الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ط عالم الفوائد
ابن القيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رَاجَعَ هَذَا الجُزْءَ سليمان بن عبْد الله العمير إبْراهِيْم بن عَلي العُبَيدْ
مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية SULAIMAN BIN ABDUL AZIZ AL RAJHI CHARI CHARIT ABLE FOUNDATION حقوق الطبع والنشر محفوظة لمؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية الطبعة الأولى 1428 هـ دَار عَالم الفوَائد للنَّشْر وَالتَّوزيْع مكة المكرمة ص. ب 2928 - هاتف 5505305 - فاكس 5542309 الصَّف وَالإخراجْ دَارُ عَالمِ الفَوَائِد للِنّشْر وَالتَّوزيْع
مقدمة التحقيق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70، 71]. اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فنظرًا لطبيعة عملي قاضيًا شرعيًّا، ولكثرة رجوعي وزملائي القضاة للكتاب القيم "الطرق الحكمية" للعلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى -، ولكون هذا الكتاب لم يحظ بتحقيق مرضٍ لا من ناحية المتن، ولا من ناحية التخريج والتوثيق والدراسة، وإن كان من قام بطبع الكتاب قد حظي بقصب السبق فلهم منا الدعاء بالمغفرة والرحمة، وحيث الأمر ما ذكر فقد قررت تحقيق الكتاب لنيل الشهادة العالمية "الدكتوراه"، وإخراجه بالصورة التي أرادها المؤلف - رحمه الله تعالى -، وخدمة النص حسب الخطة التي سيرد ذكرها لاحقًا - إن شاء الله تعالى -.
أسباب اختيار تحقيق الكتاب
وهذه أسباب اختيار تحقيق الكتاب: أولًا: هذا الكتاب يُعدّ مرجعًا خصبًا للقضاة في حل المشاكل والمعضلات. ثانيًا: كثرة الأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة - رضي الله عنهم - في هذا السفر. ثالثًا: أن الكتاب يُظهر جليًّا الدرجة الكبيرة التي وصل إليها علماء الأمة الإِسلامية في مجال القضاء، وطرق التقاضي، ووسائل الإثبات، وكيفية التعامل مع المتهم، حيث فاقوا وسبقوا الأمم المعاصرة بكثير. رابعًا: أن مؤلف هذا الكتاب من العلماء المجتهدين. خامسًا: أن هذا الكتاب في الفقه المقارن، وليس مذهبيًّا بحتًا. سادسًا: اتباعه في الترجيح لما ينصره الدليل. سابعًا: كثرة مصادر المؤلف في هذا الكتاب. ثامنًا: أن هذا الكتاب على أهميته لم يخدم حتى الآن خدمة علمية؛ إذ جميع الطبعات لا تخلو من سقط كثير من ناحية المتن، وبعض الطبعات لم يستند محققها على أي مخطوطة، بل اعتمد على طبعات سابقة، ووقع في الأخطاء نفسها. وستكون دراستي في هذا الكتاب كما يلي: أولًا: القسم الدراسي: وجعلته فصلين: الفصل الأول: أهم الكتب المؤلفة في القضاء.
منهج التحقيق
الفصل الثاني: دراسة كتاب "الطرق الحكمية"، وتشمل سبعة مباحث: المبحث الأول: تحقيق اسم الكتاب، وتوثيق نسبته للمؤلف. المبحث الثاني: موضوعه، وسبب تأليفه. المبحث الثالث: منهج المؤلف في كتابه. المبحث الرابع: مصادره. المبحث الخامس: خصائص الكتاب ومزاياه. المبحث السادس: مختصرات الكتاب. المبحث السابع: وصف النسخ الخطية، ويتضمن: عدد النسخ المخطوطة، والتعريف بالنسخ، وتاريخ النسخ، ونماذج من المخطوطات. ثانيًا: القسم التحقيقي: وقد اتبعت فيه المنهج الآتي: 1 - نسخ الكتاب وفق المخطوطات المتوفرة، بحيث يصبح أقرب ما يكون إلى الأصل الذي وضعه مؤلفه، مع إبراز الفروق بين النسخ في الهامش، وتعليل الاختيار عند الحاجة. 2 - كتابة النص وفق القواعد الإملائية عدا الآيات فوفق الرسم العثماني. 3 - عزو الآيات إلى مواضعها في كتاب الله تعالى.
4 - تخريج الأحاديث، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بذلك، إلا لأمر يستدعي ذكر غيرهما، أما إذا كان الحديث في غيرهما فإني أشير إلى مكان وجوده، وبيان ما قاله أهل العلم في درجته. 5 - تخريج الآثار. 6 - شرح الكلمات الغريبة والغامضة. 7 - توثيق النصوص التي نقلها المؤلف، وعزوها إلى مصادرها الأصلية ما أمكن ذلك. 8 - ترجمة ما يحتاج إلى ترجمة من الأعلام، (وقد حذفت أكثر التراجم عند طبع الكتاب). 9 - صنعت الفهارس اللفظية للكتاب وهي تسعة، ثم قام الشيخ عبد الرحمن حسن قائد مشكورًا بصنع الفهارس العلمية وهي تسعة، ومراجعة الفهارس اللفظية: ولا يفوتني هنا أن أتقدم بالشكر والعرفان والامتنان إلى فضيلة المشرف على هذه الرسالة الأستاذ الدكتور/ إدريس جمعة ضرار، وفضيلة المشرف المتابع الأستاذ الدكتور/ إبراهيم نورين، على ما أحاطاني به من عطف الوالد، وما خصاني به من علمهما الجم، وخلقهما السمح. أسأل الله تعالى أن يجزل مثوبتهما، ويحسن عاقبتهما، ويبارك في جهودهما، وينفع بعلمهما. وأتوجه كذلك بالشكر لصاحب المعالي فضيلة الشيخ بكر بن
عبد الله أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء، على ما تفضل به علي بالنصح والمشورة، وعلى تفضله بتزويدي بصورة من النسخة الحجرية المتوجة بتعليقات نفيسة لسماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى، وكذا بصورة من طبعة الشيخ محمَّد بن عبد الرحمن بن قاسم للكتاب، سائلًا المولى أن يجزيه خير الجزاء، وأن يلبسه ثوب الصحة والعافية. كما أتوجه بالشكر البالغ والدعاء الخالص بالتوفيق والسداد للمسئولين في جامعة أم درمان الإسلامية، وكل القائمين عليها، وأخص منها دوحة مجدها وواسطة عِقْدها كلية الشريعة الغراء والدراسات العليا، وأعم بالشكر والامتنان كل من ساعد على إنجاز هذا البحث، خاصة أثناء فترة الطباعة الذين لا أجد لهم مكافأة غير الدعاء الصالح. وختامًا: أسأل الله تعالى أن يوفقني لحسن القصد وإصابة الحق، ويمنّ عليّ بالقبول وسائر المسلمين. وصلَّى الله على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. كتبه نايف بن أحمد بن علي الحمد القاضي بالمحكمة العامة بالرياض الرياض 11545 ص. ب 60185 جوال 0505248649
الفصل الأول: الكتب المؤلفة في القضاء
الفصل الأول: الكتب المؤلفة في القضاء إن الأمم لا تبلغ أوج عزها، ولا ترقى إلى عز مجدها إلا حين يعلو العدلُ تاجَها، وتبسطه على القريب والبعيد والقوي والضعيف، وإن العدل ليصل في الإِسلام قمته في الحكم والقضاء والفصل في الخصومات، فالقضاء في الإسلام يرتكز على أصول وقواعد وثوابت ذات عمق في تحصيل مصالح العباد، وحفظ حقوقهم، واستجلاب الأمن والخير والعدل في شتى صور حياتهم، فالعدل مرتبة شريفة، ومنزلة رفيعة، به قامت السماوات والأرض، وقد بعث الله تعالى به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم فقاموا به أتم قيام {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} [النساء: 105]، فبالعدل "يرفع التهارج، وترد النوائب، ويقمع الظالم، وينصر المظلوم، وتقطع الخصومات، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر .. " (¬1). "وبه الدماء تعصم وتسفح، والأبضاع تحرم وتنكح، والأموال يثبت ملكها وتسلب .. " (¬2). قال عمير بن سعد - رضي الله عنه -، وكان أميرًا على حمص: "ألا إن الإسلام حائط منيع، وباب وثيق، فحائط الإسلام العدل، وبابه الحق، فلا يزال منيعًا ما اشتد السلطان، وليس شدة السلطان قتلًا بالسيف، ولا ضربًا بالسوط، ولكن قضاء بالحق وأخذ ¬
بالعدل" (¬1). والقضاء عند الأمم رمز سيادتها واستقلالها، والأمة التي لا قضاء فيها لا حق فيها، وتاريخ القضاء في كل أمة هو عنوان مجدها، وتاريخ الإِسلام في القضاء وضاء، وقضاة المسلمين لهم في هذا باع طويل (¬2)، والناظر إلى أحكام الشريعة في أصول القضاء وفروعه يجد ثروة متنوعة، من التقريرات في النظريات المبنية على الأصول، والقواعد الشرعية، تفيد بنتيجة جازمة محققة بسبق الشريعة وريادتها (¬3)، وقد اهتم علماء المسلمين سلفًا وخلفًا بدراسة القضاء وآداب القضاة، حتى غدا علمًا مستقلًّا؛ فمنهم من جعل له بابًا مستقلًّا كالإمام مالك، وأصحاب الكتب الستة، وكتب المذاهب الفقهية المختصر منها والمطول، وأفرده بالتأليف جمع من أهل العلم، ومنهم الإمام العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه: "الطرق الحكمية" و"إعلام الموقعين". وفيما يلي نورد جملة من هذه المؤلفات مرتبة ترتيبًا هجائيًّا: 1 - آداب القضاء، لأبي عبد الله أصبغ بن الفرج المالكي (¬4) ت 225 هـ. ¬
2 - آداب القضاء، لمحمد بن عبد الله بن عبد الحكم المالكي (¬1) ت 282 هـ. 3 - آداب الحكام، لأبي جعفر محمَّد بن جرير الطبري (¬2) ت 310 هـ. 4 - الأجوبة الممضاة على أسئلة القضاة، لمحمود بن محمَّد الحمزاوي الحنفي (¬3) ت 1350 هـ. 5 - أجوبة الحكام فيما يقع للعوام من نوازل الأحكام، لأبي إسحاق إبراهيم بن حسن بن عبد الرفيع الربعي المالكي (¬4) ت 733 هـ. 6 - الأحكام، لأبي حفص عمر بن محمَّد البلنسي (¬5) ت 557 هـ. 7 - الأحكام، للقاضي أبي المطرف عبد الرحمن بن قاسم المالقي المالكي (¬6) ت 497 هـ. 8 - الأحكام والشروط، لأبي عبد الله محمَّد بن عيسى بن محمَّد ¬
المناصف المالكي (¬1) ت 620 هـ. 9 - أحكام القضاة، لولي الدين العراقي (¬2). 10 - الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، لأبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المالكي (¬3) ت 684 هـ. 11 - أدب الحكام الصغير وأدب الحكام الكبير، للإمام أحمد بن محمَّد الطحاوي الحنفي (¬4) ت 321 هـ. 12 - أدب الحكام في سلوك الأحكام واشتهر بـ "أدب القضاء"، لأبي روح عيسى بن عثمان بن عيسى الغزي (¬5) ت 799 هـ. ¬
وقد اختصره زكريا بن محمَّد الأنصاري الشافعي (¬1) ت 926 هـ وسماه: "عماد الرضا ببيان أدب القضا". وشرح هذا المختصر زين الدين محمَّد عبد الرؤوف بن علي المناوي الشافعي (¬2) ت 1031 هـ وسماه: "فتح الرؤوف القادر لعبده العاجز القاصر". 13 - أدب القاضي، للقاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الكوفي (¬3) ت 182 هـ. وقد شرحه بعض العلماء منهم: أ - أبو جعفر محمَّد بن عبد الله الهندواني (¬4) ت 362 هـ. ب - أبو بكر محمَّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (¬5) ت 483 هـ. ج - الصدر الشهيد عمر بن عبد العزيز مازه (¬6) ت 536 هـ. 14 - أدب القاضي، للإمام محمَّد بن الحسن الشيباني الحنفي (¬7) ت 189 هـ. ¬
15 - أدب القاضي، للحسن بن زياد اللؤلؤي الحنفي (¬1) ت 204 هـ. 16 - أدب القاضي، للإمام محمَّد بن إدريس الشافعي (¬2) ت 204 هـ. 17 - أدب القاضي، لأبي عبيد القاسم بن سلام (¬3) ت 224 هـ. 18 - أدب القاضي، لأبي عبد الله محمَّد بن سماعة التميمي الحنفي (¬4) ت 233 هـ. 19 - أدب القاضي، لأبي بكر أحمد بن عمرو الخصاف (¬5) ت 261 هـ. وقد شرحه جمع من علماء الحنفية منهم: - أبو جعفر محمَّد بن عبد الله الهندواني (¬6) ت 362 هـ. ¬
- أبو بكر أحمد بن علي الجصاص (¬1) ت 370 هـ. - أبو الحسين أحمد بن محمَّد القدوري (¬2) ت 428 هـ. - شمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلواني (¬3) ت 456 هـ. - علي بن الحسن السغدي (¬4) ت 461 هـ. - شمس الأئمة محمَّد بن أحمد السرخسي (¬5) ت 483 هـ. - أبو بكر محمَّد الشهير بشيخ الإِسلام خُوَاهَرْ زاده (¬6) ت 483 هـ. - الصدر الشهيد عمر بن عبد العزيز بن مازه (¬7) ت 536 هـ. - الحسن بن منصور الأوزجندي الشهير بقاضيخان (¬8) ت 592 هـ. ¬
- أبو المعالي محمود بن أحمد بن عبد العزيز (¬1) ت 616 هـ. - محمَّد بن أحمد القاسمي الخجندي (¬2) ت 920 هـ، هذه جملة من الشروح. وقد اختصره أبو محمَّد عبد الله بن الحسين الناصحي (¬3) ت 447 هـ. 20 - أدب القاضي، للإمام داود بن علي بن خلف الظاهري (¬4) ت 270 هـ. 21 - أدب القاضي، لأبي خازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي (¬5) ت 292 هـ. 22 - أدب القاضي، لأبي المهلب هيثم بن سليمان القيسي الحنفي (¬6) ت 275 هـ. 23 - أدب القاضي، لأبي محمَّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ¬
الدينوري (¬1) ت 276 هـ. 24 - أدب القاضي، لأبي جعفر محمَّد بن جرير الطبري (¬2) ت 310 هـ. 25 - أدب القاضي، لأبي جعفر أحمد بن إسحاق التنوخي الحنفي (¬3) ت 317 هـ. 26 - أدب القاضي، لأبي سعيد الحسن بن أحمد الاصطخري الشافعي (¬4) ت 328 هـ. 27 - أدب القاضي، لعلي بن محمَّد النخعي الحنفي (¬5) ت 324 هـ. 28 - أدب القاضي، لأبي العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص (¬6) ت 335 هـ. ¬
29 - أدب القاضي، لأبي حامد أحمد بن بشر بن عامر المروزي الشافعي (¬1) ت 362 هـ. 30 - أدب القاضي، لأبي بكر محمَّد بن علي القفال الشاشي الشافعي (¬2) ت 365 هـ. 31 - أدب القاضي، لأبي علي الحسن بن داود البستي السمرقندي الحنفي (¬3) ت 395 هـ. 32 - أدب القاضي، لأبي نصر أحمد بن عمرو بن موسى البخاري الحنفي (¬4) ت 396 هـ. 33 - أدب القاضي، لأبي الحسين أحمد بن محمَّد القدوري الحنفي (¬5) ت 428 هـ. 34 - أدب القاضي، لأبي الحسن علي بن محمَّد بن حبيب الماوردي الشافعي (¬6) ت 450 هـ. ¬
35 - أدب القاضي، لأبي عاصم محمَّد بن أحمد العبادي الهروي الشافعي (¬1) ت 458 هـ. وقد شرحه أبو سعد بن أحمد بن أبي يوسف الهروي (¬2) وسماه: "الإشراف على غوامض الحكومات". 36 - أدب القاضي، لأبي نصر أحمد بن منصور الإسبيجابي الحنفي (¬3) ت 480 هـ. 37 - أدب القاضي، لأبي بكر عمر بن بكر الزرنجري الحنفي (¬4) ت 584 هـ. 38 - أدب القاضي، لأبي محمَّد الحسين بن مسعود بن محمَّد البغوي الشافعي (¬5) ت 615 هـ. ¬
39 - أدب القاضي، لجلال الدين محمَّد بن أحمد الشافعي المعروف بالمحلي (¬1) ت 890 هـ. 40 - أدب القضاء، لأبي بكر محمَّد بن عبد الله الصيرفي الشافعي (¬2) ت 330 هـ. 41 - أدب القضاء، لأبي بكر محمَّد بن أحمد الشافعي المصري المعروف بابن الحداد (¬3) ت 345 هـ. 42 - أدب القضاء، لأبي الحسن محمَّد بن يحيى بن سراقة العامري الشافعي (¬4) ت 410 هـ. 43 - أدب القضاء، لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي الشافعي (¬5) ت 429 هـ. 44 - أدب القضاء، لأبي بكر أحمد بن محمَّد بن هارون البغدادي الحنبلي المعروف بالخلال (¬6) ت 311 هـ. ¬
45 - أدب القضاء، لأبي علي الحسن بن علي بن يزيد الكرابيسي الشافعي (¬1) ت 245 هـ. 46 - أدب القضاء، لأبي محمَّد عبد الله بن الحسين الناصحي الحنفي (¬2) ت 447 هـ. 47 - أدب القضاء، لأبي الحسن علي بن أحمد الدَّبيلي - ويقال: الزَّبيلي - الشافعي (¬3) من أعيان القرن الخامس. والله أعلم. 48 - أدب القضاء ويسمى: "العمدة"، لأبي المعالي مُجَلِّي بن جُميع القرشي المخزومي الشافعي (¬4) ت 550 هـ. 49 - أدب القضاء، لأبي عبد الله عبد المنعم بن محمَّد الغرناطي المالكي يعرف بابن الغرس (¬5) ت 599 هـ. 50 - أدب القضاء، لأبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله الشافعي ¬
المعروف بابن أبي الدم الحموي (¬1) ت 642 هـ، ويسمى "الدرر المنظومات في الأقضية والحكومات". 51 - أدب القضاء، لأبي العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي (¬2) ت 710 هـ. 52 - أدب القضاء، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي (¬3) ت 911 هـ. 53 - أدب القضاة، لكامل المنلي الحنفي (¬4) توفي بعد سنة 1267 هـ. 54 - أدب القضاة، لشرف الدين أحمد بن مسلم القرشي الدمشقي الشافعي (¬5) ت 793 هـ. ¬
55 - الارتضاء في شروط الحكم والقضاء، لأثير الدين محمَّد بن عمر الخصوصي القاهري الشافعي (¬1) ت 843 هـ. 56 - الاستغناء في آداب القضاء، لأبي القاسم خلف بن مسلمة ابن عبد الغفور المالكي (¬2) ت 440 هـ. 57 - الإشارة الناصحة لمن طلب الولاية بالنية الصالحة، لمحمد ابن سعيد السوسي المراكشي المالكي (¬3) ت 1089 هـ. 58 - الإشراف على غوامض الحكومات، لأبي سعيد محمَّد بن أحمد الهروي الشافعي (¬4) ت 518 هـ. وقد تقدم أنَّه شرح لكتاب العبادي "أدب القاضي". 59 - إشراق النيرين في بيان الحكم إذا تخلف عن الوعد أحد الخصمين، لمحمد بن علي الشوكاني (¬5) ت 1250 هـ. 60 - اعتماد الحكام في مسائل الأحكام، لأبي علي حسن بن زكنون المالكي (¬6). ¬
61 - الإعلام بنوازل الأحكام، لأبي الأصبغ عيسى بن سهل عبد الله الأسدي المالكي (¬1) ت 486 هـ. 62 - الإعلام بالمحاضر والأحكام، لأبي محمَّد عبد الله بن أحمد ابن دبوس الزناتي (¬2) ت 511 هـ. 63 - الإعلام في مصطلح الشهود والحكام، لنجم الدين بن إبراهيم بن علي بن أحمد الطرسوسي الحنفي (¬3) ت 758 هـ. 64 - إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (¬4). 65 - كتاب الأقضية، لأبي محمَّد عبد الله بن عروة الهروي (¬5). ¬
ت 311 هـ. 66 - كتاب الأقضية، لأبي القاسم أحمد بن محمَّد بن زياد المعروف بابن شبطون اللخمي المالكي (¬1) ت 312 هـ. 67 - كتاب الأقضية، لأبي نصر حبيب بن نصر بن سهل التميمي المالكي (¬2) ت 287 هـ. 68 - كتاب الأقضية، لأبي عبد الله محمَّد بن علي بن عمر المازري المالكي (¬3) ت 536 هـ. 69 - أقضية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأبي عبد الله محمَّد بن الفرج المالكي المعروف بابن الطلاع (¬4) ت 497 هـ. 70 - أقضية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لظهير الدين علي بن عبد الرزاق المرغيناني الحنفي (¬5) ت 506 هـ. 71 - أقضية شريح، لأبي القاسم خلف بن قاسم بن سهل القرطبي ¬
المالكي المعروف بابن الدباغ (¬1) ت 393 هـ. 72 - بصيرة الحكام، لمحي الدين محمَّد بن إبراهيم بن فرحون (¬2). 73 - بلوغ السول من أقضية الرسول، لصديق حسن خان (¬3) ت 1307 هـ. 74 - تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، لبرهان الدين إبراهيم بن علي بن أبي القاسم المالكي المعروف بابن فرحون (¬4) ت 799 هـ. وقد رتبه عبد الرحمن بن محمَّد بن الحبيب اللمطي (¬5) وسماه: "نظم الدر المكنون في ترتيب تبصرة ابن فرحون". 75 - تبصرة القضاة والإخوان، لحسن العدوي الحمزاوي ¬
المالكي (¬1) ت 1303 هـ. 76 - تحبير التحرير في إبطال القضاء بالفسخ بالغبن الفاحش بلا تغرير، لمحمد أمين بن عمر الحنفي المعروف بابن عابدين (¬2) ت 1252 هـ. 77 - تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام، لأبي بكر محمَّد ابن محمَّد بن عاصم المالكي القيسي (¬3) ت 829 هـ أرجوزة. وقد شرحها جمع من علماء المالكية منهم: أ - ولده يحيى بن محمَّد بن محمَّد القيسي (¬4). ب - أبو العباس أحمد بن عبد الله المعروف باليزناسي (¬5). ج - محمَّد بن أحمد الفاسي المالكي المعروف بميارة (¬6) ت 1072 هـ، وسماه: "الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام" ¬
المشهور بشرح ميارة على التحفة. د - أبو عبد الله محمَّد التاودي بن الطالب الفاسي (¬1) ت 1209 هـ، وسماه: "حلي المعاصم لبنت فكر ابن عاصم". هـ - أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي (¬2) ت 1258 هـ، وسماه: "البهجة في شرح التحفة". و- محمَّد بن يوسف القاضي التونسي (¬3) ت 1339 هـ، وسماه: "إحكام الأحكام على تحفة الحكام". 78 - تنبيه الحكام، لأبي عبد الله محمَّد بن عيسى بن محمَّد القرطبي المالكي المعروف بابن المناصف (¬4) ت 620 هـ. 79 - تنبيه الخواص على أن الإمضاء من القضاء في الحدود لا في القصاص، لمحمود بن أحمد الحمزاوي الحنفي (¬5) ت 1305 هـ. 80 - توقيف الحكام على غوامض الأحكام، لشهاب الدين أحمد ¬
ابن العماد الأقفهسي الشافعي (¬1) ت 808 هـ. 81 - جامع مسائل الأحكام لما نزل بالقضايا من المفتين والحكام، لأبي القاسم محمَّد بن أحمد البُرزلي المغربي المالكي (¬2) ت 844 هـ. 82 - جواهر الأحكام ومعين القضاة والحكام، لمحمد بن محمود ابن محمَّد (¬3) "من القرن العاشر". 83 - جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود، لشمس الدين محمَّد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي (¬4) ولد سنة 810 هـ ولم أجد تاريخ وفاته. 84 - الديباج المذهب في أحكام المذهب، لأبي عبد الله محمَّد ابن حسن بن إسماعيل البنبي الشافعي (¬5) ت 865 هـ. 85 - دستور القضاة، للقاضي مسعود الرازي (¬6). ¬
86 - الدعوى والإنكار، لأبي عبد الله محمَّد بن الحسن الرعيني المالكي (¬1). 87 - رد القول الخائب في القضاء على الغائب، للشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي (¬2) ت 879 هـ. 88 - رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في القضاء (¬3). وقد شرحها جمع من أهل العلم منهم: أ - أبو العباس محمَّد بن يزيد الشهير "بالمبرد" أحد أئمة العربية في القرن الثالث في كتابه: "الكامل في اللغة والأدب" (¬4). ب - أبو بكر محمَّد بن أحمد بن سهل السرخسي الحنفي ت 483 هـ، في كتابه: "المبسوط" (¬5). ج - حسام الدين عمر بن عبد العزيز بن مازة البخاري الحنفي (¬6) ت 536 هـ. د - أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن العربي المالكي ت 543 هـ في "عارضة الأحوذي" (¬7). ¬
هـ - ابن قيم الجوزية في كتابه: "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (¬1) وشرحها شرحًا طويلًا جدًّا. و- محمَّد بن محمَّد بن أبي بكر الميلي القسطنطيني من علماء القرن التاسع الهجري، وقد شرحها بمصنف أسماه: "الافتتاح من الملك الوهاب في شرح رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب" (¬2). ز - أبو القاسم الطبري (¬3). 89 - رسالة في شرح حديث: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" (¬4)، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي ت 474 هـ. 90 - رسالة في قضاء الأعمى وجوازه، لأبي سعد عبد الله بن محمَّد بن هبة الله المعروف بابن أبي عصرون الشافعي (¬5) ت 585 هـ. 91 - روضة الأحكام وزينة الحكام، لأبي نصر شريح بن عبد الكريم بن أحمد الروياني الشافعي (¬6) ت 505 هـ. ¬
92 - روضة القضاة في المحاضر والسجلات، لمصطفى بن محمَّد الرومي الحنفي (¬1) ت 1097 هـ. 93 - روضة القضاة وطريق النجاة (¬2)، لأبي القاسم علي بن محمَّد بن أحمد الرحبي الرومي السمناني الحنفي ت 493 هـ. 94 - زهر الكمام في إحكام أحكام الحكام، لمحمد بن عبد الله الغزي الأندلسي (¬3) ت 546 هـ. 95 - سر السراة في أدب القضاة، لأبي الفضل عياض بن موسى ¬
ابن عياض اليحصبي المالكي (¬1) ت 544 هـ. 96 - السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني الحنبلي (¬2) ت 728 هـ. 97 - السياسة الشرعية، لزين الدين بن إبراهيم بن محمَّد الشهير بابن نجيم الحنفي (¬3) ت 970 هـ. 98 - السياسة الشرعية، لإبراهيم بن يحيى خليفة المعروف بدده أفندي الحنفي (¬4) ت 973 هـ. 99 - السياسة والأحكام، لأبي المكارم محمَّد بن مصطفى بن ¬
حبيب الملقب بالدده الحنفي (¬1) ت 1146 هـ. 100 - سيف القضاة على البغاة، لمحيي الدين محمَّد بن سليمان الكافيجي الحنفي (¬2) ت 879 هـ. 101 - ضياء الحكام فيما لهم وعليهم من الأحكام (¬3)، لعبد الله بن محمَّد بن فودي ت 1246 هـ. 102 - الطرق الحكمية (¬4)، لابن قيم الجوزية. 103 - الطريقة الواضحة إلى البينة الراجحة، لمحمود بن محمَّد الحمزاوي الحنفي (¬5) ت 1305 هـ. 104 - ظفر اللاضي بما يجب في القضاء على القاضي، لصديق حسن خان القنوجي (¬6) ت 1307 هـ. 105 - العقد المنظم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام، لعبد الله بن علي بن عبد الله الكناني المالكي الشهير بابن سلمون (¬7) ت 741 هـ. ¬
106 - عمدة الحكام فيما لا ينفذ من الأحكام، لنجم الدين إبراهيم بن علي الطرسوسي الحنفي (¬1) ت 758 هـ. 107 - عمدة الحكام ومرجع القضاة في الأحكام، لمحب الدين محمَّد بن أبي بكر الدمشقي الحنفي (¬2) ت 1016 هـ. 108 - العمدة في أدب القضاء، لمحمد بن يحيى الخبوشاني (¬3) ت 474 هـ. 109 - الفائق في الأحكام والوثائق، لأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله بن راشد القفصي المالكي (¬4) ت 736 هـ. 110 - الفواكه البدرية في الأقضية الحكمية، لبدر الدين أبي اليسر محمَّد بن محمَّد الشهير بابن الغرس الحنفي (¬5) ت 932 هـ. ويسمى: "الفوائد الفقهية في أطراف الأقضية الحكمية" (¬6). 111 - فصول الأحكام لأصول الأحكام (¬7)، لأبي الفتح عبد الرحيم ¬
ابن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني من علماء القرن السابع. 112 - فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء والحكام، لأبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي القرطبي المالكي (¬1) ت 474 هـ. ويسمى: "أحكام القضاة" (¬2). 113 - كتاب "القضاء"، لأبي الحارث سريج بن يونس بن إبراهيم البغدادي (¬3) ت 235 هـ. 114 - كتاب القضاة، لأبي محمَّد عبد الغني بن سعيد بن بشر ¬
الأزدي المصري (¬1) ت 409 هـ. 115 - كتاب القضاء والأرضين والدور (¬2)، لأبي الوليد محمَّد بن رشد المالكي "الجد" ت 520 هـ. 116 - كتاب القضاة والشهود، لأبي سعيد محمَّد بن علي بن عمرو الأصبهاني الحنبلي المعروف بـ "النقاش" (¬3) ت 414 هـ، ويسمى: كتاب الشهود (¬4). 117 - كتاب القضاة والشهود، لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي (¬5) ت 285 هـ. 118 - كتاب القضايا وآداب الأحكام، لأبي النضر بن مسعود العياشي (¬6) ت 320 هـ. 119 - كتاب القضايا والأحكام، لأبي القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي (¬7) ت 324 هـ. ¬
120 - كتاب القضايا والأحكام فيما يتردد بين المتخاصمين عند القضاة والحكام (¬1). 121 - قلادة التسجيلات والعقود وتصرف القاضي والشهود، لأبي عمران موسى بن عيسى المغيلي المالكي (¬2)، فرغ من تأليفه سنة 791 هـ. 122 - القول الصائب في جواز القضاء على الغائب، لسراج الدين عمر بن رسلان البلقيني الشافعي (¬3) ت 805 هـ. 123 - القول القائم في بيان حكم الحاكم، لقاسم بن قطلوبغا الحنفي (¬4) ت 879 هـ. 124 - القول الماضي فيما يجب للمفتي والقاضي، لعبد الباقي ابن محمود الألوسي البغدادي الحنفي (¬5) ت 1298 هـ. 125 - القول المرتضى في أحكام القضاء، لبدر الدين محمَّد بن عبد الرحمن البُرْلسلي المالكي (¬6) ت 1010 هـ. ¬
126 - لامية في علم القضاء، لأبي الحسن بن علي بن قاسم التجيبي المالكي الشهير بالزقاق (¬1) ت 912 هـ. وقد شرحها محمَّد بن محمَّد الفاسي المالكي الشهير بميارة (¬2) ت 1072 هـ، وسماه: "فتح العليم الخلاق في شرح لامية الزقاق". كما شرحها أبو عبد الله محمَّد التاودي بن محمَّد الطالب الفاسي ت 1209 هـ، وهي مطبوعة، وللشيخ على التسولي حاشية عليها (¬3). 127 - لسان الحكام في معرفة الأحكام، لأبي الوليد إبراهيم بن محمَّد الشهير بابن الشحنة الحنفي (¬4) ت 882 هـ. 128 - لوازم القضاة والحكام في إصلاح أمور الأنام، لمصطفى ابن محمَّد السيروزي الحنفي (¬5) ت 1090 هـ. 129 - مجالس القضاة والحكام، لأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله ¬
المكناسي (¬1) ت 917 هـ. 130 - المحاضر والسجلات، لأبي الفرج المعافي بن زكريا النهرواني (¬2) ت 310 هـ. 131 - المحاضر والسجلات، لأبي عبد الله محمَّد بن سماعة التميمي الحنفي (¬3) ت 233 هـ. 132 - المحاضر والسجلات، لأبي بكر أحمد بن عمر الخصاف الحنفي (¬4) ت 261 هـ. 133 - المحاضر والسجلات، لأبي خازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي (¬5) ت 292 هـ. 134 - المحاضر والسجلات، لأبي جعفر أحمد بن محمَّد بن سلامة الطحاوي (¬6) ت 321 هـ. 135 - المحاضر والسجلات والوثائق والعهود، لقتيبة بن زياد ¬
الخرساني الحنفي (¬1). 136 - المحاضر والسجلات، لأبي جعفر محمَّد بن جرير الطبري (¬2) ت 310 هـ. 137 - المحاضر والسجلات، لأبي عبد الله محمَّد بن حرب البصري الحنفي (¬3) ت 261 هـ. 138 - المحاضر والسجلات، لأبي الفضل محمَّد بن عمر بن محمَّد الحنفي ويعرف بابن الجنيدي (¬4). 139 - المحاضر والسجلات، لأبي بكرة بكار بن قتيبة بن أسد الثقفي الحنفي (¬5) ت 270 هـ. 140 - المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا، لأبي الحسن علي بن عبد الله بن محمَّد المالقي النباهي المالكي (¬6) ت 793 هـ. 141 - مزيل الملام عن حكام الأنام (¬7)، لأبي زيد عبد الرحمن بن ¬
محمَّد بن محمَّد بن خلدون المالكي ت 808 هـ. 142 - المسائل المرتضاة فيما يعتمده الحكام والقضاة، لإسماعيل بن القاسم الزيدي اليمني (¬1) ت 1087 هـ. وقد شرحه إسماعيل بن يحيى بن حسن الصعدي الصنعاني (¬2) ت 1209 هـ. كما شرحه صالح بن داود الآنسي (¬3) ت 1062 هـ. 143 - مسعفة الحكام على الأحكام المتعلقة بالقضاة والحكام، لمحمد بن عبد الله بن أحمد الخطيب التمرتاشي الحنفي (¬4) ت 1004 هـ. 144 - معتمد الخلائق في علم الوثائق، لشهاب الدين أحمد بن إلياس (¬5). 145 - معتمد الخلائق في علم الوثائق، لعبد الله بن أبي أحمد الشريف الفرغاني المعروف بالعبري (¬6) ت 743 هـ. ¬
146 - معين الحكام على القضايا والأحكام، لأبي إسحاق إبراهيم بن حسن بن عبد الرفيع التونسي المالكي (¬1) ت 733 هـ. وله مختصر باسم: "مختصر معين الحكام لابن عبد الرفيع" (¬2). 147 - معين الحكام على غوامض الأحكام، لأبي الروح عيسى ابن عثمان الغزي الشافعي (¬3) ت 799 هـ. 148 - معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام، لأبي الحسن علي بن خليل الطرابلسي الحنفي (¬4) ت 844 هـ. 149 - معين القضاة، لمحمد بن سليمان (¬5). 150 - المفيد للحكام فيما يعرض لهم من نوازل الأحكام، لأبي ¬
الوليد هشام بن عبد الله الأزدي المالكي (¬1) ت 606 هـ. 151 - المقنع في أصول الأحكام فيما لا يستغني عنه الحكام، لسليمان بن محمَّد بن بطال البطليوسي المالكي المعروف بالمتلمس (¬2) ت 404 هـ. 152 - ملجأ الحكام عند التباس الأحكام، لأبي العز يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الشافعي المعروف بابن شداد (¬3) ت 632 هـ. 153 - ملجأ القضاة عند تعارض البينات، لأبي محمَّد غانم بن محمَّد البغدادي (¬4) ت 1031 هـ. ¬
154 - مناط الأحكام ومعين القضاة والحكام، ويعرف: بشروط ابن بهرام. لأبي بكر عبد الله بن محمَّد بن بهرام (¬1) من علماء القرن التاسع. 155 - منتخب الأحكام، لأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله بن عيسى ابن أبي زمنين القرطبي المالكي (¬2) ت 399 هـ. 156 - منتخب الأحكام، لأبي محمَّد بن الحسن القروي المالكي (¬3). 157 - منهاج القضاة، لأبي مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان الأندلسي (¬4) ت 238 هـ. 158 - المنهج الفائق والمنهل الرائق والمغني اللائق بآداب ¬
الموثق وأحكام الوثائق، لأبي العباس أحمد بن يحيى بن عبد الواحد الونشريسي المالكي (¬1) ت 914 هـ. 159 - المنهج الرائق في الوثائق، ليوسف بن عبد الله بن سعيد الأندلسي المالكي (¬2) ت 575 هـ. 160 - مهمات القضاة، لحمزة بن عبد الله القرة حصاري الرومي (¬3) ت 978 هـ. 161 - المهذب الرائق في تدريب الناشئ من القضاة وأهل الوثائق، لأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله المغيلي المالكي (¬4) من علماء القرن التاسع. 162 - نظم العمل، لأبي زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي المالكي ت 1096 هـ وشرحه لأبي عبد الله محمَّد بن أبي القاسم السجلماسي المالكي (¬5) من علماء القرن الثاني عشر. ¬
163 - النوازل، لأبي عيسى بن دينار الغافقي القرطبي (¬1) ت 212 هـ. 164 - النوازل، لأبي عبد الله أصبغ بن الفرج بن سعيد القرشي المالكي (¬2) ت 225 هـ. 165 - النوازل، لسحنون عبد السلام بن سعيد التنوخي (¬3) ت 240 هـ. 166 - النوازل (¬4)، لمحمد بن سحنون التنوخي ت 256 هـ. 167 - النوازل، لعبد الرحمن بن موسى بن حدير (¬5) ت 369 هـ. 168 - النوازل، لأبي محمَّد عبد الله بن إسحاق القيرواني المعروف بابن التبان المالكي (¬6) ت 371 هـ. 169 - النوازل، لأبي الليث نصر بن محمَّد بن أحمد السمرقندي ¬
الحنفي (¬1) ت 393 هـ. 170 - النوازل، لأبي الوليد محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن رشد المالكي "الجد" (¬2) ت 503 هـ. 171 - النوازل، لأبي عبد الله محمَّد بن أحمد التجيبي المعروف بابن الحاج المالكي (¬3) ت 529 هـ. 172 - النوازل والواقعات، لحسام الدين عمر بن عبد العزيز البخاري الحنفي المعروف بالصدر الشهيد (¬4) ت 536 هـ. 173 - النوازل، لأحمد بن موسى بن عيسى الكشي الحنفي (¬5) ت صدر سنة 555 هـ، ويسمى: "مجموع النوازل والحوادث والواقعات". 174 - النوازل، لأبي عمرو جمال الدين بن عثمان بن أبي بكر ¬
الكردي المالكي المعروف بابن الحاجب (¬1) ت 646 هـ. 175 - النوازل، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد الحنفي المعروف بابن عبد الحق (¬2) ت 744 هـ. 176 - النوازل، لأبي القاسم أحمد بن محمَّد البرزلي المالكي (¬3) ت 841 هـ. 177 - النوازل، لعبد الله بن محمَّد بن موسى العبدوسي المالكي (¬4) ت 849 هـ. 178 - النوازل، ليحيى بن أبي عمران موسى بن عيسى المازوني (¬5) ت 883 هـ. 179 - النوازل، لأبي الحسن علي بن عيسى بن علي العلمي المالكي (¬6) من علماء القرن الحادي عشر الهجري. 180 - النوازل، لأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن الكيكي المالكي (¬7) ت 1185 هـ، ويسمى: "مواهب ذي الجلال في ¬
نوازل البلاد السائبة والجبال". 181 - النوازل الصغرى، لأبي عبد الله سيدي محمد المهدي (¬1) ت 1342 هـ، وتسمى: "المنح السامية في النوازل الفقهية". 182 - النهاية والتمام في الوثائق والأحكام، لأبي الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم المتيطي (¬2) ت 570 هـ. وتعرف: "بالمتيطية". 183 - الوثائق، لسحنون عبد السلام بن سعيد التنوخي (¬3) ت 240 هـ. 184 - الوثائق المجموعة، لمحمد بن إبراهيم بن عبدوس المالكي (¬4) ت 260 هـ. 185 - الوثائق، لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني الشافعي (¬5) ت 264 هـ. 186 - الوثائق والشروط، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن ¬
الحكم المالكي (¬1) ت 268 هـ. 187 - الوثائق والعهود، لأبي بكرة بكار بن قتيبة بن أسد الثقفي الحنفي (¬2) ت 270 هـ. 188 - الوثائق، لأبي سلمة فضل بن سلمة بن جرير الجهني البجائي المالكي (¬3) ت 319 هـ. 189 - الوثائق، لأبي عبد الله محمد بن يحيى بن لبابة المالكي المعروف بـ "البرجون" (¬4) ت 336 هـ. 190 - الوثائق، لأحمد بن سعيد بن الهندي المالكي (¬5) ت 399 هـ. 191 - الوثائق، لمحمد بن أحمد بن العطار المالكي (¬6) ت 399 هـ. ¬
192 - الوثائق، لأبي عبد الله بن عيسى بن أبي زمنين القرطبي المالكي (¬1) ت 399 هـ. 193 - الوثائق، لأحمد بن محمد بن مغيث الطليطلي المالكي (¬2) ت 459 هـ. 194 - الوثائق والأحكام، لأبي محمد عبد الله بن فتوح بن موسى الفهري البونتي (¬3) ت 462 هـ. 195 - الوثائق، لأبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي المالكي (¬4) ت 474 هـ. 196 - الوثائق، لأبي عبد الله محمد بن الفرج المالكي المعروف بابن الطلاع (¬5) ت 497 هـ. ¬
197 - الوثائق، لأبي القاسم أحمد بن محمد بن سيد أبيه الزهري المالكي (¬1) "كان حيًّا سنة 567". 198 - الوثائق، لأبي الحسن علي بن يحيى بن القاسم الجزيري (¬2) ت 585 هـ. 199 - الوثائق، لأبي الروح عيسى بن مسعود بن منصور المنجلاتي المالكي (¬3) ت 743 هـ. 200 - الوثائق، لأبي علي الحسن بن محمد بن الحسن بن مروان (¬4) فرغ من تأليفه سنة 607 هـ، ويسمى: "الفائق في علم الوثائق". 201 - الوثائق، لأبي القاسم سلمون بن علي بن عبد الله بن سلمون الكناني المالكي (¬5) ت 767 هـ. 202 - الوثائق، لأبي إسحاق إبراهيم بن يحيى الغرناطي المالكي (¬6) ت 867 هـ. ¬
203 - الوثائق العصرية، لأبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الله البجائي المالكي (¬1) ت 869 هـ. 204 - الوثائق، لأبي زيد أحمد بن زيد الشروطي الحنفي (¬2). 205 - الوثائق، لقاسم محمد بن قاسم البياني الشافعي (¬3). 206 - الوثائق، لأحمد بن عرضون الشفشاوني (¬4) ت 992 هـ، ويسمى: "الكتاب اللائق لمعلم الوثائق". 207 - وظائف القضاة في أصول المرافعة وترجيح البينات، لحسن بن حسن المعروف بصدقي الرومي (¬5) "كان حيًّا سنة 1291 هـ". وهذه الكتب غيض من فيض في هذا العلم المبارك علم القضاء، الذي اهتم به العلماء قديمًا وحديثًا، ونال من الفقهاء في كل عصر قسطًا كبيرًا وحظًّا وافرًا من العناية والتمحيص والدراسة والتحقيق، فعملوا على إمعان النظر فيه، وبذلوا مجهودًا كبيرًا في جمعه وكتابته، وتحريره وتدوينه، وتصنيفه وترتيبه؛ حتى يسهل تناوله والاستفادة منه والرجوع إليه من الفقهاء والقضاة، فيكون مستندًا لهم ومرجعًا وعونًا في استجلاء حكم ما يرد عليهم ويعرض لهم من الفتاوى ¬
والأحكام، ويطرأ عليهم من النوازل، وهذه الجهود الجبارة تدل دلالة قطعية على مدى العلو والعدل الذي بلغه القضاء في الإسلام.
الفصل الثاني: دراسة كتاب الطرق الحكمية
الفصل الثاني: دراسة كتاب الطرق الحكمية المبحث الأول: تحقيق اسم الكتاب وتوثيق نسبته لابن القيم أولًا: تحقيق اسم الكتاب: قد تتبعت كثيرًا ممن كتب عن ابن القيم ترجمة أو نقل عنه نقلًا من هذا الكتاب، فوجدت أن الكتاب لا يخرج عن ثلاثة أسماء: أ - الطرق الحكمية: وهذا الاسم هو ما اشتهر به الكتاب قديمًا وحديثًا؛ فقد جاء بهذا الاسم على غلاف ثلاث مخطوطات، وهي: (أ) المكتوبة عام 811 هـ، و (ب) المكتوبة عام 797 هـ، و (ج) المكتوبة عام 800 هـ، وهي قريبة من عصر المؤلف - رحمه الله -، وقد ذكره تلميذه ابن رجب (¬1) - رحمه الله تعالى - في مؤلفاته بهذ الاسم، وكذا كثير ممن جاء بعده (¬2). ب - المسائل الطرابلسيات: وهذه التسمية جاءت في مقدمة ناسخ المخطوطة (أ) فقط، حيث قال: "سئل الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام شمس الدين ¬
ج - السياسة الشرعية
محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي - رحمه الله - الشهير بابن قيم الجوزية عن مسائل عاجلة تسمى الطرابلسيات، فمنها ما قاله في جواب المسائل وسألت عن الحاكم ... ". وذكر جمع ممن ترجم لابن القيم أن من مصنفاته: "المسائل الطرابلسية" (¬1)، وذكره العجلوني باسم: "الأسئلة الطرابلسية" (¬2). ج - السياسة الشرعية: سماه بذلك المرداوي - رحمه الله تعالى - ونقل عنه (¬3). وقد ذكره بعض المتأخرين باسم: "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" (¬4)، وطبع الكتاب بهذا الاسم. ثانيًا: تحقيق نسبة الكتاب لابن القيم: كتاب: "الطرق الحكمية" من مؤلفات ابن القيم - رحمه الله - بلا شك، ولا يجد الباحث عناءً في إثبات نسبته إليه؛ لما يأتي: 1 - أن اسم ابن القيم - رحمه الله تعالى - مثبت في النسخ الخطية (أ) و (ب) و (ج) وهي أقدم النسخ للكتاب وقريبة من عصره - رحمه ¬
الله تعالى -. 2 - أجمع كل من ترجم لابن القيم - رحمه الله تعالى - على أن الكتاب له (¬1)، ولم أجد من نسبه لغيره أو شكك في صحة نسبته. 3 - أن جمعًا من الفقهاء قد ذكروا هذا الكتاب في مصنفاتهم منسوبًا لابن القيم، واقتبسوا جملًا منه (¬2). 4 - أنه في مواضع كثيرة من الكتاب ذكر شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مستشهدًا بأقواله، وذاكرًا لاختياراته على عادته المألوفة في عامة كتبه. 5 - أن القارئ لمسائل الكتاب الكثيرة يجد فيها نفس ابن القيم وأسلوبه، وطريقته المعهودة في البحث والترجيح والاختيار، وسياق الأقوال ومناقشتها وجمع الأدلة ونقدها. ¬
المبحث الثاني: موضوع الكتاب وسبب تأليفه
المبحث الثاني: موضوع الكتاب وسبب تأليفه: أولًا: موضوع الكتاب: أما موضوعه فظاهر من عنوانه؛ فهو كتاب في القضاء وطرق الإثبات والسياسة الشرعية التي يجب على الأمراء والحكام والقضاة أن يسلكوها، ويقفوا عندها، ولا يتجاوزوها في كل مكان وزمان، لتحقيق الصلاح للناس، وإبعاد الفساد عنهم، مع بيان آداب القاضي، وما يجب أن يتمتع به من الفراسة في القضاء وسماع البينات، مع فقه النفس، والمعرفة التامة بأحكام الحوادث الكلية وبأقوال الناس (¬1). كما تطرق - رحمه الله - لبعض أحكام الحسبة، كمنع الاختلاط وكسر أواني الخمر وآلات الطرب، والاحتكار والتسعير ومحاسبة الإمام لعماله، وبعض الأحكام الفقهية الأخرى المبثوثة في ثنايا الكتاب. ثانيًا: سبب تأليف الكتاب: لعل السبب الظاهر هو ما جاء في إحدى مخطوطات الكتاب: أنه جواب على أسئلة عاجلة وردت عليه، تسمى "الطرابلسيات". وهذا ليس هو الكتاب الوحيد للمؤلف - رحمه الله تعالى - الذي أجاب فيه على سؤال ورد عليه، فله "الداء والدواء" (¬2) المسمى: "الجواب الكافي"، وكتابه: "المنار المنيف" (¬3)، وكتابه: "مطالع السعد بكشف ¬
مواقع الحمد" (¬1)، وكتابه: "الكلام على مسألة السماع" (¬2). كلها أجوبة على أسئلة وردت عليه - رحمه الله تعالى - فهو يجيب السائل إجابة تكفيه وتغنيه. قال - رحمه الله تعالى -: "ومن الجود بالعلم أن السائل إذا سألك عن مسألة استقصيت له جوابها جوابًا شافيًا، لا يكون جوابك له بقدر ما تدفع به الضرورة، كما كان يكتب بعضهم في جواب مسألة: "نعم" أو "لا" مقتصرًا عليها. ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - في ذلك أمرًا عجيبًا: كان إذا سُئل عن مسألة حكمية، ذكر في جوابها مذاهب الأئمة الأربعة إذا قدر، ومأخذ الخلاف وترجيح القول الراجح، وذكر متعلقات المسألة التي ربما تكون أنفع للسائل من مسألته، فيكون فرحه بتلك المتعلقات واللوازم أعظم من فرحه بمسألته. وهذه فتاويه - رحمه الله - فمن أحب الوقوف عليها رأى ذلك، فمن جود الإنسان بالعلم: أنه لا يقتصر على مسألة السائل، بل يذكر له نظائرها، ومتعلقاتها ومآخذها، بحيث يشفيه ويكفيه .. " (¬3) ا. هـ. وقال - رحمه الله تعالى -: "الفائدة الثالثة: يجوز للمفتي أن يجيب السائل بأكثر مما سأل عنه، وهو من كمال نصحه وعلمه وإرشاده، ومن عاب على ذلك فلقلة علمه وضيق عطنه وضعف نصحه، وقد ترجم البخاري لذلك في صحيحه فقال: باب من أجاب ¬
المبحث الثالث: منهج ابن القيم
السائل بأكثر مما سأل عنه، ثم ذكر حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: ما يلبس المحرم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا الخفاف إلا أن لا يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعها أسفل من الكعبين" (¬1) اهـ (¬2). المبحث الثالث: منهج ابن القيم يتميز منهج ابن القيم - رحمه الله تعالى - في جميع كتبه بأمور منها: أولًا: الاعتماد على الأدلة من الكتاب والسنة: ابن القيم يبرز الأدلة من الكتاب والسنة، ويستنبط الأحكام منها، ولا يقدم عليهما غيرهما، وقد قرر ذلك في جملة من كتبه، ورد على من خرج عن ذلك بتأويلات فاسدة أو قياس مردود، فقال - رحمه الله تعالى -: "ومن الأدب معه - صلى الله عليه وسلم - ن لا يُستشكل قوله بل تُستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نص بقياس بل تهدر الأقيسة وتلغى لنصوصه، ولا يحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولًا!! نعم، هو مجهول وعن الصواب معزول، ولا يوقف قبول ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - على موافقة أحد، فكل هذا من قلة الأدب معه - صلى الله عليه وسلم -، وهو عين الجرأة" (¬3) ا. هـ. ¬
وقال - رحمه الله تعالى -: العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة هم أولو العرفان ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فلان كلا ولا عزل النصوص وإنها ... ليست تفيد حقائق الإيمان إذ لا تفيدكم يقينًا لا ولا ... علمًا فقد عزلت عن الإتقان والعلم عندكم ينال بغيرها ... بزبالة الأفكار والأذهان (¬1) فمن الذي منا أحق بأمنه ... فاختر لنفسك يا أخا العرفان لا بد أن نلقاه نحن وأنتم ... في موقف العرض العظيم الشان وهناك يسألنا جميعًا ربنا ... ولديه قطعًا نحن مختصمان فنقول قلت كذا وقال نبينا ... أيضًا كذا فإمامنا الوحيان فافعل بنا ما أنت أهل بعد ذا ... نحن العبيد وأنت ذو الإحسان أفتقدرون على جواب مثل ذا ... أم تعدلون إلى جواب ثان ما فيه قال الله قال رسوله ... بل فيه قلنا مثل قول فلان وهو الذي أدت إليه عقولنا ... لما وزنا الوحي بالميزان إن كان ذلكم الجواب مخلصًا ... فامضوا عليه يا ذوي العرفان تالله ما بعد البيان لمنصف ... إلا العناد ومركب الخذلان (¬2) ¬
ثانيا: تقديم أقوال الصحابة رضي الله عنهم على من سواهم
وقال - رحمه الله تعالى -: "عادتنا في مسائل الدين كلها، دقها وجلها، أن نقول بوجهها، ولا نضرب بعضها ببعض، ولا نتعصب لطائفة على طائفة، بل نوافق كل طائفة على ما معها من الحق، ونخالفها فيما معها من خلاف الحق، لا نستثني من ذلك طائفة ولا مقالة، ونرجو من الله أن نحيا على ذلك ونموت عليه، ونلقى الله به. ولا قوة إلا بالله" (¬1) اهـ. وقال - رحمه الله -: "ونوالي علماء المسلمين ونتخير من أقوالهم ما وافق الكتاب والسنة، ونزنها بهما، ولا نزنهما بقول أحد كائنًا من كان، ولا نتخذ من دون الله ورسوله رجلًا يصيب ويخطئ، فنتبعه في كل ما قال، ونمنع - بل نحرم - متابعة غيره في كل ما خالفه فيه، وبهذا أوصانا أئمة الإسلام، فهذا عهدهم إلينا، فنحن في ذلك على منهاجهم وطريقتهم وهديهم، دون من خالفنا، وبالله التوفيق" (¬2) ا. هـ. قال الشوكاني - رحمه الله تعالى -: "كان يتقيد بالأدلة الصحيحة، معجبًا بالعمل بها غير معوِّل على الرأي، صادعًا بالحق لا يحابي فيه أحدًا، ونعمت تلك الجرأة" (¬3) اهـ. ثانيًا: تقديم أقوال الصحابة رضي الله عنهم على من سواهم: وهذه سمة ظاهرة جدًّا في كتابنا هذا وفي غيره، فقلّ أن تقرأ فصلًا من كتب ابن القيم إلا وتجده يورد ما بلغه من أقوال مَنْ اصطفاهم الله ¬
ثالثا: السعة والشمول
تعالى لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فهم "أبر الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا" (¬1). وقد أفاض - رحمه الله تعالى - بالاستدلال لهذا الأصل في "إعلام الموقعين" (¬2)، ووجوب الأخذ به والعمل بموجبه من ستة وأربعين وجهًا. ثالثًا: السعة والشمول: إن ابن القيم - رحمه الله تعالى - إذا بحث مسألة استوعب الكلام فيها من جميع جوانبها؛ بسياق الأقوال والآراء، وإبراز أدلتها وبيان وجوه الاستدلال منها، ثم يتبعها بمناقشتها ثم ينتهي به المطاف إلى ترجيح القول الذي يدعمه الدليل (¬3). وقد أثنى عليه مترجموه بهذا المسلك، قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "وهو طويل النفس في مؤلفاته، يتعانى الإيضاح جهده فيسهب جدًّا" (¬4) اهـ. وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف، وهو طويل النفس فيها يتعانى الإيضاح ¬
جهده فيسهب جدًّا" (¬1) اهـ. وقال الشوكاني - رحمه الله تعالى -: "وإذا استوعب الكلام في مبحث وطول ذيوله أتى بما لم يأت به غيره، وساق ما ينشرح له صدور الراغبين في أخذ مذاهبهم عن الدليل" (¬2) اهـ. ومع هذا فإن ابن القيم يعتذر من التطويل معللًا بأهمية البحث، فمن ذلك قوله: "وهذا الذي ذكرنا في هذا الفصل قطرة من بحر لا ساحل له، فلا تستطله فإنه كنز من كنوز العلم" (¬3) اهـ. وقال في مباحث السلام: "وقد أطلنا ولكن ما أمللنا، فإن قلبًا فيه أدنى حياة يهتز إذا ذكر الله ورسوله" (¬4) اهـ. ومع تلك السعة والشمول في بحوثه - رحمه الله تعالى -، إلا أنه كثيرًا ما يقر متواضعًا بتقصيره في إدراك حقيقة كثير من المعاني. قال - رحمه الله تعالى -: "فهذا بعض ما تضمنه هذا المثل العظيم الجليل من الأسرار والحكم، ولعلها قطرة من بحر بحسبا أذهاننا الواقفة، وقلوبنا المخطئة، وعلومنا القاصرة، وأعمالنا التي توجب التوبة والاستغفار، وإلا فلو طهرت منا القلوب، وصفت الأذهان، وزكت النفوس، وخلصت الأعمال، وتجردت الهمم للتلقي عن الله ورسوله، لشاهدنا ¬
رابعا: الترجيح والاختيار
من معاني كلام الله، وأسراره وحكمه ما تضمحل عنده العلوم، وتتلاشى عنده معارف الخلق" (¬1) اهـ. رابعًا: الترجيح والاختيار: ابن القيم - رحمه الله تعالى - حنبلي المذهب، ولكنه غير متقيد به، بل ينشد متابعة الدليل وإن خالف مذهبه، لذا فهو يقول: "ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي الله سبحانه، أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده، وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصح دليلًا .. فيكون خائنًا لله ورسوله وللسائل وغاشًّا له .. وكثيرًا ما ترد المسألة نعتقد فيها خلاف المذهب فلا يسعنا أن نفتي بخلاف ما نعتقده، فنحكي المذهب الراجح ونرجحه ونقول هو الصواب .. " (¬2) اهـ. خامسًا: الأسلوب الأدبي: مؤلفات ابن القيم تتصف بعذوبة اللفظ، وحسن الصياغة والوصف، وقوة البيان، وتبسيط المعلومات بأسلوب خال من الجفاف والتعقيد، فعند قراءة أي كتاب له لا تمل القراءة لما ترى في أسلوبه من سهولة وعذوبة وسحر وبيان. قال الشوكاني - رحمه الله تعالى -: "وله من حسن التصرف مع العذوبة الزائدة وحسن السياق ما لا يقدر عليه ¬
المبحث الرابع: مصادره
غالب المصنفين، بحيث تعشق الأفهام كلامه، وتميل إليه الأذهان، وتحبه القلوب" (¬1) اهـ. وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: "وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف" (¬2). المبحث الرابع: مصادره إن غزارة المادة في مؤلفات ابن القيم، والقدرة العجيبة على حشد الأدلة، وذكر الخلاف وتحرير الأقوال، نتيجة الاطلاع المدهش، والقراءة المتتابعة لكتب المكتبة الإسلامية على اختلاف فنونها. وقد ذكر المترجمون له أنه يملك مكتبة مليئة بأمهات الكتب، قال ابن رجب - رحمه الله -: "وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه واقتناء الكتب، واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره" (¬3) اهـ. وقال ابن كثير - رحمه الله -: "واقتنى من الكتب ما لم يتهيأ لغيره تحصيل عشره من كتب السلف والخلف" (¬4) اهـ. وقرر ذلك جمع ممن ترجم له (¬5). ¬
وقد استقرأ الشيخ العلامة د. بكر بن عبد الله أبو زيد (¬1) حفظه الله تعالى موارد ابن القيم في كتبه، فبلغت تلك المصادر والموارد خمسمائة وتسعة وستين كتابًا، وذلك عدا كتب الصحاح والسنن وكتب شيخه ابن تيمية. وقد تتبعت مصادر ابن القيم في كتابه: "الطرق الحكمية"، فوجدته قد رجع لأكثر من مائة مرجع، وهي على النحو التالي: 1 - الأحكام السلطانية، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ت 450 هـ. 2 - الأحكام السلطانية، لأبي يعلى محمد بن الحسين الحنبلي ت 458 هـ. 3 - اختلاف العلماء، لأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي ت 321 هـ. 4 - الأذكياء، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ت 597 هـ. 5 - أقضية علي، لأصبغ بن نباتة. 6 - الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي ت 204 هـ. 7 - البيان والتحصيل، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ت 520 هـ. ¬
8 - التاريخ الكبير، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت 256 هـ. 9 - التاريخ والمعرفة، لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي ت 277 هـ. 10 - تاريخ يحيى بن معين ت 233 هـ، رواية عباس الدوري. 11 - التحقيق في أحاديث الخلاف، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ت 597 هـ. 12 - تحريم اللواط، لأبي عمرو عثمان بن عبد الله بن إبراهيم الطرسوسي ت 401 هـ. 13 - التعليق على المحرر، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ت 782 هـ. 14 - التعليق القديم، لأبي، يعلى محمد بن الحسين الحنبلي ت 458 هـ. 15 - التفريع، لأبي القاسم عبيد الله بن الحسين بن الجلاب المالكي ت 378 هـ. 16 - تفسير الموطأ، ليحيى بن زكريا بن إبراهيم بن مزين المالكي ت 259 هـ. 17 - الجامع في الحديث، لأبي محمد عبد الله بن وهب القرشي ت 197 هـ.
18 - الجامع، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال ت 311 هـ. 19 - الحسبة، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ت 728 هـ. 20 - روضة الطالبين، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي ت 676 هـ. 21 - رسالة الليث إلى الإمام مالك، لأبي الحارث الليث بن سعد ت 175 هـ. 22 - سنن البيهقي "السنن الكبرى"، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ت 458 هـ. 23 - سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي ت 279 هـ. 24 - سنن الدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني ت 385 هـ. 25 - سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني ت 275 هـ. 26 - سنن ابن ماجه، لأبي عبد الله محمد بن يزيد الربعي المعروف بابن ماجه ت 273 هـ. 27 - سنن النسائي، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ت 303 هـ.
28 - الشافي، لأبي بكر عبد العزيز المعروف بغلام الخلال ت 363 هـ. 29 - شرح أدب القاضي، لأحمد بن عمرو بن مهير الشيباني المعروف بالخصاف ت 261 هـ. 30 - شرح الحارثي، لأبي محمد مسعود بن أحمد الحارثي الحنبلي ت 711 هـ. 31 - صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت 256 هـ. 32 - صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ت 261 هـ. 33 - طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، للإمام أحمد بن حنبل ت 241 هـ. 34 - عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، لأبي محمد عبد الله بن نجم بن شاس السعدي المالكي ت 616 هـ. 35 - العقوبات، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ت 281 هـ. 36 - العلل، لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي ت 279 هـ. 37 - العلم، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال ت 311 هـ. 38 - الفنون، لأبي الوفاء علي بن عقيل بن محمد الحنبلي
ت 513 هـ. 39 - القضاء، لأبي عبيد القاسم بن سلام ت 224 هـ. 40 - القضاء، لأبي الحارث سريج بن يونس بن إبراهيم البغدادي ت 235 هـ. 41 - القضاء بالشاهد واليمين، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ت 462 هـ. 42 - كتاب لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ت 275 هـ، لم يتبين لي اسم الكتاب، "وقد ذكر ابن القيم أنه غير السنن". 43 - كتاب محمد، لمحمد بن سحنون المالكي ت 256 هـ. 44 - المجموعة، لعثمان بن عيسى بن كنانة. 45 - المحرر، لأبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن تيمية مجد الدين ت 653 هـ. 46 - المحلى، لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي ت 456 هـ. 47 - مختصر الخرقي، لأبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي ت 334 هـ. 48 - مختصر سنن أبي داود، لأبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ت 656 هـ.
49 - مسائل الإمام أحمد، لإبراهيم بن الحارث بن مصعب. 50 - مسائل الإمام أحمد، لإبراهيم بن هاشم بن الحسين البغوي ت 297 هـ. 51 - مسائل الإمام أحمد، لأبي الحسن أحمد بن الحسن الترمذي ت سنة بضع وأربعين ومائتين. 52 - مسائل الإمام أحمد، لأبي طالب أحمد بن حميد المشكاني ت 244 هـ. 53 - مسائل الإمام أحمد، لأبي جعفر أحمد بن أبي عبدة توفي قبل الإمام أحمد. 54 - مسائل الإمام أحمد، لأبي بكر أحمد بن محمد المروذي (¬1) ت 275 هـ. 55 - مسائل الإمام أحمد، لأبي الحارث أحمد بن محمد بن عبد الله الصائغ. 56 - مسائل الإمام أحمد، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هاني الطائي المعروف بالأثرم ت 261 هـ (¬2). 57 - مسائل الإمام أحمد، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال ت 311 هـ (¬3). ¬
58 - مسائل الإمام أحمد، لأبي حامد أحمد بن نصر الخفاف. 59 - مسائل الإمام أحمد، لأبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري ت 275 هـ (¬1). 60 - مسائل الإمام أحمد، لأبي يعقوب إسحاق بن منصور الكوسج (¬2) ت 251 هـ. 61 - مسائل الإمام أحمد، لأبي إسحاق إسماعيل بن سعيد الشالنجي ت 230 هـ. 62 - مسائل الإمام أحمد، لأبي محمد جعفر بن محمد النسائي ت 282 هـ. 63 - مسائل الإمام أحمد، لأبي محمد حرب بن إسماعيل الكرماني الحنظلي (¬3) ت 280 هـ. 64 - مسائل الإمام أحمد، لأبي علي الحسن بن ثواب التغلبي ت 268 هـ. 65 - مسائل الإمام أحمد، لأبي علي حنبل بن إسحاق بن حنبل الشيباني ت 273 هـ. ¬
66 - مسائل الإمام أحمد، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (¬1) ت 275 هـ. 67 - مسائل الإمام أحمد، لأبي بكر سندي الخواتمي البغدادي. 68 - مسائل الإمام أحمد، لأبي الفضل صالح بن أحمد بن حنبل (¬2) ت 266 هـ. 69 - مسائل الإمام أحمد، لأبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل (¬3) ت 290 هـ. 70 - مسائل الإمام أحمد، لأبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي (¬4) ت 317 هـ. 71 - مسائل الإمام أحمد، لأبي الحسن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني ت 274 هـ. 72 - مسائل الإمام أحمد، لأبي الحسن علي بن سعيد النسوي ت 256 هـ. 73 - مسائل الإمام أحمد، لأبي يحيى الفضل بن عبد الصمد الإصبهاني. 74 - مسائل الإمام أحمد، لأبي جعفر محمد بن الحسن بن ¬
هارون الموصلي ت 303 هـ. 75 - مسائل الإمام أحمد، لأبي جعفر محمد بن داود المصيصي. 76 - مسائل الإمام أحمد، لأحمد بن موسى بن مشيش البغدادي. 77 - مسائل الإمام أحمد، لأبي عبد الله مهنا بن يحيى الشامي (¬1) ت 248 هـ. 78 - مسائل الإمام أحمد، لهارون بن عبد الله بن مروان الحمال ت 243 هـ. 79 - مسائل الإمام أحمد، لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن بختان. 80 - مسائل الإمام أحمد، لأبي يعقوب يوسف بن موسى القطان ت 253 هـ. 81 - المراسيل، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ت 275 هـ. 82 - المستدرك، لأبي عبد الله أحمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم ت 405 هـ. 83 - المسند، لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني ت 241 هـ. 84 - المسند، لأبي داود سليمان بن داود الطيالسي ت 204 هـ. 85 - المسند، لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ¬
ت 204 هـ. 86 - المسند، لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي ت 277 هـ. 87 - مسند عمر، لأبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني ت 371 هـ. 88 - المصنف، لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ت 211 هـ. 89 - المصنف، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ت 235 هـ. 90 - المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ت 360 هـ. 91 - المغني، لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ت 620 هـ. 92 - المنتقى، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي ت 474 هـ. 93 - الناسخ والمنسوخ، لأبي عبيد القاسم بن سلام ت 224 هـ. 94 - نوادر الفقهاء، لمحمد بن الحسن الجوهري. 95 - الهداية، لأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني ت 501 هـ. 96 - الواضحة، لأبي مروان عبد الملك بن حبيب السلمي
ت 238 هـ. 97 - الفتاوى الكبرى، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ت 728 هـ. 98 - عيون الأخبار، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ت 276 هـ. 99 - رد القاضي عبد الوهاب على المزني، لأبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي ت 422 هـ. 100 - أدب القضاء، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ت 450 هـ. 101 - المستوعب، لنصير الدين محمد بن عبد الله السامري ت 616 هـ. 102 - مسائل الخلاف، لأبي الحسن علي بن عمر البغدادي المعروف بابن القصار المالكي ت 397 هـ. 103 - المدونة، رواية سحنون بن سعيد التنوخي عن عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك. 104 - الجامع الصغير، لأبي يعلى محمد بن الحسين الحنبلي ت 458 هـ. هذا ما تيسر حصره والحمد لله، وهذا غير النقولات التي ذكرها المؤلف عن شيخه - رحمه الله تعالى - وعلماء الحنفية مما لم يتبين لي مراجعها.
المبحث الخامس: مزايا الكتاب
المبحث الخامس: مزايا الكتاب المطلب الأول: خصائص الكتاب ومزاياه: 1 - كثرة الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة التي حشدها المؤلف - رحمه الله تعالى - فيه. 2 - حرص المؤلف على بيان وجه الاستدلال بالأحاديث النبوية، وإزالة الإشكال والتعارض الظاهر بينها. 3 - حرص المؤلف على ذكر أقوال العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة والظاهرية وغيرهم من المجتهدين، فهو كتاب فقه مقارن وليس خاصًّا بمذهب معين. 4 - لا يكتفي بذكر الأقوال وجمعها فحسب، بل يبين ما فيها من قوة أو ضعف وفق منهج علمي أصيل. 5 - انفرد هذا الكتاب بالتوسع في القضاء بالقرائن والأمارات. 6 - الدقة في نسبة الأقوال لقائلها، مما يدل على سعة علم المؤلف وإلمامه بالمذاهب الإسلامية. 7 - كثرة المصادر والمراجع التي اعتمدها المؤلف - رحمه الله تعالى - حيث بلغت أكثر من مائة مرجع مما أثرى مادة الكتاب العلمية. 8 - الواقعية والبعد عن الأمور النظرية المجردة، ويظهر ذلك جليًّا في كلامه عن شهادة الفاسق. 9 - هذا الكتاب مع كتاب المؤلف الآخر "إعلام الموقعين"، هما
المبحث السادس: مختصرات الكتاب
الكتابان المتداولان من كتب الحنابلة التي أفردت للحديث عن القضاء وطرقه، بينما باقي علماء الحنابلة يذكرونه ضمن كتب الفقه. 10 - صياغة الكتاب بأسلوب رصين وعبارة واضحة وألفاظ فصيحة. وبالجملة: (الكتاب فريد في موضوعه ومنهجه، يحتاجه القاضي والفقيه ورجل الإدارة، وفيه أمثلة ترغب القارئ بالمتابعة وتضع يده على مسائل فذة في التحقيق القضائي، واقامة العدل وتنفيذ الأحكام) (¬1). المبحث السادس: مختصرات الكتاب لا أعلم للكتاب شرحًا، وقد اختصره وهذبه شيخنا العلامة محمد بن صالح بن عثيمين (¬2) - رحمه الله - وسماه: "مختارات من الطرق الحكمية"، وقد بدأ بتهذيبه عام 1406 هـ وأضاف إليه زيادات يسيرة، وقد طبع الكتاب عام 1412 هـ. ¬
المبحث السابع: مخطوطات الكتاب
المبحث السابع: مخطوطات الكتاب المخطوطة الأولى: ورمزت لها بحرف "أ": جاء اسم الكتاب فيها: "الطرق الحكمية"، وقد نسخت في شهر محرم عام 811 هـ، وصفحاتها: 198، كل صفحة سبعة عشر سطرًا، وقد كتبت بخط نسخ جيد، وناسخها: محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن الحنبلي. وأصل المخطوطة بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد رقمها: 7482، ولها فلم في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم: 9665 سياسة شرعية، وهي نسخة تامة. المخطوطة الثانية: ورمزت لها بحرف "ب": جاء اسم الكتاب فيها: "الطرق الحكمية"، وقد نسخت في شهر شوال عام 797 هـ، وصفحاتها: 293، في كل صفحة: 12 - 14 سطرًا، كتبت بخط نسخ، وناسخها: عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن التدمري، مكتبة عارف حكمت - بالمدينة النبوية رقم: 1442 و 159 ف. المخطوطة الثالثة: ورمزت لها بحرف "د": جاء اسم الكتاب فيها: "الطرق الحكمية"، وقد نسخت في 13 ذي الحجة 800 هـ، كما هو مدون في آخرها، وعدد صفحاتها مائتان وثمان وتسعون صفحة، في كل صفحة: 17 - 18 سطرًا، وقد كتبت بخط نسخ جيد لم أتمكن من معرفة ناسخها، وأصل المخطوطة بمكتبة تشستربتي - إيرلندا رقمها: 5013، ولها فلم في جامعة الإمام محمد
المخطوطة الرابعة: ورمزت لها بحرف "هـ"
ابن سعود الإسلامية بالرياض، وفيها سقط كثير بعد ذكر مقدمة المؤلف، سقط قرابة ستين وجهًا وغيره مما سيرد ذكره في موضعه إن شاء الله. المخطوطة الرابعة: ورمزت لها بحرف "هـ": لم يرد اسم الكتاب فيها ولم أتمكن من معرفة تاريخ نسخها، وقد كتبت بخط مغربي جيد، وعدد صفحاتها مائتان وثلاث وخمسون صفحة، في كل صفحة ثلاثة وعشرون سطرًا، وأصل المخطوطة بدار الكتب الوطنية بتونس تحت رقم: 2997 تسلسل 44، ولها فلم بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت رقم: 8583 ف. المخطوطة الخامسة: ورمزت لها بحرف "و": لم يرد اسم الكتاب فيها، فهي جزء من كتاب "الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري"، لأبي الحسن علي بن حسين بن عروة الحنبلي المعروف بابن زكنون ت 837 هـ (¬1). تقع في المجلد الثالث والثلاثين تبدأ من ص 302 حتى 463 في كل صفحة سبعة وعشرون سطرًا، وكتبت بخط رقعة، نسخها: إبراهيم بن ¬
النسخة السادسة: ورمزت لها بحرف "ج"
محمد بن محمود بن بدر الحنبلي، وكان الفراغ من نسخها 17 ربيع الأول 827 هـ. تبدأ من قول المؤلف: "فصل: الطرق التي يحكم بها الحاكم قسمان: إثبات وإلزام". ولها مكروفلم في مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية بالرياض برقم: 1982 ف. النسخة السادسة: ورمزت لها بحرف "ج": جاء اسم الكتاب فيها: "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية"، وهي أول طبعة - حسب علمي - للكتاب، وهي طبعة حجرية طبعت بمطبعة الآداب والمؤيد بمصر سنة 1317 هـ، وصفحاتها: 307، في كل صفحة عشرون سطرًا، وفيها سقط في مواضع كثيرة، ففي ص 105 سقط تسعة عشر سطرًا، وفي ص 107 سقط تسعة أوجه، وفي ص 121 سقط تسعة عشر وجهًا، وفي ص 174 سقط قرابة وجهين، وسيرد بيانها في محلها من المتن إن شاء الله تعالى. وقد ذكرتها ضمن النسخ المعتمدة في التحقيق لكونها أول طبعة للكتاب ولكونها أقدم من بعض النسخ الخطية التي تركتها بسبب حداثة نسخها.
نماذج من صور المخطوطات
الورقة الأولى من نسخة بغداد (أ)
الورقة الثانية من نسخة بغداد (أ)
الورقة الأخيرة من نسخة بغداد (أ)
صفحة العنوان من نسخة عارف حكمت (ب)
الورقة الأولى من نسخة عارف حكمت (ب)
الورقة الأخيرة من نسخة عارف حكمت (ب)
صفحة العنوان من نسخة تشستربتي (د)
الورقة الأولى من نسخة تشستربتي (د)
الورقة الأخيرة من نسخة تشستربتي (د)
الورقة الأولى من نسخة تونس (هـ)
الورقة الثانية من نسخة تونس (هـ)
الورقة الأخيرة من نسخة تونس (هـ)
الورقة الأولى من نسخة الظاهرية (ضمن الكواكب الدراري) (و)
الورقة الأخيرة من نسخة الظاهرية (ضمن الكواكب الدراري) (و)
الطُّرق الحكميَّة في السياسة الشرعية تأليف (العلامة شمس الدين أبي عبد الله) محمد بن قيم الجوزية (المتوفي سنة 751 هجرية) (طبع على نفقة شركة طبع الكتب العربية بمصر) (بمطبعة الآداب والمؤيد بمصر سنة 1317 هجرية) عنوان الطبعة الأولى للكتاب (ج)
الصفحة الأولى من الطبعة الأولى للكتاب (ج)
مقدمة المصنف
قال الشيخ الإمام العلامة الحبر البحر الفهامة سيد الحفاظ، وفارس المعاني والألفاظ، ترجمان القرآن، ذو الفنون البديعة الحسان، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قيم الجوزية، - رحمه الله تعالى -: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فهدى به من الضلالة، وبصَّر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينًا عميًا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا (¬1). أما بعد: وسألتَ (¬2) عن الحاكم، أو الوالي يحكم بالفراسة (¬3) ¬
جواب أبي الوفاء بن عقيل
والقرائن (¬1) التي يظهر له بها الحق، والاستدلال بالأمارات، ولا يقف مع مجرد ظواهر البينات والإقرار (¬2) حتى إنه ربما يتهدد أحد الخصمين (¬3) إذا ظهر له (¬4) منه أنه مبطل، وربما ضربه، وربما سأله عن أشياء تدله على صورة (¬5) الحال، فهل ذلك صواب أم خطأ؟ فهذه مسألة كبيرة عظيمة النفع، جليلة القدر، إن أهملها الحاكم أو الوالي أضاع حقًّا كثيرًا، وأقام باطلًا كبيرًا، وإن توسع فيها (¬6) وجعل معوّله عليها دون الأوضاع الشرعية، وقع في أنواعٍ من الظلم والفساد. وقد سئل أبو الوفاء ابن عقيل عن هذه المسألة، فقال: ليس ذلك حكمًا بالفراسة، بل حكم بالأمارات. وإذا تأملتم الشرع وجدتموه يجوّز التعويل على ذلك، وقد ذهب مالك (¬7) - رحمه الله - إلى التوصل ¬
مذهب مالك في التوصل بالإقرار بما يراه الحاكم
بالإقرار بما يراه الحاكم (¬1). وذلك مستند إلى قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} [يوسف: 26]، ولذا (¬2) حكمنا بعقد الأَزَج (¬3)، وكثرة الخشب في الحائط، ومعاقد القمط (¬4) في الخُص (¬5)، وما يصلح للمرأة (¬6) والرجل في الدعاوى. وفي مسألة العطار والدباغ إذا اختصما في الجلد، والنجار والخياط إذا تنازعا في ¬
ضرر الحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارت ودلائل الحال
المنشار والقدوم، والطباخ والخباز إذا تنازعا في القِدرِ، ونحو ذلك، فهل ذلك إلا الاعتماد على الأمارات؟ وكذلك الحكم بالقافة (¬1) والنظر في أمر الخنثى، والأمارات الدالة على أحد حاليه. والنظر في أمارات القبلة، واللوْث (¬2) في القسامة (¬3). انتهى (¬4). والحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات، ودلائل الحال، ومعرفة شواهده، وفي القرائن الحالية والمقالية، كفقهه في كليات (¬5) الأحكام: أضاع حقوقًا كثيرة على أصحابها، وحكم بما يعلم الناس بطلانه ولا يشكون فيه، اعتمادًا منه على نوع ظاهر لم يلتفت إلى باطنه وقرائن (¬6) أحواله. ¬
لا بد للحاكم من نوعين من الفقه
فها هنا نوعان من الفقه، لا بد للحاكم منهما: فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس، يميز به (¬1) بين الصادق والكاذب، والمحق والمبطل (¬2). ثم يطابق بين هذا وهذا، فيعطي الواقع حكمه من الواجب، ولا يجعل الواجب مخالفًا للواقع. ومن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالها (¬3) وتضمنها (¬4) لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح: تبين له (¬5) أن السياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن مَن أحاط علمًا (¬6) بمقاصدها ووضعها مواضعها (¬7) وحَسُنَ فهمه فيها: لم يحتج معها إلى (¬8) سياسة غيرها ألبتة. فإن السياسة (¬9) نوعان (¬10): سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، ¬
قصة سليمان عليه السلام مع المرأتين اللتين ادعتا الولد
وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهي (¬1) من الشريعة، عَلِمَها من عَلِمها، وجهلها من جهلها. ولا تنس في هذا الموضع قول سليمان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - للمرأتين اللتين ادعتا الولد. فحكم به داود - صلى الله عليه وسلم - للكبرى، فقال سليمان: "ائتُونِي بالسِّكّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا". فسمحت الكبرى بذلك، فقالت الصغرى: لا تَفْعَل يَرْحَمكَ الله، هُوَ ابْنُهَا "فَقَضى بهِ لِلصُّغْرَى" (¬2)، فأي شيء أحسن من اعتبار هذه القرينة الظاهرة! فاستدل برضا الكبرى بذلك، وأنها قصدت الاسترواح إلى التأسّي بمساواة الصغرى في فقد ولدها، وبشفقة (¬3) الصغرى عليه، وامتناعها من الرضا بذلك (¬4): على أنها هي أمه (¬5)، وأن الحامل لها على الامتناع هو (¬6) ما قام بقلبها من الرحمة والشفقة التي وضعها الله تعالى في قلب الأم، وقويت هذه القرينة عنده، حتى قدمها على إقرارها، فإنه حكم به لها مع (¬7) قولها "هو ¬
تراجم النسائي على الحديث المتضمن للقصة
ابنها" وهذا هو الحق (¬1)، فإن الإقرار إذا كان لعلة اطلع عليها الحاكم لم يلتفت إليه أبدًا (¬2). ولذلك ألغينا إقرار المريض مرض (¬3) الموت بمال لوارثه؛ لانعقاد سبب التهمة، واعتمادًا على قرينة الحال في قصده تخصيصه. ومن تراجم قضاة السنة والحديث على هذا الحديث ترجمة أبي عبد الرحمن النسائي في "سننه" (¬4) قال: "التوسعة للحاكم في أن يقول للشيء الذي لا يفعله: أفعل كذا، ليستبين به الحق". ثم ترجم عليه ترجمة أخرى أحسن من هذه، فقال: "الحكم بخلاف ما يعترف به المحكوم عليه، إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به" (¬5) فهكذا يكون الفهم عن الله ورسوله. ثم ترجم عليه ترجمة أخرى فقال: "نقض الحاكم ما حكم به غيره ممن هو مثله، أو أجل منه" (¬6). فهذه ثلاث قواعد. ¬
اللوث في دعوى المال في قصة شهادة أهل الذمة في السفر
ورابعة: وهي ما نحن فيه، وهي الحكم بالقرائن وشواهد الحال. وخامسة: وهي أنه لم يجعل الولد لهما، كما يقوله أبو حنيفة (¬1). فهذه خمس سنن في هذا الحديث. ومن ذلك: قول الشاهد الذي ذكر الله شهادته، ولم ينكر (¬2) عليه، بل لم يعبه (¬3) بل حكاها مقررًا لها، فقال تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)} [يوسف: 25 - 28] فتوصل بقدِّ القميص إلى معرفة (¬4) الصادق منهما من الكاذب. وهذا لَوث (¬5) في أحد المتنازعين، يبين به أولاهما بالحق (¬6). وقد ذكر الله سبحانه اللوث في دعوى المال في قصة شهادة أهل ¬
حكم الصحابة برجم المرأة إذا ظهر بها الحبل ولا زوج لها ولا سيد
الذمة على المسلمين في الوصية في السفر، وأمر بالحكم بموجبه (¬1). وحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بموجب اللوث في القسامة، وجوز للمدعين أن يحلفوا خمسين يمينًا، ويستحقون (¬2) دم القتيل (¬3). فهذا لوث في الدماء، والذي في سورة المائدة (¬4) لوث في الأموال، والذي في سورة يوسف (¬5) لوث في الدعوى في العرض ونحوه (¬6). وقد حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والصحابة معه رضي الله عنهم برجم المرأة إذا (¬7) ظهر بها الحبل، ولا زوج لها ولا سيد (¬8). وذهب إليه مالك (¬9) وأحمد (¬10) - في أصح روايتيه (¬11) - ¬
الحكم بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم
اعتمادًا على القرينة الظاهرة. وحكم عمر (¬1) وابن مسعود (¬2) رضي الله عنهما - ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة (¬3) - بوجوب الحد برائحة الخمر من فيّ الرجل (¬4)، أو قَيْئِه له، اعتمادًا على القرينة الظاهرة (¬5). ولم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم (¬6)، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار، فإنهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب، ووجود المال معه نص صريح لا يتطرق إليه شبهة، وهل يشك أحد رأى قتيلًا يتشحط في دمه، وآخر قائم على رأسه بالسكين: أنه قتله؟ ولا سيما إذا عرف بعداوته (¬7)، ¬
القسامة
ولهذا جوز جمهور العلماء لولي القتيل أن يحلف خمسين يمينًا: أن ذلك الرجل قتله، ثم قال مالك (¬1) وأحمد (¬2): يقتل به. وقال الشافعي: يقضى عليه بديته (¬3). وكذلك إذا رأينا رجلًا مكشوف الرأس - وليس ذلك عادته - وآخر هارب قدامه بيده عمامة، وعلى رأسه عمامة: حكمنا له بالعمامة التي بيد الهارب قطعًا، ولا نحكم بها لصاحب اليد التي قطعنا وجزمنا بأنها يد ظالمة غاصبة بالقرينة الظاهرة التي هي أقوى بكثير من البينة والاعتراف (¬4). وهل القضاء بالنكول (¬5) إلا رجوع إلى مجرد القرينة الظاهرة، التي ¬
أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير أن يقرر عم حيي بن أخطب بالعذاب
علمنا بها (¬1) ظاهرًا أنه لولا صدق المدعي لدفع المدعى عليه دعواه باليمين؟ فلما نَكَلَ عنها كان نكوله قرينة ظاهرة، دالة على صدق المدعي، فقدمت (¬2) على أصل براءة الذمة. وكثير من القرائن والأمارات أقوى من النكول، والحس شاهد بذلك، فكيف يسوغ تعطيل شهادتها؟ ومن ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الزبير أن يقرر عَمَّ حُيَىّ بن أخطب (¬3) بالعذاب على إخراج المال الذي غَيَّبه، وادعى نفاده. فقال له: "العَهْدُ قَريبٌ، وَالمَالُ أَكْثر مِنْ ذَلِكَ" (¬4) فهاتان قرينتان في غاية القوة: كثرة المال، وقصر المدة التي يُنفق كله فيها. وشرح ذلك: أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أجلى بني النضير من المدينة، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم، غير الحلقة والسلاح، وكان لأبي الحُقَيق (¬5) مال عظيم - بلغ مسك (¬6) ثور من ذهب وحلي - فلما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
خيبر وكان بعضها عنوة (¬1) وبعضها صلحًا ففتح أحد جانبيها صلحًا، وتحصن (¬2) أهل الجانب الآخر، فحصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر يومًا، فسألوه الصلح، وأرسل ابن أبي الحُقَيق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنزل فأكلمك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم"، فنزل ابن أبي الحُقَيق فصالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حَقْن دماء مَن في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم (¬3)، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويُخَلُّون بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصفراء والبيضاء (¬4) والكُراع (¬5) والحَلْقة (¬6)، إلا ثوبًا على ظهر إنسان. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَبَرِئَت مِنْكُم ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ إنْ كَتَمتُمُونِي شَيْئًا" فصالحوه على ذلك (¬7). قال حماد بن سلمة: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم، فغلبَ على الزرع والأرض والنخل، فصالحوه على أن يُجلوا منها، ¬
ولهم ما حملت ركابُهم (¬1)، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصَّفْراءُ والبيضاءُ، واشترط (¬2) عليهم "ألا يكتموا ولا يُغيِّبوا شيئًا، فإن فعلوا فلا ذِمَّةَ (¬3) لهم ولا عهد" (¬4) فَغَيَّبُوا مَسْكًا فيه مال وحُلي لحُييِّ بنِ أَخْطَب كان احتمله معه إلى خيبر، حين أُجليت النضيرُ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِعَمِّ حُيي بن أخطب: "ما فَعَلَ مَسْكُ حُيي الَّذي جَاءَ بِهِ (¬5) مِنَ النَّضيرِ؟ " قال: أذهبته النفقات والحروب، قال: "العَهْدُ قَرِيبٌ، وَالمَالُ أَكْثَرُ من ذَلِكَ" فدفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الزبير، فمسَّه بعذاب، وقد كان قبل ذلك دخل خَرِبة، فقال: قد رأيت حُيَيًّا يطوف في خربة ها هنا. فذهبوا فطافوا، فوجدوا المَسْكَ في الخربة. فقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابني (¬6) أبي الحُقَيق - وأحدهما زوج صفية - بالنَّكْثِ (¬7) الَّذي نَكَثُوا" (¬8). ¬
الأحكام التي اشتملت عليها القصة
ففي هذه السُنَّة الصحيحة: الاعتماد على شواهد الحال والأمارات الظاهرة، وعقوبة أهل التهم، وجواز الصلح على الشرط، وانتقاض العهد إذا خالفوا ما شرط (¬1) عليهم. وفيه من الحكم: إخزاء الله لأعدائه بأيديهم وسعيهم، وإلا فهو سبحانه قادر (¬2) أن يُطلع رسوله (¬3) على الكنز فيأخذه عنوة (¬4)، ولكن كان في أخذه على هذه الحال من الحكم والفوائد، وإخزاء الكفرة بأيديهم ما فيه، والله أعلم. وفي بعض طرق هذه القصة أن ابن عم كنانة اعترف بالمال حين دفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الزبير فعذبه. وفي ذلك دليل على صحة إقرار المكره إذا ظهر معه (¬5) المال (¬6)، ¬
قول علي للظعينة التي حملت كتاب حاطب بن أبي بلتعة
وأنه إذا عوقب على أن يقر بالمال المسروق، فأقر به وظهر عنده: قطعت يده، وهذا هو الصواب بلا ريب، وليس هذا إقامة للحد (¬1) بالإقرار الذي أُكره عليه، ولكن بوجود المال المسروق معه الذي تُوصِّل إليه بالإقرار. فصل ومن ذلك: قول أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - للظَّعِيْنة (¬2) التي حملت كتاب حاطب بن أبي بلتعة فأنكرته. فقال لها: "لتُخْرجنَّ الكتَابَ أو لنُجَرِّدَنَّكِ" فلما رأت الجِدّ أخرجته من عقاصها (¬3) (¬4). وعلى هذا: إذا ادعى الخصم الفلس، وأنه لا شيء معه، فقال المدعي للحاكم: المال معه. وسأل تفتيشه، وجب على الحاكم إجابته إلى ذلك، ليصل صاحب الحق إلى حقه (¬5). ¬
كشف الصحابة عن مآزر أسرى بني قريظة ليعلم البالغ منهم
وقد كان الأسرى من قريظة يدعون عدم البلوغ، فكان الصحابة يكشفون عن مؤتزرهم (¬1) بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، فيعلمون بذلك البالغ من غيره. وأنت تعلم في مسألة الهارب وفي يده عمامة وعلى رأسه أخرى، وآخر حاسر الرأس خلفه علمًا ضروريًّا أن العمامة له، وأنه لا نسبة لظهور صدق صاحب اليد إلى هذا العلم بوجه من الوجوه. فكيف تقدم اليد - التي غايتها أن تفيد ظنًّا ما (¬3) عند عدم المعارض - على هذا العلم الضروري اليقيني، وينسب ذلك إلى الشريعة؟. فصل ومن ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الملتقط أن يدفع ¬
اللقطة (¬1) إلى واصفها (¬2)، وأمره أن يعرف عِفاصها ووِعاءها وَوِكاءها (¬3) لذلك (¬4). فجعل وصفه لها قائمًا مقام البينة (¬5)، بل ربما يكون وصفه لها (¬6) أظهر وأصدق من البينة (¬7). ¬
المستأجر ومالك الدار إذا تنازعا دفينا في الدار
وقد سئل الإمام أحمد عن المستأجر ومالك الدار إذا تنازعا دفينًا في الدار، فكل واحد منهما يدعي أنه له؟ فقال: من وصفه منهما فهو له (¬1). وهذا من كمال فقهه وفهمه - رضي الله عنه -. وسئل عن البلد (¬2) يستولي عليه الكفار، ثم يفتحه المسلمون، فتوجد فيه أبواب (¬3) مكتوب عليها كتابة المسلمين أنها وقف: أنه يحكم بذلك، لقوة هذه الأمارة وظهورها (¬4). فصل وكذلك: اللقيط (¬5) إذا تداعاه اثنان، ووصف أحدهما علامة (¬6) خفية بجسده، حكم له به عند الجمهور (¬7). ¬
الحكم بالقافة وجعلها من أدلة إثبات النسب
فصل ومن ذلك: حُكْم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه من بعده - رضي الله عنهم - بالقافة (¬1)، وجعلها دليلًا من أدلة ثبوت النسب، وليس ها هنا (¬2) إلا مجرد الأمارات والعلامات. قال بعض الفقهاء: ومن العجب إنكار لحوق النسب بالقافة التي اعتبرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعمل بها الصحابة من بعده، وحكم به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬3)، وإلحاق النسب (¬4) في مسألة من تزوج بأقصى المغرب امرأة بأقصى المشرق، وبينهما مسافة سنين، ثم جاءت (¬5) بعد العقد بأكثر من ستة أشهر بولد (¬6)، أو تزوجها، ثم قال عقيب العقد: هي طالق ثلاثًا، ثم أتت بولد: أنه (¬7) يكون ابنه لأنها فراش (¬8). وأعجب من ذلك: أنها تصير فراشًا بهذا العقد بمجرده. ولو ¬
الحكم بقتل المرأة أو حبسها إذا نكلت عن اللعان
كانت له سرية يطؤها ليلًا ونهارًا، فأتت بولد لم يلحقه نسبه؛ لأنها ليست فراشًا له، ولا يلحقه حتى يدعيه (¬1)، فيلحقه بالدعوى لا بالفراش (¬2)!!. وقد تقدم استشهاد ابن عقيل باللوث في (¬3) القسامة (¬4). وهو من أحسن الاستشهاد فإنه اعتماد على ظاهر الأمارات المغلبة على الظن صدق المدعي. فيجوز له أن يحلف بناءً على ذلك، ويجوز للحاكم - بل يجب عليه - أن يثبت له حق القصاص أو الدية، مع علمه أنه لم ير ولم (¬5) يشهد، فإذا كان هذا في الدماء المبني أمرها على الحظر والاحتياط، فكيف بغيرها؟ ومن ذلك اللعان (¬6) فإنا نحكم بقتل المرأة، أو بحبسها إذا نكلت ¬
قصة ابني عفراء لماتدعيا قتل أبي جهل
عن اللعان (¬1)، والصحيح: أنا نحدها. وهو مذهب الشافعي (¬2) - رحمه الله -، وهو الذي دل عليه القرآن في قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] والعذاب ها هنا: هو العذاب المذكور في أول السورة، في قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] فأضافه أولًا، وعرفه باللام ثانيًا، وهو عذاب واحد. والمقصود أن نكول المرأة من أقوى الأمارات على صدق الزوج، فقام لعانه ونكولها مقام الشهود. فصل ومن ذلك أن ابني عفراء (¬3) لما تداعيا قتل أبي جهل، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ¬
البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره
"هل مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ " قالا: لا، قال: "فأَرِيَانِي سَيْفَيْكُمَا". فلما نظر فيهما، قال لأحدهما: "هذا قَتَلَهُ" (¬1). وقضى له بسلبه. وهذا من أحسن الأحكام، وأحقها بالاتباع (¬2)، فالدم في النصل شاهد عجيب. وبالجملة: فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره (¬3) ومَنْ خَصها بالشاهدين، أو الأربعة، أو الشاهد، لم يوف مسماها حقه. ولم تأت البينة قط في القرآن مرادًا بها الشاهدان، وإنما أتت مرادًا بها الحجة والدليل والبرهان، مفردة ومجموعة. وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البَيِّنَةُ على المُدَّعِي" (¬4) ¬
المراد به: أن عليه بيان (¬1) ما يصحح دعواه ليحكم له، والشاهدان من البينة. ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، كدلالة (¬2) الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد، والبينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة: متقاربة في المعنى. وقد روى ابن ماجه وغيره عن جابر بن عبد الله قال: "أردت السفر إلى خيبر، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت له: إني أردت (¬3) الخروج إلى خيبر، فقال: "إذا أَتَيْتَ وَكِيلي فَخُذْ منه خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا (¬4)، فإذا ¬
اعتبار الشرع للقرائن والأمارات ودلائل الأحوال
طلب منك آية، فَضَعْ يَدَكَ على تَرْقُوتِهِ" (¬1) فهذا اعتماد في الدفع إلى الطالب على مجرد العلامة، وإقامة لها مقام الشاهد. فالشارع لم يلغ القرائن والأمارات ودلائل (¬2) الأحوال، بل من استقرأ الشرع في مصادره وموارده وجده شاهدًا لها بالاعتبار، مرتبًا عليها الأحكام. وقول أبي الوفاء ابن عقيل: "ليس هذا فراسة"، فيقال: ولا محذور في تسميته فراسة، فهي فراسة صادقة (¬3). وقد مدح الله سبحانه الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه، فقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [الحجر: 75]. وهم المتفرسون (¬4) الآخذون بالسِّيما، وهي العلامة، يقال: تفرست فيك كيت وكيت وتوسمته. وقال تعالى: ¬
{وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [محمد: 30]. وقال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273]. وفي "جامع الترمذي" مرفوعًا: "اتَّقُوا فِرَاسَةَ المُؤْمِنِ، فإنه يَنْظُرُ بِنُورِ اللهِ، ثُم قَرَأ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [الحجر: 75] " (¬1). ¬
كلام ابن عقيل في السياسة الشرعية
فصل وقال ابن عقيل في "الفنون" (¬1): جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية: أنه هو الحزم، ولا يخلو من القول به إمام. فقال شافعي: لا سياسة إلا ما وافق الشرع. فقال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلًا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد (¬2)، وإن لم يضعه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا نزل به وحي. فإن أردت بقولك: "إلا ما وافق الشرع" أي لم يخالف ما نطق به الشرع: فصحيح. وإن أردت: لا سياسة إلا ما نطق به الشرع، فغلط، وتغليط للصحابة. فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل ما لا يجحده عالم بالسنن، ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف (¬3)، فإنه كان رأيًا اعتمدوا فيه على مصلحة الأمة، وتحريق علي - رضي الله عنه - الزنادقة (¬4) في الأخاديد فقال: ¬
السياسة الشرعية بين الإفراط والتفريط
إني إذا شاهدت أمرًا منكرا (¬1) ... أججت ناري ودعوت قنبرا (¬2) ونفي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لنصر بن حجاج. ا. هـ (¬3). وهذا موضع مَزَلَّة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك، ومعترك صعب، فرط فيه طائفة، فعطلوا (¬4) الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرَّءوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة إلى غيرها، وسدوا على نفوسهم طرقًا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له، وعطلوها (¬5) مع علمهم وعلم غيرهم قطعًا أنها (¬6) حق مطابق للواقع، ظنًّا منهم منافاتها لقواعد الشرع. ¬
ولعمر الله إنها لم تناف ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن نافت ما فهموه من شريعته باجتهادهم، والذي أوجب لهم ذلك: نوع تقصير في معرفة الشريعة، وتقصير في معرفة الواقع، وتنزيل أحدهما على الآخر، فلما رأى ولاة الأمور ذلك، وأن الناس لا يستقيم لهم أمرهم إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة، أحدثوا من أوضاع سياستهم شرًّا طويلًا، وفسادًا عريضًا، فتفاقم الأمر، وتعذر استدراكه، وعَزّ على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك، واستنقاذها من تلك المهالك. وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة، فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله، وكلا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله، وأنزل به كتبه، فإن الله سبحانه أرسل رسله، وأنزل كتبه (¬1)، ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات، فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق، أن مقصوده إقامةُ العدل بين عباده، وقيامُ الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين، وليست مخالفة له. فلا يقال: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعًا ¬
ما ورد في السنة من باب السياسة الشرعية
لمصطلحهم (¬1)، وإنما هي عدل الله ورسوله، ظهر بهذه الأمارات والعلامات. فقد حبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تهمة (¬2)، وعاقب في تهمة (¬3)، لما ظهرت أمارات الريبة على المتهم، فمن (¬4) أطلق كل متهم وحلَّفه وخلى سبيله - مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض، وكثرة سرقاته، وقال: لا آخذه إلا بشاهدي عدل - فقوله مخالف للسياسة الشرعية. وقد منع النبي - صلى الله عليه وسلم - الغال (¬5) من الغنيمة سهمه، وحرق متاعه هو وخلفاؤه من بعده (¬6). ¬
ومنع القاتل من السلب (¬1) لما أساء شافعه على أمير السرية (¬2) (¬3)، فعاقب المشفوع له عقوبة للشفيع (¬4). وعزم على تحريق بيوت تاركي الجمعة (¬5) والجماعة (¬6). وأضعف الغرم على سارق ما لا قطع فيه، وشرع فيه جلدات (¬7)؛ نكالًا وتأديبًا. وأضعف الغرم على كاتم الضالة عن ¬
صاحبها (¬1). وقال في تارك الزكاة: "إنا آخذوها منه وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا" (¬2). وأمر بكسر دنان (¬3) الخمر (¬4). ¬
وأمر بكسر القدور التي طبخ فيه اللحم الحرام، ثم نسخ عنهم الكسر، وأمرهم بالغسل (¬1). وأمر عبد الله بن عمرو بتحريق الثوبين المعصفرين (¬2)، فسجرهما (¬3) في التنور (¬4). وأمر المرأة التي لعنت ناقتها أن تخلي سبيلها (¬5). وأمر بقتل شارب الخمر بعد الثالثة أو الرابعة (¬6)، ولم ينسخ ذلك، ولم يجعله حدًّا (¬7) لا بد منه، بل هو بحسب المصلحة إلى رأي ¬
الإمام (¬1)، ولذلك (¬2) زاد عمر رضي الله عنه في الحد أربعين (¬3) ونفى فيها (¬4). وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل الذي كان يتهم بأم ولده (¬5)، فلما تبين أنه ¬
خصي تركه (¬1). وأمر بإمساك اليهودي الذي أومأت الجارية (¬2) برأسها أنه رضخه (¬3) بين حجرين فأُخذ فأقرَّ فرضخ رأسه (¬4). وهذا يدل على جواز أخذ المتهم إذا قامت قرينة التهمة. والظاهر: أنه لم تقم عليه بينة، ولا أقر اختيارًا منه للقتل، وإنما هدد أو ضرب فأقر (¬5). وكذلك العرنيّون فعل بهم ما فعل بناءً على شاهد الحال ولم يطلب بينة بما فعلوا (¬6)، ولا وقف الأمر على إقرارهم (¬7). ¬
ما ورد عن الصحابة والخلفاء الراشدين في هذا الباب
فصل وسلك أصحابه وخلفاؤه من بعده (¬1) ما هو معروف لمن طلبه. فمن ذلك: أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - حرَّق اللوطية (¬2)، وأذاقهم حر النار في الدنيا قبل الآخرة. وكذلك قال أصحابنا: إذا رأى الإمام تحريق اللوطي فله ذلك (¬3). فإن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - كتب إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - "أنه (¬4) وجد في بعض ضواحي العرب رجلًا يُنكح كما تنكح المرأة" فاستشار الصديق - رضي الله عنه - أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وكان أشدهم قولًا، فقال: "إن هذا الذنب لم تعص به أمة من ¬
تحريق عمر حانوت الخمار
الأمم إلا واحدة، فصنع الله بهم ما قد (¬1) علمتم، أرى أن يحرقوا بالنار، فأجمع رأي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يحرقوا بالنار (¬2). فكتب أبو بكر الصديق إلى خالد - رضي الله عنهما - أن يحرقوا فحرقهم" (¬3). ثم حرقهم عبد الله بن الزبير في خلافته (¬4). ثم حرقهم هشام بن عبد الملك (¬5). وحرق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حانوت الخمار بما فيه (¬6). وحرق قرية يباع فيها الخمر (¬7). ¬
تحريق عمر قصر سعد لما احتجب فيه عن الرعية
وحرق قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب في قصره (¬1) عن الرعية. فذكر الإمام أحمد - رضي الله عنه - في مسائل ابنه صالح (¬2): أنه دعا محمد بن مسلمة فقال: "اذهب إلى سعد بالكوفة، فحرّق عليه قصره، ولا تحدثن حدثًا حتى تأتيني" فذهب محمد إلى الكوفة، فاشترى من نبطي (¬3) حزمة حطب (¬4)، وشرط عليه حملها إلى قصر سعد، فلما وصل إليه ألقى الحزمة فيه، وأضرم فيها النار، فخرج سعد، فقال: "ما هذا؟ " قال: "عزمة أمير المؤمنين" فتركه حتى احترق. ثم انصرف إلى المدينة، فعرض عليه سعد نفقة، فأبى أن يقبلها، فلما قدم على عمر قال له: "هلّا قبلت نفقته؟ " فقال: "إنك قلت لا تحدثن حدثًا حتى تأتيني" (¬5). وحلق عمر رأس نصر بن حجاج، ونفاه من المدينة لتشبيب النساء به (¬6). وضرب صَبيغ بن عِسْل التميمي على رأسه، لما سأل عما لا يعنيه (¬7). ¬
أخذه شطر أموال العمال التي اكتسبوها بجاه العمل
وصادر عماله، فأخذ شطر أموالهم لما اكتسبوها بجاه العمل (¬1)، واختلط ما يختصون به بذلك، فجعل أموالهم بينهم وبين المسلمين شطرين. وألزم الصحابة أن يُقلُّوا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما اشتغلوا به عن القرآن (¬2)، سياسة منه، إلى غير ذلك من سياسته (¬3) التي ساس بها الأمة - رضي الله عنه -. ¬
إلزامه الصحابة الإقلال من الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ومن ذلك إلزامه للمطلق ثلاثًا واحدة بالطلاق، وهو يعلم أنها واحدة، ولكن لما أكثر الناس منه رأى عقوبتهم بإلزامهم به، ووافقه على ذلك رعيته من الصحابة، وقد أشار هو إلى ذلك، فقال: "إن الناس قد استعجلوا في شيء كانت لهم فيه أناة، فلو أنا أمضيناه عليهم؟ " (¬1) فأمضاه عليهم ليقلوا منه، فإنهم إذا علموا أن أحدهم إذا أوقع الثلاث جملة واحدة وقعت عليه (¬2)، وأنه لا سبيل له إلى المرأة: أمسك عن ذلك. فكان الإلزام به عقوبة منه لمصلحة رآها، ولم يكن يخفى عليه أن الثلاث كانت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر (¬3) كانت تجعل واحدة، بل مضى على ذلك صدر من خلافته، حتى أكثر الناس من ذلك، وهو اتخاذ لآيات الله هزوًا. كما في "المسند" و"النسائي" وغيرهما من حديث محمود بن لبيد: "أن رجلًا طلق امرأته ثلاثًا، على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أَيُلْعَبُ بكِتَابِ اللهِ وأَنا بَيْنَ أَظْهُركُمْ؟ " فقال رجل: ألا أضرب عنقه يا رسول الله؟ " (¬4) فلما أكثر الناس من ذلك ¬
لم لم يتبع ابن تيمية عمر في مسألة الطلاق؟
عاقبهم به. ثم إنه ندم على ذلك قبل موته، كما ذكره الإسماعيلي (¬1) في "مسند عمر" (¬2). فقلت لشيخنا: فهلا تبعت عمر في إلزامهم به عقوبة، فإن جمع الثلاث محرم (¬3) عندك؟ فقال: أكثر الناس اليوم لا يعلمون أن ذلك محرم (¬4)، ولا سيما (¬5) والشافعي يراه جائزًا (¬6)، فكيف يعاقب الجاهل بالتحريم (¬7). ¬
منع عمر بيع أمهات الأولاد
قال: وأيضًا فإن عمر ألزمهم بذلك، وسد عليهم باب التحليل، وأما هؤلاء: فيلزمونهم بالثلاث، وكثير منهم يفتح لهم باب التحليل، فإنه لا بد للرجل من امرأته، فإذا علم أنها لا ترجع إليه إلا بالتحليل سعى في ذلك. والصحابة لم يكونوا يسوغون ذلك، فحصلت مصلحة الامتناع من الجمع من غير وقوع مفسدة التحليل بينهم (¬1). قال: ولو علم عمر أن الناس يتتايعون في التحليل لرأى أن إقرارهم على ما كان عليه الأمر في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وصدر من خلافته أولى. وبسط شيخنا الكلام في ذلك بسطًا طويلًا (¬2). قال: ومن ذلك منعه بيع (¬3) أمهات الأولاد (¬4)، وإنما كان رأيًا منه رآه للأمة، وإلا فقد بِعْنَ في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومدة خلافة ¬
الصديق (¬1)، ولهذا عزم علي بن أبي طالب على بيعهن، وقال: "إن عدم البيع كان رأيًا اتفق عليه هو وعمر"، فقال له قاضيه عبيدة السلماني: "يا أمير المؤمنين، رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك" (¬2)، فقال: "اقضوا كما (¬3) كنتم تقضون، فإني أكره الخلاف" (¬4). فلو كان عنده نص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتحريم بيعهن لم ¬
اختيار عمر للناس الإفراد في الحج
يضف ذلك إلى رأيه ورأي عمر، ولم يقل: "إني رأيت أن يُبَعْن". فصل ومن ذلك: اختياره للناس الإفراد بالحج، ليعتمروا في غير أشهر الحج، فلا يزال البيت الحرام مقصودًا (¬1)، فظن بعض الناس أنه نهى عن المتعة، وأنه أوجب الإفراد. وتنازع في ذلك ابن عباس وابن (¬2) الزبير (¬3)، وأكثر الناس على ابن عباس في ذلك، وهو يحتج عليهم بالأحاديث الصحيحة الصريحة. فلما أكثروا عليه في ذلك قال: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول لكم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟! " (¬4) وكذلك ابنه عبد الله كانوا إذا ¬
جمع عثمان الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة
احتجوا عليه بأبيه يقول: "إن عمر لم يرد ما تقولون" فإذا أكثروا عليه قال: "أفرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبعوا (¬1)، أم عمر؟ " (¬2). والمقصود: أن هذا وأمثاله سياسة جزئية بحسب المصلحة، يختلف باختلاف الأزمنة، فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة، ولكلٍّ عذرٌ وأجرٌ. ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين. وهذه السياسة التي ساسوا بها الأمة وأضعافها هي من تأويل القرآن والسنة. ولكن: هل هي من الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة، أم من السياسات الجزئية التابعة للمصالح، فيتقيد بها زمانًا ومكانًا؟ ومن ذلك: جمع عثمان - رضي الله عنه - الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة (¬3) التي أطلق لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القراءة بها، لما كان ذلك مصلحة. فلما خاف الصحابة - رضي الله عنهم - على الأمة ¬
تحريق علي الزنادقة الرافضة
أن يختلفوا في القرآن، ورأوا أن جمعهم على حرف واحد أسلم، وأبعد من وقوع الاختلاف: فعلوا ذلك، ومنعوا الناس من القراءة بغيرها (¬1). وهذا كما لو كان للناس عدة طرق إلى البيت، وكان سلوكهم في تلك الطرق يوقعهم في التفرق والتشتت، ويطمع فيهم العدو، فرأى الإمام جمعهم على طريق واحد، وترك (¬2) بقية الطرق: جاز ذلك، ولم يكن فيه إبطال لكون تلك الطرق موصلة إلى المقصود، وإن كان فيه (¬3) نهي عن سلوكها لمصلحة الأمة. ومن ذلك تحريق علي رضي الله عنه (¬4) الزنادقة الرافضة، وهو يعلم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتل الكافر، ولكن لما رأى أمرًا عظيمًا جعل عقوبته من أعظم العقوبات؛ ليزجر الناس عن مثله. ولذلك قال: لما رأيت الأمر أمرًا منكرا ... أججت ناري ودعوت قنبرا (¬5) وقنبر غلامه. وهذا الذي ذكرناه، جميع الفقهاء يقولون به في الجملة، وإن تنازعوا في كثير من موارده (¬6). فكلهم يقول بجواز (¬7) وطء الرجل ¬
وطء المرأة المهداة إلى زوجها ليلة الزفاف وإن لم يشهد عنده عدلان
المرأة إذا أهديت إليه ليلة الزفاف، وإن لم يشهد عنده عدلان من الرجال أن (¬1) هذه فلانة بنت فلان التي عقدت عليها، وإن لم يستنطق النساء أن هذه هي (¬2) امرأته؛ اعتمادًا على القرينة الظاهرة القوية (¬3) فنزَّلوا هذه القرينة القوية منزلة الشهادة (¬4). ومن ذلك: أن الناس - قديمًا وحديثًا - لم يزالوا يعتمدون على قول الصبيان المرسل معهم الهدايا، وأنها مبعوثة إليهم، فيقبلون أقوالهم، ويأكلون الطعام المرسل به، ويلبسون الثياب، ولو كانت أمة لم يمتنعوا من وطئها، ولم يسألوا إقامة (¬5) البينة على ذلك؛ اكتفاء بالقرائن (¬6) الظاهرة (¬7). ومن ذلك: أن الضيف يشرب (¬8) من كوز صاحب البيت، ويتكئ ¬
أخذ ما يسقط من الإنسان مما لا تتبعه همته
على وساده، ويقضي حاجته في مرحاضه من غير استئذان باللفظ له، ولا يعد في ذلك متصرفًا في ملكه بغير إذنه (¬1). ومن ذلك: أنه يطرق عليه بابه، ويضرب حلقته بغير (¬2) استئذانه، اعتمادًا على القرينة (¬3) العرفية (¬4). ومن ذلك: أخذ ما يسقط من الإنسان مما لا تتبعه همته، كالسوط والعصا والفلس والتمرة. ومن ذلك: أخذ ما يبقى في القَراح (¬5) والحائط من الثمار بعد تخلية أهله له وتسييبه (¬6). ومن ذلك: أخذ ما يسقط من الحب عند الحصاد، ويسمى اللقاط (¬7). ¬
أخذ ما ينبذه الناس رغبة عنه من الطعام والخرق
ومن ذلك: أخذ ما ينبذه الناس رغبة عنه من الطعام والخرق والخزف (¬1) ونحوه. ومن ذلك: قول أهل المدينة (¬2) - وهو الصواب (¬3) - أنه لا يقبل قول المرأة: إن زوجها لم يكن ينفق عليها ولا (¬4) يكسوها فيما مضى من الزمان؛ لتكذيب القرائن الظاهرة لها. وقولهم في ذلك هو الحق الذي ندين الله به، ولا نعتقد سواه، والعلم الحاصل بإنفاق الزوج وكسوته في الزمن الماضي؛ اعتمادًا على الأمارات الظاهرة أقوى من الظن الحاصل باستصحاب الأصل (¬5) وبقاء ذلك في ذمته بأضعاف ¬
أكل الضيف من الطعام الذي قدمه صاحب البيت وإن لم يأذن له لفظا
مضاعفة. فكيف يقدم هذا الظن الضعيف على ذلك العلم الذي يكاد بل (¬1) يبلغ القطع؟ فإن هذه الزوجة لم يكن ينزل عليها رزقها من السماء، كما كان ينزل على مريم بنت عمران (¬2)، ولم تكن تُشاهد تخرج من منزلها تأتي بطعام وشراب، والزوج يشاهد (¬3) في كل وقت داخلًا عليها بالطعام والشراب، فكيف يقال: "القول قولها" ويقدم ظن الاستصحاب على هذا العلم اليقيني؟ ومن ذلك: أن صاحب المنزل إذا قدم الطعام إلى الضيف ووضعه بين يديه، جاز له (¬4) الإقدام على الأكل، وإن لم يأذن له لفظًا؛ اعتبارًا بدلالة الحال الجارية مجرى القطع (¬5). ومن ذلك: إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للمار بثمر الغير أن يأكل من ثمره ولا ¬
قضاء الحاجة في المزارع التي على الطوقات
يحمل (¬1)؛ اكتفاء بشاهد الحال، حيث لم يجعل عليه حائطًا ولا ناطورًا (¬2). ومن ذلك: جواز قضاء الحاجة في الأقرحة والمزارع التي على الطرقات بحيث لا ينقطع منها المارة. وكذلك الصلاة فيها, ولا يكون ذلك غصبًا لها ولا تصرفًا ممنوعًا (¬3). ومن ذلك: الشرب من المصانع الموضوعة على الطرقات، وإن لم يعلم الشارب إذن أربابها في ذلك لفظًا، اعتمادًا على دلالة الحال، ولكن لا يتوضأ منها؛ لأن العرف لا يقتضيه، ودلالة الحال لا تدل عليه، إلا أن يكون هناك شاهد حال يقتضي ذلك فلا بأس بالوضوء حينئذٍ (¬4). ¬
القضاء بالأجرة للغسال والخباز وإن لم يعقد معه عقد إجارة
ومن ذلك: القضاء بالأجرة للغسَّال والخباز والطباخ والدقاق وصاحب الحمَّام والقيِّم، وإن لم يعقد معه عقد إجارة؛ اكتفاء بشاهد الحال ودلالته (¬1). ولو استوفى هذه المنافع ولم يعطهم شيئًا لعُدّ (¬2) ظالمًا غاصبًا، مرتكبًا لما هو من القبائح المنكرة. ومن ذلك: انعقاد التبايع في سائر الأعصار والأمصار بمجرد المعاطاة، من غير لفظ (¬3)؛ اكتفاء بالقرائن والأمارات الدالة على التراضي، الذي هو شرط في صحة البيع. ومن ذلك: جواز شهادة الشاهد على القتل الموجب للقصاص: أنه قتله عمدًا عدوانًا محضًا، وهو لم يقل: "قتله عمدًا" والعمدية صفة قائمة بالقلب، فجاز للشاهد أن يشهد بها، ويراق دم القاتل بشهادته؛ اكتفاء بالقرينة الظاهرة، فدلالة القرينة على التراضي بالبيع من غير لفظ أقوى (¬4). ¬
قبول قول الوصي فيما ينفقه على اليتيم إذا ادعى ما يقتضيه العرف
ومن ذلك: أنهم قالوا: يقبل قول الوصيَّ فيما ينفقه على اليتيم إذا ادعى ما يقتضيه العرف، فإذا ادعى أكثر من ذلك لم يقبل قوله (¬1). وهكذا سائر من قلنا "القول (¬2) قوله" إنما يقبل قوله إذا لم يكذبه شاهد الحال، فإن كذبه لم يقبل قوله، ولهذا يكذب المودع والمستأجر، إذا ادعيا أن الوديعة (¬3) أو العين المستأجرة هلكت في الحريق، أو تحت الهدم، أو في نهب العيارين (¬4) ونحوهم، لم يقبل قولهم إلا إذا تحققنا وجود هذه الأسباب (¬5)، فأما إذا علمنا انتفاءها فإنا ¬
تداعي العيب بين البائع والمشتري
نجزم بكذبهم، ولا يقبل قولهم. وهذا من أقوى الأدلة على أن القول قول الزوج في النفقة والكسوة لما مضى من الزمان؛ لعلمنا بكذب الزوجة في الإنكار، وكون الأصل معها مثل كون الأصل قبول قول الأمناء، إلا حيث يكذبهم الظاهر. ومن ذلك: أنهم قالوا في تداعي العيب: هل كان (¬1) عند البائع أو حدث عند المشتري؟ أن القول قول من يدل الحال على صدقه (¬2). فإن احتملت (¬3) الحال صدقهما ففيها قولان، أظهرهما: أن القول قول البائع (¬4)؛ لأن المشتري يدعي ما يسوّغ فسخ العقد بعد تمامه ولزومه، والبائع ينكره. ومن ذلك: أن مالكًا وأصحابه منعوا سماع الدعوى التي لا تشبه الصدق، ولم يحلّفوا لها المدعى عليه (¬5)؛ نظرًا إلى الأمارات والقرائن ¬
جواز ملاعنة الرجل امرأته إذا رأى رجلا معروفا بالفجور يدخل إليها
الظاهرة (¬1). ومن ذلك: أن أصحابنا وغيرهم من الفقهاء، جوَّزوا للرجل أن يلاعن امرأته، فيشهد عليها بالزنا مؤكدًا (¬2) لشهادته باليمين، إذا رأى رجلًا يُعْرف بالفجور يدخل إليها ويخرج من عندها؛ نظرًا إلى الأمارات والقرائن الظاهرة (¬3). ومن ذلك: أن جمهور الفقهاء يقولون في تداعي الزوجين والصانعين (¬4) لمتاع البيت والدكان: أن القول قول من يدل الحال على صدقه (¬5). والصحيح في هذه المسألة: أنه لا عبرة باليد الحسية، بل ¬
القول قول المرتهن في قدر الدين ما لم يزد عن قيمة الرهن
وجودها كعدمها. ولو اعتبرناها لاعتبرنا يد (¬1) الخاطف لعمامة غيره وعلى رأسه عمامة وآخر خلفه (¬2) حاسر الرأس، ونحن نقطع بأن هذه يد ظالمة (¬3) عادية، فلا اعتبار لها. ومن ذلك: أن مالكًا - رحمه الله -، يجعل القول قول المرتهن (¬4) في قدر الدين، ما لم يزد عن قيمة الرهن (¬5) (¬6). وقوله هو الراجح في ¬
الفرق بين الركاز واللقطة
الدليل (¬1)؛ لأن الله سبحانه جعل الرهن بدلًا من الكتاب والشهود، فكأنه ناطق (¬2) بقدر الحق، وإلا فلو كان القول قول الراهن لم يكن الرهن وثيقة، ولا جعل بدلًا من الكتاب (¬3) والشاهد، فدلالة الحال تدل على أنه إنما يرهنه (¬4) على قيمته أو ما يقاربها، وشاهد الحال يكذب (¬5) الراهن إذا قال: رهنت عنده هذه الدار على درهم ونحوه، فلا يسمع قوله. ومن ذلك: أنهم قالوا في الركاز (¬6): إذا كانت (¬7) عليه علامة المسلمين فهو لقطة، وإن كانت (¬8) عليه علامة الكفار فهو ركاز (¬9). ¬
إذا استاجر دابة جاز له ضربها إذا حرنت وإن لم يستأذن مالكها
ومن ذلك: أنه إذا استأجر دابة، جاز له ضربها إذا حرنت في السير، وإن لم يستأذن مالكها (¬1). ومن ذلك: أنه يجوز له إيداعها في الخان (¬2)، إذا قدم بلدًا، وأراد المضي في حاجته، وإن لم يستأذن المؤجر في ذلك (¬3). ومن ذلك: إذن المستأجر للدار لأصحابه وأضيافه في الدخول والمبيت، وإن لم يتضمنهم عقد الإجارة (¬4). ومن ذلك: غسل الثوب الذي استأجره مدة معينة إذا اتسخ، وإن لم يستأذن (¬5) المؤجر في ذلك (¬6). ومن ذلك: لو وَكَّلَ غائبًا في بيع سلعة ملك قبض ثمنها، وإن لم يأذن له في ذلك لفظًا (¬7). ¬
لو رأى موتا بشاة غيره فبادر بذبحها ليحفظ عليها حياتها
ومن ذلك - وإن نازع فيه من نازع (¬1) -: لو رأى موتًا بشاة غيره، أو حيوانه المأكول، فبادر بذبحه (¬2) ليحفظ عليه ماليته كان محسنًا, ولا سبيل على محسن. ومن ضمنه فقد سد باب "الإحسان إلى الغير في حفظ ماله (¬3). ومن ذلك: لو رأى السيل يقصد الدار المؤجرة، فبادر وهدم الحائط ليخرج السيل ولا يهدم الدار كان محسنًا, ولا يضمن الحائط (¬4). ومن ذلك: لو وقع الحريق في الدار، فبادر وهدمها على النار، لئلا تسري لم يضمن (¬5). ¬
لو رأى العدو يقصد مال غيره الغائب فبادر وصا لحه على بعضه
ومنها: لو رأى العدو يقصد مال غيره الغائب، فبادر وصالحه على بعضه كان محسنًا ولم يضمن (¬1). ومن ذلك: لو وجد هديًا مشعرًا (¬2) منحورًا, وليس عنده أحد، جاز له أن يأكل (¬3) منه (¬4). ومنها: لو استأجر غلامًا، فوقعت الآكِلَةُ (¬5) في طرف من أطرافه، بحيث لو لم يقطعه سرى إلى نفسه فقطعه، لم يضمنه (¬6) لمالكه (¬7). ومنها: لو اشترى صُبْرَة (¬8) طعام في دار رجل، أو خشبًا: فله أن يدخل داره من الدواب والرجال من يحوّل ذلك، وإن لم يأذن له المالك (¬9). ¬
الشريعة لا ترد حقا ولا تكذب دليلا ولا تبطل أمارة صحيحة
وأضعاف أضعاف هذه المسائل، مما جرى العمل فيه على العرف (¬1) والعادة (¬2)، ونزل ذلك منزلة النطق الصريح، اكتفاء بشاهد الحال عن صريح المقال. والمقصود: أن الشريعة لا ترد حقًّا, ولا تكذب دليلًا، ولا تبطل أمارة صحيحة، وقد أمر الله سبحانه بالتثبت والتبين (¬3) في خبر الفاسق، ولم يأمر برده جملة (¬4). فإن الكافر والفاسق قد يقوم على خبره شواهد الصدق، فيجب قبوله والعمل به، وقد استأجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر الهجرة دليلًا مُشْرِكًا (¬5) على دين قومه، فأمنه، ودفع إليه راحلته (¬6). فلا يجوز لحاكم ولا لوالٍ رد الحق بعد ما تبين، وظهرت ¬
البينة في الشرع
أمارته لقول (¬1) أحد من الناس. والمقصود أن "البينة" في الشرع: اسم لما يبين الحق ويظهره (¬2)، وهي تارة تكون أربعة شهود (¬3)، وتارة ثلاثة بالنص في بينة المفلس (¬4)، وتارة (¬5) شاهدين (¬6)، وشاهدًا وامرأتين، وشاهدًا ويمين المدعي، وشاهدًا (¬7) واحدًا (¬8)، وامرأة واحدة (¬9)، وتكون نكولًا ويمينًا (¬10)، أو خمسين يمينًا (¬11)، أو أربعة أيمان (¬12)، وتكون شاهد الحال في الصور التي ذكرناها وغيرها. فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "البينة على ¬
استخراج الحقوق بالفراسة والأمارات
المُدَّعِي" أي عليه أن يظهر ما يبين صحة دعواه، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حكم له. فصل ولم يزل حذاق الحكام (¬1) والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات، فإذا ظهرت لم يقدّموا عليها شهادة تخالفها ولا إقرارًا. وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود فرقهم (¬2) وسألهم: كيف تحملوا الشهادة؟ وأين تحملوها؟ وذلك واجب عليه، متى عدل عنه أثم, وجار في الحكم. وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سأل المدعي عن سبب الحق، وأين كان، ونظر في الحال: هل (¬3) يقتضي صحة ذلك؟ وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله كالأمين (¬4) والمدعى عليه وجب عليه أن يستكشف الحال، ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال. وقلَّ حاكم أو وال اعتنى بذلك، وصار له فيه ملكة، إلا وعرف ¬
أخبار عن الصحابة والتابعين في استعمال الفراسة في القضاء والحكم
المحق من المبطل، وأوصل الحقوق إلى أهلها. فهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أتته امرأة فشكرت عنده زوجها وقالت: هو من خير أهل الدنيا، يقوم الليل حتى الصباح، ويصوم النهار حتى يمسي، ثم أدركها الحياء، فقال: "جزاك الله خيرًا فقد أحسنت الثناء". فلما ولت قال كعب بن سُور: يا أمير المؤمنين، لقد أبلغت إليك في الشكوى، فقال: وما اشتكت؟ قال: زوجَها. قال: عليَّ بهما. فقال لكعب: اقض بينهما، قال: أقضي وأنت شاهد؟ قال: إنك قد فطنت إلى ما لم أفطن له قال: إن الله تعالى يقول: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] صم ثلاثة أيام، وأفطر عندها يومًا، وقم ثلاث ليال، وبت عندها ليلة، فقال عمر: "هذا أعجب إليَّ (¬1) من الأول" فبعثه قاضيًا لأهل البصرة (¬2) فكان يقع له في الحكومة من الفراسة أمور عجيبة. وكذلك شريح في فراسته وفطنته. قال الشعبي: شهدت شريحًا وجاءته امرأة - تخاصم رجلًا - فأرسلت عينيها وبكت. فقلت: يا أبا أمية، ما أظن هذه البائسة (¬3) إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاءً ¬
يبكون (¬1). وتقدم إلى إياس بن معاوية أربع نسوة، فقال إياس: أما إحداهن فحامل، والأخرى مرضع، والأخرى ثيب، والأخرى بكر. فنظروا فوجدوا الأمر كما قال. قالوا: وكيف عرفت؟ فقال: أما الحامل: فكانت تكلمني وترفع ثوبها عن بطنها، فعلمت أنها حامل، وأما المرضع: فكانت تضرب ثدييها. فعلمت أنها مرضع، وأما الثيب: فكانت تكلمني وعينها في عيني فعلمت أنها ثيب (¬2)، وأما البكر: فكانت تكلمني وعينها في الأرض، فعلمت أنها بكر (¬3). وقال المدائني (¬4) عن روح (¬5): استودع رجل رجلًا من أبناء (¬6) ¬
الناس مالًا، ثم رجع فطلبه فجحده، فأتى إياسًا فأخبره. فقال له إياس: انصرف فاكتم أمرك، ولا تعلمه أنك أتيتني، ثم عُد إليَّ بعد يومين. فدعا إياس المُودعَ، فقال: قد حضر مال كثير، وأريد أن أسلمه إليك، أفحصين منزلك؟ قال: نعم. قال: فأَعِدَّ له موضعًا وحمالين. وعاد الرجل إلى إياس، فقال له انطلق إلى صاحبك فاطلب المال. فإن أعطاك فذاك، وإن جحدك فقل له: إني أخبر القاضي (¬1). فأتى الرجل صاحبه فقال: مالي، وإلا أتيت القاضي، وشكوت إليه، وأخبرته بأمري. فدفع إليه ماله. فرجع الرجل إلى إياس، فقال: قد أعطاني المال. وجاء الأمين إلى إياس لموعده (¬2)، فزبره (¬3) وانتهره، وقال: لا تقربني يا خائن (¬4). وقال يزيد بن هارون (¬5) - رحمه الله -: تقلد القضاء بواسط رجل ثقة، فأودع رجل بعض شهوده كيسًا مختومًا، وذكر أن فيه ألف دينار. فلما طالت غيبة الرجل فتق الشاهد الكيس من أسفله وأخذ الدنانير، ¬
وجعل مكانها دراهم، وأعاد الخياطة كما كانت. وجاء صاحبه، فطلب وديعته، فدفع إليه الكيس بختمه لم يتغير، فلما فتحه وشاهد الحال رجع إليه، وقال: إني أودعتك دنانير، والذي (¬1) دفعت إليَّ دراهم، فقال: هو كيسك بخاتمك فاستَعدى عليه القاضي، فأمر بإحضار المُودَع، فلما صارا بين يديه قال له القاضي: منذ كم أودعك هذا الكيس؟ فقال: منذ خمس عشرة سنة، فأخذ القاضي تلك الدراهم وقرأ سكتها، فإذا فيها ما قد ضرب (¬2) من سنتين وثلاث، فأمره بدفع (¬3) الدنانير إليه، وأسقطه ونادى عليه (¬4). واستودع رجل لغيره (¬5) مالًا، فجحده، فرفعه إلى إياس، فسأله فأنكر، فقال للمدعي: أين دفعته (¬6) إليه؟ فقال: في مكان في البرية، فقال: وما كان هناك، قال: شجرة، قال: اذهب إليها فلعلك دفنت المال عندها ونسيت، فتذْكُر إذا رأيت الشجرة، فمضى، وقال للخصم: اجلس حتى يرجع صاحبك، وإياس يقضي وينظر إليه ساعة بعد ساعة. ثم قال له: يا هذا، أترى صاحبك بلغ مكان الشجرة؟ قال: لا، قال: يا عدو الله، إنك خائن، قال: أقلني، قال: أقالك الله، فأمر ¬
من يحتفظ به حتى جاء الرجل، فقال له إياس: اذهب معه فخذ حقك (¬1). وجرى نظير هذه القضية (¬2) لغيره من القضاة: ادعى عنده رجل أنه سَلَّمَ غريمًا له مالًا وديعة فأنكر، فقال له القاضي: أين سلمته إياه؟ قال: بمسجد ناء عن البلد. قال: اذهب فجئني منه (¬3) بمصحف أحلفه عليه، فمضى، واعتقل القاضي الغريم (¬4)، ثم قال له: أتراه بلغ المسجد؟ قال: لا. فألزمه بالمال (¬5). وكان القاضي أبو خازم (¬6) له في ذلك العجب العُجاب، وكانوا ينكرون عليه، ثم يظهر الحق فيما يفعله (¬7). قال مُكرِّم بن أحمد (¬8): كنت في مجلس القاضي أبي خازم فتقدم ¬
رجل شيخ ومعه غلام حَدَثٌ، فادعى الشيخ عليه ألف دينار دينًا (¬1)، فقال: ما تقول؟ قال: نعم. فقال القاضي للشيخ: ما تشاء؟ قال: حبسه، قال: لا، فقال الشيخ: إن رأى القاضي أن يحبسه فهو أرجى لحصول مالي. فتفرس أبو خازم فيهما ساعة. ثم قال: تلازما حتى أنظر في أمركما في مجلس آخر، فقلت له: لم أخرت حبسه؟ فقال: ويحك، إني أعرف في أكثر الأحوال في وجوه الخصوم وجه المحق من المبطل، وقد صارت لي بذلك دربة (¬2) لا تكاد تخطئُ، وقد وقع لي أن سماحة هذا بالإقرار عين كذبه (¬3) ولعله ينكشف لي من أمرهما ما أكون معه على بصيرة، أما رأيت قلة تغاضبهما (¬4) في المناكرة، وقلة اختلافهما، وسكون طباعهما مع عظم المال؟ وما جرت عادة الأحداث بفرط التورع حتى يُقِرَّ مثل هذا طوعًا عجلًا، منشرح الصدر على هذا المال، قال: فبينما (¬5) نحن كذلك نتحدث إذ أتى الآذن يستأذن على القاضي لبعض التجار، فأذن له، فلما دخل قال: أصلح ¬
الله القاضي، إني بليت بولد لي حدث يتلف كل مال يظفر به من مالي في القيان (¬1) عند فلان. فإذا منعته احتال بحيل تضطرني إلى التزام الغرم عنه (¬2). وقد نصب اليوم صاحب القيان يطالب بألف دينار دينًا (¬3) حالًّا، وبلغني أنه تقدم إلى القاضي ليقرَّ له فيحبسه (¬4)، وأقع مع أمه (¬5) فيما ينكد عيشنا إلى أن أقضي عنه، فلما سمعت بذلك بادرت إلى القاضي لأشرح له أمره، فتبسم القاضي، وقال (¬6): كيف رأيت؟ فقلت: هذا من فضل الله على القاضي، فقال: عليَّ بالغلام والشيخ. فأرهب أبو خازم الشيخ، ووعظ الغلام. فأقرَّا، فأخذ الرجل ابنه وانصرفا (¬7). وقال أبو السائب (¬8): كان ببلدنا رجل مستور الحال، فأحب القاضي قبول قوله، فسأل عنه فَزُكّي عنده سرًّا وجهرًا، فراسله في ¬
حضوره مجلسه في إقامة شهادة (¬1)، وجلس القاضي وحضر الرجل، فلما أراد إقامة الشهادة لم يقبله القاضي، فسئل عن السبب؟ فقال: انكشف لي أنه مُراء، فلم يسعني قبول قوله، فقيل له: ومن أين علمت ذلك؟ قال: كان يدخل إليَّ في كل يوم فأعدّ خطاه من حيث تقع عيني عليه من الباب إلى مجلسي، فلما دعوته اليوم جاء، فعددت خطاه من ذلك المكان فإذا هي قد زادت ثلاثًا أو نحوها، فعلمت أنه متصنع (¬2) فلم أقبله (¬3). وقال ابن قتيبة: شهد الفرزدق عند بعض القضاة، فقال: قد أجزنا شهادة أبي فراس وزِيْدُونا، فقيل له حين انصرف: إنه والله ما أجاز شهادتك (¬4). ولله فراسة إمامِ المتفرسين، وشيخ المتوسمين: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي لم تكن تخطئُ له فراسة، وكان يحكم بين الأمة بالفراسة المؤيدة بالوحي. قال الليث بن سعد: أُتِيَ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يومًا بفتى أمرد، وقد وُجد قتيلًا ملقى على وجه الطريق، فسأل عمر عن أمره ¬
واجتهد، فلم يقف له على خبر، فشق ذلك عليه، فقال: اللهم أظفرني بقاتله، حتى إذا كان على رأس الحول وُجد صبي مولود ملقى بموضع القتيل، فأتِيَ به عمر، فقال: ظفرت بدم القتيل إن شاء الله تعالى، فدفع الصبي إلى امرأة، وقال: قومي بشأنه، وخذي منا نفقته، وانظري من يأخذه منك (¬1)، فإذا وجدت امرأة تقبله وتضمه إلى صدرها فأعلميني بمكانها. فلما شبّ الصبي جاءت جارية، فقالت للمرأة: إن سيدتي بعثتني إليك لتبعثي بالصبي لتراه وترده إليك، قالت: نعم، اذهبي به إليها، وأنا معك. فذهبت بالصبي والمرأة معها، حتى دخلت على سيدتها، فلما أخذته فقبلته وضمته إليها (¬2)، فإذا هي ابنة شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتت عمر فأخبرته، فاشتمل على سيفه، ثم أقبل إلى منزل المرأة، فوجد أباها متكئًا على باب داره، فقال: يا فلان، ما فعلت ابنتك فلانة؟ قال: جزاها الله خيرًا يا أمير المؤمنين، هي من أعرف الناس بحق الله وحق أبيها (¬3)، مع حسن صلاتها وصيامها، والقيام بدينها. فقال عمر: قد أحببت أن أدخل إليها، فأزيدها رغبة في الخير، وأحثها عليه، فدخل أبوها، ودخل عمر معه. فأمر عمر (¬4) من عندها فخرج، وبقي هو والمرأة في البيت، فكشف عمر عن السيف، وقال: اصدقيني (¬5)، وإلا ضربت عنقك، ¬
وكان لا يكذب. فقالت: على رسْلك، فوالله لأصدقن: إن عجوزًا كانت تدخل عليَّ فأتخذها أُمّا، وكانت تقوم من أمري كما تقوم به الوالدة. وكنت لها بمنزلة البنت، فمضى لذلك حين (¬1)، ثم إنها قالت: يا بنية، إنه قد عرض لي سفر، ولي ابنة في موضع أتخوَّف عليها فيه أن تضيع، وقد أحببت أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري، فعمدت إلى ابن لها شاب أمرد، فهيأته كهيئة الجارية، وأتتني به، لا أشك أنه جارية، فكان يرى مني ما ترى الجارية من الجارية، حتى اغتفلني يومًا وأنا نائمة، فما شعرت حتى علاني وخالطني، فمددت يدي إلى (¬2) شِفْرة (¬3) كانت إلى جنبي فقتلته، ثم أمرت به فألقي حيث رأيت (¬4)، فاشتملت منه على هذا الصبي، فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه، فهذا والله خبرهما على ما أعلمتك. قال: صدقت، ثم أوصاها (¬5)، ودعا لها وخرج. وقال لأبيها: نعم الابنة ابنتك، ثم انصرف (¬6). ¬
وقال نافع عن ابن عمر: بينما عمر جالس إذْ رأى رجلًا (¬1)، فقال: "لست ذا رأي إن لم يكن هذا الرجل قد كان ينظر في الكهانة (¬2)، ادعوه لي، فدعوه، فقال: هل كنت تنظر وتقول (¬3) في الكهانة شيئًا؟ قال: نعم" (¬4). وقال مالك عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب قال لرجل (¬5): "ما اسمك؟ قال: جمرة. قال: ابن مَنْ؟ قال: ابن شهاب. قال: ممن؟ قال: من الحُرقة. قال: أين مسكنك؟ قال: بحَرَّة النار (¬6). قال: بأيها؟ قال: بذات لظَى. فقال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا" (¬7). فكان كما قال. ¬
ومن فراسته التي تفرد بها عن الأمة أنه قال: "يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] ". وقال: "يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن؟ فنزلت آية الحجاب". واجتمع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساؤه في (¬1) الغَيرة، فقال لهن عمر: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5]. فنزلت كذلك" (¬2). وشاوره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسرى يوم بدر، فأشار بقتلهم، ونزل ¬
القرآن بموافقته (¬1). وقد أثنى الله سبحانه على فراسة (¬2) المتوسمين، وأخبر أنهم هم المنتفعون بالآيات (¬3). قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "أفرس الناس ثلاثة: امرأة فرعون فيِ موسى، حيث قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص: 9]. وصاحب يوسف (¬4)، حيث قال لامرأته (¬5): {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف: 21]. وأبو بكر الصديق في عمر - رضي الله عنهما -، حيث جعله الخليفة بعده" (¬6). ¬
ودخل رجل على عثمان - رضي الله عنه - فقال له عثمان: يدخل عليَّ أحدكم والزنا في عينيه. فقال: أوحيٌ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: لا, ولكن فراسة صادقة (¬1). ومن هذه الفراسة: أنه - رضي الله عنه - لما تفَرس أنه مقتول ولا بد أمسكَ عن القتال والدفع عن نفسه، لئلا يجري بين المسلمين قتال وآخر الأمر يقتل هو، فأحب أن يقتل من غير (¬2) قتال يقع بين المسلمين (¬3). ومن ذلك: فراسة ابن عمر في الحسين لما ودَّعه، وقال: "أستودعك الله من قتيل" (¬4)، ومعه كتب أهل العراق، فكانت فراسة ابن عمر أصدق من كتبهم. ومن ذلك: أن رجلين من قريش دفعا إلى امرأة مائة دينار وديعة، وقالا: لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه. فلبثا حولًا، فجاء ¬
أحدهما، فقال: إن صاحبي قد مات فادفعي إِلَيَّ الدنانير. فأبت، وقالت: إنكما قلتما لي لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه، فلست بدافعتها إليك، فثقل عليها بأهلها وجيرانها حتى دفعتها إليه، ثم لبثت حولًا آخر، فجاء الآخر، فقال: ادفعي إليَّ الدنانير. فقالت: إن صاحبك جاءني فزعم أنك قد مِتَّ، فدفعتها إليه. فاختصما (¬1) إلى عمر - رضي الله عنه - فأراد أن يقضي عليها. فقالت: ادفعنا إلى علي بن أبي طالب (¬2) - رضي الله عنه - فعرف علي أنهما قد مكرا بها، فقال: أليس قلتما: لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه؟ قال: بلى، فقال: إن مالك عندها، فاذهب فجئ بصاحبك حتى تدفعه إليكما (¬3). فصل ومن فراسة الحاكم: ما ذكره حماد بن سلمة عن حميد الطويل: أن إياس بن معاوية اختصم إليه رجلان، استودع أحدهما صاحبه وديعة، فقال صاحب الوديعة: استحلفه بالله مالي عنده وديعة. فقال إياس بن معاوية: بل أستحلفه بالله مالك عنده وديعة (¬4) ولا غيرها (¬5). وهذا من أحسن الفراسة، فإنه إذا (¬6) قال: "ماله عندي وديعة" ¬
احتمل النفي، واحتمل الإقرار، فينصب "ماله" بفعل محذوف مقدر، أي دفع إلى، أو أعطاني ماله، أو يجعل "ما" موصولة، والجار والمجرور صلتها (¬1) ووديعة خبر عن "ما" فإذا قال: "ولا غيرها" تعين النفي. وقال حماد بن سلمة: شهدت إياس بن معاوية يقول في رجل ارتهن رهنًا، فقال المرتهن: رهنته بعشرة. وقال الراهن: رهنته بخمسة، فقال: إن كان للراهن بينة أنه دفع إليه الرهن فالقول ما قال الراهن، وإن لم يكن له بينة بدفع الرهن إليه، والرهن بيد المرتهن، فالقول ما قال المرتهن؛ لأنه لو شاء لجحده (¬2) الرهن (¬3). قلت: وهذا قول ثالث في المسألة، وهو من أحسن الأقوال (¬4)، فإن إقراره بالرهن - وهو في يده ولا بينة للراهن - دليل على صدقه، وأنه محق، ولو كان مبطلًا لجحده الرهن رأسًا. ومالك (¬5) وشيخنا (¬6) رحمهما الله يجعلان القول قول المرتهن، ما لم يزد على قيمة الرهن. ¬
والشافعي (¬1)، وأبو حنيفة (¬2)، وأحمد (¬3) - رحمهم الله - يجعلون القول قول الراهن مطلقًا. وقال إياس أيضًا: من أقر بشيء، وليس عليه بينة، فالقول ما قال (¬4). وهذا أيضًا من أحسن القضاء؛ لأن إقراره علَمٌ على صدقه، فإذا ادعى عليه ألفًا, ولا بينة له، فقال: صدق، إلا أني قضيته إياها، فالقول قوله، وكذلك إذا أقر أنه قبض من مورثه وديعة، ولا بينة له، وادعى ردها إليه. وقال إبراهيم بن مرزوق البصري: جاء رجلان إلى إياس بن ¬
معاوية، يختصمان في قطيفتين: إحداهما حمراء، والأخرى خضراء (¬1)، فقال أحدهما: دخلت الحوض لأغتسل، ووضعت قطيفتي، ثم (¬2) جاء هذا، فوضع قطيفته تحت قطيفتي، ثم دخل فاغتسل، فخرج قبلي، وأخذ قطيفتي فمضى بها، ثم خرجت فتبعته، فزعم أنها قطيفته، فقال: ألك بينة؟ قال: لا. قال: ائتوني بمشط، فأتي بمشط (¬3)، فسرح رأس هذا، ورأس هذا، فخرج من رأس أحدهما صوف أحمر، ومن رأس الآخر صوف أخضر، فقضى بالحمراء للذي خرج من رأسه الصوف الأحمر، وبالخضراء للذي خرج من رأسه الصوف الأخضر (¬4). وقال معتمر بن سليمان، عن زيد (¬5) أبي العلاء (¬6): شهدت ¬
إياس بن معاوية اختصم إليه رجلان، فقال أحدهما: إنه باعني جارية رعْناء، فقال إياس: وما عسى أن تكون هذه (¬1) الرعونة (¬2)؟ قال: شبه الجنون. فقال إياس: يا جارية، أتذكرين متى ولدت؟ قالت: نعم. قال: فأي رجليك أطول؟ قالت: هذه. فقال إياس: ردها، فإنها مجنونة (¬3). وقال أبو الحسن المدائني عن عبد الله بن مصعب (¬4): أن معاوية بن قُرَّة شهد عند ابنه إياس بن معاوية - مع رجال عدَّلهم (¬5) - على رجل بأربعة آلاف درهم، فقال المشهود عليه: يا أبا وائلة، تَثبَّت في أمري، فوالله ما أشهدتهم إلا بألفين. فسأل إياس أباه والشهود: أكان في الصحيفة التي شهدوا عليها فضل؟ قالوا: نعم، كان الكتاب في أولها والطينة (¬6) في وسطها، وباقي الصحيفة أبيض. قال: أفكان المشهود له يلقاكم أحيانًا، فيذكركم شهادتكم بأربعة آلاف ¬
درهم (¬1)؟ قالوا: نعم، كان لا يزال يلقانا، فيقول: اذكروا (¬2) شهادتكم على فلان بأربعة آلاف درهم، فصرفهم، ودعا المشهود له. فقال: يا عدو الله، تغفلت قومًا صالحين مغفلين، فأشهدتهم على صحيفة جعلت طينتها (¬3) في وسطها، وتركت فيها بياضًا في أسفلها، فلما ختموا الطينة (¬4) قطعت الكتاب الذي فيه حقك ألفا درهم، وكتبت في البياض أربعة آلاف فصارت الطينة (¬5) في آخر الكتاب، ثم كنت تلقاهم فتلقنهم، وتذكرهم أنها أربعة آلاف، فأقر بذلك، وسأله الستر عليه (¬6). فحكم له بألفين وستر عليه (¬7). وقال نعيم بن حماد عن إبراهيم بن مرزوق (¬8) البصري: كنا عند إياس بن معاوية، قبل أن يُستقضى، وكنا نكتب عنه الفراسة، كما نكتب عن المحدث الحديث، إذ جاء رجل، فجلس على دكان مرتفع بالمِرْبَد (¬9)، فجعل يترصد الطريق، فبينما هو كذلك إذ نزل فاستقبل رجلًا، فنظر إلى وجهه، ثم رجع إلى موضعه، فقال إياس: ¬
قولوا (¬1) في هذا الرجل، فقالوا: ما (¬2) نقول؟ رجل طالب حاجة. فقال: هو معلم صبيان (¬3)، قد أبق (¬4) له غلام أعور، فقام إليه بعضنا فسأله عن حاجته، فقال: هو (¬5) غلام لي آبق. قالوا: وما صفته؟ قال: كذا وكذا، وإحدى عينيه ذاهبة، قلنا: وما صنعتك؟ قال: أعلّم الصبيان. فقلنا لإياس: كيف علمت ذلك؟ قال: رأيته جاء، فجعل يطلب (¬6) موضعًا يجلس فيه، فنظر إلى أرفع شيء يقدر عليه فجلس عليه، فنظرت في قَدْره فإذا ليس قدره قدر الملوك، فنظرت فيمن اعتاد في جلوسه جلوس الملوك، فلم أجدهم إلا المعلمين، فعلمت أنه معلم صبيان، فقلنا: كيف علمت أنه أبق له غلام؟ قال: إني رأيته يترصد الطريق، ينظر في وجوه الناس. قلنا: كيف علمت أنه أعور؟ قال: بينما هو كذلك إذ نزل فاستقبل رجلًا قد ذهبت إحدى عينيه، فعلمت أنه شبهه بغلامه (¬7). وقال الحارث بن مرة (¬8): نظر إياس بن معاوية إلى رجل، فقال: ¬
هذا غريب، وهو (¬1) من أهل واسط، وهو معلم، وهو يطلب عبدًا له آبق. فوجدوا الأمر كما قال (¬2). فسألوه؟ فقال: رأيته يمشي ويلتفت، فعلمت أنه غريب، ورأيته وعلى ثوبه حمرة تربة واسط فعلمت أنه من أهلها، ورأيته يمر بالصبيان فيسلم عليهم ولا يسلم على الرجال، فعلمتُ أنه معلم، ورأيته إذا مر بذي هيئة لم يلتفت إليه، وإذا مر بذي أسمال تأمله، فعلمت أنه يطلب آبقًا (¬3). وقال هلال بن العلاء الرقي عن القاسم بن منصور عن عمر (¬4) بن بكير (¬5): مرَّ إياس بن معاوية، فسمع قراءة من عِلَّية، فقال: هذه قراءة امرأة حامل بغلام، فسئل، كيف عرفت ذلك؟ فقال: سمعت صوتًا (¬6) ونفسها يخالطه (¬7)، فعلمت أنها حامل وسمعت صوتًا (¬8) وصحلًا (¬9)، فعلمت أن الحمل غلام، ومرَّ بعد ذلك بكتَّاب فيه ¬
صبيان، فنظر إلى صبي منهم، فقال: هذا ابن تلك المرأة فكان كما قال (¬1). وقال رجل لإياس بن معاوية (¬2): علمني القضاء. فقال: إن القضاء لا يعلّم، إنما القضاء فَهْم، ولكن قل: علمني من (¬3) العلم (¬4). وهذا هو سر المسألة، فإن الله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78، 79] فخص سليمان بفهم القضية، وعمّهما بالعلم (¬5). وكذلك كتب عمر إلى قاضيه أبي موسى في كتابه المشهور: "والفَهْمَ الفَهْمَ فِيما أُدْلِيَ إِلَيْكَ" (¬6). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
من أنواع الفراسة: التعريض بالقول أو الفعل
والذي اختص به إياس وشريح مع مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم: الفهم في الواقع، والاستدلال بالأمارات وشواهد الحال، وهذا الذي فات كثيرًا من الحكام، فأضاعوا كثيرًا من الحقوق (¬1). فصل ومن أنواع الفراسة: ما أرشدت إليه السنة النبوية من التخلص من المكروه بأمر سهل جدًّا، من تعريض بقول أو فعل. فمن ذلك: ما رواه الإِمام أحمد في "مسنده" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله، إن لي جارًا يؤذيني. فقال: "انطلق، فأخرج (¬2) متاعك إلى الطريق". فانطلق، فأخرج متاعه. فاجتمع الناس إليه (¬3)، فقالوا: ما شأنك؟ قال: إن لي جارًا (¬4) يؤذيني. فجعلوا يقولون: اللهم العنه، اللهم أخرجه. فبلغه ذلك، فأتاه فقال: ارجع إلى منزلك، فوالله لا أوذيك أبدًا (¬5). ¬
فهذه وأمثالها هي الحيل (¬1) التي أباحتها الشريعة، وهي تَحيُّل الإنسان بفعل مباح على تخلصه من ظلم غيره وأذاه، لا الاحتيال على إسقاط فرائض الله واستباحة محارمه (¬2). وفي "المسند" و"السنن" عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحْدَثَ في صَلاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ، فإِنْ كان في صلاة جماعَةٍ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ وَلْيَنْصَرِف" (¬3). ¬
وفي السنة كثير مِن ذِكْرِ (¬1) المعاريض (¬2) التي لا تُبطل حقًّا (¬3)، ولا تُحق باطلًا كقوله - صلى الله عليه وسلم - للسائل (¬4): ممن أنتم؟ قالوا: "نحن من ماء" (¬5). وقوله للذي ذهب بغريمه ليقتله: "إِنْ قَتَلَهُ فهُوَ مِثْلُه" (¬6). ¬
ما ورد عن الصحابة في المعاريض
وكان إذا أراد غزوة ورَّى (¬1) بغيرها (¬2). وكان الصديق - رضي الله عنه - يقول في سفر الهجرة لمن يسأله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من هذا بين يديك؟ فيقول: "هاد يدلني على الطريق" (¬3). وكذلك الصحابة من بعده. فروى زيد بن أسلم عن أبيه قال: قَدِمَتْ على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حُلل (¬4) من اليمن، فقسمها بين الناس، فرأى فيها حلةً رديئةً، فقال: كيف أصنع بهذه؟ إن أحدًا لم يقبلها، فطواها وجعلها تحت مجلسه، وأخرج طرفها، ووضع الحلل بين يديه، فجعل يقسم بين الناس. فدخل الزبير وهو على تلك الحال، فجعل ينظر إلى تلك الحلة، فقال: ما هذه الحلة؟ فقال عمر: دعها عنك، قال: ما شأنها؟ قال: دعها. قال: فأعطنيها. قال: إنك لا ترضاها، قال: بلى، قد ¬
رضيتها. فلما توثق منه، واشترط عليه ألا يردها، رمى بها إليه، فلما نظر إليها إذا هي رديئة، قال: لا أريدها، قال عمر: أيهات (¬1)، قد فرغت منها. فأجازها عليه، ولم يقبلها (¬2). قال عبد الله بن سَلَمَة: سمعت عليًّا يقول: "لا أغسل رأسي بغسل حتى آتي البصرة فأحرقها، وأسوق الناس بعصاي إلى مصر" (¬3)، فأتيت أبا مسعود البدري، فأخبرته، فقال: "إن عليًّا يورد الأمور موارد لا تحسنون تصدرونها، عليٌّ لا يغسل رأسه بغسل، ولا يأتي البصرة، ولا يحرقها, ولا يسوق الناس عنها بعصاه، عليٌّ رجل أصلع إنما على رأسه مثل الطست إنما حوله شعرات" (¬4). ومن ذلك تعريض عبد الله بن رواحة لامرأته بإنشاد شعر يوهم أنه يقرأ، ليتخلص من أذاها له حين واقع جاريته (¬5). ¬
وتعريض محمَّد بن مسلمة لكعب بن الأشرف حين أمّنه بقوله: "إن هذا الرجل قد أخذنا بالصدقة وقد عنَّانا" (¬1). وتعريض الصحابة لأبي رافع اليهودي (¬2). فصل ومن ذلك: قول عبد الرحمن بن أبي ليلى (¬3) الفقيه - وقد أقيم على دكان ليلعن علي بن أبي طالب بعد صلاة الجمعة - فقام على الدكان، وقال: إن الأمير (¬4) أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب، فالعنوه ¬
أخبار وقصص في الفراسة الصادقة
لعنه الله (¬1). ومن ذلك: تعريض الحجاج بن علاط، بل تصريحه لامرأته (¬2) , بهزيمة الصحابة وقتلهم، حتى أخذ ماله منها (¬3). فصل (¬4) ومن الفراسة الصادقة: فراسة خزيمة بن ثابت، حين قدم وشهد ¬
على عقد التبايع بين الأعرابي (¬1) ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن حاضرًا، تصديقًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع ما يخبر به (¬2). ومنها: فراسة حذيفة بن اليمان، وقد بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عينًا إلى المشركين فجلس بينهم. فقال أبو سفيان: لينظر كل منكم جليسه (¬3)، فبادر حذيفة وقال لجليسه: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان (¬4). ¬
ومنها: فراسة المغيرة بن شعبة، وقد استعمله عمر على البحرين. فكرهه أهلها فعزله عمر، فخافوا أن يرده عليهم. فقال دهقانهم (¬1): إن فعلتم ما آمركم به لم يرده علينا. قالوا: مُرْنا بأمرك. قال: تجمعون مائة ألف درهم، حتى أذهب بها إلى عمر، وأقول: إن المغيرة اختان (¬2) هذا، ودفعه إليَّ، فجمعوا ذلك. فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة اختان هذا (¬3)، فدفعه إليَّ. فدعا عمر المغيرة، فقال: ما يقول هذا (¬4)؟ قال: كذب، أصلحك الله، إنما كانت مائتي ألف، فقال: ما حملك على ذلك؟ قال: العيال والحاجة. فقال عمر للدهقان: ما تقول؟ فقال: لا والله، لأصدقنك، والله ما دفع إليَّ قليلًا ولا كثيرًا. ولكن كرهناه وخشينا أن ترده إلينا، فقال عمر للمغيرة: ما حملك على هذا؟ قال: الخبيث كذب عليَّ فأردت أن أخزيه (¬5). وخطب المغيرة بن شعبة وفتى من العرب امرأة، وكان الفتى ¬
جميلًا، فأرسلت إليهما المرأة: لا بد أن أراكما، وأسمع كلامكما، فاحضرا إن شئتما. فأجلستهما بحيث تراهما، فعلم المغيرة أنها تؤثر عليه الفتى، فأقبل عليه، فقال: لقد أوتيت حسنًا وجمالًا وبيانًا (¬1). فهل عندك سوى ذلك؟ قال: نعم. فعدد عليه محاسنه، ثم سكت. فقال المغيرة: فكيف حسابك؟ فقال: لا (¬2) يسقط عليّ منه شيء، وإني لأستدرك منه أقل من الخردلة، فقال له المغيرة: لكني أضع البَدْرَة (¬3) في زاوية البيت، فينفقها أهل بيتي على ما يريدون، فما أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها، فقالت المرأة: والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إليَّ من الذي يحصي عليَّ أدنى (¬4) من الخردلة. فتزوجت المغيرة (¬5). ومنها: فراسة عمرو بن العاص لما حاصر غزَّة (¬6)، فبعث إليه صاحِبُها: أن أرسل إليَّ رجلًا من أصحابك أكلمه. ففكر عمرو بن العاص (¬7)، وقال: ما لهذا الرجل غيري، فخرج حتى دخل عليه، فكلمه ¬
كلامًا لم يسمع مثله (¬1) قط. فقال له: حدثني، هل أحد من أصحابك مثلك؟ فقال: لا تسل، من هواني عندهم بعثوني إليك، وعرَّضوني لما عرضوني، ولا يدرون ما يصنع بي. فأمر له بجائزة (¬2) وكسوة، وبعث إلى البواب: إذا مرَّ بك فاضرب عنقه، وخذ ما معه. فمر برجل من نصارى غسان فعرفه، فقال: يا عمرو قد أحسنت الدخول، فأحسن الخروج. فرجع، فقال له الملك: ما ردك إلينا؟ قال: نظرت فيما أعطيتني فلم أجد ذلك يسع (¬3) بني عمي، فأردت الخروج، فآتيك بعشرة منهم تعطيهم هذه العطية فيكون معروفك عند عشرة رجال خيرًا من أن يكون عند واحد. قال: صدقت عجّل (¬4) بهم. وبعث إلى البواب: خلّ سبيله. فخرج عمرو وهو يلتفت، حتى إذا أَمِنَ قال: لا عدت لمثلها (¬5). فلما كان بعدُ رآه الملك، فقال: أنت هو؟ قال: نعم، على ما كان من غدرك (¬6). ومن ذلك: فراسة الحسن بن علي - رضي الله عنهما - لما جيء إليه بابن مُلْجِم قال له: أريد أُسارّك بكلمة. فأبى الحسن، وقال: تريد أن تَعضَّ أذني. فقال ابن ملجم: والله لو أمكنتني منها لأخذتها من ¬
صماخيها (¬1). قال أبو الوفاء ابن عقيل: فانظر إلى حسن رأي هذا السيد الذي قد نزل به من (¬2) المصيبة العاجلة ما يذهل (¬3) الخلق، وفطنته إلى هذا الحد، وإلى ذلك اللعين كيف لم يشغله حاله عن استزادة (¬4) الجناية (¬5). ومن ذلك: فراسة أخيه الحسين - رضي الله عنهما -: أن رجلًا ادعى عليه مالًا. فقال الحسين: ليحلف على ما ادعاه ويأخذه، فتهيأ الرجل لليمين، وقال: والله الذي لا إله إلا هو. فقال الحسين: قل: والله، والله، والله إن هذا الذي تدعيه عندي، وفي (¬6) قِبَلي. ففعل الرجل ذلك، وقام فاختلفت رجلاه وسقط ميتًا. فقيل للحسين: لم فعلت ذلك؟ أي عدلت عن قوله: والله الذي لا إله إلا هو إلى قوله: والله والله والله. فقال: كرهت أن يثني على الله، فيحلم عنه (¬7). ومن ذلك: فراسة العباس - رضي الله عنه - ما ذكره مجاهد قال: "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه إذ وجد ريحًا. فقال: "ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ". فاستحيا الرجل، ثم ¬
قال (¬1): "ليقم صاحب هذه فليتوضأ، فإن الله لا يستحي من الحق" فقال العباس: ألا نقوم كلنا نتوضأ؟ " (¬2) هكذا رواه الفريابي (¬3) عن الأوزاعي مرسلًا (¬4)، ووصله عنه (¬5) محمد بن مصعب (¬6) القرقساني (¬7)، فقال: عن مجاهد عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. وقد جرت مثل هذه القصة في مجلس عمر - رضي الله عنه -. قال الشعبي: كان عمر - رضي الله عنه - في بيت، ومعه جرير بن عبد الله البجلي، فوجد عمر ريحًا، فقال: عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ. فقال جرير: يا أمير المؤمنين، أو يتوضأ القوم جميعًا. ¬
فقال عمر: يرحمك الله نِعْم السيد كنت في الجاهلية، ونِعْم السيد أنت في الإسلام (¬1). ومن أحسن الفراسة: فراسة عبد الملك بن مروان لما بعث الشعبي إلى ملك الروم فحسد المسلمين عليه. فبعث معه ورقة لطيفة إلى عبد الملك. فلما قرأها قال: تدري ما فيها؟ قال: لا. قال: فيها "عجبٌ، كيف ملكت العرب غير هذا؟ " أفتدري ما أراد؟ قال: لا. قال: حسدني بك، فأراد أن أقتلك. فقال الشعبي: لو رآك يا أمير المؤمنين (¬2) ما استكبرني. فبلغ ذلك ملك الروم، فقال: والله ما أخطأ ما كان في نفسي (¬3). ومن دقيق الفطنة: أنك لا ترد (¬4) على المطاع خطأه بين الملأ، فتحمله رتبته على نصرة الخطأ. وذلك خطأ ثان، ولكن تلطف في إعلامه به، حيث لا يشعر به غيره. ومن دقيق الفراسة: أن المنصور جاءه رجل، فأخبره أنه خرج في ¬
تجارة فكسب مالًا، فدفعه إلى امرأته، ثم طلبه (¬1) فذكرت أنه سرق من البيت ولم ير نقبًا ولا أمارة، فقال المنصور: منذ كم تزوجتها؟ قال: منذ سنة، قال: بكرًا أو ثيبًا؟ قال: ثيبًا، قال: فلها ولد من غيرك؟ قال: لا (¬2)، فدعا له المنصور بقارورة طيب كان (¬3) يتخذ له حادّ الرائحة، غريب النوع، فدفعها إليه، وقال له: تطيب من هذا الطيب، فإنه يذهب غمك. فلما خرج الرجل من عنده قال المنصور لأربعة من ثقاته: ليقعد على كل باب من أبواب المدينة واحد منكم فمن شمَّ منكم رائحة هذا الطيب من أحد فليأت به. وخرج الرجل بالطيب فدفعه إلى امرأته، فلما شمته بعثت منه (¬4) إلى رجل كانت تحبه، وقد كانت دفعت إليه المال، فتطيب منه، ومر مجتازًا ببعض أبواب المدينة، فشم الموكل بالباب رائحته عليه (¬5)، فأتى به المنصور، فسأله: من أين لك هذا الطيب؟ فلجلج (¬6) في كلامه. فدفعه (¬7) إلى والي الشرطة، فقال: إن أحضر لك (¬8) كذا وكذا من المال فخل عنه، وإلا اضربه ألف سوط. فلما جرد للضرب أحضر المال (¬9) على هيئته، فدعا المنصورُ صاحبَ ¬
المال، فقال: أرأيت إن رددت عليك (¬1) مالك تحكمني في امرأتك؟ قال: نعم. قال: هذا مالك، وقد طلقت المرأة منك (¬2). فصل ومنها أن شريكًا دخل على المهدي، فقال للخادم: هات عودًا للقاضي - يعني البخور - فجاء الخادم بعود يضرب به، فوضعه في حجر شريك، فقال: ما هذا؟ فبادر المهدي، وقال: هذا عود أخذه صاحب العسس البارحة، فأحببت أن يكون كسره على يديك، فدعا له وكسره (¬3). ومن ذلك: ما يذكر عن المعتضد بالله، أنه كان جالسًا يشاهد الصناع، فرأى فيهم أسود منكر الخلقة، شديد المرح، يعمل ضعف ما يعمل الصناع، ويصعد مرقاتين مرقاتين، فأنكر أمره، فأحضره وسأله عن أمره؟ فلجلج، فقال لبعض جلسائه ما تقولون (¬4)؟ أي شيء يقع لكم في أمره؟ قالوا: ومَن هذا حتى تصرف فكرك إليه؟ لعله لا عيال له، وهو خالي القلب، فقال: قد خمَّنتُ في أمره تخمينًا، ما أحسبه باطلًا: إما أن يكون معه دنانير، وقد ظفر بها دفعة (¬5)، أو يكون لصًّا ¬
يتستر بالعمل، فدعا به، واستدعى بالضرّاب فضربه، وحلف له إن لم يصدقْه أن يضرب عنقه، فقال: لي الأمان، قال: نعم، إلا فيما يجب عليك بالشرع. فظن أنه قد أمنه، فقال: كنت أعمل في الآجُر (¬1)، فاجتاز رجل في وسطه هِمْيان (¬2)، فجاء إلى مكان فجلس وهو لا يعلم مكاني، فحل الهميان وأخرج منه دنانير فتأملته (¬3)، وإذا كله دنانير فبادرته (¬4) وكتفته وشددت (¬5) فاه، وأخذت الهميان، وحملته على كتفي وطرحته في الأتون (¬6) وطيَّنته. فلما كان بعد ذلك أخرجت عظامه فطرحتها في دجلة. فأنفذ المعتضد من أحضر الدنانير من منزله، وإذا على الهميان مكتوب: فلان بن فلان، فنادى في البلد باسمه، فجاءت امرأة فقالت: هذا زوجي، ولي منه هذا الطفل، خرج وقت كذا وكذا ومعه ألف دينار: فغاب إلى الآن. فسلم الدنانير إليها (¬7)، وأمرها أن تعتد، وأمر بضرب عنق الأسود، وحمل (¬8) جثته إلى ذلك الأتون (¬9). ¬
وكان للمعتضد من ذلك عجائب، منها: أنه قام ليلة، فإذا غلام قد وثب على ظهر غلام، فاندس بين الغلمان فلم يعرفه، فجاء فجعل يضع يده على فؤاد واحد بعد واحد، فيجده ساكنًا، حتى وضع يده (¬1) على فؤاد ذلك الغلام، فإذا به يخفق خفقًا (¬2) شديدًا، فركضه برجله، واستقره، فأقر، فقتله (¬3). ومنها: أنه رُفِع إليه أن (¬4) صيادًا ألقى شبكته في دجلة، فوقع فيها جراب فيه كف مخضوبة بحناء، وأُحضر بين يديه، فهاله ذلك، وأمر الصياد أن يعاود طرح الشبكة هنالك ففعل، فأخرج جرابًا آخر فيه رجْل، فاغتم المعتضد وقال: معي في البلد من يفعل هذا ولا أعرفه؟ ثم أحضر ثقة له وأعطاه (¬5) الجراب، وقال: طف به على كل من يعمل الجُرُبَ ببغداد، فإن عرفه أحد منهم فاسأله عمن باعه منه، فإذا دلك عليه فاسأل (¬6) المشتري عن ذلك ونقِّر (¬7) عن خبره. فغاب الرجل ثلاثة أيام، ثم عاد، فقال: لا زلت أسأل عن خبره حتى انتهى إلى فلان الهاشمي، اشتراه مع عشرة جُرُب، وشكا البائع شره وفساده، ومن جملة ما قال أنه كان يعشق فلانة المغنية وأنه غيبها، فلا يعرف لها ¬
خبر، وادعى أنها هربت، والجيران يقولون: إنه (¬1) قتلها. فبعث المعتضد من كَبَسَ منزل الهاشمي وأحضره، وأحضر اليد والرجل، وأراه إياهما، فلما رآهما انتقع لونه، وأيقن بالهلاك واعترف. فأمر المعتضد بدفع ثمن الجارية إلى مولاها، وحبس الهاشمي حتى مات في الحبس (¬2). فصل ومن محاسن الفراسة: أن الرشيد رأى في داره حزمة خيزران، فقال لوزيره الفضل بن الربيع: ما هذه؟ قال عروق الرماح يا أمير المؤمنين، ولم يقل الخيزران لموافقة اسم أمه (¬3). ونظير هذا: أن بعض الخلفاء سأل ولده - وفي يده مسواك - ما جمع هذا؟ قال: ضدُّ محاسنك (¬4) يا أمير المؤمنين. وهذا من الفراسة في تحسين اللفظ. وهو باب عظيم النفع، اعتنى به الأكابر والعلماء. وله شواهد كثيرة في السنة وهو من خاصية العقل والفطنة. ¬
فقد روينا عن عمر رضي الله عنه: أنه خرج يَعُسُّ (¬1) المدينة بالليل، فرأى نارًا موقدة في خباء، فوقف وقال: "يا أهل الضوء". وكره أن يقول: يا أهل النار (¬2). وسأل رجلًا عن شيء: "هل كان؟ " قال: لا، أطال الله بقاءك، فقال: "قد عُلِّمتم فلم تتعلموا، هلّا قلت: لا، وأطال الله بقاءك" (¬3). وسئل العباس: أنت أكبر أم (¬4) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله (¬5). وسئل عن ذلك قباث (¬6) بن أشيم، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكبر مني، وأنا أسن منه (¬7). ¬
وكان لبعض القضاة جليس أعمى، فكان إذا أراد أن ينهض يقول: يا غلام، اذهب مع أبي محمد، ولا يقول: خذ بيده، قال: والله ما أخلَّ بها مرة واحدة (¬1). ومن ألطف ما يحكى في ذلك: أن بعض الخلفاء سأل رجلًا عن اسمه؟ فقال: سعد يا أمير المؤمنين، فقال: أيّ السعود أنت؟ قال: سعد السعود لك يا أمير المؤمنين، وسعد الذابح لأعدائك، وسعد بَلَع على سماطك، وسعد الأخبية لسرك (¬2)، فأعجبه ذلك. ويشبه هذا: أن مَعْن بن زائدة دخل على المنصور، فقارب في خطوه، فقال له المنصور: كبرت سنك يا معن، قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين. قال: إنك لجَلْد. قال: على أعدائك. قال: وإن فيك ¬
الأصل الشرعي لفراسة الألفاظ
لبقية. قال: هي لك (¬1). وأصل هذا الباب: قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء: 53] فالشيطان ينزغ بينهم (¬2) إذا كلم بعضهم بعضًا بغير التي هي أحسن، فرب حرب كان وقودها جُثث وهام (¬3)، أهاجها قبيح الكلام. وفي "الصحيحين" (¬4) من حديث سهل بن حنيف، قال: قال رسول الله: "لا يقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسي، ولَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ (¬5) نَفْسِي" وخبثت ولقست وغثت متقاربة المعنى. فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفظ "الخبث" لبشاعته، وأرشدهم إلى العدول إلى لفظ أحسن منه، وإن كان بمعناه، تعليمًا للأدب في المنطق، وإرشادًا إلى استعمال الحسن، وهجر القبيح في الأقوال، كما أرشدهم إلى ذلك في الأخلاق والأفعال (¬6). ¬
أخبار وقصص في الفراسة العجيبة
فصل ومن عجيب الفراسة ما ذُكر عن أحمد بن طولون: أنه بينما هو في مجلس له يتنزه (¬1) فيه، إذ رأى سائلًا في ثوب خلق، فوضع دجاجة على رغيف وحلوى وأمر بعض الغلمان فدفعه إليه، فلما وقع في يده لم يهش له ولم يعبأ به، فقال للغلام: جئني به، فلما وقف قدامه استنطقه، فأحسن الجواب، ولم يضطرب من هيبته، فقال: هات الكتب (¬2) التي معك، واصدقني من بعثك، فقد صح عندي أنك صاحب خبر. وأحضر السياط، فاعترف، فقال بعض جلسائه: هذا والله السحر، قال: ما هو بسحر، ولكن فراسة صادقة، رأيت سوء حاله، فوجهت إليه بطعام يشره إلى أكله الشبعان، فما هش له، ولا مد يده إليه، فأحضرته فتلقاني بقوة جأش، فلما رأيت رثاثة (¬3) حاله، وقوة جأشه، علمت أنه صاحب خبر، فكان كذلك (¬4). ورأى يومًا حمالًا يحمل صنًّا (¬5) وهو يضطرب تحته، فقال: لو ¬
كان هذا الاضطراب من ثقل المحمول لغاصت عنق الحمال، وأنا أرى عنقه بارزة، وما أرى (¬1) هذا الأمر (¬2) إلا من خوف، فأمر بحط الصن، فإذا فيه جارية قد قتلت (¬3) وقطعت، فقال: اصدقني عن حالها، فقال: أربعة نفر في الدار الفلانية أعطوني هذه الدنانير، وأمروني بحمل هذه المقتولة، فضربه وقتل الأربعة (¬4). وكان يتنكر ويطوف ويستمع (¬5) قراءة الأئمة، فدعا ثقته، وقال: خذ هذه الدنانير، وأعطها إمام مسجد كذا، فإنه فقير مشغول القلب. ففعل، وجلس معه وباسطه، فوجد زوجته قد ضربها الطلق (¬6)، وليس معه ما يحتاج إليه. فقال: صدق، عرفت شغل قلبه في كثرة غلطه في القراءة (¬7). ومن ذلك: أن اللصوص أخذوا في زمن المكتفي بالله مالًا عظيمًا، فألزم المكتفي صاحب الشرطة بإخراج اللصوص، أو غرامة المال، فكان يركب وحده، ويطوف ليلًا ونهارًا، إلى أن اجتاز يومًا في زقاق (¬8) خال في بعض أطراف البلد، فدخله فوجده منكرًا، ووجده لا ينفذ، ¬
فرأى على بعض أبوابه شوكَ سمكٍ كثير، وعظامَ الصلب. فقال لشخص: كم يكون تقدير (¬1) ثمن هذا السمك الذي هذه عظامه؟ قال: دينار، قال: أهل الزقاق لا تحتمل أحوالهم مشترى (¬2) مثل هذا؛ لأنه زقاق بين الاختلال إلى جانب الصحراء، لا ينزله من معه شيء يخاف عليه، أو له مال ينفق منه (¬3) هذه النفقة، وما هي إلا بلية ينبغي أن يكشف عنها (¬4)، فاستبعد الرجلُ هذا، وقال: هذا فكر بعيد، فقال: اطلبوا لي (¬5) امرأة من الدرب أكلمها. فدق بابًا غير الذي عليه الشوك واستسقى ماءً، فخرجت عجوز ضعيفة. فما زال يطلب شربة بعد شربة، وهي تسقيه، وهو في خلال ذلك يسأل عن الدرب وأهله، وهي تخبره غير عارفة بعواقب ذلك، إلى أن قال لها: وهذه الدار من يسكنها؟ - وأومأ إلى التى عليها عظام السمك - فقالت: فيها خمسة شباب (¬6) أعفار (¬7)، كأنهم تجار، وقد نزلوا منذ شهر لا نراهم نهارًا إلا في كل مدة طويلة، ونرى الواحد منهم يخرج في الحاجة ويعود سريعًا، وهم في طول النهار يجتمعون فيأكلون ويشربون، ويلعبون بالشطرنج ¬
والنرد، ولهم صبي يخدمهم، فإذا كان الليل انصرفوا (¬1) إلى دار لهم بالكَرْخ (¬2)، ويَدَعون الصبي في الدار يحفظها، فإذا كان سحرًا جاءوا ونحن نيام لا نشعر (¬3) بهم. فقال للرجل: هذه صفة لصوص أم لا؟ قال: بلى، فأنفذ في الحال، فاستدعى عشرة من الشرط، وأدخلهم إلى أسطحة الجيران، ودق هو الباب، فجاء الصبي ففتح. فدخل الشرط معه (¬4)، فما فاتهم من القوم أحد فكانوا هم أصحاب الجناية (¬5) بعينهم (¬6). ومن ذلك: أن بعض الولاة سمع في بعض ليالي الشتاء صوتًا بدار يطلب ماءً باردًا (¬7)، فأمر بكبس الدار، فأخرجوا رجلًا وامرأة، فقيل له: من أين علمت؟ قال: الماء لا يبرد في الشتاء، إنما ذلك علامة بين هذين (¬8). وأحضر بعض الولاة (¬9) شخصين (¬10) متهمين بسرقة، فأمر أن ¬
آثار عن الصحابة في القضاء والحكم بالفراسة والأمارات
يؤتى بكوز من ماء، فأخذه بيده (¬1) فألقاه عمدًا فانكسر، فارتاع أحدهما، وثبت الآخر فلم يتغير. فقال للذي انزعج: اذهب، وقال للآخر: أحضر العملة. فقيل له: ومن أين عرفت ذلك؟ فقال: اللص قوي القلب لا ينزعج، والبريء يرى أنه لو تحركت (¬2) في البيت فأرة لأزعجته، ومنعته من السرقة (¬3). فصل ومن الحكم بالفراسة والأمارات: ما رواه محمد بن عبيد الله (¬4) بن أبي رافع عن أبيه، قال: خاصم غلام من الأنصار أمه إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فجحدته، فسأله البينة، فلم تكن عنده، وجاءت المرأة بنفر، فشهدوا أنها لم تُزوج وأن الغلام كاذب عليها (¬5)، وقد قذفها. فأمر عمر - رضي الله عنه - بضربه، فلقيه علي - رضي الله عنه -، فسأل عن أمرهم، فأُخْبِر، فدعاهم، ثم قعد في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسأل المرأة فجحدت، فقال للغلام: اجحدها كما جحدتك، فقال: يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنها أمي، قال: اجحدها، وأنا أبوك والحسن والحسين أخواك، قال: قد جحدتها، وأنكرتها. ¬
فقال علي لأولياء المرأة: أمري في هذه المرأة جائز؟ قالوا نعم، وفينا أيضًا، فقال علي: أُشْهِد من حضر أني قد زوجت هذا الغلام من هذه المرأة الغريبة منه، يا قنبر ائتني بطينة فيها دراهم، فأتاه بها، فعد أربعمائة وثمانين درهمًا، فدفعها (¬1) مهرًا لها. وقال للغلام: خذ بيد امرأتك، ولا تأتنا إلا وعليك أثر العرس، فلما ولى، قالت المرأة: يا أبا الحسن، الله الله هو النار، هو (¬2) والله ابني. قال: كيف ذلك؟ قالت: إن أباه كان زنجيًّا (¬3)، وإن إخوتي زوجوني منه، فحملت بهذا الغلام. وخرج الرجل غازيًا فقتل، وبعثت بهذا إلى حي بني فلان. فنشأ فيهم، وأنفت أن يكون ابني، فقال علي: أنا أبو الحسن، وألحقه بها (¬4)، وثبت نسبه (¬5). ومن ذلك: أن عمر بن الخطاب سأل رجلًا: كيف أنت؟ فقال: ممن يحب الفتنة، ويكره الحق، ويشهد على ما لم يره، فأمر به إلى ¬
السجن. فأمر علي برده (¬1)، وقال: صدق، قال: كيف صدّقته؟ قال: يحب المال والولد، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] ويكره الموت، وهو حق (¬2)، ويشهد أن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يره، فأمر عمر - رضي الله عنه - بإطلاقه، قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته (¬3). وقال أصبغ بن نباتة: جاء رجل إلى مجلس علي - والناس حوله - فجلس بين يديه، ثم التفت إلى الناس، فقال: يا معشر الناس، إن للداخل حيرة، وللسائل (¬4) روعة، وهما دليل السهو والغفلة. فاحتملوا زلّتي (¬5) إن كانت من سهو نزل بي، ولا تحسبوني من شر الدواب عند الله الذين لا يعقلون. فتبسم علي - رضي الله عنه - وأعجب به، فقال: يا أمير المؤمنين، إني وجدت ألفًا وخمسمائة درهم في خربة بالسواد، فما عليَّ؟ وما لي؟ فقال له علي - رضي الله عنه -: إن كنت أصبتها في خربة تؤدي خراجَها قريةٌ أخرى عامرة بقربها فهي لأهل تلك القرية، وإن كنت وجدتها في خربة ليست تؤدي خراجَها قريةٌ أخرى عامرة فلك فيها أربعة أخماس، ولنا خمس (¬6). ¬
قال الرجل: أصبتها في خربة ليس حولها أنيس، ولا عندها عمران، فخذ الخمس، قال: قد جعلته لك (¬1). وأتى عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلٌ (¬2) أسود، ومعه امرأة سوداء، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أغرس غرسًا أسود، وهذه سوداء على ما ترى، فقد (¬3) أتتني بولد أحمر، فقالت المرأة: والله يا أمير المؤمنين ما خنته، وإنه لولده. فبقي عمر لا يدري ما يقول، فسئل عن ذلك علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فقال للأسود: إن سألتك عن شيء أتصدقني؟ قال: أجل والله، قال: هل واقعت امرأتك وهي حائض؟ قال: قد كان ذلك، قال علي: الله أكبر، إن النطفة إذا اختلطت بالدم فخلق الله - عز وجل - منها خلقًا كان أحمر، فلا تنكر ¬
ولدك، فأنت جنيت على نفسك (¬1). وقال جعفر بن محمد (¬2): أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار كانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة فألقت (¬3) صفرتها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها، ثم جاءت إلى عمر صارخة، فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي، وفضحني في أهلي، وهذا أثر فعاله. فسأل عمر النساء فقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المني. فهمّ بعقوبة الشاب فجعل يستغيث، ويقول: يا أمير المؤمنين، تثبت في أمري، فوالله ما أتيت فاحشة ولا هممت (¬4) بها، فقد راودتني عن نفسي فاعتصمت، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما، فنظر علي إلى ما على الثوب، ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصُبَّ على الثوب فجمد ذلك البياض، ثم أخذه واشتمه وذاقه، فعرف طعم البيض وزجر المرأة، فاعترفت (¬5). قلت: ويشبه هذا ما ذكره الخرقي وغيره (¬6) عن ¬
أحمد (¬1): أن المرأة إذا ادعت أن زوجها عنين (¬2)، وأنكر ذلك، وهي ثيب، فإنه يخلى معها في بيت، ويقال له: أخرج ماءك على شيء، فإن (¬3) ادعت أنه ليس بمني جعل على النار، فإن ذاب فهو مني، وبطل قولها. وهذا مذهب عطاء بن أبي رباح (¬4). وهذا حكم بالأمارات الظاهرة، فإن المني إذا جعل على النار ذاب واضمحل، وإن كان بياض بيض تجمع ويبس، فإن قال: أنا أعجز عن إخراج مائي صح قولها. ويشبه هذا: ما ذكره بعض (¬5) القضاة (¬6): أن زوجين ترافعا إليه، وادعى كل منهما: أن الآخر عِذْيَوط (¬7) يغوط عند الجماع (¬8)، ¬
وتناكرا، فأمر أن يطعم أحدهما تينًا (¬1)، والآخر قثَّاءً (¬2)، فعلم صاحب العيب بذلك (¬3). وقال أصبغ (¬4) بن نباتة: إن شابًّا شكا إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - نفرًا، فقال: إن هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر، فعادوا ولم يَعُدْ أبي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله؟ فقالوا: ما ترك شيئًا، وكان معه مال كثير، وترافعنا (¬5) إلى شريح، فاستحلفهم وخلى سبيلهم، فدعا علي بالشُّرط، فوكل بكل رجل (¬6) منهم رجلين، وأوصاهم ألا يمكنوا بعضهم أن يدنو من بعض، ولا يدعوا (¬7) أحدًا يكلمهم، ودعا كاتبه، ودعا أحدهم. فقال: أخبرني عن أبي هذا الفتى: أي يوم خرج معكم؟ وفي أي منزل نزلتم؟ وكيف كان سيركم؟ وبأي علة مات؟ وكيف أصيب بماله؟ وسأله عمن (¬8) غسله ودفنه؟ ومن تولى الصلاة عليه؟ وأين دفن؟ ونحو ذلك، والكاتب يكتب، ثم كبَّر (¬9) ¬
علي فكبر (¬1) الحاضرون معه، والمتهمون لا علم لهم إلا أنهم ظنوا أن صاحبهم قد أقرَّ عليهم. ثم دعا آخر بعد أن غيَّب الأول عن مجلسه، فسأله كما سأل صاحبه، ثم الآخر كذلك، حتى عرف ما عند الجميع، فوجد كل واحد منهم يخبر بضد ما أخبر به صاحبه، ثم أمر برد الأول، فقال: يا عدو الله، قد عرفتُ غدرك (¬2) وكذبك بما سمعتُ من أصحابك، وما ينجيك من العقوبة إلا الصدق، ثم أمر به إلى السجن، وكبَّر، وكبر معه الحاضرون، فلما أبصر القوم الحال لم يشكُّوا أن صاحبهم أقرَّ عليهم، فدعا آخر منهم، فهدده، فقال: يا أمير المؤمنين والله لقد كنت كارهًا لما صنعوا، ثم دعا الجميع فأقروا بالقصة، واستدعى الذي في السجن، وقيل له: قد أقرَّ أصحابك ولا ينجيك سوى الصدق، فأقرَّ بمثل (¬3) ما أقر به القوم، فأغرمهم المال، وأقاد منهم بالقتيل (¬4). ورُفِع إلى بعض القضاة رجل ضرب رجلًا على هامته، فادعى المضروب: أنه أزال بصره وشمه، فقال: يُمتحن، بأن يرفع عينيه إلى قرص الشمس، فإن كان صحيحًا (¬5) لم تثبت عيناه لها، وينحدر منها الدمع، وتحرق خرقة وتقدم إلى أنفه، فإن كان صحيح الشم: بلغت ¬
الرائحة خيشومه ودمعت عيناه (¬1). ورأيت في "أقضية علي - رضي الله عنه -" (¬2) نظير هذه القضية، وأن المضروب ادعى (¬3) أنه أخرس، فأمر أن يخرج لسانه، وينخس بإبرة، فإن خرج الدم أحمر فهو صحيح اللسان، وإن خرج أسود فهو أخرس (¬4). وقال أصبغ (¬5) بن نباتة: قيل لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في فداء أسرى المسلمين من أيدي المشركين، فقال: فنادوا منهم من كانت جراحاته بين يديه، دون من كانت من ورائه؛ فإنه فارّ (¬6). قال: وأوصى رجل إلى آخر: أن يتصدق عنه من هذه الألف دينار بما أحب، فتصدق بعشرها، وأمسك الباقي، فخاصموه إلى علي - رضي الله عنه - وقالوا: يأخذ النصف ويعطينا النصف. فقال: أنصفوك، قال: إنه قال لي: أخرج منها ما أحببت، قال: فأخرج عن الرجل تسعمائة، والباقي لك، قال: وكيف ذلك؟ قال: لأن الرجل أمرك أن (¬7) تخرج ما أحببت، وقد أحببت التسعمائة، فأخرجها. ¬
وقضى في رجلين حُرّين يبيع أحدهما صاحبه على أنه عبد، ثم يهربان من بلد إلى بلد بقطع أيديهما (¬1)؛ لأنهما سارقان لأنفسهما، ولأموال الناس. قلت: وهذا من أحسن القضاء، وهو الحق (¬2)، وهما أولى بالقطع من السارق المعروف، فإن السارق إنما قطع - دون المنتَهِب (¬3) والمغتصب (¬4) -؛ لأنه لا يمكن التحرز منه. ولهذا قُطع النَّباش (¬5)، ولهذا جاءت السنة بقطع جاحد العارية (¬6). وقضى علي - رضي الله عنه - أيضًا في امرأة تزوجت، فلما كان ليلة زفافها أدخلت صديقها الحجلة (¬7) سرًّا، وجاء الزوج فدخل ¬
الحجلة، فوثب إليه الصديق (¬1) فاقتتلا، فقتل الزوج الصديق، فقامت إليه المرأة فقتلته، فقضى بدية الصديق على المرأة، ثم قتلها بالزوج، وإنما قضى بدية الصديق عليها؛ لأنها هي التي عرضته لقتل الزوج له، فكانت هي المتسببة إلى قتله، وكانت أولى بالضمان (¬2) من الزوج المباشر قتله؛ لأن المباشر قتله (¬3) قتلًا مأذونًا فيه، دفعًا عن حرمته. فهذا من أحسن القضاء الذي لا يهتدي إليه كثير من الفقهاء، وهو الصواب. وقضى في رجل فرَّ من رجل يريد قتله، فأمسكه له آخر حتى أدركه فقتله، وبقُرْبه رجل ينظر إليهما، وهو يقدر على تخليصه، فوقف ينظر إليه حتى قتله. قضى أن يُقتل القاتل، ويُحبس الممسك حتى يموت، وتُفقأ عين الناظر الذي وقف ينظر ولم ينكر (¬4). فذهب الإمام أحمد وغيره من أهل العلم (¬5) إلى القول بذلك، ¬
فقء عين الناظر إلى بيت الرجل من خص أو طاقة
إلا في فقْء عين الناظر، ولعل عليًّا - رضي الله عنه - رأى تعزيره بذلك، مصلحة للأمة، وله مساغ في الشرع في مسألة فقء عين الناظر إلى بيت الرجل من خص (¬1) أو طاقة، كما جاءت بذلك (¬2) السنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها ولا دافع؛ لكونه جنى على صاحب المنزل، ونظر نظرًا محرمًا لا يحل له أن يقدم عليه، فجوَّز له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحذفه فيفقأ عينه، وهذا مذهب الشافعي (¬3)، وأحمد (¬4). وفي "الصحيح"، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَن اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَومٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَفَقَأُوا عَيْنَهُ، فَلاَ دِيَةَ (¬5)، وَلَا ¬
قَصَاصَ" (¬1). وفي "الصحيحين" من حديث الزهري (¬2)، عن سهل قال: اطلع رجل (¬3) في حجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعه مِدْرى (¬4) يحك بها رأسه، ¬
فقال: "لَوْ أَعْلَمُ أنَّكَ تَنْظُر لَطَعَنْتُ به في عَيْنِكَ، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر" (¬1). وفي "صحيح مسلم (¬2) " عنه: أن رجلًا اطلع على النبي - صلى الله عليه وسلم - من ستر الحجرة، وفي يد النبي - صلى الله عليه وسلم - مِدْرى، فقال: "لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هذا يُنْظِرني حتَّى آتِيَهُ لَطَعَنْتُ بالمِدْرى في (¬3) عيْنِهِ، وهلْ جُعِلَ الاستِئذانُ إِلا من أجلِ البَصَرِ (¬4)؟ " أي لو أعلم أنه يقف لي حتى آتيه. وفي "الصحيحين" (¬5) عن أنس - رضي الله عنه -: "أن رجلًا اطلع في بعض حُجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقام إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشْقص (¬6)، فذهب نحو الرجل، يخْتِلُه (¬7) ليطعنه به، قال: فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخْتِلُهُ ¬
ليَطْعَنَهُ". وفي "سنن البيهقي" وغيره عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - (¬1): "أن أعرابيًّا أتى باب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فألقم عينه خُصاص (¬2) الباب، فبصُر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ عودًا محددًا (¬3)، فوجأ (¬4) عين الأعرابي فانقمع (¬5)، فقال: لو ثبتَّ لفقأت عينك" (¬6). وفي "الصحيحين" (¬7) من حديث الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن، فحَذَفْتَهُ بِحَصاة، فَفَقَأتَ عيْنَهُ: ما كان عَلَيْكَ من جُناح". وفي "صحيح مسلم" (¬8)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي ¬
من أقضية علي رضي الله عنه
- صلى الله عليه وسلم -: "مَن اطَّلعَ في بيت قوْمٍ بغَير إِذْنِهمْ، فقد حلَّ لهم أن يَفْقَأُوا عَيْنَهُ". وفي "سنن البيهقي" عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أنَّ رجلًا اطَّلَعَ في بيت رَجُلٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ما كان عليه فيه شَيْءٌ" (¬1). فالحق: الأخذ بموجب هذه السنن الصحيحة الصريحة (¬2)، والناظر إلى القاتل يقتل المسلم، وهو يستطيع (¬3) أن يخلصه وينهاه أعظم إثمًا عند الله تعالى، وأحق بفقء العين، والله أعلم. وقضى أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - في رجل قطع فرج امرأته: أن تؤخذ منه دية الفرج ويجبر على إمساكها، حتى تموت، وإن طلقها أنفق عليها (¬4). فلله ما أحسن هذا القضاء، وأقربه من الصواب. ¬
فأما الفرج: ففيه الدية كاملة اتفاقًا (¬1)، وأما إنفاقه عليها إن طلقها؛ فلأنه أفسدها على الأزواج الذين يقومون بنفقتها ومصالحها فسادًا لا يعود، وأما إجباره على إمساكها: فمعاقبة له بنقيض قصده، فإنه قصد التخلص منها بأمر محرم، وقد كان يمكنه التخلص منها بالطلاق، والخلع (¬2)، فعدل عن ذلك إلى هذه المثلة (¬3) القبيحة، فكان جزاؤه أن يلزم بإمساكها إلى الموت. وقضى في مولود وُلد وله رأسان وصدران في حقو (¬4) واحد، فقالوا له: أيُوَرَّث ميراث اثنين، أم ميراث واحد؟ فقال: يترك حتى ينام، ثم يصاح به، فإن انتبها جميعًا، كان له ميراث واحد، وإن انتبه واحد وبقي الآخر كان له ميراث اثنين (¬5). ¬
فإن قيل: كيف (¬1) تُزوَّج مَن ولدت كذلك؟ قلت: هذه مسألة لم أر لها ذكرًا في كتب الفقهاء، وقد قال أبو جبلة (¬2): رأيت بفارس امرأة لها رأسان وصدران في حقو واحد متزوجة، تغار هذه على هذه، وهذه على هذه (¬3). والقياس: أنها تزوج، كما تزوج النساء، ويتمتع الزوج بكل واحد من الفرجين (¬4) والوجهين، فإن ذلك زيادة في خلقة المرأة. هذا إذا كان الرأسان على حقو واحد ورجلين. فإن كانا على حقوين، وأربعة أرجل، فقد روى محمد بن سهل (¬5) ¬
حدثنا عبد الله بن محمد البلوي (¬1) حدثني عمارة بن زيد (¬2)، حدثنا عبد الله (¬3) بن العلاء (¬4)، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: أتي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بإنسان له رأسان، وفمان، وأربع أعين (¬5)، وأربع أيد، وأربع أرجل، وإحليلان (¬6)، ودبران. فقالوا: كيف يرث يا أمير المؤمنين؟ فدعا بعلي - رضي الله عنه -، فقال: فيهما قضيتان، إحداهما: ينظر إذا نام، فإن غطَّ غطيطَ واحدٍ (¬7)، فنفْس واحدة، وإن غط من كل منهما فنفسان، وأما القضية الأخرى، فيطعمان ويسقيان فإن بال منهما (¬8) جميعًا، فنفس واحدة، ¬
وإن بال من كل واحد (¬1) منهما على حدة، وتغوط من كل واحد على حدة (¬2)، فنفسان. فلما كان بعد ذلك طلبا النكاح. فقال علي - رضي الله عنه -: لا يكون فرج في فرج وعين تنظر، ثم قال: أما إذ حدثت (¬3) فيهما الشهوة، فإنهما سيموتان جميعًا سريعًا، فما لبثا أن ماتا، وبينهما ساعة أو نحوها (¬4). فصل ومن ذلك: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتي بامرأة زنت، فسألها فأقرت (¬5)، فأمر برجمها. فقال علي - رضي الله عنه -: لعل لها (¬6) عذرًا، ثم قال لها: ما حملك على الزنا؟ قالت: كان لي خليط، وفي إبله ماء ولبن، ولم يكن في إبلي ماء ولا لبن، فظمئت فاستسقيته، فأبى أن يسقيني حتى أعطيه نفسي. فأبيت عليه ثلاثًا. فلما ظمئت وظننت أن نفسي ستخرج (¬7) أعطيته الذي أراد فسقاني، فقال علي - رضي الله عنه -: الله أكبر {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ¬
المكرهة على الزنا
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] (¬1). وفي "سنن البيهقي" (¬2)، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي: أُتي عمر بامرأة جهدَها العطش، فمرّت على راع فاستسقت (¬3)، فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، ففعلت. فشاور الناس في رجمها. فقال علي: هذه مضطرة، أرى أن تخلي سبيلها، ففعل. قلت: والعمل على هذا، لو اضطرت المرأة إلى طعام أو شراب عند رجل فمنعها إلا بنفسها، وخافت الهلاك، فمكنته من نفسها، فلا حد عليها. فإن قيل: فهل يجوز لها في هذه الحال (¬4) أن تُمكِّن من نفسها، أم يجب عليها أن تصبر ولو ماتت؟ (¬5) قيل (¬6): هذه حكمها حكم المكرهة ¬
المكره على اللواط
على الزنا، التي يقال لها: إن مكَّنتِ من نفسك وإلا قتلتك (¬1). والمكرهة لا حدَّ عليها، ولها أن تفتدي من القتل بذلك، ولو صبرت لكان أفضل لها، ولا يجب عليها (¬2) أن تُمَكِّن من نفسها، كما لا يجب على المكره على الكفر (¬3) أن يتلفظ (¬4) به، وإن صبر حتى قتل (¬5) لم يكن آثمًا (¬6). فالمكرهة على الفاحشة أولى. فإن قيل: لو وقع مثل ذلك لرجل، وقيل (¬7) له: إن لم تُمكِّن من نفسك، وإلا قتلناك، أو منع الطعام والشراب، حتى يُمكَّن من نفسه، وخاف الهلاك. فهل يجوز له التمكين؟ ¬
قيل: لا يجوز له ذلك، ويصبر للموت (¬1). والفرق بينه وبين المرأة: أن العار والفساد (¬2) الذي يلحق المفعول به لا يمكن تلافيه، وهو شر مما يحصل له بالقتل، أو منع الطعام والشراب حتى يموت، فإن هذا فساد في نفسه وعقله وقلبه ودينه وعرضه، ونطفة اللوطي مسمومة تسري في الروح والقلب، فتفسدها فسادًا قلَّ أن يُرجى معه صلاح. ففساد التفريق بين روحه وبدنه بالقتل دون هذه المفسدة (¬3)، ولهذا يجوز له أو يجب عليه أن يقتل من يراوده عن نفسه إن أمكنه ذلك من غير خوف مفسدة. ولو فعله السيد بعبده بيع عليه، ولم يُمكَّن من استدامة ملكه عليه (¬4). وقال بعض السلف: يعتق عليه (¬5). وهو قول قوي (¬6) مبني على العتق بالمثلة، لا سيما إذا استكرهه على ذلك، فإن هذا جار مجرى المثلة. ¬
وقد سئل الإمام أحمد (¬1) عن رجل يُتهم بغلامه، فأراد بعض الناس أن يرفعه إلى الإمام، فدبَّر غلامه؟ فقال: يحال بينه وبينه، إذا كان فاجرًا معلنًا (¬2). فإن قيل: فهل يباح للغلام أن يهرب؟ قيل: نعم يباح له ذلك. قال أبو عمرو (¬3) الطرسوسي (¬4) - في كتاب (¬5) تحريم اللواط - (¬6): باب إباحة الهرب للمملوك إذا أريد منه هذا البلاء، ثم ساق بإسناد صحيح إلى عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري: "أن عبدًا أتاه، فقال: إني مملوك لهؤلاء، يأمرونني (¬7) بما لا يصلح أو نحوه؟ قال: اذهب في الأرض". وذَكَرَ القاسم بن الريان (¬8)، قال: سئل عبد الله بن المبارك عن ¬
من أقضية علي رضي الله عنه
الغلام إذا أرادوا أن يفضحوه؟ قال: يمنع (¬1)، ويذبّ عن نفسه. قال: أرأيت إن علم أنه لا ينجيه إلا القتل، أيقتل حتى ينجو؟ قال: نعم. انتهى. قلت (¬2): ويكون مجاهدًا إن قَتل، وشهيدًا إن قُتل؛ فإنَّ "مَن قُتل دون ماله فهو شهيد" (¬3)، فكيف مَنْ قُتل دون هذه الفاحشة؟ فصل ومن ذلك: أن امرأة رُفعت إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد زنت، فسألها عن ذلك؟ فقالت: نعم يا أمير المؤمنين، وأعادت ذلك وأيدته. فقال علي: إنها لتستهل (¬4) به استهلال من لا يعلم أنه حرام. فدرأ عنها الحد (¬5). وهذا من دقيق الفراسة (¬6). فصل ومن قضايا علي - رضي الله عنه -: أنه أُتي برجل وُجد في خَرِبة بيده سكين متلطخ بدم، وبين يديه قتيل يتشحَّط في دمه، فسأله؛ فقال: ¬
أنا قتلته، قال: اذهبوا به فاقتلوه. فلما ذهبوا به أقبل رجل مسرعًا، فقال: يا قوم، لا تعجلوا. ردوه إلى علي (¬1)، فردوه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، ما هذا صاحبه، أنا قتلته. فقال علي للأول: ما حملك على أن قلت: أنك قاتله (¬2)، ولم تقتله؟ قال: يا أمير المؤمنين، وما أستطيع أن أصنع؟ وقد وقف العَسسُ على الرجل يتشحط في دمه، وأنا واقف، وفي يدي سكين، وفيها أثر الدم، وقد أخذتُ في خربة؟ فخفت ألا يقبل مني، وأن يكون قسامة، فاعترفت بما لم أصنع، واحتسبت نفسي عند الله. فقال علي: بئس ما صنعت. فكيف كان حديثك؟ قال: إني رجل قصَّاب، خرجت إلى حانوتي في الغَلس (¬3)، فذبحت بقرة وسلختها، فبينما (¬4) أنا أسلخها والسكين في يدي أخذني البول، فأتيت خربة كانت بقربي فدخلتها، فقضيت حاجتي، وعدت أريد حانوتي، فإذا أنا بهذا المقتول يتشحط في دمه فراعني أمره (¬5)، فوقفت أنظر إليه والسكين في يدي، فلم أشعر إلا بأصحابك قد وقفوا عليّ، فأخذوني، فقال الناس: هذا قتل هذا، ما له قاتل سواه. فأيقنت أنك لا تترك قولهم (¬6) لقولي، فاعترفت بما لم أجْنه، فقال علي للمقرّ ¬
الثاني: فأنت كيف كانت قصتك؟ فقال: اعتراني فلس، فقتلت الرجل طمعًا في ماله، ثم سمعت حس العسس، فخرجت من الخربة، واستقبلت هذا القصاب على الحال التي وصف، فاستترت منه ببعض الخربة حتى أتى العسس، فأخذوه وأتوك به. فلما أمرتَ بقتله علمت أني أبوء بدمه (¬1) أيضًا فاعترفت بالحق. فقال علي للحسن - رضي الله عنهما -: ما الحكم في هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن كان قد قتل نفسًا فقد أحيا نفسًا، وقد قال تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، فخلى عليٌّ - رضي الله عنه - عنهما، وأخرج دية القتيل من بيت المال (¬2). وهذا إن وقع صلحًا برضى الأولياء فلا إشكال، وإن كان بغير رضاهم فالمعروف من أقوال الفقهاء: أن القصاص لا يسقط بذلك؛ لأن الجاني قد اعترف بما يوجبه، ولم يوجد ما يسقطه، فيتعين استيفاؤه. وبعد: فلحكم أمير المؤمنين (¬3) وجهٌ قوي، وقد وقع نظير هذه القصة في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أنها ليست في القتل. قال النسائي: حدثنا محمد بن يحيى (¬4) بن كثير الحراني، حدثنا ¬
الكلام على حديث: أن امرأة وقع عليها رجل في سواد الصبح
عمرو بن حماد بن طلحة، حدثنا أسباط بن نصر، عن سماك (¬1)، عن علقمة بن وائل، عن أبيه: "أن امرأةً وقعَ عليها رجُلٌ في سواد الصُّبحِ - وهي تعْمَدُ إلى المسجد - بمَكْرُوهٍ على نَفْسِها، فاسْتغاثتْ برجُلٍ مرَّ عليها، وفرَّ صاحبُها، ثُمَّ مرَّ عليها ذَوو عَدَدٍ، فاسْتَغاثَتْ بهمْ، فأدركوا الرَّجُلَ الذي كانت اسْتغاثَتْ به (¬2)، فأخذُوه، وسَبَقَهُمْ الآخَرُ، فجاءوا به يقودُونَهُ إليها، فقال: أنا الذي أَغَثْتُكِ، وقد ذهبَ الآخَرُ. فأَتَوا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَتهُ أنه وَقَعَ عليها، وأخبرَ القوْمُ: أَنَّهم أَدْركُوهُ يشْتَدُّ، فقال: إِنَّما كُنْتُ أُغِيثُها على صاحبها، فأَدْركَني هؤلاء فَأَخَذوني، فقالت: كَذَبَ، هو الذي وَقَعَ عليَّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انطَلِقوا به فارْجموهُ. فقام رجل مِنْ الناس (¬3)، فقال: لا تَرْجموهُ، وارْجموني فأَنا الذي فَعَلْتُ بها الفِعْلَ، فَاعْترَفَ. فَاجْتَمَع ثلاثةٌ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي وقَعَ عليْها، والذي أَغاثَها، والمرأةُ - فقال: "أمَّا أنتِ فقد غُفِرَ لكِ". وقال للَّذي أَغَاثَها قولًا حسنًا. فقال عمر - رضي الله عنه -: ارْجُم الذي اعترَفَ بالزِّنا. فأَبى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: "لَا إِنَّه (¬4) قَدْ تَابَ" (¬5). ¬
ورواه الإمام أحمد في "مسنده" عن محمد بن عبد الله بن الزبير، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن أبيه - فذكره - وفيه: فقالوا يَا رَسُولَ اللهِ، ارْجُمْهُ فَقَالَ: "لَقَدْ تَابَ توبَةً لَوْ تَابَهَا أَهْلُ المَدِيْنةِ لَقَبِلَ (¬1) اللهُ منهُمْ" (¬2). وقال أبو داود: "باب في صاحب الحدِّ يجيء فيقر" (¬3) حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، عن الفِريابي (¬4)، عن إسرائيل، عن سماك - فذكره بنحوه - وفيه: أَلا تَرْجُمُه؟ (¬5) قَالَ: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا أَهْلُ المَدِينَةِ لَقُبِلت (¬6) مِنْهُم". وقال الترمذي: "باب ما جاء في المرأة إذا استكرهت على ¬
الزنا" (¬1) حدثنا علي بن حجر، أخبرنا معتمر (¬2) بن سليمان الرقي، عن الحجاج بن أرطاة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه قَال: "اسْتُكرهَت امرأةٌ على عهدِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَدَرأَ عنها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الحدّ (¬3)، وأقامَهُ على الذي أصابَها". ولم يَذْكُرْ أنه جَعَلَ لها مَهْرًا. قال الترمذي: هذا حديث غريب، ليس إسناده بمتصل، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه، وسمعت محمدًا يقول: عبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه ولا أدركه، يقال: إنه ولد بعد موت أبيه بأشهر (¬4)، والعمل على هذا عند أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم: أن ليس على المستكره (¬5) حد. ثم ساق حديث علقمة بن وائل عن أبيه من طريق محمد بن يحيى (¬6) النيسابوري عن الفريابي عن (¬7) سماك عنه: ولفظه: أَنَّ امْرَأَةً ¬
خَرَجَتْ عَلَى عهد رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تُرِيدُ الصَّلاةَ فَتلَقَّاهَا رَجلٌ فَتَجَلَّلهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، فَصَاحَتْ، فَانْطَلَقَ، وَمَرَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ ذَاكَ (¬1) الرَّجُلَ فَعَلَ بِي كَذا وَكذَا، وَمَرَّتْ بعصَابَةٍ مِنَ المُهَاجرِينَ، فَقَالَتْ: إِنَّ ذَاك (¬2) الرَّجُلَ فَعَلَ بِي كَذَا وَكذَا (¬3)، فَانْطَلَقُوا فأَخَذُوا الرَّجُلَ الَّذي ظَنَّتْ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا. فَأَتوهَا بِهِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ هُوَ هَذَا، فَأَتَوا بهِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فلَمَّا أَمَرَ بهِ ليُرْجَمَ قَامَ صَاحِبُها الَّذي وقَعَ عَلَيْها (¬4): فقال: يا رسول الله أنا صاحبها. فقال لها: "اذهبي فقد غفر الله لك" وقال للرجل قولًا حسنًا، وقال للذي وقع عليها: "ارْجُمُوهُ" وقَالَ: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا أهلُ المَدِينَة لَقُبِلَ مِنْهُمْ" (¬5) قال الترمذي: "هذا حديث حسن (¬6) غريب". وفي نسخة: "صحيح" (¬7). وعلقمة بن وائل بن حُجْر سمع من أبيه (¬8)، وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد ¬
الجبار لم يسمع من أبيه (¬1). قلت: هذا الحديث إسناده على شرط مسلم، ولعله تركه لهذا الاضطراب الذي وقع في متنه، والحديث يدور على سماك، وقد اختلفت الرواية هل (¬2) رجم المعترف، فقال أسباط بن نصر عن سماك: "فأبى أن يرجمه" (¬3)، ورواية أحمد (¬4) وأبي داود (¬5) ظاهرة في ذلك. ورواية الترمذي (¬6) عن محمد بن يحيى صريحة في أنه رجمه. وهذا الاضطراب: إما من سماك - وهو الظاهر - وإما ممن هو دونه. والأشبه: أنه لم يرجمه، كما رواه أحمد (¬7) والنسائي (¬8) وأبو داود (¬9)، ¬
الذين رجمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الزنا
ولم يذكروا غير ذلك، ورواته حفظوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل (¬1) رجمه فأبى وقال: "لا". والذي قال: "إنه أمر برجمه" إما أن يكون جرى على المعتاد (¬2)، وإما أن يكون اشتبه عليه أمره برجم الذي جاءوا به أولًا، فوهم، وقال: إنه أمر برجم المعترف. وأيضًا؛ فالذين رجمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الزنا مضبوطون معدودون، وقصصهم محفوظة معروفة، وهم ستة نفر (¬3): الغامدية (¬4)، وماعز (¬5)، وصاحبة (¬6) العسيف (¬7)، واليهوديين (¬8)، ¬
والظاهر: أن راوي الرجم في هذه القصة استبعد أن يكون قد اعترف بالزنا بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يرجمه. وعلم أن من هديه: رجم الزاني. فقال: "وأمر برجمه". فإن قيل: فحديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه، الظاهر أنه في هذه القصة، وقد ذكر "أنه أقام الحد على الذي أصابها" (¬1). قيل: لا يدل لفظ الحديث على أن القصة واحدة، وإن دل فقد قال البخاري: لم يسمعه (¬2) حجاج من عبد الجبار، ولا سمعه عبد الجبار من أبيه. حكاه البيهقي (¬3) عنه. على أن في قول البخاري: "إن عبد الجبار ولد بعد موت أبيه بأشهر" (¬4) نظرًا (¬5)؛ فإن مسلمًا روى في ¬
"صحيحه" عن عبد الجبار قال: "كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي .. " (¬1) الحديث، وليس في ترك رجمه - مع الاعتراف - ما يخالف أصول الشرع، فإنه قد تاب بنص النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن تاب من حدٍّ قبل القدرة عليه سقط عنه في أصح القولين (¬2)، وقد أجمع عليه الناس في المحارب (¬3)، وهو تنبيه على من دونه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة لما فرَّ ماعز من بين أيديهم: "هلَّا تركْتُموهُ يتُوبُ، فيتُوبَ الله علَيهِ؟ " (¬4). ¬
فإن قيل: فكيف تصنعون بأمره برجم المتهم الذي ظهرت براءته، ولم يقر، ولم تقم عليه بينة، بل بمجرد إقرار المرأة عليه؟ قيل: هذا - لعمر الله - هو الذي يحتاج إلى جواب شافٍ، فإن الرجل لم يقر، بل قال: "أنا الذي أغثتها". فيقال - والله أعلم -: إن هذا مثل إقامة الحد باللوث الظاهر القوي، فإنه أدرك وهو يشتد هاربًا بين أيدي القوم، واعترف بأنه كان عند المرأة، وادعى أنه كان مغيثًا (¬1) لها، وقالت المرأة: هو هذا. وهذا لوث ظاهر. وقد أقام الصحابة حد الزنا والخمر باللوث الذي هو نظير هذا أو قريب منه، وهو الحمل (¬2) والرائحة (¬3). ¬
من أقضيه علي رضي الله عنه
وجوز النبي - صلى الله عليه وسلم - لأولياء القتيل أن يقسموا على عين القاتل - وإن لم يروه (¬1) - للوث، ويُدفع (¬2) إليهم. فلما انكشف الأمر بخلاف ذلك تعين الرجوع إليه، كما لو شهد عليه أربعة: أنه زنا بامرأة، فحكم برجمه، فإذا هي عذراء (¬3)، أو ظهر كذبهم، فإن الحد يدرأ عنه، ولو حكم به. فهذا ما ظهر في هذا الحديث الذي هو من مشكلات الأحاديث، والله أعلم (¬4). وقرأت في "كتاب (¬5) أقضية علي" (¬6) رضي الله عنه - بغير إسناد - أن امرأة رفعت إلى علي، وشُهد عليها: أنها قد بغَتْ، وكان من قصتها (¬7) أنها يتيمة عند رجل، وكان للرجل امرأة، وكان كثير الغيبة ¬
عن أهله. فشبت اليتيمة، فخافت المرأة أن يتزوجها زوجها، فدعت نسوة حتى أمسكنها (¬1). فأخذت عذرتها بأصبعها، فلما قدم زوجها من غيبته رمتها المرأة بالفاحشة، وأقامت البينة من جاراتها اللواتي ساعدنها على ذلك. فسأل المرأة: ألك شهود؟ قالت: نعم. هؤلاء جاراتي يشهدن بما أقول. فأحضرهن علي، وأحضر السيف، وطرحه بين يديه، وفرق بينهن، فأدخل كل امرأة بيتًا، فدعا امرأة الرجل، فأدارها بكل (¬2) وجه، فلم تزل على قولها، فردها إلى البيت الذي كانت فيه، ودعا بإحدى الشهود، وجثا على ركبتيه، وقال: قد (¬3) قالت المرأة ما قالت، ورجعت إلى الحق، وأعطيتها الأمان، وإن لم تصدقيني لأفعلن، ولأفعلن. فقالت: لا والله، ما فعلت، إلا أنها رأت جمالًا وهيئة (¬4)، فخافت فساد زوجها، فدعتنا (¬5) وأمسكناها لها، حتى افتضتها (¬6) بأصبعها؛ قال علي: الله أكبر، أنا أول من فرق بين الشاهدين. فألزم المرأة حد القذف، وألزم النسوة جميعًا العُقْر (¬7)، وأمر الرجل أن يطلق المرأة، وزوجه اليتيمة، وساق إليها المهر من ¬
عنده (¬1). ثم حدثهم: أن دانيال (¬2) كان يتيمًا، لا أب له ولا أم، وأن عجوزًا من بني (¬3) إسرائيل ضمته (¬4) وكفلته، وأن ملكًا من ملوك (¬5) بني إسرائيل كان له قاضيان. وكانت امرأة مهيبة جميلة تأتي الملك فتناصحه وتقص عليه، وأن القاضيين عشقاها، فراوداها (¬6) عن نفسها فأبت، فشهدا عليها عند الملك أنها بغت (¬7). فدخل الملكَ من ذلك أمرٌ عظيم، فاشتد غمه - وكان فيها معجبًا -، فقال لهما: إن قولكما مقبول، وأجلها ثلاثة أيام، ثم ترجمونها. ونادى في البلد: احضروا رجْمَ فُلانة، فأكثر الناس في ذلك، وقال الملك لثقته: هل عندك من ¬
حيلة؟ فقال: ماذا عسى عندي؟ - يعنى وقد شهد عليها القاضيان -، فخرج ذلك الرجل في اليوم الثالث، فإذا هو بغلمان يلعبون، وفيهم دانيال، وهو لا يعرفه، فقال دانيال: يا معشر الصبيان تعالوا حتى أكون أنا الملك، وأنت يا فلان المرأة العابدة، وفلان وفلان القاضيين الشاهدين عليها، ثم جمع ترابًا وجعل سيفًا من قصب، وقال للصبيان: خذوا بيد هذا القاضي إلى مكان كذا وكذا، ففعلوا، ثم دعا الآخر، فقال له: قل الحق، فإن لم تفعل قتلتك، بأي شيء تشهد؟ - والوزير واقف ينظر ويسمع -، فقال أشهد أنها بغت، قال: متى؟ قال: يوم كذا وكذا. قال: مع من؟ قال: مع فلان بن فلان (¬1). قال: في أي مكان؟ قال: في مكان كذا وكذا، فقال: ردوه إلى مكانه، وهاتوا الآخر. فردوه إلى مكانه (¬2)، وجاءوا بالآخر فقال: بأي شيء تشهد؟ قال: بَغَتْ. قال: متى؟ قال: يوم كذا وكذا، قال: مع من؟ قال: مع فلان بن فلان، قال: وأين؟ قال: بموضع كذا وكذا، فخالف صاحبه، فقال دانيال: الله أكبر، شهدا عليها والله بالزور، فاحضروا قتلهما. فذهب الثقة إلى الملك مبادرًا، فأخبره الخبر، فبعث إلى القاضيين، ففرق بينهما. وفعل بهما ما فعل دانيال، فاختلفا كما اختلف الغلامان، فنادى الملك في الناس: أن احضروا قتل القاضيين، فقتلهما (¬3). ¬
الحبس في الدين
فصل وكان علي - رضي الله عنه - لا يحبس في الدين، ويقول: "إنه ظلم". قال أبو داود في غير كتاب السنن: حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا مروان - يعني ابن معاوية - عن محمد بن إسحاق عن محمد بن علي (¬1)، قال: قال علي: "حبس الرجل في السجن بعد معرفة ما عليه من الحق ظلم" (¬2). وقال ابن أبي شيبة، حدثنا ابن فضيل (¬3)، عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر (¬4)، عن علي قال: "حَبْس الرجل في السجن بعد أن يعلم ما عليه من الحق ظلم" (¬5). ¬
وقال أبو حاتم الرازي: حدثنا يزيد (¬1)، حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر (¬2)، أن عليًّا كان يقول: "حبس الرجل في السجن بعد أن يعلم ما (¬3) عليه من الحق ظلم" (¬4). وقال أبو نعيم: حدثنا إسماعيل (¬5) بن إبراهيم قال: سمعت عبد الملك بن عمير يقول: "إن عليًّا كان إذا جاءه الرجل بغريمه، قال: لي عليه كذا. يقول: اقْضِهِ، فيقول: ما عندي ما أقضيه، فيقول غريمه: إنه كاذب، وإنه غيَّب ماله. فيقول: هلُمَّ ببينة على ماله يُقْضَى لك عليه. فيقول: إنه غيّبه، فيقول: استحلفه بالله ما غيّب منه شيئًا. قال: لا أرضى بيمينه. فيقول: فما تريد؟ قال: أريد أن تحبسه لي، فيقول: لا آمنك على ظلمه ولا أحبسه، قال: إذن ألزمه، قال: إن لزمته كنت ظالمًا له، وأنا حائل بينك وبينه" (¬6). ¬
قلت: هذا الحكم عليه جمهور الأمة (¬1) فيما إذا كان عليه دين (¬2) عن غير عوض مالي، كالإتلاف والضمان والمهر ونحوه، فإن القول قِوله مع يمينه، ولا يحل حبسه بمجرد قول الغريم: إنه مليء، وإنه غيَّب ماله. قالوا: وكيف يقبل قول غريمه عليه (¬3)، ولا أصل هناك يستصحبه ولا عوض؟ هذا الذي ذكره أصحاب الشافعي (¬4) ومالك (¬5) وأحمد (¬6). وأما أصحاب أبي حنيفة (¬7): فإنهم قسموا الدين إلى ثلاثة أقسام: قسم عن عوض مالي، كالقرض، وثمن البيع ونحوهما. وقسم لزمه بالتزامه، كالكفالة والمهر وعوض الخلع ونحوه. وقسم لزمه بغير ¬
التزامه، وليس في مقابلة عوض، كبدل المتلف وأرش (¬1) الجناية، ونفقة الأقارب والزوجات، وإعتاق العبد المشترك ونحوه. ففي القسمين الأولين: يسأل المدعي عن إعسار (¬2) غريمه، فإن أقر بإعساره لم يحبس له، وان أنكر إعساره وسأل حبسه: حبس؛ لأن الأصل بقاء عوض الدين عنده، والتزامه (¬3) للقسم (¬4) الآخر باختياره يدل على قدرته على الوفاء. وهل تسمع بينته (¬5) بالإعسار قبل الحبس أو بعده؟ على قولين (¬6) عندهم. وإذا قيل: لا تسمع (¬7) إلا بعد الحبس، فقال بعضهم: تكون مدةُ الحبس شهرًا، وقيل: اثنين (¬8)، وقيل: ثلاثة، وقيل: أربعة، وقيل: ستة، والصحيح: أنه لا حد له، وأنه مفوض إلى رأي ¬
الحاكم (¬1). والذي يدل عليه الكتاب والسنة وقواعد الشرع: أنه لا يحبس في شيء من ذلك، إلا أن يظهر بقرينة أنه قادر مماطل، سواء كان دَيْنُهُ عن عوض أو عن غير عوض، وسواء لزمه باختياره أو بغير اختياره، فإن الحبس عقوبة، والعقوبة إنما تسوغ بعد تحقق سببها، وهي من جنس الحدود، فلا يجوز إيقاعها بالشبهة، بل يتثبت الحاكم، ويتأمل حال الخصم، ويسأل عنه، فإن تبين له مَطْلُه وظلمُه ضربه إلى أن يُوفِّي أو يحبسه (¬2)، وإن تبين له بالقرائن والأمارات عجزه لم يحل له أن يحبسه (¬3) ولو أنكر غريمه إعسارَه، فإن عقوبة المعذور شرعًا ظلم، وإن لم يتبين له من حاله شيء أخَّره حتى يتبين له حاله. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لغرماء المفلس الذي لم يكن له ما يوفي دينه: "خُذوا ما وَجدْتُمْ، وليس لكُمْ إِلا ذلك" (¬4). وهذا صريح في أنهم ليس لهم إذا أخذوا ما وجدوه إلا ذلك، وليس لهم حبسه ولا ملازمته. ولا ريب أن الحبس من جنس الضرب، ¬
بل قد يكون أشد منه. ولو قال الغريم للحاكم: اضربه إلى أن يُحضر المال، لم يُجِبْه إلى ذلك. فكيف يُجيبه إلى الحبس الذي هو مثله أو أشد. ولم يحبس الرسول - صلى الله عليه وسلم - طول مدته أحدًا في دين قط، ولا أبو بكر بعده ولا عمر ولا عثمان (¬1) - رضي الله عنهم -، وقد ذكرنا قول علي - رضي الله عنه -. قال شيخنا - رحمه الله -: وكذلك لم يحبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد من الخلفاء الراشدين زوْجًا في صداق امرأته (¬2) أصلًا (¬3). وفي رسالة الليث بن سعد (¬4) إلى مالك التي رواها يعقوب بن سفيان الفسوي (¬5) الحافظ في "تاريخه" (¬6) عن أيوب عن (¬7) يحيى بن ¬
عبد الله (¬1) بن بكير (¬2) المخزومي، قال: هذه رسالة الليث بن سعد إلى مالك فذكرها إلى أن قال: "ومن ذلك: أن أهل المدينة يقضون في صدقات النساء، أنها متى شاءت أن تكلم في مؤخر صداقها تكلمت (¬3) فيدفع (¬4) إليها. وقد وافق أهل العراق أهل المدينة على ذلك، وأهل الشام وأهل مصر. ولم يقض أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من بعده لامرأة بصداقها المؤخر، إلا أن يفرق بينهما موت أو طلاق، فتقوم على حقها" (¬5). قلت: مراده بالمؤخر: الذي أخر قبضه عن (¬6) العقد، فتُرك مسمى، وليس المراد به: المؤجل؛ فإن الأمة مجمعة على أن المرأة لا تطالب به قبل أجله، بل هو كسائر الديون المؤجلة (¬7)، وإنما المراد: ما يفعله الناس من تقديم بعض المهر إلى المرأة، وإرجاء الباقي، كما ¬
يفعله الناس اليوم، وقد دخلت الزوجة (¬1) والزوج (¬2) والأولياء على تأخيره إلى الفرقة (¬3)، وعدم المطالبة به ما داما متفقين. ولذلك لا تطالب به إلا عند الشر والخصومة، أو تزوجه بغيرها، والله يعلم والزوج والشهود والمرأة والأولياء أن الزوج والزوجة لم يدخلا إلا على ذلك. وكثير من الناس يسمي (¬4) صداقًا تتجمل به المرأة وأهلها، ويَعِدُونه - بل يحلفون له - أنهم لا يطالبون (¬5) به، فهذا لا تسمع دعوى المرأة به قبل الطلاق، أو الموت، ولا يطالب به الزوج ولا يحبس به أصلًا، وقد نص أحمد على ذلك (¬6)، وأنها إنما تطالب به عند الفرقة أو الموت، وهذا هو الصواب الذي لا تقوم مصلحة الناس إلا به. قال شيخنا - رحمه الله -: ومن حين سُلط النساء على المطالبة (¬7) بالصدقات المؤخرة، وحبس الأزواج عليها، حدث من الشر (¬8) ¬
والفساد ما الله به عليم، وصارت المرأة إذا أحست من زوجها بصيانتها (¬1) في البيت، ومنعها من البروز والخروج من منزله والذهاب حيث شاءت: تدّعي بصداقها، وتحبس الزوج عليه، وتنطلق حيث شاءت، فيبيت الزوج (¬2) ويظل يتلوى في الحبس، وتبيت المرأة فيما تبيت فيه (¬3). فإن قيل: فالشروط (¬4) إنما تكتب حالًّا في ذمته تطالبه به متى شاءت. قيل: لا عبرة بهذا بعد الاطلاع على حقيقة الحال، وأن الزوج لو عرف أن هذا دين حالٌّ تطالبه به بعد يوم أو شهر، وتحبسه عليه (¬5): لم يقدم على ذلك أبدًا، وإنما دخلوا على أن (¬6) ذلك مسمى، تتجمل به المرأة، والمهر هو ما ساق إليها، فإن قدر بينهما طلاق أو موت طالبته بذلك. وهذا هو الذي في نظر الناس وعرفهم وعوائدهم، ولا تستقيم أمورهم إلا به (¬7)، والله المستعان. ¬
من أقضية علي رضي الله عنه
والمقصود: أن الحبس في الدين من جنس الضرب بالسياط والعصي فيه، وذلك عقوبة لا تسوغ إلا عند تحقق السبب الموجب، ولا تسوغ بالشبهة، بل سقوطها بالشبهة أقرب إلى قواعد الشريعة من ثبوتها بالشبهة (¬1)، والله أعلم. وقال الأصبغ بن نباتة: بينا علي - رضي الله عنه - جالسًا في مجلسه، إذ سمع صيحة، فقال: ما هذا؟ فقالوا: رجل سرق، ومعه من يشهد عليه، فأمر بإحضارهم فدخلوا، فشهد شاهدان عليه: أنه سرق درعًا، فجعل الرجل يبكي ويناشد عليًّا أن يتثبت في أمره، فخرج علي إلى مجمع (¬2) الناس بالسوق، فدعا بالشاهدين فناشدهما الله (¬3) وخوفهما، فأقاما على شهادتهما، فلما رآهما لا يرجعان دعا (¬4) بالسكين وقال: ليمسك أحدكما يده ويقطع الآخر، فتقدما ليقطعاه، فهاج (¬5) الناس، واختلط بعضهم ببعض، وقام علي عن الموضع. فأرسل الشاهدان يد الرجل وهربا. فقال علي: من يدلني على الشاهدين الكاذبين؟ فلم يوقف لهما على خبر، فخلى سبيل ¬
الرجل (¬1). وهذا من أحسن الفراسة، وأصدقها، فإنه ولَّى الشاهدين من ذلك ما توليا، وأمرهما أن يقطعا بأيديهما من قطعا يده بألسنتهما، ومن هنا قالوا: إنه يبدأ الشهود بالرجم إذا شهدوا بالزنا (¬2). وجاءت إلى علي - رضي الله عنه - امرأة، فقالت: إن زوجي وقع على جاريتي بغير أمري، فقال للرجل: ما تقول؟ قال: ما وقعت عليها إلا بأمرها، فقال: إن كنت صادقة رجمته، وإن كنت كاذبة جلدتك الحد، وأقيمت الصلاة، وقام ليصلي، ففكرت المرأة في نفسها، فلم تر لها فَرَجًا (¬3) في أن يرجم زوجها ولا في أن تجلد، فولت ذاهبة، ولم يسأل عنها علي (¬4). فصل ومن المنقول عن كعب بن سور، قاضي عمر بن الخطاب، أنه اختصم إليه امرأتان، كان لكل واحدة (¬5) منهما ولد، فانقلبت إحدى المرأتين على أحد الصبيين فقتلته، فادعت كل واحدة منهما الباقي، فقال كعب: لست سليمان (¬6) بن داود، ثم دعا بتراب ناعم ففرشه، ثم ¬
الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه في غير الحدود
أمر المرأتين فوطئتا عليه، ثم مشى الصبي عليه. ثم دعا القائف فقال: انظر في هذه الأقدام، فألحقه بأحدهما (¬1). قال عمر بن شبّة (¬2): وأتى صاحبُ عين هَجَر إلى عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لي عينًا، فاجعل لي خراج ما تسقي، قال: هو لك، فقال كعب (¬3): يا أمير المؤمنين، ليس له ذلك، قال: ولم؟ قال: لأنه يفيض ماؤه عن أرضه، فيسيح في أراضي الناس، ولو حبس ماءه في أرضه لغرقت، فلم ينتفع بأرضه ولا بمائه، فمره فليحبس ماءه عن أراضي الناس إن كان صادقًا، فقال له عمر: أتستطيع أن تحبس ماءك؟ قال (¬4): لا. قال: فكانت هذه لكعب (¬5). فصل ومن ذلك: أنه يجوز للحاكم الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه (¬6)، في غير الحدود، ولم يوجب الله على الحكام ألا يحكموا إلا ¬
القضاء بشاهد ويمين
بشاهدين أصلًا، وإنما أمر صاحب الحق أن يحفظ حقه بشاهدين، أو شاهد وامرأتين، وهذا لا يدل على أن الحاكم لا يحكم باقل من ذلك، بل قد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشاهد واليمين (¬1)، وبالشاهد فقط (¬2). قال ابن عباس رضي الله عنهما: "قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬3). وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: "قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬4) بِالْيَمِينِ مَعَ الشَاهِدِ الْوَاحِدِ" رواه ابن وهب عن سليمان بن بلال (¬5) عن ربيعة (¬6) عن سهيل (¬7) عنه. رواه أبو داود (¬8). ¬
وقال جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: "قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ" رواه الشافعي عن الثقفي (¬1) عن جعفر بن محمد (¬2) عن أبيه عنه (¬3). ¬
