيع بن أنس مثله"5. وقد روى اللالكائي بسنده عن بشر بن عمر قال: "سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: إ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، قال: على العرش استوى: ارتفع6. وفي هذا التفسير لمعنى الاستواء من قبل السلف رد على من زعم

_ 1 "التمهيد": (7/ 131- 132) . 2 انظر: "مختصر الصواعق": (2/ 145) . 3 انظر: "فتح الباري": (13/ 403) . 4 "مجموع الفتاوى": (5/ 519) . 5 "مجموع الفتاوى": (5/ 519) . 6 "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة": (3/ 397) .

أن مذهب السلف هو التقيد باللفظ مع تفويض المعنى المراد، وأنهم كانوا لا يفسرون الاستواء ولا يتكلمون فيه، فمن خلال ما تقدم من أقوال نقلت عن السلف يتضح كذب هؤلاء وزيف ادعائهم. ومما ينبغي معرفته أن السلف مع إثباتهم لمعنى الاستواء، واعتقادهم بأن الله مستو على عرشه ومرتفع عليه، إلا أنهم يكلون علم كيفية ذلك الاستواء إلى الله- عز وجل- لأن أمره هو مما استأثر الله بعلمه، وفي ذلك يقول القرطبي: "ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا تعلم حقيقته، كما قال الإمام مالك: "الاستواء معلوم "- يعني في اللغة- والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة"1. وقال ابن القيم: "إن العقل قد يئس من تعرف كنه صفات الله وكيفياتها، فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله، وهذا معنى قول السلف "بلا كيف"، أي: بلا كيف يعقله البشر، فإنه من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته، كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته، ولا يقدح ذلك في الإيمان بها، ومعرفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك، كما أنا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر، ولا نعرف حقيقة كيفيته مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق، فعجزنا عن معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم"2.

_ 1 "تفسير القرطبي". 2 "مدارج السالكين": (3/ 359) .

الباب الرابع: التعريف بالمؤلف

الباب الرابع: التعريف بالمؤلف الفصل الأول: عصر المؤلف ... أولا: الحالة السياسية: عاش محمد بن عثمان بن أبي شيبة في القرن الثالث الهجري، فقد كان مولده في العشر الأول من هذا القرن، وكانت وفاته سنة سبع وتسعين ومائتين للهجرة، وقد شهد في هذه الفترة من حياته دولة الخلافة العباسية في مختلف مراحلها وعاصر عددا من خلفائها فقد أدرك بعضا من عصر المأمون (198- 211) ، وأدرك عصر المعتصم (18 2- 221) ، والواثق (127- 231) ، والمتوكل (132- 47 1) ، والمنتصر (147- 241) ، والمستعين (148- 251) ، والمعتز (152- 251) ، والمهتدي (155- 251) ، والمعتمد (156- 271) ، والمعتضد (179- 281) ، والمكتفي (189- 291) ، وبعض عصر المقتدر (195- 321) . والذي يعنينا هنا هو تصور الجو السياسي في تلك الحقبة من الزمن، فقد كانت مشحونة بالفتن والاضطرابات والصراعات التي كانت تنتاب الدولة العباسية من حين إلى حين- وقد كانت هذه الصراعات في مجملها ذات أهداف شخصية لا تمت إلى الإسلام بصلة، وكان الهدف الرئيسي منها هو السيطرة على زمام الدولة العباسية، أو الاستئثار بحكم

إقليم معين، أو منصب، أو وزارة في الدولة، فابتداء من عصر المأمون والحرب التي دارت بينه وبين أخيه الأمين، والتي هي في حقيقتها ليست إلا لونا مقنعا من الحرب بين العرب والفرس، فكان العرب وراء الأمين، والفرس وراء المأمون، وما ثورة "نصر بن شبث" ضد المأمون الأخير دليل ونموذج على ذلك1. ثم إن الفرس أنفسهم حاربوا المأمون وجها لوجه مثلما كان من "حرب البابكية"2 بزعامة قائدهم "بابك الخرمي"، الذي خرج على المأمون وانتصر عليه في بعض المواقع، ومات المأمون ولم يستطع القضاء على هذه الثورة بل خلفها لأخيه المعتصم. هذا بالإضافة إلى الثورات والتمردات والفتن الأخرى مثل: "حركة الزط"3، و "ثورة المصريين"4، و "فتنة خلق القرآن" التي كانت أعظم هذه الفتن، والتي لم يسلم من تيارها المحدثون والفقهاء. ففي سنة ثماني عشرة ومائتين كتب الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد إلى ابن الحسين إسحاق بن إبراهيم ببغداد في امتحان

_ 1 انظر التفصيل في: "تاريخ الطبري": (8/ 577، وما يليها) من الحوادث سنة 205 إلى سنة 210 هـ، و"تاريخ الإسلام السياسي" للدكتور حسن إبراهيم: (2/ 179، وما بعدها) . 2 انظر: "مروج الذهب" للمسعودي: (4/ 29) . 3 "تاريخ الإسلام السياسي" للدكتور حسن إبراهيم: (2/ 69- 70) . 4 "تاريخ الإسلام السياسي" للدكتور حسن إبراهيم: (2/ 69- 70) .

القضاة والمحدثين بخلق القرآن، فمن أقر أنه مخلوق خلي سبيلا ومن أبى أعلمه به ليأمره فيه برأيه وطول كتابه بإقامة الدليل على خلق القرآن1. وهكذا استمرت هذه المحنة التي شغلت المأمون أكثر مما شغلت المعتزلة، وعنى بها المأمون نفسه كما عنى بها المسلمون، ووقف المأمون يناصب العداء كل من خالفه في هذه المسألة، وسومه سوء العذاب2. ثم يأتي المعتصم من بعد أخيه المأمون، ولم يكن عصره أحسن حالا من عصر أخيه، فقد ورث الخلافة وورث معها الثورات والفتن والاضطرابات التي لم يستطع المأمون القضاء عليها أو التخلص منها، فتورط المعتصم فيما تورط فيه المأمون من القول بخلق القرآن، واستمرت المحنة في عصره، وكذلك واجهته الكثير من المصاعب في القضاء على "فتنة الزط"3، الذين عاثوا في طريق البصرة فسادا، فقطعوا الطريق، وأخافوا السبيل، وكذلك في القضاء على ثورة "بابك الخرمي"4، التي خلفها له المأمون وقد أنهاها المعتصم بعد جهد كبير.

_ 1 انظر التفصيل في: "تاريخ الطبري": (8/ 631، 645) ، و"البداية والنهاية": (10/ 272، وما بعدها) ، و "تاريخ بغداد": (14/ 15) . 2 "تاريخ الأمم الإسلامية"، ص. 210- 215. 3 "تاريخ الطبري": (9/ 8- 11) ، "البداية والنهاية": (10/ 282) ، و"العصر العباسي الثاني" لشوقي ضيف: ص.10- 11. 4 "تاريخ الطبري": (9/ 11، وما بعدها) ، و"البداية والنهاية": (10/ 282، وما بعدها) .

وبالإضافة إلى ذلك فقد ضعفت ثقة المعتصم ومن جاء بعده من الخلفاء بالعرب1. فذهب المعتصم يشتري الأتراك ويجمعهم، حتى اجتمع له منهم عدد كبير، فألبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهبة2، ثم إنه اعتمد عليهم في تسيير أمور الدولة فأسند إليهم الولايات ومناصب الدولة، وأدر عليهم الهبات والأرزاق، وآثرهم على العرب والفرس في كل شيء3. وقد كان لهذا التصرف من قبل المعتصم أثره السيء على دولة الخلافة، فقد بلغ من نفوذ هؤلاء الأتراك في العصر العباسي الثاني أنهم استولوا على زمام الأمور في بغداد والعراق، واستبدوا بالسلطة من دون الخلفاء إلى درجة أنهم كانوا هم الذين يعينون الخلفاء وهم الذين يعزلونهم، وكانوا أحيانا لا يتورعون عن قتل الخلفاء فقتلوا مثلا المتوكل، والمهتدي بالله، والمقتدر، والراضي4. وقد تولى الخلافة من بعد المعتصم ابنه الواثق الذي استمر فيما كان عليه أبوه المعتصم وعمه المأمون فيما يتعلق بالقول بخلق القرآن واستمرت هذه المحنة في عهده حتى ملها وود لو وجد لنفسه منها

_ 1 "ظهر الإسلام" لأحمد أمين: (1/ 3- 4) . 2 "مروج الذ هب": (4/ 53) . 3 "تاريخ الإسلام السياسي": (2/ 193) . 4 "ظهر الإسلام": (1/ 11- 25) ، و"العصر العباسي الثاني": ص 17.

مخرجا1، واستمرت الاضطرابات في زمانه وقوي نفوذ الأتراك، وولي الخلافة من بعده المتوكل فناصر السنة وأبطل ما كان عليه من قبله من القول بخلق القرآن، وأمر بمناصرة مذهب السلف والرد على مقالة المعتزلة والجهمية، وحاول القضاء على نفوذ الأتراك واستبدادهم بأمور الدولة، ولكنهم سبقوه إلى ذلك فقتلوه في عام (248هـ) ، ومنذ ذلك الحين بدأ الضعف في دولة الخلافة، فزالت هيبتها، وضعف سلطانها وأصبح الأمر كله بيد الأتراك يصرفون الأمور، فيولون من شاءوا من الخلفاء، ويعزلونهم متى أرادوا، فأخذ الانحلال يدب في كيان الدولة، ولم يزل هذا شأنها حتى قضى عليها تماما في منتصف القرن السابع (156 هـ) على أيدي التتار. من هذا الاستعراض الموجز والسريع للحالة السياسية في عهد المؤلف، يتضح لنا أن الأحوال السياسية في ذلك الوقت كانت على وجه العموم غير مستقرة، ومشحونة بالفتن والاضطرابات. ثانيا: الحالة الاجتماعية: اصطبغت الحياة الاجتماعية في معظم حواشيها بالصبغة الأجنبية بما فيها من ترف وزينة ومباهج، فكانت قصور الخلفاء والأمراء وكبار رجال الدولة مضرب المثل في حسن رونقها وبهائها، كما امتازت بفخامة بنائها واتساعها وما يكتنفها من حدائق غناء وأشجار متكانفة، كما ازدانت بالمناضد الثمينة، بالزهريات المزخرفة، والتربيعات المرصعة

_ 1 "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي: ص 432.

المذهبة1. وكان الشعب يتألف في هذا العصر من أربعة عناصر رئيسية هي: العرب، والفرس، والأتراك، والمغاربة2، وكان الرقيق يكونون طبقة كبيرة من طبقات المجتمع آنذاك، فقد كان اتخاذ الرقيق منتشرا انتشارا كبيرا، ولم ينظر الخلفاء العباسيون إلى الرقيق نظرة امتهان وازدراء إذ أن كثيرين منهم كانت أمهاتهم من الرقيق3. وقد كان من ضمن طبقات الشعب في ذلك العصر أهل الذمة- اليهود والنصارى- وكانوا يتمتعون بكثير من ضروب التسامح، حيث كانوا يقيمون شعائرهم الدينية في أديارهم وبيعهم خارج مدينة بغداد في أمن ودعة، مما يدل على أن الخلفاء العباسيين كانوا على جانب عظيم من التسامح الديني معهم4. وأما من حيث الزواج والمصاهرة فقد تغيرت تقاليدها عن ذي قبل، وذابت تلك العادة العربية المتمثلة في التحفظ عن مصاهرة غير العرب، فقد حطم العصر العباسي تلك الحواجز، وامتزج الدم العربي بالدم الفارسي وغيره من العناصر الأخرى5.

_ 1 "تاريخ الإسلام السياسي ": (2/ 402، 403) . 2 "تاريخ الإسلام السياسي": (2/ 398) . 3 "العصر العباسي الأول" لشوقي ضيف: ص 57- 58. 4 "تاريخ الإسلام": (2/ 397) . 5 "العصر العباسي الأول": ص 89.

وأما الحالة الخلقية فقد كانت مزيجا من الفساد والصلاح، كما كانت مزيجا من الهدى والضلال، فتجد إلى جانب الإسراف والمجون الفاجر، الورع النادر، والزهد، والتقوى، والصلاح، والاستقامة، وهذا التغاير أمر طبيعي، نظرا لاتساع رقعة الخلافة واختلاف الملل والنحل، وتقاعس الخلفاء عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كثير من الأحيان1. وقد عاش المؤلف- رحمه الله- في هذه البيئة فلم يظهر تأثره بها، ولا بالتيارات المختلفة على الرغم من أنه كان في بغداد عاصمة الخلافة، وقد كان في ذلك شأنه شأن العلماء الأجلاء الذين عاشوا في هذا العصر. ثالثا: الحالة الثقافية والعلمية: على الرغم من مظاهر الضعف والتدهور وعدم الاستقرار السياسي الذي انتاب دولة الخلافة العباسية في ذلك العصر، إلا أن الحالة الثقافية كانت على حالة مغايرة تماما، فقد تميز هذا العصر بنهضة علمية وفكرية قوية، إذ عاش فيها جل المحدثين، والفقهاء، وعلماء اللغة، والمؤرخين، وغيرهم، وباستعراض سريع لبعض علماء كل علم من هذه العلوم نرى كيف أن هذه الفترة قد حوت علماء مبرزين قل أن يوجد مثلهم في زمن مشابه. فمن المحدثين: شيخ المحدثين الإمام محمد بن إسماعيل البخاري

_ 1 "العصر العباسي الثاني": ص 106- 112.

(ت 256 هـ) ، والإمام مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261هـ) ، وأبو داود السجستاني (ت 275هـ) ، ومحمد بن عيسى الترمذي (ت 278هـ) ، وأحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ) ، ومحمد بن يزيد بن ماجه (ت 273هـ) ، وأحمد بن حنبل (ت 241هـ) ، وغيرهم. ومن الفقهاء أبو سليمان داود بن علي الظاهري (ت 270هـ) ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ) ، ومحمد بن إبراهيم بن المنذر (ت 318هـ) وغيرهم. ومن المؤرخين الزبير بن بكار (ت 256هـ) ، وعمر بن شبه (ت 262هـ) ، واليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب (ت 278هـ) ، والبلاذري أحمد بن يحيى (ت 279هـ) . ومن اللغويين: المفضل بن سلمة الضبي (ت 250هـ) ، وأبو عمرو الهروي (ت 255هـ) ، وأبو حاتم السجستاني (ت 255هـ) ، وأبو العباس ابن المبرد (ت 285هـ) ، وأبو حنيفة الدينوري (ت 282هـ) وغيرهم. ومن النحاة: أبو العباس المازني (ت 249هـ) ، وأبو العباس ثعلب (ت 291هـ) ، وابن كيسان محمد بن أحمد (ت 299هـ) وغيرهم. هذا بالإضافة إلى فتح العباسيين الأبواب على مصارعها لكل الثقافات الوافدة على الفكر الإسلامي آنذاك، وذلك عن طريق ترجمة الكتب الفارسية، واليونانية، والهندية، والسريانية، إلى غير ذلك من الكتب التي تتحدث عن ألوان الثقافات المعاصرة في ذلك الوقت، وقد أولى المأمون هذا الجانب اهتماما كبيرا، فأصبح للترجمة في هذا

العصر شأن وأي شأن1، وحسبك دليلا على ذلك ما كان من "حنين بن إسحاق" الذي كان يأخذ من المأمون ذهبا بوزن كل كتاب ينجز ترجمته2. وقد كان لهذه الترجمة آثار سلبية على المجتمع الإسلامي، من فساد في العقيدة، وانحلال في المجتمع، بما أتت من فلسفات بعيدة عن منهج الإسلام، الأمر الذي أحدث بلبلة فكرية، وأنشأ طوائف زائغة عن العقيدة الإسلامية الصحيحة، ومن تلك الطوائف طائفة المعتزلة التي ابتلت الأمة حينذاك بسببها بمحنة خلق القرآن في سنة 218 هـ. وقد أدى انتشار تلك الفلسفات وتأثيرها على عقائد المسلمين ردة فعل من قبل علماء السلف، الذين نهضوا لخدمة الكتاب والسنة، والدفاع عن العقيدة الصحيحة، فاخترعوا علوم القرآن، لخدمة القرآن ودونوا علوم الحديث لخدمة السنة المطهرة، كما قاوموا حركة الوضع في الحديث والطعن فيه، ودافعوا عن العقيدة الصحيحة، فألفوا كتبا كثيرة في التوحيد، والسنة، والرد على المخالفين من المعتزلة، والجهمية، والروافض، كما نشطوا في تدوين الفقه وأصوله، وتركوا ثروة علمية ضخمة تدل على رفعة العلم وانتشار الثقافة في زمانهم.

_ 1 انظر: "العصر العباسي الأول": ص 110- 114. 2 "الأعلام" للزركلي: (2/ 325) .

الفصل الثاني: سيرته الشخصية وحياته العلمية

الفصل الثاني: سيرته الشخصية وحياته العلمية اسمه وكنيته: هو الإمام الحافظ، المسند البارع، محدث الكوفة، أبو جعفر محمد بن عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خُوَاستي1، العبسي مولاهم، الكوفي2. أصله: ينتسب محمد بن عثمان بن أبي شيبة إلى بني عبس بن يفيض بن ريث بن غطفان، وهذا الانتساب إنما هو من جهة الولاء وليس من جهة الأصل، فهو ليس من أصل عربي، إذ أن جده الثالث كان اسمه عثمان

_ 1 خواستي: بضم معجمة مخففة فواو فألف مهملة ساكنة فمثناة فوق فتحتيه "المغني": ص 96. 2 مصادر ترجمته:"تاريخ بغداد": (3/42، 47) "الكامل" لابن عدي: (6/2297،"المنتظم" لابن الجوزي: (6/95، 96،"شذرات الذهب": (2/226) ،"سير أعلام النبلاء" للذهبي: (14/ 21) ،"العبر": (2/108) ،"الفهرست" لابن النديم: ص 320،"ميزان الاعتدال": (3/ 642) ،"لسان الميزان": (5/ 280) ،"الوافي بالوفيات" للصفدي: (4/ 82) ،"البداية والنهاية" لابن كثير: (11/ 111) ،"طبقات الحفاظ" للسيوطي: ص 291، 292،"طبقات المفسرين" للداودي: (2/ 194) .

ابن خواستي، وهذا يدل على أنه من أصل أعجمي، أسلم ثم نسب إلى بني عبس غطفان ولاء، كما هي عادة من يسلم من غير العرب في ذلك الوقت، وهذا ما ذكرته الكتب التي ترجمت لبني أبي شيبة. وإن كان الأزدي قد ذكر أنهم يعودون في نسبهم إلى أبي سعيدة، أسامة بن قتادة الحبسي صاحب سعد1، ولكن السمعاني في"الأنساب" قد نقل هذا الكلام عن يحيى بن معين بصيغة التضعيف، حيث قال:"ويزعم ولده أن أبا سعيدة صاحب سعد جدهم"2، ولعل الراجح هو ما اتفق عليه أصحاب التراجم، وهو أنهم من الموالي، والله أعلم. مولده: لم تشر المصادر التي ترجمت له إلى عام ولادته، وإن كانت جميعها قد اتفقت على أن عام وفاته هو سنة سبع وتسعين ومائتين، وقد كان عمره حين توفي يقارب التسعين، وهذا يعني أن مولده كان في الفترة ما بين سنة ثمان ومائتين وإحدى عشرة ومائتين للهجرة على سبيل التقريب. أسرته: ينحدر الحافظ بن الحافظ من أسرة مشهورة بالعلم والمعرفة، وبخاصة في الحديث وعلومه، فقد كانت لهذه الأسرة مكانتها ومنزلتها في أوساط الناس إذ ذاك، قال يحيى الحماني: "أولاد ابن أبي شيبة من

_ 1"مشتبه النسبة": ص 54، الطبعة الهندية. 2"الأنساب" للسمعاني: (8/366) .

أهل العلم، كانوا يزاحمونا عند كل محدث"1، وقال الذهبي:"هم بيت علم، وأبو بكر أجلهم"2. ونود أن نعرض ههنا نبذة يسيرة عن أشهر أفراد أسرته. والده: هو الإمام الحافظ الكبير المفسر أبو الحسن عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، العبسي مولاهم، الكوفي، المعروف بابن أبي شيبة. قال محمد بن عثمان: ولد أبي سنة ست وخمسين ومائة. روى عن شريك، وهشيم، وابن المبارك، وخلق. وروى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبغوي، وابنه محمد بن عثمان، وعبد الله بن الإمام أحمد، وغيرهم. وله من المصنفات:"المسند"، و"التفسير". قال عنه ابن حجر: ثقة، حافظ، شهير، وله أوهام، وقيل: كان لا يحفظ القرآن. وقد كانت وفاته سنة تسع وثلاثين ومائتين، وله ثلاث وثمانون سنة3.

_ 1"تهذيب التهذيب": (6/ 3) ، ويقصد ههنا أبا بكر وعثمان ابنا أبي شيبة. 2"سير أعلام النبلاء": (11/ 122) . 3 له ترجمة في"تاريخ بغداد": 111/ 381) ،"سير أعلام النبلاء": (11/ 151) ،"تذكرة الحفاظ": (2/ 444) ،"تهذيب التهذيب": (7/ 149) ،"العبر": (1/ 430) ، وغير ذلك من المراجع.

عمه: الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، العبسي مولاهم، الكوفي، المعروف بابن أبي شيبة، قال عنه الذهبي: الإمام العلم، سيد الحفاظ، وصاحب الكتب الكبار"المسند" و"المصنف" و"التفسير". وهو من أقران الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلي ابن المديني في السن والمولد والحفظ، ويحيى بن معين أسن منهم بسنوات. طلب أبو بكر العلم وهو صبي، وكان أكبر شيخ له هو شريك بن عبد الله القاضي سمع منه ومن أبي الأحوص سلام بن سليم، وعبد السلام بن حرب، وعبد الله بن المبارك، وجرير بن عبد الحميد، وأبي خالد الأحمر، وسفيان بن عيينة، وعلي بن مسهر، وعباد بن العوام وغيرهم. حدث عنه الشيخان، وأبو داود، وابن ماجه، وروى النسائي عن أصحابه، ولا شيء له في جامع أبي عيسى. وروى عنه- أيضا- أحمد بن حنبل، وأبو زرعة، وأبو بكر بن عاصم، وبقي بن مخلد، ومحمد بن وضاح محدثا الأندلس، والحسن ابن سفيان، وغيرهم. وقال أحمد بن حنبل: أبو بكر صدوق، وهو أحب إلي من أخيه عثمان.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان أبو بكر ثقة، حافظا للحديث. وقال ابن حجر: ثقة، حافظ، صاحب تصانيف، توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين1. وعمه: القاسم بن محمد بن أبي شيبة العبسي، أخو الحافظين أبو بكر وعثمان، حدث عن ابن عليه، وعبد الله بن إدريس. وعنه أبو زرعة، وأبو حاتم، ثم تركا حديثه، وآخر من حدث عنه أبو يعلى، قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سألت يحيى عن عمي القاسم فقال لي: عمك ضعيف يا ابن أخي. وذكره ابن حبان في"الثقات"، وقال: يخطئ ويخالف، ثنا عنه الحسن بن سفيان. وقال العجلي: ضعيف. مات سنة خمس وثلاثين ومائتين2.

_ 1 له ترجمة في"تاريخ بغداد": (16/10، 71) ،"سير أعلام النبلاء": (11/ 122،127) ،"تهذيب التهذيب": (2/ 183) ،"البداية والنهاية": (10/ 315) ، وغيرها من المراجع. 2"ميزان الاعتدال": (3/ 379) ،"لسان الميزان": (4/ 465) .

ابن عمه: الحافظ، الثبت، إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، العبسي، الكوفي. ولد في أيام سفيان بن عيينة. وسمع من: جعفر بن عون، وهو أكبر شيخ له، وابن عبيد الله بن موسى، وأبي نعيم، وقبيصة، وأبيه، وأعمامه، وخلق كثير. حدث عنه: ابن ماجه، وأبو عوانة في"صحيحه" والنسائي في"اليوم والليلة"، وأبو العباس بن عقده، ومحمد بن جرير الطبري، وعبد الرحمن ابن أبي حاتم، وطائفة أخرى. وكان من تلامذة الإمام أحمد في الفقه، وله عنه مسائل. قال أبو حاتم: صدوق. قال الذهبي: توفي في سنة خمس وستين ومائتين1. جده: محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي، العبسي مولاهم الكوفي. روى عن إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وأبي خلدة خالد بن دينار، وغيرهم. وروى عنه ابناه أبو بكر وعثمان، ويزيد بن هارون وسعيد بن سليمان، وغيرهم.

_ 1"الجرح والتعديل": (2/ 110) ،"تهذيب التهذيب": (1/ 136) ،"سير أعلام النبلاء: (11/128) .

وكان رجلا جميلا، كيسا، أكيس من يزيد بن هارون، وكان قاضيا ببعض بلاد فارس، وكان ثقة مأمونا، وذكره ابن حبان في"الثقات"، ومات بفارس. قال القاسم بن محمد بن أبي شيبة: مات أبي سنة اثنتين وثمانين ومائة، وهو ابن سبع سنين1. جده الثاني: إبراهيم بن عثمان بن خواستي، أبو شيبة العبسي مولاهم، الكوفي، قاضي واسط، ولي القضاء بواسط للمنصور ثلاثا وعشرين سنة. روى عن خاله الحكم بن عتبة، وأبي إسحاق السبيعي، والأعمش، وغيرهم. وعنه شعبة، وهو أكبر منه، وجرير بن عبد الحميد، وشبابه، والوليد بن مسلم، وزيد بن الحباب، ويزيد بن هارون، وعلي بن الجعد، وغيرهم. قال أحمد ويحيى بن معين وأبو داود: ضعيف. وقال البخاري: سكتوا عنه. قال يزيد بن هارون: ما قضى على الناس رجل- يعني في زمانه أعدل في قضاء منه، وكانت وفاته سنة (161) 2.

_ 1"تهذيب التهذيب": (9/ 12) . 2"تهذيب التهذيب": (1/ 145) ،"الأنساب": (8/365) .

نشأته وطلبه للعلم: لقد كانت أهم العوامل التي أثرت في تنشئة محمد بن عثمان وإعداده هذا الإعداد العلمي الجيد أسرته وبلده. فلقد نشأ محمد بن عثمان وتربى في ببت علم، اشتهر رجاله بطلب العلم والمعرفة وبخاصة الحديث وعلومه، حتى وصل بعضهم إلى مصاف كبار العلماء الذين يشار إليهم بالبنان في زمانه. ولقد عاصر محمد بن عثمان أباه وعميه أبا بكر والقاسم، وقد كان لأبيه وعمه أبي بكر قصب السبق في التدريس والتأليف في بلدهم الكوفة حين ذاك، فعاش محمد في جو علمي قد لا يتهيأ لكثير من الناس، وقد كان ملازما لأبيه وعمه في دروسهما التي يلقيانها في مسجد الكوفة، كما أنه كان ملازما لأبيه حتى في تأليفه، فهو الذي كتب المسند لأبيه بخط يده، كما قال عبدان:"كتبنا عن أبيه المسند بخط ابنه محمد"1. وهذا يدل على حرص والده على تعليمه وتثقيفه، وقد استغل محمد بن عثمان هذا الجو العلمي لأسرته فروى الكثير عن أبيه وعمه أبي بكر، وقد ساعده على ذلك استعداده الفطري، وحافظته القوية، ورغبته في العلم. وأما العامل الثاني المهم في تنشئته فهو بلده الكوفة، التي اشتهرت وذاع صيتها في ذلك الوقت، وعرفت بكثرة فقهائها ومحدثيها والقائمين بعلوم القرآن وعلوم اللغة العربية فيها، وقد كان ابن أبي شيبة ملازما

_ 1"تاريخ بغداد".

لكبار مشايخها، وخاصة الذين برعوا في الحديث وعلومه، لأن ابن أبي شيبة قد أولى هذا الجانب جل اهتمامه واعتنى به، حتى برع فيه، وقد التقى بالكوفة بعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن يونس، ومنجاب بن الحارث، وغيرهم، وقد استفاد محمد بن عثمان من وجود علي بن المديني، ويحيى بن معين بالكوفة، فنمى ثقافته فيما يتعلق بعلم الرجال، الذي كان يميل إليه حتى برع فيه، وأصبح من أئمة هذا الشأن فيما بعد. وقد بقي محمد بن عثمان بالكوفة حتى أصبح أحد محدثيها المشهورين، ثم انتقل عنها إلى بغداد سنة ثلاث وسبعين ومائتين1. ثقافته وعلمه: برع محمد بن عثمان في أكثر من فن من فنون العلم، قال عنه الذهبي:"جمع وصنف ... وكان من أوعية العلم"2، وقال:"وكان بصيرا بالحديث والرجال"3. ففي جانب الحديث: كان أحد المحدثين المكثرين من الحديث، واسعا في الرواية، قال عنه الخطيب:"وكان كثير الحديث، واسع الرواية، ذا معرفة وفهم"4.

_ 1"تاريخ بغداد": (3/ 43) . 2"سير أعلام النبلاء": (14/ 21) . 3"ميزان الاعتدال": (3/ 642) . 4"تاريخ بغداد": (2/ 42) .

وقد استطاع محمد بن عثمان أن يكتسب لنفسه لقب الحافظ، وأن يتصدر مكانة مرموقة بين علماء عصره في هذا المجال، وأصبح من أكبر مشائخ الحديث في الكوفة، حتى قيل:"مات حديث الكوفة بموت موسى بن إسحاق، ومحمد بن عثمان، وأبي جعفر الحضرمي، وعبيد ابن غنام"1. وقد بقيت هذه المكانة له بعد انتقاله إلى بغداد، فقد كان طلاب العلم من أهل بغداد وغيرهم من طلاب العلم الوافدين إليها يزدحمون على مجلسه ودروسه، وقد أحب الشيخ بغداد وأهلها لما رأى منهم من حب العلم وأهله، كما أن أهل بغداد عرفوا قيمته ومنزلته، قال جعفر بن محمد بن نمير الخلدي: سمعت محمد بن عثمان بن أبي شيبة وقد قال له قوم غرباء من أصحاب هذا الحديث: يا أبا جعفر نحن قوم غرباء فزدنا، فقال:"لكم حق ولجيراني حقوق، هؤلاء- يعني من حوله من أهل بغداد- إن مرضت عادوني، وإن مت حضروني وإن مروا بقبري ترحموا علي، وأنتم تفارقوني، ولا أعلم ما يكون منكم"2. وقد بلغ المؤلف من علمه في الحديث أن أصبح مقصد طلاب العلم ورواة الحديث حتى ازدحم بهم مجلسه، وأصبحوا يتنافسون في السماع منه، والقصة التي أوردناها قبل قليل هي أصدق دليل على ذلك.

_ 1"تاريخ بغداد": (3/ 46) . 2"تاريخ بغداد": (3/ 42) .

ولم يقتصر علم المؤلف على جانب رواية الحديث وحفظه فقط، بل كان ذا معرفة وفهم بأحوال الرجال جرحا وتعديلا، حتى صار إماما من أئمة هذا الشأن، وله مؤلفات فيه، قال عنه الذهبي1، والسخاوي2:"وهو مع ضعفه من أئمة هذا الشأن"، وقد تتلمذ محمد بن عثمان في هذا المجال على يد عالمين لهما باع طويل وخبرة واسعة في هذا الفن، وهما، علي بن المديني، ويحي بن معين. وإلى هذين الجانبين من جوانب العلم، كان للشيخ دراية ومعرفة بعلوم القرآن، والعقيدة، والفقه، والتاريخ، حيث إنه ألف في كل فن من هذه الفنون مؤلفا مستقلا، وسيأتي الكلام عليها في مبحث مؤلفاته. شيوخه: يتبين لي من أسانيد الأحاديث والآثار المذكورة في هذا الكتاب الذي أقوم بتحقيقه، أن المؤلف- رحمه الله- روى عن الكثير من العلماء، وقد بلغ عدد الأشخاص الذين روى عنهم في هذا الكتاب ثلاثة وخمسين شخصا، ولا شك أن هذا عدد كبير إذا ما قورن بحجم الكتاب، وهو يدل على كثرة شيوخه الذين تلقى العلم على أيديهم. وقد أشار العلماء الذين ترجموا لحياة المؤلف- رحمه الله- إلى كثرة شيوخه، وسعة سماعه، قال الخطيب البغدادي:"وحدث عن

_ 1 كتاب"ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل": ص 178. 2 كتاب"المتكلمون في الرجال": ص 100.

أبيه، وعمه، وعلي بن المديني، ونحوهم، وكان كثير الحديث، واسع الرواية"1. وقال الذهبي:"سمع أباه، وعميه..، وخلقا سواهم"2. وسنورد في هذا المبحث بعضا من شيوخه: 1- أبوه. 2- عمه أبو بكر. 3- عمه القاسم. وقد سبقت ترجمة كل واحد من هؤلاء عند الحديث عن أسرته. 4- أبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن يونس بن قيس التميمي، اليربوعي، الكوفي، روى عن إبراهيم بن سعد، وإسرائيل بن يونس. وعنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. وصفه الإمام أحمد بأنه: شيخ الإسلام. وقال ابن حجر: ثقة، حافظ، توفي سنة سبع وعشرين ومائتين3. 5- الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عبد الله المديني، سمع أباه، وحماد بن يزيد، وابن عيينة، وعبد الرزاق، وجرير بن عبد الحميد، وغيرهم.

_ 1"تاريخ بغداد": (3/ 42) . 2"سير أعلام النبلاء": (14/ 21) . 3 له ترجمة في"تذكرة الحفاظ": (1/400) ،"العبر": (1/398) ،"تهذيب التهذيب": (1/ 50) ،"ميزان الاعتدال": (3/ 138) .

روى عنه البخاري، وأبو داود، وروى عنه أبو داود، والترمذي والنسائي وابن ماجه في التفسير بواسطة الحسن بن الصباح البزار الزعفراني، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وخلق كثير. قال عنه الذهبي: إليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي، مع كمال المعرفة بنقد الرجال، واسع اللفظ والتبحر في هذا الشأن، بل لعله فرد زمانه في معناه1. وقد استفاد محمد بن عثمان من علم هذا الإمام، وبخاصة فيما يتعلق بالرجال، والدليل على ذلك كتابه المسمى"سؤالات محمد بن عثمان لعلي بن المديني في الرجال". 6- الحافظ أبو محمد منجاب بن الحارث بن عبد الرحمن، التميمي، الكوفي، روى عن علي بن مسهر، وبشر بن عمارة الخثعمي، ويزيد بن مقدام. وعنه مسلم، وابن ماجه في"التفسير"، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. قال عنه ابن حجر: ثقة2. 7- الإمام الحافظ أبو زكريا يحيى بن معين بن عون، الغطفاني، مولاهم، البغدادي، روى عن ابن عيينة، أبي أسامة، وعبد الرزاق، وعفان، وغندر.

_ 1 انظر:"العبر": (1/ 418) ،"تهذيب التهذيب": (7/ 349) . 2"الجرح": (4/ 1/ 433) ،"تهذيب التهذيب": (10/ 297) ،"تقريب التهذيب": (2/ 274) .

وعنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وعبد الله بن الإمام أحمد، وهناء بن سعد، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. قال الخطيب: كان إماما ربانيا، عالما، حافظا، ثبتا، متقنا، توفي بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وحمل على سرير النبي صلى الله عليه وسلم وله نحو سبع وسبعين سنة1. 8- الحافظ أبو عثمان سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث، الكندي، الأشعثي، الكوفي، روى عن أبي زيد عبثر بن القاسم، وعبد الله بن المبارك، وعنه مسلم، والنسائي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وأبو زرعة، وغيرهم. وقال عنه أبو زرعة: ثقة2. 9- الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، الأنصاري، الكوفي، روى عن أبيه، وأيوب بن جابر. وروى عنه البخاري في"كتاب الأدب"، والترمذي، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. قال أبو حاتم: كوفي، صدوق، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة"3.

_ 1"تاريخ بغداد": (14/177) ،"طبقات الحنابلة": (1/ 204) ،"وفيات الأعيان": (6/ 139) . 2 له ترجمة في"تهذيب التهذيب": (4/ 468) ، و"التقريب": ص 124. 3 له ترجمة في"تهذيب التهذيب": (9/ 381) ،"تقريب التهذيب": ص 314.

10- الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الحميد بن عبد الله بن ميمون بن عبد الرحمن الحماني الكوفي، روى عن أبيه، وسليمان بن بلال، وقيس بن الربيع. وروى عنه مسلم، وأبو حاتم، ومطين، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيرهم. قال ابن حجر: حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث1. طائفة من تلاميذه: 1- الحافظ الأوحد، أبو بكر محمد بن سليمان بن الحارث بن عبد الرحمن، الأزدي، الواسطي، المعروف بابن الباغندي، سمع محمد بن عبد الله بن نمير، وأبا بكر عثمان ابنا أبي شيبة، وشيبان ابن فروخ، وعلي بن المديني، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. وروى عنه الحسين بن إسماعيل المحاملي، ومحمد بن مخلد الدوري، وأبو بكر الشافعي، وغيرهم. قال عنه الخطيب: عامة ما رواه حدث به من حفظه، وقال إسماعيل: لا أتهمه بالكذب، لكنه خبيث لتدليس، ومصحف - أيضا-، وقال ابن عبدان: هو أحفظ من أبي بكر بن داود، توفي سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة2.

_ 1 له ترجمة في"تهذيب التهذيب": (9/ 381) ،"تقريب التهذيب": ص 377، وغير ذلك من المراجع. 2"تاريخ بغداد": (3/ 209) ،"تذكرة الحفاظ": (2/ 736) ،"العبر": (2/152) .

2- الإمام أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، كاتب مولى ابن جعفر المنصور، الهاشمي، البغدادي، كان مولده سنة ثمان وعشرين ومائتين، سمع ابن منيع، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة. وروى عنه البغوي، والدارقطني، وقال عنه: ثقة، ثبت، حافظ، توفي سنة ثماني عشرة وثلاثمائة1. 3- أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل، بن محمد بن إسماعيل بن سعيد ابن آبان الضبي، القاضي، المحاملي، سمع يوسف بن موسى القطان، وأبا هاشم الرفاعي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. وعنه دعلج بن أحمد، وأبو الحسن الدارقطني، قال عنه الخطيب: كان فاضلا، صادقا، دينا، توفي سنة ثلاثين وثلاثمائة2 4- الحافظ الإمام الحجة أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير، اللخمي، الشامي، الطبراني. روى عن هاشم بن مرثد الطبراني، وأبي زرعة الثقفي، وبشر بن موسى، وأبي عبد الرحمن النسائي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. وعنه أبو خليفة الجمحي، وابن عقده، وأحمد بن محمد الصحاف، وهم من شيوخه، وأبو بكر بن مردويه، وأبو نعيم الأصبهاني، وغيرهم.

_ 1"تذكرة الحفاظ": (2/ 776) ،"العبر": (2/ 173) . 2"تاريخ بغداد": (8/ 19) ،"العبر": (2/ 222) .

أثنى عليه العلماء، ووصفوه بالحفظ، وسعة الاطلاع، وبالصدق، والثقة، والأمانة. وكانت وفاته في ذي القعدة سنة ستين وثلاثمائة1. 5- الإمام المفيد أبو عبد الله محمد بن مخلد بن حفص الدوري، العطار، الخطيب، مسند العراق، سمع مسلم بن الحجاج، والحسن بن عرفة، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، صنف، وخرج، وكان معروفا بالثقة والصلاح روى عنه الدارقطني، وقال: ثقة، مأمون، توفي سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة2. 6- أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس النجاد، الفقيه، الحنبلي. روى عن هلال بن العلاء، وأبي قلاب، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ورحل، وصنف السنن. روى عنه ابن مردويه، والدارقطني، قال الخطيب: كان صدوقا، عارفا، توفي سنة ثمان وأربعين وثلاثه سائة3. 7- أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي، أحد أصحاب

_ 1"أخبار أصبهان": (1/335) ،"المنتظم" لابن الجوزي: (7/54) ،"تذكرة الحفاظ": (3/ 913) . 2"تاريخ بغداد": (3/ 310) ،"المنتظم": (6/ 334) ،"سير أعلام النبلاء". 3"تاريخ بغداد": (4/ 198) ،"طبقات الحنابلة": (2/ 7) ،"تذكرة الحفاظ": (3/ 868) .

محمد بن جرير الطبري، تقلد قضاء الكوفة، وكان من العلماء بالأحكام، وعلوم القرآن، والنحو، والشعر، وأيام الناس، وتواريخ أصحاب الحديث، وله مصنفات في ذلك. حدث عن محمد بن سعيد العوفي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن الجهم السمري، وغيرهم. وروى عنه أبو الحسن الدارقطني، وغيره، قال أبو الحسن زرقويه: لم تر عيناي مثله، ولينه الدارقطني، ومشاه غيره، توفي سنة خمسين وثلاثمائة1. 8- أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل بن يحيى بن بيان، الخطبي، سمع الحارث بن أبي أسامة التميمي، وبشر بن موسى الأسدي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وروى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وغيرهما. وكان فاضلا، فهما، عارفا بأيام الناس، وأخبار الخلفاء، قال الدارقطني: ما أعرف إلا خيرا، كان يتحرى الصدق، وقال - أيضا-: ثقة. توفي سنة خمسين وثلاثمائة2. 9- الإمام الحجة المفيد أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدوية، الشافعي، البغدادي، البزار، ولد سنة ستين ومائتين. سمع موسى بن سهل الوشاء، ومحمد بن شداد المسيجي، ومحمد

_ 1"تاريخ بغداد": (4/ 257) ،"العبر": (2/ 285) ،"سير أعلام النبلاء". 2"تاريخ بغداد": (6/ 304) ،"اللباب": (1/ 453) .

ابن عثمان بن أبي شيبة، وروى عنه الدارقطني، وابن شاهين، قال الخطيب: ثقة، ثبت، حسن التصنيف، جمع أبوابا، وشيوخا، توفي في ذي الحجة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة1. 10- أبو الحسن شعبة بن الفضل بن سعيد بن سلمة التغلبي، اسمه سعيد، وغلب عليه شعبة، حدث بمصر عن بشر بن موسى، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، روى، عنه جماعة، وكان ثقة. توفي بمصر سنة إحدى وأربعين ومائة2. عقيدته: تتبين عقيدة المؤلف- رحمه الله تعالى - من كتابه هذا الذي نقوم بتحقيقه، فهو سلفي العقيدة، على طريقة أهل الحديث. وقد ألف كتابه هذا ناصرا لمذهب السلف القائلين بعلو الله واستوائه على عرشه، متبعا لطريقة أهل الحديث أن الاستدلال بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين. وقد رد المؤلف في كتابه هذا على أكبر الطوائف المخالفة للسلف في مسألة الصفات، وهم الجهمية، والمعتزلة المنكرين لصفات الله، وقد تكلم في بداية كتابه عن مذهب هؤلاء، كلام خبير بأقوالهم وأدلتهم، ورد تلك الأقوال بطريقة السلف ومنهجهم.

_ 1"تذكرة الحفاظ": (3/ 880) ،"العبر": (3/ 301) ،"الشذرات": (3/ 16) . 2"المنتظم": (6/ 372) .

ولقد كان محمد بن عثمان- كما كان أبوه وعمه أبو بكر- منافحا عن مذهب السلف، ناصرا لأقوالهم، رادا على المعتزلة، والجهمية، وأقوالهم وأكاذيبهم، فقد كان أبوه وعمه وأبو بكر ممن أشخصهم المتوكل في سنة أربع وثلاثين ومائتين لكي يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، فجلس عثمان بن أبي شيبة في مدينة المنصور، واجتمع عليه نحو ثلاثين ألفا، وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة، وكان أشد تقدما من أخيه، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفا1. ومن هذا وذاك يتبين لنا اعتقاده السلفي، ومناصرته لمذهب السلف واتباعه لمنهجهم. مؤلفاته: قال عنه الذهبي:"جمع وصنف ... "2، وقال في موضع آخر:"له تواليف مفيدة ... "3. وقد ذكرت المراجع التاريخية سبعة من مؤلفاته، غالبها يدور حول الحديث والرجال. وهذه هي أسماؤها: 1-"سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني": وهي عبارة عن رسالة صغيرة الحجم، تقع في سبع ورقات، وهي

_ 1"سير أعلام النبلاء": (11/ 125) . 2"سير أعلام النبلاء": (14/ 21) . 3"ميزان الاعتدال": (3/ 642) .

موجودة ضمن مجموعة في سراي أحمد الثالث، برقم 624/ 21"من 220- 226 ب"، وقد ذكرها السخاوي في"الإعلان بالتوبيخ": ص 231. وذكرها فؤاد سزكين في كتابه"تاريخ التراث العربي"1. وموضوع الرسالة هو: في الجرح والتعديل، حيث إنها اشتملت على ستين ومائتي ترجمة مع التراجم المكررة، وهي عبارة عن أجوبة أجابها علي بن المديني عن سؤالات سأله عنها محمد بن عثمان بن أبي شيبة في الرجال. وقد طبعت هذه الرسالة بتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، ونشرتها مكتبة المعارف بالرياض. 2-"سؤالات محمد بن عثمان لطائفة من شيوخه في الجرح والتعديل": وهي- أيضا- عبارة عن رسالة صغيرة الحجم، تقع في خمس ورقات، وهي موجودة في المكتبة الظاهرية ضمن مجموع برقم"مجمع 40/9 من 206أ- 221أ) سنة 520 وموضوعها في الجرح والتعديل، حيث إنها عبارة عن سؤالات، سأل فيها طائفة من شيوخه، أمثال علي بن المديني، ويحيى بن معين، ووالده عثمان ابن أبي شيبة عن أحوال الرجال جرحا وتعديلا. وقد وعد محقق الرسالة السابقة بنشرها قريبا2.

_ (1/294) 2 انظر:"سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني في الجرح والتعديل: تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر: ص 20.

3-"كتاب في خلق آدم، وخطيئته، وتوبته": هكذا ورد اسمه في فهرس الظاهرية"مجمع 19/ الأوراق 46-57"1. وكذلك فؤاد سزكين في"تأريخ التراث العربي": (1/ 415) . وقد اطلعت على مصورة له في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية، فاتضح لي أنها ليست كتابا مستقلا، وإنما هي جزء من كتاب، ويغلب على ظني أنها قطعة من كتاب"التاريخ" للمؤلف، لأنه قال في الورقة 53/ ب باب في نبوة النبي، وما كان من ذكره قبل أن يخلق، وقال في نهاية هذه الأوراق:"آخر الجزء الثاني": وقد حوت هذه القطعة آثارا عن خلق آدم، وإدخاله الجنة، وخطيئته، وإخراجه من الجنة، وكذلك عن مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء في ذكره قبل أن يولد. 4-"كتاب التاريخ": وقد وصفه الخطيب بأنه"تاريخ كبير"2. ولم أقف على نسخة له، وإن كان يغلب على ظني أن الكتاب السابق ذكره هو قطعة من هذا الكتاب. والله أعلم. 5-"كتاب العرش": وهو الكتاب الذي أقوم بتحقيقه. 6-"السنن في الفقه":

_ 1 انظر: فهرس الظاهرية. قسم المنتخب من مخطوطات ... 2"تاريخ بغداد": (3/ 42) .

وقد ذكره ابن النديم في"الفهرست"1. 7-"فضائل القرآن": وقد ذكره الداودي في"طبقات المفسرين" حيث قال:"له تصانيف مفيدة منها كتاب"فضائل القرآن""2. وفاته: كانت وفاته- رحمه الله تعالى- ببغداد في يوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر ربيع الأول سنة سبع وتسعين ومائتين. وهذا ما أورده الخطيب في تاريخ وفاته3، وقد اتفقت المصادر الأخرى التي ترجمت له مع ما ذكره الخطيب على سنة وفاته، ولكن بعضها قد خالفه في تحديد الشهر الذي توفي فيه، فقالوا: إنه توفي في جمادى الأولى كما بين ابن الحماد في"شذرات الذهب"4، والذهبي في"العبر"5، و"سير أعلام النبلاء"6، والسيوطي في"طبقات الحفاظ"7، ولعل الأقرب للصواب هو ما ذكره الخطيب، لكونه قد

_ 1"الفهرست" لابن النديم: ص 320. (2/194) . 3"تاريخ بغداد": (3/ 47) . (2/226) . (1/108) . (14/21) . 7 ص 291-292.

روى ذلك بسنده عن إسماعيل بن علي، وحدد فيه بدقة اليوم والشهر والسنة. وقد ذكر ابن المنادي وفاته ثم قال، كنا نسمع شيوخ الحديث وكهولهم يقولون مات حديث الكوفة بموت موسى بن إسحاق ومحمد ابن عثمان وأبي جعفر الحضرمي وعبيد بن غنام1. مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه: بالرغم مما يكتنف الجزء الأكبر من حياة الحافظ محمد بن عثمان ابن أبي ثييبة- رحمه الله- من الغموض، وعدم إحاطة الكتب التاريخية بها، إلا أن هناك إشارات وعلامات متناثرة في بطون الكتب، تدل على حفظه وعلى شأنه، وبخاصة في الحديث وعلومه. وقد شهد العلماء له بذلك، فوصفوه تارة بالحفظ وسعة الرواية، وتارة بالمعرفة والفهم، وتارة أخرى بالإمامة والجمع والتصنيف. ومن تلك الشهادات قول الخطيب:"وكان كثير الحديث واسع الرواية ذا معرفة وفهم...."2. وقول الذهبي:"الإمام الحافظ المسند..، جمع وصنف..، وكان من أوعية العلم"3.

_ 1"تاريخ بغداد": (3/ 47) . 2"تاريخ بغداد": (3/ 42) . 3"سير أعلام النبلاء".

وقال عنه السيوطي:"الحافظ البارع، محدث الكوفة..، صنف وجمع ... "1. فهو على هذا كان يتمتع بالحفظ والفهم وسعة الرواية إلى جانب الإمامة في الجرح والتعديل، وهذه مميزات كبيرة قل أن يجمع عالم بينها، ولعل هذه المميزات هي التي يسرت، الجمع في التأليف بين عدة علوم كما تبين لنا عند سرد مؤلفاته. ولكنه مع هذا العلم وهذه الجلالة لم يكن له حظ كما قال عنه الذهبي:"لم يرزق حظا، بل نالوا منه"2. وقد تضاربت أقوال العلماء فيه، فمنهم من وثقه وأثنى عليه، واعترف بفضله وعلمه وإمامته، ومنهم من ذمه وشانه وطعن فيه. أقوال من أثنى عليه: سئل أبو علي صالح بن محمد جزره3 عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة فقال: ثقة4.

_ 1"طبقات الحفاظ" للسيوطي: ص 291. 2"سير أعلام النبلاء": (14/ 21) . 3 هو أبو علي صالح بن محمد البغدادي، نزيل بخارى، ولد بالكوفة سنة 205 هـ، ومات ببخارى سنة 293 هـ، إمام حافظ ثقة ذكره الذهبي في الطبقة السادسة في كتابه،"ذكر من يعتمده قوله في الجرح والتعديل": ص 185. والسخاوي في:"المتكلمون في الرجال": ص 99. وله ترجمة في"تاريخ بغداد": (9/ 322) ، و"تهذيب التهذيب" لابن عساكر: (6/ 381) . 4"تاريخ بغداد": (3/ 43) ،"الوافي بالوفيات": (4/ 82) .

وسئل عنه عبدان1: فقال ما علمنا إلا خيرا، كتبنا عن أبيه المسند بخط ابنه2. وسئل ابن عدي عبدان: وكان إذ ذاك رجلا، قال: نعم3. وقال ابن عدي4:"ومحمد بن عثمان هذا على ما وصفه عبدان، لا بأس به.. ولم أر له حديثا منكرا فأذكره"5. وقال ابن المنادي:"كنا نسمع شيوخ الحديث وكهولهم يقولون: مات حديث الكوفة بموت موسى بن إسحاق، ومحمد بن عثمان، وأبي جعفر الحضرمي، وعبيد بن غنام". وقد ذكره ابن حبان في"الثقات" وقال:"كتب عنه أصحابنا...."6.

_ 1 عبدان الأهوازي هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن موسى بن زياد الأهوازي الجواليقي حافظ ثقة صاحب التصانيف، وهو من شيوخ ابن عدي صاحب الكامل، مات سنة 306 هـ، وله ترجمة في"تاريخ بغداد": (9/378) ، و"شذرات الذهب": (2/ 249) . 2"تاريخ بغداد". 3"الكامل في ضعفاء الرجال": (6/2297) . 4 هو الإمام الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد الجرجاني، صاحب كتاب"الكامل في ضعفاء الرجال". 5"الكامل في ضعفاء الرجال": (6/2297) . 6"الثقات لابن حبان": (9/ 155) .

وقال مسلمة بن قاسم:"لا بأس به، كتب الناس عنه، ولا أعلم أحدا تركه"1. ويبدو أن مكانته عند ابن معين وعلي بن المديني كانت طيبة، فقد كان من المقربين إليهما، كما يظهر ذلك، من سؤالاته لهما وإجابتهما عليها، وقد كان ابن معين يخاطبه بـ"يا ابن أخي"، وفي هذا ما يشعر أن له منزلة خاصة عنده. والمتأمل لشيوخه وتلاميذه يشعر بمنزلته العلمية التي لا يتطرق إليها الشك، وقد كان- رحمه الله- موضع تقدير، سواء في المدة التي مكث فيها بالكوفة، أو بعد ارتحاله إلى بغداد، وقد استطاع أن يكتسب هذا التقدير وهذه المنزلة في وقت كانت فيه الكوفة وبغداد تزخران بكبار الأئمة وأشهر العلماء. أقوال من ضعفه وتكلم فيه: لعل أشد نقاده وأكثرهم خصومة له هو محمد بن عبد الله الحضرمي الملقب بمطين2، وقد كان سيء الرأي فيه، ويقول: عصا موسى تلقف ما يأفكون.

_ 1"لسان الميزان": (5/ 281) . 2 هو محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الحافظ مطين محدث الكوفة، ثقة توفي هو ومحمد بن عثمان في سنة واحدة. انظر:"لسان الميزان": (5/223) .

وقد كانت بين الاثنين مشاقة، ساق الخطيب البغدادي بعض خبرها عن الحافظ أبي نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني، الذي توسط بينهما1. وقد ذكر أبو نعيم بن عدي أن هذه الخصومة قد استمرت بينهما حتى خرج كل واحد منهما إلى حد الخشونة والوقيعة في صاحبه، وقد ساق أبو نعيم فصلا طويلا ذكر فيه ما أخذ كل واحد منهما على الآخر، وأن هذه الخصومة قد استمرت إلى ما بعد سنة تسعين ومائتين، إلى أن قال: والذي يظهر لي أن الصواب الإمساك عن القبول من كل واحد منهما في صاحبه. وليس في القصة ما هو بين في التكذيب، فعلى هذا لا يعتد بقول مطين لأنهما كوفيان، ومن عصر واحد، وخلاف الأقران لا يعتد به. وقد نقل ابن عقدة2 تكذيب محمد بن عثمان عن تسعة من علماء الحديث المشهورين حيث قال: سمعت عبد الله بن أسامة الكلبي يقول: محمد بن عثمان كذاب، أخذ كتب ابن عبدوس الرازي، مازلنا نعرفه بالكذب.

_ 1 انظر:"تاريخ بغداد": (3/ 43- 46) . 2 هو أبو العباس أحمد بن محمد بن عقدة الكوفي كان أبوه يلقب بعقدة، ولد سنة تسع وأربعين ومائتين، شيعي متوسط، ضعفه غير واحد، وقواه آخرون، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة. انظر:"ميزان الاعتدال": (1/ 136- 137) .

وقال- أيضا- سمعت إبراهيم بن إسحاق الصواف يقول: محمد بن عثمان كذاب، يسرق حديث الناس، ويحيل على أقوام بأشياء ليست من حديثهم. وقال داود بن يحيى يقول: محمد بن عثمان كذاب، وقد وضع أشياء كثيرة، ويحيل على أقوام أشياء ما حدثوا بها قط. وقال سمعت عبد الرحمن بن يوسف بن خراش يقول: محمد بن عثمان كذاب، مازلنا نعرفه بالكذب منذ هو صبي. وقال سمعت عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل يقول: محمد بن عثمان كذاب بين الأمر، يقلب هذا على هذا، ويعجب عمن يكتب عنه. وقال: سمعت جعفر بن محمد بن أيوب عثمان الطيالسي يقول: ابن عثمان هذا كذاب، يجيء عن أقوام بأحاديث ما حدثوا بها قط، متى سمع؟ أنا عارف به جدا. وقال: سمعت عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة يقول: ابن عثمان أخذ كتب ابن عبدوس وادعاها، مازلنا نعرفه بالتزيد. وقال سمعت محمد بن أحمد العدوي يقول: محمد بن عثمان كذاب مذ كان، متى سمع هذه الأشياء التي يدعيها؟ وذكر كلاما غير هذا في بدئه. وقال: حدثني محمد بن عبيد بن. حماد قال: سمعت جعفر بن هذيل يقول: محمد بن عثمان كذاب"1. اهـ.

_ 1"تاريخ بغداد": (3/) .

وهذا التكذيب الذي نقله ابن عقدة فيه نظر، وذلك لأن هذا التكذيب قد انفرد بنقله ابن عقدة وحده، فلم يرد - فيما أعلم- من طريق آخر غير طريق ابن عقدة، بالرغم من أن الذين نقل عنهم هم من المحدثين المشهورين، وكذلك فإن محمد بن عثمان كان في بغداد بغاية الشهرة، وكثير الخصوم، فانفراد ابن عقدة بهذا النقل عن هذا الجم الغفير من العلماء، مع إضافة أن الخطيب البغدادي قد روى بسنده عن علي بن محمد بن نصر أنه قال: سمعت حمزة السهمي يقول: سألت أبا بكر بن عبدان عن ابن عقدة إذا حكى حكاية عن غيره من الشيوخ في الجرح فهل يقبل قوله أم لا؟ قال: لا يقبل. وهذا دليل على توهين هذا النقل وتضعيفه، حيث إنه قد جمع بين انفراد ابن عقدة بنقله، وكونه ممن لا يقبل قوله فيما ينقله من الجرح، وفوق هذا وذاك فابن عقدة مخالف لابن أبي شيبة في المذهب. ومما جاء في تضعيفه ما نقله حمزة السهمي في سؤالاته للدارقطني حيث قال: وسألته عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، فقال: كان يقال أخذ كتاب أبي أنس وكتب منه فحدث1. وهذا القول للدارقطني ليس فيه ما هو بين الجرح، لأنه لا يدرى من القائل، وليس فيه ما يثبت أن محمدا قد أخذ الكتاب بغير حق، أو روى منه بغير حق، ومن المعلوم أن الحافظ العارف قد يشتري كتب

_ 1"سؤالات السهمي للدارقطني": ص 136.

غيره ليطالعها، كما كان الإمام أحمد يطلب كتب الواقدي وينظر فيها1. وقال الخطيب: سألت البرقاني عن ابن أبي شيبة فقال: لم أزل أسمع الشيوخ يذكرون أنه مقدوح فيه2. وليس في قول البرقاني هذا ما يوجب الجرح، إذ لم يبين من هو القادح، وما هو قدحه، ومن المعلوم أن الجرح لا يقبل إلا إذا كان مفصلا، وكأن ذلك إشارة إلى كلام مطين ونقل ابن عقدة، وقد مر ما في ذلك3. وروى الخطيب- أيضا- عن ابن المنادي أنه قال:"أكثر الناس عنه على اضطراب فيه"4. والجواب على هذا: أن اضطرابه في بعض أحاديثه ليس بموجب جرحا"5. وبعد استعراض هذه الأقوال المتضاربة التي أثنت عليه أحيانا وقدحت فيه، وجرحته أحيانا أخرى، أرى أن في إطلاق الكذب عليه الكثير من المبالغة، كما أن الذين شنعوا عليه واتهموه هم من أقرانه،

_ 1 انظر:"التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل": (1/ 460، 461) . 2"تاريخ بغداد": (3/ 47) . 3"التنكيل": (1/461) . 4"تاريخ بغداد": (3/ 47) . 5"التنكيل": (1/461) .

