الطبقات السنية في تراجم الحنفية

الغزي، تقي الدين

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأيده بأصحاب كالنجوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وبهم أصحاب الضلالة يهتدون، وأتبعهم بعلماء كأنبياء بني إسرائيل يُعلمون الناس من شريعة نبيهم ما يجهلون، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، عدد ما كان، وما يكون صلاة وسلاماً دائمين مُتلازمين إلى يوم يُبعثون. وبعد؛ فإن من أراد النجاة في الدارين، والسعادة في الحالين، والاتباع بالإحسان، والإحسان باتباع الأعيان، فعليه بسلوك طريقة من سلف من الأئمة المهتدين، والعلماء العاملين، والفضلاء المحققين الفاضلين، ممن لم يُرد بالعلم مُماراة ولا مباهاة، ولا مُجادلة ولا مُضاهاة، بل قصر ليله على العبادة، ونهاره على الإفادة يقول الحق ويعمل به، ويفعل الخير ويُرشد إليه، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يصده عن الحق رهبة ظالم. ولا سبيل إلى هذا السبيل إلا بعد مَعرفتهم، والوقوف على جليتهم، والإحاطة بأوصاف أخيارهم، والاطلاع على جُملة أخبارهم. ولما كان هذا أمراً يتعذر، وعملاُ يتعسر، بل لا يدخل تحت مقدور البشرية، ولا يُمكن إدراكه بالكلية، وقد قيل: مالا يُدرك كله لا يُترك كله، وواجب علينا أن نبدأ بالأهم، والأولى فالأولى. وكان من أهم المهمات أن يعرف الشخص أولاً من جعله وسيلة الهداية بينه وبين الله، وقلده فيما يراه، وتبعه فيما يتحراه، اقتضى الحال على أن نقتصر على ذكر أئمتنا الذين نهتدي، وبأقوالهم وأفعالهم نقتدي. وهم إمام الأئمة، وسراج الأمة " وأمين الله تعالى على حفظ شريعته في أرضه، والمُميز لعباده بين واجبه وفرضه "، أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، تغمده الله بالرحمة والرضوان، وأسكنه فسيح الجنان، وأصحابه الذين أخذوا عنه، واقتدوا به، واتبعوه بإحسان، إلى زمننا هذا، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، فإن فيهم كفاية، لمن أراد الهداية، ونهاية، لمن أراد الدراية، وليس في أصحاب المذاهب أجل منهم، ولا أحد عاصرهم أو جاء بعدهم يستغنى عنهم، فالناس خصوصاً في الفقه عيال عليهم، وفي الرحلة أجل من تضرب أكباد الإبل إليهم، ما تركوا علماً يُمكن تعلمه إلا حصلوه، ولا فعلاً محموداً إلا فعلوه. وقد صنف في مناقبهم وفضائلهم وطبقاتهم، كتب كثيرة، ومجلدات كبيرة، غير أن تقادم الزمان أخلق جِدَّتها، وأنقض عُلتها؛ فإن غالبها كان بالعراقين مقره، وبدار السلام مثواه ومُستقره، وكان منها أيضاً بما وراء النهر، مالا يدخل تحت الحصر، مِما حال بيننا وبينه بُعدُ المراحل، وانقطاع القوافل، وتداول الفِتَّن، وتناوب صُروف الزمن، وضاعت الكتب، بعضها بالإغراق، وبعضها بالإحراق، واندرست الآثار، ونُسيت الأخبار وأصيب الإسلام وأهله، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فخطر في خلدي أن أجمع كتاباً مُفرداً، جامعاً لتراجم السادة الحنفية، مُستوفياً لأخبارهم وفضائلهم ومناقبهم، وذكر مؤلفاتهم ومُصنفاتهم، ومحاسن أشعارهم، ونوادر أخبارهم، وغير ذلك، بحسب الطاقة، ونهاية القدرة، وإلا فهم مِمن لا يُمكن حَصره، ولا يطمع في الإحاطة به، ولا في الوصول إليه. فانتخبت ذلك من الكتب المعتبرة، التي يرجع في النقل إليها، ويعول في الرواية عليها؛ من ذلك: " تاريخ الخطيب البغدادي ". " تاريخ ابن خلكان ". " تاريخ ابن كثير ". " الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة "، للحافظ ابن حجر. " انباء الغُمر بأنباء العمر " له أيضاً. " رفع الإصر عن قضاة مصر " له أيضاً. ذيله، المسمى ب " بُغية العُلماء والرواة " لتلديذه الشيخ شمس الدين السخاوي. " طبقات الغويين والنحاة "، للحافظ جلال الدين السيوطي. " طبقات المفسرين "، له أيضاً. " نُظم العقيان في أعيان الأعيان "، وله أيضاً. " الروض البسام في من ولى قضاء الشام "، لأحمد بن اللبودي. " الجواهر المُضية في طبقات الحنفية "، للشيخ عبد القادر القُرشي، وهي أكبر طبقات وقفت عليها لأئمتنا السادة الحنفية، مع أنها مختصرة بالنسبة إلى شأن من صُنفت في حقهم. " طبقات الحنفية "، للشهاب المقريزي. " طبقات الحنفية "، للشيخ قاسم قطلوبغا الحنفي.

" طبقات الفهاء "، لأبي إسحاق الشيرازي، وهي شاملة لسائر الفقهاء الكبار، والمجتهدين الأخيار، من أصحاب المذاهب المتبعة، وغير المتبعة، من الصحابة والتابعين وغيرهم، إلى الزمن الذي كان فيه، رحمه الله تعالى. " يتيمة الدهر " للثعالبي. " تتمة اليتيمة "، له أيضاً. " دُمية القصر "، للباخرزي. " الخريدة " للعماد الكاتب. " تاريخ قزوين " لأبي القاسم الرافعي. " تاريخ جُرجان "، للحافظ السهمي. " تاريخ آل رسول " بغير ألف ولام، للخزرجي. " معجم البلدان " لياقوت الحموي. " طبقات المحدثين "، للحافظ الذهبي. " تاريخ الإسلام " له أيضاً. " العِبر " له أيضاً. " ذيل العبر " للحافظ زين الدين العراقي. " طبقات النحاة "، لأبن قاضي شهبة. " الوافي بالوفيات "، للصلاح الصفدي. " أعيان العصر وأعوان النصر " له أيضاً. " الشقائق "، لابن طاش كبرى. " تهذيب الأسماء واللغات "، للإمام النووي. " تاريخ الصعيد " للأذفوي. " تاريخ اليافعي ". " أسماء شيوخ ابن حجر ". " أسماء شيوخ السيوطي ". " مرآة الزمان "، لسبط ابن الجوزي. " الذيل على مرآة الزمان "، لليونيني. " المنتظم " لابن الجوزي. وغير ذلك من التواريخ، والطبقات والتراجم، وأسماء الرجال ودواوين الشعراء، ومجاميع الأدباء، ومن أفواه الثقات، وأعيان الرواة، ولا أنقل شيئاً إلا بعد أن يشهد له العقل والنقْل، وغلبة الظن بالصحة. وقد صدرت هذا الكتاب بمقدمة، تشتمل على بيان من ألفته باسمه، وعملته برسمه، وعلى فوائد مُهمة، تتعلق بفن التاريخ، لا يسع المؤرخ جهلها، وعلى بيان ما اصطلحت عليه في هذا الكتاب، وهي مقدمة تحتوي على أبواب وفصول، جعلها الله تعالى منتجة لكل خير، مُوصلة لكل مأمول، بمنه وكرمه. وسميته " الطبقات السنية في تراجم الحنفية ". نفع الله تعالى به، وأثاب عليه، بمنه وكرمه؛ إنه على كل ما يشاءُ قدير، وبالإجابة قَمِنٌ وجدير. باب في بيان من ألَّفته باسمه، وعلمته برسْمِه وهو صاحب القران السعيد، وسلطان الأوان المديد، وإسكندر الزمان، وفخر آل عثمان، متى تفتخر الملوك بتقبيل أعتابه، وتتباهى السلاطين بخدمة أبوابه، ومن أنان الأنام في ظل عدله، وأحيى موات العدم بوافر إحسانه وفضله، ونصر الدين المحمدي وأقام مناره، وخفض كلمة الباطل وأذهب شعاره، وشمل الكُفر بعزته كل خزي ونكال، وتسلط على ذويه كل قهر وبال. فلم يبق غُراب إلا غربت شمسه، ولا مقاتل إلا وسالت على الصوارم نفسه، ولا ذهب إلا ذهب خزائنه المعمورة، ولا حريم لهم إلا وقد هُتكت حُرمته المستورة، ولا قلعة إلا قُلعت من أصولها، ولا قافلة إلا قطعت عن قفولها. وأطلق سيوفه الباترة، في أعناق طغاة الروافض الفاجرة، فما أبقى لهم شملاً إلا بدده، ولا جمعاً إلا أفرده ولا قوة إلا أضعفها، ولا مهجة إلا أتلفها. وَأصبحَ الرّفضُ وَناصرُهُ ... في ذلةٍ وإمامُ الحَقِّ قاهرُهُ وشَوكة السُّنة الغَرَّاءِ قد قّوِيَتْ ... فكلُّ قُطْرٍ بها تُزهى مَنابرُهُ وهو السلطان الأعظم، والخاقان الأكرم؛ سيفُ الله القاطع، وشِهابه اللامع، والمُحامي عن دينه والمدافع، والذاب عن حرمه والممانع، السلطان مُراد خان، أدام الله دولته إلى آخر الزمان، ابن السلطان سليم خان، ابن السلطان سُليمان خان، ابن السلطان سليم خان ابن السلطان بايزيد خان، ابن السلطان محمد خان - فاتح قُسطَنطينية، حماها الله عن كل آفة وبلية - ابن السلطان مُراد خان، ابن السلطان محمد خان، ابن السلطان بايزيد خان، ابن السلطان مُراد خان الغازي، ابن السلطان أورخان، ابن السلطان عثمان الغازي، الذي تُنسب إليه هذه السلاطين. أدام الله أيام دولتهم، وخلد أوقات سعادتهم، ورحم أولهم، ونصر آخرهم، ولا ردَّ لهم راية عن غاية، ولا حُساماً عن نهاية. ولا زالت أيام هذا السلطان في سعادة وإقبال، وعظمةٍ وإجلال؛ فإنه ما زال يُقرب أهل العلم من ساحة إحسانه، ويأويهم إلى كنف جوده وامتنانه، ويقابل محسنهم بالإحسان، ومسيئهم بالغفران، وفاضلهم بالإفضال، وكبيرهم بالإكرام والإجلال.

فرغب في تحصيل العلوم من لم تكن له رغبة، وتأهب للاشتغال من لم يكن عنده الهبة، وصار كل منهم يظهر بالتأليف مقدوره، ويبذل في التصنيف ميسوره، ويُشرف ما ألفه وصنفه، بخدمة سُدته السنية، وأبوابه العلية، ويبلغ به من إحسانه أقصى المرام والأمنية. فأحببت أن أدخل نفسي في عدادهم وإن لم أكن لذلك أهلاً، وأضرب معهم في الخدمة بسهمٍ وإن لم أكن ممن يعرف الضرب أصلاً. فالكريم يغض عن الزلة، والحليم يعفو عن الذنب؛ والخيار يستر العوار، والكلام يُشرف فيمن قيل فيه. وقد شرفت نظمي بمديحه، وقلت فيه قصيدة، أحببت أن أجعلها في هذه المقدمة مُقدمة، وفي هذه الترجمة مُفخمة. وهي هذه: دَانتْ لهَيْبَتِك الأيَّامُ والأُمَمُ ... وقد أطَاعَكَ فيها السَيفُ والقلمُ وليسَ يخرُجُ عن أمرٍ أمَرْتَ به ... إلا شقيٌّ بهِ قدْ زَلتِ القدَمُ وَأصْبحَ الجَوْرُ لا يُجارُ ولا ... يُلْفي له في جميع الأرض مُعْتَصَمُ والعدلُ في كفِّه مَاضٍ أشَمُّ به ... من عُصْبَةِ الظلمِ والعدوان ينتقمُ لا يظلمُ الذئبُ شاةَ البَرِّ ليس لها ... رَاعٍ سواهُ وقد أوْدَى به النَّهَمُ هذا الذي قِيل في أمْثالِ مَن سَلفوا ... مِن كَثْرِة الأمْنِ يمشي الذئبُ والغنمُ يُحْصَى الحَصَا قبلَ أن تُحْصَى مَآثرُه ... والغيْثُ يفْنَى ولا تفنىَ لهُ نِعَمُ يُكاثِر الرَّملَ في الهَيْجَاء عَسْكرُهُ ... وَكلُّ مَن شئتَ منهُم وَحْدَهُ أممُ هو المرادُ الذي رَبُّ العبَادِ قَضَى ... في عَالم الذَّرِّ أن يَحْيَى به العَدَمُ وَأن تَعُدَ به الدنيا كما بُدِئتْ ... عِلْماً وعَدْلاً وجُوداً دُونَه الدِّيَمُ أما ترى العلمَ ينمُو كُلَّ آونةٍ ... والجَهْل يَزدَادُ نقصاً ليس يَنكتمُ أمَا ترى عَلَمَ الإسْلامِ مُرْتفعاً ... والكفرُّ أصبَحَ لاَ بَنْدٌ ولا عَلَمُ والمالُ فاضَ وفاض البَاذِلُونَ له ... وكلُّ أرْضٍ على مَن حَلَّهَا حَرَمُ يَا آلَ عُثمانَ يا مَن لا نظيرَ لهُمْ ... بين الملُوك وهل يُرجَى نظيرُهُمُ يا مَن بأعْتابهمْ مِن حين مَا نُصِبَتْ ... شِفاهُ كلِّ مُلُوكِ الأرْض تستلمُ لم تصْفُ للناس أيَّامٌ ولا سَلمتْ ... من التكدُّرِ إلا في زَمَانِكمُ فاللهُ يُبْقِي لأهْلِ الأرض دَوْلَتَكم ... فإنِّها دَوْلةٌ يحيى بهَا النَّسَمُ واللهُ يُعْطيكُمُ مَالا يُحيطُ بِهِ ... وَصْفٌ وَلا عَن مَدَاهُ تُفْصِحُ الكَلِمُ ولا تزال الوَرَى في ظلِّ دَوْلتكمْ ... بخَفْضِ عَيشٍ وَثغْرُ الدَّهْر يَبْتسمُ باب يشتمل على فوائد مهمة، تتعلق بفن التاريخ، لا يسع المؤرخ جهلها وهو باب يشتمل على فصول: الفصل الأول كانت العرب تؤرخ في بني كنانة من موت كعب بن لؤي، فلما كان عام الفيل أرخت منه، وكانت المدة بينهما مائة وعشرين سنة. قال أبو الفرج الأصبهاني، صاحب " الأغاني ": إنه لما مات الوليد بن المغيرة بن عبد الله ابن عمرو ابن مخزوم، أرخت قريش بوفاته مُدة؛ لإعظامها إياه، حتى إذا كان عام الفيل جعلوه تاريخا. هكذا ذكره ابن دأب. وأما الزبير بن بكار فذكر أنها كانت تؤرخ بوفاة هشام بن المغيرة تسع سنين، إلى أن كانت السنة التي بنو فيها الكعبة، فأرخوا بها. انتهى. وأرخ بنو إسماعيل عليه الصلاة والسلام من نار إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى بنائه البيت، ومن بنائه البيت إلى تفرق معد ومن تفرق مَعَدِّ إلى موت كعب بن لؤي؛ ومن عادة الناس أن يؤرخوا بالواقع المشهور، والأمر العظيم، فأرخ بعض العرب بأيام الخُنان لشُهرتها. قال النابغة الجعدي: فَمَنْ يَكُ سائلاً عني فإني ... مِن الفِتيْان أيامَ الخُنَان مَضَتْ مائةٌ وُلدتُ فيه ... وعامٌ بعد ذاك وحجتان

وَقد أبْقَتْ صُرُوفُ الدَّهر مني ... كما أبقتْ من السَّيْفِ اليَمَاني قال الشريف المرتضى، في كتابه " غُرر الفوائد، ودُرر القلائد ": إن أيام الخُنان أيام كانت للعرب قديمة، هاج بهم مرض في انوفهم وحلوقهم. قلت: وهو بضم الخاء وفتح النون، وقد يشتبه بالخِتان، بكسر الخاء والتاء المثناة من فوق. وكانت العرب تؤرخ بالنجوم، وهو أصل قولك: نَجَّمتُ على فلان كذا حتى يُؤديه في نجوم. وأول من أرخ الكتب من الهجرة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، في شهر ربيع الأول، سنة ست عشرة، وكان سبب ذلك، أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه، كتب إلى عمر رضي الله عنه: إنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتب لا ندري على أيها نعمل، قد قرأنا صكاً منها محلة شعبان فما ندري أي الشعبانين، الماضي أو الآتي. فعل عمر رضي الله تعالى عنه على كتب التاريخ، فأراد أن يجعل أوله رمضان، فرأى أن الأشهر الحرم تقع حينئذ في سنتين، فجعله من المُحرم، وهو آخرها، فصيره أولاً لتجتمع في سنة واحدة. وكان قد هاجر صلى الله عليه وسلم يوم الخميس، لأيام من المحرم، فمكث مُهاجراً بين سير ومقام مُدة شهرين وثمانية أيام. فصل تقول العرب: أرخت وورخت، فيقلبون الهمزة واواً، لأن الهمزة نظير الواو في المخرج، فالهمزة من أقصى الحلق، والواو من آخر الفم، فهي تحاذيها، ولذلك قالوا في وعد: أعد، وفي وجوه: أجُوه، وفي أثؤب: أثوب، وفي أحد: وحد. فعلى ذلك يكون المصدر تاريخاوتوريخا بمعنى. وقاعدة التاريخ عند أهل العربية أن يؤرخوا بالليالي دون الأيام؛ لأن الهلال إنما يُرى ليلاً، ثم إنهم يُؤنثون المذكر ويذكرون المؤنث، على قاعدة العدد؛ لأنك تقول: ثلاثة غلمان، وأربع جواري. إذا عرفت ذلك، فإنك تقول في الليالي ما بين الثلاث إلى العشر: ثلاث ليالي، وأربع ليالي، إلى بابه. وتقول في الأيام ما بين الثلاثة إلى العشرة: ثلاثة أيام، وأربعة أيام، إلى بابه. وأما واحد واثنان، فلم يُضيفوها إلى مميز، فأما ما جاء من قول الشاعر: كأنَّ خُصْيَيْه مِن التَّدَلدُلِ ... ظَرف عجُوزٍ فيه ثِنتا حَنظَلِ فبابهُ الشعر، وضرورة الشعر لا تكون قاعدة، وإنما امتنعوا من ذلك؛ لأنه يكون من باب إضافة الشيء إلى نفسه؛ فإنك إذا قلت: اثنا يومين، أو واحد رجل، فاليومان هما الاثنان، والواحد هو الرجل، وإذا قلت: يومٌ ورجلان. فقد دللن على الكمية والجنس، وليس كذلك في أيام ورجال، فيما فوق الثلاثة؛ لأن ذلك يصح على القليل والكثير، فيُضاف العدد إليه لتعلم الكمية. وأضافوا العدد من الثلاثة إلى العشرة إلى جموع القِلة، فقالوا: ثلاثة أيام، وأربعة أحمال، وخمسة أشهر، وستة أرغفة، ولا يورد هاهنا قوله تعالى: (ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ) ، لأنه ميز الثلاثة بجمع الكثرة؛ لأن المعنى كل واحد من المطلقات تتربص للعدة ثلاثة أقراء، فلما كان مجموع الأقراء من المطلقات كثيراً ميز الثلاثة، بجمع الكثرة، ولا يُضاف عدد أقل من ستة إلى مُميزين؛ ذكرٍ وأنثى؛ لأن كل واحدٍ من المميزين جمع، وأقل الجمع ثلاثة. وقالوا في العدد المركب من بعد العشرة إلى العشرين، وهو أحد عشر وبابه: إحدى عشرة ليلة، وما بعده إلى العشرين، بإثبات التأنيث في الجُزءين من إحدى عشرة، واثنتي عشرة، وحذف التأنيث من الجزء الأول في الباقي للمؤنث. وأحد عشر يوماً، واثنا عشر يوما، وثلاثة عشر يوما، وما بعده إلى العشرين، بخلو الجزءين الأولين من التأنيث وإثباته في الجزء الأول لما بعده في المذكر، والحجازيون يسكنون الشين في عشرة، وبنو تميم يكسرونها. وميزوا ما بعد العشرة إلى العشرين وما بعدها من العُقود إلى التسعين، بمنصوب فقالوا: أحد عشر كوكباً وأربعين ليلة، وأتوا بواو العطف بعد العشرين، ومنعوها بعد العشرة إلى العشرين، فقالوا: أحد وعشرون، وأحد عشرة، وقالوا: مائة يوم، ومائتا يوم؛ فجعلوا المميز من المائة إلى الألف وما بعده مُضافاً، ولم يُجروه مُجرى ما بعد العشرة إلى التسعين. وقالوا: ثلاثمائة وأربعمائة. وبابه، فميزوه بالمفرد، ولم يميزوا بالجمع، وقالوا: ألف ليلة. فأجروا ذلك في التمييز مُجرى المائة. فائدة

لفظ " ألف " مُذكر، والدليل عليه قوله تعالى: (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ) ، وقد تقرر أن المعدود المذكر يؤنث، والمؤنث يذكر. ولا يورد قولهم: " هذه ألف درهم "؛ فإن الإشارة إنما هي إلى الدراهم، لا إلى الألف، وتقديره: هذه الدّراهم ألف. فائدة أخرى إذا أردت تعريف العدد المُضاف، أدخلت الأداة على الاسم الثاني، فتعرف به، نحو " ثلاثة الرجال "، " ومائة الدراهم " كقولك: " غُلام الرجُل ". قال ذو الرمة: وهل يَرْجعُ التسليمَ أو يكشِف العَمَى ... ثلاثُ الأثافي والرِّسُومُ البَلاقِعُ ولا يجوز " الخمسة دراهم "؛ لأن الإضافة للتخصيص، وتخصيص الأول باللام يُغنيه عن ذلك، فأما ما لم يُضف، فأداة التعريف في الأول نحو " الخمسة عشر درهماً "؛ إذ لا تخصيص بغير اللام، وقد جاء شيء على خلاف ذلك. تنبيه الفصيح أن تقول: " عندي ثماني نسوة " و " ثماني عشرة جارية " و " وثماني مائة درهم "؛ أن الياء هُنا ياء المنقوص، وهي ثابتة في حالة الإضافة والنصب، كياء قاضي وأما قول الأعشى: وَلقد شربتُ ثمانياً وَثمانياً ... وَثَمانِ عشرَةَ واثْنتَين وأربَعَا فبابه ضرورة الشعر، كما قال الآخر: وطرْتُ بمُنْصُلِى في يَعْمَلاتٍ ... دَوَامِى الأيدِ يَخْبِطْنَ السرِيحَا يريد " الأيدي " على أنه قد قُرِئ: (وَلَهُ الْجَوارُ المُنْشَآتُ) . بضمِّ الرَاء. فصل في كيفية كتابة التاريخ تقول للعشرة وما دونها: خَلَون؛ لأن المميز جمع، والجمع مؤنث. وقالوا لما فوق العشرة: خَلَت، ومَضت؛ لأنهم يريدون أن مميزه واحد. وتقول من بعد العشرين: لتسع إن بقين، وثمان إن بقين، تأتي بلفظ الشك؛ لاحتمال أن يكون الشهر ناقصاً أو كاملاً. وقد منع أبو على الفارسي: لمُستَهَل؛ لأن الاستهلال قد مضى، ونص على أن يؤرخ بأول الشهر في اليوم، أو بليلة خَلت منه. قال: ولهم اختيار آخر، وهو أن تجعل ضمير الجمع كثير الهاء والألف، وضمير الجمع القليل الهاء والنون المشددة، كما نطق القرآن به، قال الله تعالى: (إنَّ عِدَّة الشُّهُورِ عنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شََهْراً في كِتاب الله يَوْمَ خَلَقَ السَّموَاتِ والأرْضَ مِنها أربعةٌ حُرُمٌ ذلك الدّينُ القَيِّمُ فلا تَظْلِمُوا فِيهنَّ أنْفُسَكُمْ) . فجعل ضمير الأشهر الحرم بالهاء والنون لقلتهن، وضمير شهور السنة الهاء والألف لكثرتها. وكذلك اختاروا أيضاً أن ألحقوا لصفة الجمع الكثير الهاء، فقالوا: أعطيته دراهم كثيرة، وأقمت أياماً معدودة. وألحقوا لصفة الجمع القليل الألف والتاء فقالوا: أقمت أياماً معدودات، وكسوته أثواباً رفيعات. وعلى هذا جاء في سورة البقرة: (وَقَالوا لَنْ تَمَسَّنا النَّارُ إلا أياماً مَعْدُودَةً) . وفي سورة آل عمران (إلاَّ أيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) . كأنهم قالوا أولا بِطُول المدّة، ثن إنهم رجعوا عنه فقصروا المدة انتهى. والواجب أن تقول في أول الشهر: لليلة خلت منه، أو لغرته، أو لمُستهله. فإذا تحققت آخره، قلت: انسلاخُهُ، أو سَلخُه، أو آخره. قال ابن عصفور: والأحسن أن تؤرخ بالأقل فيما مضى وما بقى، فإذا أرخت بأيهما شئت. وقال الصلاح الصفدي، بعد نقله كلام ابن عصفور هذا، قلتُ: بل إن كان في خامس عشر، قلت: منتصف، أو في خامس عشر، وهو أكثر تحقيقاً؛ لاحتمال أن يكون الشهر ناقصاً، وإن كان في الرابع عشر، ذكرته، أو السادس عشر ذكرته. تنبيه قال الصلاح الصفدي: رأيت الفضلاء قد كتبوا بعض الشهور بشهر كذا، وبعضها لم يذكروا معه شهراً، وطلبت الخاصة في ذلك فلم أجدها أتوا بشهر إلا مع شهر يكون أوله حرف راء، مثل شهري ربيع، وشهر رجب، وشهر رمضان، ولم أدْرِ العلة في ذلك ما هي؟، ولا وجه المناسبة؟ لأنه كان ينبغي أن يُحذف لفظ شهر من هذه المواضع؛ لأنه يجتمع في ذلك راآن، وهم قد فروا من ذلك وكتبوا: داود، وناوس، وطاوس، بواو واحدة؛ كراهية الجمع بين المثلين. انتهى.

وقال الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه " نظم العقبان، في أعيان الأعيان "، بعد نقله كلام الصفدي هذا، قلت: قد تعرض للمسألة من المتقدمين ابن درستويه، في الكتاب " المتمم "، فقال: الشهور كلها مُذكرة إلا جمادى، وليس شيء منها يُضاف إليه شهراً إلا شهرا ربيع، وشهر رمضان، قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الذِي أُنْزِلَ فيه القُرآنُ) . وقال الراعي: شَهْرَيْ رَبيعٍ مَا تذُق لَبُونهُم ... إلا حُمُضاً وَخْمَة ودَوِيلاً فما كان من أسمائها أسماً للشهر، أو صفة قامت مقام الاسم، فهو الذي لم يَجُزْ أن يضاف الشهر إليه، ولا يُذكر معه، كالمحرم، إنما معناه الشهر المحرم؛ وهو من الأشهر الحرم، وكصفر، وهو اسم معرفة كزيد، من قولهم: صفر الإناء يُصفر صفراً، إذا خلا، وجُمادى، وهي معرفة، وليست بصفة، وهي من جمود الماء، ورجب وهو معرف، مثل صفر، وهو من قولهم: رجبت الشيء. أي عَظمته؛ لأنه أيضاً من الأشهر الحرم، وشعبان؛ وهو صفة بمنزلة عطشان، من التشعب والتفرق، وشوال، وهو صفة جَرَت مجرى الاسم، وصارت معرفة، وفيها تشول الإبل، وذي القعدة، وهي صفة قامت مقام الشهر والقعود عن التصرف، كقولك، هذا الرجل ذو الجلسة، فإذا حذفت الرجل قلت: ذو الجلسة، وذي الحِجة مثله، مأخوذ من الحج. وأما الربيعان، ورمضان، فليست بأسماء للشهر، ولا صفات له، فلا بد من إضافة شهر إليها، كقولك شهر ربيع، وشهر رمضان، ويدُلُك على ذلك أن رمضان فعلان من الرمضاء، كقولك الغليان، وليس الغليان بالشهر ولكن الشهر شهر الغليان، وجعل رمضان اسماً معرفة للرمضاء، فلم يُصرف لذلك، فأما رواة الحديث فيرون أن اسم من أسماء الله تعالى. وربيع إنما هو اسم للغيث، وليس الغيث بالشهر، ولكن الشهر شهر غيث، فصار ربيع اسماً للغيث معرفة كزيد، فإذا قلت: شهر ربيع الأول والآخر، فهما صفتان لشهرٍ، وإعرابهما كإعرابه، ولا يكونان صفة لربيع، وإن كان معرفة، لأنه ليس هنا ربيعان، وإنما هو ربيع واحد، وشهرا ربيع، ولو كان كذلك لكانا نكرتين، ولكانا مُضافين إلى معرفة، وصارا به معرفة. انتهى كلام ابن درستويه كما نقله السيوطي. ويؤخذ منه أن رجب لا يُضاف إليه لفظ شهر. كما ذكر الصفدي، فليتأمل. وجرت العادة بأن يقولوا في شهر المحرم: شهر الله. وفي شهر رجب: شهر رجب الفرد، أو الأصم، أو الأصب، وفي شعبان: المُكرم، وفي رمضان: رمضان المعظم. وفي شوال: شوال المبارك، ويؤرخوا أول شوال بعيد الفطر، وثامن الحجة، بيوم التروية، وتاسعه، بيوم عرفة، وعاشره بعيد النحر، وتاسع المحرم بيوم تاسوعاء، وعاشره بيوم عاشوراء. فلا يحتاجون أن يذكروا الشهر، ولكن لا بد من ذكر السنة. فائدة قد يجئ في بعض المواضع " نيف " و " بضع "، مثل قولهم: نيف وعشرون، وهو بتشديد الياء ومن قال: نيف. بسكونها، فذاك لحن. وهذا اللفظ مُشق من أناف على الشيء، إذا أشرف عليه، فكأنه لما زاد على العشرين كان بمثابة المُشرف عليها، ومنه قول الشاعر: حَلَلْتُ برَابِيةٍ رَأسُهَا ... على كُلِّ رابِيَةٍ نَيَّفُ واختلف في مقداره، فذكر أبو زيد أنه ما بين العقدين، وقال غيره: هو الواحد إلى الثلاثة. قال الصفدي: ولعل هذا الأقرب إلى الصحيح.

وقولهم: بِضع عشر سنة. البضع أكثر ما يستعمل فيما بين الثلاث إلى العشر. وقيل: بل هو ما دون نصف العقد. وقد انزوى القول الأول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، في تفسير قوله تعالى: (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهمْ سَيَغْلِبُونَ* في بِضْعِ سِنِينَ) ، وذلك أن المسلمين كانوا يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يميلون إلى أهل فارس؛ لأنهم أهل أوثان، فلما بشر الله تعالى المسلمين بأن الروم سيغلبون في بضع سنين، سُر المسلمون بذلك، ثم إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه بادر إلى مشركي قريش، فأخبرهم بما له مُدة الثلاث سنين، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله كم البضع، فقال، ما بين الثلاث إلى العشر. فأخبره بما خاطر به أبي بن خلف. فقال: " ما حملك على تقريب المدة؟ "، فقال: الثقة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عُدْ إليهِمْ فَزِدْهُمْ في الخَطْرِ وَازْدَدْ في الأجَلِ ". فزادهم قلوصين، وازداد منهم في الأجل سنتين، فأظفر الله تعالى الروم بفارس قبل انقضاء الأجل الثاني، تصديقاً لتقدير أبي بكر رضي الله عنه. وكان أُبَيٌّ قد مات من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة أُبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " تَصدَّق بِهِ " وكانت المُخاطرة بينهما قبل تحريم القِمار. وقيل: الذي خاطر أبا بكر رضي الله عنه إنما هو أبو سفيان، والأول أصح. كذا في " الوافي بالوفيات " للصلاح الصفدي، رحمه الله تعالى. باب في بيان العلم، والكُنية، واللقب، وكيفية ترتيب ذلك مع النسبة على اختلافها المتنوع اعلم أن الدال على مُعين مطلقا إما أن ييكون مُصدراً باب أو أم كأبي بكر، وأم كلثوم، وأم سلمة، وإما أن يشعر برفعة المسمى، كمُلاعب الأسنة، وعروة الصعاليك، وزيد الخيل، والرشيد، والمأمون، والواثق، والمكتفي، والظاهر، والنصر، وسيف الدولة، وعضد الدولة، وجمال الدين، وعز الدين، وإمام الحرمين، وصدر الشريعة، وتاج الشريعة، وفخر الإسلام، وملك النحاة، وإما أن يشعر بضعة المسمى كجُحى، وشيطان الطاق، وأبي العبر، وجحظة، وقد لا يشعر بواحد منهما، بل أجرى عليه ذلك بواقعة جرت، مثل: غسيل الملائكة، وحمى الدَّبر، ومُطين، وصالح جزرة، والمُبرد، وثابت قُطنة، وذي الرمة، والصعق، وصردر، وحيص بيص. فهذه الأقسام الثلاثة تسمى الألقاب. وإلا فهو الاسم الخاص، كزيد وعمرو، وهذا هو العلم، وقد يكون مفرداً كما تقدم، وقد يكون مركباً، إما من فعل وفاعل كتأبط شراً، وبرق نحره، وإما من مُضاف ومضاف إليه كعبد الله، أو من اسمين قد رُكبا وجُعلا بمنزلة اسم واحد كسيبويه، والمفرد قد يكون مُرتجلاً، وهو الذي ما استعمل في غير العلمية، كمذحج وأدد، وقد يكون منقولاً، إما من مصدرٍ؛ كسعد، وفضل، أو من اسم فاعل؛ كعامر، وصالح، أو من اسم مفعول؛ كمحمد، ومسعود، أو من أفعل تفضيل؛ كأحمد، وأسعد، أو من صفة؛ كثقيف وهو الدرب بالأمور الظافر بالمطلوب، وسلول، وهو الكثير السل، وقد يكون منقولاً من اسم عين؛ كأسد، وصقر، وقد يكون منقولاً من فعل ماض؛ كأبان وشمَّر، أو من فعل مضارع؛ كيزيد، ويشكر. وإذ قد عرفت العلم، والكنية، واللقب، فسردها يكون على الترتيب: تُقدم اللقب على الكنية، والكنية على العلم، ثم النسبة إلى البلد، ثم الأصل، ثم إلى المذهب في الفروع، ثم إلى المذهب في الاعتقاد، ثم إلى العلم، أو الصناعة، أو الخلافة، أو السلطنة، أو الوزارة، أو القضاء، أو الإمرة، أو المشيخة، أو الحج، أو الحرفة، كلها مقدم على الجميع. فتقول في الخلافة: أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبو العباس أحمد السامري، إن كان بسر من رأى، البغدادي، فرقاً بينه وبين الناصر الأموي صاحب الأندلس، الحنفي الأشعري، إن كان يتمذهب في الفروع بفقه أبي حنيفة، ويميل في الاعتقاد إلى أبي الحسن الأشعري، ثم تقول: القُرشي، الهاشمي، العباسي. وتقول في السلطنة: السلطان الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس الصالحي - نسبة إلى أستاذه الملك الصالح - التُركي الحنفي البندقدار، أو السلاح دار. وتقول في الوزراء: الوزير فلان الدين أبو كذا، وتسرد الجميع كما تقدم، ثم تقول: وزير فلان.

وتقول في القضاة كذلك: القاضي فلان الدين، وتسرد الباقي، كما تقدم. وتقول في الأمراء كذلك: الأمير فلان الدين، وتسرد الباقي، إلى أن تجعل الآخر وظيفته التي كان يُعرف بها قبل الإمرة، مثل الجاشكير، أو الساقي، أو غيرهما. وتقول في أشياخ العلم: العلامة، أو الحافظ، أو المسند، فيمن عُمِّر وأكثر الرواية، أو الإمام، أو الفقيه، وتسرد الباقي إلى أن تختم الجميع بالأصُولي، أو النحوي، أو المنطقي. وتقول في أصحاب الحرف: فلان الدين، وتسرد الجميع إلى أن تقول الحرفة إما البزاز، أو العطار، أو الخياط. فإن كان النسب إلى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قلت: القُرشي، التيمي، البَكري؛ لأن القرشي أعم من أن يكون تيمياً، والتيمي أعم من أن يكون من ولد أبي بكر رضي الله عنه. وإن كان النسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، قلت: القرشي، العدوي، العُمري. وإن كان النسب إلى عثمان رضي الله تعالى عنه، قلت: القرشي، الأموي، العُثماني. وإن كان النسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، قلت: القُرشي، الهاشمي، العلوي. وإن كان النسب إلى طلحة رضي الله تعالى عنه، قلت: القرشي، التيمي، الطلحي. وإن كان النسب إلى الزبير رضي الله تعالى عنه، قلت: القرشي، الأسدي، الزبيري. وإن كان النسب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، قلت القرشي، الزهري، السعدي. وإن كان النسب إلى سعيد رضي الله تعالى عنه، قلت: القرشي، العدوي، السعيدي، إلا أنه ما نُسب إليه فيما عُلم. وإن كان النسب إلى عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قلت، القرشي، الزهري، العوفي، من ولد عبد الرحمن بن عوف. وإن كان النسب إلى أبي عبيدة بن الجراح، قلت: القرشي، من ولد أبي عبيدة، على أنه ما أعقب. هذا الذي ذكرته هنا هو القاعدة المعروفة، والجادة المسلوكة المألوفة، عند أهل العلم. وإن جاء في الكتاب في بعض التراجم ما يُخالف ذلك من تقديم وتأخير، فإنما هو سبق من القلم، وذهول من الفكر، وما خالف الأصل يُرد إليه، ولا يعترض بعد وضوح الاعتذار عليه. والله أعلم. تنبيه كلما رفعت في أسماء الآباء والنسب وزدت انتفعت بذلك، وحصل لك الفرق. فقد حكى أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني، قال: حججت في سنةٍ، وكنت بمنى أيام التشريق، فسمعت مُنادياً يُنادي: يا أبا الفرج. فقلت: لعله يريدني، ثم قلت: في الناس كثير ممن يُكنى أبا الفرج، فلم أجبه، فنادى: يا أبا الفرج المُعافى. فهممت بإجابته، ثم قلت: قد يكون من اسمه المعافى وكنيته أبو الفرج. فلم أجبه. فنادى يا أبا الفرج المُعافى بن زكريا النهرواني. فقلت: لم يبق شك في مناداته إياي؛ إذ ذكر كنيتي، وأسمي، وأسم أبي، وبلدي، فقلت: ها أنا ذا، فما تريد؟ فقال: لعلك من نهروان الشرق؟ فقلت: نعم. فقال: نحن نريد نهروان الغرب. فعجبت من اتفاق ذلك. انتهى. وكذلك الحسن بن عبد الله العسكري أبو هلال، صاحب كتاب " الأوائل "؛ والحسن بن عبد الله العسكري أبو أحمد اللغوي صاحب كتاب " التصحيف " كلاهما الحسن بن عبد الله العَسكري، الأول موجوداً في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، والثاني توفي سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، فاتفقا في الاسم، واسم الأب، والنسبة، والعلم، وتقاربا في الزمان، ولم يُفرق بينهما إلا بالكنية؛ لأن الأول أبو هلال؛ والثاني أبو أحمد، والأول ابن عبد الله بن سهل ابن سعيد والثاني ابن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل؛ ولهذا كثير من أهل العلم بالتاريخ لا يفرقون بينهما، ويظنون أنهما واحد. ومثل هذا كثير جداً. وفي هذا القدر كفاية. والله تعالى أعلم. فصل في معرفة أصل الوفاة من حيث اللغة وفي ذكر فائدتها في التواريخ

فنقول: أصلها وَفَيَة، بتحريك الواو والفاء والياء، على وزن بقرة، ولما كانت الياء حرف علة سكنوها فصارت وَفَيْة، فلما سُكنت الياء وانفتح ما قبلها قُلبت ألفا، فقالوا: وَفَاة، ولهذا لما جمعوه رجعوا إلى أصله، فقالوا: وَفَيات، بفتح الواو والفاء والياء، كما قالوا شجرة وشجرات. وقالوا في الفعل منه: تُوفِّي زيد، بضم التاء والواو وكسر الفاء وفتح الياء، فبنوه على مال يُسم فاعله؛ لأن الإنسان لا يتوفى نفسه، فعلى هذا المتوفى، بكسر الفاء هو الله، أو أحد الملائكة بأمره تعالى، وزيد المتوفى، بفتح الفاء. وقد حُكي أن بعضهم حضر جنازة فسأل بعض الفضلاء، وقال من المتوفِّي؟ بكسر الفاء. فقال: الله تعالى. فأنكر ذلك. إلى أن بين لع الغلط، فقال: قُل المُتوفَّى بفتح الفاء. ذكر ذلك الصفدي في مقدمة تاريخه " الوَافي بالوفيات ". وذكر فيه أيضاً فوائد للتاريخ، وقال: منها واقعة رئيس الرؤساء مع اليهودي الذي أظهر كتاباً فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة الصحابة رضي الله تعالى عنهم، منهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء، ووقع الناس منه في حيرة، فعرضه على الحافظ أبي بكر، خطيب بغداد، فتأمله، وقال: إن هذا مزور. فقيل له: من أين لك ذلك؟. فقال: فيه شهادة معاوية رضي الله تعالى عنه، وهو أسلم عام الفتح، وفتوح خيبر سنة سبع، وفيه سعد ابن معاذ رضي الله تعالى عنه، ومات سعد يوم بني قريظة قبل خيبر بسنتين. ففرج ذلك على المسلمين غماً. قال الصلاح الصفدي: وروي عن إسماعيل بن عياش، أنه قال: كنت بالعراق، فأتاني أهل الحديث، فقالوا ها هنا رجل يحدث عن خالد بن معدان، فأتيته، فقلت: أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟. فقال: سنة ثلاثة عشرة، يعني: ومائة. فقلت: أنت تزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين، لأن خالداً مات سنة ست ومائة. وروي عن الحاكم أبي عبد الله، أنه قال: لما قدم أبو جعفر محمد بن حاتم الكشي - بالشين والسين معاً - وحدث عن عبد الله بن حميد، سألته عن مولده، فذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين. فقلت لأصحابنا: هذا سمع من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة. وفوائد تاريخ الوفاة لا تنحصر، وهذا القدر كافٍ منها، والله أعلم. باب في تعريف التاريخ بيان معناه وفضيلته، في أدب المؤرخ أقول وبالله التوفيق: قد كثرت الأقوال في تعريف التاريخ، وبيان فضيلته، وأحسن ما وقفت عليه من ذلك، ما نقله صاحب كتاب " غرر المحاضرة، ودُرر المكاثرة "، وهو الشيخ الإمام المؤرخ تاج الدين علي بن أنجب المعروف بابن الخازن، فإنه قال في كتابه المذكور: قال العلماء: التاريخ مَعادٌ معنوي؛ لأنه يعيد الأعصار وقد سلفت، وينشر أهلها وقد ذهبت آثارهم وعفت، وبه يستفيد عقول التجارب من كان غراً، ويلقى آدم ومن بعده من الأمم وهلم جرا، فهم لديه أحياء وقد تظمنهم بطون القبور، وغياب وهم عنده في عداد الحضور، ولولا التاريخ لجُهلت الأنساب، ونسيت الأحساب، ولم يعلم الإنسان أن أصله من تُراب، وكذلك لولاه لماتت الدول بموت زعمائها، وعمي على الأواخر حال قُدمائها. ولمكان العناية به لم يخل منه كتاب من كتب الله المُنزلة، فمنهم ما أتى بأخباره المُجملة، ومنا ما أتى بأخباره المفصلة. وقد ورد في التوراة سفر من أسفارها، يتضمن أحوال الأمم السالفة ومُدد أعمارها. وكانت العرب على جهلها بالقلم وخطه، والكتاب وضبطه، تصرف إلى التواريخ جُل دواعيها، وتجعل لها أوفر حظ من مساعيها، وتستغني بحفظ قلوبها عن حفظ مَكتوبها، وتعتاض برقم صدورها، عن رقم مسطورها، كل ذلك عناية بأخبار أوائلها، وأيام فضائلها، فهل للإنسان إلا ما أسسه وبناه، وهل البقاء لصورة لحمه ودمه لولا بقاء معناه. انتهى. وأما أدب المؤرخ، فقد ذكر أبن السُبكي في " طبقاته الكبرى " له قاعدة حسنة، فقال: قاعدة في المؤرخين نافعة جداً، فإن أهل التاريخ ربما وضعوا من أناس، أو رفعوا أتاساً، إما لتعصب، أو لجهل، أو لمجرد اعتماد على نقل من لا يوثق به، أو غير ذلك من الأسباب، والجهل في المؤرخين أكثر منه في أه الجرح والتعديل، وكذلك التعصب، قل أن رأيت تاريخاً خالياً من ذلك.

