الطراز المرقوم للجمزوري

سليمان الجمزوري

الطراز المرقوم بشرح الدر المنظوم للشيخ العالم العلامة سليمان بن حسين بن محمد الجمزوري الشهير بالأفندي حققه بهاء أنور ... أبو المنذر المنياوي

مقدمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. أما بعد، .. فهذه رسالة تتعلق بمسائل المأموم المعذور على المذهب الشافعي كتب على طرتها: "رسالة في مسائل المأموم والمسبوق" ونسبت خطأ للعلامة السمهودي - رحمه الله - وقد شرعت في تحقيقها وبيان نسبتها مستعينا بالله العلي العظيم. حول عنوان ومؤلف الرسالة: كتب على طرتها بخط حديث وهو غالبا خط مفهرس المخطوطات: رسالة في مسائل المأموم والمسبوق للشيخ علي بن عبد الله بن أحمد الحسني الشافعي السمهودي. وهو نفس العنوان الموجود في فهرس الكتب الموجودة في المكتبة الأزهرية (2/ 535) وزاد: "أولها: الحمد لله الذي وفق للطاعة من شاء من الأنام إلخ - نسخة ضمن مجموعة من مجلد بخطوط مختلفة آخرها سنة 1283 هـ في 231 ورقة، ومسطرتها مختلفة - 24 سم (من ورقة 183 - 206) [2903] أمبابي 48382". وعند البدء في نسخ المخطوطة تبين بما لا يدع مجالا للشك أنها ليست للسمهودي (844: 911) هـ فقد ذكر في بداية الشرح أنه أسمع شيخه وأستاذه الشيخ نور الدين علي الميهي (توفي 1204 هـ) نظمه الذي يقوم بشرحه، ومع تقدم النسخ نجد أنه ينقل عن علماء شافعيين ماتوا بعد وفاة السمهودي كـ: الجمل توفي 1204 هـ، والبرماوي توفي 1106 هـ، والشبراملسي توفي 1087 هـ وغيرهم. ثم بالبحث فيما وقفت عليه من فهارس للمخطوطات لم أقف على رسالة يناسب عنوانها محتوى الرسالة سوى لرسالة: الطراز المرقوم بشرح الدر المنظوم للجمزري، الشهير بالأفندي، وهي شرح لنظمه الموسوم بالدر المنظوم في عذر المأموم. وقد ترجح عندي أنها هي رسالتنا موضوع التحقيق لأمور منها:

- أن النظم والشرح لمؤلف واحد كما هو الحال في رسالتنا حيث قال في مقدمتها: "فلما كانت مسائل المأموم المعذور كثيرة الحصول عسيرة الوصول خصوصا على مثلي ممن ليس له معقول أحببت إفرادها بنظم عجيب، وشرح عليه غريب؛ ليقرب علي بعض ذلك، ويسهل علي ما هنالك، وقد شرعت الآن في الشرح بعد أن سمعت النظم المذكور وسمعه شيخي وأستاذي الذي هو بالفضل مشهور سيدي الشيخ نور الدين علي الميهي ... " - أن ذكر أن شيخه هو الميهي كما ذكر في تحفة الأطفال حيث قال هناك: سميته بتحفة الأطفال ... عن شيخنا الميهى ذي الكمال - أن مؤلف الرسالة شافعي كالشيخ الجمزوري. - أنه ينقل عن علماء شافعيين معاصرين له، أو ماتوا قبله. - أن الفراغ من تأليف هذه الرسالة كان قريبا من الفراغ من تحفة الأطفال، حيث ذكر أنه انتهي من تحفة الأطفال 1198 هـ، ومن رسالتنا 1201 هـ وكلاهما قبل وفات شيخه الميهي. - أنه استخدم نفس طريقة الحساب - وسوف يأتي شرحها في محلها بإذن الله - في حساب أبيات التحفة، والدر المنظوم في عذر المأموم، حيث قال في التحفة أبياته ند بدا لذى النهى ... تاريخه بشرى لمن يتقنها وقال في منظومتنا: أبياته لب فبادر واحفظن ... فلحافظه أرخت رضي الله عنه - أن المؤلف كان متصوفا يتبع الطريقة الشاذلية كما سيأتي في ترجمته، وقد ظهر تأثره بذلك حيث قال في رسالتنا موضوع التحقيق:" نسأل الله حسن القبول وبلوغ المأمول، بجاه أشرف نبي ورسول". - إبراز المؤلف لمحتوى الرسالة وبيان وجه المناسبة بينها وبين عنوانها حيث قال: " فلما كانت مسائل المأموم المعذور" ورسالتنا كما سبق هي شرح لنظمه: الدر المنظوم في عذر المأموم. عملي في المخطوط: 1 - قمت بنسخ المخطوط، وتصحيح نسبتها. 2 - شرح غريب بعض الألفاظ بالرجوع إلى كتب المعاجم والغريب. 3 - قمت بالترجمة لغير المشهورين من العلماء ممن ورد ذكرهم في الرسالة. 4 - التعريف ببعض الكتب التي ينقل عنها المؤلف. 5 - بالنسبة لتخريج الأحاديث والآثار فلم أجد بالرسالة إلا حديثا واحدا بمعناه في الصحيحين.

ترجمة المؤلف

ترجمة المؤلف (¬1): اسمه ونسبه: هو سليمان بن حسين بن محمد بن شلبي الجمزورى الشهير بالأفندى. والجمزورى نسبة إلى جمزور بالميم قريبة من طنطا على بعد 4 أميال وهى بلدة أبيه من إقليم المنوفية بجمهورية مصر العربية. مولده: ولد بطنتدا (طنطا) فى ربيع الأول سنة بضع وستين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية. صفاته: كان معظما لشيخه الميهي، متواضعا في نفسه، لين الجانب مع قرنائه. شيوخه كان الجمزورى شافعى المذهب تفقه على كثير من مشايخ كثيرين من طنطا، أحمدي الخرقة، شاذلي الطريقة كما ذكر الضباع والمرصفي. وأشهر شيوخه في القرآن نور الدين علي بن عمر بن حمد بن عمر ناجي بن فُنيْش الميهي (المتوفى سنة 1204هـ) وعنه تلقى التجويد وأخذ القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة وكان تلميذا لسيدي مجاهد الأحمدي وهو شيخه الذي لقبه بالأفندي، وهي كلمة تركية يشار بها للتعظيم والإجلال. وغيرهما من الشيوخ. مؤلفاته: 1 - تحفة الأطفال في تجويد القرآن نظم. 2 - فتح الإقفال بشرح تحفة الأطفال. 3 - نظم كنز المعانى بتحرير حرز الأمانى بتحقيق الشيخ عبد الرزاق بن علي موسى عضو لجنة مراجعة المصحف بالمدينة. 4 - الفتح الرحمانى بشرح كنز المعانى فى القراءات السبع بعناية المحقق السابق نفسه. 5 - جامع المسرة فى شواهد الشاطبية والدرة. 6 - منظومة في رواية الإمام ورش. 7 - الدر المنظوم في عذر المأموم. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: إمتاع الفضلاء بتراجم القرّاء فيما بعد القرن الثامن الهجري للساعاتي (2/ 139)، معجم المؤلفين (4/ 258)، فهرست الخديوية (1/ 93)، معجم المطبوعات (1/ 708)، هدية العارفين (1/ 405)، فهرس الأزهرية (1/ 53، 98)، فهرس التيمورية (3/ 62، 63)، إيضاح المكنون (1/ 241، 2/ 159)، اكتفاء القنوع (1/ 122).

وفاته

8 - الطراز المرقوم بشرح الدر المنظوم، وهما موضوع التحقيق. وفاته: لا يعرف بالتحديد سنة وفاته لكن آخر ما عُرف أنه كان حيا سنة 1208 هـ، وهي سنة التي أتم فيها كتاب الفتح الرحماني. وصف النسخة الخطية: يوجد هذا المخطوط ضمن مخطوطات الأزهر الشريف، ضمن مجموعة في مجلد مكون من 231 ورقة ومسطرتها مختلفة - 24 سم، 2903 أمبابي [48384]. ورسالتنا موضوع التحقيق تقع ما بين ورقة 183: 206 في 24 ورقة. الوجه الثاني من الورقة الأولى به عنوان الرسالة على وجه الخطأ كما سبق. وكل ورقة صفحتان، في كل صفحة حوالي 19 سطر، في كل سطر ما بين 8: 10 كلمات، ما عدا الوجه الأخير من الصفحة الأخيرة ففيه خاتمة الرسالة. صورة الصفحة الأولى وبها العنوان على وجه الخطأ: صورة الوجه الأول من الصفحة الثانية: :

صورة الوجه الثاني من الصفحة الأخيرة

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله الذي وفق من شاء من الأنام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام كل إمام وآله وأصحابه الأئمة الأعلام، وعلى أتباعه (¬1) المقتدين به في جميع الأحكام، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم القيامة. وبعد .. فلما كانت مسائل المأموم المعذور كثيرة الحصول عسيرة الوصول خصوصا على مثلي ممن ليس له معقول (¬2) أحببت إفرادها بنظم عجيب، وشرح عليه غريب؛ ليقرب علي بعض ذلك، ويسهل علي ما هنالك، وقد شرعت الآن في الشرح بعد أن سمعت النظم المذكور وسمعه شيخي وأستاذي الذي هو بالفضل مشهور سيدي الشيخ نور الدين علي الميهي (¬3) نظر الله إلينا واليه (¬4)، وجعلنا وإياه من المقربين لديه، واقرني بعد ذلك عليه، ودعا له بالنفع ¬

_ (¬1) والصلاة على الآل والأصحاب والأتباع هنا جاءت تبعا للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف العلماء في حكم الصلاة على غير الأنبياء تبعا واستقلالا، وقال ابن القيم في "جلاء الأفهام" (ص: 481) بعد أن عرض الخلاف بين العلماء وناقش أدلتهم: "وفصل الخطاب في هذه المسألة إن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون آله وأزواجه وذريته، أو غيرهم فإن كان الأول: فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وجائزة مفردة. وأما الثاني فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عموما الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم جاز ذلك أيضا، فيقال: اللهم صل على ملائكتك المقربين، وأهل طاعتك أجمعين، وإن كان شخصا معينا، أو طائفة معينة كره أن يتخذ الصلاة عليه شعارا لا يخل به، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه، ولاسيما إذا جعلها شعارا له، ومنع منها نظيره، أو من هو خير منه، وهذا كما تفعل الرافضة بعلي رضي الله عنه، فإنهم حيث ذكروه قالوا: عليه الصلاة والسلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه، فهذا ممنوع لاسيما إذا اتخذ شعارا لا يخل به، فتركه حينئذ متعين، وأما إن صلى عليه أحيانا بحيث لا يجعل ذلك شعارا، كما صلى على دافع الزكاة، وكما قال ابن عمر للميت صلى الله عليه، وكما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة وزوجها، وكما روي عن علي من صلاته على عمر، فهذا لا بأس به، وبهذا التفصل تتفق الأدلة وينكشف وجه الصواب والله الموفق". (¬2) وهذا من تواضعه رحمه الله، وفيه إشارة إلى أن هذه المسائل التي سوف يتكلم عنها لم ينقل فيها أدلة شرعية، وإنما تخضع للرأي والقياس والاجتهاد. (¬3) المِيهِي هو نور الدين علي بن عمر بن أحمد بن عمر بن ناجي بن فنيش العوني الميهي، وهو قارئ متصوف شافعيّ مجود ماهر، وفيه أنس وتواضع وتقشف وانكسار، كان ضريرا، والميهي نِسبة إلى بلدة (الميه) بمحافظة المنوفيَّة بمصر، ولد بها سَنَة ألف ومائة وتسع وثلاثين هجريًّا،، ثم انتقل بعدَ ذلك إلى مدينة طندتا " المسماة اليوم "طنطا" وجلَس فيها في الجامع الأحمدي ودرَّس شيئًا من العلوم والقراءات، حتى تُوفي بها سنة أربع ومائتين وألف من الهجرة. من آثاره: هداية الصبيان لفهم بعض مشاكل القرآن، والرقائق المنظمة على الدقائق المحكمة، انظر ترجمته في: تاريخ الجبرتي (2/ 269)، إيضاح المكنون (4/ 720)، الأعلام (4/ 316)، معجم المؤلفين (7/ 157). (¬4) أي نظر رحمة ومغفرة، والمقصود يوم القيامة.

العام، والقبول التام، نسأل الله حسن القبول وبلوغ المأمول، بجاه أشرف نبي ورسول (¬1)،فقلت مستعينا بالقادر السميع العليم: (بسم الله الرحمن الرحيم) (¬2) أي انظم الأشياء الآتية مستعينا على سبيل البركة ببسم الله الرحمن الرحيم أي بالله واجب الوجود (¬3) لذاته المنعم بجلائل النعم ودقائقها. ¬

_ (¬1) مع أن جاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - عند الله أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين، ولكن جاه المخلوق عند الخالق ليس كجاه المخلوق عند المخلوق فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، والحديث الذي فيه: «إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم» حديث مكذوب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها، وما دام لم يصح فيه دليل فلا يجوز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من كون جاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - عند ربه عظيماً، أن نتوسل به إلى الله تعالى؛ لأن العبادات لا تثبت إلا بدليل صحيح صريح، ومما يؤيد ذلك ترك الصحابة له، مع وجود المقتضي وانتفاء الموانع، وتوسل عمر بدعاء العباس رضي الله عنهم أجمعين. (¬2) بدأ المصنفون كتبهم بالبسملة لأمور: منها - التأسي بفعل الصحابة - رضي الله عنهم - في افتتاحهم المصحف الإمام بالتسمية وتبعهم جميع من كتب المصحف بعدهم في جميع الأمصار، سواء من يقول بأن البسملة آية من الفاتحة، ومن لا يقول ذلك. ومنها - الإقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في مكاتباته إلى الملوك وغيرهم، كما في رسالته - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل، في الحديث المتفق عليه. ومنها - العمل بحديث: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر)، أي ذاهب البركة، والحديث لا يثبت فقد رواه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " (1210) (2/ 69)، ومن طريقه السمعاني في " آداب الإملاء والاستملاء" (ص/52)، ورواه السبكي في "طبقات الشافعية" (1/ 6) - كلهم - من طريق أحمد بن محمد بن عمران - وأسقطه السمعاني - عن محمد بن صالح البصري عن عبيد بن عبدالواحد بن شريك عن يعقوب بن كعب الأنطاكي عن مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا به. وأحمد بن محمد بن عمران، هو المعروف بالجنيدي، قال عنه الخطيب في "تاريخه": كان يضعف في روايته، وقال الزهري: ليس بشيء. وقد أفرد العلماء هذا الحديث بالتصنيف، وقد حكم عليه الشيخ الألباني - رحمه الله - في الإرواء (1) (1/ 29) بأنه ضعيف جداً، وقد اختلف العلماء في جواز العمل بالحديث الضعيف في باب فضائل الأعمال، وقد أجازه البعض بشروط، والذي يترجح لي هو المنع مطلقاً، وانظر " القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" للحافظ السخاوي، ومقدمة " صحيح الترغيب والترهيب " للشيخ الألباني، وبحث "تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف" للدكتور: عبد العزيز عبدالرحمن بن محمد العثيم. فائدة: قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 9): [وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالبسملة، وكذا معظم كتب الرسائل، واختلف القدماء فيما إذا كان الكتاب كله شعرا، فجاء عن الشعبي منع ذلك، وعن الزهري قال: مضت السنة أن لا يكتب في الشعر بسم الله الرحمن الرحيم، وعن سعيد بن جبير جواز ذلك، وتابعه على ذلك الجمهور، وقال الخطيب: هو المختار] وقال البهوتي في المنح الشافية شرح المفردات الوافية: "لكن نقل بن الحكم لا تكتب أمام الشعر ولا معه، وذكر الشعبي أنهم يكرهونه، قال القاضي: لأنه يشوبونه الكذب والهجو غالباً انتهى قلت: فيؤخذ من تعليل القاضي أن المراد الشعر غير ما يكون في المسائل العلمية". (¬3) الفلاسفة المتأخرون غالب ما يسمون الرب - تعالى - بواجب الوجود، وقلدهم في ذلك متأخرو الأشاعرة، وهذا غير صحيح؛ لعدم ورود هذا اللفظ، فضلاً عن أن يكون من الأسماء الحسنى. وأهل السنة قد يطلقون واجب الوجود على الله، من باب الإخبار عن الله، وذلك في المناظرات، والمناقشات، مع من يستخدم هذا اللفظ. كما أنهم يرون أن الوجوب الذي دل عليه الدليل هو وجوده - سبحانه - بنفسه، واستغناؤه عن موجد. بينما يضيف الفلاسفة إلى هذا اللفظ معاني أخرى غير صحيحة. يقول شيخ الإسلام عن ابن سينا: "فسلك طريق تقسيم الوجود إلى الواجب والممكن، كما يقسمونه هم إلى القديم والمحدث وتكلم على خصائص واجب الوجود بكلام بعضه حق وبعضه باطل، لأن الوجوب الذي دل عليه الدليل، إنما هو وجوده بنفسه، واستغناؤه عن موجد، فحمل هو هذا اللفظ ما لا دليل عليه، مثل عدم الصفات، وأشياء غير هذه. وهذا اشتقه من كلام المعتزلة في القديم، فلما أثبتوا قديماً، وأخذوا يجعلون القدم مستلزماً لما يدعونه من نفي الصفات، جعلوا الوجود الذي ادعاه، كالقدم الذي ادعوه، وليس في واحد منهما ما يدل على مقصود الطائفتين". ولفظ واجب الوجود فيه إجمال؛ فقد يراد به الموجود بنفسه، الذي لا فاعل له، ولا علة فاعلة له، وذات الرب - عز وجل - وصفاته واجبة الوجود بهذا الاعتبار. ويراد به مع ذلك المستغني عن محل يقوم به، والذات بهذا المعنى واجبة دون الصفات. ويراد به ما لا تعلق له بغيره، أو ما لا يلازم غيره لينفوا بذلك صفاته اللازمة له وهذا باطل. ولذلك لابد من الاستفصال عن المراد بهذا اللفظ".

