الطرق السلمية في تغير الحاكم الفاسد

يحيى بن علي جغمان

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج:41)

مقدمة

مقدمة الحمد الله والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبدالله- صلى الله عليه وآله وسلم-. أما بعد: - فإن من أعظم نعم الله عز وجل على هذه الأمة أن جعلها خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله. وقد قامت هذه الأمة على يد السابقين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان بإيصال كلمة الحق إلى أنحاء المعمورة، عند ذلك انتهت هيمنة تلك الطواغيت، وتحررت البشرية من تحت يديها ودخلت في دين الله أفواجاً. دخلت الإسلام الذي اختاره الله لهذه البشرية دينًا، وابتعث المؤمنين به إلى إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. ولما كان موضوع "الحاكم" من أهم الأمور وأخطرها لأنه الحارس لهذا الدين، وما لا حارس له فهو ضائع، أو يوشك أن يضيع, وهو المسؤول الأول عن نشر الدين والذود عن حماه من عبث العابثين وطمع الطامعين، فقد كان لهذا الموضوع وافر الحظ والنصيب من البحث والدراسة عند علماء المسلمين, منذ أول عصر هذه الأمة وإلى يومنا هذا.

قال الماوردي- رحمه الله-: "فليس دين زال سلطانه إلا بُدِّلت أحكامه، وطُمست أعلامه، وكان لكل زعيم فيه بدعة، ولكل عصر في وهيه- ضعفه- أثر" (¬1). وهذا الكلام من عالم حكيم، له ما يصدِّقه من شواهد التاريخ البعيد والقريب على السواء، وهي في نفس الوقت تبين مدى الترابط الوثيق بين حفظ الدين وبين الحاكم- النظام السياسي- إذ أن مهمة الحاكم الأساسية هي حفظ الدين وسياسة الدنيا به, وتصريف أمور المؤمنين به. والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجانب السياسي يتناول أمرين مهمين: الأول: المتابعة والمراقبة لأعمال الحاكم. الثاني: وهو مترتب على الأول، وهو عزل الحاكم إن فعل ما يتوجب ذلك. قال أبو يعلى الفراء- رحمه الله-: "النظر في تعدي الولاة على الرعية، فيتصفح عن أحوالهم ليقويهم إن أنصفوا، ويكفهم إن عسفوا، ويستبدل بهم إن لم ينصفوا" (¬2). وقال الماوردي- رحمه الله-: "والذي يتغير حاله فيخرج به عن الإمامة شيئان: أحدهما جرح في عدالته، والثاني نقص في دينه" (¬3). ¬

_ (¬1) الماوردي: أدب الدنيا والدين ص (115). (¬2) أبو يعلى الفراء: الأحكام السلطانية، لأبي يعلى الفراء ص (76)، ومثله الأحكام السلطانية، للماوردي ص (84). (¬3) الماوردي: الأحكام السلطانية ص (18).

والحسبة في الجانب السياسي كانت موجودة في التاريخ الإسلامي بل لا يكاد يخلو منها عصر من العصور. لهذا كله رأيت من الواجب عليّ أن أسهم في رفع الستار وإزالة الشبه والالتباس الذي غطى على أعين وأذهان كثير من المسلمين وتصوراتهم لهذه الحقيقة "عن الحاكم", وأن أبين حقائقه صافية نقية، خالية من أي شبهه أو تصور مغلوط- في حدود علمي- لعلها تتضح لمن كان له قلب أو القي السمع وهو شهيد، ولكل من يسعى إلى معرفة دينه كما أنزل الله عز وجل، وكما سار عليه سلف الأمة رضوان الله عليهم أجمعين، وعلمائها الأخيار من أهل السنة والجماعة. وسنتعرض لهذه المسألة (الطرق السلمية لعزل الحاكم الفاسد) من جميع جوانبها، والانحرافات التي اعترتها، بالبحث والتأصيل، وسنعرج على بعض الاتجاهات بعد جمع النصوص الشرعية، من الكتاب ومن السنة الصحيحة، وما كان منها يحتاج إلى تفسير أو إيضاح نبين كلام أهل العلم فيه من السلف الصالح الذين كانت تصوراتهم صافية نقية، لم يصبها غبش ولم يصرفها انحراف ومن سار على نهجهم من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين. وقد حاولت جمع أقوال الصحابة والتابعين، والعلماء قديماً وحديثاً في تفسير ذلك, وجمع ذلك من المراجع والمصادر الأصلية, وسنتناول ذلك من خلال تمهيد وثلاثة مباحث.

تمهيد

تمهيد أولاً: إن الحكم (أي النظام السياسي) عند المسلمين هو نوع من أنواع التوحيد، وهو داخل في توحيد الألوهية بالنسبة للحاكم نفسه كشخص مسلم، أما بالنسبة للحكم- أي النظام السياسي- فهو داخل في توحيد الربوبية، لأن الحاكم هو الله تعالى, فالرب هو المتصرف وهو الذي له الحكم والأمر والنهي، وهو من حيث التطبيق والعمل مكلف العبد بإتباع حكم الله سواءً حاكماً أو محكوماً فهو من توحيد الألوهية من هذه الجهة. وممّا لا خلاف فيه بين المسلمين قاطبةً وهو وجوب توحيد الله تعالى في الحكم والرد إلى شريعته المحكمة المنزلة في كتابه المبين، وسنة نبيّه خاتم المرسلين- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، قال تعالى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} (¬1) , وقال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (¬2)، وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (¬3). وجوب التحاكم إلى قواعد الشريعة فرداً أو مجتمعاً قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (¬4). فمن أعطى حق التشريع أو الحكم فيما شجر بين الخلق لغير الخالق أو أقر بذلك أو دعا إليه أو انتصر له أو سلّم به دونما إكراهٍ فقد أشرك بالله شركاً أكبر يخرجه من ملة الإسلام والعياذ بالله. ¬

_ (¬1) سورة الكهف: الآية: 26. (¬2) سورة الأعراف: الآية: 54. (¬3) سورة يوسف: الآية: 40. (¬4) سورة الشورى: الآية: 10.

ثانيا: الحاكم (ويعبر عنه العلماء بالأمام)

قال ابن تيمية- رحمه الله-: "ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر ... " (¬1). وقال الشنقيطي- رحمه الله-: "الإشراك بالله في حكمه والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد لا فرق بينهما البتة، فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله، وتشريعاً غير تشريع الله، ومن كان يعبد الصنم ويسجد للوثن لا فرق بينهم البتة فهما واحد وكلاهما مشرك بالله" (¬2). وإذا تقرر ذلك فإنه لا يجوز أن يُشرَكَ في حكمه أحدا من خلقه سواءً كان ملكاً أو رئيساً أو سلطاناً أو زعيماً أو مجلساً تشريعياً أو سلطةً مدنية أو عسكرية أو فرداً من العامة أو الخاصة أو غير ذلك، وأن ذلك مما أجمعت عليه الأمة ولا يسوغ لأحد أن يخالف أو يجادل فيه. ثانياً: الحاكم (ويعبر عنه العلماء بالأمام): وهو حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به (¬3). والحكم في الإسلام وسيلة لا غاية، وسيلة إلى مقاصد معينة وهي إقامة أمر الله عز وجل في الأرض على الوجه الذي شرع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بكل معروف ونشر الخير بين الناس. ¬

_ (¬1) ابن تيمية: منهاج السنّة النبويّة (5/ 130). (¬2) الشنقيطي: أضواء البيان (7/ 162). (¬3) ابن خلدون: المقدمة للعلامة ص (190) , دار الباز للنشر والتوزيع- مكة, ط/4, 1398هـ.

وقد أوضح الله عز وجل هذا الهدف في كتابه حيث قال: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (¬1). قال ابن تيمية- رحمه الله-: "وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (¬2) , وقال: "المقصود والواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانًا مبينًا ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم" (¬3). ومن أهم المقاصد التي أمر الإسلام بتطبيقها العدل والإحسان وعدم الاستبداد والطغيان, قال عز وجل: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (¬4). وأمر نبيه داود- عليه السلام- بالحكم بالعدل ونهاه عن إتباع الهوى فقال عز وجل: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (¬5) إلى غير ذلك من الآيات. وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- قال: (ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً، لا يفكه إلا العدل أو يوبقه الجور) (¬6). ¬

_ (¬1) سورة الحج: الآية: 41. (¬2) ابن تيمية: الحسبة ص (14). (¬3) ابن تيمية: مجموع الفتاوى (28/ 262). (¬4) سورة النحل: الآية: 90. (¬5) سورة ص: الآية: 26. (¬6) أحمد: المسند وقال الهيثمي: إسناده جيد ورجاله رجال لصحيح وقال المنذري: أخرجه البزار بإسناد رجال الصحيح. انظر: الفتح الرباني (23/ 14)، ورواه الدارمي في سننه (2/ 240).

ثالثا: المحكومين (الشعب)

والحكم في نظر الإسلام مسؤولية، لم يُشْرع إلا لتحقيق أهداف ولذا كان من الواجبات الملقاة على عاتق الحاكم, وهي حق من حقوق لرعيته والسعي إلى تحقيق مقاصد الحكم وإقامة الدين وسياسة الدنيا به. ثالثاً: المحكومين (الشعب) إذا قام الحاكم بواجباته فله حقوق على أمته تعينه على القيام بهذه الواجبات، ومن هذه الحقوق الطاعة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ لرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (¬1). قال ابن كثير- رحمه الله-:"وقال الصياح بن سوادة الكندي: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو يقول: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ... } الآية (¬2) , ثم قال: "ألا إنها ليست على الوالي وحده ولكنها على الوالي والموالى عليه، ألا أنبئكم بما لكم على الوالي من ذلك, وبما للوالي عليكم منه؟ إن لكم على الوالي من ذلكم أن يؤاخذكم بحقوق الله عليكم، وأن يهديكم إلى التي هي أقوم ما استطاع، وإن عليكم من ذلك الطاعة غير المبزوزة (¬3) ولا المستكرهة ولا المخالف سرها علانيتها" (¬4) , إلا أن طاعة الحاكم ليست مطلقة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي ¬

_ (¬1) سورة النساء: الآية: 59. (¬2) سورة الحج: الآية: 41. (¬3) بزه يبزه بزاً: غلبه وغصبه, وبز الشيء انتزعه يقول: (لا ألزمكم الطاعة قسرًا). (¬4) ابن كثير: تفسير ابن كثير (5/ 434).

الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (¬1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: "إنهم- أي أهل السنة والجماعة- لا يجوزون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة ... " (¬2). وقال ايضاً- رحمه الله-:"والمطاع في معصية الله والمطاع في إتباع غير الهدى ودين الحق سواء كان مقبولاً خبره المخالف لكتاب الله أو مطاعًا أمره المخالف لأمر الله هو طاغوت" (¬3). وبهذا يتبين لنا كذلك أن طاعة الحاكم التي أمرنا الله بها وأوجبها على الرعية إنما هي طاعة في الحق واضحة لا طاعة عمياء كما تنص عليها المصطلحات العسكرية في النظم الوضعية، وكما تنص عليها بعض الطرق الصوفية من إيجاب الطاعة العمياء على الشخص أمام مريده، أما الإسلام فلا «إنما الطاعة في المعروف» كما سيأتي معنا في قصة أصحاب السرية وأميرهم وتوجيه النبي- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- لهم. كما أن من أعظم المنكرات أن يترك الحاكم إنكار المنكر أو إقامة الحدّ وترك الفساد يعم البلاد. قال ابن تيمية- رحمه الله-: "وولي الأمر إذا ترك إنكار المنكرات، وإقامة الحدود عليها بمال يأخذه، كان بمنزلة قدم الحرامية الذي يقاسم المحاربين على الأخيذة، وبمنزلة القواد الذي يأخذ ما يأخذه ليجمع بين اثنين على فاحشة، وكان حاله شبيها بحال عجوز السوء إمرأة لوط" (¬4). ¬

_ (¬1) سورة النساء: الآية: 59. (¬2) ابن تيمية: منهاج السنة (2/ 76). (¬3) ابن تيمية: مجموعة الفتاوى (28/ 201). (¬4) ابن تيمية: السياسة الشرعية ص (73).

ولذا يجب على الحاكم إزالة عوامل الإفساد والمنكرات من المجتمع، وهي من وسائل حفظ الدين وتنفيذه، ومن مقاصد الإمامة، فلا يمكن الادعاء بحفظ الدين وجبر الناس عليه مع ترك المفاسد والمنكرات بلا إزالة ولا إبعاد مع توفر القدرة على ذلك, كما أنه ينبغي تيسير طرق الخير أمام العامة، والترغيب فيه بكل ممكن. وأما عن عزل الحاكم الفاسد بالطرق السلمية, فإن من المعلوم أن هذا الحاكم تم إختياره من قبل المسلمين مباشر وغير مباشر عن طريق أهل الحل والعقد. قال الماوردي- رحمه الله-: " فإذا اجتمع أهل الحل والعقد للاختيار تصفحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها، فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلاً وأكملهم شروطاً، ومن يسرع الناس إلى طاعته, ولا يتوقفون عن بيعته، فإذا تبين لهم من بين الجماعة من أداهم الاجتهاد إلى اختياره, عرضوها عليه, فإن أجاب إليها بايعوه عليها وانعقدت ببيعتهم له الإمامة، وإن لم يجب إليها لم يجبر عليها لأنها عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار، وعدل عنه إلى من سواه من مستحقيها" (¬1). ¬

_ (¬1) الأحكام السلطانية للماوردي ص (7) , وانظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص (24).

ومن المتفق عليه بين العلماء أن الحاكم ما دام عادلاً فإنه لا يجوز عزله ولا الخروج عليه، بل ذلك مما حذر منه الإسلام وتوعد الخارج عليه بعذاب أليم يوم القيامة، كما أن الأخطاء اليسيرة، لا تجوز عزل الحاكم، لأن الكمال لله وحده والمعصوم من عصمه الله. لكن لو أن الحاكم قصر في الواجبات المنوطة به والحقوق المترتبة على تلك الواجبات، أو اختل شرط من شروط الحاكم المخلة لحكمه أو قصَّر الحاكم في واجب من هذه الواجبات فما الحكم؟. جاء الإسلام بحل هذه المشكلة الخطيرة، وهذا الحل يختلف باختلاف المشكلة، فقد يكون هذا الحل هو النصح والتذكير والتقويم، وقد يكون الهجر والخذلان والمقاطعة، وقد يكون العزل بالطرق السلمية وقد يكون في بعض الحالات بالطرق غير السلمية (الخروج عليه بالسيف). ونظراً لأهمية هذا الموضوع وخطورته واختلاف وجهات النظر فيه قديماً وحديثاً، ولكل وجهة أدلتها الشرعية الخاصة بها، لذلك كله رأيت من الواجب علي تجزئة الموضوع وتفصيله قدر المستطاع حتى تكون عندنا صورة واضحة لهذا القضية, لذلك كان لا بد من تبيان أسباب العزل وأدلتها وأقوال العلماء فيها، ثم الحديث عن طرق العزل وأقوال العلماء في كل وسيلة أو طريقة، وذلك لكي تتضح الصورة ويزول اللبس عن هذه القضية من خلال المباحث الآتية.