وأما تاريخ " شيخنا الذهبي " غفر الله له، فإته على حسنه وجمعه، مشحون بالتعصب المُفرط، لا واخذه الله، فلقد أكثر الوقيعة في أهل الدين، أعني الفقراء، الذين هم صفوة الخلق، واستطال بلسانه على كثير من أئمة الشافعيين والحنفيين، ومال فأفرط على الأشاعرة، ومدح فزاد في المُجسمة. هذا وهو الحافظ المِدره، والإمام المبجل، فما ظنك بعوام المؤرخين. فالرأي عندنا لا يقبل مدح ولا ذم من المؤرخين، إلا بما اشترطه إمام الأئمة، وحبر الأمة، وهو الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى، حيث قال، ونقلته من خطه في مجاميعه: يُشترط في المؤرخ الصدق، وإذا نقل يعتمد اللفظ دون المعنى، وأن لا يكون ذلك الذي نقله أخذه في المذاكرة، وكتبه بعد ذلك، وأن يسمي المنقول عنه؛ فهذه شروط أربعة فيما ينقله. ويُشترط فيه أيضاً لما يُترجمه من عند نفسه، ولما عساه يطول في التراجم من المنقول ويقصر، أن يكون عارفاً بحال صاحب الترجمة، علماً، وديناً، وغيرهما من الصفات، وهذا عزيز جداً، وأن يكون حسن العبارة، عارفاً بمدلولات الألفاظ، وأن يكون حسن التصور، حتى يتصور حال ترجمته جميع حال ذلك الشخص، ويعبر عنه بعبارة لا تزيد عليه ولا تنقص عنه، وأن لا يغلبه الهوى، فيخيل إليه هواه الإطناب في مدح من يحبه، والتقصير في غيره، بل يكون مجرداً عن الهوى، وهو عزيز جداً وإما أن يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه، ويسلك طريق الإنصاف. فهذه أربعة شروط أخرى، ولك أن تجعلها خمسة؛ لأن حسن تصوره وعلمه، قد لا يحصل معهما الاستحضار حين التصنيف، فتجعل حضور التصور زائداً على حسن التصور، والعلم. فهذه تسعة شروط في المؤرخ. وأصعبها الاطلاع على حال الشخص في اعلم؛ فإنه يحتاج إلى المشاركة في علمه، والقرب منه حتى يعرف مرتبته. انتهى. ثم ذكر أن كتابته لهذه الشروط بعد أن وقف على كلام ابن معين في الشافعي، وقول أحمد ابن حنبل: إنه لا يعرف الشافعي، ولا يعرف ما يقول. قلت: وما أحسن قوله " ولما عساه يطول في التراجم من المنقول، ويقصر " فإنه أشار به إلى فائدة جليلة، يغفل عنها كثيرون؛ ويحترز منها الموفقون، وهي تطويل التراجم وتقصيرها؛ فرب محتاط لنفسه لا يذكر إلا ما وجده منقولاً، ثم يأتي إلى من يُبغضه فينقل جميع ما ذكر من مذامه، ويحذف كثيراً مما نقل من ممادحه، ويجئ إلى من يُحبه فيعكس الحال فيه، يظن المسكين أنه لم يأت بذنبٍ؛ لأنه ليس يجب عليه تطويل ترجمة أحدٍ ولا استيفاء. ما ذكر من ممادحه، وما يظن المغتر أن تقصيره لترجمته بهذه النية استزراء به، وخيانة لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين، في تأدية ما قيل في حقه؛ من مدح وذم، فهو كمن يُذكر بين يديه بعض الناس فيقول: دعونا منه، أو: إنه عجيب، أو: الله يصلحه. فيظن أنه لم يعتبهُ بشئٍ من ذلك، وما يظن أن ذلك من أقبح الغيبة. ولقد وقفت في " تاريخ الذهبي " على ترجمة الشيخ الموفق ابن قدامة الحنبلي، والشيخ فخر الدين ابن عساكر، وقد أطال تلك، وقصر هذه، وأتى بما لا يشك الثبت أنه لم يحمله على ذلك إلا أن هذا أشعري، وذلك حنبلي، وسيقفون بين يدي رب العالمين. وكذلك ما أحسن قول الشيخ الإمام: " وأن لا يغلبه الهوى "؛ فإن الهوى غلاب إلا من عصمه الله تعالى. وقوله: " فإما أن يتجرد عن الهوى، أو يكون عنده العدل ما يقهر به هواه " عندنا فيه زيادة، فنقول: قد لا يتجرد من الهوى، ولكنه لا يظنه هوى، بل يظنه لجهله، أو لبدعته حقاً؛ ولذلك لا يتطلب ما يقهر به هواه؛ لأن المستقر في ذهنه أن محق، وهذا كما يفعل كثير من المتخالفين في العقائد بعضهم في بعض، فلا ينبغي أن يقبل قول مُخالف في العقيدة على الإطلاق، إلا أن يكون ثقة، وقد روى شيئاً مضبوطاً عاينه أو حققه. وقولنا: " مضبوطاً " احترزنا به عن رواية مالا ينضبط، من الترهات التي لا يترتب عليها عند التأمل والتحقق شيء. وقولنا: " عاينه أو حققه " ليخرج ما يرويه عن من غلا أو رخص ترويجاً لعقيدته.

وما احسن اشتراطه العلم، ومعرفة مدلولات الألفاظ، فلقد وقع كثيرون بجهلهم في جرح جماعة بالفلسفة، ظناً منهم أن علم الكلام فلسفة، إلى أمثال ذلك مما يطول عَدُهُ. فقد قيل في أحمد بن صالح، الذي نحن في ترجمته: إنه يتفلسف. والذي قال هذا لا يعرف الفلسفة. وكذلك قيل في أبي حاتم الرازي، وإنما كان رجلاً مُتكلماً. وقريب من هذا قول الذهبي في المُزني: إنه يعرف مضايق المعقول. ولم يكن الذهبي ولا المزني يدريان شيئاً من المعقول. والذي أفتى به، أنه لا يجوز الاعتماد على كلام شيخنا الذهبي في ذم أشعري، ولا شكر حنبلي. والله المستعان. انتهى كلام ابن السبكي بحروفه. قلت: أكثر هذه الشروط مفقودة في أكثر المؤرخين، في غالب التواريخ، خصوصاً تواريخ المتأخرين، وقلما تراها مجتمعة، حتى إن ابن السبكي نفسه يخالفهم في كثير من المواضع، ومن تأمل " طبقاته " حق التأمل، ووقف على كلامه في حق بعض المعاصرين له، ظهر له صحة ما ذكرنا، ونحن نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل بجميعها، وأن يعيننا عليه، ويسامحنا بما طغى به القلم، وحصل فيه الذهول، وكل عنه الفكر، وقصر في التعبير عنه اللسام، بمنه وكرمه. فصل في كيفية ضبط حروف المعجم قالوا: الياء الموحدة، وبعضهم يقول: الباء ثاني الحروف، والتاء المثناة من فوق، لئلا يحصل الشبه بالياء، لأنها مثناة، ولكنها من تحت، وبعضهم قال: ثالثة الحروف، والتاء المثلثة، والجيم، والحاء المهملة، والخاء المعجمة، والذال المهملة، والذال المعجمة، والراء والزاي. وبعضهم يقول: الراء المهملة، والزاي المعجمة، والسين المهملة، والشين المعجمة، والصاد المهملة، والضاد المعجمة، والطاء المهملة، والظاء المعجمة والعين المهملة، والغين المعجمة، والفاء، والقاف، والكاف، واللام، والهاء، والواو، والياء المثناة، وبعضهم يقول: آخر الحروف. هكذا يقولون إذا أرادوا ضبط كلمة؛ فإن أرادوا زيادة قالوا: على وزن كذا. فيذكرون كلمة توازنها، وهي أشهر منها، كما إذا قيدوا فلوا، وهو المهر، قالوا فيه: بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو، على وزن عَدو، فحينئذ يكون الحال قد اتضح، والإشكال قد زال. فائدة مهمة يُعرف منها فضيلة بيان طبقات الفقهاء، ومراتبهم والاحتياجات إلى ذلك. رأيتها في آخر " رسالة " ألفها الإمام العلامة أحمد بن سليمان الشهير بابن كمال باشا. تتعلق الرسالة بالكلام على مسألة دخول ولدِ البنت في الموقوف على أولاد الأولاد. قال رحمه الله تعالى: " لا بد للمفتي المقلد أن يَعلم حال من يُفتى بقوله، ولا نعني بذلك معرفته باسمه ونسبه إلى بلد من البلاد، إذ لا يُسمن ذلك من جوع ولا يغني، بل نعني معرفته في الرواية، ودرجته في الدراية، وطبقته من طبقات الفقهاء، ليكون على بصيرة وافية في التمييز بين القائلين المتخالفين، وقدرة كافية في الترجيح بين القولين المتعارضين. فنقول وبالله التوفيق: أعلم أن الفقهاء على سبع طبقات: الأولى، طبقة المجتهدين في الشرع، كالأئمة الأربعة، رضي الله عنهم، ومن سلك مسلكهم في تأسيس قواعد الأصول، واستنباط أحكام الفروع عن الأدلة الأربعة؛ الكتاب والسنة والإجماع والقياس، على حسب تلك القواعد، من غير تقليد لأحدٍ لا في الفروع، ولا في الأصول. والثانية: طبقة المجتهدين في المذهب، كأبي يوسف ومحمد، وسائر أصحاب أبي حنيفة، القادرين على استخراج الأحكام عن الأدلة المذكورة على مقتضى القواعد التي قررها أستاذهم أبو حنيفة، وإن خالفوه في بعض الأحكام الفروع، لكن يُقلدونه في قواعد الأصول، وبه يمتازون عن المُعارضين في المذهب، ويُفارقونهم، كالشافعي ونظرائه، المخالفين لأبي حنيفة في الأحكام، غير مقلدين له في الأصول. والثالثة: طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن أصحاب المذهب، كالخصاف، وأبي جعفر الطحاوي، وأبي الحسن الكرخي، وشمس الأئمة الحلواني، وشمس الأئمة السرخسي، وفخر الإسلام البزدوي، وفخر الدين قاضي خان، وأمثالهم؛ فإنهم لا يقدرون على المخالفة لشيخ، لا في الأصول، ولا في الفروع، ولكنهم يستنبطون الأحكام في المسائل التي لا نص عنه فيها حسب أصول قررها، ومقتضى قواعد بسيطة.

والرابعة: طبقة أصحاب التخريج من المقلدين، كالرازي، وأضرابه، فإنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلاً، لكنهم لإحاطتهم بالأصول، وضبطهم للمأخذ، يقدرون على تفصيل قول مُجمل في وجهين، وحكم مهم مُحتمل لأمرين، منقول عن صاحب المذهب، أو عن واحد من أصحابه المجتهدين، برأيهم ونظرهم في الأصول، والمُقايسة على أمثاله ونظرائه من الفروع، وما وقع في بعض المواضع من " الهداية " من قوله: " كذا في تخرج الكرخي وتخريج الرازي "، من هذا القبيل. والخامسة: طبقة أصحاب الترجيح من المقلدين، كأبي الحسين القدوري، وصاحب " الهداية "، وأمثالهما، وشأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض آخر، بقولهم: هذا أوْلى، وهذا أصح رواية، وهذا أرفق للناس. والسادسة: طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين الأقوى، والقوي، والضعيف، وظاهر المذهب، وظاهر الرواية، والرواية النادرة، كأصحاب العقول المعتبرة من المتأخرين، مثل صاحب " الكنز "، وصاحب " المختار "، وصاحب " الوقاية "، وصاحب " المجمع "، وشأنهم أن لا ينقلوا في كتبهم الأقوال المردودة، والروايات الضعيفة. والسابعة: طبقة المقلدين الذين لا يقدرون على ما ذُكر، ولا يفرقون بين الغث والسمين، ولا يميزون الشمال عن اليمين، بل يجمعون ما يجدون، كحاطب الليل، فالويل لهم ولمن قلدهم كل الويل ". انتهى ما قاله ابن كمال باشا بحروفه، وهو تقسيم حين جداً. فائدة مهمة يتعين إيرادها، ولا يستغنى عنها، نقلتها من خط المولى العلامة علي جلبي بن أمر الله الشهير بقنالي زاده، رحمه الله تعالى. اعلم، وفقك الله تعالى، أن مسائل أصحابنا الحنفية، رحمهم الله تعالى، على ثلاث طبقات: الأولى: مسائل الأصول، وتُسمى ظاهر الرواية أيضاً، وهي مسائل رُويت عن أصحاب المذاهب، وهم أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد رحمهم الله تعالى، لكن الغالب الشائع في ظاهر الرواية، أن يكون قول الثلاثة، أو قول بعضهم. ثم هذه المسائل التي تُسمى بظاهر الرواية والأصول، هي ما وجد في كتب محمد التي هي: " المبسوط "؛ " والزيادات "، " والجامع الصغير "، " والجامع الكبير "، " والسِّيَر ". وإنما سميت بظاهر الرواية، لأنها رويت عن محمد بروايات الثقات، فهي ثابةٌ عنه؛ إما متواترة، أو مشهورة. الثانية: مسائل النوادر، وهي مسائل مروية عن أصحاب المذاهب المذكورين، لكن لا في الكتب المذكورة؛ إما في كتب أخر لمحمد وغيرها، ك " الكَيْسانيَّات "، و " الهارونيات "، و " الجرجانيات "، و " الرقيات ". و'نما قيل لها غير ظاهرة الرواية؛ لأنها لم ترد عن محمد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة كالكتب الأولى، وإما في كتب غير كتب محمد ككتاب " المجرد " للحسن بن زياد، وغيره. ومنها كتب " الأمالي " المروية عن أبي يوسف، والإملاء أن يقعد العالم وحوله تلامذته بالمحابر والقراطيس، فيقول بما فتحه الله عليه من ظهر قلبه، وتكتبه التلامذة، ثم يجمعون ما يكتبونه في المجالس، ويصير كتاباً فيسمونه الإملاء والأمالي. وكان ذلك عادة العُلماء السلف من الفقهاء، والمحدثين، وأصحاب العربية، فاندرست لذهاب العلم وأهله، وإلى الله تعالى المصير. وإما بروايات مُفردة، مثل رواية أبن سماعة، ومعلى بن منصور، وغيرها، في مسائل مُعينة. والثالثة: الفتاوي، وتسمى الواقعات أيضاً، وهي مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون لما سئل منهم، ولم يجدوا فيها رواية عن أصحاب المذهب، وهم أصحاب أبي يوسف ومحمد، وأصحاب أصحابهما، وهلم جرا، وهم كثيرون، موضع ضبطهم كتاب " الطبقات " لأصحابنا. وغالب من يُنقل عنهم المسائل أصحاب أبي يوسف ومحمد، كمحمد بن سلمة، ونصير ابن يحيى، وأبي القاسم الصفار. ومن أصحاب أبي يوسف، مثل عصام بن يوسف، وأبن رستم. ومن أصحاب محمد، مثل أبي حفص البخاري، وكثيرين. وقد يتفق لهؤلاء العلماء أن يخالفوا أصحاب المذاهب، لدلائل وأسباب ظهرت لهم بعدهم. وأول كتاب جُمع في فتاويهم كتاب " النوازل " للفقيه أبي الليث السمرقندي، وكذلك " العُيون " له؛ فإنه جمع صور فتاوي جماعة من المشايخ، ممن أدركهم بقوله: سئل أبو القاسم في رجل كذا أو كذا، فقال: كذا وكذا. سئل محمد بن سلمة عن رجل كذا وكذا، فقال: كذا أو كذا. وهكذا.

ثم جمع المشايخ بعده كتباً أخر في الفتاوى ك " مجموع النوازل والواقعات " للناطفي، و " الواقعات " للصدر الشهيد، رحمه الله تعالى. ثم جمع المتأخرون هذه المسائل في فتاواهم وكتبهم مختلطة، غير متميزة، كما في " جامع قاضي خان "، " الخلاصة "، وغيرهما. وميز بعضهم كما في كتاب " المحيط " لرضي الدين السرخسي؛ فإنه ذكر أولاً مسائل الأصول، ثم النوادر، ثم الفتاوى، ونعم ما فعل. واعلم أن من كتب الأصول، كتاب " الكافي " للحاكم الشهيد، وهو كتاب معتمد في نقل المذهب. وشرحه جماعة من المشايخ منهم: الإمام شمس الأئمة السرخسي وهو " مبسوط " السرخسي، والإمام القاضي الأسبيجابي، وغيرهما. ومن كتب المذهب " المنتقى " له أيضاً، إلا أن فيه بعض النوادر؛ ولهذا يذكره صاحب " المحيط " بعد ذكره النوادر معنوناً بالمنتقى، ولا يوجد " المنتقى " في هذه الأعصار. واعلم أيضاً أن نسخ " المبسوط " المروى عن محمد متعددة، وأظهرها مبسوط أبي سليمان الجُوزجاني. وشرح " المبسوط " المتأخرون، مثل شيخ الإسلام أبي بكر المعروف بخواهر زاده، ويسمى " المبسوط البكري " والصدر الشهيد وغيرهما، ومبسوطهم شروح في الحقيقة، ذكرها مختلطة بمبسوط محمد، كما فعل شُرَّاح " الجامع الصغير "، مثل فخر الإسلام، وشيخ الإسلام، وقاضي خان، وغيرهم. وقد يقال: ذكره قاضي خان، في " الجامع الصغير "، مثل فخر الإسلام، وشيخ الإسلام، وقاضي خان، وغيرهم. وقد يقال: ذكره قاضي خان، في " الجامع الصغير "، والمراد شرحه، وكذا غيره، فاعلم ذلك، والله أعلم. فصل يتضمن بيان ماصطلحت عليه في هذا الكتاب، من ترتيب وتقديم وتأخير، وغير ذلك؛ ليَسْهُل كَشْفُه، ولا تتعَسَّر مُراجعته فأقول وبالله التوفيق: قد رتب هذا التأليف على حروف المعجم كترتيب أكثر المؤرخين. فأبتدى أولاً من الأسماء بما أوله همزة وثانيه همزة، ثم بما أوله همزة وثانيه ألف ساكنة، ثم بما أوله همزة وثانيه باء موحدة، ثم بما ثانيه تاء مُثناة من فوق، ثم بما ثانية ثاء مُثلثة، وهكذا إلى آخر الحروف. ثم بما أوله باء موحدة وثانيه همزة أو ألف ساكنة، ثم بما ثانيه باء أيضاً، ثم بما ثانيه تاء مُثناة، وهكذا إلى آخر الحروف. ثم أذكر في أواخر الكتاب أصحاب الكُنى جميعاً في حروف الهمزة، أقدم من لم يعرف له أسمٌ سوى الكنية، ثم من له اسم واشتهر بكنيته وله ترجمة في حرف من الحروف، أذكره باختصار، ولا أعيد له ترجمة، وأذكر اسمه واسم أبيه ليسهل كشفه في محله. وأذكر جميع هذه الكُنى مُرتبة ترتيب الأسماء وبالنظر إلى ما بعد ذكر الأب، كأبي إبراهيم، أذكره مُقدماً على أبي أحمد، وأبي داود مُقدماً على أبي ذر، وهكذا إلى آخر الحروف. وأذكر في آخر الكتاب باباً للألقاب، وباباً فيمن اشتهر بابن فلان، وباباً في الأنساب. أقدم في كل من البابين الأولين من اشتهر بلقبه، واشتهر بأبيه ولم يعرف له اسم، ثم من له اسم منهما اذكره باختصار، كما فعلته في الكنى. وأما الأنساب فأقدم فيها من لا يعرف إلا بالنسبة ولم يذكر له في الكتاب ترجمة، وأما من ذكر له في الكتاب ترجمة، فقد أذكره في نسبته، وقد لا أذكره، لأن ذكر جميع من انتسب في الكتاب إلى الموصل أو الشام أو حماة مثلاً في تلك النسبة، مما يطول شرحه، ويُمل ذكره، بلا كبير فائدة. هذا ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أظهر هذا الدين القويم، وأنار هذا السراط المستقيم، وكان كل فضل منسوباً إلى فضله، وكل علم مستفاداً من علمه، ولولاه ما كان عالم يذكر، ولا فاضل علمه يُنشر، وكانت سائر الأفاضل، والعلماء الأماثل، والأولياء المخلصين، والصلحاء السابقين، يغترفون من ذلك البحر، ويستنيرون بذلك البد. وكانوا كما قال صاحب البردة، رحمه الله تعالى: وكُلُهُمْ مِن رَسُولِ اللهِ مُلتمِسٌ ... غَرْفاً من البَحْر أو رَشْفاً من الَّيَمِ تعين أن نبدأ بذكر شيء يسير من سيرته الشريفة، وأوصافه المُنيفة، لتكون لهذا الكتاب مشرفة، وعلى غيره من الطبقات التي خلت عنها مُفضلة، ويكون لهم في الذكر إماماً، كما كان لهم في الدين هادياً وهُماماً.

ثم نتلوه بذكر ترجمة الإمام الأعظم، والحبر البحر المُكرم، أحد أفراد الزمان، وإنسان عين الأعيان، الذي سارت بفضله الركبان، وعمت فواضله سائر البلدان، واعترف بمعروفه الشامل كل قاص ودان، وأجمعت الأمة، أنه قدوة الأئمة، وهو أبو حنيفة النعمان، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه، وفي ذلك المحل المقدس جمعنا وإياه. فإنه صاحب المذهب الذي به يأخذون، وعليه يعتمدون، وله يقلدون، ومن بحر علمه يغترفون، تغمده الله برحمته ورضوانه، وأباحه بحبوحة جنانه، ونفعنا ببركات عُلومه في الدنيا والآخرة، أنه جواد كريم، رؤوف رحيم. واعْلم أيها الواقف على كتابي هذا أني ربما أكثرت في بعض التراجم، من إيراد نفائس الأشعار، ومحاسن الأخبار، ولطائف النوادر، ونوادر اللطائف، وربما ذكرت في الأنساب شيئاً من أوصاف البُلدان، وخصائصها، وما قيل فيها من الأشعار، وورد في حقها من الأخبار والآثار، ومقصودي بذلك أن يكون مُطالعه متنزهاً في رياض من الآداب، لا يذوى زهرها، ولا يمنع ثمرها، حتى لا يمل مطالعه، ولا يصادف الضجر سامعه. وهذا أوان الشروع في المقصود، بعون الملك المعبود، فنقول وبالله التوفيق، ومنه التيسير. سيرته صلى الله عليه وسلم مُحمَّدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبيبه وصفيه وخيرته من خلقه، وأفضل الأولين والآخرين، أبو القاسم بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، الذي قيل فيه: وكم أبٍ قد عَلا بابنٍ ذُرَى شرَفٍ ... كما عَلاَ برَسولِ الله عَدْنانُ هذا هو المتفق على صحته. ومن هنا إلى آدم عليه الصلاة والسلام مختلف فيه، ومذكور في كتب السيرة المطولة، فمن أراد الوقوف عليه فليراجعها. ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، في شهر ربيع الأول من عام الفيل، قيل: ثانيه، وقيل: ثالثه، وقيل ثاني عشره، وقيل غير ذلك. يَوْمٌ أضاء به الزمانُ وفتَّحتْ ... فيه الهدَايةُ زَهْرةَ الآمالِ ومات أبوه وله من العمر ثمانيةٌ وعشرون شهراً، وقيل شهران، وقيل: سبع، وقيل: وهو حَمْل، وكفله جَدُّه عبد المطلب، ثم توفي عبد المطلب وله صلى الله عليه وسلم من العمر إذ ذاك ثمان سنين وشهران وعشرة أيام، فكفله عمُّه أَبو طالب. وماتت أمه آمنة، وهو ابن أربع سنين، وقيل: ست. وأرضعته حَليمة السعدية، وثويبة الأسلمية، وحضنته أم أيمن. ولما بلغ اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام، خرج مع عمِّه أَبي طالب إلى الشام، فلما بلغ بُصرى رآه بحيرى الراهب، فعرفه، بصفته، فجاءهُ وأخذ بيده، وقال: هذا رسول ربِّ العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين، إنكم حين أقبلتم من العقبة لم يبق حجرٌ ولا شجر إلا خَرَّ ساجداً، ولا يسجد إلا لنبي، وإنا نجده في كُتبنا. وقال لأبي طالب: لئن قدمت به إلى الشام لتقتله اليهود. فرده خوفاً عليه منهم. ثم خرج مرة ثانية إلى الشام، مع ميسرة غلام خديجة بنت خويلد، في تجارة لها قبل أن يتزوجها، فلما قدم الشام، نزل تحت ظل شجرة قريباً من صومعة راهب، فقال الراهب: ما نزل تحت ظل هذه الشجرة إلا نبي. وكان ميسرة يقول: إذا كان الهاجرة، واشتد الحر، نزل ملكان يُظلانه. ولما رجع من سفره تزوج خديجة بنت خويلد، وعمره خمس وعشرون سنة وشهران وعشرة أيام، وقيل غير ذلك. ولما بَلغ خمساً وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة، ووضع الحجر الأسود بيده. ونشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه، وقد طهره الله تعالى من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلُق جميل، حتى لم يكن يُعرف من بينهم إلا بالأمين؛ لما رأوه من أمانته، وصدق لسانه، وطهارته. ولما بلغ أربعين سنة ويماً بعثه الله بشيراً ونذيراً، وأتاه جبريل عليه السلام بغار حراء، فقال: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فقال في الثالثة: (اقْرَأ باسْمِ رَبِّكَ الذِي خَلَقَ) إلى قوله تعالى: (عَلّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) .

وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي، الرؤيا الصادقة في النوم، وكان لا يرى رُؤيا إلا جاءت مثل فلق الصُبح، وحُبِّب إليه الخَلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع لخديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحقُّ. رواه البخاري ومسلم. وكان مبدأ النبوة فيما ذُكر يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول. ثم حصره أهل مكة هو وأهل بيته في الشعب ثلاث سنين، ثم خرج من الشعب وله تسع وأربعون سنة. وبعد ذلك بثمانية أشهر وأحد وعشرين يوماً، مات عمُّه أبُو طالب. وماتت خديجة، رضي الله تعالى عنها بعد أبي طالب بثلاثة أيام. وكانت أول من آمن بما جاء به، ثم آمن أبو بكر، ثمّ علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وبلال رضي الله تعالى عنهم، ثم بعد هؤلاء عمرو بن عبسة السلمي، وخالد بن سعيد ابن العاص، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وطلحة بن عُبيد الله ابن عثمان، ثم كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه تمام الأربعين إسلاماً. ذكر ذلك ابنُ حَزْم في " مختصر السيرة ". ولما بلغ خمسين سنة وثلاثة أشهر قدِم عليه جِنُّ نصيبين فأسلموا. ولما بلغ 'حدى وخمسين سنة وتسعة أشهر، أسري به إلى بيت المقدس. روى البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أُسري به، قال: " بينما أنا في الحطيم " - وربما قال: " في الحجر مضطجع " - ومنهم من قال: " بين النائم واليقظان "، " إذ أتاني آت "، قال: فَسمعته يقول: " فشق ما بين هذه إلى هذه ". فقيل للجارود: ما يَعنى به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شِعرته. وسمعته يقول: من قصه إلى شِعرته. " فاستخرج قلبي ثم أُتيت بطشت من ذهب مملوءة إيماناً، فغسل قلبي ثم حُشي، ثم دُعي بدابة دون البغل وفوق الحمار " فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ فقال أنس: نعم، يضع خطوة عند أقصى طرفه " فحملت عليه، فانطلق بي جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء " الحديث بطوله. ورأى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ورأى من آيات ربه الكبرى، ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، وأوحى إليه ما أوحى، وفرضت الصلاة تلك الليلة، ولما أصبح قص على قريش ما رأى. وروى البخاري، ومسلم، والترمذي عن جابر، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " لما كذبني قريش قُمت إلى الحجر الأسود، فجلا الله لي بيت المقدس، فطفقت أُخبرهم عن آياته، وأنا أنظر إليه ". وقد اختلف الناس في كيفية الإسراء، فالأكثرون من طوائف المسلمين متفقون على أنه بجسده صلى الله عليه وسلم، والأقلون قالوا بروحه. حكى الطبري في " تفسيره " عن حذيفة، أنه قال: كل ذلك رؤيا. وحكى هذا القول أيضاً عن عائشة، وعن معاوية رضي الله تعالى عنهما. ومنهم من قال بجسده إلى بيت المقدس، ومن هناك إلى السموات السبع بروحه. قال الصلاح الصفدي، بعد أن نقل ما ذكرناه من الأقوال، قلت: والصحيح الأول؛ لأنه قد صح أن قريشاً كذبته، ولو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت رُؤيا، لما كُذِّب، ولا أنكر ذلك على غيره، فضلاً عنه؛ لأن آحاد الناس يرون في منامهم أنهم ارتقوا إلى السموات. وما ذلك ببدع. قال: أنشدني لنفسه الشيخ الإمام شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سلمان بن فهد الحلبي الكاتب رحمه الله تعالى قراءة منى عليه، من جملة قصيدة طويلة، من جُملة مُجلدة فيها مدح النبي صلى الله عليه وسلم: أُسْرى إلى الأقْصَى بجسمِكَ يَقْظةً ... لا في المنام فَيقبلُ التَّأويلاَ إذ أنْكرتْه قريشُ قبل ولم تكنْ ... لِترَى المَهُولَ من المنامِ مَهُولا ولما بلغ صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وخمسين سنة هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ومولى أبي بكر عامر بن فُهيرة، ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي. قال الحافظ عبد الغني، وغيره: وهو كافر، ولم نعرف له إسلاماً.

فأقام بالمدينة عشر سنين. وكان يُصلى إلى بيت المقدس مُدة إقامته بمكة، ولا يستدبر الكعبة يجعلها بين يديه، وصلى إلى بيت المقدس بعد قدومه المدينة سبعة عشر شهراً، أو سنة عشر شهراً، ولما أكمل في المدينة عشر سنين سوا تُوفي وقد بلغ ثلاثاً وستين سنة، وقيل غير ذلك، وفيما تقدم من التواريخ خلاف، وكانت وفاته يوم الاثنين، حين اشتد الضُّحى، لثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، ومرض أربعة عشر يوماً، ودفن ليلة الأربعاء. ولما حضره الموت كان عنده قدح فيه ماء، فجعل يدخل يده فيه ويمسح وجهه ويقول: " اللهم أعني على سكرات الموت ". وَسجي ببرد حبرة. وقيل: إن الملائكة سجته. وكذب بعض أصحابه بموته دَهشة، يُحكى ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه، وأُرس عُثمان رضي الله تعالى عنه، وأقعد رضي الله تعالى عنه، ولم يكن فيهم أثبت من العباس، وأبي بكر رضي الله تعالى عنهما. ثم إن الناس سمعوا من باب الحجرة: لا تغسلوه، فإنه طاهر مُطهر. ثم سمعوا بعد ذلك: اغسلوه؛ فإن هذا إبليس، وأنا الخضر، وعزاهم فقال: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، وَدركاً من كل فائت، فبالله فثقوا، فإن المصاب من حُرم الثواب. واختلفوا في غسله، هل يكون في ثيابه أو يجرد عنها؟ فوضع الله عليهم النوم، فقال قائل، لا يدري من هو: اغسلوه في ثيابه. فانتبهوا، وفعلوا ذلك. والذين ولوا غسله عَليٌّ والعباس، ووالده الفضل، وقثم، وأسامة وشقران مَولياه، وحضرهم أوس بن خولي من الأنصار، ونفضه عليّ فلم يخرج منه شيء، فقال: صلى الله عليك وسلم، طِبت حياً وميتاً. وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة، بل لفائف من غير خياطة. وصلى المسلمون عليه أفذاذاً، ولم يأمُهم أحد. وفرش تحته في القبر قطيفة حمراء، كان يتغطى بها. ونزل شقران، وحفر له، وألحد وأطبق عليه تسعُ لِبنات. واختلفوا: أيُلحد، أم يُضرح؟. وكان بالمدينة حفاران، أحدهما يلحد، وهو أبو طلحة، والآخر يضرح وهو أبو عبيدة، فاتفقوا أن من جاء منهما أولاً عمل عليه، فجاء الذي يلحد، فلحد له. ونُحي فراشه، وحُفر له مكانه في بيت عائشة، رضي الله تعالى عنها. وقال الحافظ عبد الغني: حول فراشه. وكان ابتداء وجعه في بيت عائشة، واشتد أمره في بيت ميمونة، فطلب من نسائه أن يُمرض في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها، فأذن له في ذلك، وكان ما ابتدأ به من الوجع صُداع، وتمادى به، وكان ينفث في علته شيئاً يشبه أكل الزبيب، ومات بعد أن خيره الله تعالى بين البقاء في الدنيا ولقاء ربه، فاختار لقاء الله تعالى. ويروى أن عمر رضي الله تعالى عنه سمع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يقول، وهو يبكي: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد كان لك جذع تخطب عليه، فلما كثُر الناس اتخذت منبراً تسمعهم، فحن الجذع لفراقك، حتى جعلت يدك عليه، فسكن، فأمتك أولى بالحنين عليك حين فارقتهم. بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عند ربك، أن جعل طاعتك طاعته، فقال تعالى: (مَن يُّطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطَاع الله) . بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عنده، أن أخبرك بالعفو عنك، قبل أن يخبرك بذنبك، فقال: (عَفَا الله عَنْكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ) . بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عنده أن جعلك آخر الأنبياء، وذكرك في أولهم، فقال تعالى: (وإذْ أخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْك وَمِنْ نُوحٍ وإبْراهيمَ ومُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) . بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون لو يكونوا أطاعوك، بين أطباقها يُعذبون، ويقولون: (يَا لَيْتَنَا أطَعْنا اللهَ وأطَعْنَا الرَّسُولاَ) . بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إن كان موسى بن عمران عليه السلام، أعطاه الله حَجراً تتفجر منه الأنهار، فماذا بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء صلى الله عليك وسلم. بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لئن كان سُليمان بن داود أعطاه الله الريح غدوها شهر ورواحها شهر، فما ذلك بأعجب من البُراق حين سرت عليه إلى السماء السابعة، ثم صليت الصبح بالأبطح، صلى الله عليك وسلم.

بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لئن كان عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، أعطاه الله تعالى إحياء الموتى، فما ذلك بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك وهي مشوية، فقالت: لا تأكلني؛ فإني مسمومة. بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد دعا نوح على قومه، فقال: (رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرضِ مِنَ الكَافِرينَ دَيَّارا) ، ولو دَعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا، فلقد وطئ ظهرك، وأدمي وجهك، وكسرت رباعيتك، فأبيت أن تقول إلا خيراً، فقلت: " الَّلهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمي فَإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ". بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد اتبعك في قلة سنك، وقصر عمرك، ما لم يتبع نُوحاً في كبر سنه، وطول عمره، فلقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل. بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لو لم تجلس إلا كفواً ما جالستنا، ولو لم تنكح إلا كفواً ما آكلتنا، لَبست الصوف، وركبت الحمار، ووضعت طعامك بالأرض، ولعقت أصابعك تواضعاً منك صلى الله عليك وسلم. صفته صلى الله عليه وسلم كان ربعة، بعيد ما بين المنكبين، أبيض اللون، مُشرباً حمرة، يبلغ شعره شحمة أذُنيه. قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له شعر فوق الجمة ودون الوفرة. رواه أبو داود، والترمذي. وقالت أم هانئ، رضي الله تعالى عنها: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وله أربع غدائر. روياه أيضاً. كان سبط الشعر، في لحيته كثاثة، ومات ولم يبلغ الشيب رأسه ولحيته عشرين شعرة، ظاهر الوضاءة، يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر. وروى عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها وصفته، فقالت: كان والله كما قال شاعره حسان بن ثابت الأنصاري: مَتى يَبْدُ في الدّاجي الْبَهيمِ جَبِينُه ... يَلُحْ مثلَ مِصْباحِ الدُّجَى المتوقِّدِ فمَن كان أوْ مَن قد يَكونُ كأحمدٍ ... نِظامٌ لحقٍّ أوْ نَكَالٌ لِمُعْتَدِي وروي عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه قال: كان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أمينٌ مُصطفىً بالخَيْرِ يَدعو ... كضَوْء البَدْرِ زايَلهُ الظلاَم وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إذا رآه ينشد قول زهير في هرم بن سنان: لو كنت من شيء سوى بشرٍ ... كُنت المضي لليلةِ البدرِ أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، أقنى العرنين، سهل الخدين، أزج الحاجبين، أقرن، أدعج العين، في بياض عينيه عروق حمر رقاق، حسن الخلق، معتدله، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، دقيق المَسربة، كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سُرته شعر مُجرى كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، ششن الكف والقدم، ضليع الفم، أشنب، مُفلج الأسنان، بادناً مُتماسكاً، سواء البطن والصدر، ضخم الكراديس، أنور المُتجرد، أشعر الذراعين والمنكبين، عريض الصدر، طويل الزند، رحب الراحة، سائل الأطراف، سبط القضيب، خمصان، بين كتفيه خاتم النبوة. قال جابر بن سمرة: مثل بيضة الحمام يشبه جسده. إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما ينقلع من صخر، إذا التفت جميعاً، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر. وقال عند أم سليم، فعرق، فجاءت بقارورة، فجلت تسكب العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا " أم سليم، ما هذا الذي تصنعين؟ ". قالت: هذا عرقك، نجعله في طيبنا، وهو أطيب الطيب. وفي وصف أم معبد له: وفي صوته صَهَل، وفي عنقه سطع، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البها، أحمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق. وفي وصف هند بن أبي هالة: خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام. وفي وصف عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أجود الناس كفاً، وأرحب الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس بذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه أحبه، يقول ناعيته: لم أر قبله ولا بعده مثله، صلى الله عليه وسلم. شرح الغريب مما في صفته صلى الله عليه وسلم الوضاءة: الحُسن والجمال.

والأزهر: الأبيض. والأمهق: الشديد البياض، ليس بنيرٍ ولا تخالطه حُمرة. والآدم من الناس: الأسمر. والقنا: احديداب في الأنف. والزجج: دقة في الحاجبين وطول. والدعج: شدة سواد العينين. والمشذب: الطويل. والمسربة، بضم الراء: الشعر الذي يأخذ من الصدر إلى السرة، وهو مستدق. واللبة: المنحر. والشثن، بتحريك الثاء: مصدر شثنت كفه، إذا خشنت وغلظت. وضليع الفم، قال أبو عبيد: أراد أنه كان واسع الفم. قال القتيبي: ضليع الفم: عظيمه. والشنب: حدة الأسنان. والبادن السمين. والمتماسك: المُستمسك اللحم. والكراديس: جمع كُردوس، وهو كل عظيمين التقيا في مفضل. وسواء البطن والصدر، يريد أن بطنه غير مُستفيض، فهو مُساوٍ لصدره. أنور المتجرد، يعني شديد بياض ما جرد عنه الثوب. رحب الراحة: واسع الكف. والخمصان، الخمص: ما ارتفع عن الأرض من باطن القدم. الصهل، والصحل في رواية: شِبه البحة، وهو غلظ في الصوت، لأنه مأخوذ من صهيل الفرس. والسطع: طول العنق. أسماؤه صلى الله عليه وسلم روى البخاري والنسائي، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مُذمما، ويلعنون مُذمما، وأنا مُحمد ". قال السخاوي في " سفر السعادة ": قيل لعبد المطلب: بم سميت ابنك؟ فقال: بمحمد. فقالوا له: ما هذا من أسماء آبائك! قال: أردت أن يحمد في السماء والأرض. قال الصفدي: وأحمد أبلغ من محمد، كما أن أحمر وأصفر أبلغ من مُحمر ومُصفر. وروى البخاري، ومسلم، والترمذي، عن جبير بن مُطعم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لي خمسة أسماء، أنا مُحمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحوا الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب ". والعاقب: الذي ليس بعده نبي. وقد سماه الله تعالى رءوفاً رحيما. قال الصلاح الصفدي: أنشدني لنفسه قراءة منِّي عليه، الشيخ الإمام الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس اليعمري، فيما وافق من أسماء الله الحسنى لأسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قصيدة له في مدحه: وَحلاَّهُ من حُسْنى أسَامِيه جُمْلةً ... أتى ذكرُها في الذِّكر ليس يبيدُ وفي كُتب الله المُقدَس ذِكرُها ... وفي سُنَّةٍ تأتي بها وتُفِيدُ رَءوفٌ رحيمٌ فاتحٌ ومُقدَّسٌ ... أمينٌ قويٌ عَالِمٌ وشهيدُ وَليٌّ شكورٌ صادقٌ في مَقالِه ... عَفُوٌ كريمٌ بالنَّوَالِ يعودُ ونُورٌ وجبارٌ وهَادي من اهتدَى ... ومولى عزيزٌ ليس عنه مَحيدُ بَشيرٌ نذيرٌ مؤمنٌ ومُهَيْمِنٌ ... خَبيرٌ عَظيمٌ بالعَظيم يَجُودُ وحقٌ مُبينٌ آخرٌ أول سما ... إلى ذِروة العلياء وهو وَليدُ فآخِرُ أعْني آخِرَ الرُّسْل بَعْثُه ... وأولُ مَن ينشقُ عَنهُ صَعِيدُ أسامٍ يَلَذُ السَّمعُ إن هي عُدِّدَتْ ... نعُوتُ ثَنَاءٍ والثناءُ عَديدُ وقال حسان بن ثابت، رضي الله تعالى عنه: فشقّ له إسْمهِ ليُجِلَّهُ ... فذُو الْعَرشِ محمودٌ وهذا مُحمَّدُ ومن أسمائه: المُقفى، ونبي التوبة، ونبي الرحمة. وفي صحيح مسلم: ونبي المرحمة. ومن أسمائه: طه، ويس، والمزمل، وعبد الله، في قوله تعالى: (وأنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) ، وَمُذِّر في قوله تعالى: (إنَّمَا أنْتَ مُذَكِّرٌ) . وله من الأسماء غيرُ ذلك. اصطفاؤه، وفضله على سائر الخلق روى البخاري، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " بعثت من خير قرون بني آدم، قرناً فقرنا، حتى كنت من خير قرن، كنت منه ". وروى مسلم، والترمذي، عن واثلة بن الأسقع، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كِنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ". وروى الترمذي، عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون، وهم ينتظرون خروجه.