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الحَقِّ". رواه البيهقي (¬1) من حديث ¬
شبابة (¬1) حدثنا عبد العزيز بن (¬2) الماجشون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عنه (¬3)، وقال سُرَّق (¬4): "قَضَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بشَاهِدٍ وَيَمينٍ" (¬5). رواه يعقوب بن سفيان في "مسنده" (¬6). قال المنذري: وقد روي القضاء بالشاهد واليمين من رواية عمر بن الخطاب (¬7) وعلي بن أبي طالب (¬8)، وابن ¬
عمر (¬1)، وعبد الله بن عمرو (¬2)، وسعد بن ¬
عبادة (¬1)، والمغيرة بن ¬
شعبة (¬1)، وجماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - انتهى (¬2)، وعمرو بن حزم (¬3)، والزبيب (¬4) بن ثعلبة (¬5)، وقضى بذلك عمر بن الخطاب (¬6)، وعلي بن أبي ¬
طالب (¬1) - رضي الله عنهما، والقاضي العدل شريح (¬2)، وعمر بن عبد العزيز (¬3). قال الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد: أن ذلك عندنا هو السنة المعروفة. قال أبو عبيد: وذلك من السنن الظاهرة التي هي أكثر من الرواية والحديث (¬4). ¬
الاحتجاج للقضاء بالشاهد واليمين والرد على من أنكره
قال أبو عبيد (¬1): وهو الذي نختاره، اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واقتصاصًا لأثره، وليس ذلك مخالفًا لكتاب الله عند من فهمه، ولا بين حكم (¬2) الله وحكم رسوله اختلاف، وإنما هو غلط في التأويل، حين لم يجدوا ذكر اليمين في الكتاب ظاهرًا، فظنوه خلافًا، وإنما الخلاف: لو كان الله حظر اليمين في ذلك ونهى عنها، والله تعالى لم يمنع من اليمين، إنما أثبتها الكتاب - إلى أن قال -: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وأمسك، ثم فسرت السنة ما وراء ذلك، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفسرة للقرآن ومترجمة عنه، على هذا أكثر الأحكام (¬3): كقوله: "لا وصِيَّة لِوارِثٍ" (¬4)، والرَّجْمُ على ¬
المُحْصَنِ (¬1)، والنَّهْيُ عن نِكاحِ المرأة على عمَّتِها وخالَتِها (¬2)، والتحْرِيمُ مِن الرَّضاع ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ (¬3)، وقطع الموارثة بين أهل الإسلام والكفر (¬4)، وإيجابه على المطلقة ثلاثًا مسيس الزوج الآخر (¬5)، في شرائع كثيرة لا يوجد لفظها في ظاهر الكتاب، ولكنها سنن شرعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعلى الأمة (¬6) اتباعها كاتباع الكتاب، وكذلك الشاهد واليمين لما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهما، وإنما في الكتاب: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] علم أن ذلك إذا وجدتا (¬7)، فإذا عدمتا (¬8) قامت اليمين مقامهما، كما علم حين مسح ¬
النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخفين أن قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] معناه: أن تكون الأقدام بادية (¬1). وكذلك لما رجم المحصن في الزنا: علم أن قوله: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] للبكرين. وكذلك كل ما ذكرنا من السنن على هذا، فما بال الشاهد واليمين ترد من بينها؟ وإنما هي ثلاث منازل في شهادات الأموال، اثنتان بظاهر الكتاب وواحدة (¬2) بتفسير السنة له. فالمنزلة الأولى: الرجلان. والثانية: الرجل والمرأتان. والثالثة: الرجل واليمين. فمن أنكر هذه لزمه إنكار كل شيء ذكرناه، لا يجد من ذلك بدًّا حتى يخرج من قول العلماء. قال أبو عبيد (¬3): ويقال لمن أنكر الشاهد واليمين، وذكر أنه خلاف القرآن: ما تقول في الخصم يشهد له الرجل والمرأتان، وهو واجد لرجلين يشهدان له؟ فإن قالوا: الشهادة جائزة. قيل: ليس هذا أولى بالخلاف، وقد اشترط القرآن فيه ألا يكون للمرأتين (¬4) شهادة إلا ¬
مع فَقْد أحد الرجلين، فإنه سبحانه قال: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] ولم يقل: واستشهدوا شهيدين من رجالكم أو رجلًا وامرأتين. فيكون فيه الخيار، كما جعله في الفدية كما قال تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]. ومثل ما جعله في كفارة اليمين بإطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم أو تحرير رقبة (¬1). فهذه أحكام الخيار (¬2). ولم يقل ذلك في آية (¬3) الدين (¬4). ولكنه قال فيها كما قال في آية الفرائض: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]، كذلك الآية التي بعدها، فقوله ها هنا: {إِنْ لَمْ يَكُنْ} كقوله في آية الشهادة: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا}، وكذلك قال في آية الطهور: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] و [المائدة: 6] وفي آية الظهار (¬5): {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] وكذلك في متعة الحج وكفارة اليمين: أن الصوم لا يجزئُ الواجد. فأي الحكمين أولى بالخلاف: هذا أم (¬6) الشاهد واليمين، الذي ليس فيه (¬7) من الله اشتراط منع، إنما سكت عنه، ثم فسرته السنة؟ ¬
قال أبو عبيد (¬1): وقد وجدنا في حكمهم ما هو أعجب من هذا، وهو قولهم في رضاع اليتيم الذي لا مال له، وله خال وابن عم موسران: إن الخال يجبر على رضاعه؛ لأنه مَحْرم (¬2)، وإنما اشترط التنزيلُ غيرَه فقال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وقد أجمع المسلمون أن لا ميراث للخال مع ابن العم (¬3)، ثم لم (¬4) نجد هذا الحكم في السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من سلف العلماء، وقد وجدنا الشاهد واليمين في آثار متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5)، وعن غير واحد من الصحابة (¬6) ومن التابعين (¬7). ¬
وقال الربيع (¬1): قال الشافعي: قال بعض الناس في اليمين مع الشاهد قولًا أسرف فيه على نفسه، قال: أَرُدُّ حكم من حكم بها؛ لأنه خالف القرآن. فقلت له: الله تعالى (¬2) أمر بشاهدين أو شاهد وامرأتين؟ قال: نعم، فقلت: أحتمٌ من الله ألا يجوز أقل من شاهدين؟ قال: فإن قلته؟ قلت: فقله. قال: قد قلته. قلت: وتجد في الشاهدين اللذين أمر الله بهما حدًّا؟ قال: نعم، حُران مسلمان بالغان عدلان. قلت: ومن حكم بدون ما قلت خالف حكم الله؟ قال: نعم. قلت له: إن كان كما زعمت، فقد خالفت حكم الله، قال: وأين؟ قلت: أجزت شهادة أهل الذمة، وهم غير الذين شرط الله أن تجوز شهادتهم، وأجزت شهادة القابلة وحدها على الولادة، وهذان وجهان أَعطيتَ بهما من جهة الشهادة، ثم أَعطيتَ بغير شهادة في القسامة وغيرها. قلت: والقضاء باليمين مع الشاهد ليس يخالف حكم الله، بل هو موافق لحكم الله، إذ فَرَضَ الله تعالى طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فاتبعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن الله سبحانه قبلت، كما قبلت عن رسوله. قال (¬3): أفيوجد لهذا نظير في القرآن؟ قلت: نعم (¬4). أمر الله سبحانه في الوضوء بغسل ¬
القدمين أو مسحهما، فمسحنا على الخفين بالسنة (¬1). وقال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145]. فحرمنا نحن وأنت كل ذي ناب من السباع بالسنة (¬2). وقال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] فحرمنا نحن وأنت الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها (¬3)، وذكر الرجم (¬4) ونصاب السرقة (¬5). قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبين عن الله معنى ما أراد خاصًّا وعامًّا (¬6). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: القرآن لم يذكر الشاهدين والرجل والمرأتين في طرق الحكم التي يحكم بها الحاكم، وإنما ذكر هذين النوعين من البينات في الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه. فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ ¬
كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، فأمرهم سبحانه بحفظ حقوقهم بالكتاب وأمر من عليه الحق أن يملّ الكاتب، فإن لم يكن ممن يصح إملاؤه أملى عنه وليه، ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين، فإن لم يجد فرجل وامرأتان، ثم نهى الشهداء المتحملين للشهادة عن التخلف عن إقامتها إذا طُلبوا لذلك، ثم رخص لهم في التجارة الحاضرة: ألا يكتبوها. ثم أمرهم بالإشهاد عند التبايع، ثم أمرهم إذا كانوا على سفر - ولم يجدوا كاتبًا - أن يستوثقوا بالرهان المقبوضة (¬1). كل هذا نصيحة لهم، وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم (¬2)، وما تُحفظ به الحقوق شيء، وما يحكم به الحاكم شيء؛ فإن طرق الحكم أوسع من الشاهدين والشاهد (¬3) والمرأتين، فإن الحاكم يحكم بالنكول واليمين المردودة، ولا ذكر لهما في القرآن، فإن كان الحكم بالشاهد الواحد واليمين مخالفًا لكتاب الله، فالحكم بالنكول (¬4) والرد أشد مخالفة (¬5). ¬
وأيضًا؛ فإن الحاكم يحكم بالقرعة بكتاب الله وسنة رسوله الصحيحة (¬1)، ويحكم بالقافة بالسنة الصحيحة التي لا معارض لها (¬2)، ويحكم بالقسامة بالسنة الصحيحة (¬3) الصريحة (¬4)، ويحكم بشاهد الحال إذا تداعى الزوجان أو الصانعان متاع البيت والدكان (¬5)، ويحكم - عند من أنكر الحكم بالشاهد واليمين - بوجوه الآجر في الحائط فيجعله للمدعي إذا كانت إلى جهته (¬6)، ويحكم بمعاقد القمط في الخص فيجعله للمدعي إذا كانت من جهته (¬7). وهذا كله ليس في القرآن ولا حَكَمَ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من أصحابه (¬8)، فكيف ساغ الحكم به، ولم يجعل مخالفًا لكتاب الله؟ ويُردُّ ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه الراشدون وغيرهم من الصحابة، ويجعل مخالفًا لكتاب الله؟ بل القول ما قاله أئمة (¬9) الحديث (¬10): إن الحكم بالشاهد ¬
الذين ردوا سنة القضاء بالشاهد واليمين لهم طرق
واليمين: حكم بكتاب الله، فإنه حق، والله سبحانه أمر بالحكم بالحق. فهاتان قضيتان ثابتتان بالنص؛ أما الأولى: فلأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءه من بعده حكموا به ولا يحكمون بباطل. وأما الثانية: فلقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]، فالحكم بالشاهد واليمين مما أراه الله إياه قطعًا، وقال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى: 15] وهذا مما حكم به، فهو عدل مأمور به من الله ولا بد. فصل والذين ردوا هذه السنة (¬1) لهم طرق: الطريق الأول: أنها خلاف كتاب الله، فلا تقبل. وقد بين الأئمة كالشافعي (¬2) وأحمد (¬3) وأبي عبيد (¬4) وغيرهم - أن كتاب الله لا يخالفها بوجه، وإنها لموافقة (¬5) لكتاب الله. وأنكر الإمام ¬
منازل السنن مع القرآن
أحمد (¬1) والشافعي (¬2) على من رد أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لزعمه أنها تخالف ظاهر القرآن، وللإمام أحمد في ذلك كتاب مفرد سماه "كتاب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -" (¬3). والذي يجب على كل مسلم اعتقاده: أنه ليس في سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة سنة واحدة تخالف كتاب الله، بل السنن مع كتاب الله تعالى على ثلاث منازل (¬4): المنزلة الأولى: سنة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل (¬5). المنزلة (¬6) الثانية: سنة تفسر الكتاب، وتبين مراد الله منه، وتقيد مطلقه. المنزلة الثالثة: سنة (¬7) متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب فتبينه ¬
بيانًا مبتدأً. ولا يجوز رد واحدة (¬1) من هذه الأقسام الثلاثة، وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة، وقد أنكر الإمام (¬2) أحمد على من قال: "السنة تقضي على الكتاب" (¬3) فقال: بل السنة تفسر الكتاب وتبينه (¬4). والذي نُشهد الله ورسوله به: أنه لم تأت سنة صحيحة واحدة (¬5) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تناقض كتاب الله وتخالفه ألبتة، كيف ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المبين لكتاب الله، وعليه أنزل، وبه هداه الله، وهو مأمور باتباعه، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده، ولو ساغ رد سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما (¬6) فهمه الرجل من ظاهر الكتاب لردت بذلك أكثر السنن، وبطلت بالكلية. فما من أحد يحتج عليه بسنة صحيحة تخالف مذهبه ونحلته ¬
مسالك أهل الأهواء والبدع في رد السنن التي تخالف أهواءهم
إلا ويمكنه أن يتشبث بعموم آية أو إطلاقها، ويقول: هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق فلا تقبل. حتى إن الرافضة - قبحهم الله - سلكوا هذا المسلك بعينه في رد السنن الثابتة المتواترة، فردوا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" (¬1)، وقالوا: هذا حديث يخالف كتاب الله، قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (¬2) [النساء: 11]. وردت الجهمية ما شاء الله من الأحاديث الصحيحة في إثبات الصفات بظاهر قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]. وردت الخوارج ما شاء الله من الأحاديث الدالة على الشفاعة (¬3) وخروج أهل الكبائر من الموحدين من النار (¬4) بما فهموه ¬
من ظاهر القرآن (¬1). وردت الجهمية أحاديث الرؤية - مع كثرتها وصحتها (¬2) - بما فهموه من ظاهر القرآن في قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]. وردت القدرية (¬3) أحاديث القدر (¬4) الثابتة (¬5) بما فهموه من ظاهر ¬
القرآن (¬1). وردت كل طائفة ما ردته من السنة بما فهموه من ظاهر القرآن. فإما أن يطرد الباب في ردِّ هذه السنن كلها، وإما أن يطرد الباب في قبولها ولا يُردُّ شيء منها لما (¬2) يفهم من ظاهر القرآن. أما أن يرد بعضها ويقبل بعضها (¬3) - ونسبة المقبول إلى ظاهر القرآن كنسبة المردود - فتناقض ظاهر، وما من أحد رد سنة (¬4) بما فهمه من ظاهر القرآن إلا وقد قبل أضعافها مع كونها كذلك (¬5). وقد أنكر الإمام أحمد والشافعي وغيرهما (¬6) على من رد أحاديث تحريم كل ذي ناب من السباع (¬7) بظاهر قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145]. وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على من رد سنته التي لم تذكر في القرآن (¬8)، ¬
الطريق الثاني: أن اليمين إنما شرعت في جانب المدعى عليه
ولم يدع معارضة القرآن لها، فكيف يكون إنكاره على من ادعى أن سنته تخالف القرآن وتعارضه؟ فصل الطريق الثاني: أن اليمين إنما شرعت في جانب المدعى عليه فلا تشرع في جانب المدعي. قالوا (¬1): ويدل على ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "البَيِّنَةُ على مَن ادَّعَى (¬2)، وَاليَمِينُ عَلى مَنْ أَنْكَرَ" (¬3) فجعل اليمين من جانب المنكر. وهذه الطريقة ضعيفة جدًّا من وجوه. أحدها: أن أحاديث القضاء بالشاهدين (¬4) واليمين أصح، وأصرح، ¬
وأوضح (¬1)، وأشهر (¬2)، وهذا الحديث لم يروه أحد من أهل الكتب الستة (¬3). الثاني: أنه لو قاومها في الصحة والشهرة لوجب تقديمها (¬4) عليه لخصوصها وعمومه. الثالث: أن اليمين إنما كانت في جانب (¬5) المدعى عليه، حيث لم يترجح المدعي بشيء غير الدعوى، فيكون جانب المدعى عليه أولى باليمين، لقوته بأصل براءة الذمة (¬6)، فكان هو أقوى المتداعيين باستصحاب الأصل، فكانت اليمين من جهته. فإذا ترجح المدعي بلوث، أو نكول، أو شاهد، كان أولى باليمين، لقوة جانبه بذلك، فاليمين مشروعة في جانب (¬7) أقوى ¬
المتداعيين (¬1)، فأيهما قوي جانبه شرعت اليمين في حقه (¬2) تقوية وتأكيدًا ولهذا لما قوي جانب المدعين باللوث شرعت الأيمان في جانبهم (¬3) ولما قوي جانب المدعي بنكول المدعى (¬4) عليه ردت اليمين عليه، كما حكم به الصحابة (¬5)، وصوَّبه الإمام أحمد (¬6)، وقال: ما هو ببعيد، يحلف ويأخذ. ولما قوي جانب المدعى عليه بالبراءة الأصلية: كانت اليمين في حقه (¬7)، وكذلك الأمناء، كالمودعَ (¬8)، ¬
والمستأجر (¬1)، والوكيل (¬2)، والوصي (¬3): القول قولهم، ويحلفون؛ لقوة جانبهم بالأيمان (¬4). فهذه قاعدة الشريعة المستمرة، فإذا أقام ¬
الحكم بشهادة الشاهد الواحد إذا علم صدقه من غير يمين
المدعي شاهدًا واحدًا قوي جانبه، فترجح على (¬1) جانب المدعى عليه الذي ليس معه إلا مجرد استصحاب الأصل، وهو دليل ضعيف يرفع بكل دليل يخالفه (¬2)، ولهذا يرفع بالنكول واليمين المردودة واللوث والقرائن الظاهرة، فرفع بقول الشاهد الواحد، وقويت شهادته بيمين المدعي، فأي قياس أحسن من هذا وأصح (¬3)؟ مع موافقته (¬4) للنصوص والآثار التي لا تُدفع. فصل وقد ذهب طائفة من قضاة السلف العادلين إلى الحكم بشهادة الشاهد الواحد، إذا علم صدقه من غير يمين، قال أبو عبيد: رُوّينا عن عظيمين من قضاة أهل العراق: شريح، وزرارة بن أبي أوفى - رحمهما الله - أنهما قضيا بشهادة شاهد واحد. ولا ذكر لليمين في حديثهما (¬5). حدثنا الهيثم بن جميل عن شريك عن أبي إسحاق (¬6) قال: أجاز شريح شهادتي وحدي (¬7). ¬
قال (¬1) حدثنا القاسم بن جميل (¬2) عن حماد بن سلمة عن عمران بن حدير (¬3)، قال: شهد (¬4) أبو مجلز (¬5) عند زرارة بن أبي أوفى، قال أبو مجلز: فأجاز شهادتي وحدي، ولم يصب (¬6). قلت: لم يصب عند أبي مجلز (¬7)، وإلا فإذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد جاز له الحكم بشهادته، وإن رأى تقويته باليمين فعل، ¬
حديث خزيمة بن ثابت في شهادته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وفوائده
وإلا فليس ذلك بشرط، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما حكم بالشاهد واليمين لم يشترط اليمين، بل قوى بها شهادة الشاهد. وقال أبو داود في "السنن" (¬1): باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به. ثم ساق حديث خزيمة بن ثابت: "أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أعْرابي (¬2)، فَأَسْرَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - المَشْيَ، وَأَبْطَأَ الأَعْرَابِي، فَطفِقَ (¬3) رِجَال يَعْتَرِضُونَ الأَعْرابي، فَيسَاوِمُونَه بِالفَرَس، وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ابْتَاعَهُ، فَنَادَى الأَعْرابِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الفَرَسَ وَإِلَّا بعْتُهُ، فَقَامَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الأَعْرَابِي، فَقَالَ: "أَوَ لَيْسَ قَد ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟ " قَالَ الأَعْرَابِي: لَا وَاللهِ، مَا بعْتُكَ، فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "بَلَى، قَد ابْتَعْتُهُ مِنكَ". فَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا. فَقَالَ خَزَيْمَةُ بْن ثَابِت: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّك قَدْ بَايَعْته فَأقْبَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خُزَيْمَةَ، فَقَالَ: "بِمَ تَشْهَدُ؟ " قَالَ: بتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ الله، فَجَعَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - شَهَادَةَ خُزَيَمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَينِ". ورواه النسائي (¬4). وفي هذا الحديث عدة فوائد: ¬
منها: جواز شراء الإمام الشيء من رجل من رعيته. ومنها: مباشرته الشراء بنفسه. ومنها: جواز الشراء ممن يجهل حاله، ولا يسأل من أين لك هذا؟ ومنها: أن الإشهاد على البيع ليس بلازم. ومنها: أن الإمام إذا تيقن من (¬1) غريمه اليمين الكاذبة لم يكن (¬2) له تعزيره؛ إذ هو غريمه. ومنها: الاكتفاء بالشاهد الواحد إذا علم صدقه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال (¬3) لخزيمة: أحتاج معك إلى شاهد آخر، وجعل شهادته بشهادتين؛ لأنها تضمنت شهادته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصدق العام فيما يخبر به عن الله، والمؤمنون مثله في هذه الشهادة، وانفرد بشهادته له بعقد التبايع مع الأعرابي، دون الحاضرين؛ لدخول هذا الخبر في جملة الأخبار التي يجب على كل مسلم تصديقه فيها، وتصديقه بها من لوازم الإيمان، وهي الشهادة التي تختص بهذه الدعوى، وقد قبلها منه وحده (¬4)، والحديث صريح فيما ترجم عليه أبو داود - رحمه الله -. وليس هذا الحكم بالشاهد الواحد مخصوصًا بخزيمة (¬5)، دون من ¬
مواضع قبل فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة شاهد واحد
هو خير منه أو مثله من الصحابة، فلو شهد أبو بكر وحده، أو عمر أو عثمان أو علي أو أُبيُّ بن كعب - رضي الله عنهم - لكان أولى بالحكم بشهادته وحده. والأمر الذي لأجله جعل شهادته بشهادتين (¬1) موجود في غيره، ولكنه أقام الشهادة وأمسك عنها غيره، وبادر هو إلى وجوب الأداء، إذ ذلك من موجبات تصديقه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة الأعرابي وحده على رؤية هلال رمضان (¬2)، وتسمية بعض الفقهاء (¬3) ذلك إخبارًا، لا شهادة: أمر لفظي لا يقدح في الاستدلال، ولفظ الحديث يرد قوله (¬4). وأجاز الشاهد الواحد في قصة السلب، ولم يطالب القاتل بشاهد آخر، ولا استحلفه، وهذه القصة صريحة في ذلك. ففي "الصحيحين" (¬5) عن أبي قتادة قال: "خَرَجْنا مع رَسُولِ الله ¬
- صلى الله عليه وسلم - في عام خيبر (¬1)، فلمَّا التَقَيْنَا كانت للمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، قال: فَرَأَيْتُ رجُلًا من المُشْرِكِينَ قد عَلَا رَجُلًا (¬2) من المسلمين، فَاسْتَدَرْتُ له حتَّى أَتَيْتُهُ مِن وَرائِهِ، فضَرَبْتُهُ بالسَّيْفِ على حبل عاتِقِه (¬3)، فَأَقْبَلَ عَليَّ، فَضَمَّني ضَمَّةً وَجَدْتُ منها رِيْحَ المَوْتِ، ثُمَّ أَدْركَهُ المَوْتُ، فَأرْسَلَنِي. فَلَحِقْتُ عُمر بن الخطاب، فقُلْتُ: ما بالُ النَّاسِ؟ قال: أَمْرُ اللهِ، ثم إِن النَّاسَ رَجَعوا، وجَلَسَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "مَنْ قَتَلَ قتيلًا له عليه بَيِّنةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ"، قال: فقُمْتُ، ثم قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثم قال: الثانية (¬4) مثلَهُ، فَقُمْتُ، فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ما لَكَ يا أَبا قَتَادَة"؟ فَقَصَصْتُ علَيهِ القِصَّةَ، فقال رَجُلٌ (¬5) من القَوْمِ: صَدَقَ يا رسولَ اللهِ، وسَلَبُ ذلك القَتِيلِ عِنْدي فَأَرْضِهِ عنِّي، فقال أبو بكرٍ الصدِّيق: لاها اللهِ (¬6) لا يَعْمِدُ إلى أَسَدٍ مِن أُسْدِ اللهِ يُقاتِلُ عن اللهِ ورسولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ، فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ، فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ". قال أبو قتادة: فَأَعْطَانِيهِ، فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِه مَخْرفًا (¬7) في بني ¬
شهادة المرأة الواحدة في الرضاع
سَلَمَةَ، فإنَّه لأَوَّلُ مالٍ تأَثَّلْتُهُ (¬1) في الإسلامِ". وهذا يدل على أن البينة تطلق على الشاهد الواحد، ولم يستحلفه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أحد الوجوه في هذه المسألة، وهو الصواب (¬2): أنه يقضى له بالسلب بشهادة واحد، ولا معارض لهذه السنة، ولا مسوغ لتركها، والله أعلم. وقد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، وقد شهدت على فعل نفسها، ففي "الصحيحين" (¬3) عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب (¬4)، فجاءت أمةٌ سوداء (¬5)، فقالت: قد ¬
أرضعتكما، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فاعرض عني، قال: فتنحيت، فذكرت ذلك له، قال: "فَكَيْفَ وقَدْ زَعَمَتْ أن قَدْ أَرْضَعَتْكُما؟ ". وقد نص أحمد (¬1) على ذلك في رواية بكر بن محمد (¬2) عن أبيه، قال: في المرأة تشهد على ما لا يحضره الرجال من إثبات استهلال الصبي، وفي الحمام يدخله النساء، فتكون بينهن جراحات. وقال إسحاق بن منصور (¬3): قلت لأحمد في شهادة الاستهلال: تجوز شهادة امرأة واحدة في (¬4) الحيض والعذرة والسقط والحمام وكل ما لا يطلع عليه إلا النساء؟ فقال (¬5): تجوز شهادة (¬6) امرأة إذا كانت ثقة (¬7). ¬
القضاء بشهادة النساء منفردات في غير الحدود والقصاص
فصل ويجوز القضاء بشهادة النساء منفردات في غير (¬1) الحدود والقصاص عند جماعة من الخلف والسلف. قال أبو عبيد: حدثنا يزيد (¬2) عن جرير بن حازم (¬3) عن الزبير بن خرِّيت (¬4) عن أبي لبيد (¬5) "أن سكرانًا طلق امرأته ثلاثًا، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه (¬6) -، وشهد عليه أربع نسوة، ففرق بينهما عمر" (¬7). ¬
حدثنا ابن أبي زائدة (¬1) عن يزيد (¬2) عن حجاج (¬3) عن عطاء (¬4): أنه أخذ بشهادة النساء في النكاح (¬5). حدثنا ابن أبي زائدة عن ابن عون (¬6) عن الشعبي عن شريح: أنه أجاز شهادة النساء في الطلاق (¬7). قال أبو عبيد: لا يصح حديث عمر في شهادة النساء في الطلاق (¬8)، وإنما يرويه (¬9) أبو لبيد، ولم يدرك عمر (¬10). ¬
الروايات المنقولة عن الإمام أحمد في الباب
وقد قال بعض الفقهاء (¬1): تجوز شهادة النساء في الحدود. فالأقوال ثلاثة، أرجحها: أنه تجوز شهادة النساء منفردات (¬2) فيما لا يطلع عليه الرجال غالبًا. قال الأثرم (¬3): قلت لأبي عبد الله (¬4): شهادة المرأة الواحدة في الرضاع تجوز؟ قال: نعم. وقال علي بن سعيد (¬5): سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن شهادة المرأة الواحدة في الرضاع أتجوز (¬6)؟ قال: تجوز على حديث عقبة بن الحارث (¬7). وقال إبراهيم بن الحارث: قيل لأحمد: شهادة المرأة الواحدة في ¬
الرضاع تجوز؟ قال: نعم (¬1). وكذلك قال في رواية الحسن (¬2) بن ثواب (¬3)، ومحمد بن الحسن (¬4)، وأبي طالب (¬5)، وابن منصور (¬6)، ومهنا (¬7)، وحرب (¬8)، واحتج بحديث عقبة بن الحارث (¬9) هذا، وقال: هو حجة في شهادة ¬
العبد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز شهادتها وهي أمة (¬1). وقال أبو الحارث (¬2): سألت أحمد عن شهادة القابلة؟ فقال: هو موضع لا يحضره الرجال، ولكن إن كن اثنتين أو ثلاثًا (¬3) فهو أجود. وقال في رواية إبراهيم بن هاشم (¬4) - وقد سئل عن قول القابلة: أيقبل؟ - قال: كلما كثر كان أعجب إلينا: ثلاث، أو أربع. وقال سندي (¬5): سألت أحمد عن شهادة امرأتين في الاستهلال؟ فقال: يجوز، إن هذا شيء لا ينظر إليه الرجال (¬6). وقال مهنا: سألت أحمد عن شهادة القابلة وحدها في استهلال الصبي؟ فقال: لا تجوز شهادتها وحدها (¬7). وقال لي أحمد بن حنبل: قال أبو حنيفة: تجوز شهادة القابلة وحدها، وإن كانت يهودية أو ¬
نصرانية (¬1). فسألت أحمد فقلت: هو كما قال أبو حنيفة؟ فقال: أنا لا أقول تجوز شهادة واحدة مسلمة، فكيف أقول يهودية؟ (¬2) واختلفت الرواية عنه في الاستهلال: هل يكتفى فيه بواحدة أم لا بد من اثنتين؟ وكذلك الولادة (¬3). قال أحمد بن القاسم: سئل أحمد عن شهادة المرأة في الولادة وا لاستهلال، هل تجوز امرأة أو امرأتان؟ قال: امرأتان فأكثر، وليست الواحدة مثل الاثنتين (¬4). وقد قال عطاء: أربع (¬5)، ولكن امرأتان تقبل في مثل هذا، إذا كان أمر النساء (¬6) مما لا يجوز أن يراه الرجال. وقال أحمد بن أبي عبيدة (¬7): إن أبا عبد الله قيل له: فالشهادة على ¬
الاستهلال؟ قال: أحب إلي أن تكون امرأتين (¬1). وقال حرب (¬2): سئل أحمد، قيل له: الشهادة على استهلال الصبي؟ قال: لا إلا أن تكون امرأتين. وكذلك كل شيء لا يطلع عليه الرجال لا تعجبه شهادة امرأة واحدة، حتى تكون امرأتين. وقال أبو طالب: قلت لأحمد: ما تقول في شهادة القابلة تشهد بالاستهلال؟ فقال: تقبل شهادتها؛ هذا (¬3) ضرورة. قال: ويقبل قول المرأة الواحدة. وقال هارون الحمال (¬4): سمعت أبا عبد الله يذهب إلى أنه تجوز شهادة القابلة وحدها، فقيل له: إذا كانت مرضية؟ فقال: لا يكون إلا هكذا. ¬
وقال إسحاق بن منصور (¬1): قلت لأحمد: هل تجوز شهادة المرأة؟ قال: شهادة المرأة (¬2) في الرضاع والولادة فيما لا يطلع عليه الرجال، قال (¬3): وأجوّز شهادة امرأة واحدة إذا كانت ثقة، فإن كان أكثر فهو أحب إليَّ. وقال إسماعيل بن سعيد (¬4): سألت أحمد: هل تقبل شهادة الذمية على الاستهلال؟ قال: لا، وتقبل شهادة المرأة الواحدة إذا كانت مسلمة عدلة (¬5). ¬
الحديثان الواردان في هذا الباب
فصل وفي هذا الباب حديثان وأثر وقياس: فأحد الحديثين: متفق على صحته، وهو حديث عقبة بن الحارث (¬1) وقد تقدم (¬2). والحديث الثاني: رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما من حديث أبي عبد الرحمن المدائني (¬3) - مجهول - عن الأعمش عن أبي وائل (¬4) عن حذيفة: "أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَجازَ شَهَادَةَ القَابِلَةِ" (¬5). ¬
أثر علي رضي الله عنه في شهادة القابلة
وأما الأثر: فقال مهنا: سألت أحمد عن حديث علي - رضي الله عنه -: "أنه أجاز شهادة القابلة" (¬1) عمن هو؟ فقال: هو عن شعبة عن جابر الجعفي عن عبد الله بن نُجَيّ (¬2) عن علي. قلت: ورواه الثوري عن جابر (¬3). وقال الشافعي: لو ثبت عن علي صرنا إليه، ولكنه لا يثبت عنه (¬4). وتناظر الشافعي ومحمد بن الحسن (¬5) في هذه المسألة بحضرة ¬
الرشيد، فقال الشافعي: بأي شيء قضيت بشهادة القابلة وحدها، حتى ورثت من خليفة ملك الدنيا مالًا عظيمًا؟ قال: بعلي (¬1) بن أبي طالب. قال الشافعي: فقلت: فعلي إنما روى عنه رجل مجهول، يقال له: عبد الله بن نُجيّ (¬2)، وروى عن عبد الله: جابرٌ الجعفي، وكان يؤمن بالرجعة (¬3). قال البيهقي (¬4): وقد روى سويد بن عبد العزيز (¬5)، عن ¬
غيلان (¬1) بن جامع، عن عطاء بن أبي (¬2) مروان عن أبيه (¬3)، عن علي، - وسويد هذا ضعيف -، قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: لو صحت شهادة القابلة عن علي لقلنا به، ولكن في إسناده خلل (¬4). قلت: وقد رواه أبو عبيد، حدثنا ابن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى الثعلبي (¬5)، عن محمد بن الحنفية، عن علي (¬6). ¬
المنقول عن الصحابة في هذا الباب
ورواه عن (¬1) الحسن (¬2) وإبراهيم النخعي (¬3) وحماد بن أبي سليمان (¬4)، والحارث العكلي (¬5) والضحاك (¬6). وقد روي عن علي ما يدل على أنه لا يكتفي بشهادة المرأة الواحدة. قال أبو عبيد: يروى (¬7) عن علي بن أبي طالب: "أن رجلًا أتاه، فأخبره أن امرأة أتته، فذكرت أنها أرضعته وامرأته، فقال: ما كنت لأفرق بينك وبينها، وأن تنزَّه خير لك، قال: نعم. ثم أتى ابن عباس فسأله؟ فقال له مثل ذلك" (¬8). ¬
قال: تحدثون عن ذلك بهذا عن حكام (¬1) بن صالح عن فائد (¬2) بن بكر (¬3) عن علي وابن عباس (¬4)، حدثني علي بن معبد عن عبد الله (¬5) بن ¬
عمرو (¬1)، عن الحارث الغنوي (¬2): "أن رجلًا من بني عامر تزوج امرأة من قومه، فدخلت عليهما امرأة، فقالت: الحمد لله، والله لقد أرضعتكما، وإنكما لابناي، فانقبض كل واحد منهما عن صاحبه، فخرج الرجل حتى أتى المغيرة بن شعبة، فأخبره بقول المرأة، فكتب فيه إلى عمر، فكتب عمر (¬3): أن ادع الرجل والمرأة، فإن كان لها بينة على ما ذكرت ففرق بينهما، وإن لم يكن لها بينة فخل بين الرجل وبين امرأته، إلا أن يتنزّها؛ ولو فتحنا هذا الباب للناس (¬4) لم تشأ امرأة أن تفرق بين اثنين إلا فعلت" (¬5). حدثنا عبد الرحمن (¬6)، عن سفيان (¬7) قال: سمعت زيد بن ¬
أسلم (¬1) يحدث: "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يجز شهادة امرأة في الرضاع" (¬2). حدثنا هشيم (¬3)، أخبرنا (¬4) ابن أبي ليلى (¬5) وحجاج (¬6) عن عكرمة بن خالد (¬7): "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أُتي في امرأة شهدت على رجل وامرأته أنها قد أرضعتهما، فقال: لا، حتى يشهد رجلان، أو رجل وامرأتان" (¬8). ¬
أقوال أهل العلم في هذا الباب
قال أبو عبيد: وهذا قول أهل العراق (¬1). وكان الأوزاعي - رحمه الله - يأخذ بالقول الأول (¬2)، وأما مالك - رحمه الله - فإنه كان يقبل فيه شهادة امرأتين (¬3). قال أبو عبيد (¬4): أبو حنيفة وأصحابه (¬5) يقبلون شهادة النساء منفردات (¬6) فيما لا يطلع عليه الرجال، كالولادة والبكارة وعيوب النساء، ويقبلون فيه شهادة امرأة واحدة. قالوا: لأنه لا بد من ثبوت هذه الأحكام، ولا يمكن للرجال (¬7) ¬
الاطلاع عليها، وإنما يطلع عليها النساء على الانفراد (¬1)، فوجب قبول شهادتهن على الانفراد. قالوا: وتقبل فيه (¬2) شهادة الواحدة (¬3)؛ لأن ما قبل فيه قول النساء على الانفراد لم يشترط فيه العدد، كالرواية. قالوا: وأما استهلال الصبي، فتقبل شهادة المرأة فيه بالنسبة إلى الصلاة على الطفل، ولا تقبل بالنسبة إلى الميراث، وثبوت النسب عند أبي حنيفة، وعند صاحبيه يقبل أيضًا؛ لأن الاستهلال صوت يكون عقيب الولادة، وتلك حالة لا يحضرها الرجال، فدعت الضرورة إلى قبول شهادتهن. وأبو حنيفة بَعض (¬4) أحكام الشهادة، وأثبت الصلاة (¬5) عليه بشهادة المرأة الواحدة احتياطا، ولم يثبت الميراث والنسب بشهادتها احتياطًا (¬6). قالوا: وأما الرضاع: فلا تقبل فيه شهادة النساء منفردات (¬7)؛ لأن ¬
الحرمة متى ثبتت ترتب عليها زوال ملك النكاح، وإبطال الملك لا يثبت إلا بشهادة الرجال. قالوا: ولأنه مما يمكن اطلاع الرجال عليه. وقال الشافعي: لا يقبل في ذلك كله أقل من أربع نسوة، أو رجل وامرأتين (¬1). قال أبو عبيد: فأما الذين قالوا تقبل شهادة الواحدة في الرضاعة، فإنهم أحلوا الرضاع محل سائر أمور النساء التي لا يطلع عليها (¬2) الرجال، كالولادة والاستهلال ونحوهما. وأما الذين أخذوا بشهادة الرجلين، أو الرجل والمرأتين فإنهم رأوا أن الرضاعة ليست كالفروج التي لا حظ للرجال في مشاهدتها، وجعلوها من ظاهر أمور النساء، كالشهادة على الوجوه. والذين أجازوها بالمرأتين ذهبوا إلى أن الرضاعة - وإن لم يكن النظر في التحريم كالعورات - فإنها لا تكون إلا بظهور الثدي والنحور، وهذه من محاسن النساء التي قد جعل الله فرضها الستر على (¬3) الرجال الأجانب، فجعلوا المرأتين في ذلك كالرجلين في سائر الشهادات (¬4). ¬
قال أبو عبيد: والذي عندنا في هذا: اتباع السنة فيما يجب على الزوج عند ورود ذلك، فإذا شهد به عنده المرأة الواحدة بأنها قد أرضعته وزوجته فقد لزمته الحجة من الله في اجتنابها، ووجب عليه مفارقتها، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمستفتي في ذلك: "دَعْهَا عَنْكَ" (¬1). وليس لأحد أن يفتي بغيره (¬2)، إلا أنه لم يبلغنا أنه - صلى الله عليه وسلم - حكم بينهما بالتفريق حكمًا، مثل ما سن (¬3) في المتلاعنين (¬4)، ولا أمر (¬5) فيه بالقتل، كالذي تزوج امرأة أبيه (¬6)، ولكنه غلظ عليه في الفتيا. ¬
فنحن ننتهي إلى ما انتهى إليه، فإذا شهدت معهما (¬1) امرأة أخرى فكانتا اثنتين (¬2)، فهناك يجب التفريق بينهما في الحكم، وهو عندنا معنى قول عمر: "إنه لم يجز شهادة المرأة الواحدة في الرضاع" (¬3) وإن كان مرسلًا عنه، فإنه أحب إلينا من الذي فيه ذكر الرجلين، أو الرجل والمرأتين، لما حظر على الرجال من النظر إلى محاسن النساء. وعلى هذا يوجه حديث علي وابن عباس (¬4) - رضي الله عنهما - في المرأة الواحدة، إذ لم يوقتا فوق ذلك وقتًا، فأدنى (¬5) ما يكون بعد الواحدة إلا اثنتان من النساء (¬6)، والله أعلم. قال أبو عبيد: حدثنا حجاج (¬7)، عن ابن جريج (¬8)، عن أبي ¬
قبول شهادة الرجل الواحد من غير يمين عند الحاجة
بكر بن أبي سبرة (¬1)، عن موسى بن (¬2) عقبة (¬3)، أخبره عن القعقاع بن حكيم (¬4)، عن ابن عمر قال: "لا تجوز شهادة النساء وحدهن، إلا على ما لا يطلع عليه إلا هن من عورات النساء، وما أشبه ذلك من حملهن وحيضهن" (¬5). فصل وقد صرح الأصحاب (¬6): أنه تقبل شهادة الرجل الواحد من ¬
شهادة الطبيب والبيطار
غير (¬1) يمين عند الحاجة، وهو الذي نقله الخرقي في "مختصره" (¬2)، فقال: وتقبل شهادة الطبيب العدل في الموضحة (¬3)، إذا لم يقدر على طبيبين، وكذلك البيطار في داء الدابة. قال الشيخ في "المغني" (¬4): إذا اختلفا في الجُرح: هل هو موضحة، أم لا؟ أو في قدره، كالهاشمة (¬5) والمنقلة (¬6) والمأمومة (¬7) والسمحاق (¬8) أو غيرها، أو اختلفا في داء يختص بمعرفته الأطباء، أو داء الدابة. فظاهر كلام الخرقي: أنه إذا قدر على طبيبين أو بيطارين لا يجتزئُ (¬9) بواحد ¬
منهما (¬1)؛ لأنه مما يطلع عليه الرجال، فلم تقبل فيه شهادة رجل واحد كسائر الحقوق (¬2)، وإن لم يقدر على (¬3) اثنين أجزأ واحد، [لأنها حالة ضرورة] (¬4)، فإنه لا يمكن كل أحد أن يشهد به؛ لأنه مما يختص به أهل الخبرة من أهل الصنعة، فيجعل بمنزلة العيوب تحت الثياب، تقبل فيه المرأة الواحدة، فقبول قول الرجل في هذا (¬5) أولى (¬6). وقال صاحب "المحرر": ويقبل في معرفة الموضحة وداء الدابة ونحوها طبيب واحد (¬7) وبيطار واحد، إذا لم يوجد غيره، نص عليه (¬8). ¬
فصل في القضاء بالنكول ورد اليمين
فصل في القضاء بالنكول ورد اليمين وقد اختلفت الآثار في ذلك، فروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله: "أن عبد الله بن عمر باع غلامًا له بثمانمائة درهم، وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر: بالغلام داء لم تسمه؟ فاختصموا إلى عثمان بن عفان فقال: بعتني عبدًا به داء لم تسمه لي (¬1). فقال عبد الله بن عمر: إني بعته بالبراءة (¬2). فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - باليمين، أن يحلف له: لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف له، وارتجع العبد، فباعه عبد الله بن عمر بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم" (¬3) وفي طريقٍ أخرى أنه لما أبى أن يحلف حكم عليه عثمان بالنكول (¬4). قال أبو عبيد: وحكم عثمان على ابن عمر في العبد الذي كان باعه بالبراءة، فرده عليه عثمان حين نكل عن اليمين، ثم لم ينكر ذلك ابن عمر من حكمه ورآه له لازمًا. فهل يوجد إمامان أعلم بسنة رسول الله ¬
- صلى الله عليه وسلم - وبمعنى حديثه منهما - رضي الله عنهما -، فذهب إلى ذلك أبو حنيفة (¬1) وأحمد (¬2) في المشهور من مذهبه. وأما رد اليمين: فقال أبو عبيد: حدثونا (¬3) عن مسلمة (¬4) بن علقمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي: "أن المقداد استسلف من عثمان سبعة آلاف درهم. فلما قضاها أتاه بأربعة آلاف، فقال عثمان: إنها سبعة، فقال المقداد: ما كانت إلا أربعة، فلم يزالا حتى ارتفعا إلى عمر، فقال المقداد: يا أمير المؤمنين، ليحلف أنها كما يقول، وليأخذها. فقال عمر: أنصفك، احلف أنها كما تقول وخذها" (¬5). ¬
قال أبو عبيد: فهذا عمر قد حكم برد اليمين، ورأى ذلك المقداد ولم ينكره عثمان، فهؤلاء ثلاثة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عملوا برد اليمين. حدثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن قال: كان شريح يقضي برد اليمين (¬1). وحدثنا يزيد (¬2)، عن هشام (¬3)، عن ابن سيرين، عن شريح: أنه كان إذا قضى على رجل باليمين، فردها على الطالب (¬4)، فلم يحلف: لم يعطه شيئًا، ولم يستحلف الآخر (¬5). وحدثنا عباد بن العوام، عن أشعث (¬6)، عن الحكم بن عتيبة (¬7)، ¬
قول أبي عبيد
عن عون بن (¬1) عبد الله بن عتبة: أن أباه كان إذا قضى على رجل باليمين، فردها على الذي يدعي، فأبى أن يحلف: لم يجعل له شيئًا، وقال: لا أعطيك ما لا تحلف عليه (¬2). قال أبو عبيد: على (¬3) أن رد اليمين له أصل في الكتاب والسنة. فالذي في الكتاب: قول الله تعالى: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106]، ثم قال: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: 107، 108]. وأما السنة: فحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القسامة بالأيمان على المدعين، فقال: "تَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ بأَنْ يُقْسِم مِنْكُم خَمْسُونَ: أنَّ يَهُودَ قَتَلتْهُ". فقالوا: كيف نقسم علىَ شيء لم نحضره؟ قال: "فَيَحْلِف لَكُمْ خَمْسُونَ مِنْ يَهُود مَا قَتَلُوهُ" (¬4) قال: فردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الآخرين، بعد أن حكم بها للأولين. فهذا هو الأصل في رد اليمين. ¬
قول شيخ الإسلام ابن تيمية
قلت: وهذا مذهب الشافعي (¬1)، ومالك (¬2)، وصوبه الإمام أحمد (¬3) - رضي الله عنهم -. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله ورضي عنه -: وليس المنقول عن الصحابة - رضي الله عنهم - في النكول ورد اليمين بمختلف، بل هذا له موضع، وهذا له موضع، فكل موضع أمكن المدعي معرفته والعلم به فرد المدعى عليه اليمين، فإنه إن حلف استحق، وإن لم يحلف لم يحكم له بنكول المدعى عليه. وهذا كحكومة عثمان والمقداد - رضي الله عنهما -، فإن المقداد قال لعثمان: "احلف أن الذي دفعته إليَّ كان سبعة آلاف وخذها" (¬4) فإن المدعي هنا يمكنه معرفة ذلك والعلم به، كيف وقد ادعى به؟ فإذا لم يحلف لم يحكم له إلا ببينة أو إقرار. وأما إذا كان المدعي لا يعلم ذلك، والمدعى عليه هو المنفرد بمعرفته، فإنه إذا نكل عن اليمين حكم عليه بالنكول، ولم ترد على ¬
إذا وجد بخط أبيه في دفتره: أن له على فلان كذا وكذا
المدعي، كحكومة عبد الله بن عمر وغريمه في الغلام. فإن عثمان قضى عليه "أن يحلف أنه باع الغلام وما به داء يعلمه" (¬1) وهذا يمكن أن يعلمه البائع، فإنه إنما استحلفه على نفي العلم: أنه لا يعلم به داء، فلما امتنع من هذه اليمين قضى عليه بنكوله (¬2). وعلى هذا: إذا وجد بخط أبيه في دفتره: أن له (¬3) على فلان كذا وكذا، فادعى به عليه، فنكل، وسأله إحلاف المدعي: أن أباه أعطاني هذا، أو أقرضني إياه، لم ترد عليه اليمين، فإن (¬4) حلف المدعى عليه، وإلا قضي عليه بالنكول؛ لأن المدعى عليه يعلم ذلك. وكذلك لو ادعى عليه: أن فلانًا أحالني عليك بمائة، فأنكر المدعى عليه ونكل عن اليمين، وقال للمدعي (¬5): أنا لا أعلم أن فلانًا أحالك، ولكن احلف وخذ، فها هنا إن لم يحلف لم يحكم له بنكول المدعى عليه. وهذا الذي اختاره شيخنا - رحمه الله - هو فصل النزاع في النكول ورد اليمين، وبالله التوفيق. ¬
فصل في مذاهب أهل المدينة في الدعاوى
فصل في مذاهب أهل المدينة في الدعاوى (¬1). وهو من أسدِّ المذاهب وأصحها. وهي عندهم ثلاث مراتب (¬2): المرتبة الأولى: دعوى يشهد لها العرف بأنها مشبهة، أي تشبه أن تكون حقًّا. المرتبة الثانية: ما يشهد العرف بأنها غير مشبهة، إلا أنه لم يقض بكذبها. المرتبة الثالثة: دعوى يقضي العرف بكذبها. فأما المرتبة الأولى: فمثل (¬3) أن يدعي سلعة معينة بيد رجل، أو يدعي غريب وديعة عند غيره، أو يدعي مسافر أنه أودع أحد رفقته، وكالمدعي على صانع منتصب للعمل أنه دفع إليه متاعًا يصنعه، والمدعي على بعض أهل الأسواق المنتصبين للبيع والشراء أنه باع (¬4) منه أو اشترى، وكالرجل يذكر في مرض موته أن له دينًا قبل رجل، ويوصي أن يتقاضى (¬5) منه فينكره، وما أشبه هذه المسائل. فهذه الدعوى تسمع من مدعيها، وله أن يقيم البينة على مطابقتها، ¬
المرتبة الثانية: ما يشهد العرف بأنها غير مشبهة
أو (¬1) يستحلف المدعى عليه، ولا يحتاج في (¬2) استحلافه إلى إثبات خُلطة (¬3) (¬4). وأما المرتبة الثانية: فمثل أن يدعي على رجل دينًا في ذمته، ليس داخلًا في الصور المتقدمة، أو يدعي على رجل معروف بكثرة المال أنه اقترض منه مالًا ينفقه على عياله، أو يدعي على رجل لا معرفة بينه وبينه ألبتة أنه أقرضه أو باعه شيئًا بثمن في ذمته إلى أجل ونحو ذلك. فهذه الدعوى تسمع، ولمدعيها أن يقيم البينة على مطابقتها. قالوا: ولا يملك استحلاف المدعى عليه على نفيها إلا بإثبات خلطة بينه وبينه (¬5). قال ابن القاسم (¬6): والخلطة أن يسالفه، أو يبايعه، أو يشتري منه ¬
مرارًا (¬1). وقال سحنون (¬2): لا تكون الخلطة إلا بالبيع والشراء بين المتداعيين (¬3). قالوا (¬4): فينظر إلى دعوى المدعي، فإن كانت تشبه أن يدعي بمثلها على المدعى عليه أُحْلِفَ له، وإن كانت مما لا تشبه، وينفيها العرف لم يحلف إلا أن يبين المدعي خلطة (¬5). قالوا: فإن لم تكن خلطة، وكان المدعى عليه (¬6) متهمًا، فقال ¬
المرتبة الثالثة: دعوى يقضي العرف بكذبها
سحنون: يستحلف المتهم، وإن لم تكن خلطة، وقال غيره: لا يستحلف (¬1). وتثبت الخلطة عندهم بإقرار المدعى عليه بها وبالشاهدين، والشاهد واليمين، والرجل الواحد، والمرأة الواحدة (¬2). قالوا (¬3): وأما المرتبة الثالثة فمثالها: أن يكون رجل حائزًا لدار، متصرفًا فيها السنين الطويلة بالبناء والهدم والإجارة والعمارة، وينسبها إلى نفسه، ويضيفها إلى ملكه، وإنسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة، وهو مع ذلك لا يعارضه فيها، ولا يذكر أن له فيها حقًّا ولا مانع يمنعه من مطالبته من خوف سلطان، أو ما أشبه ذلك من الضرر المانع من المطالبة بالحقوق، ولا بينه وبين المتصرف في الدار قرابة ولا شركة في ميراث، أو ما أشبه ذلك مما تتسامح به (¬4) القرابات والصهر بينهم، بل كان عريًّا عن (¬5) جميع ذلك. ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعيها لنفسه، ويزعم أنها له، ويريد أن يقيم بينة بذلك، فدعواه غير مسموعة أصلًا، فضلًا عن بينته، وتبقى الدار بيد حائزها؛ لأن كل ¬
دعوى المرأة أن زوجها لم يكن ينفق عليها
دعوى يكذبها العرف وتنفيها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة، قال الله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} (¬1) [الأعراف: 199]، وقد أوجبت الشريعة الرجوع إليه (¬2) عند الاختلاف في الدعاوى، كالنقد والحمولة والسير، وفي الأبنية ومعاقد القمط (¬3)، ووضع الجذوع على الحائط وغير ذلك (¬4). قالوا: ومثل ذلك: أن تأتي المرأة بعد سنين متطاولة تدعي على الزوج أنه لم يكسها في شتاء ولا صيف (¬5)، ولا أنفق عليها شيئًا ألبتة، فهذه الدعوى لا تسمع لتكذيب العرف والعادة لها، ولا سيما إذا كانت فقيرة والزوج موسرًا (¬6). ومن ذلك: قول (¬7) القاضي عبد الوهاب (¬8) في رده على ¬
المدعى عليه لا يحلف للمدعي بمجرد دعواه عد مالك
المزني (¬1): مذهب مالك أن المدعى عليه لا يحلف للمدعي (¬2) بمجرد دعواه، دون أن ينضم إليها علم بمخالطة بينهما أو معاملة (¬3). قال شيخنا أبو بكر (¬4): أو تكون الدعوى تليق بالمدعى عليه، لا يتناكرها الناس، ولا ينفيها عرف (¬5). قال (¬6): وهذا مروي عن علي بن أبي طالب (¬7) (¬8) - رضي الله ¬
صعوبة اليمين وثقلها على كثير من الناس
عنه -، وعمر بن عبد العزيز (¬1)، وعن فقهاء المدينة السبعة (¬2). قال: والدليل على صحته: أنه قد ثبت وتقرر أن الإقدام على اليمين يصعب ويثقل على كثير من الناس، سيما على أهل الدين وذوي المراتب والأقدار، وهذا أمر معتاد بين الناس على ممر (¬3) الأعصار، لا يمكن جحده. وكذلك روي عن جماعة من الصحابة: أنهم افتدوا أيمانهم، منهم: عثمان (¬4)، وابن مسعود وغيرهما (¬5) - رضي الله عنهما -، وإنما فعلوا ذلك لمروءتهم، ولئلا يسبق الظلمة (¬6) إليهم إذا حلفوا، فمن ¬
يعادي الحالف، ويحب الطعن عليه، يجد طريقًا إلى ذلك، لعظم شأن اليمين وعظم خطرها، ولذا جعلت بالمدينة عند المنبر (¬1)، وأن يكون ما يحلف عليه عنده مما له حرمة، كربع دينار فصاعدًا (¬2)، فلو مكن كل مدع أن يحلف المدعى عليه بمجرد دعواه لكان ذلك (¬3) ذريعة إلى امتهان أهل المروءات وذوي الأقدار والأخطار والديانات لمن يريد التشفي منهم؛ لأنه لا يجد أقرب ولا أخف كلفة (¬4) من أن يقدم الواحد منهم من يعاديه من أهل الدين والفضل إلى مجلس الحاكم ليدعي عليه ما يعلم أنه لا ينهض به، أو لا يعترف (¬5)، ليتشفى منه بتبذله وإحلافه (¬6)، وأن يراه الناس بصورة من أقدم على اليمين عند الحاكم (¬7)، ومن يريد أن يأخذ من أحد (¬8) من هؤلاء شيئًا على طريق الظلم والعدوان وجد إليه سبيلًا، لعله أن يفتدي يمينه منه، لئلا ينقص ¬
قدره في أعين الناس، وكلا الأمرين موجود (¬1) في الناس اليوم (¬2). قال: وقد (¬3) شاهدنا من ذلك كثيرًا، وحضرناه، وأصابنا (¬4) بعضه، فكان (¬5) ما ذهب إليه مالك ومن تقدمه (¬6) من الصحابة (¬7) والتابعين (¬8) حراسة لمروءات الناس، وحفظًا لها من الضرر اللاحق بهم، والأذى المتطرق إليهم. فإذا قويت دعوى المدعي بمخالطة أو معاملة ضعفت التهمة، وقوي في النفس أن مقصوده غير ذلك، فأُحلف له، ولهذا لم نعتبر ذلك في الغريبين؛ لأن الغربة لا تكاد تلحق المروءة فيها ما يلحقها في الوطن. فإن قيل: فيجب ألا يُحضره مجلس الحاكم أيضًا؛ لأن في ذلك امتهانًا له وابتذالًا. قيل له: حضوره مجلس الحاكم لا عار فيه، ولا نقص يلحق من ¬
حضوره؛ لأن الناس يحضرونه ابتداءً في حوائج لهم ومهمات، وإنما العار الإقدام على اليمين، لما ذكرناه. وأيضًا؛ فإنه يُمكَّن المدعي من إحضاره، لعله يقيم عليه البينة، ولا يقطعه عن حقه. فإن قيل: فاليمين الصادقة لا عار فيها، وقد حلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وغيره من السلف، وقال لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - لما بلغه أنه افتدى يمينه: "ما منعك أن تحلف إذا كنت صادقًا؟ " (¬1). قيل: مكابرة (¬2) العادات لا معنى لها، وأقرب ما يبطل به قولهم: ما ذكرناه من افتداء كثير من الصحابة والسلف أيمانهم، وليس ذلك إلا لصرف الظلمة عنهم، وألا تتطرق إليهم تهمة، وما روي عن عمر إنما هو لتقوية نفس عثمان، وأنه إذا حلف صادقًا فهو مصيب في الشرع؛ ليضعف بذلك نفوس من يريد الإعنات، ويطمع في أموال الناس بادعاء المحال؛ ليفتدوا أيمانهم منهم بأموالهم. وأيضًا: فإن أرادوا أن (¬3) اليمين الصادقة لا عار فيها عند الله تعالى فصحيح، ولكن ليس كل ما لم يكن عارًا عند الله تعالى لم يكن عارًا في ¬
العادة، وهم يعللون منع إنكاح الابن أمه بأن عليه عارًا في ذلك (¬1)، ونحن نعلم أن المباح لا عار فيه عند الله تعالى، هذا إذا علم كون اليمين صدقًا، وكلامنا في يمين مطلقة لا يعلم باطنها. قال: ودليل آخر، وهو أن الأخذ بالعرف واجب، لقوله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199]. ومعلوم أن من كانت دعواه ينفيها العرف، فإن الظن سبق إليه في دعواه (¬2) بالبطلان، كبقال يدعي على خليفة أو أمير ما لا يليق بمثله شراؤه، أو تطرق تلك الدعوى عليه (¬3). قلت: ومما يشهد لذلك ويقويه قول عبد الله بن مسعود الذي رواه عنه الإمام أحمد وغيره - وهو ثابت (¬4) عنه -: "إن الله نظر في قلوب العباد، فرأى قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد، فاختاره لرسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعده، فرأى قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فاختارهم لصحبته، فما رآه المؤمنون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون قبيحًا فهو عند الله قبيح" (¬5). ¬
ولا ريب أن المؤمنين - بل وغيرهم - يرون من القبيح أن تسمع دعوى البقال على الخليفة الأمير أنه باعه بمائة ألف دينار أو نحوها (¬1) ولم يوفه إياها، أو أنه اقترض منه ألف دينار أو نحوها (¬2)، أو أنه تزوج ابنته الشوهاء، ودخل بها، ولم يعطها مهرها. أو تدعي امرأة مكثت (¬3) مع الزوج ستين سنة أو نحوها: أنه لم ينفق عليها يومًا واحدًا، ولا كساها خيطًا، وهو يشاهد داخلًا وخارجًا إليها بأنواع الطعام والفواكه فتسمع دعواها ويحلف لها، ويحبس على ذلك كله. أو تسمع دعوى الذاعر الهارب وبيده عمامة لها ذؤابة، وعلى رأسه عمامة، وخلفه عالم مكشوف الرأس، فيدعي الذاعر أن العمامة له، فتسمع دعواه، ويحكم له بها بحكم اليد. أو يدعي رجل معروف بالفجور وأذى الناس على رجل مشهور بالديانة والصلاح أنه نقب بيته وسرق متاعه، فتسمع دعواه ويستحلف له، فإن نكل قضي عليه. أو يدعي رجل على رجل مشهور بالخير والدين أنه تعرض لزوجته أو ولده أو لقريبه بكلام قبيح أو فعل، فلا تسمع دعواه ويُعزر المدعي بذلك (¬4). أو يدعي رجل ¬
جواب ابن تيمية على سؤال: هل السياسة بالضرب والحبس للمتهمين في الدعاوى وغيرها من الشرع أم لا؟
معروف بالشحاذة وسؤال الناس أنه أقرض تاجرًا من أكابر التجار مائة ألف دينار، أو أنه غصبها منه، أو أن ثياب التاجر التي هي عليه ملك الشحاذ شلحه إياها، أو غصبها منه. ونحو ذلك من الدعاوى التي شهد الناس بفطرهم وعقولهم أنها من أعظم الباطل؛ فهذه لا تسمع، ولا يُحلَّف فيها المدعى عليه، ويُعزر المدعي تعزير أمثاله. وهذا الذي تقتضيه الشريعة التي مبناها على الصدق والعدل، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] فالشريعة المنزلة من عند الله لا تصدق كاذبًا، ولا تنصر ظالمًا. فصل (¬1) ورأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله ورضي الله عنه - في ذلك جواب سؤال: هل السياسة بالضرب والحبس للمتهمين في الدعاوى وغيرها من الشرع أم لا؟ وإذا كانت من الشرع فمن يستحق ذلك، ومن لا يستحقه؟ وما قدر الضرب ومدة الحبس؟ فأجاب (¬2): الدعاوى التي يحكم فيها ولاة الأمور - سواء سموا قضاة، أو ولاة، أو ولاة الأحداث (¬3)، أو ولاة المظالم (¬4)، أو غير ¬
الدعوى قسمان
ذلك من الأسماء العرفية الاصطلاحية -، فإن حكم الله تبارك وتعالى شامل لجميع الخلائق، وعلى كل من ولي أمرًا من أمور الناس، أو حكم بين اثنين أن يحكم بالعدل فيحكم بكتاب الله وسنة رسوله وهذا هو الشرع المنزل من عند الله تعالى، قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء: 58]، وقال تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48]. فالدعاوى قسمان: دعوى تهمة، ودعوى غير تهمة. فدعوى التهمة: أن يُدَّعى فعل محرم على المطلوب، يوجب عقوبته، مثل قتل، أو قطع الطريق، أو سرقة، أو غير ذلك من العدوان الذي يتعذر إقامة البينة عليه في غالب الأحوال. وغير التهمة: أن يدعي عقدًا من بيع أو قرض أو رهن أو ضمان، أو غير ذلك. وكل من القسمين قد يكون حدًّا محضًا، كالشرب والزنا، وقد يكون حقًّا محضًا لآدمي، كالأموال، وقد يكون متضمنًا للأمرين، كالسرقة وقطع الطريق. فهذا القسم إن أقام عليه المدعي (¬1) حجة ¬
شرعية، وإلا فالقول قول المدعى عليه مع يمينه. لما روى مسلم في "صحيحه" (¬1) عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ اليَمِيْنَ عَلَى المُدَّعَىَ عَلَيْه"، وفي رواية في "الصحيحين" (¬2) عنه: "قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِاليَمِيْنِ عَلىَ المُدَّعَى عَلَيْهِ". فهذا الحديث نص أن (¬3) أحدًا لا يعطى بمجرد دعواه، ونص في أن الدعوى المتضمنة للإعطاء فيها اليمين ابتداءً على المدعى عليه وليس فيها أن الدعاوى الموجبة للعقوبات لا توجب اليمين إلا على المدعى عليه. بل قد ثبت عنه (¬4) في "الصحيحين" (¬5) في قصة القسامة: أنه قال لمدعي الدم: "تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ، فَقَالوا: كَيف نحلف، ولم نشهد، ولم نر؟ قال: فَتُبَرِّئُكُمْ يَهودُ بَخَمْسِينَ يَمِينًا". وثبت في "صحيح مسلم" (¬6) عن ابن عباس: "أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَضَى ¬
الجواب عن حديث: البينة على المدعي واليمين على من أنكر
بِيَمين وَشَاهِدٍ". وابن عباس هو الذي روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه قضى بَاليمين على المدعى عليه" (¬1)، وهو الذي روى: "أنه قضى باليمين والشاهد" ولا تعارض بين الحديثين، بل هذا في دعوى، وهذا في دعوى. وأما الحديث المشهور على ألسنة الفقهاء: "البَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى (¬2) وَاليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ" (¬3) فهذا قد روي، ولكن ليس إسناده في الصحة والشهرة مثل غيره، ولا رواه عامة أصحاب السنن المشهورة، ولا قال بعمومه أحد من علماء الأمة، إلا طائفة من فقهاء الكوفة، مثل أبي حنيفة وغيره (¬4)، فإنهم يرون اليمين دائمًا في (¬5) جانب المنكر، حتى في القسامة (¬6)، يحلفون المدعى عليه، ولا يقضون بالشاهد واليمين (¬7)، ولا يردون اليمين على المدعي عند النكول (¬8)، واستدلوا بعموم هذا الحديث. ¬
وأما سائر علماء الأمة - من أهل المدينة ومكة والشام وفقهاء الحديث وغيرهم، مثل ابن جريج (¬1) ومالك (¬2) والشافعي (¬3) والليث (¬4) وأحمد (¬5) وإسحاق (¬6) -: فتارة يحلفون (¬7) المدعى عليه، كما جاءت بذلك السنة، والأصل عندهم: أن اليمين مشروعة في أقوى الجانبين، وأجابوا عن ذلك الحديث: تارة بالتضعيف (¬8)، وتارة بأنه عام، وأحاديثهم خاصة (¬9)، وتارة بأن أحاديثهم أصح وأكثر (¬10)، فالعمل بها ¬
عند التعارض أولى. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه طلب البينة من المدعي، واليمين من المنكر" في حكومات معينة، ليست من جنس دعاوى التهم، مثل ما خرّجا في "الصحيحين" (¬1) عن الأشعث بن قيس أنه قال: "كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُل (¬2) حُكُومَةٌ فِي بِئرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَال: "شَاهِدَاكَ أوْ يَمِينُهُ"، فَقَلْتُ: إذا يَحْلِفُ وَلاَ يُبَالِي، فَقَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ (¬3) يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئ مُسْلِمٍ - هُوَ فِيهَا فَاجِر - لَقِيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضبَان"، وفي رواية فقال: "بَيَّنَتُكَ أنَّها بِئْرُكَ، وَإِلَّا فَيَمِينُهُ" (¬4). وعن وائل بن حُجر قال: جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال الذي من حضرموت: يا رسول الله، إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها، ليس له فيها حق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " قال: لا، قال: "فَلَكَ يَمِينُهُ"، فقال: يا رسول الله الرجل فاجر لا يبالي على ما ¬
البينة التي هي الحجة الشرعية
حلف عليه، وليس يتورع من شيء، فقال: "لَيسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِك"، فلما أدبر الرجل ليحلف، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ ليَأْكلَهُ ظلمًا ليَلقيَنَّ الله وَهُوَ عَنْهُ مَعْرِضٌ" رواه مسلم (¬1). ففي هذا الحديث: أنه لم يوجب على المطلوب إلا اليمين، مع ذكر المدعي لفجوره، وقال: "ليس لك منه إلا ذلك"، وكذلك في الحديث الأول، كان خصم الأشعث بن قيس يهوديًّا، هكذا جاء في "الصحيحين" (¬2)، ومع هذا لم يوجب عليه إلا اليمين. وفي حديث القسامة: "أن الأنصار قالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ " (¬3). وهذا القسم لا أعلم فيه نزاعًا أن القول فيه قول المدعى عليه مع يمينه، إذا لم يأت المدعي بحجة شرعية، وهي البينة، لكن البينة التي هي الحجة الشرعية: تارة تكون شاهدين عدلين ذكرين، وتارة تكون رجلًا وامرأتين، وتارة أربعة رجال، وتارة ثلاثة عند طائفة من العلماء (¬4)، وذلك في دعوى إفلاس من علم له مال متقدم، كما ثبت ¬
لا يقبل في بينة الإعسار أقل من ثلاثة
في "صحيح مسلم" (¬1) من حديث قبيصة بن مخارق (¬2) قال: "لَا تَحِلُّ المَسْأَلَةُ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلاَثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً (¬3)، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيْبَهَا، ثَمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ (¬4) اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيْب قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ (¬5)، حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَى مِنْ قَوْمِهِ يَقُولُون: لَقَدْ أَصَابَتْ فَلانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ المَسأَلَةُ حَتَّى يُصيبَ قوامًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سواهُنَّ يَا قَبيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا". فهذا الحديث صريح في أنه لا يقبل في (¬6) بينة الإِعسار أقل من ثلاثة، وهو الصواب الذي يتعين القول به، وهو اختيار بعض أصحابنا (¬7)، وبعض الشافعية (¬8). ¬
وتارة تكون الحجة: شاهدا ويمين الطالب
قالوا: ولأنَّ (¬1) الإعسار من الأمور الخفية التي تقوى فيها التهمة بإخفاء المال، فروعي فيها (¬2) الزيادة في البينة، وجعلت (¬3) بين مرتبة أعلى البينات ومرتبة أدنى البينات (¬4). وتارة تكون الحجة شاهدًا ويمين الطالب، وتارة تكون امرأة واحدة عند أبي حنيفة (¬5) وأحمد في المشهور عنه (¬6)، وامرأتين عند مالك (¬7) وأحمد في رواية (¬8)، وأربع نسوة عند الشافعي (¬9)، وتارة ¬
وتارة تكون: رجلا واحدا
تكون رجلًا واحدًا في داء الدابة، وشهادة الطبيب، إذا لم يوجد اثنان، كما نص عليه أحمد (¬1)، وتارة تكون لوثًا (¬2) ولطخًا (¬3) مع أيمان المدعين، كما في القسامة، وامتازت بكون الأيمان فيها خمسين؛ تغليظًا لشأن الدم، كما امتاز اللعان بكون الأيمان فيه أربعًا. والقسامة يجب فيها القود عند مالك (¬4) وأحمد (¬5) (¬6)، وتوجب ¬
وتارة تكون الحجة: نكولا فقط من غير يمين
الدية فقط عند الشافعي (¬1)، وأما أهل الرأي (¬2): فيحلفون فيها المدعى عليه خاصة، ويوجبون عليه الدية مع تحليفه (¬3). قلت: وتارة تكون الحجة نكولًا فقط من غير (¬4) رد اليمين، وتارة تكون يمينًا مردودة، مع نكول المدعى عليه، كما قضى الصحابة بهذا (¬5) وهذا، وتارة تكون علامات يصفها المدعي، يُعلم بها صدقه، كالعلامات التي يصفها من سقطت منه لقطة لواجدها، فيجب حينئذٍ الدفع إليه بالصفة عند الإمام أحمد (¬6) وغيره، ويجوز عند الشافعي (¬7)، ¬
وتارة تكون: شبفا بينا يدل على ثبوت النسب
ولا يجب، وتارة تكون شبهًا بينًا يدل على ثبوت النسب، فيجب إلحاق النسب به عند جمهور (¬1) من السلف والخلف (¬2)، كما في القافة التي اعتبرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكم بها الصحابة من بعده (¬3)، وتارة تكون علامات يختص بها أحد المتداعيين، فيقدم بها (¬4)، كما نص عليه الإمام أحمد في المكري والمكتري يتداعيان دفينًا في الدار، فيصفه أحدهما، فيكون له مع يمينه (¬5)، وتارة تكون علامات في بدن اللقيط يصفه به أحد المتداعيين، فيقدم بها، كما نص عليه أحمد (¬6)، وتارة تكون قرائن ظاهرة يحكم بها للمدعي مع يمينه، كما إذا تنازع الخياط والنجار في آلات صناعتهما، حكم بكل آلة لمن تصلح له عند الجمهور (¬7)، وكذلك إذا تنازع الزوجان متاع البيت، حكم للرجل بما ¬
يصلح له، وللمرأة بما يصلح لها (¬1)، ولم ينازع في ذلك إلا الشافعي، فإنه قسم عمامة الرجل وثيابه بينه وبين المرأة، وكذلك قسم خف المرأة وحلقها ومغزلها بينها وبين الرجل (¬2). وأما الجمهور - كمالك وأحمد وأبي حنيفة - فإنهم نظروا إلى القرائن الظاهرة والظن الغالب الملتحق بالقطع في اختصاص كل واحد منهما بما يصلح له، ورأوا أن الدعوى تترجح (¬3) بما هو دون ذلك بكثير، كاليد والبراءة والنكول، واليمين المردودة، والشاهد واليمين، والرجل والمرأتين، فيثير (¬4) ذلك ظنًّا تترجح به الدعوى، ومعلوم أن الظن الحاصل ها هنا أقوى بمراتب كثيرة من الظن الحاصل بتلك الأشياء، وهذا مما (¬5) لا يمكن جحده ودفعه. ¬
نصب الله على الحق الموجود علامات وأمارات
وقد نصب الله سبحانه على الحق الموجود والمشروع علامات وأمارات تدل عليه وتبينه، قال تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 15 - 16]، ونصب على القبلة علامات وأدلة، ونصب على الإيمان والنفاق علامات وأدلة (¬1)، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَأَيْتُم الرَّجُلَ يَعْتَادُ المَسْجدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيْمَانِ" (¬2)، فجعل اعتياد شهود المسجد من علامات الإيمان وجوز لنا أن نشهد بإيمان صاحبها، مستندين إلى تلك العلامة، والشهادة إنما تكون على القطع، فدل على أن الأمارة تفيد القطع وتسوغ الشهادة. ¬
اعتبار النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة من بعده العلامات في الأحكام
وقال: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثُ - وفي لفظ: علامة المنافق ثلاث -: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَف، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ" (¬1). وفي "السنن": "ثَلَاثٌ مِنْ عَلَامَاتِ الإيْمَانِ: الكَفُّ عَمَّن قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَالْجهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي الله إَلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ، لا يُبطلهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ، وَالإِيْمَانُ بالأَقْدارِ" (¬2). وقد نصب الله تعالى الآيات دالة عليه وعلى وحدانيته وأسمائه وصفاته، فكذلك هي دالة على عدله وأحكامه، والآية مستلزمة لمدلولها لا تنفك عنها، فحيث وجد الملزوم (¬3) وجد لازمه، فإذا وجدت آية الحق ثبت الحق، ولم يتخلف ثبوته عن آيته وأمارته، فالحكم بغيره حينئذٍ (¬4) يكون حكمًا بالباطل. وقد اعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من بعده العلامات في الأحكام، ¬
بعض النصوص التي وقع فيها الأعتبار بالعلامات
وجعلوها مبينة لها، كما اعتبر العلامات في اللقطة، وجعل صفة الواصف لها آية وعلامة على صدقه (¬1)، وأنها له، وقال لجابر: "خذ من وكيلي وسقًا (¬2)، فإن التمس منك آية، فضع يدك على ترقوته" (¬3) فنزل هذه العلامة منزلة البينة التي تشهد أنه أذن له أن يدفع إليه ذلك، كما نزل الصفة للُّقطة منزلة البينة، بل هذا نفسه بينة، إذ البينة ما تبين الحق من قول وفعل ووصف. وجعل الصحابة - رضي الله عنهم - الحبل علامة وآية على الزنا فحدوا به المرأة وإن لم تقر (¬4)، ولم يشهد عليها أربعة، بل جعلوا الحبل أصدق من الشهادة، وجعلوا رائحة الخمر وقيئه لها آية وعلامة على شربها، بمنزلة الإقرار والشاهدين (¬5). وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - نحر كفار قريش يوم بدر عشر جزائر أو تسعًا آية وعلامة على كونهم ما بين الألف والتسعمائة (¬6)، فأخبر عنهم بهذا ¬
القدر بعد ذكر هذه العلامة. وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كثرة المال وقصر مدة إنفاقه آية وعلامة على كذب المدعي لذهابه في النفقة والنوائب في قصة (¬1) حيي بن أخطب، وقد (¬2) تقدمت (¬3)، وأجاز العقوبة بناءً على هذه العلامة. واعتبر العلامة في السيف وظهور أثر الدم به في الحكم بالسلب لأحد المتداعيين، ونزل الأثر منزلة بينة (¬4). واعتبر العلامة في ولد الملاعنة، وقال: "أنظروها، فإن جاءت به كذا وكذا فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به على نعت كذا وكذا فهو للذي رميت به" (¬5)، فأخبر أنه للذي رميت به لهذه العلامات والصفات، ولم يحكم به له؛ لأنه لم يدعه، ولم يقر به، ولا كانت الملاعنة فراشًا له. واعتبر إنبات الشعر حول القبل في البلوغ، وجعله آية وعلامة له، فكان يقتل من الأسرى يوم قريظة من وجدت فيه تلك العلامة (¬6)، ويستبقي من لم تكن فيه، ولهذا جعله طائفة من الفقهاء - كالشافعي (¬7) - علامة في حق الكفار خاصة. ¬
وجعل الحيض علامة على براءة الرحم من الحمل، فجوز وطء الأمة المسبية إذا حاضت حيضة، لوجود علامة خلوها من الحبل، فلما منع من وطء الأمة الحامل، وجوز وطأها إذا حاضت (¬1)، كان ذلك اعتبارًا لهذه العلامة والأمارة (¬2). واعتبر العلامة في الدم الذي تراه المرأة ويشتبه عليها، هل هو حيض، أو استحاضة. واعتبر العلامة فيه بوقته ولونه، وحكم بكونه حيضًا بناءً على ذلك (¬3). وهذا في الشريعة أكثر من أن يحصر وتستوفى شواهده. ¬
ضرر إهدار الأمارت والعلامات في الشرع
فمن أهدر الأمارات والعلامات في الشرع (¬1) بالكلية فقد عطل كثيرًا من الأحكام، وضيع كثيرًا من الحقوق (¬2) والناس في هذا الباب طرفان ووسط. قال شيخنا - رحمه الله (¬3) -: وقد وقع فيه من التفريط من بعض ولاة الأمور والعدوان من بعضهم ما أوجب الجهل بالحق، والظلم للخلق، وصار لفظ "الشرع" غير مطابق لمعناه (¬4) الأصلي، بل لفظ "الشرع" في هذه الأزمنة ثلاثة أقسام: الشرع المنزل: وهو الكتاب والسنة، واتباع هذا الشرع واجب، ومن خرج عنه وجب قتاله، وتدخل فيه أصول الدين وفروعه، وسياسة الأمراء وولاة المال (¬5)، وحكم الحاكم، ومشيخة الشيوخ، وولاة (¬6) الحسبة، وغير ذلك، فكل هؤلاء عليهم أن يحكموا بالشرع المنزل، ولا يخرجوا عنه. والشرع الثاني: الشرع (¬7) المتأول، وهو موارد (¬8) النزاع (¬9) والاجتهاد ¬
الشرع المبدل
بين الأئمة، فمن أخذ بما يسوغ فيه الاجتهاد أقر عليه، ولم يجب على جميع الناس موافقته إلا بحجة لا مرد لها من كتاب الله وسنة رسوله. والثالث: الشرع المبدل، مثل ما يثبت بشهادات الزور، ويحكم فيه بالجهل والظلم، أو يؤمر (¬1) فيه بإقرار باطل لإضاعة حق، مثل تعليم المريض أن يقر لوارث بما ليس له، ليبطل به (¬2) حق بقية الورثة، والأمر بذلك حرام، والشهادة (¬3) عليه محرمة، والحاكم إذا عرف باطن الأمر وأنه غير مطابق للحق فحكم به كان جائرًا آثمًا، وإن لم يعرف باطن الأمر لم يأثم، فقد قال سيد الحكام صلوات الله وسلامه عليه في الحديث المتفق عليه: "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُم أَنْ يَكُوْنَ أُلْحَنَ بِحجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ (¬4)، فَأَقْضِي بنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ (¬5)، فمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشيْء مِن حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخْذُهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ" (¬6). فصل القسم الثاني من الدعاوى: دعاوى التهم: وهي دعوى الجناية ¬
أقسام المدعى عليه في دعاوى التهم
والأفعال المحرمة، كدعوى القتل، وقطع الطريق، والسرقة، والقذف (¬1)، والعدوان. فهذا ينقسم المدعى عليه فيه إلى ثلاثة أقسام (¬2)؛ فإن المتهم إما أن يكون بريئًا ليس من أهل تلك التهمة، أو فاجرًا من أهلها، أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم حاله. فإن كان بريئًا لم تجز عقوبته اتفاقًا (¬3)، واختلفوا في عقوبة المتهم له على قولين، أصحهما: أنه (¬4) يعاقب، صيانة لتسلط أهل الشر والعدوان على أعراض البرآء (¬5). قال مالك وأشهب (¬6) رحمهما الله: لا أدب على المدعي إلا أن ¬
القسم الثاني: أن يكون المتهم مجهول الحال
يقصد أذية المدعى عليه وعيبه وشتمه، فيؤدب (¬1). وقال أصبغ (¬2): يؤدب، قصد أذيته أو لم يقصد (¬3). وهل يحلَّف في (¬4) هذه الصور؟ فإن كان المدعى حدًّا لله لم يحلف عليه، وإن كان حقًّا لآدمي ففيه قولان مبنيان على سماع الدعوى، فإن سمعت الدعوى أُحلف له، وإلا لم يحلف. والصحيح: أنه لا تسمع الدعوى (¬5) في هذه الصورة، ولا يحلف المتهم؛ لئلا يتطرق الأراذل والأشرار إلى الاستهانة بأهل الفضل والأخطار، كما تقدم من أن المسلمين يرون ذلك قبيحًا (¬6). فصل القسم الثاني (¬7): أن يكون المتهم مجهول الحال، لا يعرف ببر ¬
حبس هذا القسم حتى ينكشف حاله
ولا فجور، فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام (¬1)، والمنصوص عند أكثر الأئمة: أنه يحبسه القاضي والوالي، هكذا نص عليه مالك وأصحابه (¬2)، وهو منصوص الإمام أحمد ومحققي أصحابه (¬3)، وذكره أصحاب أبي حنيفة (¬4). وقال الإمام أحمد: قد حبس النبي - صلى الله عليه وسلم - في تهمة، قال أحمد (¬5): وذلك حتى يتبين للحاكم أمره. وقد روى أبو داود في "سننه" (¬6) وأحمد (¬7) وغيرهما (¬8)، من ¬
حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده: "أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حَبَسَ فِي تُهْمة" قال علي بن المديني: حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح (¬1). وفي "جامع الخلال" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حبسَ في تُهْمَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً" (¬2). والأصول المتفق عليها بين الأئمة توافق ذلك، فإنهم متفقون على أن المدعي إذا طلب (¬3) المدعى عليه، الذي يسوغ إحضاره وجب على الحاكم إحضاره إلى مجلس الحكم، حتى يفصل بينهما، ويحضره من مسافة العدوى - التي هي عند بعضهم بريد (¬4) - وهو ما لا يمكن الذهاب إليه والعود في يومه (¬5)، كما يقوله بعض أصحاب الإمام ¬
الحبس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر
الشافعي (¬1) وأحمد (¬2)، وهو رواية عن أحمد (¬3) - رضي الله عنه - وعند بعضهم يحضره من مسافة القصر، وهي مسيرة يومين قاصدين (¬4)، كما هي الرواية الأخرى عن أحمد (¬5). ثم الحاكم قد يكون مشغولًا عن تعجيل الفصل، وقد تكون عنده حكومات سابقة، فيكون المطلوب محبوسًا معوقًا من حين يطلب إلى أن يفصل بينه وبين خصمه، وهذا حبس بدون التهمة، ففي التهمة أولى، فإن الحبس الشرعي ليس هو السجن (¬6) في مكان ضيق، وإنما هو تعويق (¬7) الشخص ومنعه من التصرف بنفسه سواء كان في بيت أو مسجد (¬8)، أو كان بتوكيل (¬9) نفس الخصم أو وكيله عليه، وملازمته له، ولهذا سماه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أسيرًا"، كما روى أبو داود وابن ماجه عن ¬
هل يتخذ الإمام حبسا؟
الهرماس بن حبيب عن أبيه (¬1) قال: "أَتَيْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِغَريمٍ، فَقَالَ: الْزَمْهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَخَا بَنِي تَمِيم مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِأسِيرِكَ؟ "، وفي رواية ابن ماجه: "ثُمَّ مَرَّ بِي آخِرَ النَّهَارِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَسِيْرُكَ يَا أَخَا بَنِي تَمِيم؟ " (¬2)، وكان هذا هو الحبس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، ولم يكن له محبس معد لحبس الخصوم ولكن لما انتشرت الرعية في زمن عمر بن الخطاب ابتاع بمكة دارًا وجعلها سجنًا يحبس (¬3) فيها، ولهذا تنازع العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم (¬4): هل يتخذ الإمام حبسًا؟ على قولين: ¬
هل يحضر الخصم المطلوب بمجرد الدعوى؟
فمن قال: لا يتخذ حبسًا، قال: لم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا لخليفته (¬1) بعده حبس، ولكن يُعوِّقه بمكان من الأمكنة، أو يقام عليه حافظ - وهو الذي يسمى الترسيم - أو يأمر غريمه بملازمته كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ومن قال: له أن يتخذ حبسًا، قال: قد (¬3) اشترى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من صفوان بن أمية دارًا بأربعة آلاف درهم (¬4)، وجعلها حبسًا (¬5). ولما كان حضور مجلس الحاكم تعويقًا (¬6) من جنس الحبس تنازع العلماء: هل يحضر (¬7) الخصم المطلوب بمجرد الدعوى، أم لا يحضر (¬8) حتى يبين المدعي أن للدعوى أصلًا، على قولين، هما روايتان عن أحمد (¬9)، ¬
الحبس في التهم لوالي الحرب أم للقاضي؟
والأول: قول (¬1) أبي حنيفة (¬2) والشافعي (¬3)، والثاني: قول مالك (¬4). فصل (¬5) ومنهم من قال: الحبس في التهم إنما هو لوالي (¬6) الحرب، دون القاضي، وقد ذكر هذا طائفة من أصحاب الشافعي كأبي عبد الله (¬7) الزبيري (¬8) والماوردي (¬9) وغيرهما، وطائفة من أصحاب أحمد من المصنفين في أدب القضاة (¬10) وغيرهم، واختلفوا في مقدار الحبس في التهمة، هل هو مقدَّر أو مرجعه إلى اجتهاد الوالي والحاكم؟ على ¬
القسم الثالث: أن يكون المتهم معروفا بالفجور
قولين ذكرهما الماوردي (¬1) وأبو يعلى وغيرهما (¬2)، فقال الزبيري: هو مقدر بشهر (¬3)، وقال الماوردي: غير مقدر (¬4). فصل (¬5) القسم الثالث: أن يكون المتهم معروفًا بالفجور، كالسرقة وقطع الطريق والقتل ونحو ذلك، فإذا جاز حبس المجهول فحبس هذا أولى. قال شيخنا ابن تيمية (¬6): وما علمت أحدًا من أئمة (¬7) المسلمين يقول: إن المدعى عليه في جميع هذه الدعاوى يحلف ويرسل بلا حبس ولا غيره، فليس هذا - على إطلاقه - مذهبًا لأحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من الأئمة (¬8)، ومن زعم أن هذا - على إطلاقه وعمومه - هو الشرع فقد غلط غلطًا فاحشًا مخالفًا ¬
جرأة الولاة على مخالفة الشرع بسبب جهل بعض الفقهاء بالشرع
لنصوص (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولإجماع الأمة. وبمثل هذا الغلط الفاحش تجرأ الولاة على مخالفة الشرع، وتوهموا أن الشرع لا يقوم بسياسة العالم ومصلحة الأمة، وتعدوا حدود الله، وتولد من جهل الفريقين بحقيقة الشرع خروج (¬2) عنه إلى أنواع من الظلم والبدع والسياسة (¬3)، جعلها هؤلاء من الشرع وهؤلاء قسيمة له ومقابلة له، وزعموا أن الشرع ناقص لا يقوم بمصالح الناس، وجعل أولئك ما فهموه من العموميات والإطلاقات (¬4) هو الشرع، وإن تضمن خلاف ما تشهد (¬5) به الشواهد والعلامات الصحيحة. والطائفتان مخطئتان على الشرع أقبح خطأ وأفحشه، وإنما أتوا من تقصيرهم في معرفة الشرع الذي أنزل الله على رسوله، وشرعه بين عباده، كما تقدم بيانه (¬6)، فإنه أنزل الكتاب بالحق ليقوم الناس بالقسط ولم يسوغ تكذيب صادق ولا إبطال أمارة وعلامة شاهدة بالحق، بل أمر بالتثبت في خبر الفاسق، ولم يأمر برده مطلقًا، حتى تقوم أمارة على صدقه فيقبل، أو كذبه فيرد، فحكمه دائر مع الحق، والحق دائر مع حكمه أين كان، ومع من كان، وبأي دليل صحيح كان، فتوسع كثير ¬
ضرب هذا النوع من المتهمين
من هؤلاء في أمور ظنوها علامات وأمارات أثبتوا بها أحكامًا، وقصر كثير من أولئك عن أدلة وعلامات ظاهرة ظنوها غير صالحة لإثبات الأحكام. فصل ويسوغ ضرب هذا النوع من المتهمين، كما أمر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الزبير بتعذيب المتهم الَّذي غيَّب ماله حتَّى أقرَّ به، في قصة ابن أبي الحُقَيْق (¬1). قال شيخنا (¬2): واختلفوا فيه: هل الَّذي يضربه الوالي دون القاضي، أو كلاهما، أو لا يسوغ ضربه؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: أنَّه يضربه الوالي والقاضي، هذا قول طائفة من أصحاب مالك (¬3) وأحمد (¬4) وغيرهم (¬5)، منهم أشهب بن عبد العزيز قاضي (¬6) مصر، فإنَّه قال: يمتحن بالحبس والضرب، ويضرب (¬7) بالسوط ¬
مجردًا. والقول الثاني: أنَّه يضربه الوالي دون القاضي، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وأحمد، حكاه القاضيان (¬1). ووجه هذا: أنَّ الضرب المشروع هو ضرب الحدود والتعزيرات (¬2) , وذلك إنَّما يكون بعد ثبوت أسبابها وتحققها (¬3). والقول الثالث: أنَّه يحبس ولا (¬4) يضرب، وهذا قول أصبغ وكثيرٍ من الطوائف الثلاثة (¬5)، بل قول أكثرهم، لكن حبس (¬6) المتهم عندهم أبلغ من حبس المجهول. ثمَّ قالت طائفة (¬7) منهم عمر بن عبد العزيز، ومطرف، وابن الماجشون: إنَّه يحبس حتَّى يموت (¬8). ¬
وجه القول بكون ذلك للوا لي دون القاضي
ونصَّ عليه الإمام أحمد (¬1) في المبتدع الَّذي لم ينته عن بدعته: أنَّه يحبس حتَّى يموت (¬2)، وقال مالك: لا يحبس إلى الموت (¬3). فصل والَّذين جعلوا عقوبته للوالي دون القاضي قالوا: ولاية أمير (¬4) الحرب معتمدها المنع من الفساد في الأرضِ، وقمع (¬5) أهل الشرِّ والعدوان، وذلك لا يتم إلَّا بالعقوبة للمتهمين المعروفين بالإجرام، بخلاف ولاية الحكم، فإنَّ مقصودها إيصال الحقوق إلى أربابها وإثباتها (¬6). قال شيخنا (¬7): وهذا القولُ هو في الحقيقة قول بجواز ذلك في الشريعة، لكن كل ولي أمر يفعل ما فوض إليه، فكما أنَّ والي الصدقات يملك من القبض والصرف ما لا يملكه والي الخراج وعكسه، وكذلك والي الحرب ووالي الحكم يفعل كل منهما ما اقتضته ولايته الشرعية، مع رعاية العدلِ والتقيد بالشريعة. ¬
لا نزاع في عقوبة من عرف أن الحق عنده وقد جحده
فصل (¬1) وأما عقوبة من عرف أن الحق عنده وقد جحده، فمتفق عليها بين العلماء، لا نزاع بينهم أن من وجب عليه حق من عين أو دين - وهو قادر على أدائه - وامتنع منه، أنه يعاقب حتى يؤديه، ونصوا على عقوبته بالضرب، ذكر ذلك الفقهاء من الطوائف الأربعة (¬2)، وقال أصحاب أحمد (¬3): إذا أسلم وتحته أختان، أو أكثر من أربع، أمر أن يختار إحداهما، أو أربعًا، فإن أبى، حبس، وضرب حتى يختار، قالوا: وهكذا كل من وجب عليه حق هو قادر على أدائه فامتنع منه؛ فإنه يضرب حتى يؤديه. وفي "السنن" عنه - صلى الله عليه وسلم -: "لَيُّ الوَاجِد يُحِلُّ عِرْضَهُ (¬4) وَعُقُوبَتَهُ" (¬5)، ¬
التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد
والعقوبة لا تختص بالحبس، بل هي بالضرب أظهر منها في الحبس، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَطْلُ الغَنِيّ ظُلْمٌ" (¬1)، والظالم يستحق العقوبة شرعًا وقدرًا. فصل واتفق العلماء (¬2) على أن التعزيز مشروع في كل معصية ليس فيها حد، وهي نوعان: ترك واجب، أو فعل محرم، فمن ترك الواجبات مع القدرة عليها، كقضاء الديون، وأداء الأمانات: من الوكالات، والودائع، وأموال اليتامى، والوقوف، والأموال السلطانية، ورد الغصوب، والمظالم، فإنَّه يعاقب حتَّى يؤديها، وكذلك من وجب عليه إحضار نفس لاستيفاء حق واجب عليها، مثل: أن يقطع الطرق، ويلتجئَ إلى من يمنعه ويذب عنه، فهذا يعاقب حتَّى يحضره. وقد روى مسلم في "صحيحه" عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَن الله من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا" (¬3). ¬
وروى أبو داود في "سننه" عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ - وَهُوَ يَعْلَمُ - لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ، وَمَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُوْنَ حَدٍّ مِنْ حُدُوْدِ اللهِ فَقَدْ ضَادَّ الله في أَمْرِهِ، وَمَنْ قَالَ فِي مُسْلِمٍ مَا (¬1) لَيْسَ فِيْهِ حُبِسَ فِي رَدْغةِ الخَبَالِ (¬2) حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا عَليه" (¬3). قال: فما (¬4) وجب إحضاره من النفوس أو الأموال استحق الممتنعُ من إحضاره العقوبة (¬5)، وأمَّا إذا كان الإحضار (¬6) إلى من يظلمه، أو إحضار المال إلى من يأخذه بغير حقٍّ، فهذا لا يجب ولا يجوز، فإنَّ ¬
المعاصي ثلاثة أنواع
الإعانة على الظلمِ ظلم (¬1). فصل والمعاصي ثلاثة أنواع (¬2): نوعٌ فيه حدٌّ ولا كفارة فيه، كالزنا والسرقة، وشرب الخمر، والقذف، فهذا يكفي فيه الحدُّ عن الحبس والتعزير. ونوعٌ فيه كفارة ولا حدَّ فيه، كالجماع في الإحرام ونهار رمضان، ووطء المظاهر منها قبل التكفير، فهذا تغني (¬3) فيه الكفارة عن الحدِّ، وهل تكفي عن التعزير؟ فيه قولان للفقهاء، وهما لأصحاب أحمد (¬4) وغيرهم (¬5). ونوعٌ لا كفارة فيه ولا حدٌّ، كسرقة ما لا قطع فيه، واليمين (¬6) الغموس (¬7) عند أحمد (¬8) وأبي حنيفة (¬9)، والنظر إلى الأجنبية، ونحو ¬
الخلاف في مقدار التعزير
ذلك، فهذا يسوغُ فيه التعزير وجوبًا عند الأكثرين (¬1)، وجوازًا عند الشافعي (¬2). ثمَّ إن كان الضرب على ترك الواجب، مثل أن يضربه ليؤديه، فهذا لا يتقدر؛ بل يضرب يومًا، فإن فعل الواجب وإلَّا ضرب يومًا آخر بحسب ما يحتمله، ولا يزيد في كل مرَّة على مقدار أعلى التعزير. وقد اختلف الفقهاء في مقدار التعزير على أقوال (¬3): أحدها: أنَّه بحسب المصلحة وعلى قدر الجريمة، فيجتهد فيه ولي الأمر. الثاني - وهو أحسنها -: أنَّه لا يبلغ بالتعزير في معصية قدر الحدِّ فيها، فلا يبلغ بالتعزير على النظر والمباشرة حد الزنا، ولا على السرقة من غير حرز حد القطع، ولا على الشتمِ بدون القذف حد القذف (¬4)، وهذا قول طائفة من أصحاب الشافعي (¬5) ¬
هل يجوز أن يبلغ بالتعزير القتل؟
وأحمد (¬1). والقول الثالث (¬2): أنَّه لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود: إمَّا أربعين، وإمَّا ثمانين، وهذا قول كثيرٍ من أصحاب الشافعي (¬3) وأحمد (¬4) وأبي حنيفة (¬5). والقول الرَّابع (¬6): أنَّه لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط، وهو أحد الأقوال في مذهب أحمد (¬7) وغيره (¬8). وعلى القول الأوَّل: هل يجوزُ أن يبلغ بالتعزير القتل؟ فيه قولان: أحدهما: يجوزُ، كقتل الجاسوس المسلم، إذا اقتضت المصلحة ¬
قتله، وهذا قول مالك (¬1)، وبعض أصحاب أحمد (¬2)، اختاره ابن عقيل. وقد ذكر بعض أصحاب الشافعي (¬3) وأحمد (¬4) نحو ذلك في قتل الداعية إلى البدعة، كالتجهم والرفض، وإنكار القدر، وقد قتل عمر بن عبد العزيز غيلان القدري؛ لأنه كان داعية إلى بدعته (¬5). وهذا مذهب مالك - رحمه الله (¬6). وكذلك قتل من لا يزول فساده إلا ¬
بالقتل. وصرح به أصحاب أبي حنيفة (¬1) في قتل اللوطي إذا أكثر من ذلك تعزيرًا، وكذلك قالوا (¬2): إذا قتل بالمثقل فللإمام أن يقتله تعزيرًا (¬3)، وإن كان أبو حنيفة لا يوجب الحد في هذا، ولا القصاص في هذا، وصاحباه يخالفانه في المسألتين (¬4). وهما مع جمهور الأمة (¬5). والمنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه - رضي الله عنهم - يوافق القول الأول؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أمر بجلد الذي وطئَ جارية امرأته - وقد أحلتها له - مائة" (¬6)، وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - أمرا بجلد من وجد ¬
مع امرأة أجنبية في فراش مائة (¬1). وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ضرب الذي زور عليه خاتمه فاخذ من بيت المال مائة ثم في اليوم الثاني مائة ثم في اليوم الثالث مائة (¬2). وعلى هذا: يحمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه (¬3)، فإن عاد في الثالثة - أو في الرابعة - فاقتلوه" (¬4)، فأمر بقتله إذا أكثر منه، ولو كان ذلك حدًّا لأمر به في المرة ¬
ضرب المتهم إذا عرف أن المال عنده وقد كتمه
الأولى (¬1). وأما ضرب المتهم إذا عرف أن المال عنده - وقد كتمه وأنكره - فيضرب ليقرَّ به، فهذا لا ريب فيه (¬2)، فإنه ضرب ليؤدي الواجب الذي يقدر على وفائه، كما في حديث ابن عمر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صالح أهل خيبر على الصفراء والبيضاء، سأل زيد بن سعيد (¬3) - عم حيي بن أخطب - فقال: أين كنز حيي؟ فقال: يا محمد أذهبته النفقات والحروب (¬4)، فقال للزبير: دونك هذا، فمسه الزبير بشيء من العذاب، فدلَّهم عليه في خربة، وكان حليًّا في مسك ثور" (¬5). فهذا أصل في ضرب المتهم (¬6). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
فصل في الطرق التي يحكم بها الحاكم
فصل في الطرق التي يحكم بها الحاكم الحكم (¬1) قسمان: إثبات، وإلزام. فالإثبات: يعتمد الصدق، والإلزام (¬2): يعتمد العدل، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)} [الأنعام: 115]، وكل من (¬3) القسمين له طرق متعددة: أحدها: اليد المجردة التي لا تفتقر إلى يمين. وذلك في صور: منها: إذا كان وصيًّا على طفل أو مجنون، وفي يده شيء انتقل إليه عن أبيه، كان مجرد (¬4) اليد كافيًا في الحكم به له من غير يمين، لا على الطفل ولا على الوصي. أما الطفل فلعدم صحة اليمين منه، وأما الوصي فلأنه ليس المدعى عليه في الحقيقة، ولا تتوجه عليه اليمين. ومنها: أن يدعي كفنًا على ميت أنه له، ولا بينة، فيقضى بالكفن لمن هو عليه من غير يمين. ومنها: أن يدعي على صاحب اليد دعوى يكذبه فيها الحس فلا يحلف له صاحب اليد، بل (¬5) ولا تسمع دعواه، كما إذا ادعى على من ¬
الطريق الثاني: الإنكار المجرد
في يده عبد أنه ابنه، وهو أكبر من المدعي. وهذا لأن اليمين إنما تشرع في جانب من ترجح جانبه، مع احتمال كونه مبطلًا، فإذا لم يحتمل ذلك لم تكن في اليمين فائدة. فصل الطريق الثاني: الإنكار المجرد. وله صور: أحدها: إذا ادعى رجل دينًا على ميت أو أنه أوصى له بشيء وللميت وصي بقضاء دينه، وتنفيذ وصاياه، فأنكر، فإن كان للمدعي بينة حكم بها، وإن لم تكن له بينة، وأراد تحليف الوصي على نفي العلم لم يكن له ذلك (¬1)؛ لأن مقصود التحليف أن يقضى عليه بالنكول إذا امتنع من اليمين، والوصي لا يقبل إقراره بالدين والوصية، ولو نكل لم يقض عليه، فلا فائدة في تحليفه، ولو كان وارثًا استحلف، وقضي (¬2) بنكوله. ومنها: أن يدعي على القاضي أنه ظلمه في الحكم، أو على الشاهد أنه تعمد الكذب أو الغلط (¬3)، أو ادعى عليه ما يسقط شهادته، لم يحلفا، لارتفاع منصبهما عن التحليف (¬4). ¬
دعوى الرجل على المرأة النكاح ودعواها عليه الطلاق
ومنها: دعوى الرجل على المرأة النكاح (¬1)، ودعواها عليه الطلاق (¬2)، ودعوى كل منهما (¬3) الرجعة، ودعوى الأمة أن سيدها أولدها، ودعوى المرأة أن زوجها آلى منها، ودعوى الرق والولاء والقود وحد القذف. وعن أحمد (¬4): أنه يستحلف في الطلاق والإيلاء والقود والقذف. وعنه (¬5): أنه يستحلف (¬6) إلا فيما لا (¬7) يقضى فيه (¬8) بالنكول. قال في رواية ابن القاسم (¬9): لا أرى اليمين في النكاح، ولا في ¬
الطلاق، ولا في الحدود، لأنه إن نكل لم أقتله (¬1)، ولم أحده، ولم أدفع المرأة إليه (¬2). وظاهر ما نقله الخرقي: أنه يستحلف فيما عدا القود والنكاح، وعنه ما يدل على أنه يستحلف (¬3) في الكل، وإذا امتنع عن اليمين - حيث قلنا يستحلف - قضينا بالنكول في الجميع، إلا في القود في النفس خاصة. وعنه: لا يقضى بالنكول إلا في الأموال خاصة (¬4). وكل ناكل لا يقضى عليه فهل يخلى أو يحبس حتى يقر، أو يحلف؟ على وجهين (¬5). ولا يستحلف في العبادات ولا في الحدود. فإذا قلنا: لا يستحلف (¬6) في هذه الأشياء لم يقض فيها بالنكول على ظاهر كلام أحمد وتعليله، وإذا استحلفناه فأبى (¬7) قضينا عليه بالنكول في كل موضع؛ لتكون لليمين فائدة، حتى في قود الأطراف. ولا يقضى بقود النفس (¬8)، وإن استحلفناه؛ لأن النكول وإن جرى ¬
فائدة الأستحلاف
مجرى الإقرار فليس بإقرار صحيح (¬1) صريح فلا يراق به الدم بمجرده، ولا مع يمين المدعي إلا في القسامة للَّوث. وإذا قلنا: يستحلف ولا يقضى بالنكول في غير الأموال، كان فائدة الاستحلاف حبسه إذا أبى الحلف في أحد الوجهين. وفي الآخر: يخلى سبيله؛ لأنه لا يقضى عليه بالنكول، ولم يثبت عليه ما (¬2) يعاقب عليه (¬3) بالضرب والحبس حتى يفعله، فإنه يحتمل أن يكون المدعي محقًّا، وأن يكون مبطلًا، فكيف يعاقب المدعى عليه بمجرد دعواه وطلب يمينه؟ وتكون فائدة اليمين (¬4) على هذا انقطاع الخصومة والمطالبة. فصل وقد استثني من عدم التحليف في الحدود صورتان: إحداهما: إذا قذفه فطلب حد القذف، فقال القاذف: حلفوه أنه لم يزن. فذكر أصحاب الشافعي فيه وجهين (¬5)، قال في "الروضة" (¬6): ¬
الثانية: أن يكون المقذوف ميتا وأراد القاذف تحليف الوارث
والأصح أنه يحلف. والصورة الثانية: أن يكون المقذوف ميتًا، وأراد القاذف تحليف الوارث (¬1) أنه لا يعلم زنا مورثه، فله ذلك. وحكي عن الشافعي (¬2) - رحمه الله تعالى -. والصحيح قول الجمهور (¬3): أنه لا يحلف، بل القول بتحليفه في غاية السقوط، فإن الحد يجب بقذف المستور الذي لم يظهر زناه، وليس من شرطه ألا يكون قد زنى في نفس الأمر، ولهذا لا يسأله الحاكم عن ذلك، ولا يجوز له سؤاله، ولا يجب عليه الجواب. وفي تحليفه تعريضه للكذب واليمين الغموس إن كان قد ارتكب ذلك، أو تعريضه لفضيحة نفسه وإقراره بما يوجب عليه الجلد، أو فضيحته بالنكول الجاري مجرى الإقرار، وانتهاك عرضه للقاذفين (¬4) الممزقين لأعراض المسلمين، والشريعة لا تأتي بشيء من ذلك، ولذلك لم يقل أحد من الصحابة ولا التابعين ولا الأئمة بتحليف المقذوف أنه لم يزن، ولم يجعلوا ذلك شرطا في إقامة الحد. ¬
المراد بالثيب في حديث: وإذن الثيب الكلام
فالقول بالتحليف في غاية البطلان، وهو مستلزم لما ذكرناه من المحاذير، ولا سيما إن كان قد فعل شيئًا من ذلك ثم تاب منه، ففي إلزامه التحليف تعريضه لهتيكة نفسه، أو إهدار عرضه. ولهذا كان الصواب قول أبي حنيفة (¬1): إن البكر إذا زالت بكارتها بالزنا فإذنها الصمات؛ لأنا لو (¬2) اشترطنا نطقها لكنا قد ألزمناها بفضيحة نفسها وهتك عرضها، بل إذا اكتفي من البكر بالصمات لحيائها فلأن يكتفى من هذه بالصمات بطريق الأولى؛ لأن حياءها من الاطلاع على زناها أعظم بكثير من حيائها (¬3) من كلمة "نعم" التي (¬4) لا تذم بها ولا تعاب، ولا سيما إن كانت قد أكرهت على الزنا، بل الاكتفاء من هذه بالصمات أولى من الاكتفاء به من البكر؛ فهذا من محاسن الشريعة وكمالها. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذْنُ البِكْر الصمَاتُ، وإِذن الثَّيِّبِ الكَلَامُ" (¬5). المراد به: الثيب التي قد علم أَهلها والنَّاس أنَّها ثيب، فَلا تستحيي من ذلك، ولهذا لو زالت بكارتها (¬6) بإصبع أو وثبة لم تدخل في لفظِ ¬
مما لا يحلف فيه: إذا ادعى البلوغ بالأحتلام في وقت الإمكان
الحديث، ولم تتغير بذلك صفة إذنها، مع كونها ثيبًا (¬1)، فالَّذي أخرج هذه الصورة من العموم أولى أن يخرج الأُخرى، والله أعلم. فصل ممَّا لا يحلف (¬2) فيه: إذا ادعى البلوغ بالاحتلام في وقت الإمكان، صُدِّق بلا يمين، وكذلك لو ادعي عليه البلوغ (¬3)، فقال: أنا صبي بعد (¬4)، وهو محتمل (¬5)، لم يحلف. ولو ادَّعى عامل الزكاة على رجلٍ أنَّ له نصابًا، وطلب زكاته، لم يحلف على نفي ذلك، ولو أقرَّ فادَّعى العامل أنَّهُ لم يخرج زكاته، لم يحلف على نفي (¬6) ذلك، قال الإمام أحمد: لا يستحلف النَّاس على صدقاتهم (¬7). ¬
فوائد اليمين
فصل ولليمين فوائد (¬1): منها: تخويف المدعى عليه سوء عاقبة الحلف الكاذب (¬2)، فيحمله ذلك على الإقرار بالحقَّ. ومنها: القضاء عليه بنكوله عنها، على ما تقدم (¬3). ومنها: انقطاع الخصومة والمطالبة في الحال، وتخليص كل من الخصمين من ملازمة الآخر، ولكنَّها لا تسقط الحق، ولا تبرئُ الذمة باطنًا ولا ظاهرًا، فلو أقام المدعي بينة بعد حلف المدعى عليه، سمعت وقضي بها، وكذا لو ردت اليمين على المدعي فنكل، ثمَّ أقام المدعي بينة (¬4)، سمعت وحكم به. ومنها: إثبات الحق بها إذا ردت على المدعي، أو أقام شاهدًا واحدًا. ومنها: تعجيل عقوبة الكاذب المنكر لما عليه من الحقَّ، فإنَّ اليمين الغموس تدع الدَّيار بلاقع، فيشتفي بذلك المظلوم عوض ما ظلمه بإضاعة حقه، والله أعلم. ¬
دعوى أحد الناس على شيخ الإسلام في مجلس نائب السلطنة
فصل ومنها: أن تشهد قرائن الحال بكذب المدعي، فمذهب مالك: أنَّه لا يُلتفت إلى دعواهُ، ولا يحلف له (¬1)، وهذا اختيار الإصطخري (¬2) من الشافعية (¬3)، ويخرج على المذهب مثله (¬4)، وذلك مثل أن يدعي الدنيء استئجار الأمير أو ذي الهيئة والقدر لعلف دوابه، وكنس بابه، ونحو ذلك. وسمعت شيخنا العلامة (¬5) - قدَّس الله روحه - يقول: كُنَّا عند نائب السلطنة، وأنا إلى جانبه، فادعى بعض الحاضرين أنَّ له قبلي وديعة، وسأل إجلاسي معه وإحلافي، فقلت لقاضي المالكية وكان حاضرًا: أتسوغ هذه الدعوى وتسمع؟ فقال: لا، فقلت: فما مذهبك في مثل (¬6) ذلك؟ قال: تعزير المدعي، قلت: فاحكم بمذهبك. فأقيم المدعي، وأخرج. ¬
الطريق الثالث: أن يحكم باليد مع يمين صاحبها
فصل الطريق الثالث: أن يحكم باليد مع يمين صاحبها. كما إذا ادعى عليه عينًا في يده، فأنكر، فسأل إحلافه، فإنه يحلف، وتترك في يده، لترجح جانب صاحب اليد (¬1)؛ ولهذا شرعت اليمين في جهته، فإن اليمين (¬2) تشرع في جنبة (¬3) أقوى المتداعيين (¬4)، هذا إذا لم تكذب اليد القرائن الظاهرة، فإن كذبتها لم يلتفت إليها، وعلم أنها يد مبطلة. وذلك كما لو رأى إنسانًا يعدو وبيده عمامة، وعلى رأسه عمامة، وآخر خلفه حاسر الرأس، ممن ليس شأنه أن يمشي حاسر الرأس، فإنا (¬5) نقطع أن العمامة التي بيده للآخر، ولا يلتفت إلى تلك اليد (¬6). ويجب العمل قطعًا بهذه القرائن، فإن العلم المستفاد منها أقوى بكثير من الظن المستفاد من مجرد اليد، بل اليد ههنا لا تفيد ظنًّا ألبتة، ¬
المتهم بالسرقة إذا شوهدت العملة معه وليس من أهلها
فكيف تقدم على ما هو (¬1) مقطوع به، أو (¬2) كالمقطوع به؟. وكذلك إذا رأينا رجلًا يقود فرسًا بسرجه ولجامه وآلة ركوبه، وليست من مراكبه في العادة، ووراءه أمير ماش، أو من ليس من عادته المشي، فإنا نقطع بأن يده يد مبطلة. وكذلك المتهم بالسرقة إذا شوهدت العملة (¬3) معه، وليس من أهلها، كما إذا رئي معه القماش والجواهر ونحوها مما (¬4) ليس من شأنه، فادعى أنه ملكه وفي يده: لم يلتفت إلى تلك اليد. وكذلك كل يد تدل القرائن الظاهرة التي توجب القطع أو تكاد أنها يد مبطلة، لا حكم لها، ولا يقضى بها. فإذا قضينا باليد، فإنما (¬5) نقضي بها إذا لم يعارضها ما هو أقوى منها، وإذا كانت اليد ترفع بالنكول، وبالشاهد الواحد مع اليمين (¬6)، وباليمين المردودة، فلأن ترفع بما هو أقوى من ذلك بكثير بطريق الأولى. فهذا مما لا يرتاب فيه أنه من أحكام العدل الذي بعث الله به ¬
الأيدي ثلاثة
رسله (¬1)، وأنزل به كتبه، ووضعه بين عباده. فالأيدي ثلاثة: يد يعلم أنها مبطلة ظالمة، فلا يلتفت إليها. الثانية: يد يعلم أنها محقة عادلة، فلا تسمع الدعوى عليها، كمن تشاهد في يده دار يتصرف فيها بأنواع (¬2) التصرف (¬3) من عمارة وخراب وتغيير (¬4) وإجارة وإعارة مدة طويلة من غير منازع ولا مطالب، مع عدم سطوته وشوكته، فجاء من ادعى أنه غصبها منه، واستولى عليها بغير حق - وهو يشاهده في هذه المدة الطويلة ويمكنه طلب خلاصها منه، ولا يفعل ذلك - فهذا مما يعلم فيه كذب المدعي، وأن يد المدعى عليه محقة. هذا مذهب أهل المدينة مالك وأصحابه (¬5)، وهو الصواب (¬6). قالوا (¬7): إذا رأينا رجلًا حائزًا لدار متصرفًا فيها مدة سنين طويلة (¬8) بالهدم والبناء، والإجارة والعمارة (¬9)، وهو ينسبها إلى نفسه، ويضيفها ¬