(حمدا لربي) (¬1) أي احمد ربي حمدا فحمدا مصدر [ق184/ب] نائب عن التلفظ بالفعل أي اثني عليه بجميل صفاته نائب عن التلفظ بالفعل أي اثني عليه بجميل صفاته والرب يطلق على الخالق والمالك وغيرهما (¬2) وهو تعالى مستحق لجميع المحامد وجمعت كغيري بين البسملة والحمدلة إشارة إلى عدم التعارض بين روايتهما على ما ¬

_ (¬1) البدء بالحمدلة فيها نحو الوجوه الثلاث السابقة فقد ابتدأ الصحابة كتابة المصحف الإمام بالفاتحة، وهي تبدأ بالحمد بعد البسملة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبدأ خطبته بالحمد، وأيضاً قد ورد في ذلك حديث مرسل لا يثبت، رواه أبو داود (4840) (4/ 262) وقال: (رواه يونس، وعقيل، وشعيب وسعيد بن عبدالعزيز عن الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً)، وكذا صوب الدارقطني الإرسال في الحديث في سننه (1/ 229) ولفظه: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع)، وقد اشتهر الكلام على هذا الحديث وانظر الإرواء (2) (1/ 32). (¬2) قال المودودي في "المصطلحات الأربعة في القرآن" (ص: 24): (كلمة الرب مشتملة على جميع ما يأتي بيانه من المعاني: المربي الكفيل بقضاء الحاجات، والقائم بأمر التربية والتنشئة، الكفيل والرقيب، والمتكفل بالتعهد وإصلاح الحال، السيد الرئيس الذي يكون في قومه كالقطب يجتمعون حوله، السيد المطاع، والرئيس وصاحب السلطة النافذ الحكم، والمعترف له بالعلاء والسيادة، والمالك لصلاحيات التصرف، الملك والسيد. ثم قال: وقد جاءت كلمة الرب في القرآن بجميع ما ذكرناه آنفاً من معانيها ...) ثم أخذ يسوق هذه المواضع. وقال ابن منظور: "لا يطلق غير مضاف إلا على الله- عز وجل- وإذا أطلق على غيره أضيف، فقيل: ربُّ كذا ... "

هو مبين في محله (¬1). (والصلاة) أي وأطلب من الله زيادة رحمته (¬2) المقرونة بالتعظيم الشاملة للسلام (سرمدا) أي دائما (على) سيدنا (محمد) المحمود في السموات والأرضين (و) على (من به اقتدى) أي تبعه نسبا وحسبا وأقوالا وأفعالا فيعم الآل والصحب والقرابة وكل مؤمن. وفي البيت براعة الاستهلال (¬3). (وبعد) يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر والإتيان بها أوائل الكتب سنة (¬4) كأصلها وهي هنا ظرف مبني على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه (¬5)، أي بعد ما تقدم من الثناء على الله وعلى رسوله (هذا) أي فأقول هذا المستحضر في الذهن استحضارا قويا حتى صار كالمحسوس، وحذف الفاء هنا ليس ضرورة لحذفها كما هو مبسوط في محله، (ضبط) أي حفظ وحصر عدد (مأموم عذر) أي حصل له عذر (¬6) يوجب تخلفه عن إمامه لقراءة ¬

_ (¬1) ظاهر صنيع الناظم هنا من البدء بالبسملة، ثم التثنية بالحمدلة، يحتاج لتوجيه للجمع بين الحديثين السابق ذكرهما آنفا- على فرض ثبوتهما، أو عند من يرى جواز العمل بالأحاديث الضعيفة في الفضائل - ووجه الجمع: أن الأولية في البدء بالبسملة أولية حقيقية مطلقة، وأما الأولية في البدء بالحمدلة فهي أولية نسبية، أي بالنسبة لما يأتي بعدها. (¬2) وتفسير الصلاة من الله بالرحمة هو من أشهر معانيها، وقد ضعف ابن القيم في جلاء الأفهام هذا القول من خمسة عشر وجها، واختار أن الصلاة من الله بمعنى الثناء وهو منقول عن أبي العالية، واختاره ابن حجر في الفتح، وغيرهما، وقال عنه السفاريني في اللوامع: أنه في غاية التحقيق. (¬3) أي حسن الابتداء بأن ابتدأ بالبسملة والحمد والصلاة ثم قدَّم كما سيأتي قريبا في ديباجة نظمه، بجملة من الألفاظ والعبارات، يشير بها إشارة لطيفة إلى موضوع نظمه حيث قال: وبعد هذا ضبط مأموم عذر حتى له ثلاث أركان اغتفر عدته عشر مع اثنين أو ثلاث أو أربع ثبت. (¬4) على قول أن أول من قال: أما بعد، داود النبي عليه السلام وكذا لورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ورسائله إلى الملوك. (¬5) أي مع حذف نية معناه، وبعد من ظروف الغاية وهو ظرف مبهم لا يفهم معناه إلا بإضافته إلى غيره. (¬6) والمسألة مفترضة في حصر حالات المأموم الذي حدث له عذر يوجب تخلفه عن إمامه فيغتفر له التخلف حتى ثلاثة أركان طويلة. قال بافضل الحضرمي في " المقدمة الحضرمية " (ص: 93) وهو يتكلم عن شروط صحة الجماعة: "الشرط السابع المتابعة ... وإن تخلف بعذر كبطء قراءة بلا وسوسة واشتغال الموافق بدعاء الافتتاح أو ركع إمامه فشك في الفاتحة أو تذكر تركها أو أسرع الإمام قراءته عذر إلى ثلاثة أركان طويلة فإن زاد نوى المفارقة أو وافقه وأتى بركعة بعد سلامه هذا في الموافق وهو من أدرك مع الإمام قدر الفاتحة وأما المسبوق إذا ركع الإمام في فاتحته فإن اشتغل بسنة كدعاء الافتتاح أو التعوذ قرأ بقدرها ثم إن أدركه في الركوع أدرك الركعة وإلا فاتته ووافقه يأتي بركعة وإن لم يشتغل بسنة قطع القراءة وركع معه".

(فالأول) المأموم (البطيء في القراءة للعجز)

الفاتحة (حتى له ثلاث أركان (¬1) اغتفر) بترك تنوين أركان للوزن أي احتمل التخلف [ق185/أ] بها عن إمامه بسبب عذره (عدته) أي المذكور (عشر) وواحد كما اقتصر عليه بعضهم، أو عشر (مع اثنين أتت) أي العدة كما اقتصر عليه بعض أخر، أو عشر (وثلاث) كما اقتصر عليه العلامة العزيزي (¬2) في نظمه، (أو) عشر (وأربع) كذلك، أو عشر وخمسة كل هذا (ثبت) بالاستقراء (¬3) من كلام العلماء - رضي الله عنهم (¬4) - وسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى وقد أخذت في بيانها فقلت: (فالأول) المأموم (البطيء في القراءة للعجز) الخلقي كثقل لسانه وسيأتي ضابط البطيء (والترتيل) أي وللترتيل أي تجويد القراءة وإحكامها بحيث لا يسمى فاعل ذلك مسرعا (لا) لأجل (الوسوسة) الظاهرة التي ¬

_ (¬1) أي طويلة كما ذكر غير واحد، وانظر: المقدمة الحضرمية (ص/ 96)، فتح الوهاب (1/ 79)، غاية البيان (ص/84) وغيرهم. وقال الجويني في "نهاية المطلب" (1/ 91): "فالصلاة تشتمل على أركانٍ طويلةٍ وأركانٍ قصيرة، أما الطويلة، فالقيام، والركوع، والسجود، والقعود للتشهد، فمن تناهى في تطويلها، لم يضرّه؛ إِذ لا نهاية لآخرها. وأما القصيرة منها، فالاعتدال عن الركوع، والاعتدال عن السجود، وكأنهما موضوعان للفصل، فالاعتدال على هيئة القيام يفصل الركوع عن السجود، والقعود بين السجدتين يفصل إِحداهما عن الأخرى، وترك الموالاة في الصلاة معناه تطويل الفواصل قصداً، وذلك مبطلٌ للصلاة". (¬2) هو علي بن أحمد بن محمد العزيزي البولاقي الشافعيّ: فقيه مصري، من العلماء بالحديث. مولده العزيزية (من الشرقية، بمصر) وإليها نسبته. ووفاته ببولاق عام 1070 هـ، له كتب منها: السراج المنير بشرح الجامع الصغير في الحديث، حاشية على شرح التحرير لزكريا الانصاري، وحاشية على شرح الغاية لابن قاسم سماها الفوائد العزيزية. وله ترجمة في: خلاصة الأثر (3/ 201)، ومعجم المؤلفين (7/ 24)، والأعلام (4/ 258)، وغيرها. وقد نظم هذه الأعذار ابتدئها بقوله: إنْ رُمْتَ ضَبْطًا لِلَّذِي شُرِعَا عُذْرٌ ... حَتَّى لَهُ ثَلَاثُ أَرْكَانٍ غُفِرَ مَنْ فِي قِرَاءَةٍ لِعَجْزِهِ بَطِيٌّ ... أَوْ شَكَّ أَنْ قَرَا وَمَنْ لَهَا نَسِي (¬3) أي بالتتبع. (¬4) قال النووي في " المجموع " (6/ 172): "يستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الأخيار فيقال رضي الله عنه أو رحمة الله عليه أو رحمه الله ونحو ذلك، وأما ما قاله بعض العلماء إن قول رضي الله عنه مخصوص بالصحابة ويقال في غيرهم رحمه الله فقط فليس كما قال ولا يوافق عليه بل الصحيح الذي عليه الجمهور استحبابه ودلائله أكثر من أن تحصر".

طال زمنها عرفا (¬1) وسيأتي ضابطها بخلاف الوسوسة الخفية (¬2) وقدرها بعضهم بأن لا تكون قدر ما يسع ركنا قصيرا وقال بعضهم الخفيفة هي التي لا يكون زمنها يسع ركنين فعليين ولو طويلا وقصيرا من الوسط المعتدل والثقيلة ما يسع زمنها ذلك (¬3) ذكره الحلبي (¬4) في حواشي المنهج والمعتمد ما ذكره الشبراملسي (¬5) في حاشيته على الرملي أن الخفيفة هي التي لا يمضي فيها زمن يسع القيام أو معظمه فإن مضى فيها ذلك فثقيلة (¬6) (وهو) أي (¬7) والحالة أنه أي المأموم موافق لإمامه وسيأتي ضابط الموافقة (وكان أسرعا (¬8)) [ق185/ب] بألف الإطلاق (¬9) (إمامه قراءة وركعا) بألف الإطلاق أي الإمام قبل إتمام الموافق فاتحته فهو معذور فيتخلف و (يتمها) أي يتم المأموم فاتحته (حتما) أي وجوبا على الأصح في الروضة (¬10) وغيرها؛ لأنه أدرك زمنا يسع فلم يكن لتحملها عنه موجب ولأنا لو قلنا يقطع ويركع كما هو مقابل الأصح لأدى إلى أنه يترك الفاتحة في صلاته كلها لبطئ قراءته ¬

_ (¬1) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 223) -تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (2/ 344). (¬2) كذا بالأصل، والصواب: الخفيفة. (¬3) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 506)، حاشية البجيرمي على الخطيب (2/ 125). (¬4) علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي، أبو الفرج، نور الدين ابن برهان الدين: مؤرخ أديب، فقيه، اصولي، لغوي، صوفي. أصله من حلب، ومولده بمصر عام 975 هـ، وتوفي بالقاهرة في آخر يوم من شعبان عام 1044 هـ، له تصانيف كثيرة، منها " إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون " يعرف بالسيرة الحلبية، و " زهر المزهر " اختصر به مزهر السيوطي، و " مطالع البدور " في قواعد العربية، و " غاية الإحسان في من لقيته من أبناء الزمان " و " حاشية على شرح المنهج " في فقه الشافعية، و " فرائد العقود العلوية في حل ألفاظ شرح الأزهرية " نحو، وغير ذلك، انظر ترجمته في: خلاصة الأثر (3/ 122)، الأعلام للزركلي (4/ 251)، معجم المؤلفين (7/ 3). (¬5) علي بن علي الشبراملسي، أبو الضياء، نور الدين: فقيه شافعيّ مصري، أصولي، مؤرخ، مشارك في بعض العلوم. ولد عام 997 هـ، كف بصره في طفولته وهو من أهل شبراملس بالغربية، بمصر تعلم وعلّم بالأزهر، توفي في 18 شوال 1087 هـ. وصنف كتبا، منها " حاشية على المواهب اللدنيّة للقسطلاني "، و " حاشية على الشمائل "، و " حاشية على نهاية المحتاج " في فقه الشافعية. وانظر ترجمته في: الأعلام للزركلي (4/ 314)، الرسالة المستطرفة (ص/ 150)، وخلاصة الأثر (3/ 174 - 177)، معجم المؤلفين (7/ 154). (¬6) حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 144). (¬7) تكررت "أي" بالأصل. (¬8) قال البكري في: إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين" (2/ 40): "والمراد بالإسراع: الاعتدال، فإطلاق الإسراع عليه؛ لأنه في مقابلة البطء الحاصل للمأموم. وأما لو أسرع الإمام حقيقة بأن لم يدرك معه المأموم زمنا يسع الفاتحة للمعتدل فإنه يجب على المأموم أن يركع مع الإمام ويتركها لتحمل الإمام لها، ولو في جميع الركعات". (¬9) وهي ألف تزاد في آخر بيت الشعر عند إشباع الحركة، وتسمى ألف الإطلاق. (¬10) كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/ 371) لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ).