قال: فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون، فسمع حديثهم، فقال بعضهم: عجبا، إن الله تبارك وتعالى اتخذ من خلقه خليلا، اتخذ إبراهيم خليلاً. وقال آخر: ماذا بأعجب من كلام موسى، كلمه تكليما. وقال آخر: ماذا بأعجب من جعله عيسى كلمة الله وروحه. وقال آخر: ماذا بأعجب من آدم، اصطفاه الله عليهم - زاد رزين -: وخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته - ثم اتفقا -. فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أصحابه، وقال: " قد سمعت كلامكم وعجبكم أن إبراهيم خليل الله، وهو كذلك، وأن موسى نجي الله، وهو كذلك، وأن عيسى روح الله وكلمته، وأن آدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله، ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مُشفع يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين، ولا فخر ". أخلاقه صلى الله عليه وسلم سُئلت عائشة رضي الله تعالى عنها، عَنهُ، فقالت: كان خُلُقُه القرآن؛ يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه، ولا ينتقم لنفسه، ولا يغضب لها، إلا أن تُنهك حُرمات الله فيغضب الله، وإذا غضب لم يقم لغضبه أحد. وكان أشجع الناس، وأسخاهم، وأجودهم، ما سئل، فقال: لا، ولا يبت في بيته دينار ولا درهم، فإن فضل، ولم يجد من يأخذه، وفجأه الليل، لم يرجع إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت أهله عاماً فقط، من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ثم يؤثر من قوت أهله حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام. وكان من أحلم الناس، وأشد حياء من العذراء في خدرها، خافض الطرف، نظرهُ الملاحظة. وكان أكثر الناس تواضعاً، يجيب من دعاه من غنى أو فقير، أو حر أو عبد. وكان أرحم الناس، الإناء للهرة، وما يرفعه حتى تروى، رحمة لها. وكان أعف الناس، وأشدهم إكراماً لأصحابه، لا يمد رجليه بينهم، ويوسع عليهم إذا ضاق المكان. ولم تكن ركبتاه تتقدم ركبة جليسه. له رفقاء يحفون به، وإن قال أنصتوا له، وإن أمر تبادروا لأمره، ويتحمل لأصحابه، ويتفقدهم، ويسأل عنهم، فمن مرض عاه، ومن غاب دعا له، ومن مات استرجع فيه، وأبعه الدعاء له، ومن تخوف أن يكون وجد في نفسه شيئاً، انطلق إليه حتى يأتيه في منزله. ويخرج إلى بساتين أصحابه، ويأكل ضيافتهم، ويتألف أهل الشرف، ويكرم أهل الفضل. ولا يطوى بشره عن أحد، ولا يجفو عليه، ويقبل معذرة المعتذر إليه، والضعيف والقوي عنده في الحق سواء، ولا يدع أحداً يمشي خلفه، ويقول: " خلوا ظهري للملائكة ". ولا يدع أحد يمشي معه وهو راكب، حتى يحمله، فإن أبى قال: تقدمني إلى المكان الفلاني. ويخدم من خدمه، وله عبيد وإماء، ولا يرتفع عنهم في مأكل ولا ملبس. قال أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه: خدمته نحوا من عشر سنين، فوالله ما صحبته في حضر ولا سفر لأخدمه إلا كانت خدمته لي أكثر من خدمتي له، وما قال لي أف قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلت كذا. ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلمفي سفرٍ، فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله، عليَّ ذبحها. وقال آخر: عليَّ سلخها. وقال آخر: عليَّ طبخها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وعَلَيَّ جمع الحطب ". فقالوا يا رسول الله، نحن نكفيك. فقال: " قد علمت انكم تكفونني، ولكن أكره أن أتميز عليكم؛ فإن الله يكره من عبده أن يراه مُتميزاً بين أصحابه ". وقام فجمع الحطب. وكان في سفر، فنزل إلى الصلاة، ثم كر راجعاً. فقيل: يا رسول الله، أين تريد؟ فقال: " أعقل ناقتي ". فقالوا: نحن نعقلها. قال: " لا يستعن أحدكم بالناس ولو في قضمة من سواك ". وكان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث انتهى به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل أحد من جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، وإذا جلس إليه أحدهم لم يقم صلى الله عليه وسلم حتى يقوم الذي جلس إليه، إلا أن يستعجله أمر، فيستأذنه. ولا يقابل أحداً بما يكره، ولا يجزي السيئة بمثلها، بل يعفو ويصفح. وكان يعود المرضى، ويحب المساكين، ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، ولا يحقر فقيراً لفقره، ولا يهاب ملكاً لملكه.

يُعظم النعمة وإن قلت، ولا يذم منها شيئاً، ما عاب طعاماً قط؛ إن اشتهاه أكله، وإلا تركه. وكان يحفظ جاره، ويكرم ضيفه. وكان أكثر الناس تبسماً، وأحسنهم بشراً. ولا يمضي له وقت في غير عمل لله، أو في مالاً بد منه، وما خير بين أمرين، إلا اختار أيسرهما، إلا أن يكون فيه قطيعة رحم، فيكون أبعد الناس منه. يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويركب الفرس والبغل والحمار، ويردف خلفه عبده، أو غيره، ويمسح وجه فرسه بطرف كمه، أو بطرف ردائه. وكان يحب الفأل، ويكره الطيرة، وإذا جاءه ما يحب، قال: " الحمد لله رب العالمين "، وإذا جاءه ما يكره، قال: " الحمد لله على كل حال ". وإذا رفع الطعام من بين يديه قال: " الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا، وأوانا، وجعلنا مُسلمين ". وأكثر جلوسه مستقبل القبلة. ويكثر الذكر، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة. ويستغفر في المجلس الواحد مائة مرة. وكان يسمع لصدره وهو في الصلاة أزيز كأزيز المرجل من البكاء. وكان يقوم حتى ترم قدماه. وكان يصوم الاثنين، والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وعاشوراء. وقلما كان يفطر يوم الجمعة، وأكثر صيامه شعبان. وفي الصحيحين، من رواية أنس رضي الله تعالى عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر. ويفطر حتى نقول: لا يصوم. وكان عليه الصلاة والسلام تنام عيناه ولا ينام قلبه، انتظاراً للوحي. وإذا نام نفخ، ولا يغط. وإذا رأى في منامه ما يكره قال: " هو الله لا شريك له ". وإذا أخذ مضجعة قال: " ربِ قني عذابك يوم تبعث عبادك ". وإذا استيقظ قال: " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ". وكان لا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية، ويكافئ عليها، ولا يتأنق في مأكل، ويعصب على بطنه الحجر من الجوع. وآتاه الله مفاتيح خزائن الأرض فلم يقبلها، واختار الآخرة، وأكل الخبز بالخل، وقال: " نعم الإدام الخل ". وأكل لحم الدجاج، ولحم الحُبارى، وكان يأكل ما وجد، ولا يرد ما حضر، ولا يتكلف ما لم يحضر، ولا يتورع عن مطعم حلال؛ إن وجد تمراً دون خبز أكله، وإن وجد حُلواً أو عسلاً أكله. وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد. وقال لأبي الهيثم بن التيهان " كأنك علمت حُبنا للحم ". وكان لا يأكل متكئاً، ولا على خوان. لم يشبع من خبز برُ ثلاثاً تباعاً، حتى لقي الله عز وجل إيثاراً على نفسه، لا فقراً ولا بخلاً. ويجيب الوليمة، ويجيب دعوة العبد والحر. ويقبل الهدايا ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب. وكان يحب الدباء، والذراع من الشاة. وقال: " كلوا الزيت، وادهنوا به، فأنه من شجرة مباركة "، وكان يأكل بأصابعه الثلاث، ويلعقهن. منديله باطن قدميه. وأكل خبز الشعير بالتمر، والبطيخ بالرطب، والقثاء بالرطب، والتمر بالزبد، وكان يحب الحلواء والعسل. ويشرب قاعداً، وربما شرب قائماً، ويتنفس ثلاثاً مبيناً للإناء، ويبدأ بمن عن يمينه إذا سقاه. وشرب لبناً وقال: " من أطعمه الله طعاماً، فليقل: اللهم بارك فيه وأطعمنا خيراً منه، ومن سقاه لبناً فليقل: اللهم بارك لنا وزدنا منه ". وقال: " ليس شيء يُجزى مكان الطعام والشراب غير اللبن ". قال ابن حزم: وشرب النبيذ الحلو. قال الصلاح الصفدي: تفسيره الماء الذي ينبذُ فيه التمرات اليسيرة ليحلو. وكان يلبس الصوف، وينتعل المخصوف، ولا يتأنق في ملبس، وأحب اللباس إليه الحِبرة من اليمن، فيها حمرة وبياض. وأحب الثياب إليه القميص، ويقول إذا لبس ثوباً استجده: " اللهم لك الحمد كما ألبستنيه أسألك خيره، وخير ما صنع، وأعوذ بك من شره، وشر ما صُنع ". وتعجبه الثياب الخضر، وربما لبس الإزار الواحد ليس عليه غيره، ويعقد طرفه بين كتفيه. ويلبس يوم الجمعة برده الأحمر، ويعتم. ويلبس خاتماً من فضة، نقشه " محمد رسول الله " في خنصره الأيمن، وربما جعله في الأيسر. ويحب الطيب، ويكره الرائحة الكريهة. ويقول: " إن الله جعل لذتي في النساء الطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة ". وكان يتطيب بالغالية والمسك، أو المسك وحده، ويتبخر بالعود والكافور، وكتحل بالإثمد، وربما أكتحل وهو صائم. ويُكثر دهن رأسه ولحيته، ويدهن غبا ويكتحل وتراً. ويحب التيمن في ترجله، وفي ظهوره، وفي شأنه كله.

وينظر في المرآة، ولا تفارقه قارورة الدهن في سفره، والمكحلة، والمرآة، والمشط، والمقراض، والسواك، والإبرة، والخيط. ويستاك في الليلة ثلاثة مرات، وقبل النوم، وبعده، وعند القيام لِورده، وعند الخروج لصلاة الصبح، وكان يحتجم. وكان يمزح ولا يقول إلا حقاً. وجاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله، احملني على جمل. فقال: " احملك على ولد الناقة ". قالت: لا يطيقني. فقال لها الناس: وهل الجمل إلا ولد الناقة! وجاءته امرأةٌ فقالت: يا رسول الله، إن زوجي مريض، وهو يدعوك. فقال: " لعل زوجك الذي في عينيه بياض ". فرجعت، وفتحت عين زوجها. فقال: مالك؟ قالت: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في عينيك بياضاً. فقال: وهل أحد إلا في عينيه بياض. وقالت له أخرى: يا رسول الله، ادْع الله لي أن يُدخلني الجنة. فقال: " يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز ". فولت المرأة وهي تبكي، فقال صلى الله عليه وسلم: " أخبروها أنها لا تدخل الجنة وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: (أَنْشَأناهُنَّ إِنْشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ غُرُباً أَتْرَاباً) . قد جمع الله له كمال الأخلاق، ومحاسن الأفعال، وحسبك ما أثنى عليه في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) . وآتاه الله علم الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز، وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ، ولا معلم له من البشر، ونشأ في بلاد الجهل والصحارى، وآتاه ما لم يؤت أحداً من العالمين، واختاره على الأولين والآخرين، صلى الله عليه وسلم. فصل يتضمَّن ذكْر شيءٍ من معجزاته وآياته صلَّى الله عليه وسلم منها: القرآن العظيم، وهو أكبرها، الذي دعا به بلغاء قريش، وهم ما هم قالة البلاغة، ولسن الفصاحة، ولهم من ذلك قمراها والنجوم الطوالع، ودعا غيرهم، مُذ بعثه الله قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، إلى يومنا هذا، وإلى يوم البعث والنشور، على أن يأتوا بعشر سور مثله مُفتريات، وتنازل معهم إلى الإتيان بسورة من مثله، وفي السور ما هو ثلاث آيات، وتحدى به الإنس والجن، فلم يأتوا بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، ونكصوا على أعقابهم خائبين، وذهب كل نبي بمعجزاته، ولم يبق لها أثرٌ ظاهر خلال الروايات عنها والأخبار، وأبقى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعجزاً خالداً بين ظهرانينا إلى يوم القيامة، بعد ذهابه، لا تنكسف شموسه، ولا تذوي زهراته. وانشقاق القمر. روى مُسلم والترمذي، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقتين، فستر الجبل فلقة، وكانت فلقة فوق الجبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اشهد ". وروى الترمذي، عن جبير بن مطعم، قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار فرقتين. فقالت قريش: سحر محمد أعيننا. فقال بعضهم: لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلهم. - وزاد رزين -: فكانوا يتلقون الركبان فيخبرونهم بأنهم قد رأوه، فيكذبوهم. وما أحقه صلى الله عليه وسلم بقول أبي الطيب: مَتى مَا يُشِرْ نحْوَ السَّمَاء بَطرفِه ... يَخِرُّ لهُ الشَّعْرى وَينْكَسِفُ البَدْرُ وأن الملأ من قريش تعاقدوا على قتله، فخرج عليهم، فخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم، وأقبل حتى قام على رءوسهم فقبض قبضة من تراب، وقال: " شاهت الوجوه " وحصبهم، فما أصاب رَجُلاً منهم من ذلك الحصباء شيءٌ إلا قُتل يوم بدر. وَرَمى يوم حنين بقبضة من تراب في وجوه القوم، فهزمهم الله تعالى. ونسج العنكبوت في الغار. وما كان من أمر سراقة بن مالك، إذ بُعث خلفه في الهجرة، فساخت قوائم فرسه. في الأرض الجلد. ومسح على ظهر عَناق لم يَنز عليها الفحل فدرت. وشاة أم مَعبد. ودعوته لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن يعز الله به الإسلام. ودعوته لعليٍّ رضي الله تعالى عنه أن يذهب عنه الحر والبرد. وتفله في عينيه، وهو أرمد، فعوفي من ساعته، ولم يرمد بعد ذلك. ورده عين قتادة، بعد أن سالت على خده، فكانت أحسن عينيه وأحدهما. ودعاؤه لعبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، بالتأويل والفقه في الدين، وكان يُسمى الحبر والبحر لعلمه. ودُعاؤه لجمل جابر، فصار سابقاً بعد أن كان مسبوقاً.

ودعاؤه لأنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، بطول العمر، وكثرة المال والولد، فعاش مائة سنة أو نحوها، وولد له مائة وعشرون ولداً ذكراً لصلبه، وكان نخله يحمل في السنة مرتين. ودُعاوُه في تمر جابر بالبركة، فأوفى غُرماءه، وفضل ثلاثة عشر وسقاً. واستسقاؤه عليه الصلاة والسلام، فمطروا أسبوعاً ثم استصحاؤه فانجابت السماء. وإذا النوائبُ أظلمتْ أحداثُها ... لَبِستْ بوَجْهك أَحْسَنَ الإشرَاقِ ودعاؤه على عتبة بن أبي لهب، فأكله الأسد بالزرقاء من الشام. وشهادة الشجرة له بالرسالة، في خبر الأعرابي الذي دعاه إلى الإسلام؛ فقال: هل من شاهد على ما تقول؟ فقال: " نعم، هذه الشجرة ". ثم دَعاها فأقبلت، فاستشهدها، فشهدت له أنه كما قال، ثلاثاً، ثم رجعت إلى منبتها. وأمره شجرتين فاجتمعتا، ثم افترقتا. وأمره أنساً أن ينطلق إلى نحلات، فيقول لهن: أمركن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجتمعن، فاجتمعن، فلما قضى حاجته أمره أن يأمرهن بالعود إلى أماكنهن، فعدن. ونام، فجاءت شجرة تشق الأرض حتى قامت عليه، فلما استيقظ ذكرت له، فقال: " هي شجرة استأذنت ربها أن تسلم عليَّ، فأذن لها ". وسلام الحجر والشجر عليه ليالي بعث: السلام عليك يا رسول الله. وقوله: " إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث ". وحنين الجذع إليه. وتسبيح الحصا في كفه، وكذلك الطعام. وإعلامه الشاة بسمها. وشكوى البعير إليه كثرة العمل، وقلة العلف. وسؤال الظبية له أن يُخلصها من الحبل؛ لترضع ولديها وتعود، فخلصها، فتلفظت بالشهادتين. وإخباره عن مصارع المشركين يوم بدر، فلم يعد أحد منهم مصرعه. و'خباره أن طائفة من أمته يغزون في البحر، وأن أم حرام بنت ملحان منهم، فكذلك. وقوله لعثمان رضي الله تعالى عنه تصيبه بلوى شديدة، فكانت، وقتل. وقوله في الحسن: " إن ابني هذا سيد، وإن الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". وإخباره بقتل العنسي الكذاب، وهو بصنعاء، ليلة قتله. وقوله لثابت بن قيس: " تعيش حميداً وتقتل شهيداً "، فقتل يوم اليمامة. ولما ارتد رجل من المسلمين، ولحق بالمشركين، بلغه أنه مات، فقال: " إن الأرض لا تقبله " فكان كذلك. وقوله لرجل يأكل بشماله: " كل بيمينك " فقال: لا أستطيع. فقال له: " لا استطعت " فلم يُطق أن يرفعها إلى فيه بعد. ودخوله مكة عام الفتح، والأصنام حول الكعبة معلقة، وبيده قضيب، فجعل يشير إليها به، ويقول: (جَاء الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ) ، وهي تتساقط. وقصة مازن بن الغضوبة الطائي، وسواد بن قارب، وأمثالهما. وشهادة الضب بنبوته. وإطعام ألف من صاع شعير بالخندق، فشبعوا والطعام أكثر مما كان، وأطعمهم من تمر يسير. وجمع فضل الأزواد على النطع، ودعا لها بالبركة، ثم قسمها في العسكر، فقامت بهم. وأتاه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه بتمرات قد صفهن في يده، وقال: ادع لي فيهن بالبركة. فدعا له. فقال أبو هريرة: فأخرجت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله، وكنا نأكل منه، ونطعم، حتى انقطع في زمن عُثمان رضي الله تعالى عنه. ودعاؤه أهل الصفة لقصعة ثريد، قال أبو هريرة: فجعلت أتطاول ليدعوني، حتى قام القوم، وليس في القصعة إلا اليسير في نواحيها، فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصنع لقمة، ووضعها على أصابعه وقال: " كل بسم الله "، فوالله الذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت. وأمر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أن يزود أربعمائة راكب من تمر كان في اجتماعه كربضة البعير، فزودهم كلهم منه، وبقى تحسبه كما كان. ونبع الماء بين أصابعه حتى شرب منه القوم وتوضأوا، وهم ألف وأربعمائة. وأتى بقدح فيه ماء، فوضع أصابعه في القدح، فلم يسع، فوضع أربعة منها، وقال: " هلموا ". فتوضأوا أجمعين، وهم من السبعين إلى الثمانين. وورد في غزوة تبوك على ماء لا يروي أحداً، والقوم عطاش، فشكوا إليه، فأخذ سهماً من كنانته، فغرسه فيها، ففار الماء، وارتوى القوم، وكانوا ثلاثين ألفاً. وشكا إليه قوم ملوحة في مائهم، فجاء في نفر من أصحابه حتى وقف على بئرهم، فتفل فيها، فتفجر بالماء العذب المعين.

وأتته امرأة بصبي أقرع، فمسح على رأسه فاستوى شعره، وذهب داؤه، فسمع أهل اليمامة بذلك؛ فأتت امرأة إلى مسيلمة بصبي، فمسح رأسه، فتصلع، وبقي الصلع في نسله. وانكسر سيف عكاشة يوم بدر، فأعطاه جذلاً من حطب، فصار في يده سيفاً، ولم يزل بعد ذلك عنه. وعزت كدية بالخندق عن أن يأخذها المعول، فضربها فصارت كثيباً أهيل. ومسح على رجل أبي رافع، وقد انكسرت، فكأنه لم يشكها قط. وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها ". قال الصلاح الصفدي: وصدق الله قوله، بأن ملك أمته بلغ أقصى المشرق والمغرب، ولم ينتشر في الجنوب ولا في الشمال. وأخبر عن الشيماء بنت بقيلة الأزدية، أنها رفعت له في خمار أسود على بغلة شهباء، فأخذت في زمن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، في جيش خالد بن الوليد، بهذه الصفة. وقال لرجل ممن يدعي الإسلام، وهو معه في القتال: " إنه من أهل النار ". فصدق الله قوله، بأن ذلك الرجل نحر نفسه. وهذا لا يعرف البتة بشيء من النجوم، ولا بخط ولا بزجر، ولا بالنظر في الكف، ولا بتصويت الودع. وأبطل الله تعالى ببعثه الكهانة، فانقطعت، وكانت ظاهرة موجودة. ودعا اليهود إلى تمني الموت، وأخبرهم بأنهم لا يتمنونه، فحيل بينهم وبين النطق بذلك. وأخبر بأن عماراً تقتله الفئة الباغية، فكان مع عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقتَلهُ جماعة معاوية. وأنذر بموت الجاشي، وخرج هو وأصحابه إلى البقيع، فصلوا عليه، فورد الخبر بموته بعد ذلك، في ذلك اليوم. وخرج على نفر من أصحابه مُجتمعين؛ فقال: " أحدكم في النار ضرسه مثل أحد ". فماتوا كلهم على الإسلام، وارتد منهم واحد، وهو الدجال الحنفي، فقتل مرتداً مع مُسيلمة. وقال لآخرين منهم: " آخركم موتاً في النار " فسقط آخرهم موتاً في نار، فمات، وهو سمرة بن جندب. وأخبر بأنه يقتل أمية بن خلف الجمحي، فخدشه يوم أحد خدشاً لطيفاً، فكانت منيته منه. وأخبر فاطمة ابنته، رضي الله تعالى عنها، أنها أول أهله لحاقاً به، فكانت كذلك. وأخبر نساءه أن أطولهن يداً أسرعهن لحاقاً به. وكانت زينب بنت جحش الأسدية؛ لأنها كانت كثيرة الصدقة. وحكى الحكم بن أبي العاص مِشتيه صلى الله عليه وسلم مُستهزئاً، فقال: " كذلك فكن "، فلم يزل يرتعش إلى أن مات. وخطب أُمامة بنت الحارث بن أبي عوف، وكان أبوها أعرابياً جافيا، فقال: إن بها بياضاً. فقال: " لتكن كذلك "، فبرصت من وقتها، فتزوجها ابن عمها يزيد بن حمزة، فولدت له الشاعر شبيب بن يزيد، وهو المعروف بابن البرصاء. وليلة ميلاده اضطرب إيوان كسرى، حتى سمع صوته، وسقطت منه أربع عشرة شُرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة. ومن علائم نبوته: حراسة السماء بالشهب التي تقذف الشياطين، فلا تسترق السمع، وبشرى الكهان به والهواتف، وإخبار الأحبار بظهوره، وفِراسة بحيرى الراهب فيه، ومعرفته آيات النبوة وأمارات البعثة فيه. وَرَأوْكَ وَضَّاحَ الجَبِينِ كما يُرَى ... قمرُ السَّماء السّعْدُ ليلةَ يَكمُلُ وولادته مختوناً مسروراً، وسجع شق وسطيح، ورؤيا الموبذان، إلى غير ذلك من الآيات الظاهرة، والأمارات الباهرة، والدَّلالات الزاهرة، والمعجزات القاهرة، والسيرة التي شهرت شهرة النجوم الزواهر، وسار الذكر منها في الناس سير القوافي السوائر. وقد ألفت العلماء الحفاظ، والثقات الأيقاظ في سيرته، ومعجزاته، وفي خصائصه، صلى الله عليه وسلم، كتباً كثيرة، ومجلدات كبيرة، لا يحيط بها حد، ولا يحصرها عدٌ. وكل منهم بذل جهده، ولم يدخر شيئاً عنده، وما أتوا بعُشر مِعشار فضائله، ولا بقطرة من بحار فواضله، وكان أكثر مما قيل ما تركوا، وكل منهم ينشد مع ذلك بلسان حاله، أو لسان قاله، مُعتذراً عن تقصيره، ومُخبراً بما هو الواقع في ظاهر ضميره، قول صاحب البردة، رحمه الله تعالى: وإنَّ فَضْلَ رَسُلِ الله ليسَ لهُ ... حَدٌ فيُعْرِبُ عَنْهُ ناطقٌ بِفَمِ

وأجمع ما وقفت عليه من ذلك، كتاب " الخصائص الكبرى " للجلال السيوطي، وكتاب " السيرة النبوية " للحافظ تقي الدين المقريزي، فمن أراد أن يُنزه بصره وبصيرته في رياض الجنة، فعليه بمطالعتهما، والوقوف عليهما، جزاهُما الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم أحسن الجزاء بمنه، وكرمه، آمين. ومدحه صلى الله عليه وسلم بالشعر جماعةٌ عديدة، من رجال الصحابة ونسائهم، جمعهم الشيخ الإمام الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس اليعمري في قصيدة ميمية، ثم شرحها في مجلد، سماها " منح المدح "، ورتبهم على حروف المعجم، فأربى في هذا الجمع على الحافظ ابن عبد البر؛ لأنه ذكر منهم ما يقارب المائة والعشرين، أو ما يزيد على ذلك، والشيخ فتح الدين قارب المائتين، كذا قال الصلاح الصفدي، وقال: لا أعلم أحداً حصل من الصحابة الذين مدحوا النبي صلى الله عليه وسلم، هذا القدر، وقد كتبت هذا المصنف بخطي، وسمعت من لفظه ما يقارب نصفه، وأجازني البقية. وأما شعراؤه الذين كانوا بصدد المناضلة عنه، والهجاء لكفار قريش، فإنهم ثلاثة: حسان بن ثابت الأنصاري، وعبد الله بن رواحة الأنصاري، وكعب بن مالك الأنصاري، وكان حسان يقبل بالهجو على أنسابهم، وعبد الله بن رواحة يعيرهم بالكفر، وكعب بن مالك يخوفهم الحرب، فكانوا لا يبالون قبل الإسلام بأهاجي ابن رواحة، ويألمون من أهاجي حسان، فلما دخل من دخل منهم الإسلام، وجد ألم أهاجي ابن رواحة أشد وأشق. ومن أشهر الصحابة بالمدح له كعب بن زهير بن أبي سلمة السعدي، وقصيدته " بانت سعاد " مشهورة، وما من شاعر في الغالب جاء بعده، ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا وقد نظم في وزنها ورويها، ولله در القاضي مُحيي الدين ابن عبد الظاهر، حيث يقول: لقد قال كَعْبٌ في النبيِّ قصيدة ... وقُلنا عسى في مَدحِه نَتَشارَكُ فإنْ شَمِلتْنا بالجوائزِ رَحْمَةٌ ... كرحمة كعبٍ فهو كعْبٌ مُباركُ وهذا القدر من سيرته الشريفة صلى الله عليه وسلم كافٍ في التبرك بذكره الشريف، وفي الدلالة على أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، وأشرف الخلق، وشريعته أفضل الشرائع، وأمته أكرمُ الأمم، وعلماؤها أكرمُ العلماء، وأما حصر فضائله ومعجزاته، وما خصه الله به في الدنيا والآخرة، وأعد له عنده فلا سبيل إليه، ولا يحوم طائر فكر عليه، ولا يعلمه إلا الله تعالى. اللهم أدخلنا في شفاعته، وأمِتنا على مِلَّته، واحشُرْنا في زُمْره عُلماء أمته، ووفقنا إلى العمل بطاعتك، ولا تمكر بنا عند الخاتمة، فإنا متوسلون في ذلك به إليك، ومتوكلون في غفران الذنوب عليك، وإنك جواد كريم، رءوف رحيم، لا ترد من سألك، ولا تُخيب من قصدك، يا أرحم الراحمين. ترجمة الإمام الأعظم رحمه الله تعالى هو إمام الأئمة، وسراج الأمة، وبحر العلوم والفضائل، ومنبع الكمالات والفواضل، عالم العراق، وفقيه الدنيا على الإطلاق، من أعجز من بعده عن لحاقه، وفات من عاصره في سياقه، ومن لا تنظر العيون مثله، ولا ينال مُجتهد كماله وفضله. أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، بظم الزاي وفتح الطاء، وهو المشهور، وقال ابن الشحنة، نقلاً عن شيخه مجد الدين الفيروزابادي، في " طبقات الحنفية ": إنه بفتح الزاي والطاء المهملة، مثل سَكْرَى. وكان زوطي مملوكاً لبني تيم الله بن ثعلبة. واختلف في أصله فقيل: من كابل، وقيل: من بابل، وقيل: من نسا، وقيل: من ترمذ، وقيل: من الأنبار، وقيل غير ذلك. قال السراج الهندي: ووجه التلفيق بين هذه الروايات أن يكون جده من كابل، ثم انتقل منها إلى نسا، ثم إلى ترمذ، أو ولد أبوه بترمذ، ونشأ بالأنبار، إلخ. قال ابن الشحنة: وهذا التلفيق أصله لخطيب خوارزم، ونظر ذلك ببعض مشايخه، فقال: كابي المعالي الفضل بن سهل الإسفرايني، فإن اباه من أسفراين، وولد هو بمصر، ونشأ بحلب، ثم أقام ببغداد، ومات بها، ويقال له: المصري، الحلبي، البغدادي.

وروى الخطيب بسنده، عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، أنه كان يقول: أنا إسماعيل بن حماد بن النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان، من أبناء فارس الأحرار، والله ما وقع علينا قط؛ ولد جدي في سنة ثمانين، وذهب ثابت إلى عليّ بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، وهو صغير، فدعا له بالبركة فيه، وفي ذريته، ونحن نرجو من الله أن يكون استجاب ذلك لعلي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، فينا. انتهى. قال السراج الهندي، بعد أن نقل ما ذكر عن إسماعيل: وكذلك قاله أخو إسماعيل، ولا يحل لمسلم أن يظن بهما مع جلالة قدرهما، ودقة ورعهما، أن ينتسبا إلى غير آبائهما. قال الخطيب البغدادي: والنعمان بن المرزبان، أبو ثابت، هو الذي أهدى لعليّ بن أبي طالب الفالوذج يوم النيروز، فقال: نورزونا كل يوم. وقيل: كان ذلك في المهرجان، فقال: مهرجونا كل يوم. وذكر في " الجواهر المضية " لأبي حنيفة نسباً طويلاً، أوصله إلى آدم عليه الصلاة والسلام، تركنا ذكره لعدم صحته، والله تعالى أعلم. فصل في ذكر مولده ووفاته، وصفته عن مزاحم بن داود بن عُلية، أنه كان يذكر عن أبيه أو غيره، أن أبا حنيفة ولد سنة إحدى وستين، ومات سنة خمسين ومائة. وقال الخطيب: لا أعلم لصاحب هذا القول مُتابعاً، ثم روى بسنده عن أبي نعيم، أن أبا حنيفة ولد سنة ثمانين، وكان له يوم مات سبعون سنة، ومات في سنة خمسين ومائة، وهو النعمان بن ثابت. وروى عنه بسند آخر، أنه قال: ولد أبو حنيفة سنة ثمانين بلا مائة، ومات سنة خمسين ومائة، وعاش سبعين سنة. واختلف في الشهر الذي مات فيه، فقال بعضهم: في شعبان. وقال بعضهم: في رجب. وعن أبي يوسف: أنه مات في النصف من شوال. وكانت وفاته بمدينة بغداد، ودفن بالجانب الشرقي منها في مقبرة الخيزران، وقبره هُناك ظاهر معروف مقصود بالزيارة. وقال ابن خلكان: وبنى شرف الملك أبو سعد محمد بن منصور الخوارزمي، مُستوفي مملكة السلطان ملك شاه السلجوقي، على قبره مشهداً وقبة، وبنى عنده مدرسة كبيرة للحنفية، ولما فرغ من عمارة ذلك، ركب إليها في جماعة من الأعيان ليشاهدوها، فبينما هُم هناك إذ دخل عليهم الشريف أبو جعفر مَسعود المعروف بالبياضي، وأنشد: ألم تَرَ أنَّ العلمَ كان مُبَدَّداً ... فَجَمَّعَهُ هذا المُغّيَّبُ في اللَّحدِ كذلك كانتْ هذه الأرضُ مَيْتةً ... فأَنْشرَها فِعْلُ العَمِيدِ أبي سَعْدِ فأجازه أبو سعد بجائزة سنية. وكان بناء المشهد والقبة، في سنة تسع وخمسين وأربعمائة. وقيل: الذي بنى ذلك ألب أرسلان محمد، والد السلطان ملك شاه. قال ابن خلكان: والظاهر أن أبا سعد بناهما نيابة عن ألب أرسلان المذكور، وهو كان المباشر، كما جرت عادة النواب مع ملوكهم، فنُسبت العمارة إليه بهذا الطريق. انتهى. وأما ما ورد في صفة أبي حنيفة: فمنه ما ذكر أبو نعيم، قال: كان أبو حنيفة حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، حسن المجلس، شديد الكرم، حسن المواساة لإخوانه. وقال أبو يوسف: كان أبو حنيفة ربعة من الرجال، ليس بالقصير ولا بالطويل، وكان أحسن الناس منطقاً، وأحلاه نغمة، وأنبهه على ما يريده. وعن عمر بن حماد بن أبي حنيفة، أن أبا حنيفة كان طوالاً، تعلوه سمرة، وكان لباساً، حسن الهئة، كثير التعطر، يعرف بريح الطيب إذا أقبل وإذا خرج من منزله قبل أن نراه. رضي الله عنه. فصل في ذكر خبر ابتداء أبي حنيفة بالنظر في العلم عن أبي يوسف أن قال: قال لي أبو حنيفة: لما أردت طلب العلم جعلت أتخير العلوم، وأسأل عن عواقبها، فقيل لي: تعلم القرآن. فقلت: إذا تعلمت القرآن، وحفظته، فما يكون آخره؟ قالوا: تجلس في المسجد، ويقرأ عليك الصبيان والأحداث، ثم لا تلبث أن تخرج منهم من هو أحفظ منك، أو يُساويك في الحفظ، فتذهب رياستك. قلت: فإن سمعت الحديث، وكتبته حتى لم يكن في الدنيا أحفظ مني؟ قالوا: إذا كبرت وضعفت، حدثت واجتمع عليك الأحداث والصبيان، ثم لا تأمن أن تغلط فيرموك بالكذب، فيصير عاراً عليك في عَقبِك. فقلت: لا حاجة لي في هذا. قلت: فإذا حفظت العربية، وتعلمت النحو ما يكون آخر أمري؟ قالوا: تقعد مُعلماً، فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة. قلت: وهذا لا عاقبة له.

قلت: فإن نظرت في الشعر، فلم يكن أشعر مني، ما يكون آخر أمري؟ قالوا: تمدح هذا فيهب لك، أو يحملك على دابة، أو يخلع عليك خلعة، وإن حرمك هجوته، فصرت تقذف المحصنات. فقلت: لا حاجة لي في هذا. قلت: فإن نظرت في الكلام، ما يكون آخره؟ قالوا: لا يسلم من نظر في الكلام من مُشنعات الكلام، فيرمى بالزندقة فإما أن يؤخذ فيقتل، وإما أن يسلم فيكون مذموماً ملوماً. قلت: فإن تعلمت الفقه؟ قالوا: تُسأل، وتُفتي الناس، وتُطلب للقضاء، وإن كنت شاباً. قلت: ليس في العلوم شيء انفع من هذا. فلزمت الفقه، وتعلمته. وعن زفر بن الهُذيل، قال: سمعت أبا حنيفة، يقول: كنت أنظر في الكلام، حتى بلغت فيه مبلغاً يُشار إلى فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سُليمان، فجاءتني امرأة يوماً، فقالت: رجل له امرأة أمة، أراد أن يُطلقها للسنة، كيف يُطلقها؟ فلم أدر ما أقول، فأمرتها تسأل حماداً، ثم ترجع فتخبرني. فسألت حماداً، فقال: يُطلقها وهي طاهرة من الحيض والجماع تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض حيضين، فإذا اغتسلت فقد حلت للأزواج. فرجعت، فأخبرتني، فقلت: لا حاجة لي في الكلام، وأخذت نعلي، وجلست إلى حماد، فكنت أسمع مسائله، فأحفظ قوله، ثم يعيدها من الغد، فأحفظ ويخطئ أصحابه، فقال: لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة، فصحبته عشر سنين. ثم إني نازعتني نفسي لطلب الرياسة، فأحببت أن أعتزله، وأجلس في حلقة لنفسي، فخرجت يوماً بالعشي وعزمي أن أفعل، فلما دخلت المسجد، فرأيته، لم تطب نفسي أن أعتزله، فجئت فجلست معه، فجاءه في تلك الليلة نعي قرابة له، قد مات بالبصرة، وترك مالاً وليس له وارث غيره، فأمرني أن أجلس مكانه، فما هو إلا أن خرج حتى وردت عليَّ مسائل لم أسمعها منه، فكنت أجيب وأكتب جوابي، فغاب شهرين، ثم قدم، فعرضت عليه المسائل، وكانت نحواً من ستين مسألة، فوافقني في أربعين، وخالفني في عشرين. فآليت على نفسي أن لا أفارقه حتى يموت، فلم أفارقه حتى مات. وروي عن أبي حنيفة أنه قال: قدمت البصرة، فظننت أني لا أُسأل عن شيء إلا أجبت فيه، فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب، فجعلت على نفسي أن لا افارق حماداً حتى يموت، فصحبته ثماني عشرة سنة. وعن أبن سماعة، أنه قال: سمعت أبا حنيفة يقول: ما صليت صلاة مُذ مات حماد إلا استغفرت له مع والدي، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علماً، أو علمته علما. وعن يونس بن بكير، أنه قال: سمعت إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، يقول: غاب أبي غيبة في سفر له، ثم قدم، فقلت له: يا أبة، إلى أي شيء كنت أشوق؟ قال: وأنا أرى أنه يقول: إلى ابني. فقال: إلى أبي حنيفة، ولو أمكنني أن لا أرفع طرفي عنه فعلت. وعن أبي مطيع البلخي أنه قال: قال أبو حنيفة: دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين، فقال: يا أبا حنيفة عن من أخذت العلم؟ قال: قلت عن حماد، عن إبراهيم، عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس. قال: فقال أبو جعفر: بخٍ بخٍ، استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة عن الطيبين المباركين، صلوات الله عليهم. وعن ابن أبي أويس، قال: سمعت الربيع بن يونس، يقول: دخل أبو حنيفة يوماً على المنصور، وعنده عيسى بن موسى، فقال للمنصور: هذا عالم الدنيا اليوم. فقال له: يا نعمان، عن من أخذت العلم؟ قال: عن أصحاب عمر عن عمر، وعن أصحاب عليٍّ عن عليّ، وعن أصحاب عبد الله عن عبد الله، وما كان في وقت ابن عباس على وجه الأرض أعلم منه. قال: لقد استوثقت لنفسك. وروي عن أبي حنيفة، أنه قال: رأيت رُؤيا فأفزعتني، رأيت كأني أنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيت البصرة، فأمرت رجلاً أن يسأل محمد بن سيرين، فسأله، فقال: هذا رجل ينبش أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية أنه قال: صاحب هذه الرؤيا يثور علماً لم يسبقه إليه أحدٌ قَبله. قال هشام: فنظر أبو حنيفة، وتكلم حينئذ. والله تعالى أعلم. فصل في مناقب ابي حنيفة رضي الله تعالى عنه، وثناء الأئمة عليه

روى الخطيب البغدادي بسنده، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " إن في أمتي رجلاً "، وفي حديث القصري: " يكون في أمتي رجل، اسمه النعمان، وكنيته أبو حنيفة، هو سراج أمتي ". قال الخطيب، بعد روايته: قلت: وهو حديث موضوع، وتفرد بروايته البورقي. قلت: قد ذكر أنه موضوع غير الخطيب أيضاً، وإنما ذكرناه نحن هنا لاحتمال صحته في نفس الأمر عند الله تعالى، ولأن معناه متحقق في الإمام رضي الله تعالى عنه، فإنه، بلا شبهة ولا ريب، سراج يُستضاء بنور علمه، ويهتدي بسناء فكره الثاقب، وحُسن فهمه، ولأنه لا يترتب عليه شيء من أحكام الدين، ولا يثبت به قاعدة من قواعد الإسلام. وروى الخطيب أيضاً، عن الحسن بن سليمان، في تفسير الحديث: " لا تقوم الساعة حتى يظهر العلم " قال: هو علم أبي حنيفة وتفسيره للآثار. وروى أيضاً عن خلف بن ايوب، أنه قال: صار العلم من عند الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صار إلى أصحابه، ثم صار إلى التابعين، ثم صار إلى أبي حنيفة وأصحابه، فمن شاء فليرض، ومن شاء فليسخط. وعن إسحاق بن بهلول، سمعت ابن عُيينة، يقول: " ما مقلت عيني مثل أبي حنيفة ". وعن إبراهيم بن عبد الله الخلال، قال: سمعت ابن المبارك يقول: كان أبو حنيفة آية. فقال له قائل: في الشر يا أبا عبد الرحمن، أو في الخير؟ فقال: اسكت يا هذا؛ فإنه يقال: غايةٌ في الشر، آية في الخير، ثم تلا هذه الآية: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيةً) . وعن المبارك أيضاً، قال: ما كان أوقر مجلس أبي حنيفة، كان حسن السمت، حسن الوجه، حسن الثوب، ولقد كنا يوماً في مسجد الجامع، فوقعت حية، فسقطت في حِجر أبي حنيفة، وهرب الناس غيره، ما رأيته زاد على أن نفض الحية، وجلس مكانه. وعنه أيضاً، أنه قال: لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسُفيان، لكنت كسائر الناس. وعن أبي يحيى الحماني أنه كان يقول: ما رأيت رجلاً قط خيراً من أبي حنيفة. وكان أبو بكر الواعظ، يقول: أبو حنيفة أفضل أهل زمانه. وعن سهل بن مزاحم، أنه كان يقول: بذلت الدنيا لأبي حنيفة فلم يردها، وضرب عليها بالسياط فلم يقبلها. وقيل للقاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود: ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة؟ قال: ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة. وحدث الشافعي محمد بن إدريس، قال: قيل لمالك بن انس: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم، رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً، لقام بحجته. وعن روح بن عبادة، أنه قال: كنت عند ابن جريج سنة خمسين، وأتاه موت أبي حنيفة، فاسترجع، وتوجع، وقال: أي علم ذهب. قال: ومات فيها ابن جريج. وروي عن عبد الله بن المبارك، أنه قال: قدمت الشام على الأوزاعي، فرأيته ببيروت، فقال لي: يا خراساني، من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة، يُكنى أبا حنيفة؟! فرجعت إلى بيتي، فأقبلت على كتب أبي حنيفة، فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل، وبقيت في ذلك ثلاثة أيام، فجئته يوم الثالث وهو مؤذن مسجدهم وإمامهم، والكتاب في يدي، فقال: لي أي شيء هذا الكتاب؟ فتناولته، فنظر في مسألة منها وقعت عليها: قال النعمان بن ثابت. فما زال قائماً بعدما أذن حتى قرأ صدراً من الكتاب، ثم وضع الكتاب في كمه، ثم قام وصلى، ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها. فقال: يا خراساني، من النعمان بن ثابت هذا؟ قلت: شيخ لقيته بالعراق. فقال: هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه. قلت: هذا أبو حنيفة الذي نهيت عنه. وعن مسعر بن كدام، أنه قال: ما أحسد أحداً بالكوفة إلا رجلين، أبا حنيفة في فقهه، والحسن بن صالح في زهده. وعن إبراهيم بن الزرقان، أنه قال: كنت يوماً عند مسعر، فمر بنا أبو حنيفة، فسلم ووقف عليه، ثم مضى، فقال بعض القوم لمسعر: ما أكثر خصوم أبي حنيفة!! فاستوى مسعر منتصباً، ثم قال: إليك فما رأيته خاصم أحداً قط إلا فلج عليه. وعن أبي غسان، أنه قال: سمعت إسرائيل، يقول: كان نعم الرجل النعمان، ما كان أحفظه لكل حديث فيه فقه، وأشد فحصه عنه، وأعلمه بما فيه من الفقه. وكان مسعر يقول: من جعل أبا حنيفة بينه، وبين الله رجوت أن لا يخاف، ولا يكون فرط في الاحتياط لنفسه.