المبحث الأول أسباب عزل الحاكم الفاسد

المبحث الأول أسباب عزل الحاكم الفاسد سبق الحديث أن الحاكم ما دام قائما بواجباته الملقاة على عاتقه، قائماً على كتاب الله مالكاً القدرة على الاستمرار في تدبير شؤون الناس عادلاً بينهم فإنه لا يجوز عزله ولا الخروج عليه، بل ذلك مما حذر منه الإسلام وتوعد الناكث بعذاب أليم يوم القيامة، كما أن الأخطاء اليسيرة لا تجوز عزل الحاكم، لأن الكمال لله وحده، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، لكن هناك أمور لها تأثير على حياة المسلمين الدينية والدنيوية، منها ما يؤدي إلى ضرورة عزل الحاكم المرتكب لها، وهذه الأمور منها ما هو متفق عليه بين العلماء ومنها ما هو مختلف فيه, لكن مما ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام هو أن المراد هنا هل فسق وفساد الحاكم يجعله مستحقًا للعزل أم لا؟ (¬1) علماً بأن هناك طرقاً للعزل غير السيف, وسنستعرض هذه الأسباب فيما يلي:- أولاً: انتهاء مدة الحاكم ليس هناك نص شرعي أو قول معتبر من أقوال علمائنا المتقدمين والمتأخرين، ما يشير إلى أن الحاكم له سلطة واستمرارية مطلقة وغير محددة، بل جعلوا فترة حكمه متلازمة مع قدرته على تصريف الأمور من جانب، وعدم ظهور ما يسوغ عزله من جانب آخر. ¬

_ (¬1) أما عن الخروج والمقاتلة بالسيف فهذا تكلمنا عليه في بحثنا الطرق غير السلمية في عزل الحاكم الفاسد.

ولما كان سلف الأمة من الخلفاء الراشدين على قدر كبير من التقوى والورع والاستقامة، فإننا لم نجد هنالك ضرورة لتقييد مدة خلافتهم، بل جرت الأمور على أن يكونوا خلفاء ما داموا على الصراط المستقيم. والذي يبدو أنه ليس في الشرع ما يمنع من تحديد مدته، كما هو الحال عليه في أيامنا هذه من اتفاق الحاكم والمحكوم على ذالك (كما يحدده الدستور) فإن هذه المسألة اجتهادية فرعية من القضايا الاجتهادية، التي يترك للمسلمين فيها تقرير ما يرونه مناسباً وفقاً لظروفهم الخاصة، كما أنه لا يمنع من عزله إذا بدر منه خلال هذه المدة ما يوجب عزله. لأن العقد مع الحاكم عقد وكالة، وهي لا تستلزم التأبيد إن لم تكن تستدعي الانتهاء, "ولأنه وكيل للمسلمين, وللوكيل عزل نفسه (¬1). فالوكالة "تفويض أحد في شغل لآخر وإقامته مقامه في ذلك الشغل" (¬2). على مذهب القائلين بأن الخلافة وكالة, كالماوردي من الشافعية، فقد قال: "فعلى كافة الأمة تفويض الأمور إليه، من غير افتيات عليه ولا معارضة، ليقوم بما وكل إليه من وجوه المصالح وتدبير الأعمال" (¬3). وهو مذهب القاضي أبي يعلى من الحنابلة (¬4)، والقرطبي من المالكية قال القرطبي- رحمه الله-: ¬

_ (¬1) أبو يعلي محمد بن الحسين الفراء: المعتمد في أصول الدين ص (240). (¬2) علي حيدر: دور الحكام شرح مجلة الأحكام، الكتاب الحادي عشر, بيروت: مكتبة النهضة، تعريب المحامي فهمي الحسيني، ص (15). (¬3) الماوردي: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (10/ 310). (¬4) المصدر السابق (10/ 310).

"ولأن الإمام ناظر للغير، فيجب أن يكون حكمه حكم الحاكم والوكيل إذا عزل نفسه، فإن الإمام هو وكيل الأمة ونائب عنها" (¬1) , وكذلك ابن رشد والقاضي عياض من المالكية (¬2). ولو تأملنا قليلاً في تعريف الوكالة، لوجدنا أن عناصرها متوفرة في عقد الخلافة، حيث تقوم الأمة بتفويض أمورها إلى شخص تختاره تماماً كما يعهد الموكل إلى وكيله بالقيام بعمل معين, سيما إذا كان هناك ما يؤكد ذالك من اتفاق كما هو الحال في كثير من بلاد المسلمين حيث يوجد ما يسمى بالدستور وهو عبارة عن عقد اتفاق بين الحاكم والمحكوم وهو يحدد ولاية الحاكم بفترتين غير قابلة للتجديد ولا يجوز التلاعب بذالك من قبل الحاكم بغرض التجديد والتحايل عليهم بطرق التزوير والالتفاف على الدستور كما يفعل ذلك الحكام في عالمنا العربي اليوم. فالإسلام دين الالتزام والنظام، ومن الواجب الوفاء بالعهود سواء كانت بين المسلمين بعضهم البعض, أو مع غيرهم قال تعالى: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} (¬3) , وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ... الآية} (¬4) , وقال تعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَاعَاهَدتُّمْ} (¬5). ¬

_ (¬1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (1/ 233). (¬2) الرصاع التونسي: أبو عبد الله محمد الأنصاري: شرح حدود الإمام الأكبر أبي عبد الله محمد بن عرفة, تونس المطبعة التونسية بنهج سوق البلاط، ط/2, 1350هـ، ص (327) , والتسولي: أبو الحسن علي بن عبد السلام، شرح التسولي على تحفة أبي عاصم (1/ 7) , والزبيدي: سيدي عثمان بن المكي التوزري الزبيدي، توضيح الأحكام على تحفة الحكام، الجزء الأول, المطبعة التونسية نهج سوق البلاط، ص (177) , ط/1, 1339هـ. (¬3) سورة الإسراء: الآية: 34. (¬4) سورة المائدة: الآية الأولى. (¬5) سورة النحل: الآية: 91.

ثانيا: ترك الحاكم إقامة الشريعة

وهذا عام في كل عقد وعهد، والاتفاق بين الحاكم والمحكوم داخل في هذه العقود والعهود، وهذه الآيات وغيرها من النصوص الشرعية تدل على وجوب الوفاء بها. ويمكن لنا قياس الحاكم على الوزير وغيره من نواب الحاكم، باعتبار ذلك وكيلاً ونائباً عن الحاكم، فإن من أهل العلم من أجاز أن يولى العامل خلال فترة محددة الشهور أو السنين، "فيكون تقديرها بهذه المدة مجوزاً للنظر فيها، ومانعاً من النظر بعد انقضائها, ولا يكون النظر في المدة المقيدة لازماً من جهة المولى، وله صرفه والاستبدال به إذا رأى ذلك صلاحاً" (¬1). ثانياً: ترك الحاكم إقامة الشريعة وهذا السبب لا يشترط فيه أن الحاكم خارج عن الملة أو كافر بل مجرد فسقه وفساده وتركه العمل بكتاب الله وسنة نبينا- صلى الله عليه وآله وسلم-. والذي يدل على أن هذا السبب موجب لعزل الحاكم هو ورودها مطلقة في الأحاديث النبوية الصحيحة, فعن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله) (¬2). ¬

_ (¬1) الماوردي: الأحكام السلطانية ص (210). (¬2) البخاري: صحيح البخاري رقم (7142) , بدون قوله ما أقام فيكم الصلاة: قال ابن حجر العسقلاني: التلخيص الحبير (2/ 534) قوله في آخره: ما أقام فيكم الصلاة لم أجده هكذا.

ثالثا: العزل على أساس المسئولية

والأحاديث واضحة الدلالة على أنه يشترط للسمع والطاعة أن يقود الحاكم رعيته بكتاب الله, أما إذا لم يحكم فيهم شرع الله فهذا لا سمع له ولا طاعة وهذا يقتضي عزله، وهذا من صور الحكم بغير ما أنزل الله المفسقة والمسوغة لعزله, أما المكفرة فهي توجب عزله ولو بالمقاتلة (¬1). ثالثاً: العزل على أساس المسئولية يرى أهل السنة بأن الحاكم قائم على الاختيار، وهو في تسييره لأمور دولته يعتمد على الشورى ضمن الكتاب والسُنّة, وأنه ليس بمنأ عن المسألة. وقد ورد العديد من النصوص الشرعية في الوعيد والتهديد لكل معرض عن شرع الله. يُروى أن الأمام الزهري دخل على الوليد بن عبد الملك فقال له: "ما حديث يحدثنا به أهل الشام؟ قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبداً رعية كتب له الحسنات ولم يكتب له السيئات, قال: باطل يا أمير المؤمنين, أنبي خليفة أكرم على الله، أم خليفة غير نبي؟ قال: نبي خليفة قال: فإن الله تعالى يقول لنبيه داود- عليه السلام-: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ ¬

_ (¬1) كما بيانه في بحثنا في الطرق غير السليمة في عزل الحاكم الفاسد.

عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (¬1) فهذا يا أمير المؤمنين وعيده لنبي خليفة، فما ظنك بخليفة غير نبي؟ , قال: إن الناس ليعروننا عن ديننا" (¬2). ويقول تعالى في بعض المنافقين: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} (¬3). ويقول- صلى الله عليه وسلم-: (ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولاً، يده إلى عنقه فكه بره أو أوثقه إثمه, أولها ملامة، وأوسطه ندامة وآخرها خزي يوم القيامة) (¬4). إذاً الحاكم تحت المسائلة, وتحيط به كل المحاكم, محكمة الضمير في قلبه، ومحكمة البشر من حوله، ومحكمة السماء من فوقه، وكل واحدة منها أمانة في عنقه سيحاسب عليها, هذه هي نظرية القرآن، اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬5) , فقد جمعت هذه الآية الكريمة أنواع السلطات القضائية التي ستتولى محاسبتنا، (لا تَخُونُوا اللَّهَ) هذه المسئولية الدينية, "وَالرَّسُول" هذه هي المسئولية أمام الناس، " وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ " ¬

_ (¬1) سورة ص: الآية: 26. (¬2) النويري: نهاية الأرب، الجزء السادس، ص (10،11). (¬3) سورة البقرة: الآية: 205،206. (¬4) المنذري: الترغيب والترهيب (3/ 180) وقال رواته ثقات إلا يزيد بن أبي مالك, وحسنه الألباني: صحيح الجامع رقم (5718,) (¬5) سورة الأنفال: الآية: 27.

هذه هي المسئولية الأخلاقية أمام الضمير، وهذا كله نجده في قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬1) , (¬2). ومن أهم المسئولية للحاكم المسئولية السياسية والتي تتمثل في الأتي: - الالتزام بالقواعد الشرعية. - أن يكون تصرفاته لمصلحة المسلمين, كما يقول الأصوليون: "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة", وقال الشافعي: "منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم" (¬3). - عدم إساءة استخدامه السلطة أثناء مزاولة مهامه، كأن يشوب تصرفه عسف أو استبداد, فإذا اخل بذلك فإنه يعزل على عكس مذهب الشيعة المبنى على عدم المسائلة عندهم, والقائم على أساس أن الحاكم معصوم قال ابن مطهر الحلي: "يجب أن يكون الإمام معصوماً عند الشيعة، لأن المقتضى لوجوب الإمامة ونصب الإمام جواز الخطأ على الأمة" (¬4). ¬

_ (¬1) سورة التوبة: الآية: 105. (¬2) نقلاً عن: عبد الكريم الخطيب، الخلافة والإمامة ص (140, 146) بتصرف. (¬3) السيوطي: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية (عيسى البابي الحلبي وشركاه)، ص (134). (¬4) ابن مطهر الحلي: جمال الدين الحسن بن يوسف علي بن مطهر، تذكرة الفقهاء، (منشورات المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية) (1/ 452).

رابعا: ترك الحاكم الشورى واستبداده بالحكم

رابعاً: ترك الحاكم الشورى واستبداده بالحكم الشورى هي قاعدة الحكم الأولى عند المسلمين، قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (¬1) , وهي واجبة كذلك على مستوى العامة, والله تعالى يقول في حق المؤمنين أجمعين: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (¬2) , وقد بنى بعض المفسرين على قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ... } (¬3)، أن هذا الخطاب هو من أجل تعليم العباد مشروعية المشاورة فيما بينهم (¬4) , لذلك ذهب بعض الفقهاء على أن عدم الشورى توجب العزل. قال ابن عطية- رحمه الله-: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه" (¬5). سيما إذا ضعف اليقين والتقوى، وتضاءل دور الشعب في الوقوف في وجه تجاوزات الحكام، فإنه لا مناص من القول بضرورة رضوخ الحاكم لرأي الغالبية من أعضاء مجلس الشورى. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: الآية: 159. (¬2) سورة الشورى: الآية: 38. (¬3) سورة البقرة: الآية: 30. (¬4) الشوكاني: فتح القدير (1/ 394)، والكشاف للزمخشري (1/ 93)، والتفسير الكبير، للفخر الرازي، طهران، دار الكتب العلمية، ط/2 (1/ 166). (¬5) الطبري: تفسير الطبري (7/ 346).

وقد أجمع أهل العلم على ذلك كما نقله القرطبي- رحمه الله- والذي يقرر أن من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب (¬1). ولا يضر قول من يحرفون الكلم عن مواضعه، ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، لقاء منصب دنيوي أو متاع زائل زهيد. ويبررون للطغاة أعمالهم على طريقة ديمقراطية فرعون وقد يستغرب البعض هذا الكلام وهو أن فرعون ديمقراطي, أليس فرعون طاغية متجبر؟. نعم فرعون طاغية من الطغاة، لكنه ديمقراطي بمقياس ديمقراطية حكام العرب اليوم, وقد كان له مجلس شعب (نواب) كما هو اليوم لحكام العرب، وكان يحتاج لتمرير ظلمه وفساده واستبداده على الشعب عبر تصديق هذا المجلس على قراراته لينفذها, بل ويأتمر بأمره كما يزعم {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (¬2) , قال فرعون عن موسى {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (¬3) , فهو يطلب من المجلس إعطاءه الصلاحيات لقتل موسى- عليه السلام- وكان المؤمن الذي يخفي إيمانه يدافع عن موسى في هذا المجلس, وبعد صراع ونقاش قام المجلس بالأغلبية الديمقراطية بإعطاء فرعون الصلاحيات للحرب على الإسلام {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (¬4) , وهو حال فراعنة العصر اليوم كما هو جلي في واقعنا المعاصر, ¬

_ (¬1) انظر تفسير القرطبي (4/ 249). (¬2) سورة الشعراء: من الآية: 35. (¬3) سورة غافر: الآية: 26. (¬4) سورة الزخرف: الآية: 54.

مع أنه كان يمارس القمع ضد شعبه والإرهاب لهم واستحيا نساءهم, كما حكى الله تعالى عنه ذلك في سورة القصص, حيث قال: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (¬1)، ولهذا الأسلوب الإرهابي الذي انتهجه فرعون قامت أم موسى بإلقاء ابنها في اليم بعد أن وضعته في صندوق كما قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (¬2) لقد مارس الطاغية فرعون هو ونظامه القمعي وعلى رأسه هامان, مارسوا إرهاباً سياسياً وقمعياً ضد شعبه {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (¬3) حتى إن الأم ألقت بفلذة كبدها في اليم طمعاً في سلامة محتملة عوضاً عن بقاء متيقن في نتائجه المرة, وهذا الفرعون الطاغية الذي سقط من كرسيه في مصر على يد موسى- عليه السلام- جاء على مدى قرون متتابعة من تتلمذ على أسلوبه الإرهابي والقمعي بصور مختلفة ومتطورة أحياناً. وقد يسأل البعض ألم يدع فرعون الألوهية؟ {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (¬4) {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} (¬5) ونقول نعم، لكن الذي يسأل هذا السؤال لم يفهم معنى ادعاء ¬

_ (¬1) سورة القصص: الآية: 4. (¬2) سورة القصص: الآية: 7. (¬3) سورة القصص: الآية: 8. (¬4) سورة القصص: من الآية: 38. (¬5) سورة النازعات: الآية: 24.