وسرعة قراءة الإمام (و) بعد أن يتمها (يسعى خلفه) أي خلف إمامه على ترتيب نفسه (ما لم يزد على ثلاث) من الأركان (خُلْفُه) بضم الخاء المعجمة والفاء وسكون اللام أي تخلفه عن إمامه أي ما لم يسبقه إمامه بأكثر من ثلاثة أركان طويلة وهي الركوع والسجود الأول والسجود الثاني فلا يحسب منها الاعتدال ولا الجلوس بين السجدتين. وهل يلزمه حينئذ أن يقتصر على أقل واجب الأركان أو يفعل مندوباتها فيه نظر والأقرب الثاني كما يندب التخلف لجلسة الاستراحة فلو سعى خلفه وقام من السجود فوجد إمامه راكعا وأدرك معه الركوع حسبت ركعته وسقطت عنه الفاتحة أو بعضها كالمسبوق (¬1) وإن أدركه بعد الركوع وافقه فيما هو فيه وفاتت هذه الركعة دون التي أتى بها [ق186/أ] على ترتيب صلاة نفسه (¬2) فإذا فرغ المأموم من الفاتحة والإمام في السجدة الأخيرة فرفع رأسه بعد شروع المأموم في الركوع أتم المأموم ركعته وحده ثم قام وأدرك الإمام في الركعة الثانية فإذا أسرع الإمام في القراءة وسجد قبل سجود المأموم في الأولى وجب عليه موافقته في هذا السجود وحصلت له ركعة ملفقة (¬3) وفاتت الثانية فإذا قام المأموم للثانية بعد إن سعى خلف إمامه وأدرك زمنا يسع الفاتحة فركع الإمام قبل إتمامه لبطئه فعل كما فعل في الأولى كذلك حكم الثالثة والرابعة وعلى هذا فقدوته في سائر الأركان قدوة حكمية (¬4) وفي الإحرام والسلام وبعض القيام قدوة حيثية (¬5). تنبيه إنما سمي بطيئا؛ لأنه في مقابلة إسراع الإمام كما أن الإمام سمي مسرعا؛ لأنه في مقابل بطء المأموم فالمراد بإسراعه اعتداله أما لو أسرع حقيقة بأن لم يدرك المأموم معه زمنا يسع الفاتحة للمعتدل فإنه يجب على المأموم ولو بطيء القراءة أن يركع معه وتحسب له الركعة ولو وقع له ذلك في جميع الركعات فلو تخلف لإتمام الفاتحة حتى رفع الإمام رأسه من الركوع أو ركع معه ولم يطمئن قبل ارتفاعه عن أقل الركوع (¬6) [ق186/ب] فاتته الركعة فيتبع الإمام فيما هو فيه ويأتي بالركعة بعد سلام الإمام. أما الوسوسة الظاهرة وهي ما تؤدي إلى التخلف بركنين فعليين وبما يسع القيام أو معظمه على ما مر فليست عذرا فله أن يخل لإتمام الفاتحة ما لم يقرب من فراغ الركن الثاني ولا يسقط عنه شيء منها كتعمده تركها وإلا تعينت عليه المفارقة حيث بقي عليه شيء منها لبطلان صلاته بشروع الإمام فيما بعد الركن الثاني والأوجه عدم الفرق بين استمرار الوسوسة بعد ركوع إمامه أو تركه لها بعده إذ تفويت إكمالها قبل ركوع إمامه نشأ عن تقصيره بترديده الكلمات من غير بطء خلقي في لسانه سواء نشأ ذلك من تقصيره في التعليم أم في شكه في إتمام الحروف أي بعد فراغه من الفاتحة فلا يفيده تركها بعد ركوع إمامه رفع ذلك التقصير خلافا لبعضهم حيث بحث أنه لو ترك الوسوسة بعد ركوع إمامه أغتفر له التخلف لإتمامها ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة؛ لأنه لا تقصير منه الآن أي فهو معذور ذكره الحلبي، بل نقل القمولي (¬7) في الجواهر عن النووي أنه يتخلف للوسوسة الظاهرة مطلقا وكل أحكامه كمن تخلف لعذر ولكن لم يرتضه ابن العماد (¬8). [ق187/أ] تنبيه ما تقرر في الترتيل هو ما جرى عليه ابن العماد في كتابه القول التام (¬9) وأما غيره فجعل حكمه كالوسوسة الظاهرة (¬10) فليراجع. وأما لو زاد خلفه على ثلاثة أركان طويلة والمراد أن يكون السبق بثلاثة والإمام في الرابع أو ما هو على صورته كأن تخلف بالركوع والسجدتين والإمام في القيام أو في التشهد بأن لم يفرغ من الفاتحة إلا والإمام قائم عن السجود أي متلبس بالقيام بأن وصل إلى محل مجزي فيه القراءة وإن تقدمه جلسة الاستراحة أو جالس للتشهد الأخير وكذا الأول؛ لأنه على صورته فإنه يتبعه فيما هو فيه من قيام أو جلوس للتشهد وفاتت ركعته فيتدارك بعد سلام إمامه ما فاته كمسبوق على المعتمد وقيل يفارقه بالنية وجوبا لتعذر الموافقة انتهى (¬11). ¬

_ (¬1) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 573). (¬2) حاشية البجيرمي على شرح المنهج (1/ 339). (¬3) أي مكونة من قيام وركوع الأولى وسجود الثانية وانظر نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 357). (¬4) لوقوع السجود بعد الركوع الثاني للإمام، وانظر فتح العزيز بشرح الوجيز (4/ 571). (¬5) هكذا بالأصل، والصواب "حسية" أي حقيقية، وانظر "كفاية النبيه في شرح التنبيه (4/ 409). (¬6) وأقل الركوع أن ينحني القادر المعتدل الخلقة حتى تبلغ راحتاه ركبتيه. (¬7) هو أحمد بن محمد بن أبي الحرم القرشي المخزومي، نجم الدين القَمُولي، فقيه شافعيّ مصري عارف بالاصول والعربية ناب في الحكم بمصر، وولي الحسبة فيها، من أهل (قمولة) بصعيد مصر. تعلم بقوص ثم بالقاهرة. وولي نيابة الأحكام والتدريس في مدن عدة، والحكم والحسبة بالقاهرة، وتوفي بها في رجب عام 727 هـ، ودفن بالقرافة. له من تصانيفه: شرح الكافية لابن الحاجب في مجلدين سماه تحفة الطالب، البحر المحيط في شرح الوسيط للغزالي في نحو أربعين مجلدة ثم لخص أحكامه في كتاب سماه جواهر البحر في فروع الفقه الشافعي، الروض الزاهر فيما يحتاج إليه المسافر، وغيرها. وله ترجمة في: الأعلام للزركلي (1/ 222)، الدرر الكامنة (1/ 304)، حسن المحاضرة (1: 239)، وغيرها. (¬8) هو محمد بن أحمد بن عماد بن يوسف، أبو الفتح، شمس الدين الأقْفَهْسي: فاضل، من فقهاء الشافعية. ولد بالقاهرة عام 780 هـ، وتوفي بها عام 867 هـ، نسبته إلى " أقفهس " من عمل البهنسا، بمصر. من تصانيفه: الذريعة إلى معرفة الاعداد الواردة في الشريعة، الشرح النبيل الحاوي لكلام ابن المصنف وابن عقيل. وله ترجمة في: الضوء اللامع (7/ 24، 25)، هدية العارفين (2/ 203)، معجم المؤلفين (8/ 302) وغيرها. (¬9) القول التام في أحكام المأموم والإمام طبع بدار الكتب العلمية ببيروت، سنة 1424هـ بتحقيق وتعليق احمد فريد المزيدي. (¬10) قال الجمل في حاشيته على شرح المنهج (1/ 573): " ضابط الوسوسة الظاهرة ما يؤدي إلى التخلف بركنين فعليين". (¬11) انظر: المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية (ص/ 160).

فإن مشي على نظم صلاة نفسه بطل إن تعمد، وعلم التحريم، وإلا فلا لكن لا اعتداد بما أتى به، ولا يعيد القراءة إن وافقه في القيام، أما إذا جلس الإمام للتشهد ولم يتم المأموم الفاتحة، أو أتمها فجلس معه كما هو الواجب عليه ثم قام الإمام إلى الركعة الأخرى فهل يبني المأموم في الأولى على ما قرأه من الفاتحة في الركعة السابقة وبعدها في الثانية الوجه أنه [ق187/ب] لا يجوز البناء؛ لانقطاع قراءته بمفارقة ذلك القيام إلى قيام آخر من ركعة أخرى ويعيدها في الثانية بخلاف ما إذا سجد لتلاوة في أثناء الفاتحة كان تابع إمامه فيها برجوعه بعد السجود معه إلى قيام تلك الركعة بعينه. وأما لو قام الإمام والمأموم في القيام فلا يبعد حينئذ بناؤه على قراءته لعدم مفارقته حينئذ قيامه (¬1) نبه على ذلك ابن قاسم (¬2) في حواشي ابن حجر (¬3)، واعتمد البناء في المسألتين، ونقله عن ابن العماد في القول التمام (¬4) قال الشبراملسي بعد نقله ذلك: أقول وهذا هو الأقرب والقلب إليه أميل. وفي القليوبي (¬5) على الجلال (¬6): وهل يبدئ لها أي لقيام الثانية قراءة أو يكتفي بقراءة الأولى عنها اعتمد شيخنا الثاني إذا لم يجلس وعليه لو فرغ مما لزمه قبل الركوع ركع معه، وفي شرح شيخنا ترجيح الأول وتبعه جماعه وعليه فيترك ما بقي مما لزمه ويشرع في قراءة جديدة للثانية ويأتي فيها ما وقع له في الأولى وهكذا على الثاني أيضا لو لم يفرغ مما لزمه إلا في الرابعة تبعه ويغتفر له في كل ركعة ثلاثة أركان؛ لأنه بموافقة الإمام في أول القيام تجدد له حكم مستقل وإن لم يقصد موافقته بل وإن قصد [ق188/أ] مخالفته. أهـ (¬7) وعبارة ابن قاسم: واعلم أنه هل يشترط التبعية أو يشترط أن لا يقصد البقاء على نظم صلاة نفسه أو لا يشترط شئ من ذلك الذي يظهر الثالث فلا يشترط قد (¬8) التبعية ولا عدم قصد البقاء على نظم صلاته بل يكفي وجود التبعية بالفعل (¬9) (¬10) بأن يستمر معه ولا يمشي على نظم صلاته بل لو قصد بعد تلبس الإمام بالقيام المشي على نظم صلاته ينبغي ألا تبطل صلاته بمجرد هذا القصد؛ لأن مجرد القصد المبطل لا يبطل كما لو قصد أن يخطو ثلاث خطوات متوالية (¬11) لم تبطل صلاته قبل الشروع. بقي أنه إذا كان ركع الإمام ورفع قبل إتمام ما عليه فأتمه وركع هل يكون مدركا للركعة؛ لأن الركعتين في حقه كالركعة الواحدة وقد كان موافقا أو له حكم المسبوق فيه نظر. وقد يتجه الأول سيما وقد أدرك هذه الركعة مع الإمام من ابتداءها ومن أدرك مع الإمام الركعة من ابتداءها لا يكون إلا موافقا فليحرر. وكذا لو أسرع الإمام قراءته وركع قبل إتمام ما عليه هل يتخلف كبطيء القراءة فيه نظر فليحرر قاله ابن قاسم (¬12) ومقتضى قول الرملي فيما سبق: ما لم يسبق بالأكثر أيضا يقتضي أنه في الركعة الثانية ¬

_ (¬1) إعانة الطالبين (2/ 41)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (2/ 347)، حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 575). (¬2) هو أحمد بن قاسم الصبّاغ العبّادي ثم المصري الشافعيّ الأزهري، شهاب الدين: فاضل من أهل مصر، مات بمكة مجاورا عام 992 هـ. له حاشية على شرح جمع الجوامع في أصول الفقه سماها (الآيات البينات)، وشرح الورقات لإمام الحرمين، وحاشية على شرح المنهج، وله ترجمة في: الأعلام للزركلي (1/ 198)، شذرات الذهب (8: 434). (¬3) أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري الشافعي، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس: فقيه باحث مصري، مولده عام 909 هـ في محلة أبي الهيتم (من إقليم الغربية بمصر) وإليها نسبته، وتوفي عام 974 هـ. له تصانيف كثيرة منها: (مبلغ الأرب في فضائل العرب)، (الصواعق المحرقة على أهل البدع والضلال والزندقة)، (تحفة المحتاج لشرح المنهاج)، (الفتاوي الهيتمية)، (كف الرعاع عن استماع آلات السماع)، (الزواجر عن اقتراف الكبائر) وغيرها .... انظر ترجمته في: النور السافر (ص/278)، آداب اللغة (3/ 334)، الأعلام للزركلي (1/ 234). (¬4) القول التمام في أحكام المأموم والإمام. تأليف شمس الدين محمد بن أحمد بن العماد، طبع بمكتبة القرآن بالقاهرة عام 1989م. (¬5) أحمد بن أحمد بن سلامة، أبو العباس، شهاب الدين القليوبي، توفي أواخر شوال عام 1069 هـ، فقيه شافعي متأدب، من أهل قليوب بمصر، له حواش وشروح ورسائل، أهم مصنفاته: تحفة الراغب، فضائل مكة والمدينة وبيت المقدس، الهداية من الضلالة في معرفة الوقت والقبلة من غير آلة، حاشية على جمع الجوامع , حاشية على شرح الجلال المحلي على منهاج النووي. وله ترجمة في: الأعلام (1/ 88)، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (1/ 175) معجم المؤلفين (1/ 148). (¬6) محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلي الشافعيّ: أصولي، مفسر. مولده بالقاهرة عام 791 هـ، ووفاته بها عام 864 هـ، عرّفه ابن العماد بتفتازاني العرب، كان مهيبا صدّاعا بالحق، يواجه بذلك الظلمة الحكام، ويأتون إليه، فلا يأذن لهم، وعرض عليه القضاء الأكبر فامتنع. وصنف كتابا في التفسير أتمه الجلال السيوطي. فسمي " تفسير الجلالين " و " كنز الراغبين "، "شرح المنهاج في فقه الشافعية" و " البدر الطالع، في حل جمع الجوامع - " وغيرها، وله ترجمة في: حسن المحاضرة (1: 252)، وشذرات الذهب (7: 303)، والضوء اللامع (7: 39 - 41)، الأعلام (5/ 333). (¬7) حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 286) الحاشيتان على شرح جلال الدين المحلي على المنهاج، ويشير بقوله: شيخنا الإمام الرملي كما صرح به في عدة مواضع بالحاشية. (¬8) هكذا بالأصل والصحيح قصد. (¬9) بالأصل: "كالفعل" وصوبت على هامش الصفحة وعليها علامة تصويب. (¬10) تحفة المحتاج (2/ 347)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 226)، حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 574). (¬11) قال ابن قاسم في حاشيته على "تحفة المحتاج" (2/ 152): (يحصل البطلان بمجرد الشروع في الفعل المحقق للكثرة كتحريك الرجل للخطوة الثالثة ما لم يقصد الكثير ابتداء فتبطل بالشروع فيه كالشروع في الخطوة الأولى من ثلاث خطوات متوالية قصدها ابتداء). (¬12) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 575).