وعن علي ابن المديني أنه قال: سمعت عبد الرزاق، يقول: كنت عند معمر، فأتاه ابن المبارك، فسمعنا معمراً يقول: ما أعرف رجلاً يُحسن يتكلم في الفقه، أو يسعه أن يقيس ويشرح لمخلوق النجاة في الفقه، أحسن معرفة من أبي حنيفة، ولا أشفق على نفسه، أن يدخل في دين الله شيئاً من الشك من أبي حنيفة. وعن عبد الله بن أبي جعفر الرازي قال: سمعت أبي يقول: ما رأيت أحداً أفقه من أبي حنيفة، وما رأيت أورع من أبي حنيفة. وحدث سعيد بن منصور، قال: سمعت الفضيل بن عياض، يقول: كان أبو حنيفة رجلاً فقيهاً، معروفاً بالفقه، مشهوراً بالورع، واسع المال، معروفاً بالإفضال على كل من يضيف، صبوراً على تعليم العلم بالليل والنهار، حسن الليل، كثير الصمت، قليل الكلام، حنى ترد مسألة في حلال أو حرام، وكان يُحسن يدل على الحق، هارباً من مال السلطان، وكان إذا وردت مسألة فيها حديث صحيح اتبعه، وإن كان عن الصحابة والتابعين، وإلا قاس فأحسن القياس. وقال أبو يوسف: ما رأيت أحداً أعلم بتفسير الحديث، ومواضع النكت التي فيه من الفقه، من أبي حنيفة. وقال: ما خالفت أبا حنيفة في شيء قط، فتدبرته، إلا رأيت مَذهبه الذي ذهب إليه أنجى في الآخرة، وكنت ربما ملت إلى الحديث، وكان هو أبصر بالحديث الصحيح مني. وقال: إني لأدعو لأبي حنيفة قبل أبوي، ولقد سمعت أبا حنيفة يقول: إني لأدعو لحماد مع أبوي. وقال الأعمش يوماً لأبي يوسف: كيف ترك صاحبك أبو حنيفة قول عبد الله: عتق الأمة طلاقها؟ قال: تركه لحديثك الذي حدثته عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: أن بريرة حين اعتقت خُيرت. قال الأعمش: إن أبا حنيفة لفطن. وأعجبه ما أخذ به أبو حنيفة. وعن أبي بكر عياش، قال: مات عمر بن سعيد أخو سفيان، فأتيناه نعزيه، فإذا المجلس غاص بأهله، وفيهم عبد الله بن إدريس، إذا أقبل أبو حنيفة في جماعة معه، فلما رآه سفيان تحرك من مجلسه، ثم قام فاعتنقه، وأجلسه في موضعه، وقعد بين يديه. قال أبو بكر: فاغتظت عليه. وقال ابن إدريس: ألا ترى وَيحك؟؟؟؟؟؟؟؟؟! فجلسنا حتى تفرق الناس، فقلت لعبد الله بن إدريس: لا تقم حتى نعلم ما عنده في هذا. فقلت: يا أبا عبد الله، رأيتك اليوم فعلت شيئاً أنكرته وأنكره أصحابنا عليك. قال: ما هو؟ قلت: جاء أبو حنيفة، فقمت إليه، وأجلسته في مجلسك، وصنعت به صنيعاً بليغا، وهذا عند أصحابنا منكر. فقال: وما أنكرث من ذلك! هذا رجل من العلم بمكان، فإن لم أقم لعلمه قمت لسنه، وإن لم أقم لسنه قمت لفقهه، وإن لم أقم لفقهه قمت لورعه. فأفحمني فلم يكن عندي جواب. وعن محمد بن الفضل الزاهد البلخي قال: سمعت أبا مطيع الحكم بن عبد الله، يقول: ما رأيت صاحب حديث أفقه من سفيان الثوري، وكان أبو حنيفة أفقه منه. وعن الحسن بن علي، أنه قال: سمعت يزيد بن هارون، وقد سأله إنسان، فقال: يا أبا خالد، من أفقه من رأيت؟ قال: أبو حنيفة. قال الحسن: ولقد قلت لأبي عاصم - يعني النبيل - أبو حنيفة أفقه أو سفيان؟ قال: عبد أبي حنيفة أفقه من سفيان. وسئل يزيد بن هارون، مرة أخرى، من أفقه أبو حنيفة أو سفيان؟ قال: سفيان أحفظ للحديث، وأبو حنيفة أفقه. وقال أبو عاصم النبيل، وقد سئل أيضاً عنهما: غلام من غلمان أبي حنيفة أفقه من سفيان. وقال سجادة: دخلت على يزيد بن هارون، أنا وأبو مسلم المُسلمي، وهو نازل ببغداد على المنصور، بن المهدي، فصعدنا إلى غرفة هو فيها، فقال له أبو مسلم: ما تقول يا أبا خالد في أبي حنيفة، والنظر في كتبه؟ قال: انظروا فيها إن كنتم تريدون أن تفقهوا؛ فإني ما رأيت أحداً من الفقهاء يكره النظر في قوله، ولقد احتال الثوري في " كتاب الرهن " حتى نسخه. وروى عن عبد الله بن المبارك، أنه قال: رأيت أعبد الناس؛ ورأيت أورع الناس، ورأيت أعلم الناس، ورأيت أفقه الناس، فأما أعبد الناس فعبد العزيز بن أبي رواد، وأما أورع الناس فالفضيل بن عياض، وأما أعلم الناس فسفيان الثوري، وأما أفقه الناس فأبو حنيفة، ما رايت في الفقه مثله. وعنه أيضاً، أنه قال: إن كان الأثر قد عُرف واحتيج إلى الرأي، فرأي مالك، وسفيان، وأبي حنيفة، وأبو حنيفة أحسنهم، وأدقهم فطنة، وأغوصهم على الفقه، وهو أفقه الثلاثة. وقال أبو عاصم النبيل، وقد سئل: أيهما أفقه؛ سفيان أو أبو حنيفة؟

فقال: إنما يقاس الشيء إلى شكله، أبو حنيفة فقيه تام الفقه، وسفيان رجل متفقه. وقال ابن المبارك: رأيت مسعراً في حلقة أبي حنيفة، جالساً بين يديه، يسأله ويستفيد منه، وما رأيت أحداً قط في الفقه أحسن من أبي حنيفة. وعن إبراهيم بن هاشم، عن أبي داود، أنه قال: إذا أردت الآثار. أو قال: الحديث. وأحسبه قال: والورع، فسفيان، وإذا أردت تلك الدقائق، فأبو حنيفة. وقال محمد بن بشر: كنت أختلف إلى أبي حنيفة، وإلى سفيان، فآتى أبا حنيفة فيقول لي: من أين جئت؟ فأقول: من عند سفيان. فيقول: لقد جئت من عند رجل او أن علقمة والأسود حضرا لاحتاجا إلى مثله. فآتى سفيان، فيقول لي: من أين جئت؟ فأقول من عند أبي حنيفة. فيقول: لقد جئت من عند أفقه أهل الأرض. وقال أبو نعيم: كان أبو حنيفة صاحب غوص في المسائل. وعن أبي عبد الله الكاتب، قال: سمعت عبد الله بن داود الخريبي يقول: يجب على أهل الإسلام أن يدعوا الله لأبي حنيفة في صلواتهم. قال: وذكر حفظه عليهم السنن والفقه. وقال شداد بن حكيم: ما رأيت أعلم من أبي حنيفة. وقال مكي بن إبراهيم: كان أبو حنيفة أعلم أهل زمانه. وقال النضر بن شميل: كان الناس نياماً عن الفقه، حتى أيقظهم أبو حنيفة؛ فيما فتقه وبينه ولخصه. وحدث أحمد بن علي بن سعيد القاضي، قال سمعت يحيى بن معين، يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان، يقول: لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله. قال يحيى بن معين: وكان يحيى بن سعيد يذهب في الفتوى إلى قول الكوفيين، ويختار من قولهم قوله، ويتبع رأيه من بين أصحابه. وقال الإمام الشافعي: الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه. وقال أيضاً: ما رأيت أفقه من أبي حنيفة. يعني ما علمت. وقال: كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه، ومن أراد أن يتبحر في الشعر فهو عيال على زهير بن أبي سلمى، ومن أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق، ومن أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي، ومن أراد أن يتبحر في تفسير القرآن فهو عيال على مقاتل بن سليمان. وعن حرملة، أنه قال: سمعت الشافعي، يقول: الناس عيال على هؤلاء الخمسة. وعن الحسن بن عثمان، أنه كان يقول: وجدت العلم بالعراق والحجاز ثلاثة، علم أبي حنيفة، وتفسير الكلبي، ومغازي محمد بن إسحاق. وعن أحمد بن عطية، قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: القراءة عندي قراءة حَمزة، والفقه فقه أبي حنيفة، على هذا أدركت الناس. " وعن أبي علي الجبابي المُعتزلي المشهور، أنه قال: الحديث لأحمد بن حنبل، والفقه لأصحاب أبي حنيفة، والكلام للمعتزلة، والكذب للرافضة ". وقال جعفر بن ربيع: أقمت على أبي حنيفة خمس سنين، فما رأيت أطول صمتاً منه، فإذا سُئل عن شيء من الفقه تفتح وسال كالوادي، وسمعت له دوياً، وجهارة بالكلام. وقال إبراهيم بن عكرمة المخزومي: ما رأيت أحداً أورع، ولا أفقه من أبي حنيفة. وعن علي بن عاصم، قال: دخلت على أبي حنيفة وعنده حجام يأخذ من شعره، فقال للحجام: تتبع موضع البياض. فقال الحجام: لا، فإنه يكثر. قال: فتتبع مواضع السواد، لعله يكثر. وبلغت هذه الحكاية شريكاً، فضحك، وقال: لو ترك قياسه لتركه مع الحجام. وروى الخطيب في " تاريخه "، عن محمد بن فضيل الزاهد، قال: سمعت أبا مُطيع، يقول: مات رجل وأوصى إلى أبي حنيفة وهو غائب. قال: فقدم أبو حنيفة، فارتفع إلى ابن شبرمة، وادعى الوصية، وأقام البينة، أن فلاناً مات وأوصى إليه. فقال ابن شبرمة: يا أبا حنيفة، أحلف أن شهودك شهدوا بحق. قال: ليس عليَّ يمينٌ. قال: ضلت مقاييسك يا أبا حنيفة. قال أبو حنيفة: بل " ضلت مقاييسك أنت "، ما تقول في أعمى شج، فشهد له شاهدان أن فلاناً شجه، هل على الأعمى يمين أن شهوده شهدوا بالحق، وهو لا يرى؟ " فانقطه ابن شبرمة ". *وروى الخطيب أيضاً، عن النضر بن محمد، قال: دخل قتادة الكوفة، ونزل في دار أبي بُردة، فخرج يوماً، وقد اجتمع إليه خلق كثير، فقال قتادة: والله الذي لا إله إلا هو، ما يسألني اليوم أحدٌ عن الحلال والحرام إلا أجبته. فقام إليه أبو حنيفة، فقال: يا أبا الخطاب، ما تقول في رجل غاب عن أهله أعواماً، فظنت امرأته أن زوجها مات، فتزوجت، ثم رجع زوجها الأول، ما تقول في صداقها؟

وقال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه: لئن حدث بحديث ليكذبن، وإن قال برأي نفسه ليخطئن. فقال قتادة: وَيلك، أوقعت هذه المسألة؟ قال: لا. قال: فلم تسألني عما لم يقع؟ فقال أبو حنيفة: إنا نستعد للبلاء قبل نزوله، فإذا وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه. قال قتادة: والله لا أحدثكم بشيء من الحلال والحرام، سلوني عن التفسير. *فقام إليه أبو حنيفة، فقال له: يا أبا الخطاب: ما تقول في قول الله تعالى: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتَابِ أنا آتِيكَ به قَبْلَ أن يَرتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ) ؟. قال: نعم، هذا آصف بن برخيا بن شميعا، كاتب سليمان بن داود، وكان يعرف اسم الله الأعظم. فقال أبو حنيفة: وهل كان يعرف الأسم سليمان؟ قال: لا. قال: فيجوز أن يكون في زمان نبيٍّ من هو أعلم من النبي؟ قال: فقال قتادة: والله لا أحدثكم بشيء من التفسير، سلوني عما اختلف فيه العلماء. *قال: فقام إليه أبو حنيفة، فقال: يا أبا الخطاب، أمؤمن أنت؟ قال: أرجو. قال: ولم؟ قال: لقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (وَالَّذِي أطمَعُ أنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئتِي يَوْمَ الدِّينِ) . فقال أبو حنيفة: فهلا قلت كما قال إبراهيم، عليه الصلاة والسلام: (قَالَ أوَلَمْ تُؤمِنْ قَالَ بَلَى) . قال: فقام قتادة مُغضباً، ودخل الدار، وحلف أن لا يحدثهم. وروى الخطيب أيضاً، عن الفضل بن غانم، قال: كان أبو يوسف مريضاً شديد المرض، فَعاده أبو حنيفة مراراً، فصار إليه آخر مرة، فرآه ثقيلاً، فاسترجع، ثم قال: لقد كنت أؤملك بعدي للمسلمين، ولئن أصيب الناس بك ليموتن علمٌ كثير. ثم رزق العافية، وخرج من العلة، فأخبر أبو يوسف بقول أبي حنيفة فيه، فارتفعت نفسه، وانصرفت وجوه الناس إليه، فعقد لنفسه مجلساً في الفقه، وفصر عن لزوم مجلس أبي حنيفة، فسأل عنه، فأخبر أنه عقد لنفسه مجلساً، وأنه بلغه كلامك فيه. *فدعا رجلا كان له عنده قدر، فقال: صِر إليه بعد أيام في طلب الثوب، فقال له القصار: ما لك عندي شيء. أنكره، ثم إن رب الثوب رجع إليه، فدفع إليه الثوب مقصوراً، أله أجره؟. فإن قال: له أجره، فقل: أخطأت. وإن قال: لا أجر له. فقل: أخطأت. فصار إليه، فسأله، فقال أبو يوسف: له الأجرة. فقال: أخطأت. فنظر ساعة، ثم قال: لا أجرة له. فقال: أخطأت. فقام أبو يوسف من ساعته، فأتى أبا حنيفة، فقال له، ما جاء بك إلا مسألة القصار. قال: أجل. فقال: سبحان الله، من قعد يُفتي الناس، وعقد مجلساً يتكلم في دين الله، وهذا قدره، لا يُحسن أن يجيب في مسألة من الإجارات! فقال: يا ابا حنيفة، علمني. فقال: إن قصره بعدما غصبه فلا أجرة له، لأنه قصر لنفسه، وإن كان قصره قبل أن يغصبه، فله الأجرة، لأنه قصره لصاحبه. ثم قال: من ظن أن يستغني عن التعلم فليبك على نفسه. وحدث الحسن بن زياد اللؤلؤي، قال: كانت هنا امرأة يقال لها أم عمران مجنونة، وكانت جالسة في الكناسة، فمر بها رجل فكلمها بشيء، فقالت له: يا ابن الزانيتين. وابم أبي ليلى حاضر، فسمع ذلك، فقال للرجل: أدخلها على المسجد. وأقام عليها حدين، حداً لأبيه وحداً لأمه. فبلغ ذلك أبا حنيفة، فقال: أخطأ فيها في ستة مواضع؛ أقام الحد في المسجد، ولا تقام الحدود في المساجد، وضربها قائمة، والنساء يُضربن قعوداً، وضرب لأبيه حداً، ولأمه حداً، ولو أن رجلاً قذف جماعة كان عليه حدٌ واحد، وجمع الحدين، ولا يجمع بين حدين، حتى يخف أحدهما، والمجنونة ليس عليها حد، وحد لأبويه، وهما غائبان، لم يحضرا فيدعيان. فبلغ ذلك ابن أبي ليلى، فدخل على الأمير، فشكا إليه أبا حنيفة، فحجر عليه، وقال: لا يُفتى. فلم يُفت أياماُ، حتى قدم رسول من ولي العهد، فأمر أيعرض على أبي حنيفة مسائل حتى يُفتى فيها، فأبى أبو حنيفة، وقال: أنا محجورٌ عليَّ. فذهب الرسول إلى الأمير، فقال الأمير: قد أذنت له. فقعد فأفتى. فصل في ذكر ما نقل في حق الإمام، رضي الله تعالى عنه كان من كبار الحُفاظ للحديث الشريف، وكان مقبول القول في الجرح والتعديل، وفي ذكر طائفة ممن روى عن الإمام، وروى الإمام عنه، وأنه كان من كبار الثقات، وثقات الكبار، رضي الله تعالى عنه

قال الخطيب في تاريخه: النعمان بن ثابت، أبو حنيفة، التيمي، رأى أنس بن مالك، رضي الله عنه، وسمع عطاء بن أبي رباح، وأبا إسحاق السبيعي، ومُحارب بن دِثار، وحماد بن أبي سليمان، والهيثم بن حبيب الصراف، وقيس بن مسلم، ومحمد بن المنكدر، ونافعاً مولى عمر، وهشام بن عروة، ويزيد الفقير، وسماك بن حرب، وعلقمة بن مريد، وعطية العوفي، وعبد العزيز بن رفيع، وعبد الكريم أبا أمية، وغيرهم. وروى عنه أبو يحيى الحماني، وهشيم بن بشير، وعباد بن العوام، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن هارون، وعلي بن عاصم، ويحيى بن نصر بن حاجب، وأبو يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن الشيباني، وعمرو بن العنقزي، وهوذة بن خليفة، وأبو عبد الرحمن المُقري، وعبد الرزاق بن همام، في آخرين لا يحصون. وقال في " الجواهر "، نقلاً عن " كتاب التعليم ": إنه روى عن أبي حنيفة، ونقل مذهبه، نحو من أربعة آلاف نفر. وقال أبو إسحاق الشيرازي: كان في زمنه أربعة من الصحابة: أنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، وسهل بن سعد، وأبو الطفيل، ولم يأخذ عن أحدٍ منهم. وكان أبو حنيفة ممن تلقى عنه الحُفاظ، وعملوا بقوله في الجرح والتعديل، كتلقيهم عن الإمام أحمد، والبخاري، وابن معين، وابن المديني، وغيرهم من شيوخ الفن. وعن يحيى الحماني، قال: سمعت أبا حنيفة، يقول: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي، ولا أفضل من عطاء بن أبي رباح. وعن عبد الحميد الحماني: سمعت أبا سعيد الصنعاني وقام إلى أبي حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة، ما تقول في الأخذ عن الثوري. فقال: اكتب عنه، فإنه ثقة، ما خلا أحاديث أبي إسحاق عن الحريث، وحديث جابر الجعفي. وقال أبو حنيفة: طلق بن حبيب كان يرى القدر. وقال: زيد بن عياش ضعيف. وعن سفيان بن عُيينة، قال: أول من أقعدني للحديث أبو حنيفة، قدمت الكوفة، فقال أبو حنيفة: إن هذا أعلم الناس بحديث عمرو بن دينار. فاجتمعوا عليَّ، فحدثتهم. وقال أبو سليمان الجوزجاني: سمعت حماد بن زيد، يقول: ما عرفنا كُنية عمرو بن دينار إلا بأبي حنيفة، كنا في المسجد الحرام، وأبو حنيفة مع عمرو بن دينار، فقلنا له: يا أبا حنيفة، كلمه يحدثنا. فقال: يا أبا محمد، حدثهم. وقال أبو حنيفة: لعن الله عمرو بن عبيد، فإنه فتح للناس باباً إلى علم الكلام. وقال: قاتل الله جهم بن صفوان، ومقاتل بن سليمان، هذا أفرط في النفي، وهذا أفرط في التشبيه. وعن أبي يوسف، قال: أبو حنيفة: لا ينبغي للرجل أن يحدث من الحديث إلا بما حفظه من يوم سمعه إلى يوم يُحدث به. قال صاحب " الجواهر ": ولكن أكثر الناس على خلاف هذا، ولهذا قلت رواية أبي حنيفة، لهذه العلة، لا لعلةٍ أخرى زعمها المتحملون عليه. وسُئل يحيى بن معين، عن أبي حنيفة، فقال: هو ثقة، ما سمعت أحداً ضعفه، هذا شعبه بن الحجاج يكتب إليه أن يحدث بأمره، وشعبة شعبة؟!!. وقيل له: يا أبا زكريا، أبو حنيفة كان يصدق في الحديث؟. فقال: نعم، صدوق. وأثنى عليه ابن المديني. وكان شعبة حسن الرأي فيه، وشعبة أو لمن تكلم في الرجال. وقال ابن عبد البر: الذين رووا عن أبي حنيفة، ووثقوه، وأثنوا عليه، أكثر من الذين تكلموا فيه، والذين تكلموا فيه من أهل الحديث أكثر ما عابوا عليه الإغراق في الرأي والقياس. قال: وكان يُقال: يُستدل على نباهة الرجل من الماضين بتباين الناس فيه. قالوا: ألا ترى إلى علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، أنه هلك فيه فتيا؛ مُحب أفرط، ومبغض أفرط. وقد جاء الحديث: " أنه يهلك فيه رجلان محب مطر، ومبغض مُفتر ". قال: وهذه صفة أهل النباهة، ومن بلغ في الفضل والدين والغاية. فصل في ذكر عبادته، وورعه، وثناء الناس عليه بذلك عن يحيى بن معين، أنه قال: سمعت يحيى القطان، يقول: جالسنا، والله، أبا حنيفة، وسمعنا منه، وكنت والله إذا نظرت إليه عرفت في وجهه أنه يتقي الله عز وجل. وعن الحسن بن محمد الليثي أنه كان يقول: قدِمت الكوفة، فسألت عن أعبد أهلها، فدفعت إلى أبي حنيفة، ثم قدمتها وأنا شيخ، فسألت عن أفقه أهلها، فدفعت إلى أبي حنيفة. وعن سويد بن سعيد، قال: سمعت سفيان بن عُيينة، يقول: ما قدم رجل مكة في وقتنا أكثر صلاة من أبي حنيفة.

وقال أبو مطيع: كنت بمكة، فما دخلت الطواف في ساعة من ساعات الليل إلا رأيت أبا حنيفة وسفيان في الطواف. وقال يحيى بن أيوب الزاهد: كان أبو حنيفة لا ينام الليل. وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يُسمى الوتد؛ لكثرة صلاته. وعن أسد بن عمرو، قال: صلى أبو حنيفة - فيما حُفظ عليه - صلاة الفجر بوضوء صلاة العشاء أربعين سنة، فكان عامة الليل يقرأ القرآن جميعه في ركعة واحدة، وكان يسمع بكاؤه بالليل حتى يرحمه جيرانه، وحفظ عليه أنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف مرة. وعن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، عن أبيه قال: لما مات أبي سألنا الحسن بن عُمارة أن يتولى غسله، ففعل فلما غسله، قال: رحمك الله، وغفر لك، لم تفطر منذ ثلاثين سنة، ولم تتوسد يمينك بالليل أربعين سنة، وقد أتعبت من بعدك، وفضحت القراء. وعن أبي يوسف، قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة، إذ سمع رجلا يقول لرجل: هذا أبو حنيفة، لا ينام الليل. فقال أبو حنيفة: والله، لا يتحدث عني بما لا أفعل. فكان يُحيي الليل صلاة، ودعاء، وتضرعاً. وعن ابن أبي معاذ، عن مسعر بن كدام، قال: أتيت أبا حنيفة في مسجده، فرأيته يُصلي الغداة، ثم يجلس للناس في العلم، إلى أن يُصلي الظهر، ثم يجلس إلى العصر، فإذا صلى العصر جلس إلى المغرب، فإذا صلى المغرب جلس إلى أن يصلي العشاء، فقلت في نفسي: هذا الرجل في هذا الشغل، متى يتفرغ للعبادة؟، لأتعاهدنه الليلة. قال: فتعاهدته، فلما هدأ الناس، خرج من المسجد، فانتصب للصلاة إلى أن طلع الفجر، ودخل منزله، ولبس ثيابه، وخرج إلى المسجد، صلى الغداة، فجلس الناس إلى الظهر، ثم إلى العصر، ثم إلى المغرب، ثم إلى العشاء. فقلت في نفسي إن الرجل قد تنشط الليلة الماضية للعبادة، لأتعاهدنه الليلة، فتعاهدته، فلما هدأ الناس خرج فانتصب للصلاة، ففعل كفعله في الليلة الأولى، فلما أصبح خرج إلى الصلاة، وفعل كفعله في يوميه، حتى إذا صلى العشاء، قلت في نفسي: إن الرجل لينشط الليلة والليلة، لأتعاهدنه. ففعل كفعله في ليلته، فلما أصبح جلس كذلك، فقلت في نفسي: لألزمنه إلى أن أموت أو يموت. قال: فلازمته في مسجده. قال ابن أبي معاذ: فبلغني أن مسعراً مات في مسجد أبي حنيفة في سجوده، رحمه الله تعالى. وكان خارجة بن مصعب، يقول: ختم القرآن في الكعبة أربعة من الأئمة: عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير، وأبو حنيفة، رضي الله تعالى عنهم. وكان أبو حنيفة ربما ختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة. وحدث أحمد بن يونس، قال: سمعت زائدة، يقول: صليت مع أبي حنيفة في مسجد عشاء الآخرة، وخرج الناس، ولم يعلم أني في المسجد، وأردت أن أسأله عن مسألة، من حيث لا يراني أحد، قال: فقام فقرأ، وقد افتتح الصلاة، حتى إذا بلغ إلى هذه الآية: (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقّانَا عَذَابَ السَّمُوم) . فأقمت في المسجد أنتظر فراغه، فلم يزل يرددها حتى أذن المؤذن لصلاة الفجر. وروى عن يزيد بن الكميت، وكان من خيار الناس، أنه كان يقول: كان أبو حنيفة شديد الخوف من الله تعالى، فقرأ بنا عليُّ بن الحسين المؤذن ليلة العشاء الآخرة (إذا زُلْزِلَتِ) ، وأبو حنيفة خلفه، فلما قضى الصلاة، وخرج الناس، نظرت إلى أبي حنيفة وهو جالس يُفكر، ويتنفس، فقلت: أقوم، لا يشتغل قلبه. فلما خرجت تركت القنديل، ولم يكن إلا زيت قليل، فجئت وقد طلع الفجر، وهو قائم، قد أخذ بلحية نفسه، وهو يقول: " يا من يجزي بمثقال ذرة خيراً خيراً، ويا من يجزي بمثقال ذرة شراً شراً، أجر النعمان عبدك من النار، وما يقرب منها من السوء، وأدخله في سعة رحمتك ". قال: فأذنت، فإذا القنديل يزهو وهو قائم، فلما دخلت، قال لي: تريد أن تأخذ القنديل؟ قال: قلت قد أذنت لصلاة الغداة. قال: اكتم على ما رأيت. وركع ركعتي الفجر، وجلس حتى أقمت الصلاة، وصلى معنا الغداة على وضوء أول الليل. انتهى. وقام رضي الله تعالى عنه ليلة بهذه الآية: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أدْهَى وَأمَرُّ) يرددها، ويبكي، ويتضرع. وكان رحمه الله تعالى - كما قال ابن المبارك - أورع أهل الكوفة.

وروى أنه كان شريكاً لحفص بن عبد الرحمن، وكان أبو حنيفة يُجهز إليه الأمتعة، وهو يبيع، فبعث إليه في رقعة بمتاع، وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيباً، فإذا بعته، فبين. فباع حفص المتاع، ونسى أن يبين، ولم يعلم ممن باعه، فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله. وروى ايضاً، عن أبي عبد الرحمن المسعودي، عن أبيه، قال: ما رأيت أحسن امانة من أبي حنيفة، مات يوم مات، وعنده ودائع بخمسين ألفاً، ما ضاع منها ولا درهم واحد. ونقل أن أبا جعفر المنصور أجازه بثلاثين ألف درهم في دفعات، فقال: يا أمير المؤمنين، إني ببغداد غريب، وعندي للناس ودائع، وليس لها عندي موضع، فاجعلها في بيت المال. فأجابه المنصور إلى ذلك، فدفع إليه الثلاثين ألفاً، ووضعها في بيت المال، فلما مات أبو حنيفة أخرجت ودائع الناس من بيته. فقال المنصور: خدعنا أبو حنيفة. وكان رحمه الله تعالى، قد جعل على نفسه أن لا يحلف بالله في عرض كلامه إلا تصدق بدرهم، فحلف فتصدق به، ثم جعل على نفسه إن حلف أن يتصدق بدينار، فكان إذا حلف صادقاً في عرض كلامه تصدق بدينار. وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها، وإذا اكتسى ثوباً جديداً أكسى بقدر ثمنه الشيوخ العلماء. وكان إذا وضع بين يديه الطعام أخذ منه فوضعه على الخبز، حتى يأخذ منه بقدر ضعف ما كان يأكل ثم يعطيه لإنسان فقير، فإن كان في الدار من عياله إنسان يحتاج إليه، دفعه إليه، وإلا أعطاه مسكيناً. وقال وكيع: كان، والله، أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان الله في قلبه جليلاً كبيراً عظيماً، وكان يؤثر رضاء ربه على كل شيء، ولو أخذته السيوف في الله لاحتمل، رحمة الله تعالى، ورضي عنه رضى الأبرار، فلقد كان منهم. وقال ابن المبارك: ما رأيت أحداً أورع من أبي حنيفة، وقد جرب بالسياط والأموال. فصل في بيان ما روى وصح عن أبي حنيفة من إرادتهم إياه على القضاء وامتناعه من قبوله، وضربهم إياه بالسياط على ذلك رحمه الله تعالى روى الخطيب بسنده، أن ابن هبيرة كلم أبا حنيفة أن يلي قضاء الكوفة، فأبى عليه، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط، وهو على الامتناع فلما رأى ذلك خلى سبيله. وكان ابن هبيرة إذ ذاك عامل مروان على العراق، في زمان بني أمية. وروى الخطيب أيضاً، أنه كان يخرجه كل يوم، أو بين الأيام، فيضرب، ليدخل في القضاء، فيأبى. ولقد بكى في بعض الأيام، فلما أطلق، قال: كان غم والدتي أشد عليَّ من الضرب. وكان أحمد بن حنبل إذا له ذلك بكى، وترحم عليه، خصوصاً بعد أن ضرب هو أيضاً. وروى عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، أنه قال: مررت مع أبي بالكناسة، فبكى، فقلت: ما يبكيك يا أبت؟ قال: يا بني، في هذا الموضع ضرب ابن هبيرة أبي عشرة أيام، في كل يوم عشرة أسواط، على أن يلي القضاء، فلم يفعل. وروى الخطيب بسنده، عن بشر بن الوليد الكندي، قال: أشخص أبو جعفر المنصور أبا حنيفة من الكوفة، فأراده على أن يوليه القضاء فابى، فحلف عليه ليفعلن، فحلف أبو حنيفة أن لا يفعل، فحلف المنصور ليفعلن، فحلف أبو حنيفة أن لا يفعل، فقال الربيع الحاجب: ألا ترى أمير المؤمنين يحلف. فقال أبو حنيفة: أمير المؤمنين على كفارة أيمانه أقدر مني على كفارة أيماني. فأبى أن يلي، فأمر به إلى الحبس في الوقت. وروى أن أبا جعفر المنصور بعد أن حبسه دعاه يوماً، وقال له: أترغب عن ما نحن فيه؟ فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، لا أصلح للقضاء. فقال له: كذبت. ثم عرض عليه الثانية، فقال أبو حنيفة: قد حكم عليَّ أمير المؤمنين أني لا أصلح للقضاء، لأنه نسبني إلى الكذب، فإن كنت كاذباً فلا أصلح، وإن كنت صادقاً فقد أخبرت أمير المؤمنين أني لا أصلح. فلم يقبل منه ورده إلى الحبس، فأقام به إلى أن مات فيه، على الصحيح من الروايات. وحدث عباس الدوري، قال: حدثونا عن المنصور، أنه لما بنى مدينته، ونزلها، ونزل المهدي في الجانب الشرقي، وبنى مسجد الرصافة، أرسل إلى أبي حنيفة، فجيء به، فعرض عليه قضاء الرصافة، فأبى. فقال: إن لم تفعل ضربتك بالسياط. قال: أوَ تفعل؟! قال: نعم. فقعد في القضاء يومين فلم يأته أحد، فلما كان في الثالث اتاه رجل صفار ومعه آخر، فقال الصفار: لي على هذا درهمان وأربعة دوانيق، ثمن تور صفر.

فقال أبو حنيفة: اتق الله، وانظر فيما يقول الصفار. قال: ليس على شيء فقال أبو حنيفة للصفار: ما تقول؟ قال: استخلفه. فقال أبو حنيفة للرجل: قُل والله الذي لا إله إلا هو. فجعل يقول، فلما رآه أبو حنيفة عازماً على أن يحلف، قطع عليه، وضرب بيده إلى كمه فحل صرة، وأخرج درهمين ثقيلين، فقال للصفار: هذان عوض من باقي تورك. فنظر الصفار إليهما، وقال: نعم. فأخذ الدرهمين. فلما كان بعد يومين، اشتكى أبو حنيفة، فمرض ستة أيام، ثم مات، رحمه الله تعالى، ورضي عنه. قال عباس: وهذا قبره في مقابر الخيزران إذا دخلت من باب القطانين يسرة، بعد قبرين أو ثلاثة. وقيل: إن المنصور أقدمه بغداد لأمرٍ آخر غير القضاء. وقيل: إنه أقام بعد قدومه إلى بغداد خمسة عشر يوماً، ثم سقاه المنصور، فمات، رحمه الله تعالى، ورضي الله عنه، وذلك في سنة خمسين ومائة، وله من العمر سبعون سنة. فصل في ذكر جود أبي حنيفة، وسماحه، وحُسن عهده، رضي الله تعالى عنه عن قيس بن الربيع، قال: كان أبو حنيفة رجلاً ورعاً فقيهاً محسوداً، وكان كثير الصلة والبر لكل من لجأ إليه، كثير الإفضال على إخوانه. وقال أيضاً: كان أبو حنيفة من عقلاء الرجال، وكان يبعث بالبضائع إلى بغداد، يشتري بها الأمتعة، ويحملها إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائج الأشياخ المحدثين وأقواتهم، وكسوتهم، وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم، فيقول: أنفقوا في حوائجكم، ولا تحمدوا إلا الله؛ فإني ما أعطيتكم من مالي شيئا، ولكن من فضل الله عليَّ فيكم، وهذه أرباح بضاعتكم؛ فإنه هو والله مما يجريه الله لكم على يدي فما في رزق الله حول لغيره. وحدث حجر بن عبد الجبار، قال: ما أرى الناس أكرم مجالسة من أبي حنيفة، ولا أكثر إكراماً لأصحابه. وقال حفص بن حمزة القرشي: كان أبو حنيفة ربما مر به الرجل فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة، فإذا قام سأل عنه، فإن كانت به فاقة وصله، وإن مرض عاده. وكان أكرم الناس مجالسة. وروى أنه رأى على بعض جُلسائه ثياباً رثة، فأمره فجلس حتى تفرق الناس، وبقي وحده. فقال له: ارفع المصلى، وخذ ما تحته. فرفع الرجل المصلى وكان تحته ألف درهم. فقال له: خذ هذه الدراهم فغير بها من حالك. فقال الرجل: إني موسر، وأنا في نعمة، ولست أحتاج إليها. فقال له: أما بلغك الحديث: " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده "، فينبغي لك أن تغير حالك، حتى لا يغتم صديقك. وروى أن امرأة جاءت إلى أبي حنيفة تطلب منه ثوب خز، فأخرج لها ثوباً. فقالت له: إني امرأة ضعيفة، وإنها أمانة فبعني هذا الثوب بما يقوم عليك. فقال: خُذيه بأربعة دراهم. فقالت: لا تسخر بي، وأنا امرأة عجوز كبيرة. فقال: إني اشتريت ثوبين، فبعت أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم، فبقي هذا يقوم عليَّ بأربعة دراهم. وجاء إليه رجل، فقال: يا أبا حنيفة، قد احتجت إلى ثوب خز. فقال: ما لونه؟ قال: كذا، وكذا. فقال له: اصبر حتى يقع، وآخذه لك، إن شاء الله تعالى. فما دارت الجمعة حتى وقع، فمر به الرجل، فقال: قد وقعت حاجتك، وأخرج إليه الثوب، فأعجبه، فقال: يا أبا حنيفة، كم أزن؟ قال: درهماً. فقال الرجل: يا أبا حنيفة ما كنت أظنك تهزأ. قال: ما هزأت، إني اشتريت ثوبين بعشرين ديناراً ودرهم، وإني بعت أحدهما بعشرين ديناراً، وبقي هذا بدرهم، وما كنت لأربح على صديق. ومن المشهور عن مروءته، ووفائه ورعايته حق الجوار، ما روى أنه كان له جار بالكوفة إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل معه لحماً فطبخه أو سمكة فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه غنى بصوت، وهو يقول: أضاعوني وأي فتىً أضاعُوا ... ليَوم كريهةٍ وسدَادِ ثَغْرِ فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت، حتى يأخذه النوم. وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس منذ ليال، وهو محبوس. فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلة، واستأذن على الأمير. فقال: ائذنوا له، وأقبلوا به راكبا، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط. ففعل، فلم يزل الأمير يوسع في مجلسه، وقال: ما حاجتك؟

قال: لي جار إسكاف، أخذه العسس منذ ليال، ويأمر الأمير بتخليته. فقال: نعم، وكل من أخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا. فأمر بتخليتهم أجمعين. فركب أبو حنيفة، والإسكاف يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه، فقال: يا فتى، هل أضعناك؟ فقال: لا، بل حفظت ورعبت، جزاك الله خيراً عن حرمة الجوار، ورعايته. وتاب الرجل، ولم يعد إلى ما كان عليه، ببركة الإمام، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة مُتقلبه ومثواه، ونفعنا ببركاته، وبركات علومه في الدنيا والآخرة. فصل في ذكر ما كان عليه أبو حنيفة من حُسن الاعتقاد ووفور العقل، والفِطنة، والذكاء المفرط، والتلطف في الجواب، وبره لوالديه، رضي الله عنه روى الخطيب بسنده، عن يحيى بن نصر، قال: كان أبو حنيفة يفضل أبا بكر وعمر، ويحب علياً وعثمان، وكان يؤمن بالأقدار، ولا يتكلم في القدر، وكان يمسح على الخفين، وكان من أعلم الناس في زمانه وأتقاهم. وعن أبي يوسف، عن أبي حنيفة، أنه قال: من قال: القرآن مخلوق فهو مبتدع، فلا يقولن أحدٌ بقوله، ولا يصلين أحدٌ خلفه. وروى أن ابن المبارك قدم على أبي حنيفة، فقال له أبو حنيفة: ما هذا الذي دب فيكم؟ قال له: رجل يقال له جهم. قال: وما يقول؟ قال: يقول القرآن مخلوق. فقال أبو حنيفة: (كَبُرَتْ كَلِمَةً مِنْ أفوَاهِهِمْ إنْ يَقُولُونَ إلاَّ كَذِباً) . وكان معلى بن منصور الرازي، يقزل: ما تكلم أبو حنيفة، ولا أبو يوسف، ولا زفر، ولا محمد، ولا أحد من أصحابهم في القرآن، وإنما تكلم بشر المريسي، وابن أبي داود. وعن ابن المبارك: قلت لسفيان الثوري، يا أبا عبد الله، ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة، وما سمعته يغتاب عدوا له قط. قال: هو والله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها. وكان عليُّ بن عاصم، يقول: لو وزن عقل أبي حنيفة بعقل نصف أهل الأرض لرجح بهم. وقال خارجة بن مصعب: لقيت ألفاً من العلماء فوجدت العاقل فيهم أربعة. فذكر أبا حنيفة في الثلاثة أو الأربعة. وقال أيضاً: من لا يرى المسح على الخفين، أو يقع في أبي حنيفة، فهو ناقص العقل. وروى الخطيب في تاريخه "، أنه كان بالكوفة رجل يقول: عُثمان بن عفان كان يهودياً. فأتاه أبو حنيفة، فال: أتيتك خاطباً لأبنتك. قال: لمن؟ قال: لرجل شريف، غتي من المال، حافظ لكتاب الله، سخي، يقوم الليل في ركعة، كثير البكاء من خوف الله. قال: في دون هذا مقنع يا أبا حنيفة. قال: إلا أن فيه خصلة. قال: وما هي؟ قال: يهودي. قال: سُبحان الله، تأمرني أن أزوج ابنتي من يهودي. قال: لا تفعل؟ قال: لا. قال: فالنبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنته من يهودي!. قال: أستغفر الله، فإني تائب إلى الله. وروى الخطيب أيضاً، بسنده، عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، قال: كان لنا جار طحان رافضي، وكان له بغلان؛ أحدهما أبو بكر والآخر عمر، فرمحه ذات ليلة أحدهما، فقتله، فأخبر أبو حنيفة، فقال: انظروا البغل الذي رمحه، هو الذي سماه عمر. فنظروا. فكان كذلك. وقال ابن المبارك: رأيت أبا حنيفة في طريق مكة، وقد شوى لهم فصيل سمين، فاشتهوا أن يأكلوه بخل، فلم يجدوا شيئاً يصبون فيه الخل، فتحيروا فرأيت أبا حنيفة قد حفر في الرمل حفرة، وبسط عليها السفرة، وسكب الخل على ذلك الموضع، فأكلوا الشواء بالخل. فقالوا له: تحسن كل شيء!!. قال: عليكم بالشكر، هذا شيء ألهمته فضلاً من الله عليكم. وعن أبي يوسف، قال: دعا المنصور أبا حنيفة، فقال الربيع حاجب المنصور، وكان يُعادي أبا حنيفة: يا أمير المؤمنين، هذا أبو حنيفة يُخالف جدك، كان عبد الله بن عباس يقول: إذا حلف اليمين استثنى ذلك بيوم أو يومين جاز الاستثناء، وقال أبو حنيفة: لا يجوز الاستثناء، إلا متصلاً باليمين. فقال أبو حنيفة: يا أمير المؤمنين، إن الربيع يزعم أنه ليس لك في رقاب جُندك بيعة. قال: وكيف؟ قال: يحلفون لكم، ثم يرجعون إلى منازلهم فيستثنون، فبطل أيمانهم. قال: فضحك المنصور، وقال: يا ربيع، لا تعرض لأبي حنيفة. فلما خرج أبو حنيفة، قال: أردت أن تشيط بدمي؟ قال: لا، ولكنك أردت أن تشيط بدمي فخلصتك، وخلصت نفسي.

وكان أبو العباس الطوسي سيئ الرأي في أبي حنيفة، وكان أبو حنيفة يعرف ذلك، فدخل أبو حنيفة على أبي جعفر المنصور يوماً، وكثر للناس عنده، فقال الطوسي: اليوم أقتل أبا حنيفة. فأقبل عليه، فقال: يا أبا حنيفة، إن أمير المؤمنين يدعو الرجل منا، فيأمره بضرب عنق الرجل، لا يدري هو، أيسعه أن يضرب؟ فقال: يا ابا العباس، أمير المؤمنين يأمر بالحق أو بالباطل؟ قال: بالحق. قال: أنفذ الحق حيث كان، ولا تسأل عنه. ثم قال أبو حنيفة لمن قرب منه: إن هذا أراد أن يوثقني فربطته. وكان أبو حنيفة، رحمه الله، كثير البر بوالدته، والقيام بواجب حقها، وإدخال السرور عليها، وعدم المخالفة لها. حدث حجر بن عبد الجبار الحضرمي، رحمه الله تعالى، قال: كان في مسجدنا قاض يُقال له زرعة، ينسب مسجدنا إليه، وهو مسجد الحضرميين، فأردت أم أبي حنيفة أن تستفتي في شيء، فأفتاها أبو حنيفة، فلم تقبل، وقالت: ما أقبل إلا ما يقوله زرعة القاص. فجاء بها أبو حنيفة إلى زرعة، فقال: هذه أمي تستفتيك في كذا وكذا. فقال: أنت أعلم مني وأفقه، فأفتها أنت. فقال أبو حنيفة: قد أفتيتها بكذا وكذا. فقال زرعة: القول كما قال أبو حنيفة. فرضيت وانصرفت. وفي رواية، أن زرعة قال لها: أفتيك ومعك فقيه الكوفة! فقال أبو حنيفة: أفتها بكذا وكذا. فأفتاها فرضيت. وفي بره بوالديه وتعظيمه لشيخه حماد يقول بعضهم: نُعمَانُ كان أبرَّ الناسِ كُلِّهمُ ... بوَالدَيْه وبالأُسْتاذ حَمَّادِ مَا مَدَّ رِجْليْهِ يوماً نحْو منزلِه ... ودُونَه سِكَكٌ سَبْعٌ كأطْوَادِ روى أن أبا حنيفة قال: ما مددت رجلي نحو دار أستاذي حماد؛ إجلالاً له. وكان بين داره وداره سبع سِكك. وعن ابن المبارك، أنه قال: رأيت الحسن بن عمار آخذاً بركاب أبي حنيفة، وهو يقول: والله ما أدركت أحداً تكلم في الفقه أبلغ، ولا أصبر، ولا أحضر جواباً منك، وإنك لسيد من تكلم في وقتك غير مدافع، ولا يتكلمون فيك إلا حسداً. وكان ابن داود يقول: الناس في أبي حنيفة حاسد، وجاهل، وأحسنهم عندي حالاً الجاهل. وحدث سفيان بن وكيع، قال سمعت أبي يقول: دخلت على أبي حنيفة، فرأيته مُطرقاً مُفكراً، فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: أقبلت من عند شريك. فرفع رأسه وأنشد يقول: إن يَحسُدُوني فإنيِّ غيرُ لائِمِهمْ ... قَبْلي مِن الناس أهْلُ الفضْلِ قد حُسِدوا فدَامَ لي ولهم مَا بِي وما بِهِمُ ... ومَات أكثرُنا غَيظاً بما يَجِدُ قال: وأظنه كان بلغه عنه شيء. وذكر لمحمد بن الحسن ما يجري الناس من الحسد لأبي حنيفة فقال: مُحَسَّدُون وشَرُّ الناسِ مَنْزِلَةً ... مَن عاش في الناسِ يَوْماً غيرَ مَحْسودِ فصل في ذكر بعض الأمور التي اعترض بها الحُساد على أبي حنيفة، رضي الله عنه، وشنعوا بها عليه، وما أجيب به عنه، وذكر بعض ما مدح به من الشعر، وما نُسب إليه، وما تمثل به منه، وغير ذلك قال قاضي القضاة ابن خلكان، في " وفيات الأعيان "، بعد أن ذكر طرفاً صالحاً من مناقب الإمام رضي الله تعالى عنه: ومناقبه وفضائله كثيرة، وقد ذكر الخطيب في " تاريخه " منها شيئاً كثيراً، ثم أعقب ذلك بذكر ما كان الأليق تركه والإضراب عنه، فمثل هذا الامام لا يشك في دينه، ولا في ورعه وتحفظه، ولم يكن يُعاب بشيء سوى قلة العربية. فمن ذلك ما روى أن أبا عمرو بن العلاء سأله عن القتل بالمثقل هل يستوجب القود أم لا؟ فقال: لا. كما هو قاعدة مذهبه، خِلافاً للإمام الشافعي. فقال له أبو عمرو: ولو قتله بحجر المنجنيق؟. فقال: ولو قتله بأبا قُبيس. يعني الجبل المُطل على مكة، حرسها الله تعالى. قال: وقد اعتذروا عن أبي حنيفة بأنه قال ذلك على لغة من يقول: إن الكلمات الست المُعربة بالحروف " أبُوهُ، وأخوه، وحموه، وهنوه، وفوه، وذو مال " إن إعرابها يكون الأحوال بالألف. وأنشدوا على ذلك: إنَّ أباهَا وأبا أباهَا ... قد بَلغا في المَجْد غَايتاهَا وهي لغة الكوفيين، وأبو حنيفة من أهل الكوفة، فهي لغته. انتهى كلام ابن خلكان.