فرعون للألوهية, فهو يريد أنه المشرع الأعلى وأنه وحده الذي يطاع وأن أوامره فوق كل أمر أي تماماً كما يفعل طغاة اليوم, وكما يقول بعضهم أنا الدستور وأنا النظام وليس مقصوده أنه إله الكون، فهذا لو ادعاه لا يصدقه عليه أحد, بل إن فرعون وقومهم كانوا من الوثنيين المشركين عبدة الأصنام، وكان مجلس الشورى يطالب فرعون بحماية دينهم {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} (¬1) , ولاحظ كلمة " َآلِهَتَكَ ", فهو يعبد الأصنام مثل قومه, إنه منطق الطغاة المستبدين في كل زمان ومكان. لقد كان فرعون يتظاهر بالديمقراطية أول الأمر كما يتظاهر بها فراعنة الحكام اليوم، كان ديمقراطياً يناقش الحجج ويقول: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (¬2)، ويطلب من خصمه المناظرة أمام سائر الناس {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ ولا أَنتَ مَكَانًا سُوًى} (¬3) , ولكن حين بدأ التغير يطال نظامه تغير منطقه وتبدلت أفعاله, فليس هناك نظام يفرط في هيكله ويرضى الانقلاب عليه فقط لأن الشعب أراد ذلك, هذه حقيقة لا يغفل عنها إلا السذج. ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: الآية: 127. (¬2) سورة الأعراف: الآية: 106. (¬3) سورة طه: الآية: 58.

إن فرعون لا يقبل الحوار إلا إذا كان في صالحه، فإذا أحس بالهزيمة استعمل لغة البطش والتنكيل, فالفراعنة لا يعرفون غير هذه اللغة: {قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ} (¬1) , ومع ادعاء الديمقراطية والحرية، فهو يسيطر على أجهزة الإعلام، فلا يسمح لها أن تبث شيء يهدد وجوده {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} (¬2) , ومن هنا فقد قام فرعون بدعوة جميع السحرة كي يقارعوا موسى الحجة بالحجة كما هو حال فراعنة العصروسدنتهم، ولكن على طريقتهم, ومن خلال هذه النهاية التي انتهت بإيمان السحرة الذين جيء بهم ليكونوا عونًا لفرعون فجُنَّ جنونه، فاتهمهم بالعمالة والتبعية لموسى وتوعَّدهم بعقاب شديد {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ} (¬3)، فتحدوه بإيمانهم وقبلوا أن يلقوا ربهم شهداء, وهذا يصدق على كل صادق يتبرأ من تصرفات فراعنة عصره, عندما يتعرى الطواغيت وتنكشف حيلهم أمام شعوبهم. أليست ديمقراطية حكام اليوم تشبه ديمقراطية فرعون؟ , {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} (¬4). ¬

_ (¬1) سورة الشعراء: الآية: 29. (¬2) سورة غافر: من الآية: 29. (¬3) سورة الأعراف: من الآية: 123. (¬4) سورة الذاريات: الآية: 53.

خامسا: ظلم الحاكم للأمة

خامساً: ظلم الحاكم للأمة إذا كانت الشورى تشكل القاعدة الأولى في النظام الإسلامي، فإن العدل يشكل القاعدة الثانية منه, والله سبحانه وتعالى قد أمر بالعدل قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} (¬1)، ويقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (¬2). وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل ... ) (¬3). وجاء الوعيد الشديد للظالم ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (¬4) , وقوله: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (¬5) , وورد في الحديث القدسي قال الله تعالى: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) (¬6) , وقال- صلى الله عليه وسلم-: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) (¬7). ¬

_ (¬1) سورة النساء: الآية: 58. (¬2) سورة النحل: الآية: 90. (¬3) البخاري: صحيح البخاري رقم (660). (¬4) سورة القصص: الآية: 37. (¬5) سورة البقرة: الآية: 124. (¬6) مسلم: صحيح مسلم رقم (2577) عن أبي ذر. (¬7) المصدر السابق رقم (2578) عن جابر بن عبدالله.

ولهذا قيل: "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة" (¬1). وقد وقع خلاف بين أهل العلم في كون هذا سبباً لخلع الحاكم., فذهب بعضهم إلى أن خعله ممتنع لما ورد في الحديث الشريف: (تسمع وتطيع للأمير) (¬2). والذي يترجح لدينا ما ذكره الباقلاني حيث قال: "ويوجب خلع الإمام أمور منها: ... وظلمه بغصب الأموال وضرب الأبشار، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود" (¬3). وذكر الغزالي في الإحياء: "إن السلطان الظالم عليه أن يكف عن ولايته، وهو إما معزول أو واجب العزل ... وهو على التحقيق ليس بسلطان" (¬4). ومما استدل به القائلون بالعزل بقوله تعالى: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (¬5) , والعهد كما ذهب إليه كثير من المفسرين هو الإمامة, وبهذا استدل المعتزلة والخوارج على أن الظلم موجب لإنهاء ولاية الخليفة, وسنولي هذا بمزيد من البيان في الفقرة التالية عن عزل الحاكم بسبب الفسق. ¬

_ (¬1) ابن تيمية: الحسبة في الإسلام، دار الكتب العربية 1387هـ- 1967م ص (80،81). (¬2) مسلم: صحيح مسلم رقم (1847)، عن حذيفة بن اليمان. (¬3) د/عبد الرحمن بدوي: مذاهب الإسلاميين، بيروت: دار العلم للملايين (1/ 632)، نقلاً عن التمهيد للباقلاني, ط/1, 1971م. (¬4) الغزالي: إحياء علوم الدين، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع 1387هـ- 1967م، ص (179). (¬5) سورة البقرة: الآية: 124.

سادسا: فسق الحاكم

سادساً: فسق الحاكم وإن لم يف الحاكم بوعوده في الإصلاح ولم يلتزم بذلك، واستشرى الفساد بحيث يصبح ظاهراً ومخالفاً لأحكام الشريعة يبيح للرعية عزله, قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (¬1) , فالآية أوجبت على الحكام أمرين: أداء الأمانات والحكم بالعدل. وهذان جماع السياسة الربانية, فمن لم يؤد الأمانة أو لم يحكم بالعدل بأن ولى شخصاً لقرابة أو معرفة وغيرُه أكفأ وأصلح منه، وقد قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: من ولى من أمر المسلمين شيئاً، فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين (¬2). أو ظلم أو بغى، أو أمر بمنكر أو نهى عن واجب أو نشر الفساد أو حماه فقد قال- صلى الله عليه وسلم-: {مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} (¬3). أو استشرى في عهده الفساد السياسي أو الإداري أو المالي أو الاجتماعي أو غيرها, فعندئذٍ الواجب على الشعوب الأخذ على يد الظالم ولا يمكن تركه يسرق ويغش ويرشي ولا يأخذ على يديه, وقد جاء أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: "أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ , فقال ذلك مرتين، أو ثلاثاً: أرأيتم لو ترخصت ¬

_ (¬1) سورة النساء: الآية: 58. (¬2) الهيتمي المكي: الزواجر رقم (2/ 113). (¬3) مسلم: صحيح مسلم رقم (142).

في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ , فقال بشير بن سعد: لو فعلت ذلك قومناك تقويم القِدْح- أي عود السهم فقال عمر: أنتم إذاً أنتم" (¬1). ونحن في العالم الإسلامي نعيش في هذه الأيام فرصة للتصحيح والتغيير للأفضل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم, فالواجب هنا أن تمتد جسور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الحكام والشعوب {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬2) فكل بحسبه, فمن كان يستطيع إيصال النصيحة مباشرة إلى المسؤول فهذا واجبه، فإن كان الرفق أحرى بقبول النصيحة فليترفق، وإن كانت الشدة أبلغ في تأثير النصيحة فلا عليه فإن "أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِر" (¬3). فإن لم يجدِ ذلك فيجري التشهير به وفضحه في كل ميدان كما قال تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} (¬4) , فسرقة المال العام من الفساد البين، وإذا كان الزاني والزانية يأمر الله بالتشهير بهما {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬5)، فكيف بالفساد المالي وسرقة الملايين التي رصدت لحاجة الناس الضرورية ومرافقهم الهامة من المستشفيات والتعليم والمواصلات وغيرها فهذه من باب أولى. ¬

_ (¬1) ابن الجوزي: صفوة التصوف رقم (418). (¬2) سورة آل عمران: الآية: 110. (¬3) أبو داود: سنن أبي داود رقم (4344) , من حديث أبي سعيد الخدري. (¬4) سورة النساء: الآية: 148. (¬5) سورة النور: الآية: 2.

فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يارسول الله إن لي جاراً يؤذيني, فقال: (انطلق فاخرج متاعك إلى الطريق) , فانطلق فاخرج متاعه فاجتمع الناس عليه, فقالوا: ما شأنك؟ , قال: لي جار يؤذيني, فذكرت للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: (انطلق فاخرج متاعك إلى الطريق) , فجعلوا يقولون: اللهم العنه, اللهم اخزيه, فبلغه, فأتاه, فقال: ارجع إلى منزلك, فوالله لا أؤذيك (¬1). كما أن من المتفق عليه بين العلماء أن الإمامة (الحاكم أو الرئيس) لا تعقد لفاسق ابتداء. قال القرطبي- رحمه الله-: لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق (¬2). لكن لو انعقدت لحاكم عادل ثم طرأ عليه الفسق فهنا حصل الخلاف بين العلماء, فمنهم من قال يستحق العزل ويصبح غير شرعي، ومنهم من قال باستدامة ما لم يصل به الفسق إلى ترك الصلاة أو الكفر، وفصل آخرون القول في ذلك: فقيل بالعزل مطلقًا وعزاه القرطبي للجمهور: قال القرطبي- رحمه الله-: "قال الجمهور: إنه تنفسخ إمامته، ويخلع بالفسق الظاهر المعلوم، لأنه قد ثبت أن الإمام إنما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق، وحفظ أموال الأيتام والمجانين، والنظر في أمورهم، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض بها, وقال: فلو جوزنا أن يكون ¬

_ (¬1) الألباني: صحيح الأدب المفرد, رقم (92). (¬2) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (1/ 270).

فاسق أدى إلى إبطال ما أقيم له، وكذلك هذا مثله" (¬1) , ونسب الزبيدي هذا القول إلى الشافعي في القديم (¬2)، وإليه ذهب بعض أصحابه (¬3) وهو المشهور عن أبي حنيفة. وهو مذهب المعتزلة والخوارج، أما المعتزلة فقد قال عنهم القاضي عبد الجبار: "فأما الأحداث التي يخرج بها من كونه إماماً فظهور الفسق سواء بلغ حد الكفر أو لم يبلغ لأن ذلك يقدح في عدالته" وقال: " ... لا فرق بين الفسق بالتأويل، وبين الفسق بأفعال الجوارح في هذا الباب عند مشايخنا ... وهذا مما لا خلاف فيه، لأنهم أجمعوا أنه يهتك بالفجور وغيره (وكذا) أنه لا يبقى على إمامته" (¬4). وذهب آخرون بعدم العزل بالفسق: وقال النووي- رحمه الله-: "إن الإمام لا ينعزل بالفسق على الصحيح" (¬5) , ويعلل أصحاب هذا القول بأنه ليس كل من استحق العزل يعزل، وإنما ينظر إلى ما سيترتب على هذا العزل، فإن ترتب عليه فتنة أكبر لم يجز العزل والخروج عليه, كما لا يجوز إنكار المنكر بمنكر أعظم منه، أما إذا أمنت الفتنة وقدر على عزله بوسيلة لا تؤدي إلى فتنة ففي هذه الحال يقوم أهل الحل والعقد بعزله لأنهم الذين أبرموا معه عقد الإمامة، فهم الذين يملكون نقضه, وعليه فإن ¬

_ (¬1) المصدر السابق (1/ 271). (¬2) الزبيدي الشهير بمرتضى: إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين (2/ 233). (¬3) القلقشندي: مآثر الإنافة (1/ 72). (¬4) القاضي أو الحسن عبد الجبار: المغني في أبواب التوحد والعدل (20/ 170) ق 2. (¬5) النووي: روضة الطالبين (10/ 48).

أصحاب هذا القول لا يختلفون في الأصل مع أصحاب القول الأول من حيث العزل وعدم استحقاقه للحكم, وإنما الخلاف فيما لو ترتب على عزله مفسدة كبيرة أكبر من فساد الحاكم. وذهبت طائفة إلى التفصيل في ذلك وهو أنه إذا كان الفسق للجوارح مثل ارتكابه المحظورات، وإقدامه على المنكرات وسفك الدماء وهدر الأموال وغيرها فإنه يعزل. قال الماوردي- رحمه الله-: "فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها، فإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها" (¬1). وإن كان الفسق بالاعتقاد والمتأول لشبهة تعترض فيتأول لها خلاف الحق، فقد اختلف العلماء فيها (فذهب فريق منهم إلى أنها تمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها ويخرج بحدوثه منها, وقال كثير من علماء البصرة: إنه لا يمنع من انعقاد الإمامة ولا يخرج به منها، كما لا يمنع ولاية القضاء وجواز الشهادة (¬2). ¬

_ (¬1) الماوردي: الأحكام السلطانية ص (17). (¬2) المصدر السابق ص (17).

ومن أهل العلم من يفصل أكثر فيقول: ينخلع بنفس الفسق, كما لو مات, وقيل لا ينخلع حتى يحكم بخلعه، كما إذا فك عنه الحجر ثم صار مبذراً، فإنه لا يصح أن يصير محجوراً عليه إلا بالحكم, وقيل إن أمكن استتابته وتقويم اعوجاجه لم يخلع وإن لم يمكن ذلك خلع (¬1). وهذا الوجه هو الذي رجحه الجويني (¬2) , وذهب إليه ابن حزم الظاهري فقال: "والواجب إن وقع شيء من الجور وإن قل أن يكلم الإمام في ذلك ويمنع منه، فإن امتنع وراجع الحق وأذعن للقود من البشرة أو من الأعضاء، ولإقامة حد الزنا والقذف والخمر عليه، فلا سبيل إلى خلعه، وهو إمام كما كان لا يحل خلعه فإن امتنع من إنفاذ شيء من هذه الواجبات عليه ولم يراجع وجب خلعه وإقامة غيره ممن يقوم بالحق، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬3) , ولا يجوز تضييع شيء من واجبات الشرائع" (¬4). وقد استدل القائلون بالعزل بالأدلة الدالة على اشتراطه في عقد الإمامة ابتداء لأن الغرض من المنصب هو حماية الدين ورفع الظلم وتحقيق العدل، فإذا انتفت هذه الخصال انتفى مقصود الإمامة والإمامة واجبة شرعاً كما مر فدل على أنه لا بد أن يكون الحاكم عادلاً. ¬

_ (¬1) انظر: تكملة المجموع لمحمد نجيب المطيعي (17/ 520). (¬2) أبو المعالي إمام الحرمين عبد الملك الجويني: غياث الأمم ص (92)، وانظر: ص (76) وص (88). (¬3) سورة المائدة: الآية: 2. (¬4) ابن حزم: الفصل في الملل (5/ 16).