إلى ملكه، وإنسان حاضر يراه، ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة، وهو مع ذلك لا يعارضه فيها، ولا يذكر أن له فيها حقًّا، ولا مانع يمنعه من مطالبته: من خوف سلطان، أو نحوه من الضرر المانع من المطالبة بالحقوق، وليس بينه وبين المتصرف في الدار قرابة، ولا شركة في ميراث وما أشبه ذلك، مما تتسامح به القرابات والصهر بينهم في إضافة أحدهم أموال الشركة إلى نفسه، بل كان عريًّا عن ذلك أجمع، ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعيها لنفسه، ويريد أن يقيم بينة على ذلك (¬1)، فدعواه غير مسموعة أصلًا، فضلًا عن بينته (¬2)، وتبقى الدار بيد حائزها؛ لأن كل دعوى ينفيها العرف وتكذبها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة. قال الله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199]، وأوجبت الشريعة الرجوع إلى العرف عند الاختلاف في الدعاوى كالنقد وغيره (¬3)، فكذلك هذا في هذا الموضع، وليس ذلك خلاف العادات فإن الناس لا يسكتون على ما يجري هذا المجرى من غير عذر. قالوا: وإذا اعتبرنا طول المدة فقد حدها ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم (¬4) وأصبغ بعشر سنين (¬5). ¬
الثالثة: يد يحتمل أن تكون محقة وأن تكون مبطلة
وربما احتج لهم بحديث يذكر عن سعيد بن المسيب (¬1)، وزيد بن أسلم (¬2): أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حاز شيئًا عشر سنين فهو له" (¬3) وهذا لا يثبت (¬4). وأمَّا مالك - رحمه الله - فلم يوقت في ذلك حدًّا، ورأى ذلك على قدر ما يرى ويجتهد فيه الإمام (¬5). الثالثة (¬6): يد يحتمل أن تكون محقة، وأنْ تكون مبطلة، فهذه هي التي تسمع الدعوى عليها، ويحكم بها عند عدم ما هو أقوى منها، فالشارع لا يعتبر (¬7) يدًا شهد العرف والحس بكونها مبطلة، ولا يهدر يدًا شهد العرف بكونها محقة، واليد المحتملة: يحكم فيها بأقرب الأشياء إلى الصواب، وهو الأقوى فالأقوى، والله أعلم. فالشَّارعُ لا يعين مبطلًا، ولا يعين على ¬
محق (¬1)، ويحكم في المتشابهات بأقرب الطرق إلى الصواب وأقواها. ¬
الطريق الرابع والخامس: الحكم بالنكول وحده، أو به مع رد اليمين
فصل الطريق الرَّابع والخامس: الحكم بالنكول (¬1) وحده، أو به مع رد اليمين. قال الإمام أحمد (¬2): قدم عبد الله (¬3) بن عمر إلى عثمان - رضي اللهُ عنهم - في عبد له فقال له عثمان (¬4): احلف أنَّك ما بعته وبه عيب علمته، فأبى ابن عمر أن يحلف، فرد عليه العبد (¬5). فيقول له الحاكم: إن لم (¬6) تحلف وإلَّا قضيت عليك - ثلاثًا -، فإن لم يحلف قضى عليه، وهذا اختيار أصحاب أحمد (¬7)، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه (¬8). وقال الأوزاعي وشريح وابن سيرين والنخعي: إذا نكل ردت ¬
اليمين على المدعي فإن حلف قضي له (¬1)، وهذا مذهب الشافعي (¬2) ومالك (¬3) وقد صوبه الإمام أحمد (¬4)، واختاره أبو الخطاب (¬5) وشيخنا (¬6) - رحمهما الله تعالى - في صورة الحكم بمجرد النكول في صورة، كما سنذكره. وهذا قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (¬7). وقد روى الدارقطني من حديث نافع عن ابن عمر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد اليمين على طالب الحق" (¬8). ¬
واحتج لهذا القول بأن الشارع شرع اليمين مع الشاهد الواحد كما سيأتي، فلم يكتف في جانب المدعي بالشاهد وحده (¬1)، حتى يأتي باليمين تقوية لشاهده. قالوا: ونكول (¬2) المدعى عليه أضعف من شاهد المدعي، فهو أولى أن يقوى بيمين الطالب، فإن النكول ليس ببينة ولا إقرار، وهو حجة ضعيفة، فلم يقو على الاستقلال بالحكم، فإذا حلف معها المدعي قوي جانبه، فاجتمع النكول من المدعى عليه واليمين من المدعي، فقاما مقام الشاهدين أو الشاهد واليمين. قالوا: ولهذا لم يحكم على المرأة في اللعان بمجرد نكولها دون يمين الزوج، فإذا حلف الزوج، ونكلت عن اليمين، حكم عليها: إما بالحبس حتى تقر أو تلاعن كما يقول أحمد (¬3) وأبو حنيفة (¬4)، وإما ¬
بالحد كما يقول الشافعي (¬1) ومالك (¬2) - رضي الله عنهما -، وهو الراجح (¬3)؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - إنما درأ عنها العذاب بشهادتها أربع شهادات. والعذاب المدروء عنها بالتعانها هو العذاب المذكور في قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وهو عذاب الحد (¬4). ولهذا ذكره - سبحانه وتعالى - معرفًا بلام العهد، فعلم أن العذاب هو العذاب (¬5) المعهود ذكره أولًا. ولهذا بدئ أولًا بأيمان الزوج لقوة جانبه، ومكنت المرأة من (¬6) أن تعارض (¬7) أيمانه بأيمانها، ¬
فإذا نكلت لم يكن لأيمانه ما يعارضها، فعملت عملها، وقواها نكول المرأة، فحكم عليها بأيمانه ونكولها. فإن قيل: فكان من الممكن أن يبدأ بأيمانها، فإن نكلت حلف الزوج وحُدَّت، كما إذا ادعي عليه حقًّا، فنكل عن اليمين، فإنها ترد على المدعي، ويقضي له، فهلا شرع اللعان كذلك والمرأة هي المدعى عليها؟ بل شرعت اليمين في جانب المدعي أولا، وهذا لا نظير له في الدعاوى. قيل: لما كان الزوج قاذفًا لها كان موجب قذفه أن يحد لها، فمكن أن يدفع الحد عن نفسه بالتعانه، ثم طولبت هي بعد ذلك بأن تقر أو تلاعن. فإن أقرت حدت، وإن أنكرت والتعنت درأت عنها الحد بلعانها، كما له أن يدرأ الحد عن نفسه بلعانه. وكانت البداءة به أولى؛ لأنه مدع، وأيمانه قائمة مقام البينة. ولكن لما كانت دون الشهود الأربعة (¬1) في القوة مكنت من دفعها بأيمانها. فإذا أبت أن تدفعها ترجح جانبه، فوجب عليها الحد، فلم تحد بمجرد التعانه (¬2)، ولا بمجرد نكولها، بل بمجموع الأمرين. وأكدت أيمانهما (¬3) بكونها أربعًا، كما أكدت أيمان المدعين في القسامة بكونها خمسين، ولتقوم الأيمان مقام الشهود. ¬
وفي المسألة قول ثالث، وهو أنه (¬1) لا يقضى بالنكول، ولا بالرد، ولكن يحبس المدعى عليه حتى يجيب بإقرار أو إنكار يحلف معه. وهذا قول في مذهب (¬2) أحمد (¬3)، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي (¬4)، وهذا قول (¬5) ابن أبي ليلى، فإنه قال: لا أدعه حتى يقر أو يحلف (¬6). واحتج لهذا القول بأن المدعى عليه قد أوجب عليه أحد الأمرين: إما الإقرار، وإما الإنكار، فإذا امتنع من أداء الواجب عليه عوقب بالحبس ونحوه حتى يؤديه (¬7). قالوا: وكل من عليه حق، فامتنع من أدائه، فهذا سبيله. والآخرون فرقوا بين الموضعين، وقالوا: لو ترك ونكوله لأفضى إلى ضياع حقوق الناس بالصبر على الحبس. فإذا نكل عن اليمين ¬
القول الأول
ضعف جانب البراءة (¬1) الأصلية فيه، وقوي جانب المدعي فقوي باليمين، وهذا كأنه لما قوي جانب المدعين للدم باللوث بدئ بأيمانهم، وأكدت بالعدد. والمقصود: أن الناس اختلفوا في الحكم بالنكول على أقوال: أحدها: أنه من طرق الحكم. وهذا قول عثمان بن عفان (¬2) - رضي الله عنه -، وقضى به شريح (¬3). قال أبو عبيد: حدثنا يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سالم بن عبد الله: أن أباه - عبد الله بن عمر - باع عبدًا له بثمانمائة درهم بالبراءة، ثم إن صاحب العبد خاصم فيه ابن عمر إلى عثمان بن عفان (¬4)، فقال عثمان لابن عمر: احلف بالله لقد بعته وما به من داء علمته، فأبى ابن عمر أن يحلف، فرد عليه العبد (¬5). وقال ابن أبي شيبة، عن شريك، عن مغيرة (¬6)، عن الحارث (¬7)، قال: "نكل رجل عند شريح عن اليمين، فقضى عليه، فقال: أنا أحلف، فقال ¬
القول الثاني
شريح (¬1): قد قضي قضاؤك (¬2) " (¬3). وهذا قول الإمام أحمد في إحدى الروايتين (¬4)، وقول أبي حنيفة (¬5). والقول الثاني: أنه لا يقضى بالنكول، بل ترد اليمين على المدعي، فإن حلف قضى له، وإلا صرفهما. وهذا مروي عن عمر (¬6)، وعلي (¬7)، والمقداد بن الأسود (¬8)، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم -. فروى البيهقي وغيره من حديث مسلمة بن علقمة، عن داود، عن الشعبي: "أن المقداد استقرض من عثمان سبعة آلاف درهم، فلما تقاضاه، قال (¬9): إنما هي أربعة آلاف درهم، فخاصمه إلى عمر. فقال ¬
المقداد: احلف أنها سبعة آلاف، فقال عمر - رضي الله عنه -: أنصفك. فأبى أن يحلف، فقال عمر: خذ ما أعطاك" (¬1). ورواه أبو عبيد (¬2) عن عفان (¬3) بن مسلم عن سلمة (¬4). ورواه البيهقي (¬5) من حديث حسين بن عبد الله بن ضميرة (¬6)، عن أبيه (¬7)، عن جده (¬8)، عن علي - رضي الله عنه -، قال: "اليمين مع الشاهد، وإن لم تكن له بينة فاليمين على المدعى عليه، إذا كان قد خالطه، فإن نكل حلف المدعي". وذكر البيهقي (¬9) أيضًا من حديث سليمان بن ¬
عبد الرحمن (¬1)، حدثنا محمد بن مسروق (¬2)، عن إسحاق بن الفرات، عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: رد اليمين على طالب الحق" رواه الحاكم في "المستدرك" (¬3). قلت: ومحمد بن مسروق - هذا - ينظر من هو (¬4)؟ وقال عبد الملك بن حبيب: حدثنا أصبغ بن الفرج، عن ابن وهب، عن حيوة بن شريح أن سالم بن غيلان التجيبي أخبره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كانت له طلبة عند أحد: فعليه البينة، والمطلوب أولى باليمين، فإن نكل حلف الطالب وأخذ" وهذا مرسل (¬5). واحتج لرد اليمين بحديث القسامة (¬6) وفي الاستدلال به ما فيه، فإنه عرض اليمين على المدعين أولًا، واليمين المردودة هي التي ¬
القول الثالث
تطلب من المدعي، بعد نكول المدعى عليه عنها. لكن يقال: وجه الاستدلال: أنها جعلت من جانب المدعي لقوة جانبه باللوث، فإذا تقوى جانبه بالنكول شرعت في حقه. القول الثالث: أنه يجبر على اليمين - شاء أم أبى - بالضرب والحبس، ولا يقضى عليه (¬1) بنكول، ولا برد يمين (¬2). قال أصحاب هذا القول: ولا ترد اليمين إلَّا في ثلاثة مواضع لا رابع لها: أحدها: القسامة. والثاني: الوصية في السفر إذا لم يشهد فيها إلَّا الكفار. والثالث: إذا أقامَ شاهدًا واحدًا حلف معه، وهذا قول ابن حزم ومن وافقه من أهل الظاهر (¬3). قالوا: لم يأت قرآن ولا سنَّة ولا إجماع على القضاء بالنكول ولا باليمين المردودة. وجاء نص القرآن برد اليمين في مسألة الوصية (¬4)، ونص السنَّة ¬
قول أبي محمد بن حزم، ومناقشته
بردها في مسألة القسامة (¬1)، والشاهد واليمين (¬2)، فاقتصرنا على ما جاء به كتاب الله وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم نعد ذلك إلى غيره، وليس قول أحدٍ حجة سوى المعصوم - صلى الله عليه وسلم - وكل من سواه مأخوذٌ من قوله ومتروك. وأمَّا قول مالك في "الموطأ" (¬3) في باب اليمين مع الشاهد في كتاب الأقضية: أرأيت رجلًا ادَّعى على رجلٍ مالًا أليس يحلف المطلوب ما ذلك (¬4) الحقُّ (¬5) عليه، فإن حلفَ بطل ذلك عنه، وإن أبى أن يحلف ونكل عن اليمين، حلف طالب الحقِّ: إنَّ حقَّه لحقٌّ، وثبت حقه على صاحبه؟ فهذا ممَّا (¬6) لا اختلاف فيه عند أحدٍ من النَّاسِ، ولا في بلدٍ من البلدان، فبأي شيءٍ أخذ هذا؟ أم في أي كتابٍ وجده؟ فإذا أقرَّ بهذا فليقر باليمين مع الشاهد، وإن لم يكن ذلك في كتاب الله تعالى" هذا لفظه. قال أبو محمد ابن حزم (¬7): إن كان خفي عليه قضاء أهل العراق بالنكول، فإنَّه لعجب (¬8)، ثمَّ قوله: "إذا أقرَّ بردَّ اليمين وإن لم يكن في كتاب الله، فليقرَّ باليمين مع الشاهد، وإن لم يكن في كتاب ¬
الله (¬1) " فعجبٌ آخر؛ لأنَّ اليمين مع الشاهد ثابتٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو في كتاب الله، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. قلت: ليس في واحدٍ من الأمرين عجب. أمَّا حكايته الإجماع فإنَّه لم يقل: لا خلاف أنَّه لا يحكم بالنكول، بل إذا نكلَ وردَّ اليمين، حُكِمَ له بالاتفاق، فإنَّ فقهاء الأمصارِ على قولين (¬2): منهم من يقول: يقضى بالنكول، ومنهم من يقول: إذا نكل رُدَّت اليمين على المدعي فإن حلفَ حكم له، فهذا الَّذي أراد مالك (¬3) - رحمه الله -: أنَّه إذا رد اليمين مع نكول المدعى عليه لم يبقَ فيه اختلاف في بلدٍ من البلدان، وإن كان فيه اختلاف شاذ. وأمَّا تعجبه من قوله: "إنَّ الشاهد واليمين ليس في كتاب الله" فتعجبه هو المتعجب منه، فإنَّ المانعين من الحكم بالشاهد واليمين يقولون: ليس هو في كتاب الله تعالى، بل في كتاب الله (¬4) خلافه، وهو اعتبار الشاهدين (¬5)، فقال مالك - رحمه الله تعالى -: إذا كنتم تقضون ¬
الظاهرية سدوا على أنفسهم باب اعتبار المعاني والحكم
بالنكول، ويقضي النَّاس كلهم بالردِّ مع النكول، وليس في كتاب الله، فهكذا الشاهد مع اليمين يجب أن يقضى به وإن لم يكن في كتاب الله تعالى، كما دلَّت عليه السنة. فهذا إلزام (¬1) لا محيد عنه، والله أعلم. قال ابن حزم (¬2): وأمَّا رد اليمين على الطالب إذا نكل المطلوب، فما كان في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فبين الأمرين فرقٌ كما بين السماء والأرض. فيقال: بل أرشد إليه كتاب الله وسنة رسوله. أمَّا الكتاب: فإنَّه سبحانه شرع الأيمان في جانب المدعي إذا احتاج إلى ذلك، وتعذر عليه إقامة البينة، وشهدت القرائن بصدقه، كما في اللعان (¬3)، وشرع عذاب المرأة بالحدَّ بنكولها مع يمينه، فإذا كان هذا شرعه في الحدود التي تدرأ بالشبهات، وقد أمرنا بدرئها ما استطعنا، فلأن يشرع الحكم بها بيمين المدعي مع نكول المدعى عليه في درهم وثوب ونحو ذلك أولى وأحرى. لكنْ أبو محمد وأصحابه سدُّوا على نفوسهم باب اعتبار المعاني والحِكَم التي علق بها الشارع الحُكْم (¬4)، ففاتهم بذلك حظٌّ عظيمٌ من العلمِ، كما أنَّ الَّذين فتحوا على نفوسهم باب الأقيسة والعلل - التي لم ¬
إرشاد السنة إلى القول الصحيح في المسالة
يشهد لها الشارع بالقبول - دخلوا في باطل كثير، وفاتهم حقٌّ كثير، فالطائفتان (¬1) في جانب إفراط وتفريط. وأمَّا إرشاد السنَّة إلى ذلك: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - جعل اليمين في جانب المدعي إذا أقام شاهدًا واحدًا (¬2)، لقوَّة جانبه بالشاهد، ومكنه من اليمين بغير بذل خصمه (¬3) ورضاهُ، وحكم له بها مع شاهده، فلأن يحكم به باليمين التي يبذلها (¬4) خصمه مع قوَّة جانبه بنكول خصمه أولى وأحرى، وهذا ممَّا لا يشك فيه من له خوض في حكم الشريعة وعللها ومقاصدها، ولهذا شرعت الأيمان في القسامة في جانب المدعي، لقوَّة جانبه باللوث، وهذه هي المواضع الثلاثة التي استثناها منكرو القياس (¬5). ولما كانت أفهام الصحابة - رضي الله عنهم - فوق أفهام جميع الأمة، وعلمهم بمقاصد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وقواعد دينه وشرعه أتم من علم كل من جاء بعدهم: عدلوا عن (¬6) ذلك إلى غير هذه المواضع الثلاثة وحكموا بالردَّ مع النكول في موضع (¬7)، وبالنكول وحده في ¬
قضاء الصحابة في المسألة
موضع (¬1)، وهذا من كمال فهمهم وعلمهم بالجامع والفارق والحكم والمناسبات، ولم يرتضوا (¬2) لأنفسهم عبارات (¬3) المتأخرين واصطلاحاتهم وتكلفاتهم، فهم كانوا أعمق الأمة علمًا، وأقلهم تكلفًا، والمتأخرون عكسهم في الأمرين. فعثمان بن عفان قال لابن عمر: "احلف بالله لقد بعت العبد وما به داء علمته" (¬4)، فأبى، فحكم عليه بالنكول، ولم يرد اليمين في هذه الصورة على المدعي، ويقول له: احلف أنت أنَّه كان عالمًا بالعيب؛ لأنَّ هذا ممَّا لا يمكن أن يعلمه المدعي، ويمكن المدعى عليه معرفته، فإذا لم يحلف المدعى عليه لم يكلف المدعي اليمين، فإنَّ ابن عمر - رضي الله عنهما - كان قد باعه بالبراءة من العيوب، وهو إنَّما يبرأ إذا لم يعلم بالعيب، فقال له: "احلف أنك بعته وما به عيب تعلمه"، وهذا ممَّا يمكن (¬5) أن يحلف عليه دون المدعي، فإنَّه قد تتعذر عليه اليمين أنَّه كان عالمًا بالعيب، وأنَّه كتمه مع علمه به. وأما أثر عمر بن الخطاب - وقول المقداد: "احلف أنها سبعة آلاف"، فأبى أن يحلف، فلم يحكم له بنكول عثمان (¬6) - فوجهه: أن ¬
مناقشة احتجاج ابن حزم
المقرض إن كان عالمًا بصدق نفسه وصحة دعواه حلف وأخذه، وإن لم يعلم ذلك لم تحل له الدعوى بما لا (¬1) يعلم صحته، فإذا نكل عن اليمين لم يقض له بمجرد نكول خصمه؛ إذ خصمه قد لا يكون عالمًا بصحة دعواه، فإذا قال للمدعي: إن كنت عالمًا بصحة دعواك فاحلف وخذ، فقد أنصفه جد الإنصاف. فلا أحسن مما قضى به الصحابة - رضي الله عنهم -، وهذا التفصيل في المسألة هو الحق، وهو اختيار شيخنا (¬2) - قدس الله روحه - والله أعلم (¬3). قال أبو محمد ابن حزم (¬4)، محتجًا لمذهبه: ونحن نقول: إن نكول الناكل عن اليمين في كل موضع وجب (¬5) عليه، يوجب (¬6) أيضًا عليه حكمًا، وهو الأدب الذي أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كل من أتى منكرًا يوجب تغييره باليد (¬7). فيقال له: قد يكون معذورًا في نكوله، غير آثم به، بأن يدعي أنه ¬
أقرضه ويكون قد وفاه، ولا يرضى منه إلا بالجواب على وفق الدعوى. وقد يتحرج من الحلف، مخافة موافقة قضاء وقدر، كما روي عن جماعة من السلف (¬1)، فلا يجوز أن يحبس حتى يحلف. وقولهم: "إن هذا منكر يجب تغييره باليد" (¬2) كلام باطل، فإن تورعه عن اليمين ليس بمنكر، بل قد يكون واجبًا أو مستحبًّا أو جائزًا، وقد يكون معصية. وقولهم: "إن الحلف حق قد وجب عليه، فإذا أبى أن يقوم به ضرب حتى يؤديه" (¬3). فيقال: إن في اليمين حقًّا له وحقًّا عليه، فإن الشارع مكنه من التخلص من الدعوى باليمين، وهي واجبة عليه للمدعي، فإذا امتنع من اليمين فقد امتنع من الحق الذي وجب عليه لغيره، وامتنع من تخليص نفسه من خصمه باليمين، فقيل: يحبس أو يضرب حتى يقر أو يحلف. وقيل: يقضى عليه بنكوله، ويصير كأنه مقر بالمدعى (¬4). وقيل: ترد اليمين على المدعي. والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد (¬5). وقول رابع بالتفصيل كما تقدم، وهو اختيار ¬
إذا ردت اليمين على المدعي فهل تكون يمينه كالبينة؟
شيخنا (¬1). وفي المسألة قولٌ خامس: وهو أنَّه إذا كان المدعي متهمًا ردت عليه، وإن لم يكن متهمًا قُضِيَ له (¬2) بنكول خصمه. وهذا القولُ يحكى عن ابن أبي ليلى (¬3)، وله حظٌّ من الفقه، فإنَّه إذا لم يكن متهمًا غلب على الظن صدقه، فإذا نكلَ خصمه قوي ظن (¬4) صدقه، فلم يحتج إلى اليمين، وأمَّا إذا كان متهمًا لم يبقَ معنا إلَّا مجرَّد النكول، فقويناه برد اليمين عليه، وهذا نوعٌ من الاستحسان (¬5). فصل إذا رُدَّت اليمين على المدعي، فهل تكون يمينه كالبينة، أم كإقرار المدعى عليه؟ فيه قولان للشافعي - رحمه الله - أظهرهما عند أصحابه أنَّها كالإقرار (¬6). ¬
إذا قضي بالنكول فهل يكون كالإقرار أو كالبذل؟
فعلى هذا لو أقام المدعى عليه بينة بالأداء والإبراء بعد ما حلفَ المدعي، فإن قيل: يمينه كالبينة سمعت بينة المدعى عليه (¬1)، وإن قيل: هي كالإقرار لم تسمع، لكونه مكذبًا (¬2) للبينة بالإقرار. وإذا قُضِيَ بالنكول فهل يكون كالإقرار أو كالبذل؟ فيه وجهان (¬3)، ينبني عليهما ما إذا ادعى نكاح امرأة واستحلفناها فنكلت، فهل يقضى عليها بالنكول وتجعل زوجته؟ فإن قلنا: النكولُ إقرار حكم له بكونها زوجته (¬4)، وإن قلنا: بَذْل، لم يحكم بذلك؛ لأنَّ الزوجية لا تباح بالبذل. وكذلك لو ادعى رق مجهول النسب، وقلنا: يستحلف، فنكلَ عن اليمين. وكذلك لو ادعى قذفه واستحلفناه فنكل، فهل يحد للقذف؟ ينبني (¬5) على ذلك. وكذلك الخلاف في مذهب أبي حنيفة، فالنكول بَذْلٌ عنده وإقرارٌ عند صاحبيه (¬6). ¬
قال أصحابه: فلا يستحلف في النكاح والرجعة والفيئة (¬1) والإيلاء والرق والاستيلاد والنسب والولاء والحدود؛ لأنَّ النكول عند أبي حنيفة بذل وهو لا يجري في هذه الأشياء، وعندهما يستحلف؛ لأنَّه يجري مجرى الإقرار، وهو مقبول بها (¬2). واحتج من جعله كالإقرار بأنَّ الناكل كالممتنع من (¬3) اليمين الكاذبة ظاهرًا، فيصير معترفًا بالمدعى؛ لأنَّه لما نكل مع إمكان تخلصه (¬4) باليمين، دلَّ ذلك على أنَّه لو حلفَ لكان كاذبًا، وذلك دليلٌ على (¬5) اعترافه، إلَّا أنَّه لما كان دون الإقرار الصريح لم يعمل عمله في الحدود والقود (¬6). واحتجَّ من جعله كالبذل، بأنَّا لو اعتبرناه إقرارًا منه (¬7) يكون كاذبًا في إنكاره، والكذب حرام، فيفسق بالنكول بعد الإنكار، وهذا باطل، فجعلناه بذلًا وإباحة صيانة له (¬8) عمَّا يقدح في عدالته، ويجعله كاذبًا. والصحيح: أنَّ النكول يقوم مقام الشاهد والبينة، لا مقام الإقرار ¬
ولا البذل؛ لأنَّ النَّاكل قد صرَّح بالإنكار، وأنَّه لا يستحق المدعى به، وهو مُصِرّ على ذلك، متورع عن اليمين، فكيف يُقال: إنَّه مقرٌّ، مع إصراره على الإنكار، ويُجعل مُكذِّبًا لنفسه؟ (¬1). وأيضًا لو كان مقرًّا لم تسمع منه بينة نكوله بالإبراء والأداء، فإنَّه يكون مكذبًا لنفسه، وأيضًا فإنَّ الإقرار إخبارٌ وشهادة المرء (¬2) على نفسه، فكيف يجعل مقرًّا شاهدًا على نفسه بسكوته، والبذل إباحة وتبرع، وهو لم يقصد ذلك، ولم يخطر على قلبه، وقد يكون المدعى عليه مريضًا مرض الموت، فلو كان النكول بذلًا وإباحة اعتبر خروج المدعى من الثلث (¬3). فتبين أنه لا إقرار ولا إباحة، وإنَّما هو جارٍ مجرى الشاهد والبينة، فإنَّ "البينة" اسمٌ لما يبين الحق، ونكوله - مع تمكنه من اليمين الصادقة التي يبرأ بها من المدعى عليه ويتخلص بها (¬4) من خصمه - دليلٌ ظاهرٌ على صحة دعوى خصمه وبيان أنَّها حق، فقام مقام شاهد القرائن. فإن قيل: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أجرى السكوت مجرى الإقرار والبذل في حق البكر إذا استؤذنت؟ (¬5). ¬
إذا قلنا برد اليمين فهل ترد بمجرد نكول المدعى عليه؟
قيل: ليس (¬1) ذلك نكولًا، وإنَّما هو دليل على الرضا بما استؤذنت فيه؛ لأنَّها تستحي من الكلام ويلحقها العار بكلامها الدَّال على طلبها، فنزل سكوتها منزلة رضاها للضرورة، وها هنا المدعى عليه لا يستحي من الكلام ولا عار عليه (¬2) فيه فلا يشبه البكر، والله - سبحانه وتعالى - أعلم. فصل إذا قلنا برد اليمين، فهل ترد بمجرد (¬3) نكول المدعى عليه أم لا ترد حتَّى يأذن في ذلك؟ ظاهرُ كلام الإمام أحمد أنَّه لا يشترط إذن الناكل (¬4)؛ لأنَّه لما رغب عن اليمين انتقلت إلى المدعي، ولأنَّه برغبته ونكوله عنها - مع تمكنه من الحلف - صار راضيًا بيمين المدعي فجرى ذلك مجرى إذنه، كما أنَّه بنكوله (¬5) نزل منزلة الباذل (¬6) أو المقر. وقال أبو الخطاب: لا ترد اليمين إلَّا إذا أذن فيها النَّاكل؛ لأنَّها من جهته وهو أحقُّ بها من المدعي، ولا تنتقل عنه إلى المدعي إلَّا بإذنه (¬7). ¬
الطريق السادس: الحكم بالشاهد الواحد بلا يمين
فصل الطريق السادس: الحكم بالشاهد الواحد بلا يمين. وذلك في صور: منها: إذا شهدَ برؤية هلال رمضان شاهدٌ واحد في ظاهر مذهب الإمام أحمد (¬1)، لحديث ابن عمر - رضي اللهُ عنهما - قال: "تراءى النَّاسُ الهلال، فَأخْبَرْتُ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي رأيْتُهُ فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ" رواه أبو داود (¬2). فعلى هذا هل يكتفى بشهادة (¬3) المرأة الواحدة في ذلك؟ فيه وجهان (¬4) مبنيان على أنَّ ثبوته بقول الواحد هل هو (¬5) من باب ¬
الإخبار، أو من باب الشهادات؟ وروى أبو داود أيضًا عن ابن عباس قال: "جَاءَ أَعْرَابِي إِلى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: إنِّي رأَيْتُ الهلالَ، فقالَ: "أتشْهَدُ أنْ لَا إِلهَ إِلا الله: قالَ: نَعم، قال: أَتَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ اللهِ؟ قال: نعم، قال: يَا بِلَالُ، أَذَّنْ في النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا" (¬1). وعنه رواية أُخرى: لا يجب إلَّا بشهادة اثنين (¬2). وحجة هذا القول ما رواه النسائي وأحمد وغيرهما عن عبد الرحمن ابن زيد بن الخطاب عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "صُوْمُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيتهِ، وَانْسِكُوا (¬3)، فِإن غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُوا ثَلاَثِيْنَ، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ ذوَا عَدْلٍ فصُوْمُوا وَأَفْطِرُوا" (¬4). وهذا لا حجة فيه من طريق المنطوق، والمفهوم (¬5) فيه تفصيل: وهو أنَّه إن كان المشهود فيه هلال شوال، فيشترط شاهدان بهذا النص، وإن كان هلال رمضان كفى واحد بالنصين الآخرين، ولا يقوى ما يتوهم ¬
من عموم المفهوم على معارضة هذين الخبرين. وأصول الشرع تشهد للاكتفاء بقول الواحد (¬1)، كالإخبارِ (¬2) عن دخول وقت الصلاة بالأذان، ولا فرق بينهما. وقال أبو بكر عبد العزيز (¬3): إن كان الرَّائي في جماعة لم تقبل إلَّا شهادة اثنين؛ لأنَّه يبعد انفراد الواحد من بين النَّاسِ بالرؤية، فإذا شهد معه آخر: غلب على الظن صدقهما، وإن كان في سفرٍ فقدم (¬4)، قبل قوله وحده، لظاهر الحديث؛ ولأنَّه قد يكون في السفر هو (¬5) وحده، أو يتشاغل رفقته عن رؤيته، فيراه هو (¬6). وقال أبو حنيفة (¬7): إن كان في السَّماءِ علَّة أو غيم أو غبار أو نحو ذلك، ممَّا يمنع الرؤية قبل (¬8) شهادة الواحد العدل، والحر والعبد والذكر والأنثى في ذلك سواء، وتقبل فيه شهادة المحدود في القذف إذا تابَ، ولا يشترط فيه (¬9) لفظ الشهادة. ¬
الصحيح في المسالة
قال: وإن لم تكن في السَّماءِ علَّة لم تقبل إلَّا شهادة جمع (¬1) يقع العلم بخبرهم، وهو مفوض إلى رأي الإمام من غير تقدير؛ لأنَّ المطالع متحدة، والموانع مرتفعة، والأبصار صحيحة، والدواعي على طلب الرؤية متوفرة، فلا يجوز أن يختص بالرؤية النفر القليل. وعن أبي حنيفة رواية أُخرى: أنَّه تكفي (¬2) شهادة الاثنين (¬3). قالوا: ولو جاء رجل من خارج المصر وشهد به قُبِل، وكذا إذا كان على مرتفع في البلد كالمنارة ونحوها؛ لأنَّ (¬4) الرؤية تختلف باختلافِ صفاء الجو وكدره، وباختلاف ارتفاع المكان وهبوطه. والصحيح قبول شهادة الواحد مطلقًا، كما دلَّ عليه حديثا (¬5) ابن عمر (¬6) وابن عباس (¬7) - رضي اللهُ عنهما -. ولا ريبَ أنَّ الرؤية كما تختلف بأسباب خارجة عن الرَّائي، فإنَّها تختلف بأسباب من الرَّائين، كحدة البصر وكلاله، وقد شاهد النَّاس الجمع العظيم (¬8) يتراءون الهلال، فيراه الآحاد منهم، وأكثرهم لا ¬
شهادة طبيب واحد وبيطار واحد
يرونه، ولا يبعد (¬1) انفراد الواحد بالرؤية من بين النَّاس، وقد كان الصحابة في طريق الحج، فتراءوا هلال ذي الحجة، فرآه ابن عباس ولم يره عمر، فجعل يقول "ألا (¬2) تراه يا أمير المؤمنين، فقال: سأراه وأنا مستلق على فراشي" (¬3). فصل ومنها: ما يختص بمعرفته أهل الخبرة والطب، كالموضحة وشبهها، وداء الحيوان الَّذي لا يعرفه إلَّا البيطار، فتقبل في ذلك شهادة طبيب واحد وبيطار واحد إذا لم يوجد غيره، نص عليه أحمد (¬4). وإن أمكن شهادة اثنين، فقال أصحابنا (¬5): لا يكتفى فيه بدونهما، أخذًا من مفهوم كلامه، ويتخرج قبول الواحد، كما يقبل قول القاسم (¬6) والقائف وحده. ¬
شهادة امرأة واحدة فيما لا يطلع عليه الرجال غالبا
فصل ومنها: ما لا يطلع عليه الرجال غالبًا من الولادة والرضاع والعيوب تحت الثياب، والحيض والعدة، فتقبل فيه شهادة امرأة واحدة مع العدالة (¬1). والأصل فيه: حديث عقبة بن عامر (¬2) قال: "تزوجت امرأة، فجاءت أمة سوداء، فقالت: فقد أرضعتكما، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟ فقال: دَعْهَا عَنْكَ" (¬3). وفي هذا الحديث من الأحكام: قبول شهادة العبد، وقبول شهادة المرأة وحدها، وقبول شهادة الرجل على فعل (¬4) نفسه، كالقاسم والخارص (¬5)، والحاكم على حكمه (¬6) بعد عزله (¬7). ¬
شهادة القابلة فى الأستهلال
وعن أحمد رواية أُخرى: لا تقبل فيه إلَّا شهادة امرأتين؛ لأنَّ الله سبحانه أقامهما في الشهادة مقام شاهدٍ واحد، وهو أقل نصاب في الشهادة (¬1). وقال الشافعي (¬2) ومالك (¬3): لا يقبل أقل (¬4) من أربع نسوة؛ لأنَّهنَّ كرجلين، والله تعالى أمرَ باستشهادِ رجلين، فإن لم يكونا رجلين (¬5) فرجلٌ وامرأتان، فعلم أنَّ المرأتين مقام الشاهد الواحد. وقد احتج الإمام (¬6) أحمد: أنَّ عليًّا - رضي الله عنه - أجاز شهادة القابلة في الاستهلال (¬7). ¬
قال الشافعي: لو ثبتَ عن علي صرنا إليه (¬1)، وقال إسحاق بن راهويه: لو صحت شهادتها لقلنا به (¬2). ولا يعرف اشتراط الأربعة عن أحدٍ قبل عطاء (¬3)، فإنَّ ابن جريج روى عنه: "لا يجوز في الاستهلال إلَّا أربع نسوة" ذكره البيهقي (¬4). وقد روي مرفوعًا من حديث حذيفة، رواه الدَّارقطني من حديث محمد بن عبد الملك الواسطي (¬5) عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز شهادة القابلة" (¬6). قال الدَّارقطني (¬7): محمد بن عبد الملك الواسطي لم يسمعه من الأعمش، بينهما رجلٌ مجهول وهو أبو (¬8) عبد الرحمن المدائني (¬9). ¬
شهادة خزيمة بن ثابت وحده
قال ابن الجوزي (¬1): وقد روى أصحابنا من حديث ابن عمر - رضي اللهُ عنهما -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يجزئُ في الرضاع شهادة امرأة" (¬2). قلت: وهذا لا يعرف إسناده، وقد أجاز النبي- صلى الله عليه وسلم - شهادة خزيمة بن ثابت وحده، وجعلها بشهادتين (¬3)، وقد احتج به أبو داود على قبول شهادة الرجل وحده، إذا علم الحاكم صدقه (¬4)، كما سنذكره. قال البخاري في صحيحه (¬5): حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام بن يوسف أنَّ ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني عبد الله بن عبيد الله (¬6) ¬
شهادة الشاهد الواحد في السلب
ابن أبي مليكة: "أنَّ بني (¬1) صهيب (¬2) مولى ابن جدعان ادعوا بيتين وحجرة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى ذلك صهيبًا، فقال مروان: من يشهد لكما على ذلك؟ قالوا: ابن عمر، فدعاهُ فشهد لأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صهيبًا بيتين وحجرة، فقضى مروان بشهادته". وهذا غير مختص به، فالَّذي شهد به خزيمة يشهد به كل مؤمنٍ بأنَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنّما بيَّنه خزيمة دون الصحابة؛ لدخول هذا الفردِ من أخباره - صلى الله عليه وسلم - في جملة أخباره، وأنَّه يجب تصديقه فيه، والشهادة بأنَّه كما أخبر به، كما يجب تصديقه في سائر أخبارهِ (¬3). وقد أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادة الشاهد الواحد من غير يمين، كما جاء (¬4) في الصحيحين (¬5) من حديث أبي قتادة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين (¬6): "مَنْ قَتَلَ قَتِيْلًا لَهُ عَلَيْهِ بَينَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ (¬7) ثُمَّ قُلتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ فقالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا ¬
قَتَادَة؟ فَذَكَرْتُ أَمْرَ القَتِيْلِ لِرَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: صَدَقَ يَا رَسُوْلَ اللهِ، سَلَبُهُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ منه، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: لاها الله لَا يُعْطِيْهِ أضيبع (¬1) قُرَيشٍ، ويَدَعُ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللهِ وَرَسُولهِ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: صَدَقَ، أعْطِهِ إِيَّاهُ، فَأدَّاهُ إِليَّ". وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال في المذهب (¬2): أحدها: أنَّه (¬3) لا بُدَّ من شاهدين (¬4). والثاني: يكفي شاهدٌ (¬5) ويمين (¬6). والثالث (¬7): يكفي شاهد واحد، وهو الأصح في الدليل (¬8)، لهذا الحديث الصحيح الَّذي لا معارض له ولا (¬9) وجه للعدول عنه. ¬
بعض من قبل شهادة الشاهد الواحد من قضاة السلف
وقال أبو داود في سننه (¬1): "باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به" ثمَّ ذكر حديث خزيمة بن ثابت (¬2). قال الشافعي (¬3): وذكر عمران بن حدير عن أبي مجلز قال: "قضى زرارة بن أوفى (¬4) - رحمه الله - بشهادتي وحدي" (¬5). وقال (¬6) شعبة عن (¬7) أبي قيس (¬8) وعن أبي إسحاق (¬9): "أنَّ شريحًا أجاز شهادة كل واحد منهما وحده" (¬10). وقال الأعمش عن أبي إسحاق: "أجاز شريح شهادتي وحدي" (¬11). ¬
شهادة الشاهد الواحد بغير يمين في الترجمة والرسالة والجرح والتعديل
وقال أبو قيس: "شهدتُ عند شريح على مصحف (¬1)، فأجاز شهادتي وحدي" (¬2). فصل ومنها: قبول شهادة الشاهد الواحد بغير يمين، في الترجمة، والتعريف، والرسالة، والجرح والتعديل. نص عليه أحمد في إحدى الروايتين (¬3)، وترجم عليه البخاري في صحيحه (¬4) فقال: "باب ترجمة الحكام، وهل يجوز ترجمان واحد؟ " قال خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهُ أن يتعلم كتابة اليهود، حتَّى كتبت للنَّبي - صلى الله عليه وسلم - كتبه وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه" (¬5)، وقال عمر - وعنده علي وعثمان ¬
وعبد الرحمن بن عوف (¬1) - "ماذا تقول هذه؟ فقال عبد الرحمن بن حاطب: تخبرك بصاحبها الَّذي صنع بها" (¬2). وقال أبو جمرة (¬3): "كنتُ أترجم بين يدي ابن عباس وبين النَّاس" (¬4) فقال بعض النَّاس: "لا بُدَّ للحاكم من مترجمين" (¬5). قلت: هذا قول مالك (¬6) والشافعي (¬7)، واختيار الخرقي (¬8)، والاكتفاء بواحد قول أبي حنيفة (¬9)، وهو الصحيح لما تقدم، وهو اختيار أبي بكر (¬10). ¬
الطريق السابع: الحكم بالشاهد واليمين
فصل الطريق السَّابع: الحكم بالشَّاهد واليمين. وهو مذهب فقهاء الحديث كلهم، ومذهب فقهاء الأمصار (¬1)، ما خلا أبا حنيفة (¬2) وأصحابه (¬3). وقد روى مسلم في صحيحه (¬4) من حديث عمرو بن دينار، عن ابن عباس - رضي اللهُ عنهما -: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِيْنٍ"، قال عمرو: في الأموال (¬5)، وقال الشافعي: حديث ابن عباس ثابتٌ (¬6) ومعه ما يشده (¬7). ¬
قال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال لي محمد بن الحسن: لو علمت أنَّ سيف بن سليمان يروي حديث اليمين مع الشَّاهد لأفسدته، فقلت: يا أبا عبد الله، وإذا أفسدته فسد؟ قال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد عن سيف بن سليمان؟ فقال (¬1): هو عندنا ممَّن يصدق ويحفظ، كان ثبتًا (¬2). قُلت: هو رواه (¬3) عن قيس بن سعد (¬4) عن عمرو بن دينار، وقد رواه أبو داود من حديث عبد الرزاق أخبرنا محمد بن مسلم عن عمرو (¬5). وقال الشافعي (¬6): أخبرنا إبراهيم بن محمد (¬7)، عن ربيعة بن عثمان، عن معاذ بن عبد الرحمن، عن ابن عباس (¬8)، وآخر له صحبة: ¬
"أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِاليَمِين مَعَ الشَّاهِدِ" (¬1). وعن أبي هريرة - رضي اللهُ عنه -: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِاليمين مَعَ الشَّاهِدِ" (¬2). رواه الترمذي وابن ماجه وأبو داود والشافعي، وقال الترمذي: حسنٌ غريب. وقد روي القضاء بالشاهد مع اليمين من رواية عمر بن الخطاب (¬3) وعلي بن أبي طالب (¬4)، وعبد الله بن عمر (¬5)، وعبد الله بن عباس (¬6)، وسعد بن عبادة (¬7)، والمغيرة بن شعبة (¬8)، وجابر بن عبد الله (¬9)، والزبيب (¬10) بن ثعلبة (¬11)، وجماعةٌ من الصحابة - رضي الله عنهم -. قال أبو بكر الخطيب في مصنف أفرده لهذه المسألة (¬12): روى ¬
عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّه قضى بشاهدٍ ويمين" ابن عباس، وجابر بن عبد الله (¬1)، وعمارة بن حزم (¬2)، وسعد بن عبادة (¬3)، وعلي بن أبي طالب (¬4)، وأبو هريرة، وسُرَّق (¬5)، وزيد بن ¬
ثابت (¬1)، وعمر بن الخطاب (¬2)، وعبد الله بن عمر بن الخطاب (¬3) , وعبد الله بن عمرو (¬4)، وأبو سعيد الخدري (¬5)، وزيد (¬6) بن ثعلبة (¬7) , وعامر بن ربيعة (¬8)، وسهل بن سعد (¬9) الساعدي، وعمرو بن ¬
حزم (¬1)، والمغيرة بن شعبة، وبلال بن الحارث (¬2)، وتميم الدَّاري (¬3)، ومسلمة (¬4) بن قيس (¬5)، وأنس بن مالك (¬6) - رضي اللهُ ¬
عنهم -، ثمَّ ذكر أحاديثهم بإسناده. وفي مراسيل مالك (¬1): عن جعفر بن محمد عن أبيه: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى باليَمِين مَعَ الشَّاهِدِ الوَاحِدِ". وقضى به علي - رضي اللهُ عنه - بالعراق (¬2). قال الشافعي (¬3) لبعض من يناظره: فقد روى الثقفي عبد الوهاب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِاليَمِيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ الوَاحِدِ" (¬4). وكذلك رواه ابن المديني وإسحاق وغيرهما (¬5) عن الثقفي عن جعفر عن أبيه عن جابر. ورواه القاضي إسماعيل (¬6): حدثنا إسماعيل بن أبي أوس (¬7)، ¬
حدثنا سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدِّهِ: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِاليَمِيْن مَعَ الشَاهِدِ". وتابعه عبد العزيز بن سلمة، عن جعفر به، إسنادًا ومتنًا (¬1). وقال الشافعي (¬2): أخبرنا عبد العزيز بن محمد (¬3) عن ربيعة (¬4) عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن (¬5) سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جدِّه قال: وجدنا في كتاب سعد: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِاليَمينِ مَعَ الشَّاهِد" (¬6). وقال ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة ونافع بن يزيد (¬7) عن عمارة بن غزية (¬8) عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل أنَّه وجد في كتاب آبائه: "هذا ¬
ما ذكره عمرو بن حزم والمغيرة بن شعبة قالا: "بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل رجلان يختصمان مع أحدهما شاهدٌ له على حقِّه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمين صاحب الحق مع شاهده، فاقتطع (¬1) بذلك حقه" (¬2). وقال الشافعي (¬3): أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو (¬4) عن ابن المسيب: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى باليَمينِ مَعَ الشَّاهِدِ". قال (¬5): وأخبرنا الزنجي (¬6) عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (¬7) أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الشهادة: "فإن جاء بشاهدٍ حلف ¬
مع شاهده". ورواه مطرف بن مازن - ضعيف - حدثنا ابنِ جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (¬1): "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَضى بِشَاهِدٍ ويَمِين في الحُقوق" (¬2). وقال ابن وهب: حدثنا عثمان بن الحكم (¬3) حدثني زهير (¬4) بن محمد (¬5) عن (¬6) سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن زيد بن ثابت: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَضى بِشَاهِدٍ ويَمِيْنٍ" (¬7). ¬
وروى جويرية بن أسماء عن عبد الله بن يزيد (¬1) مولى المنبعث عن رجل عن سُرَّق (¬2) قال: "قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيمين وشاهدٍ". رواه البيهقي (¬3). وروى البيهقي أيضًا من حديث جعفر بن محمد (¬4) عن أبيه عن علي - رضي الله عنه -: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ (¬5) وعثمان رضي الله عنهم، كَانُوا يَقْضُونَ بِشَهَادَةِ الشَّاهِد الوَاحِدِ (¬6)، ويَمِينِ المُدَّعي". قال جعفر: والقضاة يقضون بذلك عندنا اليوم (¬7). ¬
وذكر أبو الزناد (¬1) عن عبد الله بن عامر (¬2): "حضرت أبا بكر وعمر وعثمان يقضون بشهادة الشاهد واليمين" (¬3). وقال الزنجي: حدثنا جعفر بن محمد قال: سمعتُ الحكم بن عتيبة (¬4) يسأل أبي - وقد وضع يده على جدار القبر ليقوم (¬5) - أقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين مع الشَّاهد؟ قال: "نعم، وقضى به علي بين أظهركم" (¬6). وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بالكوفة: "اقض بالشَّاهد مع ¬
الرد على من زعم أنه يخالف ظاهر القرآن
اليمين فإنَّها السنة" رواه الشَّافعي (¬1). قال الشَّافعي (¬2): واليمين مع الشَّاهد لا تخالف من ظاهر القرآن شيئًا؛ لأنَّا نحكم بشاهدين، وشاهد وامرأتين، فإذا كان شاهد حكمنا بشاهدٍ ويمين، وليس ذا يخالف القرآن (¬3)؛ لأنَّه لم يحرم أن يجوز أقل (¬4) ممَّا نصَّ عليه في كتابه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بما (¬5) أراد الله، وقد أمرنا الله أن نأخذ ما آتانا (¬6). قلت: وليس في القرآن ما يقتضي أنَّه لا يحكم إلَّا بشاهدين، أو شاهدٍ وامرأتين؛ فإنَّ الله سبحانه إنَّما أمر بذلك أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بهذا النصاب، ولم يأمر بذلك الحكام أن يحكموا به، فضلًا عن أن يكون قد أمرهم ألَّا يقضوا إلَّا بذلك، ولهذا يحكم الحاكم بالنكول واليمين المردودة، والمرأة الواحدة، والنساء المنفردات لا رجل معهنَّ، وبمعاقد القمط (¬7)، ووجوه ¬
العجب رد الشاهد واليمين وا لحكم بمجرد النكول ونظائره
الآجر (¬1)، وغير ذلك من طرق الحكم التي لم تذكر في القرآن (¬2)، فإن كان الحكم بالشَّاهد واليمين مخالفًا لكتاب الله، فهذه أشد مخالفة لكتاب الله منه، وإن لم تكن هذه الأشياء مخالفة (¬3) للقرآن، فالحكمُ بالشاهد واليمين أولى ألَّا يكون مخالفًا للقرآن، فطرق الحكم شيء، وطرق حفظ الحقوق شيءٌ آخر (¬4)، وليس بينهما تلازم، فتحفظ الحقوق بما لا يحكم به الحاكم ممَّا يعلم صاحب الحق أنَّه يُحفظ به، ويحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه، ولا خطر على باله من نكول ورد يمين وغير ذلك، والقضاء بالشاهد واليمين، ممَّا أراه الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّه سبحانه قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]، وقد حكم بالشاهد واليمين وهو ممَّا أراه الله إيَّاهُ قطعًا. ومن العجائب: ردُّ الشاهد واليمين، والحكم بمجرد النكول الَّذي ¬
هو سكوت، ولا ينسب إلى ساكتٍ قول (¬1)، والحكم لمدعي الحائط إذا كانت إليه الدواخل والخوارج وهو الصحاح من الآجر، أو إليه معاقد القمط في الخص، كما يقوله أبو يوسف (¬2): فأين هذا من الشاهد (¬3) العدل المبرز في العدالة، الَّذي يكاد يحصل العلم بشهادته، إذا انضاف إليها يمين المدعي؟ وأين الحكم بلحوق النسب بمجرد العقد، وإن علمنا قطعًا أن الرجل لم يصل إلى المرأة، من الحكم بالشاهد واليمين؟ وأين الحكم بشهادة مجهولين لا يعرف حالهما، من الحكم بشهادة العدل المبرز (¬4) الثقة، مع يمين الطالب؟ وأين الحكم لمدعي الحائط بينه وبين جاره، تكون عليه ثلاثة جذوع فصاعدًا له (¬5) من الحكم بالشاهد واليمين؟ ومعلومٌ أنَّ الشاهد العدل (¬6) واليمين أقوى في الدلالة والبينة من ثلاثة (¬7) جذوع على الحائط الَّذي ادعاه، فإذا أقام جاره شاهدًا، وحلف معه كان ذلك أقوى من شهادة الجذوع. وهذا شأن كل من خالف سنَّةً صحيحة لا معارض لها، لا بُدَّ أن ¬
مذهب البخاري في المسألة
يقول أقوالًا يعلم أنَّ القول بتلك السنَّة أقوى منها بكثير. وقد نُسِبَ إلى البخاري إنكارُ الحكم بشاهدٍ ويمين، فإنَّه قال في "باب يمين المدعى عليه" (¬1) من كتاب الشهادات: "قال قتيبة (¬2): حدثنا سفيان (¬3) عن ابن شبرمة (¬4) قال: كلمني أبو الزناد في شهادة الشَّاهدِ ويمين المدعي، فقلت: قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]. قلت: إذا كان يكتفى بشهادة شاهدٍ ويمين المدعي فما يحتاج أن تذكر إحداهما الأُخرى (¬5)، ما كان يصنع بذكر هذه الأخرى؟ ". فترجمة الباب بأنَّ اليمين من جهة المدعى عليه، وذكر هذه المناظرة، وعدم رواية حديث أو أثر في الشَّاهدِ واليمين، ظاهرٌ في أنَّه لا يذهب إليه، وهذا ليس بصريح أنَّه مذهبه، ولو صرح به فالحجة فيما يرويه لا فيما يراه. ¬
قال الإسماعيلي - عند ذكر هذه الحكاية -: ليس فيما ذكره ابن شبرمة معنى، فإنَّ الحاجة إلى إذكار إحداهما الأخرى إذا شهدتا، فإن لم يكونا قامَ مقامَهما يمين الطالب ببيان السنَّة الثابتة (¬1)، وكما حلَّت يمين المدعى عليه محل البينة في الأداء والإبراء، حلت ها هنا محل الشاهد ومحل المرأتين في الاستحقاق، بانضمامها إلى الشاهد الواحد، ولو وجب إسقاط السنَّة الثابتة في الشاهد واليمين - كما ذكر ابن شبرمة - لسقط الشاهد والمرأتان، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "شاهداك أو يمينه" (¬2). فنقله عن الشاهدين إلى يمين خصمه بلا ذكر رجل وامرأتين. قلت: مراده أنَّ قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] لو كان مانعًا من الحكم بالشاهد واليمين، ومعارضًا له، لكان قوله - صلى الله عليه وسلم -: "شاهداك أو يمينه" مانعًا من الحكم بالشَّاهد والمرأتين، ومعارضًا له، وليس الأمر كذلك، فلا تعارض بين كتاب الله وسنَّة رسوله، ولا اختلاف ولا تناقض بوجه من الوجوه، بل الكل من عند الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} [النساء: 82] (¬3). ¬
الرد على من أعل حديث ابن عباس في الباب
فإن قيل: أصح حديث في الباب: حديث ابن عباس - رضي اللهُ عنهما - وقد قال عباس الدوري (¬1): قال يحيى: حديث ابن عباس: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بشاهدٍ ويمين" ليس هذا محفوظًا (¬2). قيل: هذا ليس بشيء، قال أبو عبد الله الحاكم: شيخنا أبو زكريا لم يطلق هذا القول على حديث سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وإنَّما أراد الحديث الخطأ الَّذي روي عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس (¬3)، أو الحديث الَّذي تفرَّد (¬4) به إبراهيم بن محمد عن ابن أبي ذئب (¬5)، وأمَّا حديث سيف بن سليمان فليس في إسناده من جرح، ولا نعلم له علَّة يعلل بها، وأبو زكريا ¬
المنقول عن أحمد في المسألة
أعلم (¬1) بهذا الشأن من أن يظن به توهين (¬2) حديث يرويه الثقات الأثبات (¬3). قال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد القطان عن سيف بن سليمان؟ فقال: كان عندنا ثبت ممن يحفظ عنه (¬4) ويصدق (¬5). وقال أبو بكر (¬6) في "الشافي (¬7) ": "باب قضاء القاضي بالشاهد واليمين": حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا إسماعيل بن أسد حدثنا شبابة حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بشهادة رجل واحد مع يمين صاحب الحق". وقضى به علي بالعراق. ثم ذكر من رواية حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول - في الشاهد واليمين -: جائز الحكم به. فقيل لأبي عبد الله: إيش معنى اليمين؟ قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاهد ويمين (¬8). قال أبو عبد الله: وهم ¬
لعلهم يقضون في مواضع بغير شهادة شاهد، في مثل رجل اكترى من رجل دارًا، فوجد صاحب الدار في الدار شيئًا، فقال: هذا لي، وقال الساكن: هو لي. ومثل رجل اكترى من رجل دارًا فوجد فيها دفونًا، فقال الساكن: هي لي، وقال صاحب الدار: هي لي. فقيل: لمن تكون؟ فقال هذا كله لصاحب الدار (¬1). وقال أبو طالب: سئل أبو عبد الله عن شهادة الرجل ويمين صاحب الحق، فقال: هم يقولون: لا تجوز شهادة رجل واحد ويمين، وهم يجيزون (¬2) شهادة المرأة الواحدة، ويجيزون الحكم بغير شهادة. قلت: مثل أيش؟ قال: مثل الخص إذا ادعاه رجلان يعطونه للذي القمط مما يليه. فمن قضى بهذا؟ وفي الحائط إذا ادعاه رجلان نظروا إلى اللبنة وإلى من هي، فقضوا به لأحدهما بلا بينة (¬3). والزبل إذا كان في الدار، وقال صاحب الدار: أكريتك (¬4) الدار، وليس فيها زبل، وقال الساكن: كان فيها، لزمه أخذها (¬5) بلا بينة. والقابلة تقبل شهادتها في استهلال الصبي (¬6). فهذا يدخل عليهم. ¬
إذا قضى بالشاهد واليمين فالحكم بالشاهد وحده واليمين تقوية
فصل وإذا قضى بالشاهد واليمين، فالحكم بالشاهد وحده، واليمين تقوية وتأكيدًا. هذا منصوص أحمد (¬1). فلو رجع الشاهد، كان الضمان كله عليه. قال الخلال في "الجامع": باب إذا قضى باليمين مع الشاهد، فرجع الشاهد، ثم ذكر من رواية ابن مشيش (¬2) قال: سئل أحمد عن الشاهد واليمين: تقول به؟ قال: إي لعمري. قيل له: فإن رجع الشاهد (¬3)؟ قال: تكون الألف (¬4) على الشاهد وحده. قيل: كيف لا تكون على الطالب؛ لأنه قد استحق بيمينه، ويكون بمنزلة الشاهدين؟ قال: لا، إنما هو السنة - يعني اليمين -. ¬
وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل عن رجل قضي عليه بشهادة شاهدين، فرجع أحد الشاهدين؟ قال: يلزمه (¬1)، ويرد (¬2) الحكم. قيل له: فإن قضى بالشاهد ويمين المدعي، ثم رجع الشاهد؟ قال: إن أتلف الشيء كان على الشاهد؛ لأنه إنما ثبت ها هنا بشهادته، ليست اليمين من الشهادة في شيء (¬3). وقال أبو الحارث: قلت لأحمد: فإن رجع الشاهد عن شهادته بعد؟ قال: يضمن المال كله، به كان الحكم (¬4). وقال ابن مشيش: سألت أبا عبد الله، فقلت: إذا استحق الرجل المال بشهادة شاهد مع يمينه، ثم رجع الشاهد؟ فقال: إذا كانا شاهدين، ثم رجع شاهد: غرم نصف المال، فإن كانت شهادة شاهد مع يمين الطالب، ثم رجع الشاهد: غرم المال كله. قلت: المال كله؟ قال: نعم (¬5). ¬
وقال يعقوب بن بختان (¬1): سئل أحمد عن الرجل إذا استحق المال بشهادة شاهد مع يمينه، ثم رجع الشاهد؟ فقال: يرد المال (¬2). قلت: إيش معنى اليمين؟ فقال: قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال أحمد بن القاسم: قلت لأبي عبد الله: فإن رجع الشاهد عن الشهادة كم يغرم (¬3)؟ قال: المال كله؛ لأنه شاهد وحده قضي بشهادته (¬4)، ثم قال: كيف قول مالك فيها؟ قلت: لا أحفظه. قلت له - بعد هذا المجلس - إن مالكًا كان يقول: إن رجع الشاهد فعليه نصف الحق (¬5)؛ لأني إنما حكمت بمقتضى شهادته (¬6)، ويمين الطالب، فلم أره رجع عن قوله. ا. هـ. وقال الشافعي (¬7) كقول مالك، وخرَّجه أبو ¬
تأييد قول الإمام أحمد في المسألة من وجوه
الخطاب (¬1) بناءً على أن اليمين قامت مقام الشاهد، فوقع الحكم بهما، وأحمد أنكر ذلك، ويؤيده وجوه: منها: أن الشاهد حجة الدعوى، فكان منفردًا بالضمان. ومنها: أن اليمين قول الخصم، وقوله ليس بحجة على خصمه، وإنما هو شرط للحكم، فجرى مجرى مطالبته للحاكم به (¬2). ومنها: أنا لو جعلناها حجة (¬3) لكنا إنما جعلناها حجة بشهادة الشاهد. ومنها: أنها (¬4) لو كانت كالشاهد لجاز تقديمها على شهادته كالشاهد الآخر، مع أن في ذلك وجهين لنا وللشافعية (¬5). قال القاضي (¬6) في "التعليق": واحتج - يعني: المنازع في القضاء بالشاهد واليمين - بأنه لو كانت يمين المدعي كشاهد آخر لجاز له أن ¬
يقدمها على الشاهد الذي عنده، كما لو كان عنده شاهدان جاز أن يقدم أيهما شاء (¬1). قال: والجواب (¬2): أنا لا نقول (¬3) إنها (¬4) بمنزلة شاهد آخر، ولهذا يتعلق الضمان بالشاهد وإنما اعتبرناها احتياطًا. قال: فإن قيل: ما ذهبتم إليه يؤدي إلى أن يثبت الحق بشاهد واحد. قيل: هذا غير ممتنع، كما قاله المخالف في الهلال في الغيم (¬5)، وفي القابلة (¬6)، وهو ضرورة أيضًا؛ لأن المعاملات تكثر وتتكرر، فلا يتفق في كل وقت شاهدان (¬7)، وقياسها على احتياط الحنفية بالحبس مع الشاهد للإعسار (¬8) ويمين المدعي مع البينة على الغائب (¬9). ¬
تقديم اليمين على الشاهد
قال: وأما جواز تقديم اليمين على الشاهد، فقال: لا نعرف الرواية بمنع الجواز. قال: ويحتمل أن نقول بجواز أن يحلف أولًا، ثم تسمع الشهادة، وهو قول ابن أبي هريرة (¬1)، ويحتمل أنه لا يجوز تقدمة اليمين على الشاهد، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي الحارث (¬2)، قال: إذا ثبت له شاهد واحد حلف وأعطي، فأثبت اليمين بعد ثبوت الشاهد؛ لأن اليمين تكون في جنبة أقوى المتداعيين، وإنما تقوى حينئذٍ بالشاهد، ولأن اليمين يجوز أن تترتب على ما لا تترتب عليه الشهادة، فيكون من شرط اليمين: تقدم شهادة الشاهد، ولا يعتبر هذا المعنى في الشاهدين. ¬
المواضع التي يحكم فيها بالشاهد واليمين
فصل والمواضع التي يحكم فيها بالشاهد واليمين: المال، وما يقصد به (¬1)، كالبيع والشراء، وتوابعها من الخيار وتأجيل الثمن والرهن (¬2) واشتراط صفة في المبيع، أو نقد غير نقد البلد، والإجارة، والجعالة (¬3)، والمساقاة (¬4)، والمزارعة (¬5)، والمضاربة (¬6)، والشركة (¬7)، ¬
الحكم بالشاهد واليمين في الوصية والوقف
والهبة (¬1). قال في "المحرر" (¬2): والوصية (¬3) لمعين، أو الوقف (¬4) عليه. وهذا يدل على أن الوصية والوقف إذا كانتا (¬5) لجهة عامة، كالفقراء والمساكين، أنه لا يكتفى فيهما بشاهد ويمين، لإمكان اليمين من المدعى عليه إذا كان معينًا. وأما (¬6) الجهة المطلقة: فلا يمكن اليمين فيها (¬7)، وإن حلف واحد منهم لم يسر حكم يمينه (¬8) إلى غيره، وكذلك لو ادّعى جماعة أنهم ورثوا دينًا على رجل، وشهد بذلك شاهد واحد لم يستحقوا ذلك، حتى يحلفوا جميعهم، وإن حلف بعضهم استحق حقه، ولا يشاركه فيه غيره من الورثة، ومن لم يحلف لا يستحق شيئًا، فلو أمكن حلف ¬
مما يثبت بالشاهد واليمين: الغصوب والعواري والوديعة
الجميع في الوصية والوقف - بأن يوصي أو يقف على فقراء محلة معينة يمكن حصرهم - ثبت الوقف والوصية بشاهد وأيمانهم، ولو انتقل الوقف من بعدهم: لم يمنع ذلك ثبوته (¬1) بشهادة المعينين أولًا، كما لو وقف على زيد وحده ثمَّ على الفقراء والمساكين بعده، ثبت الوقف بشهادته، وانتقل إلى من بعده بحكم الثبوت الأوَّل ضمنًا وتبعًا، وقد يثبت (¬2) في الأحكام التبعية، ويغتفر فيها ما لا يغتفر في الأصل المقصود، وشواهده معروفة. وممَّا يثبت بالشاهد واليمين: الغصوب، والعواري، والوديعة، والصلح (¬3) والإقرار (¬4) بالمال، أو ما يوجب المال، والحوالة (¬5)، والإبراء (¬6)، والمطالبة بالشفعة (¬7)، وإسقاطها، والقرض (¬8)، ¬
الخلاف في الحكم بالشاهد واليمين في بعض الجنايات
والصداق (¬1)، وعوض الخلع، ودعوى رق مجهول النسب، وتسمية المهر. فصل وفي الجنايات الموجبة للمالِ كالخطأ (¬2)، وما لا قصاص فيه (¬3) من جنايات العمد، كالهاشمة، والمنقلة (¬4)، والمأمومة، والجائفة (¬5)، وقتل المسلم الكافر، والحر العبدَ، والصبي، والمجنون، والعتق، والوكالة (¬6) في المال، والإيصاء (¬7) إليه، ودعوى قتل الكافر لاستحقاق سَلَبه، ودعوى الأسير إسلامًا سابقًا يمنع (¬8) رقه، روايتان (¬9): إحداهما: أنَّه يثبت بشاهدٍ ويمين، ورجل وامرأتين. والثانية: لا يثبت إلَّا برجلين. ¬
هل يشترط كون الحالف مسلما؟
ولا يشترط كون الحالف مسلمًا، بل تقبل يمينه مع كفره (¬1)، كما لو كان المدعى عليه، قال أبو الحارث: سُئِل أحمد عن الفاسق أو العبد إذا أقام شاهدًا واحدًا؟ قال: أحلفه وأعطيه (¬2) دعواه، قلت له: فإن كان الشاهد عدلًا والمدعي (¬3) غير عدل؟ قال: وإن كان (¬4) المدعي غير عدل (¬5)، أو كانت امرأة، أو يهوديًّا، أو نصرانيًّا، أو مجوسيًّا، إذا ثبتَ له شاهد واحد حلف، وأعطي ما ادعى (¬6). وهل يشترط أن يحلف المدعي (¬7) على صدق شاهده، فيقول مع يمينه: وإن شاهدي صادق؟ الصحيح المشهور: أنَّه لا يشترط؛ لعدم الدليل الموجب لاشتراطه؛ ولأنَّ يمينه على الاستحقاق كافيةٌ عن يمينه على صدق شاهده، وشرطه بعض أصحاب أحمد (¬8) ¬
تحليف الشهود
والشافعي (¬1)؛ لأنَّ البينة بينةٌ ضعيفة، ولهذا قويت بيمين المدعي، فيجب أن تقوى بحلفه على صدق الشاهد، وهذا القول يقوى في موضع ويضعف في موضع، فيقوى إذا ارتاب الحاكم، أو لم يكن الشاهد مبرزًا، ويضعف إذا لم يكن الأمرُ كذلك. فصل وقد حكى أبو محمد ابن حزم (¬2) القول بتحليف الشهود (¬3) عن ابن وضاح (¬4)، وقاضي الجماعة بقرطبة - وهو محمد بن بشر (¬5) - أنَّه ¬
الاحتجاج للقول بتحليف الشهود
حلف شهودًا في تركة بالله أن ما شهدوا به لحق (¬1)، قال: ورويَ عن ابن وضاح أنَّه قال: أرى لفساد النَّاس أن يحلف الحاكم الشهود (¬2). وهذا ليس ببعيد، وقد شرِع الله - سبحانه وتعالى - تحليف الشاهدين إذا كانا من غير أهل الملَّة على الوصية في السفر (¬3)، وكذلك قال ابن عباس بتحليف المرأة إذا شهدت في الرضاع (¬4)، وهو إحدى الروايتين عن أحمد (¬5)، قال القاضي (¬6): لا يحلف الشاهد على أصلنا إلَّا في موضعين، وذكر هذين الموضعين (¬7). قال شيخنا - قدَّس الله روحه -: هذان الموضعان (¬8) قبل فيهما ¬
التحليف ثلاثة أقسام
الكافر والمرأة وحدها للضرورة، فقياسه: أنَّ كل من قبلت شهادته للضرورة استحلف (¬1). قلت: وإذا كان للحاكم أن يُفرِّق الشهود إذا ارتاب بهم، فأولى أن يحلفهم إذا ارتاب بهم. فصل والتحليف (¬2) ثلاثة أقسام: تحليف المدعي (¬3)، وتحليف المدعى عليه، وتحليف الشاهد. فأمَّا تحليف المدعي ففي صور: أحدها (¬4): القسامة، وهي نوعان: قسامة في الدماء، وقد دلَّت عليها السنَّة الصحيحة الصريحة (¬5)، وأنَّه يبدأ فيها بأيمان المدعين، ويحكم فيها بالقصاص، كمذهب مالك (¬6)، وأحمد في إحدى الروايتين (¬7)، والنزاع فيها مشهورٌ قديمًا وحديثًا. ¬
القسامة مع اللوث في الأموال
والثانية: القسامة مع اللوث في الأموال، وقد دلَّ عليها (¬1) القرآن، كما سنذكره (¬2). وقد قال أصحاب مالك (¬3): إذا أغار (¬4) قومٌ على بيت رجلٍ وأخذوا ما فيه، والنَّاسُ ينظرون إليهم، ولم يشهدوا على معاينة ما أخذوا، ولكنَّهم (¬5) علموا أنَّهم أغاروا وانتهبوا؛ فقال ابن القاسم وابن الماجشون: القولُ قول المنتهب (¬6) مع يمينه؛ لأنَّ مالكًا قال (¬7) في منتهب الصرة يختلفان في عددها: القولُ قول المنتهب (¬8) مع يمينه (¬9). وقال مطرف (¬10) وابن كنانة (¬11) وابن ¬
حبيب (¬1): القولُ قول المنتهب منه (¬2) مع يمينه فيما يشبه (¬3) ويحمل (¬4) على الظالم (¬5). قال مطرف: ومن أخذ من المغيرين ضمن ما أخذه رفاقه؛ لأنَّ بعضهم عون لبعض كالسرَّاق والمحاربين، ولو أخذوا جميعًا وهم أملياء، ضمن كل واحدٍ ما ينوبه، وقاله ابن الماجشون وأصبغ في الضمان (¬6). قالوا: والمغيرون كالمحاربين إذا شهروا (¬7) السلاح على وجه المكابرة (¬8)، كان ذلك على تأمرة (¬9) بينهم، أو على وجه الفساد، وكذلك والي البلد يغير على بعض أهل ولايته وينتهب ظلمًا مثل ذلك ¬
الاحتجاج للقسامة في الأموال مع اللوث
في المغيرين. وقال ابن القاسم: ولو ثبت أنَّ رجلين غصبا عبدًا فمات، يلزم (¬1) أخذ قيمته من المليء، ويتبع المليء ذمة رفيقه المعدم بما ينوبه (¬2). وأمَّا دلالة القرآن على ذلك فقال شيخنا - رحمه الله (¬3) -: لمَّا ادعى ورثة السهمي (¬4) الجام (¬5) المفضض المخوص (¬6)، وأنكر الوصيان الشاهدان أنَّه كان هناك جام، فلمَّا ظهر الجام المدعى، وذكر مشتريه (¬7) أنَّه اشتراهُ من الوصيين: صار هذا لوثًا يقوي دعوى المدعين، فإذا حلف الأوليان بأن الجام كان لصاحبهم: صدقا في ذلك. وهذا لوث في الأموال، نظير اللوث في الدماء، لكن هناك ردت اليمين على المدعي، بعد أن حلف المدعى عليه، فصارت يمين المطلوب وجودها كعدمها، كما أنه في الدم لا يستحلف ابتداءً، وفي كلا الموضعين (¬8) يعطى المدعي بدعواه مع يمينه، وإن كان المطلوب حالفًا، أو باذلًا للحلف. ¬
وفي استحلاف الله للأوليين (¬1) دليل على مثل ذلك في الدم، حتى تصير يمين الأوليين مقابلة ليمين المطلوبين، وفي حديث ابن عباس: "حلفا أن الجام لصاحبهم" (¬2). وفي حديث عكرمة (¬3): "ادعيا أنهما اشترياه منه، فحلف الأوليان أنهما ما كتما وغيبا" (¬4)، فكان في هذه الرواية أنه لما ظهر كذبهما بأنه لم يكن له جام ردت الأيمان على المدعين في جميع ما ادعوه (¬5). فجنس هذا الباب: أن المطلوب إذا حلف، ثم ظهر كذبه: هل يقضى للمدعي بيمينه فيما يدعيه؛ لأن اليمين المشروعة في جانب الأقوى، فإذا ظهر صدق المدعي في البعض وكذب المطلوب: قوي جانب المدعي، فحلف كما يحلف (¬6) مع (¬7) الشاهد الواحد، وكما يحلف صاحب اليد العرفية مقدمًا (¬8) على اليد الحسية؟ انتهى. ¬
والحكم باللوث في الأموال أقوى منه في الدماء، فإن طرق ثبوتها أوسع من طرق ثبوت الدماء؛ فإنها تثبت بالشاهد واليمين (¬1)، والرجل والمرأتين، والنكول مع الرد، وبدونه، وغير ذلك من الطرق، وإذا حكمنا بالعمامة لمن هو مكشوف الرأس وأمامه رجل عليه عمامة وبيده أخرى وهو هارب، فإنما ذلك باللوث الظاهر القائم مقام الشاهدين، وأقوى منهما بكثير. واللوث علامة ظاهرة لصدق المدعي، وقد اعتبرها الشارع في اللقطة (¬2)، وفي النسب (¬3)، وفي استحقاق السلب إذا ادعى اثنان قتل الكافر، وكان أثر الدم في سيف أحدهما أدل منه في سيف الآخر (¬4)، كما تقدم. وعلى هذا: إذا (¬5) ادعى عليه سرقة ماله، فأنكر وحلف له، ثم ظهر معه المسروق: حلف المدعي، وكانت يمينه أولى من يمين المدعى عليه (¬6)، وكان حكمه حكم دعوى استحقاق الدم في القسامة. ¬
الثانية: إذا ردت اليمين علمه
وعلى هذا، فلو طلب من الوالي أن يضربه ليحضر باقي المسروق فله ذلك (¬1)، كما عاقب النبي - صلى الله عليه وسلم - حيي بن أخطب (¬2)، حتى أحضر كنز ابن أبي الحقيق (¬3) كما تقدم. والثانية: إذا ردت اليمين عليه (¬4). والثالثة: إذا شهد له شاهد واحد حلف معه واستحق، كما تقدم. والرابعة: في مسألة تداعي الزوجين. والصانعين، فيحكم لكل واحد (¬5) منهما بما يصلح له مع يمينه. والخامسة: تحليفه مع شاهديه. وقد اختلف السلف في ذلك، فقال سريج بن يونس (¬6) في "كتاب ¬
الخلاف في استحلاف الرجل مع بينته
القضاء" (¬1) له: حدثنا هشيم (¬2) عن الشيباني (¬3) عن الشعبي قال: كان شريح يستحلف الرجل مع بينته (¬4). حدثنا هشيم عن مغيرة (¬5) عن إبراهيم مثل ذلك (¬6). حدثنا هشيم عن أشعث (¬7) عن عون بن عبد الله (¬8): أنه استحلف رجلًا مع بينته، فكأنه أبى أن يحلف، فقال: ما كنت لأقضي لك بما لا ¬
تحلف عليه (¬1). وحكاه ابن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (¬2) والشعبي (¬3). قال أبو عبيد: إنما نرى شريحًا أوجب اليمين على الطالب مع بينته، حين رأى الناس مدخولين في معاملتهم، فاحتاط بذلك. حدثنا عبد الرحمن (¬4) عن سفيان (¬5) عن أبي هاشم (¬6) عن أبي البختري (¬7) قال: قيل لشريح: ما هذا الذي أحدثت في القضاء؟ قال: رأيت الناس أحدثوا فأحدثت (¬8). وقال الأوزاعي والحسن بن حي: يستحلف الرجل مع بينته (¬9). ¬
وقال الطحاوي (¬1): وروى ابن أبي ليلى عن الحكم (¬2) عن حنش (¬3) "أن عليًّا استحلف عبيد الله بن الحسن (¬4) مع بينته" (¬5). وأنه استحلف رجلًا مع بينته، فأبى أن يحلف، فقال: "لا أقضي لك بما لا تحلف عليه" (¬6). وهذا القول ليس ببعيد من قواعد الشرع، ولا سيما مع احتمال التهمة (¬7). ¬
ويخرج في مذهب أحمد وجهان (¬1): فإن أحمد سئل عنه فقال: قد فعله علي والصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين، وفيما إذا سئل عن مسألة فقال: قال فيها بعض الصحابة كذا: وجهان ذكرهما ابن حامد (¬2). قال الخلال في "الجامع": حدثنا محمد بن علي (¬3) حدثنا مهنا قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يقيم الشهود، أيستقيم للحاكم أن يقول لصاحب الشهود: احلف؟ فقال: قد فعل ذلك علي. قلت: من ذكره؟ قال: حدثنا حفص (¬4) بن غياث حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم (¬5) عن حنش (¬6) قال: استحلف عليٌّ عبيدَ الله بن ¬
القسم الثاني: تحليف المدعى عليه
الحر (¬1) مع الشهود (¬2). فقلت: يستقيم هذا؟ قال: قد فعله علي - رضي الله عنه -. وهذا القول يقوى مع وجود التهمة، وأما بدون التهمة فلا وجه له، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمدعي: "شاهداك أو يمينه"، فقال: يا رسول الله، إنه فاجر لا يبالي ما حلف عليه، فقال: "ليس لك إلا ذلك" (¬3). فصل وأما تحليف المدعى عليه فقد تقدم (¬4)، وقد قال أبو حنيفة: إن اليمين لا تكون إلا من جانبه، وبنوا على ذلك إنكار الحكم بالشاهد واليمين (¬5)، وإنكار القول برد اليمين (¬6)، وأنه يبدأ في (¬7) القسامة ¬
القسم الثالث: تحليف الشاهد
بأيمان المدعى عليه (¬1). فصل وأما تحليف الشاهد فقد تقدم (¬2). ومما يلتحق به: أنه لو ادعى عليه شهادة فأنكرها، فهل يحلف، وتصح الدعوى بذلك؟ فقال شيخنا (¬3): لو قيل إنه تصح الدعوى بالشهادة لتوجه؛ لأن الشهادة سبب موجب للحق (¬4)، فإذا ادعى على رجل أنه شاهد له بحقه، وسأل يمينه: كان له ذلك، فإذا نكل عن اليمين لزمه ما ادعى بشهادته، إن قيل: إن كتمان الشهادة موجب للضمان لما تلف، وما هو ببعيد، كما قلنا: يجب الضمان على من ترك الإطعام (¬5) الواجب، فإن ترك الواجب إذا كان موجبًا للتلف، أوجب الضمان كفعل المحرم، إلا أنه يعارض هذا: أن هذا (¬6) تهمة للشاهد، وهو يقدح في عدالته فلا يحصل المقصود، فكأنه يقول: لي ¬
هل الشهادة حق على الشاهد؟
شاهد فاسق بكتمانه، إلا (¬1) أن هذا لا ينفي الضمان في نفس الأمر. وقد ذكر القاضي أبو يعلى في ضمن مسألة الشهادة على الشهادة في الحدود التي لله تعالى وللآدمي: أن الشهادة ليست حقًّا على الشاهد، بدلالة أن رجلًا لو قال: لي على فلان شهادة فجحدها فلان، أن الحاكم لا يعدى (¬2) عليه ولا يحضره، ولو كانت حقًّا عليه لأحضره، كما يحضره في سائر الحقوق، وسلم القاضي ذلك، وقال: ليس إذا لم يجز الاستعداء والإغراء (¬3)، أو لم (¬4) تسمع الدعوى، لم تسمع الشهادة به، (¬5) وكذلك أعاد ذكرها في مسألة شاهد الفرع على شاهد الأصل، وأن الشهادة ليست حقًّا على أحد، بدليل عدم الإعداء والإحضار (¬6) إذا ادعى أن له قبل فلان شهادة (¬7). وهذا الكلام ليس على إطلاقه، فإن الشهادة المتعينة حق على الشاهد، يجب عليه القيام بها، ويأثم بتركه، قال الله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283]. وقال تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وهل المراد به: إذا ما ¬
إذا كتم الشاهد شهادته بالحق ضمنه
دعوا للتحمل، أو للأداء؟ على قولين للسلف (¬1)، وهما روايتان عن أحمد (¬2)، والصحيح: أن الآية تعمهما، فهي حق له، يأثم بتركه ويتعرض للفسق والوعيد، ولكن ليست حقًّا تصح الدعوى به والتحليف عليه؛ لأن ذلك يعود على مقصودها بالإبطال، فإنه مستلزم لاتهامه (¬3) والقدح فيه بالكتمان. وقياس المذهب: أن الشاهد إذا كتم شهادته بالحق ضمنه؛ لأنه أمكنه تخليص حق صاحبه فلم يفعل، فلزمه الضمان، كما لو أمكنه تخليصه من هلكة فلم يفعل. وطرد هذا الحاكم إذا تبين له الحق فلم يحكم لصاحبه به، فإنه يضمنه؛ لأنه أتلفه عليه بترك الحكم الواجب عليه. فإن قيل: هذا ينتقض عليكم بمن رأى متاع غيره يحترق أو يغرق أو يسرق ويمكنه دفع أسباب تلفه، أو رأى شاته تموت ويمكنه ذبحها، فإنه لا يضمن في ذلك كله (¬4). قيل: المنصوص عن عمر - رضي الله عنه - وغيره: إنما هو فيمن ¬
الفرق بين هذه المسألة والمسألتين اللتين قبلها
استسقى قومًا فلم يسقوه حتى مات، فألزمهم ديته (¬1)، وقاس عليه أصحابنا كل من أمكنه إنجاء إنسان من هلكة فلم يفعل (¬2). وأما هذه الصورة التي نقضتم بها فلا ترد. والفرق بينها وبين الشاهد والحاكم: أنهما سببان للإتلاف (¬3) بترك ما وجب عليهما من الشهادة والحكم، ومن تسبب إلى إتلاف مال غيره (¬4) وجب عليه ضمانه، وفي هذه الصورة لم يكن من الممسك عن التخليص سبب يقتضي الإتلاف، والله - سبحانه وتعالى - أعلم. ¬
الطريق الثامن: الحكم بالرجل الواحد والمرأتين
فصل الطريق الثامن من طرق الحكم: الحكم بالرَّجل الواحد والمرأتين. قال اللهُ تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]. فإن قيل: فظاهر القرآن يدلُّ على أنَّ الشاهد والمرأتين بدل عن الشاهدين، وأنَّه لا يقضى بهما إلَّا عند عدم الشاهدين. قيل (¬1): القرآن لا يدلُّ على ذلك، فإنَّ هذا (¬2) أمرٌ لأصحاب الحقوق بما يحفظون به حقوقهم، فهو سبحانه أرشدهم إلى أقوى الطرق، فإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها، فإنَّ شهادة الرجل الواحد أقوى (¬3) من شهادة (¬4) المرأتين؛ لأنَّ النَّساء يتعذَّرُ غالبًا حضورهنَّ مجالس الحكام، وحفظهنَّ وضبطهنَّ دون حفظ الرَّجال وضبطهم، ولم يقل سبحانه: احكموا بشهادة رجلين، فإن لم يكونا رجلين (¬5) فرجلٌ وامرأتان، وقد جعل - سبحانه وتعالى - المرأة على النصف من الرجل في عدة أحكام: أحدها: هذا، والثاني: في ¬
الميراث (¬1)، والثالث: في الدِّية (¬2)، والرَّابع: في العقيقة (¬3)، والخامس: في العتق، كما في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "مَنْ أَعْتَقَ امْرءًا مُسْلِمًا أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّار" (¬4) و"وَمَنْ أَعْتَقَ امْرَأتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ" (¬5). ¬
تفسير قوله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}
وقوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، فيه دليلٌ على أنَّ الشاهد إذا نسِيَ شهادته فذكره بها غيره لم يرجِعِ إلى قوله حتى يذكرها وليس له أن يقلده، فإنَّه سبحانه قال: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} ولم يقل: فتخبرها، وفيها قراءتان (¬1): التثقيل والتخفيف (¬2)، والصحيح: أنَّهما بمعنى واحد من "الذِّكْرِ" وأبعد من قال: فيجعلها ذَكَرًا، لفظًا ومعنى (¬3)، فإنَّه سبحانه جعل ذلك علَّة للضلال (¬4) الَّذي هو ضد الذِّكر، فإذا ضلت أو نسيت ذكرتها الأخرى فذكرت، وقوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ} تقديره عند الكوفيين: لئلا تضل إحداهما، ويطردون ذلك في كلِّ ما جاء من هذا، كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] ونحوه. ويرد عليهم نصب قوله: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] إذ يكون تقديره: لئلا تضل، ولئلا تذكر، وقدَّره البصريون بمصدر ¬
علة استشهاد امرأتين مكان رجل واحد
محذوف، وهو الإرادة والكراهة والحذار ونحوها، فقالوا: يبين الله لكم أن تضلوا (¬1)، أي حذار أن تضلوا، وكراهة أن تضلوا، ونحوه. ويشكل عليهم هذا التقدير في قوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} فإنَّهم إن قدروه كراهة أن تضل إحداهما كان حكم المعطوف عليه - وهو فتذكر - حكمه، فيكون مكروهًا، وإن قدروها إرادة أن تضل إحداهما كان الضلال مرادًا. والجواب عن هذا: أنَّه كلام محمول على معناه، والتقدير: أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت، وهذا مرادٌ قطعًا (¬2)، والله أعلم. فصل (¬3) قال شيخنا ابن تيمية - رحمه الله تعالى - (¬4): قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، فيه دليلٌ على أنَّ استشهاد امرأتين مكان رجل إنَّما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنَّما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم ¬
الضبط، وإلى هذا المعنى أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "وأَمَّا نُقْصَانُ عَقْلِهِنَّ: فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بشَهَادَةِ رَجُلٍ" (¬1)، فبين أنَّ شطر شهادتهنَّ إنَّما هو لضعف العقل لا لضعف الدِّين، فعلم بذلك أنَّ عدلَ النساء بمنزلة عدلِ الرِّجال، وإنَّما عقلها ينقص عنه، فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة، لم تكن فيه على نصف رجل، وما يقبل فيه شهادتهنَّ منفردات إنَّما هو أشياء تراها (¬2) بعينها، أو تلمسه بيدها، أو تسمعه بأذنها من غير (¬3) توقف على عقل، كالولادة والاستهلال، والارتضاع، والحيض، والعيوب تحت الثياب، فإنَّ مثل هذا لا يُنسى في العادة ولا تحتاج معرفته إلى كمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدِّين وغيره، فإنَّ هذه معانٍ معقولة، ويطول العهد بها في الجملة. ¬
المواضع التي تقبل فيها شهادة الرجل والمرأتين
فصل إذا تقرَّر هذا، فتقبل شهادة الرجل والمرأتين في كلِّ موضع تقبل فيه شهادة الرجل ويمين الطالب (¬1). وقال عطاء وحماد بن أبي سليمان: تقبل شهادة رجل وامرأتين في الحدود والقصاص (¬2). ويقضى بها عندنا في النكاح والعتاق على إحدى الروايتين (¬3). ورُويَ ذلك عن جابر بن زيد (¬4)، وإياس بن معاوية (¬5)، والشعبي (¬6)، والثوري (¬7)، وأصحاب الرَّأي (¬8)، وكذلك في الجنايات ¬
الموجبة (¬1) للمال على إحدى الروايتين (¬2). قال في "المحرر" (¬3): من أتى برجل وامرأتين، أو شاهد ويمين فيما يوجب القَوَد: لم يثبت به قود ولا مال، وعنه يثبت المال إذا كان المجني عليه عبدًا. نقلها ابن منصور، ومن أتى بذلك في سرقة ثبت له المال دون القطع. ا. هـ. وقال أبو بكر (¬4): لا يثبت مطلقًا (¬5). ويقضى بالشاهد والمرأتين في الخلع (¬6) إذا ادعاه الرجل، فإن ادعته المرأة لم يقبل فيه إلا رجلان، والفرق بينهما: أنه إذا كان المدعي هو الزوج فهو مدع للمال، وهو يثبت بشاهد وامرأتين، وإذا كانت هي المدعية، فهي مدعية لفسخ النكاح وتحريمها عليه، ولا يثبت إلا بشاهدين، ونص أحمد في رواية الجماعة على أنه لا تجوز شهادة النساء في النكاح والطلاق (¬7)، وقال في الوكالة: إن كانت مطالبة بدين قبل فيها شهادة رجل وامرأتين وأما غير ذلك ¬
شهادة النساء نوعان
فلا (¬1)، وأجاز زفر قبول الرجل والمرأتين في النكاح والطلاق والعتق (¬2). فصل وشهادة النساء نوعان: نوع يقبل فيه النساء منفردات، ونوع لا يقبلن فيه إلا مع الرجال، وقد اختلف السلف في ذلك في مواضع: فروى ابن أبي شيبة عن مكحول: لا تجوز شهادة النساء إلا في الدين (¬3). وروى أيضًا عن الشعبي قال: من الشهادات ما لا يجوز فيه إلا شهادة النساء (¬4). وعن الزهري قال: مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن (¬5). وقال ابن عمر: لا تجوز شهادة النساء وحدهن، إلا فيما لا يطلع عليه غيرهن (¬6) من عورات النساء وحملهن وحيضهن (¬7). ¬
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "لا تجوز شهادة النساء بحتًا (¬1)، حتى يكون معهن رجل" رواه إبراهيم بن أبي يحيى (¬2) عن أبي ضمرة (¬3) عن أبيه (¬4) عن جده (¬5) عن علي (¬6). وصح ذلك عن عطاء (¬7)، وعمر بن عبد العزيز. وقال سعيد بن المسيب، وعبد الله بن عتبة (¬8): لا تقبل شهادة (¬9) النساء إلا فيما لا يطلع عليه غيرهن (¬10). وقال عمر (¬11) وعلي (¬12) - رضي الله عنهما -: "لا تجوز شهادة ¬
النساء في الطلاق ولا النكاح ولا الدماء ولا الحدود". وقال الزهري: "مضت السنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخليفتين بعده: أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود والنكاح والطلاق" (¬1). وصح عن شريح أنه أجاز في عتاقةٍ شهادةَ (¬2) رجل وامرأتين (¬3). وصح عن الشعبي قبول شهادة رجل وامرأتين في الطلاق وجراح الخطأ (¬4). وصح عن جابر بن زيد: قبول شهادة (¬5) الرجل والمرأتين في الطلاق والنكاح (¬6). وصح عن إياس بن معاوية: قبول امرأتين في الطلاق (¬7). وصح عن شريح: أنه أجاز أربع نسوة على رجل في صداق ¬
امرأة (¬1). وذكر عبد الرزاق (¬2) عن ابن (¬3) جريج عن هشام بن حجيرة (¬4) عمن يرضى - كأنه يريد طاووسًا - قال: تجوز شهادة النساء في كل شيء مع الرجال إلا الزنا؛ من أجل أنه لا ينبغي أن ينظرن إلى ذلك. وقال أبو عبيد: حدثنا يزيد بن هارون، عن جرير (¬5) بن أبي (¬6) حازم، عن الزبير بن الحارث (¬7)، عن أبي لبيد (¬8): أن سكرانًا طلق امرأته ثلاثًا، فشهد عليه أربع نسوة فرفع إلى عمر بن الخطاب - رضي اللهُ عنه - فأجاز شهادة النسوة، وفرَّق بينهما (¬9). وقال عبد الرحمن بن مهدي: عن حراش بن مالك (¬10) حدثنا ¬
يحيى بن عبيد (¬1) عن أبيه (¬2): أنَّ رجلًا من عمان ثَمِلَ من الشراب، فطلق امرأته ثلاثًا، فشهد عليه نسوة، فكُتِبَ في ذلك إلى عمر بن الخطاب - رضي اللهُ عنه -، فأجاز شهادة النسوة، وأثبت (¬3) عليه الطلاق (¬4). وذكر سفيان بن عيينة: أنَّ امرأة أوطأت (¬5) صبيًّا فقتلته (¬6)، فشهد عليها أربع نسوة، فأجاز علي بن أبي طالب شهادتهن (¬7). وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا حفص بن غياث (¬8) عن أبي ¬
طلق (¬1) عن أخته هند بنت طلق (¬2) قالت: "كنت في نسوة وصبي منحنٍ، فقامت امرأة فمرَّت، فوطئت الصبي فقتلته والله، فشهد عند علي - رضي اللهُ عنه - عشر نسوة - أنا عاشرتهنَّ (¬3) - فقضى عليها علي - رضي الله عنه - بالدِّية، وأعانها بألفين" (¬4). وقال محمد بن المثنى: حدثنا أبو معاوية الضرير (¬5) عن أبيه (¬6) عن عطاء بن أبي رباح قال: لو شهد عندي ثمان نسوة على امرأة بالزنا لرجمتها (¬7). وقال عبد الرزاق: حدثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال (¬8): ¬
تجوز شهادة النِّساء مع الرِّجال في كلِّ شيءٍ، ويجوز على الزِّنا امرأتان وثلاثة رجال (¬1). وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا إسماعيل بن عُلَية، عن عبد الله (¬2) بن عون، عن محمد بن سيرين أنَّ رجلًا ادَّعى متاع البيت، فجاء أربع نسوة فشهدن، فقلن: دفعت إليه الصداق، فجهزها به، فقضى شريح عليه بالمتاع" (¬3)، وهذا في غاية الصحة (¬4). وقال سفيان الثوري: تقبل المرأتان مع الرجل في القصاص، وفي الطلاق، والنكاح، وفي كلِّ شيءٍ، حاشا الحدود (¬5)، ويقبلن منفردات فيما لا يطلع عليه إلَّا النِّساء (¬6). وقال أبو حنيفة (¬7) - رحمه الله -: تقبل شهادة رجل وامرأتين في جمع الأحكام إلَّا القصاص والحدود، ويقبلن (¬8) في الطلاق والنكاح ¬
والرجعة مع رجل، ولا يقبلن منفردات، لا في الرضاع ولا في انقضاء العدة بالولادة، ولا في الاستهلال، لكن مع رجل، ويقبلن في الولادة المطلقة وعيوب النِّساء منفردات. وقال أبو يوسف ومحمد: يقبلن منفردات في انقضاء العدة بالولادة وفي الاستهلال (¬1). وقال مالك (¬2) - رضي الله عنه -: لا يقبل النساء مع رجلٍ ولا بدونه في قصاص، ولا حدًّ، ولا نكاح، ولا طلاق (¬3)، ولا رجعة، ولا عتق، ولا نسب، ولا ولاء، ولا إحصان، وتجوز شهادتهنَّ مع رجلٍ في الديون والأموال والوكالة والوصية التي لا عتق فيها، ويقبلن منفردات في عيوب النساء والولادة والرضاع والاستهلال، وحيث يقبل شاهد ويمين الطالب، فإنَّه يقضى فيه بشهادة امرأتين ويمين الطالب وشهادة رجل وامرأتين. وقال الشافعي (¬4): تقبل شهادة امرأتين (¬5) مع رجلٍ في الأموال ¬
نصاب شهادة النساء منفردات حيث قبلت
كلها، وفي العتق؛ لأنَّه مال، وفي قتل الخطأ، وفي الوصية لإنسانٍ بمالٍ، ولا يقبلن في أصل الوصية، لا مع رجلٍ ولا بدونه. فصل وحيث قبلت شهادة النساء منفردات، فقد اختلف في نصاب هذه البينة، فقال الشعبي (¬1) والنخعي (¬2) - في رواية عنهما - وقتادة (¬3) وعطاء وابن شبرمة (¬4) والشافعي (¬5) وداود (¬6): لا يقبل أقل من أربع نسوة، واستثنى داود الرضاع، فأجاز فيه شهادة امرأة واحدة. وقال عثمان البتي: لا يقبل فيما يقبل فيه النساء منفردات إلَّا ثلاث نسوة، لا أقل من ذلك (¬7)، وقالت طائفة: تقبل امرأتان في كلِّ ما يقبل فيه النساء منفردات، وهو قول الزهري (¬8)، إلَّا في الاستهلال خاصَّة، ¬
فإنَّه تقبل فيه القابلة وحدها. وقال الحكم بن عتيبة: لا يقبل في ذلك كله إلَّا امرأتان (¬1)، وهو قول ابن أبي (¬2) ليلى ومالك (¬3) وأبي عبيد (¬4)، وأجاز علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - شهادة القابلة (¬5) وحدها كما تقدم. قال ابن حزم (¬6): وروينا ذلك عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - في الاستهلال (¬7)، وورث عمر به، وهو قول الزهري (¬8)، والنخعي (¬9) والشعبي (¬10) - في أحد قوليهما -، وهو قول الحسن ¬
البصري (¬1)، وشريح (¬2)، وأبي الزناد (¬3)، ويحيى الأنصاري (¬4)، وربيعة (¬5)، وحماد بن أبي سليمان (¬6)، قال: وإن كانت يهودية، كل ذلك في الاستهلال. وقال الشعبي وحماد: ذلك في كلَّ ما لا يطلع عليه إلَّا النِّساء (¬7)، وهو قول الليث بن سعد (¬8). وقال الثوري: يقبل في عيوب النِّساء وما لا يطلع عليه إلَّا النِّساء امرأة واحدة (¬9)، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه (¬10)، وصحَّ عن ابن عباس (¬11)، وروي عن عثمان (¬12)، وعلي (¬13)، وابن ¬
عمر (¬1)، والحسن البصري (¬2)، والزهري (¬3)، وروي عن ربيعة (¬4)، ويحيى بن سعيد (¬5)، وأبي الزناد (¬6)، والنخعي (¬7)، وشريح (¬8)، وطاووس (¬9)، والشعبي (¬10) الحكم في الرضاع بشهادة امرأة واحدة، وأنَّ عثمان - رضي الله عنه - فرَّق بشهادتها بين الرِّجال ونسائهم (¬11)، وذكر الزهري أنَّ النَّاس على ذلك (¬12)، وذكر الشعبي ذلك عن القضاة جملة (¬13)، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّها تستحلف مع ذلك (¬14). ¬
وصحَّ عن معاوية: أنَّه قضى في دار بشهادة أم سلمة أم المؤمنين، ولم يشهد بذلك غيرها (¬1). قال أبو محمد ابن حزم (¬2): وروينا عن عمر (¬3) وعلي (¬4) والمغيرة بن شعبة (¬5) وابن عباس (¬6) - رضي الله عنهم - أنَّهم لم يفرِّقوا بشهادة امرأة واحدة في الرضاع، وهو قول أبي عبيد قال: لا أفتي (¬7) في ذلك بالفرقة، ولا أقضي بها. وروينا عن عمر - رضي الله عنه - أنَّه قال: "لو فتحنا هذا الباب لم تشأ امرأة (¬8) أن تفرق بين رجل وامرأته إلَّا فعلت" (¬9). ¬
وقال الأوزاعي: أقضي بشهادة امرأة واحدة قبل النكاح، وأمنع من (¬1) النكاح ولا أفرق بشهادتها بعد النكاح (¬2). وقال عبد الرزاق (¬3): حدثنا ابن جريج قال: قال ابن شهاب: جاءت امرأة سوداء إلى أهل ثلاثة أبيات تناكحوا، فقالت: هم بَنِيَّ وبَنَاتي، ففرَّق عثمان - رضي الله عنه - بينهم. قال (¬4): وروينا عن الزهري أنَّه قال: فالنَّاسُ يأخذون اليوم بذلك من قول عثمان في المرضعات إذا لم يُتَّهَمْنَ (¬5). وقال ابن حزم (¬6): ولا يجوز أن يقبل في الزنا أقل من أربعة رجال عدولٍ مسلمين (¬7)، أو مكان كل واحد امرأتان مسلمتان عدلتان، فيكون ذلك ثلاثة رجال وامرأتين، أو رجلين وأربع نسوة، أو رجلًا واحدًا (¬8) وست نسوة، أو ثمان نسوة فقط، ولا يقبل في سائر الحقوق كلها من الحدود والزنا، وما فيه القصاص، والنكاح والطلاق والأموال إلَّا رجلان مسلمان عدلان، أو رجل وامرأتان كذلك، أو أربع نسوة ¬
كذلك، ويقبل في كلِّ ذلك - حاشا الحدود - رجل واحد عدل، أو امرأتان كذلك مع يمين الطالب، ويقبل في الرضاع وحده امرأة عدلة، أو رجل واحد عدل (¬1). ¬
الطريق التاسع: الحكم بالنكول مع الشاهد الواحد لا بالنكول المجرد
فصل (¬1) الطريق التاسع: الحكم بالنكول مع الشاهد الواحد، لا بالنكول المجرَّد. ذكر ابن وضاح عن أبي مريم (¬2) عن عمرو (¬3) بن أبي سلمة (¬4) عن زهير بن محمد عن ابن جريج عن (¬5) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا ادَّعَتِ المَرْأَةُ طَلَاقَ زَوْجِهَا، فَجَاءَتْ عَلَى ذلِكَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَدْلٍ اسْتُحْلِفَ زَوْجُها، فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَتْ عَنْهُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ، وإن نَكَلَ فَنكُوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ آخَرَ، وَجَازَ طَلَاقُهُ" (¬6). ¬
شهادة الشاهد الواحد في الطلاق مع يمين المرأة
فتضمن هذا الحكم (¬1) ثلاثة أمور: أحدها: أنَّه لا يكتفى بشهادة الشاهد (¬2) الواحد في الطلاق، ولا مع يمين المرأة. قال الإمام أحمد (¬3): الشاهد واليمين إنَّما يكون في الأموال خاصة، لا يقع في حد ولا قصاص (¬4)، ولا في طلاق ولا نكاح ولا عتاقة ولا سرقة ولا قتل. وقد نصَّ في رواية أخرى (¬5) على أنَّ العبد إذا ادَّعى أنَّ سيده أعتقه وأتى بشاهدٍ حلف مع شاهده وصار حرًّا، واختاره الخرقي (¬6). ¬
شريكان في عبد ادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق حقه منه
ونصَّ في شريكين في عبدٍ ادعى كل واحد منهما أنَّ شريكه أعتقَ حقه منه، وكانا معسرين عدلين فللعبد أن يحلف مع كل واحدٍ منهما ويصير حرًّا، ويحلف مع أحدهما ويصير نصفه حرًّا (¬1). ولكن لا يعرف عنه أن الطلاق يثبت بشاهدٍ ويمين، وقد دلَّ حديث عمرو بن شعيب هذا على أنَّه يثبت بشاهدٍ ونكول الزوج. وعمرو بن شعيب قد احتج به الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الحديث، كالبخاري (¬2)، وحكاه عن (¬3) علي بن المديني وأحمد بن حنبل والحميدي، وقال: فمن النَّاس بعدهم؟ وزهير بن محمد - الرَّاوي عن ابن جريج - ثقة محتجٌّ به في "الصحيحين" (¬4)، وعمرو بن أبي سلمة من رجال "الصحيحين" أيضًا، فمن احتجَّ بحديث عمرو بن شعيب فهذا من أصح حديثه. الثاني: أنَّ الزوج يستحلف في دعوى الطلاق إذا لم تقم المرأة به بينة، لكن إنَّما استحلفه لأنَّ شهادة الشاهد الواحد أورثت ظنًّا ما ¬
لم لا تحلف المرأة مع شاهدها ويفرق بينهما؟
بصدق المرأة، فعورض هذا باستحلافه، وكان جانب الزوج أقوى بوجود النكاح الثابت، فشرعت اليمين في جانبه؛ لأنَّه مدَّعى عليه، والمرأة مدعية (¬1). فإن قيل: فهلا حلفت مع شاهدها وفرق بينهما؟ فالجواب: أنَّ اليمين مع الشاهد لا تقوم مقام شاهدٍ آخر، لما تقدم من الأدلة على ذلك، واليمين مجرد قول المرأة، ولا يقبل في الطلاق أقل من شاهدين، كما أنَّ ثبوت النكاح لا يكتفى فيه إلَّا بشاهدين، أو بشاهد وامرأتين على رواية (¬2)، فكان رفعه كإثباته، فإنَّ الرفع أقوى من الثبوت، ولهذا لا يرفع بشهادة فاسقين، ولا مستوري الحال، ولا رجل وامرأتين. الثالث: أنَّه يحكم في الطلاق بشاهدٍ ونكول المدعى عليه، وأحمد في إحدى الروايتين عنه يحكم بوقوعه بمجرد النكول من غير شاهد، فإذا ادَّعت المرأة على زوجها الطلاق، وأحلفناه لها - على إحدى الروايتين - فنكلَ: قضى عليه (¬3). فإذا أقامت المرأة (¬4) شاهدًا واحدًا، ولم يحلف الزوج على عدم دعواها: فالمقضي (¬5) عليه بالنكول في ¬
النكول بمنزلة البينة
هذه الصورة أولى (¬1). وظاهر الحديث: أنَّه لا يحكم على الزوج بالنكول إلَّا إذا أقامت المرأة شاهدًا، كما هو إحدى الروايتين عن مالك (¬2)، وأنَّه لا يحكم عليه بمجرد دعواها مع نكوله، لكن من يقضي عليه به يقول: النكول إمَّا إقرار وإمَّا بينة، وكلاهما يحكم به، ولكن ينتقض هذا عليه بالنكول في دعوى القصاص. وقد يُجاب عنه بأنَّ النكول بذل استغنى به فيما يباح بالبذل، وهو الأموال وحقوقها، بخلاف النكاح وتوابعه. الرَّابع: أنَّ النكول بمنزلة البينة، فلمَّا أقامت شاهدًا واحدًا - وهو شطر البينة - كان النكول قائمًا مقام تمامها. ونحن نذكر مذاهب النَّاسِ في القول بهذا الحديث. فقال ابن الجلاب (¬3) في تفريعه (¬4): إذا ادَّعت المرأة الطلاق على ¬
زوجها لم يحلف بدعواها، فإذا أقامت على ذلك شاهدًا واحدًا لم تحلف مع شاهدها، ولم يثبت الطلاق على زوجها. وهذا الَّذي قاله لا يعلم فيه نزاعٌ بين الأئمة الأربعة (¬1)، قال: ولكن يحلف لها زوجها، فإن حلف برئ من دعواها (¬2). قلت: هذا فيه قولان للفقهاء، وهما روايتان عن أحمد، إحداهما: أنَّه يحلف لدعواها (¬3)، وهو مذهب الشافعي (¬4) ومالك (¬5) وأبي حنيفة (¬6). والثانية: لا يحلف (¬7). فإن قلنا: لا يحلف فلا إشكال، وإن قلنا: يحلف فنكل عن اليمين، فهل يقضى عليه بطلاق زوجته بالنكول؟ فيه روايتان عن مالك (¬8). ¬
إحداهما: أنَّها تطلق (¬1) عليه بالشاهد والنكول، عملًا بهذا الحديث، وهذا اختيار أشهب (¬2)، وهذا في غاية القوَّة (¬3)؛ لأنَّ الشاهد والنكول سببان من جهتين مختلفتين، فقويَ (¬4) جانب المدعي بهما (¬5)، فحكم له، فهذا مقتضى الأثر والقياس. والرواية الثانية عنه (¬6): أنَّ الزوج إذا نكلَ عن اليمين حبس، فإن طال حبسه ترك (¬7). واختلفت الرواية عن الإمام أحمد (¬8): هل يقضى بالنكول في دعوى المرأة الطلاق (¬9)؟ على روايتين (¬10)، ولا أثر عنده لإقامة ¬
الشاهد الواحد. واختلف عن مالك في مدة حبسه، فقال مرَّة: يحبس حتَّى يطول أمره، وحدَّ ذلك بسنة، ثمَّ يطلق، ومرَّة قال: يسجن أبدًا حتَّى يحلف (¬1). ¬
الطريق العاشر: الحكم بشهادة امرأتين ويمين المدعي في الأموال وحقوقها
فصل (¬1) الطريق العاشر: الحكم بشهادة امرأتين ويمين المدعي في الأموال وحقوقها. وهذا مذهب مالك (¬2)، وأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد (¬3)، حكاه شيخنا (¬4) واختاره، وظاهر القرآن والسنَّة يدلُّ على صحة هذا القول، فإنَّ الله سبحانه أقام المرأتين مقام الرجل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث الصحيح: "أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلى" (¬5)، فهذا يدلُّ بمنطوقه على أنَّ شهادتها وحدها على النِّصف، وبمفهومه على أنَّ شهادتها مع مثلها كشهادة الرجل، وليس في القرآن ولا في السنة ولا في الإجماع ما يمنع من ذلك، بل القياس الصحيح يقتضيه، فإنَّ المرأتين إذا قامتا مقام الرجل إذا ¬
كانتا (¬1) معه قامتا مقامه وإن لم تكونا معه، فإنَّ قبول شهادتهما لم يكن (¬2) لمعنى (¬3) للرجل (¬4)، بل لمعنى فيهما، وهو العدالة، وهذا موجودٌ فيما إذا انفردتا، وإنَّما يخشى من سوء ضبط المرأة وحدها وحفظها، فقويت بامرأة (¬5) أُخرى. فإن قيل: البينة على المال إذا خلت من رجلٍ لم تقبل، كما لو شهد أربع نسوة، وما ذكرتموه ينتقض بهذه الصورة، فإنَّ المرأتين لو أقيمتا مقام الرجل من كلِّ وجهٍ لكفى أربع نسوة مقام رجلين، ولقبل في غير الأموال شهادة رجل وامرأتين (¬6). وأيضًا؛ فشهادة المرأتين ضعيفة، فقويت بالرجل، واليمين ضعيفة، فيضم (¬7) ضعيفٌ إلى ضعيف فلا يقبل (¬8). ¬
وأيضًا؛ فإنَّ الله سبحانه قال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282]، فلو حكمَ بامرأتين ويمين لكان هذا قسمًا ثالثًا. والجواب: أمَّا قولكم: "إنَّ البينة إذا خلت عن الرجل لم تقبل"، فهذا هو (¬1) المُدعى، وهو محل النزاع، فكيف يُحْتَج به؟ وقولكم: "كما لو شهد أربع نسوة" فهذا فيه نزاع، وإن ظنه طائفةٌ إجماعًا كالقاضي (¬2) وغيره (¬3). قال الإمام أحمد في الرجل يوصي ولا يحضره إلَّا النساء قال: أجيز شهادة النساء (¬4)، فظاهر هذا أنَّه أثبت الوصية بشهادة النساء على الانفراد، إذا لم يحضره الرِّجال. وذكر الخلال عن أحمد: أنَّه سُئِلَ عن الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويعتق، ولا يحضره إلَّا النساء، هل (¬5) تجوز شهادتهنَّ؟ قال: نعم، تجوز شهادتهنَّ في الحقوق (¬6). ¬
وقد تقدم (¬1) ذكر المواضع التي قبلت (¬2) فيها البينات من النساء، وأنَّ "البينة" اسمٌ لما يبين الحق، وهو أعمُّ من أن يكون برجال أو نساء أو نكول أو يمين أو أمارات ظاهرة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قبل شهادة المرأة في الرضاع (¬3)، وقبلها الصحابة في مواضع قد ذكرناها، وقبلها التابعون (¬4). وقولكم: "وتقبل في غير الأموال شهادة (¬5) رجل وامرأتين" (¬6). قُلنا: نعم، وذلك موجودٌ في عدة مواضع، كالنكاح، والرجعة، والطلاق، والنسب، والولاء، والإيصاء، والوكالة في النكاح وغيره على إحدى الروايتين (¬7). قولكم: "شهادة المرأتين ضعيفة، فقويت بالرجل، واليمين ضعيفة، فيضم ضعيف إلى ضعيف، فلا يقبل". جوابه: أنَّا (¬8) لا نُسلِّم ضعف شهادة المرأتين إذا اجتمعتا، ولهذا ¬
نحكم (¬1) بشهادتهما إذا اجتمعتا (¬2) مع الرجل وإن أمكنه أن يأتى برجلين (¬3)، فالرجلُ والمرأتان أصلٌ لا بدل، والمرأة العدل كالرجل في الصدق والأمانة والدِّيانة، إلَّا أنَّها لما خيف عليها السهو والنسيان قُوِّيت (¬4) بمثلها، وذلك قد يجعلها أقوى من الرجل الواحد أو مثله، ولا ريبَ أنَّ الظنَّ المستفاد من شهادة أم الدرداء وأم عطية أقوى من الظن المستفاد من (¬5) رجلٍ واحدٍ دونهما ودون أمثالهما. وأمَّا قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] ولم يذكر المرأتين دون الرجل (¬6). فيقال: ولم يذكر الشاهد واليمين، ولا النكول، ولا الرد، ولا شهادة المرأة الواحدة، ولا المرأتين، ولا الأربع نسوة، وهو سبحانه لم يذكر ما يحكم به الحاكم، وإنَّما أرشدَ إلى ما يحفظ به الحق، وطرق الحكم أوسع من الطرق التي تحفظ بها الحقوق (¬7). ¬
الطريق الحادي عشر: الحكم بشهادة امرأتين فقط من غير يمين
فصل الطريق الحادي عشر: الحكمُ بشهادة امرأتين فقط من غير يمين. وذلك - على إحدى الروايتين عن أحمد (¬1) - في كلِّ ما لا يطلع عليه الرجال، كعيوب النساء تحت الثياب، والبكارة، والثيوبة، والولادة، والحيض، والرضاع، ونحوه، فإنَّه تقبل فيه امرأتان، نصَّ عليه أحمد في إحدى الروايتين، والثانية - وهي أشهر - أنَّه يثبت بشهادة امرأة واحدةٍ، والرجل فيه كالمرأة ولم يذكر ها هنا يمينًا (¬2). وظاهر (¬3) نص أحمد: أنَّه لا يفتقر إلى اليمين، وإنَّما ذكروا (¬4) الروايتين في الرضاع إذا قبلنا فيه شهادة المرأة الواحدة (¬5). ¬
الفرق بين هذا الباب وباب الشاهد واليمين
والفرق بين هذا الباب وباب الشاهد واليمين - حيث اعتبرت (¬1) اليمين هناك - أنَّ المغلَّب (¬2) في هذا الباب هو الإخبار عن الأمور الغائبة (¬3) التي لا يطلع عليها الرجال، فاكتفى فيها (¬4) بشهادة النساء، وفي باب الشاهد واليمين: الشهادة على أمورٍ ظاهرة يطلع (¬5) عليها الرجال في الغالب، فإذا انفرد بها الشاهد الواحد احتيج إلى تقويته باليمين. ¬
الطريق الثاني عشر: الحكم بثلاثة رجال
فصل الطريق الثاني عشر: الحكم بثلاثة رجال. وذلك فيما إذا ادَّعى الفقر من عُرِفَ غناه، فإنَّه لا يقبل منه إلَّا ثلاثة شهود، وهذا منصوص الإمام أحمد (¬1). وقال بعض أصحابنا: يكفي فيه شاهدان (¬2). واحتج الإمام أحمد بحديث قبيصة بن مخارق قال: تحملت حمالة فأتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أسأله، فقال: "يَا قَبيصَةُ أَقِمْ عندنا حَتَّى تَأْتِيْنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُر لَكَ بِهَا. ثمَّ قالَ: يَا قَبيصَةُ إنَّ المَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلَّا لأَحَدِ ثَلَاثَةِ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّت لَهُ المَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَى مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّت لَهُ المَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ - (¬3): سِدَدًا مِنْ عَيْشٍ" وذكر الحديث، رواه مسلم (¬4). واختلف أصحابنا في نصِّ أحمد: هل هو عامٌ أو خاصٌّ؟ فقال ¬
هل يثبت الإعسار بشاهدين أم لا بد فيه من ثلاثة؟
القاضي (¬1): إنَّما هذا في حِلِّ المسألة، كما دلَّ عليه الحديث، وأمَّا الإعسارُ، فيكفي فيه شاهدان (¬2). وقال الشيخ أبو محمد (¬3): وقد نُقل عن أحمد في الإعسار ما يدل على أنه لا يثبت إلا بثلاثة (¬4). قلت: إذا كان في باب أخذ الزكاة وحل المسألة يعتبر العدد المذكور، ففي باب دعوى الإعسار المسقط لأداء الديون، ونفقة الأقارب والزوجات: أولى وأحرى؛ لتعلق حق العبد بماله، وفي باب المسألة وأخذ الصدقة: المقصود ألا يأخذ ما لا يحل له، فهناك اعتبرت البينة لئلا يمتنع (¬5) من أداء الواجب، وهنا لئلا يأخذ المحرم، والله أعلم (¬6). ¬
الطريق الثالث عشر: الحكم بأربعة أحرار
فصل الطريق الثالث عشر: الحكم بأربعة رجال أحرار. وذلك في حد (¬1) الزنا واللواط، أما الزنا: فبالنص (¬2) والإجماع (¬3)، وأما اللواط: فقالت طائفة: هو مقيس عليه في نصاب الشهادة، كما هو مقيس عليه (¬4) في الحد. وقالت طائفة: بل هو داخل في مسمى الزنا؛ لأنه وطء فرج محرم، وهذا لا تعرفه العرب، فقال هؤلاء: هو داخل في مسمى الزنا شرعًا. وقالوا: والأسماء الشرعية قد تكون أعم من اللغوية وتكون أخص (¬5). وقالت طائفة: بل هو أولى بالحد من الزنا، فإنه وطء فرج لا يستباح بحال (¬6)، والداعي إليه قوي، فهو أولى بوجوب الحد، فيكون نصابه نصاب حد الزنا. ¬
نصاب الشهادة في حد اللواط
وقياس قول من لا يرى فيه الحد - بل التعزيز - أن يكتفى فيه بشاهدين، كسائر المعاصي التي لا حد فيها، وصرحت به الحنفية (¬1) وهو مذهب أبي محمد ابن حزم (¬2). وقياس قول من جعل حده القتل بكل حال - محصنًا كان أو بكرًا - أن (¬3) يكتفى فيه بشاهدين، كالردة والمحاربة، وهو إحدى الروايتين عن أحمد (¬4)، وأحد قولي الشافعي (¬5)، ومذهب (¬6) مالك (¬7) - رضي الله عنهم -، لكن صرحوا بأن حد اللواط لا يقبل فيه أقل من أربعة. ووجه ذلك: أن عقوبته عقوبة الزاني المحصن، وهو الرجم بكل حال. ¬
هل يكتفى في الإقرار بالزنا واللواط بشاهدين؟
وقد يحتج (¬1) على (¬2) اشتراط نصاب الزنا في حد اللواط بقوله تعالى لقوم لوط: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)} [النمل: 54] وقال في الزنا: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]. وبالجملة: فلا خلاف بين من أوجب عليه حد الزنا (¬3) أو الرجم بكل حال أنه لا بد فيه من أربعة شهود أو إقرار (¬4). وأما أبو حنيفة (¬5) وابن حزم (¬6): فاكتفيا فيه بشاهدين (¬7)، بناءً على أصلهما. وأما الحكم بالإقرار بهما (¬8)، فهل يكتفى فيه بشاهدين أو لا بد من أربعة: فيه قولان في مذهب مالك (¬9) والشافعي (¬10)، وروايتان عن ¬
أحمد (¬1)، فمن لم يشترط الأربعة (¬2) قال: إقامة الحد إنما مستنده (¬3) إلى الإقرار. فالشهادة عليه والإقرار يثبت بشاهدين، ومن اشترط الأربعة قال: الإقرار (¬4) كالفعل، فكما أننا لا نكتفي في الشهادة على الفعل إلا بأربعة، فكذلك الشهادة على القول. يوضحه: أن كل واحد من الفعل والقول موجب للحد، فإذا كان الفعل الموجب لا يثبت إلا بأربعة، فالقول الموجب كذلك. قال أصحاب القول الآخر (¬5): الفعل موجب بنفسه، والقول دال على الفعل الموجب، فبينهما مرتبة. قال أصحاب القول الآخر: لا تأثير لذلك (¬6)، وإذا كنا لا نحده إلا بإقرار أربع مرات، فلا نحده إلا بشهادة أربعة (¬7) على الإقرار. ¬
نصاب الشهادة في عقوبة من أتى بهيمة
فصل وأما إتيان البهيمة (¬1): فإن قلنا يوجب الحد، لم يثبت إلا بأربعة (¬2). وإن قلنا: يوجب (¬3) التعزيز - كقول أبي حنيفة (¬4) والشافعي (¬5) ومالك (¬6) - ففيه وجهان: أحدهما: لا يقبل فيه إلا أربعة؛ لأنه فاحشة، وإيلاج فرج في فرج ¬
الوطء المحرم لعارض
محرم، فأشبه الزنا، وهذا اختيار القاضي (¬1). والثاني: يقبل فيه شاهدان؛ لأنه لا يوجب الحد، فيثبت بشاهدين كسائر الحقوق. قال الشيخ في "المغني" (¬2): وعلى قياس هذا: كل زنا لا يوجب الحد، كوطء الأمة المشتركة وأمته المزوجة، وأشباه هذا. وأما الوطء المحرم لعارض (¬3) - كوطء امرأته في الصيام، والإحرام والحيض - فإنه لا يوجب الحد، ويكفي فيه شاهدان، وكذلك وطؤها في دبرها. فصل وألحق الحسن البصري بالزنا - في اعتبار أربعة شهود - كل ما يوجب القتل (¬4). وحُكي ذلك رواية عن أحمد (¬5)، وهذا إن كان في القتل حدًّا فله وجه على ضعفه، وإن كان في القتل حدًّا أو قصاصًا فهو فاسد، وقياسه على الزنا ممتنع؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - غلظ أمر البينة والإقرار في باب الفاحشة؛ سترًا لعباده، وشرع عقوبة من قذف ¬
قذف غيره بها دون سائر ما يوجب الحد، وشرع فيها القتل على أغلظ الوجوه وأكرهها للنفوس، فلا يصح إلحاق غيرها بها. والله أعلم.