قلت: وهو مع ما اشتمل عليه من الصواب في الجواب لا يخلو من شائبة التعصب، حيث جزم بأن الإمام رضي الله تعالى عنه كان قليل العربية، بمجرد كلمة صدرت منه على لغة أهل بلده، واستعملها غير واحد ممن يحتج بقوله في شعره، والحال انه لم ينقل عن أحد من أهل اللغة وحملة العربية، أنه قال: إن كل من تكلم بكلمة غير فصيحة في عرض كلامه، على لغة أهل بلده وهي غير شاذة، ولم يدونها في كتاب من كتبه، يكون لحاناً قليل العربية. هذا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، مع كونه ممن يحتج بقوله في اللغة، قال في بعض تآليفه: " ماء عذب أو مالح "، فقال: " مالح " ولم يقل " مِلح " وهي لغة شاذة، أنكرها أكثر أهل اللغة، ولم يقل أحدٌ في حقه بسبب ذلك، إنه كان قليل العربية واللغة، ولكن جرى الأمر في ذلك على قول الشاعر: وعَينُ الرِّضَا عن كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلةٌ ... كما أنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاويَا وقد ذكر بعض من صنف في مناقب الإمام الأعظم، في حق الإمام الشافعي مِن مثل هذه المؤاخذات شيئاً كثيراً، أضربنا عن ذكره، لعدم الفائدة، ولأن الأليق بكل إنسان أن يكُف لِسانه عن التكلم في حق مثل هؤلاء الأئمة، الذين اتفق الناس على علمهم، وصلاحهم، وعلو مقامهم، إلا بخير، فإنه قلما أطلق أحد لسانه في حق السلف، إلا وعُجلت له النكبة في الدنيا قبل الآخرة، عَصمنا الله من ذلك بمنه وكرمه. ومن جملة التشنيعات في حق الإمام، رضي الله تعالى عنه، قول بعض الحُساد: إنه كان قليل الرواية، وليس له إحاطة بكثير من الأحاديث والآثار، كغيره من مُجتهدي عصره، ومن تأخر بقليل عنهم. والجواب عن ذلك هو المنع؛ بدليل أن أبا حنيفة، رضي الله تعالى عنه، كان أكثر الناس تفريعاً للأحكام، ووضعاً للمسائل، وكثرة الفروع تدل على كثرة الأصول، وصحتها على صحتها، وقد سلموا أن أبا حنيفة أقوى في القياس من غيره، وأعرف به من سواه، وإنما يُقاس على الكتاب والأثر، وكثرة قياسه في المسائل تدل على كثرة اطلاعه على الآثار، وكثرة إحاطته بها. وإنما قلت الرواية عنه لما ذكرناه سابقاً، من كونه كان يشترط في جواز الرواية حفظ الراوي لما يرويه من يوم سمعه إلى يوم يُحدث به، ولأنه صاحب مذهب، نصب نفسه لتدوين الفقه، وإثبات الأحكام، وتفقيه الناس وإفتائهم، وهذا لا يدل على أن ما كان يرويه عن غيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم كان قليلاً؛ لأن صاحب المقالة والمذهب، إذا أنهى إليه الخبر، أخذ حكمه المشتمل عليه، فدونه، وأثبته عنده، وجعله أصلاً ليقيس عليه نظائره؛ فمرة يفتى بحكمه ولا يروى الخبر، فيخرجه على وجه الفتوى، فيقف لفظ الخبر، وينقطع عنده. وكذا فعل أكثر فقهاء الصحابة؛ كالخلفاء الأربعة، وعبد الله بن مسعود، وزيد، وغيرهما، من فقهاء الصحابة، رضي الله عنهم. ويدلك على هذا، أن الخلفاء الأربعة صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مبعثه إلى وفاته، وكانوا لا يكادون يُفارقونه في سفر ولا حضر، وكذلك عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر؛ وأبو هريرة أكثر رواية منهم، وإنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مما سمع هؤلاء، أو شاهد أكثر مما شاهد هؤلاء!!، وقد روى الناس عنه أكثر مما رووا عنهم!! وإنما كان كذلك؛ لأن الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم، كانوا فقهاء الصحابة، وكانوا أصحاب مقالات ومذاهب، وكذلك عبد الله بن مسعود، وكانوا يفتون بكل علم صدر عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن فعله، فيخرجونه على وجه الفتوى، ولا يروونه، وربما رواه البعض منهم عند احتياجه إلى الاحتجاج به على غيره ممن خالفه من نظرائه. وهذا هو المعنى في قلة رواية ذي المقالة والمذهب عن النبي صلى الله عليه وسلم للناس، وقلة روايتهم عنه. وأما هو فقد سمع من الأخبار، وجمع ما لم يحط به غيره؛ فإن الأخبار منها ناسخ ومنسوخ، ومثبت وناف، وحاظر ومبيح، ونحو ذلك، فإذا ورد جميع ذلك إلى صاحب المقالة نظر فيها، وأخذ بالناسخ منها، وهو المتأخر، فإن لم يعلم المتأخر، أخذ بارجحهما عنده، وترك الآخر، فإذا أخذ المتأخر أو ما رجح عنده، فربما رواه، وربما أفتى بحكمه، ولم يروه، وأسقط ما نافاه، ولم يلتفت إليه، وأصحاب الحديث يرون الجميع؛ فلهذا قلت رواية الخلفاء الأربعة، ومن بعدهم من الفقهاء.

وقد يرد أيضاً الخبر من طرق كثيرة، فيقتصر صاحب المذهب منه على أصح الطرق، فيرويه منها، وربما أفتى بحكمه ولم يروه. وأصحاب الحديث يروونه من جميع طرقه، فلهذا قلت الرواية عن الفقهاء أولى المقالات. قال أبو بكر عتيق بن داود اليماني: فإن قال قائل: قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بلغوا عني ولو آية "، وقال عليه الصلاة والسلام: " نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه ". قيل له: إذا أفتى بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، أو بما فعل، فقد بلغ أشد التبليغ؛ لأن صاحب المقالة والمذهب، يلزمه أن لا يرةى جميع الأخبار المُتنافية، لأن ذلك يؤدي إلى تحير من يستفتي، ولا يحصل له التخلص مما نزل به من الحادثة، فإذا أفتاه بالصحيح عنده، أو رواه، حصلت للمُستفتي الفائدة، وفي هذا كفاية لكل ذي بصر. فهذا يدل على أن قلة الرواية عنه، لا تدل على قلة ما نقله من الأخبار والآثار، عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. هذا، ولئن سُلم ما زعمه المُشنع من قلة الرواية، فجوابه أنا نقول: قال أبو عمر بن عبد البر: الذي عليه جماعة " فهاء " المسلمين وعُلمائهم ذم الإكثار - يعني من الحديث - دون تفقه ولا تدبر، فالمكثر لا يأمن من مواقعة الكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم. ثم روى بسنده، عن قتادة، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم وكثرة الحديث، ومن قال عني فلا يقولن إلا حقاً ". وروى بسنده أيضاً، عن وهب بن بقية، قال: سمعت خالد بن عبد الله، يقول: سمعت ابن شبرمة، يقول: أقلل الرواية نفقة. وقال أيضاً: أما طلب الحديث على ما يطلبه كثير من أهل عَصرنا " اليوم "، دون نفقة فيه، ولا تدبر لمعانيه، فمكروه عند جماعة أهل العلم. ثم ذكر بعد كلام طويل، قول الأعمش لأبي يوسف: أنتم الأطباء ونحن الصيادلة. ومن ها هنا قال الترمذي: إن من يحمل الحديث ولا يعرف فيه التأويل كالصيدلاني. وعن ابن المبارك، أنه قال: ليكن الذي تعتمد عليه الأثر، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث. ولله در بعضهم حيث يقول: إن الرُواةَ على جَهْلٍ بما حَملوُا ... مثلُ الجِمَال عليها يُحْمَل الوَدَعُ لا الوَدْعُ يَنفْعهُ حَمْلُ الجمالِ له ... ولا الجمالُ بِحَمْل الوَدْع تنتفعُ وقال ابن أبي ليلى: لا يفقه الرجل في الحديث حتى يأخذ منه ويَدَع. وم التشنيعات أيضاً، قولهم: إن مذهب أبي حنيفة في موضوعه مُخالف لما عليه أساس الإمارة والإمامة، ولا يوافق في كثير من فروعه للأمراء والأئمة. والجواب عن ذلك هو المنع، بل مذهبه أوفق للإمامة والإمارة، والأصلح للولاة والأئمة. والدليل على ذلك، ما ذكرناه سابقاً من الجواب عنه لأبي جعفر المنصور في مسألة الاستثناء المُنفصل، وخلافه فيه لابن عباس؛ فإنه أوفق للإمامة والإمارة، بخلاف مذهب غيره. وكان بعض السلف يقول: لا يزال الإسلام مُشيد الأركان ما بقي له ثلاثة أشياء: الكعبة، والدولة العباسية، والفتيا على مذهب أبي حنيفة. فلولا الموافقة بين الدولة العباسية ومذهب أبي حنيفة ما قرن بينهما. وقال بعض الشعراء في ذلك: أبو حنيفةَ فاق الناسَ كُلَّهمُ ... في العِلمِ والزُّهْدِ والعَليَاء والباسِ له الإمَامَةُ في الدُّنيا مُسلَّمةٌ ... كما الخلافةُ في أولاد عَبَّاسِ وسماها بعض السلف التوْأمين؛ لاتفاقهما في الموضوع، وظهورهما في زمن واحد. وكيف يجوز أن يثدعى أن أبا حنيفة على خلاف الإمامة مع ما ذكرناه عنه سابقاً، حين منع من الفتوى، وسألته ابنته عن مسألة فقال لها: سلي أخاك؛ فإن الأمير منعني من الفتيا. فلم يرض لنفيه أن يعمل بخلاف سلطان زمانه في جواب مسألة. والذي يدل على صحة ذلك أن من صفة الإمامة أن يكون الإمام غالباً، قاهراً، نافذ الأمر، جائز التصرف في مملكته، مُطلق اليد في الرعية، وعلى مذهب أبي حنيفة كل هذا مفوض إلى الأئمة أينما نزلوا، ومذهب المُخالفين ليس على هذه الصفة. وبيان ذلك في مسائل كثيرة من فروع الفقه، لا بأس بذكر بعضها في هذا الموضوع للإيضاح. *مسألة، من له أرض خراجية، عجز عن زراعتها، وأداء خَراجها.

قال أبو حنيفة: للإمام أن يؤجرها من غيره، ويأخذ الخراج من أجرتها، سواء رضى بذلك صاحبها أم لم يرض. وقال الشافعي: ليس للإمام ذلك. *مسألة، إذا فتح السلطان بلدة من بلاد الكفار، فأراد أن يمن عليهم ويقرهم على أملاكهم، ويضع الجزية على رؤوسهم، ولا يقسمها بين الأجناد. قال أبو حنيفة: له أن يفعل ذلك، سواء رضي الجند بذلك أم لم يرضوا. وقال الشافعي: ليس له ذلك إلا برضى الجُند، وعليه أن يقسمها بين الغانمين. وهذه مسألة نفسية، والعمل بها على مذهبنا. *مسألة السلب في حال القتال لا يكون للقاتل عند أبي حنيفة، إلا أن يكون الإمام قال قبل ذلك: من قتل قتيلاً فله سلبه. وقال الشافعي: السلب للقاتل، سواء قال الإمام ذلك أو لم يقل. *مسألة، من عزره الإمام، لاستحقاقه التعزيز، فمات في تعزيره. قال أبو حنيفة: لا ضمان عليه، ودمه هدر. وقال الشافعي: يجب عليه الضمان. *مسألة، من أحيى أرضاً مواتاً. قال أبو حنيفة: إن أحياها بإذن الإمام ملكها. وقال الشافعي: يملكها، ولا يحتاج إلى إذن الإمام. *مسألة، إذا كان للرجل عبد فزنى، أو شرب خمراً، لا يقيم مولاه عليه الحد إلا بإذن الإمام. وقال الشافعي: يقيم مولاه، ولا يحتاج إلى إذن الإمام. وهو افتيات على السلطان في ولايته؛ قال عليه الصلاة والسلام: " الحدود للولاة ". *مسألة، إذا كان للرجل سوائم، وحال عليها الحول، وأدى صاحبها زكاتها. قال أبو حنيفة: للسلطان أن يأخذ زكاتها ثانياً، ويصرفها إلى الفقراء. وقال الشافعي: ليس للسلطان ذلك. وهو افتيات على السلطان أيضاً؛ فإن القبض في الأموال الظاهرة له، لا إلى أصحاب الأموال. *مسألة أهل مصر خرجوا إلى المصلى يوم العيد، وأرادوا أن يصلوا العيد. قال أبو حنيفة: إن كان السلطان أو نائبه معهم جاز، وإلا فلا. وقال الشافعي: يجوز، ولا يحتاج إلى حضور السُلطان ولا نائبه. *مسألة، رجل قتل لقيطاً متعمداً. قال أبو حنيفة: للسلطان ولاية استيفاء القصاص من قاتله. وقال الشافعي: ليس عليه ذلك. *مسألة، رجل مات، فحضر السلطان وأولياء الميت جنازته. قال أبو حنيفة: السلطان أحق بالتقديم للصلاة عليه من الأولياء. وقال الشافعي: الأولياء أحق. *مسألة، الجزية إذا أخذت على مذهبنا حصل أكثر مما أخذت على مذهبه، وكان أنفع لبيت المال؛ فإن عندنا يوضع على الغني الظاهر الغنى في كل سنة ثمانية وأربعون درهماً، وعلى المتوسط الغنى أربعة وعشرون درهماً، وعلى الفقير المعتمل اثنا عشر درهماً، وتؤخذ سلفاً، وعنده على كل شخص دينار، والدينار عشرة دراهم، فظهر التفاوت بينهما. *مسألة الإمام إذا أخذ صدقات أموال الناس، ثم أراد أن يمنع أعيان الصدقة، ويدفع أبدالها وأثمانها إلى الفقراء. قال أبو حنيفة: له فعل ذلك إذا رأى فيه المصلحة. وقال الشافعي: ليس له ذلك. *مسألة، السلطان إذا احتاج إلى تقويه الجيش، فأخذ من أرباب الأموال ما يكفيه من غير رضاهم، له ذلك. ومثل هذه المسائل كثيرة، قل أن تحصر في مصنف، وفيما ذكرناه منها كفاية للمنصف؛ فإنه إذا تأمل ما أوردناه، ونظر بعين الإنصاف إلى ما قررناه، ظهر له أن مذهبنا أوفق للإمامة من غيره، وأكثر تفويضاً للأئمة من سواه، والله الموفق للصواب. ومن التشنيعات أيضاً، قولهم: إنه قدم القياس الذي اختلف الناس في كونه حجة على الأخبار الصحيحة، التي اتفق العلماء على كونها حُجة. والجواب أن هذا القول زعم منهم، فإن أبا حنيفة أخذ بكتاب الله تعالى، ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بما اتفقت عليه الصحابة، ثم بما جاء عن واحد من الصحابة، وثبت ذلك واشتهر ولم يظهر له فيه مُخالف، وإن كان أمراً اختلف فيه الصحابة والعلماء، فإنه يقيس الشيء بالشيء حتى يتضح الأمر، ثم بالقياس إن لم يكن في الحادثة شيء مما ذكرناه. والدليل على أن مذهب أبي حنيفة على الصفة المشروحة، ما روى أبو مطيع البلخي، قال: " كتب " أبو جعفر المنصور إلى أبي حنيفة يسأله عن مسائل، وكان مما سأل: أخبرني عن ما أنت عليه، فقد وقع فيك الناس، وزعموا أنك ذو رأي، وصاحب اجتهاد وقياس، وكتبت إليك بالمسائل، فإن كنت بها عالماً علمنا أنك تقول بما نقول، وإن اشتبهت عليك، وتماديت فيها، علمنا أنك تقول بالقياس، والسلام.

فأجاب عن تلك المسائل، وقال: يعلم أمير المؤمنين أن الذين يقعون فينا لأنا نعمل بكتاب الله، ثم سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ثن بأحاديث الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم، وهذا حسد منهم، وطعن في الدين، وهذا علم لا يعرفه إلا الخبير البصير، والله ما تكلمت بمسألة حتى أذنت نفسي بالنصيحة، وليس بين الله وبين خلقه قرابة، وقد قالت الصحابة والتابعون: الأمر بالرأي لا بالكبر والسن، فمن وافق كان أقرب إلى الحق، وأوفق للقرآن والسنن، فالأولى أن يعمل بقولهم. وقال أبو مطيع البلخي لأبي حنيفة: أرأيت لو رأيت رأياً، ورأى أبو بكر رأياً غيره، أتدع رأيك برأيه؟ قال: نعم. فقلت: أرأيت لو رأيت رأياً، ورأى عمر رأياً، أتدع رأيك برأيه؟ قال: نعم. قال: ثم سألته عن عثمان وعلي، فأجاب بمثل هذا، وقال: إني أدع رأيي عند رأي جميع الصحابة، إلا ثلاثة أنفس: أبو هريرة، وأنس بن مالك، وسمرة بن جُندب. فهذا يدل على أنه يؤخر القياس عند الآثار. ويدل على ذلك أيضاً، ما روى عن محمد بن النضر، وكان من كبار العلماء، وأنه قال: ما رأيت أحداً تمسك بالآثار أكثر من أبي حنيفة. وعن أبي مُطيع البلخي، أن سفيان الثوري، ومقاتل بن حيان، وحماد بن سلمة، وغيرهم من فقهاء ذلك العصر، اجتمعوا وقالوا: إن النعمان هذا يدعي الفقه، وما عنده إلا القياس، فتعالوا حتى نناظره في ذلك، فإن قال: إنه قياس. قلنا له: عبدت الشمس بالمقاييس، وأول من قاس إبليس، لعنه الله، حيث قال: (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) . فناظرهم أبو حنيفة، يوم الجمعة في جامع الكوفة، وعرض عليهم مذهبه كما ذكرنا، فقالوا: إنك سيد العلماء، فاعف عنا؛ فإننا وقعنا فيك من غير تجربة ولا روية. فقال لهم أبو حنيفة: غَفر الله لنا ولكم. وروى أن أبا حنيفة كان يتكلم في مسألة من المسائل القياسية، وشخص من أهل المدينة يتسمع، فقال: ما هذه المُقايسة، دعوها فإن أول من قاس إبليس. فأقبل عليه أبو حنيفة، فقال: يا هذا، وضعت الكلام في غير موضعه، إبليس رد على الله تعالى أمره، قال الله تعالى: (ةإذْ قُلْنَا للمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلا إبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ) ، وقال تعالى: (فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُهم أجْمَعُون* إلا إبليسَ أبَى أنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدين) ، وقال: (إلا إبليسَ أبَى وَاسْتَكْبَر وَكَانَ مِنَ الكَافِرينَ) ، وقال: (أأسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) فاستكبر ورد على الله أمره، وكل من رد على الله تعالى أمره فهو كافر، وهذا القياس الذي نحن فيه نطلب فيه اتباع أمر الله تعالى؛ لأنا نرده إلى أصل أمر الله تعالى في الكتاب، أو السنة، أو إجماع الصحابة والتابعين، فلا نخرج من أمر الله تعالى، ويكون العمل على الكتاب والسنة والإجماع، فاتبعنا في أمرنا إليها أمر الله تعالى، قال الله تعالى: (يَا أيُهَا الَّذِنَ آمَنُوا أطيعوا الله وأطِعوا الرَّسُولَ وَأولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) . إلى قوله: (وَالْيَومِ الآخِرِ) ، فنحن ندور حول الاتباع، فنعمل بأمر الله تعالى، وإبليس خالف أمر الله تعالى، ورده عليه، فكيف يستويان؟ فقال الرجل: غلطت يا أبا حنيفة، وتُبتُ إلى الله تعالى، فنور الله قلبك كما نورت قلبي. ولا بأس بذكر بعض المسائل الشاهدة لما ذكرنا، والموضحة لما قررنا، على أنها لا تدخل تحت الحضر، والله الموفق للصواب: *مسألة، رجل رد عبداً آبقاً من مسيرة ثلاثة أيام. قال أبو حنيفة: له الجعل أربعون درهماً. وكان القياس أن لا يجب، فترك الناس وأخذ من ذلك بالخبر الذي روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، في خبر طويل، أن رجلاً قدم بآبق من الفيوم، فقال القوم: لقد أصاب أجراً. فقال ابن مسعود: وأصاب جعلاً. وقال من خالفه: لا يجب الجعل. فترك الخبر وأخذ بالقياس. *مسألة، ولو أن رجلاً حلق لحية رجلٍ، أو حاجبيه، فلم تنبت ثانياً. قال أبو حنيفة: يجب على الحالق دية كاملة. وقال من خالفه: لا يجب الدية على الكمال. وكان القياس أن لا يجب الدية على الكمال، فترك القياس، وأخذ بالخبر المروي في حديث سعيد بن المُسيب، رحمه الله تعالى. *مسألة، ولو أن رجلاً أوجب على نفسه أن ينحر ولده. قال أبو حنيفة: يلزمه أن يذبح شاة.

وقال من خالفه: لا يجب عليه شيء. فأخذ بالقياس وترك الخبر. *مسألة، ولو أن رجلاً حلف، وقال: إن فعلت كذا فأنا بريء من الإسلام. ففعل ذلك. قال أبو حنيفة: يجب عليه كفارة يمين. وكان القياس أن لا يجب عليه شيء، فترك القياس، وأخذ بالخبر المروي عن عائشة، وابن عمر، رضي الله عنهما، أنهما أوجبا فيه كفارة يمين. وقال من خالفه: لا شيء عليه إلا التوبة. فأخذ القياس. *مسألة، ولو أن رجلاً اشترى شيئاً بألف درهم، وقبضة، ولم ينقد الثمن، ثم باعه من البائع بخمسمائة درهم. قال أبو حنيفة: بيع الثاني لا يجوز. وكان ينبغي في القياس أن يجوز. فترك القياس، وأخذ في ذلك بخبر روي عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت للمرأة التي سألتها عن هذا البيع: أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب. وقال من خالفه: يجوز بيعه. فأخذ بالقياس وترك الخبر. *مسألة، ولو أن رجلاً باع من ذمي خمراً. قال أبو حنيفة: جاز بيعه. وكان ينبغي في القياس أن لا يجوز، فترك أبو حنيفة القياس، وأخذ بالخبر الذي روي عن عمر أنه قال: ولوهم بيعها، وخذوا العُشر من أثمانها. وقال من خالفه: لا يجوز بيعه. وأخذ بالقياس وترك الخبر. *مسألة، ولو أن رجلاً اغتسل من الجنابة، ولم يتمضمض ولم يستنشق، وصلى على ذلك. قال أبو حنيفة: لا يجوز ما لم يتمضمض ويستنشق. فرآهما فرضين في الجنابة، وكان القياس أن لا يكونا فرضين، فترك القياس، وأخذ بخبر الواحد، وهو ما روي عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: من ترك المضمضة، والاستنشاق، في الجنابة، وصلى، تمضمض، واستنشق، وأعاد ما صلى. وقال من خالفه: المضمضة والاستنشاق غير مفروضين في غسل الجنابة. فأخذ بالقياس، وترك الخبر. ويقع الخلاف من هذا الجنس بين أبي حنيفة ومالك؛ لأن عند أبي حنيفة الخبر المروي عن طريق الآحاد مُقدم على القياس، وعند مالك، القياس مُقدم على الخبر المروي من طريق الآحاد. *مسألة، ولو أن صائماً أكل، أو شرب، أو جامع، ناسياً. قال أبو حنيفة: لا يبطل صومه. وكان القياس أن يبطل، فترك القياس، وأخذ بخبر رواه أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، فإن الله تعالى أطعمه وسقاه ". وقال من خالفه: يبطل صومه. فأخذ بالقياس، وترك الخبر. *مسألة، ولو أم رجلاً تزوج أمةً على حرةٍ. قال أبو حنيفة: لا يجوز. وكان القياس أن يجوز؛ إلا أنه ترك القياس، وأخذ في ذلك بخبر، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال " لا تنكح الأمة على حرة ". وقال من خالف: يجوز نكاحها. فأخذ بالقياس، وترك الخبر. *مسألة، إذا تزوج العبد بإذن مولاه. قال أبو حنيفة لا يجوز أن يتزوج أكثر من امرأتين. وكان القياس أن يجوز له أن يتزوج بأربع نسوة كالحر، إلا أن أبا حنيفة ترك القياس، وأخذ بالخبر، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين ". وقال من خالفه بالقياس، وترك الخبر. *مسألة رجل وهب آخر هبة، ولم يقبضها الموهوب له. قال أبو حنيفة: لا تصح الهبة. وكان القياس أن تصح، إلا أنه ترك القياس، وأخذ بالخبر الوارد في ذلك، وهو ما روي عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أنه قال لعائشة: كنت نحلتك جداد عشرين وسقا بالعالية، ولم تكوني حزتيه، ولا قبضتيه، وإنما هو مال الوارث. جعل القبض شرطاً. ومخالفة أخذ بالقياس، وترك الخبر. *مسألة، إذا تزوج الرجل امرأة وهو غير كفءٍ لها. قال أبو حنيفة: للأولياء حق الاعتراض. وكان القياس أن لا يكون لهم ذلك، فترك أبو حنيفة القياس، وأخذ بالخبر، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال؛ " لا تزوج النساء إلا من كفءٍ ". ومخالفة أخذ بالقياس، وترك الخبر. *مسألة عند بين اثنين، أعتقه أحدهما وهو معسر. قال أبو حنيفة: على العبد أن يسعى في نصف قيمته. وكان القياس أن لا سعاية عليه؛ لأنه لم تكن منه جناية، فترك أبو حنيفة القياس، وأخذ بالخبر، وهو ما روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في عبدٍ من اثنين أعتقد أحدهما: " إن كان موسراً ضمن نصف قيمته، وإن كان مُعسراً سعى العبد في نصف قيمته غير مشقوق عليه ".

وقال المخالف: لا سعاية عليه. فأخذ بالقياس وترك الخبر. *مسألة، السكران إذا طلق امرأته. قال أبو حنيفة: يقع طلاقه وعتاقه. وكان القياس أن لا يقع، فترك القياس، وأخذ بخبر رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وعن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " ثلاثٌ جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق، والعتاق، والنكاح ". وقال من خالفه: لا يقع طلاقه، وعتاقه؛ لأنه لا يعقل. فأخذ بالقياس، وترك الخبر. *مسألة، لو اجتمع جماعة في قتل رجل عَمداً. قال أبو حنيفة: يقتلون جميعاً. وكان القياس أن لا تقتل الجماعة بواحد، فترك القياس، وأخذ بخبر روي عن عمر رضي الله تعالى عنه، أنه قتل سبعة نفر بقتل رجلٍ واحد، فترك القياس بهذا، حتى قال عمر، رضي الله تعالى عنه: لو اجتمع أهل صنعاء على قتله لقتلتهم به. وقال من خالفه: لا تقتل الجماعة بواحد. فأخذ بالقياس، وترك الخبر. وفي هذا القدر كفايةٌ في الدلالة على أن أبا حنيفة رضي الله عنه لم يقدم القياس على الخبر، ومن ادعى ذلك فليس عنده خبر، وأن مخالفه هو الذي فعل ذلك، والله أعلم. ومن جملة التشنيعات في حق الإمام، رضي الله تعالى عنه، أنهم زعموا أنه ترك من فروع الفقه طريق الاحتياط والتورع، وأفرط في الرخصة فيما يحتاج فيه إلى التحرج. والجواب عن ذلك، أن هذا زعم ممنوع، وقول غير مسموع، لأن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه، كان من أزهد الناس وأورعهم وأتقاهم لله تعالى، وقد ذكرنا سابقاً من شهادة العلماء له بذلك ما فيه الكفاية، والدلالة على أنه كان أجل قدراً من أن يترك الاحتياط، ويتساهل في الدين. ولا بأس بذكر بعض المسائل، التي تدل على أنه أخذ فيها بالأحوط، وترك غيره. فنقول، وبالله التوفيق: *مسألة، إذا أكل في رمضان متعمداً. قال أبو حنيفة: يجب عليه الكفارة، كما يجب على المجامع. فأخذ بالاحتياط. وقال من خالفه: يجب عليه قضاء يوم واحد، ولا يجب عليه الكفارة. وفيما ذهب إليه المُخالف ترك الاحتياط. *مسألة، إذا شرع الرجل في صوم التطوع، ثم أفطر. قال أبو حنيفة: يجب عليه القضاء. وقال من خالفه: لا يجب عليه القضاء. والاحتياط فيما ذهب إليه أبو حنيفة، لا فيما ذهب إليه المُخالف. *مسألة: إذا صُب في جوف الصائم شراب أو طعام. قال أبو حنيفة: انتقض صومه، وعليه القضاء. وسلك فيه طريقة الاحتياط. وقال المخالف: لا ينتقض صومه. فترك الاحتياط في فتواه. *مسألة، إذا قاء الرجل، أو رعف أو افتصد. قال أبو حنيفة: انتقض وضوءه. وقال المخالف: لا ينتقض. والأحوط ما قاله الإمام. *مسألة، إذا صلى الرجل خلف إمام، والإمام محدث أو جنب وهو لا يعلم، ثم علم بعد فراغه من الصلاة. قال أبو حنيفة: لا تجوز صلاة الغمام، وصلاة المُقتدي. وقال من خالفه: صلاة المُقتدي جائزة. والاحتياط فيما ذهب إليه الإمام. *مسألة، إذا نَسى الرجل الظهر والعصر، في يومين مختلفين، ولا يدري أيهما الأول. قال أبو حنيفة: يُصلي الظهر، ثم العصر، ثم الظهر، حتى يسقط الفرض عن ذمته بيقينٍ، ويكون ذلك أخذاً بالاحتياط. وقال من خالفه: يُصلى مرة واحدة، ولا يصلى مرتين. وفي ذلك ترك الاحتياط، لأن الفرض لا يسقط عن ذمته بيقينٍ. *مسألة، إذا تكلم الرجل في صلاته ناسياً. قال أبو حنيفة: تفسد صلاته. وقال من خالفه: لا تفسد إن كان قليلاً، وإن كان كثيراً تفسد. والاحتياط فيما ذهب إليه الإمام. *مسألة، إذا تناول المُحرم من محظورات إحرامه ناسياً. قال أبو حنيفة: تلزمه الذكاة. وقال من خالفه: لا تجب عليه إذا كان ناسياً، إلا في الأشياء التي نص الله في كتابه على تحريمها، نحو قتل الصيد والجماع، وحلق الرأس. والاحتياط فيما ذهب ليه الإمام. *مسألة، إذا اشترك الرهط المحرمون في قتل الصيد. قال أبو حنيفة: يجب على كل واحد منهم كفارة على حدة. وقال من خالفه: يجب عليهم كفارة واحدة. والاحتياط فيما قاله أبو حنيفة. *مسألة، إذا استأجر الرجل شيئاً، ثم أجره من غيره بأكثر مما اساجره، ولم يزد من عنده شيئا. قال أبو حنيفة: لا تطيب له الفضل، ويتصدق به. والاحتياط فيما ذهب إليه أبو حنيفة، حتى لا يكون داخلاً تحت نهيه عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن. ومسائل هذا النوع لا تنحصر، وفيما ذكرناه كفاية.

ومن جملة ما يشنع به الحساد على أبي حنيفة، رضي الله عنه، أنه من جملة الموالي وليس هو من العرب، وأن من كان مجتهداً من العرب أولى بالتقديم من غيره. والجواب، أن شرف العلم مُقدم على شرف النسب، وشرف الدين مقدم على شرف المنتسبين، وأكرم الناس عند الله أتقاهم، وما يضر العالم كونه من الموالي، وما ينفع الغوي الجاهل كونه حجازياً، أو تميمياً، وهو لا يعرف اليمين من الشمال، ولا يفرق بين الهدى والضلال. ومما روى أن رجلاً من بني قفل، من خيار بني تيم الله، قال لأبي حنيفة: أنت مولاي. فقال: والله!! والله أشرف لك منك لي. فجعل أبو حنيفة شرف القرشي التيمي يكون من مواليه مثل أبي حنيفة، أفضل من شرف أبي حنيفة بكونه من موالي القرشي التيمي، وهذا مما لا شبهة فيه، فإنه ثابت بالكتاب والسنة. أما الكتاب، فقوله تعالى: (إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ) . وأما السُّنة، فقوله صلى الله عليه وسلم: " لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى "، وقال صلى الله عليه وسلم: " سلمان منا أهل البيت ". ونفى الله تعالى ولد نوح عليه الصلاة والسلام منه، فقال: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ، وعلى هذا بلال الحبشي، وأبو لهب الهاشمي، وأبو جهل القرشي. وقد أشد الخطيب الخوارزمي في هذا المعنى، وأجاد، فقال: إلى التُقَى فانْتسِبْ إن كنتَ مُنْتَسِباً ... فليس يُجديكَ يوماً خالِصُ النَّسَبِ بِلالٌ الحبشيُّ العَبْدُ فَاق تُقىً ... أحرَارَ صِيدِ قُرَيشٍ صَفْوَةَ العَرَب غَدَا أبُو لَهبٍ يُرْمَى إلى لَهَبٍ ... فيه غَدَتْ حَطَباً حَمَّالَةُ الحَطَبِ وذكر القاضي عياض في " الشفاء " عن الشعبي، قال: صلى زيد بن ثابت على جنازة أمه، ثم قربت له بغلته ليركبها، فجاء ابن عباس، فأخذ بركابه، فقال زيد: خَلِّ عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا. فقبل زيد يد ابن عباس، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا، صلى الله عليه وسلم. ففعل ابن عباس فعله معه بالعلم، وإنه إنما بالغ في التواضع إلى هذه الغاية، لكونه عالماً، وابن عباس ابن عباس. انتهى. وفي أوائل " شرح الهداية " لمحمد بن محمد المعروف بابن الشحنة، حكاية مشهورة، نقلها هو وغيره عن عطاء، وأظنه عطاء بن السائب الكوفي. قال: دخلت على هشام بن عبد الملك بالرصافة، فقال: يا عطاء، هل لك علم بعلماء الأمصار؟ قلت: بلى، يا أمير المؤمنين. فقال: من فقيه أهل المدينة؟ قلت: قلت نافع مولى ابن عمر. قال: فمن فقيه أهل مكة؟ قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: مولى أم عربي. قلت: مولى. قال: فمن فقيه أهل اليمن؟ قلت: طاووس بن كيسان. قال: مولى أم عربي؟. قلت: مولى. قال: فمن فقيه أهل الشام؟ قلت: مكحول. قال: مولى أم عربي. قلت: مولى. قال: فمن فقيه أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران. قال: مولى أم عربي؟ قلت: مولى. قال: فمن فقيه أهل خراسان؟ قلت: الضحاك بن مزاحم. قال: مولى أم عربي؟ قلت: مولى. قال: فمن فقيه أهل البصرة؟ قلت: الحسن، وابن سيرين. قال: موليان أم عربيان؟ قلت: موليان. قال: فمن فقيه أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النخعي. قال: مولى أم عربي؟ قلت: لا، بل عربي. قال: كادت تخرج نفسي. أقول: إن اصطلاح أهالي الديار الرومية في هذه الأيام إطلاق لفظ الموالي على العلماء الكبار منهم، سواء كانوا من قسم الموالي المذكورين هنا، أم من الأحرار أباً وجدا، من غير أن يمسهم أو يمس أحداً منهم الرق، والسبب في ذلك - والله تعالى أعلم - أنهم لما رأوا غالب العلماء من طائفة الموالي، أطلقوا هذا على علمائهم تشبهاً بهم، وتقليداً لهم، ومنعوا من إطلاقه على غير أهل العلم، ثم طال الأمد، وقصرت الهمم، وتساهلت الناس في إطلاق الألقاب، على غير ذوي الألباب، وشارك الفاضل المفضول، وتساوى العالم بالجهول، وصار من ليس لهُ منْصِبٌ ... يُقال عنه جاهلٌ يَمْذُقُ ومَن غدا بالمال ذا ثروةٍ ... يُقال عنه عالمٌ مُفْلِقُ مَوْلَى الموالي كلِّهم وهو بالْ ... حقِّ غَبِيٌ جاهلٌ أحمقُ

والعلمُ عندَ الله لا يُرْتجىَ ... به نوالٌ لا ولا يُرْزَقُ ولا ترى عنه امْرَءاً سائلاً ... ولا به يُعْطَى ولا يُنْفِقُ وهذا ولم يبق من يستحق أن يوصف بالمولوية بالديار الرومية، على الوجه الأكمل، والوصف الأجمل، إلا جماعة يسيرة، ذُكر آباؤهم في هذه الطبقات، ووفينا كلاً منهم حقه، أدام الله تعالى بهم جمال هذه الدولة العُثمانية بمنه وكرمه. وأما ما يُنسب إلى أبي حنيفة من الشعر فكثير، منه قوله: إن يحسُدُوني فإنِّي غيْرُ لاَئمهمْ............. البيتين السابقين. ومنه قوله وقد اتفق له مع شيطان الطاق في الحمام لما رآه الإمام مكشوف العورة، ونهاه عن ذلك، ما هو مشهور، وهو: أقول وفي قولي بلاغٌ وحِكمةٌ ... وما قلتُ قَوْلاً جئتُ فيه بمُنكَرِ ألا يا عباد الله خَافُوا إلهَكمْ ... فلا تدخلوا الحمَّامَ إلاَّ بمِئزرِ وأما ما كان يتمثل به أبو حنيفة من الشعر، وما مدح به رضي الله تعالى عنه من النظم، فكثير لا يدخل تحت الحصر، ومنه قول بعضهم: لأبي حنيفةَ ذي الفَخارِ قراءة ... مشهورةٌ مَنْخُولةٌ غَرَّاءُ عُرضِتْ على القُرَّاءِ في أيامِهِ فتعجَّبَتْ من حُسْنِها القُراءُ لله در أبي حنيفة إنهُ ... خضَعَتْ له القُرَّاء والفقهاءُ خلَف الصَّحابة كلَّهم في علمهمْ ... فتضاءلَت لِجَلالِهِ العُلماءُ سُلطانُ مَن في الأرضِ من فقهائها وهمُ إذا أفتَوا له أصدَاءُ إن المِياهَ كثيرةٌ لكنَّهُ فَضَلَ الميَاهَ جَمِيعَهَا صَدَّاءُ قال ابن الشحنة: وكأن " أصداء " هذا جمع صدى بالقصر، وهو الذي يجيبك مثل صوتك في الجبال وغيرها، إشارة إلى أن الأصل منه نشأ وعنه أخذ؛ لأنه كان كافل الفقهاء ومُربيهم، لأنهم عياله، كما نص عليه الشافعي. انتهى. وفي هذه الأبيات تصريح بأن الإمام، رضي الله تعالى عنه، كان من المتقدمين في فن القراءات، كما هو من المتقدمين السابقين في علم الفقه، وهو كذلك، فقد أفردوا بالتآليف قراءته التي انفرد بها، ورووها عنه بالأسانيد. وممن افردها بالتآليف أبو القاسم الزمخشري، وأبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهُذلي البسكري، بموحدة وسين مهملة، في كتابه المعروف ب " الكامل "، وغيرهما. وممن روى عنه القراءة أبو يوسف، ومحمد، رحمهما الله، وغيرهما. وحروفه معروفة مذكورة في " المناقب "، وغيرها. وقد وضع بعض الحساد قراءات، ونسبها إليه، فأظهر الله الحق، ومحق الباطل، وجوزي كلٌّ بفعله. وقال صاحب المناقب يمدحه: رَسُولُ الله قال سِراجُ ديني ... وأمَّتِي الهُداة أبو حنيفَة غدا بعد الصَّحابةِ في الفتاوى ... لأحْمَدَ في شريعته خليفَهْ وقال غيره، يصفه بالعلم والعبادة، من أبيات: نهارُ أبي حنيفة للإفادة ... وليل أبي حنيفة للعبادَهْ وَوَدَّعَ نوْمَهُ خمسين عَاماً ... لِطَاعَتِه وَخَدَّاهُ الوِسَادَهْ وكان يحيى بن معين إذا ذكر من يتكلم في أبي حنيفة، يقول: حَسَدُوا الفتى إذ لم ينالُوا سَعْيَهُ ... فالقومُ أعْداءٌ لهُ وخُصومُ كضَرائرِ الحَسْناء قُلْنَ لوَجْهِها ... حَسَداً وَبَغْياً إنَّه لذَميمُ وقيل لعبد الله بن طاهر: الناس يقعون في أبي حنيفة، فقال: ما يَضُرُّ البَحْرَ أمْسَى زاخراً ... أن رَمَى فيه غلامٌ بِحَجَرْ ثم أنشد: إن يحسدوني فزاد الله في حَسَدي ... لا عاش من عاش يَوماً غَيرَ مَحْسُودِ ما يُحْسَدُ المرء إلا مِنْ فضائِلِه ... بالعلم والبأس أو بالمجْدِ والجُودِ وقال: فازدادَ لي حَسداً مَن لستُ أحْسُدُه ... إنَّ الفضيلةَ لا تخلو عن الحَسَدِ وقال: ما ضَرني حَسَدُ اللِّئامِ ولم يَزلْ ... ذو الفضلِ يحسُدُهُ ذَوو النُّقْصانِ يا بُوسَ قومٍ ليس ذَنبي بَيْنَهُمْ ... إلا تظاهُرَ نعمَةِ الرّحمنِ والله درُّ الشريف الرضي، حيث يقول:

نَظرُوا بعَيْنِ عَدَاوَةٍ وَلَوَ أنها ... عَينُ الرِّضَا لاسْتَحْسَنُوا ما اسْتَقْبحُوا يُولُونَني شَزْرَ العُيُونِ لأنَّني ... غَلَّسْتُ في طَلَبِ العُلَى وتصبَّحُوا ومما أنشده صاحب المناقب في مدح الإمام، وذكر واقعته مع أبي هبيرة، قوله: أرضيت نَفْسَك ضَارب النُّعمانِ ... فكسبتَ جَهلاً سَخطةَ الرَّحمنِ ما زلت تُنقُصُ لا تزيدُ بضَربهِ ... يا بئسَ ما قدَّمتَ للميزانِ أضَربْت عابِدَ رَبِّه في ليله ... ونهارهِ يا عَابِدَ الشَّيْطَانِ أعْطَيْتَه الدنيا ولكن رَدَّها ... رَدَّ التقيِّ الخائف الرباني حَرّ السَّياط قد ارتضى كي لا يرى ... يَوم الجَزاءِ مَقامعَ النِّيرانِ مَا ذَلَّ يا ابن هُبيرة بالضَّربِ مَنْ ... مَلأ الفُؤادَ بعِزِّةِ الإيمَانِ ولصاحب المناقب أيضاً في مدحه قوله: غدا مذهبُ النعمان خير المذاهب ... كما القَمرُ الوَضَّاحُ خيرُ الكواكب تفقَّه في خيرِ القرونِ مع التُقَي ... فمذهبهُ لا شَكَّ خيرُ المذاهبِ ولا عيبَ فيه غيرَ أنَّ جميعَه ... حَلا إذْ تخلى عن جميع المعايب لأنَّ عِداهُ قد أقرُّوا بحُسْنِه ... وإقرارُهم بالحسنِ ضربَةُ لازِبِ وكان له صَحبٌ بُنودُ عُلومِهم ... تُجلِّى عن الأحْكام سُجْفَ الغَياهِبِ ثلاثةُ آلافٍ وألفٌ شيوخُه ... وأصحابُه مثلُ النجوم الثَّواقِبِ وله أيضاً يمدحه: نُعمانُ فحل العلم يَعسُوبُ الهُدى ... في خير قَرن قد أتى وقرَانِ نُعْمَانُ كانَ سِراجَ أفضللِ أُمَّةٍ ... لكنْ سِرَاجاً دائمَ اللَّمَعَانِ الفِقْهُ في نادِيه مُجْتَمِعُ النَّوى ... راسي القَواعدِ شامِخُ البُنيانِ وشقائِقُ النُّعْمَانِ في بَهَجاتِها ... هَزأتْ بهنَّ دَقائِقُ النُّعمَانِ كم قد رَمَوْهُ بمُعْضلاتٍ رَدَّهَا ... بجَوابِ حَقٍّ سَاطعِ البُرْهَانِ وعن سفيان بن عيينة، قال: قال مساور الوراق، وكان رجلاً صالحاً، في أبي حنيفة، وله فيه رأي: إذا ما الناس يوماً قَايَسُونَا ... بمُعْضِلةٍ من الفُتيَا لَطِفَهْ أَتيْنَاهُمْ بمِقْياسٍ صَحيحٍ ... بَديعٍ مِن طِرَاز أبي حَنيفه إذا سَمعَ الفقيهُ به وَعَاهُ ... وأثبَتهُ بحِبْرٍ في صَحِفهْ وعن الحسن بن الربيع، قال: سمعت عبد الله بن المبارك، يقول: رأيتُ أبا حنيفة كلَّ يَوْمٍ ... يزِيدُ نَباهَةً ويَزيدُ خِيراً ويَنْطِقُ بالصَّوابِ ويصْطفِيهِ ... إذا ما قال أهلُ الحقِّ حُورا يُقايسُ مَن يُقايسُه بلُبٍّ ... ومَن ذا تجعلُونَ له نَظيراً كَفانا فَقْدَ حَمَّاد وكانتْ ... مُصِيبتُنا به أمْراً كَبيراً رَأيتُ أبَا حنيفةَ حين يُؤتَى ... ويُطلبُ عِلمهُ بَحْراً غَزيراً إذا ما المُشْكِلاتُ تدافعَتْها ... رِجَالُ العِلم كانَ بهَا بَصيراً وقال بعضهم يرثيه بقصيدة، أظنها لصاحب " المناقب "، منها: لقَدْ طَلَعَ النُّعمانُ من أرْضِ كوفةٍ ... كَغُرَّةِ صُبْحٍ يَسْتّفِيضُ انبلاجُهَا هو المُرتَى في الدِّين والمُقتدى به ... وصَدرُ الورَى في الخافقيْنِ وتاجُها إذا مرض الإسلامُ والدِّينُ مَرْضَةً ... فمِن نُكَتِ النُّعمانِ يُلفى عِلاجُها وإن كسَدتْ سُوقُ الهُدى ونوجَّعت ... فمِن مذهب النُعمان أيضاً رواجُهَا وَإنْ فُتِحتْ أبْوابُ جهْلٍ وبِدْعَةٍ ... على الناسِ يَوْمَاً كان من رتَاجُها وإن غُمَّةٌ فمِنهُ انْجلاؤُهَا ... وإن شِدةٌ ضاقت فمِنه انْفراجُها

سَقَاهُ إلهُ الخَلْق في الخُلْدِ شَرْبةً ... بكأسٍ من الكافُورِ كان مِزاجُهَا وقال عبد الله بن صهيب الكلبي: كان أبو حنيفة يتمثل كثيراً بهذين البيتين، وهما: عَطاء العَرْشِ خيرٌ من عطائِكمُ ... وسَيْبُهُ واسِعٌ يُرْجَى ويُنتظَرُ أنتم يُكدِّرُ مَا تُعْطُونَ مَنُّكُمُ ... والله يُعْطي فلا مَنٌ ولا كَدَرُ هذا، وما قيل في حق الإمام من المديح، وما رُثي به، وما مدح به، وما تمثل به هو، أو تمثل به الغير عند ذكره، فأمر لا يدخل كما قلنا تحت الحَصر، وفيما ذكرناه منه كفاية، والله تعالى أعلم. فصل في ذكر بعض ما يؤثر من إجابة الدُعاء عند قبره، وبعض المنامات التي رآها له الصالحون قبل موته، وبعد موته فمن ذلك ما روي عن الإمام الشافعي، أنه كان يقول: إني لأتبرك بأبي حنيفة رضي الله عنه، وأجى إلى قبره كل يوم، وكنت إذا عَرضت لي حاجة صليت ركعتين، وجئت إلى قبره، وسألت الله تعالى الحاجة، فما تبعد عني حتى تُقضى. وقال أبو يوسف: رأيت أبا حنيفة في المنام، وهو جالس على إيوان، وحوله أصحابه، فقال: إيتوني بقرطاس ودواة. فقمت من بينهم وأتيته بهما، فجعل يكتب، فقلت: ما تكتب؟ قال: أكتب أصحابي من أهل الجنة. فقلت: أفلا تكتبني فيهم؟ قال: نعم. فكتبني في آخرهم. وعن أبي مُعاذ، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله، ما تقول في علم أبي حنيفة؟ فقال: ذلك علم يحتاج إليه الناس عند الحُكم. وعن بعضهم، قال: كنتُ في حلقة مُقاتل بن سليمان، إمام أهل التفسير في زمانه، فقام إليه رجل، فقال: يا أبا الحسن، رأيت البارحة في المنام كان رجلاً من السماء نزل، ثيابه بيض، وقام على المنارة الفُلانية ببغداد، وهي أطول منارة بها، فنادى: ماذا فقد الناس!! فقال له مقاتل: لئن صدقت رؤياك ليفقدن أعلم الناس. فأصبحنا فإذا أبو حنيفة قد مات. وعن ابن بسطام، أنه قال: صحبت أبا حنيفة اثنتي عشرة سنة، فما رأيت أفقه منه، ورأيت ليلة كأن القيامة قد قامت، وإذا أبو حنيفة ومعه لواء وهو واقف، فقلت له: ما بالك واقفاً؟ قال: أنتظر أصحابي، لأذهب معهم. فوقفت معه فرأيت جماعة عظيمة اجتمعت عليه، ثم مضى ومعه اللواء، ونحن نتبعه. فأتيته فذكرت ذلك له، فجعل يبكي، ويقول: اللهم اجعل عاقبتنا إلى خير. وعن أزهر، أنه قال: كنت زاهداً في علم أبي حنيفة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفه رجلان، فقيل لي: المُتقدم هو النبي صلى الله عليه وسلم، واللذان خلفه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. فقلت لهما: أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيءٍ؟ فقالا لي: سَل، ولا ترفع صوتك. فسألته عن علم أبي حنيفة. فقال: هذا علمٌ انتسخ من علم الحضرة. وعن السري بن طلحة، قال: رأيت أبا حنيفة في النوم جالساً في موضع، فقلت ما يجلسك هنا؟ قال: جئت من عند رب العزة سبحانه وتعالى، وقد أنصفني من سفيان الثوري. وعن مسدد بن عبد الرحمن البصري، قال: نمت بين الركن والمقام، فإذا أنا بآتٍ قد دنا مني، فقال لي: أتنام في هذا المكان، وهو مكان لا يحجب فيه دعاء!. فانتبهت من نومي، فقمت مبادراً أدعو الله للمسلمين والمؤمنين إلى أن غلبتني عيناي، فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فدنا مني، فقلت يا رسول الله، ما تقول في هذا الرجل الذي بالكوفة، يُقال له النعمان، أأخذ من علمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذ من علمه، واعمل به، فنعم الرجل هو. فقمت من نومي، فإذا مُنادى صلاة الغداة، ولقد كنت، والله، من أكره الناس للنعمان، وأنا أستغفر الله مما كان مني. ويُحكى أن أبا حنيفة رضي الله عنه، رُثي في المنام على سرير في بستان، ومعه رق عظيم، يكتب جوائز قوم، فسُئل عن ذلك، فقال: إن الله قبل عملي ومذهبي، وشفعني في أصحابي، وأنا أكتب جوائزهم. ومنامات الصُلحاء والأولياء، التي رؤيت له في مثل ذلك كثيرة، وهذا اليسير منها كافٍ لمن بصره الله تعالى، ولم ينظر بعين الحمية، وقوة العصبية. نبذ يسيرة من مناقب الإمام وفضائله، وما يؤثر عن من المحاسن، وحسن الاعتقاد

وهي وإن كان مَحلها الفصول المُتقدمة، فقد ذكرناها هُنا على حِدة، لما أنها وقعت إلينا بعد الانتهاء من الترتيب المتقدم، لأن النفس إلى مثل هذا أميل، وإلى مطالعته أرغب، فنقول، وبالله التوفيق: روي عن علي بن مُسهر، أنه قال: خرج الأعمش إلى الحج، فشيعه أهل الكوفة، وأنا فيهم، فلما أتى القادسية، رأوه مَغموماً، فقالوا له: مالك؟. قال: أعليُّ بن مسهر شيعنا؟. قالوا: نعم. قال: ادعوه لي. فدعوني، وقد كان عرفني بمجالسة أبي حنيفة، فقال: ارجع إلى المِصر، واسأل أبا حنيفة أن يكتب لنا المناسك. فرجعت، فسألته، فأملى علي، ثم أتيت بها الأعمش. وعن أبي مُعاوية، قيل للأعمش في علته: لولا أن أبا حنيفة يأتيك، لأتيناك مرتين في اليوم. فلما جاءه أبو حنيفة، قال: إن الناس يستثقلونني لما أصنع بهم في الحديث، وقد زدتني أنت عندهم ثقلاً، قالوا لي كيت وكيت. فقال له: لولا العلم الذي يُجريه الله على لسانك ما رأيتني ولا أحداً من أصحابي ببابك، وذلك أن فيك خِصالاً أنا لها كارهٌ، تتسحر عند طلوع الفجر، وتقول: هو الأول. وقد صح عندي أنه الثاني، وترى الماء وتُفتي به، وتجامع أهلك، فإذا لم تنزل لم تغتسل، أنت ولا هي، ولولا أنك تتأول من الحديث ما غاب عنك معانيه ما استحللت أن أكلمك، ولكنك تتأول شيئاً غيره، والله أولى بك. فما تسحر الأعمش بعد ذلك إلا بالليل، ولا قرب أهله إلا اغتسل وأمرها بالغسل، وقال: صيام وصلاةٌ يكونان باختلاف، والله لا أفتيت بذلك أبداً. وعن عبد الصمد بن حسان، قال: كان سفيان الثوري يختلف إلى أبي حنيفة، فوقعت بينهما وحشة، فقعد عنه، ثم عاد إليه، فجلس مُتقنعاً، فسئل أبو حنيفة عن مَسألة، فأسرع الجواب فيها، فقال له السائل: يا أبا حنيفة، ألا تنظر فيها؟ قال: إني أستيقن أنها كما أجبت، كما أستيقن أن هذا سُفيان. ثم أخذ أبو حنيفة بقناعه، فحركه ابن المبارك. وقال عبد الصمد أيضاً: قلتُ لأبي عبد الله سفيان الثوري: ما تقول في الدعوة قبل الحرب؟ فقال: إن القوم قد علموا ما يُقاتلون عليه. فقلت: إن أبا حنيفة يقول فيها ما قد بَلغك. فنكس رأسه، ثم رفعه، وأبصر يمينً وشمالاً فلم ير أحداً، فقال: إن كان أبو حنيفة ليركب في العلم أحد من سنان الرمح، وكان، والله، شديد الأخذ للعلم، ذاباً عن المحارم، مُتبعاً لأهل بلده، لا يستحيل أن يأخذ إلا بما يصح عنده من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، شديد المعرفة بناسخ الحديث ومنسوخه، وكان يطلب أحاديث الثقات، والأخير من فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ وما أدرك عليه عامة أه لالكوفة، حيث وجد الحق أخذ به، وجعله دينه، وقد شنع عليه قوم بما نستغفر الله منه، بل كان منا اللفظة بعد اللفظة. قال: فقلت أرجو أن يغفر الله لك ذلك. وعن قاسم بن آدم، قال: قلت للفضل بن موسى السيناني: ما تقول في هؤلاء الذين يقعون في أبي حنيفة. قال: إن أبا حنيفة عليم بما يعقلونه، وبما لا يعقلونه من العلم، ولم يترك لهم شيئاً، فحسدوه. *وحدث أبو سفيان الحميري، قال: قال ابن شبرمة: كنت شديد الإزراء على أبي حنيفة، فحضر الموسم، وكنت حاجاً يومئذٍ، فاجتمع عليه قوم يسألون، فوقفت من حيث لا يعلم من أنا، فجاءه رجل، فقال،: يا أبا حنيفة، قصدتك عن أمر قد أهمني، أو أعجزني. قال: ما هو؟ قال: لي ولد ليس لي غيره، فإن زوجته طلق، وإن سريته أعتق، وقد عجزت عن هذا، قهل من حيلة؟ فقال له للوقت: اشتر الجارية التي يرضاها لنفسه هو، ثم زوجها منه، فإن طلقها رجعت مملوكتك، وإن أعتق أعتق ما لا يملك. قال: فعلمت أن الرجل فقيه من يومئذ، فكففت عن ذكره إلا بخير. وروى عن الليث بن سعد، أنه كان يقول: كنت أسمع بذكر أبي حنيفة، وأتمنى أن أراه، فكنت يوماً في المسجد الحرام، فرأيت حلقة عليها الناس منقضين، فأقبلت نحوها، فرأيت رجلاً من أهل خراسان أتى أبا حنيفة، فقال: أنا رجل من أهل خُراسان، كثير المال، وأن لي أبناً ليس بالمحمود. وليس له ولد غيره، وذكر نحو ما تقدم. قال الليث: فوالله ما أعجبني قوله بأكثر مما أعجبني سرعة جوابه. *وعن عثمان بن زائدة، قال: كنت عند أبي حنيفة، فقال له رجل: ما قولك في الشرب في قدح أو كأس في بعض جوانبه فضة؟ فقال: لا بأس به. فقال عثمان: فقلت له: مالحجة في ذلك؟

فقال: إنما ورد النهي عن الشرب في إناء الفضة والذهب، فما كان غير الفضة والذهب فلا بأس بما كان فيه منهما. ثم قال: يا عثمان، ما تقول في رجل مر على نهر، وقد أصابه عطش، وليس معه إناء، فاغترف الماء من النهر، فشربه بكفه، وفي أُصبعه خاتم؟ فقلت: لا بأس. قال: فهذا كذلك. قال عُثمان: فما رأيت أحضر جواباً منه. *وعن زفر بن الهديل، قال: اجتمع أبو حنيفة، وابن أبي ليلى، وجماعة من العلماء، في وليمة لقوم، فأتوهم بطيب في مدهن فضة، فأبوا أن يستعملوه؛ لحال المُدهن، فأخذه أبو حنيفة، وسلته بأصبعه، وجعله في كفه، ثم تطيب به، وقال لهم: ألم تعلموا أن أنس بن مالك أتى بخبيص في جام فضة، فقلبه على رغيف، ثم أكله. فتعجبوا من فطنته وعقله. وعن أبي الوليد الطيالسي قال: قدم الضحاك الشاري الكوفة، فقال لأبي حنيفة: تب. فقال: مم أتوب؟ فقال: من قولك بتجويز الحكمين. فقال: أبو حنيفة: تقتلني أو تناظرني. قال: بل أناظرك. قال: فإن اختلفنا في شيء مما تناظرنا فيه، فمن بيني وبينك؟ قال: اجعل أنت من شئت. فقال أبو حنيفة لرجل من أصحاب الضحاك: اقعد بيننا فيما نختلف فيه إن اختلفنا. ثم قال الضحاك: أترضى بهذا بيني وبينك؟. قال: نعم. فقال أبو حنيفة: فأنت قد جوزت التحكيم. فانقطع الضحاك. *وعن ابي يوسف، قال: بعث ابن هبيرة إلى أبي حنيفة، وعنده ابن شبرمة، وابن أبي ليلى، فسألهم عن كتاب صُلح الخوارج، وكانت بقيت بقية من الخوارج، من أصحاب الضحاك الخارجي، فقالت الخوارج: نريد أن نكتب لنا صُلحاً، على أن لا نؤخذ بشيءٍ أصبناه في الفتنة، ولا قبلها، لا الأموال، ولا الدماء. فقال ابن شبرمة: لا يجوز لهم الصلح على ذلك، على هذا الوجه، لأنهم يؤخذون بهذه الأموال والدماء. وقال ابن أبي ليلى: الصلح لهم جائز في كل شيءٍ. قال أبو حنيفة: فقال لي ابن هبيرة: ما تقول أنت؟ فقلت: أخطأ جميعاً. فقال ابن هبيرة: أفحشت، فقل أنت. فقلت: القول في هذا، إن كان مال ودم أصابوه من قبل إظهار الفتنة، فإن ذلك يؤخذ منهم ولا يجوز لهم الصلح عليه، وأما كل شيء أصابوه من مال ودم في الفتنة، فالصلح عليه جائز، فلا يؤخذون به. فقال ابن هبيرة: أصبت، وقلت الصواب، هذا هو القول. وقال: يا غلام، اكتب ما قال أبو حنيفة. *وعن علي بن عاصم، قال: سألت أبا حنيفة عن درهم لرجل ودرهمين لآخر، اختلطت، ثم ضاع درهمان من الثلاثة، لا يعلم أيها هما. فقال: الدرهم الباقي بينها أثلاثاً. قال علي: فلقيت ابن شبرمة، فسألته عنها. فقال: سألت عنها أحداً غيري؟ قلت: نعم، سألت أبا حنيفة عن ذلك، فقال: يُقسم الدرهم الباقي بينهما أثلاثاً. قال: أخطأ أبو حنيفة، درهم من الدرهمين الضائعين يحيط العلم أنه من الدرهمين، والدرهم الباقي بعد الماضيين يحتمل أن يكون الدرهم الباقي من الدرهمين، ويحتمل أن يكون الدرهم المنفرد المختلط بالدرهمين، فالدرهم الذي بقى يكون بينهما نصفين. قال ابن عاصم: فاستحسنت ذلك، ثم لقيت أبا حنيفة، فوالله لو وزن عقله بنصف عقول أهل المصر، يعني الكوفة، لرجح بهم، فقلت له: يا أبا حنيفة: خولفت في تلك المسألة. وقلت له: لقيت ابن شبرمة، فقال: كذا. فقال أبو حنيفة: إن الثلاثة حين اختلطت ولم تتميز، رجعت الشركة في الكل، فصار لصاحب الدرهم ثلت كل درهم، ولصاحب الدرهمين ثلثا كل درهم، فأي درهم ذهب فعلى هذا. وعن أبي يوسف، قال: جاء رجل إلى مسجد الكوفة يوم الجمعة، فدار على الخلق يسألهم عن القرآن، وأبو حنيفة غائب بمكة، فاختلف بمكة، فاختلف الناس في ذلك، والله ما أحسبه إلا شيطاناً تصور في صورة الإنس، حتى انتهى إلى حلقتنا؛ فسألنا عنها، وسأل بعضنا بعضاً، وأمسكنا عن الجواب، وقلنا ليس شيخنا حاضراً، ونكره أن نتقدم بكلام حتى يكون هو المبتدي بالكلام. فلما قدم أبو حنيفة تلقيناه بالقادسية، فسألنا عن الأهل والبلد، فأجبناه، ثم قلنا له بعد ذلك: رضي الله عنك، وقعت مسألة فما قولك فيها؟ فكأنه كان في قلوبنا، وأنكرنا، وظن أنه وقعت مسألة معنتة، وأنا قد تكلمنا فيها بشيءٍ فقال: ما هي؟ قلت: كذا وكذا. فأمسك ساكتاً ساعة، ثم قال: فما كان جوابكم فيها؟ قُلنا: لم نتكلم فيها بشيءٍ، وخشينا أن نتكلم فيها بشيءٍ فتنكره.

فسرى عنه، وقال: جزاكم الله خيراً، احفظوا عني وصيتي: لا تكلموا فيها ولا تسألوا عنها أبداً، انتهوا إلى أنه كلام الله عز وجل، بلا زيادة حرف واحد، ما أحسب هذه المسألة تنتهي حتى توقع أهل الإسلام في أمر لا يقومون له ولا يقعدون، أعاذنا الله وإياكم من الشيطان الرجيم. *وسئل حفص بن مسلم عن القرآن، فقال: القرآن كلام الله، غير مخلوق، ومن قال غير هذا فهو كافر. فقال ابنه سالم: هل يخبر عن أبي حنيفة في هذا بشيء؟ فقال: نعم، كان أبو حنيفة على هذا، وما علمت منه غيره، ولو علمت منه غيره لم أصحبه. قال: وكان أبو حنيفة إمام الدنيا في زمانه، فِقهاً وعلماً وورعاً، وكان محنة، يعرف به أهل البدع من الجماعة، ولقد ضرب بالسياط على الدخول في الدنيا لهم، فأبى. *وعن أبي مقاتل: سمعت أبا حنيفة يقول: الناس عندنا على ثلاث منازل؟ الأنبياء من أهل الجنة، ومن قالت الأنبياء إنه من أهل الجنة فهو من أهل الجنة. والمنزلة الأخرى المشركون، نشهد عليهم انهم من أهل النار. والمنزلة الثالثة المؤمنون: نقف عنهم، ولا نشهد على واحد منهم أنه من أهل الجنة ولا من أهل النار؛ ولكنا نرجو لهم، ونخاف عليهم، ونقول كما قال الله تعالى: (خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أنْ يَتُوُبَ عَلَيْهِمْ) ، حتى يكون الله عز وجل يقضي بينهم، وإنما نرجو لهم، لأن الله عز وجل يقول: (إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلكَ لِمَنْ يَشَاء) ، ونخاف عليهم بذنوبهم وخطاياهم، وليس أحدٌ من الناس أوجب له الجنة ولو كان صواماً قواماً غير الأنبياء، ومن قالت فيه الأنبياء إنه من أهل الجنة. *وعن أبي مقاتل أيضاً، عن أبي حنيفة، قال: الإيمان هو المعرفة، والتصديق، والإقرار بالإسلام. قال: والناس في التصديق على ثلاث منازل: فمنهم من صدق الله، وما جاء منه بقلبه ولسانه. ومنهم من صدق بلسانه، وهو يكذبه بقلبه. ومنهم من يصدق بقلبه ويكذب بلسانه. فأما من صدق الله، وما جاء به رسوله عليه الصلاة والسلام، بقلبه ولسانه، فهو عند الله وعند الناس مؤمن. ومن صدق بلسانه، وكذب بقلبه، كان عند الله كافراً، وعند الناس مؤمناً؛ لأن الناس لا يعلمون ما في قلبه، وعليهم أن يُسموه مؤمناً، بما أظهر لهم من الإقرار بهذه الشهادة، وليس لهم أن يتكلفوا علم القلوب. ومنهم من يكون عند الله مؤمناً، وعند الناس كافراً، وذلك أن يكون المؤمن يظهر الكفر بلسانه في حال التقية، فيسميه من لا يعرفه كافراً، وهو عند الله مؤمن. انتهى. وللإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه وصية مشهورة، أوصى به أصحابهن تشتمل على كثير من أصول الدين، نقلها كثير من المؤرخين، يتعين إيرادها هنا، لما اشتملت عليه من صحيح الاعتقاد، ودفع الانتقاد، ورد كلام الحُساد، وهي هذه: قال، رضي الله تعالى عنه: اعلموا يا أصحابي وإخواني، أن مذهب أهل السنة والجماعة على اثنتي عشرة خصلة، فمن كان يستقيم على هذه الخصال لا يكون مبتدعاً، ولا صاحب هوى، فعليكم بهذه الخصال حتى تكونوا في شفاعة سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام: *الأولى، الإيمان، وهو إقرار باللسان، وتصديق بالجنان. والإقرار وحدة لا يكون إيماناً؛ لأنه لو كان إيماناً لكان المنافقون كلهم مؤمنين. وكذلك المعرفة وحدها لا تكون إيماناً، لأنها لو كانت إيماناً لكان أهل الكتاب كلهم مؤمنين. قال الله تعالى في حق المنافقين: (وَاللهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنَافِقِِينَ لَكاذِبُونَ) . وقال في حق أهل الكتاب: (الذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ) . والإيمان لا يزيد ولا ينقص، لأنه لا يتصور نقصان الإيمان إلا بزيادة الكفر، ولا يتصور زيادته إلا بنقصان الكفر، وكيف يجوز أن يكون الشخص الواحد في حالة واحدة مؤمناً وكافراً. والمؤمن مؤمن حقاً، والكافر كافر حقاً. وليس في الإيمان شكٌ، كما أنه ليس في الكفر شكٌ، قال الله تعالى: (أُولئِكَ هُمُ المُؤمنُونَ حقاً) ، و (وَأُولئِكَ هُمُ الكَافِرونَ حَقاً) . والعاصمون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلهم مؤمنون حقاً، وليسوا بكافرين.

والعمل غير الإيمان، والإيمان غير العمل؛ بدليل أن كثيراً من الأوقات يرتفع العمل عن المؤمن، ولا يجوز أن يُقال ارتفع عنهالإيمان، فإن الحائض رفع الله عنها الصلاة، ولا يجوز أن يُقال: رفع الله عنها الإيمان. وأمرها بترك الإيمان. وقال لها الشرع: دعي الصوم ثم أقضيه. ولا يجوز أن يقال: دعي الإيمان ثم اقضيه. ويجوز أن يقال: ليس على الفقراء زكاة. ولا يجوز أن يقال: ليس على الفقراء إيمان. وتقدر الخير والشر من الله تعالى؛ لأنه لو زعم أحد أن تقدير الخير والشر من غيره لصار كافراً بالله تعالى، وبطل توحيده، والله أعلم. *والثانية، نقر بأن الأعمال ثلاثة؛ فريضة، وفضيلة، ومعصية. فالفريضة بأمر الله تعالى، ومشيئته، ورضائه، وقدره، وتخليقه، وكتابته في اللوح المحفوظ. والفضيلة ليست بأمر الله، ولكن بمشيئته، ومحبته، ورضائه، وقدره، وتخليقه، وكتابته في اللوح المحفوظ. والمعصية ليست بأمر الله، لكن بمشيئته، لا بمحبته، وبقضائه، لا برضائه، وبتقديره، لا بتوفيقه، وبخذلانه، وعلمه، وكتابته في اللوح المحفوظ. *والثالثة، نقر بأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى، أي استولى، من غير أن يكون جارحةٌ واستقرار، وهو حافظ للعرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان مُحتاجاً لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره، ولو كان مُحتاجاً إلى الجلوس والقرار لكان قبل خلق العرش، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. *والرابعة، نقر بأن القرآن الكريم كلام الله تعالى غير مخلوق، ووحيه، وتنزيله، لا هو ولا غيره، بل هو صفته على التحقيق، مكتوب في المصاحف، مقروء بالألسنة، محفوظ في الصدور، غير حال فيها، والحبر والكاغد والكتابة مخلوق، لأنها أفعال العباد، لأن الكتابة والحروف والكلمات والآيات دلالة القرآن، لحاجة العباد إليها. وكلام الله تعالى قائم بذاته، ومعناه مفهوم بهذه الأشياء، فمن قال بأن كلام الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم، والله تعالى معبود لا يزال عما كان، وكلامه مقروء، ومكتوب، ومحفوظ في الصدور منغير مزايلة عنه. والخامسة، نقر بان أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضوان الله عليهم أجمعين؛ لقوله تعالى: (وَالسَّابِقُونُ السَّابِقُونَ أولئِكَ المُقَرَّبون في جَنَّاتِ النَّعِيمِ) . وكل من كان أسبق إلى الخير فهو أفضل عند الله تعالى، ويحبهم كل مؤمن تقي، ويبغضهم كل منافق شقي. *والسادسة، نقر بأن العبد مع أعماله وإقراره ومعرفته مخلوق، فلما كان الفاعل مخلوقاً، فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة. *والسابعة، نقر بأن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق، ولم يكن لهم طاقة؛ لأنهم ضعفاء عاجزون، فالله تعالى خالقهم ورازقهم؛ لقوله تعالى: (اللهُ الذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِتُكُمْ ثُمَّ يُحْييكُمْ) . والكسب بالعلم والمال من الحلال حلال، ومن الحرام حرام. والناس على ثلاثة أصناف؛ المؤمن المخلص في إيمانه، والكافر الجاحد في كفره، والمنافق المداهن في نفاقه. والله تعالى فَرَض على المؤمن العمل، وعلى الكافر الإيمان، وعلى المنافق الإخلاص؛ لقوله تعالى: (يَا أيُّهَا النَّاسُ أتَّقُوا رَبُّكُمْ) ، يعني يا أيها المؤمنون أطيعوا الله بالعمل الصالح، ويا أيها الكافرون آمنوا، ويا ايها المنافقون أخلصوا، والله أعلم. *والثامنة، نقر بأن الاستطاعة مع الفعل، لا قبل الفعل، ولا بعد الفعل؛ لأنه لو كان قبل الفعل لكان العبد مُستغنياً عن الله تعالى وقت الحاجة، فهذا خلاف حكم النص؛ لأنه لو كان قبل الفعل لكان العبد مُستغنياً عن الله تعالى وقت الحاجة، فهذا خلاف حكم النص؛ لقوله تعالى: (واللهُ الْغَنِيُّ وَأنْتُم الْفُقَرَاءُ) ، ولو كان بعد الفعل لكان من المحال، لأنه حصول بغير استطاعة، ولا طاقة. *والتاسعة، نقر بأن المسح على الخفين واجب للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها؛ لأن الحديث ورد هكذا، فمن أنكر فإنه يُخشى عليه الكفر، لأنه قريب من الخبر المتواتر.

والقصر والإفطار في السفر رخصة بنص الكتاب؛ لقوله تعالى: (وإذا ضَرَبْتُمْ في الأرض فَلَيسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ، وفي الإفطار قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أخَرَ) . *والعاشر، نقر بأن الله تعالى أمر القلم أن يكتب، فقال القلم ماذا أكتب يا رب؟ فقال الله تعالى: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة؛ لقوله تعالى: (وكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) . *والحادية عشر، نقر بأن عذاب القبر كائن لا محالة، وسؤال منكر ونكير حق؛ لورود الأحاديث، والجنة والنار حق، وهما مخلوقتان لأهلهما؛ لقوله تعالى في حق المؤمنين: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) . وفي حق الكافرين: (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرينَ) ، خَلقهما الله تعالى للثواب والعقاب، والميزان حق؛ لقوله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ليَوْمِ الْقِيامَةِ) . وقراءة الكتب، لقوله تعالى: (اقْرَأ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَليْكَ حَسيباً) . *والثانية عشر، نقر بأن الله تعالى يُحيي هذه النفوس بعد الموت، ويبعثُهم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، للجزاء والثواب، وأداء الحُقوق؛ لقوله تعالى: (وَأنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُور) ، ولقاء الله تعالى لأهل الحق حق، بلا كيفية، ولا تشبيه، ولا وجه، وشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم للكل من هو من أهل الجنة، وإن كان صاحب الكبيرة، وعائشة رضي الله تعالى عنها بعد خديجة الكبرى أفضل نِساء العالمين، وأم المؤمنين، ومطهرة من الزنا، بريئة عن ما قال الروافض، فمن شهد عليها بالزنا فهو ولد الزنل، وأهل الجنة في الجنة خالدون، وأهل النار في النار خالدون، لقوله تعالى في حق المؤمنين: (أُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وفي حق الكفار: (أولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيها خَالِدُونَ) . وللإمام رضي الله تعالى عنه، وصية أخرى، أوصى بها الإمام أبا يوسف، رحمه الله تعالى، لا بأس بإيرادها هنا؛ فإنها قد تضمنت كثيراً من لطائف الحكماء، ومحاسن الكلم، وفيها لمن تدبرها نفع كبير، وأدب غزير. وقد نقلها الشيخ الفاضل زين بن نجيم، في آخر كتابه " الأشباه والنظائر "، ومنها نقلنا. وقال رضي الله تعالى عنه: يا يعقوب، وقر السلطان، وعظم منزلته، وإياك والكذب بين يديه، والدخول عليه في كل وقت ما لم يدعك لحاجة؛ فإنك إذا أكثرت الاختلاف عليه تهاون بك، وصغرت منزلتك عنده، فكن منه كما أنت من النار، تنتفع منها، وتتباعد عنها؛ فإن السلطان لا يرى لأحد ما يرى لنفسه. وإياك وكثرة الكلام بين يديه، فإنه يأخذ عليك ما قلته، ليرى من نفسه بين يدي حاشيته أنه أعلم منك وأنه يخطئك، فتصغر في أعين قومه. ولتكن إذا دخلت عليه تعرف قدرك وقدر غيرك، ولا تدخل عليه وعنده من أهل العلم من لا تعرفه؛ فإنك إن كنت أدون حالاً منه لعلك ترتفع عليه فيضرك، وإن كنت أعلم منه لعلك تنحط عنه فتسقط بذلك من عين السلطان. وإذا عرض عليك شيئاً من أعماله، فلا تقبل منه إلا بعد أن تعلم أنه يرضاك، ويرضى مذهبك في العلم والقضايا؛ كيلا تحتاج إلى ارتكاب مذهب غيرك في الحكومات. ولا تواصل أولياء السلطان وحاشيته، بل تقرب إليه فقط، وتباعد عن حاشيته؛ ليكون مجدك وجاهك باقياً. ولا تتكلم بين يدي العامة إلا بما تُسأل عنه. وإياك والكلام في العامة والتجار إلا بما يرجع إلى العلم؛ كيلا يوقف على حبك ورغبتك في المال؛ فإنهم يسيسون الظن بك، ويعتقدون ميلك إلى أخذ الرشوة منهم. ولا تضحك، ولا تبتسم بين يدي العامة. ولا تكثر الخروج إلى الأسواق. ولا تكلم المراهقين فإنهم فتنة، ولا بأس أن تكلم الأطفال، وتمسح رءوسهم. ولا تمش في قارعة الطريق مع المشايخ والعامة، فإنك إن قدمتهم ازدري بعلمك، وإن أخرتهم ازدري بك من حيث إنهم أسن منك، قال النبي صلى الله عليك وسلم: " من لم يرحم صغيرنا، ولم يوقر كبيرنا، فليس منا ". ولا تقعد على قوارع الطريق، فإذا دعاك ذلك فاقعد في المسجد. ولا تأكل في الأسواق والمساجد. ولا تشرب من السقايات، ولا من أيدي السقائين. ولا تقعد على الحوانيت. ولا تلبس الديباج، والحلي، وأنواع الإبريسم؛ فإن ذلك يقضي إلى الرعونة.

ولا تكثر الكلام في بيتك مع امرأتك في الفراش، إلا وقت حاجتك إليها بقدر ذلك، ولا تكثر لمسها، ولا تقربها إلا بذكر الله تعالى، ولا تتكلم بأمر نساء الغير بين يديها ولا بأمر الجواري، فإنها تنبسط إليك في كلامك، ولعلك إذا تكلمت عن غيرها تكلمت عن الرجال الأجانب. ولا تتزوج امرأة كان لها بعل، أو أب أو أم، أو بنت، إن قدرت، إلا بشرط أن لا يدخل عليها أحد من أقاربها، فأن المرأة إذا كانت ذات مال يدعي أبوها أن جميع مالها له، وأنه عارية في يدها. ولا تدخل بيت أبيها ما قدرت. وإياك أن ترضى أن تزف في بيت أبويها، فإنهم يأخذون أموالك، ويطمعون فيها غاية الطمع. وإياك أن تتزوج بذات البنين والبنات، فإنها تدخر جميع المال لهم، وتسرق من مالك، وتنفق عليهم؛ فإن الولد أعز عليها منك. ولا تجمع بين امرأتين في دار واحدة. ولا تتزوج إلا بعد أن تعلم أنك تقدر على القيام بجميع حوائجها. واطلب العلم أولاً، ثم اجمع المال من الحلال، ثم تزوج، فإنك إن طلبت المال في وقت التعلم عجزت عن طلب العلم، ودعاك المال إلى طلب الجواري والغلمان، وتشتغل بالدنيا والنساء قبل تحصيل العلم، فيضيع وقتك، ويجتمع عليك الولد وتكثر عيالك، فتحتاج إلى القيام بمصالحهم وترك العلم. واشتغل بالعلم في عنفوان شبابك، ووقت فراغ قلبك وخاطرك، ثم اشتغل بالمال ليجتمع عندك؛ فإن كثرة الولد والعيال يشوش البال، فإذا جمعت المال فتزوج. وعليك بتقوى الله، وأداء الأمانة، والنصيحة لجميع الخاصة والعامة. ولا تستخف بالناس، ووقر نفسك ووقرهم، ولا تكثر معاشرتهم إلا بعد أن يعاشروك، وقابل معاشرتهم بذكر المسائل، فإنه إن كان من أهله اشتغل بالعلم، وإن لم يكن من أهله أحيك. وإياك أن تكلم العامة بأمر الدين في الكلام، فإنهم قوم يقلدونك، فيشتغلون بذلك. ومن جاءك يستفتيك في المسائل، فلا تجب إلا عن سؤاله، ولا تضم إليه غيره؛ فإنه يشوش عليه جواب سؤاله. وإن بقيت عشر سنين بغير كتب ولا قوة فلا تعرض عن اعلم، فإنك إن أعرضت عنه كانت معيشتك ضنكا. وأقبل على مُتفقهيك كأنك اتخذت كل واحد منهم ابناً وولدا، يزيدهم رغبة في العلم. ومن ناقشك من العامة والسوقة، فلا تُناقشه؛ فإنه يذهب ماء وجهك. ولا تحتشم من أحدٍ عند ذكر الحق، وإن كان سُلطاناً. ولا ترض لنفسك من العبادات إلا بأكثر مما يفعله غيرك، وتعاطاها؛ فإن العامة إذا لم يروا منك الإقبال عليها بأكثر مما يفعلون، اعتقدوا فيك قلة الرغبة، واعتقدوا أن علمك لا ينفعك إلا ما نفعهم الجهل الذي هم فيه. وإذا دخلت بلدة فيها أهل العلم، فلا تتخذ لنفسك، بل كن كواحد من أهله؛ ليعلموا أنك لا تقصد جاههم، وإلا يخرجون عليك بأجمعهم، ويطعنون في مذهبك، وتصير مطعوناً عندهم بلا فائدة. وإن استفتوك في المسائل، فلا تناقشهم في المناظرة والمطارحات، ولا تذكر لهم شيئاً إلا عن دليل واضح، ولا تطعن في أساتذتهم، فإنهم يطعنون فيك. وكن من الناس على حذر. وكن لله تعالى في سرك كما أنت في علانيتك، ولا يصلح أمر العلم إلا بعد أن يجعل سره كعلانيته. وإذا ولاك السلطان عملاً، فلا تقبل ذلك منه، إلا بعد أن تعلم أنه إنما يوليك ذلك لعلمك. وإياك أن تتكلم في مجلس النظر على خوف؛ فإن ذلك يورث الخلل في الألفاظ، والكلل في اللسان. وإياك أن نكثر الضحك، فإنه يميت القلب. ولا تمش إلا على طمأنينة. ولا تكن عجولاً في الأمور. ومن دعاك من خلفك فلا تجبه، فإن البهائم تُنادى من خلف. وإذا تكلمت فلا تكثر صياحك، ولا ترفع صوتك واتخذ لنفسك السكون وقلة الحركة؛ كي يتحقق عند الناس ثباتك. وأكثر ذكر الله تعالى فيما بين الناس؛ ليتعلموا ذلك منك. واتخذ لنفسك ورداً خلف الصلوات، تقرأ فيه القرآن، وتذكر الله تعالى، وتشكره على ما أودعك من الصبر، وأولاك من النعم. واتخذ أياماً معدودة من كل شهر تصوم فيها؛ ليقتدي غيرك بك. وارقب نفسك، وحافظ على الغير؛ لتنتفع من دنياك وآخرتك بعلمك. ولا تشتر بنفسك ولا تبع، بل اتخذ لك مُصلحاً يقوم بأشغالك، وتعتمد عليه في أمورك، ولا تطمئن إلى دنياك، وإلى ما أنت فيه، فإن الله تعالى سائلك عن جميع ذلك. ولا تشتر الغلمان المرد. ولا تظهر من نفسك التقرب إلى السلطان قربك؛ فإنه ترفع إليه الحوائج، فإن قمت اهانك، وإن لم تقم أعابك.