سابعا: التسبب في اختلال أحوال المسلمين

واستدل المانعون بالأحاديث الصحيحة الكثيرة في الأمر بالصبر على جور الأئمة, وعدم نزع اليد من الطاعة، وبما يترتب على العزل من فتن وإراقة الدماء وقد يجلب دفع هذا المنكر منكراً أكبر منه وهذا لا يجوز. سابعاً: التسبب في اختلال أحوال المسلمين قد يكون الحاكم صاحب دين وأمانة ولكنه ضعيف يتبين ضعفه من عدم قدرته على ضبط الأمور، ومن تأخر أحوال بلاد المسلمين في أثناء حكمه تأخراً بيناً واضحاً، فإذا تبين عدم قدرته على سياسة الدولة وانتشر فيها الخلل وخيف بسبب ذلك انفراط عقد الدولة, فإنه ينبغي والحالة هذه أن يُعزل عن الحكم، وقد يحدث في مثل هذه الحالات أن يستظهر الحاكم بجنده الذين تحت إمرته, وعند ذلك يجب نشر العلم بين الناس بهذه المسائل وتعليمها لهم، ووضع النظام الذي يبين خروج الحكم عن الصلاح لمنصبه، وتفهيم الأمة أن عزل الحاكم يُفقده جميع صلاحياته ولا ينبغي لأحد طاعته، وإذا فهم الناس ذلك وحرصوا عليه وتمسكوا به أمكن عزل ذلك الحاكم وتعيين بديل عنه من دون أية مشاكل أو اضطراب. قال الجرجاني- رحمه الله-:"إن للأمة خلع الإمام وعزله لسبب يوجبه، مثل أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين وانتكاس أمور الدين، كما كان لهم نصبه وإقامته لانتظامها وإعلائها

وإن أدى خلعه إلى فتنة احتمل أدنى المضرتين" (¬1) , وقال المتولي: "إن كان قد حدث في حاله فلهم عزله، وإن كان مستقيم الحال فليس لهم ذلك" (¬2). وقال إمام الحرمين- رحمه الله-:"فأما إذا تواصل منه العصيان، وفشا منه العدوان، وظهر الفساد، وزال السداد، وتعطلت الحقوق والحدود، وارتفعت الصيانة، ووضحت الخيانة، واستجرأ الظلمة، ولم يجد المظلوم منتصفاً ممن ظلمه، وتداعى الخلل والخطل إلى عظائم الأمور، وتعطيل الثغور, فلا بد من استدراك هذا الأمر المتفاقم، وذلك أن الإمامة إنما تُعنى لنقيض هذه الحالة، فإذا أفضى الأمر إلى خلاف ما تقتضية الزعامة والإيالة، فيجب استدراكه لا محالة، وترك الناس سدى ملتطمين متقحمين لا جامع لهم على الحق والباطل, أجدى عليهم من تقريرهم اتباع مَنْ هو عون الظالمين، وملاذ الغاشمين، وموئل الهاجمين، ومعتصم المارقين الناجمين, فأقول: إن عسر القبض على يده الممتدة، لاستظهاره بالشوكة العتيدة، والعدد المعدة، فقد شغر الزمان عن القائم بالحق، ودفع إلى مصابرة المحن طبقات الخلق, فإن تيسر نصب إمام مجتمع للخصال المرضية والخلال المعتبرة في رعاية الرعيَّة, تعين البدار إلى اختياره، فإذا انعقدت له الإمامة، واتسقت له الطاعة على الاستقامة، فهو إذ ذاك يدرأ من كان، وقد بان الآن أن يُعَدَّ درؤه في مهمات أموره, فإن أذعن فذاك، وإن تأبى عامله معاملة الطغاة، وقاتله مقاتلة البغاة ... "، إلى أن يقول: " ولكن إن اتفق رجل مطاع ذو أتباع وأشياع، ويقوم محتسباً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وانتصب بكفاية المسلمين ما دفعوا إليه, فليمض في ذلك قدماً، والله نصيره ¬

_ (¬1) الجرجاني: شرح المواقف، الجزء الثامن ص (353). (¬2) القلقشندي: مآثر الإنافة، الجزء الأول ص (66).

ثامنا: نقص التصرف

على الشرط المقدم في رعاية المصالح والنظر في المناجح، وموازنة ما يندفع ويرتفع بما يتوقع, فإن قيل: قد قدمتم أن وجه خلع الإمام نصب إمام ذي عدة, فما ترتيب القول في ذلك؟ قلنا: الوجه خلع المتقدم ثم نصب الثاني يدفعه دفعه للبغاة كما سبق تقريره. فإن قيل: فمن يخلعه؟ قلنا: الخلع إلى من إليه العقد" (¬1). ثامناً: نقص التصرف ومن مسببات العزل أيضاً نقص التصرف، وذلك بأن يطرأ على الحاكم ما يقيد تصرفاته أو يبطلها، وهو ما يسمى بالقهر والغلبة، وفي هذه الحال إذا تمكن هذا القاهر وغلب على الحاكم الأول، واستولى على تدبير الأمور، فإن الحاكم السابق في هذا الحال يكون معزولاً، وتنعقد الإمامة لهذا المستولي الجديد للضرورة، وحتى لا يقع الناس في الفوضى والفتنة ويعمّ الفساد، وقد صلى ابن عمر- رضي الله تعالى- عنهما بأهل المدينة يوم الحرَّة (¬2) وقال: (نحن مع من غلب) (¬3). وقال: (لا أقاتل في الفتنة، وأصلي وراء من غلب) (¬4). ¬

_ (¬1) غياث الأمم في التياث الظلم ص (80 - 96). (¬2) الحرة موضع قريب من المدينة، ووقعة الحرة هذه هي الوقعة التي حصلت بين يزيد ابن معاوية وبين أهل المدينة لما خلعوه لما أخذوا عليه من فسق، فبعث إليهم من يردهم إلى الطاعة، وأنظرهم ثلاثة أيام، فلما رجعوا قاتلهم واستباح المدينة ثلاثة أيام, انظر: ابن كثير: البداية والنهاية (8/ 232). (¬3) ابن سعد: الطبقات الكبرى (4/ 110). (¬4) المصدر السابق (4/ 149) , وإسناده صحيح إلى سيف المازني، أما هو فأورده ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. انظر: إرواء الغليل (2/ 304).

وذهب الإمام أحمد- رحمه الله- إلى بطلان إمامة السابق كما في رواية أبي الحارث: (في الإمام يخرج عليه من يطلب الملك، فيفتتن الناس فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم، مع من تكون الجمعة؟ , قال: (مع من غلب) (¬1). ¬

_ (¬1) أبو يعلى: الأحكام السلطانية ص (23).

المبحث الثاني مشروعية عزل الحاكم الفاسد

المبحث الثاني مشروعية عزل الحاكم الفاسد والملاحظ من الأقوال السابقة بكل تفاصيلها أنها تتفق في النهاية على عزل الحاكم الفاسد وإن اختلفت تفصيلاتها وتحفظاتها, ويمكن إجمال القول في ذلك جمعاً بين الأدلة الشرعية بأن الحاكم الفاسد يعزل لكن بالطرق السلمية, وبهذا نكون قد جمعنا بين الأدلة الشرعية باعتبار أن عزل الحاكم الفاسد بالطرق السلمية ليس خروجاً على الحاكم لأن الخروج على الحاكم المسلم هو الخروج المسلح أما عزله بالطرق السلمية مثل الإعتصامات والعصيان المدني والمظاهرات السلمية فليس خروجاً عليه, بل هو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المجمع عليه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: "ولهذا كان مذهب أهل الحديث ترك الخروج بالقتال على الملوك البغاة والصبر على ظلمهم إلى أن يستريح بر، أو يستراح من فاجر" (¬1).وهذا يؤكد أن الخروج على الحاكم هو الخروج المسلح. والاستدلال بالأحاديث الدالة على عزل الظلمة ومجاهدتهم تؤيد طرق العزل السلمية، مثل حديث ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره, ثم إنها ¬

_ (¬1) ابن تيمية: مجموعة الفتاوى (4/ 444).

تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون, فمن جاهدهم, بيده فهو مؤمن, ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن, ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) (¬1). قال ابن رجب الحنبلي- رحمه الله-: "وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد" (¬2) , وهو نص صريح في المسألة, ومنها حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: (إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم فقد تودع منهم) (¬3). وعن عقبة بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- سرية فسلمت رجلاً منهم سيفاً فلما رجع قال: لو رأيت ما لامنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-؟ قال: (أعجزتم إذا بعثت رجلاً فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري) (¬4). وهذا الحديث يدل على أمر النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بأن الإمام إذا لم يمض على سنة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وحاد عنها، فإنه يعزل ويجعل مكانه من يتبع السنة ويسير على منهاجها. ¬

_ (¬1) مسلم: صحيح مسلم, كتاب الإيمان, باب: النهي عن المنكر من الإيمان رقم (50) (1/ 70). (¬2) ابن رجب: جامع العلوم والحكم ص (304). (¬3) أحمد: المسند (2/ 163) , وقد صحح أحمد شاكر هذا الحديث, انظر: تخريجه المسند, حديث رقم (6521) (10/ 30). (¬4) أبو داود: سنن أبي داود, كتاب الجهاد, باب في الطاعة (7/ 291) , وقال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: إسناده حسن، قال المنذري: ذكر أبو عمر النمري وغيره أن عقبة هذا روى عن النبي- صلى الله عليه وسلم- حديثاً واحداً. انظر: جامع الأصول لابن الأثير (4/ 71)، وكلام المنذري في عون المعبود (7/ 291)، وعزاه صاحب كنز العمال إلى الخطيب البغدادي في المتفق (5/ 297) ح (14415).

وحديث عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ونزل فيهم القرآن فقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ... } إلى قوله {فَاسِقُونَ} - وكان رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- متكئاً ثم جلس- ثم قال: (كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ثم لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم) (¬1). ولذا يرى أهل العلم أن إنكار المنكر واجب على كل مسلم سواء صدر هذا المنكر من أمير أو حقير، أو شريف أو وضيع، ولم يرد في الآيات والأحاديث الآمرة بذلك استثناء للأمراء، فدل على وجوب إنكار المنكر عليهم، وإزالته ولو بالقوة عند الاستطاعة. ¬

_ (¬1) أبو داود: سنن أبي داود, كتاب الملاحم, باب الأمر والنهي (11/ 487)، ورواه الترمذي وحسنه في كتاب التفسير رقم (3047)، (3048) (5/ 252)، وابن ماجة في الفتن, باب الأمر بالمعروف (4/ 4006)، (2/ 1323) بألفاظ متقاربة, روياه أيضاً مرسلاً- أي الترمذي وابن ماجة- قال ابن مفلح الحنبلي: وإسناد هذا الخبر ثقات, وأبو عبيد لم يسمع من أبيه عندهم, انظر: الآداب الشرعية (1/ 193).

الاستدلال بالأدلة الدالة على خطر الأئمة المضلين

وكذا الاستدلال بالأدلة الدالة على خطر الأئمة المضلين مثل حديث ثوبان- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) (¬1). فالأحاديث تبين مالهم من خطورة، ولذلك ينبغي ألا يولوا أمور المسلمين ابتداء، أما إذا تولوا فلا يعانون ولا يقربون، وقد تدل على العزل بالوسائل السلمية. والاستدلال بإجماع العلماء على قتال الطائفة الممتنعة عن بعض الشرائع الإسلامية، فهذا استدلال وارد بشرط الاستطاعة، وإلا فلا، لأن جهاد الكفار يشرط فيه غالبية الظن على النصر، أما التهور وتعريض الأمة للفتن مع عدم حصول النتيجة المرجوة فهذا لا يجوز. ¬

_ (¬1) الترمذي: سنن الترمذي, الفتن, باب ما جاء في الأئمة المضلين ح (2229) , وقال: حسن صحيح (4/ 504) , وصححه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح (3/ 1484).

وأما الأحاديث الآمرة بالطاعة

وأما الأحاديث الآمرة بالطاعة: مثل حديث أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- قالت: إن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع)، قالوا: أفلا نقاتلهم قال: (لا ما صلوا) (¬1). وحديث حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس) قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: (تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع) (¬2) , وغيرها. فالذين يَرون عدم عزل الأنظمة الحاكمة اليوم يستدلون خطأ ببعض هذه الأحاديث ويجاب عنها بالآتي: أولاً: الأحاديث الآمرة بالطاعة مقيدة بالمعروف، وبما لم يكن فيه لله معصية, والسمع والطاعة ليس فيها تسليم الظهر والمال, وإنما الطاعة في المعروف حتى لأمثال الحكام الظلمة الجائرين وللمرء أن ¬

_ (¬1) مسلم: صحيح مسلم رقم (1854). (¬2) متفق عليه: البخاري: صحيح البخاري, الفتن, باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة بدون زيادة مسلم (تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع). الفتح (13/ 35)، ومسلم: صحيح مسلم, الإمارة رقم (1847) (3/ 1475).

ثانيا: زيادة رواية مسلم (تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)

يدافع عن نفسه وعرضه وماله قدر طاقته فقد قال عليه السلام (من قتل دون ماله فهو شهيد) (¬1) وحديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي. قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني, قال: قاتله, قال: أرأيت إن قتلني, قال: فأنت شهيد, قال: أرأيت إن قتلته, قال: هو في النار" (¬2). ثانياً: زيادة رواية مسلم (تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع) , ضعيفة ضعفها الحفاظ. قال الدارقطني- رحمه الله-: "هذا عندي مرسل وأبو سلام لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه (¬3). وقال شيخنا الوادعي- رحمه الله-: "وفي حديث حذيفة هذا زيادة ليست في حديث حذيفة المتفق عليه، وهي قوله: (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)! فهذه الزيادة ضعيفة, لأنها من هذه الطريق المنقطعة" (¬4). ¬

_ (¬1) مسلم: شرح صحيح مسلم (2/ 163). (¬2) المصدر السابق (2/ 163). (¬3) الدارقطني: الإلزامات والتتبع رقم (181). (¬4) المصدر السابق رقم (182). وقال المزي في ترجمة أبي سلام واسمه ممطورراوي زيادة الحديث: (روى عن حذيفة م يقال مرسل) , وقال ابن حجر: (أرسل عن حذيفة وأبي ذر وغيرهما).

إذا هذه الزيادة من حيث الإسناد ضعيفة, وأما من حيث المتن فلتعارضها مع قوله- عليه الصلاة والسلام-: (من مات دون عرضه فهو شهيد) (¬1). كما أن الجلد وسلب المال بظلم ذلة تستنكرها الفطر السليمة كما إن الفطرة السليمة تحفز الإنسان للدفاع عن ماله وعرضه ضد إي متعدٍ وهو ما دل عليه الشارع. فالحديث حتى لو لم يكن سنده منقطعاً- وهو منقطع- معلول شاذ متنا، لأن الأدلة المحكمة، تقطع بأن وظيفة الدولة- في الإسلام- حماية ظهور الناس وأموالهم وأعراضهم, فيفهم منه أن الحديث يخالف ذلك, فيجيز للحاكم أن يعتدي على نفوس الناس وأموالهم، ولا يفهم هذا من الحديث, فمعنى الحديث: الأمر بالسمع والطاعة للأمير في غير معصية الله, وهذا هو الذي يتفق مع بقية النصوص الشرعية. كما أنه لا يفهم من الحديث أن نبقى مستكينين خانعين للطواغيت، وهل يعقل أن يقر النبي للفرد مقاتلة من يريد سرقة دينار منه، وفي نفس الوقت، يسلب هذا الحق من الأمة التي تقدر بالمليارات!. إن السبب في شيوع الفهم الخاطئ لهذا الحديث وغيره من الأحاديث يعود لأمرين اثنين: 1. عدم الجمع بين الروايات التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو قد قال في موضع آخر (فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن 2. ¬

_ (¬1) مسلم: شرح صحيح مسلم (2/ 163).

3. جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) (¬1) , وكذلك قوله (من قاتل دون حقه فهو شهيد)،و (من قاتل دون ماله فهو شهيد) (¬2). 4. عدم فهم السياق التاريخي لهذا الحديث وغيره من الأحاديث، مما أورث عند البعض فهما مغايرا لروح التشريع الإسلامي, والحديث السابق- على فرض صحته- يعني كما قال بعض العلماء: وإن قضى بمالك بحكم لخصمك أو أقيمت عليك عقوبة لجنايتك أو جريمتك أو لحد من حدود الله، فلا يسقط هذا حق الطاعة, فهذا الحديث يدل على مبدأ السمع والطاعة، وعدم الخروج عليها، وإن أخذت المال بالحق، أو أقام الحق الواجب عليك. ولهذا قيد العلماء هذا السمع والطاعة بالحق جمعاً بين الروايات، والتي ترفض الظلم وأخذ المال بغير حق وبين هذه الرواية. قال ابن حزم- رحمه الله-: "إذا تولى الإمام ذلك بحق" (¬3). وقال أيضاً: "المسلم ماله للأخذ ظلماً، وظهره للضرب ظلماً وهو يقدر على الامتناع من ذلك بأي وجه أمكنه، معاون لظالمه على الإثم والعدوان، وهذا حرام بنص القرآن" (¬4) , الذي بقوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬5). ¬

_ (¬1) مسلم: صحيح مسلم, كتاب الإيمان, باب: النهي عن المنكر من الإيمان رقم (50) (1/ 70). (¬2) مسلم: شرح صحيح مسلم (2/ 163). (¬3) ابن حزم، الفصل 5/ 24. (¬4) السابق 5/ 24، 25. (¬5) سورة: المائدة: 2

ثالثا: عزل الحاكم الفاسد بالطرق السلمية

ولماذا عند الاستشهاد بهذه الأحاديث لا تتم الأشاره إلي ما فيها من الضعف واختلاف في صحتها؟. ولماذا استغلال هذه الأحاديث الضعيفة في دعم الظلم والاستبداد وأين هم من الأحاديث الأخرى الصحيحة؟ مثل: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده" (¬1). إن كثيرا من علماء السلطان وأذنابهم يحاولون الاستدلال بهذا الحديث كما في هذه الأيام من دون شرحه أو توضيح درجته, والقاعدة الأساسية للسمع والطاعة هي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} , وظاهر الآية الكريمة تشير إلى انه قد يقع خلاف بين الحاكم وأبناء وطنه وينبغي رد الخلاف إلى شريعة الله ورسوله. ثالثاً: عزل الحاكم الفاسد بالطرق السلمية فيها تحمل من قبل الأمة أكثر من جلد الظهر واخذ المال, بل تتحمل الأمة سفك دمها كما هو حاصل اليوم في بلادنا. ¬

_ (¬1) أبو داود: سنن أبي داود (2/ 252)، (4338)، وصححه الألباني: صحيح أبي داود رقم (4338).

رابعا: الأمير الذي ذكره الحديث هو الأمير المسلم

رابعاً: الأمير الذي ذكره الحديث هو الأمير المسلم، فهذا هو المعنى الذي يتماشى مع مقاصد الشريعة، والذي يجب على المسلم أن يطيعه لأنه- أي الأمير- متقيّد بالشرع خاضع لأمره، لكن قد يرى المسلم منه ما يكره, أي بعض السلوكيات الخاطئة لكن ليس هذا مبرراً شرعياً لعزله، ومن هنا فإن الصبر المَراد بالحديث هو نطاق ما ذكر, والكراهية التي لا تتجاوز حدود الفرد إلى حدود الجماعة. خامساً: الطاعة والصبر ما لم يستشرِ الفساد ولذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشريعة بمثابة صمام الأمان للمجتمع، فعن زينب بنت جحش- رضي الله عنها-: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل عليها فزعاً يقول: (لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش- رضي الله عنها-: فقلت: يا رسول الله! , أنهلك وفينا الصالحون؟ , قال: (نعم إذا كثر الخبث) (¬1). وفي سنن أبي داود قال أبو بكر- رضي الله عنه- بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (¬2) , وإنا سمعنا النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على ¬

_ (¬1) متفق عليه, البخاري: صحيح البخاري رقم (7059) , ومسلم: صحيح مسلم, رقم (2880). (¬2) سورة المائدة: الآية: 105.

يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب)، وقال عمرو عن هشيم وإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب) (¬1). وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض)، ثم قرأ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إلى قوله: {فَاسِقُونَ} (¬2) , ثم قال: (كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصرا) (¬3). إذاً فإن للمجتمع دور كبير في الإصلاح، دور متى تخلى عنه استحق الهلاك بجريرة السفهاء فيه، لأن المجتمع عندئذ شريك أصيل في الجريمة حيث لم يعمل شيئا للحيلولة دون وقوعها، ولا بد للمجتمع أن يعمل بما يتاح له من وسائل حتى ينفي خبثه لأنه سيهلك إذا كثر الخبث. ¬

_ (¬1) أبو داود: سنن أبي داود (2/ 252)، (4338)، وصححه الألباني: صحيح أبي داود رقم (4338). (¬2) سورة المائدة: الآيات: 78 - 81. (¬3) أبو داود (2/ 524)، (4336)، والحديث صححه أحمد شاكر, عمدة التفسير (1/ 715).

سادسا: حكام اليوم أعرضوا عن تطبيق الشرع، وهم يوالون أعداء الله وينصرونهم على المسلمين

قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} (¬1)، ومن العبر المستفادة من قصة نبي الله صالح- عليه السلام- وقومه ثمود الذين كانت تتحكم فيهم طغمة فاسدة، تدير بهواها دفة أمورهم، وأن المجتمع متى ما استسلم لما يهوى أولئك السفهاء المفسدين فإن مصيره مصيرهم سواء بسواء. سادساً: حكّام اليوم أعرضوا عن تطبيق الشرع، وهم يُوالون أعداء الله وينصرونهم على المسلمين، وينشرون الفساد في الأرض، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط والعدل بين الناس. وإن المتأمل في واقعنا يلاحظ أن الأنظمة اليوم هي امتداد للاستعمار، وإذا كان من الواجب الشرعي علينا أن نُقاتل القوى الاستعمارية, حتى يكون الدين كلّه لله، فمن الطبيعي أن نسعى لتغيير هذه الأنظمة التي تُعتبر الجبهة الأمامية لهذه القوى, ومن المؤسف أن تتخوّف بعض الأوساط الإسلامية من وسائل التغيير السلمية. سابعاً: وإذا كان التغيير ينحاز انحيازاً تاماً لمصالح الأمة ومطالبها، وللمستضعفين فيها، والجائعين المعذَّبين، فإن ما يطمحون إليه حق يؤيده الإسلام ويقره تحقيقاً للعدل والقسط ودفع الظلم ¬

_ (¬1) سورة يوسف: الآيات: 111.

والظالمين، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسط} , (¬1) والذين يقفون مع الظلمة هم ظالمون لأنفسهم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (¬2) , وكونهم مستضعفين في الأرض لا يُعفيهم من مسؤولية التغيير للظلم، لأن منطق الاستسلام مخالف لشرع الله قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (¬3) , فإرادة الله أن تكون القيادة والإمامة للمستضعفين في الأرض من أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- وأن الدعوة إلى الله وتوحيده لم تكن في أي يوم من أيامها منفصلة عن قضايا الأمة وأوضاعها وهمومها وتطلعاتها إلى العدل والكرامة والحرية. ¬

_ (¬1) سورة الحديد: الآية: 25. (¬2) سورة النساء: الآية:97. (¬3) سورة القصص: الآية: 5.

ثامنا: كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يدعون أممهم إلى العقيدة

ثامناً: كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يدعون أممهم إلى العقيدة وكانوا يربطون هذه الدعوة بالقضايا التي تهم الأمة. فشعيب- عليه السلام- ربط دعوته بمشكلة اقتصادية قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} (¬1) , وموسى- عليه السلام- ارتبطت بمشكلة سياسية قال تعلى: {فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} (¬2) , ولوط- عليه السلام- ارتبطت بمشكلة اجتماعية قال تعلى: {كذّبت قوم لوطٍ المرسلينَ* إذْ قال لهم أخُوهُم لوطٌ ألا تتَّقون إنِّي لكم رسولٌ أمينٌ* فَاتَّقواْ اللهَ وأطيعُونِ ومَا أسألُكُمْ عليه مِنْ أجرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلاَّ على ربِّ العالمينَ أتأتونَ الذُّكْرانَ من العالمينَ وتَذَرونَ ما خلَق لكم ربُّكُم مِنْ أزواج بل أنتم قومٌ عادونَ قالواْ لئن لم تَنْتَهِ يا لوطُ لتكوننَّ منَ المخْرَجِينَ} (¬3). إذاً فدعوة شعيب- عليه السلام- كانت موجّهة ضد جشع التجار التي كانت شائعة فيهم ومازالت شائعة في كثير في مجتمعاتنا العصرية من نقص في المكيال والميزان {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (¬4)}) , كان هذا أمراً شائعاً في مدين- ¬

_ (¬1) سورة هود: الآية: 84. (¬2) سورة الشعراء: الآيات: 16 - 17. (¬3) سورة الشعراء: الآيات: 160 - 167. (¬4) سورة المطففين: الآية: 3.

قوم شعيب- رغم أنهم- أي هذه الطبقة من التجار- كانوا دوماً في ازدهار {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ)} (¬1) يعني بثروة وسعة في الرزق تُغنيكم عن الدناءة وبخس حقوق الناس وأكل أموالهم بالباطل، فدعوة شعيب- إذاً- لم تكن دعوة مجردة إنما جاءت لمُحاربة واقعاً اقتصادياً يقوم على الاستغلال والدناءة والابتزاز. ودعوة موسى- عليه السلام- كانت موجّهة ضد الطاغوت والتسلّط والاستبداد والعجرفة التاريخية التي كان يمثلها فرعون ... وما أكثر فراعنة عصرنا هذا! ودعوة لوط- عليه السلام- كانت مرتبطة بواقع اجتماعي مُنحل سقط سقوطاً ذريعاً، جاء لوط- عليه السلام- ليهاجمه ويُعلن المفاصلَة معه. وهي كما نلاحظ أخطر قضايا عصرنا هذا وبالأخص في العالم الإسلامي "إن الله أرسل رُسُلَه وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقِسط، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسْفَرَ صُبحه بأيِّ طريق كان؛ فثَمَّ شرع الله ودينه ورضاه وأمره، والله تعالى لم يحصر طُرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدلُّ وأظهر، بل بيَّن بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها، والطرق أسباب ووسائل لا تُراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبّه بما شرعه من الطرق على أسبابها وأمثالها، ¬

_ (¬1) سورة هود: من الآية: 84.

تاسعا: ومن الأدلة أيضا فعل الصحابة والسلف

ولن تجد طريقاً من الطرق المثبتة للحق إلا وهي شِرْعَة وسبيل للدلالة عليها، وهل يُظن بالشريعة الكاملة خلاف ذلك؟ " (¬1). تاسعاً: ومن الأدلة أيضاً فعل الصحابة والسلف- رضوان الله عليهم أجمعين- فقد أجازوا عزل الحاكم بالقوة فمن باب أولى عزل الحاكم بالطرق السلمية (¬2). عاشراً: موقف السلف من غير الصحابة (¬3) فقد جوزوا عزل الحاكم الفاسد بالخروج المسلح فمن باب أولى عزله بالطرق السلمية. الحادي عشر: ذهب ابن حزم- رحمه الله- إلى أن أدلة الخروج ناسخة لأدلة الصبر، فقد قال: "فوجدنا تلك الأحاديث التي منها النهي عن القتال موافقة المعهود الأصل، ولما كانت الحال عليه في أول الإسلام بلا شك، وكانت هذه الأحاديث الأخر واردة بشريعة زائدة وهي القتال، هذا ما لا ¬

_ (¬1) أعلام الموقعين، ابن القيم الجوزية (4/ 373). (¬2) انظر: فتح الباري (13/ 53) , وانظر: تاريخ الإسلام للذهبي (3/ 391). (¬3) البداية والنهاية (9/ 36) , انظر: القاضي أبو يعلي وكتابه الأحكام السلطانية, د/ محمد عبد القادر أبو فارس ص (450) , وتهذيب التهذيب (2/ 288).

الثاني عشر: مذاهب أهل السنة والجماعة, تجوز عزل الحاكم الفاسد بالقوة

شك فيه، فقد صح نسخ معنى تلك الأحاديث, واعتبر قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} الآية، هي الأساس في النظر وهي الحاكمة في تلك الأحاديث، فما كان موافقاً لها فهو الناسخ الثابت، والمخالف لها منسوخ (¬1). الثاني عشر: مذاهب أهل السنة والجماعة, تُجوز عزل الحاكم الفاسد بالقوة فمن باب أولى بالطرق السلمية. موقف الحنفية: المنصوص عليه في كتب الحنفية أن الإمام إذا قلد عدلاً ثم فسق، فإنه يستحق العزل إن لم يستلزم عزله فتنة، ولا يجب الخروج عليه (¬2) , وهذا ما ينسبونه لأبي حنيفة نفسه. ودليل ذلك موقف أبي حنيفة من ثورة زيد على الأمويين سنة 121هـ, فقد كان يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن علي- رضوان الله عليهما-، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمى بالإمام والخليفة (¬3). ¬

_ (¬1) ابن حزم، المرجع السابق (5/ 11 - 12). (¬2) كمال الدين بن أبي شريف، المسايرة، ص (323)، وحاشية ابن عابدين (1/ 368). (¬3) الزمخشري، الكشاف (1/ 137).

موقف المالكية

موقف المالكية: مذهب فقهاء المالكية هو شرعية الخروج على الأئمة الظلمة، بل إن ابن حزم يدرج الإمام مالكاً ضمن من يرى وجوب الخروج على الظلمة, ويظهر ذلك من تعريفهم البغي على أنه مخالفة الإمام العدل، سواء أكان الأول أو الخارج عليه, فإن لم يكونا عدلين فأمسك عنهما، إلا أن تراد بنفسك أو مالك أو ظلم المسلمين, وعلى حد تعبيره: دعه ينتقم الله من ظالم بظالم، ثم ينتقم من كليهما (¬1). موقف الشافعية: للشافعية في مسألة الخروج رأيان، يقف النووي على رأس الفريق الأول القائلين بحرمة الخروج، ويقابله الجويني على رأس الفريق الآخر القائل بجوازه, فقد ذكر أنه إذا ظهر ظلم الإمام وغشمه، ولم يرعو لزواجر عن سوء صنيعه بالقول فلأهل الحل والعقد التواطؤ على ردعه، ولو بشهر السلاح ونصب الحروب (¬2). موقف الحنابلة: لم يعرف عن الإمام أحمد أنه قام بمحاولة خروج، أو آزر الخارجين، وإن كان في بعض أقواله ما يوحي بأنه لا ينظر بعين الارتياح إلى السلاطين الموجودين في زمنه، ولكن هذا ¬

_ (¬1) ابن العربي، أحكام القرآن (4/ 1709)، وحاشية العلامة الشيخ حجازي على شرح مجموع الأمير في فقه الإمام مالك (2/ 379)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 272). (¬2) سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد (2/ 272).

موقف الظاهرية

شيء والقول بالخروج شيء آخر، ويظهر أنه كان يرى رأي الحسن البصري من أن صلاح الرعية يؤدي لا محالة إلى صلاح الراعي، وأن الحاكم مظهر من مظاهر الشعب، ولذلك وجه جهوده لإحياء السنة وحث الناس على القيام به (¬1). وعليه أغلب فقهاء المذهب اتقاء للفتنة، وحفاظاً على الجماعة، وإن كانت هناك بعض إشارات إلى جواز الخروج (¬2) , فابن تيمية- رحمه الله- يعرض لقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (¬3)، فيقول: "فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف، وقد روي عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-، قال: أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن نضرب بهذا- يعني السيف- من عدل عن هذا يعني المصحف (¬4). موقف الظاهرية: لعل أكثر فقهاء أهل السنة وضوحاً في مسألة الخروج هم أهل الظاهر، فقد ذكر ابن حزم- رحمه الله- أنه إن قام على الإمام الفاسق من هو أعدل منه، وجب أن يقاتل مع القائم، ¬

_ (¬1) محمد أبو زهرة، ابن حنبل، دار الفكر العربي 1367هـ- 1948م، ص (141). (¬2) شرح ابن عقيل وابن الجوزي بجواز الخروج على الإمام غير العادل، وهو ظاهر كلام ابن رزين, انظر: المرادي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، الجزء العاشر ص (311). (¬3) سورة الحديد: الآيات: 25/ 57. (¬4) ابن تيمية، السياسة الشرعية، بيروت: دار الكتب العربية 1386هـ- 1966م ص (24).