والثاني من يشك بضم الشين أي الشاك قبل ركوع إمامه

[ق188/ب] للإمام يباح له التخلف بثلاثة أركان طويلة فيكون في الثانية معذورا كما عذر في الأولى ويحتمل خلافه انتهى (¬1). فلو كان السبق بأربعة أركان طويلة والإمام في الخامسة (¬2) كأن تخلف بالركوع والسجدتين والقيام والإمام حينئذ في الركوع بطلت صلاته قاله البلقيني (¬3) وأقره الرملي. وهل يعد في صلاة الكسوف الركوعان شيئين أو شيئا واحدا الوجه هو الأول؛ لأنهما ركنان ولو سلم فهما فعلان طويلان والفعل كالركن بدليل أنه لو تخلف بلا عذر عن سجود الإمام بطلت بهوي الإمام للسجدة الثانية وحينئذ فإذا تخلف عن القيام لبطئ قراءته مثلا لزمه موافقة الإمام إذا رفع من السجدة الأولى قبل إتيانه بما عليه كذا في حواشي التحفة انتهى (¬4). والثاني من يشك بضم الشين أي الشاك قبل ركوع إمامه في أنه هل قرا بإبدال الهمزة ألفا بعد سكونها لنية الوقف أو بتخفيفها ساكنة كذلك فاتحته أم لا فإنه معذور فيجب تخلفه لقراءتها لبقاء محلها ويسعى خلفه ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة كما مر في بطئ القراءة ومثل الشك العلم بالترك بالأولى وكذا لو شك بعد ركوعه وقبل ركوع إمامه فإنه يلزمه العود لقراءتها [ق189/ 1] ويوجه بأن ركوعه هنا يسن أو يجوز له تركه والعود للإمام فكان ذلك بمنزلة شكه قبل أن يركع بالكلية صرح به الزيادي (¬5) نقلا عن ابن حجر (¬6) فلو كان الشك أو العلم بعد ركوعهما لم يعد إليها لفوات بل يتبع إمامه وتفوت الركعة فيتداركها بعد سلام الإمام (¬7) لكنه يسجد للسهو وإنما سجد في هذه؛ لأن ما فعله مع التردد بعد سلام الإمام محتمل للزيادة بخلاف التذكر فلم ¬

_ (¬1) - حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 574) (¬2) وفي الحاشية: "كما في أصله". والصواب أن يقال: "والإمام في الخامس"، أي والإمام في الركن الخامس. (¬3) عمر بن رسلان بن بصير، السراج البلقيني ثم القاهري الشافعي. ولد سنة أربع وعشرين وسبعمائة ببلقينة، توفي رحمه الله سنة خمس وثمانمائة بالقاهرة. وقع الاتفاق على أنه أحفظ أهل عصره وأوسعهم معارفا وأكثرهم علوما، قال ابن حجي: كان أحفظ الناس لمذهب الشافعي واشتهر بذلك وطبقة شيوخه موجودون، من كتبه: التدريب، وتصحيح المنهاج، والملمات برد المهمات، ومحاسن الاصطلاح، وانظر ترجمته في: البدر الطالع (1/ 506)، الضوء اللامع (6/ 85)، الأعلام (5/ 45)، ومعجم المؤلفين (7/ 283). (¬4) انظر: الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (1/ 433). (¬5) علي بن يحيى الزِّيَادي المصري، نور الدين: فقيه، انتهت إليه رياسة الشافعية بمصر، نسبته إلى محلة زياد بالبحيرة. كان مقامه ووفاته في القاهرة توفي 5 ربيع الأول 1024 هـ. من تصانيفه: حاشية على شرح المنهج لزكريا الانصاري، شرح المحرر للرافعي وله ترجمة في: الأعلام للزركلي (5/ 32) معجم المؤلفين (7/ 260)، خلاصة الأثر (3: 195). (¬6) انظر: حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 286). (¬7) انظر: نهاية الزين (ص: 125).

يفعل معه محتملا للزيادة بعد سلام الإمام وإنما هو جبر لما وقع مع الإمام (¬1) فإن عاد عامدا عالما بطلت صلاته ويأتي ذلك في كل ركن علم المأموم تركه أو شك فيه بعد تلبسه بركن بعده يقينا أي وكان في التخلف له فحش مخالفة فيوافق إمامه ويأتي بدله بركعة بعد سلامه (¬2) وإذا تبعه ثم تذكر بعد قيامه للثانية أنه قرأ الفاتحة في الأولى حسب سجوده وتمت به ركعته، وإن كان فعله على قصد المتابعة وهذا بخلاف ما لو شك الإمام أو المنفرد بعد الركوع ولم يعودا للقيام بل سعيا على نظم صلاتهما فإن صلاتهما تبطل بذلك إن كانا عالمين بالحكم فإذا تذكرا القراءة بعد ذلك لا ينفعهما التذكر لبطلان صلاتهما بفعلهما السابق فلو كان ذلك سهوا أو جهلا [ق189/ب] حسب وتمت صلاتهما بذلك (¬3) صرح به في شرح الروض. وأما لو شك الإمام في الفاتحة بعد ركوعهما وعلم المأموم أنه شاك فيها فيلزمه الرجوع إلى القيام يقصده لأجل قراءة الفاتحة؛ لأن الأصل عدم قراءتها قال الشيخ سلطان (¬4) ويجب على المأموم انتظاره في الركوع إن لم يرجع معه وإلا انتظره في السجود (¬5) وقال ع ش (¬6) وأما حكم المأمومين الذين تلبسوا بالاعتدال مع الإمام فهل ينتظرونه في الاعتدال ويغتفر تطويله للضرورة ولا يركعون معه إذا ركع بعد القراءة أم يحكم عليهم بأنهم في القيام معه حتى يلزمهم أن يركعوا معه إذا ركع ثانيا لأجل المتابعة أو يسجدوا وينتظرونه فيه ولا يضر سبقهم له بركنين لأجل الضرورة أم كيف الحال قال شيخنا الرملي بالأول ويغتفر التطويل في الاعتدال ثم رجع ذلك واعتمدوا أنهم ينتظرونه في السجود؛ لأنه ركن طويل ويغتفر سبقهم بركنين للضرورة (¬7) وبذلك قال ابن حجر أقول وهذا مفروض كما تري فيما إذا لم يعلموا من حال الإمام شيئا لبعدهم عنه، أو لكونها سرية أما لو علموا منه ترك الفاتحة فينتظرونه في السجود انتهى. ¬

_ (¬1) قال زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 192): " وإنما اقتضى التردد في زيادتها السجود؛ لأنها إن كانت زائدة فظاهر وإلا، فالتردد يضعف النية ويحوج إلى الجبر". (¬2) انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج (2/ 352). (¬3) انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 230)، حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 576). (¬4) هو سلطان بن أحمد بن سلامة بن إسماعيل المزاحي المصري الشافعي: فاضل، كان شيخ الإقراء بالقاهرة. نسبته إلى منية مزّاح (من الدقهلية بمصر) تعلم وتوفي بالقاهرة. توفي بالقاهرة في 17 جمادى الآخرة عام 1075 هـ. من تصانيفه: حاشية على شرح المنهج للقاضي زكريا، كتاب في القراءات الاربع الزائدة على العشر من طريق القباقبي، والجوهر المصون في جمع من الضحى إلى المفلحون في القراءات، وشرح الشمائل ... وله ترجمة في: الأعلام للزركلي (3/ 108)، خلاصة الأثر (2/ 210)، معجم المؤلفين (4/ 238). (¬5) حاشية البجيرمي على شرح المنهج (1/ 340)، تحفة المحتاج (2/ 351). (¬6) ع ش إشارة إلى علي الشبراملسي. (¬7) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 576).

والثالث ما أشرت إليه بقولي (أو) أي ومن (نسي الصلاة)

فرع أحرم مقتد بإمام ثم شرع في الفاتحة إلى نصفها [ق190/أ] ثم شك فكررها مرة أخرى بحيث أنه لو استمر في شروعه الأول لوسعها وزيادة ثم إنه لم يركع حتى ركع إمامه واعتدل حسبت ركعته بلا شك. والثالث ما أشرت إليه بقولي (أو) أي ومن (نسي الصلاة) فأو للتقسيم وكذا يقال فيما يأتي أي نسي أنه متلبس بها حتى ركع إمامه فيتخلف لقراءتها ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة على ما مر في بطئ القراءة (¬1). والرابع ما أشرت إليه بقولي (أو) نسي قراءته للفاتحة أي ذهل عنها حتى ركع إمامه فانه يتخلف لقراءتها ويجري على نظم نفسه ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة كبطئ القراءة على المعتمد خلافا للزركشي (¬2) حيث قال بسقوطها عنه (¬3) وخلافا لمن قال بعدم عذره في ذلك لتقصيره بالنسيان. وعبارة الرملي في شرحه: وفي معنى المسبوق كل متخلف بعذر كزوجة (¬4) ونسيان للصلاة لا لقراءة الفاتحة انتهت وكتب عليه ع ش قوله لا لقراءة الفاتحة محترز للصلاة أي فلا يكون متخلفا بعذر بل إذا تذكر الفاتحة وجب أن يتخلف ويقرأها فإن فرغ منها قبل إتمام ركنين فعليين من الإمام فذاك وإلا وجبت المفارقة فإن لم يفعل حتى هوي الإمام للسجود بطلت صلاته كما هو شأن [ق190/ب] كل متخلف بغير عذر لكن نقل عن الزيادي أن نسيان القراءة كنسيان الصلاة كما ذكره الشمس الرملي في فضل المتابعة خلافا لما وقع له هنا وفي بعض النسخ إسقاط: لا لقراءة، وعليه فلا مخالفة بين كلاميه وعلى تسليمها يمكن الفرق بأن نسيان الصلاة يكثر بخلاف نسيان القراءة فإنه يندر انتهى (¬5). فلو لم يتذكر المأموم إنه تركها حتى ركع مع الإمام لم يجز أن يعود إلى القيام لقراءتها بل يوافق الإمام وتفوته الركعة ويتداركها بعد السلام وفيه ما مر من مسألة الشك وهذا كله معنى قولي إن كان هذا الشك والنسيان لما ذكر قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أو بالعكس أو قبلهما لا إن كان بعد ركوع ¬

_ (¬1) المرجع السابق (1/ 345). (¬2) محمد بن بهادر بن عبد الله. وكنيته أبو عبد الله , ويلقب بالزركشي لأنه تعلم صناعة الزركش في صغره, كما ويلقب بالمِنْهاجي لأنه حفظ كتاب منهاج الطالبين للإمام النووي. وهو فقيه شافعي أصولي محدِّث أديب , من المبرزين في المذهب. ومن - أهم مصنفاته: البحر المحيط , البرهان في علوم القرآن , تكملة شرح المنهاج للإمام النووي , وله تصانيف كثيرة أخرى , وكان يلقب بالمصنف لكثرتها. ولد في 745هـ بالقاهرة، وتوفى في 794هـ ودفن بالقاهرة. ترجمته في الأعلام للزركلي (6/ 61)، الدرر الكامنة (3: 397) وشذرات الذهب (6: 335). (¬3) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 576). (¬4) هكذا بالأصل، والصواب: "كزحمة"، وانظر: حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 345)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (1/ 477). (¬5) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 345).

منهما أي الإمام والمأموم تحصلا بألف (¬1) الإطلاق أي وجد كل منهما كما مر توضيحه وخرج بالنسيان العمد بأن أحرم موافق وسكت فلم يشتغل بشيء فليس بعذر؛ لأنه ممنوع من الاستماع لقراءة غير الإمام كما قاله النووي والمراد بالمنع هنا الكراهة فالأوجه أنه يتخلف ويشتغل بقراءتها إلى أن يخاف التخلف بمقدار ركنين فعليين بأن يشرع في هوي السجود بحيث يخرج به عن حد القيام فيتعين عليه مفارقته [ق191/أ] بالنية إن بقي عليه شيء منها لإتمامه لبطلان صلاته بشروع الإمام فيما بعده وهذا هو المعتمد. وقال ابن الرفعة (¬2): يفارق ويقرأ وبحث شيخ الإسلام (¬3) في شرح الروض: أنه يقرأ وتجب المفارقة وقت خوفه من السبق والتخلف واعتمده البرماوي (¬4). فرع: لو اشتغل عن القراءة باستماع قراءة إمامه فهو معذور؛ لأنها عباده تتعلق بمصلحة الصلاة ولهذا جرى خلاف في أن الفاتحة لا تجب في الصلاة الجهرية على المأموم، أو غير معذور إلحاقا بمن يشتغل بذكر أو تسبيح عقب دعاء الافتتاح كل محتمل. ¬

_ (¬1) -في الأصل بالألف (¬2) هو أحمد بن محمد بن علي الأنصاري، أبو العباس، نجم الدين، المعروف بابن الرفعة: فقيه شافعيّ، من فضلاء مصر. كان، محتسب القاهرة وناب في الحكم. ولد 645هـ وتوفي عام 710 هـ، له كتب، منها: بذل النصائح الشرعية في ما على السلطان وولاة الأمور وسائر الرعية، والإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان، وكفاية النبيه في شرح التنبيه للشيرازي، والمطلب في شرح الوسيط. وله ترجمة في: الأعلام للزركلي (1/ 222)، البدر الطالع (1: 115)، وطبقات الشافعية (5: 177)، وغيرها. (¬3) هو زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري السنيكي - نسبة إلى سنيكة بليدة من شرقية مصر- المصري الشافعي ويكنى: أبا يحيى، فقيه شافعي , قاض, مفسر, من حفاظ الحديث, نحوي, أصولي، من أهم مصنفاته: فتح الرحمن , تحفة الباري على صحيح البخاري , فتح الجليل تعليق على تفسير البيضاوي , شرح ألفية العراقي , شرح شذورالذهب , أسنى المطالب في شرح روض الطالب، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية , منهج الطلاب، ولد في سنيكة شرقية مصر سنة 823 هـ، ووفاته يوم الجمعة من الرابع في ذي الحجة سنة 926 هـ. ترجمته في: الأعلام للزركلي (3/ 47)، معجم المؤلفين (4/ 182)، الكواكب السائرة (1/ 196). (¬4) هو إبراهيم بن محمد بن شهاب الدين بن خالد، برهان الدين البرماوي الأنصاري الأحمدي الأزهري: شيح الجامع الأزهر. من فقهاء الشافعية نسبته إلى برمة (بكسر الباء) في غربية مصر. توفي عام 1106 هـ، له كتب منها: حاشية على شرح القرافي لمنظومة غرامي صحيح، وحاشية على شرح فتح الوهاب لزكريا الأنصاري، وحاشية على شرح غاية التقريب، وله ترجمة في: الأعلام للزركلي (1/ 68)، معجم المؤلفين (1/ 85)، هدية العارفين (1/ 36).