ولا تتبع الناس في خطاياهم، بل اتبع في صوابهم. وإذا عرفت إنساناً بالشر فلا تذكره به، بل اطلب منه خيراً فأذكره به، إلا في باب الدين، فإنك إن عرفت في دينه ذلك فأذكره للناس؛ كيلا يتبعوه ويحذروه، قال عليه الصلاة والسلام: " اذكروا الفاجر بما فيه، حتى يحذره الناس "، وإن كان ذا جاه ومنزلة، فاذكر ذلك، ولا تبال من جاهه؛ فإن الله تعالى معينك وناصرك وناصر الدين، فإذا فعلت ذلك مرة هابوك، ولم يتجاسر أحد على إظهار البدعة في الدين. وإذا رأيت من سلطانك ما لا يوافق العلم، فاذكر ذلك مع طاعتك إياه؛ فإن يده أقوى من يدك، تقول له: أنا مطيع لك في الذي أنت فيه سلطان، ومُسلط علي، غير أني أذكر لك من سيرتك مالا يوافق العلم. فإذا فعلت ذلك مع السلطان مرة كفاك؛ لأنك إذا واظبت عليه، ودمت، لعلهم يمقتونك، فيكون قمعاً للدين، فإذا فعل ذلك مرة أخرى، فادخل عليه وحدك في داره، وانصحه في الدين، وناظره إن كان مبتدعاً، وإن كان سلطاناً، فاذكر له ما يحضرك من كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فإن قبل منك، وإلا فاسأل الله تعالى أن يحفظك منه، واذكر الموت، واستغفر للأستاذ، ومن أخذت عنهم العلم، وداوم على التلاوة، وأكثر من زيارة القبور والمشايخ والمواضع المباركة. واقبل من العامة ما يقصون عليك من رؤياهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ورؤيا الصالحين في المنازل، والمساجد، والمقابر. ولا تجالس أحداً من أهل الأهواء إلا على سبيل الدعوة إلى الدين. ولا تكثر اللعب، والشتم. وإذا أذن المؤذن فتأهب لخول المسجد؛ كيلا تتقدم عليك العامة. ولا تتخذ دارك في جوار السلطان. وما رأيت على جارك فاستره عليه؛ فإنه أمانة. ولا تظهر أسرار الناس. ومن استشارك في شيء فأشر عليه بما يقربك إلى الله تعالى. وإياك والبخل؛ فإنه تنتقص به المروءة. ولا تك طماعاً، ولا كاذبا، ولا صاحب تخاليط، بل احفظ مروءتك في الأمور كلها. والبس من الثياب البيض في الأحوال كلها. وأظهر غنى القلب، مُظهراً في نفسك قلة الحرص، والرغبة في الدنيا. وأظهر من نفسك الغنى، ولا تظهر الفقر، وإن كنت فقيراً. وكت ذا همة، فإن من ضعفت همته ضعفت منزلته. وإذا مشيت في الطريق فلا تلتفت يميناً ولا شمالاً، بل داوم النظر إلى الأرض. وإذا دخلت الحمام، فلا تساو الناس في أجرة الحمام، بل ارجح على ما تعطي العامة؛ لتظهر مروءتك بينهم، فيعظمونك. ولا تسلم الأمتعة إلى الحائك وسائر الصناع، بل اتخذ لنفسك ثقة تفعل ذلك. ولا تماكس بالحبات والدوانيق، ولا تزن بالدراهم، بل اعتمد على غيرك. وحقر الدنيا المحقرة عند أهل العلم؛ فذلك أحفظ لحاجتك. وإياك أن تكلم المجانين، ومن لا يعرف المناظرة والحجة من أهل العلم، والذين يطلبون الجاة ويستغرقون بذكر المسائل فيما بين الناس؛ فإنهم يطلبون تخجيلك، ولا يبالون منك وإن عرفوك على الحق. زولإذا دخلت على قوم كبار فلا ترتفع عليهم بعالم يرفعوك لئلا يلحق بك منهم أذية. وإذا كنت في قوم فلا تتقدم عليهم في الصلاة، ما لم يقدموك على وجه التعظيم. ولا تدخل الحمام وقت الظهيرة أو الغداة. ولا تحضر مظالم السلاطين، إلا إذا عرفت أنك إذا قلت شيئاً ينزلون على قولك بالحق، فإنهم إن فعلوا مالا يحل وأنت عندهم ربما لا تملك منعتهم، ويظن الذين هناك أن ذلك حق؛ لسكوتك فيما بينهم وقت الإقدام عليه. وإياك والغضب في مجلس العلم. ولا تقص على العامة؛ فإن القاص لا بد له أن يكذب. وإذا أردت اتخاذ مجلس لأحدٍ من أهل العلم، فاحضر بنفسك، واذكر فيه ما تعلمه؛ كيلا يغتر الناس بحضورك، فيظنون أنه على صفة من العلم، وليس هو على تلك الصفة، فإن كان يصلح للفتوى فاذكر منه ذلك، وإلا فلا، ولا ليدرس بين يديك، بل اترك أحداً من أصحابك؛ ليخبرك بكيفية كلامه، وكمية علمه. وفوض أمر المناكح إلى خطيب ناحيتك، وكذا صلاة الجنائز العيدين. ولا تنسى من صالح دعائك. واقبل هذه الموعظة مني. وإنما أوصيك لمصلحتك، ومصلحة المسلمين. انتهى.

الألف

هذا، وقد آن لنا أن نحبس عنان القلم عن الجري في ميدان لا غاية لمداه، وأن نكف لسان المقال عن تعداد مالا سبيل إلى حصره، وليس يدرك منتهاه، على أن ما أوردنا منه فيه مقنع لمن نور الله بصيرته، وطهر من دنس التعصب سريرته، وأحسن في السلف عقيدته، ولم ينكر لأحد من الناس فضيلته. ولقد صنف الفضلاء في مناقب هذا الإمام الجليل كتباً لا تحصى، وأورد فيها من فضائله ومناقبه مالا يستقصى، وكل منهم معترف بأنه لم يبلغ من تعداد فضائله، وما يستحقه، وما كان عليه من العلم والعمل، عُشر معشاره، رضي الله تعالى عنه وأرضاه. ونحن نسأل الله تعالى، ونتوسل إليه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أن ينفعنا ببركات علومه في الدنيا والآخرة، وأن يجمع بيننا وبينه في جنات النعيم، إنه جواد كريم، رءوف رحيمٌ. باب من اسمه آدم، وإبراهيم 1 - آدم بن سعيد بن أبي بكر الجبرتي الحنفي نزيل مكة المشرفة. شاب قطنها مديماً للاشتغال على فضلائها، والواردين عليها، في الفقه، وأصوله، العربية، وغيرها، وللتلاوة على طريقة جميلة، وفاقةٍ. ومن جملة شيوخه السراج معمر بن عبد القوي في العربية، وعبد النبي المغربي. قال السخاوي: وسمع عليَّ وأنا بمكة من " الصحيح "، وغيره، وحضر عندي بعض الدروس. مات في ليلة الأربعاء، خامس ذي الحجة، سنة سبع وثمانين وثمانمائة، وصلى عليه من الغد، ودفن بالمعلاة رحمه الله تعالى. 2 - إبراهيم بن إبراهيم بن داود بن حازم الأسدي بفتح السين، أسد خزيمة. والد قاضي القضاة شمس الدين محمد. من بيت العلم، والفضل. وكان إبراهيم هذا فقيهاً منقطعاً. تفقه عليه ولده قاضي القضاة. ذكره في " الجواهر "، ولم يؤرخ له مولداً، ولا وفاة. والله تعالى أعلم. 3 - إبراهيم بن إبراهيم، الشهير بابن الخطيب الرومي وهو أخو المولى المشهور بخطيب زاده أيضاً. أخذ عن أخيه المذكور، وصار مدرساً بعدة مدارس، منها إحدى المدارس الثمان، ثم صار مدرساً بمرادية بروسة. وتوفي وهو مدرس بها، في سنة عشرين وتسعمائة. وكان من فضلاء بلاده المشهورين بالتقدم. رحمه الله تعالى. 4 - إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن عبد المنعم بن هبة الله ابن محمد بن عبد الباقي الحلبي المعروف بابن الرهباني، وبابن أمين الدولة وأمين الدولة لقب هبة الله جده الأعلى - أبو إسحاق، كمال الدين. ولد بحلب، في ربيع الأول، سنة خمسٍ وسبعين وستمائة، وسمع بها من سنقر الحلبي " صحيح البخاري " و " مشيخته "، وسمع من أبي بكر بن أحمد بن العجمي، وأخيه أبي طاهر إبراهيم بن عبد الرحمن بن الشيرازي، وغيرهم. وولي وكالة بيت المال بحلب، ونظر الدواوين، وغيرهما. وكان كاتباً مجيداً، رئيساً نبيلاً. حدث بدمشق، وحلب، وسمع منه ابن ظهيرة. وهو من شيوخ الحافظ أبي الوفاء سبط ابن العجمي، بالسماع. مات في ليلة الأحد، ثامن جُمادى الأولى، سنة ست وسبعين وسبعمائة، رحمه الله. 5 - إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، أبو إسحاق الفقيه، الموصلي، الغزنوي الأصل كان رحمه الله تعالى من كبار أصحاب الإمام برهان الدين أبي الحسن البلخي المشهور. تفقه عليه، وسمع منه الحديث، وكان معه بحلب. قال ابن عساكر: وما أظنه روى شيئاً، وكذلك قال ابن العديم. قالا: واستنابة برهان الدين بمدينة بصرى، ثم ولي التدريس بالمدرسة الصادرية وولي قضاء الرها بعد فتحها من أيدي الفرنج. وذكر ابن عساكر أن والده هو الذي تولى القضاء بها. قال: وتوفي يوم الأربعاء، ثاني عشر ذي الحجة، سنة ستين وخمسمائة، ودفن بجبل قاسيون، رحمه الله تعالى. كذا ذكر هذه الترجمة في الجواهر " الجواهر المُضية "، ثم ذكر ترجمة مختصرة فيمن اسمه إبارهيم ابن محمد، وأرخ وفاة صاحبها كما هنا، ووعد في هذه الترجمة أن يذكر والد صاحبها أحمد في محله، ولم يذكره، فإما أن تكون الترجمتان لواحد، ويكون المؤلف أو الكاتب أسقط أباه أحمد، وجده إبراهيم، أو أن كل ترجمة منها لواحد غير الآخر، وقد اتفقا في الوفاة، والله تعالى أعلم. 6 - إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الجعفري الدمشقي قال ابن حجر: برع في الفقه، وناب في الحُكم، ودرس. وقال الولي العراقي: كان مشكوراً.

7 - إبراهيم بن أحمد بن أبي الفرج بن أبي عبد الله ابن السديد الدمشقي، أبو إسحاق المنعوت زين الدين

مات في المحرم، سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى. 7 - إبراهيم بن أحمد بن أبي الفرج بن أبي عبد الله ابن السديد الدمشقي، أبو إسحاق المنعوت زين الدين كان إماماً بالمقصورة الكندية الشرقية بجامع دمشق، وتصدر بها لإقراء النحو. وسمع من المحدث عمرو بن بدر الموصلي " مسند أبي حنيفة " رواية البلخي. وروى عنه المزي، وابن العطار. وتوفي في جمادى الأولى، سنة سبع وسبعين وستمائة، بالمزة. وكان مولده في شعبان، سنة أربع وستمائة. رحمه الله تعالى. 8 - إبراهيم بن أحمد بن بركة الفقيه الموصلي له " شرح المنظومة "، وله " سلالة الهداية ". كذا في " الجواهر ". 9 - إبراهيم بن أحمد بن عقبة بن هبة الله ابن عطاء بن ياسين بن زهير، أبو إسحاق، البصراوي، القاضي المُلقب بالصدر تفقه ببصرى على الطوري، مدرس الأمينية، بها. ودرس بالمدرسة الركنية بجبل قاسيون. وولي قضاء حلب، ثم عزل، وأقام معزولاً مدة طويلة، ثم قدم إلى الديار المصرية، وتوصل إلى أن كتب تقليده بقضاء حلب، وعاد به إلى دمشق، فأقام بها مدة، فأدركه الحمام قبل بلوغ المرام، في يوم السبت، حادي عشر رمضان، سنة سبع وتسعين وستمائة، ودفن في غد ذلك اليوم. وكان مولده ببصرى، سنة تسع وستمائة، رحمه الله تعالى. وبصرى، بضم الباء وسكون الصاد المهملة وفتح الراء بهدها ألف. 10 - إبراهيم بن أحمد بن محمد بن حمويه بن بندار ابن مسلمة، الفقيه، البياري، بكسر الباء الموحدة سكن بيار، من أعمال قومس، وحدث بها عن أبي القاسم البغوي، ويحيى بن صاعد، في آخرين. وروى عنه ولده أبو أحمد. قال في " الجواهر ": ذكره ابن النجار، وأسنده عنه حديثاً واحداً، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، مرفوعاً، مَتنه: " اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساءوا استغفروا ". 11 - إبراهيم بن أحمد بن محمد بن خضر ابن مسلم الدمشقي الحنفي ولد في رمضان، سنة أربع وأربعين وسبعمائة. وناب في القضاء بمصر، ودرس وأفتى، وولى إفتاء دار العدل. وكان جريئاً، مقداماً، ثم ترك الاشتغال بأخرة، وافتقر. ومات في ربيع الأول، سنة ست عشرة وثمانمائة، رحمه الله تعالى. كذا ذكره السخاوي، نقلاً عن ابن حجر. رحمهما الله تعالى. 12 - إبراهيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد - ثلاث محمدين - الخجندي، بضم الخاء وفتح الجيم، ثم المدني، برهان الدين، أبو محمد، ابن العلامة جلال الدين أبي الطاهر أحد الأفاضل الأعيان، الذين سار بذكرهم الركبان. ولد سنة تسع وسبعين وسبعمائة. وسمع ابن صديق، والمراغي. وأجاز له التنوخي، وابن الذهبي. ودرس وصنف " شرحاً " على " الأربعين النووية ". وله نظم، ونثر، وترسل. مات في رجب، سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، بالمدينة النبوية، وقد جاوز السبعين. كذا عده جلال الدين السيوطي في " أعيان الأعيان ". وذكره السخاوي في " الضوء اللامع " بأبسط من ذلك، فقال: إنه ولد بالمدينة الشريفة في التاريخ المذكور، ونشأ بها، فحفظ القرآن العظيم، و " الكنز " و " الألفية "، و " الكافية " وتلا بالسبع على يحيى التلمساني الضرير، وغيره وأخذ النحو عنه أيضاً، وعن والده الجلال، وأخذ الفقه عن أبيه وغيره، وانتفع بأخيه، وسمع جماعة كثيرة، منهم البلقيني، وغيره. وحج غير مرة. وبرع في العربية، وتهانى الأدب، وجمع لنفسه " ديواناً "، وأنشأ عدة رسائل، بحيث انفرد في بلده بذلك. وكان يترسل مع سميه البلقاني الباعوني، وكان يكتب الخط الجيد. وقد درس وحدث بالبخاري، وغيره. وقرأ عليه ولده، وسمع منه الطلبة، ولقيه البقاعي، فكتب عنه، وزعم أن جيد شعره قليل، يتنقل من بحر إلى بحر، ومن لجة إلى قفر، وهو بالعربية غير واف، وكثير منه سفساف، وربما انتقل من الحضيض إلى السها، وكأنه ليس له. قال السخاوي: إنما هو في مدح الناس، وإذا قال في الغرام أجاد. وذكر أنه رأى في بعض الاستدعاءات مكتوباً قوله: أجَزْتُ لَهُمْ أبْقَاهُمُ الله كُلَّ ما ... رَوَيْتُ عن الأشْيَاخِ في سَالِفِ الدَّهْرِ ومَالِي مِن نَثْرٍ وَنَظْمٍ بِشَرْطِهِ ... على رأي مَن يَروي الحديثصَ وَمَن يُقْري

13 - إبراهيم بن أحمد بن يوسف ابن محمد، برهان الدين، بن القاضي شهاب

وأسْألُ إحْسَاناً مِن القوم دَعْوةً ... تُحَقِّقُ لِي الآمالَ والأمْنَ في الحَشْرِ ثم قال: وكان فاضلاً، بارعاً، ناظماً، ناثراً، بليغاً، كَيِّساً، حَسن المُجالسة، مُحباً للفائدة، لطيف المحاضرة، كثير النوادر والمُلح، ذا كرم زائد، وآداب وغرائب. ومات في ثاني رجب، من التاريخ المذكور، ودفن في يومه بالبقيع، بعد الصلاة عليه بالروضة. رحمه الله تعالى. وأورد من شعره المقريزي في " عقوده " قوله: كُنْ جَوَابي إذا قَرأتَ كِتابي ... لا تَرُدَّنَّ لجوابِ كتابَا أعفِني مِن نَعَمْ وَسَوْفَ ولي شُغْ ... لٌ وكُنْ خيْرَ مَن دُعِي فأجَابَا 13 - إبراهيم بن أحمد بن يوسف ابن محمد، برهان الدين، بن القاضي شهاب الدين أبي العباس، بن قاضي الجماعة الجمالي أبي المحاسن الدمشقي، ويعرف بابن القطب سمع الحديث وناب في قضاء النفية، ثم خطب للقضاء استقلالاً ببذل شيء فأبى ذلك، فحبس، وضيق عليه إلى أن أجاب، وولي قضاء مصر استقلالاً. وكان قبل ذلك قد طلب إلى القاهرة، وأخذ عنه بعض الطلبة. ومات سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. كذا ذكره السخاوي. وذكره في " الغُرف العلية "، فقال: ولد سنة سبع وعشرين وثمانمائة، واشتغل، وحصل، وبرع، وأخذ عن العلامة حميد الدين الحنفي. ودرس، وأفتى، وناب في الحكم. ولما عُين لقضاء الحنفية استقلالاً امتنع من قبوله، مع أهليته الزائدة، فحبس إلى أن قبله، وسار في الناس سيرة حسنة، وصار يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، على حسب ما يقتضيه زمانه. وذكر أنه قرأ عليه، وأنه مات في التاريخ المذكور. انتهى. 14 - إبراهيم بن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إبراهيم ابن هبة الله بن طارق بن سالم الأسدي، الحلبي، نجم الدين، أبو إسحاق، ابن النحاس ذكره صاحب " دُرة الأسلاك " فقال: رئيس أشرق نجمه، وأصاب الغرض سهمه، وظهر فضله وعلمه، وعلت همته وسما عزمه. كان ذا نفس سخية، وأخلاق رضية، وتواضع وتلطف، وميل إلى فِعل الخير وتشوف. كتب الحكم لبني العديم، ولازم التحلي بعقد بيتهم النظيم، واحسن إلى ذوي الطلب، ودرس بالجردبكية بحلب. وكانت وفاته بها، وقد جاوز الستين، وذلك في سنة أربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 15 - إبراهيم بن أحمد البصراوي ذكره في " الغرف العلية "، ونقل عن البرزالي أنه ولد سنة خمس وأربعين وستمائة، وانه قرأ القرآن، وسمع الحديث، وقرأ على الشيوخ كثيراً من الكتب والأجزاء، وكان مشهوراً بحسن القراءة. وبعد ملازمته للطلب، والاشتغال بالعلم، خدم في الديوان، وحصل له دنيا وافرة. ثم أنه رأى رؤيا أوجبت له التوبة، والإقلاع عما كان عليه، وحج، ولازم المسجد والتلاوة، وبقي على ذلك عشرين سنة، وعرض له صمم في آخر عمره. ومات سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 16 - إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن عباد بن محمد، برهان الدين، أبو إسحاق بن أبي الفداء، العنبوسي - نسبة لقرية من نابلس - المقدسي الحنفي، الكتبي ولد في رجب سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة ببيت المقدس. ونشأ به، فقرأ القرآن، واشتغل في الفقه والتفسير على القاضي سعد الدين ابن الديري، ووالده. وقرأ في الحديث على الشمس ابن المصري وابن ناصر الدين عبد الكريم القلقشندي، وغيرهما. وباشر قراءة الحديث بالمسجد الأقصى، وكتب بخطه الكثير، وتميز في معرفة الشروط. ونظم الشعر المتوسط، والغالب عليه فيه المجون، مع الخير، والسمت الحسن، والتواضع، والتفنع بتجليد الكتب. ومن نظمه قوله: في وَجْهِ حِبِّى آياتٌ مُبيَّنَةٌ ... فاعْجَبْ لآياتِ حُسْنٍ قد حَوَتْ سُوَرَا فَنُونُ حَاجِبِه مَعْ صَاد مُقلتِه ... ونُونِ عارِضه قدْ حَيَّر الشُعَرَا وقوله: أنا المُقِلُّ وحِبي ... أذاب قلبي وُلوعُهْ أبْكي عليه بجُهْدي ... جُهْدُ المُقِلَّ دُموعُهْ ومن نظمه في مسائل الشهادة بالاستفاضة، قوله: افْهَمْ مَسَائِلَ سِتَّةً واشْهدْ بها ... من غيرِ رُؤياها وغير وُقوفِ نَسَبٌ ومَوتٌ والوِلادُ وناكِحٌ ... ووِلايةُ القاضي وأصلُ وُقوفِ وله غير ذلك كثير.

17 - إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الطرزي، بالتحريك

وكانت وفاته يوم الجمعة، عشري المحرم، سنة أربع وستين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. كذا لخصت هذه الترجمة من " الضوء اللامع ". 17 - إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الطرزي، بالتحريك من أهل دامغان. ذكره أبو العلاء الفرضي، في " معجم شيوخه "، فقال: كان شيخاً فقيهاً، وعالماً فاضلاً، زاهداً عابداً، مُدرساً مُفتياً، عارفاً بأصول الفقه وفروعه، مُلازماً بيته، لا يخرج إلا إلى مسجده أو إلى الجامع. وكان قد رحل إلى بخارى، وتفقه بها، ثم رجع إلى بلده، ولم يزل يُفتي ويدرس، إلى أن توجهت العساكر الأحمدية إلى خراسان، فعبروا على دامغان، وكانوا كُرجاً نصارى، فعذبوا أهلها، وعذب الشيخ في جملة من عُذب، وأصابته جراحات، فهرب إلى بسطام، فتوفي بها، ودفن هناك، في سنة اثنتين وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى. 18 - إبراهيم بن إسحاق بن أبي العنبس، أبو إسحاق الزهري، القاضي، الكوفي سمع جعفر بن عون المعمري، وإسحاق بن منصور السلولي، ويعلي بن عبيد الطنافسي. روى عنه أبو بكر بن أبي الدنيا، ومحمد بن خلف وكيع، وأحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي، وشعيب بن محمد الذارع، ويحيى بن صاعد، وعامة الكوفيين. وولي قضاء مدينة المنصور بعد أحمد بن محمد بن سماعة. وكان ثقة، خيراً فاضلاً، كيساً، ديناً، صالحاً. قال محمد بن خلف وكيع: كتبت عنه، وهو على قضاء مدينة المنصور، في سنة ثلاث وخمسين ومائتين. وعن طلحة بن محمد بن جعفر، قال: صرف أحمد بن محمد بن سماعة، واستقصى مكانه إبارهيم بن إسحاق بن أبي العبس، وذلك في سنة خمس وثلاثين، وكان تقلد قضاء الكوفة، وهذا رجل جليل القدر، صالح العلم، حسن الدين، من أصحاب الحديث، حمل الناس عنه حديثاً كثيراً، وكان سبب صرفه أن الموفق أراد منه أن يدفع إليه أموال الأيتام على سبيل القرض، فأبى أن يدفعها، وقال: لا والله، ولا حبة منها. فصرفه عن الحكم في سنة أربع وخمسين ومائتين، ورد إلى قضاء الكوفة. انتهى. وكانت وفاته يوم الثلاثاء، لثلاث بقين من ربيع الآخر، سنة سبع وسبعين ومائتين، وقد بلغ ثلاثاً وتسعين سنة، رحمه الله تعال. 19 - إبراهيم بن إسحاق بن يحيى ابن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، الآمدي الأصل، الدمشقي، عفيف الدين، ابن فخر الدين ولد بدمشق في ليلة عاشوراء، سنة خمس وتسعين وسبعمائة. وسمع من ابن مشرف، والتقي سليمان، وابن الموازيني، وغيرهم. وأجاز له أبو الفضل ابن عساكر، وإسماعيل الفراء، وغيرهما. وخرج له المحدث صدر الدين ابن إمام المشهد " مشيخة "، حدث بها بدمشق ومصر. قال ابن حجر: سمع منه جماعة من أصحابنا، منهم المجد إسماعيل البرماوي وقريبه محمد بن عبد الدائم بن فارس، وأبو حامد ابن ظهيرة، وأبو محمد سبط ابن العجمي، وغيرهم. قال: وهو من شيوخي الإجازة العامة. وقد ولي نظر الأيتام والأوقاف، ثم نظر الجيش بدمشق، والجامع، وغير ذلك من المناصب الجليلة. وكان مشكور السيرة، مُعظماً عند الناس. وحصل له في آخر عمره صمم. وحدث بمصر، ودمشق. مات في ربيع الأول، سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 20 - إبراهيم بن أسعد بن أحمد، أبو العباي من بيت علم وفضل. روى عنه ابن ابنه نصر بن أحمد بن إبراهيم، الآتي ذكره في محله، إن شاء الله تعالى. 21 - إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بان يحيى، أبو إسحاق، الدمشقي، المعروف بابن الدرجي ذكره الذهبي في " العبر "، وقال: روى عن الكندي، وأبي الفتوح البكري. وأجاز له أبو جعفر الصيدلاني، وطائفة. وحدث " بالمعجم الكبير " للطبراني. وتوفي في صفر سنة إحدى وثمانين وستمائة. انتهى. وذكر في " المنهل " أنه ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة. قال: وكان ثقة، فاضلاً خيراً، ديناً. روى عنه ابن تيمية، والمزي، والبرزالي، وابن العطار. وأجاز الذهبي. وذكره الدُمياطي في " معجم شيوخه ". 22 - إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد ابن إسحاق بن شيت بن نصر الأنصاري، الوائلي، أبو إسحاق، الفقيه، المعروف بالصفار من بيت العلم والفضل. تفقه على والده، وغيره.

23 - إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الكريم ابن سلطان اللبناني الحنفي، السيد

وسمع " الآثار " للطحاوي على والده، وكتاب " العالم والمتعلم " لأبي حنيفة، على أبي يعقوب السياري بقراءة والده، و " السير الكبير " لمحمد بن الحسن، على أبي حفص البزاز، وكتاب " الكشف في مناقب أبي حنيفة "، تصنيف عبد الله بن محمد بن يعقوب الحارثي، على والده، وكتاب " الرد على أهل الأهواء " تصنيف أبي حفص الكبير. وكان مولد إبراهيم هذا في حدود سنة ستين وأربعمائة. نقله أبو سعد في " ذيله "، وقال: كان من أهل بخارى، موصوفاً بالزهد، والعلم، وكان لا يخاف في الله لومة لائم. ثم مات ببخارى في السادس والعشرين من ربيع الأول، سنة أربع وثلاثين وخمسمائة. واشتغل عليه الجم الغفير، ومن جملتهم قاضي خان. رحمه الله تعالى. 23 - إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الكريم ابن سلطان اللبناني الحنفي، السيد برهان الدين كذا ذكره في " الغرف العلية "، ثم قال: ذكره شيخنا ابن المبرد في " اختصار الدرر "، وقال: أخذ عن الفخر ابن البخاري، وأثنى عليه البرزالي، ووصفه بالكرم والمروءة. وكانت وفاته سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 24 - إبراهيم بن إسماعيل المعروف والده بإسماعيل المتكلم، صاحب كتاب " الكافي ". قال في " الجواهر ": وهو إمام ابن إمام. رحمهما الله تعالى. 25 - إبراهيم بن أيوب بن أحمد الحنفي كتب عنه سعيد بن عبد الله الدهلي الحنفي شعره. ومنه قوله: وحَبيبُ قلبي بالصُّدُودِ مُواصِلي ... مَاذا أقولُ وذَنْبُهُ مَغْفورُ 26 - إبراهيم بن أبي بكر بن محمود ابن إبراهيم بن محمود الحموي شقيق عبد الرحمن، الآتي ذكره وذكر أبيهما في محله، إن شاء الله تعالى. ولي قضاء الحنفية بعد أبيه، في سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة. وكان له فضيلة، وهو أصغر من أخيه سناً وفضلاً. رحمه الله تعالى. 27 - إبراهيم بن أبي عبد الله بن إبراهيم ابن محمد بن يوسف، أبو إسحاق الأنصاري الإسكندري، الكاتب، عُرف بابن العطار ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة. وتأدب على أبي زكريا يحيى بن معطي النحوي، وجال في بلاد الهند، واليمن، والعراق، والروم. قال منصور بن سليم، في " تاريخ الإسكندرية ": مات سنة تسع وأربعين وستمائة، فيما بلغني بالقاهرة. قال منصور: ورأيته بالموصل، وبغداد، رحمه الله تعالى. 28 - إبراهيم بن أبي يزيد - بالياء المثناة من تحت، ورأيت بعضهم ضبطه خطأ بالباء الموحدة، والراء المهملة، مُصغراً - الهندي الشيخ الإمام، العلامة، المُحقق، برهان الدين نزيل القاهرة بالجوهرية، ثم شيخ القبانية. كان من أفراد علماء عصره الأفاضل، ومن الفضلاء الأماثل. قدم مكة فحج، وأخذ بها عنه الجم الغفير؛ منهم قاضيها البرهان ابن ظهيرة. ثم قدم القاهرة، فنزل بالجوهرية، وشهر بالفضائل، وقصده الفضلاء، وأخذوا عنه في فنون متعددة. ثم قرره الظاهر في مشيخه الحنفية بالقانبانية عوضاً عن ابن التفهني بحكم وفاته، ودام بها مدة. وكان شكله حسناً، خيراً، ديناً، كثير الأدب. توفي سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 29 - إبراهيم بن الجراح بن صبيح التميمي مولى بني تميم. أصله من مرو الرود، وسكن الكوفة، ثم مصر، عُبيد الله بن السريّ القضاء بها، بعد امتناع إبراهيم بن إسحاق، وذلك في مُستهل جمادى الأولى، سنة خمس ومائتين، فاستكتب عمرو بن خالد الحراني، وجعل على مسائله معاوية بن عبد الله الأسواني. تفقه على أبي يوسف، وسمع منه الحديث، وكتب عنه " الأمالي ". وروى عن عليّ بن الجعد، وأحمد بن عبد المؤمن، وأحمد بن عبد الله البكري. وذكره ابن حِبان في " الثقات "، وقال: كان من أصحاب الرأي، سكن مصر بخطى. وقال كاتبه عمرو بن خالد: ما صحبت أحداً من القضاة مثل إبراهيم بن الجراح، كنت إذا عملت له المحضر، وقرأته عليه، أقام عنده ما شاء الله أن يقيم، حتى ينظر فيه، ويرى رأيه، فإذا أراد أن يمضي ما فيه دفعه إلى لأُنشئ له منه سجلاً، فأجد بحافته: " قال أبو حنيفة كذا. قال ابن أبي ليلى كذا. قال مالك كذا. قال أبو يوسف كذا "، وعلى بعضها علامة له كالخط، فأعلم أن اختياره وقع على ذلك القول، فأنشئ عليه.

30 - إبراهيم بن حاجي صارم الدين ابن شيخ تربة برقوق، وقاضي العسكر، زين

ولم يزل إبراهيم على القضاء حتى توجه عبد الله بن طاهر بن الحُسين، من قبل المأمون إلى مصر، ليحارب عبيد الله بن السري، فصرفه عن القضاء، سنة إحدى عشرة ومائتين. وعن أبي جعفر الطحاوي، أنه قال: كان إبراهيم بن الجراح راكباً في موكب، فيه جمعٌ كثير من الناس، فبلغهم أنه عزل، فتفرقوا أولاً فأولا، إلى أن لم يبق معه أحد، فقال لغلامه: ما بال الناس!!. قال: بلغهم أنك عُزلت. فقال: سبحان الله، ما كنا إلا في موكب ريح. ولما صرف عن القضاء، قال: سمعت أبا يوسف يقول: سمعت أبا حنيفة في جنازة رجل ينشد هذه الأبيات عند القبر: لمَّا رأيتُ المَشِيبَ قد نَزَلاَ ... وبَانَ عَنِّي الشبَابُ وارتَحلا أيْقَنْتُ بالموتِ فانْكَسَرْتُ لهُ ... وكلُّ حَيٍّ يُوافِقُ الأجَلا كم من أخٍ لي قد كان يُؤنِسُني ... فصارَ تحت التُّرابِ مُنْجَدِلاَ لا يسمعُ الصَّوتَ إن هتفْتُ بهِ ... ولا يَردُّ الجوابَ إن سُئِلا لَوْ خَلَّدَ الله فاعْلموا أحداً لَخلَّد الأنبياء والرُّسُلا وذكره ابن الجوزي في " المنتظم "، وقال: أصله من مرو الروذ، وعزل سنة عشر ومائتين، وعاش بعد ذلك إلى أن مات بالرملة، سنة سبع عشرة. يعني ومائتين. وقال ابن يونس: مات في المحرم، بمصر. وعن عبد الرحمن بن عبد الحكم، أنه قال: لم يكن إبراهيم بن الجراح بالمذموم في أول ولايته حتى قدم عليه ابنه من العراق، فتغير حاله، وفسدت أحكامه. *وإبراهيم هذا هو آخر من روى عن أبي يوسف، قال: أتيته أعوده، فوجدته مغمى عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم، أيما أفضل في رمي الجمار، أن يرميها الرجل راجلاً أو راكباً؟ فقلت: راكباً. فقال: أخطأت. ثم قال: أما ما كان يوقف عنده للدعاء، فالأفضل أن يرميه راجلاً، وأما ما كان لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكباً. ثم قمت من عنده، فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات، رحمه الله تعالى. 30 - إبراهيم بن حاجي صارم الدين ابن شيخ تربة برقوق، وقاضي العسكر، زين الدين، الحنفي سمع على الجمال الحنبلي " ثمانيات النجيب "، " وسُباعياته ". ولقيه البقاعي، وغيره. كذا ذكره السخاوي في " ضوئه "، ثم قال: ولم أعلم متى مات، رحمه الله تعالى. 31 - إبراهيم بن الحسن الفقيه، أبو الحسن العزري بفتح العين، وسكون الزاي، وكسر الراء؛ نسبة إلى باب عزرة، محلة كبيرة بنيسابور. سمع من أبي سعيد عبد الرحمن بن الحسن، وإبراهيم بن محمد، النيسابوريين. وسمع منه الحاكم، وذكره في " تاريخ نيسابور " وقال: كان من فقهاء أصحاب أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه. وذكره أبو سعد في " أنسابه " أيضاً. قال الحاكم: توفي سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. 32 - إبراهيم بن الحسين بن هارون أبو إسحاق، السمرقندي، الدقاق قال في " الجواهر ": ذكره أبو سعد الإدريسي، " في تاريخ سمرقند " فقال: كان من عباد الله الصالحين، من أصحاب أبي حنيفة، فاضلاً في نفسه، أنفق على أهل مذهبه جملة، وأوقف عليهم ضياعات فاخرة. قال: إلا أنه لم يكن يعلم رسوم الحديث والرواية، رأيته يُحدث بكتاب أبي عيسى الترمذي، عن أبي عليّ الحافظ، من أصل لم يكن فيه سماع. مات سنة تسعين وثلاثمائة، أو بعد التسعين بقليل، رحمه الله تعالى. 33 - إبراهيم بن خليل باشا ابن إبراهيم بن خليل الرومي كان أبوه وزيراً للسلطان مراد خان. وكان جده الأعلى خليل أول من ولي قضاء العسكر في الدولة العثمانية، كما سيأتي في محله من حرف الخاء. وولي إبراهيم هذا قضاء مدينة أدرنة، فلما فتح السلطان محمد قسطنطينية غضب على أبيه خليل، وصادره واستصفى أمواله، وحبسه إلى أن مات، وعزل ابنه إبراهيم عن قضاء أدرنة، وأقصاه عن حضرته الجميلة، ومناصبه الجليلة، فتوجه إلى حضرة الشيخ حاجي خليفة، وأقام عنده مدة، وسلك طريقته. ثم قدم قسطنطينية في خبر طويل، وفوض إليه السلطان محمد قضاء أماسية، وكان بها إذ ذاك ولده السلطان با يزيد، فلما توفي السلطان محمد، وولى السلطان ولده المذكور، فوض لإبراهيم قضاء العسكر بولاية روملى، عوضاً عن المولى القسطلاني، ثم فوض إليه الوزارة العُظمى، وارتفع جاهه، وبعد صيته.

34 - إبراهيم بن خير خان ابن مودود بن خير خان

وكانت سيرته في القضاءة والوزارة سيرة محمودة، وطريقته مشكورة. وكان كريم النفس، جواد الكف، يأكل من مطبخه كل يوم نحو ستمائة نفر، ولم يُخلف من المال سوى ثمانية آلاف درهم عثماني، تغمده الله تعالى برحمته. 34 - إبراهيم بن خير خان ابن مودود بن خير خان ذكره في " الجواهر "، وقال: سمع من أبي طاهر بركات الخشوعي وحدث. مات بدمشق، سنة خمس وأربعين وستمائة، رحمه الله تعالى. 35 - إبراهيم بن داد بن دنكة أبو إسحاق، التركي والد العباس أحمد، الآتي ذكره. تفقه عليه ولده أبو العباس المذكور، وكان فقيهاً فاضلاً. وداد، بدالين مهملتين بينهما ألف. قال في " الجواهر ": وهو اسم مشترك بين لسان الفارسية والتركية، ومعناه العدل. نقلاً عن شيخنا شجاع الدين هبة الله التركستاني. 36 - إبراهيم بن داود بن حازم والد إبراهيم المتقدم ذكره في أول حرف الهمزة. وهو الإمام الملقب نجم الدين، رحمه الله تعالى. 37 - إبراهيم بن رستم أبو بكر، المروزي أحد الأئمة الأعلام. سمع منصور بن عبد الحميد، وهو شيخ يروي عن أنس بن مالك، وسمع أيضاً مالك بن أنس، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذنب، وسفيان الثوري، وغيرهم. قدم بغداد غير مرة، وحدث بها، فروى عنه العراقيين؛ سعيد بن سليمان سعدويه، وأحمد بن حنبل، وزهير بن حرب، وغيرهم. قال العباس بن مصعب: كان إبراهيم بن رستم من أهل كرمان، ثم نزل مرو في سكة الدباغين، وكان أولاً من أصحاب الحديث، فحفظ الحديث، فنقم عليه من أحاديث، فخرج إلى محمد بن الحسن وغيره من أهل الرأي، فكتب كتبهم، وحفظ كلامهم، فاختلف الناس إليه، وعُرض عليه القضاء، فدعاه المأمون، فقربه منه، وحدثه. روى أنه لما عرض عليه القضاء فامتنع، وانصرف إلى منزله، تصدق بعشرة آلاف درهم، وأتاه ذو الرياستين إلى منزله مُسلماً، فلم يتحرك له، ولا فرق أصحابه. فقال إشكاب - وكان رجلاً متكلماً -: عجباً لك، يأتيك وزير الخليفة فلا تقوم من أجل هؤلاء الدباغين!. فقال رجل من هؤلاء المتفقهة: نحن من دباغي الدين، الذي رفع إبراهيم بن رستم حتى جاءه وزير الخليفة. فسكت إشكاب. وسئل عن يحيى بن معين، فقال: ثقة. وذكر عن الدارمي توثيقه أيضاً. قال إسحاق بن إبراهيم الحفصي: مات إبراهيم بن رستم المروزي بنيسابور، قدمها حاجاً، وقد مرض بسرخس، فبقي عندنا تسعة أيام وهو عليل، ومات في اليوم العاشر، وهو يوم الأربعاء، لعشر بقين من جمادى الآخرة، سنة إحدى عشرة ومائتين، في دار إسماعيل الطوسي، في سكة حفص، وصلى عليه الأمير محمد بن محمد بن حميد الظاهري، ودفن بباب معمر. وقال محمد بن إسحاق الثقفي: إنه مات سنة عشر ومائتين. رحمه الله تعالى. 38 - إبارهيم بن سالم، أبو إسحاق، الشكاني بكسر الشين المعجمة، وفتح الكاف، وفي آخرها النون؛ نسبة إلى شكان، قرية من قرى بُخارى، في ظن السمعاني، وقيل: من قرى كش. والصحيح الأول. قال السمعاني: فقيه فاضل، تفقه على أبي بكر محمد بن الفضل. وروى الحديث عن أبي عبد الله الرازي، وأبي محمد أحمد بن عبد الله المُزني، وغيرهما. وروى عنه السيد أبو بكر محمد بن علي الجعفري، وأبو بكر محمد بن نصر الخطيب. وكان يملى ببخارى. ومات سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. 39 - إبراهيم بن سُليمان بن عبد الله أبو إسحاق، التميمي، الصرخدي، الفقيه خطيب صرخد أنشأ خُطباً مليحة، وله ترسل وشعر. مات بصرخد، سنة سبع عشرة وستمائة، وقد بلغ أربعاً وخمسين سنة. رحمه الله تعالى. 40 - إبراهيم بن سليمان الحموي المنطقي، الإمام رضي الدين، الرومي الأصل، المعروف بالآب كرمي؛ نسبة إلى بلدة صغيرة من بلاد قونية، يقال لها آب كرم. كان فقيهاً، نحوياً، مفسراً، منطقياً، ديناً، متواضعاً. درس بالقيمازية، ثم تركها لولده، ثم درس بها بعد موت ولده. وتفقه ببلاده، ثم ورد دمشق، فتفقه عليه جماعة، وأقام بها إلى أن مات، سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، في سادس عشري ربيع الأول، وقيل: في خامس عشره، ودفن بمقبرة الصوفية، وقد جاوز الثمانين. وكان قد حج سبع مرات.

41 - إبراهيم بن شعيب

وشرح " الجامع الكبير " في ست مجلدات، وله " شرح المنظومة " في مجلدين. رحمه الله تعالى. 41 - إبراهيم بن شعيب قال في " الجواهر ": من طبقة بشر بن أبي الأزهر القاضي، رحمهما الله تعالى. 42 - لإبراهيم بن طهمان عالم خراسان. ذكره الذهبي في " طبقات الحفاظ "، وقال: حدث عن سماك بن حرب، وعمرو بن دينار، ومحمد بن زياد الجمجمي، وأبي حمزة، وثابت البناني، وأبي إسحاق، وطبقتهم. وعنه ابن المبارك، وحفص بن عبد الله، ومعن بن عيسى، وخالد بن نزار الأبلي، ومحمد بن سنان العوفي، وأبو حذيفة النهدي، وسعد بن يزيد الفراء. وحدث عنه شيوخه صفوان بن سليم، وأبو حنيفة الإمام. قال ابن راهويه: كان صحيح الحديث، ما كان بخراسان أكثر منه. وقال أبو حاتم: ثقة مرجئ. وقال أحمد بن حنبل: هو صحيح الحديث، مُقارب، يُرمى بالإرجاء، وكان شديداً على الجهمية. وعن ابن معين، أنه قال مرة: ليس به بأس، يكتب حديثه. ومرة: ثقة. وقال الدارقطني: ثقة، إنما تكلموا فيه للإرجاء. وقال أبو إسحاق الجوزجاني: فاضل يرمى بالإرجاء. وضعفه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وحده، فقال: ضعيف، مُضطرب الحديث. ولا عبرة بتضعيفه، مع ما ذكرنا من ثناء الأئمة عليه. وقد روى له الأئمة الستة، وغيرهم. قال الخطيب: قيل كان لإبراهيم على بيت المال شئٌ، وكان يسخو به، فسئل يوماً عن مسألة في مجلس الخليفة، فقال: لا أدري. فقيل له: تأخذ في كل شهر كذا وكذا، ولا تُحسن مسألة؟ فقال: ما آخذه فعلى ما أحسن، ولو أخذت على ما لا أحسن لفني بيت المال. فأعجب ذلك أمير المؤمنين. قال الذهبي: وكان إبراهيم قد جاور بمكة في أواخر عمره، ومات في سنة ثلاث وستين ومائة. وعن الفضل بن عبد الله المسعودي، قال: كان إبراهيم بن طهمان حسن الخلق، واسع الأمر سخي النفس، يطعم الناس، ويصلهم، ولا يرضى بأصحابه حتى ينالوا من طعامه. وعن عبد الله بن أبي داود السجستاني، قال: سمعت أبي يقول: كان إبراهيم بن طهمان ثقة، وكان من أهل سرخس، فخرج يريد الحج، فقدم نيسابور، فوجدهم على قول جهم، فقال: الإقامة على قول هؤلاء افضل منالحج. فنثلهم من قول جهم إلى الإرجاء. وروى الخطيب بسنده، عن أبي الصلن، قال: سمعت سفيان بن عُيينة يقول: ما قدم علينا خُراساني أفضل من أبي رجاء عبد الله بن وافد الهروي. قلت له: فإبراهيم بن طهمان؟ قال: كان ذلك مُرجئاً. وقال أبو الصلت: لم يكن إرجاؤهم هذا المذهب الخبيث، أن الإيمان قول بلا عمل، وأن ترك العمل لا يضر بالإيمان، بل كان إرجاؤهم أنهم كانوا يرجئون لأهل الكبائر الغفران، رداً على الخوارج وغيرهم، الذين يكفرون الناس بالذنوب، فكانوا يرجئون، ولا يكفرون بالذنوب، ونحن على ذلك. سمعت وكيع بن الجراح، يقول: سمعت سفيان الثوري في آخر عنره، يقول: نحن نرجو لجميع أهل الذنوب والكبائر، الذين يدينون ديننا، ويصلون صلاتنا، وإن عملوا أي عمل. وروى الخطيب بسنده أيضاً، عن عبيد الله بن عبد الكريم، قال: سمعت أحمد بن حنبل، وذكر عنده إبراهيم بن طهمان، وكان متكياً من علة، فاستوى جالساً، وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيُتكى. ثم قال أحمد: حدثني رجل من أصحاب ابن المبارك، قال: رأيت ابن المبارك في المنام، ومعه شيخ مهيب، فقلت: من هذا معك؟ قال: أما تعرف، هذا سفيان الثوري! قلت: من أين أقبلتم؟ قال: نحن نزور كل يوم إبراهيم بن طهمان. قلت: وأين ترونه؟ قال: في دار الصديقين، دار يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام. 43 - إبراهيم بن عبد الله - وفي " تاريخ دمشق " عوض عبد الله عبد الرحمن - ابن جعفر بن عبد الرحمن بن جعفر، أبو السمح، التنوخي الفقيه، المعري رحل إلى أصبهان، وسمع الحديث بها، وبغيرها، وروى عن عبد الواحد بن محمد الكفرطابي، وغيره. قال ابن عساكر، في " تاريخ دمشق ": اجتاز بها عند توجهه إلى بيت المقدس، وكان زاهداً، ورعاً، ديناً، حدثنا عنه أبو الصيب أحمد بن عبد العزيز المقدسي، إمام مسجد الرافقة. وقال أبو المغيث، في " ذيله ": كان أبو السمح زاهداً، ورعاً فقيهاً على مذهب أبي حنيفة، رضي الله عنه.