وفي نظري أن أعدل الأقوال وأرجحها هو ما قاله ابن عدي ومسلمة بن القاسم من أنه لا بأس به. هذا من حيث الحديث وروايته، أما من حيث علوم الرجال، وفنون الجرح والتعديل، فهو من أئمة هذا الشأن، كما أطلق عليه ذلك الذهبي والسخاوي، وكفاه فخرا في هذا أنه تلميذ لإمامين من أئمة الجرح والتعديل، وهما ابن معين وابن المديني.

الباب الخامس: التعريف بالكتاب وبالمخطوطة

الباب الخامس: التعريف بالكتاب وبالمخطوطة الفصل الأول: التعريف بالكتاب ... أولا: اسم الكتاب: إن الكتب التي ذكرت هذا الكتاب أو استشهدت بشيء منه قد تنوعت عباراتها في مسمى الكتاب فتارة سمى: 1-"كتاب العرش وصفته"، وهذا ما ذكره حاجي خليفة1. 2- وتارة:"صفة العرش"، وهذا ما ذكره شارح"العقيدة الطحاوية"2، وابن كثير3. 3- وتارة:"كتاب العرش وما روي فيه"وهذا الاسم هو الموجود على نفس مخطوطة الظاهرية4. 4- وتارة:"كتاب العرش"، ذكره الذهبي5، وابن حجر6، وابن تيمية7، وابن

_ 1"كشف الظنون": (3/ 1438) . 2 ص 312. 3"البداية": (1/ 11) . 4 انظر: الورقة الأولى من المخطوطة. 5"العلو": ص 53، 72، 88،148. 6"المعجم المفهرس":"ق 16) . 7"نقض التأسيس": (2/ 526، 527) .

القيم1، وابن الجوزي2، وأبو الحسن علي بن محمد الكناني3، والسخاوي4، والسيوطي5، وغيرهم. وهذا الاسم هو ما ختم به الناسخ آخر الكتاب حيث قال: آخر كتاب العرش. وهو- أيضا- ما ورد في السماع الثاني من السماعات الموجودة في آخر الكتاب، حيث قال:"سمع هذا الجزء وهو كتاب العرش على شيخنا ... ". وهذه الأسماء جميعها متقاربة، وليس هناك اختلاف كبير بينها، وإن كنت أرى أن الاسمين الأول والثاني قد حصل فيهما نوع من التصرف من قبل الناقلين، وأن أشهر هذه الأسماء هو الاسم الرابع، وهو الشائع عن كثير من العلماء عند حديثهم عن هذا الكتاب، ولعلهم حذفوا العبارة الواردة في الاسم الثالث اختصارا، وأرى أن أقرب الأسماء إلى تسمية المؤلف هو الاسم الثالث لوروده نصا في عنوان الكتاب، ولمناسبته لمضمون الكتاب، والله أعلم.

_ 1"مختصر الصواعق المرسلة": (2/ 211) ، و"اجتماع الجيوش الإسلامية": ص 33، و"شرح النونية" لأحمد بن إبراهيم بن عيسى: (1/ 458) . 2"دفع شبه التشبيه": ص 75. 3"تنزيه الشريعة المرفوعة": (1/ 142) . 4"المقاصد الحسنة": ص 159. 5"الدر المنثور": (4/ 48) .

ثانيا: الكتاب ومنهج المؤلف فيه: يبحث الكتاب في واحدة من المسائل، الاعتقادية الهامة، وبالتحديد في مسألة من مسائل الصفات، تعددت فيها المذاهب والأقوال، ولا يزال الخلاف مستمرا فيها إلى اليوم، وهذه المسألة هي مسألة علو الله واستوائه على عرشه. وقد بين المؤلف- رحمه الله تعالى- في هذا الكتاب منهج السلف، ومعتقدهم في هذه المسألة، من إثبات علو الله، واستوائه على عرشه، وذلك عن طريق النصوص التي بينت هذه المسألة، وأوضحتها سواء كانت نصوصا من القرآن أو السنة أو أقوال الصحابة والتابعين. وقد تعرض المؤلف في بداية كتابه لسبب تأليفه، فعرض نبذة مختصرة عن مذهب الجهمية في هذه المسألة، وبين مخالفتهم لمنهج السلف، وذلك بإنكارهم لعلو الله واستوائه، والحجب التي احتجب بها عن خلقه، وإنكارهم لوجود عرشه، وكل ذلك بصورة موجزة دون التعرض لشبههم واعتراضاتهم، والمؤلف في عمله هذا قد سلك طريقة السلف، واتبع منهجهم من حيث إنهم لا يتعمقون في عرض شبه مخالفيهم واعتراضاتهم، بل يكتفون بعرض أقوالهم بصورة موجزة، ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن السلف قد سلكوا طريقة خاصة في تأليف الكتب الاعتقادية، وهذه الطريقة تعتمد على منهجين هما: الأول: منهج الرد: ويعتمد هذا المنهج على عرض شبه خصومهم على الطريقة السالفة الذكر، ثم بعد ذلك يبينون الحق في تلك المسألة

مدعمين كلامهم بالأدلة النقلية من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين، ومن المؤلفات هذا المنهج: ا-"كتاب الإيمان" لأبي عبيد القاسم بن سلام (224 هـ) . 2-"الرد على الزنادقة والجهمية" للإمام أحمد بن حنبل (241 هـ) . 3-"الرد على الجهمية، والرد على بشر المريسي" لعثمان بن سعيد الدارمي"285 هـ) . ويدخل ضمن هذا المنهج"كتاب العرش" الذي نحن الآن بصدد الكلام عليه. المنهج الثاني: هو منهج العرض، ويعتمد على عرض العقيدة الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، دون التعرض للمذاهب المخالفة في المسألة. ومن مؤلفات هذا المنهج: ا-"كتاب السنة" للإمام أحمد بن حنبل. 2-"كتاب السنة" لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل (291 هـ) . 3-"كتاب التوحيد" لابن خزيمة (311 هـ) . وبعد عرض المؤلف الموجز لمذهب الجهمية، أشار إلى دليل العقل في إثبات علو الله وإبطاله لمذهب الجهمية. ثم بين مذهب السلف في المسألة، فبين أنهم يثبتون علو الله واستواءه على عرشه، وقولهم في آيات المعية، وإثباتهم للحجب. ثم بعد ذلك ذكر الآيات القرآنية المثبتة للعلو، ثم ذكر دليل الفطرة على إثبات العلو لله.

ثم بعد ذلك بدأ بذكر الأحاديث والآثار الدالة على إثبات علو الله واستوائه على عرشه، وإثبات أن العرش موجود حقيقة، وأنه أعظم مخلوقات الله، وما جاء في ذكر صفته وحملته، ثم ختم الكتاب بذكر بعض الأحاديث المثبتة للنزول، ويعتبر"كتاب العرش" لابن أبي شيبة هو أول كتاب من كتب السلف من حيث إفراده هذا الموضوع بمؤلف مستقل - على حسب ما وصل إلينا من المصادر التي جاء فيها ذكر مؤلفات السلف - وقد ألف بعد ذلك مؤلفات اختصت بهذا الموضوع مثل كتاب"العلو" لابن قدامة المقدسي، وكتاب"العلو" للذهبي، الذي يعتبر"كتاب العرش" مصدرا من المصادر التي اعتمد عليها في تأليفه للكتاب، وكذلك"الرسالة العرشية" لشيخ الإسلام ابن تيمية. ثالثا: سبب تأليفه: بين المؤلف - رحمه الله - في بدء كتابه السبب الذي دعاه إلى تأليف هذا الكتاب، فذكر أنه ألفه ردا على طائفة الجهمية في واحد من المسائل التي خالفوا فيها الكتاب والسنة، وحادوا فيها عن طريق الحق، وهي مسألة العلو والاستواء، ومما تجدر الإشارة إليه أن المؤلف قد عاش في فترة زمنية انتشرت فيها آراء الجهمية ومذهبهم الباطل المتمثل في التعطيل، وإنكار الصفات، والقول بخلق القرآن، حتى أصبحت السلطة السياسية تحت تصرفهم ورهن إشارتهم، فهذا المأمون يمتحن المحدثين والفقهاء في مسألة خلق القرآن تحت قهر السيف وسياط التعذيب، ومن بعده المعتصم ثم الواثق.

وقد دفع هذا الأمر الكثير من علماء السلف- ومن ضمنهم: محمد ابن عثمان بن أبي شيبة- إلى التصدي لهذه الفرقة بالرد عليها، وبيان ضلالها وانحرافها، وبطلان عقائدها وفسادها، فظهرت في هذه الحقبة الزمنية- القرن الثالث- الكثير من مؤلفات السلف، التي ترد على هذه الفرقة الزائغة، وأفكارها المنحرفة، التي لا تتفق مع الكتاب والسنة، ولا مع نصوصها الصريحة الواضحة التي ليلها كنهارها. وقد وصلنا العديد من هذه الردود التي ألفت في ذلك القرن، وقد كان منها كتاب"الرد على الجهمية" للإمام أحمد بن حنبل (241 هـ) ، و"الرد على الجهمية" لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (256 هـ) ، و"الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة" لعبد الله بن مسلم ابن قتيبة (276 هـ) ، و"الرد على الجهمية"، و"الرد على بشر المريسي" لعثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ) ، وغيرها من الكتب الكثيرة التي يصعب حصرها. وهذا العدد الكبير من المؤلفات التي ألفت في هذه المدة يشعرنا بأهمية هذه المؤلفات، وعظم السبب الذي ألفت من أجله. رابعا: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف: إن توثيق نسبة"كتاب العرش" إلى المؤلف هو أمر واضح جلي، لا يحتاج معه الباحث إلى كبير جهد أو عناء. وذلك لأن جميع المصادر التي ذكرت الكتاب أو التي اقتبست منه قد اتفقت على نسبة الكتاب إلى المؤلف، وعلى أنه كان من ضمن

الكتاب على الأحاديث والآثار التي يرويها بسند متصل إلى أصلها الذي أخذت منه. كما أنه لا يكاد يمر وقت من الأوقات إلا ويذكر الكتاب بعض العلماء الذين يستفيدون منه، وذلك بنقل بعض النصوص للاستشهاد بها، وسنحاول هنا ذكر بعض العلماء من فترات زمانية مختلفة نقلوا من الكتاب مع ذكر بعض النصوص التي نقولها: 1- عبيد الله محمد بن بطة العكبري (387 هـ) : نقل من الكتاب بدون ذكر اسمه وإنما يذكر السند ثم ينقل النص، مثال ذلك:"حدثنا أبو بكر أحمد بن سليمان قال حدثنا أبو جعفر محمد بن عثمان العبسي- ثم ساق بسنده إلى أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "في عماء، ما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء"1. وقد نقل عنه ثلاثة نصوص أخرى2. 2- ابن تيمية (728 هـ) : ذكره ابن تيمية، ونقل عنه في كتابه"نقض التأسيس" حيث قال:"وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة في"كتاب العرش" له: ذكروا أن الجهمية يقولون ليس بين الله وبين خلقه حجاب ... "3.

_ 1"الإبانة" لابن بطة: (195/ أ) . 2"الإبانة" لابن بطة: (195/ أ، 196/ أ، ب) . 3"نقض التأسيس": (2/ 526، 527) .

3- ابن أبي العز الحنفي (746 هـ) : قال:"وروى ابن أبي شيبة في كتاب"صفة العرش" ... عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} 1 أنه قال: "الكرسي موضع القدمين ... "2 4- الذهبي (848 هـ) : وقد استفاد كثيرا من"كتاب العرش" لابن أبي شيبة، ونقل منه في مواطن متعددة في كتابه"العلو"، وقد كان يصرح أحيانا بنقله منه، وأحيانا أخرى لا يصرح. ويعتبر"كتاب العرش" مصدرا من المصادر التي اعتمد عليها في تأليفه لكتاب"العلو"، وقد روى"كتاب العرش" بسنده إلى محمد بن عثمان بن أبي شيبة كما جاء في ص 46 من كتاب"العلو". مثال لما رواه: قال: حديث للعبسي في"كتاب العرش" قال: حدثنا سفيان بن بشر- ثم ساق بسنده إلى ابن عباس قال:"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار صفين ... "3. وقد نقل عنه أربعة نصوص أخرى4.

_ 1 سورة البقرة، الآية: 255. 2"شرح العقيدة الطحاوية": ص 312. 3"العلو": ص 88. 4"العلو": ص 46، 53، 72، 148.

5- ابن كثير (774 هـ) : قال: وذكر الحافظ ابن الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب"صفة العرش" عن بعض السلف:"أن العرش من ياقوتة حمراء...."1. 6- ابن القيم (751 هـ) : وقد ذكره في كتابيه:"الصواعق المرسلة"، و"اجتماع الجيوش الإسلامية"، حيث قال في كتابه"الصواعق": "وفي كتاب العرش لابن أبي شيبة أن داود عليه السلام كان يقول في دعائه ... "2. وكذلك في"اجتماع الجيوش الإسلامية"، حيث قال:"روى ابن أبي شيبة في"كتاب العرش" بإسناد صحيح ... قال: بلغني أن داود ... "3. وله ذكر في موضع آخر من هذا الكتاب4. كما أنه امتدح الكتاب بقوله في قصيدته النونية: واقرأ كتاب العرش للعبسي وهو محمد المولود من عثمان 7- السيوطي (911 هـ) : وقد ذكر الكتاب في عدة مواطن في كتابه"الدر المنثور"، وكذلك في كتابه"الحبائك في أخبار الملائك".

_ 1"البداية": (1/ 11) . 2 انظر:"مختصر الصواعق": (2/ 211) . 3 ص 103. 4"اجتماع الجيوش الإسلامية": ص 33.

ومن ذلك قوله في"الدر المنثور":"وأخرج ابن أبي شيبة في"كتاب العرش": ... عن علي- رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يقول الله وعزتي وجلالي ... " 1. خامسا: أهمية الكتاب: على الرغم من صغر حجم الكتاب، واقتصاره على موضوع معين، ومع ما عليه من الملاحظات والمآخذ التي سنبينها، إلا أن الكتاب يتصف بأهمية لا يمكن التغافل عنها أو تجاهلها. وهذه الأهمية تنجلي في الموضوع الذي حواه الكتاب، حيث إنه يبحث في مسألة عظيمة وخطيرة من مسائل الصفات التي دار حولها جدل كبير وعميق، واختلفت حولها الآراء والمذاهب وتشعبت، حتى أنه قد زلت فيها أقدام كثير من العلماء قديما وحديثا، واستمر الخلاف فيها من بداية القرن الثاني الهجري حتى زماننا الحاضر، وقد نتج عن هذا الخلاف نشوء فرق مستقلة بذاتها من جراء ما ذهب إليه البعض من أقوال في هذه المسألة، ومن تلك الفرق الحلولية، والاتحادية، كما نتج من تلك الأقوال الحكم بكفرها وخروجها عن ملة الإسلام، بسبب ما ذهبت إليه من إنكار ذات الله، أو القول بحلوله في الأجسام أو اتحاده بها. ولأهمية هذه المسألة في عقيدة المسلم، ومدى ما لها من تأثير كبير في مسألة الإيمان بوجود الله - تعالى-، كان لزاما أن يقوم علماء السلف، والأئمة بالكتابة والتأليف في هذا الموضوع الهام، وبينوا

_ 1"الدر المنثور": (4/ 48) .

للمسلمين منهج القرآن والسنة في هذه المسألة، مستدلين على ذلك بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الصحيحة، وأقوال الصحابة، والتابعين في هذه المسألة، ويردوا على كل من خالف هذا المنهج، ويفندوا مزاعمه وشبهه وافتراءاته. وقد قام علماء السلف الأوائل بهذه المهمة، وأدوها على أكمل وجه، وبينوا طريق الحق فيها، لكن كان كلامهم في هذه المسألة بنوع من الاختصار، وضمن مواضيع أخرى في مجال العقيدة. ولكن رقعة الخلاف قد اتسعت في هذه المسألة، وتشعبت الأقوال، وكثرت الشبه، وكثر أعوان المخالفين وأنصارهم في هذا الأمر؟ مما جعل المؤلف- رحمه الله تعالى- يشعر بما لهذه المسألة من أهمية كبرى، وبما لها من تأثير عظيم في عقيدة المسلم سلبا وإيجابا، ذلك لأن أي خلل في هذه المسألة قد يقلب كثيرا من الأمور الاعتقادية، ويميل بها عن الطريق الصحيح، فقام المؤلف- رحمه الله تعالى- بتأليف هذا الكتاب في هذه المهمة، فبين القول الحق السليم فيها، وذلك بالرجوع إلى المنبع الأساسي لعقيدة المسلم، وهو الكتاب والسنة، ومع البعد كل البعد عما خالط الأقوال المنحرفة في هذه المسألة، من الفلسفة الصابئية، وأقوال النصارى النسطورية، وتأويل وتحريف الباطنية. فبين- رحمه الله تعالى- اعتقاد السلف المستند إلى الكتاب والسنة في مسائل عظيمة، مثل مسألة علو الله واستوائه على عرشه، وبينونته من خلقه، وكذلك معتقد السلف في معية الله وقربه ونزوله، كل ذلك

بما ورد فيها من النصوص القرآنية والأحاديث والآثار، كما أشار إلى إثبات وجود عرشه، وخلقه له، وما جاء في وصفه، وذكر حملته، ومسائل أخرى متعددة. ويعتبر كتاب المؤلف هذا، أول كتاب سلفي يخص هذه المسألة، ويفردها بكتاب مستقل، وقد تلت هذا الكتاب عدة مؤلفات اختصت بهذه المسألة بالذات. ومن تلك المؤلفات كتاب"العلو" لابن قدامة، وكتاب"العلو" للذهبي- الذي يعتبر"كتاب العرش" واحدا من المصادر التي اعتمد عليها الذهبي في تأليف كتابه، حيث إنه قد اقتبس منه في عدة مواضع- وكذلك"الرسالة العرشية" لابن تيمية، وغيرها من المؤلفات. ومع كون"كتاب العرش" هو أول كتاب للسلف اختص بهذا الموضوع، فإنه- أيضا- يكتسب أهمية أخرى من حيث كونه يعتبر مرجعا في عدة أمور منها: 1- أنه مرجع من المراجع التي تبين موقف السلف في قضية العلو والاستواء وما يتعلق بهما من المسائل، الأخرى، حيث إن المؤلف قد سلك في تأليف هذا الكتاب منهج السلف، وطريقتهم، وبين فيه اعتقادهم على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة. 2- والكتاب- أيضا- مرجع من مراجع الحديث في عدة مسائل من مسائل العقيدة ذلك لأن المؤلف قد سلك في تأليفه طريقة المحدثين، فالكتاب من أوله إلى آخره- ما عدا المقدمة- كان

عبارة عن مجموعة من الأحاديث، والآثار رواها المؤلف بأسانيده، وقد بلغت تلك الأحاديث والآثار التسعين، لذلك يعتبر الكتاب مرجعا في عدة مسائل هي: العلو، الاستواء، المعية، العرش والكرسي وصفتهما، حملة العرش: خلقهم، وعددهم، وصفاتهم، ووظائفهم. كما أنه يمكن اعتباره مرجعا من مراجع التفسير في هذه المسائل، لارتباطها ببعض الآيات القرآنية. 3- ويعتبر مرجعا من المراجع في قضية الجهمية والرد عليهم، وذلك لأن السبب الرئيسي في تأليف الكتاب إنما هو للرد على الجهمية لإبطال أقوالهم. ولهذا يلحق هذا الكتاب في سلسلة كتب السلف التي اعتنت بقضية الرد على الجهمية. سادسا: المآخذ على الكتاب: إن الإقدام على نقد عمل من أعمال السلف القدامى كعمل ابن أبي شيبة الذي اشتهر بغزارة علمه وسعة اطلاعه ومعرفته وفهمه، هو أمر صعب جدا، ولاسيما لشخص مثلي. ولكن لابد من الإقدام على مثل هذا الأمر الصعب، ولعل عذري في إقدامي هذا هو أنه ما من كتاب من الكتب البشرية يخلو من صفات النقص والخطأ، لأن الإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة معرض للخطأ والنسيان، إذ العصمة لم يجعلها الله- تعالى- إلا لأنبيائه ورسله.

و"كتاب العرش" هو واحد من تلك الكتب التي ألفها بشر، ومن المآخذ التي تؤخذ عليه ما يلي: 1- المقدمة: لاحظت أن النسخة التي بيدي قد خلت من البسملة، والحمدلة، والثناء عليه، كما هي السنة في مثل هذا المقام، وقد كان بدء كلام المؤلف فيها بقوله:"ذكروا أن الجهمية ... " إلخ، ولعل العذر في هذا المقام، هو احتمال أن يكون المؤلف قد بدأ بالبسملة، ولكن بعض رواة لكتاب أو نساخه قد حذفها مكتفيا بذكرها قبل سند الكتاب. والله أعلم. والذي نلاحظه على المؤلف في مقدمته بوجه عام هو: عدم الاعتناء بتنظيمها وتنسيقها، واحتواءها على عبارات مجملة وغير مترابطة، والمعروف عن المؤلف - رحمه الله- أنه ذو معرفة وفهم، فكان الأولى به أن يقدم لكتابه بمقدمة يشرح فيها مذهب السلف في المسألة، وما يتعلق بها من مسائل، ثم بعد ذلك يورد قول الجهمية في المسألة، ويبطله ويرد عليه ويفند كل ادعاء لهم على حدة. 2- لقد كان جل اهتمام المؤلف هو جمع الأحاديث والآثار الواردة في الموضوع، دون الاهتمام بجانب التنظيم فيها، فقد ساق الأحاديث والآثار جملة واحدة، دون أن يصنف الأحاديث التي تختص بأمر معين ويجعل لها بابا مستقلا عن الأحاديث الأخرى التي تختص بجانب آخر في المسألة، ودون أن ينظمها فيقدم الأحاديث

المرفوعة على الموقوفة، والموقوفة على الإسرائيليات وهكذا. 3- لم يهتم المؤلف حين جمعه للأحاديث والآثار التي أوردها بدرجة تلك الأحاديث والآثار من حيث الصحة والضعف؟ فقد جمع في كتابه هذا الغث والسمين، فكان هناك الكثير من الأحاديث والآثار الضعيفة، والإسرائيليات، إلى جانب بعض الأحاديث الموضوعة التي لا يصح أن يستدل بها بأي حال من الأحوال. والمؤلف - رحمه الله- محدث حافظ، وله باع طويل في معرفة رجال الأحاديث، جرحا وتعديلا، فكان الأولى به أن يجنب كتابه مثل هذه الأمور، وخاصة أن كتابه يتحدث في مسائل اعتقادية لا يقبل فيها إلا ما صح من الأحاديث، ولكن يبدو أن المؤلف قصد من إيراده لهذه الأحاديث والآثار جمع كل ما ورد في الموضوع بغض النظر عن الصحة والضعف، وذلك لأن عصره عصر الرواية والإسناد، والمحدثون يرون أنهم إذا ساقوا الحديث بالإسناد فقد خرجوا من العهدة وبرئت الذمة، وفي هذا يقول ابن حجر:"إن أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته"1.

_ 1"لسان الميزان": (3/ 75) .

الفصل الثاني: التعريف بالمخطوطة

الفصل الثاني: التعريف بالمخطوطة أولا: دراسة النسخة الخطية: لم أقف للمخطوطة إلا على نسخة واحدة فقط، وقد بذلت ما في وسعي من أجل البحث عن نسخة أخرى للكتاب، فقمت باستعراض الكثير من فهارس المخطوطات الموجودة في مكتبات العالم على أمل أن أوفق في الاهتداء إلى نسخة أخرى، ولكن جهدي في هذا الأمر لم يكلل بالنجاح. ومن المعلوم أنه متى تعددت النسخ للمخطوطة المراد تحقيقها، كان ذلك مما يسهل على الباحث مشكلة تقويم النص، وتلافي ما قد يقع فيه من السهو، أو الشطب، أو الطمس أو غير ذلك من المشكلات الأخرى. ولكن إذا لم يتوفر سوى نسخة واحدة فسيكون في ذلك صعوبة- وأي صعوبة- لأن ذلك يحتاج إلى الوقوف على مراجع متعددة لتحقيق النص والتثبت منه، وهذا ما حصل لي أثناء تحقيقي للكتاب حيث إنني لم أعثر على نسخة أخرى. والنسخة التي اعتمدت عليها في تحقيقي لهذا الكتاب موجودة في المكتبة الظاهرية تحت رقم (297- حديث) .

وقد ذكرها الألباني في فهرس الظاهرية (قسم المنتخب من مخطوطات الحديث ص 17) حيث قال:"كتاب العرش ما ورد فيه، حديث 297، (ق 106- 119) "، وكذلك فؤاد سيزكين في"تاريخ التراث العربي" (1/ 3201) حيث قال:"كتاب العرش وما ورد فيه- الظاهرية- حديث 297، الأوراق ص 106- 119". ولهذه النسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 559 (مصورات) . ويبلغ عدد صفحات المخطوطة سبعا وعشرين صفحة، وعدد أسطرها يتراوح بين سبعة عشر سطرا وأربع وعشرين سطرا ومقاسها هو 18×24 سم. وخطها عادي. ولم يذكر فيها اسم الناسخ، ولا تاريخ نسخها. وتمتاز هذه النسخة بأنها مقابلة على الأصل المنسوخة منه أكثر من مرة، كما ذكر في الصفحة الأخيرة حيث قال:"بلغ مقابلة غير مرة". وتمتاز هذه النسخة- أيضا- بقلة أخطائها ووضوح خطها، كما تمتاز بكثرة سماعاتها. ثانيا: سند الكتاب: جاء في الورقة الأولى (106/ ب) ذكر سند الكتاب حيث قال: كتاب العرش وما روي فيه، تأليف: محمد بن عثمان بن أبي شيبة - رحمه الله-:

رواية أبي علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف عنه1. رواية أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس عنه2. رواية أبي طالب3 محمد بن علي العشاري4، وأبي علي الحسن

_ 1 هو محمد بن أحمد بن الحسن بن إسحاق بن إبراهيم أبو علي، المعروف بابن الصواف، ولد في شعبان سنة سبع ومائتين. روى عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره، وعنه محمد بن أبي الفوارس وغيره. قال محمد بن الحسين: كان ثقة، مأمونا، من أهل التحرز، ما رأيت مثله في التحرز مات لثلاث خلون من شعبان سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. انظر:"تاريخ بغداد": (1/ 289) . 2 هو محمد بن أحمد بن محمد بن فارس بن سهل، أبو الفتح بن أبي الفوارس، وكان جده سهل يكنى أبا الفوارس البغدادي. ولد سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة. قام برحلة إلى بلاد فارس، وخراسان، وأصبهان، والبصرة، وجمع وصنف. قال عنه الخطيب:"كان ذا حفظ وأمانة، مشهورا بالصلاح، وبالانتخاب على المشائخ، وكان يملي في جامع الرصافة، سمع من أبي علي محمد بن أحمد الصواف، وغيره، توفي يوم الأربعاء السادس عشر من ذي القعدة سنة اثنتي عشر وأربعمائة. انظر:"تاريخ بغداد": (1/ 352) ،"المنتظم": (8/ 5، 6) ،"شذرات الذهب": (3/ 196) . 3 في"الأصل": أبو الفتح وهو خطأ، والصواب ما أثبته. 4 هو محمد بن علي بن الفتح بن محمد بن علي أبو طالب، الحربي المعروف بالعشاوي (بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة والراء بعد الألف) ،"الأنساب": (9/ 306) ، ولد في المحرم سنة ست وستين وثلاثمائة. قال الذهبي عنه:"شيخ صدوق، لكن أدخلوا عليه أشياء فحدث بها بسلامة باطن، وهو ليس بحجة". وقال الخطيب:"كتبت عنه، وكان ثقة دينا صالحا، توفي يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من جمادى الأولى من سنة إحدى وخمسين وأربعمائة". انظر:"تاريخ بغداد": (3/ 157) ،"ميزان الاعتدال": (3/ 656) .

بن أحمد بن عبد الله بن البنا1 كلاهما عنه. رواية أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش2 عنهما.

_ 1 هو الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنا، أبو علي المقرئ، الحنبلي، البغدادي، كان مولده سنة ست وتسعين وثلاثمائة. قرأ القراءات السبع على أبي الحسن الحمامي، وغيره، وسمع الحديث من أبي الفتح بن أبي الفوارس، والقاضي بن أبي يعلى، وهو من قدماء أصحابه، وهو إمام، مقرئ، محدث، فقيه، واعظ، صاحب تصانيف، ذكر عنه أنه قال: صنف خمسمائة مصنف، ومنها"شرح الخرقي"، و"طبقات الفقهاء"، و"تجريد المذاهب" وغيرها، قال ابن شافع: كتبت الحديث عن نحو ثلاثمائة شيخ ما رأيت فيهم من كتب بخطه أكثر من ابن البنا، وكانت وفاته في ليلة السبت الخامس من رجب سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. انظر:"المنتظم": (8/ 319) ،"شذرات الذهب": (3/ 338، 339) ، (المنهج الأحمد) : (2/ 138) . 2 هو أحمد بن عبيد الله بن محمد بن أحمد أبو العز، السلمي (بمضمومة وفتح لام،"المغني": ص 139) ، ويعرف بابن كادش العكبري. روى عن القاضي الماوردي، وأبو طالب محمد بن علي العشاري، مشهور من شيوخ ابن عساكر، أقر بوضع حديث، وتاب وأناب، سمع الكثير بنفسه، وقرأ على المشائخ، وكتب بخطه، وكان يفهم طرفا في علم الحديث، وقد خرج وألف. "لسان الميزان": (1/ 218) ،"شذرات الذهب": (4/ 78) .

رواية أبي إسحاق إبراهيم بن بركة بن طاقويه1 وأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن المظفر بن السبط2 كلاهما عنه. رواية يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي3

_ 1 هو إبراهيم بن بركة بن إبراهيم بن علي بن طاقويه، أبو إسحاق فخر الدين الديرعاقولي (بفتح الدال المهملة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها،"الأنساب": 5/ 395) البغدادي كان يذكر أن له نسبا بالإمام أحمد بن حنبل من جهة أمه، ولد سنة ثلاث وخمسمائة، قرأ بشيء من القراءات على أبي بكر المزرقي، وأبي الفضل الإسكافي و. غيرهما، وسمع من ابن كادش وغيره. قال ابن الدبيثي: سمعنا منه على تخليط كان فيه على صحة سماعه. توفي في ذي القعدة سنة سبع وثمانين وخمسمائة ببغداد. انظر:"المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي": (1/ 229) ،"التكملة" للمنذري: (1/ 299) . 2 هو هبة الله بن الحسن بن أبي سعد المظفر، أبو القاسم، الهمذاني الأصل البغدادي المولد والدار، المراتبي، المعروف بابن السبط، سمع من أبيه ومن أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش وغيرهما، وهو من بيت حديث، حدث هو، وأبوه، وجده. توفي في بغداد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، ودفن بمقبرة الزيات، وكان مولده تقريبا سنة عشر وخمسمائة. انظر:"التكملة لوفيات النقلة": (9/ 319، 321) ،"النجوم الزاهرة": (6/ 181) ،"شذرات الذهب": (4/ 338) . 3 هو يوسف بن خليل بن قرجا بن عبد الله، أبو الحجاج، شمس الدين، الدمشقي، ثم الحلبي، محدث، حنبلي، ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة بدمشق وتفقه فيها، وقد اشتغل بالحديث وعمره ثلاثون سنة، وقام برحلة إلى بغداد، وأصبهان، ومصر، وتفرد في وقته بأشياء كثيرة عن الأصبهانيين، فكان أوسع معاصريه رحلة، وأكثرهم كتابة، وجمع لنفسه"معجما" عن أزيد من خمسمائة شيخ و"ثمانيات" و"عوالي"، وكتب بخطه كثيرا، قال الذهبي عنه: وهو يدخل في شروط الصحيح، وقد تفرد بشيء كثير بحران، وأصبهان. وقد استوطن في آخر عمره بحلب، وتصدر بجامعها، وقد روى عنه خلق كثير، وكانت وفاته في سحر يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وستمائة بحلب. انظر:"تذكرة الحفاظ": (4/1410) ،"شذرات الذهب": (5/ 243، 244) ،"ذيل الطبقات" لابن رجب: (2/ 244) .

عنهما1. سماع لصاحبه الشيخ الصالح أبي محمد محمود بن القاسم بن بدران الدشتي2 - نفعه الله به-. رواية الإمام فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد ابن أحمد المقدسي3

_ 1 في"الأصل":"عنه" وهو خطأ، و. الصواب ما أثبته. 2 هو أبو محمد محمود بن اسغنديار بن القاسم بن بدران الدشتي سمع الكثير من جعفر الهمداني وابن المقير وابن رواحة، وروى عنه الدمياطي في"معجمه". انظر:"تاج العروس": (4/) كلمة: دشت. 3 هو علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن، فخر الدين، أبو الحسن، السعدي، المقدسي، الصالحي، الحنبلي، ابن البخاري، ولد في آخر سنة خمس وتسعين وخمسمائة مسند الشام وهو من أعيان الأئمة الأعلام. قال عنه الذهبي: كان فقيها، عارفا بالمذهب، فصيحا، صادق اللهجة. وقال عنه المزني: أحد المشايخ الأكابر والأعيان الأماثل من بيت العلم والحديث، لا نعلم أحدا حصل له من الحظوة في الرواية في هذه الأزمان مثل ما حصل له. قال ابن تيمية: ينشرح صدري إذا أدخلت ابن البخاري بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث، وكانت وفاته سنة تسعين وستمائة. "العبر": (5/ 367، 368) ،"شذرات الذهب": (5/ 414، 416) .

عن أبي القاسم هبة الله بن المظفر بن الحسن بن السبط كتابة1. رواية مالكه يحيى بن إسحاق بن خليل بن فارس، الشيباني، الشافعي2، بحق إجادته من الشيخ السند فخر الدين أبي الحسن علي ابن أحمد بن عبد الواحد المقدسي، البخاري، بسنده المذكور أعلاه. السماعات الموجودة على الكتاب: السماعات الموجودة على الورقة الأولى 106:

_ 1 حصل تقديم وتأخير في اسم أبي القاسم، والصواب ما أثبته في ترجمته. 2 هو يحيى بن إسحاق بن خليل بن فارس، محيي الدين، أبو زكريا الشيباني، ولد سنة ثمان وأربعين وستمائة. سمع من والده، وابن أبي عمرو، وأحمد بن أبي الخير، وغيرهم. اشتغل وحصل الكثير، وولي القضاء بأذرعات وغيرها وكان حسن السيرة، كثير التواضع، خزئي له الذهبي جزء وحدث به. مات في شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة. "الدرر الكامنة": (5/ 189) .

السماع الأول: (ق 106/ أ) سمع هذا الجزء على أبي القاسم هبة الله بن الحسن السبط1 بقراءة أبي الفتح محمد بن عبد الغني المقدسي2، وإخوانه3: عبد الله4، وعبد الرحمن5، وعبد اللطيف6، وعبد المنعم7.

_ 1 تقدم ترجمته في سند الكتاب. 2 هو الحافظ محمد بن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن أحمد، أبو الفتح المقدسي، ولد سنة ست وستين وخمسمائة، ورحل إلى بغداد وهو مراهق، وكذلك إلى أصبهان، كان حافظا، فقيها، حنبليا، توفي في سنة ثلاث عشرة وستمائة. "العبر": (5/ 47) ،"شذرات الذهب": (5/ 56، 57) . 3 في"الأصل":"واخواه" وهو خطأ لا تستقيم معه العبارة، والصواب ما أثبته. 4 هو الحافظ عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن أحمد، أبو موسى، جمال الدين المقدسي، ولد في شوال سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، رحل إلى بغداد، ودمشق، ومصر، وأصبهان، ونيسابور، واشتغل بالحديث، والفقه، وصار من الأعلام. توفي سنة تسع وعشرين وستمائة. "العبر": (5/ 114، 115) ،"شذرات، الذهب": (5/ 131) . 5 هو عبد الرحمن بن عبد الغني بن عبد الواحد بن أحمد، أبو سليمان المقدسي، الحنبلي، الفقيه، الزاهد، درس وأفتى، وكان إماما فاضلا، توفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة. "العبر": (5/ 176) ،"شذرات الذهب": (5/ 219) . 6 لم أقف على ترجمته. 7 لم أقف على ترجمته.

وكاتب السماع في الأصل محمد بن عبد الواحد المقدسي1، وآخرون في العشر الأول من ذي القعدة سنة ست وتسعين وخمسمائة ببغداد. السماعات الموجودة على الورقة (119/ ب) : سمع جميع هذا الجزء على الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن بركة ابن طاقويه2 بروايته عن ابن كادش3، بقراءة صاحبه الشيخ الإمام العالم أبي الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي4، محمد بن [....] 5، وذلك في سنة سبع وثمانين وخمسمائة. وسمعه على أبي القاسم هبة الله بن الحسن بن المظفر بن السبط، بروايته عن ابن كادش، بقراءة صاحبه الشيخ الإمام أبي الحجاج يوسف ابن خليل بن عبد الله الآدمي6، جماعة لم أذكرهم وذلك في رمضان سنة سبع وثمانين وخمسمائة بباب المراتب نقله مختصرا.

_ 1 هو محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي، الحنبلي، الحافظ، أحد الأعلام، ولد سنة تسع وستين وخمسمائة. محدث عصره، وقد أفنى عمره في طلب الحديث، انتفع الناس بتصانيفه، والمحدثون بكتبه، توفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة. "العبر": (5/ 179) ،"شذرات الذهب": (5/ 224) . 2 تقدم ترجمته في سند الكتاب. 3 تقدم ترجمته في سند الكتاب. 4 تقدم ترجمته في سند الكتاب. 5 في"الأصل" كلمة لم أستطع قراءتها. 6 هكذا في"الأصل" ولم أعرف من هو.

سمع هذا الجزء وهو كتاب العرش على شيخنا الإمام العالم الحافظ [......] 1 أبي الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي آدم الله [ ... ] 2 صاحبه الشيخ محمود بن أبي القاسم بن بدران الدشتي وجماعة. وذلك بقراءة الفقير إلى الله- تعالى -، محمد بن صالح بن إبراهيم الامدي [ ... ] 3 عفا الله عنه. السماعات الموجودة على الورقة (120/ أ) : سمع هذا الجزء على الشيخ الإمام أبي الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي، عن شيخيه بقراءة محمد بن عبد المنعم بن هامل الحرافي4، إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم بن النحاس5، وآخرون

_ 1 في"الأصل" كلمتين لم أستطع قراءتهما. 2 في"الأصل" كلمة لم أستطع قراءتها. 3 هناك كلمة لم أستطع قراءتها. 4 هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن عمار بن هامل الحراني، الحنبلي، المحدث، الرحال، نزيل دمشق، ولد بحران سنة ثلاث وستمائة، وكانت له عناية بالحديث، توفي سنة إحدى وسبعين وستمائة. "العبر": (5/ 296) ،"شذرات الذهب": (5/ 334) . 5 هو كمال الدين إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي ابن النحاس، المسند، العالم، سمع ابن يعيش وابن قميرة وابن رواحة، وابن خليل فأكثر، ونسخ الأجزاء، توفي في رمضان سنة عشر وسبعمائة، عن بضع وسبعين أو بضع وثمانين سنة. "شذرات الذهب": (6/ 22) .

يوم الثلاثاء الحادي والعشرون من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وستمائة بحلب. وسمعه على الشيخ الإمام فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري المقدسي، بإجادته من أبي القاسم هبة الله بن الحسن بن السبط بسنده، أوله بقراءة كاتب السماع يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي1، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن ابن شامة الطائي2 يوم السبت الثاني من أيام التشريق سنة ثمان وسبعين

_ 1 هو جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف ابن علي بن أبي الزهر، أبو الحجاج، المزي، الشافعي، قال ابن قاضي شهبة:"شيخ المحدثين، عمدة الحفاظ، أعجوبة الزمان، الدمشقي، المزي.، مولده في ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة. برع في الحديث، وإليه المنتهى في معرفة الرجال وطبقاتهم، وله في ذلك كتابه"تهذيب الكمال"، توفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة. انظر:"شذرات الذهب": (6/ 136، 37 1) . 2 هو شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن شامة بن كوكب الطائي، السوادي، الحكمي، الحنبلي، الحافظ، الزاهد، مفيد مصر، ولد سنة اثنتين وستين وستمائة ورحل سنة ثلاث وثمانين إلى مصر، وبغداد، والبصرة، وأصبهان، وحلب، وواسط، واشتغل بالحديث. قال عنه الذهبي في"معجمه":"أحد الرحالين والحفاظ المكثرين، وكان ثقة، صحيح النقل، عارفا بالأسماء، من أهل الدين والعبادة". وقال ابن رجب:"سمع منه البرزالي، والذهبي، وعبد الكريم الحلبي، وذكروه في معاجمهم، توفي سنة ثمان وسبعمائة""شذرات الذهب": (6/ 17، 18) .

وستمائة بسفح جبل قاسيون بظاهر دمشق. وسمعه عليه بقراءة الإمام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني1، عبد الرحمن بن أحمد بن شامة الطائي، ومحمد بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي2، وكاتب السماع في الأصل القاسم بن محمد بن يوسف بن النقيب البرزالي3 يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وستمائة.

_ 1 هو شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن عبد الله بن تيمية، الحراني، الحنبلي، ولد بحران سنة إحدى وستين وستمائة، وهو أشهر من أن يعرف، توفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. "شذرات الذهب": (6/ 80، 86) . 2 هو محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف الكلبي أبو عبد الله المزي، الطحان، أخو الشيخ جمال الدين، ولد سنة أربع وخمسين وستمائة، سمع من المسلم بن علان والفخر وغيرهم بإفادة أخيه، وكان خيرا مات سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. "الدرر الكامنة": (4/ 8) . 3 هو الحافظ علم، الدين القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الشافعي، ولد سنة ثلاث وستين وستمائة، وسمع الجم الغفير، وكتب بخطه ما لا يحصى كثرة. قال الذهبي:"الإمام، الحافظ، محدث الشام، وصاحب التاريخ والمعجم الكبير". توفي سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. "شذرات الذهب": (6/ 122) .

قرأت جميع هذا الجزء على شيخنا الإمام الأوحد البارع، العلامة، بقية السلف، شيخ الإسلام، عمدة الحفاظ، إمام النقد، الحجة، الرحالة، جمال الدين، أبي الحجاج يوسف بن الزكي، عبد الرحمن بن يوسف المزي- نفع الله به- قال: قرأته على الإمام فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري، المقدسي، قال: أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن المظفر بن السبط قال: أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش العكبري قال: أخبرنا أبو طالب محمد ابن علي بن الفتح العشاري، وأبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء، قالا: أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس، قال: أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن بن الصواف، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة فذكره عن شيوخه. وصح ذلك لي وثبت في يوم الخميس التاسع والعشرين من شهر شعبان سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وهو مما أجاز شيخانا أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية، وأبو محمد البرزالي.

الباب السادس: قسم التحقيق

الباب السادس: قسم التحقيق ... قسم التحقيق: كتاب العرش وما روي فيه تأليف: محمد بن عثمان بن أبي شيبة (ت 297) (ق 50/ ب) تأليف محمد بن عثمان بن أبي شيبة- رحمه الله-. رواية أبي علي محمد بن أحمد بن الحسن الصوف عنه. رواية أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس عنه. رواية أبي طالب1 محمد بن علي العشاري، وأبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنا كلاهما عنه. رواية أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش عنهما. رواية أبي إسحاق إبراهيم بن بركة بن طاقويه وأبي القاسم هبة الله ابن الحسن بن المظفر بن السبط كليهما عنه. رواية يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي عنه2. سماع لصاحبه الشيخ الصالح أبي محمد محمود بن القاسم ابن بدران الدشتي- نفعه الله به-.

_ 1 في "الأصل": "أبي الفتح، وهو خطأ، والصواب ما أثبته، ولعله وهم من الناسخ. 2 هكذا في "الأصل" والصواب: "عنهما".

رواية الإمام فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي، عن أبي القاسم هبة الله بن المظفر بن الحسن ابن السبط كتابة1. رواية مالكه يحيى بن إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي، بحق إجادته من الشيخ المسند فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي البخاري بسنده المذكور أعلاه.

_ 1 حصل هنا تقديم وتأخير في اسم أبي القاسم، والصواب هو: "هبة الله بن الحسن بن المظفر بن السبط".

بسم الله الرحمن الرحيم (ق 51/ أ) أَخْبَرَنَا1 شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ يَوسُفُ بْنُ خَلِيلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ، وَرَحِمَ وَالِدَيْهِ-، قِرَاءَةً وَأَنَا أسمع في جماد الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِجَامِعِ حَلَبٍ2 قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَرَكَةَ بْنِ طَاقُويَه، وَأَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ السَّبْطِ بِقِرَاءَتِكَ عَلَيْهِمَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَأَقَرَّ بِهِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعِزِّ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَادِشَ الْعُكْبَرِيُّ، قِرَاءَةُ عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ الْعُشَارِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ الْبَنَّا، قَالَا: أَخْبَرَنَا

_ 1 القائل هنا هو: محمد بن القاسم بن بدران الدشتي. 2 حلب: بالتحريك، مدينة عظيمة واسعة تقع في بلاد الشام، ويقع مسجد جامعها داخل المدينة، وقد قال ابن جبير في وصف هذا الجامع: "وجامعها من أحسن الجوامع وأجملها، وفي صحنه بئران معينان ... ، وقد استفرغت الصنعة القرنصية جهدها في منبره، فلم أر في بلد من البلاد منبرا على شكله وغرابة صنعه، واتصلت الصنعة الخشبية منه إلى المحراب، فتخللت صفحاته كلها حسنا على تلك الصفة الغريبة..، وهو مرصع كله بالعاج والأبنوس، وحسن هذا الجامع المكرم أكثر من أن يوصف". انظر: "رحلة ابن جبير": ص 204، ط. دار مكتبة الهلال، بيروت، و"معجم ما استعجم": (464/2) .

أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّوَّافِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ1

_ 1 الجهمية: فرقة من الفرق التي ظهرت في بداية القرن الثاني وانتحلت مذهب الجهم في مسائله المدونة في كتب المقالات والكلام. والجهم هو: ابن صفوان، ويكنى أبا محرز، وهو من أهل خراسان، وينسب إلى سمرقند وترمذ، ويقال: إن أصله من الكوفة، وكان جهم مولى لبني راسب من الأزد. وقد أخذ الكلام عن الجعد بن درهم حين لقيه بالكوفة بعد هرب الجعد إليها من دمشق، وكان جهم فصيحا وصاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله تعالى. وأول ظهور مذهب جهم كان بترمذ، حيث أظهره فيها للملأ وأشاعه وحاور فيه ثم أقام ببلخ، فكان يصلي مع مقاتل بن سليمان البلخي المفسر المشهور، وكان مقاتل يقص في الجامع بمرو، فقدم جهم فجلس إلى مقاتل، فوقعت الخصومة بينهما، فوضع كل منهما على الآخر كتابا ينقض عليه، ثم بعد ذلك نفي الجهم إلى ترمذ، وهناك اتصل بالحارث بن سريج الذي خرج على أمراء خراسان، وقد زعم الجهم أن الحارث قد خرج داعيا للكتاب والسنة والشورى، فاتخذه الحارث كاتبا له، وكان يقص في بيت الحارث في عسكره، وكان يخطب بدعوته وسيرته فيجذب الناس إليه، وكان يحمل السلاح ويقاتل معه، وكان مقتل جهم في سنة ثمان وعشرين ومائة على يد نصر بن سيار. وقد توسع مذهب الجهم بعد مقتله شأنه في ذلك شأن المذاهب كلها التي استفحل أمرها وكثرت رجالها، وتفرعت مسالكها، وتنوعت مصنفاتها، وقد يظن أنها أمست أثرا بعد عين، مع أن المعتزلة فرع منها، وكذلك المتكلمون المتأخرون من الأشاعرة يرجعون في كثير من مسائلهم إلى مذهب الجهمية، فمن ظن أن الجهمية لا وجود لها فهو مخطئ وإطلاق المؤلف لفظ الجهمية هنا يدخل فيه المعتزلة- أيضا-، فإن أئمة السلف كالإمام أحمد في كتابه "الرد على الجهمية"، والبخاري في "الرد على الجهمية" ومن بعدهما إنما يعنون بالجهمية هنا المعتزلة وغيرهم، ويعود السبب في ذلك إلى ما يجمع بين الفرقتين من مسائل تتفقان عليها، فإن المعتزلة قد أخذت عن الجهمية القول بنفي الرؤية والصفات، وخلق الكلام، ووافقتها عليها، وإن كان لكل فروع واختيارات غير ما للأخرى، إلا أن ما توافقوا فيه من هذه المسائل الكبيرة جعلهم كأهل المذهب الواحد، فلذلك أطلق أئمة السلف لفظ الجهمية على المعتزلة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لما وقعت محنة الجهمية- نفاة الصفات- في أوائل المائة الثالثة، على عهد المأمون وأخيه المعتصم ثم الواثق، دعوا الناس إلى التجهم، وإبطال صفات الله تعالى، وطلبوا أهل السنة للمناظرة، ولم تكن المناظرة مع المعتزلة فقط، بل كانت مع جنس الجهمية من المعتزلة والنجارية والضرارية، وأنواع المرجئة، فكل معتزلي جهمي وليس كل جهمي معتزليا، ولكن جهما أشد تعطيلا لأنه ينفي الأسماء والصفات، وبشر المريسي كان من المرجئة ولم يكن من المعتزلة، بل كان من كبار الجهمية". وقد ذكر شيخ الإسلام أن الجهمية ثلاث درجات: فشرها: "الغالية": الذين ينفون أسماء الله وصفاته، وإن سموه بشيء من أسمائه الحسنى، قالوا هو مجاز، فهو في الحقيقة عندهم ليس بحي ولا عالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير ولا متكلم ولا يتكلم. و"الدرجة الثانية": من التجهم هو تجهم المعتزلة ونحوهم، الذين يقرون بأسماء الله في الجملة لكن ينفون صفاته، وهم- أيضا- لا يقرون بأسماء الله الحسنى كلها على الحقيقة، بل يجعلون كثيرا منها على المجاز، وهؤلاء هم الجهمية المشهورون. و"الدرجة الثالثة": هم الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية لكن فيهم نوعا من التجهم، كالذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة، لكن يردون طائفة من أسمائه وصفاته الخبرية وغير الخبرية، ويتأولونها، كما تأول الأولون صفاته كلها. ومن هؤلاء من يقر بصفاته الخبرية الواردة في القرآن دون الحديث كما عليه كثير من أهل الكلام والفقه وطائفة من أهل الحديث. ومنهم من يقر بالصفات الواردة في الأخبار- أيضا- في الجملة، لكن مع نفي وتعطيل لبعض ما ثبت بالنصوص وبالمعقول، وذلك كأبي محمد بن كلاب ومن اتبعه، وفي هذا القسم يدخل أبو الحسن الأشعري، وطوائف من أهل الفقه والكلام والحديث والتصوف، وهؤلاء إلى أهل السنة المحضة أقرب منهم إلى الجهمية والرافضة والخوارج والقدرية، لكن انتسب إليهم طائفة هم إلى الجهمية أقرب منهم إلى أهل السنة المحضة، فإن هؤلاء ينازعون المعتزلة نزاعا عظيما فيما يثبتونه من الصفات أعظم من منازعتهم لسائر أهل الإثبات فيما ينفونه. وأما المتأخرون فإنهم والوا المعتزلة وقاربوهم أكثر، وقدموهم على أهل السنة والإثبات، وخالفوا أوائلهم. ومنهم من يتقارب نفيه وإثباته، وأكثر الناس يقولون: إن هؤلاء يتناقضون فيما يجمعونه من النفي والإثبات. اهـ. انظر: "الرد على الزنادقة والجهمية" للإمام أحمد: ص 65، و"الرسالة التسعينية": ص 40، 42، ط. دار الفكر، و"تاريخ الجهمية والمعتزلة": ص 59، 60.

يَقُولُونَ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَ خَلْقِهِ حِجَابٌ1 وَأَنْكَرُوا

_ 1 ينكر الجهمية أن يكون بين الله وبين خلقه حجاب، لأن الله على قولهم ليس فوق العرش، وهم إنما ينفون الحجاب وعلو الله فوق عرشه بدعوى أن هذه الأمور تستلزم الجهة والمحايثة والمكان وهذه من صفات الأجسام، والأجسام حادثة، والله منزه عن الحوادث، فلذلك هم يقولون بأن الله بذاته في كل مكان، وليس عندهم للحجاب أي معنى، وقد حكى الدارمي عنهم إنكارهم للحجاب في كتابه "الرد على الجهمية": ص 37، حيث قال: "وليس كما يقول هؤلاء الزائغة: إنه في كل مكان، ولو كان كذلك ما كان للحجب هناك معنى، لأن الذي هو في كل مكان لا يحتجب بشيء من شيء، فكيف يحتجب من هو خارج الحجاب كما هو من ورائه؟ فليس لقول الله عز وجل: {مِنْ وَرَاءِ حِجَاب} عند القوم مصداق". وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (6/ 10) : "والجهمية لا تثبت له حجابا أصلا، لأنه عندهم ليس فوق العرش". وأما السلف فإنهم يثبتون الحجاب لله تبارك وتعالى كما دلت على ذلك نصوص القرآن والسنة، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} [سورة الشورى، الآية: 51] . ومن السنة ما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي موسى قال: قام فينا رسوله الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمس كلمات فقال: "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرقع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور- وفي رواية لأبي بكر: النار- لو كشفه لأحرقت سبخات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". انظر "صحيح مسلم بشرح النووي": (3/ 12- 13) . فهذا الحديث فيه ذكر لحجاب الله تعالى الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. وقد قام المعطلة بتأويل هذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة الدالة على إثبات الحجاب لله سبحانه وتعالى فصرفوا الحجاب الذي أثبته الله تعالى لنفسه إلى المخلوقين فقالوا: إن معنى الحديث: أنه لو كشف الحجاب الذي على أعين الناس ولم يثبتهم لاحترقوا. مع أن الحديث فيه تصريح بأن حجابه النور. وقد عقد الدارمي في كل من كتابيه "الرد على الجهمية": ص 31، و"الرد على بشر المريسي": ص 526، بابين لذلك فقال في الأول: "باب الاحتجاب" وأورد تحت هذا الباب بعض الأحاديث والآثار الدالة على الحجب، ثم قال: "من يقدر قدر هذه الحجب التي احتجب الجبار بها، ومن يعلم كيف هي، غير الذي أحاط بكل شيء علما؟ {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} [سورة الجن، الآية: 28] ، ففي هذا أيضا دليل على أنه بائن من خلقه محتجب عنهم لا يستطيع جبريل مع قربه إليه الدنو من تلك الحجب". وقال في الثاني: "الحجب التي احتجب الله بها عن خلقه"، ثم أورد تحته النصوص الدالة عليه، كما تعرض لبعض تأويلات الجهمية ورد عليها. وكذلك عقد ابن أبي زمنين في كتابه "أصول السنة": ص 318، بابأ باسم: "باب الإيمان بالحجب" وقال: "ومن قول أهل السنة إن الله عز وجل بائن من خلقه، محتجب عنهم بالحجب. فتعالى الله عما يقول الظالمون، كبرت كلمة تخرج من أفواهم إن يقولون إلا كذبا" اهـ.

الْعَرْشَ1 وأن يكون الله هُوَ فَوْقَهُ، وَفَوْقَ

_ 1 ينكر بعض الجهمية عرش الرحمن تبارك وتعالى، ويدعون أن معنى العرش في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، إنما هو الملك، فهم لا يقرون بأن لله عرشا معلوما موصوفا فوق السماء السابعة تحمله الملائكة، بل يقولون: إن الله لما خلق الخلق- يعني السموات والأرض وما فيهن- سمى ذلك كله عرشا له، وهذا القول يقول به- أيضا- بعض المعتزلة وعامة متأخري الأشاعرة، وقد بينت هذا كله في قسم الدراسة، وذكرت ردود السلف على زعمهم هذا وإبطالهم له.

السَّمَاوَاتِ1، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ2، وَإِنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْ

_ 1 ينكر الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة والفلاسفة النفاة وعامة متأخري الأشاعرة والقرامطة الباطنية علو الله وارتفاعه فوق خلقه واستوائه على عرشه، تحت دعوى التوحيد والتنزيه ونفي التشبيه والتأويل، وذلك لأنهم يقولون: إن إثبات العلو يستلزم الجهة والمحايثة والحد والحركة والانتقال، وهذه الأمور على زعمهم تستلزم الجسمية لأنها أعراض، والأعراض لا تقوم إلا بجسم، والأجسام حادثة، والله منزه عن الحوادث، فقاموا تحت هذه الدعوى بتأويل النصوص الثابتة في إثبات العلو، فزعموا أن المراد بها علو القهر والغلبة، وأولوا نصوص الاستواء بالاستيلاء، وهم في كل ذلك إنما استندوا على حجج عقلية- على حسب زعمهم- ابتدعوها وأسسوها وجعلوها مقدمة على كل نص، وليس لهم في دعواهم هذه أي دليل من القرآن والسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وجميع أهل البدع فد يتمسكون بنصوص، كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة وغيرهم إلا الجهمية، فإنه ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه في النفي" "الفتاوى": (5/ 122) ، وقد تقدم في قسم الدراسة ذكر أقوالهم وأدلتهم والرد عليهم. 2 ينقسم الجهمية المنكرون لعلو الله إلى قسمين: القسم الأول: وهم الذين ذكر المؤلف مذهبهم هنا وهم القائلون بأن الله بذاته في كل مكان وهذا هو قول النجارية وكثير من الجهمية وبخاصة عبادهم وصوفيتهم ومتكلموهم وأهل المعرفة والتحقيق منهم، كما يقول به "أهل الوحدة" القائلون بوحدة الوجود، ومن كان قوله مركبا من الحلول والاتحاد. ويحتج هؤلاء لقولهم هذا بمقدمات وحجج عقلية مبتدعة، بنوها على أصول فلسفية كانوا قد تأثروا بها من غير أساس يعتمد عليه في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كما أنهم- أيضا- يحتجون ببعض النصوص من القرآن، كنصوص "المعية" و"القرب". وقد تقدم في قسم الدراسة ذكر أدلتهم والرد عليها. أما القسم الثاني: فهم نفاة المعطلة القائلون بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، ولا هو مباين له، ولا محايث له، فهم ينفون بذلك الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود منهما. وهذا القول هو ما يذهب إليه النظار والمتكلمون من هؤلاء المعطلة الجهمية، ويرجع السبب في قولهم هذا أنهم بالغوا في نفي التشبيه حتى أدى بهم ذلك إلى نفي وجوده بالكلية خشية أن يشبهوا، فهم يقولون بهذه المقالة هربا- على حد زعمهم- من إثبات الجهة والمكان، لأن في ذلك تجسيما وهو تشبيه عندهم، فلذلك هم يقولون: "إنه يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات، فنحن نسد الباب بالكلية". وقد استند هؤلاء المعطلة على حجج عقلية مزعومة، وليس لهم على قولهم هذا أي مستند أو شبهة في القرآن أو السنة. كما أن كثيرا من هؤلاء الجهمية المعطلة من يجمع بين كلا المذهبين فتجدهم في حالة نظرهم وبحثهم يقولون بسلب الوصفين المتقابلين فيقولون: لا هو داخل العالم ولا خارجه، وفي حالة تعبدهم وتألههم يقولون بأنه في كل مكان ولا يخلو منه شيء، وقد تقدم تفصيل المسألة في الباب الثالث من قسم الدراسة.