فائدة

فائدة: قال في المصباح: نسيت الشيء أنسيه نسيانا مشترك بين معنيين أحدهما ترك الشيء على ذهول وغفلة وذلك خلاف الذكر له، والثاني الترك على تعمد وعليه (¬1): {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] أي لا تقصدوا الترك ولا الإهمال وتعدي إلى ثان بالهمزة والتضعيف ونسيت ركعة أهملتها (¬2) غفلة انتهى. والخامس ما أشرت له بقولي أو أي ومن عن قراءة للفاتحة بسنة كتعوذ ودعاء افتتاح شغل أي اشتغل والحال أنه موافق ظن إدراكا لها أي لقراءة الفاتحة بعد السنة مع الإمام كما نقل عن العلماء وقد ركع إمامه فالأصح من ثلاثة [ق191/ب] أوجه ذكرها ابن العماد في القول التمام أنه معذور كبطيء القراءة فيأتي فيه ما مر فيختلف (¬3) لقراءتها أو إتمامها ويلحق إمامه فيما هو فيه فإن خالف ولم يتمها بل ركع عامدا عالما بطلت صلاته؛ لتركه القراءة عمدا كما أشار إليه في شرح المهذب (¬4) وأورد على أن تعبيرهم بسنة أنه يقتضي أنه إذا لم يندب له دعاء الافتتاح لا يكون معذورا إذا اشتغل به وليس كذلك بل هو معذور وعبارة الرملي وابن حجر واللفظ للثاني: وظاهر (¬5) كلامهم هنا عذره وإن لم يندب له دعاء الافتتاح لو اشتغل به كما هو المعتمد وحينئذ يشكل بما مر في تارك الفاتحة متعمدا إلا أن يُفَرَّقَ بأن له هنا نوع شبهة لاشتغاله بصورة سنة بخلافه فيما مر وأيضا فالتخلف لإتمام الفاتحة أفحش منه هنا ويشكل أيضا بما يأتي في المسبوق مع أن سبب عدم عذره كونه اشتغل بالسنة عن الفرض إلا أن يفرق بأن المسبوق يتحمل عنه الإمام فاحتيط له بأن لا يكون صرف شيئا لغير الفرض والموافق لا يتحمل عنه فعذر للتخلف لإكمال الفاتحة وإن قصر بصرفه بعض الزمن لغيرها لأن تقصيره باعتبار ظنه دون الواقع والحاصل [ق192/أ] من كلامهم أننا بالنسبة للعذر وعدمه ندير الأمر على الواقع وبالنسبة لندب الإتيان بنحو التعوذ ندير الأمر على ظنه انتهى. (¬6) فإن تحقق فوت الفاتحة إذا اشتغل بالسنة فلا عذر له في التخلف كالبطيء؛ لأنه مقصر بل إن أتم الفاتحة وأدرك الإمام في الركوع وإلا فاتت الركعة وفي بطلان صلاته وجهان أصحهما لا تبطل إن أدركه في الاعتدال فأن لم يدرك معه الاعتدال بطلت صلاته. انتهى والوجه الثاني من الأوجه الثلاثة أن يركع مع الإمام وتسقط عنه القراءة وتحسب له الركعة وهو نصه في الإملاء (¬7) كما أفاده البندبيجي (¬8) وعليه فلو اشتغل ¬

_ (¬1) بالأصل: على، والتصويب من المصباح. (¬2) وتمام العبارة في المصباح: أهملتها ذهولا ورجل نسيان وزان سكران كثير الغفلة. (¬3) كذا بالأصل، والصواب: فيتخلف. (¬4) المجموع شرح المهذب (4/ 213) لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي. (¬5) في الأصل: "وظه" والصحيح ما أثبتناه. (¬6) تحفة المحتاج (2/ 347). (¬7) أي الإمام الشافعي له كتاب الإملاء الصغير وكتاب الأمالي الكبيروموضوعه الفقه والخلاف ولعله جزء من كتابه المبسوط فقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي في السنن الكبرى (2/ 272): "وقول الشافعي رحمه الله في الإملاء في كتاب الجمعة من المبسوط". وقال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (4/ 143): "والاملاء من كتب الشافعي رحمه الله تعالى يتكرر ذكره في هذه الكتب وغيرها من كتب أصحابنا، وهو من كتب الشافعي الجديدة بلا خلاف، وهذا أظهر من أن أذكره، ولكن استعمله في المهذب في مواضع استعمالا يوهم أنه من الكتب القديمة ... وقد ذكر الإمام الرافعي في مواضع كثيرة بيان كونه في الكتب الجديدة وكأنه خاف ما خفته من تطرق الوهم، وأما الأمالي القديمة الذي ذكره في المهذب فمن الكتب القديمة وهو غير الإملاء المذكور". (¬8) الحسن بن عبد الله بن يحيى، أبو علي البندنيجي: قاض، من أعيان الشافعية. من أهل بندنيجين (القريبة من بغداد، وهي مندلي الآن) سكن بغداد، وأفتى وحكم فيها. وعاد إلى بلده في آخر عمره فتوفي بها عام 425 هـ. له (الجامع) قال الإسنوي: هو تعليقة جليلة المقدار قليلة الوجود، و (الذخيرة) قال أيضا: كتاب جليل. كلاهما في فقه الشافعية، وترجمته في: الأعلام للزركلي (2/ 196)، البداية والنهاية (12/ 37)، طبقات السبكي (3/ 133).

والسادس ما أشرت إليه بقولي أو أي ومن انتظاره أي لسكتة الإمام بين الفاتحة والسورة ليقرأ فاتحته

بإتمام الفاتحة كان متخلفا بلا عذر، فإن سبقه الإمام في الركوع وقرأ هذا المسبوق الفاتحة ثم لحقه في الاعتدال لم يكن مدركا للركعة؛ لأنه لم يتابعه في معظمها صرح به إمام الحرمين والأصحاب (¬1)، والوجه الثالث أنه يلزمه أن يقرأ من الفاتحة بقدر ما قرأ من الافتتاح لتقصيره بالتشاغل (¬2) قال ابن العماد وهو الأصح وقول الشيخ أبي زيد المروزي (¬3) وصححه القفال (¬4) انتهى. قال ابن العماد: والقياس أنه لو اشتغل عن الفاتحة بالتأمين والفتح على الإمام [ق192/ب] مجيء الأوجه في الاشتغال بالافتتاح وأولي؛ لأنه اشتغل بسنة خاصة متعلقة بمصلحة الصلاة بخلاف دعاء الافتتاح والتعوذ ثم قال قلت: ليس من المصالح الخاصة بالصلاة انتهى. ... والسادس ما أشرت إليه بقولي أو أي ومن انتظاره أي لسكتة الإمام بين الفاتحة والسورة ليقرأ فاتحته فيها حصل أي وجد أو حصل انتظاره لسورة بأن غلب على ظنه أنه يقرأ السورة وما الإمام قد فعل شيئا منها بل ركع عقب ¬

_ (¬1) انظر: المجموع شرح المهذب (4/ 213) (¬2) المرجع السابق نفس الموضع. (¬3) هو أبو زيد المروزي، محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد، الفاشاني، الشّافعي الزّاهد، من قرية فَاشان، إحدى قرى مرو، من أحفظ الناس لمذهب الشافعي، وأحسنهم نظراً، تفقه على أبي إسحاق المروزي، وروى عنه الحاكم والدارقطني. توفى عام 371 هـ، وانظر ترجمته في: مقدمة نهاية المطلب في دراية المذهب (ص/ 127)، تهذيب الأسماء واللغات (2/ 34)، طبقات السبكي (3/ 71). (¬4) هو محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي، القفال، أبو بكر: من أكابر علماء عصره بالفقه والحديث واللغة والأدب. من أهل ما وراء النهر. وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء. وعنه انتشر مذهب (الشافعيّ) في بلاده. مولده 291 هـ، ووفاته 365 هـ في الشاش (وراء نهر سيحون) رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام. من كتبه: أصول الفقه، محاسن الشريعة، شرح رسالة الشافعيّ، وله ترجمة في: الأعلام للزركلي (6/ 274)، وفيات الأعيان (1/ 458)، تهذيب الأسماء واللغات (2/ 282)، طبقات السبكي (2/ 176).

والسابع ما أشرت له بقولي أو أسرع الإمام في التشهد الأول وقام فكمل المأموم

الفاتحة فإنه يلزمه التخلف ويغتفر له ما مر وهو الأقرب كما ذكره الرملي خلافا للزركشي في قوله بسقوط الفاتحة (¬1). تنبيه ما تقرر من عد الانتظار للسكتة والسورة قسما واحدا هو المشهور وبعضهم يجعلها قسمين وحينئذ فيبلغ العدد المذكور خمسة عشر وجها والأمر واضح. فرع قال الشهاب بن حجر (¬2) يسن للمأموم ولو في أولى السرية تأخير جميع فاتحته عن جميع فاتحة الإمام إن ظن أنه يقرأ السورة فلو علم أن إمامه يقتصر على الفاتحة أو سورة قصيرة لزمه إن أراد البقاء على متابعته وعلم أنه بعد ركوعه لا يمكنه قراءتها إلا وقد سبق بأكثر من ركنين أن يقرأ الفاتحة مع إمامه فلو لم يقرأ [ق193/أ] حتى ركع الإمام لزمه التخلف لفواتها فإن فرغ منها قبل أن يتم الإمام ركنين فعليين بأن ابتدي هوي السجود وزال عن حد القائم فذاك والأقوى المفارقة جزما على المعتمد. وقال ابن الرفعة ينوي المفارقة قبل أن يقرأ بمجرد خوفه التخلف بهما (¬3) فعلم أن محل ندب تأخير فاتحته إن رجي أن إمامه يقرأ السورة أو يسكت بعد الفاتحة قدرا يسعها ومحل ندب سكوت الإمام إذا لم يعلم أن المأموم قرأها معه أو لا يرى قراءتها ذكره العلامة الشيخ سلطان (¬4). والسابع ما أشرت له بقولي أو أسرع الإمام في التشهد الأول وقام فكمل المأموم أي فتخلف عن إمامه وأتمه وهو أي والحال أنه أي المأموم ومقتدي به أي لم ينو المفارقة منه حينئذ وقام فوجد الإمام راكعا فإنه يجب عليه أن يتخلف لفاتحته كبطيء القراءة والفرق بين التشهد والسورة حيث لا يتخلف لإتمامها أن السورة لا ضابط لها ويحصل المقصود بآية أو أقل أو أكثر والتشهد مضبوط محدود نقله ابن قاسم عن الرملي (¬5) وخرج بالتكميل ما لو كان الإمام سريع القراءة وأتي به قبل رفع المأموم رأسه من السجود وقام فينبغي للمأموم متابعته وعدم إتيانه [ق193/ب] بالتشهد في الحالة المذكورة فلو كان تخلف له، كان متخلفا لغير عذر قاله الشبرامسلي (¬6). فرع اشتغل المأموم عن التشهد الأول بالسجود الذي قبله فلما فرغ من السجود وجد الإمام قد تشهد وقام فهل يتشهد ثم يقوم أو يترك التشهد ثم يقوم الذي تحرر أن له ثلاثة أحوال: ¬

_ (¬1) انظر: أسنى المطالب (1/ 230)، مغني المحتاج (1/ 509). (¬2) انظر: تحفة المحتاج (2/ 354). (¬3) انظر: حاشية الجمل. (¬4) انظر: الغرر البهية (1/ 434). (¬5) انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 223). (¬6) انظر: تحفة المحتاج (2/ 343).

والثامن: ما أشرت إليه بقولي أو نام أي المأموم فيه أي في التشهد الأول متمكنا

الأول: أن يكون البطؤ للقراءة فتأخر لإتمام الفاتحة وفرغ منها قبل مضي الأركان المعتبرة وأخذ في الركوع وما بعده فلما فرغ من السجود قام الإمام عن هذا التشهد وهذا حكمه واضح في التخلف للتشهد وسقوط الفاتحة عنه إذا قام وركع الإمام. الثاني: أن يكون إطالة السجود سهوا وغفلة فالأوجه أنه يجلس جلوسا قصيرا ولا يستوعب التشهد؛ لأنه لا يلزمه لحق المتابعة إلا الجلوس دون ألفاظه بدليل أنه لو جلس مع الإمام ساكتا كفاه وإن قام وقد ركع الإمام فهو كما لو نسي الإقتداء في السجود مثلا وسيأتي أنه كبطيء القراءة المار. الثالث: أن يكون أطال السجود عمدا وهذا أولى من الحال الثاني بقصر الجلوس وأما سقوط القراءة فلا سبيل إليه جزما؛ لأنه غير معذور بل يبطل تخلفه بركنين فعليين لفحشه [ق194/أ] ويجري فيه ما لو تخلف لقراءة الفاتحة بعد ركوع إمامه (¬1). والثامن: ما أشرت إليه بقولي أو نام أي المأموم فيه أي في التشهد الأول متمكنا فأفاق أي استيقظ من نومه فوجدا بألف الإطلاق أي رأى المأموم إمامه يركع فالعذر أي فعذره بدا أي ظهر وثبت فيقوم ويقرأ ويجري على نظم صلاة نفسه كالناسي (¬2)، كما نقله الرملي عن إفتاء والده، قال: ولا يقال أنه يركع مع الإمام ويتحمل عنه الفاتحة؛ لأنه ليس بمسبوق ولا في حكمه والفرق بينه وبين المزحوم (¬3) حيث يركع مع إمامه إذا رفع رأسه من السجدة فوجده راكعا إلزامه بما فاته به محل القراءة بخلاف هذا انتهى (¬4). ... والتاسع: ما أشرت إليه بقولي أو كان ظن أي المأموم أنه أي أن التشهد الأول أتى به الإمام حالة كون المأموم مختلطا عليه تكبير القيام أي قيام الإمام من الركعة الثانية فظنه المأموم تكبير التشهد فجلس يتشهد ظانا أن الإمام يتشهد فإذا هو في الركعة الثالثة فكبر الإمام للركوع فظنه لقيامها فقام فوجده راكعا فإنه يتخلف ويجري على نظم صلاة نفسه كبطيء القراءة (¬5). والعاشر: ما أشرت له بقولي أو كان سمع المأموم تكبير أو وقع أي حصل سواء [ق194/ب] كان إحراما أو غيره وإن قيده بعضهم بالإحرام فظنه أي المأموم وقع من الإمام للركوع فركع أي المأموم والحال أنه لم يكن مكملا لما قرأ أي لقراءة الفاتحة فبان غيره أي فظهر للمأموم أن التكبير لم يكن من الإمام وأنه لم يركع فعاد المأموم للقيام ثانيا وقرأ الفاتحة فإنه يكون معذورا ويجري على نظم صلاة نفسه ويغتفر له ما تقدم (¬6) لكن هل يعد ¬

_ (¬1) تحفة المحتاج (2/ 345). (¬2) نهاية الزين (ص/ 125). (¬3) من الزحام أي كثرة الناس وهذا متصور في الجمعة. (¬4) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 224)، حاشية الجمل (1/ 571). (¬5) تحفة المحتاج (2/ 345)، شرح المقدمة الحضرمية (ص/353). (¬6) نهاية الزين (ص/ 125).