موقف الزيدية

لأنه تغيير منكر (¬1) , وهكذا يرى ابن حزم- رحمه الله- بمبدأ المقاومة المسلحة للفسقة إلى مرتبة الوجوب. موقف الزيدية: وبهذا قالت الزيدية، حيث اشترطت فيمن يطلب الإمامة أن يخرج على السلطات الحاكمة الجائرة، فيعلن عن نفسه. فقد ذكر المرتضى في الإمامة أن "طريقها الدعوة ومباينة الظلمة مع كمال الشروط" (¬2). ولقد كان زيد وفياً لمبدئه هذا، وقد كان يزمع الخروج، أو هكذا نمى إلى هشام بن عبد الملك، فسأل هشام زيداً عن ذلك، فقال: أحلف لك, قال: وإذا حلفت أصدقك؟ قال زيد: لا أحد فوق أن يوصى بتقوى الله، ولا دون أن يوصى بتقوى الله! قال هشام: بلغني أنك تريد الخلافة، ولا تصلح لها لأنك ابن أمة، قال زيد: فقد كان إسماعيل ابن إبراهيم- عليهما السلام- ابن أمةِ، وإسحاق- عليه السلام- ابن حرة، فأخرج الله عز وجل من صلب إسماعيل خير ولد آدم محمد- صلى الله عليه وسلم- فعندها قال له: قم, قال: إذاً لا تراني إلا حيث تكره, ولما خرج من الدار قال: ما أحب أحد الحياة قط إلا ذل (¬3). ¬

_ (¬1) ابن حزم: المحلى (9/ 362). (¬2) المرتضى: البحر الزخار (6/ 376). (¬3) الجاحظ، البيان والتبيين (1/ 325،326)، وابن الأثير، الكامل في التاريخ (4/ 241).

وأما الأحاديث الناهية عن الاقتتال بين المسلمين

وخرج زيد بالكوفة داعياً إلى الإمامة، فقتل وصلب بالكناسة, فبايع أتباعه من بعده ابنه يحيى، فمضى إلى خراسان وقتل بالجوزجان بعد أن أوصى إلى محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن السبط الملقب بـ (النفس الزكية) فخرج بالحجاز وتلقب بالمهدي، وجاءته عساكر المنصور فقتل, وعهد إلى أخيه إبراهيم فقام بالبصرة ومعه عيسى بن زيد بن علي، فوجه إليهم المنصور عساكره، فهزم وقتل إبراهيم وعيسى (¬1). ولقد كانت هذه السياسة التي انتهجها إمام المذهب نوراً يستضيء به الأتباع، حتى لقد ذهب الأشعري إلى أن الزيدية بأجمعها ترى السيف والعرض على أئمة الجور، وإزالة الظلم، وإقامة الحق، وهي بأجمعها لا ترى الصلاة خلف الفاجر (¬2). وبهذا يتبين لنا خطأ الذين يُحاولون تطبيق هذا على الأنظمة التي تجثم فوق صدور المسلمين. وأما الأحاديث الناهية عن الاقتتال بين المسلمين، مثل حديث الأحنف بن قيس- رضي الله تعالى عنه- قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل- يعني على بن أبي طالب- رضي الله عنه- فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد؟ , فقلت: أنصر هذا الرجل، فقال: ارجع فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله ¬

_ (¬1) مقدمة ابن خلدون، ص 200. (¬2) الأشعري، مقالات الإسلاميين (1/ 141).

وعن القتال في الفتنة

وسلم- يقول: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) , فقلت: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ , قال: (إنه كان حريصًا على قتل صاحبه) (¬1). وعن القتال في الفتنة، مثل حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، ومن وجد فيها ملجأ فليعذ به) (¬2) , أي: من وجد عاصماً وموضعاً يلتجئ إليه ويعتزل فيه فليعتزل (¬3) , فهي فيما إذا لم يتبين للإنسان الحق في القتال ففي هذه الحالة عليه أن يعتزل، أما إذا تبيَّن له وجه الحق فعليه أن ينصر الحق كما فعل الصحابة أيام الفتنة مع العلم بأن عزل الحاكم الفاسد بالطرق السلمية ليس فيه قتال. وأما الأحاديث الدالة على أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، فليس كل فاجر مؤيدًا للدين وإنما معنى الحديث أنهم في بعض المواقف قد يكون لهم مواقف حسنة تؤيد الدين وتنصره، كما ¬

_ (¬1) متفق: البخاري: صحيح البخاري , كتاب الإيمان, باب: 22 (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ... ) , وابن حجر: الفتح (1/ 85)،ومسلم: صحيح مسلم, كتاب: الفتن, رقم (2888) (4/ 2213)، ورواه ابن ماجة عن أبي موسى بنحوه في الفتن رقم (3964) (2/ 1311). (¬2) متفق عليه, البخاري: صحيح البخاري, كتاب الفتن, باب: 9، الفتح (13/ 30)، ومسلم: صحيح مسلم, كتاب الفتن, باب نزول الفتن كمواقع القطر ح (2886)، وروى نحوه الترمذي عن سعد بن أبي وقاص في كتاب الفتن ح (2194) (4/ 486)، وأحمد في المسند (1/ 169). (¬3) انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 30) بتصرف يسير.

يدل على ذلك سبب الحديث وهو الرجل الذي كان يقاتل مع الرسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فلما أصابه جرح قتل نفسه كما أنه ليس له علاقة بالحاكم. وبهذا نجمع ما سبق من الآيات والأحاديث الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر وأدلة عزل الحاكم الفاسد فهذا وارد إذا توافرت شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن هذه الشروط ألا يترتب على إنكار المنكر منكر أعظم منه، كما أن من شروطها الاستطاعة، وقد نهى رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- عن أن يذل المؤمن نفسه، فعن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه) , قالوا: كيف يذل نفسه؟ , قال: (يتعرض من البلاء لما لا يطيق) (¬1). وعلى كل حال فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عل كل حال بشروطه ودرجاته المعروفة. مما سبق يتضح لنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب باليد وباللسان وبالقلب بشرط القدوة والاستطاعة، وأنه لا يجوز إنكار المنكر بمنكر أكبر منه. والحاكم الفاسد يجوز عزله إن أمكن بإحدى الطرق السلمية الآتية بشرط ألا يترتب على ذلك مفسدة أكبر، فإن لم يكن ذلك وجب المبالغة في الإنكار عليه والتحذير من ظلمه وبدعته حتى لو أدى الأمر إلى الاعتزال عن العمل معه والتعرض لأذاه فعن جابر- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه ¬

_ (¬1) الترمذي: سنن الترمذي, الفتن, باب: 67 رقم (2254) , وقال: حسن غريب (4/ 523)، ورواه أحمد في المسند (5/ 405) والألباني: صحيح الترمذي رقم (2254).

وآله وسلم- قال: (خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى رجل فأمره ونهاه في ذات الله فقتله على ذلك) (¬1) والله أعلم. ¬

_ (¬1) الحاكم: المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه, قال الذهبي: قلت: الصفار لا يدري من هو (3/ 195) , وقد ذكر الألباني هذا الحديث في السلسلة الصحيحة رقم (374).

المبحث الثالث الوسائل السلمية لعزل الحاكم الفاسد

المبحث الثالث الوسائل السلمية لعزل الحاكم الفاسد إذا أدركنا "أن من يملك التولية يملك العزل"، فإن من السهل تحديد الجهة التي لها حق عزل الحاكم، إذ هي الطرف الثاني في عقد البيعة، وقد اختلف الفقهاء في تحديد هذا الطرف ضيقاً واتساعاً، فاكتفى بعضهم بيعة "أهل الحل والعقد" واعتبر آخرون رضا الأمة شرطاً لذلك، وعليه فإن هنالك جهتين تملكان وضع حد لولاية الحاكم: إحداهما أهل الحل والعقد، والأخرى هي الأمة في مجموعها العام. ومما لاشك فيه أن للعلماء كلمة الفصل في مسألة العزل، أما دور الرؤساء ووجوه الناس، فيأتي متأخراً، إذ الغالب أن الشوكة تكون بيد هؤلاء، وهم الذين يستطيعون أن يلزموا الحاكم بالعزل، والأمة من ورائهم, ولا يشترط الإجماع بينهم في اتخاذ القرار. قال الجويني- رحمه الله-:"ولو انتظر وفاق علماء الآفاق لاتسع الخرق وعظم الفتق، نعم لابد في الخلع والعقد من اعتبار شوكة" (¬1). وقد قام كثير من سلف الأمة بواجبهم في تقويم الحكام- خلفاء كانوا أم ملوكاً أم سلاطين-، من أمثال أبي حازم والثوري وسعيد بن جبير وابن طاووس وغيرهم, وكانت لهم هيبة في نظر الأمة والحكام، وكانوا في تقويمهم للحكام يحذرونهم من مغبة انحرافاتهم، ويذكرونهم بمسؤولياتهم أمام الله ¬

_ (¬1) الجويني: غياث الأمم، ص (69،70).

والأمة على حد سواء، فإن لم يكن إلا الإصرار على الظلم فلا مناص من العزل، فعن سفيان الثوري قال: "أدخلت على المهدي بمنى، فلما سلمت عليه بالإمرة قال لي: أيها الرجل! طلبناك فأعجزتنا، فالحمد لله الذي جاء بك، فارفع إلينا حاجتك، فقلت: قد ملأت الأرض ظلماً وجوراً، فاتق الله وليكن منك في ذلك عبرة! , قال: فطأطأ رأسه ثم رفعه وقال: أرأيت إن لم أستطع رفعه؟ , قال: تخليه وغيرك" (¬1). وقد ذكر السيوطي- رحمه الله- أن الظاهر بيبرس كان منقمعاً بمصر تحت كلمة الشيخ عز الدين بن عبد السلام، لا يستطيع أن يخرج عن أمره، حتى إنه قال لما مات الشيخ: ما استقر ملكي إلا الآن (¬2). ولكن بعض علماء العصر للأسف الشديد, نكصت على الأعقاب كما قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (¬3). بعد حديثنا عن الأسباب المسببة لعزل الحاكم الفاسد بقي النظر في الوسيلة التي يمكن أن يُعزل بها الحاكم المستحق لذلك وهنا ثلاث طرق سلميه لعزل الحاكم الفاسد هي: ¬

_ (¬1) الأصبهاني: حلية الأولياء (7/ 45). (¬2) السيوطي: حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، الجزء الثاني, القاهرة- المطبعة الشرقية، ص (66). (¬3) سورة الأعراف: الآية: 169.

أولا: أن يعزل الحاكم نفسه

أولاً: أن يعزل الحاكم نفسه اتفق العلماء على أن الحاكم إذا أحس من نفسه عدم القدرة على القيام بأعباء الحكم فإن له عزل نفسه. قال القرطبي- رحمه الله-: "يجب عليه أن يخلع نفسه إذا وجد في نفسه نقصًا يؤثر في الإمامة" (¬1). وكذلك إذا كان في عزله إخماد لفتنة قد تزداد وتستمر إذا أصرَّ على منصبه، بل هو محمود في مثل هذه الحالة إذا عزل نفسه، ولذلك أثنى جميع المسلمين على سبط رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- الحسن بن علي- رضي الله عنهما- حينما عزل نفسه وتنازل عن الإمامة لمعاوية- رضي الله عنه-، بعد أن بايعه أهل العراق حقناً لدماء المسلمين، بل قد أثنى عليه قبل وقوعه جده رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- حينما قال: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) (¬2). أما إذا لم يكن هناك عذر شرعي للعزل، بل طلباً للتخفيف في الدنيا والآخرة, فذهب بعض الفقهاء الى أنه ينعزل: لأن إلزامه بالاستمرار قد يلحق الضرر به في آخرته ودنياه (¬3) ولأنه كما لم تلزمه الإجابة إلى المبايعة لا يلزمه الثبات (¬4)، ولأنه وكيل للمسلمين وللوكيل عزل نفسه (¬5). ¬

_ (¬1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (1/ 272). (¬2) البخاري: صحيح البخاري كتاب الفتن, باب: 20 من حديث أبي بكرة, وانظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 61). (¬3) القلقشندي: مآثر الإنافة (1/ 66). (¬4) المصدر السابق (1/ 65). (¬5) أبو يعلي محمد بن الحسين الفراء: المعتمد في أصول الدين ص (240).

ثانيا: عزل الحاكم الفاسد عبر العلماء

وذهب آخرون إلى أنه لا ينعزل: واستدلوا على ذلك بما روي أن أبا بكر- رضي الله تعالى عنه- طلب من المسلمين أن يقيلوه من منصب الخلافة حينما قال: (أقيلوني أقيلوني، قالوا: لا والله لا نقيلك ولا نستقيلك، رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا) (¬1) , فلو كان عزل نفسه مؤثراً لما طلب منهم الإقالة (¬2). والحق أن ذلك راجع إلى مصلحة المسلمين العامة، فإن كان في بقائه مصلحة كإخماد فتنة ونحوها فعليه البقاء، وإن كان في بقائه مفسدة أكبر من المصلحة المترتبة على بقائه فعليه الاستقالة، كما فعل الحسن- رضي الله عنه-، وإن كان الأمران متساوين فهو بالخيار والله أعلم. ثانياً: عزل الحاكم الفاسد عبر العلماء هي أن يتقدم إلى الحاكم الجائر أهل الحل والعقد الذين عقدوا له البيعة وينصحونه وينذرونه مغبَّة انحرافه، ويمهلونه ويصبرون عليه فترة من الزمن لعله يرجع أو يرعوي عما هو عليه من ظلم وطغيان، فإن أصرّ على ذلك فعليهم أن يعملوا لعزله بكل الوسائل الممكنة، بشرط ألا يترتب على ¬

_ (¬1) ضعيف, قال ابن حجر: رواه الطالقاني في السنة من طريق شبابة بن سوار عن شعيب بن ميمون, قال: هو منكر متنًا، منقطع سندًا. انظر: تلخيص الحبير (4/ 52). (¬2) القلقشندي: مآثر الإنافة (1/ 65).

ذلك مفسدة أكبر من المفسدة, المرجو إزالتها، لأن عزله من النهي عن المنكر، والمنكر لا يرفع بما هو أنكر منه. فيذهب إليه العلماء من أهل الحل والعقد ويبينوا خطأه (ومدى عدم دستوريته وشرعيته)، بصورة تفضي إلى إبطال حكمه ووقف تنفيذه، ولكن إذا جوبهت قراراتهم بالتعنت من جانب رئيس الدولة، فإنه يغدو مستحقاً للعزل، ولكنه لا ينعزل إلا برأي الشعب الذي بايعه، فلا بد من إجراء استفتاء شعبي حول عزله، فإذا أسفرت النتيجة عن الموافقة على عزله، وإذا حال الحاكم دون إجراء هذا الاستفتاء، فإنه لا مناص حينئذٍ من عزله (¬1). والأساس الشرعي الذي يبنى عليه تشكيل هذه المحكمة، هو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (¬2). فلم يبق عند التنازع غير إحالة المسألة إلى حكم الله ورسوله، هذا الحكم الذي يتكفل به العلماء. وأعتقد أن محكمة صفين، التي ارتضاها الفريقان، يمكن أن تعد مثلاً معقولاً يستدل به، مع اعتقادنا أن معاوية لم يكن له حق المنازعة، إذ لم يظهر من علي رضي الله عنه ما يوجب الخروج عليه ¬

_ (¬1) د/ محمد عبد الله العربي، النظم الإسلامية (2/ 101،102) بتصرف. (¬2) سورة النساء: الآية: 59.