الطريق الرابع عشر: الحكم بشهادة العبد والأمة في كل ما تقبل فيه شهادة الحر والحرة
فصل الطريق الرابع عشر: الحكم بشهادة العبد والأمة في كل ما تقبل فيه شهادة الحر والحرة. هذا هو (¬1) الصحيح من (¬2) مذهب أحمد (¬3)، وعنه: تقبل في كل شيء إلا في الحدود والقصاص (¬4)؛ لاختلاف العلماء في قبول شهادته (¬5)، فلا ينتهض سببًا لإقامة الحدود التي مبناها على الاحتياط، والصحيح: الأول، وقد حُكي إجماعًا قديمًا، حكاه الإمام أحمد عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: "ما علمت أحدًا ردَّ شهادة العبد" (¬6)، وهذا يدل على أن ردها إنما حدث بعد عصر الصحابة، واشتهر هذا القول لما ذهب إليه مالك (¬7) ¬
الاحتجاج لقبول شهادة العبد
والشافعي (¬1) وأبو حنيفة (¬2)، وصار لهم أتباع يفتون ويقضون بأقوالهم، فصار هذا القول عند الناس هو المعروف، ولما كان مشهورًا بالمدينة في زمن مالك، قال: "ما علمت أحدًا قبل شهادة العبد" (¬3)، وأنس بن مالك يقول ضد ذلك. وقبول شهادة العبد هو موجب الكتاب والسنَّة، وأقوال الصحابة، وصريح القياس، وأصول الشرع، وليس مع من ردَّها كتاب ولا سنَّة (¬4) ولا إجماع ولا قياس، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] والوسط: العدلُ الخيار (¬5)، ولا ريب في دخول العبد في هذا الخطاب (¬6)، فهو ¬
عدلٌ بنصِّ القرآن، فدخل تحت قوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135]، وهو من الَّذين آمنوا قطعًا، فيكون من الشهداء كذلك. وقال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، ولا ريبَ أنَّ العبدَ من رجالنا. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة: 7]، فالعبدُ المؤمن الصالح من خير البرية (¬1)، فكيفَ ترد شهادته؟ وقد عدَّله الله ورسوله، كما في الحديث المعروف (¬2) المرفوع: "يَحْمِلُ هَذَا العِلْم مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُوْلُهُ، يَنْفُوْنَ عَنْهُ تَحْرِيْفَ الغَالِيْنَ، وانْتِحَالَ المُبْطِلِيْنَ، وَتَأْوِيْلَ الجَاهِلِيْنَ" (¬3)، والعبد يكون من حملة ¬
نقد القول بأن باب الرواية أوسع من باب الشهادة
العلم، فهو عدلٌ بنصِّ الكتاب والسنَّة. وأجمع النَّاسُ على أنَّه مقبول الشهادة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا روى عنه الحديث (¬1)، فكيف تقبل شهادته على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تقبل شهادته على واحدٍ من النَّاسِ؟ ولا يقال: باب الرواية أوسعُ من باب الشهادة، فيحتاط لها ما لا يحتاط للرواية (¬2)، فهذا كلامٌ جرى على ألسن كثير من النَّاس، وهو عارٍ عن التحقيق والصواب، فإنَّ أولى ما ضُبِط (¬3) واحتيط له الشهادةُ ¬
المقتضي لقبول شهادة المسلم
على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والرواية عنه، فإنَّ الكذب عليه ليس كالكذب على غيره، وإنَّما رُدَّت الشهادة بالعداوة والقرابة والأنوثة (¬1) دون الرواية لتطرق التهمة إلى شهادة العدو وشهادة الولد، وخشية عدم ضبط المرأة وحفظها، وأمَّا العبدُ فما يتطرقُ إليه من ذلك يتطرق إلى الحرِّ سواء، ولا فرق بينه وبينه في ذلك ألبتة، فالمعنى الَّذي قبلت به روايته هو المعنى الَّذي تقبل به شهادته، وأمَّا المعنى الَّذي رُدَّت به شهادة العدو والقرابة والمرأة فليس موجودًا في العبد (¬2). وأيضًا؛ فإنَّ المقتضي لقبول شهادة المسلم عدالته، وغلبة الظن بصدقه، وعدم تطرق التهمة إليه، وهذا بعينه موجود في العبد، فالمقتضي موجود والمانع مفقود، فإنَّ الرِّقَّ لا يصلح أن يكون مانعًا، فإنَّه لا يزيل مقتضى العدالة، ولا تطرق تهمة، كيف والعبد الَّذي يؤدي حقَّ الله وحقَّ سيده له أجران حيث يكون للحرِّ أجرٌ واحد (¬3)، وهو أحد الثلاثة الَّذين هم أوَّل من يدخل الجنَّة (¬4)، ولهذا قبل شهادته أصحاب ¬
ذكر بعض من قبل شهادة العبد
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم القدوة. قال أبو بكر بن أبي شيبة (¬1): حدثنا حفص بن غياث عن أشعث عن الشعبي قال: قال شريح: "لا نجيز شهادة العبد"، فقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "لكنَّا نجيزها"، فكان شريح بعد ذلك يجيزها (¬2) إلَّا لسيده. وبه عن المختار بن فلفل قال: سألتُ أنس بن مالك عن شهادة العبد؟ فقال: "جائزة" (¬3). وقال الثوري عن عمَّار الدهني (¬4) قال: "شهدت شريحًا شهد عنده عبد على دار، فأجاز شهادته، فقيل: إنَّه عبد، فقال شريح: كلنا عبيد وإماء" (¬5). ¬
سياق الخلاف في قبول شهادة العبد
وروى أحمد عن ابن سيرين (¬1): أنَّه كان لا يرى بشهادة العبد بأسًا إذا كان عدلًا (¬2). وقال عطاء: شهادة العبد والمرأة جائزة في النكاح والطلاق (¬3). وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة قال: سئل إياس بن معاوية عن شهادة العبد؟ فقال: أنا أرد شهادة عبد العزيز بن صهيب (¬4)؟ يعني إنكارًا لردها (¬5). وذكر الإمام أحمد عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّه قال: "ما علمت أحدًا ردَّ شهادة العبد" (¬6). وقد اختلف النَّاس في ذلك، فردتها (¬7) طائفة مطلقًا، وهذا قول مالك (¬8) ¬
والشَّافعي (¬1) وأبي حنيفة (¬2)، وقبلتها طائفة مطلقًا حتَّى لسيده وهو قول أبي محمد ابن حزم (¬3)، وقبلتها (¬4) طائفة مطلقًا إلَّا لسيده (¬5). قال سفيان الثوري عن إبراهيم النخعي عن الشعبي - في العبدِ - قال: "لا تجوز شهادته لسيده، وتجوز لغيره" (¬6)، وهذا مذهب الإمام أحمد (¬7). ¬
حجج من رد شهادة العبد، والجواب عنها
وأجازتها طائفة في الشيء اليسير دون الكثير، وهذا قول إبراهيم النخعي (¬1)، وإحدى الروايتين عن شريح (¬2) والشعبي (¬3). والَّذين ردُّوها بكلِّ حالٍ منهم من قاس (¬4) العبد على الكافر؛ لأنَّه منقوص بالرق (¬5)، وذاك (¬6) بالكفرِ، وهذا من أفسد القياس (¬7) في العالم، وفساده معلوم بالضرورة من الدِّين. ومنهم من احتجَّ بقوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] والشهادة شيء، فهو غير قادر عليها (¬8). قال أبو محمد ابن حزم (¬9) في جواب ذلك: تحريف كلام الله عن مواضعه مهلك في الدنيا والآخرة، ولم يقل تعالى: إنَّ كلَّ عبدٍ لا يقدر على شيء، إنَّما ضربَ الله تعالى المثل بعبدٍ من عبيده هذه صفته، وقد توجد هذه الصفة في كثيرٍ من الأحرار، وبالمشاهدة نعرف كثيرًا من العبيد أقدر على الأشياء من كثيرٍ من الأحرار. ¬
ونقول لهم: هل يلزم العبيد الصلاة والصيام والطهارة، ويحرم عليهم من المآكل والمشارب والفروج ما يحرم على الأحرار، أم لا يلزمهم ذلك؛ لكونهم لا يقدرون عندكم على شيءٍ ألبتة؟ (¬1)، قال: ومن نسب هذا إلى الله فقد كذب عليه جهارًا (¬2). واحتج بعضهم (¬3) بقوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]، فنهى الشهداء عن التخلف والإباء، ومنافع العبد لسيده، فله أن يتخلف ويأبى إلَّا خدمته. وهذا لا يدلُّ على عدم قبولها إذا أذن له سيده في تحملها وأدائها إذا لم يكن في ذلك تعطيل خدمة السيد. فأبعد النجعة من فهم رد شهادة العبيد العدول بذلك، فإن كان هذا مقتضى الآية كان مقتضى ذلك أيضًا ردَّ روايتهم. واحتج بعضهم بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ} [المعارج: 33]، والعبدُ ليس من أهلِ القيام على غيره، وهذا من جنس احتجاج بعضهم (¬4) أنَّ الشهادة ولاية، والعبد ليس من أهل الولاية على غيره. وهذا في غاية الضعف؛ فإنَّه يقال لهم: ما تعنون بالولاية؟ أتريدون بها الشهادة، وكونه مقبول القول على المشهود عليه، أم كونه ¬
حاكمًا عليه منفذًا فيه الحكم؟ فإن أردتم الأوَّل كان التقدير: إنَّ الشهادة شهادة والعبد ليس من أهل الشهادة، وهذا حاصل دليلكم، وإن أردتم الثاني (¬1) فمعلوم البطلان قطعًا، والشهادة لا تستلزمه. واحتج بعضهم (¬2) بأنَّ الرِّق أثر من آثار الكفر، فمنع قبول الشهادة، كالفسق. وهذا في غاية البطلان، فإنَّ هذا لو صحَّ لمنع قبول روايته، وفتواه، والصلاة خلفه، وحصول الأجرين له. واحتجَّ بأنَّه يستغرق الزمان بخدمة سيده، فليس له وقت يملك فيه أداء الشهادة، ولا يملك عليه. وهذا أضعف ممَّا قبله؛ لأنَّه ينتقض بقبول روايته وفتواهُ، وينتقض بالحرَّة المزوجة، وينتقض بما لو أذن له سيده (¬3)، وينتقض بالأجير الَّذي استغرقت ساعات يومه وليلته بعقد الإجارة، ويبطل بأنَّ أداء الشهادة (¬4) لا يبطل حق السيد من (¬5) خدمته (¬6). واحتج بأنَّ العبد سلعةٌ من السلع، فكيف تشهد ¬
السلع؟ (¬1). وهذا في غاية الغثاثة والسماجة، فإنَّه تقبل شهادة هذه السلعة، كما تقبل روايتها وفتواها، وتصح إمامتها، وتلزمها الصلاة والصوم والطهارة. واحتجَّ بأنَّه دنيء، والشهادة منصب عَليٌّ، فليس من أهلها. وهذا من ذلك (¬2) الطراز، فإنَّه إن أريدَ بدناءته ما يقدح في دينه وعدالته، فليس كلامنا فيمن هو كذلك، ونافع وعكرمة أفضل (¬3) وأجل وأشرف من أكثر الأحرار عند الله وعند النَّاس، وإن أريد بدناءته أنَّه مبتلى برق الغير فهذه البلوى لا تمنع قبول الشهادة، بل هي ممَّا يرفع الله بها درجة (¬4) العبد، ويضاعف له بها الأجر. فهذه الحجج كما تراها من الضعف والوهن، وإذا قابلت بينها وبين حجج القائلين بشهادته (¬5) لم يخف عليك الصواب، والله أعلم. ¬
الطريق الخامس عشر: الحكم بشهادة الصبيان المميزين
فصل الطريق الخامس عشر: الحكم بشهادة الصبيان المميزين. وهذا موضع اختلف فيه النَّاس، فردتها طائفة مطلقًا، وهذا قول الشافعي (¬1)، وأبي حنيفة. (¬2)، وأحمد (¬3) في إحدى الروايات (¬4) عنه، وعنه رواية ثانية (¬5): أنَّ شهادة الصبي المميز مقبولة إذا وجدت فيه بقية الشروط، وعنه رواية ثالثة (¬6): أنَّها تقبل في جراح بعضهم بعضًا، إذا أدوها قبل تفرقهم، وهذا قول مالك (¬7). ¬
قال ابن حزم (¬1): صحَّ عن ابن الزبير أنَّه قال: "إذا حيز بهم عند المصيبة جازت شهادتهم"، قال ابن أبي مليكة: فأخذ القضاة بقول ابن الزبير (¬2). وقال قتادة عن الحسن قال: قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "شهادة الصبي على الصبي جائزة، وشهادة العبد على العبد جائزة" (¬3). قال الحسن (¬4): وقال معاوية: "شهادة الصبيان على الصبيان جائزة، ما لم يدخلوا البيوت فيعلموا" (¬5). وعن علي مثله أيضًا (¬6). وقال ابن أبي شيبة (¬7): حدثنا وكيع، حدثنا عبد الله بن حبيب بن ¬
أبي ثابت، عن الشعبي، عن مسروق: "أنَّ ستة غلمان ذهبوا يسبحون، فغرق أحدهم، فشهد ثلاثة على اثنين أنَّهما غرَّقاه، وشهد اثنان على ثلاثة أنَّهم غرَّقوه، فقضى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على الثلاثة بخمسي الدية، وعلى الاثنين بثلاثة أخماسها". وقال الثوري: عن فراس (¬1) عن الشعبي عن مسروق: "أنَّ ثلاثة غلمان شهدوا على أربعة، وشهد الأربعة على الثلاثة، فجعل مسروق على الأربعة ثلاثة أسباع الدية، وعلى الثلاثة أربعة (¬2) أسباع الدية" (¬3). قال أبو الزناد: "السنَّة أن يؤخذ في شهادة الصبيان بقولهم في الجراح مع أيمان المدعين" (¬4). وأجاز عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح المقاربة (¬5)، فإذا بلغت النفوس قضى بشهادتهم مع أيمان الطالبين (¬6). ¬
سياق قول المالكية في المسألة
وقال ربيعة (¬1): تقبل شهادة بعضهم على بعض ما لم يتفرقوا (¬2). وقال شريح: تقبل شهادتهم إذا اتفقوا، ولا تقبل إذا اختلفوا (¬3). وكذلك قال أبو بكر بن حزم (¬4)، وسعيد بن المسيب (¬5)، والزهري (¬6). وقال وكيع عن ابن جريج عن ابن (¬7) أبي مليكة: سألت ابن عباس وابن الزبير عن شهادة الصبيان؟ فقال ابن عباس: إنَّما قال الله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وليسوا ممَّن نرضى (¬8). وقال ابن الزبير: "هم أحرى إذا سئلوا عمَّا رأوا أن يشهدوا". قال ابن أبي مليكة: ما رأيت القضاة أخذوا إلَّا بقول ابن الزبير (¬9). قالت المالكية (¬10): قد ندب الشرع إلى تعليم الصبيان الرمي ¬
والثقاف (¬1) والصراع وسائر ما يدربهم على حمل السلاح والضرب، والكر والفر، وتصليب (¬2) أعضائهم وتقوية أقدامهم، وتعليمهم البطش، والحمية والأنفة من العار والفرار، ومعلوم أنَّهم في غالب أحوالهم يخلون بأنفسهم في ذلك، وقد يجني بعضهم على بعض، فلو لم نقبل قول بعضهم على بعض لأهدرت دماؤهم. وقد احتاط الشارع بحقن الدماء، حتَّى قبل فيها اللوث واليمين، وإن كان لم يقبل ذلك في درهم واحد، وعلى قبول شهادتهم تواطأت مذاهب السلف الصالح، فقال به علي بن أبي طالب (¬3)، ومعاوية بن أبي سفيان (¬4)، وعبد الله بن الزبير (¬5)، ومن التابعين: سعيد بن المسيب (¬6)، وعروة بن الزبير (¬7)، وعمر بن عبد العزيز (¬8)، والشعبي (¬9)، ¬
والنخعي (¬1)، وشريح (¬2)، وابن أبي ليلى (¬3)، وابن شهاب (¬4)، وابن أبي مليكة (¬5) - رضي الله عنهم - وقال: "ما أدركت القضاة إلَّا وهم يحكمون (¬6) بقول ابن الزبير"، وأبو الزناد وقال: هي السنة (¬7). قالوا (¬8): وشرط قبول شهادتهم في ذلك كونهم يعقلون الشهادة، وأن يكونوا ذكورًا أحرارًا، محكومًا لهم بحكم الإسلام، اثنين فصاعدًا، متفقين غير مختلفين، ويكون ذلك قبل تفرقهم وتخبيرهم (¬9)، ويكون ذلك لبعضهم على بعض، ويكون في القتل والجراح خاصَّة، ولا تقبل شهادتهم على كبير أنَّه قتل صغيرًا، ولا على صغير أنَّه قتل كبيرًا. قالوا: ولو شهدوا، ثمَّ رجعوا عن شهادتهم أخذ بالشهادة الأولى، ¬
هل تقدح العداوة والقرابة في شهادة الصبيان
ولم يلتفت إلى ما رجعوا إليه (¬1). قالوا: ولا خلاف عندنا أنَّه لا يعتبر فيهم تعديل ولا تجريح (¬2). قالوا: واختلف أصحابنا في العداوة والقرابة: هل تقدح (¬3) في شهادتهم؟ على قولين (¬4)، واختلفوا في جريان هذا الحكم في إناثهم، أم هو مختص بالذكور فلا تقبل فيه شهادة الإناث على قولين (¬5). ¬
الطريق السادس عشر: الحكم بشهادة الفساق
فصل الطريق السادس عشر: الحكم بشهادة الفساق (¬1). وذلك في صور: إحداها: الفاسق باعتقاده، إذا كان متحفظًا في دينه، فإنَّ شهادته مقبولة وإن حكمنا بفسقه، كأهل البدع والأهواء الَّذين لا نكفرهم، كالرَّافضة والخوارج والمعتزلة ونحوهم، هذا منصوص الأئمة (¬2). قال الشَّافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء بعضهم على بعض، إلَّا الخطابية فإنَّهم يتدينون بالشهادة لموافقيهم على مخالفيهم (¬3). ¬
علة رد رواية الراوي المبتدع الداعي المعلن ببدعته
ولا ريبَ أنَّ شهادة من يُكَفِّر بالذنب ويعُدُّ (¬1) الكذب ذنبًا (¬2) أولى بالقبول ممَّن ليس كذلك، ولم يزل السلف والخلف على قبول شهادة هؤلاء وروايتهم (¬3). وإنَّما منع الأئمة - كأحمد بن حنبل (¬4) وأمثاله - قبول رواية الدَّاعي المعلن ببدعته، وشهادته، والصلاة خلفه، هجرًا له وزجرًا، لينكف ضرر بدعته عن المسلمين، ففي قبول شهادته وروايته (¬5) والصلاة خلفه واستقضائه وتنفيذ أحكامه رضى ببدعته وإقرار له عليها، وتعريض لقبولها منه. قال حرب: قال أحمد (¬6): لا تجوز شهادة القدرية والرافضة وكل من دعا إلى بدعته وتخاصم (¬7) عليها (¬8). وكذلك كلُّ بدعةٍ. ¬
كلام أحمد في رد شهادة أهل البدع والأهواء
وقال الميموني (¬1): قال أبو عبد الله في الرَّافضة (¬2): لا تقبل شهادتهم ولا كرامة لهم (¬3) وقال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: كان ابن أبي ليلى (¬4) يجيز شهادة كل صاحب بدعة إذا كان فيهم (¬5) عدلًا لا يستحل شهادة الزور، قال أحمد: ما تعجبني شهادة الجهمية والرَّافضة والقدرية والمعلنة (¬6). وقال الميموني: سمعت أبا عبد الله يقول: من أخاف عليه الكفر - مثل الروافض والجهمية - لا تقبل شهادتهم ولا كرامة لهم (¬7)، أنا أستتيبهم (¬8). ¬
رد شهادة من كفر من أهل البدع
وقال في رواية يعقوب بن بختان: إذا كان القاضي جهميًّا لا نشهد عنده (¬1). وقال أحمد بن الحسن الترمذي (¬2): قدمت على أبي عبد الله، فقال: ما حال قاضيكم؟ لقد مُدَّ له (¬3) في عمره، فقلت له: إنَّ للنَّاس عندي شهادات، فإذا صرت إلى البلاد لا آمن إن شهدت (¬4) عنده أن يفضحني، قال: لا تشهد عنده، قلتُ: يسألني من له عندي شهادة، قال: لك ألَّا تشهد عنده. قلتُ: من كفر بمذهبه - كمن ينكر حدوث العالم، وحشر الأجساد، وعلم الرب تعالى بجميع الكائنات، وأنَّه فاعل بمشيئته وإرادته - فلا تقبل شهادته؛ لأنَّه على غير الإسلام، فأمَّا أهل البدع الموافقون (¬5) على أصل (¬6) الإسلام، ولكنَّهم مختلفون (¬7) في بعض الأصول - كالرَّافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم - فهؤلاء أقسام (¬8): ¬
رد مالك شهادة أهل البدع، كالقدرية والرافضة
أحدها: الجاهل المقلِّد الَّذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق، ولا ترد شهادته، إذا لم يكن قادرًا على تعلم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين من الرَّجال والنساء والولدان الَّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا، فأولئك عسى الله أن يعفوَ عنهم، وكان الله عفوًّا غفورًا. القسم الثاني: متمكن من السؤال وطلب الهداية، ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالًا بدنياه ورياسته، ولذته ومعاشه وغير 4 ذلك، فهذا مفرط مستحق للوعيد، آثمٌ بترك ما وجبَ عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات، فإن غلبَ ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته، وإن غلبَ ما فيه من السنَّة والهدى قبلت شهادته (¬1). القسم الثالث: أن يسأل ويطلب (¬2)، ويتبين له الهدى، ويتركه تقليدًا وتعصبًا، أو بغضًا أو معاداة لأصحابه، فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقًا، وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل، فإن كان معلنًا داعية ردت شهادته وفتاويه وأحكامه، مع القدرة على ذلك، ولم تقبل له شهادة ولا فتوى ولا حكم إلَّا عند الضرورة، كحال غلبة هؤلاء واستيلائهم وكون القضاة والمفتين والشهود منهم، ففي ردِّ شهادتهم وأحكامهم إذ ذاك فسادٌ كثير، ولا يمكن ذلك، فتقبل للضرورة. وقد نصَّ مالك - رحمه الله - على أنَّ شهادة أهل البدع - كالقدرية ¬
قبول شهادة الفساق بعضهم على بعض
والرَّافضة ونحوهم - لا تقبل، وإن صلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا (¬1). قال اللخمي (¬2): وذلك لفسقهم، قال: ولو كان ذلك عن تأويل غلطوا فيه. فإن كان هذا (¬3) ردهم لشهادة القدرية - وغلطهم إنَّما هو من تأويل القرآن، كالخوارج - فما الظن بالجهمية الَّذين أخرجهم كثير من السلف من الثنتين والسبعين فرقة؟ (¬4). وعلى هذا، فإذا كان النَّاسُ فسَّاقًا كلهم إلَّا القليل النَّادر قبلت شهادة بعضهم على بعض، ويحكم بشهادة الأمثل من الفساق (¬5) فالأمثل، هذا هو الصواب الَّذي عليه العمل (¬6)، وإن أنكره كثيرٌ من الفقهاء بألسنتهم. ¬
جريان العمل على صحة ولاية الفاسق ونفوذ أحكامه
كما أنَّ العملَ على صحة ولاية الفاسق، ونفوذ أحكامه، وإن أنكروه بألسنتهم. وكذلك العمل على صحة (¬1) كون الفاسق وليًّا في النكاح ووصيًّا في المال (¬2). والعجبُ ممَّن يسلبه (¬3) ذلك ويرد الولاية إلى فاسقٍ مثله، أو أفسق منه؛ فإنَّ العدلَ الَّذي تنتقل إليه الولاية قد تعذر (¬4) وجوده، وامتاز الفاسق القريب بشفقة القرابة، والوصيُّ باختيار الموصى له وإيثاره على غيره، ففاسقٌ عيَّنه الموصي أو امتاز بالقرابة أولى من فاسق ليس كذلك. على أنَّه إذا غلب على الظن صدق الفاسق قبلت شهادته وحكم بها، والله - سبحانه وتعالى - لم يأمر بردِّ خبر الفاسق، فلا يجوز رده مطلقًا، بل يتثبت فيه حتَّى يتبين، هل هو صادقٌ أو كاذب؟ فإن (¬5) كان صادقًا قبل قوله وعمل به، وفسقه عليه، وإن كان كاذبًا رُدَّ خبره ولم يلتفت إليه. وخبر الفاسق وشهادته لرده مأخذان (¬6): ¬
أحدهما: عدم الوثوق به، إذ (¬1) تحمله قلَّة مبالاته بدينه، ونقصان وقار الله في قلبه على تعمد الكذب. الثاني: هجره على إعلانه بفسقه ومجاهرته به (¬2)، فقبول شهادته إبطالٌ لهذا الغرضِ المطلوب شرعًا. فإذا علم صدق لهجة الفاسق، وأنَّه من أصدق النَّاس - وإن كان فسقه بغير الكذب - فلا وجه لردِّ شهادته (¬3)، وقد استأجر النبي - صلى الله عليه وسلم - هاديًا يدلُّه على طريق المدينة، وهو مشركٌ على دين قومه، ولكن لما وثق بقوله أمنه (¬4)، ودفع إليه راحلته، وقبل دلالته (¬5). وقد قال أصبغ بن الفرج: إذا شهد الفاسق عند الحاكم وجب عليه التوقف في القضية (¬6)، وقد يحتج له بقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وحرف المسألة: أنَّ مدارَ قبول الشهادة، وردها على غلبة ظن الصدق وعدمه. ¬
تصويب القول بتبعض العدالة
والصواب المقطوع به أنَّ العدالة تتبعض، فيكون الرجل عدلًا في شيءٍ، فاسقًا في شيء، فإذا تبينَ للحاكم أنَّه عدلٌ فيما شهد به قبل شهادته ولم يضره فسقه في غيره (¬1)، ومن عرف شروط العدالة، وعرف ما عليه النَّاس تبين له الصواب (¬2) في هذه المسألة، والله أعلم. ¬
الطريق السابع عشر: الحكم بشهادة الكافر
فصل الطريق السابع عشر: الحكم بشهادة الكافر. وهذه المسألة لها صورتان: إحداهما: شهادة الكفار بعضهم على بعض. والثانية: شهادتهم على المسلمين. فأمَّا المسألة الأولى فقد اختلف فيها النَّاس قديمًا وحديثًا، فقال حنبل: حدثنا قبيصة (¬1) حدثنا سفيان عن أبي حصين (¬2) عن الشعبي قال: تجوز شهادة اليهودي على النصراني (¬3). قال حنبل: وسمعت أبا عبد الله قال: تجوز شهادة بعضهم على بعض (¬4)، فأمَّا على المسلمين فلا تجوز، وتجوز شهادة المسلم ¬
تحرير كلام الإمام أحمد في المسألة
عليهم (¬1). وقال في رواية أبي داود (¬2) والمروذي (¬3)، وحرب (¬4)، والميموني (¬5)، وأبي الحارث (¬6)، وجعفر بن محمد (¬7)، ويعقوب بن بختان (¬8)، وأبي طالب (¬9) - واحتج في روايته بقوله تعالى: {فَأَغْرَيْنَا ¬
بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14]- (¬1) وصالح (¬2) ابنه، وأبي حامد (¬3) الخفاف (¬4)، وإسماعيل بن سعيد الشالنجي (¬5)، وإسحاق بن منصور (¬6)، ومهنا (¬7) بن يحيى (¬8)، فقال له مهنا: أرأيت أن عُدِّلُوا؟ قال: فمن يعدلهم؟ العلج منهم؟ وأفضلهم يشرب الخمر ويأكل الخنزير، فكيف يعدل؟ فنص (¬9) في رواية هؤلاء أنَّه لا تجوز شهادة بعضهم على بعض، ولا على غيرهم ألبتة؛ لأنَّ الله - سبحانه وتعالى - قال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وليسوا ممَّن نرضاه. قال الخلال (¬10): فقد روى هؤلاء النفر - وهم قريبٌ من عشرين ¬
نفسًا - كلهم عن أبي عبد الله خلاف ما قال حنبل. قال (¬1): نظرت في أصل حنبل: أخبرني عبد الله عن أبيه بمثل ما أخبرني عصمة (¬2) عن حنبل، ولا شكَّ أنَّ حنبلًا توهم ذلك، لعله أراد أنَّ أبا عبد الله قال: لا تجوز، فغلط فقال: تجوز، وقد أخبرنا عبد الله عن أبيه بهذا الحديث، وقال عبد الله: قال أبي: لا تجوز، وقال أبي: حدثنا وكيع عن سفيان عن حصين (¬3) عن الشعبي قال: تجوز (¬4) شهادة بعضهم على بعض (¬5)، قال عبد الله: قال أبي (¬6): لا تجوز؛ لأنَّ الله تعالى قال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وليسوا هم ممَّن نرضى، فصحَّ الخطأ ها هنا من حنبل. وقد اختلفوا على الشعبي (¬7) أيضًا، وعلى سفيان (¬8)، وعلى ¬
هل يعتبر اتحاد الملة في شهادة الكفار بعضهم على بعض؟
وكيع (¬1)، في رواية هذا الحديث. وما قال أبو عبد الله فما اختُلِف عنه ألبتة إلَّا ما غلط حنبل بلا شك؛ لأنَّ أبا عبد الله مذهبه في (¬2) أهل الكتاب لا يجيزها ألبتة، ويحتج بقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وأنَّهم ليسوا بعدول، وقد قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، واحتج بأنَّه تكون بينهم أحكامٌ وأموال، فكيف يحكم بشهادة غير عدل؟ واحتج بقوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 64]. وبالغ الخلال (¬3) في إنكار رواية حنبل (¬4)، ولم يثبتها رواية، وأثبتها غيره من أصحابنا (¬5)، وجعلوا المسألة على روايتين. قالوا: وعلى رواية الجواز، فهل يعتبر اتحاد الملة (¬6)؟ فيه ¬
وجهان، ونصروا كلهم عدم الجواز إلَّا شيخنا، فإنَّه اختار الجواز (¬1). قال ابن حزم (¬2): وصحَّ عن عمر بن عبد العزيز أنَّه أجازَ شهادة نصراني على مجوسي، أو مجوسي على نصراني (¬3). وصحَّ عن حمَّاد بن أبي سليمان أنَّه قال: تجوز شهادة النصراني على اليهودي، وعلى النصراني، كلهم أهل شرك (¬4). وصحَّ هذا أيضًا عن الشعبي (¬5) وشريح (¬6) وإبراهيم النخعي (¬7). وذكر ابن أبي شيبة (¬8) من طريق إبراهيم الصائغ (¬9)، قال: سألت نافعًا - مولى ابن عمر - عن شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض؟ ¬
فقال: تجوز. وقال عبد الرزاق (¬1) عن معمر: سألت الزهري عن شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض؟ فقال: تجوز (¬2). وهو قول سفيان الثوري (¬3) ووكيع (¬4) وأبي حنيفة وأصحابه (¬5). وذكر أبو عبيد (¬6) عن قتادة عن علي بن أبي طالب قال: تجوز شهادة النصراني على النصراني. وذكر أيضًا عن الزهري: تجوز شهادة النصراني على النصراني (¬7) , واليهودي على اليهودي، ولا تجوز شهادة أحدهما على الآخر (¬8). ¬
وروى ابن أبي شيبة (¬1) عن ابن عيينة (¬2) عن يونس (¬3) عن الحسن قال: إذا اختلفت الملل لم تجز شهادة بعضهم على بعض. وكذلك قال عطاء: لا تجوز شهادة ملَّة على غير ملتها (¬4) إلَّا المسلمين (¬5). وهذه إحدى (¬6) الروايات (¬7) عن الشعبي (¬8)، والثانية: الجواز (¬9)، والثالثة: المنع (¬10). ¬
احتجاج القابلين لشهادة الكفار بعضهم على بعض
وكذلك قال النخعي: لا تجوز شهادة ملَّة إلَّا (¬1) على ملتها، اليهودي على اليهودي، والنصراني على النصراني (¬2). وقال مالك: تجوز شهادة الطبيب الكافر حتَّى على المسلم للحاجة (¬3). قال القابلون لشهادتهم (¬4): قال الله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75]، فأخبر أنَّ منهم الأمين على مثل هذا القدر من المال، ولا ريبَ أن يكون مثل هذا أمينًا على قرابته ذوي مذهبه أولى. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] , فأثبت لهم الولاية على بعضهم بعضًا، وهي أعلى رتبة من الشهادة، وغاية الشهادة أن تشبه بها، وإذا كان له أن يزوج ابنته وأخته، ويلي مال ولده، فقبول شهادته عليه أولى وأحرى (¬5). قالوا: وقد حكمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشهادتهم في الحدود. ¬
قال أبو خيثمة (¬1): حدثنا حفص بن غياث عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَّ اليهود جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجلٍ منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ائتوني بأربعة منكم يشهدون" (¬2). قالوا: ويكفي الحديث الَّذي في الصحيح (¬3): مرَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيهودي قد حمم (¬4)، فقال: "ما شأن هذا؟ " فقالوا: زنى، فقال: "ما تجدون في كتابكم؟ " وذكر الحديث، فأقام الحد بقولهم، ولم يسأل اليهودي واليهودية، ولا طلب (¬5) اعترافهما وإقرارهما، وذلك ظاهر في سياق القصة بجميع طرقها، ليس في شيءٍ منها ألبتة أنَّه ¬
رجمهما بإقرارهما، ولما أقرَّ ماعز بن مالك (¬1) والغامدية (¬2) اتفقت جميع طرق الحديثين على ذكر الإقرار. قالوا: وروى نافع عن ابن عمر في هذه القصة: أنَّه مرَّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - بيهودي محمم، فقال: "ما باله؟ " قالوا: زنى، قال: "ائتوني بأربعة منكم يشهدون عليه" (¬3). قالوا: وقد أجازَ الله سبحانه شهادة الكفار على المسلمين في السفرِ في الوصية، للحاجة (¬4)، ومعلوم أنَّ حاجتهم إلى قبول شهادة بعضهم على بعض أعظم بكثير من حاجة المسلمين إلى قبول شهادتهم عليهم، فإنَّ الكفار يتعاملون فيما بينهم بأنواع المعاملات من المداينات وعقود (¬5) المعاوضات وغيرها، وتقع بينهم الجنايات وعدوان بعضهم على بعض، لا يحضرهم في الغالب مسلم، ويتحاكمون إلينا، فلو لم تقبل شهادة بعضهم على بعض لأدى ذلك إلى تظالمهم، وضياع حقوقهم، وفي ذلك فسادٌ كثير، فأين (¬6) الحاجة إلى قبول شهادتهم ¬
على المسلمين في السفر من الحاجة إلى قبول شهادة بعضهم على بعض (¬1) في السفر والحضر؟. قالوا: والكافر قد يكون عدلًا في دينه بين قومه، صادق اللهجة عندهم، فلا يمنعه كفره من قبول شهادته عليهم إذا ارتضوهُ، وقد رأينا كثيرًا من الكفار يصدق في حديثه، ويؤدي أمانته، بحيث يشار إليه في ذلك ويشتهر به بين قومه وبين المسلمين بحيث يسكن القلب إلى صدقه، وقبول خبره وشهادته ما لا يسكن (¬2) إلى كثيرٍ من المنتسبين إلى الإسلام، وقد أباحَ الله سبحانه معاملتهم، وأكل طعامهم، وحل نسائهم (¬3)، وذلك يستلزم (¬4) الرجوع إلى أخبارهم قطعًا، فإذا جاز لنا الاعتماد على خبرهم فيما يتعلق بنا من الأعيان التي تحل وتحرم، فلأن (¬5) نرجع إلى أخبارهم بالنسبة لما يتعلق بهم من ذلك أولى وأحرى. فإن قلتم: هذا للحاجة، قيل: وذلك أشد حاجة. قالوا (¬6): وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - بالحكم بينهم إما إيجابًا ¬
مناقشة أدلة المانعين
وإما تخييرًا (¬1)، والحكم إمَّا بالإقرار وإمَّا بالبينة، ومعلومٌ أنَّه مع الإقرار لا يرتفعون (¬2) إلينا، ولا يحتاجون إلى (¬3) الحكم غالبًا، وإنَّما يحتاجون إلى الحكم (¬4) عند التجاحد وإقامة البينة، وهم في الغالب لا تحضرهم البينة من المسلمين، ومعلومٌ أنَّ الحكم بينهم مقصوده العدل، وإيصال كل ذي حقٍّ منهم إلى حقِّه، فإذا غلب على الظن صدق مدعيهم بما يحضره من الشهود الَّذين يرتضونهم فيما بينهم، ولا سيما إذا كثروا (¬5)، فالحكم بشهادتهم أقوى من الحكم بمجرد نكول ناكلهم أو يمينه، وهذا ظاهر جدًّا. قالوا (¬6): وأمَّا قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وقوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، فهذا إنَّما هو في الحكم بين المسلمين، فإنَّ السياق كله في ذلك، فإنَّ الله - سبحانه وتعالى - قال: ¬
{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]، وقال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} إلى قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 1 - 2]، وكذلك قال في آية المداينة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} إلى قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، فلا تعرُّض في شيءٍ من ذلك لحكم أهل الكتاب ألبتة. وأمَّا (¬1) قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 64] فهذا إمَّا أن (¬2) يراد به العداوة التي بين اليهود والنصارى، أو يراد به العداوة التي بين (¬3) فرقهم وإن كانوا ملة واحدة (¬4)، وهذا لا يمنع قبول شهادة بعضهم على بعض، فإنَّها عداوة دينية، فهي كالعداوة التي بين فرق هذه الأمة، وإلباسهم شيعًا، وإذاقة بعضهم بأس بعض. واحتجَّ الشافعي (¬5) بأنَّ من كذب على الله فهو إلى أن يكذب على مثله أقرب، فيقال: وجميع أهل البدع قد كذبوا على الله ورسوله، ¬
والخوارج من أصدق النَّاس لهجة، وقد كذبوا على اللهِ ورسوله، وكذلك القدرية والمعتزلة، وهم يظنون أنَّهم صادقون غير كاذبين، فهم متدينون بهذا الكذب، ويظنونه من أصدق الصدق. واحتجَّ المانعون أيضًا بأنَّ في قبول شهادتهم إكرامًا لهم، ورفعًا لمنزلتهم وقدرهم، ورذيلة الكفر تنفي ذلك. قال الآخرون: رذيلة الكفر لم تمنع قبول قولهم على المسلمين للحاجة بنص القرآن (¬1)، ولم تمنع ولاية بعضهم على بعض، وعرافة بعضهم على بعض، وكون بعضهم حاكمًا وقاضيًا عليهم، فلا نمنع أن يكون بعضهم شاهدًا على بعض، وليس في هذا تكريمٌ لهم، ولا رفع لأقدارهم، وإنَّما هو دفعُ شر (¬2) بعضهم (¬3) عن بعض، وإيصال حقوق أهل الحقوق منهم بقول من يرضونه (¬4)، وهذا من تمام مصالحهم التي لا غنى لهم عنها. وممَّا يوضح ذلك، أنَّهم إذا رضوا بأن نحكم بينهم، ورضوا بقبول ¬
شهادة الكفار على المسلمين في السفر
قول بعضهم على بعض (¬1)، فألزمناهم بما رضوا به، لم يكن ذلك مخالفًا لحكم الله ورسوله، فإنَّه لا بُدَّ أن يكون الشاهد بينهم ممَّن يثقون (¬2) به، فلو كان معروفًا بالكذب وشهادة الزور لم نقبله، ولم نلزمهم بشهادته. فصل فهذا حكم المسألة الأولى. وأمَّا المسألة الثانية - وهي قبول شهادتهم على المسلمين في السفر - فقد دلَّ عليه صريح القرآن (¬3)، وعمل بها (¬4) الصحابة (¬5)، وذهب إليه فقهاء الحديث (¬6). ¬
كلام الإمام أحمد في المسألة
قال صالح بن أحمد: قال أبي: لا تجوز شهادة أهل الذمة إلَّا في موضع في السفر الَّذي قال الله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 106] فأجازها أبو موسى الأشعري (¬1)، وقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أو آخران من غيركم من أهل الكتاب" (¬2)، وهذا موضع ضرورة؛ لأنَّه في سفر، ولا يجد من يشهد من المسلمين، وإنَّما جاءت في هذا المعنى (¬3). ا. هـ. وقال إسماعيل بن سعيد (¬4) الشالنجي: سألت أحمد - فذكر هذا المعنى - قلتُ: فإن كان ذلك على وصية المسلمين هل تجوز شهادتهم؟ قال: نعم، إذا كان على الضرورة، قلتُ: أليس يقال: هذه الآية منسوخة؟ قال: من يقول (¬5)؟ وأنكر ذلك، وقال: وهل يقول هذا إلَّا إبراهيم (¬6)؟ ¬
تسمية من قبل شهادة الكفار على المسلمين في الوصية في السفر
وقال في رواية ابنه عبد الله وحنبل: تجوز شهادة النصراني واليهودي في الميراث، على ما أجازَ أبو موسى (¬1) في السفر، وأحلفه (¬2). وقال في رواية أبي الحارث: لا تجوز شهادة اليهودي والنصراني في شيءٍ إلَّا في الوصية في السفر، إذا لم يكن يوجد غيرهم، قال الله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106]، فلا تجوز شهادتهم الَّا في هذا الموضع (¬3). وهذا مذهب قاضي العلم والعدل: شريح (¬4)، وقول سعيد بن المسيب (¬5)، وحكاه أحمد (¬6) عن ابن عباس (¬7)، وأبي موسى الأشعري (¬8) - رضي الله عنهم -. ¬
قال المروذي: حدثنا ابن نمير (¬1) قال: حدثني يعلى بن الحارث عن أبيه عن غيلان بن جامع عن (¬2) إسماعيل بن أبي خالد (¬3) عن عامر قال: شهد رجلان من أهل دقوقا (¬4) على وصية مسلم، فاستحلفهما أبو موسى بعد العصر بالله (¬5): ما اشترينا به ثمنًا قليلًا، ولا كتمنا شهادة الله إنَّا إذًا لمن الآثمين، ثمَّ قال: إنَّ هذه القضية ما قضي بها منذ (¬6) مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم (¬7). ¬
القول في آية: {ياأيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت}
وذكر محمد بن إسحاق عن أبي النضر (¬1) عن زاذان (¬2) - مولى أم هانئ - عن ابن عباس عن تميم الدَّاري في قوله - عزَّ وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] قال: برئ (¬3) النَّاسُ منها غيري وغير عدي بن بدَّاء (¬4) - وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام - فأتيا الشام، وقدم بريل (¬5) بن أبي مريم (¬6) - مولى بني سهم (¬7) - ومعه جام (¬8) من فضة، هو أعظم تجارته، فمرض ¬
فأوصى إليهما، قال تميم: فلمَّا مات أخذنا الجام، فبعناه بألف درهم (¬1)، ثمَّ اقتسمناه أنا وعدي بن بداء، فلمَّا قدمنا دفعنا ماله إلى أهله، فسألوا عن الجام؟ فقلنا: ما دفع إلينا غير هذا، فلمَّا أسلمت تأثمت من ذلك، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر، وأديت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أنَّ عند صاحبي مثلها، فأتوا به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألهم البينة فلم يجيبوا، فأحلفهم بما يعظم به على أهل دينهم، فأنزل الله - عزَّ وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] الآية، فحلف عمرو بن العاص وأخو سهم (¬2)، فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء" (¬3). وروى يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن القاسم (¬4) عن ¬
عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال: "كان تميم الدَّاري وعدي بن بداء يختلفان إلى مكة بالتجارة، فخرج معهم رجلٌ من بني سهم (¬1)، فتوفي بأرض ليس فيها مسلم فأوصى إليهما، فدفعا تركته إلى أهله، وحبسا جامًا من فضة مُخوَّصًا (¬2) بالذهب، ففقده أولياؤه، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحلفهما: ما كتمنا ولا أضعنا، ثمَّ عرف الجام بمكة، فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله: إن هذا لجام السهمي، ولشهادتنا أحقُّ من شهادتهما وما اعتدينا إنَّا إذًا لمن الظالمين، فأخذ الجام، وفيهما نزلت هذه الآية (¬3). والقول بهذه الآية هو قول جمهور السلف (¬4). قالت عائشة - رضي الله عنها -: "سورة المائدة آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها حلالًا فحللوه، وما وجدتم فيها (¬5) حرامًا فحرِّموه" (¬6). ¬
وصحَّ عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنَّه قال في هذه الآية: "هذا لمن مات وعنده المسلمون، فأمرَ اللهُ أن يشهد في وصيته عدلين من المسلمين، ثمَّ قال تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 106] فهذا لمن ماتَ وليس عنده أحد من المسلمين، فأمرَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - أن يشهد رجلين من غير المسلمين، فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله: لا نشتري بشهادتنا ثمنًا" (¬1)، وقد تقدم أنَّ أبا موسى حكم بذلك (¬2). وقال سفيان الثوري: عن أبي إسحاق السَّبيعي عن عمرو بن شرحبيل قال: "لم ينسخ من سورة المائدة شيء" (¬3). وقال وكيع عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب: " {مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ} قال: من أهل الكتاب" (¬4)، وفي رواية صحيحة عنه: "من غير ¬
أهل ملتكم (¬1) ". وصحَّ عن عبيدة السلماني: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قال: "من غير أهل الملَّة" (¬2). وصحَّ عن شريح قال: "لا تجوز شهادة المشركين على المسلمين إلَّا في الوصية، ولا تجوز في وصية إلَّا أن يكون مسافرًا" (¬3). وصح عن إبراهيم النخعي: {مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] "من غير أهل ملتكم" (¬4). وصح عن سعيد بن (¬5) جبير: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قال: "إذا كان في أرض الشرك، فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب، فإنهما يحلفان بعد العصر، فإن اطلع بعد حلفهما أنهما خانا، حلف أولياء الميت، أنه كان كذا وكذا، واستحقوا (¬6) ". ¬
ذكر من ذهب إلى ما دلت عليه الآية من قبول الشهادة
وصح عن الشعبي: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قال: "من اليهود والنصارى" (¬1). وصح ذلك عن مجاهد قال: "من غير أهل الملة" (¬2). وصح عن يحيى بن يعمر (¬3) مثله (¬4). وصح عن ابن سيرين ذلك (¬5). فهؤلاء أئمة المؤمنين: أبو موسى الأشعري، وابن عباس. وروي نحو ذلك عن علي - رضي الله عنه - (¬6)، ذكر ذلك أبو محمد ابن حزم (¬7)، وذكره أبو يعلى (¬8) عن ابن مسعود (¬9)، ولا مخالف لهم من الصحابة. ومن التابعين: عمرو بن شرحبيل، وشريح، وعبيدة (¬10)، ¬
والنخعي، والشعبي، والسعيدان (¬1)، وأبو مجلز (¬2)، وابن سيرين، ويحيى بن يعمر، وتابعي التابعين: كسفيان الثوري (¬3)، ويحيى بن حمزة (¬4)، والأوزاعي (¬5). وبعد هؤلاء: كأبي عبيد (¬6)، وأحمد بن حنبل (¬7)، وجمهور فقهاء أهل (¬8) الحديث (¬9)، وهو قول جميع أهل ¬
طرق تخريج الآية من المانعين للشهادة
الظاهر (¬1). وخالفهم آخرون (¬2). ثم اختلفوا في تخريج الآية على ثلاث طرق (¬3): أحدها: أن المراد بقوله: {غَيْرِكُمْ} أي من غير قبيلتكم (¬4)، وروي ذلك عن الحسن (¬5)، وروي عن الزهري (¬6) أيضًا. ¬
الجواب عن تلك التخريجات
والثاني: أن الآية منسوخة، وهذا مروي عن زيد بن أسلم (¬1) وغيره (¬2). والثالث: أن المراد بالشهادة فيها: أيمان الوصي بالله تعالى للورثة، لا الشهادة (¬3) المعروفة (¬4). قال القائلون (¬5) بها: أما دعوى النسخ فباطلة (¬6)، فإنه يتضمن أن حكمها باطل، لا يحل العمل به، وأنه ليس من الدين، وهذا ليس ¬
بمقبول إلا بحجة صحيحة لا معارض لها، ولا يمكن أحد قط أن يأتي بنص صحيح صريح متأخر عن هذه الآية مخالف لها لا يمكن الجمع بينه وبينها، فإن وجد إلى ذلك سبيلًا صح النسخ، وإلا فما معه إلا مجرد الدعوى الباطلة، ثم قد قالت أعلم نساء (¬1) الصحابة بالقرآن (¬2): إنه لا منسوخ في المائدة (¬3)، وقاله غيرها أيضًا من السلف (¬4)، وعمل بها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعده (¬5)، ولو جاز قبول دعوى النسخ بلا حجة لكان كل من احتج عليه بنص يقول: هو منسوخ، وكأن القائل لذلك لم يعلم أن معنى كون النص منسوخًا أن الله سبحانه حرم العمل به، وأبطل (¬6) كونه من الدين والشرع، ودون هذا مفاوز تنقطع فيها الأعناق. قالوا (¬7): وأما قول من قال: المراد بقوله: {مِنْ غَيْرِكُمْ} أي من غير قبيلتكم، فلا يخفى بطلانه وفساده، فإنه ليس في أول الآية خطاب ¬
لقبيلة دون قبيلة، بل هو خطاب عام لجميع المؤمنين، فلا يكون غير المؤمنين إلا من الكفار، هذا مما لا شك فيه، والذي قال من غير قبيلتكم (¬1): زلة عالم، غفل عن تدبر الآية (¬2). وأما قول من قال: "إن المراد بالشهادة: أيمان الأوصياء للورثة" فباطل من وجوه (¬3): أحدها: أنه سبحانه قال: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} ولم يقل: أيمان بينكم. الثاني: أنه قال: {اَثْنَانِ} واليمين لا تختص بالاثنين. الثالث: أنه قال: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} واليمين لا يشترط فيها ذلك. الرابع: أنه قال: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] واليمين لا يشترط فيها (¬4) شيء من ذلك. الخامس: أنه قيد ذلك بالضرب في الأرض، وليس ذلك شرطًا في اليمين. السادس: أنه قال: {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ} [المائدة: 106] وهذا لا يقال في اليمين (¬5) في هذه ¬
الأفعال (¬1)، بل هو نظير قوله: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] السابع: أنه قال: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: 108] ولم يقل: بالأيمان. الثامن: أنه قال: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: 108] فجعل الأيمان قسيمًا للشهادة، وهذا صريح في أنها غيرها. التاسع: أنه قال: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} [المائدة: 107] فذكر اليمين والشهادة، ولو كانت اليمين على المدعى عليه لما احتاجا إلى ذلك، ولكفاهما القسم: أنهما ما خانا (¬2). العاشر: أن الشاهدين يحلفان بالله {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] ولو كان المراد بها اليمين، لكان المعنى: يحلفان بالله لا نكتم اليمين، وهذا لا معنى له ألبتة، فإن اليمين لا تكتم، فكيف يقال: احلف أنك لا تكتم حلفك؟ الحادي عشر: أن المتعارف من لفظ "الشهادة" في القرآن والسنة: إنما هو الشهادة المعروفة، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]، وقوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] , وقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، ونظائره. ¬
فإن قيل: فقد سمَّى الله - عزَّ وجلَّ - أيمان اللعان شهادة (¬1) في قوله: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6]، وقال: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} (¬2) [النور: 8]. قيل: إنَّما سمى أيمان الزوج شهادة؛ لأنَّها قائمةٌ مقام البينة، ولذلك ترجم المرأة إذا نكلت (¬3)، وسمَّى أيمانها شهادة؛ لأنَّها في مقابلة شهادة الزوج. وأيضًا، فإنَّ هذه اليمين خُصَّت من بين الأيمان بلفظِ "الشهادة بالله" تأكيدًا لشأنها (¬4)، وتعظيمًا لخطرها. الثاني عشر: أنَّه قال: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106]، ومن المعلوم أنَّه لا يصح أن يكون أيمان بينكم إذا حضر أحدكم الموت (¬5)، فإنَّ الموصي إنَّما يحتاج إلى الشاهدين، لا إلى اليمين. الثالث عشر: أنَّ حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الَّذي حكم به (¬6) - وحكم به الصحابة بعده (¬7) - هو تفسير الآية قطعًا، وما عداه باطل، فيجب أن ¬
أوجه مخالفة هذا الحكم للأصول والقياس في زعم بعضهم
يرغب عنه (¬1). وأمَّا ما ذكره بعض النَّاس: أنَّ ذلك مخالفٌ للأصول والقياس من وجوه (¬2): أحدها: أنَّ ذلك يتضمن شهادة الكافر، ولا شهادة له (¬3). الثاني: أنَّه يتضمن حبس الشاهدين، والشاهد لا يحبس. الثالث: أنَّه يتضمن تحليفهما، والشاهد لا يحلف (¬4). الرَّابع: أنَّه يتضمن تحليف إحدى البينتين: أنَّ شهادتهما أحق من شهادة البينة الأُخرى. الخامس: أنَّه يتضمن شهادة المدعين لأنفسهم واستحقاقهم بمجرد أيمانهم. السَّادس: أنَّ أيمان هؤلاء المستحقين التي قدمت على شهادة الشاهدين لما ظهرت خيانتهما، إن كانت شهادة فكيف يشهدان لأنفسهما؟ وإن كانت أيمانًا فكيف يقضى بيمين المدعي بلا شاهد ولا رد؟ ¬
الجواب المجمل عن تلك الأوجه
السَّابع: أنَّ هذا يتضمن القسامة في الأموال، والحكم بأيمان المدعين، ولا يعرف بهذا قائل. فهذا - وأمثاله - من الاعتراضات التي نعوذ بالله منها، ونسأله العافية، فإنَّها اعتراضات (¬1) على حكم الله وشرعه وكتابه. فالجواب عنها: بيان أنَّها مخالفة لنص الآية، معارضةٌ لها، فهي من الرَّأي الباطل الَّذي حذَّر منه سلف الأُمَّة (¬2)، وقالوا: إنَّه يتضمن تحليل ما حرَّم الله، وتحريم ما أحلَّ اللهُ، وإسقاط ما فرض الله، ولهذا اتفقت أقوال السلف على ذمِّ هذا النوعِ من الرَّأي (¬3)، وأنَّه لا يحل الأخذ به في دين اللهِ، ولا يلزم الجواب عن هذه الاعتراضات وأمثالها، ولكن نذكر الجواب بيانًا للحكمة، وأن الَّذي تضمنته الآية هو المصلحة، وهو أعدل ما يحكم به، وخير من كلِّ حكمٍ سواه {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة: 50]. وهذا المسلكُ الباطل يسلكه من يخالف حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا، فإذا جاءهم حديث خلاف قولهم، قالوا: هذا يخالف الأصول فلا يقبل. والمحكمون لكتاب الله وسنَّة رسوله (¬4) يرون هذه الآراء وأمثالها ¬
الجواب المفصل
من أبطل الباطل؛ لمخالفتها للأصول التي هي من كتاب الله وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهذه الآراء هي المخالفة للأصول حتمًا (¬1)، فهي باطلة قطعًا، على أنَّ هذا الحكم أصلٌ بنفسه، مستغن عن نظير يلحق به. ونحن نجيبكم عن هذه الوجوه أجوبة مفصلة: أمَّا قولكم: إنَّها تتضمن شهادة الكافر، ولا شهادة له. قلنا (¬2): كيف يقول هذا أصحاب أبي حنيفة، وهم يجيزون شهادة الكفار في كلِّ شيء بعضهم على بعض؟ (¬3). أم كيف يقوله أصحاب مالك، وهم يجيزون شهادة (¬4) طبيبين كافرين حيث لا يوجد طبيبٌ مسلم (¬5)، وليس ذلك في القرآن، فهلَّا أجازوا شهادة (¬6) كافرين في الوصية في السَّفر، حيث لا يوجد (¬7) مسلم، وهو في القرآن (¬8)، وقد حكمَ به رسول الله ¬
الجواب عن الوجه الثاني
- صلى الله عليه وسلم - (¬1) وأصحابه من بعده (¬2)؟ أم كيف يقوله أصحاب الشافعي، وهم يرون (¬3) نص الشافعي صريحًا: "إذا صحَّ الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذوا به، ودعوا قولي" (¬4)، وفي لفظٍ له: "فأنا أذهب إليه"، وفي لفظٍ: "فاضربوا بقولي الحائط" (¬5). وقد صحَّ الحديث بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء به نص كتاب الله، وعمل به الصحابة (¬6). قولكم: "الشاهدان لا يحبسان" كلام من لم يفهم كتاب الله (¬7)، فليس المراد هنا (¬8): السجن الَّذي يعاقب به أهل الجرائم، وإنَّما المراد ¬
الجواب عن الوجه الثالث والرابع والخامس والسادس
به إمساكهما لليمين بعد الصلاة (¬1)، كما يقال: فلان (¬2) يُصبَرُ لليمين، أي يمسك لها، وفي الحديث: "ولا تُصْبَرْ يمينُه حَيْثُ تُصْبَرُ الأيمان" (¬3). قولكم: يتضمن تحليف الشاهدين، والشاهد لا يحلف. فمن أين لكم أن مثل هذا الشاهد الَّذي شهادته بدل عن شهادة المسلم للضرورة لا يحلف؟ فأي كتاب، أم أية (¬4) سنَّة جاءت بذلك؟ وقد حلَّف ابن عباس المرأة التي شهدت بالرضاع (¬5)، وذهب إليه الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه (¬6)، وقد تقدم الكلام في تحليف الشهود المسلمين إذا ارتاب بهم الحاكم، ومن ذهب إليه من السلف وقضاة العدل (¬7). وقولكم: "فيه شهادة المدعين لأنفسهم، والحكم لهم بمجرد دعواهم" ليس بصحيح؛ فإنَّ الله سبحانه جعل (¬8) الأيمان لهم (¬9) عند ¬
الجواب عن الوجه السابع
ظهور اللوث بخيانة الوصيين، فشرع لهما أن يحلفا ويستحقا، كما شرع لمدعي الدم في القسامة أن يحلفوا ويستحقوا دم وليهم؛ لظهور اللوث، فكانت اليمين في جنبتهم (¬1) لقوتها بظهور اللوث في الموضعين، وليس هذا من باب (¬2) شهادة المدعي لنفسه، بل من باب الحكم له بيمينه القائمة مقام الشهادة (¬3)، لقوة جانبه، كما حكمَ - صلى الله عليه وسلم - للمدعي بيمينه (¬4) لما قوي جانبه بالشاهد الواحد، فقوَّة (¬5) جانب هؤلاءِ بظهور خيانة الوصيين كقوة جانب المدعي بالشَّاهد، وقوة جانبه بنكول خصمه، وقوة جانبه باللوث (¬6)، وقوة جانبه بشهادة العرف في تداعي الزوجين المتاع، وغير ذلك. فهذا محضُ العدل، ومقتضى أصول الشرع، وموجب القياس الصحيح. وقولكم: إنَّ هذا يتضمن القسامة في الأموال. قلنا (¬7): نعم لعمر الله، وهي أولى بالقبول من القسامة في الدماء، ولا سيما مع ظهور اللوث، وأي فرقٍ بين ظهور اللوث في صحة ¬
اعتبار اللوث في الأموال
الدعوى بالدم، وظهوره في صحة الدعوى بالمال؟ وهل في القياس أصح من هذا؟ وقد ذكر أصحاب مالك القسامة في الأموال (¬1)، وذلك فيما إذا أغار (¬2) قومٌ على بيت رجلٍ وأخذوا ما فيه، والناس ينظرون إليهم، ولم يشهدوا على معاينة ما أخذوه، ولكن علم أنَّهم أغاروا وانتهبوا، فقال ابن القاسم وابن الماجشون: القول قول المنتهب مع يمينه (¬3)، وقال مطرف وابن كنانة وابن حبيب: القولُ قول المنهوب منه مع يمينه فيما يشبه (¬4)، وقد تقدم ذلك (¬5)، وذكرنا أنَّه اختيار شيخ الإسلام، وحكينا كلامه - رحمه الله -. ولا يستريب عالمٌ أنَّ اعتبار اللوث في الأموال التي تباحُ بالبدل أولى منه في الدماء التي لا تباح به. فإن قيل: فالدماء يحتاط لها. قيل: نعم، وهذا الاحتياط لم يمنع القول بالقسامة فيها، وإن استحق بها دم المقسم عليه. ثمَّ إنَّ الموجبين للدية في القسامة (¬6) حقيقة قولهم: إنَّ القسامة ¬
مقتضى قول الإمام أحمد في قبول شهادة الكفار في السفر: هو ضرورة
على المالِ والقتلِ طريق لوجوبه، فهكذا القسامة ها هنا على مال (¬1)، كالدية سواء، فهذا من أصح القياس في الدنيا (¬2) وأبينه. فظهرَ أنَّ القولَ بموجب هذه الآية هو الحق الذي لا مَعْدلَ (¬3) عنه نصًّا وقياسًا ومصلحة، وبالله التوفيق. فصل قال شيخنا - رحمه الله (¬4): وقول الإمام أحمد في قبول شهادتهم في هذا الموضع: "هو ضرورة" (¬5) يقتضي هذا التعليل قبولها في كلِّ ضرورة حضرًا وسفرًا (¬6). وعلى هذا، فشهادة بعضهم على بعضٍ مقبولة للضرورة (¬7). ¬
فلو قيل: يحلفون في (¬1) شهادة بعضهم على بعض، كما يحلفون في شهادتهم على المسلمين في وصية السفر، لكان متوجهًا، ولو قيل: تقبل شهادتهم مع أيمانهم في كلَّ شيءٍ عدم فيه المسلمون؛ لكان له وجه، وتكون (¬2) بدلًا مطلقًا (¬3). قال الشيخ (¬4): ويؤيد هذا ما ذكره القاضي (¬5) وغيره - محتجًّا به - وهو في النَّاسخ والمنسوخ لأبي عبيد (¬6): أنَّ رجلًا من المسلمين خرجَ، فمرَّ بقرية فمرض، ومعه رجلان من المسلمين، فدفع إليهما ماله، ثمَّ قال: ادعوا لي من أشهده على ما قبضتماه، فلم يجدوا من المسلمين في تلك القرية، فدعوا ناسًا من اليهود والنصارى، فأشهدهم على ما دفع إليهما - وذكر القصَّة - فانطلقوا إلى ابن مسعود، فأمر اليهود والنصارى أن يحلفوا بالله: لقد تركَ من المالِ كذا وكذا (¬7) ولشهادتنا أحق من شهادة هذين المسلمين، ثمَّ أمر أهل المتوفى أن يحلفوا أنَّ شهادة اليهودِ والنصارى حق، فحلفوا، فأمرهم ابن مسعود أن يأخذوا من المسلمين ما شهد به اليهود ¬
إذا ادعى السبي نسبا وأقام بينة من الكفار
والنصارى (¬1)، وذلك في خلافة عثمان - رضي الله عنه - (¬2). فهذه شهادة للميت على وصيته، وقد قضى بها ابن مسعود مع يمين الورثة؛ لأنَّهم المدعون، والشهادة على الميت لا تفتقر إلى يمين الورثة. ولعلَّ ابن مسعود أخذ هذا (¬3) من جهة أنَّ الورثة يستحقون (¬4) بأيمانهم على الشاهدين إذا استحقا إثمًا، فكذلك يستحقون (¬5) على الوصيين مع شهادة الذميين بطريق الأولى (¬6). وقد ذكر القاضي (¬7) هذا في مسألة دعوى الأسير إسلامًا، فقال: وقد قال الإمام أحمد في السبي: إذا ادعوا نسبًا، وأقاموا بينة من الكفار قبلت شهادتهم، نصَّ عليه أحمد في رواية حنبل، وصالح، وإسحاق بن إبراهيم؛ لأنَّه قد تتعذَّر البينة العادلة، ولم يجز ذلك في رواية عبد الله وأبي طالب. ¬
كل موضع ضرورة غير المنصوص فيه روايتان عن أحمد
قال شيخنا: فعلى هذا كل موضع ضرورة غير المنصوص: فيه روايتان، لكن التحليف ها هنا لم يتعرضوا له، فيمكن أن يقال: لأنَّه إنَّما يحلف حيث تكون شهادتهم بدلًا، كما في مسألة الوصية، بخلاف ما إذا كانوا أصولًا (¬1)، والله سبحانه أعلم. فصل قال شيخنا - رحمه الله -: وهل تعتبر عدالة الكافرين في الشهادة بالوصية في دينهما؟ عموم كلام الأصحاب يقتضي أنَّها لا تعتبر، وإن كُنَّا إذا قبلنا شهادة بعضهم على بعض اعتبرنا عدالتهم في دينهم (¬2). وصرَّح القاضي: بأنَّ العدالة غير معتبرة في هذه الحال، والقرآن يدلُّ عليه (¬3). وصرَّح القاضي: أنَّه لا تقبل شهادة فُسَّاق المسلمين في هذا الحال، وجعله محل وفاق، واعتذرَ منه (¬4). وفي اشتراط كونهم من أهل الكتاب روايتان (¬5)، وظاهر القرآن أنَّه لا يشترط، وهو الصحيح؛ لأنَّه سبحانه قال للمؤمنين: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] وغير المؤمنين: هم الكفار كلهم، ولأنَّه موضع ¬
هل يجوز أن يحكم في هذه الصورة بشهادة كافر وكافرتين؟
ضرورة، وقد لا يحضر الموصي إلَّا كفَّارٌ من غير أهل الكتاب، ولأن تقييده بأهل الكتاب لا دليل عليه؛ ولأنَّ ذلك يستلزم تضييق (¬1) محل الرخصة، مع قيام المقتضي لعمومه. فإن قيل: فهل يجوز (¬2) في هذه الصورة (¬3) أن يحكم بشهادة كافر وكافرتين؟ قيل (¬4): لا نعرف عن أحمد في هذا شيئًا، ويحتمل أن يقال بجواز ذلك، وهو القياس، فإنَّ الأموال يقبل فيها رجلٌ وامرأتان (¬5)، وهذا قول أبي محمد ابن حزم (¬6)، وهو يحتج بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَيْسَتْ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ " (¬7)، وبهذا العموم جوَّز الحكم أيضًا في هذه الصورة بأربع نسوة كوافر، وليس ببعيد عند الضرورة، إذا لم يحضره إلَّا النساء، بل هو محض الفقه. فإن قيل: فهل ينقض حكم من حكم بغير حكم هذه الآية؟ قيل: أصول المذهب تقتضي نقض حكمه، لمخالفته نصَّ ¬
الكتاب (¬1). قال شيخنا - رضي الله عنه - في تعليقه على "المحرر": ويتوجه أن ينقض حكم الحاكم إذا حكمَ بخلاف هذه الآية، فإنَّه خالفَ نصَّ الكتاب العزيز بدلالاتٍ (¬2) ضعيفة (¬3). ¬
الطريق الثامن عشر: الحكم بالإقرار
فصل الطريق الثامن عشر: الحكم بالإقرار. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8]، وفي الآية الأُخرى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135]، ولا خلافَ أنَّه لا يعتبر في صحة الإقرار أن يكون بمجلس الحاكم (¬1)، إلَّا شيئًا حكاه محمد بن الحسن الجوهري في كتاب "النوادر" (¬2) له فقال: قال ابن أبي ليلى: لا أجيز إقرارًا في حقٍّ أنكره الخصم عندي إلَّا إقرارًا بحضرتي (¬3)، ولعله ذهب في ذلك إلى أنَّ الإقرار لما كان شهادة المرء على نفسه اعتبر له مجلس الحكم، كالحكم بالبينة، والفرقُ ظاهرٌ لا خفاء به. فصل ويحكم بإقرار الخصم في مجلسه إذا سمعه معه شاهدان بغير خلاف (¬4)، فإن لم يسمعه معه غيره فنص أحمد على أنه يحكم ¬
الفرق بين هذه المسالة ومسألة حكم الحاكم بعلمه
به (¬1)، وإن لم نقل يحكم بعلمه، فإن مجلس الحاكم مجلس فصل الخصومات، وقد جلس لذلك، وقد أقر الخصم في مجلسه، فوجب عليه الحكم به، كما لو قامت بذلك البينة عنده، وليس عنده أحد غيره يسمع معه شهادتهما، فإنَّ هذا محل وفاق. وقال القاضي (¬2): لا يحكم بالإقرار في مجلسه حتى يسمعه معه شاهدان؛ دفعًا للتهمة عنه (¬3)، إلا أن نقول: يقضي بعلمه، فإنه يجوز له الحكم حينئذٍ. والتحقيق أن هذا يشبه مسألة الحكم بعلمه من وجه، ويفارقها من وجه. فشبه ذلك بمسألة حكمه بعلمه أنه ليس هناك بينة، وهو في موضع تهمة. ووجه الفرق بينهما: أن الإقرار بينة قامت في مجلسه؛ فإن البينة اسم لما يبين به الحق، فعلم الحق في مجلس القضاء الذي انتصب فيه للحكم به، وليس من شرط صحة الحكم أن يكون بمحضر شاهدين، فكذلك لا يعتبر في طريقه أن يكون بمحضر شاهدين، وليس هذا بمنزلة ما رآه أو سمعه في غير مجلسه. ¬
الطريق التاسع عشر: حكم الحاكم بعلمه
فصل الطريق التاسع عشر: الحكم بعلمه. وقد اختلف في ذلك قديمًا وحديثًا، وفي مذهب الإمام أحمد ثلاث روايات (¬1). إحداها: - وهي الرواية المشهورة عنه، المنصورة عند أصحابه - أنه لا يحكم بعلمه لأجل التهمة (¬2). والثانية: يجوز له ذلك مطلقًا في الحدود وغيرها. والثالثة: يجوز إلا في الحدود. ولا خلاف عنه أنه يبني على علمه، في عدالة الشهود وجرحهم، ولا يجب عليه أن يسأل غيره عما علمه من ذلك (¬3). ولأصحاب الشافعي طريقان (¬4): ¬
أحدهما: يقضي بعلمه قطعًا. والثاني: أن المسألة على قولين أظهرهما عند أكثر الصحابة (¬1) يقضي به. قالوا: لأنه يقضي بشاهدين، وذلك يفيد ظنًّا، فالعلم أولى بالجواز. وأجابوا عما احتج به المانعون من ذلك من التهمة؛ أن القاضي لو قال: ثبت عندي وصح كذا وكذا لزم (¬2) قبوله بلا خلاف، ولم يبحث عما ثبت به (¬3) وصح والتهمة قائمة. ووجه هذا أنه لما ملك الإنشاء، ملك الإخبار. ثم بنوا على القولين ما علمه في زمن ولايته ومكانها، وما علمه (¬4) في غيرهما. قالوا: فإن قلنا: لا يقضي بعلمه فذلك (¬5) إذا كان مستنده مجرد العلم، أما إذا شهد رجلان يعرف عدالتهما، فله أن يقضي، ويغنيه علمه بهما عن تزكيتهما. وفيه وجه ضعيف: لا يغنيه ذلك عن تزكيتهما ¬
مذهب مالك وأصحابه
للتهمة. قالوا: ولو أقر بالمدعى به (¬1) فى مجلس قضائه قضى، وذلك قضاء بالإقرار لا بعلمه، وإن أقر عنده سرًّا فعلى القولين، وقيل: يقضي قطعًا (¬2). ولو شهد عنده واحد، فهل يغنيه علمه عن الشاهد الآخر؟ على قول المنع، فيه وجهان. هذا تحصيل مذهب الشافعي وأصحابه (¬3). وأما مذهب مالك (¬4): فإنه لا يقضي بعلمه في المدعى به بحال، سواء علمه قبل التولية أو بعدها، في مجلس قضائه أو غيره، قبل الشروع في المحاكمة أو بعد الشروع، فهو (¬5) أشد المذاهب في ذلك. ¬
وقال عبد الملك وسحنون: يحكم بعلمه فيما علمه بعد الشروع في المحاكمة (¬1). قالوا: فإن حكم بعلمه - حيث قلنا لا يحكم - فقال أبو الحسن اللخمي: لا ينقض عند بعض (¬2) أصحابنا، وعندي أنه ينقض (¬3). قالوا (¬4): ولا خلاف أن ما رآه القاضي، أو سمعه في غير مجلس قضائه أنه لا يحكم به، وأنه ينقض إن حكم به، وينقضه هو وغيره، وإنما الخلاف فيما يتقارر به الخصمان في مجلسه، فإن حكم به نقضه هو، ولا ينقضه غيره. قال اللخمي: وقد اختلف إذا أقر بعد أن جلسا للخصومة، ثم أنكر، فقال مالك (¬5) وابن القاسم: لا يحكم بعلمه (¬6). وقال عبد الملك وسحنون: يحكم؛ لأن الخصمين إذا جلسا للمحاكمة فقد ¬
مذهب أبي حنيفة
رضيا أن يحكم بينهما بما يقولانه، ولذلك قصدا (¬1). هذا تحصيل مذهب مالك. وأما مذهب أبي حنيفة (¬2)، فقالوا: إذا علم (¬3) الحاكم بشيء من حقوق العباد في زمن ولايته ومحلها جاز له أن يقضي به؛ لأن علمه كشهادة الشاهدين، بل أولى؛ لأن اليقين حاصل بما علمه بالمعاينة أو السماع، والحاصل بالشهادة غلبة الظن، وأما ما علمه قبل ولايته، أو في غير محل ولايته، فلا يقضي به عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد (¬4): يقضي به، كما في حال ولايته (¬5) ومحلها (¬6). قال المنتصرون لقول أبي حنيفة: هو في غير مصره وغير ولايته شاهد لا حاكم، وشهادة الفرد لا تقبل، وصار كما إذا (¬7) علم ذلك ¬
مذهب اهل الظاهر
بالبينة العادلة، ثم ولي القضاء، فإنه لا يعمل بها. قالوا (¬1): وأما الحدود، فلا يقضي بعلمه فيها؛ لأنه خصم فيها؛ لأنها حق لله تعالى، وهو نائبه، إلا في حد القذف، فإنه يعمل بعلمه، لما فيه من حق العبد، وإلا في السكر، إذا وجد سكرانًا، أو من به أمارات السكر، فإنه يعزره. هذا تحصيل مذهب أبي حنيفة. وأما أهل الظاهر، فقال أبو محمد ابن حزم (¬2): وفرض على الحاكم أن يحكم بعلمه في الدماء، والأموال، والقصاص، والفروج، والحدود، سواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته. قال (¬3): وأقوى ما حكم بعلمه، ثم بالإقرار، ثم بالبينة. فصل وأما الآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم -، فصح عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال: "لو رأيت رجلًا على حد من حدود الله تعالى لم أحده حتى يكون معي شاهد غيري" (¬4). ¬
الآثار الواردة عن التابعين
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال لعبد الرحمن بن عوف: "أرأيتَ لو رأيتُ رجلًا قتل، أو شرب (¬1)، أو زنى؟ قال: شهادتك شهادة رجل من المسلمين (¬2)، فقال له عمر: صدقت" (¬3). وروي نحو هذا عن معاوية، وابن عباس (¬4). ومن طريق الضحاك: أن عمر اختصم إليه في شيء يعرفه (¬5)، فقال للطالب: "إن شئت شهدت ولم أقض، وإن شئت قضيت ولم أشهد" (¬6). وأما الآثار عن التابعين، فصح عن شريح أنه اختصم إليه اثنان، ¬
احتجاج من من قال: يحكم بعلمه، ومناقشته
فأتاه أحدهما بشاهد. وقال لشريح: وأنت شاهدي أيضًا، فقضى له شريح مع شاهده بيمينه (¬1). وهذا محتمل. وصح عن الشعبي أنه قال: لا أكون شاهدًا وقاضيًا (¬2). واحتج من قال: "يحكم بعلمه" بما في "الصحيحين" (¬3) من قصة هند لما اشتكت أبا سفيان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحكم عليه بأن تأخذ كفايتها وكفاية بنيها، ولم يسألها البينة، ولا أحضر الزوج. وهذا الاستدلال ضعيف جدًّا، فإن هذا إنما هو فتيا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا حكم (¬4)، ولهذا لم يحضر الزوج، ولم يكن غائبًا عن البلد، والحكم على الغائب عن مجلس الحكم (¬5)، الحاضر في البلد، غير الممتنع (¬6)، وهو يقدر على الحضور، ولم يوكل (¬7) وكيلًا = لا يجوز اتفاقًا. وأيضًا؛ فإنَّها لم تسأله الحكم، وإنما سألته: "هل يجوز لها أن تأخذ ما يكفيها ويكفي بنيها (¬8)؟ " وهذا استفتاء محض، فالاستدلال به ¬
على الحكم سهو. واحتج بما رواه ابن ماجه والبيهقي من حديث حماد بن سلمة، حدثني عبد الملك أبو جعفر (¬1)، عن أبي نضرة (¬2)، عن سعد بن الأطول (¬3) "أن أخاه (¬4) مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالًا، قال: فأردت أن أنفقها على عياله، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أخاك محبوس بدينه، فاقض عنه، قلت: يا رسول الله قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة (¬5)، وليست (¬6) لها بينة قال: "أعطها، فإنها محقة"، وفي لفظ: "فإنها صادقة" (¬7)، وهذا أصرح في الدلالة مما قبله. ¬
وقال حمَّاد عن الجريري (¬1) عن أبي نضرة عن رجل من الصحابة بمثله (¬2)، ولكن لم يسم: كم ترك؟ وبعد، فلا يدلُّ أيضًا، فإنَّ المنع من حكم الحاكم بعلمه إنَّما هو لأجل التهمة، وهي معلومة الانتفاء عن سيد الحكام - صلى الله عليه وسلم -. واحتجَّ بما في "الصحيحين" (¬3) من حديث عقيل (¬4) عن ابن شهاب ¬
عن عمرة (¬1) عن عائشة: أنَّ فاطمة - رضي الله عنها - أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو بكر: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نُوْرَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ إنَّما يَأْكُلُ آل مُحَمَّد في هَذَا المَالِ"، وإنَّي والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، ولأعملن فيها بما عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئًا - وذكر الحديث -. والاستدلال به سهو أيضًا؛ فإنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - علم من دين الرسول أنَّ هذه الدعوى باطلة لا يسوغ الحكم بموجبها، بل دعواها بمنزلة دعوى استحقاق ما علم وتحقق دفعه بالضرورة، بل بمنزلة ما يعلم بطلانه قطعًا من الدعاوى، وسيدة نساء العالمين - رضي الله عنها - خفي عليها حكم هذه الدعوى، وعلمه الخلفاء الراشدون ومن معهم (¬3) من الصحابة، فالصديق معه الحجة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يسمع هذه الدعوى (¬4)، ولم يحكم بموجبها، للحجة الظاهرة التي علمها معه عمر بن الخطاب والصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين، فأين هذا من حكم الحاكم بعلمه الَّذي لم يقم به حجة على الخصم؟ ¬
واحتجَّ أبو محمد ابن حزم (¬1) لهذا القول بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بينتك أو يمينه" (¬2)، قال: ومن البينة التي لا بينة (¬3) أبين منها: علم الحاكم بالمحق من المبطل. وهذا إلى أن يكون حجة عليهم أقرب من أن يكون حجة لهم؛ فإنَّه قال: "بينتك" و"البينة" اسمٌ لما يبين الحق، بحيث يظهر المحق من المبطل (¬4)، ويبين ذلك للنَّاس، وعلم الحاكم ليس ببينة. واحتجوا (¬5) أيضًا بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135]، وليس في القسط أن يعلم الحاكم أنَّ أحد الخصمين مظلوم والآخر ظالم، ويترك كلًّا (¬6) منهما على حاله. قال الآخرون: ليس في هذا محذور، حيث لم يأتِ المظلوم بحجة يحكم له بها، فالحاكم معذور، إذ لا حجَّة معه يوصل بها صاحب الحق إلى حقِّه، وقد قال سيد الحكام صلوات الله وسلامه عليه: "إنَّكُمْ تَخْتَصِمُوْنَ إِليَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكَم أن يكون أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِيَ لَهُ (¬7)، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيءٍ مِنْ حَقَّ أَخِيْهِ ¬
فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَع لَهُ قِطعَةً مِنَ النَّارِ" (¬1). واحتجوا (¬2) بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم مُنْكَرًا؛ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبقَلْبِهِ" (¬3)، وإذا رأى الحاكم وحده عدوان رجل على رجل وغصبه ماله، وسمع طلاقه لامرأته، وعتقه لعبده، ثُمَّ رأى الرجلَ مستمرًا في إمساك الزوجة، أو بيع من صرح بعتقه، فقد أقرَّ على المنكر الَّذي أمر بتغييره (¬4). قال الآخرون: هو مأمور بتغيير ما يعلم (¬5) النَّاس أنَّه منكر، بحيث (¬6) لا تتطرق إليه تهمة في تغييره، وأمَّا إذا عمد إلى رجل مع زوجته وأمته لم يشهد أحد أنَّه طلقها ولا أعتقها ألبتة، ولا سمع بذلك أحدٌ قطُّ، ففرق بينهما، وزعمَ أنَّه سمعه (¬7) طلق وأعتق: فإنَّه ينسب ظاهرًا إلى تغيير المعروف بالمنكر، وتطرق النَّاس إلى اتهامه والوقوع في عرضه، وهل يسوغ للحاكم أن يأتي إلى رجلٍ مستور بين النَّاس، غير مشهور بفاحشة، ولم يقم (¬8) عليه شاهد واحد بها، فيرجمه، ¬
ويقول: رأيته يزني؟ أو يقتله، ويقول: سمعته يسب؟ أو يفرِّق بين الزوجين، ويقول: سمعته يطلق؟ وهل هذا إلَّا محض التهمة؟ ولو فتح هذا الباب - ولا سيما لقضاة الزمان - لوجد كل قاضٍ له عدوٌّ السبيل (¬1) إلى قتل عدوه، ورجمه، وتفسيقه، والتفريق بينه وبين امرأته، ولا سيما إذا كانت العداوة خفية، لا يمكن عدوه إثباتها، وحتَّى لو كان الحق هو حكم الحاكم بعلمه لوجب منع قضاة الزمان من ذلك (¬2)، وهذا إذا قيل في شريح، وكعب بن سور، وإياس بن معاوية، والحسن البصري، وعمران الطلحي (¬3)، وحفص بن غياث وأضرابهم كان فيه ما فيه. وقد ثبت عن أبي بكر (¬4) وعمر (¬5) وعبد الرحمن بن عوف (¬6) وابن عباس (¬7) ومعاوية (¬8) - رضي الله عنهم - المنع من ذلك، ولا يعرف لهم في الصحابة مخالف. فذكر البيهقي وغيره عن أبي بكر الصديق أنَّه قال: "لو وجدت ¬
كمال فقه الصحابة رضي الله عنهم
رجلًا على حد من حدود الله لم أحده حتَّى يكون معي غيري" (¬1). وعن عمر أنَّه قال لعبد الرحمن بن عوف: "أرأيت لو رأيت رجلًا يقتل أو يسرق أو يزني؟ قال: أرى شهادتك شهادة رجل من المسلمين، قال: أصبت" (¬2). وعن علي نحوه (¬3). وهذا من كمال فقه (¬4) الصحابة - رضي الله عنهم - فإنَّهم أفقه الأُمَّة (¬5) وأعلمهم بمقاصد الشرع وحكمه، فإنَّ التهمة مؤثِّرةٌ (¬6) في باب الشهادات والأقضية والإقرار وطلاق المريض وغير ذلك، فلا تقبل شهادة السيد لعبده، ولا العبد لسيده، ولا شهادة الوالد لولده، وبالعكس، ولا شهادة العدو على عدوه، ولا يقبل حكم الحاكم لنفسه، ولا ينفذ حكمه على عدوه، ولا يصح إقرار المريض مرض الموت لوارثه ولا لأجنبي عند مالك (¬7) إذا قامت شواهد التهمة، ولا تمنع المرأة الميراث بطلاقه لها لأجل مظنة (¬8) التهمة، ولا يقبل قول المرأة على ضرتها أنَّها أرضعتها، إلى أضعاف ذلك ممَّا يرد ولا يقبل ¬
علة منع المظلوم من الأخذ من مال ظالمه نظير ما خانه فيه
للتهمة. ولذلك منعنا في مسألة الظفر أن يأخذ المظلوم من مال ظالمه نظير ما خانه فيه لأجلِ التهمة، وإن كان إنَّما يستوفي حقَّه (¬1). ولقد كان سيد الحكام - صلى الله عليه وسلم - يعلم من المنافقين ما يبيح دماءهم وأموالهم، ويتحقق ذلك، ولا يحكم فيهم بعلمه، مع براءته عند الله وملائكته وعباده من كلِّ تهمة، لئلا يقول النَّاس: إنَّ محمدًا يقتل أصحابه (¬2)، ولمَّا رآه بعض أصحابه مع زوجته صفية بنت حيي (¬3) قال: "رُوَيْدَكُمَا، إنَّهَا صَفِيَّةُ بنتُ حُيَي" (¬4) لئلا تقع في نفوسهما تهمة له. ومن تدبَّر الشريعة وما اشتملت عليه من المصالح وسدِّ الذرائع تبين له الصواب في هذه المسألة، وبالله التوفيق. ¬
الطريق العشرون: الحكم بالتواتر
فصل الطريق العثسرون: الحكم بالتواتر. وإن لم يكن المخبرون عدولًا ولا (¬1) مسلمين، وهذا من أظهر البينات (¬2)، فإذا تواتر الشيء عنده، وتضافرت (¬3) به الأخبار، بحيث اشترك في العلم به هو وغيره، حكم بموجب ما تواتر عنده (¬4)، كما إذا تواتر عنده فسق رجل، أو صلاحه ودينه، أو عداوته لغيره، أو فقر رجل وحاجته، أو موته، أو سفره، ونحو ذلك، حكم بموجبه، ولم يحتج إلى شاهدين عدلين، بل بينة التواتر أقوى من الشاهدين بكثير (¬5)؛ فإنَّه يفيد العلم، والشاهدان غايتهما أن يفيدا ظنًّا غالبًا. وقد ذكر أصحابنا - كالقاضي (¬6)، وأبي الخطاب (¬7)، وابن عقيل (¬8) وغيرهم (¬9) - ما يدلُّ على ذلك، فإنَّهم قالوا في الودِّ على من زعمَ أنَّ التواتر يحصل بأربعة: لو حصل العلم بخبر أربعة نفر لما احتاج ¬
لو تواتر عند الحاكم زنا رجل أو امرأة فهل له أن يحدهما بذلك؟
القاضي إذا شهد عنده أربعة بالزنا أن يسأل عن عدالتهم وتزكيتهم. قال شيخنا: وهذا يقتضي أنَّ القاضي إذا حصل له العلم بشهادة الشهود لم يحتج إلى تزكية، والتواتر يحصل بخبر الكفار والفساق والصبيان (¬1). وإذا كان يقضي بشاهدٍ واحدٍ مع اليمين، وبدونها، وبالنكول، وبشهادة المرأة الواحدة - حيث يحكم بذلك - فالقضاء بالتواتر أولى وأحرى، وبيان الحق به أعظم من بيانه بنصاب الشهادة. فإن قيل: فلو تواتر عنده زنا رجل أو امرأة، فهل له أن يحدهما بذلك؟ قيل (¬2): لا بُدَّ في إقامة الحدِّ بالزنا من معاينة ومشاهدة له، ولا تكفي فيه القرائن واستفاضته في النَّاس، ولا يمكن في العادة التواتر بمعاينة ذلك ومشاهدته للاختفاء به وستره عن العيون، فيستحيل في العادة أن يتواتر الخبر عن معاينته. نعم، لو قُدِّرَ ذلك - بأن أتى ذلك بين النَّاسِ عيانًا، وشاهده (¬3) عددٌ كثير يقع العلم الضروري بخبرهم - حُدّ بذلك قطعًا (¬4)، ولا يليق بالشريعة غير ذلك، ولا تحتمل سواه. ¬
الطريق الحادي والعشرون: الحكم بالأستفاضة
فصل الطريق الحادي والعشرون: الحكم بالاستفاضة (¬1). وهي درجة بين التواتر والآحاد، فالاستفاضة: هي الاشتهار الَّذي يُحدَّث به النَّاس، وفاض بينهم. وقد قسم الحنفية (¬2) الأخبار إلى ثلاثة أقسام: آحاد، وتواتر، واستفاضة (¬3)، وجعلوا المستفيض مرتبة بين المرتبتين، وخصوا به عموم القرآن، وقالوا: هو بمنزلة التواتر، ومنهم (¬4) من جعله قسمًا من أقسام التواتر. وهذا النوع من الأخبار يجوز استناد الشهادة إليه، ويجوز أن يعتمد الزوج عليه في قذف امرأته ولعانها، إذا استفاض في النَّاس زناها، ويجوز اعتماد الحاكم عليه. ¬
إذا استفاض واشتهر زنى الذمي بالمسلمة
قال شيخنا في الذمي: إذا زنى بالمسلمة (¬1) قتل، ولا يرفع عنه القتل الإسلام، ولا يشترط فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم، بل يكفي استفاضة ذلك واشتهاره، هذا نص كلامه (¬2). وهذا هو الصواب (¬3)؛ لأنَّ الاستفاضة من أظهر البينات، فلا يتطرق إلى الحاكم تهمة إذا استند إليها؛ فحكمه بها حكم بحجة لا بمجرد علمه الَّذي لا (¬4) يشاركه فيه غيره، ولذلك له أن يقبل شهادة الشاهد إذا استفاض في النَّاس صدقه وعدالته، من غير اعتبار لفظ شهادة (¬5) على العدالة (¬6)، ويرد شهادته ويحكم بفسقه باستفاضة فجوره (¬7) وكذبه، وهذا ممَّا لا يعلم فيه نزاع بين العلماء (¬8)، وكذلك ¬
الجارح والمعدل يجرح الشاهد ويعدله بالأستفاضة
الجارح والمعدل يجرح الشاهد بالاستفاضة، صرَّح بذلك أصحاب الشافعي (¬1) وأحمد (¬2)، ويعدله بالاستفاضة (¬3)، ولا ريبَ أنَّا نشهد بعدالة عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - وفسق الحجاج. والمقصود: أنَّ الاستفاضة طريقٌ من طرق العلم التي تنفي التهمة عن الشاهد والحاكم، وهي أقوى من شهادة اثنين مقبولين. ¬
الطريق الثاني والعشرون: الأخبار آحادا
فصل الطريق الثاني والعشرون: الأخبار آحادًا. وهو أن يخبره عدلٌ يثق بخبره ويسكن إليه بأمر، فيغلب على ظنه صدقه فيه، أو يقطع به لقرينة احتفت (¬1) به، فيجعل ذلك مستندًا لحكمه، وهذا يصلح (¬2) للترجيح والاستظهار بلا ريب، ولكن هل يكفي وحده في الحكم؟ هذا موضع تفصيل. فيقال: إمَّا أن يقترن بخبره ما يفيد معه اليقين أم لا، فإن اقترن بخبره ما يفيد معه اليقين جاز (¬3) أن يحكم به، وينزل (¬4) منزلة الشهادة، بل هو شهادة محضة في أصح الأقوال، وهو قول الجمهور (¬5)، فإنَّه لا يشترط في صحة الشهادة ذكر لفظة "أشهد" بل متى قال الشاهد: رأيت كيت وكيت، أو سمعت، أو نحو ذلك، كانت شهادة منه، وليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موضع واحد يدلُّ على اشتراط لفظ "الشهادة"، ولا عن رجل واحد من الصحابة، ولا قياس، ولا استنباط ¬
الاستدلال لعدم اشتراط ذلك
يقتضيه، بل الأدلة المتضافرة من الكتاب والسنَّة وأقوال الصحابة ولغة العرب تنفي ذلك. وهذا مذهب مالك (¬1) وأبي حنيفة (¬2) وظاهر كلام أحمد (¬3) وحكي ذلك عنه نصًّا (¬4). قال تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: 150]، ومعلومٌ قطعًا أنَّه ليس المراد التلفظ بلفظة "أشهد" (¬5) في هذا، بل مجرَّد الإخبار بتحريمه. وقال تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166]، ولا تتوقف صحة هذه الشهادة على أن (¬6) يقول - سبحانه ¬
وتعالى - "أشهد بكذا". وقال تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} [الزخرف: 86] أي أخبر به، وتكلَّم به عن علم، والمراد به التوحيد. ولا تفتقر صحة الإسلام إلى أن يقول الداخل فيه: "أشهد أن لا إله إلَّا الله" بل لو قال: "لا إله إلَّا الله محمد رسول الله" كان مسلمًا بالاتفاق، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْت أن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أن لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ" (¬1) فَإِذَا تَكَلَّمُوا بقول: "لَا إِلهَ إِلَّا الله" حصلت لهم العصمة، وإن لم يأتوا بلفظ "أشهد". وقال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج: 30، 31]. وصحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الإِشْرَاكَ بِالله" (¬2). ¬
وقال: "ألَا أُنْبِئُكُم بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ الشِّرْكُ بِاللهِ (¬1)، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتيِ حَرَّمَ اللهُ وَقَوْلُ الزُّوْرِ" (¬2). وفي لفظ: "ألا، وَشَهَادَةُ الزُّوْرِ" (¬3) فسمَّى قول الزور شهادة، وإن لم يكن معه لفظ "أشهد". وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: شهد عندي رجالٌ مرضيون - وأرضاهم عندي عمر - "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ" (¬4). ¬
مناظرة الإمام أحمد وابن المديني في الشهادة للعشرة المبشرين بالجنة
ومعلوم أنَّ عمر لم يقل لابن عباس "أشهد عندك أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك"، ولكن أخبر به، فسماه شهادة. وقد تناظرَ الإمام أحمد وعلي بن المديني في العشرة (¬1) - رضوان الله عليهم - فقال علي: أقول: "هُمْ في الجنَّة، وَلَا أَشْهَدُ بِذلِكَ" بناءً على أنَّ الخبرَ في ذلك خبر آحاد، فلا يفيد العلم، والشهادة إنَّما تكون على العلم، فقال له الإمام أحمد: "متى قلت: هم في الجنَّة، فقد شهدت" حكاه القاضي أبو يعلى (¬2)، وذكره شيخنا (¬3) ابن تيمية - رحمه الله -. فكل من أخبر بشيءٍ فقد شهد به، وإن لم يتلفظ بلفظ "أشهد" (¬4). ومن العجب: أنَّهم احتجوا على قبول الإقرار بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] (¬5). ¬
قبول إقرار المرء على نفسه، وتسمية الإقرار شهادة
قالوا: هذا يدلُّ على قبول إقرار المرء على نفسه، ولم يقل أحدٌ: إنَّه لا يقبل (¬1) الإقرار حتَّى يقول المقر "أشهد على نفسي"، وقد سمَّاه الله تعالى شهادة. قال شيخنا (¬2) - رحمه الله تعالى -: فاشتراط لفظ "الشهادة" لا أصلَ له في كتاب الله، ولا سنَّة رسوله، ولا قول أحدٍ من الصحابة، ولا يتوقف إطلاق لفظُ "الشهادة" لغة على ذلك، وبالله التوفيق. وعلى هذا فليس الإخبار (¬3) طريقًا آخر غير طريق الشهادة (¬4). ¬
الطريق الثالث والعشرون: الحكم بالخط المجرد
فصل الطريق الثالث والعشرون: الحكم بالخط المجرد. وله صور ثلاث (¬1): الصورة الأولى: أن يرى القاضي حجة فيها حكمه لإنسان، فيطلب منه إمضاءه والعمل به، فقد اختلف في ذلك (¬2)، فعن أحمد ثلاث روايات (¬3)، إحداهنَّ: أنَّه إذا تيقن أنَّه خطه نفذه، وإن لم يذكره. والثانية: أنَّه لا ينفذه حتَّى يذكره. والثالثة: أنَّه إذا كان في حرزه وحفظه كمنظره ونحوه (¬4) نفذه، وإلَّا فلا. قال أبو البركات (¬5): وكذلك (¬6) الرواية في شهادة الشاهد: بناءً على خطه إذا لم يذكره (¬7). والمشهور من مذهب الشافعي: أنَّه لا يعتمد على الخط، لا في ¬
الحكم ولا في الشهادة، وفي (¬1) مذهبه وجهٌ آخر: أنَّه يجوز الاعتماد عليه إذا كان محفوظًا عندهما (¬2)، كالرواية الثالثة. وأمَّا مذهب أبي حنيفة: فقال الخصاف (¬3): قال أبو حنيفة: إذا وجد القاضي في ديوانه شيئًا لا يحفظه - كإقرار الرجل بحقًّ من الحقوق أو شهادة شهود شهدوا عنده لرجلٍ على رجل بحق من الحقوق (¬4) - وهو لا يذكر ذلك ولا يحفظه، فإنَّه لا يحكم بذلك، ولا ينفذه حتَّى يذكره (¬5). وقال أبو يوسف ومحمد: ما وجده القاضي في ديوانه - من شهادة شهود شهدوا عنده لرجل على رجل بحق، أو إقرار رجل لرجل بحق، ¬
والقاضي لا يحفظ ذلك ولا يذكره - فإنَّه ينفذ ذلك، ويقضي به، إذا كان تحت خاتمه محفوظًا، ليس كل ما في ديوان القاضي يحفظه (¬1). وأمَّا مذهب مالك: فقال في "الجواهر" (¬2): لا يعتمد على الخط إذا لم يَذْكر (¬3)، لإمكان التزوير عليه (¬4). قال القاضي أبو محمد (¬5): إذا وجد في ديوانه حكمًا بخطه، ولم يذكر أنَّه حكم به لم يجز له أن يحكم به، إلَّا أن يشهد عنده شاهدان (¬6). قال (¬7): وإذا نسيَ القاضي حكمًا حكم به، فشهد عنده شاهدان (¬8) أنَّه قضى به: نفذ الحكم (¬9) بشهادتهما، وإن لم يذكره (¬10)، وعن ¬
اعتماد الراوي على الخط المحفوظ عنده وتحديثه به
مالك (¬1) رواية أخرى أنَّه لا يلتفت إلى البينة بذلك ولا يحكم بها (¬2). وجمهور أهل العلم على خلافها (¬3)، بل إجماع أهل الحديث قاطبة على اعتماد الراوي على الخط المحفوظ عنده، وجواز التحديث به، إلَّا خلافًا شاذًّا لا يعتدُّ به (¬4)، ولو لم يعتمد على ذلك لضاع الإسلام اليوم، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فليس بأيدي النَّاس - بعد كتاب الله - إلَّا هذه النسخ الموجودة من السنن، وكذلك كتب الفقه الاعتماد فيها على النسخ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث كتبه إلى الملوك وغيرهم (¬5)، وتقومُ بها حجته، ولم يكن يشافه رسولًا بكتابه بمضمونه قط (¬6)، ولا جرى هذا في مدَّة حياته - صلى الله عليه وسلم - بل يدفع إليه (¬7) الكتاب مختومًا، ويأمره بدفعه إلى المكتوب إليه، وهذا معلومٌ بالضرورة لأهل العلم بسيرته وأيامه. ¬
حديث: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه
وفي "الصحيح" عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "مَا حَقُّ امْرئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيْهِ يَبيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ" (¬1)، ولو لم يجز الاعتماد على الخط لم تكن لكتابة وصيته فائدة. قال إسحاق بن إبراهيم: قلت لأحمد: الرجل يموت، وتوجد له وصية تحت رأسه من غير أن يكون أشهد عليها، أو أعلم بها أحدًا، هل يجوز إنفاذ ما فيها؟ قال: إن كان قد عرف خطه، وكان مشهور الخط، فإنَّه ينفذ ما فيها (¬2). وقد نصَّ في الشهادة أنَّه إذا لم يذكرها ورأى خطه لا يشهد حتَّى يذكرها (¬3). ونصَّ فيمن كتب وصيته وقال: اشهدوا علي بما فيها أنَّهم لا يشهدون إلَّا أن يسمعوها منه، أو تقرأ عليه فيقر بها (¬4). فاختلف أصحابنا (¬5)، فمنهم من خرج في كلَّ مسألة حكم ¬
الأخرى، وجعل فيها وجهين بالنقل والتخريج. ومنهم مَن منع (¬1) التخريج، وأقر النصين، وفرق بينهما. واختار شيخنا التفريق، قال: والفرق (¬2) أنَّه إذا كتب وصيته، وقال: اشهدوا علي بما فيها، فإنَّهم لا يشهدون، لجواز أن يزيد في الوصية وينقص ويغير، وأمَّا إذا كتب وصيته ثمَّ مات، وعرف أنَّه خطه، فإنَّه يشهد به لزوال هذا المحذور (¬3). والحديث المتقدم (¬4) كالنص في جواز الاعتماد على خط الموصي، وكتبه (¬5) - صلى الله عليه وسلم - إلى عماله (¬6) وإلى الملوك (¬7) وغيرهم تدل على ذلك؛ ولأنَّ الكتابة تدل على المقصود، فهي كالَّلفظ، ولهذا يقع بها الطلاق. قال القاضي (¬8): وثبوت الخط في الوصية يتوقف على معاينة البينة أو الحاكم لفعل الكتابة؛ لأنَّها عمل، والشهادة على العمل طريقها ¬
المعتبر هو حصول العلم بنسبة الخط إلى كاتبه
الرؤية. وقول الإمام أحمد: "إن كان قد عرف خطه وكان مشهور الخط، ينفذ ما فيها (¬1) " يرد ما قال القاضي، فإنَّ أحمد علَّق الحكم (¬2) بالمعرفة والشهرة، من غير اعتبار لمعاينة الفعل، وهذا هو الصحيح، فإنَّ القصدَ حصول العلم بنسبة الخط إلى كاتبه، فإذا عرف ذلك وتيقن كان كالعلم بنسبة اللفظ (¬3) إليه، فإنَّ الخطَّ دالٌّ على الَّلفظ، والَّلفظ دالٌّ على القصد والإرادة، وغاية ما يقدر اشتباه الخطوط، وذلك كما يُفرض من اشتباه الصور والأصوات، وقد جعل الله سبحانه في خط كل كاتب ما يتميز به (¬4) عن خط غيره كتميز صورته عن صورته وصوته عن صوته (¬5)، والنَّاسُ يشهدون شهادة لا يستريبون على أنَّ هذا خط فلان، وإن جازت محاكاته ومشابهته فلا بد من فرق، وهذا أمر يختص بالخط العربي، ووقوع الاشتباه والمحاكاة لو كان مانعًا لمنع في الشهادة على الخط عند معاينته إذا غاب عنه، لجواز المحاكاة. وقد دلَّت الأدلة المتضافرة - التي تقرب من القطع - على قبول ¬
شهادة الأعمى فيما طريقه السمع إذا عرف الصوت
شهادة الأعمى فيما طريقه السمع إذا عرف الصوت (¬1)، مع أنَّ تشابه الأصوات - إن لم يكن أعظم من تشابه الخطوط - فليس دونه (¬2). وقد صرَّح أصحاب أحمد (¬3) والشافعي (¬4) بأنَّ الوارث إذا وجد في دفتر مورثه: أنَّ لي عند فلان كذا، جازَ له أن يحلف على استحقاقه. وأظنه منصوصًا عنهما (¬5). وكذلك لو وجد في دفتره: أنِّي أديت إلى فلان ما عليّ، جاز له أن يحلف على ذلك (¬6) إذا وثق بخط مورثه وأمانته (¬7). ولم يزل الخلفاء والقضاة والأمراء والعمال يعتمدون على كتب بعضهم إلى (¬8) بعض، ولا يشهدون متحملها على ما فيها، ولا ¬
تبويب البخاري على المسألة في صحيحه
يقرءونها عليه، هذا عمل النَّاس من زمن نبيهم (¬1) إلى الآن. قال البخاري في صحيحه (¬2): "باب الشهادة على الخط، وما يجوز من ذلك وما يضيق منه، وكتاب الحاكم إلى عماله، والقاضي إلى القاضي، وقال بعض النَّاس: كتاب الحاكم جائز إلَّا في الحدود، قال: وإن كان القتل خطأ فهو جائز؛ لأنَّ هذا مال يزعمه، وإنَّما صارَ مالًا بعد أن ثبت القتل، فالخطأ والعمد (¬3) واحد، وقد كتبَ عمر إلى عُمَّاله في الحدود (¬4)، وكتب عمر بن عبد العزيز في سن كسرت (¬5)، وقال إبراهيم: كتاب القاضي إلى القاضي جائز إذا عرف الكتاب والخاتم (¬6)، وكان الشعبي يجيز الكتاب المختوم بما فيه من القاضي (¬7)، ويُروى عن ابن عمر نحوه (¬8)، وقال معاوية بن عبد الكريم ¬
الثقفي (¬1): شهدت عبد الملك بن يعلى - قاضي البصرة -، وإياس بن معاوية، والحسن، وثمامة بن عبد الله بن أنس، وبلال بن أبي بردة، وعبد الله بن بريدة (¬2)، وعامر بن عبيدة (¬3)، وعباد بن منصور: يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود، فإن قال الَّذي جيء عليه بالكتاب: إنَّهُ زور، قيل له: اذهب فالتمس المخرج من ذلك. وأوَّل من سأل على كتاب القاضي البينة: ابن أبي ليلى، وسوار بن عبد الله (¬4). وقال لنا أبو نعيم (¬5): حدثنا عبد الله بن محرز (¬6) قال: جئت بكتاب من موسى بن أنس (¬7) قاضي البصرة، وأقمت عليه البينة: أنَّ لي عند فلان كذا وكذا - وهو بالكوفة - فجئت به القاسم بن عبد الرحمن (¬8) ¬
مذهب مالك في الشهادة على الخطوط
فأجازه، وكره الحسن (¬1) وأبو قلابة (¬2) أن يشهد على وصية حتَّى يعلم ما فيها؛ لأنَّه لا يدري، لعلَّ فيها جورًا، وقد كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل خيبر: "إِمَّا أن تَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أن تؤْذَنُوا بِحَرْبٍ" (¬3) ا. هـ. كلامه. وأجاز مالك (¬4) الشهادة على الخطوط، فروى عنه ابن وهب - في الرجل يقوم يذكر حقًّا قد ماتَ (¬5) شهوده، ويأتي بشاهدين عدلين على خط كاتب الخط - قال: تجوز شهادتهما على كتاب الكاتب إذا كان عدلًا، مع يمين الطالب. وهو قول ابن القاسم (¬6). ¬
وذكر ابن شعبان (¬1) عن ابن وهب أنَّه قال: لا آخذ بقول مالك في الشهادة على الخط (¬2)، وقال الطحاوي: خالف مالك جميع الفقهاء في ذلك (¬3)، وعدّ قوله شذوذًا (¬4). قال ابن الحارث (¬5): الشهادة على الخط خطأ (¬6)، ولقد قال مالك في رجل قال: سمعتُ فلانًا يقول: رأيت فلانًا قتل، أو قال: سمعت فلانًا طلَّق امرأته أو قذفها أنَّه لا يشهد على شهادته إلَّا أن يشهده، فالخط أبعد من هذا وأضعف (¬7). قال: ولقد قلت لبعض القضاة: أتجوز شهادة الموتى؟ فقال: ما هذا الَّذي تقول؟ فقلت: إنَّكم تجيزون شهادة الرجل بعد موته إذا ¬
وجدتم خطه في وثيقة، فسكت (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم (¬2): لا يقضى في دهرنا (¬3) بالشهادة على الخط؛ لأنَّ النَّاس قد أحدثوا ضروبًا من الفجور (¬4)، وقد قال مالك في النَّاس: تحدث لهم أقضية على نحو ما أحدثوا من الفجور (¬5)، وقد روى لي نافع (¬6) عن مالك قال: كان من أمر النَّاس القديم: إجازة ¬
إذا أشهد القاضي شاهدين على كتابه ولم يقرأه عليهما ولا عرفهما بما فيه
الخواتم، حتَّى إنَّ القاضي ليكتب للرجل الكتاب فما يزيد على ختمه، فيعمل به (¬1)، حتَّى اتهم النَّاس، فصار لا يقبل إلَّا بشاهدين (¬2). ا. هـ. واختلف الفقهاء فيما إذا أشهد القاضي شاهدين على كتابه، ولم يقرأه عليهما ولا عرفهما بما فيه. فقال مالك (¬3): يجوز ذلك، ويلزم القاضي المكتوب إليه قبوله، ويقول الشاهدان: إنَّ هذا كتابه دفعه إلينا مختومًا، وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد (¬4). وقال أبو حنيفة (¬5) والشافعي (¬6) ¬
وأبو ثور (¬1): إذا لم يقرأه عليهما القاضي لم يعمل القاضي المكتوب إليه بما فيه. وهو إحدى الروايتين عن مالك (¬2). وحجتهم أنَّه لا يجوز أن يشهد الشاهد (¬3) إلَّا بما يعلم. وأجاب الآخرون بأنَّهما لم يشهدا بما تضمنه، وإنَّما شهدا بأنَّه كتاب القاضي، وذلك معلومٌ لهما (¬4)، والسنة الصريحة تدل على صحة ذلك (¬5)، وتغيُّر أحوال (¬6) النَّاس وفسادها يقتضي العمل بالقول الآخر، وقد يثبت عند القاضي من أمور النَّاس ما لا يحسن أن يطلع عليه كل أحد، مثل الوصايا التي يتخوف (¬7) النَّاس فيها، ولهذا يجوز عند مالك (¬8) وأحمد (¬9) - في إحدى الروايتين - أن يشهدا على الوصية ¬
مأخذ المانعين من العمل بالخطوط
المختومة، ويجوز عند مالك (¬1) أن يشهدا على الكتاب المدرج، ويقولا للحاكم: نشهد على إقراره بما في هذا الكتاب، وإن لم يعلما بما أقر، والجمهور (¬2) لا يجيزون الحكم بذلك. وقال المانعون من العمل بالخطوط: الخطوط قابلة للمشابهة والمحاكاة، وهل كانت قصَّة (¬3) عثمان ومقتله إلَّا بسبب الخط؟ (¬4) فإنَّهم صنعوا مثل خاتمه، وكتبوا مثل كتابه، حتَّى جرى ما جرى، ولذلك قال الشعبي: لا تشهد أبدًا إلَّا على شيء تذكره، فإنَّه من شاء انتقش خاتمًا، ومن شاء كتب كتابًا (¬5). قالوا: وأمَّا ما ذكرتم من الآثار فنعم، وها هنا أمثالها، ولكن كان ¬
الدابة يوجد على فخذها: صدقة أو وقف، هل يحكم الحاكم بذلك؟
ذاك إذ النَّاس ناس، وأمَّا الآن فكلا ولما (¬1)، وإذا كان الأمر قد تغير في زمن مالك وابن أبي ليلى، حتَّى قال مالك: كان من أمرِ النَّاس القديم إجازة الخواتم، حتَّى إنَّ القاضي ليكتب للرجل الكتاب، فما يزيد (¬2) على ختمه، حتَّى اتهم النَّاس، فصار لا يقبل إلَّا بشاهدين (¬3). وقال محمد بن عبد الحكم (¬4): لا يقضى في دهرنا هذا بالشهادة على الخط؛ لأنَّ النَّاسَ قد أحدثوا ضروبًا من الفجور، وقد كان النَّاسُ فيما مضى يجيزون الشهادة على خاتم كتاب القاضي (¬5) فإن قيل: فما تقولون في الدَّابة يوجد على فخذها "صدقة" أو "وقف" أو "حبس" هل للحاكم أن يحكم بذلك؟ قيل: نعم، له أن يحكم به، وصرَّح به أصحاب مالك (¬6)، فإنَّ هذه أمارة ظاهرة، ولعلها أقوى من شهادة الشاهد (¬7)، وقد ثبتَ في ¬
"الصحيحين" (¬1) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "غَدَوْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بعَبْدِ اللهِ بن أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنَّكَهُ (¬2)، فوافيته في يَدِهِ المِيْسَمُ (¬3) يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ"، وللإمام أحمد (¬4) عنه: "دخلتُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يَسِمُ غَنَمًا في آذانها". وروى مالكٌ في "الموطأ" (¬5) عن زيد بن أسلم عن أبيه أنَّه قال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إنَّ في الظهر ناقة عمياء، فقال عمر: ادفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها، قال: فقلت: هي عمياء، فقال عمر (¬6): يقطرونها بالإبل (¬7)، قال: فقلت: كيف تأكل من الأرض؟ قال: فقال عمر: أَمِنْ نَعَمِ الجزية هي أَمِ مِنْ نعم الصدقة؟ فقلت: مِنْ ¬
الدار يوجد على بابها الحجر مكتوب فيه إنها وقف أو مسجد
نَعَمِ الجزية، فقال عمر: أردتم والله (¬1) أكلها؛ قلت: إنَّ عليها وسم الجزية"، ولولا أنَّ الوسم يميز الصدقة من غيرها، ويشهد لما هو وسم عليه؛ لم تكن فيه فائدة بل لا فائدة للوسم إلَّا ذلك؛ ومن لم يعتبر الوسم فلا فائدة فيه عنده (¬2). فإن قيل: فما تقولون في الدَّارِ يوجد على بابها أو حائطها الحجر مكتوب فيه "إنَّها وقف" أو "مسجد" هل يحكم بذلك؟ قيل: نعم؛ يقضى به، ويصير وقفًا؛ صرَّح به بعض أصحابنا (¬3)؛ وممَّن ذكره الحارثي (¬4) في "شرحه" (¬5) فإن قيل: يجوز أن ينقل الحجر إلى ذلك الموضع؟ قيل: جواز ذلك كجواز كذب الشاهدين؛ بل هذا أقرب؛ لأنَّ الحجرَ يشاهد جزءًا من الحائط داخلًا فيه، ليس عليه شيء من أمارات النقل؛ بل يقطع غالبًا بأنَّه بني مع الدَّار، ولا سيما حجر عظيم، وضع ¬
كتب العلم يوجد على ظهورها كتابة الوقف
عليه الحائط، بحيث يتعذَّر وضعه بعد البناء، فهذا أقوى من شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين. فإن قيل: فما تقولون في كتب العلم يوجد على ظهرها (¬1) وهوامشها (¬2) كتابة الوقف، هل للحاكم أن يحكم بكونها وقفًا بذلك؟ قيل (¬3): هذا يختلف باختلاف قرائن الأحوال، فإذا رأينا كتبًا مودعة في خزانة (¬4)، وعليها كتابة "الوقف" وهي كذلك مدَّة متطاولة، وقد اشتهرت بذلك لم نسترب في كونها وقفًا (¬5)؛ وحكمها حكم المدرسة التي عهدت لذلك؛ وانقطعت كتب وقفها أو فقدت، ولكن يعلم النَّاس على تطاول المدة كونها وقفًا، فتكفي في ذلك الاستفاضة، فإنَّ الوقف يثبت بالاستفاضة، وكذلك مصرفه، وأمَّا إذا رأينا كتابًا لا نعلم مقره ولا عرف من كتب عليه الوقف (¬6)، فهذا يوجب التوقف في أمره، حتَّى يتبين حاله. والمعول (¬7) في ذلك على القرائن، فإن قويت حكم بموجبها، وإن ¬
الرجلان يتنازعان في حائط، والرجوع إلى القرائن
ضعفت لم يلتفت إليها، وإن توسطت طلب الاستظهار، وسلك طريق الاحتياط، وبالله التوفيق. وقد قال أصحاب مالك (¬1) - في الرجلين يتنازعان في حائط - فينظر إلى عقده، أو من له عليه خشب أو سقف، وما أشبه ذلك ممَّا يرى بالعين يقضى به لصاحبه، ولا يكلف الطالب البينة، وكذلك القنوات التي تشق الدور والبيوت إلى مستقرها إذا سدَّها الَّذي تشق داره، وأنكر أن يكون عليها مجرى لأحدٍ، فإذا نظروا إلى القناة التي تشق داره، وشهدوا بذلك عند القاضي، ولم يكن عنده في شهادة الشهود الَّذين وجههم لذلك مدفع (¬2): ألزمه (¬3) مرور القناة على داره، ونهي عن سدها، ومنع منه. قالوا (¬4): فإذا نظروا في القناة تشق داره إلى مستقرها - وهي قناة قديمة، والبنيان فيها ظاهر، حتَّى تصب في مستقره - فللحاكم أن يلزمه مرور القناة، كما وجدت في داره. قال ابن القاسم فيما رواه ابن عبد الحكم عنه: إذا اختلفَ الرجلان في جدار بين داريهما - كلٌّ يدعيه - فإن كان عقد بنائه إليهما فهو بينهما، وإن كان معقودًا إلى أحدهما ومنقطعًا عن الآخر فهو إلى من ¬
شهادة الرهن بقدر الدين إذا اختلف الراهن والمرتهن في قدره
إليه العقد، وإن كان منقطعًا منهما (¬1) جميعًا فهو بينهما، وإن كان لأحدهما فيه كُوىً، ولا شيء للآخر فيه، وليس بمنعقد إلى واحد منهما، فهو إلى من إليه (¬2) مرافقه، وإن كانت فيه كوى لكليهما فهو بينهما، وإن كانت لأحدهما عليه خُشُب، ولا عقد فيه لواحدٍ منهما، فهو لمن له عليه الحمل فإن كان عليه حمل لهما جميعًا فهو بينهما (¬3). والمقصود: أنَّ الكتابة على الحجارة والحيوان وكتب العلم أقوى من هذه الأمارات بكثير، فهي أولى أن يثبت بها حكم تلك الكتابة، ولا سيما عند عدم المعارض، وأمَّا إذا عارضَ ذلك بينةٌ لا تتهم، ولا تستند إلى مجرَّد التبديل فذكر سبب الملك واستمراره (¬4)، فإنَّها تقدم على هذه الأمارات. وأمَّا إن عارضها (¬5) مجرد اليد: لم يلتفت إليها، فإنَّ هذه الأمارات بمنزلة البينة والشاهد، واليد ترفع بذلك. فصل ومما يلحق بهذا الباب: شهادة الرهن بقدر الدين، إذا اختلف ¬
القول قول المرتهن مع يمينه ما لم يدع أكثر من قيمة الرهن
الراهن والمرتهن في قدره؛ فالقول قول المرتهن مع يمينه، ما لم يدع أكثر من قيمة الرهن، عند مالك وأهل المدينة (¬1)، وخالفه الأكثرون (¬2). ومذهبه أرجح، واختاره شيخنا (¬3) - رحمه الله -. وحجته: أن الله - سبحانه وتعالى - جعل الرهن بدلًا من الكتاب والشهود يحفظ به الحق، فلو لم يقبل قول المرتهن، وكان القول قول الرَّاهن، لم تكن في الرهن فائدة، وكان وجوده كعدمه إلَّا في موضعٍ واحد، وهو تقديم المرتهن بدينه على الغرماء الَّذين ديونهم بغير رهن، ومعلومٌ أنَّ الرَّهن لم يشرع لمجرد هذه الفائدة وإنَّما ذكره (¬4) الله سبحانه في القرآن العظيم قائمًا مقام الكتاب والشهود، فهو شاهد بقدر الحق، وليس في العرف أن يرهن الرجل ما يساوي ألف دينار على درهم، ومن ¬
التفريق بين الاختلاف في أصل الرهن وقدره
يقول: "القول قول الرَّاهن" يقبل قوله: إنَّه رهنه على ثمن درهم أو أقل، وهذا ممَّا يشهد العرف ببطلانه. والَّذين جعلوا القول قول الرَّاهن (¬1) ألزموا منازعيهم بأنَّهما لو اختلفا في أصل الرهن لكان القولُ قول المالك، فكذلك في قدر الدَّين. وفرَّق الآخرون بين المسألتين بأنَّه قد ثبت تعلق الحق به في مسألة النزاع، والرهن شاهد المرتهن، فمعه ما يصدقه، بخلاف مسألة (¬2) الإلزام (¬3). ¬
الطريق الرابع والعشرون: العلامات الظاهرة
فصل الطريق الرَّابع والعشرون: العلامات (¬1) الظاهرة. وقد تقدمت في أوَّل الكتاب، ونزيد ها هنا: أنَّ (¬2) أصحابنا (¬3) وغيرهم (¬4) فرَّقوا بين الركاز واللقطة بالعلامات. فقالوا: الركاز ما دفنته الجاهلية، ويعتبر ذلك برؤية (¬5) علاماتهم عليه، كأسماء ملوكهم وصورهم وصلبهم، فأمَّا ما عليه علامات المسلمين - كأسمائهم (¬6) أو القرآن ونحوه - فهو لقطة؛ لأنَّه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه، وكذلك إن كان على بعضه علامة الإسلام، وعلى بعضه علامات (¬7) الكفار؛ لأنَّ الظاهر أنَّه صار لمسلم فدفنه، وما لا ¬
اللقيط إذا ادعاه اثنان ووصف أحدهما علامة خفية بجسده
علامة عليه فهو لقطة، تغليبًا لحكم الإسلام. ومنها: أنَّ اللقيط لو ادعاه اثنان، ووصف أحدهما علامة مستورة في جسده: قدم بذلك، وحكم له، وهذا مذهب أحمد (¬1) وأبي حنيفة (¬2). وقال الشافعي (¬3): لا يحكم بذلك، كما لو ادعيا عينًا سواه، ووصف أحدهما فيها علامات خفية. والمرجحون له بذلك فرَّقوا بينهما بأنَّ ذلك نوع التقاط، فقدم بالصفة، كلقطة المال، وقد دلَّ عليها النص الصحيح الصريح (¬4)، وقياس اللقيط على لقطة المال أولى من قياسه على دعوى غيره من الأعيان، على أنَّ في دعوى العين إذا وصفها أحدهما بما يدلُّ ظاهرًا على صدقه نظرًا. وقياس المذهب في مسألة تداعي الزوجين ترجيح الواصف إذًا (¬5) ¬
مسألة جرت للمصنف في تداعي اثنين صرة فيها دراهم
وقد جرى لنا نظير هذه المسألة سواء، وهو أنَّ رجلين تداعيا صرَّة فيها دراهم، فسأل ولي الأمر أحدهما (¬1) عن صفتها، فوصفها بصفاتٍ خفية، فسأل الآخر، فوصفها بصفات أخرى، فلما اختبرت (¬2) طابقت صفات الأوَّل لها، وظهر كذب الآخر، فعلم ولي الأمر والحاضرون (¬3) صدقه في دعواه وكذب صاحبه، فدفعها إلى الصادق. وهذا قد يقوى بحيث يفيد القطع، وقد يضعف، وقد يتوسط. ومنها: وجوب دفع اللقطة إلى واصفها، قال أحمد - في رواية حرب -: إذا جاء صاحبها فعرف الوكاء والعفاص فإنَّها ترد عليه (¬4) بلا بينة (¬5)، ولا نذهب إلى قول الشافعي: ولا ترد عليه إلَّا ببينة (¬6). ¬
المتكاريين يختلفان في دفين في الدار
وقال ابن مشيش: إن جاء رجل فادعى اللقطة وأعطاه علامتها، تدفع إليه؟ قال: نعم، وقال: إذا جاء بعلامة عفاصها ووكائها وعددها فليس في قلبي منه شيء. ونصَّ أيضًا على المتكاريين يختلفان في دفين في الدَّار، كل واحد منهما يدعيه فمن أصاب الوصف كان له (¬1)، وبذلك قال مالك (¬2) وإسحاق (¬3) وأبو عبيد. وقال أبو حنيفة (¬4) والشافعي (¬5): إن غلب على ظن الملتقط صدقه جاز الدفع، ولم يجب، وإن لم يغلب لم يجز؛ لأنَّه مدع، وعليه البينة. والصحيح: الأوَّل، لما روى مسلم في صحيحه (¬6) من حديث أُبيًّ - فذكر الحديث - وفيه: "فَإِنْ جَاءَكَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَأعْطِهَا إيَّاهُ"، وفي حديث زيد بن خالد: "فإن جاءَ صَاحِبُهَا ¬
فَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدهَا وَوِكَاءَهَا فَأعطِهَا إِيَّاهُ" (¬1)، والأمر للوجوب، والوصف بينة ظاهرة، فإنَّها من البيان، وهو الكشف والإيضاح، والمراد بها وضوح حجة الدعوى وانكشافها، وهو موجود في الوصف. ¬
الطريق الخامس والعشرون: الحكم بالقرعة
فصل الطريق الخامس والعشرون: الحكم بالقرعة. وقد تقدَّم الكلام عليها مستوفى، والحجة في إثباتها (¬1)، وأنَّها أقوى من كثير من الطرق التي يحكم بها من أبطلها، كمعاقد القمط في الخص، ووجوه الآجر ونحو ذلك، وأقوى من الحكم بكون الزوجة فراشًا بمجرد العقد، وإن علم قطعًا عدم اجتماعهما، وأقوى من الحكم بالنكول المجرد (¬2). فصل الطريق السادس والعشرون: الحكم بالقافة. وقد دلَّ عليها سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، وعمل خلفائه الرَّاشدين والصحابة من بعدهم، منهم عمر بن الخطاب (¬4)، وعلي بن أبي ¬
طالب (¬1)، وأبي موسى الأشعري (¬2)، وابن عباس (¬3)، وأنس بن مالك (¬4) - رضي الله عنهم - ولا مخالف لهم في الصحابة، وقال بها من التابعين: سعيد بن المسيب (¬5)، وعطاء بن أبي رباح (¬6)، والزهري (¬7)، وإياس بن معاوية (¬8)، وقتادة (¬9)، وكعب بن سور (¬10)، ومن تابعي التابعين: الليث بن سعد (¬11)، ومالك بن أنس وأصحابه (¬12)، ومِمَّن بعدهم: الشافعي وأصحابه (¬13)، وأحمد ¬
خلاف أبي حنيفة وأصحابه في العمل بها
وأصحابه (¬1)، وإسحاق، وأبو ثور (¬2)، وأهل الظاهر كلهم (¬3). وبالجملة: فهذا قول جمهور الأُمَّة. وخالفهم في ذلك أبو حنيفة وأصحابه (¬4)، وقالوا: العمل بها تعويل على مجرد الشبه، وقد يقع بين الأجانب، وينتفي بين الأقارب. وقد دلت على اعتبارها سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مسرور تبرق أسارير وجهه (¬5)، فقال: أي عائشة ألم تري أن مجززًا المدلجي دخل، فرأى ¬
حديث مجزز المدلجي
أسامة وزيدًا وعليهما قطيفة، قد غطيا رؤوسهما (¬1)، وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض" (¬2). وفي لفظ: دخل قائف والنبي - صلى الله عليه وسلم - ساجد (¬3)، وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبر به عائشة" (¬4) متفق عليهما، وذلك يدل على أن إلحاق القافة يفيد النسب، لسرور النبي - صلى الله عليه وسلم - به، وهو لا يسر بباطل (¬5) فإن قيل: النسب كان ثابتًا بالفراش، فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - بموافقة قول القائف للفراش (¬6)، لا أنه أثبت النسب بقوله (¬7). قيل: نعم، النسب كان ثابتًا بالفراش (¬8)، وكان الناس يقدحون في نسبه، لكونه أسود وأبوه أبيض (¬9)، فلما شهد القائف بأن تلك الأقدام ¬
قصة العرنيين
بعضها من بعض سر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلك الشهادة التي أزالت التهمة. حتى برقت أسارير وجهه من السرور. ومن لا يعتبر القافة يقول: هي من أحكام الجاهلية (¬1)، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليسر بها، بل كانت أكره شيء إليه (¬2)، ولو كانت باطلة لم يقل: "ألم تري أن مجززًا المدلجي قال كذا وكذا؟ " فإن هذا إقرار منه، ورضا بقوله، ولو كانت القافة باطلة: لم يقر عليها، ولم يرض بها (¬3). وقد ثبت في قصة العرنيين "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث في طلبهم قافة، فأتى (¬4) بهم" رواه أبو داود بإسناد صحيح (¬5)، فدل على اعتبار القافة والاعتماد عليها في الجملة (¬6)، فاستدل بأثر الأقدام على المطلوبين، ¬
عمل الخلفاء الراشدين والصحابة بالقافة
وذلك دليل حسي، وكذلك شبه الأقدام بعضها ببعض دليل حسي على اتحاد الأصل والفرع، فإن الله - سبحانه وتعالى - أجرى العادة بكون الولد نسخة أبيه. وقد ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: أخبرني عروة: "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دعا القافة في رجلين اشتركا في الوقوع على امرأة في طهر واحد، وادعيا ولدها فألحقته القافة (¬1) بأحدهما" (¬2). قال الزهري: أخذ عمر بن الخطاب (¬3) ومن بعده بنظر القافة في مثل هذا (¬4). وإسناده صحيح متصل، فقد لقي عروة عمر، واعتمر (¬5) معه. وروى شعبة عن توبة العنبري عن الشعبي (¬6) عن ابن عمر، قال: اشترك رجلان في طهر امرأة، فولدت، فدعا عمر القافة، فقالوا: قد أخذ الشبه منهما جميعًا. فجعله عمر بينهما (¬7). وهذا صحيح ¬
أيضًا. (¬1) وروى يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: "كنت جالسًا عند عمر بن الخطاب، فجاءه رجلان يختصمان في غلام، كلاهما يدعي أنه ابنه، فقال عمر: ادعوا لي أخا بني المصطلق، فجاء، وأنا جالس، فقال: انظر، ابن أيهما تراه؟ فقال: قد اشتركا فيه جميعًا، فقال عمر: لقد ذهب بك بصرك المذاهب، وقام فضربه بالدرة، ثم دعا أم الغلام - والرجلان جالسان، والمصطلقي جالس - فقال لها عمر: ابن أيهما هو؟ قالت: كنت لهذا، فكان يطؤني، ثم يمسكني حتى يستمر بي حملي، ثم أرسلني حتى ولدت منه أولادًا، ثم أرسلني مرة، فأهرقت الدماء، حتى ظننت أنه لم يبق شيء، ثم أصابني هذا، فاستمريت حاملًا، قال: فتدرين من أيهما هو؟ قالت: ما أدري من أيهما هو؟ قال: فعجب عمر للمصطلقي وقال للغلام: خذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أحدهما واتبعه" (¬2). ¬
وروى قتادة عن سعيد بن المسيب - في رجلين اشتركا في طهر امرأة، فحملت غلامًا يشبههما - "فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فدعا القافة، فقال لهم: انظروا، فنظروا، فقالوا: نراه يشبههما، فألحقه بهما، وجعله يرثهما ويرثانه، وجعله بينهما"، قال قتادة: فقلت لسعيد بن المسيب: لمن عصبته؟ قال: للباقي (¬1) منهما (¬2). وروى قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن علي - رضي الله عنه -: "أن رجلين وقعا على امرأة في طهر واحد، فجاءت بولد، فدعا له علي - رضي الله عنه - القافة، وجعله ابنهما جميعًا يرثهما ويرثانه" (¬3). ¬
وروى عبد الرزاق (¬1) عن معمر عن أيوب (¬2) عن ابن سيرين، قال: "اختصم إلى أبي موسى الأشعري في ولد ادعاه دهقان ورجل من العرب، فدعا القافة، فنظروا إليه، فقالوا للعربي: أنت أحب إلينا من هذا العلج، ولكن ليس بابنك، فخل عنه، فإنه ابنه". وروى زياد بن أبي زياد، قال: "انتفى ابن عباس من ولد له، فدعا له ابن كلدة (¬3) القائف، فقال: أما إنه ولده، فادعاه ابن عباس" (¬4). وصح عن قتادة (¬5) عن النضر بن أنس: "أن أنسًا وطئ جارية له، فولدت جارية، فلما حضر قال: ادعوا لها القافة، فإن كانت منكم فألحقوها بكم" (¬6). وصح عن حميد (¬7): "أن أنسًا شك في ولد له، فدعا له ¬
شهادة القياس وأصول الشريعة للقافة
القافة" (¬1). وهذه قضايا في مظنة الشهرة، فيكون إجماعًا. قال حنبل: سمعت أبا عبد الله قيل له: تحكم بالقافة؟ قال: نعم، لم يزل الناس على ذلك (¬2). فصل والقياس وأصول الشريعة (¬3) تشهد للقافة؛ لأن القول بها حكم يستند إلى درك أمور خفية وظاهرة، توجب سكونًا للنَّفس، فوجب اعتباره كنقد النَّاقد، وتقويم المقوِّم. وقد حكى أبو محمد ابن قتيبة: أنَّ قائفًا كان يعرف أثر الأنثى من أثر الذكر (¬4). وأمَّا قولهم: "إنَّه يعتمد الشبه" (¬5) فنعم، وهو حق، قالت أم سلمة: "يا رسول الله: أَوَ تَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ فقالَ: تَرِبَتْ يَدَاكِ (¬6)، فَبِمَا ¬
أحاديث شبه الولد بأبيه أو أمه
يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟ " (¬1) متفق عليه، ولمسلم (¬2) من حديث أنس بن مالك عن أم سليم قالت: "وهل يكون هذا - يعني الماء -؟ فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، فَمِنْ أَيْنَ يَكونُ الشَّبَهُ؟ إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضٌ، ومَاءُ المَرْأَةِ رقِيْقٌ أَصْفَرٌ، فَمِنْ أَيهمَا عَلَا - أَوْ سَبَقَ - يكُوْنُ الشَّبَهُ مِنْهُ". وعن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ امرأة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تَغْتَسِلُ المَرْأَةُ إِذَا احْتَلَمَتْ، وَأَبْصَرَتْ المَاءَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَتْ لهَا عَائِشَةُ: تَرِبَتْ يَدَاكِ، فَقَالَ لَهَا رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعِيْهَا، وَهَلْ يكُوْنُ الشَّبَهُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ ذَاكَ" رواه مسلم (¬3). وله أيضًا من حديث أبي أسماء الرحبي (¬4) عن ثوبان قال: "كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ ¬
تعليل الرواية التي فيها تأثير علو ماء الرجل والمرأة في التذكير والإيناث
اليَهُودِ (¬1) فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ: جئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الوَلَدِ؟ فَقَالَ: مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ المَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا، فَعَلا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ المَرْأَةِ، أَذْكَرا بِإِذْنِ اللهِ، وَإِذَا عَلاَ مَنِيُّ المَرْأَةِ منيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بإِذْنِ اللهِ" (¬2). وسمعتُ شيخنا - رحمه الله - يقول: في صحة هذا اللفظ نظر (¬3). قلت: لأنَّ (¬4) المعروف المحفوظ في ذلك إنَّما هو تأثير سبق الماء في الشبه، وهو الَّذي ذكره البخاري من حديث أنس: "أنَّ عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فأتاه، فسأله عن أشياء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَمَّا الوَلدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُل مَاءَ المَرْأَةِ نَزَعَ الوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ المَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الوَلَدَ" (¬5). فهذا السؤال الَّذي سأل عنه عبد الله بن سلام والجواب الَّذي أجابه به النبي - صلى الله عليه وسلم - هو نظير (¬6) السؤال الَّذي سأل عنه الحبر، والجواب واحد، ولا سيما إن كانت القصة واحدة، والحبر هو عبد الله بن سلام، فإنَّه ¬
سأله وهو على دين اليهود، فأنس عيَّن اسمه، وثوبان قال: "جاء حبر من اليهود" وإن كانتا قصتين والسؤال واحد فلا بُدَّ أن يكون الجواب كذلك. وهذا يدلُّ على أنَّهم إنَّما سألوا عن الشبه، ولهذا وقع الجواب به وقامت به الحجة، وزالت به الشبهة. وأمَّا الإذكار والإيناث فليس بسبب (¬1) طبيعي، وإنَّما سببه (¬2) الفاعل المختار الَّذي يأمر الملك به، مع تقدير الشقاوة والسعادة، والرزق، والأجل، ولذلك جمع بين هذه الأربع في الحديث: "فَيَقُولُ المَلَكُ: يَا رَبِّ، ذَكَرٌ؟ يَا ربِّ، أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا يَشَاءُ، ويَكْتُبُ المَلَكُ" (¬3). وقد ردَّ سبحانه ذلك إلى محض مشيئته في قوله تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} [الشورى: 49 - 50]. والتعليق بالمشيئة وإن كان لا ينافي ثبوت السبب (¬4) فذلك إذا علم كون الشيء سببًا، ودلَّ على سببيته العقل والنص، والإذكار والإيناث ¬
[لا] يعلم له سببٌ طبيعي يعلمِ بالعقل وبالنص (¬1)، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم سليم: "مَاءُ الرَّجُلِ غلِيْظٌ أَبْيَضُ، ومَاءُ المَرْأَةِ رَقِيْقٌ أَصْفَرُ، فَمِنْ أيهما عَلَا (¬2) - أَوْ سَبَقَ - يَكُوْنُ الشَّبَهُ" (¬3)، فجعل للشبه سببين: علو الماء، وسبقه. وبالجملة، فعامة الأحاديث إنَّما هي في تأثير سبق الماء وعلوه في الشبه، وإنَّما جاء تأثير ذلك في الإذكار والإيناث في حديث ثوبان وحده (¬4)، وهو فرد بإسناده، فيحتمل أنَّه اشتبه على الرَّاوي فيه الشبه بالإذكار والإيناث، وإن كان قد قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو الحقُّ الَّذي لا شكَّ فيه، ولا ينافي سائر الأحاديث، فإنَّ الشبه من السبق، والإذكار والإيناث من العلو، وبينهما فرق، وتعليقه على المشيئة (¬5) لا ينافي تعليقه على السبب، كما أنَّ الشقاوة والسعادة والرزق معلقات (¬6) بالمشيئة، وحاصلة (¬7) بالسبب، والله أعلم. ¬
اعتبار النبي - صلى الله عليه وسلم - الشبه في لحوق النسب
والمقصود أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتبر الشبه في لحوق النسب، وهذا معتمد القائف، لا معتمد له سواه (¬1)، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة المتلاعنين: "إن جَاءَتْ بهِ أَكْحَلَ العَيْنَين، سَابِغَ (¬2) الإِلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ (¬3) السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِشَرِيك ابن سَحْمَاءَ" فجاءت به كذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللهِ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ" رواه البخاري (¬4)، فاعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - الشبه وجعله لِمُشْبِهِهِ. فإن قيل: فهذا حجة عليكم؛ لأنَّه - مع صريح الشبه - لم يلحقه بِمُشْبهه في الحكم (¬5)، قيل: إنَّما منع إعمال الشبه لقيام مانع اللعان، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلَا الأيمانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شأْنٌ" (¬6)، فاللعان سبب ¬
أقوى من الشبه، قاطع للنسب، وحيث اعتبرنا الشبه في لحوق النسب فإنَّما ذاكَ إذا لم يقاومه سبب أقوى منه، ولهذا لا يعتبر مع الفراش، بل يحكم بالولد للفراش، وإن كان الشبه لغير صاحبه، كما حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصَّة عبد بن زمعة بالولد المتنازع فيه لصاحب الفراش (¬1)، ولم يعتبر الشبه المخالف له، فأعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - الشبه في حجب سودة، حيث انتفى المانع من إعماله في هذا الحكم بالشبه (¬2) إليها، ولم يعمله في النسب لوجود الفراش. وأصول الشرع وقواعده والقياس الصحيح تقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب (¬3)، والشَّارع متشوف إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها. ولهذا اكتفى في ثبوتها بأدنى الأسباب من شهادة المرأة الواحدة على الولادة (¬4)، والدعوى المجردة مع الإمكان، وظاهر الفراش، فلا يستبعد أن يكون الشبه الخالي عن سبب مقاوم له كافيًا في ثبوته، ولا نسبة بين قوَّة اللحاق بالشبه وبين ضعف اللحاق لمجرد (¬5) العقد، مع ¬