والحادي عشر: ما أشرت إليه بقولي أو أي ومن نسي إقتداء بالإمام في سجدته الأولى والأخيرة

الركوع المذكور قاطعا للموالاة فيستأنف قراءة الفاتحة أو لا وإن طال فيبني عليه فيه نظر والأقرب الثاني لأن ركوعه معذور فيه فأشبه السكوت الطويل سهوا وهو لا يقطع الموالاة (¬1) نبه على ذلك الشبرامسلي وبقي أيضا ما لو كان مسبوقا أو لا بل يتخلف ويقرأ الفاتحة بقدر ما فاته في ركوعه لتقصيره فيه نظر، والأقرب الثاني أيضا للعلة المذكورة، ولأن العلة في العذر بما في الواقع لا بما في ظنه كما يأتي قاله ع ش (¬2)، وحينئذ فإن أدرك الركوع أدرك الركعة وإلا فلا ولا تبطل صلاته إلا إن تخلف بركنين فعليين ما لم ينو المفارقة (¬3). ... [ق195/أ] والحادي عشر: ما أشرت إليه بقولي أو أي ومن نسي إقتداء بالإمام في سجدته الأولى والأخيرة فركع الإمام قبل يقظته من غفلته ثم لما تذكر وجده راكعا فإنه معذور فيقوم ويتخلف عن إمامه وجوبا ويقرأ الفاتحة كبطيء القراءة وما قيل عن سقوط الفاتحة عنه مفرع على ما اختاره الزركشي من سقوط الفاتحة عن الناسي والأرجح خلافه (¬4) والثاني [عشر] (¬5) ما أشرت إليه بقولي ومن يشك في الزمان الذي أدركه مع الإمام بعد الإحرام هل يسع فاتحة فيكون موافقا فيتخلف ويجري على ترتيب نفسه ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة أو لا يسع ذلك فيكون مسبوقا مع الإمام ويتحمل عنه ما بقي به أي فيه الخلف أي الخلاف بين العلماء وقع أي حصل استظهر ابن حجر أنه يحتاط فيتخلف لإتمامها ولا يدرك الركعة ما لم يدرك الركوع؛ لأنه تعارض في حقه أصلان عدم إدراكها وعدم تحمل الإمام عنه فألزمناه إتمامها رعاية للثاني وفاتته الركعة بعدم إدراك ركوعها رعاية للأول احتياطا فيهما انتهى. وقضية كلام بعضهم أن محل هذا إن لم يحرم عقب إحرام الإمام أو عقب قيامه من ركعته وإلا لم يؤثر شكه وهو [ق195/ب] إنما يأتي على أن العبرة في الموافق بإدراك قدر الفاتحة من قراءة الإمام والمعتمد خلافه كما يأتي والحاصل إن الذي اعتمده م ر (¬6) في شرحه نقلا عن إفتاء والده: الشاك في الموافقة والسبق وهو في أثناء فاتحته كالموافق يقينا فيتخلف لإتمام الفاتحة ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة إلى آخر ما في الموافق وهو المعتمد؛ لأن تحمل الإمام لا يصار إليها إلا بيقين، لأنا علمنا وجوب الفاتحة عليه وشككنا في تحمل الإمام عنه لكونه مسبوقا والأصل عدم علمه وعبارته (¬7) وهل يلحق به أي بالموافق في سائر أحكامه من شك هل أدرك زمنا يسع الفاتحة ¬

_ (¬1) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 224). (¬2) ((إشارة إلى علي الشبراملسي. (¬3) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 573)، حاشية البجيرمي على شرح المنهج (1/ 339)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 224). (¬4) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 225). (¬5) زيادة يقتضيها السياق. (¬6) ((إشارة إلى شمس الدين الرملي. (¬7) حاشية البجيرمي على الخطيب (2/ 155)، تحفة المحتاج (2/ 348)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 227).

فرعان

لأن الأصل وجوبها في كل ركعة حتى يتحقق سقطها وعدم تحمل الإمام بشيء منها، ولأن إدراك المسبوق الركعة رخصة، وفي معناها فلا تحصل مع الشك في السبب المقتضي له؛ لأن التخلف لقراءتها أقرب إلى الاحتياط من ترك إكمالها وحينئذ فيتأخر ويتم الفاتحة ويدرك الركعة ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة فإن سبق به تابعه فيما هو فيها ثم يأتي بركعة بعد سلامه في ذلك تردد للمتأخرين والمعتمد كما أفتى به الوالد - رحمه الله تعالى-: نعم لما مر وسواء في ذلك أن كان إحرامه عقب إحرام إمامه أو عقب قيامه من ركعة أم لا قاله بعض [ق196/أ] المتأخرين انتهت (¬1). فرعان: أحدهما: لو أحرم منفردا جاز له قبل قراءة الفاتحة في أي ركعة الإقتداء بمن في الركوع فتسقط عنه الفاتحة، لكن هذا ظاهر إذا اقتدى به عقب أحرامه، أما لو مضى بعده ما يسع الفاتحة، أو بعضها من غير قراءة فهل تسقط عنه، أو تجب عليه قراءتها في الأول وبعضها في الثاني، وعلى هذا هو في الأولى كالموافق وفي الثانية كالمسبوق، أو كيف الحال فيه نظر انتهى كلام ابن قاسم على ابن حجر. أقول الأقرب أنه كالمسبوق؛ لأنه لم يدرك معه بعد اقتداءه به ما يسع الفاتحة، ولا نظر لما مضى قبل الإقتداء بعد الإحرام؛ لأنه كان منفردا فيه حقيقة ذكره ع ش (¬2). ثانيهما: لو ركع المأموم قبل إتمامه الفاتحة ثم شك هل كان إدراك زمنا يسع الفاتحة فيكون واجب التخلف فتكون الركعة قد فاتته أولا قال شيخنا الطبلاوي (¬3): فاتت الركعة؛ لأن الأصل وجوب الفاتحة وعدم تحمل الإمام حتى يعلم سبب التحمل؛ لأن ذلك رخصة وهو موافق لإفتاء شيخنا الرملي قاله ابن قاسم (¬4). والثالث عشر: ما أشرت إلي بقولي أو أي ومن نذر على نفسه السورة أي قراءة سورة في الصلاة عقب الفاتحة فركع الإمام قبل قراءتها وهو أي والحال أنه [ق196/ب] أي المأموم متخلف يأتي بها فإنه يعذر في هذا التخلف ما لم يسبق بأكثر مما مر نقله (¬5) الشوبري (¬6) عن الرملي. ¬

_ (¬1) حاشية الجمل على شرح المنهج = فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب (1/ 573) - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (2/ 155) (¬2) تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (2/ 359) - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 237) (¬3) محمَّد بن سالم الطبلاوي، ناصر الدين: من علماء الشافعية بمصر، نسبته إلى طبلية من قرى المنوفية عاش نحو مئة سنة، وانفرد في كبره بإقراء العلوم الشرعية وآلاتها كلها، حفظا، ولم يكن في مصر أحفظ لهذه العلوم منه. توفي عام966 هـ، له شرحان على البهجة الوردية، بداية القاري في ختم البخاري، وله ترجمة في: الأعلام للزركلي (6/ 134)، شذرات الذهب (8/ 348)، الضوء اللامع (11/ 212). (¬4) - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 227) - حاشية الجمل على شرح المنهج = فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب (1/ 572) - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (2/ 155). (¬5) نهاية الزين (ص/ 125). (¬6) محمد بن أحمد الشوبري الشافعيّ المصري، شمس الدين: فقيه، من أهل مصر. ينعت بشافعي الزمان. ولد في شوبر (من الغربية بمصر) عام 977هـ، وجاور بالأزهر، وتوفي بالقاهرة عام 1069هـ. له كتب، منها: حاشية على المواهب اللدنية، وحاشية على شرح التحرير، والأجوبة عن الأسئلة في كرامات الأولياء، ترجمته في: الأعلام للزركلي (6/ 11)، خلاصة الأثر (3/ 385).

والرابع عشر: ما أشرت إليه بقولي أو من شك في ترك بعض حروف الفاتحة، أو بعض كلماتها أثنائها

والرابع عشر: ما أشرت إليه بقولي أو من شك في ترك بعض حروف الفاتحة، أو بعض كلماتها أثنائها أي وهو في أثنائها أي قبل فراغها بأن أنه أتى بجميع الحروف، أو الكلمات، أو بعضها، فإنه يجب أن يرجع إليه ويأتي به وهو معذور، فيغتفر له ما مر ثم إن كان في الكلمة الأخيرة أعادها وإن كان فيما قبلها وجب استئنافها؛ لأن تخلل الذكر يقطع الموالاة، فإن شك بعد الفراغ منها لم يجب عليه إعادتها كما نقله في شرح المهذب عن الشيخ أبي محمد (¬1)؛ لأن الظاهر مضيها تامة، ولأن حروفها تكثر فيعسر على القارئ ضبطها واستحضارها فاكتفي فيه بغلبة الظن بخلاف بقية الأركان، وقياس التشهد على الفاتحة في ذلك واضح (¬2) وفي حاشية أستاذنا العجيلي (¬3) على المنهج: "فرع لو شك بعد فراغ الفاتحة في بعضها لم يفرق مثلها في ذلك التشهد قاله الزركشي، قال شيخنا ابن حجر في شرح الإرشاد (¬4)، وكذا سائر الأركان فيما يظهر، وكذا سائر الأركان فيما يظهر، فلو شك في السجود مثلا من أصله لزمه الإتيان به، أو بعده في نحو وضع اليد لم يلزمه شيء للعلة [ق197/أ] المذكورة أي وهو أن الظاهر مضيها تامة واعتمد م ر أنه لا يضر في الفاتحة ومثلها التشهد بخلاف ما عدا ذلك من الأركان القولية كالتكبير والسلام والأفعال؛ لأنه علل بأن القول الكثير متفاصل الأجزاء الكثيرة فيكثر الشك فيه فيخفف فيه انتهى. (¬5) سم (¬6) بالحرف. ¬

_ (¬1) عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيّويه الجويني، أبو محمد: من علماء التفسير واللغة والفقه. ولد في جوين (من نواحي نيسابور) وسكن نيسابور، وتوفي بها عام 438 هـ. من كتبه: التبصرة والتذكرة، الوسائل في فروق المسائل، الجمع والفرق، وهو والد إمام الحرمين الجويني، وترجمته في: الأعلام للزركلي (4/ 147)، الوفيات (1/ 252). (¬2) تحفة المحتاج (2/ 42)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (1/ 482). (¬3) سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الأزهري، المعروف بالجمل: فاضل من أهل منية عجيل (إحدى قرى الغربية بمصر) انتقل إلى القاهرة، توفي عام 1204 هـ، له مؤلفات منها: الفتوحات الإلهية، المواهب المحمدية بشرح الشمائل الترمذية، فتوحات الوهاب، حاشية على شرح المنهج، له ترجمة في: الأعلام للزركلي (3/ 131)، معجم المؤلفين (4/ 271)، حلية البشر (2/ 62، 63). (¬4) فتح الجواد بشرح الإرشاد. (¬5) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 347). (¬6) إشارة إلى ابن قَاسِم.

ولو شك قبل فراغ الكلمة في أنه أتى بحروفها على الوجه المطلوب فيها من نحو الهمس والرخاوة فأعادها ليأتي بها على الوجه المطلوب فإنه من الوسوسة الظاهرة فيما يظهر وقد تقدم حكمها (¬1). خذ أيها الطالب لهذه المسائل أي افهم أو حصل مسائل عدة بكسر العين المهملة أي محدودة ثلاثة عشر أو أكثر أو أقل على ما مر ذكرتها لك واضحة أي ظاهرة عددا وحكما كما مر وفي نسخة راجحة أي مائلة إلى (¬2) الصحة والوضوح. واعلم أن الخلاف المذكور في عدها إنما هو بحسب الإطلاع وعدمه أو بحسب ما أريد الاقتصار عليه لا لكون من اقتصر على عدد نظما أو نثرا حكم بتضعيف ما سواه لما مر أنها كلها معتمدة فلا منافاة بين هذه الأعداد الأحد عشر والأكثر والله أعلم. هذا أي افهم هذا الذي ذكرته لك وأقول لك [ق197/ب] أيضا أنه في تعريف الموافق لإمامه الخلف أي الاختلاف وقع أي حصل بين العلماء على قولين فقيل: أي فقال بعضهم هو من أدرك بعد إحرامه مع إمامه مدة من الزمان تسع فاتحة (¬3) أي قراءتها لكن بالوسط المعتدل أي بالنسبة للقراءة المعتدلة لغالب الناس في العرف وقولي مع الإمام متعلق بإدراك وهو أي المذكور من القول بأن الموافق هو من أدرك ما ذكر والقول بأن قراءته بالوسط المعتدل راجح أي مائل إلى الصواب عن مقابله جلي أي ظاهر الرجحان كما بينه ابن حجر في شرح الإرشاد. ومقابل الثاني أعني القول بالوسط المعتدل قولان: أحدهما أنه بالنسبة لقراءة الشخص نفسه ورجحه الزركشي وهو مرجوح لما يلزم على كلامه أن بطيء القراءة إذا لم يشتغل بغير الفاتحة وأدرك زمنا يسعها بالنظر للوسط المعتدل يكون مسبوقا لا موافقا لأنه لم يدرك زمنا يسعها من قراءة نفسه وكيف يتصور تخلفه لإتمام الفاتحة حتى يغتفر له ثلاثة أركان طويلة مع أنه لم يشتغل بغير الفاتحة ومع كونه أدرك زمنا يسعها وتخلفه لإتمامها [ق198/أ]؛ لأن الوسع لم يغتفر فيه قراءة نفسه فظهر أن الأوجه الأول انتهى. وثانيهما أنه بالنسبة لقراءة إمامه وهو مرجوح أيضا لما يلزم عليه أن الشاك في السبق والموافقة يلزمه الاحتياط فيتخلف لإتمام الفاتحة لكن لإدراك الركعة (¬4) كما استوجهه ابن حجر قال: لأنه تعارض في حقه أصلان عدم ¬

_ (¬1) نهاية المحتاج (2/ 224)، تحفة المحتاج (2/ 345). (¬2) بالأصل: " لا". (¬3) إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين (2/ 45) - السراج الوهاج (ص: 76) (¬4) إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين (2/ 40).