خَلْقِهِ، وَلَا يَتَخَلَّصُ الْخَلْقُ مِنْهُ إِلَّا أن يفنيهم أجمع، فَلَا يَبْقَى مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مع الآخر، الْآخَرِ مِنْ خَلْقِهِ مُمْتَزِجٌ بِهِ، فَإِذَا أَفْنَى خَلْقَهُ تَخَلَّصَ مِنْهُمْ وَتَخَلَّصُوا

مِنْهُ1 تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

_ 1 هذا القول هو مذهب طوائف من الجهمية كالقرامطة والاتحادية والحلولية كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض وأتباعهم الذين يبنون مذهبهم على الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، كما أن هذا القول وقع فيه كثير من متأخري الصوفية، وهو لازم قول الفلاسفة والمعتزلة. فالحلولية والاتحادية يقولون: إن الوجود واحد، فالوجود الواجب للخالق هو الوجود الممكن للمخلوق، ويظهر قولهم جليا عند تفسيرهم لقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} ، فيقولون: إن ذلك الوجه هو وجود الكائنات، ووجه الله هو وجوده، فيكون وجوده وجود الكائنات دون تميز بين الوجود الواجب والوجود الممكن، وهذا عندهم هو غاية التحقيق والعرفان. أما بيان كون هذا القول لازم لقول الفلاسفة فإن ابن سينا وأمثاله يجعلون وجود الله وجودا مطلقا بشرط الإطلاق- أي أن وجوده في الذهن لا في الأعيان- فلا يتميز بحقيقة تخصه. وهذا هو النوع الأول من أنواع الحلول، ويسمى الحلول المطلق وقول الجهمية من المتقدمين والمتأخرين لا يخرج عن هذا. والنوع الثاني من الحلول: هو الحلول الخاص، وهو قول النسطورية من النصارى ونحوهم ممن يقول: إن اللاهوت حل في الناسوت وتدرع به كحلول الماء في الإناء، وهؤلاء حققوا كفر النصارى بسبب مخالطتهم للمسلمين، وكان أولهم في زمان المأمون، وهو قول من وافق هؤلاء النصارى من غالية هذه الأمة، كغالية الرافضة الذين يقولون: إنه حل بعلي ابن أبي طالب وأئمة أهل بيته، وغالية النساك الذين يقولون بالحلول في الأولياء ومن يعتقدون فيه الولاية، أو في بعضهم: كالحلاج ويونس والحاكم ونحو هؤلاء. "الفتاوى": (2/ 25- 26، 171- 172، 294- 296) .

وَمَنْ قَالَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ فَإِلَى التَّعْطِيلِ يَرْجِعُ قَوْلُهُمْ. وَقَدْ عَلِمَ الْعَالِمُونَ أَنَّ اللَّهَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ قَدْ كَانَ مُتَخَلِّصًا مِنْ خَلْقِهِ بَائِنًا مِنْهُمْ، فَكَيْفَ دَخَلَ فِيهِمْ1؟

_ 1 بعد أن بين المؤلف مذهب هؤلاء الجهمية في إنكارهم لعلو الله واستوائه على عرشه، وإنكارهم للعرش، وقولهم بأن الله حال بذاته في كل مكان، شرع بعد ذلك في بيان مذهب السلف في هذه الأمور وأدلتهم عليها، والرد على زعم هؤلاء المعطلة فيما ذهبوا إليه، وبدأ هنا بالإشارة إلى الدليل العقلي الذي يثبت علو الله على خلقه وبينونته عنهم، وقد ورد تفصيل هذا الدليل في كلام الإمام أحمد- رحمه الله- الذي أورده في كتابه "الرد على الزنادقة والجهمي": ص 95 - 96، حيث قال: "إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله تعالى حين زعم أنه في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان، فقل له: أليس كان الله ولا شيء، فيقول: نعم. فقل له: حين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا من نفسه؟ فإنه يصير إلى ثلاثة أقاويل، لابد له من واحد منها: إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه، كفر حين زعم أن الجن والإنس والشياطين في نفسه. وإن قال: خلقهم خارجا من نفسه، ثم دخل فيهم، كان هذا كفرا أيضا حين زعم أنه دخل في مكان وحش قذر رديء. وإن قال: خلقهم خارجا من نفسه ثم لم يدخل فيهم، رجع عن قوله أجمع، وهو قول أهل السنة والجماعة. ولعل المؤلف أراد بالبدء بالدليل العقلي قبل غيره من الأدلة- الإشارة إلى فساد هذا القول من حيث العقل الذي له الدرجة العالية عند الجهمية بحيث إنهم يقدمونه على الكتاب والسنة. وقد أورد الدارمي في "الرد على الجهمية": ص 18 هذا الدليل العقلي في معرض رده على هؤلاء الجهمية حيث قال: "أرأيتم إذا قلتم: هو في كل مكان، وفي كل خلق، كان الله إلها واحدا قبل أن يخلق الخلق والأمكنة، قالوا: نعم. قلنا: فحين خلق الخلق والأمكنة أقدر أن يبقى كما كان في أزليته في غير مكان، فلا يصير في شيء من الخلق والأمكنة التي خلقها بزعمكم، أولم يجد بدا من أن يصير فيها ولم يستغن عن ذلك قالوا: بلى. قلنا: فما الذي دعا الملك القدوس إذ هو على عرشه في عزه وبهائه بائن من خلقه أن يصير في الأمكنة القذرة، وأجواف الناس والطير والبهائم، ويصير بزعمكم في كل زاوية وحجرة ومكان منه شيء، لقد شوهتم معبودكم إذا كانت هذه صفته، والله أعلى وأجل من أن تكون هذه صفته فلا بد لكم أن تأتوا ببرهان بين على دعواكم من كتاب ناطق أو سنة ماضية أو إجماع من المسلمين، ولن تأتوا بشيء منه أبدا.

تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُوصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. بَلْ هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ كَمَا قَالَ1، مُحِيطٌ بِالْعَرْشِ2،

_ 1 جاء ذكر استواء الله- سبحانه وتعالى- على عرشه في سبعة مواضع من القرآن الكريم، وفي كل هذه المواضع تمدح رب السموات والأرض نفسه بهذه الصفة التي هي صفة الاستواء، وقد جاء ذكر الاستواء في هذه المواضع مصحوبا بما يبهر العقول من صفات جلاله وكماله التي هي منها، وفى ذلك أعظم رد على المعطلة الذين نفوا علو الله واستواءه على عرشه. 2 الله سبحانه وتعالى- كما أخبر عن نفسه في كتابه العزيز- محيط بعلمه وقدرته بالعرش وبكل شيء في هذا الوجود قال تعالى: {أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [سورة فصلت، الآية: 54] ، وقال تعالى: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [سورة البروج، الآية: 25] ، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً} [سورة النساء، الآية: 126] . فهذه الإحاطة الواردة في هذه الآيات المراد بها إحاطة عظمته وسعة علمه وقدرته سبحانه وتعالى، فعلمه سبحانه وتعالى نافذ في جميع المخلوقات فلا تخفى عليه خافية من عباده، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وليس المراد بالإحاطة هنا إحاطة ذاته سبحانه وتعالى، وأن المخلوقات داخل ذاته المقدسة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. والله أعلم.

مُتَخَلِّصٌ مِنْ خلقه، بائن منه1. عِلْمُهُ فِي خَلْقِهِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ عِلْمِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْعَرْشَ كان قبل خلق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى الماء، وأخبرنا عز وجل أَنَّهُ صَارَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ وَمِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْعَرْشِ فَاسْتَوَى على العرش2، قال عز جَلَّ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى

_ 1 لفظة "بائن" لم تكن معروفة على عهد الصحابة- رضوان الله عليهم- ولم يتلفظوا بها في أقوالهم عند الكلام على مسألة العلو، وقد كان السبب في استعمال السلف لها هو ابتداع الجهمية لقولهم بأن الله بذاته في كل مكان، فاقتضت ضرورة البيان والإيضاح أن يتلفظ أئمة السلف بهذه اللفظة، وقد تتابع استعمالها منهم دون أن ينكر أحد منهم ذلك. 2 تعبير المؤلف بكلمة "صار" قد يفهم منه أن الله قبل استوائه على العرش كان شيء من المخلوقات فوقه، والمؤلف لا يقصد هذا المعنى ولكن لو كان تعبيره بما ورد كلفظة "استوى" لكان أولى. وخلاصة مذهب السلف في هذه المسألة أن الله لم يزل ولا يزال عاليا على مخلوقاته، وصعوده سبحانه وتعالى وارتفاعه إلى السماء إنما هو من جنس نزوله إلى السماء الدنيا، فإذا كان سبحانه وتعالى في نزوله لم يصر شيء من المخلوقات فوقه، فهو- سبحانه- يصعد إلى السماء وإن لم يكن منها شيء فوقه، واستواءه- سبحانه وتعالى- على العرش بعد أن خلق السموات والأرض في ستة أيام إنما هذا الاستواء هو:- علو خاص-، ذلك لأن من المعلوم أن كل مستو على شيء هو عال عليه، وليس كل عال على شيء مستويا عليه، ولهذا لا يقال لكل ما كان عاليا على غيره أنه مستو عليه، ولكن كل ما قيل فيه: إنه استوى على غيره، فإنه عال عليه. والذي أخبر الله أنه كان بعد خلق السموات والأرض "الاستواء" لا مطلق العلو، مع أنه يجوز أنه كان مستويا على العرش قبل خلق السموات والأرض لما كان عرشه على الماء، ثم لما خلق هذا العالم كان عاليا عليه ولم يكن مستويا عليه، وبعد الانتهاء من خلق هذا العالم استوى على العرش. فالأصل أن علوه على المخلوقات وصف لازم له، كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته، ولهذا قال فيها {ثُمَّ اسْتَوَى} ومن أجل ذلك كان الاستواء من الصفات السمعية المعلومة بالخبر، وأما علوه على المخلوقات فهو عند أئمة أهل الإثبات من الصفات العقلية المعلومة بالعقل مع السمع. انظر: "الفتاوى": (5/ 521- 523) بتصرف.

الْمَاءِ} 1، وقال: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ... {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 2.

_ 1 سورة هود، الآية: 7. 2 سورة فصلت، الآيات: 9- 11.

ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ مَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} 1. "ق 51/ ب" وَقَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ} 2. ففسرت الْعُلَمَاءُ قَوْلَهُ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} يَعْنِي: عِلْمَهُ3.

_ 1 سورة المجادلة، الآية: 7. 2 سورة الحديد، الآية: 4. 3 ذكر المؤلف هنا أن السلف يجمعون على تفسير المعية في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} بمعية العلم، وقد نقل هذا الإجماع غير واحد. قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب "التمهيد" (138/7) : "إن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله". وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (5/ 193) - بعد أن نقل كلام ابن عبد البر هذا وأقره-: "فهذا ما تلقاه الخلف عن السلف إذ لم ينقل عنهم غير ذلك، إذ هو الحق الظاهر الذي دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية" اهـ. وقال- أيضا-: "وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا: هو معهم بعلمه. وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم فيه أحد يعتد بقوله، وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم. ثم ذكر الشيخ ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ، قال: هو على العرش، وعلمه معهم. وروى- أيضا- عن سفيان الثوري أنه قال: علمه معهم. وروى- أيضا- عن الضحاك بن مزاحم في قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُم} إلى قوله: {أَيْنَ مَا كَانُوا} قال: هو على العرش، وعلمه معهم. وقال أبو عمرو الطلمنكي: وأجمعوا- يعني أهل السنة والجماعة- على أن لله عرشا، وعلى أنه مستو على عرشه، وعلمه وقدرته وتدبيره بكل ما خلقه قال: فأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ونحو ذلك في القرآن أن ذلك علمه وأن الله فوق السموات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء. انظر: "مجموع الفتاوى": (5/519) . وقد استدل حلولية الجهمية بهذه الآية على قولهم بأن الله بذاته في كل مكان فادعوا أن المراد بالمعية في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} معية الذات وقد تقدم الرد على زعمهم هذا وإبطاله.

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1، فَاللَّهُ تَعَالَى اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَرَى كُلَّ شيء في السموات والأراضين، وَيَعْلَمُ وَيَسْمَعُ كُلَّ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَهُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ، لَا الْحُجُبُ الَّتِي احتجب بها عن خَلْقِهِ تَحْجُبُهُ مِنْ أنْ يَرَى وَيَسْمَعَ مَا فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى2، وَلَكِنَّهُ خَلَقَ الْحُجُبَ وَخَلَقَ الْعَرْشَ كَمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِمَا

_ 1 سورة طه، الآية: 5. 2 إن الله سبحانه وتعالى مع استوائه على عرشه واحتجابه عن خلقه فهو لا يخفى عليه مثقال ذرة، قال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سورة يونس، الآية: 61] ، وقال تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سورة سبأ، الآيتان: 2- 3] . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (6/ 15) في معرض كلامه على الحجب: "وأما حجبها لله عن أن يرى ويدرك فهذا لا يقوله مسلم، فإن الله لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وهو يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة السوداء، ولكن يحجب أن تصل أنواره إلى مخلوقاته كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه" فالبصر يدرك الخلق كلهم، وأما السبحات فهي محجوبة بحجابه النور أو النار".

شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ وَمَا يَحْمِلُهُ إِلَّا عَظَمَتُهُ1 فَقَالَ: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} 2، وَقَالَ

_ 1 إن السلف ومن وافقهم في إثبات استواء الله على العرش يقولون بأن الله غني عن العرش وعن كل ما سواه، وأنه سبحانه لا يفتقر إلى شيء من المخلوقات، بل هو سبحانه مع استوائه على العرش فهو يحمل العرش وحملة العرش بقدرته، ولا يمثل استواء الله باستواء المخلوقين، ومن قال: إنه في استوائه على العرش محتاج إلى العرش كاحتياج المحمول إلى حامله فإنه كافر، لأن الله غني عن العالمين حي قيوم، وهو الغني المطلق وما سواه فقير إليه، واستواؤه سبحانه ثابت بالكتاب والسنة واتفاق سلف الأئمة، فيجب إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، وأن ينفى عنه مماثلة المخلوقات، ويعلم أن ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا أفعاله. انظر: "مجموع الفتاوى": (2/ 188) ، (5/ 262- 263) . 2 سورة السجدة، الآية: 5.

جَلَّ وَعَزَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} 1، وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} 2، وَقَالَ: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} 3. وَأَجْمَعَ الْخَلْقُ جَمِيعًا أَنَّهُمْ إِذَا دَعَوُا اللَّهَ جَمِيعًا رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَوْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى مَا كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مَعَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ4. ثُمَّ تَوَافَرَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَرْشَ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ بِذَاتِهِ ثُمَّ خلق الأرض والسموات، فَصَارَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، وَمِنَ السَّمَاءِ إلى العرش. (52/ أ) فَهُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَفَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ5 مُتَخَلِّصًا

_ 1 سورة فاطر، الآية: 10. 2 سورة آل عمران، الآية: 55. 3 سورة النساء، الآيتان: 157- 158. 4 ما ذكره المؤلف هنا هو من دليل الفطرة، وقد تقدم الحديث عليه في قسم الدراسة صر،155. 5 لفظة "بذاته" لم تكن معروفة في عهد الصحابة- رضوان الله عليهم-، ولكن لما ابتدع الجهم وأتباعه القول بأن الله في كل مكان- ذكرها بعض المتأخرين من السلف للتوضيح والتفرقة بين كونه تعالى معنا، وبين كونه تعالى فوق العرش، فهو كما قال سبحانه وتعالى معنا بعلمه، وأنه على العرش كما أعلمنا حيث يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وقد تلفظ بهذه الكلمة جماعة من العلماء منهم عثمان بن سعيد الدارمي، ويحيى بن عمار - واعظ سجستان- في رسالته، والحافظ أبو نصر الوائلي السجزي في كتاب "الإبانة" له، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو عمر الطلمنكي، وأبو إسماعيل الأنصاري الهروي، وعبد القادر الجيلي، وذكر ابن القيم أن أكثر من صرح باستعمال كلمة بذاته أئمة المالكية، ومنهم أبو محمد بن أبي زيد القيرواني، والقاضي عبد الوهاب، وأبو بكر الباقلاني، وأبو عبد الله القرطبي وغيرهم. وقد أنكر الذهبي استعمال هذه العبارة ولعل السبب في ذلك يرجع لكون أوائل السلف لم يقولوا بها، ولم ترد في أقوالهم، وإنما قالها بعض المتأخرين منهم، فأنكر ذلك مبالغة منه في المحافظة على نهج السلف. والكلمة معناها سليم، وليس فيها إثبات ما لم يرد، واستعمال بعض السلف لها إنما هو من باب تأكيد على أن الاستواء حقيقة وليس مجازا كما يزعم الجهمية وأتباعهم. والله أعلم. انظر: "مختصر الصواعق المرسلة": (2/ 134) ، "مختصر العلو" للذهبي: ص 2560255.

مِنْ خَلْقِهِ بَائِنًا مِنْهُمْ، عِلْمُهُ فِي خَلْقِهِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ عِلْمِهِ.

1- قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ1، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ2، عَنِ الْأَعْمَشِ3، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ4، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ

_ 1 هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي التميمي اليربوعي: ثقة حافظ من كبار العاشرة، مات سنة سبع وعشرين ومائتين، أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 50) ، "تقريب التهذيب": ص 14. 2 هو أبو بكر بن عياش "بتحتانية ومعجمة" بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ الحناط "بمهملة ونون" مشهور بكنيته، والأصح أنها اسمه، وقيل: اسمه محمد أو عبد الله أو شعبة أو روبة أو مسلم أو خداش أو مطرف أو حماد أو حبيب، عشرة أقوال، ثقة، عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح، من السابعة، مات سنة أربع وتسعين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (12/ 34) ، "تقريب التهذيب": ص 396. 3 هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي الأعمش، يقال: أصله من طبرستان وولد بالكوفة، ثقة، حافظ، عارف بالقراءة، ورع، لكنه يدلس، من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين ومائة أو ثمان وأربعين ومائة، وكان مولده سنة إحدى وستين. قال الذهبي: متى قال "حدثنا" فلا كلام، ومتى قال "عن" تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ أكثر عنهم. "ميزان الاعتدال": (2/ 224) ، "تهذيب التهذيب": (4/ 222) ، "تقريب التهذيب": ص 136. 4 هو جامع بن شداد المحاربي، أبو صخرة الكوفي. روى عن صفوان بن محرز وغيره، وعنه الأعمش وغيره، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع ومائة، ويقال ثمان وعشرين ومائة، أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب ": (2/ 56) ، "تقريب التهذيب": ص 53.

مُحْرِزٍ1، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ2 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ غَيْرَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ، ثم خلق السموات". قَالَ: قِيلَ لِي: أَدْرِكْ نَاقَتَكَ، قَالَ: فَقُمْتُ فَإِذَا السَّرَابُ يُنْقَطِعٌ دُونَهَا، فَلَيْتَهَا ذَهَبَتْ، قَالَ: يَقُولُ لِمَا فَاتَهُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3.

_ 1 هو صفوان بن محرز (بمضمومة وسكون مهملة وكسر راء فزاي، "المغني": ص 223) بن زياد المازني، وقيل الباهلي، قال الأصمعي: كان نازلا في بني مازن وليس منهم. روى عن عمران بن حصين وغيره، وعنه أبو صخرة جامع بن شداد وغيره، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة أربع وسبعين. روى له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (4/ 435) ، "تقريب التهذيب": ص 153. 2 هو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف بن عبد نهم الخزاعي أبو نجيد (بنون وجيم مصغرا) ، أسلم عام خيبر سنة سبع، وشهد ما بعدها من غزوات مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من فضلاء الصحابة، وقض بالكوفة، ومات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة. "الإصابة": (3/ 27) ، "تقريب التهذيب": ص 264. 3 هكذا أورده ابن أبي شيبة مختصرا. والحديث أخرجه من طريق الأعمش: البخاري في "صحيحه"، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [سورة الروم، الآية:27] ، انظر: "فتح الباري": (6/286، حديث 3190) عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه. وأيضا في كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . انظر: "فتح الباري": (13/ 403، حديث 7418) عن عبدان عن ابن حمزة. والإمام أحمد في "مسنده": (4/ 431، 432) عن أبي معاوية. والفريابي في "القدر": ص 18 عن يعقوب بن إبراهيم عن أبي معاوية. كلهم عن الأعمش به، وبعضهم يزيد على بعض في الحديث. وروى هذا الحديث عن جامع بن شداد سفيان الثوري- أيضا-. أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، عن محمد بن كثير، وأيضا في كتاب المغازي، باب وفد بني تميم، انظر: "فتح الباري": (9/83، حديث 4365) عن أبي نعيم، وأيضا في باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن، انظر: "فتح الباري": (8/96، حديث 4386) عن عمرو بن علي بن أبي عاصم. والترمذي في "سننه"، كتاب المناقب، باب مناقب في ثقيف وبني حنيفة: (5/732، حديث 3951) عن محمد بن بشار بن عبد الرحمن بن مهدي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والإمام أحمد في "مسنده": (4/426) عن وكيع وعبد الرحمن، و (4/ 433) عن عبد الرزاق، و (4/ 436) عن وكيع. كلهم عن سفيان الثوري به، بعضهم مختصرا وبعضهم مطولا. وأيضا رواه عن جامع بن شداد عبد الرحمن المسعودي. أخرجه النسائي في "الكبرى"، كتاب التفسير، انظر: "تحفة الأشراف": (8/183) عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث عن عبد الرحمن المسعودي عن جامع بن شداد به. وأورد الحديث ابن كثير في "تفسيره": (2/ 437) من رواية الإمام أحمد عن أبي معاوية، وقال: "هذا حديث مخرج في صحيحي البخاري، ومسلم، بألفاظ كثيرة، فمنها قالوا: جئناك نسألك عن أول هذا الأمر، فقال: "كان الله ولم يكن شيء قبله"، وفي رواية: "غيره"، وفي رواية: "معه، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض". وقوله: "إنه" مخرج في "صحيح مسلم" لم أقف عليه. التعليق: الحديث جاء بألفاظ مختلفة فمنها قوله: "كان الله ولم يكن شيء قبله"، وفي رواية: "غيره"، وفي رواية: "معه"، ومن المعلوم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال أحد هذه الألفاظ الثلاثة، والآخران قد رويا بالمعنى، لأن المجلس كان واحدا، وسؤالهم وجوابهم كان في ذلك المجلس، وقد اختلف في ترجيح إحدى هذه الروايات على الأخرى. وقد ذهب شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم إلى ترجيح رواية "ولا شيء قبله"، واستدلوا على ذلك بما ثبت في "صحيح مسلم": (4/2084، حديث 2713) عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول في دعائه: "أنت الأول فليس قبلك شيء" الحديث. كما أن أكثر أهل العلم إنما يرويه بهذا اللفظ، كالحميدي، والبغوي، وابن الأثير، وغيرهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن مراد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا الحديث هو إخباره عن خلق هذا العالم المشهود الذي خلقه في ستة أيام، وهذا ما يشهد له سياق الحديث من عدة وجوه هي: أولا: أن قول أهل اليمن "جئناك لنسألك عن أول هذا الأمر" إما أن يكون الأمر المشار إليه هذا العالم، أو جنس المخلوقات. فإن كان المراد هو الأول كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أجابهم. وإن كان المراد هو الثاني لم يكن قد أجابهم لأنه لم يذكر إلا خلق السموات والأرض. وهذا لا يجوز في حق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل هو منزه عنه، فمن هذا نستدل على أن قوله "جئناك لنسألك عن أول هذا الأمر" كان مرادهم خلق هذا العالم، والله أعلم. ثانيا: أن قولهم "هذا الأمر" إشارة إلى حاضر موجود، ولو سألوه عن أول الخلق لم يشيروا إليه بهذا، لأنه أمر لم يشهدوه ولم يعلموه أيضا، والرسول لم يخبرهم عنه، فعلم أن سؤالهم كان عن أول هذا العالم المشهود. ثالثا: أن قوله: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء" ليس في هذا ذكر لأول المخلوقات مطلقا، بل ولا فيه الإخبار بخلق العرش والماء، وإن كان ذلك كله مخلوقا كما أخبر عن ذلك في مواضع آخر، ولكن هنا في جوابه لأهل اليمن إنما. كان مقصوده إخباره إياهم عن بدء خلق السموات والأرض وما بينهما، لا بابتداء ما خلقه الله قبل ذلك. رابعا: أنه يثق ذكر تلك الأشياء: التي هي العرش والماء- بما يدل على كونها ووجودها، ولم يتعرض لابتداء خلقها، وذكر السموات والأرض بما يدل على خلقها. اهـ. وابن تيمية- رحمه الله تعالى- يقرر بكلامه هذا أن الله لم يزل فعالا لما يريد، ويرد على من يقول المعنى: كان الله ولا شيء معه أي لا مخلوق، ولا فعل، ولا مفعول، ثم صار يخلق ويفعل بعد أن لم يكن يخلق أو يفعل، وهذا هو قول الجهمية والمعتزلة. ولما كان ابن تيمية يقرر هذه المسألة، ويرد على الجهمية والمعتزلة ظن كثير ممن لم يفهم مراده ولم يعرف مذهب السلف في هذه المسألة ظن أنه يقول بقدم العالم، لأنه يقول بحوادث لا أول لها، لأنهم يسمون أفعال الله الاختيارية، التي يفعلها بإرادته حوادث. ولم يعلم هؤلاء أن لازم قولهم أشنع وأفظع، وهو أن الرب تعالى كان معطلا عن الفعل ثم صار فاعلا لأفعاله بعد أن لم يكن كذلك. مع أن ما قال به شيخ الإسلام ابن تيمية هو ما قال به السلف: كالإمام أحمد في "الرد على الجهمية": ص 90، 92. والدارمي في "نقض عثمان بن سعيد على بشر المريسي". والبخاري في "خلق أفعال العباد". أما الحافظ ابن حجر فقد اختار في مسألة الترجيح بين الألفاظ الثلاثة الجمع بين الروايات، وقال إن قضية الجمع تقتضي حمل رواية: "ولم يكن شيء قبله" على رواية: "ولا شيء غيره" لا العكس، والجمع يقدم على الترجيح باتفاق. والجواب على هذا الترجيح: ممكن لو احتمل أن يكون الحديث صدر منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقامين، أما إذا كان في مجلس واحد، والراوي واحدا، وقد أخبر أنه لم يبق إلى نهاية المجلس، بل قام لما سمع هذا القول من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولحق براحلته، فلا بد أن اللفظ الذي سمعه أحد هذه الألفاظ الثلاثة، والآخرين قد رويا بالمعنى، فأصبح الجمع لا وجه له. وحمل هذه الرواية على رواية: "ولا شيء غيره" تحكم بلا دليل، حمل عليه التعصب للمذهب، وإلا فالواجب حملها على المعروف من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الموافق لكلام الله تعالى. وأما قول الحافظ: إن هذه المسألة من مستشنع ما ينسب إلى ابن تيمية، فقد تقدم أن هذا هو مذهب السلف، وأن ما يريد ترجيحه الحافظ هو مذهب الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، وأهل البدع. وقد أورد بعض الاتحادية الملاحدة زيادة على هذا الحديث وهي "وهو الآن على ما عليه كان". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذه الزيادة كذا مفترى على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اتفق أهل العلم بالحديث على أن هذا اللفظ موضوع مختلق، وليس هو في شيء من دواوين الحديث لا كبارها ولا صغارها، ولا رواه أحد من أهل العلم بإسناد، لا صحيح ولا ضعيف، ولا بإسناد مجهول، وإنما تكلم بهذه الكلمة بعض متأخري متكلمي الجهمية، فتلقاها منهم هؤلاء الاتحادية الذين وصلوا إلى آخر التجهم وهو التعطيل والإلحاد. وقد قصد الجهمية بهذه الزيادة نفي الصفات التي وصف الله بها نفسه، من الاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، وغير ذلك، فقالوا: كان في الأزل وليس مستويا على العرش، وهو الآن على ما عليه كان، فلا يكون على العرش لما يقتضي ذلك من التحول والتغير. انظر: "مجموع الفتاوى": (2/ 272) ، (18/ 210، 242) ، "مدارج السالكين ": (3/ 391) ، "فتح الباري": (6/ 289) ، (13/410) ، "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري" للشيخ عبد الله الغنيمان، ص 379- 382.

والأحاديث كلها مدرجة على شيوخ المصنف محمد بن عثمان بن أبي شيبة1

_ 1 هكذا في "الأصل"، والذي يتضح من سياق هذه العبارة أنها ليست من كلام المؤلف، ولعلها كانت تعليقا من أحد الرواة أو القراء ثم أدخلها بعض النساخ في "الأصل"، وقوله بأنها مدرجة على شيوخ المصنف لا صحة له.

2- حَدَّثَنَا أَبِي1 وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ2 قَالَا،. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ 3 عَنْ سُفْيَانَ4، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ

_ 1 هو عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خُواستي (بضم معجمة فخفة واو فألف مهملة فسين ساكنة فمثناة فوق فتحته، "المغني": ص 96) العبسي مولاهم أبو الحسن بن أبي شيبة الكوفي صاحب المسند والتفسير. ثقة، حافظ، شهير، وله أوهام، وقيل: كان لا يحفظ القرآن، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين، وله ثلاث وثمانون سنة. أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (7/ 148) ، "تقريب التهذيب": ص 235. 2 هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خواستي، الواسطي الأصل أبو بكر بن أبي شيبة. ثقة، حافظ، صاحب تصانيف، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين. أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (6/ 2) ، "تقريب التهذيب": ص 187. 3 هو وكيع بن الجراح بن مليح (بمفتوحة وكسر لام وبحاء مهملة، "المغني": ص 240) الرؤاسي (بضم الراء وهمزة ثم مهملة) أبو سفيان الكوفي، ثقة، حافظ، عابد، من كبار التاسعة. مات سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومائة، وله سبعون سنة. أخرج له الجماعة. "تقريب التهذيب": ص 369. 4 هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي. ثقة حافظ، فقيه، عابد، إمام، حجة، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس، مات سنة إحدى وستين ومائة، وله أربع وستون سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (4/ 111) ، "تقريب التهذيب": ص 128.

عَمْرٍو1، عْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ2 قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ، قَالَ: "عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ"3.

_ 1 هو المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي. روى عن سعيد بن جبير وغيره، وعنه الأعمش وغيره. صدوق ربما وهم، من الخامسة. روى له البخاري والأربعة. "تهذيب التهذيب": (10/ 319) ، "تقريب التهذيب": ص 348. 2 هو سعيد بن جبير الأسدي، مولاهم الكوفي. ثقة، ثبت، فقيه، من الثالثة، قتل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين، ولم يكمل الخمسين. "تقريب التهذيب": ص 130. 3 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (15/ 249) ، والدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 445، وابن أبي عاصم في "السنة": (1/ 258) ، والحاكم في "المستدرك": (2/ 341) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 480. كلهم بإسنادهم عن سفيان عن الأعمش بنحوه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وإسناده جيد موقوف. التعليق: إن أمور العرش وما يتعلق به هي من الأمور الغيبية التي يجب أن يتوقف علم الإنسان وإحاطته بها على ما جاء به الخبر من الكتاب أو السنة، لأن هذا هو السبيل الوحيد إلى ذلك، كما قال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ} ومما جاء ذكره في القرآن عن عرش الرحمن تبارك وتعالى أنه كان على الماء قبل خلق السموات والأرض قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . وبمثل ذلك جاء الخبر من السنة، كما في حديث عمران بن حصين الذي تقدم، ففي ذلك إخبار عن مكان العرش قبل أن يخلق الله السموات والأرض وما فيهما، وحين البدء في خلقهما، فهذا ما ورد به الخبر عن مكان العرش قبل خلق السموات والأرض، وأما مكانه قبل أن يكون على الماء، فهذا ما لم يرد به خبر من الكتاب والسنة، ولذلك قال سليمان التيمي- رحمه الله تعالى-: "لو سئلت أين الله؟ لقلت في السماء، فإن قال: أين كان عرشه قبل السماء، لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل خلق الماء، لقلت: لا أعلم". "خلق أفعال العباد": ص 127. وإن كان ما يشير إليه حديث أبي رزبن الذي جاء فيه: "كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء" أن العرش من حين ابتدأ خلقه كان على الماء. وأما الماء المذكور أنه تحت العرش فليس المراد به ماء البحر، لأن ماء البحر إنما وجد بعد خلق السموات والأرض، وإنما الماء المذكور هنا هو ماء آخر تحت العرش، والله أعلم بكيفيته، وهذا الماء الذي تحت العرش ورد ذكره في حديث الأوعال عند قوله: "ثم فوق ذلك بحر ما بين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض" وفي ذلك إشارة إلى بقاء هذا الماء بعد خلق السموات والأرض وأن الذي اختلف إنما هو كون العرش تحمله الملائكة بعد أن كان محمولا على الماء. وأما ما روي عن ابن عباس من أن هذا الماء على متن الريح، فلعل المراد بهذه الريح الهواء الذي جاء ذكره في حديث أبي رزين عند قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء"، وأما كيفية هذه الريح وخلقها فالله أعلم به.

3- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ1، حَدَّثَنَا مَيْمُونٌ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّكُونِيُّ2، حَدَّثَنِي شَيْخٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَ: مِنْ أَيِّ الْعِرَاقِ؟ قَالَ: مِنْ أهل الكوفة (52/ ب) قَالَ: أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكَ وَلَا أَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، كَانَ الْمَاءُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ وَكَانَتِ الرِّيحُ عَلَى الْهَوَاءِ3.

_ 1 هو عقبة بن خالد بن عقبة السكوني، (بمفتوحة وضم كاف وبنون، "المغني": ص 138) أبو مسعود الكوفي المجدر (بفتح الجيم) . صدوق، صاحب حديث، من الثامنة، مات سنة ثمان وثمانين ومائة. أخرج له ابن ماجه في "التفسير. "تقريب التهذيب": ص 241. 2 لم أقف على ترجمته. 3 تقدم تخريجه وإسناده ضعيف لإبهام من روى عنه ميمون، وميمون أبو محمد السكوني لم أقف على ترجمته. التعليق: جاء في هذه الرواية زيادة وهي قوله: "وكانت الريح على الهواء" ولم أجد هذه الزيادة في الروايات الأخرى، بل إن باقي الروايات اقتصرت على قوله: "وكان الماء على متن الريح" ولا يخفى ضعف سند هذه الرواية، فلعل هذه العبارة زيادة من أحد الرواة. والله أعلم.

4- حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ1، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ2 عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ3 عَنِ أبن عباس و {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ثُمَّ رُفِعَ بُخَارُ الْمَاءِ ففتقت منه السموات، ثُمَّ خُلِقَ النُّونُ فُدُحِيَتِ4 الْأَرْضُ عَلَى ظَهْرِ النُّونِ5 فَتَحَرَّكَ فَمَادَتِ (6) ، فَأُثْبِتَتْ

_ 1 هو: منجاب (بكسر أوله وسكون ثانيه ثم جيم ثم موحدة) بن الحارث بن عبد الرحمن التميمي أبو محمد الكوفي. ثقة، من العاشرة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين، أخرج له مسلم، وابن ماجه في "التفسير". "تهذيب التهذيب": (1/297) ، "تقريب التهذيب": ص 347. 2 هو علي بن مسهر (بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء) القرشي الكوفي، قاضي الموصل، روى عن الأعمش وغيره. ثقة، له غرائب بعد ما أضر، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومائة. أخرخ له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (7/ 383) ، "تقريب التهذيب": ص 249. 3 هو حصين بن جندب بن الحارث بن وحشي بن مالك الجنبي (بفتح الجيم وسكون النون ثم موحدة، "المغني": ص 67) أبو ظبيان (بفتح المعجمة وسكون المعجمة) الكوفي. ثقة، من الثانية، مات سنة تسعين، وقيل غير ذلك، أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (2/ 379) ، "تقريب التهذيب": ص 76. 4 هو من الدحو، وهو البسط. "لسان العرب": (2/ 1338) ، مادة. دحا. 5 المراد بالنون هنا هو الحوت الذي يزعم أن الأراضين عليه.

بِالْجِبَالِ، فَإِنَّ الْجِبَالَ لَتَفْخَرُ عَلَيْهَا1.

_ 1 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (29/ 14) ، والآجري في "الشريعة": ص 178، 179، والحاكم في "المستدرك ": (2/498) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 127. كلهم بإسنادهم عن الأعمش عن أبي ظبيان به. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وإسناد المؤلف جيد ورجاله ثقات. التعليق: ما ذكره ابن عباس في هذا الأثر يتضمن مسألتين: الأولى: هي مسألة ترتيب خلق السموات، والأرض بالنسبة لخلق العرش، وهذه المسألة هي الشاهد من إيراد المؤلف لهذا الأثر في هذا الكتاب، وقد بين ابن عباس- رضي الله عنهما- مذهب السلف في هذا الشأن وذلك بأنهم يقولون بما دلت عليه النصوص الواردة في القرآن والسنة الدالة على أن خلق العرش سابق لخلق السموات والأرض، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ، ومن السنة ما تقدم في حديث عمران الذي جاء فيه: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض". وفي "صحيح مسلم" (8/ 51) عن عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء". وقد أجمع على هذا سلف الأمة وأئمتها،، ولم يخالفهم في ذلك سوى طوائف من المتكلمين زعموا أن السموات والأرض كانتا مخلوقتين قبل العرش، وهذا زعم باطل لا دليل لهم عليه، بل إن نصوص القرآن ترده. والله أعلم. وأما المسألة الثانية: التي جاء ذكرها في هذا الأثر فهي مسألة خلق السموات والأرض، وقد دلت الآيات القرآنية على أن خلق الأرض سابق لخلق السموات، قال تعالى: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [سورة فصلت، الآيات: 9- 12] ،. وقد مر خلق السموات والأرض بمراحل: وقد كانت المرحلة الأولى هي مرحلة خلق الأرض كما تقدم في الآيتين السابقتين، وقد كان ذلك مقدرا فيها بالقوة كما قال تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} أي: هيأ أماكن الزرع ومواضع العيون والأنهار. وأما المرحلة الثانية: فهي خلق السموات، قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} ، فالسموات خلقت من بخار الماء كما قال ابن عباس: "ثم رفع بخار الماء ففتقت منه السموات"، وفي ذلك رد على بعض المتكلمين الذين يزعمون أن السموات خلقت. من العدم المحض، وفي هذه المرحلة تم بناء السماء كما قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} ، وقال تعالى: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} ، وقال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات، الآيات: 27- 29] ،. وأما المرحلة الثالثة: فهي دحي الأرض كما قال تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [سورة النازعات، الآيات: 30- 33] . فدحى الأرض فأخرج منها ما كان مودعا فيها، فخرجت العيون، وجرت الأنهار، وهذه المرحلة هي التي أشار إليها ابن عباس بقوله: "فدحيت الأرض". وأما قول ابن عباس: "فمادت الأرض، فأثبتت بالجبال" فهذا ما يشهد له قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} [سورة الأنبياء، الآية: 31] . وجاء في "مسند" الإمام أحمد بن حنبل (3/124) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لما خلق الله الأرض جعلت تميد، فخلق الله الجبال فألقاها عليها فاستقرت، فتعجبت الملائكة من خلق الجبال...." الحديث. وأما قول ابن عباس: "فدحيت الأرض على ظهر النون" فالمراد بالنون هنا هو الحوت الذي يزعمون أن الأرض على ظهره، وأمر الحوت هذا لا أصل له في القرآن والسنة، وإنما هو من الإسرائيليات التي أخذها ابن عباس عن كعب الأحبار وغيره.

5- حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْأَسَدِيُّ1، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ2 عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ3، عَنْ

_ 1 هو القاسم بن محمد أبو عامر "الأسدي". سمع سفيان الثوري وعبد الله بن عمر، وروى عنه أبو ثميلة ومنجاب بن الحارث. "الجرح والتعديل": (7/ 119) . 2 هو سفيان الثوري، وتقدم ترجمته في. 3 هو إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي (بمفتوحة وسكون جيم، "المغني ": ص 45) أبو إسحاق الكوفي. روى عن مجاهد بن جبر وغيره. وعنه سفيان الثوري وغيره. صدوق لين الحفظ من الخامسة. أخرج له مسلم والأربعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 167) ، "تقريب التهذيب": ص 23.

مُجَاهِدٍ1 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا، ثُمَّ خَلَقَ الْقَلَمَ فَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"2.

_ 1 هو مجاهد بن جبر (بفتح الجيم وسكون الموحدة) المكي أبو الحجاج المخزومي، مولاهم المقرئ مولى السائب بن أبي السائب. ثقة إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة وله أربع وثمانون سنة. "تهذيب التهذيب":. (10/ 45) ، "تقريب التهذيب": ص 328. 2 أخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية": ص 15، 16، وابن جرير في "تفسيره": (17/29) ، والآجري في "كتاب الشريعة": ص 179، واللالكائي في "السنة": (3/ 396) . كلهم بإسنادهم عن مجاهد به، بنحوه. وقد ورد هنا مختصرا عن الباقين بلفظ أتم من هذا وهو: "قيل لابن عباس إن ناسا يقولون بالقدر، فقال: يكذبون بالكتاب، لإن أخذت بشعر أحدهم لأنصونه، إن الله- عز وجل- كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا، ثم خلق القلم فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه". وفي سند ابن أبي شيبة ضعف، وذلك لجهالة أبي عامر الأسدي إلا أنه قد توبع، فقد رواه الباقون من طرق أخرى يصح باجتماعها سند الحديث، وللحديث شاهد من حديث مرفوع في كتابة المقادير أخرجه أبو داود في "سننه"، كتاب السنة، باب في القدر: (5/76) ، والترمذي في "سننه"، كتاب التفسير، تفسير سورة نون: (5/ 424، الحديث 3319) بسندهما عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب، وماذا كتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة...." الحديث. التعليق: في قول ابن عباس: "كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا" إثبات أن الله مستو على عرشه قبل خلق السموات والأرض لما كان عرشه على الماء، وهذا لا يتعارض مع الاستواء الذي كان بعد خلق السموات والأرض، فإن الله كان على عرشه قبل خلق السموات والأرض وفي فترة خلق السموات والأرض كان عاليا على خلقه، ولم يكن مستويا على عرشه، ثم بعد خلق السموات والأرض استوى على عرشه بدليل قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} . وأما مسألة خلق العرش والقلم وأيهما أسبق خلقا فقد تقدم ذكر الخلاف على ذلك في قسم الدراسة.

6- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ1، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ

_ 1 هو عبد الله بن عمران بن أبي علي الأسدي أبو محمد الأصبهاني ثم الرازي. صدوق، من كبار الحادية عشرة، أخرج له ابن ماجه. قال أبو نعيم: حدث بأصبهان سنة خمس وعشرين ومائتين. "تهذيب التهذيب": (5/343) ، "تقريب التهذيب": ص 183، "أخبار أصبهان": (2/ 46) .

بْنُ سُلَيْمَانَ1، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ2 (6) عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى3 وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ4 حَدَّثَنَا عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى5 عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ

_ 1 هو إسحاق بن سليمان الرازي أبو يحيى العبدي، كوفي نزيل الري. روى عن عنبسة بن سعيد وغيره. ثقة فاضل، من التاسعة، مات سنة مائتين، وقيل قبلها. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 234) ، "تقريب التهذيب": ص 28. 2 هو عنبسة (بفتح أوله ثم نون ساكنة ثم موحدة ومهملة مفتوحتين) بن سعيد ابن الضريس (بضاد معجمة مصغرا) الأسدي أبو بكر الكوفي، قاضي الري، يقال له الرازي. ثقة، من الثامنة، أخرج له البخاري- تعليقا والترمذي والنسائي. "تهذيب التهذيب": (8/ 155) ، "تقريب التهذيب": ص 266. 3 قوله: "عن ابن أبي ليلى" خطأ من الناسخ، والصواب: حدثنا عنبسة ابن سعيد وعمرو بن أبي قيس عن ابن أبي ليلى، وهذا ما تشهد له المصادر الأخرى للحديث حيث إن بعضها روى الحديث من طريق عنبسة، والبعض الآخر من طريق عمرو بن أبي قيس، وجمع البعض بين الطريقين. 4 هكذا في "الأصل"، والصواب هو: عمرو بن أبي قيس الرازي الأزرق الكوفي نزيل الري. صدوق له أوهام، من الثامنة، أخرج له البخاري تعليقا. "تهذيب التهذيب": (8/ 93) ، "تقريب، التهذيب": ص 262. 5 هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عبد الرحمن الكوفي، الفقيه، قاضي الكوفة، روى عن المنهال بن عمرو وغيره، صدوق سيء الحفظ جدا، من السابعة، مات سنة ثمان وأربعين ومائة، من رواة الأربعة. "تهذيب التهذيب": (9/ 301) ، "تقريب التهذيب": ص

عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} قَالَ: كَانَ عَرْشُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جَنَّةً ثُمَّ اتَّخَذَ دُونَهَا أُخْرَى، ثُمَّ أَطْبَقَهُمَا بِلُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ قَالَ: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} 1 وَهِيَ الَّتِي لَا يَعْلَمُ الْخَلَائِقُ مَا فِيهِمَا، وَهِيَ الَّتِي قَالَ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} 2 تَأْتِيهِمْ3 مِنْهَا أَوْ مِنْهُمَا كُلَّ يَوْمٍ تَحِيَّةٌ4"5.

_ 1 سورة الرحمن، الآية: 62. 2 سورة السجدة، الآية: 17. 3 في "الأصل": "تأتيها"، والصواب: "تأتيهم" كما جاء في "تفسير" ابن جرير و" المستدرك" للحاكم. 4 في المصادر الأخرى: "تحفة" بدل: "تحية". 5 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (21/ 105) ، والحاكم في "مستدركه": (2/ 475) ، وأبو الشيخ في "العظمة": (ق 35/أ) ، وابن بطة في "الإبانة": (ق 195/ ب) ، والبيهقي في "البعث": (ق 46/ 1) مصورة الجامعة برقم 504 بنحوه. جميعهم من طريق إسحاق بن سليمان الرازي. وقد جاء في سند الحديث هنا "إسحاق بن سليمان نا عنبسة بن سعيد عن ابن أبي ليلى وعمرو بن قيس عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس". وعند ابن جرير، وابن بطة: ثنا إسحاق بن سليمان قال ثنا عمرو بن أبي قيس عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو به. وعند الحاكم والبيهقي: ثنا إسحاق بن سليمان الرازي ثنا عنبسة بن سعيد وعمرو بن أبي قيس وغيره عن المنهال بن عمرو به، فأسقط الحاكم والبيهقي ابن أبي ليلى من إسنادهما ولم يبد لي وجه الصواب من هذا الخلاف. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ولكن ابن أبي ليلى صدوق سيء الحفظ، وإذا كان سند الحاكم والبيهقي سالما من السقط ففيه متابعة من عمرو بن أبي قيس له. التعليق: الشاهد من إيراد هذا الأثر هنا هو معرفة مكان الجنة بالنسبة إلى عرش الرحمن، والذي دل عليه هذا الأثر ودلت عليه الأحاديث الصحيحة أن عرش الرحمن- تبارك وتعالى- هو سقف الجنة. فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن". فالخبر يصرح بأن عرش الرحمن- عز وجل- فوق جنته- تبارك وتعالى- وأما الجنتان اللتان جاء ذكرهما في الخبر فهما دون الجنتين الأخريين، وقد جاء ذكرها جميعا في سورة الرحمن قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} الآيات: 46- 77. وقد جاء وصف هذه الجنة في حديث أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى وجه ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن"، "فتح الباري": (13/423) "كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .

7- حَدَّثَنَا أَبِي، وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ1 أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ2 عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ 3

_ 1 هو يزيد بن هارون بن وادي ويقال: "زاذان" بن ثابت المدني مولاهم أبو خالد الواسطي، أحد الأعلام الحفاظ المشاهير. ثقة، عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومائتين، وقد قارب التسعين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (11/ 366) ، "تقريب التهذيب": ص 385. 2 هو حماد بن سلمة (بفتح اللام، "المغني ": ص 131) بن دينار البصري أبو سلمة مولى تميم، أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومائة، روى له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (3/ 11) ، "تقريب التهذيب": ص 82. 3 هو يعلى بن عطاء العامري الليثي الطائفي، روى عن وكيع بن عدس، وغيره، وعنه حماد بن سلمة وغيره، ثقة، من الرابعة، مات سنة عشرين ومائة أو بعدها. أخرج له مسلم في المقدمة، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (11/403) ، "تقريب التهذيب": ص 387.

عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ1 وَهُشَيْمٌ2 يَقُولُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ نُسَمِّيهِ وَكِيعَ بْنَ عُدُسٍ3 عنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ4 قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: "كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ"5.

_ 1 هو وكيع بن عدس (بمهملات وضم أوله وثانيه وقد يفتح ثانيه) ويقال: بالحاء بدل العين، أبو مصعب العقيلي، (بفتح العين) الطائفي. روى عن عمه أبي رزين العقيلي، وعنه يعلى بن عطاء العامري، مقبول من الرابعة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (11/ 131) ، "تقريب التهذيب": ص 369. 2 هو هشيم بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي أبو معاوية. "تقريب التهذيب": ص 36. 3 وقع خلاف في اسم والد وكيع: هل هو بالعين أم بالحاء، قال الترمذي في "سننه "، كتاب التفسير، تفسير سورة هود (5/288) : "روى حماد بن سلمة وكيع بن حدس، ويقول شعبة وأبو عوانة وهشيم وكيع بن عدس وهو أصح". 4 هو لقيط بن عامر بن المنتفق أبو رزين العقيلي وافد بني المنتفق، روى عنه ابن أخيه وكيع بن عدس وغيره، كذا في "الإصابة". وقال في "التقريب ": لقيط بن صبرة (بفتح المهملة وكسر الموحدة) صحابي مشهور، ويقال: إنه جده، واسم أبيه عامر وهو أبو رزين العقيلي، والأكثر أنهما اثنان. "الإصابة": (3/ 330) ، "تقريب التهذيب": ص 287. 5 أخرجه الترمذي في "سننه"، كتاب التفسير، باب سورة هود: (5/288، حديث 3109) ، وابن ماجه في "سننه"، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية: (1/ 64) ، والإمام أحمد في "مسنده": (4/ 11، 12) ، وأبو الشيخ في "كتاب العظمة": (ق 14/ ب) ، وابن أبي عاصم في "السنة": (1/ 271) ، وابن بطة في "الإبانة": (ق 195/ أ) من طريق المؤلف، وابن جرير الطبري في "تفسيره": (12/ 4) ، وفي "تاريخه": (1/ 19) . كلهم من طريق حماد بن سلمة به. قال الترمذي: حديث حسن، والحديث أورده الذهبي في "العلو" وحسن إسناده. وقال الألباني: في تصحيحه نظر، فإن مداره على وكيع بن حدس، ويقال: "عدس" وهو مجهول، لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء، ولذلك قال المؤلف في "الميزان": لا يعرف. انظر: "مختصر العلو": ص 186. وقال في "ظلال الجنة" (1/ 271) : "إسناده ضعيف، وكيع بن عدس، ويقال حدس، وهو مجهول، لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء، ولا وثقه غير ابن حبان". التعليق: ورد في الحديث السؤال عن الله تعالى بأين عند قول أبي رزين "أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه"، والمعلوم أن مذهب عامة أهل السنة وسلف الأمة وأئمتها أنهم يرون إثبات السؤال عن الله تعالى بأين ولا ينفون ذلك عنه مطلقا، وذلك لثبوت النصوص الصريحة الصحيحة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك سؤالا وجوابا. ومن ذلك حديث أبي رزين الذي معنا، وأيضا ما ثبت في "صحيح مسلم": (2/ 70- 71) ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال للجارية: "أين الله؟ "، قالت: في السماء. والسلف يقولون إن من نفى السؤال بأين لا بد له من دليل يستدل به على انتفاء ذلك، ولا دليل لهم، ذلك لأنها مسألة أثبتها الشرع فمن أنكرها فإنما ينكر على المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد خالف السلف في قولهم هذا الجهمية والمعتزلة ومتأخرو الأشاعرة، الذين يزعمون أنه لا يجوز السؤال عن الله تعالى بأين، لأن في ذلك سؤالا عن المكان، وهم يزعمون أن الله ليس في مكان، لأن المكان لا يكون إلا للجسم، والله ليس بجسم، لأن الجسم لا يكون إلا محدثا ممكنا. ويظهر توضيح هذا المذهب في قول ابن الأثير فيا النهاية": "ولا بد في قوله "أين كان ربنا؟ " من تقدير مضاف محذوف كما حدث في قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} ونحوه، فيكون التقدير أين كان عرش ربنا، ويدل عليه قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . فقول ابن الأثير: "إنه لا بد من تقدير مضاف محذوف" الذي دفعه إليه هو اعتقاد بأنه لا يجوز السؤال عن الله تعالى بأين، لأنه يترتب على ذلك إثبات الجهة والمكان إلى الله تعالى، وهي، منفية عنه كما هو مذهب الأشاعرة المتأخرين الذين يعد ابن الأثير واحدا منهم. ومما يجدر ذكره أن ما هرب إليه ابن الأثير من تقدير المضاف لا ينجيه مما هرب منه، لأنه إذا أثبت الجهة لعرشه سبحانه وتعالى ثبتت له- أيضا- لكونه مستويا عليه. والأمر الآخر الذي دل عليه حديث ابن رزين هذا هو الإخبار عن خلق العرش، ولفظ الحديث فيه دلالة على أن بدء خلق العرش كان على الماء، وأن العرش سابق في الخلق على السموات والأرض، وفي ذلك رد على زعم الفلاسفة القائلين بأن العرش هو الخالق الصانع أو أنه لم يزل مع الله تعالى. انظر: "الاستقامة لابن تيمية": (1/ 126- 127) .

8- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ1، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ2 يَقُولُ: وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: "الْعَمَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السَّحَابُ الْأَبْيَضُ الْمَمْدُودُ، وَأَمَّا العمى المقصور قالبصر، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَعْنَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ قَدِيرُ الْعَمَاءِ فِي مَبْلَغِهِ وَكَيْفَ كَانَ"3.

_ 1 هو عبد الله بن مروان بن معاوية الفزاري من أهل الكوفة. ثقة مستقيم الحديث، روى عن أبيه والكوفيين. "الثقات" لابن حبان: (8/ 350) ، "تاريخ بغداد": (10/ 151، 152) . 2 هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع أبو سعيد الباهلي الأصمعي البصري، اللغوي، الأخباري، أحد الأعلام. صدوق، سني، مات سنة ست عشرة ومائتين، وقيل غير ذلك، وقد قارب التسعين. أخرج له مسلم مقرونا، وأبو داود، والترمذي. انظر: "تهذيب التهذيب": (6/415) ، "تقريب التهذيب": ص. 220، "طبقات النحويين": ص 167، "سير أعلام النبلاء": (10/ 175) . 3 ذكر هذا المعنى عن الأصمعي أبو الشيخ في "كتاب العظمة": (ق 15/1) . وأورده الدشتي في كتاب الحد من طريق ابن بطة عن أبي بكر بن سليمان عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة به: (ق 15/ ب) . التعليق: اختلف في لفظة "عماء" من حيث الشكل ومن حيث المعنى المراد به. قالأصمعي وأبو عبيد القاسم بن سلام والأزهري وغيرهم يرون أن لفظة "عماء" وهي من حيث الشكل بالمد وليست بالقصر، وأن معناها المراد في الحديث هو السحاب الأبيض، لأن هذا هو معنى الكلمة في كلام العرب المعقول عنهم، ومما يشهد لذلك قول الحارث بن حلزة اليشكري: وكأن المنون تردي بنا أعصـ ... ـم جون ينجاب عنه العماء ومعنى البيت: أن الشاعر يقول هو في ارتفاعه، قد بلغ السحاب ينشق عنه ويقول: نحن في عزنا مثل الأعصم، فالمنون إذا أرادتنا فكأنما تريد أعصم. وقال الأزهري: "ولا يدرى كيف ذلك العماء بصفة تحصره ولا نعت يحده، ويقوي هذا القول قول الله- جل وعز-: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَام} [سورة البقرة، الآية: 215] . فالغمام معروف في كلام العرب، إلا أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله - عز وجل- يوم القيامة في ظلل منه، فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته، وكذلك سائر صفات الله عز وجل". "تهذيب اللغة": (3/ 246) . وهذا القول ليس فيه دليل على قول الفلاسفة الدهرية القائلين بقدم العالم، وأن مادة السموات والأرض ليست مبتدعة، وذلك أن الله- سبحانه- أخبرنا في كتابه بابتداء الخلق الذي يعيده، وأخبر بخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام في غير موضع، وجاءت بذلك الأحاديث الكثيرة، وأخبر- أيضا- أنه يغير هذه المخلوقات. ويرى يزيد بن هارون وأقره على ذاك الترمذي: أن لفظة عماء هي من حيث الشكل بالمد، ولكن معناها في هذا الحديث هو: أي ليس مع الله شيء، وعلى هذا يكون معنى الحديث: أن الله تعالى كان ولم يكن شيء معه، ويشهد لهذا المعنى ما جاء في حديث عمران من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كان الله ولم يكن شيء معه". وهناك رأي ثالث في المسألة يخالف القولين الأولين في الشكل والمعنى، فمن حيث اللفظ يرى أنه بالقصر وليس بالمد، وعلى هذا يكون المعنى أنه كان حيث لا تدركه عقول بني آدم، ولا يبلغ كنهه وصف، وذلك لأن كل أمر لا تدركه القلوب بالعقول فهو عمى. انظر: "غريب الحديث" لابن عبيد: (2/8، 9) ، "تهذيب اللغة": (3/ 246) ، "نقض تأسيس الجهمية": (1/ 591) .

9- حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بن أبي القغراء1، وَأَبُو صُهَيْبٍ النَّضْرُ بْنُ سَعِيدٍ2 وَعَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ3، قَالُوا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ

_ 1 هو فروة بن أبي المغراء (بفتح الميم والمد) واسم أبيه معدي كرب الكندي، أبو القاسم الكوفي، روى عن الوليد بن أبي ثور وغيره، وروى عنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره. صدوق، من العاشرة، مات سنة خمس وعشرين ومائتين. أخرج له البخاري، والترمذي. "تهذيب التهذيب": (8/ 265) ، "تقريب التهذيب": ص 27. 2 هو النضر بن سعيد أبو صهيب، ضعفه ابن قانع، روى عن الوليد بن أبي ثور وجماعة، وعنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة ومطين. قال أبو حاتم: من عتق الشيعة. "لسان الميزان": (6/ 160) . 3 هو عباد بن يعقوب الرواجني (بفتح راء وخفة واو وكسر جيم وبنون، "المغني": ص 116) الأسدي، أبو سعيد، الكوفي، روى عن الوليد بن أبي ثور وغيره. صدوق، رافضي، من العاشرة، مات سنة خمسين ومائتين. أخرج له البخاري حديثا واحدا مقرونا، والترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (5/ 109) ، "تقريب التهذيب": ص 164.