أو عزله، ومع ذلك، فقد خرج الحكمان- أو هكذا اتفقا- على خلع علي ومعاوية معاً، ذكر ابن سعد أن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال لأبي موسى الأشعري- رضي الله عنه-: أخبرني عن رأيك، فقال أبو موسى- رضي الله عنه-: أرى أن نخلع هذين الرجلين، ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين، فيختارون لأنفسهم من أحبوا، قال عمرو: الرأي ما رأيت، فأقبلا على الناس وهم مجتمعون، فقال له عمرو: يا أبا موسى، أعلمهم بأن رأينا قد اجتمع. فتكلم أبو موسى، فقال أبو موسى: إن رأينا قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح به أمر هذه الأمة. أيها الناس قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر شيئاً هو أصلح لأمرها، ولا ألم لشعثها من أن لا نبتز أمورها ولا نعصبها، حتى يكون ذلك عن رضى منها وتشاور، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد، على خلع علي ومعاوية (¬1). ولو قدر، أن أهل الحل والعقد قد تقاعسوا عن دورهم عن نصرة الحق، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، أو كان قد حيل بينهم وبين اجتماعهم لتقدير عزل الحاكم، فإنه لا مناص من ألا يتأخر دور الأمة في هذه الحالة، ما دامت تأنس في نفسها قدرة على ذلك. ¬

_ (¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى، دار بيروت للطباعة والنشر 1377هـ- 1957م، ص (4/ 256،257).

ثالثا: عزل الحاكم الفاسد عن طريق الأمة

ثالثاً: عزل الحاكم الفاسد عن طريق الأمة إن الأمة لها الحق في عزل الحاكم، قال البغدادي- رحمه الله-: "ومتى زاغ عن ذلك كانت الأمة عياراً عليه في العدول به من خطأه إلى صوابه، أو في العدول عنه إلى غيره، وسبيلهم معه فيها كسبيله مع خلفائه وقضاته وعماله وسعاته، إن زاغوا عن سننه عدل بهم أو عدل عنهم" (¬1). فكما أن للحاكم أن يعزل من هم دونه من عماله وموظفيه، فكذلك الحال ينبغي أن يكون للأمة مثل هذا الدور معه, ولا يشترط في ذلك إجماع الأمة على الخلع، وإنما يكفي في ذلك حصول الأغلبية على هذا الأمر (¬2). ولا بد من التأكد على توفر الشوكة والقوة، أما بدون ذلك فإن تحرك الأمة أو جانب منها لإعلان العزل لا يأتي بخير على المسلمين، فقد قام أهل المدينة بخلع يزيد بن معاوية وأخرجوا واليه عثمان بن محمد بن أبي سفيان وبني أمية من المدينة، فاستصرخ عثمان يزيد، فما كان من يزيد إلا أن أرسل إليهم جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة المري، وقد حاول هذا استمالة أهل المدينة بقوله: "إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول: أنتم الأهل والعشيرة، فاتقوا الله واسمعوا وأطيعوا، فإن لكم في عهد الله وميثاقه عطاءين في كل سنة: عطاء في الشتاء وعطاء في الصيف، ولكم عندي في عهد الله أن أجعل سعر الحنطة عندكم سعر الخبط- والخبط يومئذ سبعة أصوع بدرهم- فقالوا: نخلعه كما نخلع عمائمنا ونعالنا، فقاتلهم فهزمهم" (¬3). ¬

_ (¬1) البغدادي: أصول الدين، ص (278). (¬2) د/ محمد كامل ليلة: فلسفة الإسلام السياسية ونظام الحكم فيه، بحث بالمجلة المصرية للعلوم السياسية، العدد 22 يناير 1963م، ص (147). (¬3) البيهقي: إبراهيم بن محمد، المحاسن والمساوئ، مكتبة نهضة مصر، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، 1380هـ- 1961م (1/ 101).

ومن هذه الوسائل ما يسمى في العصر الحديث بالاعتصامات

ودور الأمة في العزل هو دور الظهير لأهل الحل والعقد, إذا أصدر هؤلاء قرارهم بالعزل، حيث تؤكد الأمة على هذا القرار وتقوم بتنفيذه. ومن هذه الوسائل ما يسمى في العصر الحديث بالاعتصامات, ويستدل لهذا بحديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله إن لي جاراً يؤذيني, فقال: (انطلق فاخرج متاعك إلى الطريق) , فانطلق فاخرج متاعه فاجتمع الناس عليه, فقالوا: ما شأنك؟ , قال: لي جار يؤذيني, فذكرت للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: (انطلق فاخرج متاعك إلى الطريق) , فجعلوا يقولون: اللهم العنه, اللهم اخزيه, فبلغه, فأتاه, فقال: ارجع إلى منزلك, فوالله لا أؤذيك (¬1). وكذا ما يسمى اليوم بالعصيان المدني (¬2) وهذه الطريقة تكون على النحو التالي:"إذا شعرت الأمة بأن هذا الإمام فاسق مستهتر وجائر لا يصلح للإمامة، وتقدمت إليه بالنصيحة ولكنه أبى واستكبر، فما عليها إلا أن تقاطعه وتقاطع من له به أية علاقة، وحينئذٍ يجد نفسه منبوذاً من أمته فإما اعتدل وإما اعتزل" (¬3). ¬

_ (¬1) الألباني: صحيح الأدب المفرد, رقم (92). (¬2) أبو فارس: النظام السياسي في الإسلام ص (273). (¬3) المرجع السابق.

وهذه لها مستند من الشرع، وهو ما جاء في الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة، ووزراء فسقة، وقضاة خونة، وفقهاء كذبة، فمن أدرك منكم ذلك الزمان فلا يكونن لهم جابياً ولا عريفاً ولا شرطياً) (¬1). وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض)، ثم قرأ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إلى قوله: {فَاسِقُونَ} (¬2) , ثم قال: (كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصرا) (¬3). وعن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث جيشاً، وأمر عليهم رجلاً، فأوقد ناراً، وقال: ادخلوها، فأرادوا أن يدخلوها، وقال آخرون: إنما فررنا منها، فذكروا ¬

_ (¬1) الطبراني: المعجم الصغير (1/ 204) , وقال: لم يروه عن قتادة إلا ابن أبي عروبة، ولا عنه إلا ابن المبارك تفرد به داود بن سليمان وهو شيخ لا بأس به, وبنحوه عند أبي يعلى، ورجاله رجال الصحيح خلا عبد الرحمن بن مسعود وهو ثقة, انظر: مجمع الزوائد (5/ 240) , والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد (12/ 63) وقال فيه داود بن سليمان الخراساني قال الطبراني لا بأس به .. (¬2) سورة المائدة: الآيات: 78 - 81. (¬3) أبو داود (2/ 524)، رقم (4336)، والحديث صححه أحمد شاكر, عمدة التفسير (1/ 715).

للنبي- صلى الله عليه وسلم-، فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: (لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة) , وقال للآخرين: (لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف) (¬1). وعن عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إنه سيلي أمركم قوم يطفئون السنة ويحدثون بدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها. قال ابن مسعود: وكيف يا رسول الله إن أدركتهم؟ , قال: يا ابن أم عبد, لا طاعة لمن عصى الله قالها ثلاثاً (¬2). وعن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لا طاعة لأحد في معصية الله تعالى (¬3). وعن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:لا طاعة لبشر في معصية الله (¬4). وعن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- قال بايعنا رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في النشاط والكسل, وعلى النفقة في اليسر والعسر, وعلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, وعلى أن نقول في الله ولا نخاف لومة لائم فيه, وعلى أن ننصر النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا قدم إلى يثرب, فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأولادنا ولنا الجنة. فهذه بيعة رسول الله- صلى الله ¬

_ (¬1) البخاري: صحيح البخاري رقم (7257) , ومسلم: صحيح مسلم (1840). (¬2) الذهبي: المهذب (2/ 1061) وقال إسناده صالح, وأحمد شاكر: مسند أحمد (5/ 302) وقال إسناده صحيح, والألباني: السلسلة الصحيحة رقم (2864) , وقال إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح, والوادعي: صحيح دلائل النبوة رقم (562) وقال صحيح, والسيوطي: الجامع الصغير رقم (4785). (¬3) ابن حزم: المحلى (11/ 109) وقال صحيح, وبمثله عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لا طاعة لمن عصى الله عز وجل ومن حديث عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لا طاعة لمن عصى الله. (¬4) ابن حزم: المحلى (9/ 361) وقال احتج به، وقال في المقدمة: (لم نحتج إلا بخبر صحيح من رواية الثقات مسند).

عليه وسلم- التي بايعنا عليها فمن نَكَثَ فإنما ينكثٌ على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وَفى الله تبارك وتعالى له بما بايع عليه نبيه- صلى الله عليه وسلم- فقال عبادة لأبي هريرة: إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، إنا بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في اليسر والعسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وعلى أن نقول في الله ولا نخاف لومة لائم، وعلى أن ننصر النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا قدم علينا يثرب, فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة, فهذه بيعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- التي بايعنا عليها, فمن نَكَثَ فإنما ينكثٌ على نفسه, ومن أوفى بما بايع عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي الله له بما بايع عليه نبيَّه- صلى الله عليه وسلم- فكتب معاوية إلى عثمان بن عفان- رضي الله عنه-: إن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام وأهله، فإما أن تكن إليك عبادة، وإما أن أخلى بينه وبين الشام، فكتب إليه أن رحل عبادة حتى ترجعه إلى داره من المدينة, فبعث بعبادة حتى قدم المدينة, فدخل على عثمان في الدار، وليس في الدار غير رجل من السابقين، أو من التابعين قد أدرك القوم, فلم يفاجأ عثمان إلا وهو قاعدٌ في جنب الدَّار، فالتفت إليه, فقال: يا عُبادةَ بن الصامت, ما لنا ولك, فقام عبادة بن الصامت بين ظهراني الناس، فقال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أبا القاسم محمدًا يقول: إنه سيلي أموركم بعدى رجال يعرفونكم, ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله، فلا تعتلوا بربكم (¬1). ¬

_ (¬1) ابن كثير: جامع المسانيد والسنن رقم (5683) , وقال لا بأس.

وعنه- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فمن أدرك ذلك منكم فلا طاعة لمن عصى الله عز وجل (¬1). وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن معاذ بن جبل قال يا رسول الله أرأيت إن كان علينا أمراء لا يستنون بسنتك ولا يأخذون بأمرك فما تأمرنا في أمرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طاعة لمن لم يطع الله (¬2). وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يكون أمراء تغشاهم غواش أو حواش من الناس، يكذبون ويظلمون، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، أعانهم على ظلمهم, فليس مني، ولست منه، ومن لم يدخل عليهم، ولم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم, فهو مني، وأنا منه (¬3). وعن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:يكون بعدي أمراء يظلمون ويكذبون (¬4). ¬

_ (¬1) الألباني: صحيح الجامع رقم (3672) وقال صحيح. (¬2) الهيثمي: مجمع الزوائد (5/ 228) وقال فيه عمرو بن زينب ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. (¬3) الألباني: صحيح الترغيب رقم (2246) وقال صحيح لغيره وبمثله من حديث كعب بن عجرة قال الوادعي: الصحيح المسند رقم (1098) صحيح, وقال أيضا في صحيح دلائل النبوة رقم (562) حسن وورد من حديث حذيفة بن اليمان قال الألباني: تخريج كتاب السنة رقم (759) إسناده جيد. (¬4) ابن حجر العسقلاني: الأمالي المطلقة رقم (216) وقال صحيح.

وعن النعمان بن بشير- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ألا إنها ستكون بعدي أمراء يظلمون ويكذبون، فمن صدقهم بكذبهم ومالأهم على ظلمهم فليس مني ولا أنا منه ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يمالئهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه (¬1). وعن أبي سعيد وأبي هريرة- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفا ولا شرطياً ولا جابياً ولا خازنا (¬2). وعن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زمن الحديبية، حتى كانوا ببعض الطريق، قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: (إن خالد ابن الوليد بالغميم، في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين) , فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، ... قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: (قوموا فانحروا ثم احلقوا) , قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يانبي الله، أتحب ذلك، اخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك ¬

_ (¬1) الألباني: صحيح الترغيب رقم (2244) وقال حسن لغيره. (¬2) المنذري: الترغيب والترهيب (2/ 30) وقال إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما, وقال الهيثمي: مجمع الزوائد (5/ 243) وقال رجاله رجال الصحيح خلا عبد الرحمن بن مسعود وهو ثقة, وقال الألباني: صحيح الترغيب رقم (790) ,وقال حسن لغيره, وفي السلسلة الصحيحة رقم (360).

وأيضا المظاهرات وشواهدها كثير من التاريخ

فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل غما ... ) (¬1). وأيضاً المظاهرات وشواهدها كثير من التاريخ, مثل قيام المعارضين من أهل المدينة ليزيد بن معاوية بالوثوب على أمير المدينة- عثمان بن محمد- ومن معه من بني أمية وموالهيهم, ومن عُرف بالميل لهم من قريش, فكانوا يقاربون ألف رجل, فألجؤهم إلى دار مروان بن الحكم, وكان قصراً واسعاً يقع بجانب الحرة في عرصة البقل (¬2). وقد حاصرهم أهل المدينة في القصر وهتفوا بخلع يزيد (¬3) , ولم تُفد توسلات عثمان بن محمد لأهل المدينة بالكف عن محاصرته (¬4). وعلى كل حال هي وسائل والأصل في الوسائل الإباحة. ومن الشواهد الحديثة- في هذا المقام- هبّة الشعب التونسي يوم 14/ 1/2011م والشعب المصري يوم 25/ 1/2011م فقد قام العلماء بدفع الشعب لعزل ذلك الحاكم الظالم زين العابدين بن علي ومحمد حسني مبارك, والله أعلم. ¬

_ (¬1) البخاري: صحيح البخاري رقم (2731). (¬2) العرصة: كل شيء متسع, وعرصة البقل: الجانب الغربي من العقيق تلتقي مع الجرف. انظر: السمهودي: وفاء الوفاء (3/ 055) , معالم طابه ص (257). (¬3) البلاذري: أنساب الآشراف (4/ 321) , السمهودي: وفاء الوفاء (3/ 054) , عن الواقدي. (¬4) البياسي: الإعلام (2/ 07).