الجواب عن حديث: عسى أن يكون نزعه عرق
القطع بعدم الاجتماع في مسألة المشرقية والمغربي (¬1)، ومن طلَّق عقيب العقد من غير مهلة ثمَّ جاءت بولد (¬2). فإن قيل: فقد ألغى النبي - صلى الله عليه وسلم - الشبه في لحوق النسب (¬3)، كما في "الصحيح" (¬4): أن رجلًا (¬5) قال له: "إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، فقال: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبلٍ"؟ قال: نعم، قال: "فَمَا أَلْوَانُهَا"؟ قال: حُمْرٌ، قال: "فَهَلْ فيها من أوْرَق (¬6) "؟ قال: نعم، إنَّ فيها لَوُرْقًا، قال: "فَأَنَّى لَها ذلكَ"؟ قال: عسى أن يكون نزعه عِرْقٌ، قال: "وهَذَا عَسَى أن يكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ". قيل: إنَّمَا [لَمْ] (¬7) يعتبر الشبه ها هنا لوجود الفراش الَّذي هو أقوى منه، كما في حديث ابن أمة زمعة (¬8)، ولا يدلّ ذلك على أنَّهُ ¬
كلام الحنفية في القافة وعدم اعتبارها واحتجاجهم لذلك
لا (¬1) يعتبر مطلقًا، بل في الحديث ما يدلُّ على اعتبار الشبه، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - أحَال على نوعٍ آخر من الشبه، وهو نزع العرق، وهذا الشبه أولى لقوته بالفراش، والله أعلم. قالت الحنفية (¬2): إذا لم ينازع مدعي الولد فيه (¬3) غيره فهو له، وإن نازعه غيره، فإن كان أحدهما صاحب فراش قدم على الآخر، فإنَّ الولد للفراش، وإن استويا في عدم الفراش، فإن ذكر أحدهما علامة بجسده ووصفه بصفة فهو له (¬4)، وإن لم يصفه واحد منهما، فإن كانا رجلين أو رجلًا وامرأة ألحق بهما، وإن كانا امرأتين فقال أبو حنيفة: يلحق بهما حكمًا، مع العلم بأنَّه لم يخرج إلَّا من إحداهما، ولكن ألحقه بهما في الحكم، كما لو كان المدعى مالًا، فأجرى الإنسان مجرى الأموال والحقوق (¬5)، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يلحق بهما (¬6)، كما قال الجمهور (¬7)، للقطع بأنَّه يستحيل أن يولد منهما، ¬
بخلاف الرجلين، فإنَّه يمكن تخليقه من مائهما، كما يخلق من ماء الرجل والمرأة. قالوا (¬1): وقد دلَّ على اعتبار العلامات قصة شاهد يوسف (¬2)، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للملتقط: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَّفَهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ" (¬3). قالوا (¬4): ولو أثرت القافة والشبه في نتاج الآدمي لأثر ذلك في نتاج الحيوان، فكُنَّا نحكم بالشبه في ذلك، كما نحكم به بين الآدميين، ولا نعلم بذلك قائلًا. قالوا (¬5): ولأنَّ الشبه أمر مشهود مدرك بحاسة البصر، فإمَّا أن يحصل لنا ذلك بالمشاهدة أو لا يحصل، فإن حصل لم تكن في القائف فائدة، ولا حاجة إليه، وإن لم يحصل لنا بالمشاهدة لم نصدق القائف، فإنَّه يدعي أمرًا حسيًّا لا يدرك بالحس. ¬
قالوا (¬1): وقد دلَّ الحس على وقوع التشابه بين الأجانب الَّذين لا نسب بينهم، ووقوع التخالف والتباين بين ذوي النسب الواحد، وهذا أمرٌ معلومٌ بالمشاهدة لا يمكن جحده، فكيف يكون دليلًا على النسب، ويثبت به التوارث والحرمة والمحرمية (¬2) وسائر أحكام النسب؟ قالوا: والاستلحاق موجبٌ للحوق النسب، وقد وجد في (¬3) المتداعيين وتساويا فيه، فيجب أن يتساويا في حكمه، فإنَّه يمكن كونه منهما، وقد استلحقه كل واحد منهما، والاستلحاق أقوى من الشبه، ولهذا لو استلحقه مستلحق ووجدنا شبهًا بينا بغيره ألحقناه بمن استلحقه، ولم نلتفت إلى الشبه. قالوا: ولأنَّ القائف إمَّا شاهدٌ وإمَّا حاكم، فإن كان شاهدًا فمستند شهادته الرؤية، وهو وغيره فيها سواء، فجرى تفرده في الشهادة مجرى شهادة واحد من بين الجمع العظيم بأمر لو وقع لشاركوه في العلم به، ومثل هذا لا يقبل. وإن كان حاكمًا فالحاكم لا بُدَّ له من طريق يحكم بها، ولا طريق ها هنا إلَّا الرؤية والشبه، وقد عرف أنَّه لا يصلح طريقًا. قالوا: ولو كانت القافة طريقًا شرعيًّا لما عدل عنها داود وسليمان - صلوات الله وسلامه عليهما - في قصة الولد الَّذي ادعته المرأتان، بل حكم به داود للكبرى، وحكم به سليمان للصغرى بالقرينة التي استدل ¬
حديث علي: أنه أتي وهو باليمن يثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد
بها من شفقتها وإيثارها حياته (¬1) بإقرارها به للكبرى (¬2)، ولم يعتبر (¬3) قافة ولا شبهًا. قالوا (¬4): وقد روى زيد بن أرقم قال: "أُتِي عليٌّ رضي الله عنه - وهو باليمن - بثَلَاثَة (¬5) وَقَعُوا على امرَأةٍ طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ اثْنَيْنِ أَتُقِرَّان لِهَذَا بالولد؟ قالا: لا، حَتَّى سَأَلهُم جميعًا، فَجَعَلَ كُلَّمَا سَأَلَ اثْنَيْنِ قَالَا: لَا، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُم، فَأَلْحَقَ الوَلَدَ بالَّذِي صَارَتْ إِلَيْهِ القُرْعَةُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَي الدَّيَة، قال: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَضَحِكَ، حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ" وَفِي لَفظٍ: "فَمَنْ قَرَعَ فَلَهُ الوَلَدُ، وَعَلْيهِ لِصَاحِبَيْهِ ثُلُثا الدِّيَة" وفي لفظ: "فذكر ذلك للنَّبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا قَالَ علي" أخرجه الإمام أحمد في "المسند" وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم في صحيحه (¬6). قال أبو محمد ابن حزم: هذا خبرٌ مستقيم السند، نقلته كلهم ثقات (¬7). ا. هـ. ¬
وهذا حديثٌ مداره على الشعبي، وقد رواه جماعة واختلف عليه، فرواهُ يحيى بن سعيد القطان (¬1)، وخالد بن عبد الله الواسطي (¬2)، وعبد الله ابن نمير، ومالك بن إسماعيل النهدي (¬3)، وقيس بن الربيع (¬4)، عن الأجلح يحيى بن عبد الله بن حجية الكندي عن الشعبي عن عبد الله بن خليل الحضرمي الكوفي عن زيد بن أرقم، ومن هذا الوجه أورده الحاكم (¬5) وكذلِكَ رواه سفيان بن عيينة (¬6)، وعلي بن مسهر عن ¬
الأجلح (¬1) وقالا: عبد الله بن أبي الخليل. ورواه شعبة عن سلمة بن كهيل عن الشعبي عن أبي الخليل (¬2) أو ابن أبي (¬3) الخليل (¬4): "أنَّ ثلاثة نفرٍ اشتركوا" ولم يذكر زيدًا، ولم يرفعه. ورواه عبد الرزاق (¬5) عن الثوري عن صالح بن صالح الهمداني عن ¬
الشعبي عن عبد خير الحضرمي. ورواه ابن عيينة (¬1) وجرير بن عبد الحميد (¬2) وعبد الرحيم بن سليمان (¬3) عن محمد بن سالم (¬4) عن الشعبي عن علي بن ¬
ذريح (¬1) - ويقال: ذري الحضرمي (¬2) - عن زيد. ورواه خالد بن عبد الله الواسطي عن أبي إسحاق الشيباني (¬3) - سليمان (¬4) بن فيروز - عن الشعبي عن رجل من حضرموت (¬5) عن زيد. وبالجملة، فيكفي أنَّ في هذا الحديث أمير المؤمنين في الحديث شعبة (¬6)، وإذا كان شعبة (¬7) في حديث لم يكن باطلًا، وكان ¬
جواب الحنفية عن حديث مجزز المدلجي
محفوظًا (¬1)، وقد عمل به أهل الظاهر (¬2)، وهو وجه للشافعية (¬3) عند تعارض البينة، وهو ظاهر - بل صريح - في عدم اعتبار القافة، فإنَّها لو كانت معتبرة لم يعدل عنها إلى القرعة. قالوا (¬4): وأصح ما معكم: حديث أُسامة بن زيد، ولا حجة فيه؛ لأنَّ النسب (¬5) هناك ثابت بالفراش، فوافقه قول القائف فَسُرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بموافقة قول القائف (¬6) لشرعه الَّذي جاء به من أنَّ الولد للفراش، وهذا لا خفاء به، فمن أين يصلح ذلك لإثبات كون القيافة طريقًا مستقلًّا بإثبات النسب؟ قال أصحاب الحديث (¬7): نحن إنما نحتاج إلى القافة عند التنازع في الولد، نفيًا وإثباتًا، كما إذا ادعاه رجلان أو امرأتان، أو اعترف الرجلان بأنَّهما وطئا المرأة بشبهة، وأنَّ الولدَ من أحدهما، وكل منهما ينفيه عن نفسه، وحينئذٍ فإمَّا أن نُرَجِّحَ أحدهما بلا مرجح (¬8)، ولا سبيل ¬
اطلاع غير مالك اللقطة على صفتها في غاية الندرة
إليه (¬1)، وإمَّا أن نلغي دعواهما فلا يلحق بواحدٍ منهما، وهو باطلٌ أيضًا، فإنَّهما معترفان بسبب اللحوق، وليس هنا سبب غيرهما، وإمَّا أن يلحق بهما مع ظهور الشبه البين بأحدهما، وهو أيضًا باطل شرعًا وعرفًا وقياسًا كما تقدم، وإمَّا أن يقدم أحدهما بوصفه لعلامات في الولد، كما يقدم واصف اللقطة، وهذا - أيضًا - لا اعتبار به ها هنا، بخلاف اللقطة، والفرق بينهما ظاهر؛ فإنَّ اطلاع غير الأب على بدن الطفل وعلاماته غير مستبعد بل هو واقعٌ كثيرًا، فإنَّ الطفل بارز ظاهر لوالديه وغيرهما. وأما اطلاع غير مالك اللقطة على عددها وعفاصها ووعائها ووكائها فأمر في غاية الندرة، فإنَّ العادة جارية بإخفائها وكتمانها، فإلحاق إحدى الصورتين بالأُخرى ممتنع. وأمَّا الإلحاق بأُمَّين (¬2) فمقطوعٌ ببطلانه واستحالته، عقلًا وحسًّا، فهو كإلحاق ابن ستين سنة بابن عشرين سنة (¬3). وكيف ينكر القافة التي مدارها على الشبه الَّذي وضعه الله سبحانه ¬
بين الوالدين والولد من يلحق الولد بأُمَّين (¬1)؟ فأين أحد هذين الحكمين من الآخر، في العقل والشرع والعرف والقياس؟ (¬2) وما أثبت الله ورسوله قط حكمًا من الأحكام يقطع ببطلان سببه حسًّا أو عقلًا، فحاشا أحكامه سبحانه من ذلك، فإنَّه لا أحسن حكمًا منه - سبحانه وتعالى - ولا أعدل، ولا يحكم حكمًا يقول العقل: ليته حكم بخلافه، بل أحكامه كلها ممَّا تشهد العقول والفطرة بحسنها، ووقوعها على أتم الوجوه وأحسنها، وأنَّه لا يصلح في موضعها سواها. وأنت إذا عرضت على العقول كون الولد ابن أُمَّين (¬3) لم تجد قبولها له كقبولها لكون الولد لمن أشبهه (¬4) الشبه البين، فإنَّ هذا موافق لعادة الله وسنته في خلقه، وذلك مخالف لعادته وسنته. وقولهم: "إنَّهما (¬5) استويا في سبب الإلحاق - وهو الدعوى - فيستويان في الحكم، وهو لحوق النسب". ¬
صحة الدعوى يطلب بيانها من غير جهة المدعي ما أمكن
فيقال: القاعدة أنَّ صحة الدعوى يُطلب بيانها من غير جهة المدعي مهما أمكن، وقد أمكن ها هنا بيانها (¬1) بالشبه الَّذي يطلع عليه القائف، فكان اعتبار صحتها بذلك أولى من اعتبار صحتها بمجرد الدعوى، فإذا انتفى السبب الَّذي يبين صحتها من غير جهة المدعي - كالفراش والقافة - بغير (¬2) إعمال الدعوى، فإذا استويا فيها (¬3) استويا في حكمها، فهذا محض الفقه، ومقتضى قواعد الشرع، وأمَّا أن تعمل الدعوى المجردة مع ظهور ما يخالفها من الشبه البين الَّذي نصبه الله - سبحانه وتعالى - علامة لثبوت النسب شرعًا وقدرًا، فهذا مخالف للقياس ولأصول الشرع. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البَيِّنَةُ على المدَّعِي" (¬4)، و"البينة" اسمٌ لما يبين صحة الدعوى، والشبه مُبَيِّن صحة الدعوى، فإذا كان من جانب أحد المتداعيين (¬5) كان النسب له، وإن (¬6) كان من جهتهما كان النسب لهما. وقولهم (¬7): "لو أثَّر الشبه والقافة في نتاج الآدمي لأثر في نتاج ¬
الحيوان". جوابه من وجوه: أحدها: منع الملازمة، إذ لم يذكروا عليها دليلًا سوى مجرَّد الدعوى، فأين التلازم شرعًا وعقلًا بين النَّاس والحيوان (¬1)؟ الثاني: أنَّ الشارع متشوف إلى ثبوت الأنساب مهما أمكن، ولا يحكم بانقطاع النسب إلَّا حيث يتعذَّر إثباته، ولهذا ثبته بالفراش وبالدعوى وبالأسباب التي بمثلها لا يثبت نتاج الحيوان (¬2). الثالث: أن إثبات النسب فيه حق لله وحق للولد وحق للأب، ويترتب عليه من أحكام الوصل بين العباد ما به قوام مصالحهم وتمامها (¬3)، فأثبته الشرع بأنواع الطرق التي لا يثبت بمثلها نتاج الحيوان. الرَّابع: أنَّ سببه الوطء، وهو إنَّما يقع غالبًا في غاية التستر، ويكتم عن العيون وعن اطلاع القريب والبعيد عليه، فلو كلف البينة على سببه لضاعت أنساب بني آدم، وفسدت أحكام الصلات التي بينهم، ولهذا ثبت بأيسر شيء من فراش ودعوى وشبه، حتَّى أثبته أبو حنيفة بمجرد العقد، مع القطع بعدم وصول أحدهما إلى الآخر (¬4)، وأثبته ¬
لأُمَّين (¬1) مع القطع بعدم خروجه منهما احتياطًا للنسب، ومعلوم أنَّ الشبه أولى وأقوى من ذلك بكثير. الخامس: أنَّ المقصود من نتاج الحيوان إنَّما هو المال المجرَّد، فدعواه دعوى مال محض، بخلاف دعوى النسب، فأين دعوى المال من دعوى النسب (¬2)؟ وأين أسباب ثبوت أحدهما من أسباب ثبوت الآخر؟ السادس: أنَّ المالَ يباح بالبذل، ويُعاوَضُ عليه، ويقبل النقل، وتجوز الرغبة عنه، والنسب بخلاف ذلك. السَّابع: أنَّ الله سبحانه جعل بين أشخاص الآدميين من الفرق في صورهم وأصواتهم وحلاهم ما يتميز به بعضهم من بعض، ولا يقع الاشتباه بينهم، بحيث يتساوى الشخصان من كلِّ وجهٍ إلَّا في غاية الندرة، مع أنَّه لا بُدَّ من الفرق، وهذا القدر لا يوجد مثله بين أشخاص الحيوان، بل التشابه فيه أكثر والتماثل أغلب، فلا يكاد الحس يميز بين نتاج الحيوان ونتاج غيره برد كل منهما إلى أُمِّه وأبيه، وإن كان قد يقع ذلك، لكن وقوعه قليل بالنسبة إلى أشخاص الآدمي، فإلحاق أحدهما بالآخر ممتنع. قولهم (¬3): "إنَّ الاعتماد في القافة على الشبه، وهو أمر ¬
الأمور المدركة بالحس نوعان
مدرك (¬1) بالحس، فإن حصل بالمشاهدة فلا حاجة إلى القائف، وإن لم يحصل لم يقبل قول القائف". جوابه أن يقال: الأمور المدركة بالحس نوعان: نوع يشترك فيه الخاص والعام، كالطول والقصر، والبياض والسواد، ونحو ذلك، فهذا لا يقبل فيه تفرد المخبر والشاهد بما لا يدركه النَّاس معه. والثاني: ما لا يلزم فيه الاشتراك، كرؤية الهلال، ومعرفة الأوقات، وأخذ كل من الليل والنهار (¬2) في الزيادة والنقصان، ونحو ذلك ممَّا يختص بمعرفته أهل الخبرة، من تعديل القسمة، وكبر الحيوان وصغره، والخرص، ونحو ذلك، فهذا وأمثاله ممَّا مستنده (¬3) الحس ولا يجب الاشتراك فيه، فيقبل فيه قول الواحد والاثنين. ومن هذا: التشابه والتماثل بين الآدميين، فإنَّ التشابه بين (¬4) الولد والوالد يظهر في صورة الطفل وشكله، وهيئة أعضائه، ظهورًا خفيًّا، يختص بمعرفته القائف دون غيره، ولهذا كانت العرب تعرف ذلك لبني ¬
القيافة لا تختص ببني مدلج، وتسمية بعض من عرف بها من غيرهم
مدلج، وتقر لهم به، مع أنَّه لا يختص بهم (¬1)، ولا يشترط في القائف كونه منهم. قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن القائف هل يقضى بقوله؟ قال: يقضى بقوله إذا علم، وأهل الحجاز يعرفون ذلك (¬2). وشرط بعض الشافعية كونه مدلجيًّا (¬3)، وهذا ضعيف جدًّا لا يلتفت إليه. قال عبد الرحمن بن حاطب: "كُنت جالسًا عند عمر - رضي الله عنه -، فجاءه رجلان في غلام، كلاهما يدعي أنَّه ابنه، فقال عمر - رضي الله عنه -: ادعوا لي أخا بني المصطلق، فجاء فقال: انظر ابن أيهما تراه؟ فقال: قد اشتركا فيه" (¬4) وذكر بقية الخبر، وبنو المصطلق بطن من خزاعة لا نسب لهم في بني مدلج. وكذلك إياس بن معاوية (¬5) كان غاية في القيافة وهو من مزينة، وشريح بن الحارث القاضي كان قائفًا، وهو من كندة، وقد قال أحمد: أهل الحجاز يعرفون ذلك، ولم يخصه ببني مدلج. والمقصود: أنَّ أهل القيافة كأهل الخبرة وأهل الخرص والقاسمين ¬
التشابه بين الأجانب والأختلاف بين المشتركين في النسب خلاف الأكثر
وغيرهم، ممَّن اعتمادهم على الأمور المشاهدة المرئية لهم، ولهم فيها علامات يختصون بمعرفتها من التماثل والاختلاف والقدر والمساحة، وأبلغ من ذلك النَّاس يجتمعون لرؤية الهلال، فيراه من بينهم الواحد والاثنان، فيحكم بقوله أو قولهما دون بقية الجمع. قولهم: "إنَّا ندرك التشابه بين الأجانب والاختلاف بين المشتركين في النسب". قلنا (¬1): نعم، لكن الظاهر الأكثر خلاف ذلك، وهو الَّذي أجرى الله - سبحانه وتعالى - به العادة، وجواز التخلف عن الدليل والعلامة الظاهرة في النَّادر لا يخرجه عن أن يكون دليلًا عند عدم معارضة ما يقاومه، ألا ترى أنَّ الفراش دليل على النسب والولادة، وأنَّه ابنه؟ ويجوز - بل يقع كثيرًا - تخلف دلالته، وتخليق الولد من غير ماء صاحب الفراش، ولا يبطل ذلك كون الفراش دليلًا، وكذلك أمارات الخرص والقسمة والتقويم وغيرها قد تتخلف عنها أحكامها ومدلولاتها، ولا يمنع ذلك اعتبارها، وكذلك شهادة الشاهدين وغيرهما، وكذلك دلالة الأقراء والقرء (¬2) الواحد على براءة الرحم، إنَّما هو دليل ظاهر مع جواز تخلف دلالته، ووقوع ذلك وأمثال ذلك كثير. ¬
هل القائف شاهد أم حاكم أم مخبر؟ وثمرة الخلاف
قولهم: "إنَّ الاستلحاق موجب للحوق النسب، وقد اشتركا فيه، فيشتركان في موجبه". قلنا: هذا صحيح، إذا لم يتميز أحدهما بأمرٍ خارج عن الدعوى، فأمَّا إذا تميز بأمرٍ آخر، كالفراش والشبه، كان اللحاق به، كما لو تميز بالبينة، بل الشبه نفسه بينة من أقوى البينات، فإنَّها اسمٌ لما يبين الحق ويظهره، وظهور الحق ها هنا بالشبه أقوى من ظهوره بشهادة من يجوز عليه الوهم والغلط والكذب، وأقوى بكثير من فراش يقطع بعدم اجتماع الزوجين فيه. قولهم: "القائف إمَّا شاهد وإما حاكم ... " إلخ. قلنا: هذا فيه قولان لمن يقول بالقافة، هما روايتان عن أحمد (¬1)، ووجهان لأصحاب الشافعي (¬2)، مبنيان على أنَّ القائف هل هو حاكم أو شاهد؟ عند طائفة من أصحابنا وعند آخرين ليسا مبنيين على ذلك، بل الخلاف جار، سواء قلنا: القائف حاكم أو شاهد كما نعتبر حاكمين في جزاء الصيد (¬3). ¬
تصرف المتأخرين في نصوص الأئمة
وكذلك إذا قبلنا قوله وحده: جاز ذلك، وإن جعلناه شاهدًا، كما نقبل قول القاسم والخارص والمقوم والطبيب ونحوهم وحده. ومنهم من يبني الخلاف على كونه شاهدًا أو مخبرًا، فإن جعلناه مخبرًا اكتفي بخبره وحده، كالخبر عن الأمور الدينية، وإن جعلناه شاهدًا لم نكتف بشهادته وحده (¬1)، وهذا أيضًا ضعيف، فإنَّ الشاهد مخبر، والمخبر شاهد، وكل من شهد بشيء فقد أخبر به، والشريعة لم تفرق بين ذلك أصلًا، وإنَّما هذا على أصل من اشترط في قبول الشهادة لفظ "الشهادة" دون مجرد الإخبار، وقد تقدم بيان ضعف ذلك (¬2)، وأنَّه لا دليل عليه، بل الأدلة كثيرة - من الكتاب والسنة - تدلُّ على خلافه. والقضايا التي رويت في القافة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة بعده ليس في قضية واحدة منها أنَّهم قالوا للقائف: تلفظ بلفظة "أشهد أنَّه ابنه" ولا تلفظ بذلك القائف أصلًا، وإنَّما وقع الاعتماد على مجرد خبره، وهو شهادة منه، وهذا بيِّن لمن تأمله، ونصوص أحمد لا تشعر بهذا البناء الَّذي ذكروه بوجه، وإنَّما المتأخرون يتصرفون في نصوص الأئمة ويبنونها على ما لم يخطر لأصحابها ببال، ولا جرى لهم في مقال، ¬
نصوص الإمام أحمد في المسألة
ويتناقله (¬1) بعضهم عن بعض، ثمَّ يلزمهم من طرده لوازم لا يقول بها الأئمة، فمنهم من يطردها ويلتزم (¬2) القول بها، ويضيف ذلك إلى الأئمة، وهم لا يقولون به، فيروج بين النَّاس بجاه (¬3) الأئمة، ويفتى ويحكم به والإمام لم يقله قط، بل يكون قد نصَّ على خلافه. ونحن نذكر نصوص الإمام أحمد في هذه المسألة: قال جعفر بن محمد النسائي: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الولد يدعيه الرجلان؟ قال: يُدعى له رجلان من القافة، فإن ألحقاه بأحدهما، فهو له (¬4). وقال محمد بن داود المصيصي: سئل أبو عبد الله عن جارية بين رجلين وقعا عليها؟ قال: إن ألحقوه بأحدهما فهو له، قيل له: إن قال أحد القافة: هو لهذا، وقال الآخر: هو لهذا؟ قال: لا يقبل قول واحد حتَّى يجتمع اثنان، فيكونا (¬5) كشاهدين (¬6). وقال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: إن قال أحد القافة هو لهذا، وقال الآخر: هو لهذا؟ قال: لا يقبل قول واحد حتَّى يجتمع اثنان، فيكونا ¬
كشاهدين (¬1)، وإذا شهد اثنان من القافة أنَّه لهذا فهو له (¬2). واحتجَّ من رجَّح هذا القول بأنَّه حكم بالشبه، فيعتبر فيه العدد، كالحكم بالمثل في جزاء الصيد. قالوا: بل هو (¬3) أولى؛ لأنَّ درك المثلية في الصيد أظهر بكثيرٍ من دركها ها هنا؛ فإذا تابع القائف غيره سكنت النفس واطمأنت إلى قوله. وقال أحمد - في رواية أبي طالب - في الولد يكون بين الرجلين: يُدعى القائف، فإذا قال: هو منهما فهو منهما (¬4)، انظر (¬5) إلى ما يقول القائف، وإن جعله لواحد فهو لواحد (¬6). وقال في رواية إسماعيل بن سعيد: وسئل عن القائف هل يقضى بقوله؟ فقال: يقضى بذلك إذا علم. ومن حجة هذا القول - وهو اختيار القاضي (¬7) وصاحب (¬8) ¬
"المستوعب" (¬1)، والصحيح من مذهب الشافعي (¬2)، وقول أهل الظاهر (¬3): أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سرّ بقول مجزز المدلجي (¬4) وحده (¬5)، وصحَّ عن عمر - رضي الله عنه - أنَّه استقاف المصطلقي وحده، كما تقدم (¬6)، واستقاف ابن عباس ابن كلدة وحده، واستلحق بقوله (¬7). وقد نص أحمد (¬8) على أنه يكتفى بالطبيب والبيطار الواحد إذا لم يوجد سواه والقائف مثله، فتخرج له رواية ثالثة كذلك، والله ¬
هل يعتبر بالقافة في تداعي المرأتين كما يعتبر في تداعي الرجلين؟
أعلم، بل هذا أولى من الطبيب والبيطار؛ لأنهما أكثر وجودًا منه، فإذا اكتفي بالواحد منهما - مع عدم غيره - فالقائف أولى. وأما قولكم: "إن داود وسليمان لم يحكما بالقافة في قصة الولد الذي ادعته المرأتان". فيقال: قد اختلف القائلون بالقافة: هل يعتبر في تداعي المرأتين كما يعتبر في تداعي الرجلين؟ وفي ذلك وجهان لأصحاب الشافعي (¬1): أحدهما: لا يعتبر ها هنا، وإن اعتبر في تداعي (¬2) الرجلين. قالوا: والفرق بينهما أنا يمكننا التوصل إلى معرفة الأم يقينًا (¬3)، بخلاف الأب، فإنا لا سبيل لنا فيه إلى ذلك، فاحتجنا إلى القافة، وعلى هذا فلا إشكال. والوجه الآخر - وهو الصحيح -: أن القافة تجري ها هنا كما تجري بين الرجلين، قال أحمد - في رواية ابن (¬4) الحكم (¬5) في يهودية ومسلمة ولدتا، فادعت اليهودية ولد المسلمة - قيل له: يكون في هذا ¬
علة عدم اعتبار داود وسليمان عليهما السلام للقافة في حكمهما
القافة؟ قال: ما أحسنه (¬1). والأحاديث المتقدمة (¬2) التي دلت على أن الولد يأخذ الشبه من الأم تارة، ومن الأب تارة، تدل على صحة هذا القول. فإن الحكم بالقافة إنما هو حكم (¬3) بالشبه، وقد تقدم في ذلك حديث عائشة، وأم سلمة (¬4)، وأنس بن مالك (¬5)، وثوبان (¬6)، وعبد الله بن سلام (¬7)، وكون الأم يمكن معرفتها يقينًا - بخلاف الأب - لا يدل على أن القافة لا تعتبر في حق المرأتين؛ لأنا إنما نستعملها عند عدم معرفة الأم، ولا يلزم من عدم استعمالها عند تيقن معرفة الأم عدم استعمالها عند الجهل بها، كما أنا إنما نستعملها في حق الرجلين عند عدم تيقن الفراش، لا عند تيقنه. وأما كون داود وسليمان لم يعتبراها؛ فإما ألا يكون ذلك (¬8) شريعة لهما، وهو الظاهر، إذ لو كان ذلك شرعًا لدعيا القافة للولد. وإما أن تكون القافة مشروعة في تلك الشريعة، لكن في حق ¬
تعليل حديث علي في الولد الذي ادعاه الثلاثة
الرجلين، كما هو أحد القولين في شريعتنا (¬1)، وحينئذٍ فلا كلام. وإما أن تكون مشروعة مطلقًا، ولكن أشكل على نبي الله أمر الشبه بحيث لم يظهر له، وأن القائف لا يعلم الحال في كل صورة، بل قد يشتبه عليه كثيرًا. وعلى كل تقدير، فلا حجة في القصة على إبطال حكم القافة في شريعتنا، والله أعلم. بل قصة (¬2) داود وسليمان صريحة في إبطال إلحاق الولد بأُمَّين، فإنه لم يحكم به نبي من النبيين الكريمين - صلوات الله عليهما وسلامه - بل اتفقا على إلغاء هذا الحكم، فالذي دلت عليه قصتهما لا يقولون به، والذي يقولون به غير ما دلت عليه القصة. فصل وأما حديث زيد بن أرقم في قصة علي في الولد الذي ادعاه الثلاثة والإقراع بينهما، فهو حديث مضطرب جدًّا (¬3)، كما تقدم ذكره (¬4). ¬
وقد قال علي بن سعيد (¬1): سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث منكر، لا أدري ما هذا ولا أعرفه صحيحًا (¬2). وقال له إسحاق بن منصور: حديث زيد بن أرقم "أن ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد"؟ قال: حديث عمر في القافة أعجب إلي (¬3). وذكر البخاري في "تاريخه" (¬4): أن عبد الله بن الخليل لا يتابع على هذا الحديث (¬5). وهذا يوافق قول أحمد: إنه حديث منكر. ويدل عليه أيضًا (¬6): ما رواه قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - "أن رجلين وقعا على امرأة في طهر واحد، فجاءت بولد، فدعا له علي (¬7) القافة، وجعله ابنهما جميعًا، يرثهما ¬
إن ثبت الحديث فهو واقعة عين تحتمل وجوها
ويرثانه" (¬1)، وهذا يدل على أن مذهب علي - رضي الله عنه - الأخذ بالقافة دون القرعة. وأيضًا؛ فالمعهود من استعمال القرعة إنما هو إذا لم يكن هناك مرجح سواها، ومعلوم أن القافة مرجحة: إما شهادة، وإما حكمًا، وإما فتيا (¬2)؛ فلا يصار إلى القرعة مع وجودها. وأيضًا؛ فنفاة القافة لا يأخذون بحديث علي في القرعة (¬3)، ولا بحديثه وحديث عمر في القافة (¬4)، فلا يقولون (¬5) بهذا ولا بهذا (¬6). فنقول: حديث علي - رضي الله عنه -: إما أن يكون ثابتًا أو لا يثبت، فإن لم يثبت فلا إشكال، وإن كان ثابتًا فهو واقعة عينٍ تحتمل وجوهًا: أحدها: أن لا يكون قد وجد في ذلك المكان وفي ذلك الوقت قائف، أو يكون قد أشكل على القائف ولم يتبين له، أو يكون لعدم كون القيافة طريقًا شرعيًّا، وإذا احتملت القصة هذا وهذا وهذا لم يجزم ¬
تضمن القصة التي اشتمل عليها الحديث أمرين مشكلين
بوقوع أحد الاحتمالات إلا بدليل، وقد تضمنت القصة أمرين مشكلين: أحدهما (¬1): ثبوت النسب بالقرعة. والثاني: إلزام من خرجت له القرعة بثلثي الدية للآخرين. فمن صحح الحديث ونفى الحِكَم والتعليل - كبعض أهل الظاهر - قال به ولم يلتفت إلى معنى ولا علة ولا حكمة، وقال: ليس هنا إلا التسليم والانقياد. وأما من سلك طريق التعليل والحكمة، فقد يقول: إنه إذا تعذرت القافة أو أشكل الأمر عليها كان المصير إلى القرعة أولى من ضياع نسب الولد، وتركه هملًا (¬2) لا نسب له، وهو ينظر إلى ناكح أمه وواطئها، فالقرعة ها هنا أقرب الطرق إلى إثبات النسب، فإنها طريق شرعي، وقد سدت (¬3) الطرق سواها (¬4)، وإذا كانت صالحة لتعيين الأملاك المطلقة، وتعيين الرقيق من الحر، وتعيين الزوجة من الأجنبية، فكيف لا تصلح لتعيين صاحب النسب (¬5) من غيره؟. والمعلوم أن طرق حفظ الأنساب أوسع من طرق حفظ الأموال، ¬
والشارع إلى ذلك أعظم تشوفًا (¬1)، فالقرعة شرعت لإخراج المستحق تازة، ولتعيينه تارة، وها هنا أحد المتداعيين هو أبوه حقيقة، فعملت القرعة في تعيينه، كما عملت في تعيين الزوجة (¬2) عند اشتباهها بالأجنبية، فالقرعة تخرج المستحق شرعًا، كما تخرجه قدرًا. وقد تقدم في تقرير صحتها واعتبارها ما فيه شفاء، فلا استبعاد في الإلحاق بها عند تعينها طريقًا، بل خلاف ذلك هو المستبعد. الأمر الثاني: إلزام من خرجت له القرعة بثلثي الدية لصاحبيه، وهذا أيضًا له وجه (¬3)، فإن وطء كل واحد من الآخرين كان صالحًا لحصول الولد له، ويحتمل أن يكون الولد له في نفس الأمر، فلما خرجت القرعة لأحدهم أبطلت ما كان كل من الواطئين يرجوه (¬4) من حصول الولد له، فقد بذر كل منهم بذرًا يرجو أن يكون الزرع له، فقد ¬
اشتركوا في البذر، فإذا فاز أحدهم بالزرع كان من العدل أن يضمن لصاحبيه ثلثي القيمة، والدية قيمة الولد شرعًا، فلزمه ضمان ثلثيها لصاحبيه، إذ الثلثان عوض ثلثي الولد الذي استبد به دونهما، مع اشتراكهما في سبب حصوله. وهذا أصح من كثير من الأحكام التي يثبتونها بآرائهم وأقيستهم، والمعنى فيه أظهر. وقد اعتبر الصحابة - رضي الله عنهم - مثل ذلك في ولد المغرور، حيث حكموا بحريته، وألزموا الواطئ فداءه بمثله لما فوت رقه على سيد الأمة (¬1)، هذا مع أنه لم يوجد من سيدها هناك وطء يكون منه ولد، بل الزوج وحده هو الواطئ، ولكن لما كان الولد تابعًا لأمه في الرق كان بصدد أن يكون رقيقًا لسيدها، فلما فاته ذلك - بانعقاد الولد حرا من أمته - ألزموا الواطئ بأن يغرم له نظيره، ولم يلزموه بالدية؛ لأنه إنما فوت عليه رقيقًا، ولم يفوت عليه حرًّا، وفي قصة علي (¬2) - رضي الله عنه - كان الذي فوته الواطئ القارع حرًّا، فلزمه حصة صاحبيه من الدية ولو كان واحدًا لزمه نصف الدية. فهذا أحسن وجوه الحديث، فإن كان صحيحًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
الحكم بين الناس فيما لا يتوقف على الدعوى، وهو الحسبة
فالقول الصحيح هو القول بموجبه، ولا قول سواه، وبالله التوفيق. فصل هذا كلَّه في الحكم بين النَّاس في الدعاوى (¬1). وأما الحكم بينهم فيما لا يتوقف على الدعوى فهو المسمَّى بالحسبة (¬2)، والمتولي له: والي الحسبة، وقد جرت العادة بإفراد هذا النوع بولاية خاصة، كما أفردت ولاية المظالم بولاية خاصَّة، والمتولي لها يسمى والي المظالم، وولاية المال قبضًا وصرفًا بولاية خاصة، والمتولي لذلك يسمى وزيرًا، وناظر البلد، والمتولي لإحصاء المال ووجوهه وضبطه تسمَّى ولايته: ولاية استيفاء، والمتولي لاستخراجه وتحصيله ممن هو عليه تسمى ولايته: ولاية السر، والمتولي لفصل الخصومات، وإثبات الحقوق، والحكم في الفروج (¬3) والأنكحة والطلاق والنفقات، وصحة العقود وبطلانها هو المخصوص باسم الحاكم والقاضي، وإن كان هذا الاسم يتناول كل حاكم بين اثنين وقاض بينهما، فيدخل أصحاب هذه الولايات جميعهم تحت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ ¬
بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] وتحت قوله تعالى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44]، وقوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] وقوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] وتحت قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "القُضَاةُ ثَلَاثَةٌ" (¬1)، وقوله: "مَنْ وَلِيَ القَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ" (¬2)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "المُقْسِطون عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُوْرٍ عَنْ يَمين الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذين يَعْدِلُوْنَ فِي حُكْمِهِم وَأَهْلِيهِمْ ¬
قاعدة الحسبة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وَمَا وَلُوا" (¬1). والمقصود: أنَّ الحكم بين النَّاس في النوع الَّذي لا يتوقف على الدعوى هو المعروف بولاية الحسبة. وقاعدته وأصله: هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الَّذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، ووصف به هذه الأمة، وفضّلها لأجله على سائر الأمم التي أخرجت للنَّاس (¬2)، وهذا واجبٌ على كلِّ مسلم قادر، وهو فرض كفاية، ويصير فرض عين على القادر الَّذي لم يقم به غيره من ذوي الولاية والسلطان (¬3)، فعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، فإنَّ مناط الوجوب هو القدرة، فيجب على القادر ما لا يجب على العاجز، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (¬4). ¬
جميع الولايات مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وجميع الولايات الإسلامية مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن من المتولين من يكون بمنزلة الشاهد المؤتمن، والمطلوب منه الصدق، مثل صاحب الديوان الَّذي وظيفته أن يكتب المستخرج والمصروف، والنقيب والعريف الَّذي وظيفته إخبار ولي الأمر بالأحوال (¬1)، ومنهم من يكون بمنزلة الآمر المطاع، والمطلوب منه العدل، مثل الأمير والحاكم والمحتسب. ومدار الولايات كلها على الصدق في الإخبار، والعدل في الإنشاء، وهما قرينان (¬2) في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلً} [الأنعام: 115]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر الأمراء الظلمة: "مَنْ صَدَّقَهُمْ بكَذِبِهم، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ الحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وِأَنَا مِنْهُ وَسَيَردُ عَلَيَّ الحَوْضَ" (¬3)، وقال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى ¬
كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 221, 222] فالأفَّاك: الكاذب، والأثيم: الظالم الفاجر (¬1)، وقال تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق: 15، 16]. ¬
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيْكُمْ بالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلى الجنَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُوْرِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ" (¬1). ولهذا يجب على كلِّ ولي أمر أن يستعين في ولايته بأهل الصدق والعدل، والأمثل فالأمثل، وإن كان فيه كذب وفجور "فإنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بالرَّجُلِ الفَاجِرِ" (¬2) و"بِأَقْوَامٍ لَا خَلاقَ لَهُمْ" (¬3). قال عمر - رضي الله عنه -: "مَن قلَّد رجلًا على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين" (¬4). ¬
عموم الولايات وخصوصها يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف
والغالب أنَّهُ لا يوجد الكامل في ذلك، فيجب تحري خير الخيرين، ودفع شر الشرين، وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - يفرحون بانتصار الروم النصارى على المجوس عُبَّاد النَّار (¬1)؛ لأنَّ النصارى أقرب إليهم من أولئك، وكان يوسف الصديق عليه السلام نائبًا لفرعون مصر (¬2)، وهو وقومه مشركون، وفعل من الخير والعدل ما قدر عليه، ودعاهم إلى الإيمان بحسب الإمكان. فصل إذا عرف هذا فعموم الولايات وخصوصها (¬3) وما يستفيده المتولي بالولاية يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف، وليس لذلك حدٌّ في الشرع، فقد يدخل في ولاية القضاء في بعض الأزمنة والأمكنة ما ¬
ما يدخل في ولاية الحرب في زمن المصنف
يدخل في ولاية الحرب في زمان ومكان آخر، وبالعكس، وكذلك الحسبة، وولاية المال، وجميع هذه الولايات في الأصلِ ولايات دينية، ومناصب شرعية، فمن عدل في ولاية من هذه الولايات، وساسها بعلم وعدل، وأطاع الله ورسوله بحسب الإمكان، فهو من الأبرار العادلين، ومن حكمَ فيها بجهلٍ وظلم، فهو من الظالمين المعتدين، و {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} [الانفطار: 13، 14]. فولاية الحرب في هذه الأزمنة، وهذه البلاد الشامية والمصرية وما جاورها، تختص بإقامة الحدود من القتل والقطع والجلد، ويدخل فيها الحكم في دعاوى التهم التي ليس فيها شهود ولا إقرار، كما تختص ولاية القضاء بما فيه كتاب وشهود وإقرار، من الدعاوى التي تتضمن إثبات الحقوق والحكم بإيصالها إلى أربابها، والنظر في الأبضاع والأموال التي ليس لها ولي معيَّن، والنظر في حال نظار الوقوف (¬1)، وأوصياء اليتامى، وغير ذلك. وفي بلادٍ أخرى - كبلاد الغرب - ليس لوالي الحرب مع القاضي حكم في شيء، إنَّما هو منفذ لما يأمر به متولي القضاء. وأمَّا ولاية الحسبة فخاصتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأهل الديوان ونحوهم، فعلى متولي الحسبة أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها، ويعاقب ¬
الأمر بالصلوات الخمس والجمعة والجماعة
من لم يصل بالضرب والحبس، وأمَّا القتل فإلى غيره، ويتعاهد الأئمة والمؤذنين، فمن فرَّط منهم فيما يجب عليه من حقوق الأمة وخرج عن المشروع ألزمه به، واستعان فيما يعجز عنه بوالي الحرب والقاضي (¬1). واعتناء ولاة الأمور بإلزام الرعية بإقامة الصلاة أهم من كلِّ شيء، فإنَّها عماد الدَّين، وأساسه وقاعدته، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يكتب إلى عماله: "إنَّ أهم أمركم عندي الصلاة ومن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشدَّ إضاعة" (¬2). ويأمر بالجمعة والجماعة، وأداء الأمانة والصدق، والنصح في الأقوال والأعمال، وينهى عن الخيانة، وتطفيف المكيال والميزان، والغش (¬3) في الصناعات والبياعات، ويتفقد أحوال المكاييل والموازين، وأحوال الصناع الَّذين يصنعون الأطعمة والملابس والآلات، فيمنعهم من صناعة المحرم على الإطلاق، كآلات الملاهي، وثياب الحرير للرجال، ويمنع من اتخاذ أنواع المسكرات، ويمنع (¬4) صاحب كل صناعة من الغش في صناعته، ويمنع من إفساد نقد النَّاس ¬
ضرر الزغلية الكيماويين على الناس ومصالحهم
وتغييرها، ويمنع من جعل النقود متجرًا (¬1)، فإنَّه بذلك يدخل على النَّاس من الفساد ما لا يعلمه إلَّا الله، بل الواجب أن تكون النقود رءوس أموال يتجر بها ولا يتجر فيها، وإذا حرم السلطان سكة أو نقدًا منع من اختلاطه بما أذن في المعاملة به (¬2). ومعظم ولايته وقاعدتها الإنكارُ على هؤلاء الزغلية، وأرباب الغش في المطاعم والمشارب والملابس وغيرها، فإنَّ هؤلاء يفسدون مصالح الأُمَّة، والضرر بهم عامٌّ لا يمكن الاحتراز منه، فعليه ألَّا يهمل أمرهم، وأن ينكل بهم أمثالهم، ولا يرفع عنهم عقوبته، فإنَّ البلية بهم عظيمة، والمضرة بهم شاملة ولا سيما هؤلاء الكيماويين الَّذين يغشون النقود والجواهر والعطر والطيب وغيرها، يضاهئون بزغلهم وغشهم خلق الله، والله تعالى لم يخلق شيئًا فيقدر العباد أن يخلقوا كخلقه، قال تعالى - فيما حكى (¬3) عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً فَلْيَخْلُقُوا شَعِيْرَةً" (¬4). ولهذا كانت المصنوعات - كالطبائخ والملابس والمساكن - غير مخلوقة إلَّا بتوسط النَّاس، قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)} [يس: 41, 42]، وقال ¬
من المنكرات: العقود المحرمة، كالربا والميسر
تعالى: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 95 - 96]، وكانت المخلوقات من المعادن والنبات (¬1) والدواب غير مقدورة لبني آدم أن يصنعوها، لكن يشبهون بها (¬2) على سبيل الغش، وهذا حقيقة الكيمياء، فإنَّها ذهب مشبه. ويدخل في المنكرات ما نهى الله عنه ورسوله من العقود المحرمة، مثل عقود الربا، صريحًا واحتيالًا (¬3)، وعقود الميسر (¬4)، كبيوع الغرر (¬5)، كحبل الحبلة (¬6)، والملامسة (¬7)، ¬
أقسام الحيل المحرمة على أكل الربا
والمنابذة (¬1)، والنجش، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، وتصرية (¬2) الدَّابة اللبون، وسائر أنواع التدليس (¬3)، وكذلك سائر الحيل المحرمة على أكل الربا، وهي ثلاثة أقسام: أحدها: ما يكون من واحد، كما إذا باعه سلعة بنسيئة، ثمَّ اشتراها منه بأقل من ثمنها نقدًا، حيلة على الربا (¬4). ومنها: ما تكون ثنائية. وهي أن تكون من اثنين: مثل أن يجمع إلى القرض بيعًا أو إجارة أو مساقاة أو مزارعة (¬5)، ونحو ذلك، وقد ثبت ¬
الثالث: ما تكون ثلاثية
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "لَا يَحِل سَلَفٌ وَبَيعٌ، وَلَا شَرْطَانِ في بَيْعٍ، وَلَا رِبْحٌ مَا لَمْ يُضْمَن، ولاَ تَبِع مَا ليْسَ عِنْدَك" (¬1). قال الترمذي: حديثٌ صحيح (¬2). وفي سنن أبي داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "مَنْ بَاع بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوْ الرِّبَا" (¬3). ومنها: ما تكون ثلاثية، وهي أن يدخلا بينهما محللًا للربا، فيشتري السلعة منه آكل الربا، ثمَّ يبيعها لمعطي الربا إلى أجل، ثمَّ يعيدها إلى صاحبها بنقص دراهم يستعيدها المحلل. ¬
استحلال المرابي قلب الدين كفر
وهذه المعاملات منها ما هو (¬1) حرامٌ بالاتفاق، مثل التي يباع فيها المبيع قبل القبض الشرعي (¬2)، أو بغير الشرط (¬3) الشرعي، أو يقلب فيها الدين على المعسر، فإنَّ المعسر يجب إنظاره، ولا تجوز الزيادة عليه بمعاملة ولا غيرها، ومتى استحل المرابي قلب الدين، وقال للمدين: إمَّا أن تقضي وإمَّا أن تزيد في الدَّين والمدة، فهو كافر (¬4)، يجب أن يُستتاب، فإن تابَ وإلَّا قُتِلَ وأُخِذَ ماله فيئًا لبيت المال. فعلى والي الحسبة إنكار ذلك جميعه، والنهي عنه، وعقوبة فاعله، ولا يتوقف ذلك على دعوى ومدعى عليه، فإنَّ ذلك من المنكرات التي يجب على ولي الأمر النهي عنها. ¬
من المنكرات: تلقي السلع قبل أن تجيء إلى السوق
فصل ومن المنكرات (¬1): تلقي السلع قبل أن تجيء إلى السوق، فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك (¬2)، لما فيه من تغرير البائع، فإنَّه لا يعرف السعر، فيشتري منه المشتري بدون القيمة، ولذلك أثبت له النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيار إذا دخل السوق (¬3)، ولا نزاع في ثبوت الخيار له مع الغبن. وأمَّا ثبوته بلا غبن: ففيه عن أحمد روايتان (¬4): إحداهما: يثبت، وهو قول الشافعي (¬5)، لظاهر الحديث. والثانية: لا يثبت؛ لعدم الغبن، وكذلك يثبت الخيار للمشتري المسترسل إذا غبن (¬6)، وفي الحديث: "غُبْنُ المُسْتَرْسِلِ ربَا" (¬7)، وفي ¬
تفسير: المسترسل
تفسيره قولان: أحدهما: أنَّه الَّذي لا يعرف قيمة السلعة، والثاني - وهو المنصوص عن أحمد - أنَّه الَّذي لا يماكس، بل يسترسل إلى البائع، ويقول: أعطني هذا (¬1). وليس لأهل السوق أن يبيعوا المماكس بسعر، ويبيعوا المسترسل بغيره، وهذا ممَّا يجب على والي الحسبة إنكاره، وهذا بمنزلة تلقي السلع، فإنَّ القادم جاهلٌ بالسَّعر. ومن هذا تلقي أسواق الحجيج الجلب من الطريق، وسبقهم إلى المنازل يشترون الطعام والعلف، ثمَّ يبيعونه كما يريدون، فيمنعهم والي الحسبة من التقدم لذلك، حتَّى يقدم الركب، لما في ذلك من مصلحة الركب ومصلحة الجالب، ومتى اشتروا شيئًا من ذلك منعهم من بيعه بالغبن الفاحش. ومن ذلك: "نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِلْبَادِي" وقال: "دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ" (¬2). ¬
حكمة النهي عن بيع الحاضر للباد
قيل لابن عباس: ما معنى قوله: "لا يبع حاضرٌ لبادٍ"؟ قال: "لا يكون له سِمْسَارًا" (¬1). وهذا النهي لما فيه من ضرر المشتري، فإنَّ المقيم إذا وكله القادم (¬2) في بيع سلعة يحتاج النَّاس إليها، والقادم لا يعرف السعر، أضرَّ ذلك بالمشتري (¬3)، كما أنَّ النَّهي عن تلقي الجلب لما فيه من الإضرار بالبائعين. ومن ذلك الاحتكار (¬4) لما يحتاج النَّاس إليه، وقد روى مسلم في صحيحه (¬5) عن معمر (¬6) بن عبد الله: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ"، فإنَّ المحتكر الَّذي يعمدُ إلى شراء ما يحتاج إليه النَّاس من الطعام فيحبسه عنهم ويريد إغلاءه عليهم هو ظالمٌ لعموم النَّاس، ولهذا كان لولي الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل، عند ضرورة النَّاس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه، والنَّاسُ في مخمصة، أو سلاح لا يحتاج إليه، والنَّاسُ يحتاجون إليه للجهاد، أو ¬
من اضطر إلى طعام غيره أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل
غير ذلك، فإن (¬1) من اضطر إلى طعام غيره (¬2) أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل، ولو امتنع من بيعه إلَّا بأكثر من سعره فأخذه منه بما طلب (¬3) لم تجب عليه إلَّا قيمة مثله (¬4). وكذلك من اضطر إلى الاستدانة من الغير، فأبى أن يعطيه إلَّا بربا أو معاملة ربوية، فأخذ منه بذلك، لم يستحق عليه إلَّا مقدار رأس ماله (¬5). وكذلك إذا اضطرَّ إلى منافع ماله، كالحيوان والقدر والفأس ونحوها وجب عليه بذلها له مجانًا، في أحد الوجهين، وهو الأصح، وبأجرة المثل في الآخر (¬6). ولو اضطرَّ إلى طعامه وشرابه فحبسه عنه حتَّى ماتَ جوعًا وعطشًا ضمنه بالدِّية عند الإمام أحمد، واحتجَّ بفعل عمر بن الخطاب (¬7) - ¬
التسعير قسمان: منه ما هو ظلم محرم، ومنه ما هو عدل جائز
رضي الله عنه -، وقيل له: تذهب إليه؟ فقال: إي والله (¬1). فصل وأمَّا التسعير (¬2) فمنه ما هو ظلمٌ محرَّم، ومنه ما هو عدلٌ جائز (¬3). فإذا تضمن ظلم النَّاس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم ممَّا أباحه (¬4) الله لهم، فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين النَّاس، مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم ممَّا يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل، فهو جائز، بل واجب. فأمَّا القسم الأوَّل، فمثل ما روى أنس قال: غلا السعر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله، لو سعَّرت لنا؟ فقال: "إنَّ اللهَ القَابِضُ الرَّازِقُ، البَاسِطُ المُسَعِّرُ، وَإِنِّي لأرجو أن ألقى اللهَ وَلاَ يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلَمةٍ ظَلمتُها إِيَّاهُ في دَمٍ وَلَا مَالٍ" رواه أبو داود والترمذي وصححه (¬5). ¬
القسم الثاني
فإذا كان النَّاسُ يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم، وقد ارتفع السعر - إمَّا لقلَّة الشيء (¬1)، وإمَّا لكثرة الخلق - فهذا إلى الله، فإلزام النَّاس أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراهٌ بغير حق (¬2). وأمَّا الثاني، فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها، مع ضرورة النَّاس إليها إلَّا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلَّا إلزامهم بقيمة المثل، فالتسعير ها هنا إلزام بالعدل الَّذي ألزمهم الله به (¬3). ¬
إيجار الحانوت على الطريق بأجرة معينة على أن لا يبيع أحد غيره
فصل ومن أقبح الظلم إيجار الحانوت على الطريق أو في القرية بأجرةٍ معيَّنة على ألَّا يبيع أحد غيره، فهذا ظلمٌ حرام على المؤجر والمستأجر، وهو نوع من أخذ أموال النَّاس قهرًا وأكلها بالباطل، وفاعله قد تحجر واسعًا، فيخاف عليه أن يحجر الله عنه رحمته، كما حجر على النَّاس فضله ورزقه (¬1). فصل ومن ذلك (¬2): أن يلزم النَّاس ألَّا يبيع الطعام أو غيره (¬3) من الأصناف (¬4) إلَّا ناس معروفون، فلا تباع تلك السلع إلَّا لهم، ثمَّ يبيعونها هم بما يريدون، فلو باع غيرهم ذلك منع وعوقب، فهذا من البغي في الأرضِ والفساد، والظلم الَّذي يحبس (¬5) به قطر السَّماء، وهؤلاء يجب التسعير عليهم، وألَّا يبيعوا إلَّا بقيمة المثل، ولا يشتروا إلَّا بقيمة المثل، بلا تردد في ذلك عند أحدٍ من العلماء (¬6)؛ لأنَّه إذا ¬
التسعير على مثل هؤلاء واجب بلا نزاع
منع (¬1) غيرهم أن (¬2) يبيع ذلك النوع أو يشتريه، فلو سوغ لهم أن يبيعوا بما شاءوا أو يشتروا بما شاءوا كان ذلك ظلمًا للنَّاس ظلمًا (¬3) للبائعين الَّذين يريدون بيع تلك السلع، وظلمًا للمشترين منهم. فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع، وحقيقته إلزامهم بالعدلِ، ومنعهم من الظلم، وهذا كما أنَّه لا يجوز الإكراه على البيع بغير حقٍّ، فيجوز أو يجب الإكراهُ عليه بحق، مثل بيع المال لقضاء الدين الواجب، والنفقة الواجبة، ومثل البيع للمضطر إلى طعام أو لباس، ومثل الغراس والبناء في ملك الغير، فإنَّ لرب الأرضِ أن يأخذه بقيمة المثل (¬4)، ومثل الأخذ بالشفعة، فإنَّ للشفيع أن يتملك الشقص (¬5) بثمنه قهرًا، وكذلك السراية (¬6) في العتق، فإنَّها تخرج الشقص من ملك الشريك قهرًا، وتوجب على المعتق المعاوضة عليها قهرًا، وكل من وجب عليه شيءٌ من الطعام واللباس والرقيق والمركوب - لحجًّ (¬7) أو ¬
منع القسامين من الأشتراك، وعلة ذلك
كفارة أو نفقة - فمتى وجده بثمن المثل وجب عليه شراؤه، وأجبر على ذلك، ولم يكن له أن يمتنع حتَّى يبذل له مجانًا، أو بدون ثمن المثل. فصل ومن ها هنا: منع غير واحدٍ من العلماء - كأبي حنيفة وأصحابه (¬1) - القسامين (¬2) - الَّذين يقسمون العقار وغيره بالأجرة - أن يشتركوا، فإنَّهم إذا اشتركوا - والنَّاس يحتاجون إليهم - أغلوا عليهم الأجرة. قلت: وكذلك ينبغي لوالي الحسبة أن يمنع مغسلي الموتى والحمالين لهم من الاشتراك، لما في ذلك من إغلاء الأجرة عليهم، وكذلك اشتراك كل طائفة يحتاج النَّاس إلى منافعهم، كالشهود والدلالين وغيرهم؛ على أنَّ في شركة الشهود مبطلًا آخر، فإنَّ عمل كل واحد منهم متميزٌ عن عمل الآخر، لا يمكن الاشتراك فيه (¬3)؛ فإنَّ الكتابة (¬4) متميزة، والتحمل متميز (¬5)، والأداء متميز، لا يقع في ذلك اشتراك ولا تعاون، فبأي وجهٍ يستحق أحدهما أجرة عمل صاحبه؟ ¬
إذا اختلفت الصنائع لم تصح الشركة على أحد الوجهين
وهذا بخلاف الاشتراك في سائر الصنائع، فإنَّه يمكن أحد الشريكين أن يعمل بعض العمل والآخر بعضه، ولهذا إذا اختلفت (¬1) الصنائع لم تصح الشركة على أحد الوجهين (¬2)، لتعذر اشتراكهما في العمل، ومن صححها نظر إلى أنَّهما يشتركان فيما تتم به صناعة كل واحد منهما من الحفظ والنظر إذا خرج لحاجة، فيقع الاشتراك فيما يتم به عمل كل واحد منهما، وإن لم يقع في عين العمل (¬3). وأمَّا شركة الدلالين، ففيها أمرٌ آخر، وهو أنَّ الدلال وكيل صاحب السلعة في بيعها، فإذا شارك غيره في بيعها كان توكيلًا له فيما وكل فيه، فإن قلنا: ليس للوكيل أن يوكل لم تصح الشركة، وإن قلنا: له أن يوكِّل؛ صحَّت (¬4). فعلى والي الحسبة أن يعرف هذه الأمور، ويراعيها، ويراعي مصالح النَّاس، وهيهات هيهات، ذهب ما هنالك. والمقصود أنَّه إذا منع (¬5) القسامون (¬6) ونحوهم من الشركة لما ¬
منع توافى طائفة على الشراء بدون ثمن المثل والبيع بأكثر من ثمن المثل
فيها (¬1) من التواطؤ على إغلاء الأجرة، فمنع البائعين الَّذين تواطئوا على ألَّا يبيعوا إلَّا بثمن قدروه (¬2) أولى وأحرى. وكذلك يمنع المشترين من الاشتراك في شيء لا يشتريه غيرهم، لما في ذلك من ظلم البائع. وأيضًا (¬3)؛ فإذا كانت الطائفة التي تشتري نوعًا من السلع أو تبيعها قد تواطئوا على أن يهضموا (¬4) ما يشترونه، فيشترونه بدون ثمن المثل، ويبيعوا (¬5) ما يبيعونه بأكثر من ثمن المثل، ويقتسموا ما يشتركون فيه من الزيادة = كان إقرارهم على ذلك معاونة لهم على الظلم والعدوان، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [المائدة: 2]، ولا ريب أن هذا أعظم إثمًا وعدوانًا من تلقي السلع، وبيع الحاضر للبادي، ومن النجش. فصل ومن ذلك: أن يحتاج الناس إلى صناعة طائفة - كالفلاحة والنساجة والبناء وغير ذلك - فلولي الأمر أن يلزمهم بذلك بأجرة مثلهم، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بذلك (¬6). ¬
تعلم الصناعات فرض على الكفاية عند بعض أهل العلم
ولهذا قالت طائفة من أصحاب أحمد (¬1) والشافعي (¬2): إن تعلم هذه الصناعات فرض على الكفاية، لحاجة الناس إليها، وكذلك تجهيز الموتى ودفنهم، وكذلك أنواع الولايات العامة والخاصة التي لا تقوم مصلحة الأمة إلا بها. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتولى أمر ما يليه بنفسه (¬3)، ويولي فيما بعد عنه، كما ولَّى على مكة: عتاب بن أسيد (¬4)، وعلى الطائف: عثمان بن أبي العاص الثقفي (¬5)، وعلى قرى عرينة: خالد بن سعيد بن العاص (¬6)، وبعث عليًّا (¬7) ومعاذ بن جبل (¬8) وأبا موسى الأشعري إلى اليمن (¬9)، وكذلك كان يؤمر على السرايا، ويبعث السعاة على الأموال الزكوية (¬10)، ¬
دفع السعاة أموال الزكاة إلى مستحقيها
فيأخذونها (¬1) ممن هي عليه، ويدفعونها إلى مستحقيها، فيرجع الساعي إلى المدينة وليس معه إلا سوطه، ولا يأتي بشيء من الأموال إذا وجد لها موضعًا يضعها فيه. فصل وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستوفي الحساب على عماله، يحاسبهم على المستخرج والمصروف، كما في "الصحيحين" (¬2) عن أبي حميد الساعدي "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا من الأَزْدِ، يُقال له: ابن اللُّتبيَّةِ (¬3) على الصدقات، فلمَّا رجع حاسبه، فقال: هذا لكم، وهذا أُهْدِيَ إليَّ (¬4)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَالُ الرَّجُلِ نَسْتَعْمِلُهُ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانَا الله، فيقولُ: هَذَا لَكُمْ، وهذَا أُهْدِيَ إِليَّ، أَفَلَا قَعَدَ فِي بيتِ أَبيهِ وَأُمِّهِ، فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى إِليهِ أَم لا؟ والَّذي نَفْسِي بيدِهِ، لا نَسْتَعْمِلُ رَجُلًا عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانَا اللهُ فَيَغِل (¬5) منهُ شيئًا إلَّا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَة يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إن كانَ بَعِيْرًا لَهُ رُغَاءٌ (¬6)، وإِنْ كَانَ بَقَرَةً لَهَا خُوَار (¬7)، وإِنْ كانَتْ ¬
إذا لم يقم احدى الصنائع إلا واحد تعينت عليه
شَاةً تَيْعَرُ (¬1)، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وقَالَ: الَّلهُمَ هَلْ بلَّغْتُ (¬2)؟ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا". والمقصود أنَّ هذه الأعمال متى لم يقم بها إلَّا شخصٌ واحد (¬3) صارت فرضًا مُعينًا عليه، فإذا كان النَّاسُ محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صارت هذه الأعمال مستحقة عليهم، يُجبرهم ولي الأمرِ عليها بعوض المثل، ولا يُمكِّنهم من مطالبة النَّاس بزيادة على عوض المثل (¬4)، ولا يمكَّن النَّاس من ظلمهم بأن يعطوهم دون حقهم، كما إذا احتاج الجند المرصدون للجهاد إلى فلاحة أرضهم ألزم من صناعته الفلاحة أن يقوم بها، وألزمَ الجندَ بألَّا يظلموا الفلاح، كما يلزم الفلاح بأن يفلح (¬5). ولو اعتمد (¬6) الجند والأُمراء مع الفلاحين ما شرعه الله ورسوله وجاءت به السنة وفعله الخلفاء الرَّاشدون؛ لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض، وكان الَّذي يحصل لهم من المغل أضعاف ما يحصلونه بالظلم والعدوان، ¬
المزارعة العادلة، وبيان حقيقتها
ولكن يأبى (¬1) جهلهم وظلمهم إلَّا أن يرتكبوا (¬2) الظلم والإثم، فيمنعوا البركة وسعة الرزق، فيجتمع لهم عقوبة الآخرة، ونزع البركة في الدنيا. فإِن قِيل: وما الَّذي شرعه الله ورسوله، وفعله الصحابة، حتَّى يفعله من وفَّقه الله؟ قيل: المزارعة العادلة، التي يكون المقطع والفلاح فيها على حدًّ سواء من العدل، لا يختص أحدهما عن الآخر بشيءٍ من هذه الرسوم التي ما أنزل اللهُ بها من سلطان (¬3)، وهي التي أخربت البلاد وأفسدت العباد، ومنعت الغيث، وأزالت البركات، وعرضت أكثر الجند والأمراء لأكل الحرام، وإذا نبتَ الجسد على الحرام فالنَّارُ أولى به (¬4). وهذه المزارعة العادلة هي عمل المسلمين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد خلفائه الراشدين، وهي عمل آل أبي بكر (¬5)، وآل عمر (¬6)، وآل ¬
عثمان (¬1)، وآل علي (¬2)، وغيرهم من بيوت المهاجرين (¬3)، وهي قول أكابر الصحابة، كابن مسعود (¬4)، وأُبيِّ بن كعب، وزيد بن ثابت (¬5)، وغيرهم (¬6)، وهي مذهب فقهاء الحديث، كأحمد بن حنبل (¬7)، وإسحاق بن راهويه (¬8)، ومحمد بن إسماعيل البخاري (¬9)، وداود بن علي (¬10)، ومحمد بن إسحاق بن ¬
معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بشطر ما يخرج منها
خزيمة (¬1)، وأبي بكر بن المنذر (¬2)، ومحمد بن نصر المروزي، وهي مذهب عامة أئمة الإسلام (¬3)، كالَّليث ابن سعد (¬4)، وابن أبي ليلى (¬5)، وأبي يوسف (¬6)، ومحمد بن الحسن (¬7) وغيرهم. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع حتَّى مات (¬8)، ولم تزل تلك المعاملة حتَّى أجلاهم عمر عن خيبر (¬9)، وكان قد شارطهم أن يعمروها من أموالهم، وكان البذر ¬
البذر يجوز أن يكون من العامل ومن رب الأرض ومنهما
منهم، لا من النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء (¬1) أنَّ البذر يجوز أن يكون من العامل كما مضت به السنة، بل قد قال طائفة من الصحابة: لا يكون البذر إلَّا من العامل (¬2)؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولأنهم أجروا البذر مجرى النفع والماء. والصحيح (¬3) أنه يجوز أن يكون من ربِّ الأرضِ وأن يكون من العامل، وأن يكون منهما، وقد ذكر البخاري كما في "صحيحه" (¬4): "أنَّ عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - عامل النَّاس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشَّطْر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا" (¬5). والَّذين منعوا المزارعة (¬6) منهم من احتجَّ بـ "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ ¬
الجواب عن احتجاجهم
المُخَابَرَةِ" (¬1)، ولكن الَّذي نهى عنه هو الظلم؛ فإنَّهم كانوا يشترطون لرب الأرض زرع بقعة بعينها، ويشترطون ما على الماذيانات (¬2) وأقبال الجداول (¬3)، وشيئًا من التبن يختص به صاحب الأرض، ويقتسمان الباقي (¬4). وهذا الشرط باطل بالنص (¬5) والإجماع (¬6)، فإنَّ المعاملة مبناها ¬
ظن طائفة من الناس أن هذه المشاركات من باب الإجارة
على العدلِ من الجانبين، وهذه المعاملات من جنس المشاركات، لا من باب المعاوضات، والمشاركة العادلة هي أن يكون لكل واحد من الشريكين جزء شائع، فإذا جعل لأحدهما شيء مقدر كان ظلمًا (¬1). فهذا هو الَّذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قال الليث بن سعد: الَّذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك أمرٌ إذا نظر ذو البصيرة بالحلال والحرام فيه علم أنَّه لا يجوز، وأمَّا ما فعله - صلى الله عليه وسلم - وفعله خلفاؤه الراشدون والصحابة فهو العدل المحض الذي لا ريب في جوازه (¬2). فصل وقد ظنَّ طائفةٌ من النَّاس (¬3) أنَّ هذه المشاركات من باب الإجارة بعوض مجهول، فقالوا: القياس يقتضي تحريمها. ثمَّ منهم من حرم المساقاة والمزارعة، وأباح المضاربة (¬4) استحسانًا للحاجة؛ لأنَّ الدراهم لا تؤجر، كما يقوله أبو حنيفة (¬5). ¬
اختلافهم في القدر المباح في المساقاة
ومنهم من أباح المساقاة إمَّا مطلقًا، كقول مالك (¬1) والشافعي في القديم (¬2)، أو على النخل والعنب خاصَّة، كالجديد له (¬3)؛ لأنَّ الشجر لا تمكن إجارته، بخلاف الأرض، وأباحوا ما يحتاج إليه من المزارعة تبعًا للمساقاة. ثُمَّ منهم من قدَّر ذلك بالثلث، كقول مالك (¬4). ومنهم من اعتبر كون الأرض أغلب، كقول الشافعي (¬5). وأمَّا جمهور السلف والفقهاء (¬6)، فقالوا: ليس ذلك من باب الإجارة في شيء، بل من باب المشاركات، التي مقصود كل منهما مثل مقصود صاحبه، بخلاف الإجارة، فإنَّ هذا مقصوده العمل، وهذا ¬
إذا فسدت المشاركات وجب فيها نصيب المثل لا أجرة المثل
مقصوده الأجرة، ولهذا كان الصحيح أنَّ هذه المشاركات إذا فسدت وجب فيها نصيب المثل، لا أجرة المثل، فيجب من الربح والنماء في فاسدها نظير ما يجب في صحيحها، لا أجرة مقدرة، فإن لم يكن ربح ولا نماء لم يجب شيء، فإنَّ أجرة المثل قد تستغرق رأس المال وأضعافه، وهذا ممتنع، فإنَّ قاعدة الشرع أنَّه يجب في الفاسد من العقود نظير ما يجب في الصحيح منها، كما يجب في النكاح الفاسد مهر المثل، وهو نظير ما يجب في الصحيح (¬1)، وفي البيع الفاسد إذا فات ثمن المثل، وفي الإجارة الفاسدة أجرة المثل، فكذلك يجب في المضاربة الفاسدة ربح المثل، وفي المساقاة والمزارعة الفاسدة نصيب المثل، فإنَّ الواجب في صحيحها ليس هو أجرة مسماة فتجب (¬2) في فاسدها أجرة المثل، بل هو جزء شائع من الربح، فيجب في الفاسد نظيره. قال شيخ الإسلام وغيره من الفقهاء (¬3): والمزارعة أحل (¬4) من المؤاجرة، وأقرب إلى العدل، فإنَّهما يشتركان في المغرم والمغنم، بخلاف المؤاجرة، فإنَّ صاحب الأرض تسلم له الأجرة، والمستأجر قد يحصل له زرع، وقد لا يحصل. والعلماء مختلفون في جواز هذا وهذا (¬5)، والصحيح: جوازهما، ¬
جواز إجارة الإقطاع
سواء كانت الأرض إقطاعًا أو غيره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية (¬1): وما علمت أحدًا من علماء الإسلام - الأئمة الأربعة (¬2) ولا غيرهم - قال: إجارة الإقطاع لا تجوز، وما زال المسلمون يؤجرون إقطاعاتهم (¬3) قرنًا بعد قرن، من الصحابة إلى زمننا هذا، حتَّى أحدث بعض أهل زماننا فابتدع القول ببطلان إجارة الإقطاع (¬4)، وشبهته أنَّ المقطَع لا يملك المنفعة (¬5)، فيصير كالمستعير، لا يجوز أن يكري الأرض المعارة. وهذا القياس خطأ من وجهين: أحدهما: أنَّ المستعير لم تكن المنفعة حقًّا له، وإنَّما تبرع المعير بها، وأمَّا أراضي المسلمين فمنفعتها حق للمسلمين، وولي الأمر قاسم ¬
بينهم حقوقهم، ليس متبرعًا لهم كالمعير. والمقطَع مستوفي (¬1) المنفعة بحكم الاستحقاق، كما يستوفي الموقوف عليه منافع الوقف وأولى، وإذا جاز للموقوف عليه أن يؤجر الوقف - وإن أمكن أن يموت فتنفسخ الإجارة بموته على الصحيح (¬2) - فلأن يجوز للمقطَع أن يؤجر الإقطاع وإن انفسخت الإجارة بموته أولى (¬3). الثاني: أنَّ المعيرَ لو أذنَ في الإجارة جازت الإجارة، وولي الأمر يأذن للمقطَع في الإجارة، فإنَّه إنَّما أقطعهم لينتفعوا بها إمَّا بالمزارعة (¬4)، وإمَّا بالإجارة، ومن منع الانتفاع بها بالإجارة والمزارعة فقد أفسدَ على المسلمين دينهم ودنياهم، وألزم الجند والأمراء أن يكونوا هم الفلاحين، وفي ذلك من الفساد ما فيه. وأيضًا؛ فإن الإقطاع قد يكون دورًا وحوانيت، لا ينتفع بها المقطَع إلا بالإجارة، فإذا لم تصح إجارة الإقطاع عطلت منافع ذلك بالكلية، وكون الإقطاع معرضًا لرجوع الإمام فيه مثل كون الموهوب للولد معرضًا لرجوع الوالد فيه، وكون الصداق قبل الدخول معرضًا لرجوع ¬
مفاسد القول ببطلان المزارعة والإجارة
نصفه أو كله إلى الزوج، وذلك لا يمنع صحة الإجارة بالاتفاق، فليس مع المبطِل نص ولا قياس، ولا مصلحة ولا نظر. وإذا أبطلوا المزارعة والإجارة لم يبق بيد (¬1) الجند إلا أن يستأجروا من أموالهم من يزرع الأرض ويقوم عليها، وهذا لا يكاد يفعله إلا قليل من الناس؛ لأنه قد يخسر ماله، ولا يحصل له شيء، بخلاف المشاركة، فإنهما يشتركان في المغنم والمغرم، فهي أقرب إلى العدل. وهذه المسألة ذكرت طردًا، وإلا فالمقصود أن الناس إذا احتاجوا إلى أرباب الصناعات - كالفلاحين وغيرهم - أجبروا على ذلك بأجرة المثل. وهذا من التسعير الواجب، فهذا تسعير في الأعمال. وأما التسعير في الأموال فإذا احتاج الناس (¬2) إلى سلاح للجهاد وآلات، فعلى أربابه أن يبيعوه بعوض المثل، ولا يمكنوا من حبسه إلا بما يريدونه من الثمن، والله تعالى قد أوجب الجهاد بالنفس والمال، فكيف لا يجب على أرباب السلاح بذله بقيمته؟ ومن أوجب على العاجز ببدنه أن يخرج من ماله ما يحج به الغير عنه ولم يوجب على المستطيع بماله أن يخرج ما يجاهد به الغير: فقوله ظاهر التناقض، وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وهو الصواب (¬3). ¬
لم لم يقع التسعير في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة؟
فصل وإنما لم يقع التسعير في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة؛ لأنهم لم يكن عندهم من يطحن ويخبز بكراء، ولا من يبيع طحينًا وخبزًا، بل كانوا يشترون الحب ويطحنونه ويخبزونه في بيوتهم، وكان من قدم بالحب لا يتلقاه أحد، بل يشتريه الناس من الجلابين؛ ولهذا جاء في الحديث: "الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون" (¬1). وكذلك لم يكن في المدينة حائك، بل كان يقدم عليهم بالثياب من الشام واليمن وغيرهما، فيشترونها ويلبسونها (¬2). ¬
تنازع العلماء في التسعير في مسألتين
فصل في التسعير وقد تنازع العلماء في التسعير في مسألتين: إحداهما: إذا كان للناس سعر غالب، فأراد بعضهم أن يبيع بأغلى من ذلك، فإنه يمنع من ذلك عند مالك (¬1). وهل يمنع من النقصان؟ على قولين لهم (¬2). واحتج مالك - رحمه الله - بما رواه في موطئه عن يونس بن سيف (¬3) عن سعيد بن المسيب: "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مر بحاطب بن أبي بلتعة، وهو يبيع زبيبًا له بالسوق، فقال له عمر: إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا" (¬4). ¬
قول المالكية في المسألة
قال مالك (¬1): لو أن رجلًا أراد فساد السوق فحط عن سعر الناس لرأيت أن يقال له: إما لحقت بسعر الناس، وإما رفعت، وأما أن يقول للناس كلهم يعني (¬2): لا تبيعوا إلا بسعر كذا، فليس ذلك بالصواب، وذكر حديث عمر بن عبد العزيز في أهل الأيلة (¬3)، حين حط سعرهم لمنع البحر، فكتب: "خل بينهم وبين ذلك، فإنما السعر بيد الله". قال ابن رشد في كتاب البيان (¬4): "أما الجلابون فلا خلاف في أنه لا يسعر عليهم شيء مما جلبوه، وإنما يقال لمن شذ منهم، فباع بأغلى مما يبيع به العامة: إما أن تبيع بما تبيع به العامة، وإما أن ترفع من السوق، كما فعل عمر بن الخطاب بحاطب بن أبي بلتعة، إذ مر به وهو يبيع زبيبًا له في السوق فقال له: "إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا" (¬5)؛ لأنه كان يبيع بالدرهم الواحد أقل (¬6) مما كان يبيع به ¬
أهل السوق. وأمَّا أهل الحوانيت والأسواق، الَّذين يشترون من الجلابين وغيرهم جملة، ويبيعون ذلك على أيديهم مقطعًا، مثل اللحم والأدم والفواكه، فقيل: إنهم كالجلابين، لا يسعر لهم شيء من بياعاتهم، وإنَّما يقال لمن شذ منهم وخرج عن الجمهور: إمَّا أن تبيع كما يبيع النَّاس، وإمَّا أن ترفع من السوق، وهو قول مالك في هذه الرواية (¬1). وممَّن روي عنه ذلك من السلف: عبد الله بن عمر (¬2) والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله (¬3). وقيل: إنَّهم في هذا بخلاف الجلابين، لا يتركون على البيع باختيارهم إذا أغلوا على النَّاس، ولم يقتنعوا (¬4) من الربح بما يشبه. وعلى صاحب السوق الموكل بمصلحته أن يعرف ما يشترون به، فيجعل لهم من الربح ما يشبه، وينهاهم أن يزيدوا على ذلك، ويتفقد السوق أبدًا، فيمنعهم من الزيادة على الربح الَّذي جعل لهم، فمن ¬
قول الشافعي
خالف أمره عاقبه وأخرجه من السوق. وهذا قول مالك (¬1) في رواية أشهب (¬2)، وإليه ذهب ابن حبيب (¬3)، وقال به ابن المسيب ويحيى بن سعيد والليث وربيعة (¬4). ولا يجوز عند أحدٍ من العلماء أن يقول لهم: لا تبيعوا إلَّا بكذا وكذا، ربحتم أو خسرتم، من غير أن ينظر إلى ما يشترون به، ولا أن يقول لهم فيما قد اشتروه: لا تبيعوه إلَّا بكذا وكذا، ممَّا هو مثل الثمن أو أقل. وإذا ضرب لهم الربح على قدر ما يشترون لم يتركهم أن يغلوا في الشراء، وإن لم يزيدوا في الربح على القدر الَّذي حدَّ لهم، فإنهم قد يتساهلون في الشراء إذا علموا أنَّ الربح لا يفوتهم (¬5). وأمَّا الشافعي (¬6)، فإنَّه عارض ذلك بما رواه عن الدراوردي (¬7) عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر - رضي الله عنه -: "أنَّه مر بحاطب بن أبي بلتعة بسوق المصلى، وبين يديه ¬
غرارتان (¬1) فيهما زبيب، فسأله عن سعرهما؛ فقال له (¬2): مدَّين لكل درهم، فقال له عمر: قد حُدِّثت بعير من الطائف تحمل زبيبًا، وهم يغترون (¬3) بسعرك، فإمَّا أن ترفع في السعر، وإمَّا أن تدخل زبيبك البيت، فتبيعه (¬4) كيف شئت، فلمَّا رجع عمر حاسب نفسه، ثمَّ أتى حاطبًا في داره، فقال: إنَّ الَّذي قلت لك ليس عزمة مني، ولا قضاء، إنَّما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد، فحيث شئت فبع، وكيف شئت فبع" (¬5). قال الشافعي (¬6): وهذا الحديث مستقصى (¬7)، وليس بخلاف لما رواه مالك (¬8)، ولكنَّه روى بعض الحديث، أو رواه عنه من رواه (¬9)، ¬
هل يقام من زاد في السوق كما يقام كما يقام من نقص منه؟
وهذا أتى بأوَّل الحديث وآخره، وبه أقول؛ لأنَّ النَّاس مسلطون على أموالهم، ليس لأحدٍ أن يأخذها أو شيئًا منها بغير طيب أنفسهم إلَّا في المواضع التي يلزمهم الأخذ فيها (¬1)، وهذا ليس منها (¬2). وعلى قول مالك فقال أبو الوليد الباجي: الَّذي يؤمر به من حط عنه أن يلحق به هو السعر الذي عليه جمهور النَّاس، فإذا انفرد منهم الواحد والعدد اليسير بحط السعر أمروا باللحاق بسعر النَّاس، أو ترك البيع، فإن زاد في السعر واحد أو عدد يسير لم يؤمر الجمهور باللحاق بسعره؛ لأنَّ المراعى حال الجمهور (¬3)، وبه تقوم المبيعات. وهل يقام من زاد في السوق - أي في قدر المبيع بالدراهم - كما يقام من نقص منه؟ قال ابن القصار المالكي (¬4): اختلف أصحابنا في قول مالك: "ولكن من حط سعرًا"، فقال البغداديون (¬5): أراد من باع خمسة بدرهم، والنَّاس يبيعون ثمانية. ¬
وقال قوم من البصريين (¬1): أراد من باع ثمانية، والنَّاس يبيعون خمسة، فيفسد على أهل السوق بيعهم، وربما أدَّى إلى الشغب والخصومة. قال: وعندي أنَّ الأمرين جميعًا ممنوعان؛ لأنَّ من باع ثمانية - والنَّاس يبيعون خمسة - أفسد على أهل السوق بيعهم، وربما أدَّى إلى الشغب والخصومة، فمنع الجميع مصلحة. قال أبو الوليد (¬2): ولا خلاف أنَّ ذلك حكم أهل السوق. وأمَّا الجالب ففي كتاب محمد (¬3): لا يمنع الجالب أن يبيع في السوق دون بيع النَّاس، وقال ابن حبيب: ما عدا القمح والشعير بسعر النَّاس وإلَّا رفعوا، وأمَّا جالب القمح والشعير فيبيع كيف شاء، إلَّا أنَّ لهم في أنفسهم حكم أهل السوق، إن أرخص بعضهم (¬4) تركوا، وإن أرخص أكثرهم قيل لمن بقي: إمَّا أن تبيعوا كبيعهم، وإمَّا أن ترفعوا (¬5). قال ابن حبيب: وهذا (¬6) في المكيل والموزون، مأكولًا كان أو ¬
المسألة الثانية: هل يحد لأهل السوق حدا لا يتجاوزونه؟
غيره، دون ما لا يكال (¬1) ولا يوزن؛ لأنَّه لا يمكن تسعيره؛ لعدم التماثل فيه. قال أبو الوليد (¬2): هذا إذا كان المكيل والموزون متساويين (¬3)، فإذا اختلفا (¬4)، لم يؤمر صاحب الجيد أن يبيعه بسعر الدون (¬5). فصل وأمَّا المسألة الثانية - التي تنازعوا فيها من التسعير - فهي أن يحد لأهل السوق حدًّا لا يتجاوزونه، مع قيامهم بالواجب. فهذا منع منه الجمهور (¬6)، حتَّى مالك نفسه في المشهور عنه (¬7)، ¬
ونقل المنع أيضًا عن ابن عمر (¬1)، وسالم (¬2)، والقاسم بن محمد (¬3)، وروى أشهب عن مالك في صاحب السوق يسعر على الجزارين لحم الضأن بكذا، ولحم الإبل بكذا، وإلَّا أخرجوا من السوق؛ قال: إذا سعر عليهم قدر ما يرى من شرائهم، فلا بأس به، ولكن أخاف أن (¬4) يقوموا من السوق. واحتجَّ أصحاب هذا القول بأنَّ في هذا مصلحة للناس بالمنع من إغلاء السعر عليهم، ولا يجبر النَّاس على البيع، وإنَّما يمنعون من البيع بغير السعر الَّذي يحده ولي الأمر، على حسب ما يرى من المصلحة فيه للبائع والمشتري (¬5). وأمَّا الجمهور فاحتجوا بما رواه أبو داود (¬6) وغيره من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاءَ رَجُلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، سَعِّر لنا، فقال: "بل أَدْعُو اللهَ" ثمَّ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، سعِّر لنا، فقال: "بلْ اللهُ يَرْفَعُ ¬
صفة هذا التسعير عند من جوزه
وَيَخْفِضُ، وَإِنَّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ، وَلَيْسَتْ لأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ". قالوا (¬1): ولأن إجبار النَّاس على ذلك ظلمٌ لهم. فصل وأمَّا صفة ذلك عند من جوَّزه (¬2)، فقال ابن حبيب (¬3): ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم، استظهارًا على صدقهم، فيسألهم: كيفَ يشترون؟ وكيف يبيعون؟ فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد، حتَّى يرضوا به، ولا يجبرهم (¬4) على التسعير، ولكن عن رضى. قال أبو الوليد (¬5): ووجه هذا: أن به يتوصل إلى معرفة مصالح البائعين والمشترين، ويجعل للباعة في ذلك من الربح ما يقوم بهم، ولا يكون فيه إجحافٌ بالنَّاس، وإذا سعَّر عليهم من غير رضا، بما لا ربح لهم فيه، أدَّى ذلك إلى فساد الأسعار، وإخفاء الأقوات، وإتلاف أموال النَّاس. ¬
إذا امتنع الناس من بيع ما يجب عليهم بيعه أمروا بالواجب
قال شيخنا (¬1): فهذا الَّذي تنازعوا فيه، وأمَّا إذا امتنع النَّاسُ من بيع ما يجب عليهم بيعه فهنا يؤمرون بالواجب، ويعاقبون على تركه، وكذلك كل من وجبَ عليه أن يبيع بثمن المثل فامتنع. ومن احتجَّ على منع التسعير مطلقًا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللهَ هُوَ المُسَعَّرُ القَابِضُ البَاسِط، وَإِنَّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ تعَالَى وَلَيْسَ أَحَدٌ يَطْلُبُني بمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ" (¬2) قيل له: هذه قضيةٌ معينة، ليست لفظًا عامًّا، وليس فيها أنَّ أحدًا امتنع من بيع ما النَّاس يحتاجون إليه، ومعلومٌ أنَّ (¬3) الشيء إذا قلَّ رغب النَّاسُ في المزايدة فيه، فإذا بذله صاحبه كما جرت به العادة، ولكنَّ النَّاس تزايدوا فيه فهنا لا يسعر عليهم. وقد ثبتَ في "الصحيحين" (¬4): أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - منع من الزيادة على ثمن المثل في عتق الحصة من العبد المشترك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عبْدٍ - وَكَانَ لَهُ مِنَ المَالِ (¬5) مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ - قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيْمَةَ عَدْلٍ، لا وَكْس (¬6) ولاَ شَطَط" (¬7)، فأعطى شركاءه حصصهم، ¬
الأصول المستنبطة من هذا الحديث
وعتق عليه العبد، فلم يمكن المالك أن يساوم المعتِق بالَّذي يريد، فإنَّه لما وجب عليه أن يُمَلَّك شريكه المعتِق نصيبه الَّذي لم يعتقه لتكميل الحرية في العبد قُدِّر عوضه بأن يُقوَّم جميع العبد قيمة عدل، ويعطيه قسطه من القيمة، فإنَّ حقَّ الشريك في نصف القيمة، لا في قيمة النصف عند الجمهور (¬1). وصار هذا الحديث أصلًا في أنَّ ما لا يمكن قسمة عينه، فإنَّه يباع ويقسم ثمنه، إذا طلبَ أحد الشركاء ذلك، ويجبر الممتنع على البيع، وحكى بعض المالكية ذلك إجماعًا (¬2). وصار أصلًا في أنَّ من وجبت عليه المعاوضة أجبر على أن يعاوض بثمن المثل، لا بما يريد من الثمن (¬3)، وأصلًا في جواز إخراج الشيء من ملك (¬4) صاحبه قهرًا بثمنه، للمصلحة الرَّاجحة، كما في الشفعة، وأصلًا في وجوب تكميل العتق بالسراية مهما أمكن. والمقصود أنَّه إذا كان الشارع يوجب إخراج الشيء عن ملك مالكه ¬
إذا اضطر قوم للسكنى في بيت إنسان لا يجدون سواه
بعوض المثل، لمصلحة تكميل العتق، ولم يُمَكِّن المالك من المطالبة بالزيادة على القيمة، فكيف إذا كانت الحاجة بالنَّاس إلى التملك أعظم، وهم إليها أضر؟ مثل حاجة المضطر إلى الطعام والشراب واللباس وغيره. وهذا الَّذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من تقويم الجميع قيمة المثل هو حقيقة التسعير، وكذلك سلط (¬1) الشريك على انتزاع الشقص المشفوع من يد المشتري بثمنه الَّذي ابتاعه به لا بزيادة عليه، لأجل مصلحة التكميل لواحد، فكيف بما هو أعظم من ذلك؟ فإذا جوز له انتزاعه منه بالثمن الَّذي وقع عليه العقد، لا بما شاء المشتري من الثمن، لأجل هذه المصلحة الجزئية، فكيف إذا اضطر إلى ما عنده من طعام وشراب ولباس وآلة حرب؟ وكذلك إذا اضطر الحاج إلى ما عند النَّاس من آلات السفر وغيرها، فعلى ولي الأمر أن يجبرهم على ذلك بثمن المثل، لا بما يريدونه من الثمن، وحديث العتق أصلٌ في ذلك كله (¬2). فصل فإذا قُدِّرَ أنَّ قومًا اضطروا إلى السكنى (¬3) في بيت إنسان، لا يجدون سواه، أو النزول في خان مملوك، أو استعارة ثياب يستدفئون بها، أو رحى للطحن، أو دلو لنزع الماء، أو قدر، أو فأس، أو غير ذلك، ¬
هل يجوز له أخذ أجرة المثل أم يجب عليه بذل ذلك مجانا؟
وجب على صاحبه بذله بلا نزاع، لكن هل له أن يأخذ عليه أجرًا؟ فيه قولان للعلماء، وهما وجهان لأصحاب أحمد (¬1). ومن جوَّز له أخذ الأجرة حرم عليه أن يطلب زيادة على أجرة المثل. قال شيخنا (¬2) - رضي الله عنه -: والصحيح أنَّه يجب عليه بذل ذلك مجانًا، كما دلَّ عليه الكتاب والسنَّة، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} [الماعون: 4 - 7] قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة: "هو إعارة القدر والدلو والفأس ونحوهم" (¬3). ¬
النهي عن عسب الفحل
وفي "الصحيحين" (¬1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر الخيل - قال: "هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجِلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذي هِيَ لَهُ أَجْر فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبيِل الله، وأَمَّا الَّذي هِي لَهُ ستر فرجل رَبَطَهَا تَغَنَّيا وَتَعَفُّفا، ولَمْ يَنْس حَقَّ الله فِي رِقَابِهَا، وَلَا ظُهُوْرِهَا". وفي "الصحيحين" (¬2) عنه أيضًا: "مِنْ حَقَّ الإبِلِ إِعَارَةُ دَلْوهَا، وَإِطْرَاقُ فَحْلِهَا (¬3) ". وفي "الصحيح" (¬4) عنه: "أنَّهُ نَهَى عَنْ عَسْبِ (¬5) الفَحْلِ" أي عن أخذ الأجرة عليه، والنَّاسُ يحتاجون إليه، فأوجب بذله مجانًا، ومنع من أخذ الأجرة عليه (¬6). ¬
لو احتاج إلى إجراء مائه في أرض غيره من غير ضرر لصاحب الأرض
وفي "الصحيحين" (¬1) عنه أنَّه قال: "لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ". ولو احتاجَ إلى إجراء مائه في أرض غيره، من غير ضرر لصاحب (¬2) الأرض، فهل يجبر على ذلك؟ على روايتين عن أحمد (¬3)، والإجبار قول عمر بن الخطاب (¬4) وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم -. وقد قال جماعة من الصحابة والتابعين (¬5): "إنَّ زكاة الحلي عاريته، فإذا لم يُعِرْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ زَكَاتِهِ"، وهذا وجه في مذهب أحمد (¬6). ¬
المنافع التي يجب بذلها نوعان
قلت: وهو الراجح، وأنَّه لا يخلو الحلي من زكاة أو عارية (¬1). والمنافع التي يجب بذلها نوعان (¬2): منها ما هو حق المال، كما ذكرنا في الخيل والإبل والحلي، ومنها ما يجب لحاجة النَّاس. وأيضًا؛ فإنَّ بذل منافع البدن تجب عند الحاجة، كتعليم العلم، وإفتاء النَّاس، والحكم بينهم، وأداء الشهادة، والجهاد، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وغير ذلك من منافع الأبدان. وكذلك من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة وجب عليه أن يخلصه، فإن ترك ذلك - مع قدرته عليه - أثم وضمنه (¬3). فلا يمتنع وجوب بذل منافع الأموال للمحتاج، وقد قال تعالى: {وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ}، وقال تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]. وللفقهاء في أخذ الجعل على الشهادة أربعة أقوال (¬4)، وهي أربعة ¬
ما احتاج إليه الناس حاجة عامة فالحق فيه لله
أوجه في مذهب أحمد (¬1)، أحدها: أنَّه لا يجوز مطلقًا (¬2)، والثاني: أنَّه يجوز عند الحاجة، والثالث: أنَّه لا يجوز (¬3) إلَّا أن يتعين عليه، والرَّابع: أنَّه يجوز، فإن أخذه عند التحمل لم يأخذه عند الأداء. والمقصود أنَّ ما قدره النبي - صلى الله عليه وسلم - من الثمن في سراية العتق هو لأجل تكميل الحرية، وهو حق الله تعالى، وما احتاج إليه النَّاس حاجة عامة، فالحق فيه لله، وذلك في الحقوق والحدود. فأمَّا الحقوق، فمثل حقوق المساجد، ومال الفيء، والوقف على أهل الحاجات، وأموال الصدقات، والمنافع العامة. وأمَّا الحدود، فمثل حد المحاربة والسرقة والزنا وشرب الخمر المسكر. وحاجة المسلمين إلى الطعام واللباس وغير ذلك مصلحة عامة، ليس الحق فيها لواحدٍ بعينه، فتقدير الثمن فيها بثمن المثل على من وجب عليه البيع أولى من تقديره لتكميل الحرية، لكن تكميل الحرية ¬
إذا اضطر الإنسان إلى طعام الغير وجب عليه بذله له بثمن المثل
وجب على الشريك المعتِق، ولو لم يقدر فيها (¬1) الثمن لتضرر بطلب الشريك الآخر، فإنَّه يطلب ما شاء، وهنا عموم النَّاس يشترون الطعام (¬2) والثياب لأنفسهم وغيرهم، فلو مكن من عنده سلع يحتاج النَّاس إليها أن يبيع بما شاء كان ضرر النَّاس أعظم، ولهذا قال الفقهاء: اذا اضطر الإنسان إلى طعام الغير، وجب عليه بذله له (¬3) بثمن المثل (¬4). وأبعد الأئمة عن إيجاب المعاوضة وتقديرها هو الشافعي (¬5)، ومع هذا فإنه يوجب على من اضطر الإنسان إلى طعامه أن يبذله له (¬6) بثمن المثل، وتنازع أصحابه في جواز تسعير الطعام، إذا كان بالنَّاس إليه حاجة، ولهم فيه وجهان (¬7). وقال أصحاب أبي حنيفة (¬8): لا ينبغي للسلطان أن يسعر على ¬
عند الحنفية: هل يبيع القاضي على المحتكر طعامه من غير رضاه؟
النَّاس، إلَّا إذا تعلق به حق ضرر العامة، فإذا رفع إلى القاضي أمر المحتكر ببيع ما فضل من قوته وقوت أهله، على اعتبار السعر في ذلك، ونهاه عن الاحتكار، فإن أبى حبسه وعزره على مقتضى رأيه، زجرًا له، ودفعًا للضرر عن النَّاس. قالوا: فإن تعدى أرباب الطعام، وتجاوزوا القيمة تعديًا فاحشًا، وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلَّا بالتسعير سعَّره حينئذٍ بمشورة أهل الرَّأي والبصيرة (¬1). وهذا على أصل أبي حنيفة ظاهر، حيث لا يرى الحجر على الحر (¬2)، ومن باعَ منهم بما قدره الإمام صح؛ لأنَّه غير مكره عليه. قالوا: وهل يبيع القاضي على المحتكر طعامه من غير رضاه (¬3)؟ فعلى الخلاف المعروف في بيع مال المديون. وقيل: يبيع ها هنا بالاتفاق؛ لأنَّ أبا حنيفة يرى الحجر لدفع الضرر العام (¬4)، والسعر لما غلا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلبوا منه التسعير ¬
علة النهي عن بيع الحاضر للبادي
فامتنع، لم يذكر أنَّه كان هناك من عنده طعام امتنع من بيعه، بل عامة من كان يبيع الطعام إنما هم جالبون يبيعونه إذا هبطوا السوق، ولكن "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضرٌ لبَادٍ" أي أن يكون له سمسارًا، وقال: "دَعُوا النَّاس يَرْزُقُ الله بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ" (¬1)، فنهى الحاضر العالم بالسعر أن يتوكل للبادي الجالب للسلعة؛ لأنَّه إذا توكل له - مع خبرته بحاجة النَّاس - أغلى الثمن على المشتري، فنهاه عن التوكل له، مع أنَّ جنس الوكالة مباح، لما في ذلك من زيادة السعر على النَّاس، ونهى عن تلقي الجلب، وجعل للبائع إذا هبط السوق الخيار. ولهذا كان أكثر الفقهاء على أنَّه نهى عن ذلك لما فيه من ضرر البائع هنا (¬2)، فإذا لم يكن قد عرف السعر، وتلقاه المتلقي قبل إتيانه إلى السوق، اشتراه المشتري بدون ثمن المثل فغبنه، فأثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا البائع الخيار. ثمَّ فيه عن أحمد روايتان (¬3) كما تقدم، إحداهما: أنَّ الخيار يثبت له مطلقًا، سواء غبن أم لم يغبن، وهو ظاهر مذهب الشافعي (¬4). ¬
مراعاة الشرع للمصلحة العامة
والثانية: أنَّه إنَّما يثبت له عند الغبن، وهي ظاهر المذهب (¬1). وقالت طائفة (¬2): بل نهى عن ذلك لما فيه من ضرر المشتري إذا تلقَّاهُ المتلقي، فاشترى منه، ثمَّ باعه (¬3). وفي الجملة، فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البيع والشراء الَّذي جنسه حلال، حتَّى يعلم البائع بالسعر، وهو ثمن المثل، ويعلم المشتري بالسلعة. وصاحب القياس الفاسد يقول: للمشتري أن يشتري حيث شاء، وقد اشترى من البائع، كما يقول: فله أن يتوكل للبائع الحاضر وغير الحاضر. ولكن الشارع راعى المصلحة العامة، فإن الجالب إذا لم يعرف السعر كان جاهلًا بثمن المثل، فيكون المشتري غارًّا له. وألحق مالك (¬4) وأحمد (¬5) - رضي الله عنهما - بذلك كل مسترسل، فإنَّه بمنزلة الجالب الجاهل بالسعر. فتبين أنه يجب على الإنسان ألَّا يبيع مثل هؤلاء إلَّا بالسعر المعروف، وهو ثمن المثل، وإن لم يكونوا محتاجين إلى الابتياع منه، ¬
فقه حديث: أن رجلا كانت له شجرة في أرض غيره
لكن لكونهم جاهلين بالقيمة أو غير مماكسين، والبيع يعتبر فيه الرضا، والرضا يتبع العلم، ومن لم يعلم أنَّه غبن فقد يرضى، وقد لا يرضى، فإذا علم أنَّه غبن ورضي فلا بأس بذلك. وفي "السنن": "أنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي أرْضِ غَيْرِهِ، وَكَانَ صَاحِبُ الأرْضِ يَتَضَرَّرُ بدُخُوْلِ صَاحِب الشَّجَرَةِ، فَشَكَا ذلِكَ إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - فَأمَرَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَدَلَهَا، أَوْ يَتبَرَّعَ لَه بِهَا، فَلَمْ يَفْعَل، فَأَذِنَ لِصَاحِبِ الأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَهَا، وَقَالَ لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ: إنَّما أَنْتَ مُضَار" (¬1). وصاحب القياس الفاسد يقول: لا يجب عليه أن يبيع شجرته، ولا يتبرع بها، ولا يجوز لصاحب الأرضِ أن يقلعها؛ لأنَّه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وإجبار على المعاوضة عليه، وصاحب الشرع أوجب عليه إذا لم يتبرع بها أن يبيعها (¬2)، لما في ذلك من مصلحة صاحب الأرضِ بخلاصه من تأذيه بدخول صاحب الشجرة، ومصلحة صاحب الشجرة بأخذ القيمة، وإن كان عليه في ذلك ضررٌ يسير، فضرر صاحب الأرض ببقائها في بستانه أعظم، فإنَّ الشارع الحكيم يدفع (¬3) ¬
جماع الأمر في التسعير
أعظم الضررين بأيسرهما، فهذا هو الفقه والقياس والمصلحة، وإن أباه من أباه. والمقصود: أنَّ هذا دليلٌ على وجوب البيع لحاجة المشتري، وأين هذا من حاجة عموم النَّاس إلى الطعام وغيره؟ والحكم في المعاوضة على المنافع إذا احتاج النَّاس (¬1) إليها - كمنافع الدور والطحن والخبز وغير ذلك - حكم المعاوضة على الأعيان. وجماع الأمر: أنَّ مصلحة النَّاس إذا لم تتم إلَّا بالتسعير سعَّر عليهم تسعير عدل، لا وكس ولا شطط، وإذا اندفعت حاجتهم وقامت مصلحتهم بدونه لم يفعل (¬2)، وبالله التوفيق. فصل والمقصود: أن هذه أحكام شرعية، لها طرق شرعية، لا تتم مصلحة الأمة (¬3) إلا بها، ولا تتوقف على مدع ومدعى عليه، بل لو توقفت على ذلك فسدت مصالح الأمة، واختل النظام، بل يحكم فيها متولي ذلك بالأمارات (¬4) والعلامات الظاهرة والقرائن البينة. ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات ¬
العقوبات منها ما هو مقدر وما هو غير مقدر
الشرعية، فإن "الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" (¬1)، وإقامة الحدود واجب على ولاة الأمور، والعقوبة تكون على فعل محرم، أو ترك واجب. والعقوبات - كما تقدم (¬2) - منها مقدر، وغير مقدر، وتختلف مقاديرها وأجناسها وصفاتها باختلاف أحوال الجرائم، وكبرها، وصغرها، وبحسب حال المذنب في نفسه. والتعزيز: منه ما يكون بالتوبيخ وبالزجر وبالكلام، ومنه ما يكون بالحبس، ومنهُ ما يكون بالنَّفي عن الوطن (¬3)، ومنه ما يكون بالضرب (¬4). وإذا كان على ترك واجب - كأداء الديون والأمانات والصلاة والزكاة - فإنَّه يضرب مرَّة بعد مرَّة، ويفرق الضرب عليه يومًا بعد يوم، حتَّى يؤدي الواجب، وإن كان ذلك على جرم ماض فعل منه مقدار ¬
ليس لأقل التعزير حد، وفي أكثره خلاف
الحاجة. وليس لأقلَّه حدٌّ، وقد تقدم الخلاف في أكثره (¬1)، وأنَّه يسوغ بالقتل إذا لم تندفع المفسدة إلَّا به، مثل قتل (¬2) المفرق لجماعة المسلمين، والدَّاعي إلى غير كتاب الله وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وفي "الصحيح" عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا بُويع لِخَلِيفَتينِ فَاقْتُلُوا الآخِرَ مِنْهُمَا" (¬3). وقال: "مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُم عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيْدُ أَنْ يُفرِّقَ جَمَاعَتكُم، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ" (¬4). و"أمرَ بقتل رجل تعمد عليه الكذب، وقال لقوم: أرسلني إليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أحكم في نسائكم وأموالكم" (¬5). ¬
من أقوال الفقهاء في التعزير بالقتل
وسأله ابن الديلمي (¬1) عمَّن لم ينته عن شرب الخمر؛ فقال: "مَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْهَا فَاقْتُلُوهُ" (¬2)، "وَأَمَرَ بقَتْل شَارِبِهَا بَعْدَ الثَّالِثَة أَوْ الرَّابِعَةِ" (¬3)، و"أَمَرَ بِقَتْلِ الَّذي تَزَوجَ امْرأَةَ أَبِيْهِ" (¬4)، و"أَمَرَ بِقَتْلِ الَّذي اتُّهِمَ بجَارِيتِهِ حَتَّى تَبيَّنَ لهُ أَنَّهُ خَصِيٌّ" (¬5). وأبعد الأئمة من التعزير بالقتل أبو حنيفة، ومع ذلك فيجوَّز التعزير ¬
من صور التعزير: الهجر، والنفي
به للمصلحة، كقتل المكثر من اللواط (¬1)، وقتل القاتل بالمثقل (¬2). ومالك (¬3) يرى تعزير الجاسوس المسلم بالقتل، ووافقه بعض أصحاب أحمد (¬4)، ويرى أيضًا هو وجماعة من أصحاب أحمد والشافعي (¬5) قتل الدَّاعية إلى البدعة. وعزر - صلى الله عليه وسلم - أيضًا بالهجر (¬6)، وعزَّر ¬
التعزير بالعقوبات المالية
بالنفي (¬1)، كما أمر بإخراج المخنثين من المدينة ونفيهم (¬2)، وكذلك الصحابة من بعده، كما فعل عمر - رضي الله عنه - بالأمر (¬3) بهجر صبيغ (¬4)، ونفي نصر بن حجاج (¬5). فصل وأما التعزيز بالعقوبات المالية، فمشروع أيضًا في مواضع مخصوصة في مذهب مالك (¬6) وأحمد (¬7)، وأحد قولي الشافعي (¬8)، ¬
مواضع ورود السنة بالتعزير بالعقوبات المالية
وقد جاءت السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه بذلك في مواضع: منها: إباحته - صلى الله عليه وسلم - سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده (¬1). ومثل: أمره - صلى الله عليه وسلم - بكسر دنان الخمر وشق ظروفها (¬2). ومثل: أمره لعبد الله بن عمرو (¬3) بأن يحرق الثوبين المعصفرين (¬4). ومثل: أمره - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر - بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الإنسية، ثم استأذنوه في غسلها (¬5)، فأذن لهم. فدل على جواز الأمرين، لأن العقوبة بالكسر لم تكن واجبة. ومثل: هدمه مسجد الضرار (¬6). ¬
ومثل: تحريق متاع الغال (¬1). ومثل: حرمان السلب الَّذي أساء على نائبه (¬2). ومثل: إضعاف (¬3) الغرم على سارق ما لا قطع فيه من الثمر والكَثَر (¬4) ومثل: إضعافه الغرم على كاتم الضالة (¬5). ومثل: أخذه شطر مال مانع الزكاة، عزمة من عزمات الرب تبارك وتعالى (¬6) ومثل: أمره لابس خاتم الذهب بطرحه، فطرحه، فلم يعرض له أحد (¬7). ومثل: تحريق موسى عليه السلام العجل وإلقاء برادته (¬8) في ¬
بعض ما ورد عن الخلفاء الراشدين في هذا الباب
اليم (¬1). ومثل: قطع نخيل اليهود، إغاظة لهم (¬2). ومثل: تحريق عمر وعلي - رضي الله عنهما - المكان الَّذي يباع فيه الخمر (¬3). ومثل: تحريق عمر قصر سعد بن أبي وقاص، لما احتجب فيه عن الرعية (¬4). وهذه قضايا صحيحة معروفة، وليس يسهل دعوى نسخها. ومن قال: إنَّ العقوبات المالية منسوخة (¬5)، وأطلق ذلك، فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلًا واستدلالًا (¬6)، فأكثر هذه المسائل سائغة ¬
كلام المالكية في التعزير بالعقوبات المالية
في مذهب أحمد (¬1)، وكثير منها سائغ عند مالك (¬2)، وفعل الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته (¬3) - صلى الله عليه وسلم - مبطل أيضًا لدعوى نسخها، والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة، ولا إجماع يصحح دعواهم (¬4)، إلَّا أن يقول أحدهم: مذهب أصحابنا عدم جوازها، فمذهب أصحابه عيار على القبول والرد، وإذا ارتفع عن هذه الطبقة ادعى أنَّها منسوخة بالإجماع، وهذا غلط (¬5) أيضًا، فإنَّ الأُمَّة لم تجمع على نسخها، ومحال أنَّ الإجماع ينسخ السنة، ولكن لو ثبتَ الإجماع لكان دليلًا على نص ناسخ. قال ابن رشد في كتاب "البيان" (¬6) له: ولصاحب الحسبة الحكم على من غش في أسواق المسلمين في خبز أو لبن أو عسل، أو غير ذلك من السلع، بما ذكره أهل العلمِ في ذلك، فقد قال مالك في "المدونة" (¬7): "إنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يطرح اللبن ¬
المغشوش في الأرضِ (¬1) " أدبًا لصاحبه، وكره ذلك في رواية ابن القاسم، ورأى أن يتصدق به (¬2)، ومنع من ذلك في رواية أشهب، وقال: لا يُحل ذنبٌ من الذنوب مالَ إنسان، وإن قتل نفسًا (¬3). وذكر ابن الماجشون عن مالك - في الَّذي غش اللبن - مثل الَّذي تقدم في رواية أشهب. قال ابن حبيب: فقلت لمطرف وابن الماجشون: فما وجه الصواب عندكما فيمن غش أو نقص من الوزن؟ قالا: يعاقب بالضرب والحبس (¬4) والإخراج من السوق، وما كسر (¬5) من الخبز واللبن، أو غش من المسك والزعفران، فلا يفرق ولا ينهب (¬6). قال ابن حبيب: ولا يرده الإمام إليه، وليأمر ثقته ببيعه عليه ممَّن يأمن أن يغش به، ويكسر الخبز إذا كسد (¬7)، ثمَّ يسلمه لصاحبه، ويباع عليه العسل والسمن واللبن الَّذي يغشه ممن يأكله، ويبين له غشه، وهكذا العمل في كلَّ ما غش من التجارات، وهو إيضاح ما استوضحته ¬
من أصحاب مالك وغيرهم (¬1). وروي عن مالك: أنَّ المستحسن عنده أن يتصدق به، إذ في ذلك عقوبة الغاش بإتلافه عليه، ونفع المساكين بإعطائهم إياه، ولا يهراق (¬2). وقيل لمالك: فالزعفران والمسك، أتراه مثله؟ قال: وما أشبهه بذلك، إذا كان هو الَّذي غشَّه، فهو كالَّلبن (¬3). قال ابن القاسم: هذا في الشيء الخفيف ثمنه (¬4)، فأمَّا إذا كثر ثمنه فلا أرى ذلِكَ، وعلى صاحبه العقوبة؛ لأنَّه يذهب في ذلك أموال عظام، تزيد في الصدقة بكثير (¬5). قال ابن رشد (¬6): قال بعض الشيوخ: وسواء - على مذهب مالك - كان ذلك يسيرًا أو كثيرًا؛ لأنَّه يساوي في ذلك بين الزعفران واللبن والمسك قليله وكثيره. وخالفه ابن القاسم فلم ير أن يتصدق من ذلك إلَّا بما كان يسيرًا (¬7). ¬
ذلك إذا كان هو الَّذي غشَّه، فأمَّا من وجد عنده من ذلك شيء مغشوش لم يغشه هو، وإنَّما اشتراه أو وهب له أو ورثه، فلا خلاف أنَّه لا يتصدق بشيء من ذلك، والواجب أن يباع ممن يؤمن أن يبيعه من غيره مدلسًا به، وكذلك ما وجب أن يتصدق به من المسك والزعفران يباع (¬1) على الَّذي غشه. وقول (¬2) ابن القاسم في أنَّه لا يتصدق من ذلك إلَّا بالشيء اليسير أحسن من قول مالك؛ لأنَّ الصدقة بذلك من العقوبات في الأموال، وذلك أمرٌ كان في أوَّل الإسلام. ومن ذلِكَ: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مانع الزكاة: "إنَّا آخذوها وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبَّنَا" (¬3). وروي عنه في حريسة الجبل (¬4): "أنَّ فيها غَرَامَة مِثْلِهَا (¬5) وَجَلَدَات ¬
نَكَالٍ (¬1) ". وما روي عنه: "أنَّ مَنْ وُجِدَ يَصِيْدُ فِي حَرَمِ المَدِيْنَةِ شيئًا، فَلِمَنْ وَجَدَهُ سَلَبُهُ" (¬2). ومثل هذا كثير، نسخ ذلك كله، والإجماع على أنَّهُ لا يجب، وعادت العقوبات في الأبدان، فكان قول ابن القاسم أولى بالصواب استحسانًا (¬3)، والقياس أنَّه لا يتصدق من ذلك بقليلٍ ولا كثيرٍ، انتهى كلامه (¬4). وقد عرفت أنَّه ليسَ مع من ادَّعى النسخ لا نص ولا إجماع. والعجب أنَّه قد ذكر نص مالك وفعل عمر، ثمَّ جعل قول ابن القاسم أولى، ونسخ النصوص (¬5) بلا ناسخ، فقول عمر وعلي والصحابة ومالك (¬6) وأحمد (¬7) أولى بالصواب، بل هو إجماع الصحابة، فإنَّ ذلك اشتهر عنهم في قضايا متعددة جدًّا ولم ينكره منهم منكر، وعمر يفعله بحضرتهم، وهم يقرونه، ويساعدونه عليه، ويصوبونه في فعله، والمتأخرون كلما استبعدوا شيئًا، قالوا: منسوخ، ¬
ومتروك (¬1) العمل به. وقد أفتى ابن القطان (¬2) في الملاحف الرديئة النسج بالإحراق بالنَّارِ (¬3)، وأفتى ابن عتاب (¬4) فيها بتقطيعها خرقًا، وإعطائها للمساكين، إذا تقدم إلى مستعملها فلم ينته (¬5)، ثم أنكر ابن القطان ذلك (¬6) وقال: لا يحل هذا في مال مسلم بغير إذنه، وإنما يؤدب فاعل ذلك بالإخراج من السوق (¬7). وأنكر القاضي أبو الأصبغ (¬8) على ابن القطان، وقال: هذا ¬
اضطراب في جوابه، وتناقض في قوله؛ لأن جوابه في الملاحف (¬1) بإحراقها بالنار أشد من إعطائها للمساكين. قال: وابن عتاب أضبط لأصله في ذلك وأتبع لقوله (¬2). وفي تفسير ابن مزين (¬3) قال عيسى (¬4): قال مالك في الرجل يجعل في مكياله زفتًا: إنه يقام من السوق، فإنه أشق عليه، يريد من أدبه بالضرب والحبس (¬5). ¬
واجبات الشريعة ثلاثة أقسام: عبادات وعقوبات وكفارات
فصل قال شيخ الإسلام ابن تيمية (¬1) - رحمة الله عليه (¬2) -: واجبات الشريعة - التي هي حق الله تعالى - ثلاثة أقسام: عبادات، كالصلاة والزكاة والصيام. وعقوبات: إما مقدورة، وإما مفوضة (¬3). وكفارات. وكل واحد من أقسام الواجبات: ينقسم إلى بدني، وإلى مالي، وإلى مركب منهما. فالعبادات البدنية: كالصلاة والصيام، والمالية: كالزكاة، والمركبة: كالحج. والكفارات المالية: كالإطعام، والبدنية: كالصيام، والمركبة: كالهدي يذبح ويقسم. والعقوبات البدنية: كالقتل والقطع، والمالية: كإتلاف أوعية الخمر، والمركبة: كجلد السارق من غير حرز، وتضعيف الغرم عليه وكقتل الكفار وأخذ أموالهم. والعقوبات البدنية: تارة تكون جزاءً على ما مضى، كقطع السارق، وتارة تكون دفعًا عن الفساد المستقبل، وتارة تكون مركبة، كقتل القاتل. ¬
المنكرات من الأعيان والصور يجوز إتلاف محلها تبعا لها
وكذلك المالية، فإنَّ منها ما هو من باب إزالة المنكر، وهي تنقسم كالبدنية إلى إتلاف، وإلى تغيير، وإلى تمليك الغير. فالأوَّل: المنكرات من الأعيان والصور يجوز إتلاف محلها تبعًا لها، مثل الأصنام المعبودة من دون الله لما كانت صورها (¬1) منكرة جاز إتلاف مادتها، فإذا كانت حجرًا أو خشبًا ونحو ذلك جاز تكسيرها وتحريقها (¬2)، وكذلك آلات الملاهي - كالطنبور - (¬3) يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء، وهو مذهب مالك (¬4)، وأشهر الروايتين عن أحمد (¬5). قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن رجل كسر عودًا كان مع أمه لإنسان، فهل يغرمه أو يصلحه؟ قال: لا أرى عليه بأسًا أن يكسره، ولا ¬
يغرمه ولا يصلحه، قيل له: فطاعتها؟ قال: ليس لها (¬1) طاعة في هذا (¬2). وقال أبو داود: سمعت أحمد سُئِلَ عن قوم يلعبون بالشطرنج، فنهاهم فلم ينتهوا، فأخذ الشطرنج فرمى به؟ قال: قد أحسن، قيل: فليس عليه شيء؟ قال: لا، قيل له: وكذلك إن كسر عودًا أو طنبورًا؟ قال: نعم (¬3). قال عبد الله: سمعت أبي في رجل يرى مثل الطنبور أو العود أو الطبل أو ما أشبه هذا، ما يصنع به؟ قال: إذا كان مكشوفًا فاكسره (¬4). وقال يوسف بن موسى (¬5) وأحمد بن الحسن: إنَّ أبا عبد الله سُئِلَ عن الرجل يرى الطنبور والمنكر أيكسره؟ قال: لا بأس (¬6). وقال أبو الصقر (¬7): سألت أبا عبد الله عن رجل رأى عودًا أو طنبورًا ¬
فكسره، ما عليه؟ قال: قد أحسن، وليس عليه في كسره شيء (¬1). وقال جعفر بن محمد: سألت أبا عبد الله عمَّن كسر الطنبور والعود؟ فلم يرَ عليه شيئًا. وقال إسحاق بن إبراهيم: سُئِلَ أحمد عن الرجل يرى الطنبور أو طبلًا مغطَّى أيكسره؟ قال: إذا تبين له أنَّه طنبور أو طبل كسره (¬2). وقال أيضًا: سألت أبا عبد الله عن الرجل يكسر الطنبور أو الطبل، عليه في ذلك شيء؟ قال: يكسر هذا كله، وليس يلزمه شيء (¬3). وقال المروذي: سألت أبا عبد الله عن كسر الطنبور؟ قال: يكسر، قلت: والطنبور الصغير يكون مع الصبي؟ قال: يكسر أيضًا، قلت: أمرُّ في السوق، فأرى الطنبور يباع، أأكسره؟ قال: ما أراك تقوى، إن قويت - أي فافعل -، قلت: أدعى لغسل الميت، فأسمع صوت الطبل؟ قال: إن قدرت على كسره وإلَّا فاخرج (¬4). وقال في رواية إسحاق بن منصور في الرجل يرى الطنبور والطبل ¬
ذكر من ذهب إلى ذلك من أهل العلم وقضاة العدل
والقنينة (¬1)، قال: إذا كان طنبورًا أو طبلًا، وفيها مسكر كسره (¬2). وفي "مسائل صالح" قال أبي: يقتل الخنزير، ويفسد الخمر (¬3)، ويكسر الصليب (¬4). وهذا قول أبي يوسف، ومحمد بن الحسن (¬5)، وإسحاق بن راهويه (¬6)، وأهل الظاهر (¬7)، وطائفة من أهل الحديث (¬8)، وجماعة من السلف، وهو قول قضاة العدل. قال أبو حصين (¬9): كسر رجل طنبورًا، فخاصمه إلى شريح، فلم يضمنه شيئًا (¬10). ¬
قول أصحاب الشافعي بضمان ما بينه وبين الحد المبطل للصورة
وقال أصحاب الشافعي (¬1): يضمن ما بينه وبين الحدِّ المبطل للصورة، وما دون ذلك فغير مضمون؛ لأنَّه مستحق الإزالة، وما فوقه فقابل للتمول لتأتي الانتفاع به، والمنكر إنَّما هو الهيئة المخصوصة، فيزول بزوالها، ولهذا أوجبنا الضمان في الصائل بما زاد عن قدر الحاجة في الدفع، وكذا الحكم في البغاة في اتباع مدبرهم، والإجهاز على جريحهم، والميتة في حال المخمصة لا يزاد على قدر الحاجة في ذلك كله. قال أصحاب القول الأوَّل (¬2): قد أخبر الله سبحانه عن كليمه موسى عليه السلام أنَّه أحرق العجل الَّذي عُبِدَ من دون الله، ونسفه في اليم (¬3)، وكان من ذهب وفضة، وذلك محقٌ له بالكلية، وقال عن خليله إبراهيم عليه السلام: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} [الأنبياء: 58] وهو الفتات (¬4)، وذلك نصٌّ في الاستئصال. وروى الإمام أحمد في مسنده (¬5) والطبراني في المعجم (¬6) من ¬
حديث الفرج بن فضالة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أُمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ، وَهُدَىً لِلْعَالَمِيْنَ، وَأمَرَنِي رَبِّي (¬1) بمَحْقِ المَعَازِفِ والمَزَامِيرِ والأوْثَانِ، والصُّلُبِ وأَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ" (¬2) لَفظ الطبراني. والفرج حمصي، قال أحمد في رواية: هو ثقة (¬3)، وقال يحيى: ليس به بأس (¬4)، وتكلم فيه آخرون (¬5)، وعلي بن يزيد (¬6) دمشقي ضعفه غير واحد (¬7)، وقال أبو مسهر (¬8) - وهو بلديُّه -: لا أعلم ¬
الرد على استدلال أصحاب الشافعي
به (¬1) إلَّا خيرًا (¬2)، وهو به أعرف، والمحق: نهاية الإتلاف. وأيضًا؛ فالقياس يقتضي ذلك؛ لأنَّ محل الضمان هو ما قبل المعاوضة، وما نحن فيه لا يقبلها ألبتة، فلا يكون مضمونًا، وإنَّما قلنا: لا يقبل المعاوضة؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ اللهَ حرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ وَالمَيْتَةِ والخِنْزِيرِ والأصْنَامِ" (¬3) وهذا نص، وقال: "إنَّ اللهَ إِذا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ" (¬4) والملاهي محرمات بالنَّص، فحرم بيعها. وأمَّا قبول ما فوق الحد المبطل للصورة لجعله آنية، فلا يثبت به وجوب الضمان؛ لسقوط حرمته، حيث صار جزء المحرم أو ظرفًا له، كما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من كسر دنان الخمر، وشق ظروفها (¬5)، ولا ريبَ أنَّ المجاورة لها تأثيرٌ في الامتهان والإكرام. ¬
إتلاف المال على وجه التعزير والعقوبة ليس بمنسوخ
وقد قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140]. وسُئِلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القوم يكونون بين المشركين، يؤاكلونهم ويشاربونهم؟ فقال: "هم منهم" هذا لفظه (¬1) أو معناهُ (¬2). فإذا كان هذا في المجاورة المنفصلة فكيف بالمجاورة التي صارت جزءًا من أجزاء المحرم، أو لصيقة به؟ وتأثير الجوار ثابت عقلًا وشرعًا وعرفًا (¬3). والمقصود أنَّ إتلاف المال - على وجه التعزير والعقوبة - ليس بمنسوخ، وقد قال أبو الهياج الأسدي (¬4): قال لي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ أَنْ لا تَدَعَ (¬5) تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتهُ، وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتهُ" رواه ¬
طمس الصور وكسر الصليب
مسلم (¬1)، وهذا يدلُّ على طمس الصور في أي شيء كانت، وهدم القبور المشرفة، وإن كانت من حجارة أو آجر أو لبن. قال المروذي: قلت لأحمد: الرجلُ يكتري البيت، فيرى فيه تصاوير، ترى أن يحكها؟ قال: نعم، قلت: فإن دخلت حمامًا، فرأيت صورة، ترى أن أحك الرَّأس؟ قال: نعم (¬2). وحجته: هذا الحديث الصحيح. وروى البخاري في "صحيحه" (¬3) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتَّى أمر بها فمحيت". وفي "الصحيحين" (¬4) أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيْهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ". وفي "صحيح البخاري" (¬5) عن عائشة - رضي الله عنها -: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَا يَتْرُكُ في بَيْتِهِ شَيْئًا فِيْهِ تَصْلِيبٌ إِلَّا قَصَّه". ¬
كلام الإمام أحمد في كسر أواني الفضة
وفي الصحيحين (¬1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا (¬2)، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الجِزْيَةَ". فهؤلاء رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم - إبراهيم وموسى وعيسى وخاتم المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - كلهم على محق المحل المحرم وإتلافه بالكلية، وكذلك الصحابة - رضي الله عنهم -، فلا التفات إلى من خالف ذلك. وقد قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: دفع إلي إبريق فضة لأبيعه، أترى أن أكسره، أو أبيعه كما هو؟ قال: اكسره (¬3). وقال: قيل لأبي عبد الله: إن رجلًا دعا قومًا، فجيء بطست فضة، وإبريق فضة (¬4)، فكسر، فأعجب أبا عبد الله كسره (¬5). وقال: بعثني أبو عبد الله إلى رجل بشيء، فدخلت عليه، فأتي بمكحلة رأسها مفضض فقطعتها، فأعجبه ذلك، وتبسم (¬6). ووجه ذلِكَ: أنَّ الصياغة (¬7) محرَّمة، فلا قيمة لها ولا حرمة. ¬
لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها
وأيضًا؛ فتعطيل هذه الهيئة مطلوب، فهو بذلك محسن، وما على المحسنين من سبيل (¬1). فصل وكذلك لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها. قال المروذي: قلت لأحمد: استعرت كتابًا فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه أو (¬2) أحرقه؟ قال: نعم (¬3) فاحرقه (¬4). وقد "رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد عمر - رضي الله عنه - كتابًا اكتتبه من التوراة، وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعر وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتَّى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه" (¬5). فكيف لو رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما صنِّف بعده من الكتب التي يعارض بها ما في القرآن والسنَّة؟ والله المستعان. ¬
ضرر الكتب المضلة على الأمة
وقد "أمرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتب عنه شيئًا غير القرآن أن يمحوه" (¬1)، ثمَّ "أذن في كتابة سنته" (¬2)، ولم يأذن في غير ذلك. وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة الكتاب والسنَّة غير مأذون فيها، بل مأذون في محقها وإتلافها، وما على الأمة أضر منها، وقد حرَّق الصحابة - رضي الله عنهم - جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان (¬3)، لما خافوا على الأمة من الاختلاف، فكيف لو رأوا أكثر (¬4) هذه الكتب التي أوقعت الخلاف والتفرق بين الأمة؟ وقال الخلال: أخبرني محمد بن أبي هارون (¬5) أنَّ أبا الحارث حدَّثهم قال: قال أبو عبد الله: أهلكهم وضع الكتب، تركوا آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقبلوا على الكلام. وقال: أخبرني محمد بن أحمد بن واصل المقري قال: سمعت أبا عبد الله وسُئِلَ عن الرَّأي؟ فرفع صوته، قال: لا يثبت شيءٌ من الرَّأي، عليكم بالقرآن والحديث والآثار. ¬
وقال في رواية ابن مشيش (¬1): إنَّ أبا عبد الله سأله رجل فقال: أكتب الرَّأي؟ فقال: ما تصنع بالرَّأي؟ عليك بالسنن فتعلمها وعليك بالأحاديث المعروفة. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: هذه الكتب بدعة وضعها. وقال إسحاق بن منصور: سمعت أبا عبد الله يقول: لا يعجبني شيءٌ من وضع الكتب، من وضع شيئًا من الكتب (¬2) فهو مبتدع. وقال المروذي: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا حماد ابن زيد قال: قال لي ابن عون: يا حماد هذه الكتب تُضِلُّ. وقال الميموني: ذاكرت أبا عبد الله خطأ النَّاس في العلم، فقال: وأي النَّاس لا يخطئ؟ ولا سيما من وَضَعَ الكتب، فهو أكثر خطأ. وقال إسحاق: سمعت أبا عبد الله وسأله قوم من أردبيل (¬3) عن رجل يقال له: عبد الرحيم (¬4)، وضع كتابًا؟ فقال أبو عبد الله: هل أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل ذا؟ أو أحد من التابعين؟ وأغلظ (¬5) وشدد ¬
في أمره، وقال: انهوا النَّاس عنه، وعليكم بالقرآن (¬1) والحديث. وقال في رواية أبي الحارث: ما كتبت من هذه الكتب الموضوعة شيئًا قط. وقال محمد بن يزيد (¬2) المستملي: سألَ أحمد رجلٌ فقال: أكتب كتب الرَّأي؟ قال: لا تفعل، عليك بالحديث والآثار، فقال له السائل: إنَّ ابن المبارك قد كتبها، فقال له أحمد: ابن المبارك لم ينزل من السَّماء، إنَّما أمرنا أن نأخذ العلم من فوق (¬3). وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي - وذكر وضع الكتب - فقال: أكرهها، هذا أبو فلان وضع كتابًا، فجاءه أبو فلان فوضع كتابًا، وجاء فلان فوضع كتابًا، فهذا لا انقضاء له، كلَّما جاء رجل وضع كتابًا، وهذه الكتب وضعها بدعة، كلما جاء رجل وضع كتابًا، وترك حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ليس إلَّا الاتباع والسنن، وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وعاب وضع الكتب وكرهه كراهة شديدة. وقال المروذي في موضع آخر: قال أبو عبد الله: يضعون البدع في كتبهم، إنَّما أحذر عنها أشد التحذير، قلت: إنَّهم يحتجون بمالك أنَّه وضع كتابًا، فقال أبو عبد الله: هذا ابن عون والتيمي (¬4) ¬
كراهة الإمام أحمد لوضع الكتب
ويونس (¬1) وأيوب (¬2) هل وضعوا كتابًا؟ هل كان في الدنيا مثل هؤلاء؟ وكان ابن سيرين وأصحابه لا يكتبون الحديث (¬3) فكيف الرَّأي؟ وكلام أحمد في هذا كثيرٌ جدًّا، قد ذكره الخلال في كتاب العلم (¬4). ومسألة وضع الكتب فيها تفصيل ليس هذا موضعه، وإنَّما كره أحمد ذلك ومنع منه لما فيه من الاشتغال به، والإعراض عن القرآن والسنَّة، فإذا كانت الكتب متضمنة لنصر القرآن والسنَّة (¬5) والذب عنهما، وإبطال الآراء والمذاهب المخالفة لهما فلا بأس بها، وقد تكون واجبة ومستحبة ومباحة، بحسب اقتضاء الحال، والله أعلم. والمقصود: أنَّ هذه الكتب المشتملة على الكذب والبدعة يجب إتلافها وإعدامها، وهي أولى بذلك من إتلاف آلات اللهو والمعازف، وإتلاف آنية الخمر، فإنَّ ضررها أعظم من ضرر هذه، ولا ضمان فيها (¬6)، كما لا ضمان في كسر أواني الخمر (¬7) وشق ¬
لا ضمان في إتلاف أواني الخمر وآلات اللهو
زقاقها (¬1). قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: لو رأيت مسكرًا في قنينة أو قربة، تكسر، أو تصب؟ قال: تكسر (¬2). وقال أبو طالب: قلت: نَمرُّ على المسكر القليل أو الكثير أكسره؟ قال: نعم تكسره (¬3). قال محمد بن أبي حرب (¬4): قلت لأبي عبد الله (¬5): ألقى رجلًا ومعه قربة مغطاة؟ قال: بريبة؟ قلت: نعم، قال: تكسرها. وقال في رواية ابن منصور في الرجل يرى الطنبور والطبل مغطَّى والقنينة، إذا كان يعني أنَّه يتبين أنَّه طنبور أو طبل (¬6)، أو فيها مسكر: كسره (¬7). ¬
الأحاديث الآمرة بإتلاف أواني الخمر
وقد روى عبد الله بن أبي الهذيل (¬1) قال: "كان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يحلف بالله أنَّ التي أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حُرِّمت الخمر - أن تُكْسَرَ دِنَانهَا، وأن تكفأ: لمن التمر والزبيب" رواه الدَّارقطني في السنن (¬2) بإسناد صحيح. وعن أنس بن مالك عن أبي طلحة "أنَّه قال: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّي اشْتَرَيْتُ خَمْرًا لأَيْتَامِ في حِجْرِي، قال: أَهْرِقْ الخَمْرَ، وَاكسِرْ الدِّنَان" (¬3) رواهُ الترمذي من حديث ليث بن أبي سليم عن يحيى بن عباد عنه. وفي "مسند أحمد" من حديث أبي (¬4) طعمة (¬5) قال: سمعت عبد الله ابن عمر يقول: "أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المِرْبَد، فَإِذَا بِزِقَاقٍ عَلَى المِرْبَد (¬6) ¬
فيها خَمْرٌ، فَدَعَا رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالمُدْيَةِ - وَمَا عَرَفْتُ المُدْيَةَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ - فَأَمَرَ بالزِّقَاقِ فَشُقَّتْ، ثُمَّ قَالَ: لُعِنَتِ الخَمْرُ وَشَارِبُهَا، وسَاقِيهَا، وبَائِعُهَا، وَمُبْتَاعُهَا، وَحَامِلُهَا .. " (¬1) الحديث. وفي "المسند" أيضًا عن ضمرة بن حبيب قال: قال عبد الله بن عمر: "أَمَرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن آتيه بمُديَةٍ، فأتيته بهِا، فَأرسَلَ بِهَا فَأُرْهِفَتْ، ثُمَّ أَعْطَانِيهَا، وقال: اغْدُ عَلَيَّ بِهَا، فَفَعَلْتُ، فخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ إِلَى أَسْوَاقِ المَدِينَةِ، وفيها زِقَاقُ خَمْرٍ، قَدْ جُلِبَتْ مِنَ الشَّام، فَأخَذَ المُدْيَة مِنِّي، فَشَقَّ مَا كَانَ مِنْ تِلْكَ الزِّقَاقِ بحَضْرَتِهِ (¬2)، ثُمَّ أَعْطَانِيْهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذين كَانُوا مَعَهُ أَنْ يَمْضُوا مَعِي، وأَنْ يُعَاوِنُوني، وأَمَرَنِي أَنْ آتِي الأسْوَاقَ كُلَّهَا، فَلَا أَجدُ فِيْهَا زِقَّ خَمْرٍ إِلَّا شَقَقْتُهُ، ففعلت فَلَمْ أَتْرُكْ في أَسْوَاقِهَا زِقًّا إِلَّا شَقَقْتُهُ" (¬3). وفي "الصحيحين" (¬4) عن أنس بن مالك قال: "كُنْتُ أَسْقِي أبَا عُبَيْدَةَ ¬
ابنَ الجَرَّاحِ، وأبَا طَلْحَةَ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، شَرَابًا مِنْ فَضِيْخٍ (¬1) وَتَمْرٍ، فَأَتَاهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قُمْ يَا أَنَسُ إِلَى هَذِهِ الجَرَّة فَاكسِرْهَا، فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ (¬2) لَنَا، فَضَرَبْتُهَا بأَسْفَلِهِ، حَتَّى تَكَسَّرَتْ". وفي "سنن النسائي" و"أبي داود" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "علمت أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصومُ في بَعْضِ الأَيَّامِ التي كانَ يَصُومُهَا، فَتَحَيَّنْتُ فِطْرَهُ بنَبيْذٍ صَنَعْتُهُ في دِنَانٍ، فَلَمَّا كَانَ المَسَاءُ جئْتُهُ أَحْمِلُهَا إِلَيْهِ - فَذكر الحديث - ثُمَّ قَالَ: فَرَفَعْتُهَا (¬3) إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ يَنِشُّ (¬4)، فَقالَ: خَذْ هَذِهِ فَاضْرِبْ بِهَا الحَائِطَ، فَإنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالله وَلَا بِاليومِ الآخِرِ" (¬5). ¬