ثم شرعت في أحكام تتعلق بالمسبوق مناسبة لما مر

إدراكهما وعدم تحمل الإمام عنه فألزمناه إتمامها رعاية للثاني وفاتته الركعة بعدم إدراك ركوعها رعاية للأول احتياطا فيهما وقد تقدم أن المعتمد خلافه (¬1). ومقابل الأوجه أعني أن الموافق ما ذكر أيضا قولان: قيل أي قال بعض شراح المنهاج الموافق هو من أي الذي بعد تحرم الإمام أحرما بألف الإطلاق أي أتى بتكبيرة الإحرام وهذا قول أول أو هو من أحرم بعد أن قام أي الإمام من ركعته وهذا قول ثان وضعفوهما أي ضعف العلماء هذين القولين أي القول بأنه من أحرم بعد قيامه؛ لما يلزم على الأول أن أحكام الموافق والمسبوق لا تكون إلا في الركعة الأولى وهو خلاف ما صرحوا من تأتيها في كل الركعات، ألا ترى أن الساعي على [ق198/ب] ترتيب نفسه كبطيء النهضة إذا فرغ من سعيه على ترتيب نفسه فإن أدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة فموافق وإلا فمسبوق (¬2)، وعلى الثاني من أنه لم يدرك الركعة من أولها لا يكون موافقا، وإن أدرك زمنا يسع الفاتحة وهو فاسد. فائدة التعبير بقيل في جانب القول الثاني على بابه أي من أن صيغة قيل للتضعيف كما عرفت، وفي جانب القول الأول ليس على بابه بل بمعنى القول، وقد ذكر بعض شراح الشفا أن كلمة قيل قد يؤتى بها عند اتفاق العلماء على القول. وضده أي وضد الموافق المسبوق في أي على القولين السابقين أي القول بأن الموافق هو من أدرك مدة إلخ، والقول بأنه من أحرم مع الإمام إلخ، فعلى الأول المسبوق من لم يدرك مدة مع الإمام تسع الفاتحة بالوسط المعتدل ولو كان في الركعة الأولي وعلى الثاني هو من لم يدرك الإحرام مع إمامه أو بعد قيامه من ركعته. وقد وقع في اليقين أي في اشتراط التيقين (¬3) وعدمه الخلف أي الاختلاف في تعريف هذين أي الموافق والمسبوق فعند الرملي: من أدرك ما مضى ولو احتمالا وعند ابن حجر هو من أدرك ذلك يقينا ويترتب عليه مسألة الشك [ق199/أ] في السبق والموافقة المتقدم ذكرها وكذا يقال في تعريف المسبوق. ثم شرعت في أحكام تتعلق بالمسبوق مناسبة لما مر فقلت وسن بالبناء للمجهول للمسبوق والمراد به هنا من لم يدرك أول الصلاة مع الإمام كما صرح بذلك الشهاب بن قاسم، لا من لم يدرك زمنا يسع الفاتحة، بدليل أنهم جعلوا من أقسامه من أدرك ذلك كما سيشير إليه قولي: ما لم يظن بعده إدراكها، أن لا يشتغل بعد تحرمه بسنة كدعاء الافتتاح وتعوذ عن أم قران وهي الفاتحة سميت بذلك؛ لأنها مفتتحه ومبدؤه فكأنها أصله ومنشاؤه؛ لأنها جمعت معانيه كلها فكأنها نسخة مختصرة، وكأن القرآن كله بعدها تفصيل لها وذلك؛ لأنها جمعت الإلهيات في: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 2، 3]، والدار الآخرة في: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] ¬

_ (¬1) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 572)، تحفة المحتاج (2/ 348). (¬2) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 572)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (2/ 348)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 227). (¬3) ((كذا بالأصل.

والعبادات كلها من الاعتقادات والأحكام التي تقتضيها الأوامر والنواهي في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] والشريعة كلها في: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] والأنبياء وغيرهم كالشهداء والصالحين والصديقين في قوله: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] و، ذكر طوائف الكفر في: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] [ق199/ب] ولا الضالين (¬1). وقال الخليل (¬2) كل شيء ضم إليه ما يليه يسمى أمّا انتهى. وقولي: كفل بضم الكاف وكسر الفاء نعت لقرآن أي تكفل الله بحفظه عن أن يتطرق له خلل بنحو تغيير، أو تبديل، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، بل يشتغل بالفاتحة فقط إذ الاهتمام بشأن الفرض أولى، ويخففها حذرا من فوتها ما لم يظن أي المسبوق بعده أي بعد الاشتغال المذكور إدراكها أي الفاتحة بحسب حاله وحال إمامه فإن يظنه أتى قبل أي قبل الفاتحة بها أي بالسنة استحبابا ثم بالفاتحة بخلاف ما إذا جهل حاله، أو ظن الإسراع منه، وأنه لا يدركها معه فيبدي بالفاتحة فإن تخلف ظنه لزمه التخلف لقراءتها كبطيء القراءة، قال الشهاب بن القاسم: ولهذا المسبوق أحوال أحدها أن يتحقق الإدراك ولا شبهة أنه يشتغل يعني بالسنة الثاني أن يتحقق عدم الإدراك وهذا مقصر فإن ركع أمامه جاز له التخلف بركنين فتجب المفارقة وإلا بطلت الثالث أن يظن الإدراك وحكمه أنه يسن له الاشتغال بالسنة فلو اختلف ظنه فركع قبل الإمام [ق200/أ] فظاهر أنه كبطيء القراءة لعذره وفيه نزاع في شرح العباب الرابع بما إذا اعتقد وهو ظاهر كلام المصنف وغيره يعني بالمصنف شيخ الإسلام ويحتمل أن يقيد ذلك بما إذا اعتقد أنه يطلب منه والحالة هذه الاشتغال بالسنة أو شك في ذلك أما لو شك أنه يطلب منه ذلك فقد يقال أنه مقصر فلا يكون كبطيء القراءة ولعل هذا الاحتمال أقرب والخامس أنه يشك في الإدراك والظاهر أنه كبطيء القراءة لعذره والاشتغال بمندوب في الجملة مع قيام الاحتمال ولا يخفى عليك أن هذا كله فيمن أدرك زمنا يسع الفاتحة انتهى ملخصا وبعضه بالمعنى فإن يكن المسبوق المذكور هنا بها أي بالسنة لم يشتغل بل قرأ الفاتحة عقب تحرمه وركع الإمام أثناء قراءته فإنه يقطع قراءته ويركع مع إمامه وإن كان بطيء القراءة حتما أي وجوبا لأجل تحصيل الركعة لأنه لم يدرك سوى ما قرأه وحسبت ركعته وإن أدركه قبل قيامه عن اقل الركوع ويتحمل عنه الإمام ما بقي من الفاتحة كما يتحمل عنه جميعها لو أدركه راكعا [ق200/ب] أو ركع عقب تحرمه إذلا فرق بين تحمل البعض والكل لكن يشترط أن ¬

_ (¬1) حاشية البجيرمي على الخطيب (1/ 27). (¬2) الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي، أبو عبد الرحمن: من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، أخذه من الموسيقى وكان عارفا بها، وهو أستاذ سيبويه النحويّ، ولد بالبصرة عام 100 هـ، ومات بها عام 170 هـ، وعاش فقيرا صابرا، كان شعث الرأس، شاحب اللون، قشف الهيئة، متمزق الثياب، متقطع القدمين، مغمورا في الناس لايعرف. له كتاب العين، ومعاني الحروف، والعروض، والنقط والشكل، وله ترجمة في: الأعلام للزركلي (2/ 314)، وفيات الأعيان (1/ 172)، معجم المؤلفين (4/ 112).

يطمئن يقينا قبل رفع الإمام رأسه عن أقل الركوع ولا يلزمه البطء أن يتخلف بعد ركوع إمامه ويقرأ من الفاتحة قدر ما يقرأه لو اعتدلت قراءته لما مر بخلاف البطيء الموافق كما مر لا إنه أدرك مع الإمام محل قراءة الفاتحة فيتخلف لإتمامها وهو معذور كما تقدم وإلا فاتت ركعته إن منع نفسه من الركوع بأن تخلف عن إمامه بعد قراءة ما أدركه من الفاتحة لإتمامها حتى رفع رأسه من أقل الركوع لعدم متابعته في معظمها فيوافق الإمام فيما هو فيه ولو ركع في هذه الحالة عامدا عالما بالتحريم فالظاهر البطلان لزيادة ركوع غير محسوب ولا متابعة (¬1) وهو كذلك وتبطل الصلاة أي صلاة المسبوق الممتنع من الركوع إن تخلفا بألف الإطلاق عنه أي عن إمامه بركنين فعليين متواليين عامدا عالما كان هوي إمامه للسجود وهو قائم بعد القراءة الواجبة إن العذر انتفى عنه أي إن كان تخلفه بغير عذر مما مر. لتقصيره (¬2) بخلاف تخلفه بهما ناسيا أو جاهلا [ق201/أ] أو يفعل فقط فلا تبطل ولا تفوته الركعة تنبيه مثل المتخلف بما ذكر السابق لإمامه به فلو سبق إمامه بركنين فعليين عامدا عالما بالتحريم كان هو للسجود والإمام قائم بطلت صلاته بخلاف سبقه بهما ناسيا أو جاهلا، لكن لا يقيد بتلك الركعة فيأتي بعد سلام إمامه بركعة حيث استمر ناسيا أو جاهلا حتى أتى الإمام بهما، فلو تذكر أو علم الحال قبل إتيان الإمام بهما وجبت عليه العود ولا شيء عليه؛ لإتيانه بهما في محلهما. فرع لو أحرم المأموم فركع الإمام عقب إحرامه، ليس له أن يشتغل بالفاتحة قائما، وإن علم أنه يدركها ويدرك الإمام في الركوع ويطمئن معه، بل يهوي للركوع مكبرا؛ لأن متابعة الإمام واجبة والفاتحة في هذه الحالة غير واجبة ولا مستحبة، وكذلك لو أحرم والإمام في حد أقل الركوع ومن عادته تطويل الركوع بحيث يمكن المأموم قراءة الفاتحة وإدراك الطمأنينة معه في الركوع فإنه لا يتخلف لقراءتها قاله في القول التام، وكذا لو أحرم منفرد أو مضى بعد إحرامه زمنا يسع الفاتحة ثم اقتدى بإمام راكع، أو ركع عقب اقتدائه فإنه يركع [ق201/ب] معه حتما وتسقط عنه القراءة ويدرك الركعة بهذا الركوع كما استقر به (ع ش) وإن استقر بـ (ش ب) (¬3) أنه يتخلف ويقرأ ويكون معذورا كالموافق؛ لاستقرار الفاتحة عليه (¬4). ¬

_ (¬1) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 228). (¬2) المقدمة الحضرمية (ص/ 95)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 278). (¬3) إشارة إلى الشوبري، وهو: محمد بن أحمد الشوبري الشافعيّ المصري، شمس الدين: فقيه، من أهل مصر. ينعت بشافعي الزمان. ولد في شوبر من الغربية بمصر في 11 رمضان عام 977 هـ، وجاور بالازهر، وتوفي بالقاهرة في 16 جمادى الأولى عام 1069 هـ. له كتب، منها: فتاوى، وحاشية على المواهب اللدنية، وحاشية على شرح التحرير، وترجمته في: الأعلام للزركلي (6/ 11)، معجم المؤلفين (8/ 258)، خلاصة الأثر (3/ 385). (¬4) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 584).

فائدة

فائدة قد تقدم أن ركعة المسبوق لا تختص بالأولى بل قد تكون ثانية أو ثالثة أو رابعة ولا يتصور أن يكون مسبوقا بركعتين متواليتين إلا في مسألة الزحام في الجمعة أو غيرها وصورتها إدراك الإمام راكعا في الركعة الأولى أو أدرك معه زمنا يسع بعض الفاتحة ثم ركع معه واعتدل ثم زحم عن السجود فلم يفرغ منه حتى ركع الإمام في الثانية فإنه يركع وتسقط القراءة وكذلك لو أدرك معه بعض الفاتحة ثم ركع فإنه يقطع ويركع معه ولو حصل الزحام في صلاة الظهر فزحم عن السجود في الأربع ركعات ترك الفاتحة في الجميع وصحت صلاته وإن يكن أي المسبوق بما يسن من نحو الافتتاح والتعوذ شارعا أي آتيا أو سكت بعد تحرمه زمنا قبل أن يقرأ مع علمه بأن الفاتحة واجبة عليه واستمع قراءة إمامه والحال أنه ظن إدراك الإمام أي أن يدرك [ق202/ أ] إمامه راكعا قرأ بإبدال الهمزة ألفا وجوبا من الفاتحة بقدر ما أتى به من السنة لتقصيره (¬1) بعد، وله من فرض إلى غيره قال بعضهم أي أتى بقدر ما ذكر يقينا ويعلمه بالزمن الذي يسع ذلك بخلاف من جهل الفاتحة يقف بقدرها في ظنه إذ لا يعلم ما يسعها انتهى (¬2). وقال م ر هنا أيضا في ظنه قال: وينبغي أن يكون المراد أنه يجب أن يقرأ قدر ما يسع الزمن الذي فوقه في نحو الافتتاح بالقراءة المعتدلة، ولا يجب أن يقرأ بعدد حروف ما قرأ في ذلك الزمن من نحو الافتتاح ولعل المتجه أن يقال الواجب أن يقرأ بقدر حروف ما كان يقرؤه في ذلك الزمن بقراءة نفسه؛ لأن هذا واجبه انتهى (¬3) أو بقدر زمن سكوته قال م ر: وقضية التعليل يعني تقصيره بعد وله من فرض إلى غيره (¬4) أنه إذا ظن إدراكه في ركوعه فأتى بالافتتاح والتعوذ فركع أمامه على خلاف عادته أن اقتصر على الفاتحة وأعرض عن السنة التي قبلها والتي بعدها أنه يركع معه وإن لم يكن قرأ من الفاتحة شيئا ومقتضى إطلاق الشيخين (¬5) وغيرهما عدم الفرق يعني بين [ق202/ب] ظن إدراك الفاتحة وعدم إدراكها، هو المعتمد كما قاله الشيخ؛ لبقاء محل القراءة لا نسلم أن تذكيره بما ذكر منتف في ذلك إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه انتهى (¬6). قال ع ش: وعليه فإن أدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة فهو كبطيء القراءة وإلا فيقرأ بقدر ما فوته اهـ (¬7). أما إذا جهل الفاتحة (¬8) واجبة عليه فهو بتخلفه لما لزمه متخلف بعذر قاله القاضي (¬9) وأقره م ر (¬10). ¬

_ (¬1) الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (1/ 437). (¬2) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 577). (¬3) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 578) ونسبه لابن القاسم. (¬4) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 228). (¬5) المقصود بهما هنا: الاسفراينى والجوينيُّ. (¬6) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/ 508). (¬7) تحفة المحتاج (2/ 349). (¬8) ((في الحاشية: كذا بأصله. (¬9) ((هو القاضي حسين بن محمد بن أحمد العلامة شيخ الشافعية بخراسان أبو علي المروذي، ويقال له أيضا المروروذي الشافعي، كان من أوعية العلم، وهو من أصحاب الوجوه في المذهب، وله: التعليقة الكبرى والفتاوى وغير ذلك. توفي بمرو الروذ في المحرم سنة اثنتين وستين وأربع مئة. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (18/ 260)، طبقات الشافعية (1/ 234)، الأعلام للزركلي (2/ 254). (¬10) تحفة المحتاج (2/ 350)، حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 577).

وإذا قرأ عليه ركعا بألف الإطلاق وجوبا، فإن ركع معه بدون قراءة بقدر ما ذكر بطلت صلاته إن كان عامدا عالما بطلت (¬1)، وإلا لم يعتد بما فعله فيأتي بركعة بعد سلام الإمام. وهل يجب عليه العود لتتميم القراءة مع نية المفارقة إذا هوي إمامه للسجود، إذا علم بالحال إذ حركته غير معتد بها حينئذ فلا وجه لمضيه فيما هو فيه أو لا يجب؟ الظاهر الأول (¬2) وإذا ركع حسبت ركعته إن كان فيه أي الركوع معه بسكون العين على قلة أي مع إمامه اجتمعا بألف الإطلاق بأن أدركه فيه واطمأن معه يقينا قبل رفعه عن أقله وذلك اليقين يحصل بالمشاهدة في البصير وبوضع كل يده [ق203/أ] على ظهره في نحو الأعمى (¬3)، وكذا لو ظن بل أو غلب على ظنه إدراك ذلك وإن بعد عن الإمام أي فإنه كاليقين ونظرفيه الزركشي ونقل أيضا عن الفارقي (¬4) أنه إذا كان المأموم لا يرى الإمام فالمعتبر أن يغلب على ظنه أنه أدركه في القدر المجزي (¬5). وفي ق ل على الجلال (¬6): واطمأن أي يقينا ومثله ظن لا تردد معه كما هو ظاهر في نحو بعيد أو أعمى واعتمده شيخنا م ر (¬7) اهـ (¬8). فلو شك في إدراك الحد المعتبر بأن تردد في طمأنينته قبل ارتفاع إمامه عن أقل الركوع لم تحسب ركعته في الأظهر (¬9)؛ لأن الأصل عدم الإدراك بل يأتي بدلها ركعة بعد سلام الإمام ويسجد للسهو آخر صلاته؛ لأنه أتى بركعة حال انفراده وهو شاك في زيادتها فهو كمن شك هل صلى ثلاثا أو أربعا وبقي ما لم يطمئن مع الإمام قبل ارتفاعه لكن لما قام الإمام شك يعني الإمام في ركوعه فأعاده فهل يعود المأموم معه للركوع ويدرك الركعة وإلا ¬

_ (¬1) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 578)، حاشية البجيرمي على شرح المنهج (1/ 342). (¬2) تحفة المحتاج (2/ 349)، حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 578). (¬3) تحفة المحتاج (2/ 364)، حاشية البجيرمي على شرح المنهج (1/ 346). (¬4) الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون الفارقيّ، أبو علي: فقيه شافعيّ. ولد بميافارقين عام 433 هـ، وانتقل إلى بغداد، فولي قضاء واسط فتوفي فيها عام 528 هـ، وكان حسن السيرة في القضاء. له: الفوائد على المهذب للشيرازي، والفتاوي. وله ترجمة في: الأعلام للزركلي (2/ 178)، معجم المؤلفين (3/ 195)، وفيات الأعيان (1/ 130). (¬5) حاشية البجيرمي على شرح المنهج (1/ 347)، حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 585). (¬6) أي حاشية أحمد القليوبي على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين للشيخ محيي الدين النووي (1/ 292). (¬7) أي الرملي. (¬8) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 585). (¬9) المصدر السابق نفس الموضع.