الْهَمْدَانِيُّ1 عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ2، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ3 عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ

_ 1 هو الوليد بن عبد الله بن أبي ثور الهمداني المرهبي (بضم المهملة) ، الكوفي وقد ينسب إلى جده. روى عن سماك بن حرب وغيره، وعنه عباد بن يعقوب وغيره. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. ضعيف، من الثامنة، مات سنة اثنتين وسبعين ومائة. "تهذيب التهذيب": (11/ 137) ، "تقريب التهذيب": ص 370. 2 هو سماك (بكسر أوله وتخفيف الميم) بن حرب بن أوس بن خالد بن نزار ابن معاوية بن حارثة الذهلي، البكري، الكوفي، أبو المغيرة. روى عن عبد الله بن عميرة صاحب الأحنف بن قيس وغيره، وعنه الوليد ابن أبي ثور وغيره. صدوق، روايته عن عكرمة- خاصة.- مضطربة، وقد تغير بآخره فكان ربما يلقن. من الرابعة، مات سنة ثلاث وعشرين ومائة. روى له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (4/ 232) ، "تقريب التهذيب": ص 137. 3 هو عبد الله بن عميرة (بفتح أوله) كوفي، روى عن الأحنف بن قيس عن العباس حديث الأوعال، وعنه سماك بن حرب. مقبول، من الثانية. روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. وقال الذهبي: له عن الأحنف حديث، المزن والعنان، رواه عنه سماك بن حرب، ورواه عن سماك الوليد بن أبي، ثور وجماعة. "ميزان الاعتدال": (2/ 469) ، "تهذيب التهذيب": (5/ 344) ، "تقريب التهذيب": ص 184.

قَيْسٍ1 عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: كُنَّا بِالْبَطْحَاءِ2 فِي عِصَابَةٍ3 فِيهِمْ رسول الله خير، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَقَالَ: "تَدْرُونَ مَا هَذِهِ، " قَالُوا: سَحَابٌ، قال: "والمزن"4، قا لوا: وَالْمُزْنُ، قَالَ: "وَالْعَنَانُ"، ثُمَّ قَالَ: "تَدْرُونَ كَمْ بُعْدُ مَا بين السماء والأراضين"، (53/ أ) قَالُوا: لَا، قَالَ: "إِمَّا وَاحِدَةً أَوِ اثنتين أو ثلاث وَسَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَ ذَلِكَ، حَتَّى عد سبع سموات، ثُمَّ فَوْقَ السَّابِعَةِ بَحْرٌ [بَيْنَ] 5 "" أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ ثَمَانِيَةُ أَمْلَاكٍ أَوْعَالٍ6 (6) ، مَا بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ إِلَى

_ 1 هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين التميمي السعدي، أبو بحر، اسمه الضحاك، وقيل: صخر، والأحنف لقب، مخضرم، ثقة، قيل: مات سنة سبع وستين، وقيل: اثنتين وسبعين، أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 191) ، "تقريب التهذيب": ص 25. 2 البطحاء: هو مسيل واسع فيه دقاق الحصى، وهو موضع معروف بمكة. انظر: "لسان العرب": (1/ 299) . 3 العصابة: جماعة ما بين العشرة إلى الأربعين. انظر: "لسان العرب": (4/ 2965) . 4 هو الغيم والسحاب، واحدته: مزنة، وقيل: هي السحابة البيضاء. "النهاية": (4/ 325) . 5 ما بين قوسين غير موجود في "الأصل"، وقد أثبته لوروده في المصادر التي روت الحديث. 6 الأوعال: جمع وعل بكسر العين، وهو تيس الجبل. "النهاية": (5/ 207) .

رُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ،، ثُمَّ فَوْقَ ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ [بَيْنَ] 1 أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ"2.

_ 1 ما بين قوسين غير موجود في "الأصل"، وقد أثبته لوروده في المصادر التي روت الحديث. 2 أخرجه من هذا الطريق- أي من طريق الوليد بن أبي ثور عن سماك بن حرب-: ابن ماجه في "سننه"، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية: (1/ 69) ، والإمام أحمد في "مسنده": (1/ 257) ، وأبو داود في "سننه"، كتاب السنة، باب في الجهمية: (5/ 93، حديث 4723) ، والدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 448، والآجري في "الشريعة": ص 292، واللالكائي في "السنة": (3/ 390) ، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب" اهـ. والوليد بن أبي ثور متكلم فيه، قال العقيلي: "يحدث عن سماك بمناكير لا يتابع عليها". "التهذيب": (11/137- 138) ، وهو ضعيف، ولكنه توبع، فإن الحديث قد رواه عن سماك جماعة منهم عمرو بن أبي قيس، انظر حديثه في "سنن الترمذي"، كتاب التفسير، باب سورة الحاقة: (5/ 424، 425، حديث 3320) ، وأبو داود في "سننه"، كتاب السنة، باب في الجهمية: (5/94، حديث 4724) ، وابن أبي عاصم في "السنة": (1/253) ، وابن خزيمة في "كتاب التوحيد": ص 101، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة": (3/389) ، وابن منده في "التوحيد": (1/117) . وعند الجميع التصريح بأن بعد ما بين السماء والأرض "إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة"، وعمرو بن أبي قيس صدوق له أوهام. ورواه عن سماك شعيب بن خالد وسيأتي تخريج حديثه في الحديث التالي، ولكن في التصريح بأن بعد ما بين السماء والأر ض مسيرة خمسمائة عام. ورواه عن سماك- أيضا- إبراهيم بن طهمان، انظر حديثه في "مشيخته": ص 70، و"سنن أبو داود": (5/ 94) ، و"الشريعة" للآجري: ص 292، ورواه عنه آخرون- أيضا-. ولكن في الحديث علة أخرى، وهي أن مدار الحديث من جميع طرقه على "عبد الله بن عميرة"، وعبد الله فيه جهالة، لذلك. قال الألباني في "تخريج السنة": (1/ 254) : "إسناده ضعيف، وعبد الله بن عميرة، قال الذهبي: فيه جهالة، وقال البخاري: لا نعلم له سماعا من الأحنف بن قيس" اهـ. ولكن الجوزقاني صرح في "الأباطيل": (1/ 79) بصحة الحديث، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى": (3/192) حيث قال: "إن هذا الحديث قد رواه إمام الأئمة ابن خزيمة في كتاب التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بما نقله العدل عن العدل موصولا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والإثبات مقدم على النفي، والبخاري إنما نفى معرفة سماعه من الأحنف، ولم ينف معرفة الناس بهذا، فإذا عرف غيره كإمام الأئمة ابن خزيمة ما ثبت به الإسناد، كانت معرفته وإثباته مقدما على نفي غيره وعدم معرفته" اهـ. وكذلك مال تلميذه ابن القيم إلى تصحيحه، انظر: "تهذيب التهذيب": (7/ 92، 93) . التعليق: حديث الأوعال هذا وحديث الأعرابي الذي سيأتي بعده قد أوردهما عامة من جمعوا أحاديث الصفات من السلف إن لم يكن جميعهم، وهم في إيرادهم لهذه الأحاديث وأمثالها مما في إسنادها مقال، إنما يوردونها من باب التأكيد لا من باب التأييد، وذلك لكون تلك الصفات التي جاء ذكرها في هذه الأحاديث قد ورد فيها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة ما يدل على ثبوتها من غير حاجة إلى الاستدلال بما دونها من الأحاديث التي في إسنادها مقال. وحديث الأوعال هذا مع ما فيه من الغرابة وما في إسناده من مقال إلا أن فيه من الدلالة على علو الله وارتفاعه فوق عرشه مما يوافق ما جاءت به الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة، فقد جاء في الحديث الكلام على السموات السبع وارتفاعها فوق بعضها البعض ووجود فاصل بين كل سماء والسماء التي تليها، وأن فوق السماء السابعة بحرا وفوقه حملة العرش الذين يحملون عرش الرحمن تبارك وتعالى، وأن الله فوق عرشه، مستو عليه، عال على خلقه. وكل هذه الأمور قد جاء في القرآن والسنة الصحيحة ما يدل عليها ويشهد لها، فوصف السموات بهذا الوصف هو ما دل عليه قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} [سورة الملك، الآية: 3] . قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: "أي بعضها فوق بعض": (29/ 2) . وهو أيضا ما دلت عليه السنة، فما جاء في قصة الإسراء والمعراج من صعود النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سماء إلى سماء، واستفتاح جبريل له عند كل سماء، ولقائه لبعض الأنبياء في كل سماء دليل على أن هناك فاصلا بين كل سماء والتي تليها، وفي هذا تأكيد لما جاء في الحديث الذي معنا. وكذلك- أيضا- ما جاء في الحديث، عند قوله: "ثم فوق السابعة بحر بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء" فلعل المراد بهذا البحر الماء الذي جاء ذكره في قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ومما يؤيد ذلك أن العرش كان محمولا عليه قبل خلق السموات والأرض، وبعد خلقهما أصبحت الملائكة تحمله. كما دل على ذلك القرآن، وأيضا- ما جاء في السنة، ومنها هذا الحديث الذي ورد فيه: "ثم فوق ذلك ثمانية أملاك"، وإن كان الخلاف واقعا في أمر عدد الملائكة الذين يحملون العرش في هذه الحياة الدنيا هل هم أربعة أم ثمانية، وقد تقدم عرض ذلك في قسم الدراسة. وأما ما جاء في الحديث من وصف الملائكة الذين يحملون العرش بأنهم على صورة الأوعال، فهذا لم أقف فيه على نص ثابت يبين هيئة هؤلاء. فعلى ذلك ليس لنا إلا التوقف في هذه المسألة لعدم ورود النص الثابت فيها. وأما قوله: "والله تعالى فوق ذلك" فهذا هو الشاهد من الحديث وهو الحق الذي دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهو مذهب السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم- رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

10 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ

_ 1 هو محمد بن أبان بن وزير البلخي أبو بكر بن إبراهيم المستملي الحافظ، ويعرف بحمدويه، روى عن عبد الرزاق وغيره. ثقة، حافظ، من العاشرة، مات سنة أربع وأربعين ومائتين، وقيل: بعدها. أخرج له الجماعة سوى مسلم فروى عنه في غير الجامع. "تهذيب التهذيب": (9/ 3، 4) ، "تقريب التهذيب": ص 288.

1 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ2 عَنْ عَمِّهِ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ3، قَالَ: حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي حَديثِهِ الْأَحْنَفَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ " قُلْنَا: السَّحَابُ، قَالَ: "وَالْمُزْنُ"، قُلْنَا: والمزن، قال: "وَالْعَنَانُ"، قَالَ: فَسَكَتْنَا، فَقَالَ: "فَهَلَّا تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وَفَوْقَ السَّمَاءِ4 السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ رُكَبِهِمْ وَأَظْلَافِهِمْ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ

_ 1 هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني. روى عن يحيى بن العلاء وغيره. وعنه محمد بن أبان وغيره. ثقة، حافظ، مصنف، شهير، عمى في آخر عمره فتغير، وكان يتشيع. من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومائتين وله خمس وثمانون سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (6/ 310) ، "تقريب التهذيب": ص 313. 2 هو يحى بن العلاء البجلي، أبو سلمة، ويقال: أبو عمرو الرازي. روى عن عمه شعيب بن خالد وغيره، وعنه عبد الرزاق بن همام وغيره. رمي بالوضع، من الثامنة، مات قرب الستين. أخرى له أبو داود، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (11/ 261) ، "تقريب التهذيب": ص 378. 3 هو شعيب بن خالد البجلي، الرازي، كان قاضيا بالري، ليس به بأس، من السابعة. أخرى له أبو داود. "تهذيب التهذيب": (4/ 352) ، "تقريب التهذيب": ص 146. 4 في "الأصل": "السموات"، وهو خطأ، والصواب ما أثبته.

وَالْأَرْضِ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشُ مَا بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ ذَلِكَ لَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ شَيْءٌ"1. 11- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ2 حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ

_ 1 أخرجه من هذا الطريق- أي من طريق شعيب بن خالد عن سماك بن حرب - الإمام أحمد في "مسنده": (1/ 206، 207) ، وأبو يعلى في "مسنده": ص 605، نسخة استانبول. وسند الحديث ضعيف لأن الراوي عن شعيب بن خالد هو يحيى بن العلاء، وهو متهم بالوضع، وقد تقدم الكلام على الحديث في الذي قبله. التعليق: وقد جاء التصريح في هذه الرواية بأن بعد ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة، وباقي الروايات جاء فيها التصريح بأن بعد ما بين السماء والأرض إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة. ولا تعارض بين الروايتين، والجمع بينهما ممكن، لأن المسافة يختلف في تقديرها بحسب اختلاف السير الواقع فيها، فسير البريد- مثلا- يقطع بقدر سير ركاب الإبل سبع مرات، وهذا معلوم بالواقع، فما تسيره الإبل سيرا قاصدا في عشرين يوما، يقطعه البريد في ثلاثة، فحيث قدر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسبعين أراد به السير السريع سير البريد، وحيث قدر بالخمسمائة أراد به السير الذي يعرفونه سير الإبل والركاب، فكل منهما يصدق الآخر، ويشهد بصحته. "تهذيب السنن": (7/ 94) . 2 هو عبد الأعلى بن حماد بن نصر الباهلي مولاهم، البصري، أبو يحيى المعروف بالنرسي (بفتح النون وسكون الراء وكسر السين المهملة، وهذه النسبة إلى النرس وهو نهر من أنهار الكوفة. "الأنساب": (12/ 74) . لا بأس به، من كبار العاشرة، مات سنة ست أو سبع وثلاثين بعد المائتين. أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي. "تهذيب التهذيب": (6/ 93) ، "تقريب التهذيب": ص 195.

جَرِيرٍ1 حَدَّثَنَا أَبِي2 قَالَ: سَمِعْتُ، مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ3 يُحَدِّثُ

_ 1 هو وهب بن جرير بن حازم بن زيد الأزدي، أبو العباس البصري، الحافظ. روى عن أبيه وعكرمة وغيرهما، وعنه عبد الأعلى بن حماد وغيره. ثقة، من التاسعة، مات سنة ست ومائين، من رواة الجماعة. "تهذيب التهذيب": (11/ 161) ، "تقريب التهذيب": ص 372. 2 هو جرير بن حازم بن عبد الله بن شجاع الأزدي ثم العتكي، وقيل: الجهضمي (بفتح الجيم والضاد المنقوطة وسكون الهاء، وهذه النسبة إلى الجهاضمة وهي محلة بالبصرة، "الأنساب": (3/ 436) ، أبو النضر البصري والد وهب روى عن ابن إسحاق وغيره، وعنه ابنه وهب وغيره. قال الذهبي: أحد الأئمة الكبار الثقات،، لولا ذكر ابن عدي له لما أوردته، ونقل عن ابن مهدي أنه قال: واختلط - يعني جرير- فحجبه أولاده، فلم يسمع منه أحد في حال اختلاطه. و. قال ابن حجر: ثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعف، له أوهام إذا حدث من حفظه، وهو من السادسة، مات سنة سبعين ومائة بعدما اختلط لكن لم يحدث في حال اختلاطه. "ميزان الاعتدال": (1/ 393) ، "تهذيب التهذيب": (2/ 69) ، "تقريب التهذيب": ص 54. 3 هو محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، ويقال: كومان المدني، أبو بكر، ويقال: أبو عبد الله المطلبي، مولاهم، نزيل العراق، إمام المغازي. روى عن يعقوب بن عتبة، وعنه جرير بن حازم وغيره. صدوق يدلس، ورمي بالتشيع، من صغار الخامسة، مات سنة خمسين ومائة، أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (9/ 38) ، "تقريب التهذيب": ص 290.

عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ1، وَجُبَيْرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ2 عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ جَدِّهِ4 قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جُهِدَتِ الْأَنْفُسُ، وَضَاعَ الْعِيَالُ، وَهَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَهَلَكَتِ الْأَنْعَامُ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ، وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "وَيْحَكَ تَدْرِي مَا تَقُولُ"؟

_ 1 هو يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس الثقفي. روى عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، ومحمد بن جبير بن مطعم على خلاف فيه. وعنه محمد بن إسحاق بن يسار وغيره. ثقة، من السادسة، مات سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. "تهذيب الكمال": (3/1553) ، "تهذيب التهذيب": (11/ 392) ، "تقريب التهذيب": ص 387. 2 هو جبير بن محمد بن جبير بن مطعم بن عدي، ذكره ابن حجر في "تقريب التهذيب". روى عن أبيه عن جده، وعنه يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس. مقبول، من السادسة، أخرج له أبو داود حديثا واحدا. "تهذيب التهذيب": (2/ 63) ، "تقريب التهذيب": ص 54. 3 هو محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل أبو سعيد المدني. ثقة عارف بالنسب، من الثالثة، مات على رأس المائة، أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (9/ 91) ، "تقريب التهذيب": ص 292. 4 هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، عارف بالأنساب، مات سنة ثمان أو تسع وخمسين. انظر: "الإصابة": (1/ 225) ، "تقريب التهذيب": ص 54.

فَسَبَّحَ رسول الله، فمازال يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوِهِ أصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَيْلَكَ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ مَا تُدْري مَا اللَّهُ، إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ وَأَرَاضِيهِ هَكَذَا"، وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ، وَصَفَ ذَلِكَ وَهْبٌ، وَأَمَالَ كَفَّهُ وَأَصَابِعَهُ الْيُمْنَى، وَقَالَ هَكَذَا، وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ"1.

_ 1 أخرجه من هذا الوجه: ابن أبي عاصم في "السنة": (1/252) عن عبد الأعلى ومحمد بن المثنى، والدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 447، عن ابن بشار مختصرا، وأبو الشيخ في "العظمة": (ق 33/ 1) عن محمد بن المثنى. كلهم عن وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده. وقد جاء عند ابن أبي عاصم "ونهكت الأبدان" بدل "هلكت الأنعام". وقد أشار إلى هذه الرواية أبو داود في "سننه": (5/ 95، 96) . وقد روي الحديث من وجه آخر: أخرجه أبو داود في "سننه"، كتاب السنة، باب في الجهمية: (5/94- 96، حديث 4726) عن أحمد بن سعيد الرباطي، وابن أبي عاصم في "السنة": (1/253) عن أبي الأزهر النيسابوري، وابن خزيمة في "التوحيد": ص 103، عن محمد بن بشار، والطبراني في "المعجم الكبير": (2/132، حديث 1547) بسنده عن عبد الأعلى وابن معين وابن المديني، والدارقطني في "الصفات": ص 52، بسنده عن ابن معين وابن المديني، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 526، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة": (2/ 394) ، كلاهما بسندهما عن أبي الأزهر، وابن منده في "التوحيد": (ق 117/ 1) بسنده عن يحى بن معين. كلهم عن وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده- بنحوه بعضهم مختصرا وبعضهم مطولا. وهذا هو الصواب من الوجهين. كما صرح به أبو داود فإنه قال: "والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح، وافقه عليه جماعة، منهم يحيى بن معين وعلى ابن المديني". وقد تكلم بعض الأئمة على هذا الحديث. فقال الذهبي في "العلو": ص 39: (هذا حديث غريب جدا فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، فالله أعلم. أقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا أم لا؟ وأما الله- عز وجل- فليس كمثله شيء جل جلاله وتقدست أسماؤه ولا إله غيره. واستغربه الحافظ ابن كثير في تفسير آية الكرسي من "تفسيره": (1/ 310) ثم إن في إسناده اختلافا. هذا، وقد تكلم ابن القيم في "تهذيب السنن": (7/95، 117) بكلام طويل، نصر فيه تصحيح الحديث، ورد المطاعن التي، طعن بها هذا الحديث وبخاصة عن ابن إسحاق. والصواب أن هذا الإسناد ضعيف كما تقدم نقلا عن الأئمة، ولا سيما جبير بن محمد قال فيه الحافظ ابن حجر: "مقبول" يعني إذا توبع، ولم يتابع هنا. التعليق: تقدم الكلام في التعليق على حديث الأوعال أن منهج السلف في إيراد مثل هذه الأحاديث التي في إسنادها مقال إنما هو من باب التأكيد لا من باب التأييد، وهذا الحديث إنما ساقه الكثير من السلف لما فيه من تواتر علو الله - تعالى- فوق عرشه مما يوافق آيات الكتاب. والحديث يتضمن عدة أمور لها تعلق في مسائل العقيدة منها: عدم جواز الاستشفاع بالله على أحد من خلقه، فهذا ما أنكره الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأعرابي، وهذا القول لا يليق بالخالق - سبحانه وتعالى- لأن شأنه أعظم من ذلك، فهو- سبحانه- رب كل شي، ومليكه، والخير كله بيده- سبحانه وتعالى- فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وهو كما قال عن نفسه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [سورة فاطر، الآية: 44] ، وقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} الآية، فالخلق وما في أيديهم ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء، وهو الذي يشفع الشافع إليه. وأما الاستشفاع بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الله فهذا جائز في حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدليل عدم إنكاره على الأعرابي، أما بعد مماته فهذا ما لم يفعله أحد من الصحابة. وأما الأمر الآخر فهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله، إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا". قالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استدل على الله وعظم شأنه-. سبحانه وتعالى- ببعض آياته الكونية، وهذا هو منهج الرسل ومن تبعهم في معرفة الله- سبحانه وتعالى-، فهم يستدلون على ذلك بالآيات الكونية الدالة على وحدانية الله وأنه سبحانه هو وحده المتصرف في هذا الكون والمدبر له، ولذلك جاء الأمر في القرآن بالتفكر في مخلوقات الله وآياته الكونية والسمعية والتدبر فيها لما فيها من الأثر البليغ في الدلالة على وحدانية الخالق ووجوده- سبحانه وتعالى-. والأمر الثالث الذي دل عليه الحديث، هو وصف عرش الرحمن- تبارك وتعالى- بأنه مقبب الشكل، وأنه على هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيها كهيئة القبة، ومما يؤيد وصف العرش بهذه الصفة ما جاء في الحديث الآخر الذي رواه البخاري في "صحيحه": "إذاسألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة أعلاها، وفوقه عرش الرحمن". فالحديث دل على أن الفردوس وسط الجنة وأعلاها، ومن المعلوم أن الجنة كما جاء في الحديث مائة درجة ما بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض، فكون العرش سقفا للفردوس الذي هو أوسط الجنة وأعلاها، يدل على أنه مقبب لأن الشيء لا يكون وسط أعلاه إلا إذا كان مستديرا والعرش هو على هذه الصفة. وفي هذا رد على الفلاسفة الذين يزعمون أن العرش فلك من الأفلاك وأنه هو الفلك التاسع، كما أن في هذا ردا على من أنكر العرش وزعم أن المراد به الملك. وقوله: " إنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب" فهو كما قال الذهبي- رحمه الله تعالى-: "الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل، فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعده صفة لله- عز وجل-، ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت".

12- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ1، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَعْنَى2،

_ 1 هو عبيد بن يعيش (بكسر المهملة) المحاملي (بالفتح وكسر الميم) أبو محمد الكوفي العطار، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة سبع وعشرين، وقيل: تسع وعشرين ومائتين. أخرج له البخاري في رفع اليدين، ومسلم، والنسائي. "تهذيب التهذيب": (7/ 78، 79) ، "تقريب التهذيب": ص 23. 2 هو عبد الرحمن بن مصعب بن يزيد الأزدي ثم المعني (بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون ثم ياء النسبة) ، ويقال: الشيباني، أبو زيد القطان الكوفي نزيل الري. روى عن إسرائيل بن يونس وغيره. مقبول، من التاسعة، أخرج له الترمذي، والنسائي في "مسند علي "، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب ": (6/ 270) ، "تقريب التهذيب ": ص 209.

حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ1 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ2، عَنِ الْقَاسِمِ3، عن أبي أسامة4، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَلُوا اللَّهَ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ، فَإِنَّهَا

_ 1 هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني، أبو يوسف الكوفي، ثقة، تكلم فيه بلا حجة، من السابعة، مات سنة ستين، وقيل: بعدها. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب ": (1/ 261) ، "تقريب التهذيب": ص 31. 2 هو جعفر بن الزبير (بضم الزاي، "المغني ": ص 118) ، الحنفي، وقيل: الباهلي الدمشقي، نزيل البصرة، روى عن القاسم بن عبد الرحمن وغيره. متروك الحديث، وكان صالحا في نفسه، من السابعة، مات بعد الأربعين، أخرج له ابن ماجه. "تهذيب التهذيب ": (2/ 90) ، "تقريب التهذيب ": ص 55. 3 هو القاسم بن عبد الرحمن الشامي، أبو عبد الرحمن الدمشقي، مولى آل أبي ابن حرب الأموي صاحب أبي أمامة. صدوق، يرسل كثيرا، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، والأربعة. "تهذيب التهذيب ": (8/ 322) ، "تقريب التهذيب ": ص 279. 4 واسمه صدي (بالتصغير) بن عجلان أبو أمامة الباهلي، صحابي مشهور. "تقريب التهذيب": ص 152.

صُرَّةُ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْفِرْدَوْسِ لَيَسْمَعُونَ أَطِيطَ1 الْعَرْشِ" 2.

_ 1 الأطيط: نقيض صوت المحامل والرحال إذا ثقل عليها الركبان، وأط الرحل والنسع يئط أطا وأطيطا: صوت، وكذلك كل شيء أشبه صوت الرحل الجديد. "لسان العرب": (1/ 92) ، مادة: أطط. 2 أخرجه ابن بطة في "الإبانة": "ق (195/ ب) ، والحاكم في "المستدرك": (2/ 371) ، والطبراني في "المعجم الكبير": ص 7966. كلهم عن طريق إسرائيل عن جعفر بن الزبير به. وإسناده ضعيف، لأن فيه جعفر بن الزبير وهو متروك الحديث. والحديث أورده السيوطي في "الدر المنثور"، تفسير سورة الكهف: (4/ 254) من طريق عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والحاكم وصححه. التعليق: على الرغم من ضعف الحديث من حيث إسناده إلا أن ما جاء فيه من قوله: "سلوا الله جنة الفردوس فإنها صرة الجنة" له شاهد من حديث أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة". واسم الفردوس: قد يطلق ويراد به جميع الجنة، وقد يطلق" ويراد به أفضل الجنة وأعلاها، كما في هذا الحديث، وكأنه بهذا المعنى أحق وأصوب، قال تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة المؤمنون، الآيات: 10- 11] ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} [سورة الكهف، الآية: 1. 10] . والفردوس في اللغة: البستان، قال الفراء: أصل اللفظ عربي، وقال مجاهد: هو البستان بالرومية، واختاره الزجاج، وقال ابن سيده: "الفردوس الوادي الخصيب عند العرب، وهو بلسان الروم البستان". وقال الزجاج: "وحقيقة الفردوس: هو البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين". وأما ما جاء في وصف الفردوس من كونه "وسط الجنة وأعلى الجنة". فالحافظ ابن حجر يقول: "المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل: كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا} [سورة البقرة، الآية: 143] ، فعلى هذا عطف الأعلى عليه للتأكيد.. وقال الطيبي: "المراد بأحدهما العلو الحسي وبالآخر العلو المعنوي. وقال ابن حبان: "المراد بالأوسط السعة وبالأعلى الفوقية ... ". والصواب أن تفسير الأوسط على المعنى المعنوي لا المكاني لا يساعد عليه ظاهر النص، ذلك أن ظاهر النص ينص على أن الفردوس هو وسط الجنة وأعلاها بمعنى أن الفردوس هو ربوة الجنة وأن الجنان الأخرى عن جوانبه، ومن تحته، وهو أعلاها، قال قتادة: "الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأعلاها وأفضلها وأرفعها". ويدل على ذلك قوله في الحديث: "وفوقه عرش الرحمن"، فليس فوق الفردوس إلا عرش الرحمن سبحانه وتعالى، كما يدل عليه- أيضا- قوله: "ومنه تفجر أنهار الجنة"، لأن الأنهار عادة تنبع من الأعلى. والله أعلم. وهذه الصفة أي: كون وسط الشيء أعلاه- لا تتصور إلا في المقبب، فإن أعلى القبة هو أوسطها، فالجنة والله أعلم تكون كذلك. انظر: "فتح الباري": (6/ 13) ، "حادي الأرواح": ص 74، 75، "لسان العرب": (2/ 1069) ، "النهاية" لابن كثير: (2/ 233) . وقوله: "وإن أهل الفردوس ليسمعون أطيط العرش" فهذه الجملة هي الشاهد من سياق الحديث، وهي دالة على كون عرش الرحمن سقف الجنة، وأنه هو أعلى المخلوقات، وهذا دل عليه حديث البخاري. وأما مسألة الأطيط كما سبق أن ذكرنا فإنه لم يثبت في المسألة نص صحيح، والله أعلم.

(ق 54/ ب) 13- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ1، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ2، عَنْ خُصَيْفٍ3 عَنْ

_ 1 هو عبد الحميد بن صالح بن عجلان البرجمي (بضم باء وسكون راء وضم جيم، "المغني": ص 45) أبو صالح الصوفي، روى عن زهير بن معاوية وغيره، وعنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره. صدوق، من العاشرة، مات سنة ثلاثين ومائتين. أخرى له النسائي. "تهذيب التهذيب": (6/ 117) ، "تقريب التهذيب": ص 196. 2 هو زهير بن معاوية بن خديج (بضم المهملة وفتح دال مهملة وبجيم، "المغني ": ص 90) بن الرحيل "براء ومهملة مصغرا، "المغني": ص 110) ، الجعفي أبو خيثمة الكوفي سكن الجزيرة. روى عن خصيف وغيره، وعنه عبد الحميد بن صالح وغيره. ثقة، ثبت، إلا أن سماعه عن أبي إسحاق بآخره- أي بعد اختلاط-، من السابعة، مات سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وسبعين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (3/ 351) ، "تقريب التهذيب": ص 109. 3 هو خصيف بن عبد الرحمن الجزري (بفتح جيم وزاي وبراء، منسوب إلى الجزيرة، وهي بلاد بين الفرات ودجلة، "المغني": ص 66) أبو عون الحضرمي، الحرافي، الأموي، مولاهم، روى عن عكرمة وغيره. صدوق، سيء الحفظ، خلط بآخره، ورمي بالإرجاء، من الخامسة، مات سنة سبع وثلاثين ومائة، وقيل: بعد ذلك. روى له الأربعة. "تهذيب التهذيب": (3/ 143) ، "تقريب التهذيب": ص 92.

عِكْرِمَةَ1، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} 2، قَالَ: "مِمَّنْ فَوْقِهِنَّ مِنَ الثِّقَلِ"3، قَالَ: وقرأها خصيف يتفطرن4.

_ 1 هو عكرمة بن عبد الله، مولى ابن عباس، أصله بربري، ثقة، ثبت، عالم بالتفسير ولم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا يثبت عنه بدعة، من الثالثة، مات سنة سبع ومائة، وقيل: بعد ذلك. أخرج له الجماعة. "تقريب التهذيب": ص 243. 2 سورة الشورى، الآية: 5. 3 أخرجه الحاكم في "مستدركه": (2 / 442) بسنده عن عبيد الله بن موسى به، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن جرير في "تفسيره": (25/7) من طريق آخر عن ابن عباس، ولفظه: "يعني من ثقل الرحمن وعظمته- تبارك وتعالى-". وأخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ت 39/ ب) بسنده عن عبد الله بن موسى وإسناده ضعيف، لأن خصيفا سيء الحفظ، خلط بآخره. 4 ذكر السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 3) أن خصيفا قرأها بالتاء المشددة. التعليق: إيراد المصنف لهذا الأثر والأثرين اللذين سيأتيان من بعده إنما هو لأمرين: الأمر الأول: لما فيهما من الدلالة على علو الله- سبحانه وتعالى- وذلك لأن فيها إثبات علو الله وارتفاعه فوق سمواته. الأمر الثاني: أنه أوردهما لما فيهما من التأييد لمسألة الأطيط الواردة في الحديثين السابقين، فكأنما مقصد المؤلف أن يبين أن أطيط العرش هو من جنس تشقق السموات وتفطرها، إذ الحل يتشقق من عظمة الله وجلاله- سبحانه وتعالى-. وأما ما ورد في الأثر من أن تشقق السموات إنما هو من الثقل، فإن كان المقصود بالثقل ثقل من في السموات من الملائكة ومن فوق السموات كالعرش، فهذا يؤيده حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أطت السماء، وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضحا جبهته ساجدا". انظر: "سنن الترمذي"، كتاب الزهد، باب 9: (5/556) ، و"مسند الإمام أحمد": (5/ 173) . وأما إذا كان المقصود ثقل الرحمن، فإن الوارد عن أهل التفسير كالطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهم أن التشقق من عظمة الله وجلاله، وهذا ما ورد عن ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي، وكعب الأحبار. والله أعلم.

14- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ1، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ

_ 1 هو محمد بن عبد الله بن نمير (بضم النون كما في الخلاصة) الهمداني (بسكون. الميم) الخازفي (في الخلاصة بمعجمة) أبو عبد الرحمن، الكوفي، الحافظ. روى عن يحى بن يمان وغيره. ثقة، حافظ، فاضل، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين. أخرى له الجماعة. "تهذيب الكمال": (3/ 1227) ، "تهذيب التهذيب": (9/ 282) ، "تقريب التهذيب": ص 306، "خلاصة التذهيب": ص 346.

يَمَانٍ1، عَنْ شَرِيكٍ2، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} 3، قَالَ: "بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"4.

_ 1 هو يحى بن يمان العجلي أبو زكريا الكوفي. صدوق عابد، يخطئ كثيرا، وقد تغير، من كبار التاسعة، مات سنة تسع وثمانين ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (11/ 306) ، "تقريب التهذيب": ص 380. 2 هو شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي، أبو عبد الله الكوفي، القاضي بواسط ثم بالكوفة. روى عن خصيف وغيره. صدوق، يخطئ كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلا فاضلا عابدا شديدا على أهل البدع. من الثالثة، مات سنة سبع أو ثمان وسبعين ومائة. روى له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (4/ 333) ، "تقريب التهذيب": ص 145. 3 سورة المزمل، الآية: 18. 4 لم أجد من أخرجه بهذا اللفظ في تفسير هذه الآية غيره، وإن كان قد ورد نحوه في تفسير قوله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِن} . قال: ممن فوقهن، يعني: الرب تبارك وتعالى. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 39/ ب) ، من طريق شريك عن خصيف به. وفي سند المؤلف يحيى بن يمان وشريك، وكلاهما صدوق يخطئ كثيرا، وخصيف سيء الحفظ، فلذلك إسناده ضعيف. التعليق: اختلف في مرجع الضمير في الآية على قولين: القول الأول: أن مرجع الضمير يعود على ذلك اليوم الذي ورد ذكره ووصفه في الآيات السابقة لهذه الآية، فالسماء مثقلة ومتصدعة ومتشققة به، لشدته وعظيم هوله، وهذا القول هو ما روي عن الحسن وقتادة، وهو ما اختاره ابن جرير وابن كثير والشوكاني عند تفسير هذه الآية. القول الثاني: وهو ما ورد ذكره في هذا الأثر من أن مرجع الضمير يعود إلى الله عز وجل، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد، وقد ذكر ابن كثير أن هذا القول هو قول مرجوح، وذلك لأن الله- سبحانه- لم يجر له ذكر هنا. اهـ. والضمير يعود لأقرب مذكور. انظر: "تفسير الطبري": (29/137) ، و"تفسير ابن كثير": (4/438) ، "فتح القدير": (5/ 319) .

15- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ2، عَنْ مَعْمَرٍ3، عَنْ

_ 1 لم أقف على ترجمته. 2 هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تقدم ترجمته في (10) . 3 هو معمر بن راشد. الأزدي الحداني (بمهملتين مضمومة فدال مشددة ونون، "المغني": ص 86) أبو عروة بن أبي عمرو البصري نزيل اليمن. ثقة، ثبت، فاضل، إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، كذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب ": (10/ 243) ، "تقريب التهذيب": ص 344.

قَتَادَةَ1 {يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} قَالَ: "يَنْفَطِرْنَ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ"2. 16- حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ3، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ4،

_ 1 هو قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي أبو الخطاب البصري ثقة، ثبت، يقال: ولد أكمه، وهو رأس الطبقة الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (8/ 351) ، "تقريب التهذيب": ص 281. 2 أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره": (ق 259/ 1) عن معمر عن قتادة بنحوه. وابن جرير في "تفسيره": (25/ 7) ، وأبو الشيخ في "العظمة": (ق 32/ ب) ، كلاهما عن محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور به- بمثله. وأخرجه ابن جرير- أيضا- من طريق بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة، وفي سند المؤلف الحسن بن صالح ولم أقف على ترجمته، وباقي رواته ثقات. وقد أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ بأسانيد صحيحة. 3 هو وهب بن بقية بن عثمان بن شابور الواسطي، أبو محمد المعروف بوهبان. روى عن خالد بن عبد الله الواسطي وغيره. ثقة، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين، وله خمس أو ست وتسعون سنة. أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي. "تهذيب التهذيب": (11/ 159) ، "تقريب التهذيب": ص 371. 4 هو خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان، أبو الهيثم، ويقال: أبو محمد المزني، مولاهم الواسطي، وقد ينسب لجده. ثقة، ثبت، من الثامنة، مات سنة اثنتين وثمانين ومائة، وكان مولده سنة عشر ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (3/ 100) ، "تقريب التهذيب": ص 89.

عَنْ عَطَاءٍ1، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عنهما- قال: "فكروا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ، فَإِنَّ بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى كُرْسِيِّهِ أَلْفَ نُورٍ، وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ" 2.

_ 1 هو عطاء بن السائب بن زيد الثقفي، أبو زيد الكوفي، أحد علماء التابعين، واختلف في كنيته واسم جده، وهو صدوق اختلط، من الخامسة، مات سنة ست وثلاثين ومائة. أخرج له البخاري متابعة، والأربعة. "ميزان الاعتدال": (3/70، 73) ، "تهذيب التهذيب": (7/303) ، "تقريب التهذيب": ص 239. 2 أخرجه الأصبهاني في "الترغيب والترهيب": (2/173) ، وأبو الشيخ في "العظمة": (ق 1/أ – ب) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 530. جميعهم عن عاصم بن علي عن أبيه عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا. وعندهم بلفظ: "تفكروا"، بدل: "فكروا"، و"سبعة آلاف سنة نور"، بدل: "ألف نور". وأورده السيوطي فى "الجامع الصغير": (1/ 132) ، وسكت عنه كما سكت عنه المناوي في "فيض القدير": (3/ 292) . وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة": ص 159- بعد أن ذكر من أخرج الحديث-: "وأسانيدها ضعيفة، لكن اجتماعها يكتسب قوة، والمعنى صحيح"، ففي "صحيح مسلم": (2/153) عن أبي هريرة مرفوعا: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله". وقد أورده الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": (4/ 396) من رواية البيهقي وقال: هذا إسناد ضعيف، عطاء كان اختلط. وسند المؤلف رجاله ثقات إلا أن عطاء كان اختلط، والراوي عنه خالد بن عبد الله- ليس ممن روى عنه قبل تغيره، فقد نقل ابن كيال عن الطحاوي أنه قال: "إنما حديث عطاء الذي كان منه قبل تغيره يؤخذ من أربعة لا من سواهم، وهم: شعبة، وسفيان الثوري، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد". "الكواكب النيرات": ص 325، تحقيق: عبد القيوم بن عبد النبي. وقد أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق ا/ ب) مرفوعا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن الصواب أنه موقوف. وقد أورده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (13/383) ، وقال: موقوف، وسنده جيد. التعليق: الحديث وإن كان في إسناده مقال إلا أن بعض الأئمة قد حسنه، ومعناه صحيح، ولا سيما أنه يشهد له ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ". انظر: "صحيح البخاري": (6/336) ، و"صحيح مسلم" (2/153) . فالحديث دال على النهي عن التفكر بذات الله عز وجل، وذلك لأن ذاته أعظم وأجل من أن يدخل فيها التفكير لأن التفكر والتدبر والتقدير إنما يكون في الأمثال والمقاييس والأمور المتشابهة التي هي المخلوقات. والسبيل إلى معرفة الله على مذهب السلف الصالح هو بالتفكر في مخلوقات الله وآياته الكونية والشرعية بالطرق العقلية الصحيحة على حسب ما جاء في القرآن والسنة. والشاهد من إيراد الأثر في هذا الكتاب هو ما ورد عند قوله: "وهو فوق ذلك" حيث إنه قد دل على علو الله وارتفاعه فوق سمواته وبينونته من خلقه وهذا هو الثابت بالأدلة الصحيحة من القرآن والسنة. انظر: "مجموع الفتاوى": (4/ 39، 40) ، "تفسير ابن كثير": (1438، 439) .

17- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مُعَاوِيَةَ1، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ2

_ 1 هو إبراهيم بن محمد بن خازم (بمعجمتين) السعدي، مولاهم، أبو إسحاق ابن أبي معاوية الضرير الكوفي. روى عن أبيه وغيره. صدوق، ضعفه الأزدي بلا حجة، من العاشرة، مات سنة ست وثلاثين ومائتين. أخرى له أبو داود. "تهذيب التهذيب": (1/ 153) ، "تقريب التهذيب": ص 22. 2 هو هناد بن السري (بفتح المهملة، وكسر راء خفيفة، وشدة مثناة تحت، "المغني ": ص 127) ابن مصعب التميمي الدارمي أبو السري الكوفي. روى عن أبي معاوية الضرير وغيره. ثقة من الحاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وله إحدى وتسعون سنة. أخرج له البخاري في "خلق أفعال العباد"، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (11/ 70) ، "تقريب التهذيب": ص 365.

قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ1، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ نَصْرٍ2، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا بَيْنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، غِلَظُ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وَمَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَة سَنَةٍ،

_ 1 هو محمد بن خازم (بمعجمتين) التميمي السعدي، مولاهم أبو معاوية الضرير الكوفي، عمي وهو صغير، روى عن الأعمش وغيره، وعنه ابنه إبراهيم وهناد بن السري وغيرهما. ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره. من كبار التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومائة، وله اثنتان وثمانون سنة، وقد رمي بالإرجاء، وهو من رواة الجماعة. "تهذيب التهذيب": (9/ 137) ، "تقريب التهذيب": ص 395. 2 هكذا في "الأصل"، والصواب: "أبو نصر" وهو حميد بن هلال بن هبيرة، ويقال: ابن سويد بن هبيرة العدوي، أبو نصر البصري. ثقة، عالم، توقف فيه ابن سيرين لدخوله عمل السلطان. من الثالثة، أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (3/ 55) ، "تقريب التهذيب": ص 85. وفرق الذهبي بين أبي نصر راوي هذا الحديث وبين أبي نصر عن أبي برزة، وعنه عمرو بن مرة، فقال: الأول لا يدرى من هو، وأما الثاني فقال فيه: هو حميد بن هلال، وقد قيل: إنه الذي قبله، فإن خبر "لو دليتم" قد رواه محاضر بن المورع عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي نصر عن أبي ذر "ميزان الاعتدال": (4/ 579) .

وَالْأَرَضِينَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى الْعَرْشِ مِثْلُ جَمِيعِ ذَلِكَ كُلِّهِ"1.

_ 1 أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 1/33) عن محمد بن العباس عن أبي كريب. وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات": ص 506، بسنده عن أحمد بن عبد الجبار. كلهم عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي نصر عن أبي ذر بنحوه. وعند أبي الشيخ والبيهقي بزيادة "لو حفرتم لصاحبكم فيها لوجدتموه" يعني علمه. كما أنه لم ترد عند أبي الشيخ عبارة: "غلظ كل سماء خمسمائة سنة" بعد قوله: "ما بين الأرض والسماء مسيرة خمسمائة سنة". أما في رواية البيهقي فجاءت بلفظ: "وغلظ السماء الدنيا خمسمائة عاما". وقد سقط من السند في "الأسماء والصفات" ذكر "أبي نصر". قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية": (1/ 11، 12) : "هذا حديث منكر رواه عن الأعمش محاضر فخالف فيه أبا معاوية فقال: عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي نصر، وكان الأعمش يروي عن الضعفاء ويدلس". وهكذا ذكر الجوزقاني- أيضا- في "الأباطيل": (1/ 68) فإنه قال: "هذا حديث منكر، رواه عن الأعمش محاضر فخالف فيه أبا معاوية". قال ابن كثير في "تفسيره" (4/303) : "في إسناده نظر وفي متنه غرابة ونكارة، والله سبحانه وتعالى أعلم". وقوله: "في إسناده نظر" ذلك لأن أبا نصر لم يسمع من أبي ذر. كما قال البزار في "مسنده" ص 200: "أحسبه حميد بن هلال ولم يسمع من أبي ذر". وأيضا لم يسمع الأعمش من أبي نصر، ففيه انقطاعات، ولذلك وصفه البيهقي بالانقطاع فقال: روي من وجه آخر منقطع عن أبي ذر- رضي الله عنه- مرفوعا. ووافقه الألباني في "تخريج السنة": (1/ 255) . وقول ابن كثير: "في متنه غرابة ونكارة" يقصد بذلك الزيادة التي وردت عند غير ابن أبي شيبة وهي قوله: "لو حفرتم لصاحبكم فيها لوجدتموه" ... " الخ.

(ق 55/ أ) 18- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ1، عَنْ سُفْيَانَ2، عَنْ جَابِرٍ3، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى4، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ: "مُمْتَلِئَةٌ"5.

_ 1 هو وكيع بن الجراح وتقدم ترجمته في (2) . 2 هو سفيان الثوري، وتقدم ترجمته في (2) . 3 هو جابر بن يزيد بن الحارث بن عبد يغوث الجعفي أبو عبد الله ويقال: أبو يزيد، الكوفي، ضعيف، رافضي، من الخامسة، مات سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين. أخرج له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (2/ 46، 47) ، 9 تقريب التهذيب": ص 53. 4 هكذا في "الأصل"، والصواب هو: "عبد الله بن نجي" (بنون وجيم مصغرا) ابن سلمة بن جشم الكوفي، الحضرمي، روى عنه جابر الجعفي وغيره، صدوق، من الثالثة. أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب،: (6/ 55) ، "تقريب التهذيب": ص 192. 5 أخرجه الطبري في "تفسيره": (29/138) ، وعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "السنة": ص 143. وكلاهما من طريق جابر عن عبد الله بن نجي به، ولفظ ابن جرير "ممتلئة به، بلسان الحبشة". وأخرجه ابن جرير من وجه آخر عن سفيان عن جابر عن عكرمة، ولم يسمعه عن ابن عباس، قال: ممتلئة به. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 280) عن الفريابي، وابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس به. إسناده ضعيف، جابر بن يزيد ضعيف، والحديث كل طرقه مدارها عليه، ولم أقف على من رواه من طريق آخر.

19- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ1، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ الْأَشْعَثِ السُّلَمِيُّ2، حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ الْيَمَامِيُّ الْأَنْصَارِيُّ3، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ

_ 1 هو الحسن بن علي بن محمد الهذلي (بمضمومة وفتح ذال معجمة نسبة إلى هذيل بن مدركة، "المغني،: ص 272) أبو علي الخلال الحلواني (بضم المهملة) نزيل مكة. ثقة، حافظ، له تصانيف، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين. أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (2/ 302) ، "تقريب التهذيب": ص 71. 2 هو الهيثم بن الأشعث أبو محمد السلمي. روى عنه الحسن بن علي الحلواني، وعثمان بن الهيثم. مجهول، وقال العقيلي في "الضعفاء،: "يخالف حديثه ولا يصح إسناده". "ميزان الاعتدال": (4/ 319) ، "لسان الميزان": (6/ 203) . 3 ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" في الكنى: ص 25 "أبو حنيفة اليمامي، روى عنه ابن المبارك وابنه إبراهيم بن أبي حنيفة اليمامي".

عَبْدِ اللَّهِ1، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ قَالَ: كُنْتُ إِذَا أَمْسَكْتُ2 عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَدَأَنِي، وَإِنْ سَأَلْتُهُ عَنِ الْخَبَرِ أَنْبَأَنِي، وَإِنَّهُ حَدَّثَنِي عَنْ رَبِّهِ قَالَ: "قَالَ الرَّبُّ- جَلَّ وَعَزَّ-: وَارْتِفَاعِي فَوْقَ عَرْشِي، مَا مِنْ أَهْلِ، قَرْيَةٍ وَلَا مِنْ أَهْلِ بِيتٍ كَانُوا عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ مَعْصِيَتِي، ثُمَّ تَحَوَّلُوا عَنْهَا إِلَى مَا أحْبَبْتُ مِنْ طَاعَتِي، إِلَّا تَحَوَّلْتُ لهم عما يكرهم من مِنْ عَذَابِي إِلَى مَا يُحِبُّونَ مِنْ رَحْمَتِي"3.

_ 1 هكذا في "الأصل"، وفي "العلو" للذهبي: ص 53، و"الإبانة" لابن بطة: (ق هـ 19/ ب) : عمر بن عبد الملك. وفي "تفسير ابن كثير": عمير بن عبد الملك. وفي "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص 33: عدي بن عميرة الكندي. وجميعهم أورده من طريق ابن أبي شيبة في كتاب "العرش"، ولعل الصواب أنه: عدي بن عميرة (بفتح أوله) بن فروة بن زرارة بن الأرقم الكندي، أبو زرارة، صحابي معروف، وقد على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى عنه شيئا يسيرا، قال أبو عروبة الحراني: كان عدي بن عميرة قد نزل بالكوفة، ثم خرج عنها، وقال الواقدي: توفي بالكوفة سنة أربعين. "الإصابة": (2/ 463، 464) ، "تهذيب التهذيب": (7/ 169) ، "تقريب التهذيب": ص 237. 2 في "الأصل": "سكت"، والصواب هو ما أثبته، لوروده في "تفسير ابن كثير": (2/ 504) وبذلك يستقيم الكلام. 3 أخرجه ابن بطة في "الإبانة": (ق 195/ ب) . وأورده ابن كثير في "تفسيره": (2/ 504) . وأورده الذهبي في "العلو": ص 53. وابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية": ص 73. جميعهم من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة به. وقال الذهبي: رواه العسال في كتاب "المعرفة" عن أحمد بن الحسن الطائي الحلواني. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (4/48) عن ابن أبي شيبة في كتاب "العرش"، وأبو الشيخ، وابن مردويه. وجاء عند ابن بطة، وابن كثير، والذهبي، وابن القيم، والسيوطي لفظ: "وعزتي وجلالي" قبل قوله: "وارتفاعي فوق عرشي"، وأيضا- جاء عند ابن بطة، والذهبي، وابن القيم، والسيوطي لفظ: "ولا رجل ببادية" بعد قوله: "ولا من أهل بيت". قال الذهبي: "إسناده ضعيف". وعلة ضعفه جهالة ابن الأشعث السلمي، وأبي حنيفة اليمامي.

25- حَدَّثَنَا عَمِّي أبو بكر، حدثثا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ1، عَنْ

_ 1 هو مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن خارجة الفزاري، أبو عبد الله الكوفي، سكن مكة ودمشق وهو ابن عم أبي إسحاق الفزاري. ثقة، حافظ، وكان يدلس أسماء الشيوخ. روى عن عوف الأعرابي وغيره. وعنه أبو بكر بن أبي شيبة وغيره. من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (10/ 96) ، "تقريب التهذيب": ص 333.

عَوْفٍ1 عَنْ عَبَّاسٍ الْقَمِّيِّ2 قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ دَاوُدَ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ أَنْتَ تَعَالَيْتَ، فَوْقَ عَرْشِكَ، وَجَعَلْتَ خَشْيَتَكَ عَلَى من في السموات وَالْأَرْضِ، فَأَقْرَبُ خَلْقِكَ مِنْكَ أَشَدُّهُمْ لَكَ خَشْيَةً، وَمَا عِلْمُ مَنْ لَمْ يَخْشَكَ، وَمَا حِكْمَةُ مَنْ لَمْ يُطِعْ أمْرَكَ"3.

_ 1 هو عوف بن أبي جميلة (بفتح الجيم) العبدي الهجري، أبو سهل البصري، المعروف بالأعرابي واسم أبي جميلة بندويه ويقال: بل بندويه اسم أمه، واسم أبيه رزينة. ثقة، رمي بالقدر، والتشيع، من السادسة، مات سنة ست أو سبع وأربعين ومائة وله ست وثمانون سنة. "تهذيب التهذيب": (8/ 166) ، "تقريب التهذيب": ص 267. 2 هكذا في "الأصل"، وفي "اجتماع الجيوش الإسلامية": "القمي"، وفي "المصنف" لأبي بكر بن أبي شيبة، و"الدر المنثور" للسيوطي: "العمي" بالعين. قال يحيى بن معين: "قد روى عوف عن شيخ بصري يقال له: عباس العمى وليس به بأس". "التاريخ" لابن معين: ص 4602، "ثقات ابن شاهين": ص 149. 3 أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في كتابه "المصنف"، كتاب الدعاء، باب دعاء داود عليه السلام: (10/ 277، حديث 9430) من طريق مروان بن معاوية عن عوف عن عباس العمي به ولفظه: "سبحانك اللهم أنت ربي، تعاليت فوق عرشك، وجعلت على من في السموات والأرض خشيتك فأقرب خلقك منك منزلة أشدهم لك خشية، وما علم من لم يخشك، وما حكمة من لم يطع أمرك". وأخرجه الدارمي في "مسنده": (1/ 97) من طريق شيخ المصنف وبإسناده، وقد وقع في إسناد الدارمي خطئين،. أحدهما: قوله عن عون، والصواب هو "عوف"، وهو الذي يروي عن مروان بن معاوية. والثاني: عن ابن عباس العمي، والصواب: "عباس القمي"، كما تقدم. وأورده ابن القيم في "مختصر الصواعق المرسلة": (2/ 211) ، و"اجتماع الجيوش الإسلامية": ص 103 مختصرا عن المؤلف في كتابه "العرش"، وقال في "اجتماع الجيوش": "قول: عباس القمي وإن لم يكن من المشهورين بالتفسير، روى ابن أبي شيبة في كتاب "العرش" بإسناد صحيح عنه قال: بلغني أن داود كان يقول في دعائه: "اللهم أنت ربي تعاليت فوق عرشك، وجعلت خشيتك على من في السموات والأرض".". وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (5/ 250) من طريق ابن أبي شيبة، وأحمد في "الزهد".

21- حَدَّثَنَا مُلَيْحُ بْنُ وَكِيعٍ1، وَإِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى2، قالا: حدثنا الزايد بْنُ مسلم3، حدثني (ق 55/ ب) أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ

_ 1 هو مليح (بفتح الميم وكسر اللام وبحاء مهملة، "المغني": ص 240) بن الجراح بن مليح الرؤاس، روى عن أبيه وكيع بن الجراح، وجرير بن عبد الحميد، والوليد بن مسلم، وصفوان بن عيسى. "الجرح والتعديل": (8/ 367) . 2 هو إسحاق بن موسى بن عبد الله بن موسى الأنصاري الخطمي أبو موسى المدني. روى عن الوليد بن مسلم وغيره. ثقة، متقن، من العاشرة، مات سنة أربع وأربعين ومائتين. أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب".: (1/ 251) ، "تقريب التهذيب": ص 30. 3 هو الوليد بن مسلم القرشي مولى بني أمية، وقيل: مولى بني العباس، أبو العباس الدمشقي عالم الشام. روى عن الأوزاعي وغيره. ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (11/ 151) ، "تهذيب التهذيب": ص 371.

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو1، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ2، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ3،، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ

_ 1 هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو، واسمه يحمد الشامي، أبو عمرو الأوزاعي الفقيه، نزل بيروت في آخر عمره فمات بها مرابطا، روى عن الزهري وغيره. ثقة، جليل، من السابعة، مات سنة سبع وخمسين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (6/ 238) ، "تقريب التهذيب": ص 207. 2 هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي الزهري، الفقيه أبو بكر الحافظ المدني، أحد الأئمة الأعلام، عالم الحجاز والشام. قال في "التقريب": متفق على جلالته وإتقانه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة. مات سنة خمس وعشرين ومائة، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين. "تهذيب التهذيب": (9/ 445) ، "تقريب التهذيب": ص 319. 3 هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو الحسين، ويقال: أبو عبد الله وغير ذلك، المدني زين العابدين. ثقة، ثبت، عابد، فقيه، فاضل، مشهور، قال ابن عيينة عن الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه، من الثالثة، مات سنة ثلاث وتسعين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (7/ 304) ، تهذيب التهذيب": ص 245.

- رضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِمِثْلِ هَذَا فِي الْجَاهِليَّةِ؟ " قَالُ: كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، أَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ رَبَّنَا- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِذَا قَضَى فِي السَّمَاءِ أَمْرًا، سَبَّحَتْهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَ حملة الْعَرْشَ، ثُمَّ سَبَّحَتْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّسْبِيحُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَقُولُ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، فَيُخْبِرُونَهُمْ، ثُمَّ يَسْتَخْبِرُ أَهْلُ السماء أهل السموات بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَخْطَفُ الْجِنُّ السمع، فما جاؤا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يفْرقُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ" 1.

_ 1 أخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان: (14/ 225) ، والترمذي في "سننه"، كتاب التفسير، باب سورة سبأ: (5/ 362، حديث 2324) ، والإمام أحمد في "مسنده": (1/218) ، والدارمي في "الرد على الجهمية": ص 78، وابن منده في "التوحيد": (ق 16/ ب) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 264، 265، والطحاوي في "المشكل": (3/ 113) ، وأبو نعيم في "الحلية": (3/ 143) كلهم بإسنادهم عن الزهري عن علي بن الحسين به، وبألفاظ متقاربة. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وسند المؤلف من جهة مليح فيه ضعف، لجهالة مليح بن وكيع، ولكنه توبع، وسنده عن إسحاق بن موسى جيد ورجاله ثقات. التعليق: الحديث متضمن لعدة أمور: الأمر الأول: هو موطن الشاهد هنا حيث إن الحديث قد دل على علو الله وارتفاعه فوق عرشه وبينونته من خلقه تبارك وتعالى، وهو سبحانه مع هذا الاستواء على العرش لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وإذا أراد قضاء أي أمر أوحى إلى ملائكته، فيكون أولهم سماعا لكلامه حملة العرش الذين يسبحون تعظيما وإجلالا لكلام رب العالمين، ثم يتتالى تسبيح الملائكة حتى يصل تسبيحهم إلى ملائكة السماء الدنيا فيسبحون لتسبيح من فوقهم، ومن ثم يستخبر الملائكة بعضها بعضا عن كلام الله وما قضاه. وفي هذا النزول والصعود وكون حملة العرش هم أول من يسمع كلام الله، وأنهم يخبرون من بعدهم بأمر الله من أبلغ الأدلة على علو الله وارتفاعه على عرشه، وأنه بائن من خلقه غير مختلط بهم، ورد على الجهمية الذين يزعمون أن الله بذاته في كل مكان، ولو كان الأمر كما يزعمون لكان الملائكة جميعا متساوين في السماع لكلام الله. الأمر الثاني: في قوله: "إذا قضى أمرا سبحته حملة العرش" فكون حملة العرش هم أول من يسمع كلام الله وما قضاه في شأن الخلق وأول الملائكة تسبيحا لكلامه- دليل على أن العرش الذي يحمله هؤلاء الملائكة هو أقرب المخلوقات إليه، ومن ثم يليه في القرب حملة العرش الذين يسمعون كلام الله فيبلغونه لمن دونهم من الملائكة. الأمر الثالث: ما دل عليه الحديث من إثبات صفة الكلام لله تعالى عند قوله: "ماذا قال ربكم" ففي هذا دليل على أن الله يتكلم بما شاء متى شاء وأن كلامه- سبحانه وتعالى- مسموع تسمعه الملائكة، وهذا هو مذهب السلف في مسألة الكلام خلافا للجهمية وغيرهم.

22- حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ1، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ2، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ3، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ4، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ5، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ6 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: "مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي هَذِهِ النُّجُومِ الَّتِي

_ 1 هو منجاب (بكسر أوله وسكون ثانيه ثم جيم موحدة) بن الحارث بن عبد الرحمن التميمي أبو محمد الكوفي. ثقة، من العاشرة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين. أخرج له مسلم، وابن ماجه في التفسير. 2 لم أقف على ترجمته. 3 هو زياد بن عبد الله بن الطفيل (بمضمومة وفتح فاء مصغرا "المغني": عن158) البكائي العامري، أبو محمد، ويقال: أبو يزيد الكوفي، روى عن محمد بن إسحاق وغيره. صدوق ثبت في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين. من الثامنة، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة. أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (3/ 375) ، "تقريب التهذيب": ص. 110. 4 تقدم ترجمته في (11) . 5 تقدم ترجمته في (21) . 6 تقدم ترجمته في الذي قبله (21) .

يُرْمَى بِهَا؟ " قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كُنَّا نَقُولُ حِينَ رَأَيْنَاهَا يُرْمَى بِهَا: مَاتَ مَلِكٌ، هَلَكَ مَلِكٌ، وُلِدَ مَوْلُودٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ إِذَا قَضَى فِي خَلْقِهِ أَمْرًا سَمِعَهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ فَسَبَّحُوا، فَسَبَّحَ مَنْ تَحْتَهُمْ بِتَسْبِيحِهِمْ، فَسَبَّحَ مَنْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلِ التَّسْبِيحُ يَهْبِطُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسَبِّحُونَ، ثُمَّ يَقُولُ بعضهم لبعض: مما سَبَّحْتُمْ، فَيَقُولُونَ: سَبَّحَ مَنْ فَوْقَنَا فَسَبَّحْنَا بِتَسْبِيحِهِمْ، فَيَقُولُونَ: أَفَلَا1 تَسْأَلُونَ من فوقكم مما سَبَّحُوا، فَيَقُولُونَ: مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهُونَ إِلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فيقال لهم مما سَبَّحْتُمْ، فَيَقُولُونَ: قَضَى اللَّهُ فِي خَلْقِهِ كَذَا وَكَذَا، الْأَمْرَ الَّذِي كَانَ قَدْ هَبَطَ بِهِ الْخَبَرُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، حَتَّى يَنْتَهُونَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَتَحَدَّثُونَ بِهِ، فَيَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ بِالسَّمْعِ عَلَى قَوْلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ ثُمَّ يَأْتُونَ الْكُهَّانَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَيُحَدِّثُونَهُمْ بِهِ، فَيُخْطِئونَ وَيُصيبُونَ، فَيَتَحَدَّثُ بِهِ الْكُهَّانُ، فَيُصِيبُونَ بَعْضًا، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ حَجَبَ الشَّيَاطِينَ بِهَذِهِ النُّجُومِ الَّتِي يُقْذَفُونَ بِهَا، فَانْقَطَعَتِ الْكِهَانَةُ فَلَا كِهَانَةَ"2.

_ 1 في "الأصل": "فلا"، والصواب ما أثبته وبذلك يستقيم الكلام. 2 أخرجه من طريق محمد بن إسماعيل عن الزهري: ابن جرير في "تفسيره"، في تفسير سورة الصافات: (23/37) بنحوه. وهو كالحديث الذي قبله، وفيه متابعة ابن إسحاق للأوزاعي. وفي المتن زيادة وهي قوله: "ثم إن الله حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها، فانقطعت الكهانة فلا كهانة"، ولم أجدها في المصادر الأخرى التي اطلعت عليها إلا في "دلائل النبوة" للبيهقي: (2/237) ، حيث ذكره معلقا عن محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري فقال في آخره: "ثم إن الله عز وجل حجب الشياطين عن السمع بهذه النجوم فانقطعت الكهانة فلا كهانة" في رواية ابن جرير عن ابن إسحاق عبارة تشبهها وهي قوله: "فلم تزل الجن كذلك حتى رموا بالشهب". وقد أورد المصنف هذا الحديث لما فيه من الدلالة على إثبات علو الله واستوائه فوق عرشه. وفي الحديث فوائد: الأولى: إثبات أن الرمي بالشهب كان موجودا قبل مبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا هو قول كثير من أهل العلم كما ذكر ذلك الشوكاني في "فتح القدير": (3/125- 126) حيث قال: "وفي الحديث شاهد على أن الرمي كان موجودا قبل البعثة، وقد زيد بعد البعثة". وقد قيل: إن الرمي إنما كان بعد المبعث، وهو قول الزجاج حيث قال: إن الرمي بالشهب من آيات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما حدث بعد مولده، لأن الشعراء في القديم لم يذكروه في أشعارهم، وهو قول ضعيف يرده ما جاء في الحديث. الثانية: إبطال كون النجوم لها علاقة بما يحدث في هذه الدنيا من الأمور والأحداث، ففي الحديث إبطال لهذا المعتقد الجاهلي، هذا، وقد بين القرآن وظائف النجوم وهي منحصرة في ئلائة أمور: الأول: كونها زينة للسماء، قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [سورة الملك، الآية: 5] . الثاني: كونها علامات يهتدى بها في البر والبحر لمعرفة الجهات والأماكن، قال تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [سورة النحل، الآية: 16] . والثالث: كونها رجوما للشياطين الذين يحاولون استراق السمع قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} [سورة الملك، الآية: 5] ، كما أن في الحديث دلالة على هذه الوظيفة التي هي حراسة السماء. الثالث: جاء في آخر الحديث قوله: "ثم إن الله حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها فانقطعت الكهانة فلا كهانة". فالحديث يدل على انقطاع نوع من أنواع الكهانة، وذلك لأن الكهانة في العرب ثلاثة أضرب: الأول: أن يكون للإنسان ولي من الجن، يخبره بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عنه مما قرب أو بعد، وهذا النوع موجود، وقد نفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذا النوع وقالوا باستحالته. والجواب: أنه لا استحالة في ذلك، وهو موجود، ولكنهم يصدقون ويكذبون، والنهي عن تصديقهم والسماع منهم عام. الثاني: المنجمون: وهذا الضرب يخلق الله تعالى فيه لبعض الناس قوة ما، لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن العرافة وصاحبها يسمى عرافا، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها بها، وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض في ذلك بالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة. الثالث: أن يكون لإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم هو الذي دل عليه الحديث على أنه بطل بعد مبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد دل على ذلك القرآن، قال تعالى: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [سورة الشعراء، الأية: 212] ، وقال تعالى حكاية عن الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} [سورة الجن، الآيتان: 8- 9] ، وقال تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [سورة الحجر، الآية: 17] . وقد قيل: إن المنع إنما كان زمن الوحي بدليل قوله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [سورة الصافات، الآيات: 6- 15] ،. فقالوا: الاستثناء راجع إلى غير الوحي، فيخطف الواحد منهم خطفة مما يتفاوض فيه الملائكة ويدور بينهم مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض، أما آيات المنع فهي راجعة إلى الوحي، والراجح هو القول الأول، وهو أنهم منعوا بعد البعثة. انظر: "صحيح مسلم بشرح النووي": (14/223) ، "فتح القدير": (3/ 125- 126) ، (4/ 376) .

(ق 56/ أ) 23- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ1، حَدَّثَنَا أَبِي فُدَيْكٍ2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ3، عَنْ هِشَامِ

_ 1 هو يوسف بن يعقوب الصفار، أبو يعقوب الكوفي، مولى بني هاشم، ويقال: مولى بني أمية، ثقة، من العاشرة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين. أخرج له البخاري، ومسلم. "تهذيب التهذيب": (11/ 432) ، "تقريب التهذيب": ص 390. 2 هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك (بالفاء مصغرا) ، واسمه دينار (بكسر المهملة وسكون ياء، "المغني": ص 105) مولاهم أبو إسماعيل المدني، روى عن عبد الرحمن بن عبد المجيد السهمي وغيره. صدوق، من صغار الثامنة، مات سنة مائتين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (9/ 61) ، "تقريب التهذيب": ص 290. 3 هو عبد الرحمن بن عبد المجيد السهمي. روى عن هشام بن الغاز، وعنه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك. مجهول، من السابعة. أخرج له أبو داود حديثا واحدا وهو هذا الحديث. ويقال: هو عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم أبي رحاء المكفوف قال ابن حجر: وقع في نسخة الخطيب عبد الرحمن بن عبد الحميد وكذا في "التذكرة" للفريابي. ثقة من التاسعة. "تهذيب التهذيب": (6/ 220) ، "تقريب، التهذيب": ص 206.

بْنِ الْغَازِ1، عَنْ مَكْحُولٍ2، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي اللَّهُمَّ إني أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ 3 وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ، بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ

_ 1 هو هشام بن الغاز (بمعجمتين بينهما ألف) بن ربيعة الخرشي (بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة) أبو عبد الله، ويقال: أبو العباس الدمشقي، نزيل بغداد. روى عن مكحول الشامي وغيره. ثقة، من كبار السابعة، مات سنة ثلاث أو ست أو تسع وخمسين ومائة. أخرج له البخاري تعليقا، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (11/ 55) ، "تقريب التهذيب": ص 364. 2 هو مكحول الشامي، أبو عبد الله، روى عن أنس بن مالك وغيره. ثقة، فقيه، كثير الإرسال، مشهور، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومائة. أخرج له البخاري في القراءة خلف الإمام، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (11/ 289) ، "تقريب التهذيب": ص 347. 3 في "الأصل": "وملائكته"، وهو خطأ لا يستقيم معه سياق الكلام، والصواب ما أثبته.

لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، أُعْتِقَ اللَّهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ، فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ" 1.

_ 1 أخرجه أبو داود في "سننه"، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح: (5/ 310، حديث 5067) . وأبو بكر بن السني في "عمل اليوم والليلة": ص 268. كلاهما من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك بن عبد الرحمن بن عبد المجيد أو عبد الحميد عن هشام بن الغاز عن مكحول عن أنس بن مالك به مرفوعا بنحوه. وجاء عند أبي داود وابن السني بلفظ: "ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار، ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار، ومن قالها أربعا أعتقه الله من النار". وقد روي الحديث من وجه آخر. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد": ص 176، والترمذي في وسننه"، كتاب الدعوات: (5/527، حديث 3501) ، وقال، هذا حديث غريب، والنسائي في "عمل اليوم والليلة": ص 138. جميعهم عن بقية بن الوليد عن مسلم بن زياد مولى ميمونة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أنس بن مالك به، بنحوه. إلا أنه جاء في رواية الترمذي في آخره بلفظ: "إلا غفر له ما أصاب في يومه ذلك، وإن قالها حين يمسي غفر الله له ما أصاب في تلك الليلة من ذنب" بدل قوله: "أعتق الله ربعه من النار ... " الخ. في سند المؤلف عبد الرحمن بن عبد المجيد أو عبد الحميد، فإن كان هو عبد الرحمن عن عبد المجيد فهو مجهول، ولكنه قد توبع، وإن كان المقصود به عبد الرحمن بن عبد الحميد فالحديث إسناده حسن. وقد جود النووي إسناده في "أذكاره": ص 74، وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأبكار" فقال: "حسن غريب". التعليق: الشاهد من إيراد الحديث هنا هو ما جاء عند قوله: "وحملة عرشك"، وحملة العرش قد ورد ذكرهم في القرآن، في موضعين. أحدهما: في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} . والثاني: في قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} . وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار التي جاء فيها ذكر حملة العرش، وقد أورد المصنف هنا تسعة عشر دليلا ما بين حديث وأثر، دلت جميعها على أن لله ملائكة قد اختصهم بحمل عرشه في هذه الحياة الدنيا ويوم القيامة، كما ذكر فيها بعض صفاتهم ووعددهم ووظائفهم. ومراد المصنف- رحمه الله تعالى- من إيراد هذه الأدلة الرد على زعم الجهمية الذين ينكرون أن يكون العرش حقيقة ويؤولونه بمعنى الملك وبالتالي ينكرون أن يكون له حملة يحملونه، ولذلك يقول بعضهم: إن المراد بالثمانية في قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} هي السموات السبع والأرض. فكأن المصنف يريد أن يقول: هذه نصوص القرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وتفاسيرهم تدل دلالة قاطعة على أن العرش حقيقة، وأنه مخلوق عظيم خلقه الله، وخص بعض الملائكة بحمله فهم يحملونه حملا حقيقيا بقدرة الله وإرادته، فمن أين جئتم أيها الجهمية بهذا الزعم الباطل الذي لا دليل عليه، بل إن نصوص القرآن والسنة ترده وتبطله. والحديث الذي نحن بصدد التعليق عليه هو من الأحاديث الدالة على فضل لا إله إلا الله وعظم أجرها وجزيل ثوابها عند الله، وقد ورد في فضل لا إله إلا الله الكثير من الأحاديث، وهذه الأحاديث بمجموعها يمكن تقسيمها إلى قسمين: الأول: أحاديث ورد فيها أن من أتى بالشهادتين أدخل الجنة ولم يحجب عنها، ومن هذه الأحاديث ما جاء في "صحيح مسلم": (1/42) عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- أنه قال عند موته: سمعت رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل". وهذا النوع من الأحاديث معناه ظاهر، فإن النار لا يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص، وإن عذب بعضهم على قدر ذنبه في النار ثم يخرج منها ويدخل الجنة، لأن عاقبة أهل التوحيد الذين خلصوا من الشرك هي دخول الجنة والخلود فيها. وأما القسم الثاني من هذه الأحاديث فهي التي ورد فيها التحريم على النار لمن قال لا إله إلا الله. ومن هذا القسم الحديث الذي معنا، ومن ذلك أيضا ما أخرجه البخاري ومسلم في "الصحيحين" عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار". وهذا القسم ليس عاما كالقسم الأول الذي شمل أهل التوحيد جميعهم، بل هو خاص بطائفة معينة من أهل التوحيد، وهم الذين قالوا هذه الكلمة بإخلاص ويقين، وخلصوا من الشرك واجتنبوا: كبائر الذنوب، وماتوا على الإخلاص، ولم يصروا على ذنب أصلا، فهؤلاء هم المستحقون للتحريم على النار لاجتنابهم ما يوجب دخولها، وأما صغائر الذنوب التي لا يسلمون منها فإن اجتنابهم للكبائر يكفرها كما قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [سورة النساء، الآية: 31] . وعلى هذا التفسير لهذه الأحاديث الواردة في فضل لا إله إلا الله لا يكون هناك تعارض بينها وبين أحاديث أخرى جاء فيها أن هناك طائفة ممن يقولون لا إله إلا الله يدخلون النار بسبب ذنوبهم ثم يخرجون منها، لأن كل قسم من هذه الأحاديث يخص طائفة معينة. فالأحاديث التي دلت على دخول الجنة هي عامة لأهل التوحيد بشرط خلوصهم من الشرك، وليس في هذه الأحاديث ما يمنع دخول بعضهم النار ثم يخرجون منها، فهي على هذا دالة على تحريم الخلود لا على تحريم الدخول. وأما أحاديث التحريم على النار فهي خاصة لطائفة معينة وهي التي اتصفت بالصفات التي سبق ذكرها. وأما الأحاديث التي دلت على دخول النار ثم الخروج منها فهي لمن ارتكب ذنبا يوجب دخول النار والتعذيب فيها على قدر ذلك الذنب ثم يخرج منها ويدخل الجنة ويخلد فيها والله أعلم.

24- حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ هَارُونَ1، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ2،

_ 1 لم أقف على ترجمته. 2 هو محمد بن إسماعيل بن سمرة (بمفتوحة وضم ميم، "المغني": ص 133) الأحمس (بمهملتين) أبو جعفر الكوفي السراج، وروى عن زيد بن الحباب وغيره. ثقة، من العاشرة، مات سنة ستين ومائتين وقيل قبلها. أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (9/ 58، 59) ، "تقريب التهذيب": ص 290.

قَالَا: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ1، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ2، حَدَّثَنَا هارون بن رياب3، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ4 قَالَ: "حَمَلَةُ

_ 1 هو زيد بن الحباب (بضم المهملة وموحدتين) بن الريان، ويقال: رومان التميمي، أبو الحسين العكلي (بضم المهملة وسكون الكاف، "لب اللباب": ص 181) وهو اسم بطن من تميم، (وفي "المغني": ص 186، بضم عين وسكون كاف نسبة إلى عكل، اسم امرأة) ، أصله من خراسان وكان بالكوفة ورحل في الحديث فأكثر منه، وهو صدوق، يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومائتين. أخرج له الأربعة. "تهذيب التهذيب": (3/ 402) ، "تقريب التهذيب": ص 112. 2 هو جعفر بن سليمان الضبعي (بضم الضاد المعجمة، وفتح الموحدة) أبو سليمان البصري، صدوق، زاهد، لكنه كان يتشيع، من الثامنة، مات سنة ثمان وسبعين ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (2/ 95) ، "تقريب التهذيب": ص 55. 3 هو هارون بن رياب (بكسر الراء والتحتانية مهموز ثم موحدة) التميمي ثم الأسيدي، أبو بكر، ويقال: أبو الحسن العابد، البصري، روى عنه جعفر ابن سليمان وغيره. ثقة، عابد، من السادسة، اختلف في سماعه عن أنس. أخرج له مسلم، والنسائي، وأبو داود. "تهذيب التهذيب": (11/ 4) ، "تقريب التهذيب": ص 361. 4 هو شهر بن حوشب الأشعري أبو سعيد الشامي، مولى أسماء بنت يزيد ابن السكن. صدوق، كثير الإرسال والأوهام، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة.

الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ، فَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، وَأَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ"، قَالَ: "وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ ذُنُوبَ بَنِي آدَمَ1"2.

_ 1 هكذا في "الأصل"، ولعل الصواب: "وكانوا يدعون، لأنهم يرون ذنوب بني آدم ". 2 أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره": (ق 284/ ب) ، والطبري في "تفسيره": (19/7) . وكلاهما من طريق جعفر بن سليمان عن هارون بن رياب عن شهر بن حوشب من قوله. وعند عبد الرزاق زيادة في آخره "كلهم ينظرون إلى أعمال بني قدرتك" بدل قوله: "كانوا يرون أنهم يرون ذنوب بني آدم". أما في تفسير ابن جرير فوقف على قوله: "على عفوك بعد قدرتك". وقد روي الحديث من وجه آخر عن هارون بن رياب. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 85/ ب) بسنده عن رواد بن الجراح عن الأوزاعي عن هارون بن رياب نحوه، والبيهقي في "شعب الإيمان": (1/ 1/ 91/ ب) ، نسخة الشيخ حماد الأنصاري، بسنده عن العباس بن الوليد بن مزيد قال: أخبرني أبي، قال: سمعت الأوزاعي قال: حدثني هارون بن رياب بنحوه. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (5/ 346) ، و"الحبائك": ص 47، وعزاه إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ، والبيهقي في "شعب الإيمان". وجاء عندهم جميعا زيادة: "يتجاوبون بصوت حزين رخيم". وروي أيضا من وجه آخر عن حسان بن عطية. أخرجه أبو نعيم في "الحلية": (6/ 74) عن أحمد بن إسحاق ثنا عبد الله ثنا عباس بن الوليد أخبرني أبي ثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية بنحوه. وأورده الذهبي في "العلو": ص 58، قال: الوليد بن مزيد العذري حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية ثم ذكر نحوه، وقال: إسناده قوي. التعليق: ما ورد في هذا الأثر من وصف حملة العرش بكونهم يسبحون بحمد ربهم ويعظمونه يؤيده ما جاء ذكره في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} .

25- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ1، حَدَّثَنَا ابْنُ الْحُبَابِ2، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ مَوْلَى ابْنِ عَلْقَمَةَ الْمَكِّيُّ3، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ4،

_ 1 تقدم في رقم (12) . 2 هو زيد بن الحباب وتقدمت ترجمته في الذي قبله. 3 هو حميد المكي، مولى ابن علقمة، روى عن عطاء بن أبي رباح وعنه زيد ابن الحباب، مجهول، قال البخاري: وروى عنه زيد ثلاثة أحاديث زعم أنه سمع عطاء عن أبي هريرة عن سلمان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحديثين آخرين لا يتابع فيهما. "التاريخ الصغير" للبخاري: ص 179، "تهذيب التهذيب": (3/ 54) ، "تقريب التهذيب": ص 85. 4 هو عطاء بن أبي رباح (بفتح الراء والموحدة) واسمه أسلم القرشي، مولاهم، أبو محمد المكي. روى عن أبي هريرة- رضي الله عنه- وغيره. ثقة، فقيه، فاضل، لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومائة على المشهور، وقيل: إنه تغير بآخره، ولم يكن ذلك منه. "تهذيب التهذيب": (7/199) ، "تقريب التهذيب": ص 239.

حَدَّثَنِي سَلْمَانُ ابْنُ الإسلام1، قال- قالا رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ، وَأُشْهِدُ الْمَلَائِكَةَ وحملة العرش، والسموات وَمَنْ فِيهِنَّ، وَالْأَرْضَ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَأُشْهِدُ جَمِيعَ خَلْقِكَ، بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَأُكَفِّرُ مَنْ أَبَى ذَلِكَ2 مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، مَنْ قَالَهَا مَرَّةً أَعْتَقَ ثُلُثَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أعتق الله ثلثاه3، مِنَ قَالَهَا ثَلَاثًا أُعْتِقَ مِنَ النَّارِ" 4.

_ 1 هو سلمان أبو عبد الله الفارسي- رضي الله عنه-، ويقال له: سلمان بن الإسلام، وسلمان الخير. "الإصابة": (2/ 60) . 2 في "الأصل" بياض مقدار كلمتين ولكن الكلام تام وليس فيه نقص. 3 في "الأصل": "ثلثه" وهو خطأ، والصواب ما أثبته. 4 أخرجه ابن عدي في "الكامل ": (2/ 689) بسنده عن زيد بن الحباب عن علقمة المكي عن عطاء عن أبي هريرة، عن سلمان الفارسي مرفوعا بنحوه. وكذا الطبراني في "الكبير": (2062) . وأخرجه الحاكم في "المستدرك ": (1/523) من طريق حميد بن مهران عن عطاء عن أبي هريرة عن سلمان الفارسي مرفوعا بنحوه، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعند ابن عدي والحاكم بلفظ: "وأشهد من في السموات ومن في الأرض". وأورده السيوطي في "جمع الجوامع": (1/ 811) من طريق الضياء المقدسي في "الجنان". وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد": (9/ 87) ، كتاب الدعاء، باب فيمن أشهد الله وملائكته على التوحيد. وعزاه إلى الطبراني وقال: "رواه بإسنادين وفي أحدهما أحمد بن إسحق الصوفي، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. وإسناد المؤلف ضعيف، لأن فيه حميد المكي وهو مجهول، ولم يتابع".

26- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ1، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ2، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ3، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ

_ 1 هو كثير بن هشام الكلابي أبو سهل الرقي، نزل بغداد، روى عن جعفر بن برقان وغيره، ثقة، من السابعة، كذا في "التقريب"، والظاهر أنه من التاسعة، مات سنة سبع ومائتين وقيل ثمان. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (8/ 429) ، "تقريب التهذيب": ص 285. 2 هو جعفر بن برقان (بضم الموحدة،- سكون الراء بعدها قاف) الكلابي، مولاهم، أبو عبد الله الجزري، الرقي. صدوق، يهم في حديث الزهري، من السابعة، مات سنة خمسين ومائة وقيل بعدها. روى له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة. "ميزان الاعتدال": (1/3 4) ، "تهذيب التهذيب": (2/ 84) ، "تقريب التهذيب": ص 55. 3 هو يزيد بن الأصم، واسمه عمرو بن عبيد بن معاوية التكائي (بفتح الموحدة والتشديد) أبو عوف، كوفي نزل الرقة- وهو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين- يقال له رؤية ولا يثبت. وهو ثقة، من الثالثة، مات سنة ثلاث ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد": (11/313) ، "تقريب التهذيب": ص 381.

عَنْهُمَا- قَالَ: "حَمَلَةُ الْعَرْشِ مَا بَيْنَ كَعْبِ أحَدِهِمْ إِلَى أَسْفَلِ قَدَمَيْهِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَزَعَمُوا أَنَّ خُطْوَةَ مَلَكِ الْمَوْتِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ"1.

_ 1 أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 82/ ب) مختصرا عن علي بن رستم عن عبد الله بن عمر الزهري. وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفادت": ص 505، بسنده عن محمد بن إسحاق. وكلاهما عن كثير بن هشام به. وأورده السيوطي في "الحبائك": ص 49، من طريق عبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي في "الأسماء والصفات". وهو موقوف، ورجال إسناده ثقات، وفي جعفر بن برقان كلام، قال فيه الحافظ: صدوق، يهم في حديث الزهري، والذي معنا ليس من حديث الزهري. التعليق: جاء وصف حملة العرش في كثير من الأحاديث والآثار بعظم الخلق في الهيئة والقوة وكبر الحجم، ولا غرابة في ذلك فهم يحملون أعظم المخلوقات وأكبرها على الإطلاق ألا وهو العرش، الذي يعتبر هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيهما عنده كحجم الحلقة الملقاة بالصحراء الواسعة، فما دام هذه صفة العرش، فما بالك بصفة من يحمله فهم- لابد- وأن يكونوا على هيئة تناسب ذلك المحمول العظيم الذي هو العرش. وإن من أصح ما ورد في وصف الملائكة الذين يحملون العرش ما جاء في حديث جابر- رضي الله عنه- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش: ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام". وهم مع هذه الصفات ما كانوا يستطيعون حمل العرش لولا أن الله سبحانه وتعالى أقدرهم على حمله، فالعرش محمول بعظمته وقدرته، وكونه جعل له حملة إنما هو لحكمة الله أعلم بها. وأما ملك الموت الذي ورد ذكره في الأثر عند قول ابن عباس: "وزعموا أن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب"، فقد جاء ذكره في القرآن الكريم، قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [سورة السجدة، الآية: 11] . وأيضا ورد ذكره في السنة الصحيحة، فقد جاء في "صحيح البخاري": (6/ 440، حديث 3407) عن أبي هريرة- رضي الله عنه- مرفوعا وموقوفا قال: "أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ... " الحديث. وورد ذكره- أيضا- بشيء من التفصيل عن وظيفته في حديث البراء بن عازب الطويل الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده": (4/287، 295) من طريق الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان عنه مرفوعا، وفيه: "أن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ومعهم كفن من كفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت- عليه السلام-. حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان.." الحديث. ولم يرد التصريح باسمه في الأحاديث الصحيحة، وإنما ورد في بعض الآثار تسميته بعزرائيل وهذا هو المشهور. وكون ملك الموت شخصا معينا يتولى قبض الأنفس لا يتعارض مع ما جاء في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 61] ، ولا مع قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [سورة الزمر، الآية: 42] . وأما بيان عدم تعارض ذلك مع الآية الأولى فقد روي في الحديث أن المراد بالرسل هم أعوانه الذين ينتزعون الأرواح من سائر الأجساد، حتى إذا بلغت الحلقوم تناولها ملك الموت. وأما الآية الثانية فمعناها أنه لما كان ذلك القبض للروح الذي فعله ملك الموت هو من أمر الله وقضائه وقدره وحكمته صحت إضافة التوفي إليه. والإيمان بملك الموت داخل ضمن الركن الثاني من أركان الإيمان ألا وهو الإيمان بالملائكة، لكونه واحدا منهم، وقد ذكر ابن بطة في "الشرح والإبانة": ص 222- أثناء تعداده لما يجب الإيمان به- الإيمان بملك الموت فقال: "ثم الإيمان بملك الموت عليه السلام وأنه يقبض الأرواح، ثم ترد في الأجساد في القبور". وهو يتصف بصفات من القدرة والسلطان وعظم الخلق وغيرها من الصفات التي جعلته قادرا على قبض أرواح كثيرة في أماكن مختلفة بعيدة الأطراف في لحظة واحدة. انظر: "تفسير ابن كثير": (3/458) ، و"البداية والنهاية": (1/ 47) ، و"شرح العقيدة الطحاوية": ص. 440، و"التذكرة" للقرطبي: (1/ 88) ، و"تفسير القرطبي": (14/ 94) .

27- حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بن الحارث، أحبرنا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ1، عَنْ أَبِي رَوْقٍ2، عَنِ الضَّحَّاكِ3، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} 4،

_ 1 هو بشر بن عمارة الخثعمي المكتب الكوفي، روى عن أبي روق عطية بن الحارث وغيره، وعنه منجاب بن الحارث وغيره. قال الحافظ في "التقريب": ضعيف، من السابعة. وقال ابن عدي: حديث بشر عندي إلى الاستقامة أقرب، نقله الذهبي. أخرج له ابن ماجه في "التفسير". "ميزان الاعتدال": (1/ 321) ، "تهذيب التهذيب": (1/ 455) ، "تقريب التهذيب": ص 45. 2 هو عطية بن الحارث أبو روق (بفتح الراء وسكون الواو بعدها قاف) الهمداني، الكوفي، صاحب التفسير، روى عن الضحاك بن مزاحم وغيره وعنه بشر بن عمارة وغيره. صدوق، من الخامسة. أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (7/ 224) ، "تقريب التهذيب": ص 240. 3 هو الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم أو أبو محمد الخراساني. صدوق كثير الإرسال، من الخامسة، مات بعد المائة. قال ابن عدي: الضحاك بن مزاحم إنما عرف بالتفسير، فأما رواياته عن ابن عباس وأبي هريرة وجميع من روى عنه، ففي ذلك كله نظر، وإنما اشتهر بالتفسير. "الكامل": (4/ 1415) ، "تقريب التهذيب": ص 155. 4 سورة الحاقة، الآية: 18.

قَالَ: الثَّمَانِيَةُ، يَقُولُ: ثَّمَانِيَةُ أَجْزَاءٌ مِنْ تِسْعَةٍ، قَالَ: الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالشَّيَاطِينُ وَالْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ إِلَّا الْكَرُوبِيِّينَ1 حَمَلَةُ الْعَرْشِ جُزْءٌ، وَالْكَرُوبِيُّونَ ثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ، كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُمْ بِعُدَّةِ هَؤُلَاءِ2 الْأَرْبَعَةِ، قَالَ: فَهُوَ قَوْلُهُ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} 3.

_ 1 قال ابن الأثير في معنى الكروبيين: هم المقربون، ويقال لكل حيوان وثيق المفاصل أنه لمكرب الخلق، إذا كان شديد القوى، والأول أشبه. انظر: "النهاية": (4/ 161) . 2 في "الأصل": "تعده" بالتاء، وهو- خطأ لا يستقيم معه سياق الكلام ولعل الصواب ما أثبته. 3 لم أجد من أخرجه غير المؤلف. وقد أورد ابن كثير في "تفسيره": (4/ 414) سورة الحاقة نحوه مختصرا عن الضحاك عن ابن عباس قال: "الكروبيين ثمانية أجزاء، كل جزء منهم بعدة الإنس والشياطين والملائكة" د وإسناده ضعيف، لأن فيه بشر بن عمارة وهو ضعيف، وأيضا الضحاك لم يلق ابن عباس. التعليق: فسر ابن الأثير كلمة الكروبيين الواردة في الأثر بأن معناها المقربين، ووصف القرب يطلق على الملائكة جميعا كما في قوله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [سورة النساء، الآية: 172] ، ولكن المراد بالقرب هنا هو كونهم أقرب الملائكة إلى الله، وذلك بحكم وظيفتهم التي هي حمل عرش الرحمن الذي يعتبر أعلى المخلوقات وأقربها إلى الله تعالى. وأما تفسير الثمانية بهذا التفسير فهذا هو قول مقاتل والكلبي وهو قول ضعيف وذلك لضعف دليله.

28- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ1، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ2، عَنْ سِمَاكٍ3، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قَالَ: ثَمَانِيَةُ أَمْلَاكٍ فِي صورة الأوعال (ق 56/ ب) قَالَ: مَا بَيْنَ ظِلْفِ قَدَمِهِمْ4 إِلَى رُكْبَتِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ خَرِيفًا"5.

_ 1 هو يحيى بن عبد الحميد بن عبد الله بن ميمون الحماني (بكسر المهملة وتشديد الميم) الحافظ أبو زكريا الكوفي، روى عن شريك بن عبد الله النخعي وغيره، وكان هو مستملي شريك، حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث، من صغار التاسعة، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين. روى له مسلم. "تهذيب التهذيب": (11/ 243) ، "تقريب التهذيب": ص 377. 2 هو شريك بن عبد الله النخعي، تقدم في (14) . 3 هو سماك بن حرب تقدم في (9) . 4 هكذا في "الأصل"، ولعل الصواب: "ما بين ظلف قدم أحدهم إلى ركبته". 5 أخرجه الدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 449 مختصرا، ولفظه: "وثمانية أملاك في. صورة الأوعال". اهـ. وأخرجه ابن خزيمة في "التوحيد": ص 109 من طريقين: الأول: مختصرا كما ورد عند الدارمي، والثاني: مطولا، ولكن بلفظ: "ما بين أظلافهم إلى ركبهم ثلاث وستون سنة". وأخرجه الحاكم في "المستدرك": (2/378) مطولا ولفظه: "ما بين أظلافهم إلى ركبهم مسيرة ثلاث وستين سنة أو خمس وستين سنة"، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وجميعهم من طريق شريك عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس موقوفا. وأورده السيوطي في "الحبائك": ص 46، من طريق عبد بن حميد وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن خزيمة، وابن مردويه، والحاكم وصححه، وإسناده ضعيف، لجهالة عبد الله بن عميرة، وقد تقدم الكلام عنه في حديث الأوعال.

29- حَدَّثَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ1، عَنْ جَعْفَرٍ2 عَنِ الْقَاسِمِ3، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: "إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْفَارِسِيَّةِ الدَّرِيَّةِ4"5.

_ 1 هو معتمر بن سليمان بن طرخان (بفتح طاء مهملة وقيل بكسرها وبخاء معجمة وراء ونون، "المغني": ص 157) ، أبو محمد التيمي البصري، قيل إنه كان يلقب بالطفيل. ثقة، من كبار التاسعة، مات سنة سبع وثمانين ومائة، رقد جاوز الثمانين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (10/ 227) ، "تقريب التهذيب": ص 342. 2 هو جعفر بن الزبير، تقدم في (12) . 3 هو القاسم بن عبد الرحمن الشامي، تقدم في (12) . 4 الدرية: قال الأصفهاني (بفتح الدال وكسر الراء المخففة) لغة مدن المدائن، وبها يتكلم من بباب الملك، فهي منسوبة إلى حاضرة الباب. "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة": ص 277. 5 أخرجه ابن عدي في "الكامل": (2/559) بنحوه مطولا، بسنده قال: حدثنا إبراهيم بن علي العمري حدثنا عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير حدثنا العباس بن فضيل حدثنا جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا: "إن كلام الذين حول العرش بالفارسية، وإن الله إذا أوحى أمرا فيه يسر أوحاه بالفارسية، وإذا أوحى أمرا فيه شدة أوحاه بالعربية". وأورده السيوطي في "الحبائك": ص 55 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة في "المصنف". كما أورده في "اللآلئ المصنوعة": (1/ 10، 11) وعزاه لابن عدي. وهو حديث موضوع، آفته جعفر بن الزبير وهو متروك الحديث، وكذبه شعبة وقال: إنه وضع أربعمائة حديث كذب. انظر: "اللآلئ المصنوعة": (1/ 10، 11) ، و"تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة": (1/ 136) ، و"الموضوعات" لابن الجوزي: (1/110) .

30- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ1، عَنْ عَطَاءٍ2 عَنْ مَيْسَرَةَ3، فِي قَوْلِهِ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}

_ 1 هو جرير بن عبد الحميد بن قرط (بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة) الضبي، أبو عبد الله الكوفي، نزيل الري وقاضيها، روى عن عطاء بن السائب وغيره، وعنه عثمان بن أبي شيبة وغيره. ثقة، صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه، مات سنة ثمان وثمانين ومائة، وله إحدى وسبعون سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (2/ 75) ، "تقريب التهذيب": ص 54. 2 هوعطاء بن السائب، تقدم في (16) . 3 هو ميسرة أبو صالح مولى كندة، الكوفي، روى عنه عطاء بن السائب وغيره. مقبول، من الثالثة. أخرج له أبو داود، والنسائي. "تهذيب التهذيب": (10/ 387) ، "تقريب التهذيب": ص 353.

قَالَ: أرْجُلُهُمْ فِي التُّخُومِ1، لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرْفَعُوا أبْصَارَهُمْ مِنْ شُعَاعِ النُّورِ"2. 31- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى3، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ4، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ

_ 1 واحدها: تخم، والتخم: منتهى كل قرية أو أرض، يقال فلان على تخم من الأرض، والجمع تخوم مثل قفس وقفوس. وقال الفراء: تخومها حدودها. "لسان العرب": (12/ 64) . 2 أخرجه عن ميسرة ابن جرير في "تفسيره": (29/59) بسنده عن جرير عن عطاء عن ميسرة، مثله. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 261) ، وفي "الحبائك": ص 50 عن عبد بن حميد وابن المنذر. وإسناد المؤلف منقطع، ورجاله عن ميسرة ثقات. وقد روي من وجه آخر عن ميسرة عن زاذان من قوله: أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق هـ 8/ ب) . 3 هو عبيد الله بن موسى بن أبي المختار، واسمه باذام العبسي (بمفتوحة وسكون موحدة وبسين مهملة، "المغني":ص 184) ، روى عن جعفر الرازي وغيره، وعنه عثمان بن أبي شيبة وغيره. ثقة، كان يتشيع، من التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين. أخرى له الجماعة.. "تهذيب التهذيب": (7/ 50) ، "تقريب التهذيب": ص 253. 4 هو أبو جعفر الرازي التميمي مولاهم. يقال: عيسى بن أبي عيسى ماهان، وقيل: عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان، مروزي الأصل سكن الري، قال في "التقريب": مشهور بكنيته، واسمه: عيسى بن أبي عيسى بن ماهان، وأصلة من مرو، وكان يتجر إلى الري، روى عن الربيع بن أنس وغيره، وعنه عبيد الله بن موسى وغيره. صدوق، سيء الحفظ خصوصا عن مغيرة، من كبار التاسعة، مات في حدود ستين ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (12/ 56) ، "تقريب التهذيب": ص 399.

أَنَسٍ1، فِي قَوْلِهِ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} ، قَالَ: ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ2. 32- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ3، عَنْ أَشْعَثَ4، عَنْ

_ 1 هو الربيع بن أنس البكري، ويقال: الحنفي، البهري، الخراساني، صدوق، له أوهام، رمي بالتشيع، من الخامسة، مات سنة أربعين ومائة. أخرى له الأربعة. "تهذيب التهذيب": (3/ 238) ، "تقريب التهذيب": ص 100. 2 أورده السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 261) من طريق عبد بن حميد عن الربيع بن أنس مثله. إسناده منقطع، وفيه ضعف لسوء حفظ أبي جعفر الرازي. 3 هو جرير بن عبد الحميد، وقد تقدم في (30) . 4 هو أشعث بن إسحاق بن سعد بن مالك بن هانئ بن عامر الأشعري القمي، ابن عم يعقوب القمي، روى عن جعفر بن أبي المغيرة وغيره. وعنه جرير بن عبد الحميد وغيره. صدوق، من السابعة. "تهذيب الكمال": (1/ 115) ، "تهذيب التهذيب": (1/ 350) ، "تقريب التهذيب": ص 37.

جَعْفَرٍ1، عَنْ سَعِيدٍ2، {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قَالَ: ثَمَانِيَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ3. 33- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ4، عَنِ

_ 1 هو جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي القمي (بضم القاف) ، قيل: اسم أبي المغيرة: دينار. روى عن سعيد بن جبير وغيره، قال الذهبي: صاحب سعيد بن جبير، رأى ابن عمر، كان صدوقا. وقال ابن حجر: صدوق يهم، من الخامسة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه في التفسير. "ميزان الاعتدال": (1/ 417) ، "تهذيب التهذيب": (2/ 108) ، "تقريب التهذيب": ص 56. 2 هو سعيد بن جبير تقدم في. 3 أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب السنة": ص 166 بسنده من طريق عبد الأعلى بن حماد عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مثله. وأورده الذهبي في "العلو": ص 88، عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مثله. وأورده ابن كثير في "تفسيره": (4/ 214) من طريق ابن أبي حاتم بسنده عن جرير عن أشعث عن جعفر بن سعيد بن جبير بمثله مقطوع، وإسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات وصدوق سوى جعفر بن أبي المغيرة فإنه صدوق يهم. 4 هو الحكم بن ظهير (بالمعجمة، مصغرا) الفزاري (بفتح فاء فزاي خفيفة فألف فراء، المغني": ص 198) أبو محمد بن أبي ليلى الكوفي، وقال بعضهم الحكم بن أبي خالد. روى عن السدي وغيره. متروك، رمي بالرفض، واتهمه ابن معين، من الثامنة، مات قريبا من سنة ثمانين ومائة. روى له الترمذي حديثا واحدا في القول عند الأرق. "تهذيب التهذيب": (2/ 428) ، "تقريب التهذيب": ص 79.

السُّدِّيِّ1 عَنْ أَبِي مَالِكٍ2 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قَالَ: ثَمَانِيَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إِلَّا اللَّهُ3.

_ 1 هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة (بفتح الكاف وكسر الراء) السدي (بضم المهملة وتشديد الدال) أبو محمد القرشي، مولاهم الكوفي الأعور، وهو السدي الكبير. صدوق يهم، رمي بالتشيع، من الرابعة، مات سنة سبع وعشرين ومائة. أخرج له مسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 313) ، "تقريب التهذيب": ص 34. 2 هو غزوان أبو مالك الغفاري (بمكسورة وخفة، نسبة إلى غفار بن مليل، "المغني": ص 193) الكوفي، مشهور بكنيته، روى عن ابن عباس وغيره، وعنه إسماعيل السدي وغيره. ثقة، من الثالثة، أخرج له البخاري تعليقا، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. 3 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (29/ 58) تفسير سورة الحاقة. وأورده الذهبي في "العلو": ص 88. وأورده ابن كثير في "تفسيره": (4/ 414) مختصرا. جميعهم من طريق الحكم بن ظهير عن السدي عن أبى مالك عن ابن عباس بمثله. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 261) ، وفي "الحبائك": ص 50، عن ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس من طرق بمثله. وأخرجه من طريق آخر ابن جرير في "تفسيره": (29/58) بسنده عن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس مختصرا ولفظه: "ثمانية صفوف من الملائكة". موقوف، وسند المؤلف ضعيف لأن فيه الحكم بن ظهير وهو متروك.

34- حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ الْكَاهِلِيُّ1، حَدَّثَنَا مُهَاجِرُ بْنُ كَثِيرٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو عَامِرٍ2، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مَصْقَلَةَ3، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَسْرَجَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ بِسِرَاجٍ لَمْ يزل الملائكة (ق 56/ أ) وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ يستغفرون له مادام فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ ضَوْءٌ مِنْ ذَلِكَ السِّرَاجِ" 4.

_ 1 هو إسحاق بن بشر بن مقاتل، أبو يعقوب الكاهلي الكوفي. متروك، يضع الحديث، قيل: مات سنة ثماني عشرة ومائتين. "لسان الميزان": (1/ 355) . 2 هو مهاجر بن كثير، أبو عامر الأسدي. قال ابن حجر: روى عن الحكم بن مصقلة، وقال أبو حاتم والأزدي هو متروك الحديث. "لسان الميزان": (6/ 104) . 3 هو الحكم بن مصقلة العبدي. روى عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-. قال الذهبي: قال الأزدي: كذاب، وقال البخاري: له عجائب. 4 أورده الذهبي في "ميزان الاعتدال": (1/ 580) ، وابن حجر في "لسان الميزان": (2/ 339) . كلاهما عن البخاري بسنده، قال: حدثني عبد الله، حدثنا إسحاق بن بشر، حدثنا مهاجر بن كثير عن الحكم عن أنس مرفوعا: "من أسرج في مسجد لم تزل حملة العرش يستغفرون له، ومن أذن سبع سنين محتسبا حرم الله لحمه ودمه على دواب الأرض أن تأكله في القبر". والحديث موضوع وآفته إسحاق بن بشر، وكان يضع الحديث، وباقي رواته متروكون.

35- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ1 حَدَّثَنَا سَيَّارٌ2، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ الرَّاسِبِيُّ3، حَدَّثَنَا هِلَالٌ أَبُو جَبَلَةَ4، عَنْ أَبِي

_ 1 هو عبد الله بن الحكم بن أبي زياد القطواني (بقاف وطاء مفتوحتين، "المغني": ص 209) أبو عبد الرحمن الكوفي الدهقان، و. اسم أبي زياد: سليمان. روى عن سيار بن حاتم وغيره. صدوق، من العاشرة، مات سنة خمس وخمسين ومائتين. أخرج له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (5/ 190) ، "تقريب التهذيب": ص 171. 2 هو سيار (بتحتانية مثقلة) بن حاتم العنزى (بفتح المهملة والنون ثم الزاي) أبو سلمة البصري. روى عن جعفر بن سليمان الضبعي فأكثر، وغيره. وعنه عبد الله بن الحكم القطواني. صدوق له أوهام، من كبار التاسعة، مات سنة مائتين أو قبلها بسنة. أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (4/ 290) ، "تقريب التهذيب": ص 142. 3 لم أقف على ترجمته. 4 هو هلال أبو جبلة روى عن عطاء بن أبي ميمونة وأبي عبد السلام، وروى عنه جعفر بن سليمان بن ثور العتكي، مجهول. "الجرح والتعديل": (9/ 77) .

عَبْدِ السَّلَامِ1، عَنْ أَبِيهِ2، عن كعب (ح) 3 قَالَ سَيَّارٌ: وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ4 عَنْ عَبْدِ الْجَلِيلِ5 عَنْ أَبِي عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ إِنِّي آمُرُ حَمَلَةَ الْعَرْشِ أَنْ يُمْسِكُوا عَنِ الْعِبَادَةِ6 إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَنْ كلما دعا صائم شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَقُولُوا آمِينَ، فَإِنِّي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أَرُدَّ دَعْوَةَ صَائِمِ شَهْرِ رَمَضَانَ7.

_ 1 لم أقف على ترجمته. 2 لم أقف على ترجمته. 3 هو كعب بن ماتع الحميري، أبو إسحاق، المعروف بكعب الأحبار. ثقة، من الثانية، مخضرم، كان من أهل اليمن فسكن الشام، مات في خلافة عثمان وقد زاد على المائة، وليس له في البخاري رواية، وفي مسلم رواية لأبي هريرة عنه من طريق الأعمش عن أبي صالح. "تقريب التهذيب": ص 286. 4 هو جعفر بن سليمان الضبعي (بضم الضاد، المعجمة وفتح الموحدة) أبو سليمان البصري، روى عن سيار بن حاتم وغيره. صدوق، زاهد، لكنه كان يتشيع، من الثامنة، مات سنة ثمان وسبعين ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (2/ 95) ، "تقريب التهذيب": ص 55. 5 لم أقف على ترجمته. 6 في "الأصل": "العباد" بدون التاء المربوطة، وهو خطأ، والصواب ما أثبته كما ورد في "شعب الإيمان" للبيهقي. 7 أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، شعبة الصيام، باب ما يقال في ليلة العيد ويومها، بسنده عن موسى بن سعيد الراسبي عن هلال بن عبد السلام الوزاني عن كعب الأحبار من قوله بأطول من هذا، ولفظه: "قال أوحى الله - تعالى- إلى موسى- عليه السلام-: إني افترضت على عبادي الصيام، وهو شهر يا موسى من وافى يوم القيامة وفي صحيفته عشر رمضانات فهو من الأبدال، ومن وافى يوم القيامة وفي صحيفته عشرون رمضانا فهو في المجتبين، ومن وافى يوم القيامة وفي صحيفته ثلاثون رمضانا فهو من أفضل الشهداء عندي ثوابا، يا موسى إني آمر حملة العرش إذا دخل شهر رمضان أن يمسكوا عن العبادة، فكلما دعا صائمو رمضان بدعوة أن يقولوا آمين، وإني أوجبت على نفسي ألا أرد دعوة صائمي رمضان" انظر: نسخة دار الكتب المصرية: (ق 175/ ب) . وكذا أخرجه أبو نعيم مطولا في "الحلية": (6/ 16، 17) . وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (1/187) من طريق البيهقي في "الشعب". إسناده ضعيف، لجهالة هلال أبي جبلة. وهو من الإسرائيليات التي يرويها كعب الأحبار. وقد ثبت بنص القرآن أن الحملة يدعون للمؤمنين ويستغفرون لهم، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} .

36- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ1،

_ 1 في "لسان- الميزان": (4/ 371) ، قال: وأخرج الطبراني في "الأوسط" من طريق عبد الله بن يحيى بن الربيع بن أبي ثمامة عن عمرو بن عطية عن أبيه ... الخ، ولم أقف على ترجمته.

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَطِيَّةَ1، عَنْ أَبِيهِ2، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ3، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيدًا، وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلَائِكَتَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ، وَأنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ فِكَاكًا مِنَ النَّارِ" 4.

_ 1 هو عمرو بن عطية بن سعد بن جنادة (بضم الجيم) العوفي. روى عن أبيه عطية وغيره، وعنه عبد الله بن يحيى بن الربيع بن أبي ثمامة. ضعفه الدارقطني، وقال العقيلي: في حديثه نظر. "لسان الميزان": (4/ 371) . 2 هو عطية بن سعد بن جنادة (بضم الجيم بعدها نون مخففة) العوفي (في الخلاصة بفتح المهملة وإسكان الواو بعدها فاء) الجدلي (بفتح الجيم والمهملة) القيسي أبو الحسن. صدوق، يخطئ كثيرا، كان شيعيا مدلسا، من الثالثة، مات سنة إحدى عشر ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (7/ 224) ، "تقريب التهذيب": ص 240، "خلاصة التذهيب": ص 267. 3 هو أبو سعيد الخدري- رضي الله عنه-. 4 أورده ابن حجر في "لسان الميزان": (4/ 371) ، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط". وإسناده ضعيف، عمرو بن عطية وأبوه ضعيفان، قال ابن حبان: أما عطية فقد ضعفه الجماعة، كان قد سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات جعل يجالس الكلبي، فإذا قال الكلبي قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حفظ ذلك، ورواه عنه وكناه أبا سعيد، فيظن أنه أراد الخدري وإنما أراد الكلبي.

37- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بَكَّارٍ1، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ2، عَنْ نَافِعٍ مَوْلًى لِآلِ الزُّبَيْرِ3، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ سَعِيدٍ4، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

_ 1 هو محمد بن بكار (بمفتوحة وشدة كاف، "المغني": ص 41) ابن الريان (بتختانية) الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله البغدادي الرصافي. روى عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن وغيره. ثقة، من العاشرة، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وقيل قبلها. روى عنه مسلم، وأبو داود. "تهذيب التهذيب": (9/ 75) ، "تقريب التهذيب": ص 291. 2 هو نجيح (بمفتوحة وكسر جيم وبحاء مهملة، "المغني":ص 253) ابن عبد الرحمن السندي (بكسر المهملة وسكون النون) أبو معشر المدني، مولى بني هاشم، يقال: إن أصله من حمير، وهو مشهور بكنيته. ضعيف من السادسة، أسن واختلط، مات سنة سبعين ومائة، ويقال كان اسمه عبد الرحمن بن الوليد بن هلال. أخرج له الأربعة. "تهذيب التهذيب": (10/ 419) ، "تقريب التهذيب": ص 356. 3 هو نافع مولى الزبير بن العوام، روى عن أبي هريرة. وروى عنه أبو معشر ومصعب بن ثابت، مجهول. "الجرح والتعديل": (8/ 454) . 4 هو سعيد بن أبي سعيد، واسمه: كيسان (بفتح كاف وسكون تحتية وبسين مهملة، "المغني": ص 214) المقئبري (بمفتوحة وسكون قاف وضم موحدة وبفتح وبكسر، "المغني": ص 249) أبو سعيد المدني. ثقة، من الثالثة، تغير قبل موته بأربع سنين، وروايته عن عائشة وأم سلمة مرسلة، مات في حدود العشرين والمائة، قيل قبلها، وقيل بعدها. "تهذيب التهذيب": (4/ 38) ، "تقريب التهذيب": ص 122.

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أن يخلق (ق 56/ ب) آدَمَ، بَعَثَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَمَّا أَهْوَى لِيَأْخُذَ مِنْهَا، قَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ: أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَرْسَلَكَ أَلَّا تَأْخُذَ مِنِّي الْيَوْمَ شَيْئًا يَكُونُ لِلنَّارِ فِيهِ نَصِيبٌ غَدًا، قَالَ: فَتَرَكَهَا، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِمَا أَمَرْتُكَ بِهِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ سَأَلَتْنِي بِكَ أَلَّا آخُذَ مِنْهَا شَيْئًا يكُونُ لِلنَّارِ غَدًا مِنْهُ نَصِيبٌ، فَأَعْظَمْتُ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا سَأَلْنِي بِكَ، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ آخَرَ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَلَمَّا أَهْوَى لِيَأْخُذَ مِنْهَا قَالَتْ له الأرض: أسألت بِالَّذِي أَرْسَلَكَ أَلَّا تَأْخُذَ مِنِّي الْيَوْمَ شَيْئًا يَكُونُ لِلنَّارِ فِيهِ نَصِيبٌ، قَالَ: فَتَرَكَهَا، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِمَا أَمَرْتُكَ بِهِ، قَالَ: يَا رَبِّ سَأَلَتْنِي بِكَ أَلَّا آخُذَ مِنْهَا شَيْئًا يكُونُ لِلنَّارِ فِيهِ نَصِيبٌ غَدًا، فَأَعْظَمْتُ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا سَأَلَْنِي بِكَ، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ آخَرَ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ فَلَمَّا أَهْوَى لِيَأْخُذَ مِنْهَا، قَالَتْ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لِلْأَوَّلِ فَتَرَكَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُ، حَتَّى أَرْسَلَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ كُلَّهُمْ، كُلُّ ذَلَكٍ تَقُولُ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيْرِجُعونَ إلى ربهم فَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَرْسَلَ مَلَكَ الْمَوْتِ، فَلَمَّا أَهْوَى لِيَأْخُذَ مِنْهَا قَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَرْسَلَكَ أَنْ

لَا تَأْخُذَ مِنِّي الْيَوْمَ شَيْئًا يكُونُ لِلنَّارِ فِيهِ نَصِيبٌ غَدًا، فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ: إِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ أَحَقُّ بِالطَّاعَةِ مِنْكِ"1. 38- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُكتفِ بْنِ بَكْرٍ التَّمِيمِيِّ2، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ3، عَنْ أَبِيهِ4، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

_ 1 أورده الذهبي في "العلو": ص 86، مختصرا من طريق أبي معشر نجيح عن نافع مولى آل الزبير وسعيد المقبري عن أبي هريرة موقوفا بلفظ: "لما أراد الله أن يخلق آدم بعث ملكا من حملة العرش إلى الأرض ليأخذ منها، فقالت: أسألك بالذي أرسلك أن لا تأخذ مني شيئا يكون للنار فيه نصيب غدا. وأورده السيوطي في "الحبائك": ص 30 عن سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة موقوفا بنحوه. وإسناد المؤلف ضعيف، لأن فيه أبا معشر وهو ضعيف، ونافع مولى آل الزبير مجهول وقد توبع من طريق سعيد المقبري. والذي يظهر من هذا الحديث أنه من الإسرائيليات، والمعروف عن الملائكة أنهم كما قال تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [سورة التحريم، الآية: 16] . 2 لم أقف على ترجمته. 3 هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو يوسف المدني، نزيل بغداد. روى عن أبيه وغيره. ثقة، فاضل، من صغار التاسعة، مات سنة ثمان ومائتين. أخرى له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (11/ 380) ،"تقريب التهذيب": ص 386. 4 هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد. روى عن محمد بن إسحاق وغره. وعنه ابنه يعقوب وغره. ثقة، حجة، تكلم فيه بلا قدح، من الثامنة، ومات سنة خمس وثمانين قيل قبلها. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 121) ، "تقريب التهذيب ": ص 20.

إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ1، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ2 قَالَ: أَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَسْأَلُهُ، هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْ نَعَمْ، قَالَ: فَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ رَسُولَهُ: أَنْ كَيْفَ رَآهُ، قَالَ: رَآهُ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ3 رَوْضَةٍ مِنَ الْفِرْدَوْسِ

_ 1 هو عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش (بتحتانية ثقيلة ومعجمة) ابن أبي ربيعة، واسمه: عمرو بن المغيرة بن عبد الله المخزومي، أبو الحارث المدني. صدوق، له أوهام، من السابعة، مات سنة ثلاث وأربعين، وله ثلاث وستون سنة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (6/ 155) ، "تقريب التهذيب": ص 200. 2 هكذا في "الأصل"، والصواب هو عبد الله بن أبي سلمة الماجشون (بكسر الجيم بعدها شين معجمة) التميمي، مولى آل المنكدر. روى عن ابن عمر وغيره. ثقة، من الثالثة، مات سنة ست ومائة. أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي. "تهذيب التهذيب": (5/ 343) ، "تقريب التهذيب": ص 176. 3 في "الأصل" تكررت كلمة "روضة خضراء" مرتين فحذفت إحداهما لأنها زائدة.

دُونَهُ فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، مَلَكٌ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ ثَوْرٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ أَسَدٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ نَسْرٍ1.

_ 1 أخرجه ابن خزيمة في "كتاب التوحيد": ص 198، والآجري في "الشريعة": ص 494، وعبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب السنة": ص 35، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 557- 558. وجميعهم من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث عن عبد الله بن أبي سلمة به، بنحوه. وقد جاء عندهم بلفظ: "روضة خضراء، دونه فراش من ذهب، على كرسي من ذهب". إسناده ضعيف. قال البيهقي: هذا حديث تفرد به محمد بن إسحاق بن يسار، وقد مضى الكلام في ضعف ما يرويه إذا لم يبين سماعه فيه، وفي هذه الرواية انقطاع بين ابن عباس- رضي الله عنهما- وبين الراوي عنه، وليس بشيء من هذه الألفاظ في الروايات الصحيحة عن ابن عباس- رضي الله عنهما-. وقال حامد الفقي في تعليقه على "كتاب السنة" ص 495: الزيادة في كيفية الرؤية زيادة غريبة، ولو كان بإسناد له قيمة لساقها الحافظ ابن حجر فيما رواه في مسألة ابن عمر لابن عباس فيما نقلت عنه، والآية في سورة الحاقة {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} ، تكذب هذه الزيادة. التعليق: هذه المسألة: "مسألة رؤية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لربه- عز وجل- في الدنيا من المسائل الخلافية بين أهل السنة والجماعة، والخلاف فيها قد وقع بين الصحابة أنفسهم. فقد روي إثباتها عن ابن عباس- رضي الله عنهما- وسائر أصحابه وعن أبي ذر وأبي هريرة في رواية عنه، وعن كعب الأحبار وعروة بن الزبير. وروي نفيها عن: عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في أحد قوليه. وقد انقسم العلماء بعد ذلك إلى ثلاث طوائف: الطائفة الأولى: أثبتت الرؤية البصرية، ومن هؤلاء ابن خزيمة وقد أطنب في الاستدلال لها. الطائفة الثانية: توقفت بحجة أنه ليس في الباب دليل قطعي، وأن غاية ما استدل به للطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل، ولأنها من المسائل الاعتقادية التي لا بد فيها من الدليل القطعي، وإلى هذا القول ذهب القرطبي وعزاه إلى جماعة من المحققين. الطائفة الثالثة: نفت الرؤية البصرية وأثبتت الرؤية القلبية. وهذا القول هو إحدى الروايتين عن أحمد، وقد ذهب إليه ابن حجر للجمع بين القولين حيث قال: "وقد جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة، فيجب حمل مطلقها على مقيدها". وعلى هذا يمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب. ثم إن المراد برؤية الفؤاد لا مجرد حصول العلم لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان عالما بالله على الدوام، بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره، والرؤية لا يشترط فيها شيء مخصوص عقلا ولو جرت العادة بخلقها في العين. "فتح الباري": (6/ 606، 609) . انظر: "الفتاوى": (3/ 386) ، و (6/ 509، 511) ، "البداية والنهاية": (3/ 112) ، "فتح الباري": (6/606، 609) ، "كتاب التوحيد" لابن خزيمة: ص 129، 150، و"الشريعة" للآجري: ص 492، 495، "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي: (3/ 512) .

39- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ خليفة1، حدثنا عمر بْنُ مُحَمَّدٍ2، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيُّ3، عَنْ عَطَاءٍ4، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ كَانَ رَأْسُهُ فِي السماء ورجلاه (ق 1/57) فِي

_ 1 هو القاسم بن خليفة الكوفي، روى عن عمرو بن محمد العنقزي. قال أبو حاتم: نا عبد الرحمن قال سمعت علي بن الحسين يقول: كتبت عنه مع جريج وكان شيعيا من أصحاب حسن بن صالح. "الجرح والتعديل": (7/ 109) . 2 هكذا في "الأصل"، والصواب هو عمرو بن محمد العنقزي (بفتح المهملة والقاف بينهما نون ساكنة وبالزاي، كذا في "التقريب" و"المغني": ص 187) ، وقال في "الخلاصة": (بفتح العين وسكون النون وكسر القاف ثم الزاي) القرشي مولاهم، أبو سعيد الكوفي. ثقة من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (8/98) ، "تقريب التهذيب": ص 262، "خلاصة التذهيب": ص 293. 3 هو طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي. روى عن عطاء بن أبي رباح وغيره. متروك، من السابعة، مات سنة خمس وخمسين ومائة. روى له ابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (5/ 23) ، "تقريب التهذيب": ص 157. 4 هو عطاء بن أبي رباح تقدم ترجمته في (25) .

الْأَرْضِ، فَوَضَعَ اللَّهُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فطأطأه سبعين بدعا1 قَالَ: يَا رَبِّ مَا لِي لَا أَسْمَعُ صَوْتَ مَلَائِكَتِكَ وَلَا أُوجِسُهُمْ2، فَقَالَ اللَّهُ: خَطِيئَتُكَ يَا آدَمُ، وَلَكِنِ اذْهَبْ فابْنِ لِي بَيْتًا وَطُفْ بِهِ وَاذْكُرْنِي حَوْلَهُ كَمَا رَأَيْتَ الْمَلَائِكَةَ يَصْنَعُونَ حَوْلَ عَرْشِي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَقْبَلَ آدَمُ يَتَخَطَّى الْأَرْضَ، فَمَوْضِعُ كُلِّ قَدَمٍ قَرْيَةٌ وَمَا بَيْنَهُمَا مَفَازَةٌ3، حَتَّى وَضَعَ الْبَيْتَ4.

_ 1 الباع: هو قدر مد اليدين وما بينهما من البدن. "لسان العرب": (8/ 21) ، مادة: بوع. 2 التوجس: هو التسمع للصوت الخفي. "لسان العرب": (6/ 4772) ، مادة: وجس. 3المفازة: البرية القفر، وسميت الصحراء مفازة لأن من خرج منها وقطعها فاز. "لسان العرب": (5/ 3485) ، مادة: فوز. 4 أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق. 200/أ) . وأخرجه الأزرقي في "أخبار مكة": (1/ 36) مطولا. وأورده الذهبي في "العلو": ص 90. جميعهم من طريق طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس موقوفا بنحوه، ولكن بلفظ "ستين ذراعا" بدل "سبعين ذراعا". وإسناد المؤلف فيه القاسم بن خليفة وهو مجهول، وفيه طلحة وهو متروك وعليه فإسناده ضعيف جدا. والحديث روي عن عطاء مرسلا من طرق أخرى. فقد أخرجه الطبري في "تفسيره": (1/ 546) ، تفسير سورة البقرة بسنده عن عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن سوار عن عطاء بن أبي رباح مرسلا بنحوه. وأخرجه ابن إسحاق في "المغازي": ص 72 بسنده من طريق أحمد بن يونس عن ثابت بن دينار عن عطاء مرسلا بنحوه. وأيضا روي نحوه عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وأخرجه الطبري في "تفسيره": (1/547) بسنده عن أبي قلابة عن عبد الله بن عمرو موقوفا بنحوه. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (1/ 127) ونسبه إلى الطبري، وابن أبي حاتم، والطبراني، عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد": (3/ 288) وقال: "رواه الطبراني في "الكبير" موقوفا، ورجاله رجال الصحيح"، قال أحمد شاكر في تعليقه (3/59) : ولكن ليس فيه حجة، ولعله مما كان يسمع عبد الله بن عمرو من أخبار أهل الكتاب. وأيضا روي عن قتادة مرسلا. أخرجه الطبري في "تفسيره": (1/547) بسنده عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا بنحوه، والأزرقي في "أخبار مكة": (1/ 42) عن معمر عن قتادة مرسلا. قلت: وقد أورده الطبري وغيره للدلالة على أن أول من بنى الكعبة هو آدم عليه السلام حيث أمره الله بذلك، ثم إن البيت قد درس مكانه وتعفى أثره بعد الطوفان حتى بوأه الله لإبراهيم عليه السلام فبناه قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة البقرة، الآية: 127] . اهـ. وقد جاء في الحديث قوله: "وكان رأسه في السماء"، وهذا يدل على أن آدم كان مفرطا في الطول في ابتداء خلقه، ولكن هذا الكلام تنقضه أحاديث أخرى، تدل على أنه خلق في ابتداء الأمر على طول ستين ذراعا، منها ما جاء في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك" الحديث. انظر: "فتح الباري": (6/ 362، حديث 3326) . والذي يظهر أن هذا الحديث إنما هو من الإسرائيليات. والله أعلم.

40- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ1، عَنْ أَيُّوبَ2،

_ 1 هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم (بمكسورة وسكون قاف وفتح سين مهملة، "المغني": ص 239) الأسدي مولاهم، أبو بشر (بكسر موحدة وسكون معجمة) البصري المعروف بابن علية (بضم مهملة وفتح لام وشدة تحتية) روى عن أيوب بن أبي تميمة وغيره. ثقة، حافظ، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين وهو ابن ثلاث وثمانين سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 275) ، "تقريب التهذيب": ص 32. 2 هو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني (بفتح المهملة وسكون المعجمة ثم مثناة تحتانية بعد الألف ونون) أبو بكر البصري، مولى عنزة، ويقال: مولى جهينة. روى عن أبي قلابة وغيره. ثقة، ثبت، حجة، من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة وله خمس وستون سنة. "تهذيب التهذيب": (1/ 397) ، "تقريب التهذيب": ص 41.

عَنْ أَبِي قِلَابَةَ1، قَالَ: لَمَّا أُهْبِطَ آدَمُ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ،: يَا آدَمُ2 إِنِّي مُهْبِطٌ مَعَكَ بَيْتًا يُطَافُ حَوْلَهُ كَمَا يُطَافُ حَوْلَ عَرْشِي، وَيُصَلَّى عِنْدَهُ كَمَا يُصَلَّى عِنْدَ عَرْشِي، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَ الطُّوفَانُ رُفِعَ، فَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَحُجُّهُ، فَيَأْتُونَهُ وَلَا يَعْرِفُونَ مَوْضِعَهُ، حَتَّى بَوَّأَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ3.

_ 1 هو عبد الله بن زيد بن عمرو، ويقال عامر بن نابل بن مالك بن عبيد بن علقمة بن سعد، أبو قلابة الجرمي (بجيم) البصري، أحد الأعلام. ثقة، فاضل، كثير الإرسال، قال العجلي فيه نصب يسير، من الثالثة، مات بالشام هاربا من القضاء سنة أربع ومائة وقيل: بعدها. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (5/ 224) ، "تقريب التهذيب": ص 174. 2 في "الأصل": "لما أهبط آدم إلى الأرض قال يا آدم"، وهذا الكلام لا يستقيم معه النص، والصواب ما أثبته. والله أعلم. 3 أخرجه الطبري في "تفسيره": (1/ 547) . وأخرجه الأزرقي في "أخبار مكة": (1/ 63) . وأورده الذهبي في "العلو": ص 94، ولم يعزه. وجميعهم من طريق أيوب عن أبي قلابة مرسلا نحوه. وقال: الذهبي وهو ثابت عن أبي قلابة. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (1/ 130) من طريق الأزرقي عن أبي قلابة مرسلا. وإسناد المؤلف جيد ورجاله ثقات، ولكن ليس فيه حجة، وقد رواه أبو قلابة عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ولعل هذا مما كان يسمع عبد الله بن عمرو من أخبار أهل الكتاب، وقد تقدم الكلام على طرق الحديث في الذي قبله.

41- حَدَّثَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ، وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ1، وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْعِجْلِيُّ2، جَمِيعًا عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ3، عَنْ حُجْرٍ الْيَشْكُرِيِّ4، عَنْ سَعِيدِ بْنِ

_ 1 هو بشر بن المفضل (بمضمومة وفتح فاء وشدة ضاد معجمة مفتوحة، "المغني": ص 238) بن لاحق الرقاشي (بالفتح وتخفيف القاف وشين معجمة، "المغني": ص 116) مولاهم، أبو إسماعيل البصري. ثقة، ثبت، عابد، من الثامنة، مات سنة ست أو سبع وثمانين. روى له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 458) ، "تقريب التهذيب": ص 45. 2 هو محمد بن مروان بن قدامة العقيلي (بمضمومة) وفتح قاف، "المغني": ص 186) أبو بكر البصري، المعروف بالعجلي، (بمكسورة وسكون جيم، "المغني": ص 184) . روى عن عمارة بن أبي حفصة وغيره. صدوق، له أوهام، من الثامنة، روى له أبو داود في المراسيل، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (9/ 435) ، "تقريب التهذيب": ص 318. 3 هو عمارة بن أبي حفصة، واسمه: نابت (بالنون، وقيل بالثاء) الأزدي العتكي (بعين مثناة فوق مفتوحتين وبكاف، "المغني": ص 184) مولاهم، أبو روح، وقيل: أبو الحكم. ثقة، من السادسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة. روى له البخاري، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (7/ 415) ، "تقريب التهذيب": ص 251. 4 هكذا في "الأصل"، والصواب هو حجر الهجري (بهاء وجيم مفتوحتين، "المغني": ص 272) ، ويقال الأصبهاني. روى عن سعيد بن جبير. وروى عنه عمارة بن أبي حفصة. قال أبو حاتم: حدثنا عبد الرحمن قال: سئل أبو زرعة عن حجر هذا فقال: هو رجل من أهل هجر لا أعرفه. "الجرح والتعديل": (3/267) .

جُبَيْرٍ {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} 1 قَالَ: هُمُ الشُّهَدَاءُ ثَنِيَّةُ اللَّهِ حَوْلَ الْعَرْشِ مُتَقَلِّدِي السُّيوفِ2.

_ 1 سورة الزمر، الآية: 68. 2 أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف": (5/298) عن بشر ابن المفضل عن عمارة بن أبي حفصة به بمثله. أخرجه الطبري في "تفسيره": (24/ 30) تفسير سورة الزمر، من طريق شعبة عن عمارة عن ذي حجر اليحمدي عن سعيد بن جبير موقوفا مثله. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (5/336) ، ونسبه إلى سعيد بن منصور وهناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير موقوفا. والبخاري في "التاريخ الكبير": (2/ 1/ 73) . وأورده القرطبي في "التذكرة": ص 207، ونسبه إلى النحاس في كتابه "معاني القرآن". سند المؤلف فيه ضعف، فإن حجر الهجري مجهول، وطرق الحديث مدارها عليه، وللحديث شاهد من حديث آخر مرفوع. أورده ابن كثير في "تفسيره": (4/ 64) ، سورة الزمر، الآية 68، ونسبه إلى أبي يعلى بسنده قال: حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل ابن عياش عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "وسألت جبريل عليه الصلاة والسلام عن هذه الآية {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} من الذين لم يشاء الله تعالى أن يصعقهم، قال: هم الشهداء يتقلدون أسيافهم حول عرشه تتلقاهم ملائكة يوم القيامة إلى المحشر بنجائب من ياقوت...." الحديث. قال ابن كثير: "رجاله كلهم ثقات إلا شيخ إسماعيل بن عياش فإنه غير معروف". اهـ.

42- حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ سُهَيْلٍ1 (11) ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ زَائِدَةَ2، عَنْ عَاصِمٍ3، عَنْ عِيسَى الْمَدَنِيِّ4 قَالَ: سَمِعْتُ

_ 1 هو صالح بن سهيل النخعي أبو أحمد الكوفي مولى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة. روى عن مولاه وغيره، وعنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره. مقبول، من كبار الحادية عشرة. أخرج له أبو داود. "تهذيب التهذيب": (4/ 393) ، "تقريب التهذيب": ص 149. 2 هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة واسه خالد بن ميمون بن فيروز الهمداني (بسكون الميم) الوادعي مولاهم أبو سعيد الكوفي، روى عن عاصم الأحول وغيره. وعنه صالح بن سهل، وغيره. ثقة، متقن، من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وثمانين ومائة وله ثلاث وتسعون سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (11/208) ، "تقريب التهذيب":ص 275. 3 هو عاصم بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري، مولى بني تميم، ويقال: مولى عثمان، ويقال آل زياد. ثقة، من الرابعة، لم يتكلم فيه إلا القطان، وكأنه بسبب دخوله في الولاية، مات سنة أربعين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (5/ 43) ، "تقريب التهذيب": ص 159. 4 لم أقف على ترجمته.

عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ1، سَألَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} قَالَ: "الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ جِبْرِيلُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَمَلَكُ الْمَوْتِ، قَالَ: فَيَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ فَيَقْبِضُ أَرْوَاحَ هَؤُلَاءِ حَتَّى لَا يَبْقَى غَيْرُهُ وَرَبُّ الْعِزَّةِ جَلَّ فَيَقُولُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مُتْ فَيَمُوتُ، فذَلِكَ قَوْلُهُ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} 2، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} 3"4.

_ 1 هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. 2سورة الرحمن، الآيتان: 26- 27. 3سورة القصص، الآية: 88. 4 لم أجد على أن الذين يستثنون من الصعق هم: جبريل، وميكائيل، وحملة العرش، وملك الموت، وله شاهد في حديث الصور المشهور الذي رواه أبو هريرة مرفوعا، وجاء فيه: "فيقول يا رب مات أهل السموات والأرض إلا من شئت" فيقول الله – وهو أعلم بمن بقي -: فمن بقي؟ يقول: يا رب بقيت أنت الحق الذي لا تموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل، وميكائيل، وبقيت" الحديث أخرجه الطبري في "تفسيره": (24/30) . التعليق: اختلف المفسرون في المستثنين من نفخة الصعق الواردة عند قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} على عدة أقوال، وأرجحها قول من قال: إن نفخات الصور ثلاث هي نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث. فالمستثنون من نفخة الفزع الواردة في قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [سورة النمل، الآية: 87] هم الشهداء. والمستثنون من نفخة الصعق الواردة في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} هم: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وحملة العرش، وملك الموت. ويستدل لهذا القول بما ورد في حديث الحشر الطويل الذي رواه أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاء فيه: "ينفخ في الصور ثلاث نفخات: الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين- تبارك وتعالى-، فيأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول: "انفخ نفخة الفزع"، فيفزع أهل السموات وأهل الأرض إلا من شاء الله، قال أبو هريرة: يا رسول الله: فمن استثنى حين يقول: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} قال: أولئك هم الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم، ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق، فيقول: "انفخ نفخة الصعق " فيصعق أهل السموات والأرض إلا من شاء الله فإذا هم خامدون، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار- تبارك وتعالى- فيقول: يا رب قد مات أهل السموات والأرض إلا من شئت، فيقول له- وهو أعلم- فمن بقي، فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت،، وبقي حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل ... " الحديث. وهذا القول هو أولى الأقوال بالصحة لوروده عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأن الاستثناء من صعقة الموت لا يدخل فيها الشهداء لكونهم ذاقوا الموت قبل ذلك. والله أعلم. انظر: "تفسير الطبري": (24/ 29، 31) ، "التذكرة" للقرطبي: (1/ 206، 209) .

34 - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ 1، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ 2 قَالَ: حَدَّثَنِي كَعْبٌ " أَنَّ §سُبْحَانَ اللَّهِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ , وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَاللَّهُ أكْبَرُ لَهُنَّ دَوِيُّ حَوْلَ الْعَرْشِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ فِي الْخَزَائنِ " 3

_ 1 هو سعيد بن إياس الجريري (بضم الجيم) أبو مسعود البصري، روى عنه ابن علية وغيره. ثقة من الخامسة، اختلط قبل موته بثلاث سنين، مات سنة أربع وأربعين ومائة. أخرج له الجماعة "تهذيب التهذيب": (4/ 5) ، "تقريب التهذيب": ص 120. 2 هو عبد الله بن شقيق العقيلي (بمضمومة وفتح قاف، "المغني": ص 186) أبو عبد الرحمن، ويقال أبو محمد البصري. ثقة، فيه نصب، من الثالثة، مات سنة ثمان ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (5/ 253) ، "تقريب التهذيب": ص 177. 3 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (22/ 120) تفسير سورة فاطر، عن يعقوب بن إبراهيم. وأورده الذهبي في "العلو": ص 93، ولم يعزه لأحد. وأورده ابن كثير في "تفسيره": (3/ 549) ، وعزاه إلى ابن جرير. وجميعهم من طريق ابن علية به. وقال الذهبي: هو ثابت عن كعب الأحبار. وقال ابن كثير: هذا إسناده صحيح إلى كعب الأحبار. قلت: وإسناد المؤلف جيد ورجاله ثقات إلى كعب الأحبار. وله شاهد من حديث مرفوع عن النعمان بن بشير. أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف": (10/289) بسنده، قال حدثنا ابن نمير عن موسى بن سالم عن عون بن عبد الله عن أبيه أو أخيه عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الذين يذكرون من جلال الله وتسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله يتعاطفون حول العرش، لهن دوي كدوي النحل يذكرون بصاحبهن أو لا يحب أحدكم أن لا يزال عند الرحمن شيء يذكر به". وأخرجه أحمد في "مسنده": (4/ 271) ، وابن ماجه في "سننه"، كتاب الأدب، باب فضل التسبيح: (2/1253) ، والحاكم في "المستدرك": (1/500) . وجميعهم من طريق عون بن عبد الله به بنحوه. وأورده ابن كثير في "تفسيره": (3/ 549) ، وعزاه إلى الإمام أحمد وابن ماجه. وقال البوصيري في "زوائده" (235/ أ) : إسناده صحيح ورجاله ثقات.

44- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ1، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ2، عَنْ ثَابِتٍ3، عَنْ

_ 1 هو وكيع بن الجراح، وتقدم ترجمته في. 2 تقدم ترجمته في. 3 هو ثابت بن أسلم البناني (بضم الموحدة وبنونين مخففتين) أبو محمد البصري. ثقة، عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومائة، وله ست وثمانون سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (2/ 2) ، "تقريب التهذيب": ص 50.

مُطَرِّفٍ1، عَنْ كَعْبٍ2 قَالَ: "إِنَّ لِلْكَلَامِ الطَّيِّبِ حَوْلَ الْعَرْشِ دَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ يذكر بصاحبه"3. (ق 57/ ب) 45- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَزْوَانَ4، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ5، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ

_ 1 هو مطرف بن عبد الله بن الشخير (بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة بعدها تحتانية ثم راء) الحرشي (بمهملتين مفتوحتين ثم معجمة) . ثقة، عابد، فاضل، من الثانية، مات سنة خمس وتسعين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (10/ 173) ، "تقريب التهذيب": ص 339. 2 تقدم ترجمته في (35) . 3 أورده الذهبي في "العلو": ص 93، من. حديث حماد بن سلمة عن مطرف بن عبد الله عن كعب مثله، وقال: هذا ثابت عن كعب الأحبار. إسناده جيد، ورجاله ثقات، وهو كالذي قبله. 4 لم أقف على ترجمته. 5 هو هاشم بن القاسم بن مسلم الليثي مولاهم البغدادي، أبو النضر، الحافظ، خراساني الأصل، مشهور بكنيته، ولقبه قيصر. ثقة، ثبت، من التاسعة، مات سنة سبع ومائتين، وله ثلاث وسبعون. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (11/ 18) ، "تقريب التهذيب": ص 362.

الرَّبِيعِ1، عَنْ لَيْثٍ2، عَنْ مُجَاهِدٍ3 {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} 4 قَالَ: "مَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي الْعَرْشِ إِلَّا مِثْلُ حَلْقَةٍ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ"5.

_ 1 هو قيس بن الربيع الأسدي أبو محمد من ولد قيس بن الحارث. صدوق، تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، من السابعة، مات سنة بضع وستين ومائة. أخرج له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (8/ 391) ، "تقريب التهذيب": ص 283. 2 هو الليث بن أبي سليم بن زنيم (بالزاي والنون مصغرا) القرشي مولاهم، أبو بكر الكوفي، واسم أبي سليم: أيمن، ويقال: أنس، ويقال غير ذلك. صدوق، اختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه فترك، من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين ومائة. أخرج له البخاري، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (8/ 465) ، "تقريب التهذيب": ص 287. 3 هو مجاهد بن جبر (بفتح الجيم وسكون الموحدة) المكي، أبو الحجاج المخزومي، مولاهم، المقرئ مولى السائب بن أبي السائب. ثقة، إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة، وله أربع وثمانون سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (10/ 42) ، "تقريب التهذيب": ص 328. 4 سورة البقرة، الآية: 255. 5 أخرجه أبو الشيخ في "كتاب العظمة": (ق 35/ ب) بسنده عن المعتمر بن سليمان. وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في "السنة": ص 71 بسنده عن سفيان. وأورده الذهبي في "العلو": ص 94،- قال: حديث المعتمر بن سليمان. وجميعهم عن ليث عن مجاهد بنحوه. وفي إسناد المؤلف قيس بن الربيع الأسدي، صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به. وفي الإسناد ليث بن أبي سليم، قال فيه الحافظ: صدوق، اختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه فترك. "تقريب التهذيب": ص 287. ولكن تابعه الأعمش عن مجاهد. أخرجه الدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 74 عن يحيى الحماني. وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات": ص511 بسنده عن يحيى بن منصور، وكلاهما عن الأعمش به، ولكن بلفظ: "الكرسي" بدل:"العرش". وأورده ابن حجر في "فتح الباري": (13/ 411) ، وقال: أخرجه سعيد بن منصور في تفسيره بسند صحيح عنه. وباجتماع الطريقين يصح الأثر من قول مجاهد. والله أعلم.

46- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شَاذَانُ1، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ2، عَنْ

_ 1 هو الأسود بن عامر، أبو عبد الرحمن الشامي، ولقبه شاذان. روى عن حماد بن سلمة وغيره، وعنه عثمان بن أبي شيبة وغيره. ثقة، من التاسعة، مات في أول سنة ثمان ومائتين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 340) ، "تقريب التهذيب": ص 36. 2 هو علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان (بمضمومة وسكون دال وعين مهملتين، "المغني": ص 58) التيمي، أبو الحسن البصري، أصله من مكة، وفي "التقريب": هو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان، ينسب أبوه إلى جد جده. ضعيف، من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة وقيل قبلها. روى له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (7/ 322) ، "تقريب التهذيب": ص 246.

أَبِي النَّضْرَةِ1 قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "آتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ بحَلْقَةِ الْبَابِ، فَأَقْرَعُ الْبَابَ، فَيُقَالُ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ؟ فَيُفْتَحُ لِي، فَيَتَجَلَّى لِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ أَوْ عَلَى كُرْسِيِّهِ- شَكَّ حَمَّادٌ-" 2.

_ 1 هو منذر بن مالك بن قطعة (بضم القاف وفتح المهملة) ، أبو نضرة العبدي ثم العوفي (بفتح المهملة والواو ثم القاف) البصري، مشهور بكنيته. روى عن ابن عباس وغيره. ثقة من الثالثة، مات سنة ثمان أو تسع ومائة. أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة. تهذيب التهذيب: (10/ 302) ، "تقريب التهذيب: ص 347. 2 أخرجه الدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 347 بنحوه. وأخرجه أحمد في "مسنده": (1/ 281- 282، 295- 296) مطولا. وكلاهما من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن ابن عباس مرفوعا بنحوه. رجاله ثقات إلا علي بن زيد ففيه ضعف، ولكن الحديث له شواهد: فله شاهد في حديث أبي هريرة الطويل الذي فيه ذكر الحشر أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 66/ 1، 72/ 1) وفيه: "حتى آتي الجنة فأخذ بحلقة الباب، فأستفتح، فيفتح لي وأحيا ويرحب بي؟ فإذا دخلت الجنة نظرت إلى ربي- عز وجل- على عرشه فخررت ساجدا" الحديث. أورده ابن كثير في "النهاية": (172/1- 179) عن الحافظ أبي يعلى الموصلي في "مسنده" بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه. وأيضا، للحديث طريق آخر عن أنس- رضي الله عنه-. أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بسنده عن أنس مرفوعا، وفيه: "فيأتون فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه" الحديث. انظر: "فتح الباري": (13/422) . التعليق: دل الحديث أولا على إثبات رؤية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لربه- عز وجل- يوم القيامة. والرؤية ثابتة له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأمته ولكافة المؤمنين يوم القيامة، وهي أعظم النعم التي أعطاها الله لعباده المؤمنين في الجنة وأكملها، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أول الخلق رؤية للبارئ عز وجل يوم القيامة. ومما يدل على ذلك هذا الحديث الذي معنا، ذلك لأن استئذان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ربه إنما هو من أجل الشفاعة في أهل الموقف ليقضى بينهم فهذا يدل على أنه يرى ربه قبل رؤية المؤمنين لربهم الذين قد ثبت أنهم يرونه في عرصات القيامة وبعد دخولهم إلى الجنة، ونزولهم في منازلها. وخلاصة مذهب السلف في مسألة الرؤية هي أنهم يثبتون رؤية المؤمنين لربهم- عز وجل- في الآخرة رؤية بصرية، وذلك لثبوتها في الكتاب والسنة. فأما دلالة القرآن على إثباتها ففي قوله! وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [سورة القيامة، الآية: 22- 23] . وقال- عز وجل- مخبرا عن الكفار أنهم امحجوبون عن رؤيته: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين، الآية: 15] ، فدلت هذه الآية أن المؤمنين ينظرون إلى الله- عز وجل- وأنهم غير محجوبين عن رؤيته كرامة منه لهم. وقال عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [سورة يونس، الآية: 26] ، فروي أن الزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل. وقال عز وجل: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} ، قال الآجري في كتاب "الشريعة" ص 252: "اعلم رحمك الله أن عند أهل العلم باللغة أن اللقى هاهنا لا يكون إلا معاينة، يراهم الله عز وجل ويرونه، ويسلم عليهم ويكلمهم ويكلمونه" اهـ. وقد دلت السنة الصحيحة على ما د ل عليه القرآن، فقد وردت الأحاديث المتواترة الكثيرة الدالة على أن المؤمنين يرون ربهم- عز وجل- حقيقة، وحددت موعد تلك الرؤية بأنه بعد دخول المؤمنين إلى الجنة ونزولهم في منازلهم. ومن تلك الأحاديث ما أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا؟ " قلنا: لا، قال: "فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما...." الحديث. "فتح الباري": (13/ 421، 422) ، و"صحيح مسلم": (1/ 115) ، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم- سبحانه وتعالى-. وأما المسألة الثانية التي دل عليها الحديث هي "كون عرش الرحمن فوق الجنة"، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما جاء في الحديث: "قرع باب الجنة ففتح له فتجلى له ربه- سبحانه وتعالى- فرآه وهو على كرسيه أو على سريره"، فالجنة على هذا هي التي دون عرش الرحمن في الارتفاع، وعرش الرحمن سقفها كما جاء في الحديث الآخر "إذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلاها، وفوقه عرش الرحمن" ومن خلال الحديثين نستطيع أن نعرف ترتيب الجنة والعرش من حيث العلو، فالجنة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة هي فوق السموات السبع، وفوق الجنة عرش الرحمن، وفوق العرش الرحمن- تبارك وتعالى- فلا سبيل إلى الوصول إلى العرش إلا بدخول الجنة؟ فمن أجل ذلك قرع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باب الجنة وفتح له. والله أعلم.

47- حَدَّثَنَا أَبِي، وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ1، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ2 قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ الْعَرْشَ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ3.

_ 1هو حماد بن أسامة بن زيد القرشي مولاهم، أبو أسامة الكوفي، مشهور بكنيته. روى عن إسماعيل بن أبي خالد وغيره.، عنه ابنا أبي شيبة وغيرهما. ثقة، ثبت، ربما دلس، وكان بآخره يحدث من كتب غيره، من كبار التاسعة، مات سنة إحدى ومائتين، وهو ابن ثمانين. أخرج له الجماعة "تهذيب التهذيب": (3/ 2) ، "تقريب التهذيب": ص 81. 2 هو إسماعيل بن أبي خالد الأحمس (بمفتوحة فسكون حاء مهملة وفتح ميم وبسين مهملة، "المغني": ص 29) مولاهم. ثقة، ثبت، من الرابعة، مات سنة ست وأربعين ومائة. أخرج له الجماعة. 3 أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 35/ ب) عن إبراهيم عن أبي سعيد الأشج ومحمد بن سنجر عن ابن أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت سعد الطائي يقول: "العرش ياقوتة حمراء". وأورده ابن كثير في "تفسيره": (2/437) ، وقال: قال إسماعيل بن أبي خالد: سمعت الطائي يقول ثم ذكره. وأورده أيضا في (البداية) : (1/ 11) ، وعزاه إلى المؤلف وزاد فيه: "بعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة". وأورده الذهبي في "العلو": ص 58، وقال: قال أبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد قال ثم ذكره، وقال هذا ثابت، عن هذا التابعي الإمام. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (3/ 297) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في "العظمة" عن سعد الطائي مثله. وروي ذلك عن قتادة أيضا. أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" كما في "فتح الباري": (13/ 405، 415) - عن معمر في قوله: "وكان عرشه على الماء" قال: هذا بدء خلقه قبل أن يخلق السماء وعرشه من ياقوتة حمراء. قال الحافظ ابن حجر: وله شاهد عن سهل بن سعد مرفوعا لكن سنده ضعيف. وروي كذلك من طريق آخر عن عبد الله بن عمر. أورده الذهبي في "العلو": ص 58، ولم يعزه إلى أحد، قال: وقال مكي ابن إبراهيم حدثنا موسى بن عبيدة عن عمر بن الحكم عن عبد الله بن عمر، وذكره. قال: موسى واه. وكذلك- أيضا- له شاهد آخر من طريق الشعبي مرسلا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 42/ ب) بسنده عن عمرو بن جرير عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي مرسلا وفيه: "العرش من ياقوتة حمراء" الحديث. وسند المؤلف مقطوع ورجاله ثقات. وجميع هذه الطرق مقطوعة الإسناد، ولم يثبت شيء من ذلك فيما صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما المقاطيع فليست حجة في مسائل عقدية، ولا يثبت بها حكم عقدي والله أعلم.

48- حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ1، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ2، عَنْ جَابِرٍ3 قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اهتز العرش لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ"4.

_ 1 هو محمد بن خازم، وقد تقدمت ترجمته في (17) . 2 هو طلحة بن نافع القرشي مولاهم، أبو سفيان الواسطي، ويقال المكي الإسكافي. روى عن جابر بن عبد الله وغيره. وعنه الأعمش وهو راويه. صدوق، من الرابعة. أخرى له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (5/ 26) ، "تقريب التهذيب": ص 157. 3 هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي- رضي الله عنه-. 4 أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب سعد ابن معاذ- رضي الله عنه-، مثله. انظر: "فتح الباري": (7/ 122، 123) . ومسلم في "صحيحه"، كتاب فضائل الصحابة: (7/ 150) ، وابن ماجه في "سننه"، المقدمة: (1/ 56) ، وأحمد في "مسنده": (3/ 316) ، وفي "فضائل الصحابة": (8/818) ، وسعيد بن منصور في "سننه": (2/ 371) . كلهم من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا. إسناده صحيح على شرط البخاري. وللحديث شواهد من طرق أخرى: فقد رواه عن جابر من طريق أبي الزبير مسلم في "صحيحه"، كتاب مناقب الصحابة: (7/ 150) ، وأحمد في "مسنده": (3/ 295، 296) ، والحاكم في "المستدرك": (3/ 206، 207) . ورواه عن أنس: مسلم في "صحيحه": (7/ 150) ، وأحمد في "مسنده": (3/ 234) . ورواه عن أبي سعيد الخدري: أحمد في "مسنده": (3/ 24) . وعن ابن عمر: الحاكم في "المستدرك": (3/ 206) . وعن رميثة: أحمد في "مسنده": (6/ 329) . قال الذهبي في "العلو" ص 71: "فهذا متواتر أشهد بأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله"، وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (2/ 28) : "وهو حديث روي من وجوه كثيرة متواترة، رواه جماعة من الصحابة".

49- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ2 (ح) ، وَحَدَّثَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

_ 1 تقدمت ترجمته في (28) . 2 هو عبد السلام بن حرب بن مسلم النهدي (بالنون، قال في "المغني": ص 262: بمفتوحة وهاء ساكنة ودال مهملة نسبة إلى نهد بن زيد) الملائي (بضم الميم وتخفيف اللام) أبو بكر الكوفي أصله بصري. روى عن عطاء بن السائب وغيره. ثقة، حافظ، له مناكير، من صغار الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومائة وله ست وتسعون سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (6/ 316) ، "تقريب التهذيب": ص 213.

فُضَيْلٍ1، جَمِيعًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِحُبِّ لِقَاءِ اللَّهِ سَعْدًا" 2. 55- حَدَّثَنَا أَبِي وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ3 عَنِ

_ 1 هو محمد بن فضيل بن غزوان (بفتح المهملة وسكون الزاي) ابن جرير الضبي (بفتح الضاد وشدة موحدة، "المغني":ص 156) مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي. روى عن عطاء بن السائب وغيره. صدوق، عارف، رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومائتين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (9/ 405) ، "تقريب التهذيب": ص 315. 2 أخرجه من هذا الطريق عن ابن عمر: ابن أبي شيبة في "المصنف": (12366) ، وابن سعد في "الطبقات": (3/433) ، والحاكم في " المستدرك": (3/ 206) . وأورده الذهبي في "العلو": ص71. وإسناده جيد، ورجاله ثقات سوى محمد بن فضيل فإنه صدوق، وقد توبع. وقد تقدم الكلام على طرق الحديث في الذي قبله. 3 إسحاق بن راشد شيخ يروي عن أسماء بنت يزيد، وعنه إسماعيل بن أبي خالد، وليس هو الجزري وهو أقدم طبقة من الجزري. قال في "التقريب": مقبول من الثالثة. "تهذيب التهذيب": (1/231) ، "تقريب التهذيب": ص 28.

امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا أسماء بنت قيس بْنِ السَّكَنِ1 قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ صَاحَتْ أُمُّهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَرْقَأُ 2 دَمْعُكِ وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ، فَإِنَّ ابْنَكِ أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللَّهُ لَهُ وَاهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ" 3.

_ 1 هكذا في "الأصل": "أسماء بنت قيس"، وكذلك في "العلو" للذهبي: ص 70، وقال: "أسماء تابعية، وهذا مرسل"، وعند باقي من أخرج الحديث أسماء بنت يزيد، ولعل هذا هو الصواب، وهي أسماء بنت يزيد ابن السكن ابن رافع الأنصارية الأشهلية أم سلمة- رضي الله عنها-. "الإصابة": (4/ 229) ، "تهذيب التهذيب": (12/ 399) . 2 رقأت: الدمعة ترقأ، رقأ، ورقوء: جفت وانقطعت. "لسان العرب": (3/ 1699) ، مادة: "رقأ". 3 أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد": ص 237، والإمام أحمد في "المسند": (6/ 456) ، وفي "فضائل الصحابة": (1500) ، وابن سعد: (3/ 434) ، وابن أبي شيبة في "المصنف": (12368) ، والحاكم في "المستدرك": (3/306) ، والطبراني في "الكبير": (6/14) ، وابن أبي عاصم في "السنة": (2/246) . كلهم من طريق يزيد بن هارون به. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"! (9/ 309) ، وقال الطبراني: ورجاله رجال الصحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في "تلخيصه". إسناده ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير إسحاق بن راشد فإنه مجهول لا يعرف. التعليق: اختلف في تأويل اهتزاز العرش الوارد في الحديث على عدة أقوال: القول الأول: أن المراد بالعرش هنا هو السرير الذي كان عليه سعد واهتزازه تحركه. وقد ذهب إلى هذا القول البراء بن عازب، كما جاء في رواية البخاري عن الأعمش عن أبي صالح عن جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر الحديث ... فقال رجل لجابر: فإن البراء يقول: اهتز السرير، فدل هذا على أن البراء أنكر أن يكون المراد بالعرش عرش الرحمن، وقد أنكر ابن عمر ما أنكره البراء فقال: "إن العرش لا يهتز لأحد"، ووقع ذلك من حديثه عند الحاكم بلفظ: "اهتز العرش فرحا به" لكنه تأوله كما تأوله البراء بن عازب فقال: "اهتز العرش فرحا بلقاء الله سعدا حتى تفسخت أعواده على عواتقنا، قال ابن عمر: "يعني عرش سعد الذي حمل عليه"، ولكن ابن عمر رجع عن ذلك، وجزم بأنه اهتزاز عرش الرحمن، أخرج ذلك ابن حبان من طريق مجاهد عنه". وقد أجاب ابن حجر عن رواية الحاكم بأنها من رواية عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر، وفي حديث عطاء. مقال، لأنه اختلط في آخر عمره، ويعارض روايته- أيضا- ما صححه الترمذي من حديث أنس قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الملائكة كانت تحمله". وقال الحاكم: الأحاديث التي تصرح باهتزاز عرش الرحمن مخرجة في "الصحيحين" وليس لمعارضها في الصحيح ذكر. اهـ. فعلى هذا لا حجة لأصحاب هذا القول من الحديث، فقد ثبت أن المراد بالعرش في الحديث هو عرش الرحمن، وكذلك فإنه على هذا التأويل لا يكون لسعد في هذا القول فضيلة، كما أنه لا يكون في الكلام فائدة، لأن كل سرير من سرر الموتى لا بد أن يتحرك لتجاذب الناس إياه، فعلى هذا فالقول غير صحيح ولا حجة له. القول الثاني: أن المراد باهتزاز العرش استبشاره وسروره بقدوم روحه، ذلك لأنه يقال لكل من فرح بقدوم قادم عليه اهتز له، ومنه اهتزت الأرض بالنبات، إذا اخضرت وحسنت، وقد استدل هؤلاء بما جاء في رواية ابن عصر عند الحاكم بلفظ: "اهتز العرش فرحا به". القول الثالث: أن المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة، والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول. وقد ذهب إلى هذا القول ابن قتيبة، وأبو الحسن علي بن محمد ابن مهدي الطبري، وابن الجوزي، وابن فورك. وقال ابن قتيبة: الاهتزاز الاستبشار والسرور- يقال: إن فلانا ليهتز للمعروف، أي: يستبشر ويسر، وإن فلانا لتأخذه للثناء هزة، أي: ارتياح وطلاقة- ومنه قيل في المثل: إن فلانا إذا دعى اهتز، وإذا سئل ارتز، والكلام لأبي الأسود الدؤلي- يريد أنه إذا دعي إلى طعام يأكله اهتز، أي: ارتاح وسر، وإذا سئل الحاجة ارتز، أي ثبت على حاله ولم يطلق، فهذا يعني الاهتزاز في هذا الحديث. وأما العرش: فعرش الرحمن- جل وعز- على ما جاء في الحديث، وإنما أراد باهتزازه استبشار الملائكة الذين يحملونه ويحفون حوله كما قال الله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [سورة الدخان، الآية: 29] ، يريد ما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض؟ فأقام السماء والأرض مقام أهلها، وكما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} [سورة يوسف، الآية 82] ، أي؟ سل أهلها، وكما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أحد جبل يحبنا ونحبه"، يريد يحبنا أهله من الأنصار، ونحبه، أي: نحب أهله. كذلك أقام العرش مقام حملته الحافين من حوله، وقد جاء في الحديث أن الملائكة تستبشر بروح المؤمن وأن لكل مؤمن بابا في السماء يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، وتعرج فيه روحه إذا مات ثم يرد. ويدل على هذا التأويل- أيضا- قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لقد تبادر إلى غسله سبعون ألف ملك"، وهذا التأويل بحمد الله تعالى سهل قريب كأنه قال: لقد استبشر حملة العرش والملائكة حوله بروح سعد. انتهى من كلام ابن قتيبة. القول الرابع: قول الحربي: أنه كناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء العظيم إلى أعظم الأشياء؟ فيقولون: أظلمت لموت فلان الأرض وقامت له القيامة، وفي هذه منقبة عظيمة لسعد. القول الخامس: أن الاهتزاز هو على حقيقته، وأن العرش تحرك لموت سعد فرحا بقدومه، وقد جعله الله في العرش ليكون فيه منقبة لسعد. وهذا هو ما دل عليه ظاهر الحديث، وهو أمر لا ينكر من جهة العقل، لأن العرش إنما هو جسم من الأجسام يقبل الحركة والسكون. وهذا هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو قول السلف. وقد رد السلف على من تأول بأن المراد به استبشار حملة العرش وفرحهم، أو أن المراد به الكناية عن عظم الشأن أو غير ذلك من التأويلات - بأنه لا دليل لهم على ما قالوا، كما أن سياق الحديث ولفظه ينفي تلك الاحتمالات. انظر: "فتح الباري": (7/123 - 124) ، و"صحيح مسلم بشرح النووي": (16/ 22) ، و"الرسالة العرشية" لابن تيمية: ص 8- 9، و"تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة: ص 178، و"كتاب مشكل الحديث" لابن فورك: ص 127، "الأسماء والصفات": ص 285. والحديث قد دل على إثبات صفة الضحك لله عز وجل. ومذهب السلف هو إثبات هذه الصفة لله عز وجل لورودها في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكذا في الآثار الواردة عن أصحابه- رضوان الله عليهم-، فمذهبهم هو الإيمان بأن الله عز وجل يضحك متى شاء وكيف شاء ولا يكيفيون هذه الصفة، وهي من صفات الكمال، وليست من صفات النقص كما يزعم المخالفون من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، الذين ينكرون هذه الصفة تحت دعوى نفي قيام الحوادث بذات الله. ومن الأحاديث الواردة في إثبات صفة الضحك ما أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" في قصة الرجل الذي هو آخر أهل النار دخولا إلى الجنة فقد جاء فيه: " ثم يقول- أي رب، أدخلني الجنة، فيقول الله: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت، فيقول: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، فيقول: أي رب، لا أكون أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه فإذا ضحك منه قال له: ادخل الجنة" الحديث. انظر: "فتح الباري ": (13/ 419، 420، حديث 7437) ، و"صحيح مسلم": (1/113، 114) ، كتاب الإيمان.

51- حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ1، حَدَّثَنَا يونس بن كبير2، عَنْ

_ 1 هو عقبة بن مكرم (بمضمومة وسكون كاف وفتح راء، "المغني": ص 239) ابن عقبة بن مكرم الضبي (بفتح الضاد وشدة موحدة، "المغني": ص 156) الهلالي أبو مكرم الكوفي. روى عن يونس بن بكير وغيره. وعنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره. صدوق، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين. "تهذيب التهذيب": (7/ 251) ، "تقريب التهذيب": ص 242. 2 هو يونس بن بكير بن واصل الشيباني، أبو بكر، ويقال: أبو بكير الجمال الكوفي، الحافظ، صدوق، يخطئ، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين. أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (11/ 434) ، "تقريب التهذيب": ص 390.

مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ1، حَدَّثَنَا مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ مُعْتَجِرًا2 بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ3 فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ هَذَا الْمَيِّتُ الَّذِي فُتِّحَتْ لَهُ أبْوابُ السَّمَاءِ وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ؟ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا يَجُرُّ4 ثَوْبَهُ إِلَى سَعْدٍ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ5.

_ 1 هو معاذ بن رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان الأنصاري الزرقي (بمضمومة وفتح راء، "المغني": ص 122) المدني. روى عنه محمد بن إسحاق وغيره. صدوق، من الرابعة. أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. "تهذيب التهذيب": (10/ 190) ، "تقريب التهذيب": ص 340. 2 الاعتجار بالعمامة هو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه. "لسان العرب": (4/ 2815) . 3 الاستبرق هو الديباج الصفيق الغليظ الحسن. "لسان العرب": (1/ 77) . 4 في "الأصل": "تجر" بالتاء، وهو خطأ، والصواب ما أثبته. 5 أورده من هذا الطريق: الذهبي في "العلو": ص 71. وأورده ابن كثير في "البداية": (4/ 127) . كلاهما عن معاذ بن رفاعة قال: حدثني من شئت من رجال قومي بمثله. وإسناد المؤلف ضعيف، لإيهام من روى عن معاذ بن رفاعة، ولكن الحديث قد روي من طريق أخرى عن معاذ بن رفاعة عن جابر بن عبد الله. أخرجه الإمام أحمد في "مسنده": (13/ 327) بنحوه، وسنده جيد. وللحديث طريق أخرى عن عبد الله بن أبي بكر. أخرجه ابن عبد البر في "الاستيعاب": (2/29) بسنده عن عبد الملك بن محمد بن أبي بكر عن عمه عبد الله بن أبي بكر بنحوه.

52- حَدَّثَنَا عُقْبَةُ1، حَدَّثَنَا يُونُسُ2، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ3 عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: مَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللَّهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ..سَمِعْنَا بِهِ إِلَّا لِسَعْدٍ أبي عمرو4. (ق 58/ أ) 53- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ5، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ6،

_ 1 هو عقبة بن مكرم. 2 هو يونس بكير. 3 هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص الأموي المكي. ثقة، من الثالثة، مات سنة سبع وثمانين. أخرج له النسائي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (1/ 371) ، "تقريب التهذيب": ص 39. 4 أخرجه ابن عبد البر في "الاستيعاب": (3/29) بسنده الذي تقدم ذكره في الحديث السابق، ولكن بلفظ: "علمنا" بدل: "سمعنا". وأورده الذهبي في "العلو": ص 72، من طريق ابن إسحاق عن أمية بن عبد الله به مثله. وأورده ابن كثير في "البداية": (4/ 130) ، وعزاه إلى ابن إسحاق بمثله. 5 تقدم في (35) . 6 هو سيار بن حاتم العنزي تقدم في (35) .

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سليمان1، حدثنا سعد الْجُرَيْرِيُّ2، قَالَ: "بَلَغَنَا أن داود عليه السلام سَألَ جِبْرِيلَ أيُّ اللَّيْلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي إِلَّا أَنَّ الْعَرْشَ يَهْتَزُّ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ3"4.

_ 1 هو جعفر بن سليمان الضبعي تقدم في (35) . 2 تقدم في (43) . 3 السحر آخر الليل قبيل الصبح والجمع أسحار، وقيل: هو من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر. "لسان العرب": (3/ 1952) . 4 أخرجه الإمام أحمد في "كتاب الزهد": (136) بسنده عن سيار عن جعفر عن الجريري بمثله. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (2/ 12) ، وعزاه إلى ابن أبي شيبة وأحمد في "الزهد" عن سعيد الجريري. التعليق: هذا الأثر هو من الإسرائيليات التي تروى عن أهل الكتاب، وفيه دلالة على فضل الثلث الآخر من الليل، وقد ورد في السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكثير من الأحاديث الدالة على فضل هذا الجزء من الليل، ومن تلك الأحاديث ما أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". انظر: "فتح الباري": (3/29، حديث 1145) ، كتاب التهجد، باب (44) ، و"صحيح مسلم": (2/ 175) ، كتاب صلاة المسافرين. وأيضا، ما روي عن عمرو بن عنبسة- رضي الله عنه- أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "أقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل الآخر" رواه الترمذي في "سننه"، كتاب الدعوات: (5/229) ، وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. هذا من حيث فضل ذلك الوقت من الليل. أما ما دل عليه الأثر من اهتزاز العرش في ذلك الوقت فهذا لم أقف فيه على دليل ثابت يؤيده. والله أعلم.

54- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ1، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ2، عَنْ أبي إبراهيم3 عز ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "مَا مِنْ

_ 1 هو عفان بن مسلم بن عبد الله الصفار أبو عثمان البصري مولى عزرة بن ثابت الأنصاري، سكن بغداد. روى عن حماد بن سلمة وغيره. ثقة، ثبت، قال ابن المديني: كان إذا شك في حرف من الحديث تركه وربما وهم. وقال ابن معين: أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة ومائتين، ومات بعدها بيسير، من كبار العاشرة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (7/ 230) ، "تقريب التهذيب": ص 240. 2 هو حميد بن أبي حميد الطويل أبو عبيدة الخزاعي (بمضمومة وخفة زاي معجمة) مولاهم، وقيل غير ذلك، البصري، وقد اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال. روى عنه حماد بن سلمة وغيره. ثقة مدلس، من الخامسة، مات سنة 81اثنتين أو ثلاث وأربعين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (3/ 38) ، "تقريب التهذيب": ص 84. 3 لم أقف على ترجمته، وقال الذهبي في "العلو": ص 72: لا أعرفه.

شَيْءٍ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِثْلُهُ إِنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كانْتَ لَهُ امْرَأَةٌ جِمِيلَةٌ، فَأُولِعَ بِهِ رَجُلٌ يُخْبِرُهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَذَا وَكَذَا بِالْفُحْشِ، قَالَ كَيْفَ أَصْنَعُ وَلَهَا عَلَيَّ دَيْنٌ؟ قَالَ: فَأَنَا أُسَلِّفُكَ مَا عَلَيْكَ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا1 أخَذَهُ بِحَقِّهِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّكَ لَمْ تَزَلْ بِي حَتَّى فَعَلْتُ الَّذِي فَعَلْتُ، ثُمَّ تَزَوَّجْتَ امْرَأَتِي، قَالَ: فَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ حَتَّى أَجَرَهُ نَفْسَهُ، فَبَيْنمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَكَلَا طَعَامًا، فَجَعَلَ يَصُبُّ عَلَيْهِما الْمَاءَ، فَبَكى2 فَاهْتَزَّ الْعَرْشُ، فَقَالَ تبارك وتعالى: فإن رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي"3. 55- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ4 عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ5، عَنْ سَعِيدِ بْنِ

_ 1 في "الأصل": "يزوجها" بالياء، وهو خطأ. 2 تكررت كلمة "فبكى" مرتين في "الأصل". 3 لم أجد من أخرجه غير المؤلف. وقد أورده الذهبي في "العلو": ص 72، وعزاه إلى المؤلف في كتابه "العرش"، وقال الذهبي: إسناده متصل، ولكن لا أعرف التابعي. وإسناده جيد، ورجاله ثقات إلا أن فيه أبا إبراهيم، ولم أقف على ترجمته. وهذا من الإسرائيليات، ولعله مما سمع ابن عباس عن كعب الأحبار. 4 لم أقف على ترجمته. 5 هو الوليد بن مسلم القرشي، مولى بني أمية، وقيل: بني العباس، أبو العباس الدمشقي، عالم الشام. روى عن سعيد بن بشير وغيره. ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول خمس وتسعين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب الكمال": (3/ 1474) ، "تهذيب التهذيب": (11/ 151) ، "تقريب التهذيب": ص 37.

بَشِيرٍ1، عَنْ قَتَادَةَ {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} 2 قَالَ: فِي قَائِمَةِ الْعَرْشِ الْيَمِينِ3.

_ 1 هو سعيد بن بشير الأزدي (بمفتوحة وسكون زاي وإهمال دال، "المغني": ص 30) ، ويقال البصري مولاهم أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سلمة الشامي أصله من البصرة، ويقال: من واسط. روى عن قتادة وغيره. وعنه الوليد بن مسلم وغيره. ضعيف، من الثامنة، مات سنة ثمان أو تسع وستين ومائة، وقيل غير ذلك. أخرج له الأربعة. 2 سورة المطففين، الآية: 18. 3 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (30/102) من طريقين عن معمر عن قتادة بمثله. وأورده ابن كثير في "تفسيره": (4/ 486) عن قتادة. وأورده السيوطي في "الدر المنثور"، وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن قتادة بنحوه. وإسناد المؤلف مرسل، وفيه ضعف، لأن فيه سعيد بن بشير، وهو ضعيف، أما الحسن بن صالح ويعلى بن الوليد فلم أقف على ترجمة لهما، ولكنه قد توبع من طريق معمر كما في "تفسير ابن جرير". وروي من طريق آخر عن قتادة عن كعب الأحبار. أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (30/ 102) بنحوه. التعليق: الشاهد من إيراده هو قوله في قائمة العرش اليمين، وكون العرش له قوائم، هذا ما دل عليه الحديث الصحيح الوارد في "الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أنا أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق، أم حوسب بصعقته الأولى" إلا أنه لم يرد تحديد عدد قوائم العرش. والله أعلم.

56- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ1 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ2، عَنْ إِبْرَاهِيمَ3، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ

_ 1 هو محمد بن عبيد بن محمد بن واقد المحاربي الكندي، أبو جعفر النحاس الكوفي. روى عنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره. صدوق، من العاشرة، مات سنة إحدى وخمسين ومائتين وقيل قبلها. أخرج له أبو داود، والنسائي، والترمذي. "تهذيب التهذيب": (9/ 332) ، "تقريب التهذيب": ص 310. 2 هو إسماعيل بن ابراهيم الأحول، أبو يحيى التيمي الكوفي، روى عن إبراهيم بن الفضل وغيره. وعنه محمد بن عبيد المحاربي. ضعيف، من الثامنة. أخرج له الترمذي وابن ماجه. "تهذيب الكمال،: (1/96) ، "تهذيب التهذيب": (1/ 280) ، "تقريب التهذيب": ص 32. 3 هو إبراهيم بن الفضل المخزومي المدني أبو إسحاق، ويقال إبراهيم بن إسحاق. روى عنه إسماعيل من إبراهيم التيمي وغيره. متروك، من الثامنة. أخرج له الترمذي وابن ماجه. "تهذيب الكمال": (1/ 61) ، "تهذيب التهذيب": (1/ 150) ، "تقريب التهذيب": ص 22.

عُتْبَةَ1، عَنْ سَلْمَانَ2 أَنَّهُ قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: [الْإِمَامُ الْعَادِلُ] 3، ورَجُلٌ لَقِيَ رَجُلًا فَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذلك، ورجل كان قلبه معلقا بِالْمَسَاجِدِ مِنْ حبها، ورجل يجعل شَبَابَهُ وَنَشَاطَهُ فِيمَا يُحِبُّ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ جَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا فَتَرَكَهَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ إِذَا أعْطَى صَدَقَتَهُ بِيَمِينِهِ كَادَ أَنْ يُخْفِيَهَا مِنْ شِمَالِهِ، وَرَجُلٌ إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ فَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى" 4

_ 1 هكذا في "الأصل"، وفي "العلو" للذهبي: "عقبة" ولم أقف على ترجمته. 2 هو سلمان الفارسي- رضي الله عنه-. 3 هذه العبارة ليست في "الأصل"، وقد أثبتها لورودها في المصادر الأخرى. 4 أورده الذهبي في "العلو": ص 67، مختصرا، بسند المؤلف هذا، ولم يعزه إلى أحد، وقال: هذا موقوف ضعيف الإسناد. وأورده ابن حجر في "الفتح": (2/ 144) من طريق سعيد بن منصور في "سننه" عن سلمان، وحسن إسناده. وأورده العيني في "عمدة القارئ": (5/177) من طريق سعيد بن منصور عن سلمان، وقال: إسناده حسن. وعند الجميع بلفظ: "يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله"، وقد ورد بهذا اللفظ عن أبي هريرة. أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات": ص 470، وفي سنده جعفر بن محمد بن الليث، وقد ضعفه الدارقطني، وقال: كان يتهم في سماعه. وقال الذهبي في "العلو": وقد بلغ في ظل العرش أحاديث تبلغ التواتر. وفد جاء الحديث من طرق أخرى بلفظ: "يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله". أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل الساجد. انظر: "فتح الباري": (2/ 143) . وأخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة: (3/ 93) .

57- حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حَمَّادٍ1، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُوسَى الطَّائِفِيُّ2، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ عِيسَى3 قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، وَلَهُ فَضْلُ أجورهم، فإذا (ق 58/ ب) كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَظَلَّهُ اللَّهُ بِظِلِّ عَرْشِهِ، وَأَطْعَمَهُ مِنْ ثَمَرِ

_ 1 لم أقف على ترجمته. 2 هكذا في "الأصل"، والصواب هو: الحارث بن موسى الطائي البصري. روى عن حبيب أبي محمد، وروى عنه المعتمر بن سليمان وأحمد بن إبراهيم الدورقي. قال أبو حاتم: سمعت أبي يقول قال الدورقي: هذا شيخ كبير يروي عنه المعتمر، وقد عمر حتى أدركته وسمعت منه. اهـ. "الجرح والتعديل": (2/ 88) . 3 في "فضائل القرآن" لابن الضريس: حبيب بن موسى العمي من أنفسهم أبو محمد الذي يقال له الفارسي، وجاء في "الدر المنثور": حبيب أبو محمد العابد. ولم أقف على ترجمته.

الْجَنَّةِ، وَشَرِبَ مِنَ الْكَوْثَرِ وَاغْتَسَلَ مِنَ السَّلْسَبِيلِ1. 58- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى2، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَسَدِيُّ3، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ غَسَّانَ الْعَبْدِيِّ4، عَنْ

_ 1 أخرجه ابن الضريس في "فضائل القرآن": ص 157، (رسالة ماجستير في جامعة الملك سعود) ، عن سلمة بن شبيب عن زيد بن الحباب عن الحارث ابن موسى الطائي عن حبيب بن موسى به مثله. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (3/ 3) ، وعزاه إلى أبي الشيخ وابن الضريس عن حبيب بن عيسى. قلت: وإسناد المؤلف منقطع، وفي، ضعف، زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري، والحارث بن موسى الطائي مجهول. أما الهيثم ابن حماد وحبيب بن عيسى فلم أقف على ترجمة لهما. وله شاهد من حديث جابر مرفوعا بنحوه. أورده القرطبي في "تفسيره": (6/ 383) ، وعزاه إلى الثعلبي عن جابر مرفوعا مطولا. 2 هو الحسن بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن أبر ليلى قال ابن حبان في "الثقات": مستقيم الحديث إذا لم يكن في إسناد خبره ضعيف، وقال أبو زرعة: صدوق. "لسان الميزان": (2/ 218) . 3 لم أقف على ترجمته. 4 هو المختار بن غسان بن مختار التمار الكوفي العبدي، روى عن إسماعيل بن مسلم وغيره، وعنه أحمد بن علي الأسدي وغيره. مقبول، من التاسعة. روى له ابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (10/ 68) ، "تقريب التهذيب": ص 330.

إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَلْمٍ1، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ2، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَا آيَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "آيَةُ الكرسي، ما السموات السَّبعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ تِلْكَ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ" 3.