الخاتمة ونتيجة البحث

الخاتمة ونتيجة البحث نخلص مما سبق إلى إبراز ما نعتبره أهم نقاط البحث، ممثلة في الآتي: - أن الإسلام جاء بنظام كامل للحكم، وهذا يدلُّنا على شمولية الإسلام، وصلاحيته لكل زمان ومكان. - الحكم (أي النظام السياسي) عند المسلمين هو نوع من أنواع التوحيد، وهو داخل في توحيد الألوهية بالنسبة للحاكم نفسه كشخص مسلم، أما بالنسبة للحكم (أي النظام السياسي) فهو داخل في توحيد الربوبية، لأن الحاكم هو الله تعالى. - إذا قام الحاكم بواجباته فله حقوق على أمته تعينه على القيام بهذه الواجبات، ومن هذه الحقوق الطاعة, وطاعة الحاكم واجبة فيما وافق الشرع، ومحرَّمة فيما خالف الشرع, وبقاء الحاكم في منصبه منوط بصلاحيته لتولي قيادة المسلمين. - إذا فقد الحاكم الصلاحية، وارتكب شيئًا من مسببات العزل فللأمة بأن تطلب منه أن يعزل نفسه، فإن أبى فلها أن تعلن عزله عن منصبه إذا أمنت وقوع الفتنة. - فسق وفساد الحاكم يجعله مستحقًا للعزل وفي الحديث عن مسئولية رئيس الدولة بينت أن الحاكم المسلم ليس فوق أن يسأل, وأكدت على ذلك، وعلى القول بالعزل على بعدها الممتد بين الحاكم والأمة، مع إبراز دور أهل الحل والعقد، وبخاصة العلماء منهم، في الحكم بالعزل. - أكثر الشروط إثارة للجدل بين العلماء شرط العدالة، فلو فسق الحاكم بعد توليه فإنه يعزل. - -

- لدى حديثنا عن الطرق السلمية لإنهاء ولاية الحاكم، ذكرنا أن النظام الإسلامي يقر ويعترف بها. - قد أكدنا على أهمية المقاومة السلمية في شكل الأعتصامات والمظاهرات, والعصيان المدني في إسقاط أئمة الظلم, وقد التمسنا من الأدلة الشرعية ما يؤكد الإيمان بمثل هذه الوسيلة من وسائل المقاومة السلمية. وأخيراً، فإننا نرجو الله تعالى أن نكون قد وفقنا في بحثنا هذا لسداد القول وإقامة الحجة، وأن نشكر نعمته التي أنعم علينا بإتمام هذا البحث، مستدلين ذلك بكتاب الله وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مبتعدين عن الأهواء فيما قلنا إن شاء الله. وفي الختام نقول ما قاله نبينا- عليه الصلاة والسلام-: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم, وتصلون عليهم ويصلون عليكم) لا كما في تتمة الحديث (وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم, وتلعنونهم ويلعنونكم) (¬1). اللهم ولّي علينا خيارنا ولا تولّي علينا شر شرارنا، وألف بين قلوبنا واجمع كلمتنا على الحق والعدل، والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ¬

_ (¬1) مسلم: صحيح مسلم, رقم (1855).

قائمة المراجع والمصادر

قائمة المراجع والمصادر القرآن الكريم. 1. ابن الأثير: الإمام مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري (ت:606هـ) , جامع الأصول في أحاديث الرسول, تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط, مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان. 2. ابن العربي: أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي (468 - 543هـ) , أحكام القرآن, تحقيق: علي محمد البجاوي, مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه, ط/3, 1392. 3. ابن النجار: ابن النجار الحنبلي (ت:972هـ) , شرح منتهى الإرادات, دار الفكر. 4. ابن تيمية شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ) , السياسة الشرعية, دار الكتاب العربي, بيروت, ط/4, 1969م. 5. ابن تيمية: شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ) , الحسبة, تحقيق: صلاح عزام, دار الشعب, ط/1, 1976م. 6. ابن تيمية: شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ) , مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية, جمع: عبد الرحمن بن قاسم وابنه, الرياض, ط/1, 1386هـ. 7. ابن تيمية: شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ) , منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية وبهامشه بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول, دار الكتب العلمية, بيروت- لبنان. 8. 9.

10. ابن حجر: الحافظ أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (ت: 852هـ) , تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير, تحقيق وتعليق: شعبان محمد إسماعيل, مكتبة الكليات الأزهرية 1399هـ. 11. ابن حزم: وبذيله نقد مراتب الإجماع لابن تيمية, مراتب الإجماع, دار الآفاق بيروت- لبنان, ط/1, 1978هـ. 12. ابن خلدون: المقدمة, دار الباز للنشر والتوزيع, مكة المكرمة, ط/4, 1398هـ. 13. ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المغربي, المقدمة, بيروت-دار إحياء التراث العربي. 14. ابن رجب الحنبلي: الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن أحمد رجب الحنبلي (736 - 795هـ) , القواعد في الفقه الإسلامي, راجعه وقدم له وعلق عليه: طه عبد الرؤوف سعد, مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة- مصر, ط/1, 1392هـ. 15. ابن رجب الحنبلي: زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب الحنبلي (من علماء القرن الثامن الهجري) (736 - 795هـ) , جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم, دار المعرفة للطباعة والنشر, بيروت- لبنان. 16. ابن سعد: أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع البصري (168 - 230هـ) , الطبقات الكبرى, دار بيروت للطباعة والنشر, بيروت- لبنان 1398 هـ. 17. ابن طاهر: أبو منصور عبد القادر بن طاهر التميمي البغدادي (ت:429هـ) , أصول الدين, دار الكتب العلمية بيروت- لبنان, ط/2, 1400هـ. 18. 19.

20. ابن كثير: الحافظ عماد الدين ابن كثير (ت:774هـ) , البداية والنهاية, مكتبة المعارف بيروت- لبنان, ط/3, 1979م. 21. ابن كثير: عماد الدين ابن كثير (700 - 774هـ) , تفسير القرآن العظيم, تحقيق: د/ محمد إبراهيم البنا, محمد أحمد عاشور, عبد العزيز غنيم دار الفكر العربي. 22. ابن ماجه: الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة (207 - 275هـ) , سنن ابن ماجة, حقق نصوصه ورقمه: محمد فؤاد عبد الباقي, دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. 23. ابن مفلح: إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي (ت:884هـ) , الآداب الشرعية, دار العلم للجميع 1972م. 24. ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (630 - 711هـ) , لسان العرب, دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر, بيروت- لبنان. 1388هـ. 25. أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت:790هـ) , الاعتصام, المكتبة التجارية الكبرى, مصر, 1323هـ. 26. أبو الحسن: الأشعري (ت:324هـ) , الإبانة عن أصول الديانة, تحقيق: د/ فوقيه حسين محمود, دار الأنصار- القاهرة, ط/1, 1397هـ. 27. أبو الطيب: محمد شمس الحق العظيم آبادي, عون المعبود شرح سنن أبي داود, المكتبة السلفية, ط/3, 1399هـ. 28. أبو عيسى محمد بن عيسى بن سوره (209 - 279هـ) , سنن الترمذي المسمى (الجامع الصحيح) , تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر وغيره, شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي, القاهرة, ط/2, 1398هـ. 29. 30.

31. أبو يعلي: محمد بن الحسين الفراء (ت:458هـ) , المتعمد في أصول الدين, تحقيق: د/ وديع زيدان حداد, دار الشرق, المكتبة الشرقية, بيروت- لبنان. 32. أبويعلي: محمد بن الحسين الفراء (ت: 458هـ) المتعمد في أصول الدين تحقيق: د/ وديع زيدان حداد, دار الشرق, المكتبة الشرقية, بيروت- لبنان. 33. أحمد: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (164 - 241هـ) , المسند, وبهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال, المكتب الإسلامي ودار صادر بيروت- لبنان. 34. الأزرق: أبو عبد الله بن الأزرق (ت:896هـ) , بدائع السلك في طبائع الملك, تحقيق وتعليق: د/ علي سامي النشار, وزارة الإعلام الجمهورية العراقية. 35. الأشعري: أبو الحسن على بن إسماعيل الأشعري (ت:330هـ) , مقالات الإسلاميين, تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد, مكتبة النهضة المصرية, ط/2, 1389هـ. 36. الأصبهاني: أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت:430هـ) , حلية الأولياء وطبقات الأصفياء, مطبعة السعادة, القاهرة, 1394هـ. 37. الألباني: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني, إرواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل, المكتب الإسلامي, ط/1, 1399هـ. 38. الألباني: محمد ناصر الدين الألباني, سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها, المكتب الإسلامي, ط/2, 1399هـ. 39. البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256هـ) , صحيح البخاري المسمى (الجامع الصحيح) , المطبوع على متن فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني, ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي, المكتبة السلفية. 40. 41.

42. البغدادي: عبد القادر بن طاهر بن محمد البغدادي (ت:429هـ) , الفرق بين الفرق, تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد, دار المعرفة للطباعة والنشر, بيروت- لبنان. 43. البلاذري: أحمد بن يحيى (ت: 279هـ) , أنساب الأشراف, تحقيق: محمد حميد الله, دار المعارف - مصر, ط/, 1959م./4, 400هـ. 44. البهوتي: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي (1000 - 1051هـ) , كشاف القناع عن متن الإقناع, مطبعة الحكومة بمكة المكرمة 1394 هـ. 45. البياسي: يوسف بن محمد (ت: 653هـ) , الإعلام بالحروب الواقعة في صدر الإسلام, تحقيق: شفيق الجاسر, عمان, ط/, 1407هـ. 46. البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت:458هـ) , السنن الكبرى, وفي ذيله الجوهر النفيس لعلاء الدين بن علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني (ت:745هـ) , دار الفكر, بيروت- لبنان. 47. الجصاص: أحمد بن علي أبي بكر الرازي المعروف بالجصاص (305 - 370هـ) , أحكام القرآن, طبع بمطبعة الأوقاف الإسلامية في دار الخلافة العلية, دار الكتاب العربي بيروت- لبنان, ط/1, 1335هـ. 48. الجويني: أبو المعالي إمام الحرمين عبد الملك الجويني, غياث الأمم في التياث الظلم, تحقيق: د/مصطفى حلمي، د/ فؤاد عبد المنعم, دار الدعوة, الإسكندرية, ط/1, 1400هـ. 49. الحاكم: الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ت:455هـ) , المستدرك على الصحيحين, دار الكتاب العربي, بيروت- لبنان. 50. الحنفي: ابن أبي العز الحنفي, شرح العقيدة الطحاوية, تخريج: محمد ناصر الدين الألباني, المكتب الإسلامي, ط/3. 51. 52.

53. الخطيب: الشيخ محمد الشربيني الخطيب (من أعيان علماء الشافعيين في القرن العاشر الهجري) على متن المنهاج للنووي, مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج, المكتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ. 54. الدارمي: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي (ت:225هـ) , سنن الدارمي دار إحياء السنن النبوية. 55. الرازي: أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الملقب بفخر الدين الرازي (544 - 606هـ) , مفاتيح الغيب المشهور بـ (التفسير الكبير) , مؤسسة المطبعة الإسلامية بالقاهرة. 56. رضا: محمد رشيد رضا, الخلافة أو الإمامة العظمى, مطبعة المنار سنة 1341هـ. 57. الزمخشري: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (467 - 538هـ) , الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل, ومعه حاشية الجرجاني, وكتاب الإنصاف لابن المنير الأسكندري, تحقيق: محمد الصادق قمحاوي, شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده- مصر, ط/ أخيرة, 1392هـ. 58. زيدان: عبد الكريم زيدان, أصول الدعوة, مكتبة المنار الإسلامية, ط/3, 1396هـ. 59. الساعاتي: أحمد بن عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي, الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومعه كتاب بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني, دار إحياء التراث العربي, ط/2. 60. السيوطي: الحافظ جلال الدين السيوطي, صحيح الجامع الصغير وزياداته, تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني, دار إحياء الكتب العربية. القاهرة, ط/1, 1374هـ. 61. الشنقيطي: محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي, أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن, طبع على نفقة محمد بن عوض بن لادن رحمه الله, مكتبة التراث الإسلامي- حلب, ط/2 1400هـ. 62. 63.

64. الشهرستاني: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني (479 - 548هـ) , الملل والنحل, تحقيق: محمد سيد كيلاني, دار المعرفة, بيروت- لبنان, ط/2, 1395هـ. 65. الشوكاني: محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت:1250هـ) , فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير, مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر, ط/2, 1383هـ. 66. الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (224 - 310هـ) , جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) , ط/3, 1388هـ, مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي, القاهرة, نسخة أخرى تحقيق: أحمد شاكر ومحمود شاكر, ط/2, دار المعارف بمصر. 67. الظاهري: أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري, وبهامشه الملل والنحل للشهرستاني, الفصل في الملل والأهواء والنحل, دار المعرفة للطباعة والنشر, بيروت, ط/2, 1395هـ. 68. العسقلاني: الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 - 852هـ) , فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري, تصحيح وتعليق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز- أشرف على طبعه: محب الدين الخطيب, ورقم أبوابه وأحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي, المكتبة السلفية. 69. العظيم أبادي: أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي, عون المعبود بشرح سنن أبي داود, المكتبة السلفية, ط/3, 1399هـ. 70. الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (ت:505هـ) , إحياء علوم الدين, دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت- لبنان. 71. القاضي أبو يعلي محمد بن الحسين الفراء الحنبلي (ت:458هـ) , الأحكام السلطانية, تحقيق: محمد حامد الفقي, شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي, القاهرة- مصر, ط/2, 1386هـ. 72. 73.

74. القاضي أبو يعلى: محمد بن الحسين الفراء الحنبلي (ت:458هـ)، المعتمد في أصول الدين، بدمشق 1954م. 75. القاضي عبدالجبار: أبي الحسن عبد الجبار الأسد أبادي (المعتزلي) (ت:415هـ) , المغني في أبواب التوحيد والعدل, تحقيق: د/ عبد الحليم محمود, ود/ سليمان دنيا، مراجعة: د/ إبراهيم مدكور, إشراف: د/ طه حسين, الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 م. 76. القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي, الجامع لأحكام القرآن, دار الكتاب العربي للطباعة والنشر, القاهرة, ط/3, 1387هـ. 77. القلقشندي: أحمد بن علي القلقشندي (756 - 820هـ) , مآثر الانافة في معالم الخلافة, تحقيق: عبد الستار أحمد فراج, عالم الكتب, بيروت- لبنان, ط/2, 1380هـ. 78. الكمال بن أبي شريف في شرح المسايرة للكمال بن الهمام في علم الكلام, المسامرة, مطبعة السعادة-مصر, ط/2, 1347 هـ. 79. مالك: الإمام مالك بن أنس, الموطأ, صححه ورقمه وخرج أحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه. 80. الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت:450هـ) , أدب الدنيا والدين, ط/3. 81. الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت:450هـ) , الأحكام السلطانية والولايات الدينية, شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي- القاهرة, ط/3, 1393هـ. 82. الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت:450هـ) , الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل (817 - 885 هـ) صححه وحققه: محمد حامد الفقي, ط/1, 1374هـ. 83. 84.

85. مرتضى: محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى, إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين, دار إحياء التراث العربي, بيروت- لبنان. 86. مسلم: أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206 - 261هـ) , صحيح مسلم, ترقيم وتحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء الكتب العربية, القاهرة, ط/1, 1374هـ. 87. النووي: أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف الدين النووي (ت:676هـ) , المجموع شرح المهذب, مع التكملة لمحمد نجيب المطيعي, زكريا علي يوسف, مطبعة الإمام- مصر. 88. النووي: يحيى بن شرف الدين النووي (631 - 676هـ) , روضة الطالبين, المكتب الإسلامي. 89. النووي: يحيى بن شرف الدين النووي (631 - 676هـ) , شرح النووي على صحيح مسلم, المطبعة المصرية ومكتبتها. 90. الهندي: علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري (ت:975هـ) , كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال, ضبطه وفسر غريبه: الشيخ حسن رزوق, صححه ووضع فهارسه: صفوت السقا, مكتبة التراث الإسلامي بحلب, ط/1, 1389هـ. 91. الهيثمي: الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت:807هـ) , مجمع الزوائد ومنبع الفوائد, دار الكتاب العربي- بيروت- لبنان, ط/2, 1402هـ. ولله الحمد والمنَّة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين,,, والله حسبنا ونعم الوكيل

§1/1