فيه نظر، والذي يظهر أنه إن علم أن عوده للشك كأن كتب له بذلك وجب العود معه؛ لتبين وجوب الركوع على الإمام وإلا فلا يعود بل يمتنع عليه ذلك قاله [ق 203/ب] ع ش (¬1) فإن لم يجتمع معه فيه كما ذكر فاتت الركعة بناء على أنه متخلف بغير عذر وهو قول القاضي والمتولي (¬2)؛ لتقصيره بما مر ومن عبر بعذره كالبغوي (¬3) والشيخين نظر إلى أنه ملزوم بالقراءة كما أشار إلى ذلك الجلال المحلي ويجب عليه بعد رفع الإمام تكميل ما فاته حتى يريد الإمام الهوي للسجود قاله الشوبري وإلا يركع؛ لأنه لا يحسب له فإن هوي بفتح الواو أي الإمام أي سقط إلى السجود وافقه أي المأموم فيه إن كان أي المأموم قد قرأ ما عليه من الفاتحة كما جزم به في التحقيق واعتمده الرملي وإلا بإدغام إن الشرطية في لا النافية أي بأن لم يكن قرأ ما عليه فلا يوافق في الهوي المذكور بل فارقه بالنية؛ لأنه تعارض عليه وجوب وفاء ما لزمه وبطلان صلاته بهوي الإمام للسجود فلا مخلص بكل تقدير إلا نية المفارقة كما في شرح أر (¬4)؛ لأنه تخلف بركنين فعليين قال في شرح العباب (¬5) والأوجه عندي أنه تخلف لقراءة ما لزمه حتى يريد الإمام أن يهوي للسجود فإن كمل وافقه في الهوي وإلا لزمه نية المفارقة (¬6)؛ لأنه تعارض عليه أمران وجوب قراءة ما فوته ووجوب [ق 204/أ] متابعة الإمام وقدم الأول لما يلزم على الثاني من إسقاط الواجب لغير واجب لتمكنه من عدم المتابعة بنية المفارقة أهـ. ¬

_ (¬1) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 584). (¬2) عبد الرحمن بن مأمون النيسابورىّ، أبو سعد، المعروف بالمتولي: فقيه مناظر، عالم بالأصول. ولد بنيسابور عام 426هـ، وتعلم بمرو، وتولى التدريس بالمدرسة النظامية، ببغداد، وتوفي فيها عام 478 هـ. له: تتمة الإبانة، للفوراني، وكتاب في الفرائض، وكتاب في أصول الدين، وله ترجمة في: الأعلام للزركلي (3/ 323)، وفيات الأعيان (1/ 277)، معجم المؤلفين (5/ 166). (¬3) الحسين بن مسعود بن محمد، الفراء أو ابن الفراء، أبو محمد، ويلقب بمحيي السنة، البغوي: فقيه، محدث، مفسر. نسبته إلى (بغا) من قرى خراسان، بين هراة ومرو. له: التهذيب، وشرح السنة، ولباب التأويل في معالم التنزيل، ومصابيح السنة، والجمع بين الصحيحين، وغير ذلك. توفي بمرو الروذ سنة 510، وقيل 516 هـ، وانظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (19/ 439)، طبقات الشافعية الكبرى (7/ 75)، وفيات الأعيان (1/ 145)، الأعلام للزركلي (2/ 259). (¬4) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي (2/ 228). (¬5) العباب المحيط بمعظم نصوص الشافعي والأصحاب، للقاضي صفي الدين أبي السرور القاضي أحمد بن عمر بن محمد بن عبدالرحمن المذحجي الشهير بالمُزَجّد، وقد حرر فيه مؤلفه الفصول والأبواب وهذب المسائل وجمع فيه أكثر فروع المذهب وأودعه خلاصة روضة الطالبين وعمدة المفتين مع زيادة فوائد عديدة وفرائد مفيدة انتزعها من كتب الأصحاب جازماً بما رجحه الشيخان (الرافعي والنووي) ثم ما رجحه النووي في الأغلب مع التنبيه في الغالب على ما خالفا فيه الأصوب. وقد شرحه ابن حجر الهيتمي بكتاب سماه الإيعاب بشرح العباب. (¬6) فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين (ص/ 186)، إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين (2/ 44).

لكن فهم ابن حجر وم ر من كلام شيخ الإسلام (¬1) إن غرضه عدم التقييد وإن مراده أن المأموم يتابع الإمام في الهوي سواء كمل ما عليه أم لا، وإن هذا الإطلاق معتمد عنده وعند التحقيق بحسب ما فهمه عنه واعترضه الرملي؛ لأن التحقيق إنها (¬2) فرعه على المرجوح، وعبارته أعني الرملي: وقد نقل الشيخ عن التحقيق واعتمد لزوم متابعته في الهوي حينئذ ويوجه بأنه لما لزمته متابعته حينئذ سقط موجب تقصيره من التخلف لقراءة قدر ما لحقه فغلب واجب المتابعة وعليه فلا يلزمه مفارقته بحسب ما فهمه من كلامه، وإلا فعبارته صحيحة في تفريعه على المرجوح وانتهت (¬3). ثم ما تقرر من وجوب القراءة مع ظنه إدراك الركوع مع الإمام هو المعتمد كما نص عليه في الأم واعتمده ومال الطبلاوي إلى وجوب القراءة وإن لم يظن ذلك بل قال وإن ظن أنه لا يدركه فيه قال سم: لأنه قد يدركه على خلاف ظنه انتهى. قال الفارقي: وصورة تخلفه للقراءة أن يظن أن يدرك [ق204/ب] الإمام قبل سجوده، وإلا فليتابعه قطعا ولا يقرا لكن المعتمد ما نص عليه في الأم. أو لم يظنه أي وإن لم يظن المسبوق إدراك الإمام راكعا بعد قراءة قدر ما أتى به من السنة نوى المفارقة وجوبا عند عدم ظنه ذلك فإن أبى أي امتنع من نية المفارقة حينئذ حرمته أي فالحرمة بسبب إمتاعه محققة أي متفق عليها ولا تبطل الصلاة أي صلاة المسبوق ألا إن تخلفا بألف الإطلاق أي المسبوق عنه أي عن إمامه بركنين فعليين عامدا عالما بلا عذر وقولي كما قد عرفا بألف الإطلاق متعلق تبطل أي كالبطلان الذي عرف عند المحققين كالرملي وغيره أو كما قد عرف في حكم من لم يشتغل بسنة في قولي هناك وتبطل الصلاة إن تخلفا عنه بركنين إن العذر انتفى فإن الحكم بالتخلف بما ذكر لم يختلف. تنبيه ما تقرر في هذه المسألة فهو المعتمد من أقوال ثلاثة: ثانيها: يوافقها مطلقا سواء اشتغل بسنة أم لا ويسقط باقيها لخبر: (إذا ركع الإمام فاركعوا) (¬4) فلو اشتغل بإتمام الفاتحة كان متخلفا بلا عذر فإن سبقه الإمام بالركوع وقرأ هذا المسبوق الفاتحة ثم لحقه في الاعتدال [ق205/أ] لم يكن مدركا للركعة؛ لأنه لم يتابعه صرح بذلك إمام الحرمين، وهل تبطل صلاته؟ فيه وجهان: قيل تبطل ترك متابعة الإمام، فيما فاتت به ركعته، فكان كالمتخلف بركعة، وأصحها لا تبطل، وعليه قال الإمام ينبغي ¬

_ (¬1) زكريا الأنصاري، وسبقت ترجمته. (¬2) كذا بالأصل، والأقرب: "إنما" كما في حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 578). (¬3) حاشية الجمل على شرح المنهج (1/ 578). (¬4) رواه البخاري في "صحيحه" (2/ 70) (1236)، ومسلم في "صحيحه" (1/ 309) (412) من طريق هشام عن أبيه عن عائشة مطولا بنحوه.

فرع

أن لا يركع؛ لأن الركوع غير محسوب له، ولكن يتابع الإمام في الهوي للسجود، ويصير كأنه أدركه الآن، والركعة غير محسوبة له (¬1). ثالثهما: يتم الفاتحة مطلقا؛ لأنه أدرك القيام الذي هو محلها فلزمته (¬2) فلو تخلف ليقرأ كان متخلفا بعذر فيسعى خلف الإمام على نظم صلاة نفسه مالم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة، وتحسب له الركعة فإن ركع ولم يتم الفاتحة عامدا عالما بطلت صلاته (¬3) صرح بذلك في العباب اهـ، ولا يخفى أن حرمة التخلف بالركنين المذكورين من الكبائر كالسبق بركن أو بعضه، وأما التخلف بركن فمكروه كراهة تنزيه وكذا مجرد رفع الرأس من الركن ومجرد الهوي منه ولم يصل إلى الركن الآخر ومجرد القيام، وعن ابن حجر في الزواجر: مسابقة الإمام من الكبائر (¬4). فرع: أدرك الإمام [ق205/ب] في أول ركعة ولو أحرم معه في الحال أمكنه القراءة فأخر تكبيرة الإحرام حتى ركع الإمام أو قارب الركوع كان مقصرا في إدراك تكبيرة الإحرام وفي إدراك فضيلة القراءة مع الإمام ولا يكون مقصرا بالنسبة إلى إدراك الركعة بخلاف تأخير القراءة بعد التحريم قاله الإمام في النهاية (¬5)، وعبر بقوله: وليس كتأخير عقد الصلاة فإن الالتزام إنما يحصل بالعقد قاله ابن العماد في القول التمام. خاتمة: ما أدركه المسبوق مما يعتد له به فأول صلاته وما يفعله بعد سلام الإمام آخرها فيعيد في ثانية صبح أدرك الإحرام منها وقنت فيها مع الإمام القنوت وفي ثانية مغرب أدرك الأخير منها معه التشهد؛ لأنهما محلهما وما فعله مع الإمام إنما كان للمتابعة ويقضي فيما لو أدرك ركعتين من رباعية قراءة السورة في الأخيرتين لئلا تخلو صلاته منها والله أعلم (¬6). وقد تم أي كمل ذا النظم وهو ضد النثر وأسهل منه ولذلك اخترته ومعناه لغة الجمع واصطلاحا الكلام الموزون بأوزان العرب المقفى قصدا وقولي بحمد ربنا متعلق بتم وعلى ختام أي خاتم الرسل بسكون السين للوزن [ق206/أ] أي آخر الرسل وكذا الأنبياء في البعث بالرسالة وعلى الآل أي آله صلى الله عليه وسلم ¬

_ (¬1) المجموع شرح المهذب (4/ 213). (¬2) مغني المحتاج (1/ 508)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 228)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 287). (¬3) المجموع شرح المهذب (4/ 213). (¬4) الزواجر (1/ 242) الكبيرة رقم 89. (¬5) كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب للإمام الجويني كتاب ضخم وجليل في الفقه الشافعي , أثنى عليه كبار العلماء ثناء عظيما. (¬6) منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه (ص/ 43)، فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب (1/ 80).

والمراد بهم في مقام الدعاء كما هنا أتباعه، أو كل مؤمن وهو يعم أقاربه وغيرهم وجملة الجار والمجرور خبر مقدم وقولي الثنا مبتدأ مؤخر أي الذكر بالخير والوصف فيعم الصلاة والسلام وغيرهما من الله ومن خلقه والمراد اطلب من الله أن يزيد ثناؤه على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله كما ذكر أبياته أي عدد أبيات (¬1) ذا النظم لب أي عدد عدد حساب لفظة لب بالجمل فاللام بثلاثين والباء باثنين أي غير بيت التاريخ فالجملة ثلاثة وثلاثون واللب بضم اللام قلب الشيء وخلاصته وفيه تفاؤل بحسن هذا النظم ولهذا قلت فبادر واحفظن بنون التوكيد الخفيفة والأمر للترغيب ولأجل قولي فلحافظه أي لأن حافظه، أو العامل بما فيهٍ أرخت أي أتيت بلفظة تشتمل على تاريخ فقلت رضي الله عنه أي أبعده عن سخطهٍ وقربه منه في دار رحمته ووافق عدده بالجمل الكبير أيضا سنة 201 واحد ومأتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام [ق206/ب] وهو سنة تأليفه وقد ذكرت معنى التاريخ لغة (¬2) واصطلاحا (¬3) في غير هذا الكتاب. وهذا آخر ما يسره الله تعالى على هذا النظم وفيه كفاية لمن وفقه الله تعالى ووافق الفراغ من تأليفه ضحوة يوم الخميس المبارك لأربع وعشرين ليلة خلت من شهر الله المحرم سنة تاريخ النظم المذكور. اللهم اختم لنا ولوالدينا ولمشايخنا وأحبابنا بخاتمة السعادة والرضى، والطف بنا عند القضاء، واعف عنا ما مضى. وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين آمين. بحمد الله حصل التمام، وصلح الختام، على يد فقير رحمة رب الناس عبده خليل النماس. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ¬

_ (¬1) - طريقةٌ حسابية تُوضَع فيها أحرف الهجاء العربية مقابلا أرقام، بمعنى أن يأخذ الحرف الهجائي القيمة الحسابية للعدد الذي يقابله وفق جدول معلوم. يقوم حساب الجُمَّل، الذي يسمّى أيضًا حساب الأبجدية، على الحروف الأبجدية، وهي: أبْجَدْ، هوز، حطِّي، كَلَمُنْ، سَعْفَص، قَرَشَتْ، ثَخَذْ، ضَظَغٌ. ومجموعها ثمانية وعشرون حرفًا؛ تسعة منها للآحاد، وتسعة للعشرات، وتسعة للمئات، وحرف للألْف. (¬2) قال الجوهري في "الصحاح": " التاريخُ: تعريف الوقت. والتَوْريخُ مثله. وأَرَّخْتُ الكتابَ بيوم كذا، ووَرَّخْتُهُ، بمعنىً". (¬3) وأما علم التاريخ فهو علم يبحث فيه عن الزمان وأحواله، وعن أحوال ما يتعلق به من حيث تعيين ذلك وتوقيته".

§1/1