_ 1 هكذا في "الأصل"، قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (ح 1159) : "إسماعيل بن سلم لم أعرفه، وغالب الظن أنه إسماعيل بن مسلم، فقد ذكره في شيوخ المختار بن عبيد، واسمه إسماعيل بن مسلم المكي، أبو إسحاق البصري، ضعيف، من الخامسة". روى له الترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (1/ 331) ، "تقريب التهذيب": ص 35. 2 هو عائذ الله (بتحتانية ومعجمة) بن عبد الله بن عمرو، ويقال: عبد الله بن إدريس بن عائذ بن عبد الله، أبو إدريس الخولاني (بفتح خاء وبنون، منسوب إلى خولان بن مالك، "المغني": ص 99) العوذي (بمفتوحة وسكون واو بذال معجمة، "المغني": ص 187) ، ولد في حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين، سمع من كبار الصحابة، مات سنة ثمانين، قال سعيد بن عبد العزيز: "كان عالم الشام بعد أبي الدرداء". أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (5/ 85) ، "تقريب التهذيب": 162. 3 أخرجه من هذا الطريق: ابن بطة في "الإبانة": (ق 196/ أ) بسنده من طريق المؤلف. قال الألباني: "هذا سند ضعيف، إسماعيل بن سلم لم أعرفه، وغالب الظن أنه إسماعيل بن مسلم، فقد ذكروه في شيوخ المختار بن عبيد، وهو المكي البصري، وهو ضعيف". والمختار روى عنه ثلاثة، ولم يوثقه أحد، وفي "التقريب" أنه مقبول. وكذلك فيه الحسن بن عبد الرحمن، وقد اشترط ابن حبان في توثيقه ألا يكون في إسناد خبره ضعيف. لكن الحديث لم يتفرد به إسماعيل بن مسلم بل تابعه يحيى بن يحيى الغساني. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 15/أ) . وأبو نعيم في "الحلية": (1/ 166) في، سياق طويل، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 511، من قوله: قلت يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم؟ وكلاهما بإسنادهما عن إبراهيم بن هشام الغساني به. وقال الألباني عن هذا الإسناد: "هذا سند واه جدا، إبراهيم هذا متروك، كما قال الذهبي، وقد كذبه أبو حاتم". "سلسلة الأحاديث الصحيحة": رقم 109. وأيضا، تابعه القاسم بن محمد الثقفي ولكنه مجهول كما في "التقريب". أخرجه ابن مردويه كما في "تفسير ابن كثير": (2/13) ، طبع المنار، من طريق محمد بن أبي السري العسقلاني أخبرنا محمد بن عبد الله التميمي عن القاسم به. وقال الألباني: العسقلاني والتميمي كلاهما ضعيف، والحديث أيضا في "البداية" لابن كثير: (1/ 13) . وللحديث- أيضا- طرق أخرى ذكرها الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": رقم 109، وقال: وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق صحيح. وقد نقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (13/ 411) عن ابن حبان تصحيح الحديث، وقال: وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" بسند صحيح عنه.

59- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ لَيْثٍ1، عَنْ مُجَاهِدٍ قال: "ما السموات وَالْأَرْضُ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِالْفَلَاةِ، وَمَا أُخِذَتْ مِنَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَمَا أُخِذَتْ تِلْكَ الْحَلْقَةُ مِنَ الْأَرْضِ"2. 60- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ3، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَزْوَانَ4، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ5، حَدَّثَنِي

_ 1 هو الليث بن أبي سليم تقدم ترجمته في (45) . 2 هذا اللفظ لم أجده عند غيره، وقد تقدم تخريجه برقم (45) ، وإسناده صحيح إلى مجاهد. 3 تقدم ترجمته في (19) . 4 تقدم في (45) . 5 هو عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم التنوري (بفتح المثناة وتثقيل النون المضمومة، "الأنساب": 3/ 97) ، أبو سهل البصري. روى عن أبيه وغيره. وعنه الحسن بن علي الخلال. صدوق ثبت في شعبة، من التاسعة، مات سنة سبع ومائتين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (6/ 327) ، "تقريب التهذيب": ص 213.

أَبِي1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ2، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ3، عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ4، عَنْ أَبِي مُوسَى5- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-

_ 1 هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم التنوري أبو عبيدة البصري، أحد الأعلام ثقة، ثبت، رمي بالقدر ولم يثبت عنه، من الثامنة، مات سنة ثمان ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (6 /441) ، "تقريب التهذيب": ص 222. 2 هو محمد بن جحادة (بضم الجيم وتخفيف المهملة) الأزدي (بمفتوحة فواو ساكنة فدال مهملة، "المغني": ص 32) . روى عن سلمة بن كهيل وغيره، وروى عنه عبد الصمد بن عبد الوارث وغيره، ثقة من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب الكمال": (3/ 1182) ، "تهذيب التهذيب": (9/ 92) ، "تقريب التهذيب": ص 292. 3 هو سلمة بن كهيل بن حصين الحضرمي التنعي (بكسر التاء ثالث الحروف وسكون النون وفي آخرها العين، وهذه النسبة إلى بني تنع، وهم بطن من همذان، "اللباب": 1/ 224) أبو يحيى الكوفي، ثقة، من الرابعة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (4/ 155) ، "تقريب التهذيب": ص 131. 4 هو عمارة بن عمير التيمي، من بني تيم الله بن ثعلبة، كوفي. روى عن إبراهيم بن أبي موسى الأشعري وغيره. ثقة، ثبت، من الرابعة، مات بعد المائة، وقيل قبلها بسنتين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (7/ 421) ، "تقريب التهذيب": ص 251. 5 هو أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -.

قَالَ: "الْكُرْسِيُّ (ق 59/أ) مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَلَهُ أَطِيطٌ كَأَطِيطِ الرَّحْلِ"1. 61- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ2، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ3، عَنْ

_ 1 أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة": ص 70، 142 عن أبيه، وابن جرير الطبري في "تفسيره": (3/9) عن علي بن مسلم الطوسي، وأبو الشيخ في "العظمة": (ق 42/أ) عن محمد بن العباس، وابن منده في "الرد على الجهمية": ص 46 بسنده عن علي بن مسلم، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 509، 510، بسنده عن هارون بن عبد الله. كلهم عن عبد الصمد بن عبد الوارث به. وأورده الذهبي في "العلو": ص 84، وقال: "أخرجه البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات" وليس للأطيط مدخل في الصفات أبدا، بل هو كاهتزاز العرش لموت سعد، وكتفطر السماء يوم القيامة، ونحو ذلك. اهـ. قال الألباني في "مختصر العلو": ص 123- 124، بعد تخريجه للحديث: "رجاله كلهم ثقات معروفون، وأعله الكوثري المعروف بانحرافه عن أهل السنة والجماعة في تعليقه على "الأسماء والصفات " بأن في إسناده عمارة ابن عمير، قال: ذكره البخاري في الضعفاء". ثم ذكر أن هذا الكلام إنما هو خطأ محض، لأن عمارة بن عمير تابعي، ثقة اتفاقا، وقد أخرج له الشيخان في "الصحيحين"، وقال الحافظ: "ثقة ثبت"، ومثله لا يمكن أن يخفى على مثل الكوثري، وليس هو في "ضعفاء البخاري" كما زعم، وإنما فيه عمارة بن جوين وهذا متروك. 2 تقدمت ترجمته في (19) . 3 هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم بن الضحاك الشيباني، أبو عاصم النبيل البصري، قيل: إنه مولى بني شيبان، وقيل من أنفسهم. روى عن سفيان الثوري وغيره. وعنه الحسن بن علي الحلواني وغيره. ثقة، ثبت من التاسعة، مات سنة اثنتي عشرة ومائتين أو بعدها. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (4/ 450) ، "تقريب التهذيب": ص 155.

سُفْيَانَ1، عن عمار الذهني2، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ3، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] : {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} قَالَ: "الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَالْعَرْشُ لَا يُقَدِّرُ أَحَدٌ قَدْرَهُ"4.

_ 1 هو سفيان الثوري. 2 هو عمار بن معاوية الذهني (بضم أوله وسكون الهاء بعدها نون) ويقال ابن أبي معاوية، ويقال غير ذلك. روى عنه السفيانان وغيرهما. صدوق، يتشيع، من الخامسة. أخرج له مسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (7/ 406) ، "تقريب التهذيب":ص 250. 3 هو مسلم بن عمران البطين، ويقال ابن أبي عمران، أبو عبد الله الكوفي. روى عن سعيد بن جبير. ثقة، من السادسة، أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 134) ، "تقريب التهذيب": ص 336. 4 أخرجه الدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 71، 73، 74، وعبد الله بن أحمد في "السنة": ص 70، 142، وابن خزيمة في "التوحيد": ص 107، 108، وأبو الشيخ في "العظمة": (ق 35/ ب) ، وابن جرير الطبري في "تفسيره": (3/ 10) ، وابن أبي حاتم في "تفسيره": (1/ 194/ أآيا صوفيا) مختصرا، والطبراني في "المعجم الكبير": (12/ 39، حديث 12404) ، والدارقطني في "الصفات":، ص 30، تحقيق: الشيخ الغنيمان، والحاكم في "المستدرك": (2/ 282) ،- البيهقي في "الأسماء والصفات": ص 354، والخطيب البغدادي في "تاريخه": (9/ 251- 252) من أوجه، والهروي في "الأربعين": ص 125. كلهم من طريق سفيان الثوري عن عمار الذهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/ 3123) : "رجاله رجال الصحيح". وذكره الذهبي في "العلو": ص 61، وقال: "رواته ثقات". وقال الألباني: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وتابعه يوسف بن أبي إسحاق عن عمار الذهني، أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (33/أ) وله عنده (36/ 2) شاهد من حديث أبي ذر مرفوعا. انظر: "مختصر العلو": ص 102.

62- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَهْرَامَ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ2، عَنْ مَعْمَرٍ3، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ4، عَنْ وَهْبِ بْنِ

_ 1 لم أقف على ترجمته. 2 هو عبد الله بن المبارك المروزي مولى بني حنظلة. ثقة، ثبت، عالم، جواد، مجاهد، جمعت فيه خصال الخير. من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين ومائة. "تقريب التهذيب": ص 187. 3 هو معمر بن راشد. 4 هو عبد الله بن أبي نجيح يسار الثقفي أبو يسار المكي مولى الأجنس بن شريق الثقفي. ثقة، رمي بالقدر، وربما دلس، من السادسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة أو بعدها. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (6/ 54) ، "تقريب التهذيب": ص 191.

مُنَبِّهٍ1، قَالَ: الْعَرْشُ مَسِيرَةُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ2. 63- حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ3، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ

_ 1 هو وهب بن منبه من كامل بن شيخ اليماني الذماري (بكسر معجمة عند أكثر المحدثين وفتحها عند بعضهم، وخفة ميم، نسبة إلى قرية باليمن، "المغني": ص 157) . قال الحافظ في "التقريب": ثقة، من الثالثة، مات سنة بضع عشرة ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (11/ 166) ، "تقريب التهذيب": ص 372. 2 أورده الذهبي في "العلو": ص 61، ولم يعزه إلى أحد وقال: حديث معمر بن راشد عن ابن أبي نجيح عن وهب بن منبه قال: وذكر مثله. وأورده ابن كثير في "البداية": (1/ 11) من طريق المؤلف. إسناده الذي روى عنه المؤلف صحيح، ورجاله ثقات، سوى ابن أبي نجيح فإنه ثقة وربما دلس. أما الذي روى عنه المؤلف فإني لم أجد ترجمته. وهذا من الإسرائيليات التي اشتهر ابن منبه بروايتها. 3 هو يزيد بن أبي حبيب، واسمه: سويد الأزدي، مولاهم أبو رجاء المصري، وقيل غير ذلك في ولائه. روى عنه ابن إسحاق وغيره. ثقة، فقيه، وكان يرسل، من الخامسة، مات سنة ثمان وعشرين ومائة، وقد قارب الثمانين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (11/318) ، "تقريب التهذيب": ص 381.

عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ1، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ2، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَأْ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِيهَا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ" 3.

_ 1 هو مرثد بن عبد الله اليزني (بفتح التحتانية والزاي بعدها نون) أبو الخير، المصري الفقيه. روى عن عقبة بن عامر الجهني وكان لا يفارقه. وعنه يزيد بن أبي حبيب وغيره. ثقة، فقيه، من الثالثة، مات سنة تسعين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (10/ 82) ، "تقريب التهذيب: ص 331. 2 هو عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو الجهني صحابي مشهور. ررى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرا. وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين. وكان قارئا، عالما بالفرائض والفقه، فصيح اللسان شاعرا كاتبا. مات في خلافة معاوية. انظر: "الإصابة": (2/ 482) . 3 أخرجه أحمد في "المسند": (4/158) عن يحيى بن إسحاق. وأخرجه ابن نصر في "قيام الليل": ص 143 عن يحيى بن خلف. وأورده الذهبي في "العلو": ص 84 عن محمد بن إسحاق، من طريقين عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر بمثله. قال الذهبي: إسناده صالح. قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" رقم 1482: إسناده جيد. وللحديث شاهد من حديث حذيفة مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد: (5/ 383) ، وابن نصر في "قيام الليل": ص 142، والسراج في "مسنده": (3/47/ 1) ، والبيهقي: (1/213) عن ابن مالك الأشجعي عن ربعي بن خراش عن حذيفة مرفوعا به. قال الألباني: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد عزاه الحاكم في "المستدرك": (1/ 563) ولم يسق لفظه. انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة": رقم 1482.

64- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ1، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ2، عَنْ حَسَّانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ3 عَنْ

_ 1 هو إسماعيل بن إبراهيم بن بسام البغدادي أبو إبراهيم الترجماني، لا بأس به، من العاشرة مات سنة ست وثلاثين ومائتين. أخرى له النسائي. "تهذيب التهذيب": (1/ 271) ، "تقريب التهذيب": ص 31. 2 هو سعيد بن سالم القداح أبو عثمان المكي، خراساني الأصل، ويقال كوفي سكن مكة. صدوق يهم، رمي بالإرجاء، وكان فقيها من كبار التاسعة، مات قبل المائتين. أخرج له أبو داود، والنسائي. "تهذيب التهذيب": (4/ 35) ، "تقريب التهذيب": ص 122. 3 هو حسان بن إبراهيم بن عبد الله الكرماني أبو هشام العنزي (بفتح النون بعدها زاي) قاضي كرمان. صدوق، يخطئ، من الثامنة، مات سنة ست وثمانين ومائة. أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود. "تهذيب التهذيب": (2/ 245) ، "تقريب التهذيب": ص 67.

هِشَامٍ1، عَنِ الْحَسَنِ2، قَالَ: "مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِائَةَ أَلْفٍ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْحَجِّ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَ فُلَانًا الْعَامَ بِالْحَجِّ، ولو أن (ق 59/ ب) لَهُ مِائَةَ أَلْفٍ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْعُمْرَةِ حتى ينادي منادي مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَ فُلَانًا بِالْعُمْرَةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ فِيمَا بَيْنَ صَفَّيْنِ فَضَرَبَ مِائَةَ أَلْفِ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ لَمْ يُرْزَقِ الشَّهَادَةَ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ قَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ فُلَانًا بِالشَّهَادَةِ3.

_ 1 هو هشام بن حسان الأزدي القردوسي (بالقاف وضم الدال) أبو عبد الله البصري، يقال كان نازلا في القراديس، ويقال مولاهم أحد الأعلام، روى عن الحسن البصري وغيره. ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال، لأنه- قيل- كان يرسل عنهما، من السادسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (11/ 34) ، "تقريب التهذيب": ص 364. 2 هو الحسن البصري. 3 لم أقف على من أخرجه غيره.

65- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ1، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ2، عَنْ أَبِي صَالِحٍ3، عَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} 4، قَالَ: 5الْبَحْرُ بَحْرُ السَّمَاءِ الَّذِي تَحْتَ الْعَرْشِ: الْمَحْبُوسُ عَنِ الْعِبَادِ"6.

_ 1 هو محمد بن عبيد المحاربي، وقد تقدم ترجمته في (56) . 2 هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، تقدم في (33) . 3 هو باذام (بالذال المعجمة، ويقال آخره نون) أبو صالح مولى أم هانئ. روى عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وغيره. وعنه إسماعيل السدي وغيره. ضعيف، مدلس، من الثالثة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 416) ، "تقريب التهذيب": ص 42. 4 سورة الطور، الآية: 6. 6 أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره": (27/ 20) عن حميد. وأورده الذهبي في "العلو": ص 6، ولم يعزه لأحد. كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح عن علي بن أبي طالب موقوفا بنحوه. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 118) وعزاه إلى عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن علي بن أبي طالب بنحوه. وأخرجه ابن جرير في "تفسيره": (27/ 20) من طريق آخر عن أبي صالح من قوله. وله شاهد من طريق عبد الله بن عمرو. أخرجه الطبري في "تفسيره": (27/20) بسنده عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو موقوفا بنحوه. وأيضا، له شاهد من طريق الربيع بن أنس. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 43/ ب) بسنده من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس نحوه.

66- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ1، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيُّ2، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ3، عَنْ أَبِيهِ4، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحْتَ الْعَرْشِ الرَّحِمُ تُنَادِي

_ 1 لم أقف على ترجمته. 2 هو كثير بن عبد الله اليشكري، روى عن الحسن بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه. وعنه مسلم بن إبراهيم وغيره. قال العقيلي: لا يصح إسناده. وذكره ابن حبان في "الثقات". "ميزان الاعتدال": (3/ 409) ، "لسان الميزان": (4/ 483) . 3 هو الحسن بن عبد الرحمن بن عوف القرشي، وليس هو بابن عبد الرحمن ابن عوف الزهري، ولكنه آخر بصري. روى عن أبيه، وروى عنه كثير بن عبد الله اليشكري. مجهول. "الجرح والتعديل": (3/ 23) . 4 هو عبد الرحمن بن عوف القرشي- فرق أبو حاتم الرازي بينه وبين الزهري. روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث فقط. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليس هذا عبد الرحمن بن عوف الزهري. وكذا قال الجوزجاني في "تاريخه". "الجرح والتعديل": (3/ 23) ، "الإصابة،: (2/ 410) .

اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي، وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي وَالْأَمَانَةَ" 1. 67- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ طَارِقٍ2، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ3 عَنْ أَبِيهِ4، عَنْ حَبَّةَ

_ 1 أخرجه البغوي في "شرح السنة": (13/22) عن عبد الواحد بن أحمد المليحي. وأورده السيوطي في "الجامع الصغير": (........) وعزاه إلى الحكيم الترمذي في "نوادره": ص 297، ومحمد بن نصر في "فوائده". وأورده الذهبي في "العلو":. ص 51، وفي "ميزان الاعتدال ": (3/ 409) ، وابن حجر في "الميزان": (4/ 483) ولم يعزه إلى أحد، وإنما قالوا حديث مسلم بن إبراهيم. وجميعهم من طريق كثير بن عبد الله اليشكري عن الحسين بن عبد الرحمن ابن عوف عن أبيه مرفوعا بنحوه. قال الذهبي هذا حديث منكر. وإسناد المؤلف ضعيف جدا، فإن كثير بن عبد الله لا يصح إسناده، وباقي رواته مجهولون. وانظر: "سلسلة الأحاديث الضعيفة": رقم 1337. 2 لم أقف على ترجمته. 3 هو عمرو بن ثابت بن هرمز البكري أبو محمد، ويقال: أبو ثابت الكوفي، وهذا أبو عمرو بن أبي المقدام الحداد، مولى بكر بن وائل. روى عن أبيه وغيره. ضعيف، رمي بالرفض، من الثامنة، مات سنة اثنتين وسبعين ومائة. أخرى له أبو داود، وابن ماجه في "التفسير". 4 هو ثابت بن هرمز الكوفي، أبو المقدام الحداد، مولى بكر بن وائل مشهور بكنيته. روى عن جبه بن حوين العرني وغيره. وعنه ابنه عمرو بن ثابت وغيره. صدوق، يهم، من السادسة. أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. "تهذيب الكمال": (1/173) ، "تهذيب التهذيب": (2/16) ، "تقريب التهذيب":ص 51.

الْعُرَنِيِّ1، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْكَوَّاءِ2 لعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه -: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَآيَةً قَدْ أَفْسَدَتْ عَلَيَّ قَلْبِي، وَشَكَّكَتْنِي فِي دِينِي، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المؤمنين: "ويحك يابن الْكَوَّاءِ، وَمَا هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي أَفْسَدَتْ عَلَيْكَ قَلْبَكَ وَشَكَّكَتْكَ فِي

_ 1 هو حبة (بفتح أوله ثم موحدة ثقيلة) بن جوين (بضم الجيم مصغرا) بن علي بن عبد نهم العرني (بضم مهملة وفتح راء فنون، "المغني: ص 185) البجلي، أبو قدامة الكوفي. قال الطبراني: يقال: إن له رؤية. روى عن علي بن أبي طالب وغيره. صدوق، له أغلاط، وكان غاليا في التشيع، من الثانية، مات سنة ست وسبعين وقيل: تسع وسبعين. أخرج له النسائي في خصائص علي. "تهذيب التهذيب": (2/ 176) ، "تقريب التهذيب": ص 62. 2 هو عبد الله بن الكواء، من رؤوس الخوارج، قال البخاري: "لم يصح حديثه". وقال الحافظ ابن حجر: "وله أخبار كثيرة مع علي، وكان يلزمه ويعييه في الأسئلة، وقد رجع عن مذهب الخوارج وعاود صحبة علي". "ميزان الاعتدال": (2/ 474) ، "لسان الميزان": (3/ 329) .

دِينِكَ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} 1، مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ وَمَا هَذِا الصَّفُّ؟ وَمَا هَذَا التَّسْبِيحُ؟ فَقَالَ لَهُ أمير المؤمنين: يابن الْكَوَّاءِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ فِي صُوَرٍ شَتَّى، وَإِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا فِي صُورَةِ دِيكٍ أَشْهَبَ، بَرَاثِنُهُ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى السَّابِعَةِ، وَعُرْفُهُ مُثَنًّى تَحْتَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، لَهُ جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ مِنْ نَارٍ، وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ مِنْ ثَلْجٍ، فَإِذَا حَضَرَ وَقْتُ كُلِّ صَلَاةٍ قَامَ عَلَى بَرَاثِنِهِ2 وَأَقَامَ عُرْفَهُ تَحْتَ الْعَرْشِ، ثُمَّ صَفَّقَ بِجَنَاحَيْهِ كَمَا تُصَفِّقُ الدِّيَكَةُ فِي مَنَازِلِكُمْ، فَلَا الَّذِي مِنَ النَّارِ يُذِيبُ الثَّلْجَ، وَلَا الَّذِي مِنَ الثَّلْجِ يُطْفِئُ الَّذِي مِنَ النَّارِ، ثُمَّ نَادِى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا خَيْرُ النَّبِيِّينَ، فَتَسْمَعُهُ الدِّيَكَةُ فِي مَنَازِلِكُمْ فَتُصَفِّقُ بِأَجْنِحَتِهَا فَتَقُولُ كَنَحْوٍ مِنْ قَوْلِهِ، فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} 3.

_ 1 سورة النور، الآية: 41. 2 جمع برثن وهي من السباع والطير بمنزلة الأصابع من الإنسان. "لسان العرب ": (13/ 50) . 3 لم أقف على من أخرجه غير المؤلف. وقد ورد في هذا الملك الذي على صورة الديك الكثير من الأحاديث والآثار ذكر بعضها أبو الشيخ في كتاب "العظمة"، والسيوطي في "الحبائك في أخبار الملائك"، و"الوديك في أخبار الديك".

68- حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ1، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ2، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَكِّيُّ3، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ4 أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أمِّ سَعْدٍ امْرَأَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ5 قَالَتْ:

_ 1 لم أقف على ترجمته. 2 هو الوليد بن مسلم القرشي، تقدم ترجمته في (21) . 3 هو داود بن عبد الرحمن العطار العبدي، أبو سليمان المكي. ثقة من الثامنة، مات لسنة أربع أو خمس وسبعين ومائة، وكان مولده سنة مائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (3/ 192) ، "تقريب التهذيب": ص 96. 4 هو محمد بن زاذان المدني. روى عن أم سعد امرأة من المهاجرات وغيرها. وعنه داود بن عبد الرحمن العطار وغيره. متروك، من الخامسة، روى له الترمذي، وابن ماجه. "تهذيب الكمال": (3/1198) ، "تهذيب التهذيب": (9/165) ، "تقريب التهذيب": ص 297. 5 أم سعد، قيل: إنها بنت زيد بن ثابت، وقيل امرأته، وقيل: إنها من المهاجرات، روت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروى عنها محمد بن زاذان. روى لها أبو داود، وابن ماجه. "الإصابة": (3/ 437) ، "تهذيب التهذيب": (12/ 470) .

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَرْشُ عَلَى مَلَكٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ فِي صُورَةِ دِيكٍ رِجْلَاهُ فِي التُّخُومِ السُّفْلَى وَعُنُقُهُ مَثْنِيَّةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَجَنَاحَاهُ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَإِذَا سَبَّحَ اللَّهَ ذَلِكَ الْمَلَكُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ إِلَّا سَبَّحَ" 1. 69- حَدَّثَنَا أَبِي، وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ2 عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ3، قَالَ: "كَانَ مَلَكُ الْمَوْتِ

_ 1 أورده السيوطي في "الحبائك": ص 59، و68، وعزاه إلى ابن مردويه والديلمي في "مسند الفردوس" عن أم سعد مرفوعا نحوه. وإسناد المؤلف ضعيف، لأن فيه محمد بن زاذان، وهو متروك، أما جعفر ابن محمد التميمي فلم أقف على ترجمته له. 2 هو سليمان بن حيان (في الخلاصة بتحتانية) الأزدي، أبو خالد الأحمر الكوفي الجعفري، نزل فيهم وولد بجرجان. روى عن الأعمش وغيره. وعنه ابنا أبي شيبة. صدوق، يخطئ، من الثالثة، مات سنة تسعين ومائة أو قبلها، وله بضع وسبعون. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (4/ 181) ، "تقريب التهذيب": ص 133. 3 هو خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة (في "الخلاصة" بفتح المهملتين بينهما موحدة ساكنة) واسمه: يزيد بن مالك بن عبد الله بن دويب الجعفي الكوفي، لأبيه ولجده صحبة. روى عن الأعمش وغيره. ثقة، كان يرسل، من الثالثة، مات بعد سنة ثمانين. روى له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (3/ 178) ، "تقريب التهذيب": ص 95.

صَدِيقًا لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: يَا ملك الموت مالك، تَأتِي أَهْلَ الدَّارِ فَتَأْخُذَ أَهْلَهَا كُلَّهُمْ، وَتَدَعَ الدَّارَ إِلَى جَنْبِهِمْ لَا تَأْخُذَ مِنْهُمْ أحَدًا؟ قَالَ: مَا أَنَا بِأَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْكَ، إِنَّمَا أَكُونُ تَحْتَ الْعَرْشِ فيلقى إلي صكاكا1 فِيهَا أَسْمَاءٌ"2

_ 1 مفردها صك، وهو الكتاب، فارسي معرب، وجمعه أصك وصكوك وصكاك. "لسان العرب": (4/ 2475) . 2 أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف": (13/205) . وأحمد في "الزهد": ص 41. وأبو نعيم في "الحلية": (4/119) من طريقين عن الأعمش عن خيثمة مثله. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (5/ 173) ، وفي "الحبائك": ص 36، وعزاه إلى ابن أبي شيبة في "المصنف" عن خيثمة. وإسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات إلا أبا الأحمر، فإنه صدوق، يخطئ. والذي يظهر أن الحديث من الإسرائيليات.

70- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ1، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ2، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ3، عَنِ الْحَكَمِ4، عَنْ

_ 1 هو إسحاق بن منصور السلولي (بفتح المهملة وضم اللام) مولاهم أبو عبد الرحمن. روى عنه ابن أبي شيبة وغيره. صدوق، تكلم فيه للتشيع، من التاسعة، مات سنة أربع ومائتين، وقيل: بعدها. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 250) ، "تقريب التهذيب": ص 30. 2 هو الحكم بن عبد الملك القرشي (بالضم والفتح نسبة إلى قريش) البصري نزل الكوفة. روى عنه إسحاق السلولي وغيره. ضعيف، من السابعة. روى له البخاري في رفع اليدين، والترمذي، وأبو داود في فضائل الأنصار، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (2/ 431) ، "تقريب التهذيب": ص 80. 3 هو منصور بن زاذان (بزاي وذال معجمتين) الواسطي، أبو المغيرة الثقفي مولاهم. روى عن الحكم بن عتيبة وغيره. ثقة، ثبت، عابد، من السادسة، مات سنة تسع وعشرين ومائة. روى له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (10/ 306) ، "تقريب التهذيب": ص 347. 4 هو الحكم بن عتيبة (بالمثناة ثم الموحدة مصغرا) الكندي مولاهم أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو عمر الكوفي، وليس هو الحكم ابن عتيبة النهاس. روى عن مجاهد وغيره. ثقة، ثبت، فقيه إلا أنه ربما دلس، من الخامسة، مات سنة ثلاث عشرة ومائة أو بعدها، وله نيف وستون سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (2/432) ، "تقريب التهذيب": ص 80.

مُجَاهِدٍ، قَالَ: "لَقِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَلَكَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَأتِي الْقَريَةَ فتَذْهَبَ بأَهْلِهَا، وَالْقَرْيَةُ الْأُخْرَى إِلَى جَنْبِهَا لا تذهب منهم بِأَحَدٍ؟ فَقَالَ: وَأَنْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا؟ مَا لِي بِهَذَا عِلْمٌ، إِنَّمَا هِيَ رِقَاعٌ أَوْ صِكَاكٌ تَسْقُطُ إِلَيَّ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ"1. 71- حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى2، حَدَّثَنَا سَيْفٌ3، عَنِ

_ 1 لم أجد من أخرجه من هذا الطريق غير المؤلف. وإسناده جيد، ورجاله ثقات سوى الحكم بن عبد الملك، فإنه ضعيف، والأثر الذي قبله شاهد له، وهو بمعناه. 2 هو زكريا بن يحيى الكسائي الكوفي. روى عنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة. قال عبد الله بن الإمام أحمد: سألت ابن معين عنه فقال: رجل سوء، يحدث بأحاديث سوء، وقال النسائي والدارقطني: متروك. 3 هو سيف بن محمد الثوري ابن أخت سفيان الثوري، كوفي نزل بغداد. روى عن الأعمش وغيره. كذبوه، من صغار الثامنة، مات في حدود التسعين ومائة. روى له الترمذي. "تهذيب التهذيب": (4/296) ، "تقريب التهذيب": ص 142.

الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَكْتُوبٌ فِي سَقْفِ الْعَرْشِ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي" 2.

_ 1 هو ذكوان (بفتح معجمة وسكون كاف) أبو صالح السمان الزيات المدني مولى جورية بنت الأحمس الغطفاني. روى عن أبي هريرة وغيره. وروى عنه الأعمش وغيره. ثقة، ثبت، من الثالثة، مات سنة إحدى ومائة. روى له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (3/ 219) ، "تقريب التهذيب": ص 98. 2 لم أجد من أخرجه بهذا اللفظ: "مكتوب في سقف العرش" غير المصنف. والحديث أخرجه من هذا الطريق، أي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا: البخاري في "صحيحه"، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} . انظر: "فتح الباري": (13/ 384، حديث 7404) . وإسناد المؤلف ضعيف جدا، لأن فيه زكريا بن يحيى الكسائي وهو متروك، وسيف بن محمد قد كذب. وقد ورد الحديث من طريق أخرى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بنحوه. أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} . وأيضا في كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} ، وباب قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} ، وباب قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} . انظر: "فتح الباري": (6/287) ، و (13/ 404، 440، 522) ، ومسلم في "صحيحه"، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله، وأنها سبقت غضبه: (8/ 95) ، وأحمد في "مسنده": (2/ 258، 259، 358) .

72- حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ1، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ2، حَدَّثَنَا مسلمة بن حامد3، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الضَّحَّاكِ الْجُمَحِيِّ4 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ وَهُوَ يَبْتَسِمُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا يُضْحِكُكَ؟ " قَالَ: "ضَحِكْتُ مِنْ رَحِمٍ رَأَيْتُهَا مُعَلَّقَةً بِالْعَرْشِ تَدْعُو اللَّهَ عَلَى مَنْ قَطَعَهَا"، قَالَ: "قُلْتُ: يَا

_ 1 تقدم ترجمته في (16) . 2 هو عبد العزيز بن عبد الصمد العمي (بمفتوحة وشدة ميم) أبو عبد الصمد البصري الحافظ، ثقة، حافظ، من كبار التاسعة، مات سنة سبع وثمانين ومائة. روى له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (6/ 346) ، "تقريب التهذيب": ص 215. 3 سلمة بن حامد، ويقال: مسلمة بن حامد. روى عن حبيب بن الضحاك. وعنه عبد العزيز بن عبد الصمد العمي. قال ابن حجر: لا يعرف، وخبره منكر. وأورد ابن حجر في ترجمته هذا الحديث. "لسان الميزان": (3/ 67) . 4 هو حبيب بن الضحاك الجهني، ويقال: الجمحي، هكذا في "الاصابة" لابن حجر. وأورد هذا الحديث من طريق أبي نعيم، وشكك في صحبته. "الإصابة": (1/306) .

جِبْرِيلُ كَمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا؟ " قَالَ: "خَمْسَةَ عَشَرَ أَبًا" 1. 73- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ2، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ3، قَالَا: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ4، عَنْ

_ 1 أورده ابن حجر في "الإصابة": (1/ 306) ، "لسان الميزان": (3/ 67) ، وعزاه في "الإصابة" إلى أبي نعيم من طريق عبد العزيز العمي عن مسلمة بن خالد عن حبيب بن الضحاك مرفوعا مثله. وأورده السيوطي في "الجامع"، وعزاه إلى أبي نعيم عن أبي موسى عن حبيب بن الضحاك مثله. انظر: "كنز العمال": (3/ 370، حديث 6989) ، وأخرجه في "أسد الغابة": (1/ 371) من طريق المؤلف. قال ابن حجر: إسناده مجهول، وأظنه مرسلا. وقد جاء من طريق آخر عن أنس- رضي الله عنه- مرفوعا نحوه. وأورده السيوطي في "الجامع"، وعزاه إلى الديلمي عن أنس نحوه. انظر: "كنز العمال": (3/363، حديث 6951) . 2 لم أقف على ترجمته. 3 هو محمد بن جعفر السمناني (بكسر المهملة وسكون الميم ونونين) القومسي، أبو جعفر بن أبي الحسين الحافظ. ثقة، من الحادية عشرة، مات قبل العشرين والمائتين. أخرج له البخاري، والترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (9/ 99) ، "تقريب التهذيب": ص 293. 4 هو إسحاق بن إبراهيم الحنيني (بمهملة ونونين مصغرا" أبو يعقوب المدني نزيل طرسوس. ضعيف، من التاسعة، مات سنة ست عشرة ومائتين. أخرى له أبو داود، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (1/ 222) ، "تقريب التهذيب":ص 27.

هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ1، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ2، عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ جَاءُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "مَا عِنْدِي وَلَكِنِ اسْتَقْرِضْ عَلَيْنَا" 4 حَتَّى يَأْتِيَنَا

_ 1 هو هشام بن سعد المدني أبو عباد، ويقال: أبو سعد القرشي مولاهم. روى عن زيد بن أسلم وغيره. صدوق، له أوهام، ورمي بالتشيع، من كبار السابعة، مات سنة ستين أو قبلها. روى له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة. 2 هو زيد بن أسلم العدوي، أبو أسامة، ويقال: أبو عبد الله المدني الفقيه مولى عمر. روى عن أبيه وغيره. وعنه هشام بن سعد. ثقة، عالم، وكان يرسل من الثامنة، مات سنة ست وثلاثين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب: (3/ 395) ، "تقريب التهذيب": ص 111. 3 هو أسلم العدوي مولاهم، أبو خالد، ويقال: أبو زيد، مولى عمر، روى عن مولاه عمر، وعنه ابنه زيد، ثقة، مخضرم، مات سنة ثمانين، وقيل: بعد الستين، وله أربع عشرة ومائة سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (1/ 266) ، "تقريب التهذيب": ص 31. 4 من القرض وهو ما يتجازى به الناس بينهم ويتقاضونه، وجمعه قروض، وهو ما أسلفه من إحسان أو إساءة. "لسان العرب": (5/ 3589) .

فَنَقْضِيَكَ، قَالَ عُمَرُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ [مَا كلفك الله] 1 (ق 60/ ب) هَذَا، أَعْطَيْتَ مَا عِنْدَكَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ فَلَا تَكَلَّفْهُ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ عُمَرَ حَتَّى عَرَفَ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ2، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَعْطِ وَلَا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا3، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ: "بِهَذَا أُمِرْتُ" 4.

_ 1 في "الأصل": "يا رسول الله هذا أعطيت"، والكلام لا يستقيم هكذا، فأثبت النقص من حديث الخرائطي. 2 هو عبد الله بن جذافة السهمي، كما جاء في رواية ابن جرير. 3 الإقلال: قلة الجدة، وقلة ماله، ورجل مقل وأقل: فقير. "لسان العرب": (5/ 3727) ، مادة: قلل. 4 أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق": (ص 64، حديث 321) ، طبعة مكتبة دار السلام بسنده قال: حدثنا علي بن زيد الفرائضي حدثنا أبو يعقوب الحنيني عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- مرفوعا بنحوه. إسناده ضعيف، لأن فيه إسحاق بن إبراهيم الحنيني وهو ضعيف. ولكن الحديث قد جاء من طريق آخر عن جابر بن عبد الله. أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (......) من طريق محمد بن عبد الله ابن الحكم المصري عن أبيه، وشعيب بن الليث عن الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن ابن أبي هلال عن أبي سعيد أن جابر بن عبد الله أخبرهم فذكره بنحوه. انظر: "كنز العمال": (6/ 577) . قال السيوطي: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وعلى هذا يكون الحديث صحيحا.

74- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ1، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ2، عَنْ مُحَارِبٍ3، عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولِ اللَّهِ أَيُّ الْبِقَاعِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "لَا أَدْرِي" أَوْ سَكَتَ، قَالَ: فَأَيُّ الْبِقَاعِ شَرٌّ؟ قَالَ: "لَا أَدْرِي" أَوْ سَكَتَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: "لَا أَدْرِي"، قَالَ: سَلْ رَبَّكَ، قَالَ "مَا نَسْأَلُهُ عَنْ شَرٍّ"، وَانْتَفَضَ انْتِفَاضَةً كَادَ يَصْعَقُ مِنْهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَعِدَ جِبْرِيلُ قَالَ لَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "سَأَلَكَ مُحَمَّدٌ أَيُّ الْبِقَاعِ خَيْرٌ؟ قُلْتَ: لَا أَدْرِي، وَسَأَلَكَ أيُّ الْبِقَاعِ شَرٌّ؟ قُلْتَ:

_ 1 تقدمت ترجمته في (30) . 2 تقدمت ترجمته في (16) . 3 هو محارب (بضم أوله وكسر الراء) بن دثار (بكسر المهملة وتخفيف المثلثة) بن كردوس ابن قرواش بن جعوانة السدوسي (بفتح سين وضم دال مهملتين، "المغني": ص 138) أبو دثار، ويقال: أبو مطرف، وقيل غير ذلك. روى عن ابن عمر وغيره. وعنه عطاء بن السائب وغيره. ثقة، إمام، زاهد، من الرابعة، مات سنة ست عشرة ومائة. روى له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (10/ 49) ، "تقريب التهذيب": ص 329.

لَا أَدْرِي"، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "فَحَدِّثْهُ أَنَّ خَيْرَ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ، وَشَرَّ الْبِقَاعِ الْأَسْوَاقُ" 1. 75- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى2، حَدَّثَنَا أَبِي3،

_ 1 أخرجه الحكيم الترمذي في "الرد على المعطلة": (ق 122/ 1) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 278، والحاكم في "المستدرك": (1/90) . وجميعهم من طريق جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعا بنحوه. وأورده الذهبي في "العلو": ص 78- 79، وقال: هذا حديث غريب صالح الإسناد. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد": (2/ 6) ، وعزاه إلى الطبراني في "الكبير": (1546) ، وقال: فيه عطاء بن السائب وهو ثقة، ولكنه اختلط في آخر عمره، وبقية رجاله موثقون. 2 هو محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عبد الرحمن الكوفي. روى عن أبيه وغيره. وعنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره. صدوق، من العاشرة، روى عنه البخاري في "الأدب المفرد"، والترمذي. "تهذيب التهذيب": (9/ 381) ، "تقريب التهذيب": ص 314. 3 هو عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي. روى عن أبيه وغيره. وعنه ابنه محمد وغيره. مقبول من الثامنة، روى له الترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (8/ 137) ، "تقريب التهذيب": ص 265.

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى1، عَنِ الْحَكَمِ2، عَنْ مِقْسَمٍ3، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: بَيْنَا جِبْرِيلُ مَعَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ق 61/ أ) يُنَاجِيهِ، إِذِ انْشَقَّ أفُقُ السَّمَاءِ، فَدَخَلَ جِبْرِيلَ مِنْ ذَلِكَ خَوْفٌ، فَإِذَا مَلَكٌ قَدْ تمَثَّلَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَخْتَارَ عَبْدًا نَبِيًّا، أَوْ مَلِكًا نَبِيًّا، فَأَشَارَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ بِيَدِهِ

_ 1 هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، أبو عبد الرحمن الكوفي، الفقيه، قاضي الكوفة. روى عنه ابنه عمران وغيره. صدوق سيء الحفظ جدا، من السابعة، مات سنة ثمان وأربعين. روى له الأربعة. "تهذيب التهذيب": (9/ 301) ، "تقريب التهذيب": ص 308. 2 هو الحكم بن عتيبة (بالمثناة ثم الموحدة مصغرا) أبو محمد الكندي مولاهم، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو عمر الكوفي. ثقة، ثبت، فقيه، إلا أنه ربما دلس من الخامسة، مات سنة ثلاث عشرة ومائة أو بعدها وله نيف وستون سنة. روى له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (2/ 432) ، "تقريب التهذيب": ص 80. 3 هو مقسم (بكسر أوله) بن بجرة (بضم الموحدة وسكون الجيم) ، ويقال: نجدة (بفتح النون وبدال) أبو القاسم، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، ويقال: مولى ابن عباس للزومه له. صدوق، وكان يرسل، من الرابعة، مات سنة إحدى ومائة. وما له في البخاري سوى حديث واحد. وأخرج له الأربعة. "تهذيب التهذيب": (10/ 288) ، "تقريب التهذيب": ص 346.

أَنْ تَوَاضَعْ، فَقُلْتُ: "عَبْدًا نَبِيًّا، فَارْتَفَعَ ذَلِكَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ فَقُلْتُ: "يَا جِبْرِيلُ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا، فَرَأَيْتُ مِنْ حَالِكَ مَا شَغَلَنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا إِسْرَافِيلُ خَلَقَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَافًّا قَدَمَيْهِ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّبِّ سَبْعُونَ نُورًا، مَا مِنْهَا نُورٌ يَكَادُ يَدْنُو مِنْهُ إِلَّا احْتَرَقَ، بَيْنَ يَدَيْهِ لَوْحٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ فِي الْأَرْضِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ اللَّوْحُ فَضَرَبَ جَبِينَهُ، فَيَنْظُرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِي أَمَرَنِي بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مِيكَائِيلَ أمَرَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مَلَكِ الْمَوْتِ أمَرَهُ بِهِ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ وَعَلَى أَيْ شَيْءٍ أَنْتَ؟ قَالَ: عَلَى الرِّيحِ وَالْجُنُودِ، قُلْتُ: وَعَلَى أَيْ شي مِيكَائِيلُ؟ قَالَ: عَلَى النَّبَاتِ وَالْقَطْرِ، قُلْتُ: وعَلَى أَيْ شيء مَلَكُ الْمَوْتِ؟ [قَالَ] 1: عَلَى قَبْضِ الْأَنْفُسِ، وما ظننته (ق 61/ ب) هَبَطَ إِلَّا لِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَمَا الَّذِي رَأَيْتَ مِنِّي إِلَّا خَوْفًا مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ"2.

_ 1 سقطت من "الأصل". 2 أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 49/ ب) ، وللطبراني في "المعجم الكبير": (11/ 379، حديث 12061) ، والبيهقي في "شعب الإيمان": (1/109) . كلهم من طريق محمد بن عمران بن أبي ليلى عن أبيه به- نحوه-. وأورده ابن كثير في "البداية والنهاية": (1/ 45- 46) ، وعزاه إلى الطبراني، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (1/ 91) ، وعزاه للطبراني وأبو الشيخ، والبيهقي، وقال: بسند حسن. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": (1/ 19) : رواه الطبراني، وفيه محمد ابن أبي ليلى، وقد وثقه الجماعة، ولكنه سيء الحفظ، وبقية رجاله ثقات. وأورده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (6/ 307) مختصرا، وقال: في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد ضعف لسوء حفظه ولم يترك. اهـ. وقد توبع، وله شواهد، ويمكن أن يرتقي الحديث بهذه المتابعة والشواهد إلى درجة الصحة. فقد رواه عن ابن عباس- أيضا- محمد بن علي بن عبد الله بن عباس مختصرا، بلفظ: قال: "كان ابن عباس يحدث أن الله أرسل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ملكا من الملائكة مع الملك جبريل عليه السلام، فقال له الملك: يا محمد إن الله عز وجل يخيرك بين أن تكون نبيا عبدا، أو نبيا ملكا، فالتفت رسول الله به إلى جبريل كالمستشير، فأومأ إليه أن تواضع، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بل نبيا عبدا" فما رؤي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل متكئا حتى لحق بربه". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير": (10/ 349، حديث 0686 1) بسنده عن بقية بن الوليد عن الزبيدي، عن الزهري عنه به، وبقية مدلس، وعنعن، وأيضا- محمد بن علي بن عبد الله ثقة، ولكن لم يثبت سماعه من جده كما في "التقريب":ص 312، ولذلك ضعفه الألباني. انظر: "الصحيحة": (4/3) . وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا. أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (2/ 231) عن محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة قال: ولا أعلمه إلا عن أبي هريرة، قال: جلس جبريل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل ... الحديث، بنحوه مختصرا إلى قوله: "بل عبدا رسولا". وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد": (9/ 18- 19) إلى أحمد، والبزار، وأبي يعلى، وقال: رجال الأولين رجال الصحيح. وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": (3/ 3، حديث 1552) ، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وأيضا، له شاهد آخر من حديث ابن عمر مرفوعا. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير": (2 348/1، حديث 9 1335) عن أبي شعيب ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي ثنا أيوب بن نهيك، قال: سمعت محمد بن قيس المدني يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لقد هبط علي ملك من السماء، ما هبط على نبي قبلي، ولا هبط على أحد من بعد، وهو إسرافيل، وعندي جبريل ... " الحديث بنحوه مختصرا. وفي آخره: فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو أني قلت نبيا ملكا، ثم شئت لسارت الجبال معي ذهبا". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": (19/9) : فيه يحيى بن عبد الله البابلتي وهو ضعيف. وله شاهد آخر عن أبي جعفر سيأتي برقم 78. وبهذه المتابعة وهذه الشواهد يصح الحديث إن شاء الله تعالى.

76- حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ يَعْقُوبَ1، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ2،

_ 1 لم أقف على ترجمته. 2 هو فضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي، أبو علي الزاهد الخراساني. روى عن أبان بن أبي عياش وغيره. ثقة، عابد، إمام، من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل قبلها. أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. "تهذيب الكمال": (2/ 1103) ، "تهذيب التهذيب": (8/ 294) ، "تقريب التهذيب": ص 277.

عَنْ أَبَانَ1، عَنْ أَنَسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "مَا مِنْ خَلْقِي أَحَدٌ أقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَإِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةَ أَلْفِ عَامٍ"2.

_ 1 هو أبان بن أبي عياش فيروز أبو إسماعيل مولى عبد القيس البصري، ويقال: دينار. روى عن أنس وأكثر عنه وغيره. متروك، من الخامسة، مات في حدود الأربعين ومائة. روى له أبو داود. "تهذيب التهذيب": (1/ 97) ، "تقريب التهذيب": ص 18. 2 لم أجد من أخرجه من هذا الطريق غير المؤلف. وإسناده ضعيف، أبان بن أبي عياش متروك. وله شاهد من حديث مرفوع عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- نحوه. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 46/ ب) بسنده عن الأحوص بن حكيم عن أبيه. عن عبد الرحمن بن عائذ عن، جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أقرب الخلق إلى الله تعالى جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وإنهم من الله تبارك وتعالى لمسيرة خمسة آلاف سنة". وأورده الذهبي في "العلو" ص 72، وقال: حديث يحيى بن سعيد الأموي ... ثم ساق السند والمتن مثله، وعزاه إلى ابن منده في "الصفات" وشيخ الإسلام ني "الفاروق". وقال: إسناده لين، لأن الأحوص ليس بمعتمد. وأورده السيوطي في "اللآلئ المصنوعة": (1/17) من رواية أبي الشيخ. وفي "الدر المنثور" (1/94) بلفظ: "أقرب الخلق إلى الله جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وهم منه مسيرة خمسين ألف سنة، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وإسرافيل بينهم" وعزاه إلى أبي الشيخ عن جابر بن عبد الله مرفوعا. وقال في "اللآلئ": عبد الرحمن بن عائذ روى له الأربعة، ووثقه النسائي، وحكيم بن عمير والد الأحوص صدوق، روى له أبو داود، وابن ماجه، وابنه الأحوص روى له ابن ماجه وضعف، ويحيى بن سعيد الأموي حافظ من رجال الشيخين، وابنه سعد ثقة، وروى عنه الأئمة الخمسة. وأبو سعيد الثقفي كأنه عبد الغني بن سعيد، ضعفه ابن يونس، وذكره ابن حبان في "الثقات".

77- حَدَّثَنَا طَاهِرُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ2، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ

_ 1 هو طاهر بن أبي أحمد الزبيدي، من أهل الكوفة. يروي عن وكيع وأبي أسامة وأبي بكر بن عياش. مستقيم الحديث. "الجرح والتعديل": (4/499) ، و"الثقات" لابن حبان: (8/328) . 2 هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن العنبري، وقيل: الأزدي، مولاهم أبو سعيد البصري اللؤلؤي، الحافظ، الإمام، العلم. روى عن حماد بن سلمة وغيره. وعنه أحمد بن أبي طاهر الزبيري وغيره. ثقة، ثبت، عارف بالرجال والحديث، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومائة في جماد الآخرة وله ثلاث وستون سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب الكمال": (9/819، 820) ، "تهذيب التهذيب": (6/279) ، "تقريب التهذيب": ص 210.

سَلَمَةَ1، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ2، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى3 أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ [هَلْ تَرَى رَبَّكَ] 4؟ فَقَالَ: "إِنَّ

_ 1 تقدم في. 2 هو عبد الملك بن حبيب الأزدي، ويقال: الكندي، أبو عمران الجوني (بفتح الجيم وسكون الواو وكسر النون، وهذه النسبة إلى جون بطن من أزد، "الأنساب": 3/ 425) البصري مشهور بكنيته. روى عنه حماد بن سلمة وغيره. ثقة من كبار الرابعة، مات سنة ثمان وعشرين ومائة، وقيل بعدها. أخرج له الجماعة. "تهذيب الكمال": (2/ 851) ، "تهذيب التهذيب": (6/389) ، "تقريب التهذيب": ص 218. 3 هو زرارة (بضم أوله) بن أوفى العامري الحرشي (بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة) أبو حاجب البصري القاضي، ثقة عابد، من الثالثة، مات فجأة في الصلاة سنة ثلاث وتسعين وقد فرق ابن حجر بينه وبين زرارة بن أوفى العامري الصحابي. روى له الجماعة. "الإصابة": (1/ 528) ، "تهذيب التهذيب": (3/ 322) ، "تقريب التهذيب": ص 106. 4 هذه العبارة سقطت من "الأصل"، وقد أثبتها لورودها في المصادر الأخرى.

بَيْنِي وَبَيْنَهُ سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ لَوْ دَنَوْتُ مِنْ أَحَدِهَا احْتَرَقْتُ" 1.

_ 1 أخرجه الدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 172، و"الرد على الجهمية": ص 31، عن موسى بن إسماعيل. وأخرجه أبو الشيخ: (ق 47/أ) من طريق موسى بن إسماعيل. وأخرجه ابن أبي زمنين في "أصول السنة": (ص 318، حديث 40) عن أحمد بن مطرف بن العناقي عن نصر عن أسد قال: حدثنا الحسن بن بلال. وجميعهم من طريق حماد بن سلمة عن زرارة بن أوفى مرسلا بنحوه. وعند الدارمي وأبي الشيخ زيادة: "فانتفض جبريل"، وأورده البيهقي في "الأسماء والصفات": ص 508، 509 عن ابن شقيق. وأورده السيوطي في "اللآلئ المصنوعة": (1/17) من رواية أبي الشيخ، وقال: هذا مسند صحيح الإسناد، ورواه أبو زكريا البخاري في "فوائده" من طريق عبد الرحمن بن مهدي. اهـ. والصحيح أن إسناده مرسل، لأن زرارة بن أوفى تابعي لم ير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وله شاهد من حديث أنس – رضي الله عنه -. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 145/أ) عن محمد بن يحيى والوليد. وأخرجه سمويه في "فوائده": (ق 145/1) ، مصور الجامعة 543) عن حسين بن حفص. والطبراني في "الأوسط" انظر: "مجمع البحرين": (1/10) بسنده عن عمرو بن عثمان. وجميعهم عن أبي القاسم قائد الأعمش عن الأعمش عن أنس – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل: "هل ترى ربك؟ قال: إن بيني وبينه سبعين حجابا من نور ومن نار، لو رأيت أدناه لاحترقت". قال الطبراني: لم يروه عن الأعمش إلا أبو مسلم. اهـ. وإسناده ضعيف، لأن أبا مسلم ضعيف، قال أبو داود: عنده أحاديث موضوعة، ولذا أورده الألباني في "ضعيف الجامع الصغير": (3/207) ، وقال فيه: ضعيف. انظر "اللآلئ المصنوعة": (1/15) ، و"مجمع الزوائد": (1/79) .

78- حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ1، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ2 عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ3، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ4، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، بَيْنَمَا

_ 1 تقدم ترجمته في (9) . 2 هو نصر بن مزاحم العطار المنقري (بكسر ميم وسكود نون وفتح قاف وراء، "المغني": ص 249) أبو الفضل الكوفي. روى عن قيس بن الربيع وطبقته. رافضي جلد، تركوه، وضعفه الدارقطني، وقال أبو خيثمة: كان كذابا، وقال أبو حاتم: واهي الحديث، متروك،. مات سنة اثنتي عشرة ومائتين. "الجرح والتعديل": (8/ 468) ، "ميزان الاعتدال": (4/ 453) ، "لسان الميزان": (6/ 157) . 3 هو عمرو بن شمر (بفتح الشين وكسر الميم، "المغني": ص 144) الجعفي الكوفي، الشيعي، أبو عبد الله، قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: رافضي يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات. "الكامل " لابن عدي: (5/ 1779) ، "ميزان الاعتدال": (3/ 268) ، "لسان الميزان": (4/ 366) . 4 هو عمارة بن غزية (بفتح المعجمة وكسر الزاي بعدها تحتانية ثقيلة) بن الحارث بن عمرو بن غزية بن عمرو الأنصاري المازني المدني. لا بأس به، من السادسة، مات سنة أربعين ومائة. أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم والأربعة. "تهذيب التهذيب": (7/ 422) ، "تقريب التهذيب": ص 251.

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَعِنْدَهُ جِبْرِيلُ حَتَّى جَاءَتْ مِنْ جِبْرِيلَ نَظْرَةٌ قِبَلَ السَّمَاءِ فَامْتَقَعَ1 لَهَا لَوْنُهُ حَتَّى صَارَ كَرَمْدَةٍ2 وَلَاذَ رَسُولُ اللَّهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ حَيْثُ نَظَرَ جِبْرِيلُ، فَإِذَا هُوَ بِشَيْءٍ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ يُخَيِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مَلَكًا رَسُولًا أَوْ عَبْدًا رَسُولًا، فَالْتَفَتُّ إِلَى جِبْرِيلَ فَإِذَا هُوَ قَدْ رَجَعَ لَوْنُهُ، ثُمَّ ضَرَبَ رُكْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تَوَاضَعْ وَكُنْ عَبْدًا رَسُولًا، أَوْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "أَكُونُ رَسُولًا"، فَرَفَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ، ثُمَّ رَفَعَ الْيُسْرَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ رَفَعَ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ كُلَّمَا ارْتَفَعَ بَعُدَ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ

_ 1 امتقع لونه إذا تغير من حزن أو فزع. "لسان العرب": (6/ 4244) ، مادة: مقع. 2 أي صار لونه كلون الرماد. "لسان العرب": (3/ 727) ، مادة: رمد.

لِجِبْرِيلَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ"، وَجِبْرِيلُ يَقُولُ، لِلنَّبِيِّ: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ"-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ: "يَا جِبْرِيلُ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ ذُعْرًا وَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا أذْعَرَكَ مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنِكَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا تَلُمْنِي أَنْ أُذْعَرَ مِنْ هَذَا، إِنَّ هَذَا إِسْرَافِيلُ وَهُوَ حَاجِبُ الرَّبِّ، وَمَا يَزُولُ مِنْ مرتبته بَيْنِ يَدَيْهِ مُنْذُ خلق الله السموات وَالْأَرْضَ حَتَّى كَانَ الْيَوْمُ، فلما رأيته (ق 62/ أ) رَأَيْتُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَهُوَ الَّذِي رَأَيْتَ مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنِي، فَلَمَّا رَئَيْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا اخْتَصَّكَ اللَّهُ بِهِ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي، وَهَذَا الَّذِي تَرَى مِنْ أقْرَبِ خَلْقِ اللَّهِ، إِلَى اللَّهِ اللَّوْحُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ1، وَهُوَ مَلَكٌ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ"2. 79- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ3، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ4، قال ذكر مطرح بْنُ

_ 1 في "الأصل": "ياقوت حمراء"، وهو خطأ، والصواب ما أثبته. 2 لم أجد من أخرجه من هذا الطريق غير المؤلف. وإسناده ضعيف جدا، لأن فيه نصر بن مزاحم وعمرو بن شمر، وكلاهما متروك الحديث. وله شاهد قد تقدم في رقم (75) ، وقد تكلمت فيه على طرق الحديث. 3 عبيد بن أبي هارون، روى عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي. وروى عنه موسى بن إسحاق الأنصاري. مجهول. "الجرح والتعديل": (6/ 7) . 4 هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي أبو محمد الكوفي، روى عن مطرح بن يزيد وغيره، لا بأس به وكان يدلس، قاله أحمد. من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب الكمال": (2/ 815) ، "تهذيب التهذيب": (6/ 265) ، "تقريب التهذيب": ص 209.

يَزِيدَ1، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ2، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ3، عَنِ

_ 1 هو مطرح (بضم أوله وتشديد ثانيه مفتوحا وكسر ثالثه ثم مهملة) بن يزيد الأسدي الكناني، أبو المهلب الكوفي، عداده في الشاميين، روى عن عبيد الله ابن زحر وغيره. وعنه المحاربي وغيره. ضعيف، من السادسة. روى له البخاري، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (10/ 171) ، "تقريب التهذيب": ص 329. 2 هو عبيد الله بن زحر (بفتح الزاي وسكون المهملة) الضمري (بمفتوحة وسكون ميم، "المغني": ص 156) ، مولاهم الإفريقي، ولد بإفريقية ودخل العراق في طلب العلم، روى عن علي بن يزيد الألهاني نسخة وغيره. صدوق، يخطئ، من السادسة. أخرج له البخاري في "رفع اليدين"، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (7/ 12) ، "تقريب التهذيب": ص 224. 3 هو علي بن يزيد بن أبي هلال الألهاني (بمفتوحة وسكون لام وبنون، "المغني": ص 31) . ويقال: الهلالي، أبو عبد الملك، ويقال: أبو الحسن الدمشقي. روى عن القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة نسخة كبيرة وغيره. وعنه عبيد الله بن زحر وغيره. ضعيف، قال ابن معين: علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ضعاف كلها، من السادسة مات سنة بضع عشرة ومائة. روى له الترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (7/ 396) ، "تقريب التهذيب": ص 249.