ما يصنع بمنزل الفاسق يأوي إليه أهل الفسق والخمر
فصل وقال ابن أبي الغمر (¬1): قال ابن القاسم: سئل مالك - رحمه الله - عن فاسق يأوي إليه أهل الفسق والخمر: ما يصنع به؟ قال: يخرج من منزله، وتكرى إليه الدَّار والبيوت، قال: فقلت: ألا تباع؟ قال: لا (¬2)، لعله يتوب، فيرجع إلى منزله، قال ابن القاسم: يتقدم إليه مرَّة أو مرَّتين أو ثلاثًا، فإن لم ينته أخرج وأكري عليه (¬3). قال ابن رشد (¬4): قد قال مالك في "الواضحة" (¬5): إنَّها تباع عليه، ¬
خلاف قوله في هذه الرواية. قال: وقوله فيها أصح؛ لما ذكره من أنَّه قد يتوب ويرجع إلى منزله، ولو لم تكن الدَّار له، وكان فيها بكراء، أخرج منها، وأكريت عليه، ولم يفسخ كراؤه فيها، قاله في كراء الدور من "المدونة" (¬1). وقد روى يحيى بن يحيى (¬2) أنَّه قال: أرى أن يحرق بيت الخمار، قال: وقد أخبرني بعض أصحابنا أنَّ مالكًا كان يستحب أن يحرق بيت المسلم الخمار الَّذي يبيع الخمر، قيل له: فالنصراني يبيع الخمر من المسلمين؟ قال: إذا تقدم إليه فلم ينته، فأرى أن يحرق عليه بيته بالنَّار (¬3). قال: وحدثني الليث أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "حرق بيت رويشد الثقفي (¬4)؛ لأنَّه كان يبيع الخمر، وقال له: أنت فويسق، ولست برويشد" (¬5). ¬
منع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق ومجامع الرجال
فصل ومن ذلك أنَّ ولي الأمر يجب عليه أن يمنع من اختلاط الرجال بالنِّساء في الأسواق والفُرَج ومجامع الرجال. قال مالك - رحمه الله ورضي عنه -: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصياغ (¬1) في قعود النساء إليهم، وأرى ألَّا يترك المرأة الشابة تجلس إلى الصياغ (¬2)، فأمَّا المرأة المتجالة (¬3) والخادم الدون، التي لا تتهم على القعود، ولا يتهم من تقعد عنده: فإنِّي لا أرى بذلك بأسًا، انتهى (¬4). فالإمام مسؤولٌ عن ذلك، والفتنة به عظيمة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَرَكْت عَلَى أُمَّتِي بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ" (¬5)، وفي حديثٍ آخر: "بَاعِدُوا بَيْنَ أَنْفَاسِ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ" (¬6)، وفي حديث آخر: أنَّه ¬
منع النساء من الخروج متزينات متجملات
قال للنِّساء: "لكُنَّ حَافَاتُ الطَّرِيقِ" (¬1). ويجب عليه منع النِّساء من الخروج متزينات متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات، كالثياب الواسعة والرقاق، ومنعهنَّ من حديث الرِّجال في الطرقات، ومنع الرجال من ذلك (¬2). وإن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة - إذا تجملت وتزينت وخرجت (¬3) - ثيابها بحبر ونحوه، فقد رخَّصَ في ذلك بعض الفقهاء (¬4) وأصاب، وهذا من أدنى مراتب (¬5) عقوبتهنَّ المالية. وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها، ولا سيما إذا خرجت متجملة، بل إقرار النِّساء على ذلك إعانة لهنَّ على الإثم والمعصية، والله سبحانه سائل ولي الأمر عن ذلك. وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - النِّساء من المشي في طريق الرِّجال، والاختلاط بهم في الطريق (¬6). فعلى ولي ¬
الأمر أن يقتدي به في ذلك. وقال الخلال في "جامعه" (¬1). أخبرني محمد بن يحيى الكحال (¬2): أنَّه قال لأبي عبد الله: أرى الرجل السوء مع المرأة؟ قال: صح به (¬3)، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّ المَرْأَةَ إِذَا تَطَيَّبَتْ وَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ" (¬4). ويمنع المرأة إذا أصابت بخورًا أن تشهد عشاء الآخرة في المسجد (¬5). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "المَرْأَةُ إِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ" (¬6). ¬
خطر اختلاط النساء بالرجال وآثاره
وَلَا رَيْبَ أنَّ تَمْكِين (¬1) النِّسَاءِ من اختلاطهنَّ بالرِّجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنَّه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرِّجال بالنِّساءِ سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المتصلة. ولما اختلط البغايا (¬2) بعسكر موسى، وفشت فيهم الفاحشة، أرسلَ اللهُ تعالى عليهم الطاعون، فمات في يومٍ واحد سبعون ألفًا، والقصة مشهورة في كتب التفاسير (¬3). فمن أعظم أسباب جلب (¬4) الموت العام: كثرة الزنا، بسبب تمكين النِّساء من اختلاطنَّ بالرِّجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية - قبل الدين - لكانوا أشد شيء منْعًا لذلك. قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا والرِّبَا (¬5) في قَرْيَةٍ أَذِنَ اللهُ بِهَلَاكِهَا" (¬6). ¬
وقال ابن أبي الدنيا (¬1): حدثنا إبراهيم بن الأشعث حدثنا عبد الرحمن (¬2) بن زيد العمِّي (¬3) عن أبيه (¬4) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا طَفَّفَ (¬5) قَوْمٌ كَيْلًا، وَلاَ بَخَسُوا (¬6) مِيْزَانًا، إِلَّا مَنَعَهُمُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - القَطْرَ (¬7)، وَلاَ ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الزِّنَا إِلَّا ظَهَرَ فِيْهم المَوْتُ، وَلاَ ظَهَرَ في قَوْمٍ القَتْلُ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا سَلَّطَ اللهُ علَيْهِمْ عَدُوَّهُم (¬8)، وَلاَ ظَهَرَ فِيَ قَوْمٍ عَمَلُ قَوْم لُوْطٍ إلَّا ظَهَرَ فِيْهم الخَسْفُ، وَمَا تَرَكَ قَوْمٌ الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ والنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ إِلَّا لَمْ تُرْفعْ أَعْمَالُهُمْ، وَلَمْ يُسْمَعْ دُعَاؤُهُمْ" (¬9). ¬
منع اللاعبين بالحمام على رؤوس الناس، وعلة المنع
فصل وعليه أن يمنع الَّلاعبين بالحمام على رؤوس النَّاس، فإنَّهم يتوسلون بذلك إلى الإشراف عليهم، والتطلع على عوراتهم (¬1)، وقد روى أبو داود في "سننه" (¬2) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّه رأى رجلًا يتبع حمامة فقال: شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَة". وقال إبراهيم النخعي: من لعب بالحمام الطيارة (¬3) لم يمت حتَّى يذوق ألم الفقر (¬4). وقال الحسن: "شهدتُ عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وهو ¬
يخطب، يأمر بذبح الحمام وقتل الكلاب" ذكره البخاري (¬1). وقال خالد الحذاء عن بعض التابعين (¬2) قال: كان ملاعب (¬3) آل فرعون الحمام (¬4). وكان شريح لا يجيز شهادة صاحب حَمَّام ولا حمام (¬5). وقال ابن المبارك عن سفيان: سمعنا أنَّ اللعب بالجُلاهِق (¬6) واللعب بالحمام من عمل قوم لوط (¬7). ¬
هل يمنع الرجل من اتخاذ الحمام في الأبرجة إذا أفسدت زرع الناس؟
وذكر البيهقي عن أُسامة بن زيد قال: "شهدت عمر (¬1) - رضي الله عنه - يَأْمُرُ بِالحَمَائِمِ الطَّيَّارِة فَيُذْبَحْنَ، وَيَتْرُكُ المُقَصَّاتِ" (¬2). فصل واختلف الفقهاء: هل يمنع الرجل من اتخاذ الحمام في الأبرجة إذا أفسدت بذر النَّاس وزرعهم (¬3)؟ فقال ابن حبيب عن مطرف في النحل يتخذها الرجل في القرية وهي تضر ممر القوم، أو يتخذ برجا في القرية (¬4) ويتخذ فيها الكوى للعصافير تأوي إليها، وكذلك الحمام في إيذائها وإفسادها الزرع: يمنع من اتخاذ ما يضر النَّاس في زرعهم؛ لأنَّ هذا طائر (¬5) لا يقدر على الاحتراز منه (¬6). وقال ابن كنانة في "المجموعة" (¬7): لا يمنع أحد من اتخاذ برج ¬
هل يضمن صاحبها ما أتلفت؟
الحمام، وإن تأذَّى به جيرانه، وكذلك العصافير والدجاج، وعلى أهل الزرع والحوائط أن يحرسوها بالنَّهار (¬1). قلت: قول مطرف أصحُّ وأفقه (¬2)؛ لأنَّ حراسة الزرع والحوائط من الطيور أمر متعسِّرٌ (¬3) جدًّا، بخلاف حراستها من البهائم، وقياس البهائم على الطير لا يصح. وقال أصبغ عن ابن القاسم: هي كالماشية وإن أضرت (¬4). والقياس أنَّ صاحبها يضمن ما أتلفت من الزرع مطلقًا؛ لأنَّه باتخاذها صار متسببًا إلى إتلاف زروع النَّاس، بخلاف المواشي؛ فإنَّه يمكن صونها وضبطها، فإذا انفلتت (¬5) بغير اختياره وأفسدت، فلا ضمان عليه؛ لأنَّ التقصير من أصحاب الحوائط، وأمَّا الطيور فلا يمكن أصحاب الحوائط التحفظ منها. فإن قيل: فما تقولون في السنّور (¬6) إذا أكلت الطيور، وأكفأت ¬
هل يسوغ قتل السنور لذلك؟
القدور؟ قيل: على مقتنيها ضمان ما تتلفه من ذلك ليلًا ونهارًا، ذكره أصحاب أحمد (¬1)، وهو أصح الوجهين للشافعية (¬2)؛ لأنَّها في معنى الكلب العقور، فوجب إلحاقها به؛ ولأنَّ من شأنها أن تضبط وتربط، فإرسالها تفريط، وإن لم يكن ذلك من عادتها بل فعلته نادرًا، فلا ضمان. ذكره في "المغني" (¬3)، وهو أصح الوجهين للشَّافعية (¬4). فإِن قيل: فهل تسوغون قتلها لذلك؟ قلنا: نعم، إذا كان ذلك عادة لها. وقال ابن عقيل، وبعض الشافعية (¬5): إنَّما تقتل حال مباشرتها للجناية، فأمَّا في حال سكونها وعدم صوْلها، فلا. والصحيح خلاف ذلك (¬6)، وأنَّها تقتل، وإن كانت ساكنة، كما يقتل من طبعه الأذى في حال سكونه، ولا تنتظر مباشرته. وقد روى أبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري (¬7) ¬
المرض المعدي كالجذام إذا استضر الناس بأهله
- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "يَقْتُلُ المُحْرِمُ السَّبُعَ العَادِي" (¬1). قال الترمذي (¬2): هذا حديث حسن، والهرة سبع. وفي "الصحيحين" (¬3) عنه - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسٌ فَوَاسِق يُقْتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ: الحِدَأَةُ، والفَأْرَةُ، والحَيَّةُ، والغُرَابُ الأبْقَعُ، والكَلْبُ العَقور"، وفي لفظ: "العَقْرَبُ" بدل "الحية"، ولم يشترط في قتلهنَّ أن يكون حال المباشرة. فصل في المرض المعدي كالجذام إذا استضر النَّاس بأهله. ¬
كلام المالكية في كيفية التعامل مع المبتلى بذلك
قال ابن وهب في المبتلى يكون له في منزله سهم، وله حظ في شرب، فأراد من معه في المنزل إخراجه منه، وزعموا أن استقاءه من مائهم الَّذي يشربون منه مضر (¬1) بهم، فطلبوا إخراجه من المنزل، قال ابن وهب: إذا كان له مال، أمر أن يشتري لنفسه من يقوم بأمره، ويخرج في حوائجه، ويلزم هو بيته فلا يخرج، وإن لم يكن له مال، خرج من المنزل إذا لم يكن فيه شيء، وينفق عليه من بيت المال (¬2). وقال عيسى (¬3) في قوم ابتلوا بالجذام، وهم في قرية موردهم واحد، ومسجدهم واحد، فيأتون المسجد فيصلون فيه، ويجلسون فيه معهم، ويردون الماء ويتوضئون، فيتأذَّى بذلك أهل القرية، وأرادوا منعهم من ذلك كله (¬4)؛ قال: أمَّا المسجد فلا يمنعون من الصلاة فيه، ولا من الجلوس، ألا ترى إلى قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للمرأة المبتلاة لما رآها تطوف بالبيت مع النَّاس: "لو جلست في بيتك لكان خيرًا لك (¬5) "، ولم يعزم عليها بالنَّهي عن الطواف، ودخول البيت، وأمَّا استقاؤهم من مائهم، وورودهم المورد للوضوء وغير ذلك، فيمنعون، ويجعلون لأنفسهم صحيحًا يستقي لهم الماء في آنية، ثمَّ يفرغها في آنيتهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا ضَررَ وَلَا ¬
ضِرَار" (¬1)، وذلك ضررٌ بالأصحاء، فأرى أن يحال بينهم وبين ذلك، ألا ترى أنَّه يفرّق بينه وبين زوجته (¬2)، ويحال بينه وبين وطء جواريه للضرر؟ فهذا منه (¬3). وقال ابن حبيب عن مطرف في الجذامى: وأمَّا الواحد والنفر اليسير فلا يخرجون من الحاضرة، ولا من قرية، ولا من سوق، ولا من مسجد جامع؛ لأنَّ عمر - رضي الله عنه - لم يعزم على المرأة وهي ¬
تطوف بالبيت (¬1)، وكذلك معيقيب الدَّوسي (¬2) قد جعله عمر - رضي الله عنه - على بيت المال، وكان عمر (¬3) يجالسه ويؤاكله، ويقول له: "كُلْ مِمَّا يليك" (¬4)، فإذا كثروا رأيت أن يتخذوا لأنفسهم موضعًا، كما صنع بمرضى مكة، ولا يمنعون من الأسواق لتجارتهم، وشراء حوائجهم، أو الطواف للسؤال، إذا لم يكن إمام يرزقهم من الفيء، ولا يمنعون من الجمعة، ويمنعون من غير ذلك (¬5). وروى سحنون: أنَّهم لا يجمعون مع النَّاس الجمعة (¬6)، وأمَّا مرضى القرى فلا يخرجون منها، وإن كثروا، ولكن يمنعون من أذى النَّاس. وقال أصبغ: ليس على مرضى الحواضر الخروج منها إلى ناحية أخرى (¬7)، ولكن إن كفاهم الإمام المؤنة منعوا من مخالطة النَّاسِ بلزوم ¬
حديث: فر من المجذوم فرارك من الأسد
بيوتهم والتنحي عنهم (¬1). وقال ابن حبيب: يحكم عليهم بتنحيهم (¬2) ناحية إذا كثروا، وهو الَّذي عليه فقهاء الأمصار (¬3). قلت: يشهد لهذا الحديث الصحيح الَّذي رواه البخاري من حديث سعيد بن ميناء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا عَدْوَى (¬4)، وَلاَ هَامَةَ (¬5)، ولاَ صَفَرَ (¬6)، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُوْمِ فِرَارَكَ منَ الأَسَدِ، أو قال: مَن الأُسُود" (¬7). وروى مسلمٌ في "صحيحه" (¬8) من حديث يعلى بن عطاء عن عمرو ¬
حديث: لا تديموا النظر إلى المجذومين
بن الشريد عن أبيه قال: "كَانَ في وَفْدِ ثقيف رجل مجذوم (¬1)، فأرسلَ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - إنَّا قدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِع". وفي "مسند (¬2) أبي داود الطيالسي": حدثنا ابن أبي الزناد (¬3) عن محمد بن عبد الله القرشي (¬4) عن أبيه (¬5) عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا تُدِيْمُوا النَّظَرَ إِلَيهم يعني المجْذُومين" (¬6)، ومحمد هذا هو ¬
حديث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في الصحفة
محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان. ولا تعارض بين هذا وبين ما رواه مفضل بن فضالة عن حبيب بن الشهيد عن ابن (¬1) المنكدر عن جابر: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد مجذوم، فوضعها معه (¬2) في قصعة، فقال: "كُلْ بِاسْمِ اللهِ، وَتَوَكُلًا على اللهِ" (¬3)، فإنَّ هذا يدلُّ على جواز الأمرين، وهذا في حق طائفة، ¬
فائدة طبية في أن الطبيعة نقالة
وهذا في حق طائفة (¬1)، فمن قوي توكله واعتماده ويقينه من الأمة أخذ بهذا الحديث، ومن ضعف عن ذلك أخذ بالحديث الآخر، وهذا سنة، وهذا سنة، وبالله التوفيق (¬2). فإذا أراد أهل الدَّار أن يؤاكلوا المجذومين ويشاربوهم ويضاجعوهم فلهم ذلك، وإن أرادوا مجانبتهم ومباعدتهم فلهم ذلك. وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُدِيْمُوا النَّظَرَ إِلَى المَجْذُومِيْنَ" فائدةٌ طبية (¬3) عظيمة، وهي أنَّ الطبيعة نقَّالة، فإذا أدام النظر إلى المجذوم خيف عليه أن يصيبه ذلك بنقل الطبيعة، وقد جرَّب النَّاس أنَّ المجامع إذا نظرَ إلى شيءٍ عند الجماع وأدام النَّظرَ إليه، انتقل منه صفة إلى الولد، وحكى (¬4) بعض رؤساء الأطباء أنَّه أجلس ابن أخ له للكحل فكان ينظر في أعين الرمد فيرمد، فقال له: اترك الكحل، فتركه فلم يعرض له رمد، قال: لأنَّ الطبيعة نقَّالة. وذكر البيهقي وغيره: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَ امْرَأَةً من ¬
غِفَار (¬1)، فدخل عليها، فأمرها فنزعت ثيابها، فرأى بياضًا عند ثدييها، فانحاز النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفراش، فلمَّا أصبح قال: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، وحمل (¬2) لها صَدَاقَهَا" (¬3). ¬
من طرق الأحكام: الحكم بالقرعة
فصل ومن طرق الأحكام: الحكم بالقرعة (¬1)، قال تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)} [آل عمران: 44]. قال قتادة: "كانت مريم ابنة إمامهم وسيدهم، فتشاحَّ عليها بنو إسرائيل، فاقترعوا عليها بسهامهم، أيهم يكفلها، فقرع زكريا، وكان زوج أختها، فضمها إليه" (¬2). ونحوه عن مجاهد (¬3). وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "لما وضعت مريم (¬4) في المسجد اقترع عليها أهل المصلَّى، وهم يكتبون الوحي، فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها" (¬5). وهذا متفق عليه بين أهل التفسير. وقال تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) ¬
الأحاديث المرفوعة الواردة فيها
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)} [الصافات: 139 - 141] يقول تعالى: فقارع، فكان من المغلوبين. فهذان نبيان كريمان استعملا القرعة (¬1)، وقد احتجَّ الأئمة الأربعة بشرع من قبلنا إن صحَّ ذلك عنهم (¬2). وفي "الصحيحين" (¬3) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّدَاءِ والصَّفِّ الأوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أن يَسْتَهِمُوا (¬4) عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا". وفي "الصحيحين" (¬5) أيضًا عن عائشة - رضي الله عنها -: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجهِ فَأيتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ". وفي "صحيح مسلم" (¬6) عن عمران بنِ حصينِ: "أنَّ رجلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِين لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غيْرُهُمْ فدَعَاهُمْ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬
فَجَزأهم أَثْلاثًا، ثُمَّ أَقْرَعَ بينَهُمْ، فأَعْتَقَ اثنين وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، وقال لَهُ قَوْلًا شَدِيْدًا". وفي "صحيح البخاري" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَ عَلَى قَوْم اليمين فَسَارَعُوا إِلَيْهِ، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ في اليَمِيْنِ، أَيُّهُمْ يَحْلِفُ" (¬1). وفي "سنن أبي داود" عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أُكْرِهَ اثْنَانِ عَلَى اليَمينِ، أَوْ اسْتَحَبَّاهَا فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهَا" (¬2). وفي رواية أحمد: "إِذَا أُكْرِهَ اثْنَانِ عَلَى اليَمِيْنِ أَو اسْتَحَبَّاهَا" (¬3). وفيهما أيضًا عنه: "أنَّ رجلين اختصما في متاع إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وليس لواحدٍ منهما بينة، فقال: استهما على اليمين ما كان، أَحَبَّا ذلِكَ أَوْ كَرِهَا" (¬4). ¬
وفي "الصحيحين" (¬1) عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: "أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ في مَوَارِيثَ لَهُمَا، لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَينة إِلَّا دَعْوَاهُمَا، فقال: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تًخْتَصِمُوْنَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ (¬2) بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ بنَحْو مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيْهِ فَلَا يأْخُذ مِنْهُ شَيْئًا (¬3)، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ". زَادَ أبو داود في "السنن": "فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقي لك، فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: أَمَّا إِذْ فَعَلْتُمَا مَا فَعَلْتُمَا فَاقْتَسِمَا، وَتَوَخَّيَا الحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ تَحَالَّا" (¬4). فهذه السنة - كما ترى - قد جاءت بالقرعة، كما جاء بها الكتاب، وفعلها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعده. ¬
ما ورد عن الصحابة في العمل بها
قال البخاري في "صحيحه": "ويذكر أنَّ قومًا اختلفوا في الأذان فأقرع بينهم سعد" (¬1). وقد صنَّف أبو بكر الخلال مصنفًا في القرعة، وهو في "جامعه" (¬2)، فذكر مقاصده. قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم وجعفر بن محمد: القرعة جائزة (¬3). وقال يعقوب بن بُختان: سئل أبو عبد الله عن القرعة ومن قال إنَّها قمار (¬4)؟ قال: إن كان ممن سمع الحديث، فهذا كلام رجل سوء (¬5)، يزعم أنَّ حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قمار؟!! وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله (¬6): إنَّ ابن أكثم (¬7) يقول: إنَّ ¬
القرعة قمار، قال: هذا قول رديء خبيث، ثمَّ قال: كيف (¬1)؟ وقد يحكمون هم بالقرعة في وقت إذا قسمت الدَّار، ولم يرضوا، قالوا: يقرع بينهم (¬2)، وهو يقول: لو أنَّ رجلًا له أربع نسوة فطلَّق إحداهنَّ، وتزوج خامسة، ولم يدر أيتهنَّ التي طلَّق، قال: يرثن (¬3) جميعًا، ويأمرهنَّ أن يعتددن جميعًا. وقد ورث من لا ميراث لها، وقد أمر أن (¬4) تعتد من لا عدَّة عليها، والقرعة تصيب الحق، فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وقال أبو الحارث: كتبت إلى أبي عبد الله أسأله، قلت: إنَّ بعض النَّاس ينكر القرعة، ويقول: هي قمار القوم (¬6)، ويقول: هي منسوخة (¬7)؟ فقال أبو عبد الله: من ادَّعى أنَّها منسوخة (¬8) فقد كذب وقال الزور (¬9)، القرعة سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أقرعَ - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة مواضع: أقرع (¬10) ¬
بين الأعبُد الستة (¬1)، وأقرع بين نسائه لمَّا أرادَ السفر (¬2)، وأقرع بين رجلين تداعيا (¬3) في دابَّة (¬4)، وهي في القرآن في موضعين (¬5). قلت: يريد أنَّه أقرع بنفسه في ثلاثة (¬6) مواضع، وإلَّا فأحاديث القرعة أكثر، وقد تقدم ذكرها. قال: وهم يقولون إذا اقتسموا الدَّار والأرضين: أقرع بين القوم، فأيهم أصابته القرعة كان له ما أصاب من ذلك يجبر عليه. وقال الأثرم: إنَّ أبا عبد الله ذكر القرعة واحتجَّ بها وبيَّنها، وقال: إنَّ قومًا يقولون: القرعة قمار، ثمَّ قال أبو عبد الله: هؤلاء قومٌ جهلوا فيها عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - خمس سنن (¬7). قال الأثرم: وذكرت له أنا حديث الزبير في الكفن (¬8)، فقال: حديث أبي (¬9) الزناد؟ قلت: نعم، قال أبو عبد الله: قال أبو الزناد: ¬
يتكلمون في القرعة وقد ذكرها الله تعالى في موضعين من كتابه. وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله قال في قوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)} [الصافات: 141] أي: أقرع، فوقعت القرعة عليه. قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: القرعة حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقضاؤه، فمن ردَّ القرعة فقد ردَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضاءه وفعله، ثمَّ قال: سبحان الله لمن قد علم بقضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ويفتي بخلافه!! قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]. قال حنبل: وقال عبد الله بن الزبير الحميدي: من قال بغير القرعة فقد خالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته التي قضى بها (¬1) وقضى بها أصحابه بعده. وقال في رواية الميموني: في القرعة خمس سنن (¬2)، حديث أم سلمة: "إنَّ قومًا أتوا النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في مواريث وأشياء دَرست (¬3) بينهم، فأقرع بينهم" (¬4)، وحديث أبي هريرة حين تداعيا (¬5) في دابة، فأقرع بينهما (¬6)، ¬
وحديث الأعبد الستة (¬1)، وحديث أقرع بين نسائه (¬2)، وحديث علي (¬3)، وقد ذكر (¬4) أبو عبد الله من فعلها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ابن الزبير (¬5)، وابن المسيب (¬6)، ثمَّ تعجب من أصحاب الرَّأي وما يردون من ذلك. قال الميموني: وقال لي أبو عبيد (¬7) القاسم بن سلام وذاكرني أمر القرعة فقال: أرى أنَّها من أمر النبوة، وذكر قوله تعالى: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] وقوله: {فَسَاهَمَ}. وقال أحمد في رواية الفضل بن عبد الصمد: القرعة في كتاب الله، والَّذين يقولون: القرعة قمار قوم (¬8) جهال، ثمَّ ذكر أنَّها في السنة (¬9). وكذلك قال في رواية ابنه صالح: أقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - في خمس (¬10) مواضع، وهي في القرآن في موضعين (¬11). ¬
وقال أحمد (¬1) في رواية المروذي: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة عن عروة قال: أخبرني أبي (¬2) الزبير: أنَّه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى، حتَّى كادت أن تشرف على القتلى، قال: فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تراهم، فقال: المرأة، المرأة، قال الزبير: فتوهمت أنَّها أُمِّي صفية، قال: فخرجت أسعى، فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فلهزت (¬3) في صدري - وكانت امرأة جلدة - وقالت: إليك، لا أمَّ لك، قال: فقلت: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزم عليك، قال: فرجعت وأخرجت ثوبين (¬4) معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله، فكفنوه فيهما، قال: فجئت بالثوبين ليكفن فيهما حمزة، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل، قد فُعِل به كما فعل بحمزة (¬5)، قال: فوجدنا غضاضة أن نكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له، قلنا: لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما فكفنَّا كل واحد في الثوب الَّذي طار له" (¬6)، ¬
وقال في رواية صالح (¬1): وحديث الأجلح عن الشعبي عن أبي الخليل عن زيد بن أرقم، وهو مختلفٌ فيه (¬2). ¬
كيفية القرعة
فصل في كيفية القرعة قال الخلال: حدثنا أبو النضر (¬1): أنَّه سمع أبا عبد الله يحب من القرعة ما قيل عن سعيد بن المسيب: "أن يأخذ خواتيمهم، فيضعها في كمه، فمن أخرج أولًا فهو القارع" (¬2). وقال أبو داود: قلت لأبي عبد الله في القرعة يكتبون رقاعًا؟ قال: إن شاءوا رقاعًا، وإن شاءوا خواتيمهم (¬3). وقال ابن منصور: قلت لأحمد: كيف يقرع؟ قال: بالخاتم وبالشيء (¬4). وقال (¬5) إسحاق بن راهويه (¬6) في القرعة: يؤخذ عود شبه القدح، فيكتب عليه: "عبد"، وعلى الآخر: "حر"، وكذلك قال في رواية مهنا (¬7). ¬
وقال بكر (¬1) بن محمد عن أبيه (¬2): سألت أبا عبد الله كيف تكون القرعة؟ قال: يلقي خاتمًا، يروى عن سعيد بن جبير، وإن جعل شيئًا في طين أو يكون علامة قدر ما يعرف صاحبه إذا كان له فهو جائز. وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: كيف القرعة؟ فقال: سعيد بن جبير يقول: بالخواتيم، أقرع بين اثنين في ثوب، فأخرج خاتم هذا وخاتم هذا، قال: ثمَّ يخرجون الخواتيم (¬3)، ثمَّ تدفع إلى رجل، فيخرج منها واحدًا (¬4)، قلت لأبي عبد الله: فإنَّ مالكًا يقول: تكتب رقاع وتجعل في طين (¬5)؟ قال: وهذا أيضًا، قيل لأبي عبد الله: فإنَّ النَّاس يقولون: القرعة هكذا، وقال الرجل بأصابعه الثلاثة، فضمها ثمَّ فتحها، فأنكر ذلك أبو عبد الله، وقال: ليس هو هكذا. وقال مهنا: قلت لأبي عبد الله: كيف القرعة؟ أهو أن يخرج هذا ويخرج هذا وأشرت بيدي بأصابعي؟ قال: نعم (¬6). ¬
مواضع القرعة
فصل في مواضع القرعة (¬1) قال إسحاق (¬2): قلت لأبي عبد الله: تذهب إلى حديث عمران بن حصين في الأعبد (¬3)؟ قال: نعم. فإن (¬4) قيل: العتق في المرض وصية، فكأنَّه أوصى أن يعتق كل عبد على انفراده، فإذا تعذَّر عتق جميعه عتق منه ما أمكن عتقه، كما لو كان ماله كلُّه عبدًا واحدًا، فأعتقه عتق منه ما حمل الثلث، قيل: هذا هو القياس الفاسد الَّذي ردت به السنة الصحيحة الصريحة. والفرق بين الموضعين: أنَّ في مسألة العبد الواحد لا يمكن غير جريان العتق في بعضه، وأمَّا في الأعبد فتكميل الحرية في بعضهم بقدر الثلث ممكن، فكان أولى من تشقيصها في كلَّ واحد، فإنَّ المريض قصد تكميل الحرية في الجميع، ولكن منع لحق الورثة، فكان تكميلها في البعض موافقًا لقصد المعتق ومقصود الشارع، أمَّا المعتق فإنَّه أراد تخليص جملة الرقبة، وأمَّا (¬5) الشارع فإنَّه متشوف إلى تكميل الحرية دون تشقيصها، وتكميلها في الجميع ضررٌ بالوارث، ¬
الكلام على إسناده
وتكميلها في الثلث مصلحة للمعتق والوارث والعبد، فلا يجوز العدول عنه. فالقياس الصحيح وأصول الشرع مع الحديث الصحيح، وخلافه خلاف النص والقياس معًا. فإن قيل: فقد صار سدس كل عبد من الأعبد الستة مستحق الإعتاق، فإبطاله إبطال لعتق مستحق؟ قيل: ليس كذلك، وإنَّما العتق المستحق عتق ثلث الأعبد، وهو الَّذي (¬1) ملَّكه إيَّاه الشارع - صلى الله عليه وسلم - فصار كما لو أوصى بعتق ثلثهم، فإنَّه هو الَّذي يملكه، وما لا يملكه تصرفه فيه لغوٌ وباطلٌ، والوارث إذا لم يجز إعتاق الجميع كان تصرف المعتق فيما زاد على الثلث بمنزلة عدمه، وإذا كان إنَّما أعتق الثلث حكمًا، أخرجنا الثلث بالقرعة، فأي قياسٍ أصح من هذا وأبين؟ فإن قيل: مدار الحديث على الحسن، وهو يرويه عن عمران بن حصين (¬2)، وقد قال أحمد في رواية الميموني: لا يثبت لقي الحسن لعمران بن حصين (¬3)، وقال مهنا: سألتُ أحمد عن حديث الحسن ¬
قال: حدثني (¬1) عمران بن حصين؟ قال: ليس بصحيح، بينهما هياج بن عمران البرجمي (¬2) عن عمران بن حصين (¬3). وقال عبد الله بن أحمد (¬4): وجدت في كتاب أبي - بخطه - حدثنا معاذ بن معاذ عن شعيب (¬5) عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب (¬6) عن عمران بن حصين حديث ¬
القرعة (¬1). وقال المروذي: ذكر أبو عبد الله حديث (¬2) أبي المهلب، فقال: قد روى الحسن عن عمران، ولم يسمعه، وقال: يقولون (¬3) إنَّه أخذه من كتاب أبي المهلب (¬4). قيل: هذا لا يضر الحديث شيئًا، فإنَّ أبا المهلب قد رواه عن عمران ابن حصين. قال مسلمٌ في "صحيحه": حدثنا علي بن حجر السعدي وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالوا: حدثنا إسماعيل - وهو ابن عُلية - عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين: "أنَّ رجلًا أعتق" (¬5) فذكره. قال مسلم (¬6): وحدثنا محمد بن منهال الضرير وأحمد بن عبدة (¬7) ¬
قالا: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين (¬1) بمثل حديث ابن علية وحماد (¬2). فهؤلاء ثلاثة عن عمران بن حصين (¬3): محمد بن سيرين، وأبو المهلب، والحسن البصري، وغاية الحسن أن يكون سمعه من واحد منهما. قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: حدثت أنَّه كان في كتاب همام (¬4) عن قتادة عن الحسن، قال: حدثني عمرو بن معاوية - أبو المهلب - عن عمران بن حصين (¬5): حديث القرعة. وقال الخلال: أخبرني العباس بن محمد بن أحمد (¬6) بن عبد الكريم (¬7)، ¬
حدثنا جعفر الطيالسي (¬1) قال: قال يحيى (¬2) عن الحسن حدثنا عمران ابن حصين. فإن لم يكن الحسن قد سمعه منه، كان بمنزلة قوله: "حدث أهل بلدنا" ولشهرة الحديث عندهم قال: "حدثنا" (¬3). وقد وقع نظير هذا في حديث الدجال، وقول الَّذي يقتله: "أنت الدجال الَّذي حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثه" (¬4). وقول أحمد عن حديث الحسن عن عمران: "لا يصح"، إنَّما أراد قول الحسن: "حدثني عمران بن حصين"؛ فإنَّ مهنا بن يحيى إنَّما سأله عن ذلك، فقال: سألت أحمد عن حديث الحسن: قال: حدثني عمران بن حصين؟ قال: ليس بصحيح. على أنَّ الحديث قد صحَّ من غير طريق عمران. قال الخلال: حدثنا أبو بكر المروذي، حدثنا وهب بن بقية (¬5)، ¬
حدثنا خالد الطحان (¬1)، عن خالد - يعني الحذاء - عن أبي قلابة عن أبي زيد: أنَّ رجلًا من الأنصار أعتق ستَّة مملوكين له عنده موته، وليس له مال غيرهم، فجزأهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجزاء (¬2)، فأقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة" (¬3)، وقال: "لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين" (¬4). قال المروذي: قال أحمد: ما ظننا أنَّ أحدًا حدَّث بهذا إِلَّا هشيم. قال أبو عبد الله: أبو زيد - هذا - رجلٌ من الأنصار من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: كتبناه عن هشيم، وقال: إليه أذهب. قال أحمد (¬5): حدثنا شريح بن نعمان (¬6) حدثنا هشيم قال: حدثنا ¬
إذا أعتق عبدا من عبيده أو طلق امرأة من نسائه لا يدري أيتهن هي
خالد (¬1) قال: حدثنا أبو قلابة عن أبي زيد الأنصاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله. فصل ومن مواضع القرعة: إذا أعتق عبدًا من عبيده، أو طلَّق امرأة من نسائه، لا يدري أيتهن هي؟ فقال أحمد في رواية الميموني: إن مات قبل أن يقرع بينهنَّ يقوم وليه في هذا مقامه، يقرع بينهنَّ، فأيتهن وقعت عليها القرعة لزمته (¬2). وقال بكر (¬3) بن محمد عن أبيه (¬4): سألت أبا عبد الله: عن رجل أعتق أحد غلاميه في صحته، ثمَّ مات المولى، ولم يدر الورثة أيهما أعتق، قال: يقرع بينهما (¬5). ¬
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله قال في القرعة: إذا قال: أحد غلامي حر، ثمَّ مات قبل أن يُعلم يُقرع بينهما، فأيهما وقعت عليه القرعة عتق، كذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الَّذي أعتق ستة أعبد له (¬1). وقال مهنا: سألت أحمد عن رجل قال لامرأتين له: إحداكما طالق، أو لعبدين له: أحدكما حرٌّ، قال: قد اختلفوا فيه، قلت: ترى أن يقرع بينهما؟ قال: نعم، قلت: وتجيز القرعة في الطلاق؟ قال: نعم (¬2). وقال في رواية الميموني فيمن له أربع نسوة طلَّق واحدة منهنَّ، ولم يدر: يقرع بينهنَّ، كذلك في الأعبد، فإن أقرع بينهن فوقعت القرعة على واحدة ثمَّ ذكر التي طلَّق رجعت هذه، ويقع الطلاق على التي ذكر، فإن تزوجت فذاك شيءٌ قد مرَّ، وإن كان الحاكم قد أقرع بينهنَّ لم ترجع إليه (¬3). وقال أبو الحارث (¬4) عن أحمد في رجلٍ له أربع نسوة طلَّق إحداهنَّ، ولم تكن له نية في (¬5) واحدةٍ بعينها: يقرع بينهنَّ فأيتهنَّ أصابتها القرعة فهي المطلقة، وكذلك إن قصد إلى واحدة بعينها ثمَّ نسيها (¬6). ¬
قول أبي حنيفة والشافعي
قال: والقرعة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، وقد جاء بها القرآن (¬2). وقال أبو حنيفة (¬3) والشافعي (¬4): لا يقرع بينهن، ولكن إذا كان الطلاق لواحدة لا بعينها ولا نواها فإنَّه يختار صرف الطلاق إلى أيتهنَّ شاء، وإن كان الطلاق لواحدة بعينها ونسيها فإنَّه يتوقف فيهما حتَّى يذكر، ولا يقرع، ولا يختار صرف الطلاق إلى واحدةٍ منهما. وقال مالك (¬5): يقع الطلاق على الجميع. والقول بالقرعة مذهب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال وكيع: سمعت عبد الله (¬6) قال (¬7): سألت ¬
الأقوال المذكورة في المسألة
أبا جعفر (¬1) عن رجل له أربع نسوة، فطلَّق إحداهنَّ، لا يدري أيتهنَّ طلَّق؟ فقال: علي يقرع بينهنَّ (¬2). فالأقوال التي قيل بها في هذه المسألة لا تخرج عن أربعة، ثلاثة قيل بها، وواحد لا يعلم به قائل. أحدها: أنَّه يعين في المبهمة، ويقف في حق المنسية عن الجميع (¬3)، فينفق عليهنَّ ويكسوهن، ويعتزلهنَّ إلى أن يفرق بينهما الموت أو يتذكر (¬4)، وهذا في غاية الحرج والإضرار به وبالزوجات، فينفيه قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار (¬5) "، فأي حرج وضرر (¬6) وإضرار (¬7) أكثر (¬8) من ذلك؟ الثاني: أن يطلق عليه الجميع (¬9)، مع الجزم بأنه إنما طلق واحدة، لا الجميع، فإيقاع الطلاق بالجميع - مع القطع بأنه لم يطلق الجميع - ¬
احتجاج من قال بالقرعة وجوابهم عن كلام المخالفين
ترده أصول الشرع وأدلته. الثالث: أنه لا يقع الطلاق بواحدة منهن (¬1)؛ لأن النكاح ثابت بيقين، وكل واحدة منهن مشكوك فيها: هل هي المطلقة أم لا؟ فلا تطلق بالشك، ولا يمكن إيقاع الطلاق بواحدة غير معينة، وليس البعض أولى بأن يوقع عليها الطلاق من البعض، والقرعة قد تخرج غير المطلقة (¬2)، فإنها كما يجوز أن تقع على المطلقة يجوز أن تقع على غيرها، فإذا أخطأت المطلقة وأصابت غيرها أفضى ذلك إلى تحريم من هي زوجة، وحل من هي أجنبية. وإذا بطلت هذه الأقسام كلها تعين هذا التقرير، وهو بقاء النكاح في حق كل واحدة منهن حتى يتبين أنها المطلقة، وإذا كان النكاح باقيًا فيها فأحكامه مترتبة عليه، وأما أن يبقى النكاح ويحرم الوطء دائمًا فلا وجه له. فهذا القول والقول بوقوع الطلاق على الجميع متقابلان، وأدلتهما تكاد أن تتكافأ، ولا احتياط في إيقاع الطلاق بالجميع؛ فإنه يتضمن تحريم الفرج على الزوج بالشك، وإباحته لغيره. قال المقرعون (¬3): قد جعل اللهُ سبحانه القرعة طريقًا إلى الحكم الشرعي في كتابه (¬4)، وفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر ¬
بها (¬1)، وحكم بها علي بن أبي طالب (¬2) في هذه المسألة بعينها، وكل قول غير القول بها فإنَّ أصول الشرع وقواعده ترده. أمَّا وقوع الطلاق على الجميع مع العلم بأنَّه إنَّما أوقعه على واحدة، فتطليق لغير المطلقة، وهو نظير ما لو طلَّق طلقة واحدة فألزمناهُ بثلاث طلقات، فإنَّ هذا في عدد المطلقات كمسألتنا في عدد الطلاق، ولا يشبه ذلك ما لو طلَّق وشك هل طلق واحدة (¬3) أو ثلاثًا، حيث يجوز أن (¬4) يجعل ثلاثًا، فإنَّه يجوز أن يكون قد استوفى عدد الطلاق (¬5)، وفي مسألتنا: هو جازم بأنَّه لم يستوف عدد المطلقات (¬6)، بل كل واحدة منهنَّ قد شكَّ، هل طلقها أم لا؟ وغايته: أنَّه قد تيقن تحريمًا في واحدة لا بعينها، فكيف يحرم عليه غيرها؟ فإن قيل: قد اشتبهت المحللة بالمحرمة، فحرمتا معًا، كما لو اشتبهت أخته بأجنبية، وميتة بمذكاة (¬7). قيل: ها هنا معنا أصل يرجع إليه، وهو التحريم الأصلي، وقد وقع الشك في سبب الحل، فلا يرفع التحريم الأصلي بالشك، وفي ¬
مسألتنا قد ثبت الحل وزال التحريم الأصلي (¬1) بالنكاح، ثمَّ وقع في عين غير معينة، ومعنا أصل الحل المستصحب، فلا يمكن تعميم التحريم، ولا إلغاؤه بالكلية، ولم يبق طريق إلى تعيين محله إِلَّا بالقرعة، فتعينت طريقًا. قالوا: وأيضًا؛ فإنَّ الطلاق قد وقع على واحدة منهنَّ معينة؛ لامتناع وقوعه في غير معين، فلم يملك المطلق صرفه إلى أيتهن شاء، لكن التعيين غير معلوم لنا، وهو معلوم عند الله، وليس لنا طريق إلى معرفته، فتعينت القرعة. يوضحه: أنَّ التعيين من المطلق ليس إنشاءً للطلاق (¬2) في المعينة، فإنَّه لو كان إنشاءً لم يكن المتقدم طلاقًا، ولكان الجميع حلالًا له (¬3)، ولما أمر بأن ينشئ الطلاق ولا افتقر إلى لفظ يقع به، وإذا لم يكن إنشاءً فهو إخبار منه بأنَّ هذه المعينة هي التي أوقعت عليها الطلاق، وهذا خبر غير مطابق، بل هو خلاف الواقع. وحاصله: أنَّ التعيين إمَّا أن يكون إنشاءً للطلاق، أو إخبارًا، ولا يصلح لواحد منهما (¬4). فإن قيل: بل هو إنشاء عندنا في المبهمة، وأمَّا في (¬5) المنسية فهو ¬
واقع من حين طلق. قيل: لا يصح جعله إنشاءً للطلاق؛ لأنَّ الطلاق إمَّا أن يكون قد وقع بإحداهنَّ أو لا، فإن لم يقع لم يلزمه أن ينشئه، وإن كان قد وقع (¬1) استحال إنشاؤه أيضًا؛ لأنَّهُ تحصيل للحاصل. فإن قيل: فهذا يلزمكم أيضًا؛ لأنَّكم تقولون: إنَّ الطلاق يقع من حين الإقراع. قيل: بل الطلاق عندنا في الموضعين واقع من حين الإيقاع. قال الإمام أحمد في رواية أبي طالب في رجلٍ له أربع نسوة، فطلَّق إحداهنَّ وتزوج أخرى، ومات، ولم يدر أي الأربع طلَّق: فلهذه الأخيرة ربع الثمن، ثمَّ يقرع بين الأربع، فأيتهن قَرَعت أخرجت، وورث البواقي (¬2). قال القاضي (¬3): فقد حكم بصحة نكاح الخامسة قبل تعيين المطلقة. قال: وهذا يدلُّ على وقوع الطلاق من حين الإيقاع، ولو كان من حين (¬4) التعيين لم يصح نكاح الخامسة. فإن قيل: فهذا بعينه يرد عليكم في التعيين بالقرعة، والجوابُ ¬
حينئذٍ واحد. قيل: الفرقُ بين التعيينين ظاهر، فإنَّ تعيين المكلف تابع لاختياره وإرادته، وتعيين القرعة إلى الله - عزَّ وجلَّ -، والعبد يفعل القرعة وهو ينتظر ما يعينه له القضاء والقدر، شاء أم أبى. وهذا هو سرُّ المسألة وفقهها، فإنَّ التعيين إذا لم يكن لنا سبيل إليه بالشرع فوض إلى القضاء والقدرِ، وصار الحكم به شرعيًّا قدريًّا؛ شرعيًّا (¬1) في فعل القرعة، قدريًّا فيما تخرج به، وذلك إلى اللهِ، لا إلى المكلَّف (¬2). فلا أحسنَ من هذا ولا أبلغ في موافقة شرع الله وقدره. وأيضًا؛ فإنَّه لو طلَّق واحدةً منهنَّ، ثمَّ أشكلت عليه، لم يكن له أن يعيِّن المطلقة باختياره، فهكذا إذا طلَّق واحدة لا بعينها. فإن قيل: الفرقُ ظاهر، وهو أنَّ الطلاق ها هنا قد وقع على واحدةٍ بعينها، فإذا أشكلت لم يجز أن يعين من تلقاء نفسه؛ لأنَّهُ (¬3) لا يأمن أن يعين غير التي وقع عليها الطلاق، ويستديم نكاح التي طلقها، وليس كذلك في مسألتنا، فإنَّ الطلاقَ وقع على إحداهنَّ غير معينة، فليس في تعيينه إيقاع الطلاق على من لم يقع بها، وصرفه عمن وقع بها (¬4). ¬
مما يدل على صحة تعيين المطلقة بالقرعة حديث عتق الأعبد الستة
قيل: إحداهما محرمة عليه في المسيس (¬1)، ولا يدري عينها، فإذا لم يملك التعيين بلا سبب في إحدى الصورتين لم يملكه في الأخرى. وهذا أيضًا سر المسألة وفقهها، فإنَّ التعيين بالقرعة تعيين بسبب قد نصبه الله تعالى ورسوله سببًا للتعيين عند عدم غيره، والتعيين بالاختيار تعيينٌ بلا سبب، إذ هذا فرض المسألة، حيث انتفت أسباب التعيين وعلاماته. ولا يخفى أنَّ التعيين بالسبب الَّذي نصبه الشرع له أولى من التعيين الَّذي لا سبب له. فإن قيل: المنسية والمشتبهة يجوز أن تذكر وتعلم عينها بزوال الاشتباه؛ فلهذا لم يملك صرف الطلاق فيها إلى من أراد، بخلاف المبهمة فإنَّه لا يرجى ذلك فيها. قيل: وكذلك المنسية والمشكلة إذا عدم أسباب العلم بتعيينها، فإنَّه يصير في إبقائها إضرارٌ به وبها، وإيقاف للأحكام، وجعل المرأة معلَّقة باقي عمرها، لا ذات زوج ولا مطلقة، وهذا لا عهد لنا به في الشريعة (¬2). فصل وممَّا يدلُّ على صحة تعيين المطلقة بالقرعة حديث عمران بن حصين في عتق الأعبد الستة (¬3)، فإنَّ تصرفه في الجميع لما كان باطلًا ¬
جعل كأنَّه أعتقَ ثلثًا منهم غير معين، فعينه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرعة، والطلاق كالعتاق في هذا؛ لأنَّ كل واحدٍ منهما إزالة ملك مبني على التغليب والسراية، فإذا اشتبه المملوك في كل منهما بغيره لم يجعل التعيين إلى اختيار المالك. فإن قيل: العتاق أصله الملك، فلما دخلت القرعة في أصله وهو الملك في حال القسمة (¬1)، وطرح القرعة على السهام، دخلت لتمييز الملك من الحرية، وليس كذلك الطلاق، لأنَّ أصله النكاح، والنكاح لا تدخله القرعة، فكذلك الطلاق (¬2). قيل: وَمَنْ سلَّم لكم (¬3) أنَّ القرعة لا تدخل في النكاح، بل الصحيح من الروايتين دخولها فيه، فيما إذا زوجها الوليان، ولم يعلم السابق منهما، فإنَّا نقرع بينهما، فمن خرجت عليه القرعة حكم له بالنكاح، وأنَّه هو الأوَّل، هذا منصوص أحمد (¬4) في رواية ابن منصور وحنبل. ¬
ونقل أبو الحارث ومهنا: لا يقرع في ذلك (¬1). وعلى هذا فلا يلزم إذا لم تدخل القرعة في الحكم (¬2) ألا تدخل في رفعه، فإنَّ حدَّ الزنا لا يثبت بشهادة النساء، ويسقط بشهادتهنَّ، وهو ما إذا شُهد عليها بالزنا، فذكرت أنَّها عذراء، وشهد بذلك النساء (¬3). وكذلك لو قال - وقد رأى طائرًا -: إن كان هذا غرابًا ففلانة طالق، وإن لم يكن غرابًا ففلانٌ حرٌّ، ولم يعلم ما هو؟ فإنَّه يقرع بين المرأة والعبد عندكم أيضًا، فيحكم بما خرجت به القرعة (¬4). فإن قلتم هنا (¬5): لم تدخل القرعة في الطلاق بانفراده، بل دخلت ¬
للتمييز بينه وبين العتق، والقرعة تدخل في العتق، بدليل حديث الأعبد الستة (¬1). قيل: إذا دخلت للتمييز بين الطلاق والعتاق دخلت للتمييز بين المطلقة وغيرها، وكل ما قدر (¬2) من المانع في أحد الموضعين فإنه يجري في الآخر سواء بسواء. وأيضًا؛ فإذا كانت القرعة تخرج المعتق من غيره، فإخراجها للمطلقة أولى وأحرى، فإن إخراج منفعة البضع من ملكه أسهل من إخراج عين الرقبة، وإبقاء الرق في العين أبدًا أسهل من إبقاء بعض المنافع، وهي منفعة البضع، فإذا صلحت القرعة لذلك فهي لما دونه أقبل، وهذا في غاية الظهور (¬3). وأيضًا؛ فاشتباه المطلقة بغيرها لا يمنع استعمال القرعة. دليله: مسألة الطائر، وقوله: إن كان غرابًا فنسائي طوالق، وإن لم يكن فعبيدي أحرار. فإن قلتم: قد يستعمل الشيء في حكم، ولا يستعمل في آخر، كالشاهد واليمين، والرجل والمرأتين، يقبل في الأموال، دون الحدود والقصاص (¬4). ¬
يوضحه: أنه لو ادعى سرقة، وأقام شاهدًا وحلف معه، غرمناه المال، ولم نقطعه (¬1)، فكذا ها هنا: استعملنا القرعة في الرق والحرية، دون الطلاق؛ للحاجة. قيل: الحاجة في إخراج المطلقة من غيرها كالحاجة في إخراج المعتق من غيره سواء، وإذا دخلت للتمييز بين الفرج المملوك بملك اليمين وغيره، صح دخولها للتمييز بين الفرج المملوك (¬2) بعقد النكاح وغيره، ولا فرق، ولا يشبه ذلك مسألة القطع والغرم في أنه يثبت أحدهما بما لا يثبت به الآخر؛ لأنهما يختلفان في الأحكام وفيما يثبت به كل واحد منهما، والعتق والطلاق يتفقان في الأحكام (¬3)، وهو أن كل واحد منهما مبني على التغليب والسراية، ويثبت بما يثبت به الآخر. وأيضًا؛ فإن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز بينها إلا بالقرعة صح استعمالها فيها، كما قلتم في الشريكين إذا كان بينهما مال، فأراد قسمته، فإن الحاكم يجزئه ويقرع بينهما (¬4)، وكذلك إذا ¬
أراد أن يسافر بإحدى نسائه (¬1)، وكذلك إذا أعتق عبيده الذين لا مال له سواهم في مرضه (¬2)، وكذلك إذا تساوى المدعيان في الحضور عند الحاكم (¬3)، وكذلك الأولياء في النكاح إذا تساووا في الدرجة (¬4) وتشاحوا في العقد: أقرع بينهم (¬5)، وكذلك إذا قتل جماعة في حالة واحدة، وتشاح الأولياء في المقتص: أقرع بينهم، فمن قرع قتل له، وأخذت الدية للباقين (¬6). فإن قلتم: التراضي على القسمة من غير قرعة جائز، وكذلك بين النساء إذا أراد السفر، ولا (¬7) كذلك ها هنا؛ لأن التراضي على فسخ ¬
احتجاج المعينين بالأختيار، والجواب عنه
النكاح ونقله من محل إلى محل لا يجوز. قلنا: ليس (¬1) في القرعة في الطلاق نقل له عمن استحقه إلى غيره، بل هي كاشفة عمن توجه الطلاق إليها ووقع عليها. فصل (¬2) قال المعينون بالاختيار: قد حصل التحريم في واحدة لا بعينها، فكان له تعيينها باختياره، كما لو أسلم الحربي وتحته خمس نسوة، أو أختان (¬3) اختار (¬4). قال أصحاب القرعة: هذا القياس مُبْطَل (¬5)، أولًا بالمنسية، فإن المحرمة منهن بعد النسيان غير معينة، وليس له تعيينها. وهذا الجواب غير قوي؛ فإن التحريم ها هنا وقع في معينة، ثم أشكلت، بل الجواب الصحيح أن يقال: لا تطلق عليه الأخت والخامسة بمجرد الإسلام، بل إذا عين الممسكات أو المفارقات حصلت الفرقة من حين التعيين، ووجبت العدة من حينئذٍ. وسر المسألة: أن الشارع خيره بين من يمسك ويفارق؛ نظرًا له، وتوسعة عليه، ولو أمره بالقرعة ها هنا فربما أخرجت القرعة عن نكاحه ¬
من يحبها، وأبقت عليه من يبغضها، ودخوله في الإسلام يقتضي ترغيبه فيه، وتحبيبه إليه، فكان من محاسن الإسلام رد ذلك إلى اختياره وشهوته، بخلاف ما إذا طلق هو من تلقاء نفسه واحدة منهن (¬1). على أن القياس الذي احتجوا به فاسد أيضًا، فإنه ينكسر (¬2) بما إذا اختلطت زوجته بأجنبية، أو ميتة بمذكاة، فإنه ليس له تعيين المحرمة (¬3). فإن قيل: ولا إخراجها بالقرعة. قلنا: نحن لم نستدل بدليل يرد علينا فيه هذا، بخلاف من استدل بمن ينكسر (¬4) عليه بذلك. فإن قيل: التحريم ها هنا كان في معين ثم اشتبه. قيل: لما اشتبه وزال دليل تعيينه صار كالمبهم، وهذا حجة مالك عليكم، حيث حرم الجميع، لإبهام المحرمة منهن (¬5). ¬
قال أصحاب التعيين: التحريم ها هنا حكم تعلق بفرد لا بعينه من جملة، فكان المرجع في تعيينه إلى المكلف، كما لو باع قفيزًا من صبرة (¬1). قال أصحاب القرعة: الإبهام إنما يصح في البيع، حيث تتساوى الأجزاء، ويقوم كل جزء منها مقام الآخر في التعيين، فلا تفيد القرعة ها هنا قدرًا زائدًا على التعيين، وليس كذلك الطلاق، فإن محله لا تتساوى أفراده، ولا الغرض من هذا هو الغرض من هذا، فهو بمسألة المسافر (¬2) بإحدى الزوجات أشبه منه بمسألة القفيز من الصبرة المتساوية (¬3)، ألا ترى أن التهمة تلحق في التعيين ها هنا، وفي مسألة القسمة، وفي مسألة الطلاق، ولا تلحق (¬4) في التعيين في مسألة القفيز من الصبرة المتساوية؟ وهذا فقه المسألة: أن الموضع الذي تلحق (¬5) فيه التهمة شرعت فيه القرعة نفيًا لها وما لا تلحق فيه لا فائدة فيها. على أن هذا القياس منتقض بما إذا أعتق عبدًا مبهمًا من عبيده، أو أراد السفر بإحدى نسائه. ¬
قول المبطلين للقرعة، والجواب عنه
قال أصحاب التعيين: لما كان له تعيين المطلقة في الابتداء، كان له تعيينها في ثاني الحال باختياره (¬1). قال أصحاب القرعة: هذا قياس فاسد، فإنه في الابتداء لم يتعلق بالتعيين حق لغير المطلقة، وبعد الإيقاع قد تعلق به حقهن، فإن كل واحدة منهن قد تدعي أن الطلاق واقع عليها، لتملك به بضعها، أو واقع على غيرها لتستبقي به نفقتها وكسوتها، فلم يملك هو تعيينه للتهمة، بخلاف الابتداء. قال المبطلون للقرعة: رأينا (¬2) القرعة قمارًا وميسرًا (¬3)، وقد حرمه الله - سبحانه وتعالى - في سورة المائدة (¬4)، وهي من آخر القرآن نزولًا (¬5)، وإنما كانت مشروعة قبل ذلك (¬6). ¬
قال أصحاب القرعة (¬1): قد شرع الله ورسوله القرعة، وأخبر بها عن أنبيائه ورسله، مقررًا لحكمها (¬2)، غير ذام لها، وفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من بعده (¬3)، وقد صانهم الله سبحانه عن القمار بكل طريق، فلم يشرع لعباده القمار قط، ولا جاء به نبي أصلًا، فالقرعة شرعه ودينه، وسنة أنبيائه ورسله. قال المانعون من القرعة: قد اشتبهت المحللة بالمحرمة على وجه لا تبيحه الضرورة، فلم يمكن له إخراجها بالقرعة، كما لو اشتبهت أخته بأجنبية، أو ميتة بمذكاة (¬4). قال أصحاب القرعة: الفرق أن ها هنا نستصحب أصل التحريم، ولا نزيله بالشك، بخلاف مسألتنا، فإن التحريم الأصلي قد زال بالنكاح، وشككنا في وقوع التحريم الطارئ بأي واحدة منهن وقع، فلا يصح إلحاق إحدى (¬5) الصورتين بالأخرى. قال المانعون: قد تُخْرِج القرعة غير المطلقة، فإنها ليس لها من العلم والتمييز ما تخرج به المطلقة بعينها (¬6). قال المقرعون: هذا - أولًا - اعتراض على السنة، فهو مردود. ¬
وأيضًا؛ فإن التعيين بها أولى من التعيين بالاعتراض (¬1) والتشهي، أو جعل المرأة معلقة إلى الموت، أو إيقاع الطلاق بأربع لأجل إيقاعه بواحدة منهن. وأيضًا؛ فإن القرعة مزيلة للتهمة. وأيضًا؛ فإنها تفويض إلى الله ليعين بقضائه وقدره ما ليس لنا سبيل إلى تعيينه، والله أعلم. فإن قيل: فما تقولون فيما نقله أبو طالب عن أحمد في رجل زوَّج ابنته رجلًا، وله بنات، فمات، ولم يدر أيتهنَّ هي؟ فقال: يقرع بينهنَّ. وهذا يدلُّ على أنَّه يقرع عند اختلاط أخته بأجنبية (¬2). قيل: قد جعل (¬3) القاضي أبو يعلى ذلك رواية عن الإمام أحمد، وقال: وظاهر هذا أنَّ الزوجة إذا اختلطت بأجانب أقرع بينهنَّ؛ لأنَّه أجاز القرعة بينها وبين أخواتها إذا اختلطت بهنَّ. قلت: هذا وهم من القاضي، فإنَّ أحمد لم يقرع للحل، وإنَّما أقرعَ للميراث والعدة، ونحن نذكر نصوصه بألفاظها. قال الخلال في "الجامع": باب في الرجل يكون له أربع بنات (¬4)، ¬
فزوج إحداهن، فمات الأب ومات الزوج، ولا يدري أيتهنَّ هي الزوجة؟: أخبرنا أبو النضر أنَّ أبا عبد الله قال: قال سعيد بن المسيب في رجل له أربع بنات، فزوج إحداهنَّ لا يدري أيتهنَّ هي: إنَّه يقرع بينهنَّ. أخبرني زهير بن صالح (¬1) حدثنا أبي (¬2) حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا حماد بن سلمة عن قتادة: أنَّ رجلًا زوَّج ابنته من رجل، فمات الأب والزوج، ولا يدري الشهود أي بناته هي؟ فسألت سعيد بن المسيب، فقال: يقرع بينهنَّ، فأيتهنَّ أصابتها القرعة ورثت واعتدت (¬3). قال حماد (¬4): وسألت حماد بن أبي سليمان، فقال: يرثن جميعًا ويعتددن جميعًا (¬5). قال صالح: قال أبي: قد ورث من ليس لها ميراث، وأوجب العدة على من ليس عليها عدة (¬6)، والَّذي يقرع في حال يكون قد أصاب، ¬
وفي حال يكون قد أخطأ، وذاك لا شكَّ أنَّه قد ورث من ليس لها ميراث (¬1). قال الخلال: أخبرنا يحيى بن جعفر (¬2)، قال: قال عبد الوهاب (¬3): سألت سعيدًا (¬4) عن رجل زوج إحدى بناته - وسمَّاها - ومات الأب والزوج، ولا يدري أيتهنَّ هي؟ فحدثنا عن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب أنَّهما قالا: يقرع بينهنَّ، فأيتهنَّ أصابتها القرعة فلها الصداق، ولها الميراث، وعليها العدة (¬5). أخبرني محمد بن علي حدثنا الأثرم حدثنا عارم (¬6) حدثنا حماد بن ¬
سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنَّه قال في رجل زوج إحدى بناته رجلًا (¬1)، فمات ومات الزوج، ولم تدر البينة أيتهنَّ هي؟ قال: يقرع بينهنَّ، فإذا قرعت واحدة ورثت واعتدت (¬2). وحدثنا أبو بكر (¬3) حدثنا عبد الوهاب (¬4) عن سعيد (¬5) عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن قالا: يقرع بينهن (¬6). قال الخلال: وأخبرني عبد الله بن حنبل قال: حدثني أبي قال: قال عمي في رجل له بنات، زوج إحداهنَّ من زوج، ثم إنَّ الأب مات ولم يعلم أيتهنَّ زوج؟ قال أبو عبد الله: يقرع بينهن، فأيتهن أصابتها القرعة فهي امرأته، وإن مات الزوج فهي التي ترثه أيضًا التي تقع عليها القرعة (¬7). قال حنبل: وحدثني أبو عبد الله حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد ابن سلمة عن قتادة: أنَّ رجلًا زوَّج ابنته من رجل، فمات الزوج، ومات الأب، ولم يدر الشهود أي بناته هي؟ فسألت سعيد بن المسيب ¬
- رحمه الله - فقال: يقرع بينهنَّ، وأيتهنَّ أصابت القرعة ورثت واعتدت (¬1). قال حماد بن سلمة: فسألت حماد بن أبي سليمان عن ذلك، فقال: يرثن ويعتددن جميعًا (¬2). قال حنبل: فسألت أبا عبد الله عن ذلك؟ فقال: يقرع بينهنَّ على قول سعيد بن المسيب (¬3). وقال حنبل: قال عفان: حدثنا همام، قال: سُئِلَ قتادة عن رجل خطب إلى رجل ابنة له، وله بنات فأنكحه، ومات الخاطب، ولم يدر الأب أيتهنَّ خطب؟ فقال سعيد: يقرع بينهنَّ، فأيتهنَّ أصابتها القرعة، فلها الصداق والميراث، وعليها العدة (¬4). قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: أذهب إلى هذا. وكذلك رواية أبي طالب التي ذكرها القاضي (¬5). ¬
قال الخلال: أخبرني أحمد بن محمد بن مطر أنَّ أبا طالب حدثهم: أنَّه سأل أبا عبد الله عن رجل زوج ابنته رجلًا، وله بنات، فماتا، ولم تدر البينة أيتهنَّ هي؟ قال: يقرع بينهنَّ، فإذا قرعت واحدة ورثت، قلت: حماد (¬1) يقول: يرثن جميعًا، قال: يقرع بينهم، وقال: القرعة أبين، إذا أقرع فأعطى واحدة لعلها أن تكون صاحبته ولا يدري، هو في شك، فإذا أعطاهنَّ فقد علم أنَّه أعطى من ليس له حق (¬2). فنصوص أحمد وما نقله عن سعيد والحسن إنَّما فيه القرعة بينهنَّ في الميراث، وهي قرعة على مال، وليس فيه القرعة عند اختلاط الزوجة بغيرها. لكن في رواية حنبل ما يدلُّ على جريان القرعة في الحياة وبعد الموت، فإنَّه قال: يقرع بينهنَّ، فأيتهنَّ أصابتها القرعة فهي امرأته، وإن مات الزوج فهي التي ترثه أيضًا (¬3)، فهذه أصرح من رواية أبي طالب. ولكن أكثر الروايات عن أحمد إنَّما هي في القرعة على الميراث، كما ذكر (¬4) من ألفاظه، على أنَّه لا يمتنع أن يقال بالقرعة في هذه ¬
المسألة على ظاهر (¬1) رواية حنبل، فإنَّ أكثرَ ما فيه تعيين الزوجة بالقرعة، والتمييز بينها وبين من ليست بزوجة، وهذا حقيقة الإقراع في مسألة المطلقة، فإنَّ القرعة تميز الزوجة من غيرها، وكذلك لو زوجها الوليان من رجلين، وجهل السابق منهما، فإنَّه يقرع (¬2) على أصح الروايتين (¬3)، وذلك لتمييز الزوج من غيره، فما الفرق بين تمييز الزوج بالقرعة وتمييز الزوجة بها؟ فالإقراع ها هنا ليس ببعيد من الأصول. ويدل عليه: أنَّا نوجب عليها العدة بهذه القرعة، والعدة من أحكام النكاح، ولا سيما فالعدة الواجبة ها هنا عدة من غير مدخول بها، فهي من نكاح محض، كذلك الميراث، فإنَّه لولا ثبوت النكاح لما ورثت. وقول أحمد في رواية حنبل: "يقرع بينهنَّ فأيتهنَّ أصابتها القرعة فهي امرأته"، صريح في ثبوت الزوجية بالقرعة، ثمَّ قال: "وإن مات الزوج فهي التي ترثه"، وهذا صريحٌ في أنَّه يقرع بينهنَّ في حال حياة الزوج والزوجة، وإن مات بعد القرعة ورثته بحكم النكاح، ولا إشكال في ذلك بحمد الله، فإذا أقرعنا (¬4) بينهنَّ فأصابت القرعة إحداهنَّ كان ¬
رضا الزوج بها ورضا وليها ورضاها تصحيحًا للنكاح. ولا يقال: يجوز أن تكون القرعة أصابت غيرها (¬1)، فيكون جامعًا بين الأختين؛ لأنَّ المجهول كالمعدوم، ولأنا نأمره (¬2) أن يطلق غير التي أصابتها القرعة، فيقول: ومن عداك من هؤلاء فهي طالق احتياطًا، فهذا خير من توريث الجميع وحرمان الجميع؛ وأن يوقف الأمر فيهنَّ أبدًا حتَّى يتبين الحال وينكشف، وقد لا يتبين إلى يوم القيامة. وبالجملة؛ فالقرعة طريقٌ شرعي، شرعه الله ورسوله للتمييز عند الاشتباه، فسلوكه أولى من غيره من الطرق. وقد قال أبو حنيفة (¬3): إذا طلَّق امرأةً من نسائه لا بعينها، فإنَّه لا يحال بينه وبينهنَّ، وله أن يطأ أيتهنَّ شاء، فإذا وطئ انصرف الطلاق إلى الأخرى (¬4)، واختاره ابن أبي هريرة من الشافعية (¬5)، فجعلوا الوطء تعيينًا. ¬
ومعلومٌ أنَّ التعيين بالقرعة أولى من التعيين بالوطء، فإنَّ القرعة تخرج من قدَّر الله إخراجه بها، ولا يتهم بها، والوطء تابعٌ لإرادته وشهوته، ويجوز أن يشتهي غير من كان في نفسه إرادة طلاقها، فهو متهم في التعيين، فالتعيين بالطريق الشرعي أولى من التعيين بالتشهي والإرادة. وممَّا يوضحه أنَّ أبا حنيفة قد قال فيما إذا أعتق إحدى أمتيه ثم وطئ إحداهما: أنَّ الوطء لا يعين المعتقة من غيرها (¬1). قال أصحابه (¬2): الفرق بينهما أنَّ الطلاق يوجب التحريم، وذلك ينفي النكاح، فلما وطئ إحداهما دلَّ على أنَّه مختار أن تكون زوجته، فإنَّه لا يطأ من ليست زوجته، وأمَّا العتق فإنَّه وإن أوجب تحريم الوطء فإنه إذا وطئ إحداهما تعين التحريم في الأخرى، وتحريم الوطء (¬3) لا ينافي ملك اليمين، كأخته من الرضاع. فقال المنازعون لهم: الطلاق لا يوجب التحريم عندكم، فإنَّ الرجعة مباحة، وإنَّما الموجب للتحريم انقضاء العدة واستيفاء العدد، ¬
إذا طلق إحدى نسائه ومات قبل البيان
وقد صرح أصحابكم بذلك (¬1). على أنَّ النكاح - وإن نافاه التحريم - فالملك لا ينافيه التحريم، فهما متساويان في أن الوطء لا يجوز إِلَّا في ملك، وهو متحقق لملك (¬2) الموطوءة. فصل ومن مواضع القرعة ما إذا طلق إحدى نسائه، ومات قبل البيان، فإنَّ الورثة يقرعون بينهنَّ، فمن وقعت عليها القرعة لم ترث، نصَّ عليه (¬3) في رواية حنبل، وأبي طالب، وابن منصور، ومهنا. وقال أبو حنيفة: يقسم الميراث بين الجميع (¬4). وقال الشافعي: يوقف ميراث الزوجات حتى يصطلحن عليه (¬5). ولوازم القولين تدل على صحة القول بالقرعة، فإنَّ لازم القول الأوَّل (¬6) توريث من يعلم أنَّها أجنبية، فإنَّها مطلقة في حال الصحة ¬
ثلاثًا، فكيف تورث؟ ولازم القول الثاني وقف المال، وتعريضه للفساد والهلاك، وعدم الانتفاع به، وإن كان حيوانًا فربما كانت مؤنته تزيد على أضعاف قيمته، وهذا لا مصلحة فيه ألبتة. وأيضًا؛ فإنَّهنَّ إذا علمن أنَّ المالَ يهلك إن لم يصطلحن عليه كان ذلك إلجاءً لهنَّ إلى إعطاء غير المستحقة، فالقرعة تخلص من ذلك كله، ومن المعلوم: أنَّ المستحقة للميراث إحداهما دون الأخرى، فوجب أن يقرع بينهما كما يقرع بين العبيد إذا أعتقهم في المرض (¬1)، وبين الزوجات إذا أراد السفر بإحداهنَّ (¬2)، والحاكم إنَّما نصب لفصل الأحكام، لا لإيقافها وجعلها معلقة، فتوريث الجميع - على ما فيه - أقرب إلى المصلحة (¬3) من حبس المال وتعويقه وتعريضه للتلف، مع حاجة مستحقيه إليه. وأيضًا؛ فإنَّا عهدنا من الشارع أنَّه لم يوقف حكومة قط على ¬
نقض المقرعين لاحتجاج المورثين للجميع
اصطلاح المتخاصمين، بل يشير عليهما بالصلح، فإن لم يصطلحا فصل الخصومة (¬1)، وبهذا تقوم مصلحة النَّاس. قال المورثون للجميع: قد تساويا في سبب الاستحقاق؛ لأنَّ حجة كل واحدة منهما كحجة الأخرى، فوجب أن يتساويا في الإرث، كما لو أقامت كل واحدة منهما البينة بالزوجية. قال المقرعون: المستحقة منهما هي الزوجة، والمطلقة غير مستحقة، فكيف يقال: إنَّهما استوتا في سبب (¬2) الاستحقاق؟ على أنَّهما إذا أقامتا بينتين تعارضتا وسقطتا، وصارتا كمن لا بينة لواحدةٍ منهما. قال المورثون: قد استحق من ماله ميراث زوجة (¬3)، وليست إحداهما بأن تكون هي المستحقة أولى من الأخرى، فيقسم الإرث بينهما، كرجلين ادعيا دابَّة في يد غيرهما وأقاما بينتين، فإنها تقسم بينهما. قال المقرعون: هذه هي الشبهة التي تقدمت، والجواب واحد. قال المورثون لأصحاب القرعة: قد تناقضتم؛ فإنَّكم تقرعون لإخراج المطلقة، فإذا أخرجتموها بالقرعة أوجبتم عليها عدة الوفاة إذا ¬
لو طلق إحداهما لا بعينها ثم ماتت إحداهما
كانت أطول من عدة الطلاق، فإن كانت مطلقة فكيف تعتد عدة الوفاة؟ وإذا اعتدت عدة الوفاة فكيف لا ترث؟ (¬1). قال أصحاب القرعة: يجب على المطلقة منهما عدة الطلاق، وعلى الزوجة عدة الوفاة، ولكن لما أشكلت المطلقة من الزوجة أوجبنا على كلِّ واحدةٍ منهما أن تعتدَّ بأقصى الأجلين، ويدخل فيه الأدنى، احتياطًا للعدة. فصل ولو طلَّق إحداهما لا بعينها، ثمَّ ماتت إحداهما لم يتعين الطلاق في الباقية وأقرع بين الميتة والحية (¬2). وقال أبو حنيفة: يتعين الطلاق في الباقية (¬3). وقال الشافعي: لا يتعين فيها، وله تعيينه في الميتة (¬4). قالت الحنفية: هو مخيرٌ في التعيين، ولم يبق من يصح إيقاع ¬
احتجاج المقرعين والحنفية
الطلاق عليها إِلَّا الحية، ومن خير بين أمرين ففات (¬1) أحدهما تعين الآخر (¬2). وقال المقرعون: قد أقمنا الدليل على أنَّه لا يملك التعيين باختياره، وإنَّما يملك الإقراع، ولم يفت محله، فإنَّه يخرج المطلقة، فيتبين وقوع الطلاق من حين التطليق، لا من حين الإقراع، كما تقدم تقريره. قالت الحنفية: لا يصح أن يبتدئ في الميتة الطلاق (¬3)، فلا يصح أن يعينه فيها بالقرعة، كالأجنبية. قال أصحاب القرعة: نحن لا نعين الطلاق فيها ابتداء، وإنَّما تبين بالقرعة أنَّها كانت مطلقة في حال الحياة. قال الحنفية: ماتت غير (¬4) مطلقة، بدليل أنَّهُ يجوزُ أن تخرج القرعة عندكم على الحية، فتكون هي المطلقة دون الميتة، وإذا لم تكن مطلقة قبل الموت لم يثبت حكم الطلاق فيها بعد الموت كما لا يثبت الطلاق المبتدأ. قال المقرعون: إذا وقعت عليها القرعة تبينَّا أنها هي المطلقة في حال الحياة. ¬
إذا خرجت القرعة على امرأة ثم ذكر بعد ذلك أن المطلقة غيرها
فصل فإن قيل: فما تقولون فيما إذا خرجت القرعة على امرأة، ثمَّ ذكر بعد ذلك أنَّ المطلقة غيرها. قيل: تعود إليه مَنْ وقعت عليها القرعة، ويقع الطلاق بالمذكورة، فإنَّ القرعة إنَّما كانت لأجل الاشتباه، وقد زال بالتذكر، إِلَّا أن تكون التي وقعت عليها القرعة قد تزوجت، أو كانت القرعة بحكم الحاكم، فإنَّها لا تعود إليه، نصَّ عليه الإمام أحمد (¬1). قال الخلال: أخبرني الميموني: أنَّه ناظر أبا عبد الله في مسألة الَّذي له أربع نسوة، فطلَّق واحدة منهن، ثمَّ لم يدر، قال: يقرع بينهنَّ، وكذلك في الأعبد، قلت: فإن أقرع بينهنَّ فوقعت على واحدة، ثمَّ ذكر التي طلق؟ قال: ترجع إليه، والتي ذكر أنَّه طلق يقع الطلاق عليها، قلت: فإن تزوجت؟ قال: هو إنَّما دخل في القرعة لأنَّه اشتبه عليه، فإذا تزوجت فذا شيءٌ قد مرَّ، فقال له رجل: فإن كان الحاكم أقرع بينهنَّ؟ قال: لا أحب أن ترجع إليه؛ لأنَّ الحاكم في ذا أخبر (¬2) منه، فرأيته يغلظ أمر الحاكم إذا دخل في الإقراع بينهنَّ (¬3). ¬
وقد توقف في الجواب في رواية أبي الحارث، فإنَّه قال: سألت أبا عبد الله، قلت: فإن طلَّق واحدة من أربع وأقرع بينهنَّ، فوقعت القرعة على واحدة، وفرَّق بينه وبينها، ثمَّ ذكر وتيقين - بعدما فرَّق الحاكم بينهما - أنَّ التي طلَّق في ذلك الوقت هي غير التي وقعت عليها القرعة؟ قال: اعفني من هذه، قلت: فما ترى العمل فيها؟ قال: دعها، ولم يُجِب فيها بشيء (¬1). قلت: أمَّا إذا تزوجت فلا يقبل قوله: إنَّ المطلقة غيرها، لما فيه من إبطال حقَّ الزوج. فإن قيل: فلو أقام بينة أنَّ المطلقة غيرها. قيل: لا ترد إليه أيضًا، فإنَّ القرعة نصبت (¬2) طريقًا إلى وقوع الطلاق فيمن أصابتها، ولو كانت غير المطلقة في نفس الأمر، فالقرعة فرقت بينهما، وتأكدت الفرقة بتزويجها. فإن قيل: فهذا ينتقض بما إذا ذكر قبل أن تنكح. قيل: أمَّا إذا انقضت عدتها وملكت نفسها، ففي قبول قوله عليها نظر، فإن صدقته أنَّ المطلقة كانت غيرها، فقد أقرَّت له بالزوجية، ولا منازع له، وأمَّا إذا ذكر وهي في العدة، فإن كان الطلاق رجعيًّا فلا إشكال، فإنه يملك رجعتها بغير رضاها، فيقبل قوله إنَّ المطلقة غيرها، وإن كان الطلاق بائنًا، فله عليها حق حبس العدة، وهي ¬
محبوسة لأجله، والفراش قائمٌ من وجه (¬1)، حتَّى ولو أتت بولد في مدة الإمكان (¬2) لحقه، فإذا ذكر أنَّ المطلقة غيرها كان القول قوله، كما لو شهدت بينة بأنَّه طلقها، ثمَّ رجع الشهود؛ ولكن لما كانت البينة غير متهمة ردت إليه مطلقًا، بخلاف قوله: إنَّ المطلقة غيرها، فإنَّه متهمٌ فيه، وكذلك لا ترد إليه بعد نكاحها، ولا بعد حكم الحاكم. والقياس: أنَّها لا ترد إليه بعد (¬3) انقضاء عدتها وملكها نفسها (¬4) إِلَّا أن تصدقه، ولهذا لو قال بعد انقضاء عدتها: كنت راجعتك قبل انقضاء العدة، لم يقبل منه إِلَّا ببينة أو تصديقها، ولو قال ذلك والعدة باقية قُبل منه؛ لأنَّه يملك إنشاء الرجعة (¬5). وأمَّا إذا كانت القرعة بحكم الحاكم، فإنَّ حكمه يجري مجرى التفريق بينهما، فلا يقبل قوله: إنَّ المطلقة غيرها. ¬
قول أحمد في رجل له امرأتان: نصرانية ومسلمة، فقال في مرضه: إحداكما طالق ثلاثا ثم أسلمت النصرانية ثم مات في ذلك المرض
فصل فإن قيل: فما تقولون فيما رواه مهنا قال: سألت أبا عبد الله عن رجل له امرأتان مسلمة ونصرانية، فقال في مرضه: إحداكما طالق ثلاثًا، ثمَّ أسلمت النصرانية، ثمَّ مات في ذلك المرض قبل أن تنقضي عدة واحدة منهما، وقد كان دخل بهما جميعًا؟ فقال: أرى أن يقرع بينهما، قلت له: يكون للنصرانية من الميراث ما للمسلمة؟ قال: نعم، فقلت: إنَّهم يقولون: للنصرانية ربع الميراث، وللمسلمة ثلاثة أرباعه؟ فقال: لم؟ فقلت: لأنَّها أسلمت رغبة في الميراث، قال: وإن أسلمت رغبة في الميراث (¬1)، قلت: ويكون الميراث بينهما سواء؟ قال: نعم. فقد نصَّ على القرعة بينهما، ونص على قسمة الميراث بينهما على السواء، فما فائدة القرعة؟ ولا يقال: القرعة لأجل العدة، حيث تعتد المطلقة عدة الطلاق، فإنَّكم صرَّحتم بأنَّ كلَّ واحدةٍ منهما تعتدُّ بأقصى الأجلين، ويدخل فيه أدناهما، كما صرَّح به القاضي، وعلى هذا، فلا تبقى للقرعة فائدة أصلًا، فإنَّهما يشتركان في الميراث، ويتساويان في العدة. قيل: الإقراع لم يكن لأجل الميراث، فإنه قد صرح بأنه بينهما، وهذا على أصله، فإن المبتوتة ترث ما دامت في العدة، وغاية الأمر أن يكون قد عين النصرانية بالطلاق، ثم أسلمت في عدتها قبل الموت، ¬
قول ابن عباس في رجل له ثلاث نسوة فطلق واحدة منهن ولم يدر أيتهن ثم مات: ينالهن من الطلاق ما ينالهن من الميراث
فإنها ترث، فلو طلقهما جميعا ثم أسلمت ورثتا جميعًا، وأما القرعة فلإخراج المطلقة؛ ليتبين أنَّه مات وإحداهما زوجته، والأخرى غير زوجته، فإذا وقعت القرعة على إحداهما تبين أنها أجنبية، وإنما ثبت لها الميراث لكون الطلاق في المرض، والعدة تابعة (¬1) للميراث، وما عدا ذلك فهي فيه أجنبية، حتَّى لو لم ينفق عليها من حين الطلاق إلى حين الموت لم يرجع في تركته بالنفقة. فإن قيل: فهو غير (¬2) متهم في حرمان النصرانية؛ لأنه يعلم أنها لا ترث. قيل: التهمة قائمة؛ لأنها يجوز أن تسلم قبل موته. وأما قول من قال: للنصرانية ربع الميراث، وللمسلمة ثلاثة أرباعه، فلا يعرف من القائل بهذا، ولا وجه لهذا القول، وتعليله بكونها أسلمت رغبة في الميراث أغرب منه، والله أعلم. فصل فإن قيل: فما تقولون فيما رواه جابر بن زيد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في رجل له ثلاث نسوة، فطلق واحدة منهن، ولم يدر أيتهن، ثم مات، قال: "ينالهن من الطلاق ما ينالهن من الميراث" (¬3)، ¬
وما معنى ذلك؟ قيل: قد سئل عنه أبو عبيد فقال: معناه: يقع الطلاق عليهن، ويرثن جميعًا (¬1). وقال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: حديث عمرو بن هرم (¬2): "ينالهن من الطلاق ما ينالهن من الميراث"؟ (¬3) قال: أليس يرثن جميعا؟ قلت: بلى، قال: كذلك يقع عليهن الطلاق (¬4). وهذا لا يدل على أن ذلك قول أحمد، ولا مذهبه، وإنما ذكره تفسيرًا لا مذهبًا، وهذا قد يحتج به مالك ومن قال بقوله في وقوع الطلاق على الجميع (¬5). قلت: ويحتمل كلامه معنى آخر، وهو أن يكون المراد وقوع الطلاق على واحدة منهن تعين بالقرعة أو بغيرها، كما يحرم الميراث واحدة منهن، فيكون ما ينالهن من حكم الطلاق مثل الذي ينالهن من ¬
رجل له مماليك عدة فقال: أحدهم حر، ولم يبين
حكم الميراث، وهذا - إن شاء الله تعالى - أظهر؛ فإن لفظه لا (¬1) يدل على أنهن يرثن جميعًا، ولا يمكن أن يقال ذلك إلا إذا كان الطلاق رجعيًّا، أو كان في المرض على أحد الأقوال، فكيف يطلق ابن عباس الجميع بطلاق واحدة، ويورث مطلقة بائنة طلقت في الصحة مع زوجات؟ وإذا فسر كلامه بما ذكرنا لم يكن فيه إشكال، والله أعلم. فصل قال حرب: قلت لأحمد: رجل له مماليك عدة، فقال: أحدهم حر، ولم يبين؟ قال: هذه مسألة مشتبهة. قلت: قد نص (¬2) في رواية الجماعة على أنه يخرج بالقرعة (¬3)، نص على ذلك في رواية الميموني، وبكر بن محمد عن أبيه، وحنبل، والمروذي، وأبي طالب، وإسحاق بن إبراهيم، ومهنا. وقوله في رواية حرب: "هذه مسألة مشتبهة" توقف منه، فيحتمل أن يريد بالاشتباه: أنها مشتبهة الحكم، هل تعين باختياره أو بالقرعة؟ ولكن مذهبه المتواتر عنه أنه يعين بالقرعة. ويحتمل وهو أظهر - إن شاء الله تعالى - أن يريد بالاشتباه: أنه ¬
يحتمل أن يكون إخبارًا عن كون أحدهم حرًّا، وأن يكون إنشاءً للحرية في أحدهم، والحكم مختلف (¬1)، فإن قوله: "أحدهم حر" إن كان إنشاءً فهو عتق لغير معين، وإن كان إخبارًا فهو خبر عن عتق واحد غير معين (¬2)، فهذا وجه اشتباهها. وبعد، فإن مات ولم يبين (¬3) مراده أخرج بالقرعة. ¬
رجل قال: أول غلام لي يطلع فهو حر، فطلع غلامان
فصل قال مهنا: سألت أبا عبد الله عن رجل قال: أول غلام لي يطلع فهو حر، فطلع غلامان له: أو طلع عبيده كلهم؟ قال: قد اختلفوا في هذا، قلت: أخبرني ما تقول أنت فيه؟ قال: يقرع بينهم، فأيهم خرجت قرعته عتق (¬1). قال: وسألت أبا عبد الله عن رجل قال - وله أربع نسوة -: أول امرأة تطلع فهي طالق، فطلعن كلهن؟ قال: قد اختلفوا في هذا أيضًا، قلت: أخبرني فيه بشيء، فقال: قال بعضهم: يقسم بينهن تطليقة، قلت: أخبرني فيه بقولك، فقال: يقرع بينهن، فأيتهن خرجت عليها القرعة طلقت (¬2). قلت: لفظ "الأول" يراد به ما يتقدم على غيره، ويراد به ما لا يتقدم عليه غيره، وعلى المعنى الأول: لا يكون أولًا إلا إذا تبعه غيره وتأخر عنه، وعلى المعنى الثاني: يكون أولًا، وإن لم يتأخر عنه غيره، فيصح على هذا أن يقول من لم يتزوج إلا امرأة واحدة، أو لم يولد له إلا ولد واحد: هذه أول امرأة تزوجتها، وهذا أول مولود ولد لي. وعلى هذا إذا قال: أول مولود (¬3) تلدينه فهو حر، فولدت ولدًا، ثم لم تلد بعده شيئًا، عتق ذلك الولد (¬4)، ولو قال: أول مملوك أشتريه ¬
فهو حر عتق العبد المشتري، وإن لم يشتر بعده غيره، وإذا قال: أول غلام يطلع لي فهو حر، أو أول امرأة تطلع فهي طالق، فطلع منهم (¬1) جماعة، فكل منهم صالح (¬2) لأن يكون أولًا، وليس اختصاص أحدهم بذلك أولى من الآخر، فيخرج أحدهم بالقرعة، فإنه لو طلع منهم واحد معين لكان هو الحر والمطلقة، فإذا طلع جماعة، فالذي يستحق العتق والطلاق منهم واحد وهو غير معين، فيخرج بالقرعة (¬3). فإن قيل: إذا تساووا في الطلوع لم يكن فيهم أول، ولهذا يقال: لم يجئ أحدهم أول من الآخر، فلم يوجد الشرط، فلا يقع (¬4) المعلق به، وإن كان الجميع قد اشتركوا في الأولية وجب أن يشتركوا في وقوع العتق والطلاق (¬5). قيل: إن نوى وقوع العتق والطلاق بالجميع - إذا اشتركوا في ذلك - وقع بالجميع، وإنما كلامنا فيما إذا نوى وقوع العتق والطلاق في واحد موصوف بالأولية، فإذا اشترك جماعة في الصفة وجب إخراج أحدهم بالقرعة، فإن النية تخصص العام وتقيد المطلق، فغاية الأمر أن يقال: قد اشترك جماعة في الشرط، لكنه (¬6) خصص بنيته ¬
لو قال: أول ولد تلدينه فهو حر، فولدت اثنين لا يدري أيهما هو الأول
واحدًا. فإن قيل: فما تقولون فيما لو طلق ولم تكن له نية؟ قيل: لو أطلق، فإنما يقع العتق والطلاق بواحد لا بالجميع؛ لأنه قال: أول غلام يطلع، وأول امرأة تطلع، وهذا يقتضي أن يكون فردًا من جملة، لا مجموع الجملة، فكأنه قال: غلام من غلماني، وامرأة من نسائي، يكون أول مستحق العتق والطلاق، وكل واحد منهم قد اتصف بهذه الصفة، وهو إنما أوقع ذلك في واحد فيخرج بالقرعة. ومن لا يقول بهذا، فإما أن يقول: يعين بتعيينه، وقد تقدم فساد ذلك (¬1)، وأن التعيين بما جعله الشارع طريقًا للتعيين أولى من التعيين بالتشهي والاختيار. وإما أن يقال: يعتق الجميع ويطلقن، وهذا أيضًا لا يصح، فإنه إنما أوقع العتق والطلاق في واحد لا في الجميع، وكلامه صريح في ذلك. وإما أن يقال: لا يعتق واحد ولا تطلق امرأة، ولا يصح أيضًا؛ لوجود الوصف، فإنه لو انفرد بالطلوع، أو انفردت به، لوقع (¬2) المعلق به، ومشاركة غيره له لا تخرجه عن الاتصاف بالأولية، فقد اشترك جماعة في الوصف، والمراد واحد منهم، فيخرج بالقرعة. فإن قيل: فما تقولون فيما لو قال: أول ولد تلدينه فهو حر، ¬
فولدت اثنين لا يدري أيهما هو الأول؟ قيل: يقرع بينهما، نص عليه في رواية ابن منصور، قال: يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة عتق (¬1)، وهذا نظير أن يطلع أحدهما قبل الآخر، ثم يشكل في مسألة التعليق بالطلوع. فإن قيل: فلو ولدتهما معًا، بأن تضع مثل الكيس، وفيه ولدان أو أكثر؟ قيل: يخرج أحدهما بالقرعة، على قياس قوله في مسألة أول غلام يطلع لي فهو حر، فطلعا معًا. قال في "المغني" (¬2): ويحتمل أن يعتقا جميعًا؛ لأن الأولية وجدت فيهما جميعًا فثبتت الحرية فيهما، كما لو قال في المسابقة: من سبق فله عشرة، فسبق اثنان اشتركا في العشرة. وقال إبراهيم النخعي: يعتق أيهما شاء (¬3). وقال أبو حنيفة (¬4): لا يعتق واحد منهما؛ لأنه لا أول فيهما؛ لأن كل واحد منهما مساو للآخر، ومن شرط الأولية سبق الأول. ¬
فإن ولدت الأول ميتا والثاني حيا
قال (¬1): ولنا أن هذين لم يسبقهما غيرهما، فكانا أولًا كالواحد، وليس من شرط الأول أن يأتي بعده ثان (¬2)، بدليل ما لو ملك واحدًا ولم يملك بعده شيئًا، وإذا كانت الصفة موجودة فيهما فإما أن يعتقا جميعًا، أو يعتق أحدهما، وتعينه القرعة على ما ذكرنا من قبل (¬3). قال: وكذلك الحكم فيما لو قال: أول ولد تلدينه فهو حر، فولدت اثنين وخرجا معًا، فالحكم فيهما كذلك (¬4). فصل فإن ولدت الأول ميتًا والثاني حيًّا، قال في "المغني" (¬5): ذكر الشريف (¬6): أنه يعتق الحي منهما، وبه قال أبو حنيفة (¬7). وقال ¬
أبو يوسف، ومحمد (¬1)، والشافعي (¬2): لا يعتق واحد منهما، قال: وهو الصحيح إن شاء الله تعالى؛ لأن شرط العتق إنما وجد في الميت، وليس بمحل للعتق، فانحلت اليمين به. قال: وإنما قلنا: إن شرط العتق وجد فيه؛ لأنه أول ولد، بدليل أنه لو قال لأمته: إذا ولدت فأنت حرة، فولدت ولدًا ميتًا عتقت. ووجه الأول: أن العتق يستحيل (¬3) في الميت، فتعلقت اليمين بالحي، كما لو قال: إن ضربت فلانًا فعبدي حر، فضربه حيًّا عتق، وإن ضربه ميتًا، لم يعتق، ولأنه معلوم من طريق العادة (¬4) أنه قصد عقد يمينه على ولد يصح العتق فيه، وهو أن يكون حيًّا، فتصير الحياة مشروطة فيه، وكأنه (¬5) قال: أول ولد تلدينه حيًّا فهو حر (¬6). وقال صاحب (¬7) "المحرر": إذا قال: إذا ولدت ولدًا، أو أول ولد ¬
مسألة الأول والآخر مبنية على أصلين
تلدينه، فهو حر، فولدت ميتًا ثم حيًّا، أو قال: آخر ولد تلدينه حر (¬1)، فولدت حيًّا ثم ميتًا، ثم لم تلد بعده شيئا، فهل يعتق الحي؟ على روايتين (¬2). وإن قال: أول ما تلده (¬3) أمتي حر، فولدت ولدين، وأشكل السابق، أعتق أحدهما بالقرعة، فإن بان للنَّاسي أنَّ الَّذي أعتقه أخطأته القرعة عتق، وهل يرق الآخر؟ على وجهين (¬4). قلت: مسألة الأوَّل والآخر، مبنية على أصلين: أحدهما: أنَّه هل يسقط حكم الميت، ويصير وجوده كعدمه، لامتناع نفوذ العتق فيه، أو يعتبر حكمه كالحي؟ الأصل الثاني: هل من شرط الأوَّل أن يأتي (¬5) بعده غيره، أو يكفي فيه كونه سابقًا مبتدءًا به، وإن لم يلحقه غيره؟ وأمَّا مسألة تعليق الحريَّة على مطلق الولادة، ففيها إشكالٌ ظاهر. فإنَّ صورتها أن يقول: إذا ولدت ولدًا فهو حر، فإذا ولدت ميتًا ثمَّ حيًّا، فإمَّا أن نعتبر حكم الميت أو لا نعتبره، فإن لم نعتبره عتق الحي؛ لأنَّه هو المولود (¬6) إن اعتبرناه وحكمنا بعتقه، ¬
فكذلك (¬1) ينبغي أن يحكم بعتق الحي؛ لوجود الصفة فيه. فإن قيل: "إذا" لا تقتضي التكرار، وقد انحلت اليمين بوجود الأوَّل، وقد تعلَّق به الحكم، فلا يعتق الثاني (¬2). قيل: هذا مأخذ هذا القول، لكن قوله: "إذا ولدت ولدًا" نكرة في سياق الشرط، فيعم كل ولد، وهو قد جعل سبب العتق الولادة، فيعم الحكم من وجهين، أحدهما: عموم المعنى والسبب، والثاني: عموم اللفظ بوقوع النكرة عامة. وهذا غير اقتضاء النكرة التكرار (¬3)، بل العموم المستفاد من وقوع النكرة في سياق الشرط بمنزلة العموم في "أي" و"مَنْ" في قوله: أي ولد ولدته، أو مَنْ ولدته، فهر حرٌّ، فهذا لفظ عام، وهذا عام، فما الفرق بين العمومين؟ فإن قيل: العموم ها هنا في نفس أداة الشرط، والعموم في قوله: "إذا ولدت ولدًا" في المفعول الَّذي هو متعلق فعل الشرط، لا في أداته. قيل: أداة الشرط في "مَنْ" و"أي" هي نفس المفعول الَّذي هو متعلق الفعل؛ ولهذا نحكم على محل "مَنْ" (¬4) بالنَّصب على ¬
المفعولية، ويظهر في "أي"، فالعموم الَّذي في الأداة لنفس المفعول المولود، وهو بعينه في قوله: إذا ولدت ولدًا، اللهم إلَّا أن يريد التخصيص بواحد، ولا يريد العموم، فيبقى من باب تخصيص العام بالنية (¬1). فصل وقوله في مسألة ما إذا أشكل السابق: "إنَّه إن بأن أنَّ الَّذي أعتقه أخطأته القرعة عتق" أي حكم بعتقه من حين مباشرته، لا أنَّه ينشئ فيه العتق من حين الذكر، فإن عتقه مستند إلى سببه، وهو سابق على الذكر. وقوله: "هل يرق الآخر؟ على وجهين" مأخذهما: أنَّ القرعة كاشفة أو منشئة. فإن قيل: إنَّها منشئة للعتق، لم يرتفع بعد إنشائه القرعة (¬2). وإن قيل: إنَّها كاشفة رق الآخر؛ لأنَّا تبينا خطأها في الكشف، ولا يلزم من إعمالها عند استبهام الأمر وخفائه إعمالها عند تبينه وظهوره. يوضحه: أنَّ التبين والظهور لو (¬3) كان في أوَّل الأمر اختص العتق بمن يؤثر به، فكذلك في أثناء الحال. ¬
قول أحمد في الرجل يكون له امرأتان وهو يريد أن يخرج بإحداهما: يقرع بينهما، فتخرج إحدا هما برضا الأخرى، ولا يريد القرعة
وسر المسألة أن استمرار حكم القرعة مشروط باستمرار الإشكال فإذا زال الإشكال زال شرط استمرارها، وهذا أقيس (¬1). لكن يقال: قد حكم بعتقه بالطريق التي نصبها الشارع طريقًا إلى العتق، وإن جاز أن يخطئ في نفس الأمر، فقد عتق بأمر حكم الشارع أن يعتق به، فكيف يرتفع عتقه؟ وعلى هذا، فلا يبعد أن يقال باستمرار عتقه، وأنَّ من أخطأته القرعة يبقى على رقه؛ لأنَّ مباشرته بالعتق قد زال حكمها بالنسيان والجهل، والقرعة نسخت حكم تلك المباشرة وأبطلته، حتَّى كأنَّه لم يكن، وانتقل الحكم إلى القرعة، فلا يجوز إبطاله، فهذا لا يبعد أن يقال، والله أعلم. فصل قال الإمام أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه، في الرجل يكون له امرأتان، وهو يريد أن يخرج بإحداهما، قال: يقرع بينهما، فتخرج إحداهما، أو تخرج إحداهما (¬2) برضا الأخرى، ولا يريد القرعة؟ قال: إذا خرج بها فقد رضيت، وإلَّا أقرع بينهما (¬3). ¬
القرعة في الشراء والبيع
وهذا يدلُّ على أنَّ الإقراع بينهما إنَّما هو عند التشاحّ، فأمَّا إذا رضيت إحداهما بخروج ضرتها، فله أن يخرج بها من غير قرعة، وإن كرهت وقالت: لا أخرج إلَّا بقرعة، فليس لها ذلك، ويخرج بها بغير رضاها، فإنَّه يملك الخروج بها، وإنَّما وقف الأمر على القرعة عند مشاحة الضرة لها. فصل قال حرب: سألت أحمد عن القرعة (¬1) في الشراء والبيع، قلت (¬2): القوم يشترون الشيء، فيقترعون عليه؟ قال: لا بأس. وكذلك قال في رواية ابن بختان. ومعنى هذا: أنَّهم يشترون الشيء، ثمَّ يجزئونه أجزاء، ويقترعون على تلك الأنصباء، فمن خرج له نصيب أخذه. فصل قال أبو داود (¬3): رأيت رجلين تشاحا في الأذان عند أحمد، قالا: يجتمع أهل المسجد، فينظر من يختارون، فقال: لا، ولكن اقترعا، فمن أصابته القرعة أذن، كذلك فعل سعد بن أبي وقاص (¬4). ¬
قلت: وهذا صريح في أنَّ التقديم بالقرعة مقدَّمٌ على التقديم (¬1) بتعيين الجيران (¬2). فإن قيل: فهل تقولون في الإمامة مثل ذلك؟ قيل: لا، بل يقدم فيها من يختاره الجيران (¬3)، فإنَّ القرعة قد تصيب من يكرهونه، ويكره أن يَؤُمَّ قومًا أكثرهم له كارهون (¬4). قال أبو طالب: نازعني ابن عمي في الأذان فتحاكمنا إلى أبي عبد الله - رحمه الله -، فقال: إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشاحوا في الأذان يوم القادسية فأقرع بينهم سعد - رضي الله عنه - (¬5)، فأنا أذهب إلى القرعة، اقترعا (¬6). قلت: وفي المسألة قول آخر، وهو أن تقسم نُوَب الأذان بينهم. ¬
قال الخلال: أخبرنا الحسن بن عبد الوهاب (¬1) قال: وجدت في كتابي، عن طلق بن غنام (¬2)، عن قيس بن الربيع، عن عاصم بن سليمان (¬3)، عن أبي عثمان النهدي (¬4)، عن ابن عمر: "أنَّ نفرًا ثلاثة اختصموا إليه في الأذان، فقضى لأحدهم بالفجر، وقضى (¬5) للثاني بالظهر والعصر، وقضى للثالث بالمغرب والعشاء" (¬6). ¬
قول أحمد في رجل تزوج امرأة على عبد من عبيده، أيهم يعطيها
فصل قال مهنا: سألت أحمد عن رجل تزوج امرأة على عبد من عبيده؟ فقال: جائز. فقلت: له عشرة أعبد (¬1)؟ فقال: أعطيها من أحسنهم (¬2). فقال أبو عبد الله: ليس له ذلك، ولكن يعطيها من أوسطهم، فقلت له: ترى أن يقرع بينهم؟ فقال: نعم؛ فقلت: تستقيم القرعة في هذا؟ فقال: نعم يقرع بين العبيد (¬3). قلت: ها هنا ثلاث مسائل: إحداها: أن يوصي له بعبد من عبيده. الثانية: أن يعتق عبدًا من عبيده. الثالثة: أن يصدقها عبدًا من عبيده. ففي الوصية: يعطيه الورثة ما شاءوا؛ لأنَّه فوض الأمر إليهم، وجعل الاختيار لهم في التعيين. وفي مسألة العتق: يخرج أحدهم بالقرعة. ¬
إذا تكاذبت البينات في الدعوى
وفي مسألة المهر: روايتان، إحداهما: يعطي الوسط، والثانية: يعطي واحدًا بالقرعة (¬1). وإن أوصى أن يعتق عنه عبد من عبيده، فقال أحمد في رواية ابن منصور (¬2) في رجل وصَّى، فقال: أعتقوا أحد عبديَّ هذين: يعتق أحدهما، ولكن إن تشاحا في العتق، يقرع بينهما (¬3). فصل قال أبو النضر: سألت أبا عبد الله عن عبدٍ في يد رجل لا يدعيه، أقام رجل البينة أنَّ فلانًا باع هذا العبد مني بكذا وكذا، وهو يملكه، وأقام الآخر البينة على أنَّ فلانًا تصدق بهذا العبد علي، وهو يملكه، وأقام آخر (¬4) البينة أنَّ فلانًا وهب هذا العبد لي، وهو يملكه، ولم يوقتوا وقتًا، والبينة عدول كلهم؟ قال: أرى البينة ها هنا تكاذبت، يكذب شهود كل (¬5) رجل شهود الآخر، فاجعله في أيديهم، ثمَّ أقرع بينهم (¬6)، فمن وقع له العبد أخذه وحلف، قلت: تحلفه بالله لقد باعني هذا العبد وهو يملكه، أو أنَّ هذا العبدَ لي؟ قال: هو واحدٌ إن شاء الله، ¬
قلت: إلى أي شيء ذهبت في هذا؟ قال: إلى حديث أبي هريرة، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام (¬1) حدثنا أبو هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُكْرِهَ الرَّجلانِ عَلَى اليَمِينِ أَوْ اسْتَحَبَّاهَا فَلْيستَهِمَا عَلَيْهَا" (¬2). قلت: هذه هي (¬3) المسألة التي ذكرها الخرقي في "مختصره" (¬4)، فقال: ولو كانت الدَّابة في يد غيرهما، واعترف أنَّه لا يملكها، وأنَّها لأحدهما، لا يعرفه عينًا أقرع بينهما، فمن قرع صاحبه حلف وسلمت إليه. قال في "المغني" (¬5): إذا أنكرهما من الدَّابة في يده، فالقول قوله مع يمينه بغير خلاف، وإن اعترف أنَّه لا يملكها، وقال: لا أعرف صاحبها عينًا، أو قال: هي لأحدكما لا أعرفه عينًا، أقرع بينهما، فمن قرع صاحبه حلف أنَّها له، وسلمت إليه، لما روى أبو هريرة - رضي الله عنه -: "أنَّ رجلين تداعيا عينًا لم يكن لواحدٍ منهما بينة، فأمرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستهما على اليمين، أحبا أم كرها" رواه أبو داود (¬6)، ولأنَّهما ¬
تساويا في الدعوى لا بينة لواحدٍ منهما ولا يد، والقرعة تميز عند التساوي، كما لو أعتق عبيدًا لا مال له غيرهم في مرض موته. وأمَّا إن كانت لأحدهما بينة، حكم له بغير خلاف، وإن كانت لكلِّ واحدٍ منهما بينة، ففيه روايتان، ذكرهما أبو الخطاب (¬1)، إحداهما: تسقط البينتان، ويقرع بينهما، كما لو لم تكن بينة. وهذا الَّذي ذكره القاضي (¬2) هو ظاهر كلام الخرقي (¬3)؛ لأنَّه ذكر القرعة، ولم يفرق بين أن يكون معهما بينة أو لم يكن، وروي هذا عن ابن عمر (¬4) وابن الزبير (¬5) - رضي الله عنهما - وهو قول إسحاق (¬6) وأبي عبيد (¬7)، وهو رواية عن مالك (¬8)، وقديم قولي الشافعي (¬9)، وذلك لما ¬
روى ابن المسيب: "أنَّ رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر، وجاء كل واحدٍ منهما بشهود عدول على عدة واحدة، فأسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما" (¬1) رواه الشافعي في "مسنده" (¬2)، ولأنَّ البينتين حجتان تعارضتا من غير ترجيح لإحداهما على الأخرى، فسقطتا كالخبرين. والرواية الثانية (¬3): تستعمل البينتان. وفي كيفية استعمالهما روايتان: إحداهما: تقسم العين بينهما، وهو قول الحارث ¬
العكلي (¬1)، وقتادة (¬2) وابن شبرمة (¬3) وحماد (¬4) وأبي حنيفة (¬5) وأحد قولي الشافعي (¬6)، لما روى أبو موسى: "أنَّ رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعير، وأقام كل واحد منهما البينة أنَّها له، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما نصفين" (¬7)، ولأنَّهما تساويا في دعواه، فتساويا في قسمته. ¬
والرواية الثانية (¬1): تقدم إحداهما بالقرعة، وهو قول للشافعي (¬2). وله قول رابع (¬3): يوقف الأمر حتَّى يتبين (¬4)، وهو قول أبي ثور (¬5)؛ لأنَّه اشتبه الأمر، فوجب التوقف، كالحاكم إذا لم يتضح له الحكم في القضية. ولنا: الخبران، وأنَّ تعارض الحجتين لا يوجب التوقف، كالخبرين، بل إذا تعذر الترجيح أسقطناهما، ورجعنا إلى دليل غيرهما (¬6). قلت: قال الشافعي في كتابه (¬7): هذه المسألة فيها قولان: أحدهما يقرع بينهما، فأيهما خرج سهمه حلف لقد شهد شهوده بحق، ثمَّ يقضى له، وكان ابن المسيب يرى ذلك (¬8)، ويرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬9)، ¬
والكوفيون يروونه عن علي - رضي الله عنه - (¬1). قلت (¬2): حديث سعيد بن المسيب: "اختصم رجلان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر، فجاء كل واحد منهما بشهداء عدول على عدة واحدة، فأسهم بينهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: الَّلهم أنت تقضي بينهما، فقضى للَّذي خرج له السهم" رواه أبو داود في "المراسيل" (¬3). ويقويه ما رواه ابن لهيعة عن أبي الأسود (¬4) عن عروة وسليمان بن يسار: "أنَّ رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتى كل واحد منهما بشهود، وكانوا سواء، فأسهم بينهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬5). فهذا مرسل قد روي من وجهين مختلفين، وهو من مراسيل ابن المسيب، وتشهد له الأصول التي ذكرناها في القرعة، والمصير إليه متعين. وأمَّا ما أشار إليه عن علي، فهو ما رواه أبو عوانة عن سماك عن ¬
حنش (¬1) قال: "أُتي علي ببغل يباع في السوق، فقال رجل: هذا بغلي، لم أبع ولم أهب، ونزع على ما قاله بخمسة يشهدون، وجاء آخر يدعيه، وزعمَ أنَّه بغله، وجاء بشاهدين، فقال علي: إنَّ فيه قضاءً وصلحًا، أمَّا الصلح، فيباع البغل، فيقسم على سبعة أسهم، لهذا خمسة، ولهذا اثنان، فإن أبيتم إلَّا القضاء بالحق، فإنَّه يحلف أحد الخصمين أنه بغله، ما باعه ولا وهبه، فإن تشاححتما أيكما يحلف، أقرعت بينكما على الحلف؛ فأيكما قرع حلف؛ فقضى بهذا، وأنا شاهد" رواه البيهقي (¬2). فرأى الصلح بينهم على قسمة (¬3) الثمن (¬4) على عدد الشهود والفصل بينهما بالقرعة. ويشهد له ما رواه البيهقي من حديث أبان (¬5) عن قتادة عن ¬
خلاس (¬1) عن أبي رافع (¬2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "إذا جاء هذا بشاهدٍ، وهذا بشاهدٍ، أقرع بينهم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬3). ويشهد له أيضًا: ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث ابن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع (¬4) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في رجلين اختصما إليه في متاع، ليس لواحدٍ منهما بينة، فقال: "استَهما علَى اليَمِين" (¬5). قال الشافعي (¬6): والقول الآخر: أنَّه يقسم بينهما نصفين لتساوي حجتهما. قلت: ويشهد لهذا ما رواه أبو داود (¬7) والنسائي (¬8) وابن ¬
علل حديث أبي موسى في الرجلين اللذين ادعيا بعيرا
ماجه (¬1) من حديث هدبة (¬2) حدثنا همام (¬3) عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى: "أنَّ رجلين ادعيا بعيرًا، فبعث كل واحد منهما شاهدين، فقسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما" (¬4). ولكن للحديث علل (¬5)، منها: أنَّ همَّامًا (¬6) قال عن قتادة: "فبعث كل واحد منهما شاهدين" (¬7). وقال سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى: "أنَّ رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعير، ليس لواحدٍ منهما بينة، فقضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما نصفين" (¬8). وهكذا رواه يزيد بن ¬
زريع (¬1)، ومحمد بن بكر (¬2)، وعبد الرحيم بن سليمان (¬3) عن سعيد (¬4)، وكذلك روي عن سعيد بن بشير (¬5) عن قتادة (¬6)، وقد رواه أيضًا همام (¬7) عن قتادة كذلك. فهذان وجهان عن همام. ¬
وكذلك اختلف عليه (¬1) في إرساله (¬2) واتصاله (¬3)، والمشهور عنه اتصاله، وشذَّ عنه عبد الصمد (¬4) فأرسله (¬5)، فهذان أيضًا وجهان عن همام في إرساله واتصاله. ورواه شعبة فأرسله، قال أحمد في "مسنده": حدثنا محمد بن جعفر (¬6) حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد (¬7) عن أبيه: "أنَّ رجلين اختصما إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في دابة، ليس لواحد منهما بينة، فجعلها بينهما نصفين" (¬8). ¬
وكأنَّ رواية شعبة: "أنَّه ليس لواحدٍ منهما" (¬1) أولى بالصواب؛ لأنَّ سعيد بن أبي عروبة قد تابعه عن قتادة على هذا اللفظ، رواه عنه روح (¬2)، وسعيد بن عامر (¬3)، ويزيد بن زريع (¬4)، وغيرهم (¬5)، وكذلك رواه سعيد بن بشر (¬6) عن قتادة، فهؤلاء ثلاثة حفاظ، أحدهم أمير المؤمنين شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، وسعيد بن بشر (¬7)، اتفقوا عن قتادة في أنَّه "ليس لواحدٍ منهما بينة". ¬
فقد اضطرب حديث أبي موسى كما ترى. وأمَّا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -؛ فلم يختلف فيه، كما تقدم. والَّذي دلَّت عليه السنَّة أنَّ المدعيين (¬1) إذا كانت أيديهما عليه سواء، أو تساوت بينتاهما قسم بينهما نصفين، كما في حديث سماك عن تميم بن طرفة (¬2): "أنَّ رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعير، كل واحدٍ منهما آخذٌ برأسه، فجاء كل واحدٍ منهما بشاهدين، فجعله بينهما نصفين" (¬3). وقال أبو عوانة: عن سماك عن تميم بن طرفة: "أنبئت أنَّ رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعير، ونزع كل واحدٍ منهما بشاهدين، فجعله بينهما نصفين" (¬4)، وهذا هو بعينه حديث أبي بردة عن أبي موسى. قال الترمذي في "كتاب العلل" (¬5): سألت محمد بن إسماعيل عن حديث سعيد بن أبي بردة عن أبيه في هذا الباب؟ فقال: مرجع هذا ¬
الحديث إلى سماك بن حرب عن تميم (¬1). قال البخاري: وروى حماد ابن سلمة أنَّ سماكًا قال: أنا حدثت أبا بردة بهذا الحديث (¬2). قال البيهقي (¬3): وإرسال شعبة له عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه في رواية غندر (¬4) كالدلالة على ذلك (¬5). قلت: لكن في حديث شعبة: "ليس لواحد منهما بينة"، وفي حديث سماك: "أنَّ كل واحدٍ منهما نزع بشاهدين"، وفي لفظ: "فجاء كل واحدٍ منهما بشاهدين". وقد بينا أنَّ رواية شعبة كأنَّها أولى بالصواب؛ لما قدمنا من الأدلة (¬6) على ذلك. قال البيهقي (¬7): ويبعد أن يكونا قضيتين، فلعلَّه لما تعارضت البينتان وسقطتا قيل: "ليس (¬8) لواحدٍ منهما بينة"، وقسمه بينهما بحكم اليد. وقال الشافعي (¬9): تميم مجهول، وسعيد بن المسيب يروي عن ¬
النبي - صلى الله عليه وسلم - ما وصفنا، يعني أنَّه أقرع بينهما، كما تقدم حديثه. قال: وسعيد سعيد. قال: والحديثان إذا اختلفا فالحجة في أقوى الحديثين، وسعيد من أصح الناس مرسلًا، والقرعة أشبه. هذا قوله في القديم. ثمَّ قال في الجديد (¬1): هذا ممَّا أستخير الله فيه، وأنا فيه واقف. ثمَّ قال: لا يعطى واحدٌ منهما شيئًا، ويوقف حتَّى يصطلحا. قلت: وقوله في القديم أصح وأولى؛ لما تقدم من قوَّة (¬2) القرعة وأدلتها، وأنَّ في إيقاف المال حتَّى يصطلحا تأخير الخصومة، وتعطيل المال، وتعريضه للتلف ولكثرة الورثة (¬3)، فالقرعة أولى الطرق للسلوك (¬4)، وأقربها إلى فصل النزاع، وما احتجَّ به الشافعي في القديم على صحتها من أصح الأدلة، ولهذا قال: هي أشبه. وبالجملة؛ فمن تأمَّل ما ذكرنا في القرعة تبين له أنَّ القول بها أولى من إيقاف المال أبدًا، حتَّى يصطلح المدعون. وبالله التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل (¬5)، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وقائد الغر المحجلين إلى جنَّات النَّعيم، وعلى آله وصحبه ¬
أجمعين إلى يوم الدِّين، ولا حولَ ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم (¬1). ¬
خاتمة التحقيق
خاتمة التحقيق الحمدُ لله الَّذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيد البريات، وبعد: فقد يسَّر الله تعالى بفضله وكرمه، إتمام تحقيق هذا السفر المبارك "الطرق الحكمية" للإمام العلَّامة ابن قيم الجوزية - رحمه الله -، وهو كما ترى كتابٌ نفيس في بابه أجاد فيه وأفاد، فله منَّا الدعاء، وأشير إلى أنَّ الطرق التي يحكم بها القاضي كثيرةٌ جدًّا، ذكر الإمام جملة كثيرة منا، وقد استجد في هذا العصر بعد تقدم العلم الحديث طرق أُخرى لم تكن معروفة في تلك العصور، وهي بحاجة، لبحث وتحرير، ليستفيد منها طلَّاب العلم والقضاة منها: 1 - بصمة الإبهام. 2 - التشريح. 3 - بصمة الدم. 4 - بصمة العين. 5 - التحاليل المخبرية للدم والبول وغيرهما. 6 - الصورة الفوتوغرافية. 7 - التسجيلات الصوتية. 8 - التسجيلات المرئية. 9 - الكلاب البوليسية. وغيرها، ولولا ضيق الوقت لأعددت مبحثًا مختصرًا عنها، وبيان
مدى حجيتها من عدمه فلعلَّ الله تعالى أن ييسر ذلك مستقبلًا، ولا يسعني في الختام إلَّا أن أختم بما ذكره ابن القيم - رحمه الله - في روضة المحبين: "المرغوب إلى من يقف على هذا الكتاب أن يعذر صاحبه، فما عسى أن يبلغ خاطره المكدود، وسعيه المجهود، مع بضاعته المزجاة، التي حقيق بحاملها أن يقال فيه: "تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراهُ"، وها هو قد نصب نفسه هدفًا لسهام الرَّاشقين، وغرضًا لأسنة الطاعنين، فلقارئه غنمه، وعلى مؤلِّفه غرمه، وهذه بضاعته تعرض عليك، وموليته تهدى إليك، فإن صادفت كفؤًا كريمًا فلن تعدم منه إمساكًا بمعروف أو تسريحًا بإحسان، وإن صادفت غيره فالله تعالى المستعان، وعليه التكلان، وقد رضي من مهرها بدعوة خالصة إن وافقت قبولًا واستحسانًا، وبِرَدِّ جميل إن كان حظها احتقارًا واستهجانًا، والمنصف يهب خطأ المخطئ لإصابته، وسيئاته لحسناته، فهذه سنَّة الله في عباده جزاءً وثوابًا .. " (¬1) ا. هـ. وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، ولا حولَ ولا قوَّة إلَّا باللهِ العلي العظيم، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه العبد الفقير أبو عبد الرحمن نايف بن أحمد بن علي الحمد القاضي بالمحكمة العامة بالرياض 1/ 6/ 1424 هـ. الرياض 11545 ص. ب 60185 جوال 0505248649 ¬
فهرس المراجع
فهرس المراجع
فهرس المراجع * التفسير وعلوم القرآن: 1 - الإبانة عن معاني القراءات - أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق د. عبد الفتاح شلبي، المكتبة الفيصلية، الثالثة 1405 هـ. 2 - أحكام القرآن - أبو بكر أحمد بن علي الجصاص ت 370 هـ تعليق عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية بيروت، الأولى 1415 هـ. 3 - أحكام القرآن - أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي، دار الكتب العلمية، الأولى، 1408 هـ. 4 - أحكام القرآن - الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، جمع أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق عبد الغني عبد الخالق، مكتبة الخانجي، القاهرة، الثانية، 1414 هـ. 5 - أحكام القرآن - عماد الدين الطبري الكيا الهراسي، دار الكتب العلمية، الأولى 1403 هـ. 6 - أسباب النزول - أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي ت 468 هـ، تخريج عصام الحميدان، دار الإصلاح، الدمام، الأولى 1411 هـ. 7 - أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن - محمد الأمين الشنقيطي، 1403 هـ. 8 - الإقناع في القراءات العشر - أبو جعفر أحمد بن علي الباذش ت 540 هـ، مجمع اللغة العربية. 9 - أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة من غرائب آي التنزيل - محمد بن أبي بكر الرازي، تحقيق د. محمد الداية، دار الفكر، دمشق، الأولى 1411 هـ. 10 - الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه - أبو محمد بن أبي طالب القيسي ت 437 هـ، تحقيق د. أحمد حسن فرحات، دار المنارة، جدة، الأولى 1406 هـ. 11 - البحر المحيط في التفسير - أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي ت 754 هـ، المكتبة التجارية، مكة المكرمة.
12 - البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة - عبد الفتاح القاضي، مكتبة الدار، المدينة النبوية، الأولى 1404 هـ. 13 - البرهان في علوم القرآن - بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار التراث، القاهرة. 14 - تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب - أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي، تحقيق سمير المجذوب، المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى 1403 هـ. 15 - تفسير أبي السعود "إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم" أبو السعود محمد العمادي ت 951 هـ، إحياء التراث العربي، بيروت. 16 - تفسير ابن عطية "المحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز" أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي ت 546 هـ، دار الكتب العلمية، الأولى 1413 هـ. 17 - تفسير البغوي "معالم التنزيل" الحسن بن مسعود البغوي، تحقيق خالد العك، دار المعرفة بيروت، الثانية 1407 هـ. 18 - تفسير البقاعي "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" برهان الدين أبو الحسن البقاعي ت 885 هـ، دار الكتاب العربي، القاهرة، الثانية 1413 هـ. 19 - تفسير الجلالين - جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، مكتبة الرياض الحديثة. 20 - تفسير الخازن "لباب التأويل في معاني التنزيل" علي بن محمد البغدادي المعروف بالخازن ت 725 هـ، تعليق عبد السلام محمد شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1415 هـ. 21 - تفسير الزمخشري "الكشاف عن وجوه حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" أبو القاسم الزمخشري، تحقيق محمد الصادق قمحاوي، البابي الحلبي، الأخيرة 1392 هـ. 22 - تفسير الشوكاني "فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية وعلم التفسير" محمد بن علي الشوكاني، تحقيق سعيد اللحام، دار الفكر، بيروت 1403 هـ. 23 - تفسير الطبري "جامع البيان في تفسير القرآن" أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ت 301 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1412 هـ.
24 - تفسير عبد الرزاق - عبد الرزاق بن همام الصنعاني ت 211 هـ، تحقيق د. محمود محمد عبده، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1419 هـ. 25 - تفسير القرآن العظيم - عبد الرحمن بن محمد بن أبي حاتم الرازي ت 327 هـ، تحقيق أسعد الطيب، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، الأولى 1417 هـ. 26 - تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي - دار إحياء التراث العربي، بيروت، الثانية 1405 هـ. 27 - التفسير الكبير - أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق عبد الرحمن عميرة، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى. 28 - تفسير الماوردي "النكت والعيون" أبو الحسن علي بن محمد الماوردي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الأولى 1412 هـ. 29 - حاشية الجمل على الجلالين "الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية" سليمان بن عمر العجيلي الشافعي، دار الفكر، بيروت، 1415 هـ. 30 - حاشية الصاوي على الجلالين - أحمد الصاوي المالكي ت 1241 هـ، دار الفكر، بيروت، الأولى 1409 هـ. 31 - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - أحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي، تحقيق د. أحمد الخراط، دار المنارة، جدة، الأولى 1406 هـ. 32 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي. 33 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني - أبو الفضل محمد الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الرابعة 1405 هـ. 34 - زاد المسير في علم التفسير - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الرابعة 1407 هـ. 35 - غريب القرآن وتفسيره أبو عبد الرحمن عبد الله بن يحيى اليزيدي ت 237 هـ، تحقيق محمد سليم الحاج، عالم الكتب، بيروت، الأولى 1407 هـ.
36 - فضائل القرآن وآدابه - أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي، تحقيق أحمد الخياطي، وزارة الأوقاف المغربية 1405 هـ. 37 - فنون الأفنان في عجائب القرآن - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق محمد إبراهيم سليم، مكتبة ابن سيناء، القاهرة، 1408 هـ. 38 - الفوائد الجميلة عن الآيات الجليلة - أبو علي الحسين بن علي الشوشاوي المالكي ت 899 هـ - تحقيق إدريس عزوزي، وزارة الأوقاف المغربية، 1409 هـ. 39 - الكشف عن وجوه القراءات السبع - أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي، مطبوعات مجمع اللغة العربية. 40 - الكواكب الدرية فيما ورد في إنزال القرآن على سبعة أحرف - محمد بن علي بن خلف الحسيني المالكي المعروف بالحداد، البابي الحلبي، القاهرة 1344 هـ. 41 - معاني القرآن - أبو الحسن سعيد بن مسعدة البلخي البصري المعروف بالأخفش الأوسط ت 215 هـ، تحقيق د. فائز فارس، دار البشير، الكويت، الثانية 1401 هـ. 42 - معاني القرآن الكريم - أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس ت 338 هـ، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، الأولى 1409 هـ. 43 - مفردات ألفاظ القرآن - الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، تحقيق صفوان داوودي، دار القلم دمشق، الأولى 1412 هـ. 44 - مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني، دار الفكر، بيروت. 45 - الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز - أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي، تحقيق محمد المديفر، مكتبة الرشد الرياض، الثانية 1418 هـ. 46 - الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم - أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي، تحقيق د. عبد الكبير العلوي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 1992 م. 47 - الناسخ والمنسوخ في كتاب الله - عز وجل - أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس، تحقيق د. سليمان اللاحم، مؤسسة الرسالة، بيروت، الأولى 1412 هـ.
* السنة النبوية وعلومها
48 - ناسخ القرآن ومنسوخه - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق حسين سليم أسد، دار الثقافة العربية، دمشق، الأولى 1411 هـ. * السنة النبوية وعلومها: 49 - الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية - أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي ت 387 هـ، تحقيق رضا نعسان، دار الراية، الرياض، الثانية 1415 هـ. 50 - إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - أبو العباس أحمد بن أبي بكر الكناني المعروف بالبوصيري ت 840 هـ - تحقيق سيد كسروي، الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417 هـ. 51 - إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة - أبو الفضل بن حجر العسقلاني، تحقيق د. زهير الناصر وآخرين، وزارة الشؤون الإسلامية، السعودية، الأولى 1415 هـ. 52 - الآحاد والمثاني - أبو بكر أحمد بن عمرو الضحاك الشيباني المعروف بابن أبي عاصم، تحقيق د. باسم الجوابرة، دار الراية، الرياض، الأولى 1411 هـ. 53 - الآداب - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، محمد عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1406 هـ. 54 - اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار المعرفة، بيروت. 55 - الأجوبة المرضية عن الأحاديث النبوية - محمد بن عبد الرحمن السخاوي ت 902 هـ، تحقيق د. محمد إسحاق، دار الراية، الرياض، الأولى 1418 هـ. 56 - الأحاديث المختارة - أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي، تحقيق د. عبد الملك الدهيش، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، الأولى 1410 هـ. 57 - الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان - علاء الدين علي بن بلبان الفارسي ت 739 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الرسالة، بيروت، الثانية 1414 هـ. 58 - الأحكام الوسطى - أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الأشبيلي، تحقيق حمدي السلفي وصبحي السامرائي، مكتبة الرشد، الرياض 1416 هـ.
59 - اختصار علوم الحديث - إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق علي بن حسن الحلبي، مكتبة المعارف، الرياض، الأولى 1417 هـ "مع شرحه الباعث الحثيث لأحمد شاكر". 60 - اختلاف الحديث - أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق عامر حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الأولى 1405 هـ. 61 - الأدب المفرد - أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الثالثة 1409 هـ. 62 - الأربعين النووية - أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الثانية 1412 هـ "مع شرحه جامع العلوم والحكم". 63 - الأربعين البلدانية - أبو القاسم علي بن الحسين بن عساكر، دار الفكر، بيروت الأولى 1413 هـ. 64 - الأربعين في دلائل التوحيد "أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي ت 481 هـ، تحقيق د. علي الفقيهي، الأولى 1404 هـ. 65 - الأربعين في صفات رب العالمين - شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق عبد القادر صوفي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية، الأولى 1413 هـ. 66 - إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق - صلى الله عليه وسلم -، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق عبد الباري السلفي، مكتبة الإيمان، المدينة النبوية، الأولى 1408 هـ. 67 - إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه - أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق بهجة أبو الطيب - مؤسسة الرسالة، بيروت، الأولى 1416 هـ. 68 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الثانية 1405 هـ. 69 - الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تقديم أحمد رجب، هدية مجلة الأزهر، القاهرة، الأولى 1404 هـ. 70 - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني
الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار قتيبة، دمشق، الأولى 1414 هـ. 71 - الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة - علي بن محمد المعروف بالملا على القاري، تحقيق محمد الصباغ، المكتب الإسلامي، بيروت، الثانية 1406 هـ. 72 - الأسماء والصفات - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق عبد الله الحاشدي، مكتبة السوادي، جدة، الأولى 1413 هـ. 73 - الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار - أبو بكر محمد بن موسى الحازمي ت 584 هـ مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الأولى 1403 هـ. 74 - الاعتقاد - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دار الكتب العلمية، بيروت الأولى 1404 هـ. 75 - اعتلال القلوب - محمد بن جعفر بن محمد الخرائطي ت 327 هـ - تحقيق حمدي الدمرداش، مكتبة مصطفى الباز، مكة، الثانية 1420 هـ. 76 - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المعروف بابن الملقن، تحقيق عبد العزيز المشيقح، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1417 هـ. 77 - أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري - أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي، تحقيق د. محمد بن سعد آل سعود، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، الأولى 1409 هـ. 78 - إكمال إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - محمد بن خليفة الأبي المالكي ت 872 هـ، تصحيح محمد سالم هاشم، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1415 هـ. 79 - الإلزامات والتتبع - أبو الحسن على بن عمر الدارقطني، تحقيق مقبل الوادعي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت 1982 م. 80 - ألفية السيوطي في علم الحديث - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق أحمد شاكر، المكتبة التجارية، مكة. 81 - الأمالي - عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران ت 430 هـ، ضبط عادل العزازي، دار
الوطن، الرياض، الأولى 1418 هـ. 82 - الأموال - أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي، تحقيق محمد خليل هراس، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1406 هـ. 83 - الأموال - حميد بن مخلد بن قتيبة الخرساني المعروف بابن زنجويه ت 251 هـ، تحقيق د. شاكر فياض، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الأولى 1406 هـ. 84 - الإيمان - أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي. 85 - الإيمان - محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده ت 395 هـ تحقيق د. علي الفقيهي، مؤسسة الرسالة، الثانية 1406 هـ. 86 - البدع والنهي عنها - محمد بن وضاح القرطبي. 87 - البعث والنشور - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق محمد السعيد زغلول، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الأولى 1408 هـ. 88 - بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث - علي بن سليمان بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق حسن الباكري، الجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، الأولى 1413 هـ. 89 - بغية الملتمس في سباعيات حديث مالك بن أنس - صلاح الدين أبو سعيد خليل العلائي، تحقيق حمدي السلفي، عالم الكتب بيروت، الأولى 1405 هـ. 90 - بلوغ المرام من أدلة الحكام - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تعليق محمد حامد الفقي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الأولى 1409 هـ. 91 - بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام - أبو الحسن علي بن محمد القطان الفاسي ت 628 هـ، تحقيق د. الحسين آيت سعيد، دار طيبة، الرياض، الأولى 1418 هـ. 92 - تأويل مختلف الحديث - أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ت 276 هـ، تحقيق عبد القادر عطا، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، الأولى 1402 هـ. 93 - تحريم اللواط - أبو بكر محمد بن الحسين الآجري.