الْقَاسِمِ1، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-2، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا انْتَهَى مَلَكُ الْمَوْتِ بِرُوحِ الْمُؤْمِنِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ لَهُ: مَرْحَبًا بِهَذِهِ النَّفْسِ الطَّيِّبَةِ وَبِجَسَدٍ خَرَجَتْ مِنْهُ، وَإِذَا قَالَ لِشَيْءٍ: مَرْحَبًا، رَحَّبَ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ الضِّيقُ، انْطَلِقُوا بِهَذِهِ النَّفْسِ الطَّيِّبَةِ فَأَرُوهَا مَقْعَدَهَا مِنَ الْجَنَّةِ، وَاعْرِضُوا عَلَيْهَا مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنَ الْكَرَامَةِ، مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْخَدَمِ وَالْأَزْوَاجِ، ثُمَّ اهْبِطُوا بِهَا إِلَى الْأَرْضِ فَإِنِّهَا قَدْ قَضَيْتُ أنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى" 3. 80- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو4

_ 1 هو القاسم بن عبد الرحمن. تقدم في (12) . 2 تقدم في (12) . 3 لم أقف على من أخرجه من هذا الطريق غير المؤلف. وإسناده ضعيف جدا، عبيد بن أبي هارون مجهول، ومطرح بن يزيد وعبيد الله بن زحر ويزيد الألهاني كلهم ضعفاء، قال ابن حبان: إذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم بن عبد الرحمن لم يكن متن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم. وقال ابن معين: علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ضعاف كلها. 4 هو سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، الأشعثي، أبو عثمان الكوفي. روى عن سفيان بن عيينة وغيره. وعنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره. ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث ومائتين. روى له مسلم، والنسائي. "تهذيب الكمال": (1/ 500) ، "تهذيب التهذيب": (4/68) ، "تقريب التهذيب": ص 124.

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ1، عَنْ عَمْرٍو2، عَنْ عِكْرِمَةَ3، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا قَضَى الْأَمْرَ في السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا- خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَصَوْتِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ فذَلِكَ قَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 4، قَالَ: وَيُسْتَرَقُ السَّمْعُ

_ 1 هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، أبو محمد الكوفي ثم المكي. روى عن عمرو بن دينار وغيره. ثقة، حافظ، فقيه، إمام، حجة، إلا أنه تغير حفظه بآخره، وكان ربما دلس لكن عن الثقات، من رؤوس الطبقة الثامنة، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار، مات في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة وله إحدى وتسعون سنة. أخرج له الجماعة. "تقريب التهذيب": ص 128. 2 هو عمرو بن دينار المكي أبو محمد الأثرم الجمحي، مولاهم، أحد الأعلام روى عن عكرمة وغيره. ثقة، ثبت، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (8/ 28) ، "تقريب التهذيب": ص 259. 3 تقدم في (13) . 4 سورة سبأ، الآية: 23.

هَكَذَا1 - فَوَصَفَ سُفْيَانُ2 بِيَدِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ بَعْضِهَا فَوْقَ بَعْضٍ - يُسْتَرَقُ السَّمْعُ، فَرُبَّمَا أدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ، وَرُبَّمَا لم يدركه حتى يَرْمِي بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَيَرْمِي بِهَا هَذَا إِلَى هَذَا وَهَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى يُلْقِيَهَا3 عَلَى فَمِ سَاحِرٍ وَكَاهِنٍ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيُصَدَّقَ فِيهَا، فَيُقَالُ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا بِكَذَا وَكَذَا فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا، وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعَهَا مِنَ السَّمَاءِ "4.

_ 1 في "الأصل": بياض بعد كلمة السمع بقدر كلمة، ولكن الكلام مستقيم وتام. 2 وهو سفيان بن عيينة. 3 في "الأصل": "تلقاها" بالتاء، وهو خطأ، والصواب ما أثبته. 4 أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب التفسير، باب {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} . انظر: "فتح الباري": (8/ 537، 538، حديث 4800) ، والتترمذي في "سننه"، كتاب التفسير، سورة سبأ: (5/ 362، حديث 3223) ، وابن ماجه في "سننه"، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية: (1/ 70) ، وابن خزيمة في "كتاب التوحيد": ص 147، وابن جرير في "تفسيره" سورة سبأ: (22/ 91) ، والدارمي في "الرد على الجهمية": ص 91، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 261. وجميعهم من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه. بعضهم مطولا، وبعضهم مختصرا، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وأورده الذهبي في "العلو": ص 79، وعزاه إلى البخاري. قلت: وإسناد المؤلف جيد، ورجاله كلهم ثقات. التعليق: الحديث من الأدلة المثبتة لعلو الله وارتفاعه فوق سمواته- سبحانه وتعالى- وهو يشابه من حيث المعنى الحديث الوارد تحت رقم (21) ، وهما في الدلالة واحد، فلذلك أكتفى بما علقته في ذلك الموضع.

81- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى1، عَنْ سَعِيدٍ2، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ3، قَالَ: "لَيْسَ يَصْعَدُ إِلَى

_ 1 هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى بن محمد، وقيل: ابن شراحيل القرشي البصري السامي (بالمهملة) أبو محمد، ويلقب أبا همام. روى عن سعيد ابن أبي عروبة وغيره. ثقة، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (6/ 96) ، "تقريب التهذيب": ص 195. 2 هو سعيد بن أبي عروبة (بفتح المهملة وضم راء خفيفة وبموحدة، "المغني":ص 173) واسمه مهران العدوي، مولى بني عدي بن يشكر، أبو النضر البصري، روى عن أبي نضرة العبدي وغيره. ثقة، حافظ، له تصانيف، لكنه. كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة. من السادسة، مات بعد الخمسين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (4/ 62) ، "تقريب التهذيب": ص 124. 3 هو المنذر بن مالك بن قطعة (بضم القاف وفتح المهملة) أبو نضرة (بنون ومعجمة ساكنة) العبدي ثم العوقي (بفتح المهملة ثم واو ثم قاف) مشهور بكنيته، روى عنه سعيد بن أبي عروبة وغيره. ثقة، من الثالثة، مات سنة ثمان أو تسع ومائة. "تهذيب التهذيب": (10/ 302) ، "تقريب التهذيب": ص 347.

اللَّهِ1 مِنْكُمْ إِلَّا ثَلَاثَةُ خِصَالٍ"، قِيلَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "عَمَلٌ صَالِحٌ، وَقَوْلٌ صَالِحٌ، وَرُوحٌ طَيِّبَةٌ"2. 82- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ بِشْرٍ3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ4، عَنْ لَيْثٍ5، عَنْ مُجَاهِدٍ6، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَفَّ المهاجرين والأنصار (ق 62/ ب)

_ 1 في "الأصل": "السماء"، وفي الحاشية صححت بما أثبته. 2 لم أقف على من أخرجه غير المؤلف. وإسناده منقطع، ورجاله ثقات. 3 لم أقف على ترجمته. 4 هو محمد بن فضيل بن غزوان، تقدمت ترجمته في (49) . 5 هو ليث بن أبي سليم، تقدمت ترجمته في (45) . 6 هو مجاهد بن جبر (بفتح الجيم وسكون الموحدة) المكي أبو الحجاج المخزومي، المقرئ، مولى السائب بن أبي السائب، روى عن ابن عباس وغيره. وعنه الليث بن أبي سليم وغيره. ثقة، إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة، وله ثلاث وثمانون سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب الكمال": (3/ 1305) ، "تهذيب التهذيب": (10/ 42) ، "تقريب التهذيب": ص 328.

صَفَّيْنِ، ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَمَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَضَحِكَ رسول الله عبيد فَقَالَ عَلِيٌّ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: "هَبَطَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ بَاهَى بِي، وَبِكَ يَا عَبَّاسُ، وَبِكَ يَا عَلِيُّ حَمَلَةَ العرش، وباهى بالمهاجرين وَالْأَنْصَارَ أَهْلَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا" 1. 83- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ2، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ

_ 1 أورده الذهبي في "العلو": ص 88، وعزاه إلى المؤلف. وأورده صاحب "كنز العمال": (13/ 513، حديث 37316) ، وعزاه إلى ابن عساكر عن ابن عباس. قال الذهبي: هذا حديث موضوع في نقدي، فلا أدري من آفته، وسفيان مشهور ما رأيت فيه جرحا، فيضعف برواية مثل هذا. وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-. أورده صاحب "كنز العمال": (13/ 544، حديث 37356) ، وعزاه إلى ابن عساكر عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-. 2 هو الفضل بن دكين وهو لقب، واسمه: عمرو بن حماد بن زهير ابن درهم التميمي مولى آل طلحة، أبو نعيم الملائي (بمضمومة وخفة لام وبمد وبياء في آخره، "المغني": ص 249) الكوفي، الأحول، روى عن يونس بن أبي إسحاق وغيره، وعنه عثمان بن أبي شيبة وغيره. ثقة، ثبت، من التاسعة، مات سنة ثماني عشرة، وقيل: تسع عشرة ومائتين، وهو من كبار شيوخ البخاري. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (8/ 270) ، "تقريب التهذيب": ص 275.

أَبِي إِسْحَاقَ1، عَنْ مُجَاهِدٍ2، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إن الله ليباهي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ قَالَ: يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا 3 غُبْرًا4" 5.

_ 1 هو يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي أبو إسرائيل، الكوفي. روى عن مجاهد بن جبر المكي وغيره. وعنه الفضل بن دكين وغيره. صدوق يهم قليلا، من الخامسة، مات سنة اثنتين وخمسين ومائة على الصحيح. أخرج له البخاري في القراءة خلف الإمام، ومسلم، والأربعة. "تهذيب الكمال": (3/ 1565) ، "تهذيب التهذيب": (11/ 433) ، "تقريب التهذيب": ص 390. 2 هو مجاهد بن جبر المكي، تقدم (82) . 3 الشعث: المغبر الرأس، المنتف الشعر، الجاف الذي لم يدهن، "لسان العرب": (4/ 2272) ، ما دة: شعث. 4 من الغبرة وهو لون الغبار، ويقال: أغبر الشيء، أي: علاه الغبار. "لسان العرب": (5/ 3206) ، ما دة: غبر. 5 أخرجه أحمد في "مسنده": (2/305) ، والحاكم في "المستدرك": (1/ 465) ، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وكلاهما من طريق يونس عن مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. وله شاهد من طريق آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص. أخرجه أحمد في "مسنده": (2/ 224) . وأورده صاحب "كنز العمال": (5/65، حديث 12073) ، وعزاه إلى أحمد، والطبراني في "الكبير".

84- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ1، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ2، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ3، عَنْ أَبِي سَعْدٍ4، عَنِ الْحَسَنِ5 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ

_ 1 تقدم ترجمته في. 2 هو إسماعيل بن عياش بن سليم (بضم المهملة وفتح اللام) العنسي (بمفتوحة وسكون نون وبسين مهملة، "المغني": 187) أبو عتبة الحمصي، روى عن محمد بن مهاجر الأنصاري وغيره. صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم، من الثامنة، مات سنة إحدى أو اثنتين وثمانين ومائة. أخرج له البخاري في رفع العيدين، والأربعة. "تهذيب الكمال": (1/106، 107) ، "تهذيب التهذيب": (1/ 321) ، "تقريب التهذيب": ص 34. 3 هو محمد بن مهاجر بن أبي مسلم واسمه دينار الأنصاري الشامي الأشهلي، أخو عمرو بن مهاجر، مولى أسماء بنت يزيد الأشهلية، روى عن أبي سعد خادم الحسن البصري وغيره. وعنه إسماعيل بن عياش وغيره. ثقة، من السابعة، مات سنة سبعين ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة. "تهذيب الكمال": (3/ 1277) ، "تهذيب التهذيب": (9/ 477) ، "تقريب التهذيب": ص 320. 4 هو أبو سعد، خادم الحسن البصري، قال الذهبي: لا يدرى من ذا، وخبره باطل. "ميزان الاعتدال": (4/ 529) . 5 هو الحسن البصري.

عَرَفَةَ بِالنَّاسِ عَامَّةً، وَيُبَاهِي بِعُمَرَ خَاصَّةً"1. 85- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ2، عَنْ لَيْثٍ3، عَنِ الْقَاسِمِ

_ 1 أورده الذهبي في "ميزان الاعتدال": (4/ 529) ، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط" بسنده عن الحسن عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. وفي سند المؤلف أبو سعد، لا يدرى من هو، وخبره باطل. وقد روي من طريق آخر عن ابن عباس: أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية": (1/ 192) ، وأخرجه السهمي في "تاريخ جرجان": ص 129. بسندهما عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن الله باهى بالناس يوم عرفة، وباهى بعمر خاصة". وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، قال ابن حبان: موسى بن عبد الرحمن دجال يضع الحديث. وقد روي من طريق آخر عن عقبة بن عامر: أخرجه ابن عدي في "الكامل": (2/ 464) . وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية": (1/ 191) . وكلاهما بسندهما عن بكر بن يونس الشيباني عن أبي لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله- تبارك وتعالى- باهى الملائكة عشية عرفة بعمر بن الخطاب- رضي الله عنه-". قال ابن الجوزي: وهذا لا يصح، أما مشرح فقد مذا فيه وأما ابن لهيعة فذاهب الحديث. قال أبو زرعة: ليس هو ممن يحتج به، وأما بكر بن يونس فقال البخاري وأبو حاتم الرازي: منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. اهـ. 2 هو جرير بن عبد الحميد، تقدمت ترجمته في. 3 هو ليث بن أبي سليم تقدم في (45) .

بْنِ أَبِي بَزَّةَ1، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: "أَمَّا مَوْقِفُكَ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، يَقُولُ: انْظُرُوا إلى عِبَادِي شعثا غبرا جاءوني مِنْ كُلِّ فَجٍّ2 عَمِيقٍ، جَاءُونِي يَرْجُونَ مَغْفِرَتِي، وَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِنَ الذُّنُوبِ مِثْلُ رَمْلِ عَالِجٍ3 وَعَدَدُ قَطْرِ السَّمَاءِ، وأيَّامَ الدُّنْيَا لَغَفَرَهَا اللَّهُ لَكَ" 4. 86- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ5، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ6، حَدَّثَنَا

_ 1 هو القاسم بن أبي بزة (بفتح الموحدة تشديد الزاي) واسمه نافع، ويقال: يسار، ويقال: نافع بن يسار، المكي أبو عبد الله، ويقال: أبو عاصم القارئ المخزومي مولاهم، قيل: أن أصله من همدان. ثقة، من الخامسة، مات سنة خمس عشرة ومائة، وقيل قبلها. روى له الجماعة. "تهذيب الكمال": (2/1107) ، "تهذيب التهذيب": (8/ 310) ، "تقريب التهذيب": ص 278. 2 الفج: هو الطريق الواسع بين جبلين. "لسان العرب": (5/ 3350) ، مادة: فجج. 3 العالج: هو ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض. "لسان العرب": (4/ 3066) ، مادة: علج. 4 لم أقف على من أخرجه غيره. 5 لم أقف على ترجمته. 6 هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني (بمضمومة وفتح هاء وبنون، "المغني": ص 68) مولاهم، أبو صالح المصري، كاتب الليث، روى عن الليث بن سعد وغيره. صدوق، كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين، وله خمس وثمانون سنة. أخرج له البخاري تعليقا، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (5/ 265) ، "تقريب التهذيب": ص 177.

اللَّيْثُ1، قال: حدثني زياد بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ2، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ3، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ- رَضِيَ اللَّهُ

_ 1 هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي (بمفتوحة وسكون هاء، "المغني": 199) أبو الحارث الإمام المصري، روى عن زيادة بن محمد الأنصاري وغيره، وعنه كاتبه عبد الله بن صالح وغيره. ثقة، ثبت، فقيه، إمام مشهور، من السابعة، مات في شعبان سنة خمس وسبعين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب الكمال": (3/ 1152) ، "تهذيب التهذيب": (8/ 459) ، "تقريب التهذيب": ص 287. 2 هو زيادة بن محمد الأنصاري، روى عن محمد بن كعب القرظي وعبد بن أنس بن مالك، وعنه الليث بن سعد وابن لهيعة. منكر الحديث، من السادسة. روى له أبو داود والنسائي حديثا واحدا، في الرقية من حصاة البول. "تهذيب التهذيب": (3/ 292) ، "تقريب التهذيب": ص 111. 3 هو محمد بن كعب بن سليم بن أسد أبو حمزة القرظي المدني، كان أبوه من سبي قريظة، وكان قد نزل الكوفة مدة. روى عن فضالة بن عبيد وغيره. ثقة، عالم، من الثالثة، ولد سنة أربعين على الصحيح، ووهم من قال ولد في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد قال البخاري أن أباه كان ممن لم يثبت من سبي قريظة، ومات محمد سنة عشرين ومائة، وقيل غير ذلك. روى له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (9/ 420) ، "تقريب التهذيب": ص 316.

عَنْهُ-1، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -2، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِينَ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَفْتَحُ الذكر في (ق 63/ أ) السَّاعَةِ الْأُولَى، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ، ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ السَاعةِ الثَّانِيَةِ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ وَهِيَ دَارُهُ الَّتِي لَمْ يَسْكُنْهَا غَيْرُهُ، وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَهِيَ مَسْكَنُهُ وَلَا يَسْكُنُهَا مَعَهُ مِنَ بَنِي آدَمَ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ: النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ

_ 1 هو فضالة بن عبيد بن نافذ (بفاء وذال معجمة) بن قيس بن صهيبة، ويقال: صهيب بن الأصرم، أبو محمد الأنصاري شهد أحدا وما بعدها، وولاه معاوية الغزو وقضاء دمشق، واستخلفه على دمشق لما غاب عنها، روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن عمرو وأبي الدرداء وجماعة، وروى عنه محمد بن كعب القرظي وغيره. "تهذيب التهذيب": (8/ 267) ، "تقريب التهذيب": ص 175. 2 هو عويمر بن مالك، مشهور بكنيته وباسمه جميعا، واختلف في اسمه، فقيل هو: عامر وعويمر، واختلف في اسم أبيه، فقيل: ابن مالك، وقيل: ابن زيد، وقيل: ابن عبد الله، وقيل: ابن عامر، توفي في خلافة عثمان. "الإصابة": (3/ 45) ، "تهذيب التهذيب": (8/ 175) .

الثَّالِثَةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِرُوحِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، فَتَنْتَفِضُ، فَيَقُولُ: قُومِي بِعِزَّتِي ثم يطلع على عِبَادِهِ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ يُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ، وَهَلْ مِنْ دَاعٍ أُجِيبَهُ، حَتَّى يَكُونَ صَلَاةُ الْفَجْرِ، وَكَذَلِكَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} 1 فَيَشْهَدُهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ" 2. 87- حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ الْحَارِثِ3، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ4، عَنِ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ5، عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ

_ 1 سورة الإسراء، الآية: 78. 2 أخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية": ص 39، وابن خزيمة في "التوحيد": ص 135، وابن جرير في "تفسيره": (15/ 139) ، والدارقطني في "النزول": ص 151- 152. وجميعهم من طريق الليث بن سعد عن زياد بن محمد الأنصاري عن محمد ابن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء مرفوعا نحوه. وأورده الذهبي في "ميزان الاعتدال": (2/98) عن أبي صالح بسنده عن أبي الدرداء بنحوه. وقال الذهبي: "فهذه الألفاظ منكرة لم يأت بها غير زيادة". وإسناده ضعيف، لأن فيه محمد بن زيادة وهو منكر الحديث. 3 تقدمت ترجمته في رقم. 4 تقدمت ترجمته في رقم (27) . 5 هو الأحوص بن حكيم بن عمير، وهو عمرو بن الأسود العنسي (بالنون) أو الهمداني الحمصي. روى عن المهاجر بن حبيب وغيره. وعنه بشر بن عمارة وغيره. ضعيف الحفظ، من الخامسة، وكان عابدا. أخرج له ابن ماجه. "تهذيب الكمال": (1/ 72) ، "تهذيب التهذيب": (1/ 192) ، "تقريب التهذيب": ص 25.

حَبِيبٍ1، عَنْ مَكْحُولٍ2، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ3 - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يَطَّلِعُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ" 4.

_ 1 في الأصل": المهاجر بن حبيب، والصواب هو: المهاصر بن حبيب، أبو ضمرة الزبيدي الشامي، أخو ضمرة بن حبيب الزبيدي. روى عن الشاميين، سمع منه معاوية بن صالح والأحوص بن حكيم. وثقه ابن حبان. "التاريخ الكبير" للبخاري: (4/ 2/ 66) ، "الثقات" لابن حبان: (7/ 525، 526) . 2 هو مكحول الشامي، أبو عبد الله. ثقة، فقيه، كثير الإرسال، مشهور، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومائة. "تقريب التهذيب": ص 347. 3 هو أبو ثعلبة الخشني (بضم المعجمة وفتح الشين المعجمة بعدها نون) صحابي مشهور بكنيته. "تقريب التهذيب": ص 398. 4 أخرجه ابن أبي عاصم في "كتاب السنة": (1/223، حديث 511) ، والدارقطني في "النزول": (ص 161، حديث 81) ، والبيهقي في "الشعب". جميعهم من طريق الأحوص بن حكيم عن مهاصر بن حبيب عن أبي ثعلبة الخشني مرفوعا مثله. وإسناد المؤلف ضعيف، لأن فيه بشر بن عمار وهو ضعيف، وفيه الأحوص ابن حكيم وهو ضعيف الحفظ. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد": (8/ 65) ، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط"، وقال: فيه الأحوص بن حكيم، وهو ضعيف. وقال المنذري في "الترغيب": (3/ 462) ، قال البيهقي: وهو بين مكحول وأبي ثعلبة مرسل جيد. وللحديث شواهد وطرق أخرى أخرجها ابن أبي عاصم في "كتاب السنة"، والدارقطني في "النزول"، وبهذه الشواهد والطرق يرتقي الحديث إلى درجة الصحة. وذلك لأنه روي عن جمع من الصحابة، بلغ عددهم الثمانية كما ذكر ذلك الألباني، وقد جمع هذه الأحاديث بطرقها وشواهدها الشيخ حماد الأنصاري في رسالة سماها "إسعاف الخلان بما ورد في ليلة النصف من شعبان". وكذلك الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": (حديث 1144) . التعليق: قال شيخ الاسلام ابن تيمية: "قد روي في فضل ليلة النصف من شعبان من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه الأحاديث الصحيحة. ومن العلماء من السلف من أهل المدينة، وغيرهم من الخلف من أنكر فضلها وطعن في الأحاديث الواردة فيها، كحديث: "إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب"، وقال لا فرق بينها وبين غيرها. ولكن الذي عليه أكثر أهل العلم- وأكثرهم من أصحابنا وغيرهم- على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وضع فيها شيء آخر. وأما صوم يوم النصف مفردا فلا أصل له، بل إفراده مكروه، وكذلك اتخاذه موسما تصنع فيه الأطعمة وتظهر فيه الزينة، وهو من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها. وكذلك ما قد أحدث في ليلة النصف من الاجتماع العام للصلاة الألفية- وهي التي يقرأ فيها قل هو الله أحد ألف مرة- في المساجد الجامعة، ومساجد الأحياء والدور والأسواق، فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيد بزمان وعدد وقدر من القراءة مكروه لم يشرع، فإن الحديث الوارد في الصلاة الألفية موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، وما كان هكذا لا يجوز استحباب الصلاة بناء عليه، وإذا لم يستحب فالعمل المقتضي لاستحبابها مكروه، ولو سوغ أن كل ليلة لها نوع فضل تخص بصلاة مبتدعة يجتمع لها لكان يفعل مثل هذه الصلاة، أو أزيد، أو أنقص ليلتي العيدين، وليلة عرفة، كما أن بعض أهل البلاد يقيمون مثلها أول ليلة من رجب ... " الخ. انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم": ص 352- 353. وقال ابن رجب في "لطائف المعارف" ص 144: "لم يثبت قيامها وصيامها بعينها شيء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا عن أصحابه، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان ابن عامر، وغيرهم أنهم كانوا يعظمون هذه الليلة، ويجتهدون فيها بالعبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان، اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، ومن ذلك طائفة من عباد البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، منهم: عطاء، وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، قالوا ذلك كله بدعة. اهـ. وقد زعم البعض أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة المباركة المقصودة في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان، الآيتان: 3- 4] . وقد رد على هذا الزعم الطبري، وابن كثير، والقرطبي، وبينوا أن القرآن قد نص على أنها في رمضان. قال ابن كثير: "ومن قال إن الليلة المباركة في سورة الدخان هي ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة، فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان". "تفسير ابن كثير": (4/137) . وقال القرطبي في "تفسيره" (16/128) : "ومن العلماء من قال: إن ليلة القدر في شعبان، وهي ليلة النصف من شعبان وهو قول باطل لأن الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [سورة البقرة، الآية: 185] ، فنص على أن ميقات نزوله رمضان، ثم عين من زمانه الليل ههنا {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله، وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليها" اهـ من كلام القرطبي.

88- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ1، عَنْ لَيْثٍ2 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ3، عَنْ أَنَسِ بن مالك (ق 63/ ب) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-

_ 1 هو جرير بن عبد الحميد، تقدم في (35) . 2 وهو ليث بن أبي سليم، تقدم في (45) . 3 هو عثمان بن عمير (بالتصغير) البجلي، أبو اليقظان الكوفي، الأعمى، ويقال: ابن قيس، ويقال: ابن أبي حميد. وفي "التقريب": والصواب أن قيسا جد أبيه، روى عن أنس وغيره. ضعيف، اختلط، وكان يدلس، ويغلو في التشيع، من السابعة، مات في حدود الخمسين ومائة. أخرج له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (7/ 145) ، "تقريب التهذيب": ص 235.

قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الرَّبَّ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا مِنْ مِسْكٍ أفْيَحَ 1، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَيَنْزِلُ عَنْ كُرْسِيِّهِ مِنْ عِلِّيِّينَ 2 وَحُفَّ الكُرْسِيُّ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَواْهَرِ، وَيَجِيءُ النَّبِيُّونَ فَيَجْلِسُونَ عَلَى تِلْكَ الْمَنَابِرِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ الْغُرَفِ فَيَجْلِسُونَ عَلَى ذَلِكَ الْكَثِيبِ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمِ نِعْمَتِي، وَهَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي فَاسْأَلُونِي قَالَ: فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا، قَالَ: فَلَيْسُوا إِلَى شَيْءٍ أحْوَجَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ - عَزَّ وَجَلَّ-" 3.

_ 1 الأفيح: هو كل موضع واسع. "لسان العرب": (5/ 3498) ، مادة: فيح. 2 هكذا في "الأصل" وفي المصادر الأخرى: "على كرسيه من عليين"، وهذا هو الصواب، وبه يستقيم سياق الكلام. 3 أخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية": ص 45، وعبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب السنة": ص 48، 49، والذهبي في "العلو": ص 28. وأورده الذهبي في "العلو": ص 30، وعزاه إلى القاضي أبي أحمد العسال في "كتاب المعرفة"، والدارقطني من طريقين عن عثمان بن أبي حميد، عن أنس بن مالك مرفوعا بنحوه. وإسناد المؤلف ضعيف، لأن فيه ليث بن أبي سليم، قال فيه الحافظ: صدوق، اختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه فترك، كما أن فيه عثمان بن أبي حميد، وهو ضعيف، ولكنه قد توبع، فقد رواه عن أنس عبد الله بن بريدة بنحوه. أخرجه الذهبي في "العلو": ص 29. وأيضآ، رواه عن أنس عمر بن عبد الله مولى غفرة بنحوه. أخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية": ص 44، وفي "الرد على بشر المريسي":ص 431 مختصرا. وأورده الذهبي في "العلو": ص 30، وعزاه إلى الدارقطني. ورواه- أيضا- عبد الله بن عبيد بن عمر بنحوه. أخرجه ابن قدامة في "العلو": (ق 13/ ب) . والذهبي في "العلو": ص 29- 30. قال الذهبي: هذا حديث مشهور وافر الطرق. وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 108) ، وعزاه إلى الشافعي في "الأم"، وابن أبي شيبة، والبزار، وأبو يعلى، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة"، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني في "الأوسط" وابن مردويه، والآجري في "الشريعة"، والبيهقي في "الرؤية"، وأبو نصر السجزي في "الإبانة" من طرق جيدة عن أنس.

89- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ1، حدثنا سعيد بن عَبْدِ الَرزَّاقِ2

_ 1 هو محمد بن يزيد الحزامي (بكسر المهملة) الكوفي، البزار، روى عنه محمد ابن عثمان بن أبي شيبة وغيره. صدوق، من العاشرة. أخرج له البخاري. "تهذيب التهذيب": (9/ 528) ، "تقريب التهذيب": ص 324. 2 لم أجد ترجمته.

عَنْ ثَوْرٍ1، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ2، قَالَ: يَطَّلِعُ اللَّهُ إِلَى الزَّرْعِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ نِيسَانَ، فَيَقُولُ لِيَلْحَقْ آخِرُكَ بِأَوَّلِكَ3. 90 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَثِيرٍ4، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ5، عَنْ

_ 1 هو ثور بن يزيد (بزيادة تحتانية في أول اسم أبيه) بن زياد الكلاعي، ويقال: الرحبي، أبو خالد الحمصي. ثقة، ثبت، إلا أنه يرى القدر، من السابعة، مات سنة خمس، وقيل: ثلاث وخمسين ومائة. أخرج له البخاري، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (2/ 33) ، "تقريب التهذيب: ص 52. 2 هو خالد بن معدان (بمفتوحة وسكون عين مهملة وخفة دال مهملة، "المغني": ص 235) بن أبي كريب الكلاعي، أبو عبد الله الشامي. ثقة، عابد، يرسل كثيرا، من الثالثة، مات سنة ثلاث ومائة، وقيل بعد ذلك. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (3/ 118) ، "تقريب التهذيب": ص 90. 3 أخرجه أبو نعيم في "الحلية": (5/ 214) عن المصنف به. وإسناده منقطع، وهو من الإسرائيليات. 4 لم أقف على ترجمته. 5 هو بقية بن الوليد بن صائد بن كعب بن حريز الكلاعي (بفتح الكاف وفي آخرها العين المهملة، وهذه النسبة إلى قبيلة يقال لها كلاع، نزلت الشام وأكثرهم نزل حمص، "الأنساب": 11/ 186) الميتمي (بفتح الميم وسكون الياء تحتها نقطتان وبعدها تاء فوقها نقطتان، وبعدها ميم، وهذه النسبة إلى متيم قبيلة من حمير، "اللباب": 3/279) أبو يحمد (بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميبم) الحمصي، روى عن صفوان ابن عمرو وغيره. صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، من الثامنة، مات سنة سبع وتسعين ومائة، وله سبع وثمانون. أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة. "تهذيب الكمال": (1/ 155) ، "تهذيب التهذيب": (1/473) ، "تقريب التهذيب": ص 46.

صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو السَّكْسَكِيِّ1، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ2، عَنْ كَعْبٍ3 قَالَ: إِذَا كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ نِيسَانَ أَوْ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ

_ 1 هو صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي (بالكاف الساكنة بين السينين المفتوحتين المهملتين في آخرها كاف أخرى، وهذه النسبة إلى السكاسك بطن من كندة، "الأنساب": 7/ 159) أبو عمرو الحمصي، روى عن شريح وغيره، وعنه بقية بن الوليد وغيره. ثقة، من الخامسة، مات سنة خمس وخمسين ومائة أو بعدها. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة. "تهذيب التهذيب": (4/ 428) ، "تقريب التهذيب": ص 153. 2 هو شريح بن عبيد بن شريح بن عبد بن عريب الحضرمي المقرائي (بضم الميم- وقيل بفتحها- وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة، "الأنساب": 12/ 396) أبو الطيب وأبو الصواب الحمصي، روى عن كعب الأحبار ولم يدركه. ثقة، من الثالثة، وكان يرسل كثيرا، مات بعد المائة. أخرى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب": (4/ 328) ، "تقريب التهذيب": ص 145. 3 هو كعب الأحبار.

اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْأَرْضِ فَيَنْظُرُ إِلَى الزَّرْعِ فَيَقُولُ لِيَلْحَقْ آخِرُكَ بِأَوَّلِكَ1. آخر كتاب العرش.

_ 1 أخرجه أبو نعيم في "الحلية": (13/6) عن المصنف به، وهو من الإسرائيليات التي يرويها كعب الأحبار.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع "الأباطيل": الجوزقاني، أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم (ت 540 هـ) ، تحقيق عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، الجامعة السلفية بنارس. "الإبانة عن أصول الديانة": أبو الحسن الأشعري علي بن إسماعيل (ت 324 هـ) ، حققه وخرج أحاديثه عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة دار البيان، الطبعة الأولى 1401هـ. "الإبانة": العكبري، عبيد الله محمد بن بطة الحنبلي (ت 387 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري. "ابن تيمية السلفي ونقده لمسالك المتكلمين والفلاسفة في الإلهيات": محمد خليل هراس، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1404 هـ. "ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل ": محمد السيد الجليند، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1393 هـ. "ابن سينا بين الدين والفلسفة"، غرابة حمودة، رسالة ماجستير من كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، مكتوب بالآلة الكاتبة. "الإتقان في علوم القرآن": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، دار الفكر، بيروت، وطبعة: مصطفى الحلبي وأولاده. "إثبات صفة العلو لله تعالى": ابن قدامة، موفق الدين، أبو محمد عبد الله ابن أحمد (ت. 62 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 1528

"اجتماع الجيوش الإسلامية": ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر الحنبلي (751 هـ) ، دار المعرفة. "الأحاديث الطوال": الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت 360 هـ) ، المطبوع في آخر "المعجم الكبير" بتحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. "أخبار أصبهان": أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله بن أحمد (ت.43 هـ) ، ط. ليدن 1931 م. "أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار": الأزرقي أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد، تحقيق: رشدي الصالح ملحس، مطابع دار الثقافة، مكة المكرمة، الطبعة الرابعة. "الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة": ابن قتيبة، عبد الله ابن مسلم الدنيوري (ت 276 هـ) ، تحقيق: علي سامي النشار، منشأة المعارف الإسكندرية 1971 م. 14-"الأدب المفرد،: البخاري، محمد بن إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 15- "الأذكار": النووي، محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف (ت 676 هـ) ، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان 1399 هـ. 16- "الأربعين في دلائل التوحيد": الهروي، أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي (ت481 هـ) ، تحقيق: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي. 17- "الاستقامة": ابن تيمية، أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت 728 هـ) ، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى، 1403 هـ.

18- "الاستيعاب في أسماء الأصحاب": ابن عبد البر، أبو عمر بن عبد الله ابن محمد (ت 463 هـ) ، الناشر: دار اللا! تاب العربي، بيروت. 19- "أسد الغابة في معرفة الصحابة": لعز الدين علي بن محمد بن الأثير الجزري، ط. دار الشعب، القاهرة 1390 هـ. 25- "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة": ملا علي القارئ، علي بن محمد (ت 1014 هـ) ، تحقيق: محمد الصباغ، مطبعة دار القلم، بيروت 1391 هـ. 21- "الأسماء والصفات": البيهقي، أبوبكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيرورت، الطبعة الأولى 1405 هـ. 22- "الإشارات والتنبيهات": أبو علي بن سينا (ت 428 هـ) ، تحقيق: د. سليمان دنيا، دائرة المعارف بالقاهرة 1965 م. 23- "الإصابة في تمييز الصحابة": ابن حجر العسقلاني، دار الكتاب العربي، بيروت. 24- "أصول الدين": البغدادي، أبي منصور عبد القاهر بن طاهر (ت 429 هـ) ، طبعة مصورة من الطبعة الأولى باستانبول 1346 هـ. 25- "أصول السنة": ابن أبي زمنين، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الألبيري (ت 324 هـ) ، تحقيق: محمد إبراهيم هارون، مطبوع على الآلة الكاتبة. 26- "الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد": أبو بكر البيهقي، أحمد بن الحسين (ت 458 هـ) ، قدم له وخرج أحاديثه وعلق حواشيه. أحمد عصام الكاتب، دار الآفاق الجديدة، الطبعة الأولى 1401 هـ. 27- "الأعلام": الزركلي، خير الدين، الطبعة الثانية.

"أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات": مرعي بن يوسف الحنبلي، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 2532. "الاقتصاد في الاعتقاد": الغزالي أبي حامد محمد بن محمد (ت 505 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1453 هـ. "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم": ابن تيمية، أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت 728 هـ) ، تحقيق: محمد علي الصابوني، مطابع المجد التجارية. "الأنساب": أبو سعد السمعاني، عبد الكريم بن محمد بن منصور (562 هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدرأباد. "البداية والنهاية": ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء، إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 هـ) ، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة. الرابعة 1401 هـ. "البعث والنشور"، البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين (ت 458 هـ) ، نسخة مصورة من مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية رقم 502، وكذلك القسم المحقق منه، وحققه: د. عبد العزيز الصاعدي، مكتوب على الآلة الكاتبة. "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية": "نقض تأسيس الجهمية": شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، ط. 1 مطبعة الحكومة 6 مكة المكرمة 1391 هـ. "البيهقي وموقفه من الإلهيات": د. أحمد بن عطية الغامدي، المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية.

"تاج العروس من جواهر القاموس": الزبيدي، محمد مرتضى، مطبعة حكومة الكويت، وطبعة مكتبة الحياة، لبنان. "تاريخ الأدب العربي"، كارل بروكلمان، ترجمة: عبد الحليم النجار، دار المعارف بالقاهرة. "تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي": د. حسن إبراهيم حسن، الناشر: مكتبة النهضة المصرية، الطبعة التاسعة 1979 م. "تاريخ الأمم الإسلامية": محمد خضري بك، المكتبة التجارية الكبرى 1969 م. "تاريخ بغداد": الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي (ت 463 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. "تاريخ التراث العربي": فؤاد سزكين، ترجمة: محمود فهمي حجازي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض 1403 هـ. "تاريخ جرجان": السهمي أبو القاسم حمزة بن يوسف (ت 479 هـ) ، عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1401 هـ. "تاريخ الجهمية والمعتزلة": جمال الدين القاسمي الدمشقي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1401 هـ. "تاريخ الرسل والملوك": "تاريخ الطبري": محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) ، دار المعارف، القاهرة 1968 م. "التاريخ الصغير": البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ) ، إدارة ترجمان السنة، أبيك رود، لاهور.

"التاريخ الكبير": أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت256هـ) ، تصحيح: المعلمي، دائرة المعارف العثمانية، حيدرأباد 1378 هـ. "تأويل مختلف الحديث": ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 هـ) ، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت. "التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين": أبي المظفر الإسفراييني، تحقيق: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1403 هـ. "تبيين كذب المفتري": ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله (ت 571 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت 1399 هـ. "التجسيم عند المسلمين": سهير محمد مختار، ط. شركة الإسكندرية للطباعة والنشر. "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف": المزي، أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن (ت 742 هـ) ، ط. المطبعة القيمة بومباي، الهند. "تذكرة الحفاظ": الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين (ت 448 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، طبعة مصورة عن مطبعة دائرة المعارف بالهند. "التذكرة في أحوال الموتى والآخرة": القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح (ت 671 هـ) ، تحقيق: د. أحمد حجازي السقا، دار الكتب العلمية، بيروت. "الترغيب والترهيب": المنذري عبد العظيم بن عبد القوي (ت 656 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة 1388 هـ. "تفسير عبد الرزاق": عبد الرزاق بن همام الصنعاني، مخطوط برقم 1745 مصور ورقم 2263 ميكروفيلم.

"تفسير القرآن العظيم": ابن كثير: عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 هـ) ، دار المعرفة، بيروت، 1452 هـ. "تفسير القرطبي": "الجامع لأحكام القرآن": القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، وطبعة دار الكتب المصرية. "التفسير": ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي (ت 327 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة تحت رقم 279- 286 "نسخة المحمودية"، ورقم 1480- 1874 "نسخة أيا صوفيا". "تفسير الطبري": "جامع البيان في تأويل آي القرآن": الطبري، أبي جعفر محمد بن جرير (ت. 31 هـ) ، ط. شركة ومكتبة مصطفى الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الثالثة، ونسخة أخرى، تحقيق: محمود شاكر، طبعة دار المعارف بمصر. "التفسير الكبير": فخر الدين الرازي، محمد بن عمر (ت 606 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة. "تفسير الماتريدي" المسمى: "تأويلات أهل السنة": الماتريدي، أبي منصور محمد بن محمد الماتريدي السمرقندي (ت 333 هـ) ، تحقيق: د. إبراهيم عوضين والسيد عوضين، ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بجمهورية مصر العربية 1391 هـ. "تقريب التهذيب": ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) ، دار نشر الكتب الإسلامية، باكستان 1393 هـ.

"التمهيد" ابن عبد البر أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد، ط. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب، الطبعة الثانية. "التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع": الملطي، أبو الحسين محمد ابن أحمد بن عبد الرحمن (ت 377 هـ) ، نشر دار الثقافة الإسلامية، الطبعة الأولى 1368 هـ. "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة": ابن عراق، أبو الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني (ت 963 هـ) ، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف/ عبد الله محمد الصديق، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1401 هـ. "تهذيب التهذيب": ابن حجر العسقلاني، طبعة مصورة من طبعة دائرة المعارف بالهند. "تهذيب السنن لأبي داود": ابن القيم، شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن أبي بكر (751 هـ) ، تحقيق: محمد حامد الفقي وأحمد شاكر، طبعة دار المعرفة، بيروت. "تهذيب الكمال في أسماء الرجال": المزي، الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف (ت 742 هـ) ، دار المأمون للتراث، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى 1402 هـ. "تهذيب اللغة": الأزهري، أبي منصور محمد بن أحمد، المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة، تحقيق: عبد السلام هارون. "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل": عبد الرحمن بن يحيى المعلمي (ت 1386 هـ) ، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، نشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد،

الرياض، الطبعة الثانية، 1403 هـ، 1983 م. "التوحيد": ابن منده، محمد بن إسحاق بن يحيى (ت 395 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة تحت رقم 50. "التوحيد وإثبات صفات الرب": ابن خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311 هـ) ، تعليق محمد خليل هراس، توزيع دار الباز، مكتبة مكة المكرمة. "توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة ابن القيم": أحمد ابن إبراهيم بن عيسى الشرقي، المكتب الإسلامي، 1382 هـ. "الثقات": ابن حبان، محمد بن حبان البستي (ت 354 هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد. "الجامع الصحيح": البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ) ، مع "فتح الباري لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) ، طبعة المكتبة السلفية. "الجامع الصغير": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، الطبعة الرابعة، دار الفكر. "الجرح والتعديل": الرازي، أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس (ت 327 هـ) ، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد 1271 هـ. "جلاء العينين في محاكمة الأحمدين"، نعمان خير الدين الشهير بابن الألوسي البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. "جمع الجوامع": "الجامع الكبير": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر (ت 911 هـ) ، مصور من النسخة الخطية.

"حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح": ابن القيم، محمد بن أبي بكر الدمشقي (ت 751 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. "الحبائك في أخبار الملائك"، السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، تعليق: عبد الله الصديق، مطبعة التأليف بمصر. "الحد": الدشتي، أبي محمد محمود بن القاسم بن بدران الدشتي، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 1496. "خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال": صفي الدين أحمد ابن عبد الله الخزرجي الأنصاري (ت 923 هـ) ، مكتب المطبوعات الإسلامية، بيروت، الطبعة الثالثة 1399 هـ. "خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل": البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ) ، تحقيق: على سامي النشار وعمار جمعي الطالبي، ضمن "عقائد السلف"، ط. منشأة المعارف بالإسكندرية. "حلية الأولياء": أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله (ت 430 هـ) ، ط. دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1387 هـ. "درء تعارض العقل والنقل": شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم (ت 728 هـ) ، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، الطبعة الأولى، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض. "الدر المنثور": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، دار المعرفة، بيروت.

"دفع شبه التشبيه": ابن الجوزي، جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي البغدادي (ت 597 هـ) ، المكتبة التوفيقية بالقاهرة. "ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل": الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت 748 هـ) ، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، بيروت. "ذيل الطبقات": ابن رجب، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين (ت 795 هـ) ، مطبعة السنة المحمدية 1372 هـ، تحقيق: محمد حامد الفقي. "رحلة ابن جبير": أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير، دار مكتبة الهلال، بيروت، لبنان 1981 م. "الرد على بشر المريسي": الدارمي، عثمان بن سعيد (ت 284 هـ) ، تحقيق: علي سامي النشار وعمار جمعي الطالبي، ضمن "عقائد السلف"، طبعة منشأة المعارف بالإسكندرية 1971 م. "الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن": الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، منشأة المعارف بالإسنكندرية 1971 م. "الرد على الجهمية": أبو عبد الله بن منده، محمد بن إسحاق (ت 395 هـ) ، تحقيق: د. علي بن محمد ناصر الفقيهي، الطبعة الثانية 1402 هـ، 1982 م. "الرد على الجهمية": الدارمي، عثمان بن سحيد (ت 282 هـ) ، تحقيق. زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1398 هـ. "الرد على المعطلة": الحكيم الترمذي، أبو عبد. الله محمد بن علي

(ت 295هـ) ، نسخة مصورة من نسخة دار الكتب المصرية تحت رقم 3282. "رسالة إلى أهل الثغر": أبو الحسن الأشعري، تحقيق: عبد الله شاكر الجنيدي، رسالة ماجستير من قسم الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية، مطبوعة على الآلة الكاتبة. "الرسالة التسعينية": شيخ الإسلام ابن تيمية، ضمن مجموعة "فتاوى ابن تيمية"، طبعة دار الفكر 1403 هـ. "الرسالة العرشية": شيخ الإسلام ابن تيمية، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده بمصر. "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني": للآلوسي، أبي الفضل شهاب الدين محمود البغدادي (ت 1270 هـ) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، مصورة من الطبعة المنيرية. "زاد المسير في علم التفسير": أبي الفرج ابن الجوزي، جمال الدين عبد الرحمن بن علي البغدادي (ت 597 هـ) ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1404 هـ. "الزهد": الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: محمد جلال شرف، دار النهضة العربية، بيروت، 1981 م. "الزهد": عبد الله بن المبارك المروزي (ت 181 هـ) ، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. "سلسلة الأحاديث الصحيحة". الألباني، محمد بن ناصر الدين، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى. 105- "السنن": الترمذي، أبي عباس محمد بن عيسى بن سوره

(ت 279 هـ) ، تحقيق: أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. "السنن": أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (ت 275 هـ) تعليق: عزت عبيد الدعاس، وعادل السيد، نشر وتوزيع محمد علي السيد، حمص، الطبعة الأولى 1388 هـ. "السنن" مع شرح السيوطي، وحاشية السندي: النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر (ت 303 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت. "السنن": ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت 275 هـ) تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، 1395 هـ. "السنة": الحافظ أبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني (ت 287 هـ) ، ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1400 هـ. "السنة": أحمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ) ، إدارة البحوث العلمية بالرياض. "السنة": عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني (ت 290 هـ) ، الناشر: المطبعة السلفية بمكة المكرمة 1349 هـ. "سير أعلام النبلاء": الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ) ، مؤسسة الرسالة. "سؤالات السهمي للدارقطني": السهمي، حمزة بن يوسف (ت 427 هـ) ، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى 1404 هـ.

شذرات الذهب في أخبار من ذهب": ابن العماد الحنبلي، أبو الفلاح عبد الله بن العماد (ت 1089هـ) ، دار المسيرة، بيروت، الطبعة الثانية 1399هـ. "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة": اللالكائي، أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري (ت 418 هـ) ، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع بالرياض. "شرح الأصول الخمسة": القاضي عبد الجبار بن أحمد، تحقيق: د. عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة بمصر، الطبعة الأولى 1384 هـ. "شرح السنة": البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء (ت 516 هـ) ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، 1394 هـ. "شرح العقيدة الطحاوية": ابن أبي العز الحنفي، علي بن محمد، تعليق وتخريج: الألباني، محمد بن ناصر الدين، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة 1391 هـ. "شرح جوهرة التوحيد" المسماة: "تحفة المريد": إبراهيم اللقاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ. "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري": الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان، توزيع مكتبة الدار بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1405 هـ. "الشريعة": الآجري، أبو بكر محمد بن الحسين (ت 360 هـ) ، تحقيق: محمد حامد الفقي، أحاديث أكادمي باكستان، الطبعة الأولى 1403 هـ.

"شعب الإيمان": البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين (ت 458 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة تحت رقم 316- 321، ونسخة مصورة في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري. "الصحاح": الجوهري، إسماعيل بن حماد، تحقيق: عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية،1402 هـ، 1982 م. "صحيح مسلم" المسمى: "الجامع الصحيح": مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261 هـ) ، دار المعرفة، بيروت، ونسخة أخرى بشرح النووي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1399 هـ. "الصفات": الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر (ت 380 هـ) ، تحقيق: الشيخ عبد الله الغنيمان، مكتبة الدار، ونسخة أخرى بتحقيق: د. علي ناصر الفقيهي، الطبعة الأولى 1403 هـ. "طبقات الحفاظ": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، مطبعة دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1403 هـ. "طبقات الشافعية الكبرى": السبكي تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، ومحمود الطناحي، ط. عيسى الحلبي، القاهرة 1383 هـ، ونسخة أخرى ط. المطبعة الحسينية بالقاهرة 1324 هـ. "طبقات المفسرين": الداودي، شمس الدين محمد بن علي بن أحمد (ت 945هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1403 هـ. "طبقات النحويين واللغويين": لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي،

تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، ط. سامي الخانجي، القاهرة 1373 هـ. "ظلال الجنة في تخريج السنة": ابن أبي عاصم، تحقيق: الألباني، محمد ناصر الدين، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1400 هـ. "ظهر الإسلام": أحمد أمين، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة 1388 هـ. "العبر في تاريخ من غبر": الذهبي، أبو عبد الله، شمس الدين محمد ابن أحمد (ت 748 هـ) ، تحقيق: فؤاد سيد، دائرة المطبوعات والنشر، الكويت 1961 م. "العصر العباسي الأول": شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، 1966 م. "العصر العباسي الثاني": شوقي ضيف، طبعة دار المعارف، القاهرة 1973 م. "العظمة": أبي الشيخ الأصبهاني أبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان (ت 369 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات في الجامعة الإسلامية تحت رقم 2496، 2497. "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية": ابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي التيمي (ت 597 هـ) ، تحقيق: إرشاد الحق الأثري، الناشر: دار العلوم الأثرية، فيصل أباد، باكستان، الطبعة الثانية 1401 هـ. "العلو للعلي الغفار": الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 هـ) ، الناشر: المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.

"عمدة القارئ شرح صحيح البخاري": للعيني، بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد (ت 855 هـ) ، دار الفكر، بيروت. "عمل اليوم والليلة": أبو بكر بن السني (ت 364 هـ) ، تحقيق وتعليق: عبد القادر أحمد عطا، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت 1399 هـ. "عمل اليوم والليلة": للنسائي، أحمد بن شعيب (ت 303 هـ) ، تحقيق: د. فاروق حمادة، طبعة دار الإفتاء، 1401 هـ. "كتاب العين": الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، ط. وزارة الثقافة والإعلام 1981 - 1982 م. "غاية المرام في علم الكلام": الآمدي، تحقيق: د. حسن محمود عبد اللطيف، ط. لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة 1391 هـ. "غرائب القرآن ورغائب الفرقان": نظام الدين الحسن بن محمد القمي النيسابوري، تحقيق: إبراهيم عطوه عوض، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، 1381 هـ. "فتح الباري": ابن حجر العسقلاني، محمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) ، المكتبة السلفية. "فتح القدير": الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (ت.1250 هـ) ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية 1383 هـ. "الفتوى الحموية الكبرى": شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) ، المكتبة السلفية، القاهرة، الطبعة الثالثة 1398 هـ. "الفرق بين الفرق": عبد القاهر بن طاهر البغدادي، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، نشر: دار المعرفة، بيروت، لبنان.

"الفصل في الملل والأهواء والنحل ": لابن حزم الظاهري، أبي محمد علي بن أحمد (ت 456 هـ) ، الناشر: مكتبة الخانجي بمصر. "الفهرست": النديم، محمد بن إسحاق النديم، تحقيق: رضا- تجدد، بدون. "الفوائد": سموية أبو بشر إسماعيل بن مسعود الأصبهاني (ت 267 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم 543 (136- 147) . "فيض القدير شرح الجامع الصغير": المناوي، محمد المدعو بعبد الرؤوف المناوي (ت 1301 هـ) ، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1391 هـ. "القدر": الفريابي، أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن (ت 301 هـ) ، نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات في الجامعة الإسلامية تحت رقم (2570) . "الكامل في ضعفاء الرجال": ابن عدي، أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (ت 365هـ) ، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، عام 1404 هـ. "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل": الزمخشري، أبي القاسم جار الله محمود بن عمر الخوارزمي (ت 538 هـ) ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1385 هـ. "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون": حاجي خليفة، مصطفى ابن عبد الله، مكتبة المثنى بغداد.

"الكليات": لأبي البقاء، أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، تحقيق: عدنان درويش، ط. إحياء التراث العربي. "كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال": علاء الدين علي بن المتقي ابن حسام الدين الهندي (ت 975 هـ) ، مؤسسة الرسالة، 1399 هـ. "الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات": ابن الكيال، أبو البركات محمد بن أحمد (ت 939 هـ) ، تحقيق: عبد القيوم بن عبد رب النبي، دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى 1401 هـ. "اللآلى المصنوعة في الأحاديث الموضوعة": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1401 هـ. "اللباب في تهذيب الأنساب": ابن الأثير الجزري (ت 630 هـ) ، دار صادر، بيروت، 1400 هـ. "لب اللباب في تحرير الأنساب": السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) ، مكتبة المثنى، بغداد. "لسان العرب": ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم المضري، دار صادر، بيروت، ونسخة دار المعارف، القاهرة. "لسان الميزان": ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ) ، طبعة مصورة من طبعة دائرة المعارف بالهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثانية، 1390 هـ. "لطائف المعارف": ابن رجب الحنبلي، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد، ط. مكتبة الرياض الحديثة.

"متشابه القرآن": القاضي عبد الجبار المعتزلي، دار التراث، القاهرة. "المتكلمون في الرجال": السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن (ت 902 هـ) ، ضمن أربع رسائل في علوم الحديث، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، الطبعة الخامسة 1404 هـ. "المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين": ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم البستي (ت 354 هـ) ، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي بحلب، الطبعة الأولى 1396 هـ. "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد": الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر (ت 807 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت 1402 هـ. "مجموع الفتاوى": شيخ الإسلام ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الحراني (ت 728 هـ) ، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، دار العربية، بيروت، طبعة مصورة عن الطبعة الأولى. "مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة": ابن قيم الجوزية، اختصره: محمد الموصلي، دار الفكر. "مختصر العلو للعلي الغفار" الذهبي، تحقيق: الألباني، محمد ناصر الدين، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1401 هـ. "مختصر قيام الليل": المروزي، أبو عبد الله محمد بن نصر (ت 294 هـ) ، حديث أكادمي، باكستان، الطبعة الأولى 1402 هـ. "مدارج السالكين": ابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) ، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان 1972 م.

"مروج الذهب ومعادن الجوهر": المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، المطبعة الأزهرية المصرية 1403 هـ. "المستدرك على الصحيحين": الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري (ت 405 هـ) ، دار الفكر، بيروت، 1398 هـ. "المسند": أحمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ) ، دار صادر، بيروت. "المسند": للبزار، أبو بكر أحمد بن عمرو (ت 292 هـ) ، نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم (804- 1907) . "المسند": أبي يعلى الموصلي، أحمد بن علي (ت 307 هـ) ، نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة تحت رقم (301- 306 و1097) ، والقسم المحقق منه حققه فالح الصغير. "مشتبه النسبة": للأزدي، الطبعة الهندية. "مشكل الحديث وبيانه": ابن فورك، أبو بكر محمد بن الحسن (ت 406 هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 1450 هـ. "المصنف": أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد (ت 235 هـ) ، الدار السلفية، بومباي، الطبعة الأولى. "المعتمد في أصول الدين": القاضي أبي يعلى، محمد بن الحسين ابن الفراء (ت 458 هـ) ، دار المشرق، بيروت، تحقيق: د. وديع زيدان حداد. "المعجم الكبير": الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت 360 هـ) ، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الدار العربية بغداد الطبعة الأولى.

"معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع": عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري، تحقيق: مصطفى السقا، ط. لجنة التأليف والترجمة، 1368 هـ. "المعجم المفهرس": ابن حجر العسقلاني، أحمد بن محمد بن علي (ت 852 هـ) ، نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم (897 هـ) . "معجم مقاييس اللغة": ابن فارس، أبو الحسن أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة مصطفى الحلبي، الطبعة الثانية. "المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم": محمد طاهر بن علي الهندي (ت 986 هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت، 1402 هـ. "المفردات في غريب القرآن": أبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (502 هـ) ، دار المعرفة، بيروت. "المقاصد الحسنة": للسخاوي، شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن (ت 902 هـ) ، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1399 هـ. "مقالات الإسلاميين": أبو الحسن الأشعري، علي بن إسماعيل (ت 324 هـ) ، تحقيق: محمد محي الدين، مكتبة النهضة المصرية، 1389 هـ. "مكارم الأخلاق": الخرائطي، أبي بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل السامري، راجعه وقدم له: أبو محمد عبد الله بن حجاج، الناشر: مكتبة السلام العالمية، القاهرة.

"الملل والنحل": الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم (ت 548 هـ) ، تحقيق: محمد سيد الكيلاني، مصطفى الحلبي، القاهرة 1387 هـ. مناهل العرفان": الزرقاني، محمد بن عبد العظيم، دار الفكر، بيروت. "المنتظم": أبو الفرج بن الجوزي، عبد الرحمن بن علي (ت 597 هـ) ، ط. دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد، 1359 هـ. "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية": شيخ الإسلام ابن تيمية، دار الكتب العلمية. "المنهاج في شعب الإيمان": أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي (ت 403 هـ) ، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1399 هـ. "المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد": أبي اليمن مجير الدين عبد الرحمن بن محمد العليمي (ت 928 هـ) ، تحقيق: محمد محي الدين، عالم الكتاب، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ. "منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات": الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، مطبوعات الجامعة الإسلامية. "موقف المعتزلة من السنة النبوية": أبو لبابة حسين، نشر دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى 1399 هـ. "ميزان الاعتدال": الذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ) ، تحقيق: علي البيجاوي، دار المعرفة، بيروت. "النجاة": ابن سينا، ط. محي الدين صبري الكردي، الطبعة الثانية، القاهرة 1357 هـ.

"النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة": ابن تغري بردي الأتابكي، دار الكتب المصرية. "النزول": الدارقطني، أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت 385 هـ) ، تحقيق: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، الطبعة الأولى، بدون. "النهاية": ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ) ، تحقيق: إسماعيل الأنصاري، مطابع مؤسسة النور، الرياض، 1388 هـ. "النهاية في غريب الحديث": ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت 606 هـ) ، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناجي، نشر المكتبة الإسلامية. "الوافي بالوفيات": الصفدي، طبع سنة 1381 هـ.

§1/1