94 - تحريم النرد والشطرنج والملاهي - أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ت 360 هـ، تحقيق محمد سعيد، إدارات البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، الأولى 1402 هـ. 95 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، أبو العلاء المباركفوري 1353 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1410 هـ. 96 - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف - أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي ت 742 هـ، دار الكتب العلمية بيروت. 97 - تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل - أحمد بن عبد الرحيم العراقي، تحقيق عبد الله نوارة، مكتبة الرشد، الرياض 1419 هـ. 98 - تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب - أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق عبد الغني الكبيسي، دار حراء، مكة المكرمة، الأولى 1406 هـ. 99 - تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج - عمر بن علي بن الملقن، تحقيق عبد الله اللحياني، دار حراء، مكة المكرمة، الأولى 1406 هـ. 100 - التحقيق في أحاديث الخلاف - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق مسعد السعدني، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1415 هـ. 101 - تخريج أحاديث إحياء علوم الدين - العراقي والسبكي والزبيدي، استخراج محمود الحداد، دار العاصمة، الرياض 1404 هـ. 102 - تخريج أحاديث العقائد - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق صبحي السامرائي، دار الرشد، الرياض 1404 هـ. 103 - تخريج أحاديث مشكاة المصابيح - محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الثالثة 1405 هـ. 104 - تدريب الراوي - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار الكتب الإسلامية، تحقيق موسى علي. 105 - تذكرة الحفاظ - محمد بن طاهر القيسراني، تحقيق حمدي السلفي، دار الصميعي،
الرياض، الأولى 1415 هـ. 106 - تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج - عمر بن علي بن الملقن ت 804 هـ، تحقيق حمدي السلفي، المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى 1994 م. 107 - الترغيب والترهيب - أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، دار الفكر، بيروت 1414 هـ. 108 - التصديق بالنظر - أبو بكر محمد بن الحسين الآجري، تحقيق سمر الزهيري، مؤسسة الرسالة، الأولى 1408 هـ. 109 - تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي ت 394 هـ، تحقيق د. عبد الرحمن الفريوائي، مكتبة الدار، المدينة النبوية، الأولى 1406 هـ. 110 - التعليق المغني على الدارقطني - أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي، عالم الكتب، بيروت، الثانية 1403 هـ "بهامش سنن الدارقطني". 111 - التعيين في شرح الأربعين "النووية" - نجم الدين سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي ت 716 هـ، تحقيق أحمد حاج محمد، مؤسسة الريان، بيروت، الأولى 1419 هـ. 112 - تغليق التعليق على صحيح البخاري - أبو الفضل علي بن أحمد حجر العسقلاني، تحقيق سعيد القزقي، المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى 1405 هـ. 113 - التقريب والتيسير - أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1407 هـ. 114 - التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من مقدمة ابن الصلاح - زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي ت 806 هـ، تحقيق محمد شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417 هـ. 115 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق حسن عباس قطب، مؤسسة قرطبة، مصر، الأولى 1416 هـ. 116 - تلخيص مستدرك الحاكم - محمد بن أحمد الذهبي، دار الكتاب العربي، بيروت "بهامش المستدرك".
117 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، تحقيق محمد الفلاح، وزارة الأوقاف المغربية 1400 هـ. 118 - تمييز الطيب من الخبيث - عبد الرحمن بن علي الشيباني، دار الكتاب العربي، بيروت 1405 هـ. 119 - تنزيه الشريعة عن الأحاديث الشنيعة - علي بن محمد بن عرَّاق ت 963 هـ، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله الصديق، دار الكتب العلمية، بيروت، الثانية 1401 هـ. 120 - تنقيح تحقيق أحاديث الخلاف - محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي ت 744 هـ، تحقيق أيمن صالح شعبان، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1419 هـ. 121 - تنوير الحوالك شرح موطأ مالك - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار الباز، مكة المكرمة. 122 - تهذيب الآثار - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق محمود محمد شاكر، دار المدني، القاهرة. 123 - التواضع والخمول - أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا القرشي، تحقيق لطفي الصغير، دار الاعتصام، القاهرة 1988 م. 124 - كتاب التوحيد - أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ت 311 هـ، تحقيق د. عبد العزيز الشهوان، دار الرشد، الرياض، الأولى 1408 هـ. 125 - الثقات - محمد بن أحمد أبو حاتم ابن حبان البستي، تحقيق السيد شرف الدين أحمد، دار الفكر بيروت الأولى 1395 هـ. 126 - جامع الأصول من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير ت 606 هـ، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، المكتبة التجارية، مكة المكرمة. 127 - جامع التحصيل في أحكام المراسيل - أبو سعيد خليل العلائي ت 761 هـ، تحقيق حمدي السلفي، عالم الكتب، بيروت، الثانية 1407 هـ. 128 - الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار
الكتب العلمية. 129 - جامع العلوم والحكم - أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الثالثة 1412 هـ. 130 - جامع بيان العلم وفضله - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، الدمام، الرابعة 1419 هـ. 131 - الجامع في الحديث - أبو محمد عبد الله بن وهب القرشي ت 197 هـ، تحقيق د. مصطفى أبو الخير، دار ابن الجوزي، الدمام، الرابعة 1416 هـ. 132 - جزء فيه حديث المصيصي لوين - أبو جعفر محمد بن سليمان المصيصي ت 246 هـ، تحقيق مسعد السعدني، أضواء السلف، الرياض، الأولى 1418 هـ. 133 - جزء ابن غطريف - محمد بن أحمد بن الغطريف الجرجاني، تحقيق د. عامر صبري، دار البشائر، بيروت، الأولى 1417 هـ. 134 - الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي - أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني ت 390 هـ، تحقيق د. محمد الخولي، الأولى، عالم الكتب، بيروت 1981 م. 135 - الجهاد - عبد الله بن المبارك الحنظلي، تحقيق نزيه حماد، الدار التونسية 1972 م. 136 - الجوهر النقي في الرد على البيهقي - علي بن عثمان بن إبراهيم التركماني ت 750 هـ، تحقيق محمد عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1414 هـ "بحاشية سنن البيهقي". 137 - حاشية السندي على سنن النسائي - أبو الحسن نور الدين بن عبد الهادي السندي ت 1138 هـ، مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب، الثانية 1406 هـ. 138 - الحطة في ذكر الصحاح الستة - صديق حسن خان القنوجي، تحقيق علي حسن الحلبي، دار الجيل، عمان الأولى 1408 هـ. 139 - الخراج - يحيى بن آدم القرشي ت 203 هـ، تحقيق أحمد بن محمد شاكر، دار المعرفة، بيروت 1399 هـ. 140 - خلاصة البدر المنير - عمر بن علي بن الملقن الأنصاري، تحقيق حمدي السلفي، مكتبة
الرشد، الرياض، الأولى 1410 هـ. 141 - خلق أفعال العباد - أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، مؤسسة الرسالة، بيروت، الأولى 1404 هـ. 142 - الدراية في تخريج أحاديث الهداية - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الله هاشم اليماني، دار المعرفة، بيروت. 143 - الدلائل في غريب الحديث - أبو محمد القاسم بن ثابت السرقسطي ت 302 هـ، تحقيق د. محمد القناص، مكتبة العبيكان، الرياض، الأولى 1408 هـ. 144 - دلائل النبوة - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1405 هـ. 145 - دلائل النبوة - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني ت 430 هـ، تحقيق د. محمد رواس قلعه جي وعبد البر عباس، دار النفائس، الثانية 1406 هـ. 146 - الدينار من حديث المشايخ الكبار - أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق مجدي السيد، مكتبة الساعي، الرياض، 1988 م. 147 - ذم المسكر - أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا القرشي ت 281 هـ، تحقيق د. نجم عبد الرحمن، دار الراية، الرياض، الأولى 1409 هـ. 148 - رسالة في أصول الحديث - علي بن محمد بن علي الجرجاني ت 816 هـ، تحقيق علي زوين، دار الرشد، الرياض، الأولى 1417 هـ. 149 - رسوخ الأخبار في منسوخ الأخبار - برهان الدين الجعبري ت 732 هـ، مكتبة الشافعي، الرياض، الأولى 1410 هـ. 150 - الرؤية - أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، تحقيق إبراهيم العلي وأحمد الرفاعي، مكتبة المنار، الأردن، الأولى 1414 هـ. 151 - رياض الصالحين - أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق عبد العزيز رباح وأحمد الدقاق، مكتبة الإيمان، المدينة النبوية، التاسعة 1407 هـ.
152 - الزهد - عبد الله بن المبارك المروزي ت 181 هـ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1419 هـ. 153 - الزهد - أسد بن موسى القرشي ت 212 هـ، تحقيق أبي إسحاق الحويني، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، الأولى 1413 هـ. 154 - الزهد - أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، دار الكتب العلمية، بيروت 1398 هـ. 155 - الزهد - أحمد بن عمرو الشيباني المعروف بابن أبي عاصم، تحقيق عبد العلي عبد الحميد، دار الريان، القاهرة، الثانية 1408 هـ. 156 - الزهد الكبير - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق عامر أحمد، دار الجنان، بيروت، الأولى 1418 هـ. 157 - الزواجر عن اقتراف الكبائر - أبو العباس أحمد بن حجر الهيتمي 974 هـ، تحقيق محمد محمود وسيد إبراهيم وجمال ثابت، دار الحديث القاهرة، الأولى 1414 هـ. 158 - سبل السلام شرح بلوغ المرام - محمد بن إسماعيل الصنعاني ت 1182 هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الرابعة 1379 هـ تحقيق محمد عبد العزيز الخولي، وطبعة ثانية طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، الثالثة 1405 هـ. 159 - سلسلة الأحاديث الصحيحة - محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الرابعة 1408 هـ. 160 - سلسلة الأحاديث الضعيفة - محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الرابعة 1408 هـ. 161 - السنة - أبو بكر أحمد بن عمرو الشيباني المعروف بابن أبي عاصم - تخريج محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي بيروت، الأولى 1400 هـ. 162 - السنة - أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال، تحقيق د. عطية الزهراني، دار الراية، الرياض، الأولى 1410 هـ. 163 - سنن أبي داود - سليمان بن الأشعث السجستاني، دار السلام، الرياض الأولى 1420 هـ.
164 - سنن ابن ماجه - أبو عبد الله بن يزيد بن ماجه القزويني، تحقيق د. بشار عواد معروف، دار الجيل، بيروت، الأولى 1418 هـ. 165 - سنن الترمذي "الجامع الكبير" أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق د. بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الثانية 1998 م. 166 - سنن الدارقطني - أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، عالم الكتب، بيروت، الثانية 1403 هـ. 167 - سنن الدارمي - أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ت 255 هـ، دار الكتاب العربي، تحقيق أحمد زمرلي، الأولى 1407 هـ. 168 - سنن سعيد بن منصور - سعيد بن منصور الخرساني، تحقيق د. سعد آل حميد، دار الصميعي، الرياض 1414 هـ. 169 - سنن سعيد بن منصور - سعيد بن منصور الخرساني ت 227 هـ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الباز، مكة، الأولى 1405 هـ. 170 - السنن الصغير - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الوفاء، القاهرة، الأولى 1410 هـ. 171 - السنن الكبرى - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق عبد الغفار البنداري، دار الكتب العلمية، الأولى 1411 هـ. 172 - السنن الكبرى - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق محمد عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1414 هـ. 173 - سنن النسائي - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، المطبوعات الإسلامية بحلب، الثانية 1406 هـ. 174 - السنة - أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي ت 294 هـ، تحقيق د. عبد الله البصري، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1422 هـ. 175 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن منصور
الطبري اللالكائي ت 418 هـ، تحقيق د، أحمد بن سعد حمدان، دار طيبة، الرياض. 176 - شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك - محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، دار المعرفة، بيروت، 1409 هـ. 177 - شرح السنة - الحسين بن مسعود البغوي ت 516 هـ، تحقيق شعيب الأرنؤوط وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الثانية 1403 هـ. 178 - شرح سنن النسائي - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الثانية 1406 هـ. 179 - شرح صحيح مسلم - أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار القلم، بيروت، الأولى. 180 - شرح علل الترمذي - عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، تحقيق صبحي السامرائي، عالم الكتب، بيروت، الثانية 1405 هـ. 181 - شرح مشكل الآثار - أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ت 329 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الأولى 1415 هـ. 182 - شرح معاني الآثار - أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، تحقيق محمد النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1399 هـ. 183 - الشريعة - أبو بكر أحمد بن الحسين الآجرَّي ت 360 هـ، تحقيق د. عبد الله الدميجي، دار الوطن، الرياض، الأولى 1418 هـ. 184 - شعب الإيمان - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق محمد السعيد زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1410 هـ. 185 - الشكر - أبو بكر عبد الله بن محمد القرشي المعروت بابن أبي الدنيا، تحقيق محمد السعيد بسيوني، مؤسسة الكتب الثقافية، الأولى 1413 هـ. 186 - صحيح الأدب المفرد - محمد ناصر الدين الألباني، دار الصديق، الجبيل، الأولى 1414 هـ. 187 - صحيح البخاري "الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور النبي - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه،
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة السلفية، القاهرة، الثانية 1405 هـ "مطبوع مع فتح الباري". 188 - صحيح الجامع الصغير وزياداته - محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي الثانية 1406 هـ. 189 - صحيح ابن خزيمة - أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري ت 311 هـ، تحقيق د. محمد الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى 1395 هـ. 190 - صحيح سنن أبي داود - محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت الأولى. 191 - صحيح سنن ابن ماجه - محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي بيروت، الأولى 1407 هـ. 192 - صحيح سنن النسائي - محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى. 193 - صحيح مسلم - أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، مراجعة خليل ألميس، دار القلم، بيروت، الأولى، "مطبوع مع شرح النووي". 194 - ضعيف الجامع الصغير وزياداته - محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الثالثة 1410 هـ. 195 - ضعيف سنن الترمذي - محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي بيروت، الأولى. 196 - طرح التثريب - عبد الرحيم بن زين العراقي، دار إحياء الكتب العربية، بيروت. 197 - عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي - أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المالكي، دار الكتاب العربي، بيروت. 198 - العدة على إحكام الإحكام - محمد بن إسماعيل الصنعاني، المكتبة السلفية، القاهرة، الثانية. 199 - العظمة - أبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني ت 369 هـ، تحقيق رضاء الله المباركفوري، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1408 هـ. 200 - عقود الجواهر المنيفة - محمد بن محمد مرتضى الزبيدي الحنفي ت 1145 هـ، تحقيق
وهبي الألباني، مؤسسة الرسالة، الأولى 1406 هـ. 201 - عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1407 هـ. 202 - العقوبات - أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ت 281 هـ، تحقيق محمد خير رمضان، دار ابن حزم، بيروت، الأولى 1416 هـ. 203 - عقيدة السلف أصحاب الحديث - أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني ت 373 هـ، تحقيق نبيل السبكي، دار طيبة، الرياض، الأولى 1413 هـ. 204 - العلل - أبو الحسن علي بن عبد الله المديني، تحقيق حسام محمد، غراس للنشر، الكويت، الأولى 1423 هـ. 205 - العلل - أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، ترتيب أبي طالب القاضي، تحقيق صبحي السامرائي، عالم الكتب، الأولى 1409 هـ. 206 - علل الحديث - محمد بن أبي حاتم الرازي، دار المعرفة، تعليق محب الدين الخطيب 1405 هـ. 207 - العلل المتناهية - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق خليل ألميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 140 هـ. 208 - العلل الواردة في الأحاديث النبوية - أبو الحسن عمر بن علي الدارقطني، تحقيق د. محفوظ الرحمن السلفي، دار طيبة، الرياض، الأولى 1405 هـ. 209 - العلل ومعرفة الرجال - أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، المكتبة الإسلامية، تركيا 1987 م. 110 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - بدر الدين محمود بن أحمد العيني ت 855 هـ، البابي الحلبي، القاهرة، الأولى 1392 هـ وطبعة وزارة الأوقاف المغربية. 111 - عمل اليوم والليلة - أبو بكر أحمد بن محمد الدينوري المعروف بابن السني ت 364 هـ، تحقيق بشير عيون، مكتبة دار البيان، دمشق، الأولى 1407 هـ.
212 - عون المعبود شرح سنن أبي داود - أبو الطيب محمد شمس الحق أبادي، دار الفكر، بيروت، الثالثة 1399 هـ. 213 - الغاية في شرح الهداية - محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق محمد الأمين، دار القلم، دمشق، الأولى 1413 هـ. 214 - غريب الحديث - أبي إسحاق إبراهيم الحربي ت 285 هـ، تحقيق د. سليمان العايد، جامعة أم القرى، الأولى 1405 هـ. 215 - غريب الحديث - أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي ت 244 هـ، تحقيق د. حسين محمد، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة 1404 هـ. 216 - غريب الحديث - أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1408 هـ. 217 - الغوامض والمبهمات - أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال 578 هـ، تحقيق محمود مغراوي، دار الأندلس الخضراء، جدة، الأولى 1415 هـ. 218 - فتح الباري شرح صحيح البخاري، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق محمود شعبان وآخرين، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية، الأولى 1417 هـ. 219 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، الثانية 1405 هـ. 220 - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - أحمد بن عبد الرحمن البنا الساعاتي، دار المعرفة، بيروت. 221 - الفردوس بمأثور الخطاب - شيرويه بن شهر دار الديلمي ت 159 هـ تحقيق السعيد بن بسيوني، دار الكتب العلمية، بيروت 1406 هـ. 222 - فضائل الصحابة - أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، تحقيق وصي الله عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت 140 هـ. 223 - الفقيه والمتفقه - أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق عادل
العزازي، دار ابن الجوزي، الدمام، الأولى 1417 هـ. 224 - الفوائد - أبو القاسم تمام بن محمد الرازي ت 414 هـ، تحقيق حمدي السلفي، مكتبة الرشد، الرياض، الأولى 1412 هـ. 225 - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة - محمد بن علي الشوكاني، تحقيق عبد الرحمن المعلمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الثانية 1392 هـ. 226 - فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير - محمد عبد الرؤوف المناوي، ضبط أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1415 هـ. 227 - القبس في شرح موطأ مالك بن أنس - أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي، تحقيق د. محمد عبد الله، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الأولى 992 هـ. 228 - كتاب العلم - أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي ت 234 هـ، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، دار الأرقم، الكويت. 229 - كتاب القدر - أبو بكر جعفر بن محمد بن المستفاض الفريابي ت 300 هـ، تحقيق عبد الله المنصور، أضواء السلف، الرياض، الأولى 1418 هـ. 230 - الكتاب اللطيف لشرح مذاهب أهل السنة - أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين ت 385 هـ، تحقيق عبد الله البصري، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، الأولى 1416 هـ. 231 - كشف الخفا ومزيل الإلباس - إسماعيل بن محمد العجلوني، تحقيق أحمد القلاش، مؤسسة الرسالة، بيروت، الرابعة 1405 هـ. 232 - الكفاية في علم الرواية - أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ت 463 هـ، تحقيق أبي عبد الله السورقي وإبراهيم المدني، المكتبة العلمية، المدينة النبوية. 233 - الكنى والأسماء - أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق عبد الرحيم القشقري، الجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، الأولى 1404 هـ. 234 - الكنى والأسماء - محمد بن أحمد بن حماد الدولابي، دار الكتب العلمية، بيروت، الثالثة 1403 هـ.
235 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال - علاء الدين علي بن حسام الدين الهندي المعروف بالمتقي ت 957 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت 1399 هـ. 236 - المجالسة وجواهر العلم - أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري المالكي ت 333 هـ، تحقيق مشهور بن حسن سلمان، دار ابن حزم، بيروت، الأولى 1419 هـ. 237 - المجروحين - أبو حاتم محمد بن حبان البستي، تحقيق محمود زايد، دار الوعي، حلب، الأولى 1396 هـ. 238 - مجمع البحرين في زوائد المعجمين - نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق عبد القدوس بن نذير محمد، مكتبة الرشد، الرياض، الأولى 1413 هـ. 239 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ت 807 هـ، مؤسسة المعارف، بيروت 1406 هـ. 240 - المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث - أبو موسى محمد بن أبي بكر الأصفهاني ت 581 هـ، تحقيق عبد الكريم العزباوي، جامعة أم القرى، مكة، الأولى 1406 هـ. 241 - المحدث الفاصل - الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي، تحقيق د. محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت 1391 هـ. 242 - المحرر في الحديث - محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق عادل الهدبا ومحمد علوش، دار العطاء، الرياض، الأولى 1422 هـ. 243 - مختصر إتحاف المهرة بزوائد المسانيد العشرة - أبو العباس أحمد بن أبي بكر الكناني المعروف بالبوصيري ت 840 هـ، تحقيق سيد كسروي، دار الكتب العلمية، الأولى 1417 هـ. 244 - مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق صبري عبد الخالق، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الثالثة 1414 هـ. 245 - مختصر سنن أبي داود - أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق أحمد شاكر ومحمد الفقي، دار المعرفة، بيروت. 246 - المختصر في علم الأثر - أبو عبد الله محمد بن سليمان الكافيجي الحنفي ت 879 هـ تحقيق
على زوين، دار الرشد، الرياض، الأولى 1407 هـ. 247 - مختصر المقاصد الحسنة - محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني ت 1122 هـ، تحقيق د. محمد لطفي الصباغ، المكتب الإسلامي، الثالثة 1403 هـ. 248 - المدخل - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت 1414 هـ. 249 - المراسيل - أبو داوود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الأولى 1408 هـ. 250 - المراسيل - أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ت 327 هـ، تحقيق أحمد الكاتب، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1403 هـ. 251 - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - ملا على القاري، المكتبة التجارية، مكة، تعليق صدقي العطار. 252 - المستدرك على الصحيحين - أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم، دار الكتاب العربي، بيروت. 253 - مسند الإمام أحمد - أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المكتب الإسلامي، الخامسة، وضع فهارسه محمد ناصر الدين الألباني. 254 - مسند إسحاق - إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي ت 238 هـ، د. عبد الغفور البلوشي، مكتبة الإيمان، المدينة النبوية، الأولى 1412 هـ. 255 - مسند البزار "البحر الزخار" أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية، الأولى 1409 هـ. 256 - مسند ابن الجعد - أبو الحسن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري، تعليق عامر أحمد، مؤسسة نادر، بيروت، الأولى 1996 هـ. 257 - مسند الحميدي - أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي، تحقيق حسين سليم أسد، دار السقا، دمشق، الأولى 1996 هـ.
258 - مسند الروياني - أبو بكر محمد بن هارون الروياني ت 307 هـ، تعليق صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417 هـ. 259 - مسند زيد - زيد بن علي بن الحسين، جمع عبد العزيز البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت. 260 - مسند الشاشي - أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية، الأولى 1414 هـ. 261 - مسند الشافعي - أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، دار الريان، مصر، الأولى 1408 هـ. 262 - مسند الشاميين - أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي السلفي، مؤسسة الرسالة، الثانية 1417 هـ. 263 - مسند ابن أبي شيبة - أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق عادل العزازي، دار الوطن، الرياض، الأولى 1418 هـ. 264 - مسند الطيالسي - أبو داود سليمان بن داود الطيالسي، دار المعرفة، بيروت. 265 - مسند عمر - أبو يوسف يعقوب بن شيبة السدوسي ت 262 هـ، تحقيق كمال الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الأولى 1405 هـ. 266 - مسند أبي عوانة - أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني، تحقيق أيمن عارف الدمشقي، دار المعرفة، بيروت، الأولى 1419 هـ. 267 - مسند الفاروق - عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الوفاء، الأولى 1411 هـ. 268 - المسند المستخرج على صحيح مسلم - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، تحقيق محمد حسن الشافعي، الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417 هـ. 269 - مسند أبي يعلى - أبو يعلى أحمد بن علي التميمي، تحقيق حسين سليم أسد، دار المأمون، دمشق، الأولى 1407 هـ.
270 - مشكاة المصابيح - محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الثالثة 1405 هـ. 271 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه - أحمد بن أبي بكر البوصيري ت 840 هـ، دار الكتب الإسلامية، القاهرة. 272 - المصنف - أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، الثانية 1403 هـ. 273 - المصنف - أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ضبطه محمد عبد السلام، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1416 هـ. 274 - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق غنيم بن عباس وياسر بن إبراهيم، دار الوطن، الرياض، الأولى 1418 هـ. 275 - معالم السنن - حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي ت 388 هـ - تحقيق أحمد شاكر ومحمد الفقي، دار المعرفة. 276 - المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر - بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق حمدي السلفي، دار الأرقم، الكويت، الأولى 1404 هـ. 277 - المعجم - أبو بكر محمد بن إبراهيم الأصبهاني المعروف بابن المقرئ ت 381 هـ، تحقيق عادل بن سعد، مكتبة الرشد، الرياض، الأولى 1419 هـ. 278 - المعجم الأوسط - أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق د. محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، الأولى 1405 هـ. 279 - المعجم - أبو سعيد أحمد بن محمد بن الأعرابي ت 341 هـ، تحقيق د. أحمد البلوشي، مكتبة الكوثر، الرياض، الأولى 1412 هـ. 280 - معجم أبي يعلى - أحمد بن علي بن المثني الموصلي، تحقيق إرشاد الحق الأثري، إدارة العلوم الأثرية، فيصل أباد، الأولى 1407 هـ. 281 - معجم الشيوخ - أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي، تحقيق د. عمر تدمري،
مؤسسة الرسالة بيروت، الأولى 1405 هـ. 282 - معجم الصحابة - أبو الحسين عبد الباقي بن قانع ت 351 هـ تحقيق صلاح المصراتي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية، الأولى 1418 هـ. 283 - المعجم الصغير - أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق محمد شكور، المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى 1405 هـ. 284 - المعجم الكبير - أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي السلفي، وزارة الأوقاف العراقية، الثانية 1405 هـ. 285 - معرفة السنن والآثار - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق د، عبد المعطي قلعجي، دار الوعي، حلب، الأولى 1411 هـ. 286 - معرفة الثقات - أبو الحسين أحمد بن علي العجلي ت 261 هـ، تحقيق عبد العليم البستوي، مكتبة الدار، المدينة النبوية، الأولى 1405 هـ. 287 - المعلم بفوائد مسلم - أبو عبد الله محمد بن علي المازري ت 539 هـ، تحقيق محمد الشاذلي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الثانية 1992 م. 288 - مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، المطبعة السلفية، القاهرة، الثالثة 1400 هـ. 289 - مفتاح كنوز السنة - د. فنسنك، ترجمة محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1403 هـ. 290 - مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث - أبو عمر عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المعروف بابن الصلاح ت 642 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت 1398 هـ. 291 - مكارم الأخلاق - أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا 281 هـ، تحقيق مجدي السيد، مكتبة القرآن، القاهرة 1411 هـ. 292 - مكمل إكمال الإكمال - محمد بن محمد بن يوسف السنوسي، تصحيح محمد سالم، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1405 هـ (مطبوع بهامش الإكمال وإكمال الإكمال).
293 - المنتخب - عبد بن حميد بن نصر الكشي، تحقيق مصطفى العدوي، دار الأرقم، الكويت، الأولى 1405 هـ. 294 - المنتقى - أبو محمد عبد الله بن الجارود ت 307 هـ، تحقيق أبي إسحاق الحويني، دار الكتاب العربي، الأولى 1408 هـ. 295 - المنتقى شرح الموطأ - أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي، دار الكتاب العربي، بيروت، الرابعة 1404 هـ. 296 - منتقى الأخبار - مجد الدين عبد السلام بن تيمية الحراني، تحقيق عصام الصبابطي، دار الحديث، القاهرة، الأولى 1413 هـ "مطبوع مع شرحه نيل الأوطار". 297 - المؤتلف والمختلف - أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، تحقيق د. موفق عبد الله، دار الغرب الإسلامي، الأولى 1406 هـ. 298 - موافقة الخُبر الخَبر في تخريج أحاديث المختصر - أبو الفضل علي بن أحمد بن حجر العسقلاني، مكتبة الرشد، الرياض، الأولى 1412 هـ. 299 - الموضوعات - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الثانية 1407 هـ. 300 - الموطأ - الإمام مالك بن أنس الأصبحي، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة. 301 - الموطأ - عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي ت 197 هـ، تحقيق د. هشام الصيني، دار ابن الجوزي، الدمام، الثانية 1420 هـ. 302 - الموقظة - شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الأِولى 1405 هـ. 303 - نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق علي بن حسن عبد الحميد، دار ابن الجوزي، الدمام، الثالثة 1416 هـ. 304 - نصب الراية لأحاديث الهداية - جمال الدين عبد الله يوسف الزيلعي ت 762 هـ، دار
* أصول الفقه
الحديث، القاهرة. 305 - النهاية في غريب الحديث والأثر - أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير، تحقيق محمود الطناحي، أنصار السنة المحمدية، لاهور باكستان. 306 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار - محمد بن علي الشوكاني، تحقيق عصام الصبابطي، دار الحديث، القاهرة، الأولى 1413 هـ. 307 - الهداية في تخريج أحاديث البداية - أحمد الغماري، عالم الكتب، الأولى 1407 هـ. 308 - هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق علي بن حسن الحلبي، دار ابن القيم، الدمام، الأولى 1422 هـ. 309 - هدي الساري مقدمة فتح الباري - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، الثالثة 1417 هـ. 310 - الهواتف أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، تحقيق مصطفى عطا، مؤسسة الكتب الثقافية، الأولى 1413 هـ. * أصول الفقه: 311 - الإبهاج في شرح المنهاج - علي بن عبد الكافي السبكي ت 756 هـ، تحقيق شعبان إسماعيل، الكليات الأزهرية، القاهرة 1401 هـ. 312 - الإحكام في أصول الأحكام - أبو محمد علي بن أحمد بن حزم، دار الحديث، القاهرة، الأولى 1404 هـ. 313 - الإحكام في أصول الأحكام - أبو الحسن علي بن محمد الآمدي، دار الحديث، القاهرة. 314 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول - محمد بن علي الشوكاني، تحقيق د. شعبان إسماعيل، المكتبة التجارية، مكة، الأولى 1413 هـ. 315 - أصول السرخسي - أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي، دار المعرفة 1393 هـ مصورة عن طبعة إحياء المعارف العثمانية بالهند، تحقيق أبي الوفاء الأفغاني. 316 - أصول الشاشي، أبو علي أحمد بن محمد الشاشي ت 344 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت
1402 هـ. 317 - الاقتباس لمعرفة الحق من أنواع القياس - محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق عبد الله الحاشدي، مكتبة السوادي، جدة، الأولى 1416 هـ. 318 - البحر المحيط في أصول الفقه - بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي ت 794 هـ، وزارة الأوقاف الكويتية، الثانية 1413 هـ. 319 - بذل النظر في الأصول - محمد بن عبد الحميد الأسمندي ت 552 هـ، د. محمد زكي، الأولى 1412 هـ. 320 - البرهان في أصول الفقه - أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني ت 478 هـ، تحقيق عبد العظيم الديب، دار الوفاء للطباعة، المنصورة، الأولى 1412 هـ. 321 - البلبل في أصول الفقه - سليمان بن عبد القوي الطوفي ت 716 هـ، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الأولى 1414 هـ. 322 - بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب - أبو الثناء محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني ت 749 هـ، تحقيق د. محمد مظهر بقا، جامعة أم القرى بمكة، الأولى 140 هـ. 323 - التقرير والتحبير - محمد بن محمد بن محمد بن أمير الحاج، دار الفكر بيروت 1417 هـ وطبعة مؤسسة قرطبة، بيروت. 324 - التمهيد في أصول الفقه - أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني ت 510 هـ، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، تحقيق د. مفيد محمد، الأولى 1406 هـ. 325 - تنقيح الأصول - صدر الشريعة عبيد الله بن محبوب البخاري الحنفي ت 747 هـ، ضبط زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1994 م. 326 - جمع الجوامع - تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي، مع حاشية البناني، دار الفكر بيروت 1982 م. 327 - حاشية البناني على شرح المحلي - دار الفكر، بيروت 1982 م. 328 - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح - أحمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي، المطبعة
الكبرى، مصر، الثالثة 1318 هـ. 329 - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي - حسن بن محمد بن محمود العطار، دار الكتب العلمية، بيروت. 330 - حاشية المطيعي على نهاية السول - محمد بخيت المطيعي، عالم الكتب، بيروت. 331 - الحدود في الأصول - أبو الوليد سليمان الباجي، مؤسسة الزعبي 1392 هـ. 332 - الرسالة - أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق أحمد محمد شاكر. 333 - رسالة في أصول الفقه - أبو علي الحسن بن شهاب بن الحسن العكبري الحنبلي ت 428 هـ، تحقيق د. موفق بن عبد الله بن عبد القادر، المكتبة المكية، مكة، الأولى 1413 هـ. 334 - روضة الناظر وجنة المناظر - موفق الدين عبد الرحمن بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق د. عبد الكريم النملة، مكتبة الرشد، الرياض، الأولى 1413 هـ. 335 - سلاسل الذهب - بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، تحقيق د. عمر عبد العزيز والشيخ عطية محمد سالم، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الأولى 1411 هـ. 336 - شرح الكوكب المنير - محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار ت 975 هـ تحقيق د. محمد الزحيلي د. نزيه حماد، جامعة الملك عبد العزيز، جدة 1400 هـ. 337 - شرح المحلي على جمع الجوامع - شمس الدين محمد بن أحمد المحلي، دار الفكر، بيروت 1982 م. 338 - شرح مختصر الروضة - أبو الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي ت 716 هـ، تحقيق د. عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الثالثة 1419 هـ. 339 - شرح الورقات - جلال الدين محمد بن أحمد المحلي ت 864 هـ، المطبعة السلفية، القاهرة. 340 - الضروري في أصول الفقه - أبو الوليد محمد بن رشد الحفيد ت 595 هـ، تحقيق جمال الدين العلوي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الأول 1994 م. 341 - العدة في أصول الفقه - أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي ت 458 هـ تحقيق د. أحمد
سير مباركي، الثانية 1410 هـ. 342 - فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت - عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري، دار صادر، مصورة عن الطبعة الأميرية بمصر 1324 هـ. 343 - قواعد الأصول ومعاقد الوصول - صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي الحنبلي ت 739 هـ، تحقيق د. علي الحكمي، جامعة أم القرى، مكة، الأولى 1409 هـ. 344 - كشف الأسرار شرح أصول البزدوي- عبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري، دار الكتاب الإسلامي، بيروت. 345 - المحصول في أصول الفقه - أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المالكي، تحقيق حسين البدري، دار البيارق، الأردن، الأولى 1420 هـ. 346 - مختصر التحرير - محمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار الحنبلي ت 972 هـ، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الأولى 1413 هـ. 347 - مختصر حصول المأمول من علم الأصول - صديق حسن خان، تعليق: د. مقتدي الأزهري، دار الصحوة، القاهرة، الأولى 1413 هـ. 348 - المختصر في أصول الفقه - عثمان بن عمر الإسنائي المعروف بابن الحاجب، تحقيق د. محمد مظهر بقا، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، الأولى 1406 هـ "مع شرحه بيان المختصر". 349 - المختصر في أصول الفقه - علي بن محمد بن علي البعلي المعروف بابن اللحام الحنبلي، تحقيق د. محمد مظهر بقا، جامعة الملك عبد العزيز، جدة 1400 هـ. 350 - مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر - محمد الأمين بن المختار الشنقيطي، دار القلم، بيروت. 351 - المستصفى من علم الأصول - محمد بن محمد الغزالي، دار صادر، مصورة عن الطبعة الأميرية بمصر الأولى 1324 هـ. 352 - المسودة في أصول الفقه - آل تيمية، جمع أبي العباس أحمد بن محمد الحراني، تحقيق محي الدين عبد الحميد، مكتبة المدني، القاهرة.
* الفقه
353 - المعتمد في أصول الفقه - أبو الحسين محمد بن علي البصري المعتزلي ت 436 هـ تقديم خليل ألميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1403 هـ. 354 - المغني في أصول الفقه - أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الخبازي الحنفي ت 691 هـ تحقيق د. محمد مظهر بقا، جامعة أم القرى بمكة، الأولى 1403 هـ. 355 - مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول - أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد التلمساني المالكي ت 771 هـ، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الكتب العلمية 1403 هـ. 356 - منهاج الوصول إلى معرفة علم الأصول - ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي، عالم الكتب، بيروت، الأولى 1405 هـ. 357 - نثر الورود على مراقي السعود - محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، تحقيق محمد سيد الشنقيطي، دار المنارة، جدة، الأولى 1415 هـ. 358 - نفائس الأصول في شرح المحصول - أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، الأولى 1416 هـ. 359 - نهاية السول في شرح منهاج الأصول - جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الأستوي الشافعي ت 772 هـ، عالم الكتب، بيروت. 360 - الوجيز في أصول الفقه - يوسف بن الحسين الكراماستي الحنفي ت 899 هـ، تحقيق أحمد السقا، المكتب الثقافي، مصر، الأولى 1990 م. 361 - الورقات - إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني ت 478 هـ، مكتبة الشافعي، الرياض. 362 - الوصول إلى الأصول - أبو الفتح أحمد بن علي البغدادي، تحقيق د. عبد الحميد علي أبو زنيد، مكتبة المعارف، الرياض 1403 هـ. * الفقه * أولًا: الفقه الحنفي: 363 - الاختيار لتعليل المختار - عبد الرحمن بن محمود الموصلي الحنفي، دار الدعوة، تعليق
محمد أبو دقيقة 1984 م. 364 - أدب القاضي - أبو بكر أحمد بن عمر الشيباني المعروف بالخصاف ت 261 هـ، تحقيق محي هلال السرحان، وزارة الأوقاف العراقية، الأولى 1397 هـ "مع شرح الصدر الشهيد". 365 - أدب القضاء - أبو العباس أحمد بن إبراهيم السروجي، تحقيق محمد ياسين، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الأولى 1418 هـ. 366 - الأشباه والنظائر - زين الدين بن إبراهيم بن نجيم الحنفي ت 970 هـ، دار الكتب العلمية 1400 هـ. 367 - الأصل المعروف بالمبسوط - أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، تحقيق أبي الوفاء الأفغاني، عالم الكتب، بيروت، الأولى 1410 هـ. 368 - أنفع الوسائل إلى تحرير المسائل - نجم الدين إبراهيم بن علي الطرسوسي. 369 - إيثار الإنصاف في مسائل الخلاف - أبو المظفر يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي، دار السلام، تحقيق ناصر الخليفي، الأولى 1408 هـ. 370 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق - زين الدين بن إبراهيم المعروف بابن نجيم الحنفي، ضبط زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، الأولى 1418 هـ. وطبعة المعرفة، بيروت، الثانية. وطبعة دار الكتاب الإسلامي، بيروت. 371 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - أبو بكر بن مسعود الكاساني ت 587 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، الثانية 1406 هـ. 372 - البناية في شرح الهداية - أبو محمد محمود بن أحمد العيني، دار الفكر، الثانية 1411 هـ. 373 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق - عثمان بن علي الزيلعي، دار الكتاب الإسلامي، بيروت. 374 - تحفة الفقهاء - علاء الدين محمد بن عبد الحميد السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1405 هـ. 375 - تكملة البحر الرائق - محمد بن حسين بن علي الطوري الحنفي ت 1138 هـ، دار الكتب
العلمية، بيروت، الأولى 1418 هـ. 376 - تكملة فتح القدير - شمس الدين أحمد المعروف بقاضي زادة ت 988 هـ البابي الحلبي، مصر، الأولى 1389 هـ. 377 - جامع أحكام الصغار - محمد بن محمود بن الحسين الأسروشني الحنفي ت 632 هـ، تحقيق د. أبي مصعب البدري، دار الفضيلة، القاهرة. 378 - الجامع الصغير - أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي 1411 هـ. 379 - جمل الأحكام - أو العباس أحمد بن محمد الناطقي ت 446 هـ، تحقيق حمد الله سيد خان، مكتبة نزار الباز، مكة، الأولى 1418 هـ. 380 - الجوهرة النيرة - أبو بكر محمد بن علي الحدادي العبادي الحنفي، المطبعة الخيرية. 381 - حاشية ابن عابدين على الدر المختار - محمد أمين عابدين بن عمر عابدين الدمشقي الحنفي ت 1252 هـ، البابي الحلبي، القاهرة، الثالثة 1404 هـ. 382 - حاشية سعدي جلبي على الهداية - سعد الله بن عيسى المفتي المعروف بسعدي جلبي ت 945 هـ، البابي الحلبي، القاهرة، الأولى 1389 هـ. 383 - الحجة - أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني ت 189 هـ، تحقيق مهدي الكيلاني، عالم الكتب بيروت، الثالثة 1403 هـ. 384 - الخراج - أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ت 182 هـ، المطبعة السلفية، مصر، السادسة 1397 هـ. 385 - الدر المختار شرح تنوير الأبصار - علاء الدين محمد بن علي بن محمد الحصكفي ت 1088 هـ، البابي الحلبي، الثالثة 1404 هـ "مع حاشية ابن عابدين". 386 - الدر المنتقى شرح الملتقى "ملتقى الأبحر" - علاء الدين محمد بن علي الحصكفي الدمشقي ت 1088 هـ، المطبعة العثمانية 1327 هـ. 387 - درر الحكام شرح غرر الأحكام - محمد بن فرموزا المعروف بـ "منلا خسرو" دار إحياء
الكتب العربية، بيروت. 389 - رؤوس المسائل - أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ت 538 هـ، تحقيق عبد الله نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الأولى 1407 هـ. 390 - رسائل ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن نجيم الحنفي، تحقيق خليل ألميس، الكتب العلمية بيروت، الأولى 1400 هـ. 391 - روضة القضاة وطريق النجاة - أبو القاسم علي بن محمد السمناني، تحقيق صلاح الناهي، مؤسسة الرسالة بيروت. 392 - السياسة الشرعية - إبراهيم بن يحيى خليفة المعروف بدده أفندي، تحقيق د. فؤاد عبد المنعم - مؤسسة شباب الجامعة، الأسكندرية 1411 هـ. 393 - السياسة الشرعية - زين الدين بن إبراهيم بن نجيم الحنفي، تحقيق د. عبد الله الحديثي، دار المسلم، الرياض، الأولى 1416 هـ. 394 - السير الكبير - محمد بن الحسن الشيباني، تحقيق د. صلاح الناهي، معهد المخطوطات، القاهرة 1971 م. 395 - شرح أدب القاضي - عمر بن عبد العزيز بن مازة البخاري المعروف بالصدر الشهيد، تحقيق محي هلال السرحان، وزارة الأوقاف العراقية، الأولى 1397 هـ. 396 - شرح العناية على الهداية - محمد بن محمود البابرتي ت 786 هـ، البابي الحلبي، الأولى 1389 هـ "مع فتح القدير". 397 - شرح مجلة الأحكام العدلية - سليم رستم باز، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الثالثة 1406 هـ. 398 - طريقة الخلاف بين الأسلاف - علاء الدين محمد بن عبد الحميد الأسمندي ت 552 هـ، تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية بيروت، الأولى 1413 هـ. 399 - العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية محمد أمين بن عمر أمين الدمشقي المعروف
بـ "ابن عابدين"، دار المعرفة، بيروت. 400 - العناية في شرح البداية - محمد بن محمد البابرتي، دار الفكر، بيروت. 401 - عيون المسائل في فروع الحنفية - أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي، تحقيق سيد محمد، دار الكتب العلمية، بيروت 1419 هـ. 402 - غرر الأحكام - دار إحياء الكتب العربية، بيروت. 403 - غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر - أحمد بن محمد الحموي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1405 هـ. 404 - الفتاوى الهندية - نظام الدين البلخي، دار الفكر، بيروت. 405 - فتح القدير "شرح الهداية" كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن الهمام الحنفي ت 861 هـ، البابي الحلبي، القاهرة، الأولى 1389 هـ. 406 - الفوائد الزينية في مذهب أبي حنيفة - زين الدين بن إبراهيم بن نجيم الحنفي، تقديم مشهور بن حسن سلمان، دار ابن الجوزي، الدمام، الأولى 1414 هـ. 407 - الفواكه البدرية في الأقضية الحكمية - بدر الدين محمد بن محمد بن الغرس الحنفي، طبع مع شرحه "المجاني الزهرية" للقاضي محمد صالح عبد الفتاح. 408 - كنز الدقائق - أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي الحنفي ت 710 هـ ضبط زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1418 هـ "مطبوع مع شرحه البحر الرائق". 409 - اللباب في شرح الكتاب - عبد الغني الغنيمي الميداني، تحقيق محي الدين عبد الحميد، دار السلامة للطباعة والنشر، الرابعة 1381 هـ. 410 - لسان الحكام في معرفة الأحكام - إبراهيم بن أبي اليُمن محمد الحنفي المعروف بابن الشحنة، البابي الحلبي، القاهرة، الثانية 1393 هـ. 411 - المبسوط - أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي ت 483 هـ، دار المعرفة بيروت. 412 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر - عبد الرحمن بن محمد المعروف بـ "شيخ زاده دامادا"
ت 1078 هـ دار إحياء التراث العربي بيروت. 413 - مجمع الضمانات - أبو محمد بن غانم بن محمد البغدادي، المطبعة الخيرية، القاهرة 1308 هـ. 414 - المختار للفتوى - مجد الدين عبد الله بن محمود الحنفي، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، الأولى 1318 هـ. 415 - مختصر اختلاف العلماء - أبو بكر أحمد بن علي الجصاص الرازي ت 370 هـ، تحقيق د. عبد الله نذير، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الثانية 1317 هـ الأصل للطحاوي. 416 - مختصر القدوري - أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد القدوري، تحقيق كامل محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1418 هـ. 417 - مسعفة الحكام على الأحكام - محمد بن عبد الله بن أحمد التمرتاشي الحنفي، تحقيق د. صالح الزيد، مكتبة المعارف، الرياضو الأولى 1416 هـ. 418 - معين الحكام - علاء الدين علي بن خليل الطرابلسي الحنفي، دار الفكر، بيروت. 419 - ملتقى الأبحر - دار إحياء التراث العربي بيروت. 420 - منحة الخالق على البحر الرائق - محمد أمين عابدين بن عمر عابدين الدمشقي الحنفي ت 1252 هـ، ضبط زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، الأولى 1418 هـ: مطبوع بهامش " البحر الرائق". 421 - النافع الكبير شرح الجامع الصغير - أبو الحسنات عبد الحي اللكنوي ت 1304 هـ، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي 1411 هـ. 422 - النتف في الفتاوى - أبو الحسن علي بن الحسن السغدي ت 461 هـ، تحقيق د. صلاح الناهي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الثانية 1404 هـ. 423 - نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف - محمد أمين عابدين بن عمر عابدين الدمشقي الحنفي ت 1252 هـ، إحياء التراث العربي، بيروت. مطبوع ضمن "مجموع رسائل ابن عابدين".
الفقه المالكي
424 - الهداية شرح بداية المبتدي - أبو الحسن علي بن أبي بكر المرغيناني، البابي الحلبي، القاهرة الأخيرة. * كتب الفقه المالكي: 425 - إدرار الشروق على أنواء الفروق - سراج الدين قاسم بن عبد الله الأنصاري المعروف بابن الشاط، دار المعرفة، بيروت "بهامش الفروق". 426 - الأحكام - أبو المطرف عبد الرحمن بن قاسم المالقي ت 497 هـ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، تحقيق الصادق الحلوي، بيروت، الأولى 1992 م. 427 - الإحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام - أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الثانية 1416 هـ. 428 - أسهل المدارك - أبو بكر بن حسن الكشناوي، البابي الحلبي، القاهرة، الثانية. 429 - أصول الفتيا في الفقه على مذهب الإمام مالك - محمد بن الحارث الخشني، تحقيق محمد المجذوب د. محمد أبو الأجفان، الدار العربية للكتاب والمؤسسة الوطنية للكتاب. 430 - أقضية الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبو عبد الله محمد بن فرج القرطبي المالكي، عرض: عبد المنعم خلف الله، كنوز الإنتاج الإعلامي، مصر، 1408 هـ. 431 - الافتتاح من الملك الوهاب في شرح رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - محمد بن محمد الميلي القسطنطيني، تحقيق أحمد سحنون، وزارة الأوقاف المغربية 1412 هـ. 432 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد المالكي "الحفيد" ت 595 هـ، تحقيق عدنان شلاق، عالم الكتب، بيروت، الأولى 1407 هـ "مطبوع مع الهداية". 433 - بلغة السالك لأقرب المسالك - أحمد الصاوي، دار المعرفة بيروت. 434 - البهجة في شرح التحفة - أبو الحسن علي بن عبد الله التسولي، دار المعرفة، بيروت الثالثة 1397 هـ. 435 - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة - أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد المالكي "الجد" ت 520 هـ، تحقيق د. محمد حجي، دار الغرب الاسلامي،
بيروت، الثانية 1408 هـ. 436 - التاج والإكليل لمختصر خليل - أبو عبد الله محمد بن يوسف المواق، دار الفكر، بيروت 1398 هـ. 437 - تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الحكام - برهان الدين إبراهيم بن علي بن فرحون المالكي، راجعه طه عبد الرؤوف، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، الأولى 1406 هـ. 438 - تحرير الكلام على مسائل الالتزام - أبو عبد الله محمد بن محمد الحطاب ت 954 هـ، تحقيق عبد السلام الشريف، دار الغرب الإسلامي، الأولى 1404 هـ. 439 - تحفة الحكام - أبو بكر محمد بن محمد الأندلسي، دار المعرفة، بيروت، الثالثة 1397 هـ. 440 - التفريع - أبو القاسم الحسين بن الجلاب البصري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الأولى 1408 هـ. 441 - التلقين - أبو محمد عبد الوهاب بن علي البغدادي المالكي ت 422 هـ، تحقيق محمد ثابت، المكتبة التجارية، مكة المكرمة. 442 - تنبيه الحكام على مآخذ الأحكام - محمد بن عيسى بن المناصف ت 620 هـ تحقيق عبد الحفيظ منصور، دار التركي، تونس 1988 م. 443 - تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية - محمد علي بن حسين المالكي، دار المعرفة، بيروت "بهامش الفروق". 444 - حاشية التسولي على شرح لامية الزقاق - أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي، المطبعة الرسمية، تونس، الأولى 1303 هـ. 445 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي ت 1230 هـ، دار الكتب العلمية، الولي 1417 هـ وطبعة دار إحياء الكتب العربية، بيروت. 446 - حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب - علي الصعيدي العدوي، دار الفكر، بيروت. 447 - حلي المعاصم لبنت فكر ابن عاصم - محمد التاودي بن الطالب الفالسي ت 1209 هـ، دار المعرفة، بيروت، الثالثة 1397 "بهامش التحفة".
448 - حلية الفقهاء - أبو الحسن أحمد بن فارس الرازي ت 395 هـ، تحقيق د. عبد الله التركي، الشركة المتحدة، الأولى 1403 هـ. 449 - الخرشي علي خليل "شرح مختصر خليل" محمد بن عبد الله الخرشي، دار الفكر، بيروت، 450 - ديوان الأحكام الكبرى "النوازل والأعلام" أبو الأصبغ عيسى بن سهل بن عبد الله الجياني المالكي ت 486 هـ، تحقيق رشيد النعيمي، شركة الصفحات الذهبية، السعودية، الأولى 1417 هـ. 451 - الذخيرة - شهاب الدين أحمد بن إدريس القزافي، تحقيق د. محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الأولى 1994 م. 452 - الرسالة الفقهية - أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني ت 386 هـ مطبوع مع شرحها "غرر المقالة" لأبي عبد الله محمد بن منصور المغراوي، تحقيق د. أبو الأجفان، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الأولى 1406 هـ. 453 - الشرح الصغير - أحمد بن محمد العدوي الشهير بالدردير ت 1201 هـ، دار المعرفة، بيروت "بحاشية بلغة السالك". 454 - الشرح الكبير - أبو البركات أحمد بن محمد العدوي المعروف بالدردير ت 1201 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417 هـ، وطبعة دار إحياء الكتب العربية. 455 - شرح حدود ابن عرفة "الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق ابن عرفة الوافية" - أبو عبد الله محمد بن قاسم الرصاع الأنصاري ت 894 هـ، تحقيق محمد أبو الأجفان والطاهر المعموري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الأولى 1993 م. 456 - شرح ميارة على تحفة الحكام "الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام"، محمد بن أحمد بن محمد الفاسي المعروف بميَّارة، دار المعرفة، بيروت. 457 - عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق - أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي، تحقيق حمزة أبو فارس، دار الغرب الإسلامي، بيروت الأولى 1410 هـ. 458 - عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة - عبد الله بن نجم بن شاس المالكي ت
616 هـ، تحقيق د. حميد بن محمد الحمر، دار الغرب الإسلامي، بيروت الأولى 1423 هـ. 459 - العقد المنظم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام - عبد الله بن علي الكناني المالكي المعروف بابن سلمون، المطبعة الشرفية، القاهرة 1301 هـ بهامش تبصرة الحكام. 460 - فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك - محمد بن أحمد بن محمد "عليش"، البابي الحلبي، القاهرة، الأخيرة 1378 هـ. 461 - الفروق - أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي، فهرسة محمد رواس قلعه جي، دار المعرفة، بيروت. 462 - فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء والحكام - أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي ت 474 هـ، تحقيق البتول بن علي، وزارة الأوقاف المغربية، 1410 هـ. 463 - الفواكه الدواني - أحمد بن غنيم النفراوي ت 1125 هـ، دار الفكر، بيروت 1415 هـ. 464 - قوانين الأحكام الشرعية - محمد بن أحمد بن جزي المالكي، تحقيق عبد الرحمن حسن، دار الأقصر، القاهرة، الأولى 1405 هـ. 465 - الكافي في فقه المالكية - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1407 هـ. 466 - كشف القناع عن تضمين الصناع - أبو علي الحسن بن رحال المعداني المالكي ت 1140 هـ، تحقيق د. محمد أبو الأجفان، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الأولى 1417 هـ. 467 - كشف النقاب الحاجب من مصطلح ابن الحاجب، إبراهيم بن علي بن فرحون ت 799 هـ تحقيق حمزة أبو فارس ود. عبد السلام الشريف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الأولى 1990 م. 468 - مختصر خليل - خليل بن إسحاق بن موسى المالكي، تصحيح طاهر أحمد، الكليات الأزهرية، القاهرة. 469 - المدخل - أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري المعروف بابن الحاج ت 737 هـ، مكتبة التراث، القاهرة.
470 - المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس - سحنون بن سعيد التنوخي، مطبعة السعادة، مصر 1323 هـ. 471 - مزيل الملام عن حكام الأنام - عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، تحقيق د. فؤاد عبد المنعم أحمد، دار الوطن، الرياض، الأولى 1417 هـ. 472 - المعونة على مذهب عالم المدينة - أبو محمد عبد الوهاب بن علي البغدادي المالكي، تحقيق حميش عبد الحق، المكتبة التجارية، مكة المكرمة. 473 - المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء أفريقية والأندلس والمغرب - أحمد بن يحيى الونشريسي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1989 م. 474 - معين الحكام على القضايا والأحكام - أبو إسحاق إبراهيم بن حسن بن عبد الرفيع المالكي، تحقيق محمد قاسم عياد، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1989 م. 475 - مفيد الحكام فيما يعرض لهم من نوازل الأحكام - أبو الوليد هشام بن عبد الله الأزدي المالكي ت 606 هـ. 476 - المقدمات الممهدات - أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي "الجد" ت 520 هـ، تحقيق د. محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الأولى 1408 هـ. 477 - منتخب الأحكام - أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين المالكي ت 399 هـ، تحقيق د. عبد الله الغامدي، المكتبة المكية، مكة المكرمة، الأولى 1419 هـ. 478 - منح الجليل على مختصر خليل - أبو عبد الله محمد بن أحمد المعروف، بـ "عليش" دار الكتب العلمية، بيروت. 479 - مواهب الجليل - أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب - دار الفكر، بيروت 1398 هـ. 480 - مواهب ذي الجلال في نوازل البلاد السائبة والجبال، محمد بن عبد الله الكيكي المالكي ت 1185 هـ، تحقيق أحمد التوفيق، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الأولى 1997 م. 481 - نصيحة المرابط شرح مختصر خليل - محمد الأمين بن أحمد الشنقيطي ت 1325 هـ،
الفقه الشافعي
تقديم الحسين زيدان، الأولى 1413 هـ. 482 - النوازل - عيسى بن علي الحسني العلمي، تحقيق المجلس العلمي بفاس، وزارة الأوقاف المغربية 1403 هـ. 483 - النوازل الصغرى - أبو عبد الله سيدي محمد المهدي ت 1342 هـ، وزارة الأوقاف المغربية 1412 هـ. * الفقه الشافعي: 484 - الإجماع: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر تحقيق د. صغير أحمد حنيف، مكتبة الفرقان، عجمان، الثانية 1420 هـ. 485 - اختلاف الفقهاء: أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي، عالم الكتب، بيروت، الأولى 1405 هـ. 486 - أدب القاضي: أبو الحسن علي بن محمد الماوردي، تحقيق محي هلال السرحان، مطبعة الإرشاد، بغداد 1391 هـ. 487 - أدب القاضي: أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص ت 335 هـ، تحقيق د. حسين الجبوري، مكتبة الصديق، الطائف، الأولى 1409 هـ. 488 - أدب القاضي: أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق د. إبراهيم صندقجي، دار المنار 1412 هـ. 489 - أدب القضاء: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن أبي الدم الحموي، تحقيق د. محمد الزحيلي، دار الفكر، دمشق، الثانية 1402 هـ. 490 - أدب القضاء: أبو روح عيسى بن عثمان الغربي ت 799 هـ، مكتبة نزار الباز، مكة، الأولى 1417 هـ. 491 - أدب القضاء: عماد الرضا أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري، تحقيق عبد الرحمن بكير، الدار السعودية، الأولى 1406 هـ. 492 - أسنى المطالب شرح روض الطالب: أبو يحيى زكريا الأنصاري الشافعي، دار الكتاب
الإسلامي. 493 - الأشباه والنظائر: تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبيكي، تحقيق عادل عبد الموجود وعلى معوض، الكتب العلمية، الأولى 1411 هـ. 494 - الأشباه والنظائر: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار الفكر، بيروت. 495 - الإشراف على مذاهب العلماء: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق عبد الله البارودي، دار الفكر، لبنان 1993 م. 496 - إعانة الطالبين: أبو بكر بن محمد شطا الدمياطي - دار الفكر، بيروت. 497 - الاعتناء في الفروق والإنشاء: بدر الدين البكري، دار الكتب العلمية، الأولى 1411 هـ. 498 - الإقناع لا حل ألفاظ أبي شجاع: محمد الشربيني الخطيب، البابي الحلبي، مصر 1370 هـ، الأخيرة، مطبوع بحاشية بجيرمي على الخطيب. 499 - الإقناع لطالب الانتفاع. 500 - الإقناع: أبو الحسن علي بن محمد الماوردي. 501 - الإقناع: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق د. عبد الله الجبرين، مطبعة الفرزدق، الرياض، الأولى 1408 هـ. 502 - الأم: أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، تعليق محمود مطرجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1413 هـ. 503 - بجيرمي على الخطيب "تحفة الحبيب على شرح الخطيب": سليمان البجيرمي، الطبعة الأخيرة 1370 هـ، البابي الحلبي، القاهرة. 504 - البهجة الوردية. 505 - التجريد. 506 - تحرير ألفاظ التنبيه: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق عبد الغني الدقر، دار العلم، دمشق، الأولى 1408 هـ.
507 - تحفة المحتاج في شرح المنهاج: أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي، دار إحياء التراث العربي. 508 - تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة ونبذ مذهبية نافعة: أبو شجاع محمد بن علي الدهان، تحقيق د. صالح الخزيم، مطبوع بالآلة الكاتبة 1408 هـ. 509 - تكملة المجموع الثانية: محمد بخيت المطبعي، دار الفكر، بيروت. 510 - التنبيه: أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، عالم الكتب، بيروت، الأولى 1403 هـ. 511 - التهذيب في فقه الإمام الشافعي: أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، ت 516 هـ، تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية، الأولى 141 هـ. 512 - حاشية الجمل على شرح منهج الطلاب: سليمان بن منصور العجيلي المصري، دار إحياء التراث العربي، مصر. 513 - حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج: نور الدين علي الشبراملسي، دار الفكر، الأخيرة 1404 هـ. 514 - حاشية المغربي الرشيدي على نهاية المحتاج: أحمد عبد الرزاق المغربي، ت 1409 هـ، دار الفكر، الأخيرة 1404 هـ مع نهاية المحتاج. 515 - حاشيتا قليوبي وعميرة: أحمد سلامة القليوبي، وأحمد البرلسي عميرة، دار إحياء الكتب العربية، بيروت. 516 - الحاوي الكبير: أبو الحسن علي بن محمد الماوردي، تحقيق علي معوض وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الأولى 1414 هـ. 517 - الحاوي للفتاوى: جلال الدين السيوطي، السلام العالمية للنشر، القاهرة. 518 - حلية العلماء في معرفة مذهب الفقهاء: أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال ت 488 هـ، الرسالة الحديثة، الأولى 1403 هـ. 519 - حواشي الشرواني: عبد الحميد الشرواني، دار الفكر، بيروت.
520 - خبايا الزوايا: بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، تحقيق عبد القادر العاني، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، الأولى 1402 هـ. 521 - الديباج المذهب في أحكام المذهب: أبو عبد الله محمد بن حسن البنبي القاهري، ت 865، تحقيق محمد الثمالي، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، الأولى 1418 هـ. 522 - رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: أبو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الدمشقي، دار الكتب العلمية، الأولى 1407 هـ. 523 - روض الطالب: شرف الدين إسماعيل بن المقري اليمني، دار الكتاب الإسلامي "مع حاشية أسنى المطالب". 524 - روضة الطالبين: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار الكتب العلمية، تحقيق عادل عبد الموجود، الأولى 1412 هـ، وطبعة المكتب الإسلامي، بيروت، الثانية 1405 هـ. 525 - السراج الوهاج - محمد الزهري المغراوي، دار المعرفة، بيروت. 526 - شرح عماد الرضا: عبد الرؤوف بن علي المناوي، تحقيق عبد الرحمن بكير، الدار السعودية، الأولى 1416 هـ. 527 - الغاية والتقريب: أبو شجاع أحمد بن الحسين الاصفهاني، البابي الحلبي، القاهرة. 528 - الغرر البهية. 529 - غياث الأمم في التياث الظلم: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، إمام الحرمين، تحقيق مصطفى حلمي وفؤاد عبد المنعم - دار الدعوة، الاسكندرية 1979 م. 530 - فتاوى ابن الصلاح: عثمان بن عبد الرحمن أبو عمرو بن الصلاح، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الوعي، حلب، الأولى 1403 هـ. 531 - فتاوى الرملي: شهاب الدين أحمد بن أحمد الرملي، المكتبة الإسلامية، بيروت. 532 - فتاوى السبكي: أبو الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي، دار المعرفة، بيروت. 533 - الفتاوى الفقهية الكبرى: أحمد بن محمد بن علي الهيتمي ت 974 هـ، مكتبة مطبعة
المشهد الحسيني، بغداد. 534 - قواعد الأحكام في مصالح الأنام: أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، ت 660 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. 535 - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار: أبو بكر بن محمد الحسيني الشافعي، دار إحياء الكتب العربية، بيروت 1377 هـ. 536 - الكوكب الدري: أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي، تحقيق د. محمد حسن عواد، دار عمار، الأردن، الأولى 1405 هـ. 537 - المجموع شرح المهذب: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار الفكر، بيروت. 538 - مختصر الخلافيات للإمام البيهقي: أبو العباس أحمد بن فرح بن أحمد الأشبيلي ت 699 هـ، تحقيق علاء إبراهيم، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1420 هـ. 539 - مختصر المزني: إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى المزني، تخريج محمود مطرجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1413 هـ. 540 - المسائل الفقهية التي انفرد بها الإمام الشافعي من دون إخوانه الأئمة: أبو الفداء إسماعيل بن كثير، تحقيق د. إبراهيم صندقجي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية، الأولى 1406 هـ. 541 - معالم القربة في معالم الحسبة: محمد بن محمد بن أحمد بن الأخوة القرشي الشافعي، دار الفنون، كمبردج. 542 - المنثور في القواعد: بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، تحقيق د. تيسير فائق، وزارة الأوقاف الكويتية، الأولى 1377 هـ. 543 - المنهاج: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، مطبوع مع شرحه مغني المحتاج، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1377 هـ. 544 - منهج الطلاب مطبوع مع حاشية الجمل - دار إحياء التراث العربي، مصر. 545 - المهذب: أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، دار الفكر، بيروت، مطبوع مع شرحه
الفقه الحنبلي
المجموع. 546 - نهاية الرتبة في طلب الحسبة: عبد الرحمن بن نصر الشيزري، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر. 547 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، محمد بن أبي العباس الرملي، ت 1004 هـ، دار الفكر، بيروت، الأخيرة 1404 هـ. 548 - هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك: عز الدين بن جماعة الكناني، ت 767 هـ، تحقيق د. نور الدين عتر دار البشائر الإسلامية، الأولى 1414 هـ. 549 - الوجيز في الفقه: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، ت 505 هـ، تحقيق موسى محمد، دار التراث العربي، القاهرة، الأولى 1405 هـ. 550 - الوسيط: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، ت 505 هـ، دار السلام، القاهرة، الأولى 1417 هـ، تحقيق أحمد محمد ومحمد تامر. * الفقه الحنبلي: 551 - الإرشاد إلى سبيل الرشاد، الشريف محمد بن أحمد أبي موسى الهاشمي الحنبلي، تحقيق د. عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، الأولى 1419 هـ. 552 - الأشربة من مسائل الإمام أحمد - أبو بكر أحمد الخلال، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى 1421 هـ. 553 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - أبو بكر أحمد بن هارون الخلال، تحقيق عبد القادر عطا، دار القافلة، مصر 1974 م. 554 - الإفصاح عن معاني الصحاح: أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، طبع ونشر المؤسسة السعيدية بالرياض. 555 - إقامة الدليل في إبطال التحليل: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، مطبوع ضمن الفتاوى الكبرى، دار الكتب العلمية، بيروت. 556 - الإقناع لطالب الانتفاع: أبو النجا موسى بن أحمد الحجاوي الحنبلي ت 968 هـ تحقيق
د. عبد الله التركي، دار هجر، القاهرة، الأولى 1418 هـ. 557 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي ت 885 هـ، تحقيق د. عبد الله التركي، د. عبد الفتاح الحلو، دار هجر، الأولى 1414 هـ. 558 - الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية: أبو الحسن محمد بن علي البعلي ت 803 هـ، تحقيق محمد حامد الفقي 1369 هـ. 559 - الانتصار في المسائل الكبار: أبو الخطاب بن محفوظ بن أحمد الكوذاني الحنبلي ت 510 هـ، تحقيق د. سليمان العمير، مكتبة العبيكان، الرياض، الأولى 1413 هـ. 560 - بلغة الساغب وبغية الراغب: فخر الدين محمد بن أبي القاسم بن تيمية: ت 622 هـ. 561 - بهجة قلوب الأبرار: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، مركز ابن صالح الثقافي، عنيزة، الثانية 1412 هـ "ضمن المجموعة الكاملة". 562 - التسهيل في الفقه، أبو عبد الله محمد بن علي البعلي، ت 778 هـ، تحقيق د. عبد الله الطيار، د. عبد العزيز الحجيلان، دار العاصمة، الرياض، الثانية، 1418 هـ. 563 - تصحيح الفروع: أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي، راجعه عبد الستار أحمد فراج، الرابعة 1405 هـ، عالم الكتب، بيروت. 564 - التمام لما صح في الروايتين والثلاث والأربع عن الإمام: أبو يعلى الفراء الحنبلي، تحقيق د. عبد الله الطيار، د. عبد العزيز عبد الله، دار العاصمة، الأولى 1414 هـ. 565 - التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع، أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي ت 885 هـ، تصحيح عبد الرحمن حسن، المؤسسة السعيدية بالرياض 1981 م. 566 - التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح. 567 - الجامع: أبو بكر أحمد بن محمد الخلال: قسم أهل الملل وتارك الصلاة، تحقيق د. إبراهيم السلطان، مكتبة المعارف، الرياض، الأولى 1416 هـ. 568 - الجامع الصغير في الفقه على مذهب الإمام أحمد: أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي، ت 458 هـ، تحقيق د. ناصر السلامة، دار أطلس، الرياض، الأولى 1421 هـ.
569 - حاشية ابن قائد على منتهى الإرادات: عثمان بن أحمد بن قائد النجدي ت 1079 هـ، تحقيق د. عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1419 هـ. 570 - حاشية الروض المربع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ت 1392 هـ، الثانية 1403 هـ. 571 - حاشية الروض المربع: عبد الله العنقري، مطبعة السنة المحمدية، مصر. 572 - حاشية اللبدي على نيل المآرب، عبد الغني بن ياسين اللبدي النابلسي الحنبلي، ت 1319 هـ، تحقيق د. محمد الأشقر، دار البشائر الإسلامية، الأولى 1419 هـ. 573 - الحسبة: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني: تحقيق محمد النجدي، دار إيلاف الدولية، الأولى 1418 هـ. 574 - حواشي ابن قندس على الفروع "من الفرائض إلى آخر الحدود" تقي الدين أبو بكر بن إبراهيم المعروف بابن قندس 861 هـ، تحقيق محمد السديس، مؤسسة قرطبة، القاهرة. 575 - دليل الطالب لنيل المآرب: مرعي بن يوسف الحنبلي 1033 هـ، المكتبة الفيصلية، مكة، الأولى 1410 هـ. 576 - رؤوس المسائل الخلافية بين جمهور الفقهاء: أبو المواهب الحسين بن محمد العكبري الحنبلي، تحقيق د. خالد الخثلان، د. ناصر السلامة، دار اشبيليا، الرياض، الأولى 1420 هـ. 577 - الرعاية الصغرى، أحمد بن أحمد بن شبيب بن حمدان الحنبلي، تحقيق، د. ناصر السلامة، دار اشبيليا، الرياض، الأولى 1423 هـ. 578 - زاد المستنقع في اختصار المقنع: أبو النجا موسى الحجاوي، الرشد، 1414 هـ الرياض، مع شرحه "السلسبيل في معرفة الدليل". 579 - السياسة الشرعية - أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق بشير عيون، مكتبة البيان، دمشق 1405 هـ. 580 - شرح الزركشي على مختصر الخرقي، محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق د. عبد الله الجبرين، مكتبة العبيكان، الرياض. 581 - الشرح الكبير، أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن قدامة المقدسي ت 682 هـ، تحقيق د.
عبد الله التركي، د. عبد الفتاح الحلو، مطبوع مع الإنصاف والمقنع، دار هجر، الجيزة، الأولى 1414 هـ. 582 - الشرح الممتع على زاد المستقنع - الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مؤسسة آسام، الرياض، تحقيق د. سليمان أبا الخيل ود. خالد المشيقح، الأولى 1416 هـ. 583 - شرح منتهى الإرادات "دقائق أولى النهي لشرح المنتهى" منصور بن يونس البهوتي، ت 1051 هـ، عالم الكتب، بيروت، الأولى 1414 هـ. 584 - العدة شرح العمدة - بهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي، ت 624 هـ، تحقيق عبد الرزاق المهدي، الأولى 1414 هـ، دار الكتاب العربي. 585 - عمدة الفقه - موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة الحنبلي، تحقيق عبد الرزاق المهدي، دار الهدى، الرياض الأولى 1414 هـ مطبوع مع العدة. 586 - غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى: مرعي بن يوسف الحنبلي، مؤسسة دار السلام، الأولى. 587 - الفتاوى الكبرى: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، دار الكتب العلمية، بيروت. 588 - فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، جمع محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، مطبعة الحكومة، مكة 1399 هـ. 589 - الفتح الرباني بمفرادات ابن حنبل الشيباني: أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري ت 1192 هـ، تحقيق محمد السديس، مؤسسة قرطبة، الأولى 1416 هـ. 590 - الفروع: أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي ت 763 هـ، راجعه عبد الستار أحمد فراج، عالم الكتب، بيروت، الرابعة 1405 هـ. 591 - الفواكه العديدة في المسائل المفيدة، أحمد بن محمد المنقور الحنبلي ت 1125 هـ، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الثانية 1400 هـ. 592 - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية: تحقيق
ربيع المدخلي، مكتبة لينة، دمنهور، الأولى 1409 هـ. 593 - قواعد ابن رجب "تقرير القواعد وتحرير الفوائد" عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ت 795 هـ، تحقيق مشهور حسن سلمان، دار ابن عفان، الخبر، الأولى 1419 هـ. 594 - القواعد الكلية والضوابط الفقهية: يوسف بن الحسن بن عبد الهادي الحنبلي ت 909 هـ، تحقيق جاسم بن فهيد الدوسري، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الأولى 1415 هـ. 595 - القواعد النورانية الفقهية: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت 1399 هـ. 596 - الكافي: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة، تحقيق د. عبد الله التركي، دار هجر، مصر، الأولى 1417 هـ. 597 - كشاف القناع على متن الإقناع: منصور بن يونس البهوتي، مكتبة النصر الحديثة، الرياض. 598 - كشف المخدرات شرح أخصر المختصرات: زين الدين عبد الرحمن البعلي الحنبلي، المؤسسة السعيدية، الرياض. 599 - الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عبد الرحمن بن أبي بكر الدمشقي الحنبلي ت 856 هـ، تحقيق د. مصطفى عثمان، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417 هـ. 600 - المبدع في شرح المقنع: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي ت 884 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 601 - المختارات الجلية من المسائل الفقهية: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، المؤسسة السعيدية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 602 - مختارات من الطرق الحكمية - الشيخ محمد صالح العثيمين، مؤسسة آسام، الأولى 1412 هـ. 603 - مختصر الخرقي: أبو القاسم عمر بن الحسين الخرقي الحنبلي، تعليق إبراهيم بن محمد، دار الصحابة، طنطا، الأولى 1413 هـ.
604 - مختصر الفتاوى المصرية لشيخ الإسلام ابن تيمية: بدر الدين أبو عبد الله محمد بن علي البعلي، تعليق محمد حامد الفقي، دار التقوى، مصر 1409 هـ. 605 - المذهب الأحمد في مذهب الإمام أحمد، يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي، المؤسسة السعيدية، الرياض الثانية 1401 هـ. 606 - مسائل أبي بكر عبد العزيز التي خالف فيها الخرقي: أبو الحسين محمد بن أبي يعلى الحنبلي ت 526 هـ، تحقيق محمد آل إسماعيل، مكتبة المعارف، الرياض، الأولى 1413 هـ. 607 - مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود، تحقيق طارق بن عوض الله، مكتبة ابن تيمية، مصر، الأولى 1420 هـ. 608 - مسائل الإمام أحمد رواية إسحاق بن إبراهيم بن هاني النيسابوري، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي 1400 هـ. 609 - مسائل الإمام أحمد رواية إسحاق بن منصور الكوسج، قسم المعاملات، تحقيق د. صالح الزيد، مطبعة المدني، مصر، الأولى 1415 هـ. 610 - مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح: تحقيق د. فضل الرحمن محمد، الدار العلمية، دلهي، الأولى 1408 هـ. 611 - مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله: تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى 1401 هـ. 612 - المسائل التي حلف عليها الإمام أحمد: أبو الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى الحنبلي ت 526 هـ، تحقيق محمود الحداد، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1407 هـ. 613 - مسألة العمل بالخطوط: علاء الدين علي بن أبي بكر بن مفلح الحنبلي ت 882 هـ تحقيق د. ناصر السلامة، مطبوع ضمن مجلة العدل الصادرة من وزارة العدل السعودية، العدد الرابع، شوال 1420 هـ. 614 - المسائل الفقهية من كتاب الروايتين لأبي يعلى الحنبلي: د. عبد الكريم اللاحم، مكتبة المعارف، الرياض، الأولى 1405 هـ.
615 - المستوعب: محمد بن عبد الله السامري الحنبلي ت 616 هـ، تحقيق مساعد بن قاسم الفالح، مكتبة المعارف، الياض، الأولى 1405 هـ. 616 - مطالب أولى النهى في شرح غاية المنتهى: مصطفى بن سعد الرحيباني، المكتب الإسلامي، بيروت. 617 - معونة أولي النهى شرح المنتهى: محمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار الحنبلي، ت 972، تحقيق د. عبد الملك الدهيش، دار خضر، بيروت، الأولى 1416 هـ. 618 - المغني: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامه المقدسي ت 620 هـ، تحقيق د. عبد الله التركي، د. عبد الفتاح الحلو، هجر للطباعة، القاهرة، الأولى 1406 هـ. 619 - مغني ذوي الأفهام: جمال الدين يوسف بن حسن بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق عبد العزيز آل الشيخ، مطبعة السنة المحمدية 1391 هـ، مصر. 620 - المقنع: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1399 هـ. 621 - المقنع شرح مختصر الخرقي، أبو علي الحسن بن أحمد بن البنا الحنبلي، تحقيق د. عبد العزيز النعيمي، مكتبة الرشد، الرياض، الأولى. 622 - الممتع في شرح المقنع: زين الدين المنبجي بن عثمان التنوخي الحنبلي، 695 هـ، تحقيق عبد الملك بن دهيش، دار خضر، الأولى 1418 هـ. 623 - منار السبيل، إبراهيم بن محمد بن ضويان، ت 1353 هـ، تحقيق عصام القلعجي، مكتبة المعارف، الرياض، الثانية 1405 هـ، وطبعة المكتب الإسلامي، بيروت السادسة 1404 هـ. 624 - المنح الشافيات. 625 - النكت على المحرر: شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي ت 763 هـ، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب. 626 - الهداية: أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني الحنبلي، تحقيق إسماعيل الأنصاري وصالح العمري، مطابع القصيم، السعودية، الأولى 1391 هـ.
الفقه الظاهري وبعض المجتهدين
627 - هداية الراغب شرح عمدة الطالب، عثمان بن أحمد النجدي ت 1100 هـ، تحقيق حسنين مخلوف، دار البشير، جدة، الثالثة 1415 هـ. الفقه الظاهري وبعض المجتهدين: 628 - البحر الزخار. 629 - الدراري المضية. 630 - الروضة الندية شرح الدرر البهية: محمد صديق حسن خان القنوجي، تعليق محمد حلاق، دار الهجرة، صنعاء، الأولى 1411 هـ. 631 - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: محمد بن علي الشوكاني، تحقيق قاسم غالب ورفاقه، وزارة الأوقاف المصرية، 1403 هـ. 632 - شرح النيل وشفاء العليل. 633 - ظفر اللاظي بما يجب في القضاء على القاضي: محمد صديق حسن خان، المكتبة السلفية، لاهور باكستان، تحقيق أحمد شاكر، الأولى 1402 هـ. 634 - القول المفيد. 635 - كتاب القضاء: أبو الحارث سريج بن يونس البغدادي ت 235 هـ، تحقيق د. عامر حسن صبري، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الأولى 1421 هـ. 636 - المحلى: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ت 456 هـ، تحقيق أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة. 637 - مراتب الإجماع، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، دار زاهد القدسي، الثالثة. 638 - وبل الغمام على شفاء الأوام، محمد بن علي الشوكاني، تحقيق محمد صبحي حلاق، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الأولى 1416 هـ. * كتب اللغة والتعريفات: 639 - أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء: قاسم القونوي، ت 978،
تحقيق د. أحمد الكبيسي، دار الوفاء، جدة، الأولى 1406 هـ. 640 - التعريفات: علي بن محمد بن علي الجرجاني ت 816 هـ، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، الرابعة 1418 هـ. 641 - التوقيف على مهمات التعاريف: محمد بن عبد الرؤوف المناوي، دار الفكر، دمشق، الأولى 1410 هـ. 642 - حدود ابن عرفة: أبو عبد الله محمد بن عرفة المالكي، دار الغرب الإسلامي، تحقيق محمد أبو الأجفان والطاهر المعموري، الأولى 1993 م. 643 - الحدود والأحكام الفقهية، مجد الدين البسطامي المعروف بمصنفك ت 875 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1411 هـ. 644 - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية: أبو حفص عمر بن محمد الحنفي ت 537 هـ، تعليق محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1418 هـ. 645 - فقه اللغة: أبو منصور عبد الملك محمد الثعالبي ت 429 هـ، تحقيق د. جمال طلبة، دار الكتب العلمية، الأولى 1414 هـ. 646 - القاموس المحيط: محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة الثالثة 1413 هـ. 647 - الكليات: أبو البقاء أيوب بن موسى الكفوي، تحقيق د. عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، الأولى 1412 هـ. 648 - لسان العرب: جمال الدين محمد بن منظور الأفريقي، دار صادر، بيروت. 649 - المحيط في اللغة: الصاحب إسماعيل بن عباد ت 385 هـ، تحقيق محمد آل ياسين، عالم الكتب، بيروت، الأولى 1414 هـ. 650 - مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر الرازي، مؤسسة علوم القرآن 1405 هـ، بيروت. 651 - المصباح المنير: أحمد بن محمد الفيومي ت 770 هـ، المكتبة العلمية، بيروت. 652 - المطلع على أبواب المقنع: أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي، ت 709 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت 1401 هـ.
* الأعلام والتراجم والسير والتاريخ
653 - معجم مقاييس اللغة: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا تحقيق شهاب الدين أبو عمرو، دار الفكر، الأولى 1415 هـ. 654 - المغرب في ترتيب المعرب: أبو الفتح ناصر الدين المطرزي، مكتبة أسامة بن زيد، حلب، الأولى 1399 هـ، ودار الكتاب العربي. 655 - المغني في الإنباء عن غريب المهذب والأسماء، أبو المجد إسماعيل بن أبي البركات ابن باطيش ت 655 هـ، تحقيق د. مصطفى عبد الحفيظ، المكتبة التجارية، مكة 1411 هـ. 656 - النظم المستعذب في تفسير غريب المهذب، بطال بن أحمد بن سليمان الركبي، تحقيق د. مصطفى عبد الحفيظ، المكتبة التجارية، مكة 1411 هـ. * الأعلام والتراجم والسير والتاريخ: 657 - أبجد العلوم - صديق حسن خان، تحقيق عبد الجبار زكار، دار الكتب العلمية، بيروت 1978 م. 658 - أخبار أبي حنيفة وأصحابه، حسين بن علي الصيمري ت 436 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، الثانية 1976 م. 659 - أخبار القضاة: وكيع بن خلف بن حيان ت 306 هـ، مكتبة المدائن، الرياض. 660 - أخبار المدينة النبوية: أبو زيد عمر بن شبة النميري ت 262 هـ، تعليق علي محمد وياسين بيان، دار الكتب العلمية، الأولى 1417 هـ. 661 - الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين - أبو منصور عبد الرحمن بن عساكر الشافعي ت 620 هـ، دار الفكر، تحقيق عبد الحافظ، الأولى 1406 هـ. 662 - الإرشاد - الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي ت 446 هـ، تحقيق د. محمد سعيد، مكتبة الرشد، الرياض، الأولى 1409 هـ. 663 - أزهار الرياض في أخبار عياض - أبو العباس أحمد بن محمد المقري ت 1041 هـ، تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1940 م. 664 - أسد الغابة في معرفة الصحابة - عز الدين علي بن محمد بن الأثير ت 630 هـ، دار
الشعب، القاهرة 1390 هـ. 665 - الإشارات إلى بيان الأسماء المهمات - أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار الباز، مكة، الأولى 1419 هـ. 666 - الإصابة في تمييز الصحابة - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الكتاب العربي، بيروت. 667 - الأعلام - خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، العاشرة 1992 م. 668 - الإكمال في ذكر من له رواية في مسند أحمد سوى من ذكر في تهذيب الكمال - أبو المحاسن محمد بن علي الحسيني - تحقيق عبد الله سرور، دار اللواء، الرياض، الأولى 1412 هـ. 669 - إنباء الغمر بأبناء العمر - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، مصورة مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الثانية 1406 هـ. 670 - إنباه الرواة. 671 - الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - مجد الدين عبد الرحمن بن محمد الحنبلي ت 860 هـ، مكتبة دنديس، عمان، الأردن، تحقيق عدنان يونس 1420 هـ. 672 - الأنساب "قسم الشيخين أبي بكر وعمر" - أحمد بن يحيى البلاذري ت 279 هـ، تحقيق د. إحسان العمر، المؤتمن للنشر، الرياض، الثانية 1418 هـ. 673 - الأنساب - عبد الكريم بن حمد السمعاني ت 562 هـ، تحقيق عبد الرحمن المعلمي، طبع محمد أمين، بيروت. 674 - الأنوار الساطعة في المائة السابعة - أغا بزرك الطهراني، تحقيق علي نقي، دار الكتاب العربي، بيروت، الأولى 1972 م. 675 - ابن قيم الجوزية حياته وآثاره - الشيخ العلامة د. بكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1412 هـ. 676 - الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، تحقيق د. عبد الله السوالمة، دار ابن تيمية، الرياض، الثانية 1412 هـ.
677 - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - أبو العباس أحمد بن خالد الناصري، تحقيق جعفر الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء 1418 هـ. 678 - الاستيعاب في أسماء الأصحاب - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، دار الكتاب العربي، بيروت. 679 - الاغتباط بمن رمي بالاختلاط - أبو إسحاق إبراهيم سبط ابن العجمي ت 841 هـ، الدار العلمية دلهي، الثانية 1406 هـ. 680 - البدء والتاريخ - المطهر بن طاهر المقدسي، ت 507 هـ، مكتبة الثقافة الدينية، بورسعيد. 681 - البداية والنهاية - أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق د. عبد الله التركي، دار هجر، القاهرة، الأولى 1417 هـ. 682 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - محمد بن علي الشوكاني، دار المعرفة، بيروت. 683 - بغية الطلب في تاريخ حلب. 684 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت. 685 - تاج التراجم فيمن صنف من الحنفية - قاسم بن قطلوبغا الحنفي ت 879 هـ، تحقيق إبراهيم صالح، دار المأمون للتراث، دمشق، الأولى 1412 هـ. 686 - التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الأول - صديق بن حسن بن علي القنوجي، مكتبة دار السلام، الرياض، الأولى 1416 هـ. 687 - تاريخ أسماء الثقات - أبو حفص عمر بن شاهين البغدادي، تحقيق صبحي السامرائي، الدار السلفية، الكويت، الأولى 1404 هـ. 688 - تاريخ ابن الوردي - عمر بن مظفر الشهير بابن الوردي ت 749 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، الأولى 1972 م. 689 - تاريخ ابن خلدون المسمى "العبر وديوان المبتدأ والخبر" - عبد الرحمن بن محمد بن
خلدون ت 808 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1413 هـ. 690 - تاريخ ابن معين "رواية الدوري" - يحيى بن معين، تحقيق د. أحمد محمد نور سيف، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، مكة المكرمة، الأولى 1399 هـ. 691 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير - شمس الدين الذهبي، تحقيق د. عمر تدمري، دار الكتاب العربي، الأولى، طبع المجلد الأول عام 1407 هـ والمجلد الخمسون عام 1420 هـ. 692 - تاريخ الأمم والملوك - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الأولى 1407 هـ. 693 - التاريخ الأوسط - أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق محمد اللحيدان، دار الصميعي، الرياض، الأولى 1418 هـ. 694 - تاريخ الخلفاء - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، الأولى 1371 هـ. 695 - التاريخ الكبير - شيخ الإسلام أبو عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، دار الكتب العلمية، بيروت. 696 - تاريخ جرجان - أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي الجرجاني ت 327 هـ، تحقيق محمد عبد المعين، عالم الكتب، بيروت، الرابعة 1407 هـ. 697 - تاريخ خليفة بن خياط - تحقيق د. أكرم ضياء العمري، دار طيبة، الأولى 1405 هـ. 698 - تاريخ رواة العلم بالأندلس - أبو الوليد عبد الله بن محمد الأزدي ابن القرطبي، ت 403 هـ، نشر عزت العطار، القاهرة 1373 هـ. 699 - تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين - تحقيق د. أحمد نور سيف، دار المأمون، دمشق، منشورات جامعة الملك عبد العزيز بجدة. 700 - تاريخ مدينة دمشق أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر الشافعي ت 571 هـ، تحقيق عمر بن غرامة العمري، دار الفكر، بيروت، الأولى 1995 م. 701 - تاريخ واسط - أسلم بن سهل الواسطي، تحقيق كوركيس عواد، عالم الكتب، بيروت،
الأولى 1406 هـ. 702 - التبيين لأسماء المدلسين - أبو إسحاق إبراهيم سبط ابن العجمي، الدار العلمية، دلهي، الثانية 1406 هـ. 703 - التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة - محمد بن عبد الرحمن السخاوي ت 902 هـ، دار الكتب العلمية، الأولى 1414 هـ. 704 - تذكرة الحفاظ: محمد بن أحمد الذهبي، دائرة المعارف العثمانية 1377 هـ. 705 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك - عياض بن موسى بن عياض السبتي 544 هـ، تحقيق أحمد بكير، مكتبة الحياة، بيروت 1378 هـ. 706 - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق أيمن صالح شعبان، دار الكتب العلمية، الأولى 1416 هـ. 707 - التعديل والتجريح - أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي ت 474 هـ، تحقيق د. أبو لبابة حسين، دار اللواء، الرياض، الأولى 406 هـ. 708 - تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق د. عبد الغفار البنداري، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1405 هـ. 709 - تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان، تحقيق خليل العرب، المكتبة التجارية بمكة، الأولى 1414 هـ. 710 - تقريب التهذيب - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الرشيد، حلب، تحقيق محمد عوامة، الأولى 1406 هـ. 711 - التكملة لكتاب الصلة - أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي، تحقيق عبد السلام الهراس، دار الفكر، لبنان 1415 هـ. 712 - التمهيد والبيان في نقل قتل الشهيد عثمان - محمد بن يحيى بن أبي بكر المالقي المالكي ت 741 هـ، تحقيق د. محمود يوسف، دار الثقافة، الدوحة، الأولى 1405 هـ. 713 - تهذيب الأسماء واللغات - أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار الفكر، بيروت، الأولى
1996 م. 714 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال - جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي ت 742 هـ، تحقيق د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الخامسة 1415 هـ. 715 - الثغر البسام في ذكر من ولي قضاء الشام - محمد بن علي بن طولون، تحقيق د. صلاح الدين المنجد، المجمع العلمي العربي، دمشق 1956 م. 716 - الجرح والتعديل - أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد 1371 هـ. 717 - جمهرة أنساب العرب - أبو محمد علي بن حزم، تحقيق عبد السلام هاروون 1962 م. 718 - جواب المنذري عن أسئلة في الجرح والتعديل - تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، المطبوعات الإسلامية، حلب، الأولى 1412 هـ. 719 - الجواهر المضية في طبقات الحنفية - أبو محمد عبد القادر بن محمد القرشي أبو الوفاء، تحقيق د. عبد الفتاح الحلو، الأولى، البابي الحلبي. 720 - الجوهرة في نسب النبي - صلى الله عليه وسلم -. 721 - حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة - جلال الدين السيوطي. 722 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، دار الباز، مكة المكرمة، الأولى 1409 هـ. 723 - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر - ابن فضل الله المحبي، دار صادر، بيروت. 724 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محمد عبد المعين، مجلس دائرة المعارف، حيدر أباد، الثانية 1392 هـ. 725 - الدليل الشافي على المنهل الصافي - أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي، تحقيق فهيم شلتوت، جامعة أم القرى بمكة 1403 هـ. 726 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب - إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون المالكي، تحقيق د. محمد أبو النور، مكتبة التراث، القاهرة.
727 - الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة - أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني ت 542 هـ تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت 1417 هـ. 728 - ذكر أسماء التابعين - أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، تحقيق كمال الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الأولى 1406 هـ. 729 - ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق - شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق محمد شكور، مكتبة المنار، الأردن، الأولى 1406 هـ. 730 - ذكر من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه - أبو حفص عمر بن شاهين البغدادي ت 385 هـ، تحقيق حماد الأنصاري، أضواء السلف، الرياض، الأولى 1419 هـ. 731 - ذيل العبر - محمد بن أحمد الذهبي، مطبعة حكومة الكويت. 732 - ذيل تذكرة الحفاظ. 733 - ذيل طبقات الحنابلة - أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، دار المعرفة، بيروت 1978 م. 734 - الذيل علي الروضتين - أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة ت 665 هـ. 735 - ذيل مرآة الزمان. 736 - ذيل ميزان الاعتدال - أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي، تحقيق عبد القيوم عبد رب النبي، جامعة أم القرى، مكة، الأولى 1406 هـ. 737 - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، شهاب الدين أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي 665 هـ تحقيق إبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة، الأولى 1418 هـ. 738 - رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية - أبو بكر عبد الله بن محمد المالكي، تحقيق بشير البكوش، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الثانية 1414 هـ. 739 - سؤالات أبي داود للإمام أحمد في جرح الرواة وتعديلهم - سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق د. زياد محمد، مكتبة العلوم والحكم، المدينة، النبوية الأولى 1414 هـ.
740 - سؤالات السهمي للدارقطني. 741 - سؤالات محمد بن أبي شيبة لعلي بن المديني في الجرح والتعديل - تحقيق موفق بن عبد الله عبد القادر، مكتبة المعارف، الرياض، الأولى 1404 هـ. 742 - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - محمد بن يوسف الصالحي الشافعي ت 942 هـ، تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1414 هـ. 743 - السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة - محمد بن عبد الله بن حميد النجدي الحنبلي، تحقيق د. بكر بن عبد الله أبو زيد - د. عبد الرحمن العثيمين، مؤسسة الرسالة، الأولى 1416 هـ. 744 - السلوك لمعرفة دول الملوك - أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي، تحقيق محمد زيادة، الثانية، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف 1956 م. 745 - سمط النجوم العوالي - عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي ت 1111 هـ، تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت 1419 هـ. 746 - سير أعلام النبلاء - شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ت 748 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط ورفاقه، مؤسسة الرسالة، السابعة 1410 هـ. 747 - سيرة الإمام أحمد بن حنبل - أبو الفضل صالح بن أحمد بن حنبل، تحقيق د. فؤاد عبد المنعم، دار الدعوة، الثانية 1404 هـ. 748 - السيرة النبوية وأخبار الخلفاء - أبو حاتم محمد بن حبان البستي، دار الفكر، تعليق السيد عزيز بك، الأولى 1407 هـ. 749 - سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري النحوي - تحقيق محيي الدين عبد الحميد، مكتبة التراث، القاهرة. 750 - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد بن محمد مخلوف، دار الفكر. 751 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد الحنبلي المعروف بابن العماد، تحقيق محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق، الأولى 1406 هـ. 752 - الشعر والشعراء - أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، تحقيق أحمد شاكر، دار
الحديث، القاهرة، الثانية 1418 هـ. 753 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى - القاضي عياض بن موسى اليحصبي ت 476 هـ. 754 - صفة الصفوة - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق محمود فاخوري، دار الوعي، حلب، 1971 م. 755 - الضعفاء الصغير - شيخ الإسلام محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق بوران الضناوي، عالم الكتب، بيروت، الأولى 1404 هـ. 756 - الضعفاء الكبير - أبو جعفر بن محمد بن عمرو العقيلي، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الأوقاف الجديدة، الأولى 1971 م. 757 - الضعفاء والمتروكون - أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، تحقيق موفق بن عبد الله، مكتبة المعارف، الرياض، الأولى 1404 هـ. 758 - الضعفاء والمتروكون - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق بوران الضناوي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الأولى 1405 م. 759 - الضعفاء - أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، تحقيق د. سعدي الهاشمي، دار الوفاء المنصورة، الثانية 1409 هـ. 760 - الضوء اللامع - محمد بن عبد الرحمن السخاوي، بيروت. 761 - طبقات الحفاظ - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت 1403 هـ، الأولى. 762 - طبقات الحنابلة - أبو الحسين محمد بن أبي يعلى الفراء الحنبلي ت 526 هـ، تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين، طبع الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة 1419 هـ. 763 - طبقات الحنفية "الجواهر المضية" عبد القادر بن أبي الوفاء القرشي ت 775 - نشر مير محمد كتب خانة، كراتشي، "ملاحظة: إن قلت طبقات الحنفية فأنا أعني هذه الطبعة وإن قلت الجواهر المضية فأنا أعني تلك الطبعة". 764 - الطبقات السنية في تراجم الحنفية - تقي الدين بن عبد القادر الغزي الحنفي تحقيق د.
عبد الفتاح الحلو، دار الرفاعي، الرياض، الأولى 1403 هـ. 765 - طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين بن علي السبكي، تحقيق عبد الفتاح الحلو ومحمود الطناحي، دار إحياء الكتب العربية 1976 م. 766 - طبقات الشافعية - أبو بكر بن أحمد بن قاضي شهبة، تحقيق د. الحافظ عبد العليم، عالم الكتب، بيروت، الأولى 1407 هـ. 767 - طبقات الشافعية - أبو بكر بن هداية الله الحسيني ت 1014 هـ، تحقيق عادل نويهض، دار الأوقاف الجديدة، الأولى 1971 م. 768 - طبقات الشافعية - جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي ت 772 هـ، تحقيق كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، الأولى 1407 هـ 769 - طبقات الفقهاء الشافعيين - أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير، مكتبة الثقافة الدينية، 1993 م، القاهرة. 770 - طبقات الفقهاء - إبراهيم بن علي الشيرازي، تحقيق خليل الميس، دار القلم، بيروت. 771 - الطبقات الكبرى - محمَّد بن سعد الزهري، دار الكتب العلمية، الأولى 1410 هـ. 772 - طبقات المحدثين بأصبهان - عبد الله بن محمَّد بن حيان الأنصاري، تحقيق عبد الغفور البلوشي، مؤسسة الرسالة، الثانية 1412 هـ. 773 - طبقات المفسرين - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق علي محمَّد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، الأولى 1396 هـ. 774 - طبقات المفسرين - محمَّد بن علي بن أحمد الداوودي، ت 945 هـ، دار الكتب العلمية، نشر دار الباز، مكة، وطبعة مكتبة العلوم والحكم، تحقيق سليمان النخزي 1417 هـ. 775 - طبقات علماء الحديث - أبو عبد الله بن أحمد بن عبد الهادي الصالحي ت 744 هـ، مؤسسة الرسالة، الثانية 1405 هـ. 776 - العبر في خبر من غبر - شمس الدين محمَّد بن أحمد الذهبي، تحقيق د. صلاح الدين المنجد، مطبعة حكومة الكويت، الطبعة الثانية 1984 م.
777 - عجائب الآثار - عبد الرحمن بن حسن الجبرتي، دار الجيل، بيروت. 778 - العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين - تقي الدين محمَّد بن أحمد الحسني الفاسي، ت 532 هـ. 779 - العقود الدرية من مناقب شيخ الإِسلام أحمد بن تيمية - أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن عبد الهادي، تحقيق محمَّد حامد الفقي، مكتبة المؤيد، الرياض. 780 - عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، أبو الفتح بن سيد الناس اليعمري ت 734 هـ، تحقيق د. محمَّد الخطراوي ومحي الدين مستو، دار ابن كثير، بيروت، الأولى 1413 هـ. 781 - فتوح البلدان، أحمد بن يحيى البلاذري، ت 279 هـ، تحقيق رضوان محمَّد رضوان، دار الكتب العلمية 1412 هـ. 782 - الفوائد البهية في تراجم الحنفية - أبو الحسنات محمَّد بن عبد الحي اللكنوي، تصحيح محمَّد النعساني، دار المعرفة 1324 هـ. 783 - فوات الوفيات - محمَّد بن شاكر الكتبي، تحقيق علي معوض وعادل عبد الموجود، الكتب العلمية، الأولى 2000 م. 784 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة - محمَّد بن أحمد بن عثمان الذهبي، دار الكتب الحديثة. 785 - الكامل في أسماء الرجال - أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، تحقيق عبد الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1418 هـ. 786 - الكامل في التاريخ - أبو الحسن علي بن محمَّد الشيباني المعروف بابن الأثير، ت 630 هـ، تحقيق عبد الله القاضي، دار الباز، مكة المكرمة، الأولى 1407 هـ. 787 - الكشف الحثيث عمن رُمي بوضع الحديث - برهان الدين إبراهيم محمَّد الحلبي ت 841 هـ، تحقيق صبحي السامرائي، عالم الكتب، بيروت، الأولى 1407 هـ. 788 - الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة: محمَّد بن محمَّد بن محمَّد الغزي 1061 هـ، تحقيق جبرائيل جبور، دار الفكر، بيروت.
789 - لسان الميزان - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية، الأولى 1416 هـ. 790 - مآثر الإنافة - أحمد بن عبد الله القلقشندي ت 821 هـ، تحقيق عبد الستار فراج، مطبعة حكومة الكويت - الثانية 1985 م. 791 - محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: يوسف بن الحسن بن عبد الهادي الحنبلي المعروف بابن المبرد، أضواء السلف بالرياض، الأولى 1420 هـ. 792 - مختصر سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو محمَّد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، تحقيق خالد الشايع، دار الوطن، الرياض، الأولى 1413 هـ. 793 - مختصر طبقات الحنابلة - محمَّد جميل البغدادي المعروف بابن شطي، دار الكتاب العربي، الأولى 1406 هـ. 794 - مرآة الجنان - أبو محمَّد عبد الله بن أسعد اليافعي ت 768 هـ، دار الكتاب الإِسلامي، القاهرة 1413 هـ. 795 - مرآة الزمان في تاريخ الأعيان - أبو المظفر يوسف سبط بن الجوزي، ت 517 هـ، تحقيق د. مسفر الغامدي، جامعة أم القرى، الأولى 1407 هـ. 796 - المرقبة العليا فيمن يستحق القضا والفتيا "تاريخ قضاة الأندلس" - أبو الحسن علي بن عبد الله المالقي النباهي يعرف بابن الحسن المالكي، تحقيق د. مريم قاسم طويل، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1415 هـ. 797 - المعارف - أبو محمَّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، دار الكتب العلمية، الأولى 1407 هـ. 798 - معجم الأدباء - أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1411 هـ. 799 - معجم الذهبي - محمَّد بن أحمد الذهبي، تحقيق د. روحية السويفي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1413 هـ.
800 - معجم المؤلفين - عمر رضا كحالة، مكتبة المثنى ودار إحياء التراث العربية، بيروت. 801 - معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد: محمَّد بن أحمد الذهبي، دار المعرفة، الأولى 1406 هـ، تحقيق إبراهيم إدريس. 802 - المعرفة والتاريخ - أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، رواية عبد الله بن جعفر النحوي، تحقيق د. أكرم ضياء العمري، مكتبة الدار، المدينة النبوية، الأولى 1410 هـ. 803 - مقالات الإِسلاميين واختلاف المصلين: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، ت 330 هـ، تحقيق محمَّد محي الدين عبد الحميد، مكتبة النهضة المصرية، الثانية 1389 هـ. 804 - المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - إبراهيم بن محمَّد بن مفلح، تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين، مكتبة الرشد، الرياض، الأولى 1410 هـ. 805 - منادمة الأطلال - عبد القادر بن بدران، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإِسلامي بيروت، الثانية 1985 م. 806 - مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق د. السيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، الثالثة 1419 هـ. 807 - مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه - محمَّد بن أحمد الذهبي، إحياء المعارف العثمانية، الهند الثانية 1408 هـ. 808 - مناقب الإمام أحمد بن حنبل - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق د. عبد الله التركي، مكتبة الخانجي، الأولى 1399 هـ. 809 - مناقب الإمام الشافعي - أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق خليل ملا خاطر، مكتبة الشافعي بالرياض، الأولى 1412 هـ. 810 - مناقب الإمام الشافعي - فخر الدين محمَّد بن عمر بن الحسين الرازي ت 606 هـ، مكتبة الكليات الأزهرية، الأولى 1406 هـ، تحقيق أحمد السقا. 811 - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم - أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق محمَّد ومصطفى عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1412 هـ.
* كتب أخرى
812 - موضع أوهام الجمع والتفريق: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد بالهند 1378 هـ. 813 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي، وزارة الثقافة المصرية. 814 - نفح الطيب من غصون الأندلس الرطيب: أحمد بن محمَّد المقري التلمساني 1041 هـ، علق عليه د. مريم طويل د. يوسف طويل، دار الكتب العلمية، الأولى 1415 هـ، وطبعة دار صادر، تحقيق د. إحسان عباس 1388 هـ. 815 - النكت الظراف على الأطراف - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق عبد الصمد شرف الدين. 816 - نيل الابتهاج بتطريز الديباج - أحمد بابا التنبكي، على هامش الديباج المذهب لابن فرحون، القاهرة 1351 هـ، وطبعة أخرى عام 1329 هـ. 817 - هدية العارفين في أسماء المؤلفين: إسماعيل باشا البغدادي، مكتبة المثنى بغداد. 818 - الوافي بالوفيات - صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، تحقيق أحمد الأرناؤوط، دار إحياء التراث، بيروت 1420 هـ. 819 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن خلكان ت 681 هـ، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، لبنان. 820 - الوفيات - محمَّد بن رافع السلامي ت 774 هـ، تحقيق د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الأولى 1402 هـ. * كتب أخرى: 821 - إثبات صفة العلو - موفق الدين أبو محمَّد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق بدر البدر، الدار السلفية، الكويت، الأولى 1406 هـ. 822 - أحكام الجنائز - محمَّد ناصر الدين الألباني - مكتبة المعارف الرياض، الأولى 1412 هـ. 823 - إحياء علوم الدين - أبو حامد محمَّد بن محمَّد الغزالي ت 505 هـ، البابي الحلبي، مصر
1358 هـ. 824 - الأخبار الموفقيات - الزبير بن بكار، تحقيق د. سامي العاني، مطبعة العاني، بغداد. 825 - أخبار مكة - أبو الوليد محمَّد بن عبد الله الأزرقي، تحقيق رشدي الصالح، دار الثقافة، مكة، الثامنة 1416 هـ. 826 - الآداب الشرعية - أبو عبد الله محمَّد بن مفلح المقدسي الحنبلي ت 763 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط وعمر القيام، مؤسسة الرسالة، الأولى 1416 هـ. 827 - أدب الكاتب - أبو محمَّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق محمَّد الدالي، مؤسسة الرسالة الأولى 1402 هـ. 828 - أدب المفتي والمستفتي، ابن الصلاح عثمان بن عبد الرحمن، مكتبة العلوم والحكم، تحقيق د. موفق عبد الله، الأولى 1407 هـ. 829 - الأذكياء - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الرابعة 1400 هـ. 830 - أصول مذهب الشيعة - ناصر بن عبد الله القفاري، الطبعة الأولى 1414 هـ. 831 - الأغاني - أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني 356 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، الثانية 1412 هـ، تحقيق سمير جابر. 832 - الاقتصاد في الاعتقاد - أبو محمَّد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي ت 600 هـ، تحقيق د. أحمد الغامدي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة، الأولى 1414 هـ. 833 - الأمثال في الحديث النبوي - أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد أبو الشيخ الأصفهاني، الدار السلفية، بومباي، تحقيق د. عبد العلي عبد الحميد، الثانية 1987 م. 834 - الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، عالم الكتب، بيروت 1402 هـ، مصورة عن الطبعة السلفية. 835 - أوائل المقالات - محمَّد بن محمَّد العكبري الملقب بالمفيد، مكتبة الداوري، قم إيران.
836 - الأوائل - أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري "مات بعد الأربعمائة"، طبع دمشق 1976 م. 837 - إيثار الحق على الخلق - أبو عبد الله محمَّد بن المرتضى اليماني المعروف بابن الوزير ت 840 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1403 هـ. 838 - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون - إسماعيل باشا البغدادي، اسطنبول 1945 م. 839 - إيقاظ الهمم، صلاح بن محمَّد بن نوح العمري، ت 218 هـ، دار المعرفة، بيروت 1398 هـ. 840 - الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة - محمَّد بن الحسن الحر، المطبعة العلمية، قم، إيران. 841 - الاختلاف في اللفظ - أبو محمَّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ت 276 هـ، تحقيق عمر بن محمود، دار الراية، الرياض، الأولى 1412 هـ. 842 - الاستقامة - أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - تحقيق د. محمَّد رشاد سالم، جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإِسلامية، الرياض، الأولى 1403 هـ. 843 - اعتقاد الإمام أحمد - أبو الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي، تحقيق عمرو سليم، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1422 هـ. 844 - اعتقاد الإمام الشافعي - رواية أبي طالب محمَّد بن علي العشاري، تحقيق عمرو سليم، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1422 هـ. 845 - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق د. ناصر العقل، مكتبة الرشد، الرياض، الثانية 1411 هـ. 846 - الانتصار - يحيى بن أبي الخير العمراني ت 558 هـ، تحقيق د. سعود الخلف، أضواء السلف، الرياض، الأولى 1405 هـ. 847 - بحار الأنوار - محمَّد باقر المجلسي، إحياء التراث العربي، بيروت، الثالثة 1403 هـ.
848 - بذل الماعون في فضل الطاعون - تحقيق أحمد الكاتب، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1411 هـ. 849 - البصائر والذخائر - أبو حيان علي بن محمَّد التوحيدي، تحقيق وداد القاضي، دار صادر، بيروت. 850 - البيان والتبيين - أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت. 851 - التبصر في معالم الدين، أبو جعفر محمَّد بن جرير الطبري، تحقيق علي الشبل، دار العاصمة، الأولى 1416 هـ، الرياض. 852 - تبيين كذب المفتري علي الشيخ أبي الحسن الأشعري، أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي المعروف بابن عساكر ت 571 هـ، دمشق 1374 هـ. 853 - التحفة المدنية في العقيدة السلفية - حمد بن ناصر بن عثمان آل معمر ت 1225 هـ تحقيق عبد السلام البرجس، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1412 هـ. 854 - التسعينية - أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق د. إبراهيم العجلان، مكتبة المعارف، الرياض، الأولى 1420 هـ. 855 - تفسير الصافي - الفيض الكاشاني، تصحيح حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي، بيروت. 856 - تفسير القمي، علي إبراهيم القمي - تعليق طيب الموسوي، الثانية، بيروت 1387 هـ. 857 - تقييد العلم - أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، دار إحياء السنة. 858 - تلبيس إبليس - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق د. السيد الجميلي، دار الرياض، القاهرة 1405 هـ. 859 - تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، سليمان بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الوهاب، ت 1233 هـ، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية 1412 هـ. 860 - الثبت ببعض مخطوطات ابن تيمية وابن القيم - علي بن عبد العزيز الشبل، دار الوطن،
الرياض، الأولى 1417 هـ. 861 - جلاء العينين - في محاكمة الأحمدين - السيد نعمان خير الله الشهير بابن الألوسي، مطبعة المدني 1401 هـ. 862 - جمهرة خطب العرب - أحمد زكي صفوت، المكتبة العلمية، بيروت. 863 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح - أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق د. علي بن حسن ود. عبد العزيز العسكر ود. حمدان الحمدان، دار العاصمة، الرياض، 1414 هـ. 864 - جواهر العقود، شمس الدين محمَّد بن أحمد الأسيوطي، الكتب العلمية، بيروت وطبعة أخرى بتحقيق محمَّد حامد الفقي، طبعة أنصار السنة، مصر. 865 - حسن الأسوة بما ثبت عن رسول الله في النسوة - صديق حسن خان القنوجي، تحقيق د. مصطفى الخن، مؤسسة الرسالة، الخامسة 1406 هـ. 866 - الدارس في تاريخ المدارس - عبد القادر بن محمَّد النعيمي، تحقيق إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، الأولى 1410 هـ. 867 - درء تعارض العقل والنقل - أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق د. محمَّد رشاد سالم، جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإِسلامية، الرياض، الأولى 1402 هـ. 868 - الدين الخالص - محمَّد صديق القنوجي، دار التراث القاهرة. 869 - ذم التأويل أبو محمَّد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق بدر البدر، الدار السلفية، الكويت، الأولى 1406 هـ. 870 - ذم الكلام وأهله - أبو إسماعيل عبد الله بن محمَّد الهروي، ت 481 هـ، تحقيق عبد الله بن محمَّد الأنصاري، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية، الأولى 1419 هـ. 871 - رجال الكشي، محمَّد بن الحسن الطوسي، تعليق حسن المصطفوي، طهران. 872 - الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية شيخ الإِسلام كافر - محمَّد بن ناصر الدين الدمشقي ت 842 هـ، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإِسلامي، الثانية 1411 هـ. 873 - رسالة الثغر - أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ت 324 هـ، تحقيق د. محمَّد
الجليند، دار اللواء، الرياض، الثانية 1410 هـ. 874 - الزواجر عن اقتراف الكبائر - أحمد بن محمَّد بن محمَّد البهتمي، تحقيق محمَّد محمود عبد العزيز وجماعة دار الحديث، القاهرة، الأولى 1414 هـ. 875 - شرح العقيدة الطحاوية - علي بن علي بن أبي العز الحنفي ت 792 هـ، تحقيق بشير عيون، مكتبة البيان، دمشق، الأولى 1405 هـ. 876 - شرح العقيدة الواسطية - الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - المعارف، الرياض، الأولى 1407 هـ. 877 - شرح لمعة الاعتقاد - الشيخ محمَّد بن صالح العثيمين، مؤسسة الرسالة، الثانية 1404 هـ. 878 - شرح نونية ابن القيم - أحمد بن إبراهيم بن عيسى، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإِسلامي، الثالثة 1406 هـ. 879 - الشيعة والتشيع - إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة، الأولى 1404 هـ، لاهور. 880 - الصارم المسلول على شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيخ الإِسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق محمَّد الحلواني ومحمد كبير، رمادي للنشر، الدمام، الأولى 1417 هـ. 881 - صبح الأعشى في صناعة الإنشا - أحمد بن علي القلقشندي، تحقيق د. يوسف طويل، دار الفكر، دمشق، الأولى 1987 م. 882 - ضوء الساري في معرفة رؤية الباري أبو محمَّد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة، تحقيق د. أحمد الشريف، دار الصحوة، القاهرة، الأولى 1405 هـ. 883 - العقد الفريد - أحمد بن محمَّد بن عبد ربه الأندلسي، تحقيق د. عبد المجيد، دار الكتب العلمية، الأولى 1404 هـ. 884 - العقيدة الواسطية - أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، مكتبة المعارف، الرياض، الرابعة 1407 هـ. 885 - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - محمَّد بن إبراهيم بن الوزير ت
840 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الثانية 1412 هـ. 886 - عيون الأخبار أبو محمَّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ت 276 هـ، تحقيق يوسف طويل، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1418 هـ. 887 - غذاء الألباب شرح منظومة الآداب - محمَّد بن أحمد بن سالم السفاريني، مؤسسة قرطبة 1393 هـ. 888 - الغيبة - محمَّد بن جعفر الطوسي، مكتبة الألفين، الكويت. 889 - فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد - عبد الرحمن بن حسن بن محمَّد بن عبد الوهاب، ت 1285 هـ، تحقيق د. الوليد الفريان، دار الصميعي، الرياض، الأولى 1415 هـ. 890 - الفرج بعد الشدة - أبو علي المحسن بن علي التنوخي ت 384 هـ، تحقيق عبود الشالجي، دار صادر بيروت 1398 هـ. 891 - الفرق الإِسلامية ذيل كتاب شرح المواقف - الكرماني، تحقيق سليمة عبد رب الرسول، مطبعة الإرشاد، بغداد 1973 هـ. 892 - الفرق بين الفرق - عبد القادر بن طاهر البغدادي، تحقيق محمَّد محي الدين عبد الحميد، مصر، مكتبة محمد صبيح. 893 - الفصل في الملل والنحل - أبو محمَّد علي بن أحمد بن حزم، تحقيق د. محمَّد إبراهيم، ود. عبد الرحمن عميرة، عكاظ، جدة، الأولى 1402 هـ. 894 - الفنون - أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمَّد البغدادي الحنبلي، مكتبة لينة، مصر 1411 هـ، تحقيق جورج المقدسي. 895 - فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية - محمَّد مطيع الحافظ، مطبعة الحجاز، دمشق 1401 هـ. 896 - فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية - محمَّد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الأولى 1422 هـ. 897 - فهرس مخطوطات دار الكتب المصرية - فؤاد سيد أمين، دار الكتب، القاهرة 1383 هـ.
898 - الفهرست، أبو الفرج محمَّد بن إسحاق المعروف بالنديم، ت 1380 هـ، تحقيق د. يوسف علي الطويل، دار الكتب العلمية، الأولى 1416 هـ. 899 - القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع - شمس الدين محمَّد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق بشير عيون، مكتبة المؤيد 1408 هـ، الرياض. 900 - الكامل للمبرد. 901 - الكبائر - أبو عبد الله محمَّد بن أحمد الذهبي، تحقيق محي الدين مستو، مؤسسة علوم القرآن، دمشق، الأولى 1404 هـ. 902 - الكتاب - أبو بشر عمرو بن عثمان سيبويه - الأولى، الأميرية ببولاق مصر 1316 هـ. 903 - كشف الظنون - مصطفى بن عبد الله المعروف بحاجي خليفة ت 1067 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت 1413 هـ. 904 - كلمة الفصل في قتل مدمني الخمر - أبو الأشبال أحمد محمَّد شاكر، مكتبة السنة، القاهرة، الثانية 1407 هـ. 905 - لطف التدبير - محمَّد بن عبد الله الإسكافي 421 هـ، دار الباز، مكة المكرمة، الثانية 1399 هـ، تحقيق أحمد عبد الباقي. 906 - اللمعة في تحقيق الركعة لإدراك الجمعة - جلال الدين بن عبد الرحمن السيوطي، تحقيق محمَّد بسيوني زغلول، الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1405 هـ. 907 - لوائح الأنوار السنية - شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية، محمَّد بن أحمد السفاريني الحنبلي ت 1188 هـ، تحقيق عبد الله البصيري، مكتبة الرشد، الرياض، الأولى 1415 هـ. 908 - مجلة البحوث الإِسلامية، العدد 18، رئاسة البحوث العلمية والإفتاء - الرياض. 909 - مجلة العدل، مجلة فصلية تصدر من وزارة العدل السعودية. 910 - مجمع الأمثال - أبو الفضل أحمد بن محمَّد الميداني النيسابوري، دار المعرفة، بيروت، تحقيق محي الدين عبد الحميد.
911 - مجمع البيان - الفضل بن الحسن الطبرسي، دار مكتبة الحياة، بيروت. 912 - مختصر التحفة الاثني عشرية - الأصل لولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي والمختصر للسيد محمود شكري الألوسي، تحقيق محي الدين الخطيب، الرئاسة العامة للإفتاء، السعودية 1404 هـ. 913 - مختصر كتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول - أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة الشافعي ت 665 هـ، ضمن الرسائل المنيرية، إدارة الطباعة المنيرية 1346 هـ. 914 - المدخل إلى فقه المرافعات - عبد الله بن محمَّد آل خنين، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1422 هـ. 915 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، عبد القادر بن بدران الحنبلي، تحقيق د. عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، الثانية 1401 هـ. 916 - المدخل الفقهي العام، مصطفى الزرقاء، مطبعة جامعة دمشق، السادسة 1379 هـ. 917 - مرجع العلوم الإِسلامية د. محمَّد الزحيلي، دار المعرفة، بدون تاريخ طبع. 918 - المستطرف في كل فن مستظرف - محمَّد بن أحمد بن أبي الفتح الأبشيهي، تحقيق د. مفيد محمَّد، دار الكتب، العلمية، الثانية 1986 م. 919 - المستقصى في أمثال العرب - أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، دار الكتب العلمية بيروت، الثانية 1987 م. 920 - مشكل إعراب القرآن - مكي بن أبي طالب القيسي ت 473 هـ، تحقيق ياسين السواس، دار المأمون للتراث، دمشق، الطبعة الثانية. 921 - مصطلحات الفقه الحنبلي - د. سالم على الثقفي، دار النصر للطباعة، القاهرة، الأولى 1398 هـ. 922 - معجم البلدان - أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي ت 626 هـ، تحقيق فريد الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1410 هـ. 923 - المعجم المؤسس للمعجم المفهرس - أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني،
* كتب ابن القيم
تحقيق د. يوسف المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، الأولى 1413 هـ. 924 - معجم ما استعجم، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي ت 478 هـ، تحقيق مصطفى السقا، عالم الكتب، الثالثة 1403 هـ، بيروت. 925 - معنى قول المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي - علي بن عبد الكافي السبكي، مطبوع ضمن الرسائل المنيرية، إدارة الطباعة المنيرية 1346 هـ 3/ 98. 926 - الملل والنحل - أبو الفتح محمَّد بن عبد الكريم الشهرستاني، تحقيق محمَّد كيلاني، دار المعرفة، بيروت. 927 - منهاج السنة النبوية - أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق د. محمَّد رشاد سالم، جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإِسلامية الرياض، الأولى 1406 هـ. 928 - الموافقات في أصول الشريعة - أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المالكي ت 790 هـ، شرح عبد الله دراز، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1411 هـ. 929 - الموسوعة الفقهية الكويتية - وزارة الأوقاف الكويتية، الثانية 1409 هـ. 930 - نثر الدر - أبو سعد منصور بن الحسين، الآبي ت 1421 هـ، تحقيق محمَّد علي وعلي البجاوي، الهيئة المصرية للكتاب. 931 - نزهة الأسماع في مسألة السماع - أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق أم عبد الله العسلي، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1407 هـ. 932 - نصاب الاحتساب - عمر بن محمَّد السنافي من علماء القرن الثامن، تحقيق د. مريزن عسيري، دار الوطن بالرياض، الأولى 1414 هـ. 933 - نظم المتناثر. * كتب ابن القيم: 934 - أحكام أهل الذمة - تحقيق صبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، الثالثة 1405 هـ.
935 - إعلام الموقعين عن رب العالمين - تحقيق عبد الرحمن الوكيل، مكتبة ابن تيمية، القاهرة 1409 هـ. 936 - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان - تحقيق بشير عيون، دار البيان دمشق، الأولى 1414 هـ. 937 - بدائع الفوائد - دار الكتاب العربي، بيروت. 938 - التبيان في أقسام القرآن - دار الفكر. 939 - تحفة المودود بأحكام المولود - تحقيق بشير عيون، دار البيان، دمشق، الثانية 1407 هـ. 940 - تهذيب سنن أبي داود - تحقيق أحمد شاكر ومحمد الفقي، دار المعرفة، بيروت "مطبوع مع معالم السنن". 941 - جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمَّد خير الأنام - تحقيق مشهور آل سلمان، دار ابن الجوزي، الدمام، الثانية 1419 هـ. 942 - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - تحقيق السيد الجميلي، دار الكتاب العربي، الأولى 1405 هـ. 943 - الداء والدواء "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" - تحقيق علي الحلبي، دار ابن الجوزي، الدمام، الثالثة 1419 هـ. 944 - الروح - تحقيق د. بسام العموش، دار ابن تيمية، الرياض، الأولى 1406 هـ. 945 - روضة المحبين ونزهة المشتاقين - تحقيق د. السيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، الثانية 1407 هـ. 946 - زاد المعاد في هدي خير العباد - تحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، السابعة 1405 هـ. 947 - شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - تعليق الحساني حسن، دار التراث، القاهرة. 948 - الصلاة وحكم تاركها - تحقيق تيسير زعيتر، المكتب الإِسلامي، بيروت، الثانية 1405 هـ.
949 - الصواعق المرسلة علي الجهمية والمعطلة - تحقيق د. علي الدخيل الله، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1408 هـ. 950 - طريق الهجرتين وباب السعادتين - تحقيق عمر محمود، دار ابن القيم، الدمام، الأولى 1409 هـ. 951 - عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين - تحقيق نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1403 هـ. 952 - الفروسية - تحقيق مشهور آل سلمان، دار الأندلس، حائل، الأولى 1414 هـ. 953 - فوائد حديثية: تحقيق مشهور آل سلمان، دار ابن الجوزي، الدمام الأولى 1416 هـ. 954 - الفوائد - تحقيق محمَّد الخشب، دار الكتاب العربي، بيروت، الثانية 1406 هـ. 955 - الكلام على مسألة السماع - تحقيق راشد الحمد، دار العاصمة، الرياض، الأولى 1409 هـ. 956 - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين - تحقيق محمَّد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت 1392 هـ. 957 - مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة، تحقيق علي حسن الحلبي، دار ابن عفان، السعودية، الأولى 1416 هـ. 958 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف، تحقيق أحمد شافي، دار الكتب العلمية 1408 هـ. 959 - النونية - تحقيق زهير الشاويش - المكتب الإِسلامي، بيروت، الثالثة 614 هـ "مع شرح ابن عيسى". 960 - هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - تحقيق مصطفى الشلبي، مكتبة السوادي، جدة، الأولى 1408 هـ. 961 - الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب - تحقيق بشير عيون، دار البيان - دمشق.