44 - إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم ابن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن محمد ابن عبد الباقي، الشهير بابن أمين الدولة أبو إسحاق، الحلبي

وذكره ابن النجار في " تاريخه "، وقال: كان شاعراً، أديباً، فاضلاً، قدم بغداد، ومدح بها الإمام المقتدي بأمر الله، ومدح خوجا بزرك، فمن شعره قوله: أهْلاً وَسَهْلاً بالخيَالِ الزَّائِرِ ... مَنحَ الوِصَالَ من الحبيبِ الهَاجرِ يَا مَرْحباً بخَيالِه الوافِي وَيَا ... لهفِي على ذاك الغَزالِ النَّافِرِ أمَّا الجفُونُ فقد وَفَتْ لهَواكُمُ ... يا نائمين عَنِ المُعَنىَّ السَّاهِرِ وقال في " تاريخ دمشق ": وأنشدَني أبو الطيب، قال: أنشدني أبو السمح، قال: وجدت بخط عمر بن علي بن محمد البخاري المُحدث بكفرطاب: مَا لاَمَني فيك أحْبابي وأعْدَائي ... إلا لغفلتِهم عن عُظم بلوائي تركتُ للناس دُنيَاهُمُ ودِينَهُمُ ... شُغْلاً بحُبِّكَ يا دِيني ودُنْيَائي وكانت وفاة صاحب الترجمة سنة ثلاث وخمسمائة. رحمه الله تعالى. 44 - إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم ابن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن محمد ابن عبد الباقي، الشهير بابن أمين الدولة أبو إسحاق، الحلبي من بيت الرياسة والتقدم. مولده بحلب، سنة عشرين وستمائة. ذكره البرزالي في " معجم شيوخه "، وقال: سمع من أبي خليل، ودخل بغداد، وسمع بها من الكشغري، ودرس بالحلاوية بحلب. قال: وكان شيخاً حسناً، فقيهاً على مذهب أبي حنيفة. مات بالقاهرة، سنة إحدى وتسعين وستمائة، وصلي عليه بجامع الحاكم، ودفن بباب النصر، رحمه الله تعالى. وذكره ابن حبيب، وأثنى عليه، فقال: عالم تجلى بدر كماله، وتحلى جيد الطرس بدر مقاله، وطاب محتده، وأناف مجده وسؤدده. سمع بحلب وبغداد ومكة، ونظم بسلك أهل الحديث النبوي سلكة، واجتهد فيما هو من العلم بصدده، وباشر تدريس الحلاوية المجاورة لجامع بلده. 45 - إبراهيم بن عبد الله بن موسى تاج الدين، الحميدي كان من فضلاء الديار الرومية، وصار مُلازماً من المولى صاري كرز، وأخذ عن المولى العلامة شيخ بن إلياس، مُفتي الديار الرومية، والسيد الشريف محمد المشهور بمعلول أمير. وصار مدرساً بمدارس متعددة؛ منها إحدى الثمان، وأيا صوفية، وسليمة اصطبول، ثم صار مدرساً بمدرسة السلطان بايزيد خان، عليه الرحمة والرضوان، بمدينة أماسية، ومفتياً بولايتها. ثم فرغ عن ذلك كله، وجعل له ثمانون درهماً عُثمانياً بطريق التقاعد. ومات بقسطنطينية، في شهر ربيع الأول، سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة، رحمه الله تعالى. ومن مؤلفاته " حاشية على صدر الشريعة " لم تكمل، وهي من كتاب الحج إلى آخره. 46 - إبراهيم بن عبد الله الطرابلسي الأصل، الدمشقي، ثم المصري، الحنفي الشيخ، الإمام، العلامة، برهان الدين اشتغل، وحصل، وبرع، ودرس، وأفتى. واختصر " مجمع البحرين "، وزاد زيادات حسنة. وولي مشيخة النحاسية بمصر. وتوفي سنة تسع وتسعين وثمانمائة، وصلى عليه بدمشق صلاة الغائب، رحمه الله تعالى. كذا نقلت هذه الترجمة من " الغرف العلية " بحروفها. 47 - إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المنبجي، الفقيه، المنعوت بهاء الدين سمع منه أبو حفص عمر بن ابن العديم، وذكره في " تاريخه "، فقال: شيخ حسن، وقور، فقيه، من أصحاب أبي حنيفة. ولي التدريس بالأتالكية، بباب مراغا، وأقام بها مدة، ثم عاد إلى منبج في سنة غحدى وثلاثين وستمائة. وتوفي في حدود الأربعين وستمائة، رحمه الله تعالى. ومنبج، بفتح الميم، وسكون النون، وكسر الباء الموحدة، وبعدها جيم: من مدن الشام) . 48 - إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد ابن إسماعيل، أبو الوفاء، وأبو الفضل الكركي الأصل، القاهري المولد والدار ولد بالقاهرة، سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، وأمه جركسية، من خدم يشبك المشد. حفظ القرآن، وجوده على الشمس ابن الحمصاني، وأخذ الميقات عن البدر القيمري، والفقه والعربية عن الشمس إمام الشيخونية، وكذا أخذ عن النجم القرمي، قاضي العسكر، وقرأ " الصحيحين " على الشهاب ابن العطار، ولازم التقي الحصني في فنون، وكذا التقى الشمسي، والسيف الحنفي، وحضر دروس الكافيجي في آخرين وذكر أنه أخذ عن ابن الهمام وغيره.

49 - إبراهيم بن عبد الرزاق بن رزق الله ابن أبي بكر بن خلف الرسعني، أبو إسحاق

وذكر السخاوي أنه ولي المناصب الجليلة، وتقدم في الدولة، وعاشر الملوك والوزراء والأمراء. وساق له في " الضوء اللامع " ترجمة حافلة، وبالغ في مدحه، والثناء عليه. وذكر أنه جمع في الفقه " فتاوى " في مجلدين، وأنه صنف " حاشية " على " توضيح ابن هشام " في النحو. وقال بعضهم: كانت سيرته غير محمودة، وطريقته غير مشكورة. قال: وقد رأيت بخطه مِن نظمه مُقرظاً لبعض الفضلاء المُقتبسين من علمه، قوله: فيالله دَرُّكَ مِن كتابٍ ... حَوى مَا لم يُسَطَّرْ في كتاب أتى ببلاغةٍ وفَصِيحِ لفظٍ ... وأسْئلةٍ مُحَرَّرَةِ الجَوَابِ وتحقيقٍ وتدقيقٍ نَفِيسٍ ... به يُهْدَى لِمَعْرفةِ الصَّوَابِ ومُنشِهُ جَزاهُ الله خيراً ... وضَاعَفَ أجْرَهُ يَوْمَ الحِسَابِ بفَضْلِ المصطفَى خيْرِ البرَايَا ... إمام المُرسَلين بلا ارتيابِ فصَلَّى الله مَوْلانا عليه ... وآتاهُ الوَسيلةَ في المَآبِ وناظِمهَا الإمام عُبيْدُ بَاب ... يَرُومُ شفاعةً يَوْمَ الحِسَابِ فيا مَوْلاى بَلِّغْهُ مُناهُ ... وجُدْ وامْنُن بتَحْسِينِ الثَّوابِ 49 - إبراهيم بن عبد الرزاق بن رزق الله ابن أبي بكر بن خلف الرسعني، أبو إسحاق عرف بابن المحدث. سمع بالموصل من والده الإمام عز الدين، وتفقه عليه. وكان فقيهاً، عالماً، فاضلاً. ذكره البرزالي في " معجم شيوخه "، وقال: كتبت عنه، وفاق أبناء جنسه معرفة، وذكاء. وكان نبيهاً، نبيلاً، فاضلاً، عالماً، متنسكاً، ورعاً، حسن الأخلاق. وله منظوم، ومنثور. وشرح " القدوري "، وكتب الإنشاء بديوان الموصل. أنشدني من شعره كثيراً في كل فن. مولده في جمادى الأولى، سنة اثنتين وأربعين وستمائة بالموصل. وتوفي في شهر رمضان، سنة خمس وتسعين وستمائة، بدمشق، ودُفن بسفح قاسيون. انتهى. كذا في " الجواهر المضية ". وقوله: إنه تفقه على أبيه فيه شُبهة، لأن الصحيح أن أباه كان حنبلي المذهب، كما سيأتي في محله إن شاء الله، اللهم إلا أن يكون تفقه عليه حنبلياً، ثم صار حنفياً، والله أعلم. وذكره ابن شاكر الكُتبي في " عيون التواريخ "، وأنشد له من الشعور قوله: سَلامٌ مِنَ الصَّبِّ المُقيمِ عَلى العهد ... عَلَى نَازِحٍ دَانٍ خَلِيٍّ مِنَ الوَجْدِ عَنِ العَين ناءٍ وهو في القلبِ حاضِرٌ ... بنفسي حبيباً حاضراً غائباً أفْدِي غَدَتْ أرْضُهُ نَجْداً ما فاحَ نَشْرُ نَسِمِهَالِفَرْط الأسَى أطْوي الضُّلُوعَ عَلَى وقْدِ وإن لاحَ مِن أكْنافِها لِيَ بَارِقٌ ... فسُحْبُ دُمُوع العَيْنِ تَهْمى على الخَدِّ كَلِفتُ به لا أنْثَنِي عَن صَبَابتي ... بِهِ والجَوَى حَتَّى اوسَّدَ في لَحْدِي فيا عَاذِلي خَلِّ المَلامَةَ في الهوَى وكُنْ عاذرِي فاللَّْمُ في الحُبِّ لا يُجْدِي فلستُ أرَى عنه مدَى الدهرِ سَلْوةً ... ولا ليَ مِنْهُ قَطُّ ما عِشْتُ مِن بُدِّ 50 - إبراهيم بن عبد الكريم بن أبي الغارات أبو إسحاق الموصلي شرح قطعة كبيرة من " القدوري ". وكتب الإنشاء لصاحب الموصل، ثم استعفى من ذلك. توفي سنة ثمان وعشرين وستمائة، رحمه الله تعالى. 51 - إبراهيم بن عبد الواحد بن إبراهيم ابن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب المرشدي، المكي، الحنفي ولد يوم الثلاثاء، منتصف صفر، سنة ست عشرة وثمانمائة، بمكة المشرفة. وحفظ القرآن الكريم، و " القدوري "، واشتغل على أبيه. وكان تالياً في لكتاب الله تعالى، مُتعففاً عن الصدقات والزكوات، متقنعاً مع ثروة. مات في ظهر يوم الجمعة، عاشر صفر، سنة سبع وسبعين وثمانمائة، بمكة المشرفة. أرخه ابن فهد. كذا في " الضوء اللامع " للسخاوي. وهو من بيت العلم، والفضل والديانة، وفي هذا الكتاب كثير من أهله وأقاربه. 52 - إبراهيم بن عثمان، أبو القاسم ابن الوزان، القيرواني، اللغوي، والنحوي، الحنفي

53 - إبراهيم بن عثمان بن يوسف ابن أيوب، أبو إسحاق بن أبي عمرو، الكشغري المحتد، البغدادي الدار والوفاة، الفقيه، الزركشي

قال الزبيدي، وياقوت: كان إماماً في النحو واللغة والعروض غير مُدافع، مع قلة ادِّعَاء وخفض جَناح، وانتهى من اعلم إلى ما لعله لم يبلغه أحدٌ قبله، وأما من في زمانه فلا يُشك فيه. وكان يحفظ " العين "، و " غرائب أبي عبيد "، و " إصلاح المنطق " لابن السكيت، و " كتاب يبويه " وغير ذلك، ويميل إلى مذهب البصريين، مع إتقانه مذهب الكوفيين. قال عبد الله المكفوف النحوي: ولو قائل: إنه أعلم من المبرد وثعلب، لصدقه من وقف على علمه. وكان يستخرج من العربية ما لا يستخرجه أحدٌ، وله في النحو واللغة تصانيف كثيرة، وكان مع ذلك مُقصراً في الشعر. مات يوم عاشوراء، سنة ست وأربعين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. كذا في " طبقات النحاة " للحافظ جلال الدين السيوطي، نقلته من نسخة مصححة بخطه؛ وما أدري هل قوله " الحنفي " نسبة إلى المذهب، أو نسبة إلى القبيلة، لكن الذي يغلب على الظن هو الأول؛ لأن المذهب لأبي حنيفة كان في تلك البلاد أظهر المذاهب، إلى أن حمل المعز على مذهب أبي الإمام مالك، وحسم مادة الخلاف في المذاهب، واستمر ذلك إلى الآن، وكانت ولادة المعز بالمنصورية، سنة أربع وخمسين وأربعمائة؛ فيكون على هذا صاحب الترجمة، متقدماً على المُعز، وكان الغالب قبله مذهب أبي حنيفة، والغالب له الحكم، حتى يتبين خلافه. ولم يذكره في " الجواهر ". 53 - إبراهيم بن عثمان بن يوسف ابن أيوب، أبو إسحاق بن أبي عَمرو، الكشغري المحتد، البغدادي الدار والوفاة، الفقيه، الزركشي قال في " الجواهر ": هكذا رأيته بخط الحافظ الدمياطي، فيما جمعه من الشيوخ الذين أجازوا له. وقال: مولد الكاشغري ببغداد، في الثاني عشر من جمادي الأولى، سنة أربع وخمسين وخمسمائة. ووفاته في سنة خمس وأربعين وستمائة. وكان يتشيع، رحمه الله تعالى. وكاشغر بفتح الكاف بعدها ألف، ثم شين معجمة، وغيت مفتوحة، وفي آخرها راء: من بلاد الشرق. 54 - إبراهيم بن علي بن إبراهيم ابن خشنامبن أحمد الكردي، الحميدي الحلبي، الحنفي، شمس الدين ولد في رجب سنة تسع وعشرين وستمائة. وتفقه، وسمع من أبي البقاء يعيش النحوي، وابن رواحة، ومكي بن علان، ويوسف ابن خليل، والعماد ابن النحاس، وغيرهم، في صحبة ابن العديم. ثم ولي قضاء حمص، ثم إمامة الجامع بها، ونظر المشهد الخالدي. وكان شهماً، شجاعاً، جرياً، فلما وصل التاتارإلى حمص داخل غازان، وولي قضاء حمص، وكم، وظلم، ثم سافر مع التاتار فولوه قضاء خلاط، فأقام بها ست سنين. ومات سنة خمس وسبعمائة، رحمه الله تعالى. ذكر ذلك البرزالي. 55 - إبراهيم بن علي بن إبراهيم ابن محمد بن سعيد بن عبيد الله، السيد، برهان الدين، بن العلاء الحسيني، البقاعي الأصل الدمشقي، الصالحي ولد بعد الخمسين تقريباً، بصالحية دمشق، ونشأ بها. وقرأ القرآن عند عمر اللؤلؤي الحنبلي. وأخذ الفقه عن قاسم الرومي، والشرف ابن عيد، والكمال ابن شهاب النيسابوري، وعنه أخذ أصول الدين والنحو، والمنطق والمعاني. ولازم عبد النبي المغربي في الأصلين، والحكمة، وأدب البحث، والمنطق، وغيرهما. وجود القرآن على عبد الله ابن العجمي الرفاء. وسمع الحديث على البرهان ابن مفلح، وغيره. وأم بالريحانية، وتكسب بالشهادة، وحج، وجاور. قال السخاوي: ولازمني حينئذ، حتى قرأ " شرحي على التقريب " للنووي، وكتبه بخطه، بل وسمع في " شرحي الألفية "، وكذا " شرح المصنف ". وكان إنساناً فاضلاً، يستحضر كثيراً من " البخاري " وغيره. رحمه الله تعالى. 56 - إبراهيم بن علي بن أحمد ابن علي بن محمد بن أحمد بن يوسف بن إبراهيم ابن علي الدمشقي، ابن قاضي حصن الأكراد، برهان الدين، ابن كمال الدين، المعروف بابن عبد الحق وعبد الحق هذا هو ابن خلف الواسطي الحنبلي، جد صاحب الترجمة لأمه. ولد إبراهيم سنة سبع، أو تسع وستين وستمائة. وتفقه على الظهير أبي الربيع سليمان، وغيره. وأخذ الأصول والعربية عن ظهير الدين الرومي، والصفي الهندي، والمجد التونسي وغيرهم. ودخل إلى القاهرة، وأخذ عن ابن دقيق العيد، وأذن له بالإفتاء، وأخذ عن السروجي، وغيره.

57 - إبراهيم بن علي بن أحمد ابن عبد الواحد بن عبد المنعم بن عبد الصمد، نجم الدين، أبو إسحاق، الطرسوسي، ابن القاضي عماد الدين

وسمع على أبيه كمال الدين علي، وعمه نجم الدين إسماعيل، وشرف الدين الفزازي، والفخر ابن البخاري، وغيرهم. وتصدر للتدريس، بدمشق، وحدث، وخرج له الحافظ علم الدين البرزالي " مشيخة "، وحدث بها بالقاهرة، بقراءة التاج ابن مكتوم. ثم طلب إلى مصر، بعد وفاة شمس الدين الحريري، وفوض إليه قضاء الديار المصرية، ودرس في عدة أماكن. ولم يزل قاضياً بها إلى أن صرف هو والقاضي جلال الدين القزويني معاً، فرجع إلى دمشق، واستقر مكانه الحسام الغوري. قال ابن حجر: وكان يقال: إنه انتهت إليه رياسة المذهب في عصره، وكان يقرر " الهداية " تقريراً بليغاً، وصرف عن القضاء، في النصف من جماى، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، فرجع إلى الشام، ودرس بالعذراوية، والخاتونية، رافعاً أعلام العلم، إلى أن مضى لسبيله، في ذي الحجة، سنة أربع وأربعين وسبعمائة. انتهى. وله من التصانيف " شرح الهداية " ضمنه الآثار، ومذاهب السلف - قال في " الجواهر ": رأيت منه قطعة، وما أظنه كمله - و " المنتقى " في فروع المسائل، و " نوازل الوقائع " في مجلد، و " إجازة الإقطاع " في مجلد، و " إجازة الأوقاف زيادة على المدة "، و " مسألة قتل المسلم بالكافر "، واختصر " السنن الكبير "، للبيهقي، في خمس مجلدات، واختصر " التحقيق " لابن الجوزي، في أحاديث الخلاف، واختصر " ناسخ الحديث ومنسوخه " لأبي حفص ابن شاهين. وكان رحمه الله تعالى من محاسن الزمان، وفيه يقول الأديب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الدمشقي، لما ولي الحكم بمصر، من أبيات: طُوبَى لمِصْر فقد حَلَّ السُّرُورُ بها ... من بَعْد مَا رُمِيتْ دَهراً بأَحزانِ كِنانةُ الله قد قامَ الدَّليلُ على ... تفْضِيلِها من بَنِي حَقٍّ ببُرْهَانِ أكْرِمْ بها وبقاضيها فقد جمعتْ نِهايةَ الوَصْفِ من حُسْنٍ وإحسَانِ قد كان قِدْماً بِهَا بَحْرٌ وفاض بها ... بَحْرُ العلُوم فِفيها الآن بَحْرانِ غدا بها مذهب النُّعمانِ ذَا شَرَفٍ ... بأوْحَدٍ مَالَه في فضلِه ثَانِ دَعَاه للمَنْصِبِ السُّلطانُ مُنْتخِباً ... لا عِزَّ في دَوْلةٍ إلا بسُلْطانِ فاسْلَمْ بِها حَامَ الحُكَّامِ في دَعَةٍ ... مَا غَنَّتِ الوُرْقُ تَحْرِيكاً لِعِيدَانِ 57 - إبراهيم بن علي بن أحمد ابن عبد الواحد بن عبد المنعم بن عبد الصمد، نجم الدين، أبو إسحاق، الطرسوسي، ابن القاضي عماد الدين كذا ترجمه ابن قطلوبغا، واللبوادي، وغيرهما، فيمن اسمه إبراهيم، وترجمه صاحب " الجواهر " فيمن اسمه أحمد، وأسقط اسم جده أحمد، والصحيح الأول. ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة. وناب عن أبيه في قضاء دمشق، ثم وليه استقلالاً في سنة ست وأربعين، ونزل له أبوه عنه، فباشره مباشرة حسنة، ولكن أجلس المالكي فةقه لكبر سنه، إلى أن مات المالكي، فعاد إلى مكانه. وله نظم رقيق، منه قوله: مَن لي مُعيدٌ في دِمَشْقَ لَيَالياً ... قَضَّيْتُها والعَوْدُ عِنديَ أحْمَدُ بَلَدٌ تفُوقُ على البلادِ شَملئلاً ... ويَذُوبُ غَيظْاً مِن ثَرَاها العَسْجَدُ وكانت وفاته في شعبان، في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وكانت جنازته حافلة وصلى هليه أمير علي المارداني، نائب دمشق، إماماً. وكان له سماع من أبي نصر ابن الشيرازي، والحجار، وغيرهما. وخرج له بعض الطلبة " مشيخة ". ولما نازعه علاء الدين ابن الأطروش في تدريس الخاتونية، كتب له أئمة الشام ذا ذاك محضراً بالغوا في الثناء عليه، منهم أبو البقاء السبكي، وقال فيه: إنه شيخ الحنفية بالشام. وكتب فيه أيضاً الشيخ ناصر الدين ابن مؤذن الربوة، وغيره. قال الحُسيني في حقه: برع في الفقه، والأصول، ودرس، وافتى، وناظر، وأفاد، مع الديانة، والصيانة، والتعفف. وقال في " المنهل ": نشأ في حياة والده، وتصدر للإقراء سنين، وناب في الحكم عن والده، ثم استقل بالوظيفة، وحسُنت سيرته. وكان إماماً، عالماً، عفيفاً، وقوراً، مُعظماً في الدولة، وله تصانيف كثيرة. انتهى. ومن تصانيفه " الفتاوي الطرسوسية "، و " أرجوزة في معرفة ما بين الأشاعرة والحنفية من الخلاف في أصول الدين ".

58 - إبراهيم بن علي بن عبد الوهاب الأنصاري عرف بابن حمود

وذكره ابن طولون في " الغرف العلية "، وأثنى عليه، وعد له من الصنفات غير ما ها هنا: كتاب " رفع الكلفة عن الإخوان، في ذكر ما قدم فيه القياس على الاستحسان "، وكتاب " مناسك الحج " مطول، وكتاب " الاختلافات الواقعة في المصنفات "، وكتاب " محظورات الإحرام "، وكتاب " الإشارات في ضبط المشكلات " عدة مجلدات، وكتاب " الإعلام في مصطلح الشهود والحكام "، وكتاب " الفوائد المنظومة " في الفقه. وترجمه صاحب " الجواهر " في الأحمدين، والصحيح ما هنا. رحمه الله تعالى. 58 - إبراهيم بن علي بن عبد الوهاب الأنصاري عرف بابن حمود تفقه على الفقيه الري ندي بن عبد الغني مدة، وحصل من معرفة المذهب قطعة صالحة. وأعاد بالمدرسة السيوفية بالقاهرة. وحصل كتباً حسنة، ونظر في شيء من علم الحديث. وتوفي بالقاهرة، في ثاني صفر، سنة اثنتين وأربعين وستمائة. رحمه الله تعالى. 59 - إبراهيم بن علي بن منصوره أخو القاضي صدر الدين. كان يتعانى الشهادة، وولي قضاء بعض البلاد الشامية، ثم ولي الحسبة مدة. وكان لا بأس به، وعنده فضيلة. مات في ربيع الأول، سنة سبع وتسعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى 60 - إبراهيم بن علي المرغيناني المُلقب نظام الدين، أبو إسحاق أحد مشايخ قاضي خان، وقد انتفع، وتفقه عليه، وتخرج به، رحمهما الله تعالى. 61 - إبراهيم بن عمر بن حماد بن أبي حنيفة روى عنه أنه قال: قال أبو حنيفة: لا يكتني بكنيتي بعدي إلا مجنون. قال: فرأينا عدة اكتنوا بها، فكان في عقولهم ضعف. وسيأتي كل من عمر وحماد، في بابه، إن شاء الله تعالى. 62 - إبراهيم بن عمر بن علي ابن عمر بن محمد بن أبي بكر العلوي الفقيه، المحدث، أبو إسحاق قال الخزرجي: كان فقيهاً نبيهاً، حنفي المذهب، عارفاً، محققاً، وإليه انتهت الرياسة في علم الحديث باليمن. وأخذ عن كبار العلماء كابن أبي الخير الشماخي، وإبراهيم بن محمد الطبري، والحجار، وغيرهم. وعنه أخذ فقهاء العصر، وإليه كانت الرحلة منالآفاق، وحضر مجلسة جلة العلماء. وكان جامعاً بين فضيلتي العلم والعمل، وكان متواضعاً، سهل الأخلاق، كثير البشاشة، مسموع القول، له قبول عظيم عند الخاص والعام. درس في مدرسة أم السلطان المجاهد بزبيد. وكان ميلاده سنة ثلاث وتسعين وستمائة. وتوفي ليلة السبت، عشري ذي الحجة، سنة اثنين وخمسين وسبعمائة. رحمه الله تعالى. 63 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن العلامة جلال الدين أحمد بن محمد بن محمد ابن محمد، البرهان، أبو إسحاق، الخجندي، المدني المتقدم ذكر جده إبراهيم. ولد يوم الجمعة، عاشر جمادى الأولى، سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة بطيبة، ونشأ بها، فحفظ القرآن الكريم، و " الكنز ". وأخذ في الفقه ببلده عن أخيه الشهاب أحمد، والفخر عثمان الطرابلسي. وفي العربية، وعلم الكلام، عن الشهاب ابن يونس المغربي. وكذا أخذ في " شرح العقائد " عن السيد السمهودي. وسمع على أبيه، وأبي الفرج المراغي. وقرأ بمكة في منى على النجم ابن فهد " الثلاثيات ". ودخل القاهرة مِراراً؛ أولها في سنة أربع وسبعين، وسمع بها على الشاوي والديمي، وأجاز له جماعة، وأخذ بها عن الزين قاسم، والعضد السيرامي الفقه، وغيره، وعن النظام الفقه، والأصول، والعربية، وعن الجوجري، العربية، وكذا قرأ فيها على الزيني زكريا " شرحه لشذور الذهب "، ولازم الأمين الأقصرائي في فنون عديدة. قال السخاوي: وأكثر أيضاً من ملازمتي رواية ودراية، ثم كان ممن لازمني حين إقامتي بطيبة، وقرأ على جميع " ألفية العراقي " بحثاً، وحمل عنى كثيراً من " شرحها " للناظم سماعاً، وقراءة، وغير ذلك من تآليفي ومروياتي، وأذنت له على الوجه الذي اثبته في ترجمته، من " تاريخ المدينة ". وقد ولي إمامة الحنفية بالمدينة الشريفة بعد أخيه. إلى أن قال: ونعم الرجل فضلاً، وعقلاً، وتواضعاً، وسكوناً، وأصلاً، انتهى. مات في سنة ثمان وتسعين وثمانمائة. رحمه الله تعالى. 64 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن ظهير الدين - ظهير كوزير - برهان الدين السلموني الأصل، القاهري والد البدر محمد. المعروف بابن ظهير.

65 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن محمد بن نوح بن زيد النوحي

كان والده فيما يقال، يذكر بالفضيلة. ونشأ ولده هذا في طلب العلم وتحصيله. وناب عند التفهني، وولي الشهادة ببعض الدواوين، وغير ذلك من المناصب، وكان ماهراً في المباشرة، ذا وجاهةٍ. مات في الاثنين، ثالث صفر، سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة مَطعوناً، ولم يكمل السنين، وصلى عليه من الغد بمصلى باب النصر، ودفن بالتربة المعروفة بهم تجاه تربة يلبغا العمري. انتهى ملخصاً من " الضوء اللامع "، رحمه الله تعالى. 65 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن محمد بن نوح بن زيد النوحي تفقه على أبيه. وهو من بيت مشهور بالعلم، والفضل، والتقدم. قال السمعاني رحمه الله تعالى: هذه النسبة نسبة إلى الجد، وذكر منهم إسحاق بن محمد ابن إبراهيم. ثم قال: وإخوته أهل بيت كلهم يقال لهم النوحي، وهم علماء فضلاء، رحمهم الله تعالى. 66 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن محمد بن سالم بن علوي، أبو منصور الأنصاري، الخزرجي، الفقيه، القاضي الهيتي ولد بهيت، سنة ستين. وقدم بغداد، وأستوطنها سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة. وتفقه على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني. وتفقه عليه أبو السعادات يحيى بن هبة الله بن أحمد. وبرع في الفقه وأجاد، وله يد طولى في المناظرة، وكان يعرف العربية معرفة حسنة، وكان أنظر أصحاب أبي حنيفة في زمانه. وكان ينوب في القضاء عن قاضي القضاة الزينبي، إلى أن كبر وعجز عن الحركة، وقعد في داره. سمع الشريف أبا نصر الزينبي، وأبا الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، في آخرين. وخرج له الحافظ أبو عبد الله بن خسروا الفقيه البلخي الحنفي " فوائد " انتقاها من أصوله. وقرأ عليه السمعاني كتاب " البعث " لأبي بكر بن داود. وذكره عبد الخالق بن أسد الحنفي في " معجم شيوخه "، فقال: كان مشاراً في أيامه، وكان عارفاً بمعاني القرآن وأحكامه، وعلم الحديث، حافظاً لمذهب أبي حنيفة، بصيراً بأحكام القضاء، موصوفاً بالحفظ، مشهوراً بالورع. درس بمشهد الإمام أبي حنيفة. ومات في شوال، سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وصلى عليه قاضي القضاة الزينبي، ودفن عند مشهد أبي حنيفة، بالخيزرانية. وهو استاذ نصر الله بن علي بن منصور الواسطي، وعنه علق نصر مسائل الخلاف. والله تعالى أعلم. 67 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق الخدامي، بالخاء المعجمة، النيسابوري، الفقيه، المحدث سمع بالعراق، بالشام، وكان أول سماعه بنيسابور، من أحمد بن نصر اللباد الحنفي، وأبي بكر ابن ياسين. وروى عنه أبو أحمد محمد بن شُعيب بن هارون الشعيبي. وذكره الحاكم في " تاريخ نيسابور ": وقال: كان من جلة الفقهاء لأصحاب أبي حنيفة، وأزهدهم، وحدث بالعراق، وخراسان، والشام الكثير. قال: ورأيت له مصنفات عند أخيه أبي بشر، ورأيت له عند أخيه أيضاً أصولاً صحيحة. توفي في شهر ربيع الأول، سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. والخدامي، بكسر الخاء المعجمة، وفتح الدال المهملة، في آخره ميم، نسبة إلى خدام. والله أعلم. 68 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي ثم القسطنطيني خطيب جامع السلطان محمد، وإمامه. ذكره الشيخ بدر الدين الغزي، في " رحلته "، وقال في حقه: الشيخ الصالح، العالم الأوحد، الكامل الخير، الجيد، المقري المجود. وذكر أنه اجتمع به مرات عديدة، وأنه كان يستعير منه بعض الكتب، وأثنى عليه، ودعا له. وذكره صاحب " الشقائق " وبالغ في الثناء عليه. وحكى أنه صار مدرساً بدار القراء التي عمرها المفتي سعدي أفندي. وأنه كان ماهراً في العلوم العربية، والتفسير، والحديث، وعلوم القراءات، والفقه، وكانت له فيهما يد طولى، وكان أكثر فروع المذهب نصب عينيه. وكان ورعاً، تقياً، زاهداً ناسكاً، متجمعاً عن الناس، لا يكاد يُرى إلا في المسجد، أو في بيته، ولا يلتذ بشيء سوى العبادة والعلم، ومذاكرته، والتصنيف. وله عدة مصنفات: منها، كتاب سماه " ملتقى الأبحر "، وشرح " منية المصلي " سماه " بغية المُتملي، في شرح منية المصلي " أطنب فيه، وأجاد.

69 - إبراهيم بن محمد بن أحمد ابن قريش، أبو إسحاق، المذكر، المروزي

واختصر " الجواهر المضية "، واقتصر فيه على من حوله تصنيف، أو له ذكرٌ معروف في كتب المذهب، واختصر " شرح العلامة ابن الهمام "، وانتقد عليه في بعض المواضع انتقادات لا بأس بها. وبالجملة فقد كان من الفضلاء والمشهورين، والعلماء العاملين. رحمه الله تعالى. 69 - إبراهيم بن محمد بن أحمد ابن قريش، أبو إسحاق، المذكر، المروزي سكن سمرقند. وروى عن أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الكاتب، وعبد الله بن محمود السعدي، المروزيين. ذكره أبو سعد الإدريسي، في " تارخ سمرقند "، وقال: كتبنا عنه بسمرقند، لا بأس به، كان من أصحاب أبي حنيفة، ينتحل مذهب الزهد والتقشف. ومات بسمرقند، في صفر، سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. والمروزي، نسبة إلى مرو الشاهجان. 70 - إبراهيم بن محمد بن أحمد ابن هشام، الفقيه، أبو إسحاق البخاري، المعروف بالأمين سمع أبا علي صالحاً جزرة. وقدم بغداد، وحدث بها، وروى عنه أهلها. قال محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري: هو فقيه أهل النظر في عصره. قدم علينا حاجاً، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. 71 - إبراهيم بن محمد بن أحمد البصراوي، الدمشقي، عماد الدين، المعروف بابن الكيال مولده سنة خمس وأربعين وستمائة. سمع منابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، وابن البخاري، وغيرهم. وخدم في الديوان، مشارفاً مرة، وناظراً مرة، وغير ذلك. ثم ترك الديوان، وولى إمامة الربوة. ثم فرغ عنها، وولى إمامة المسجد المجاور لكنيسة اليهود بدمشق، وانقطع به للعبادة، وفرغ عن كل ما يشغله عنها، إلى أن مات بالمسجد المذكور، سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 72 - إبراهيم بن محمد بن بن إسحاق ابن إبراهيم بن نصرويه، أبو إسحاق الدهقان، السمرقندي، النصروي مولده سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة. قال الإدريسي أبو سعد: كتبنا عنه، وكان يحدثنا عن كتب جده إبراهيم بن نصرويه، وكان فاضلاً، من أصحاب الرأي. 73 - إبراهيم بن محمد بن أيدمر ابن دقماق، صارم الدين، القاهري، الحنفي مؤرخ الديار المصرية في زمانه. ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، واشتهر بجد جده، فيقال له ابن دقماق. واشتغل بالفقه يسيراً، واعتنى بالتاريخ، فكتب منه الكثير بخطه، وعمل " تاريخ الإسلام "، و " تاريخ الأعيان "، " وأخبار الدولة التركية " في مجلدين، " وسيرة الظاهر برقوق "، و " طبقات الحنفية "، لم أقف عليها إلى الآن. وأخبرني قاضي العسكر، بولاية روملي عبد الكريم الشهير بابن قطب الدين، أن عنده منها نسختين، ووعدني بإعارة واحدة منهما، ولم يفعل. وامتحن ابن دقماق بسبب هذه الطبقات؛ لأنه وجد فيها بخطه حطٌ شنيع على الإمام الشافعي، رحمه الله تعالى، فطولب بالجواب عن ذلك في مجلس القاضي الشافعي، فذكر أنه نقله من كتاب عند أولاد الطرابلسي، فعزره القاضي جلال الدين بالضرب والحبس، هذا مع أن الناس متفقون على أنه كان قليل الوقيعة في الناس، لا تراه يذم أحداً من معارفه، بل يتجاوز عن ذكر ما هو مشهور عنهم، ويعتذر لهم بكل طريق. وقال ابن حجر: كان يحب الأدبيات، مع عدم معرفته بالعربية، ولكنه كان جميل العشرة، كثير الفكاهة، حسن الود، قليل الوقيعة في الناس. قال السخاوي: وهو أحد من اعتمده شيخنا - يعني ابن حجر - في " إنبائه ". قال: وغالب ما نقله من خطه وخط ابن الفرات عنه، وقد اجتمعت به كثيراً. ثم ذكر أنه بعد ابن كثير عندة العيني، حتى يكاد يكتب منه الورقة الكاملة متوالية، وربما قلده فيها يهم فيه، حتى في اللحن الظاهر. انتهى. 74 - إبراهيم بن محمد بن حمدان الخطيب، المهلبي، أبو إسحاق من طبقة أبي بكر محمد بن الفضل. روى عنه الحسين بن الخضر بن محمد النسفي. 75 - إبراهيم بن محمد بن حيدر ابن علي، أبو إسحاق المودني، الخوارزمي أحد علماء أصحاب أبي حنيفة في وقته. ولد في ذي الحجة، سنة تسع وخمسين وخمسمائة.

76 - إبراهيم بن محمد بن سالم الهيتي القاضي، الإمام

ذكره أبو بكر بن المبارك بن الشعار، فقال: جليل القدر، كثير المحفوظ، متقن في علوم الإسلام والشريعة، إمام في الفقه، والفرائض، وعلم التفسير، والحديث، والأصل، والكلام، مع معرفة النجوم، واللغة، والأدب. وكان له اعتناء بتصانيف الزمخشري، كثير الميل إليها. وذكر له تصانيف. 76 - إبراهيم بن محمد بن سالم الهيتي القاضي، الإمام عم محمد بن نصر الله بن سالم الهيتي، وجد إبراهيم بن محمد الأنصاري، المتقدم ذكره قريباً. كان مقيماً بمشهد أبي حنيفة، رضي الله عنه. وهو أستاذ الصفار المروزي. رحمه الله تعالى. 77 - إبراهيم بن محمد بن سفيان أبو إسحاق، النيسابوري الفقيه الزاهد. قال الحاكم أبو عبد الله ابن البيع: سمعت محمد بن يزيد العدل، يقول: كان إبراهيم بن سفيان مجاب الدعوة، وكان من أصحاب أيوب بن الحسن الزاهد، صاحب الرأي الفقيه، الحنفي. انتهى. وذكره في " تاريخ الإسلام "، وذكر جماعة ممن روي عنه، ونقل عن محمد بن أحمدبن شعيب، أنه قال: ما كان في مشايخنا أزهد ولا أكثر عبادة من إبراهيم بن محمد بن سفيان. قال في " الجواهر ": وإبراهيم هذا هو راوي " صحيح مسلم "، عن مسلم. قال إبراهيم: فرغ لنا مسلم من قراءة الكتاب، في شهر رمضان، سنة سبع وخمسين ومائتين. ومات إبراهيم في رجب، سنة ثمان وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 78 - إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عون الطيبي، الدمشقي، الشاغوري، برهان الدين، أبو إسحاق ولد سنة خمس وخمسين وثمانمائة، ورحل إلى مصر مرات. وأخذ الحديث عن جماعة؛ منهم: الشيخ أمين الدين الأقصرائي. وحل: مجمع البحرين "، و " شرحه " لابن الملك، على الشيخ أمين الدين المذكور. وحضر دروس زين الدين ابن العيني، وكتب عنه بعض مؤلفاته. وتلا بالسبع على الشمس ابن عمران، ببيت المقدس المقدس، وأفتى، ودرس. وكان حسن الأخلاق، قليل الكلام، صبوراً على الأذى، مُحباً للطلبة، خصوصاً الفقراء والغرباء منهم، لا تعرف له صبوة. وقلما وقعت مسألة خلافية إلا وانتصر بقول أئمتنا، وربما وضع فيها مؤلفاً. وشرح " المقدمة الأجرومية "، وجمع منسكاً مفيداً. وقرأ عليه صاحب " الغرف العلية "، وانتفع به، وذكر فيها ترجمة حافلة، ومنها لخصت هذه الترجمة. قال: وقد جمعت ما تيسر لي من " فتاويه " في كراريس، سميتها " النفحات الأزهرية في الفتاوي العونية ". وكانت وفاته سنة تسعمائة وست عشرة، وصلى عليه مفتي دار العدل جمال الدين ابن طولون، ودفن بمقبرة باب الصغير، رحمه الله تعالى. 79 - إبراهيم بن محمد بن شهاب الدين أبو الطيب، العطار حدث عن أبي مسلم الكجي، ومحمد بن يونس الكديمي، وعبد الله بن أيوب الخراز، وإبراهيم بن محمد العُمري. وروى عنه أبو عبيد الله المرزباني، ومحمد بن طلحة النعالي. وكان أحد متكلمي المعزلة. وعن محمد بن عمران المرزباني، وقال: كان أبو الطيب إبراهيم بن محمد بن شهاب العطار أحد مشايخ المتكلمين، والفقهاء على مذهب العراقيين، عاشرني في منزلي أربعين سنة، أو أكثر منها، معاشرة متصلة غير منقطعة. ومات في شهر ربيع الآخر، سنة ست وخمسين وثلاثمائة، عن أربع وثمانين، أو خمس وثمانين سنة. رحمه الله تعالى. 80 - إبراهيم بن محمد بن طنبغا الغزي اشتغل، وحصل، وأخذ عن الكافيجي. ونظم " المجمع ". وولي قضاء غزة غير مرة، وكذا قضاء صفد، ثم اقتصر على الشهادة. كذا ذكره السخاوي، ثم قال: وهو الآن حي يرزق. 81 - إبراهيم بن محمد بن عبد الله ابن سعد بن أبي بكر ابن سعد بن أبي بكر بن مصلح بن أبي بكر بن سعد الدين اليري قاضي القضاة، برهان الدين، ابن قاضي القضاة شمس الدين. من بيت العلم، والفضل، والرياسة، والتقديم. وفي الكتاب منهم جماعة كثيرة. ذكره الحافظ جلال الدين السيوطي، في " أعيان الأعيان "، وقال: ولد سنة عشر وثمانمائة. وسمع على والده، وعلى الشرف ابن الكويك. وتفقه، وبرع، وتفنن. وولي نظر الإصطبل، ثم كتابة السر، ثم مشيخة المؤيدية، ثم قضاء الحنفية. مات في سنة ست وسبعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.

82 - إبراهيم بن محمد بن عبد الله الظاهري

وذكره السخاوي في كتابه " بغية العلماء، والرواة "، الذي جعله ذيلاً على كتاب " رفع الإصر عن قضاة مصر "، لشيخه الحافظ شهاب الدين ابن حجر، فقال ما ملخصه: إنه ولد في ثاني عشر جمادي الآخرة، سنة عشر وثمانمائة، ببيت المقدس. وقدم مع أبيه القاهرة وهو صغير، وحفظ القرآن العظيم، ثم حفظ " المغني " للخبازي، و " المختار " و " المنظومة "، و " التلخيص "، وكذا حفظ " الحاجبية " في سبعة وعشرين يوماً، وقطعة من " مختصر ابن الحاجب ". وتفقه بالسراج قارئ " الهداية "، قرأ عليه " الهداية " بكمالها، وكذا أخذ عن والده، وأخيه سعد الدين الآتي ذكره، وعنه أخذ أصول الدين. وأخذ العربية وغيرها عن الشهاب الحناوي، والعز عبد السلام البغدادي، وكتب الخط الحسن. ودرس بالفخرية في حياة والده، قبل استكماله خمس عشر سنة، وناب عنه في مشيخة المؤيدية. وعرف بقوة الحافظة، وولي تدريس الفقه بمدرسة سودون من زاده، وناب عن أخيه في القضاء بتفويض من السلطان، ثم وليه استقلالاً بعد صرف القاضي محب الدين ابن الشحنة، فباشره مباشرة حسنة، بفقهٍ ونزاهة، وأكد على النواب في عدم الارتشاء، وحسن تصرفه في الأوقاف وغيرها، وحمدت سيرته، وسلك طريق الاحتشام. ثم صرف بعد مدة بالمحب ابن الشحنة المذكور، ولزم منزله بالمؤيدية، يفتي، ويدرس، مع الانجماع عن الناس، والتقنع باليسير، بالنسبة إلى ما ألفه قبل ذلك، وسلوك مسالك الاحتشام، ومراعاة ناموس المناصب، مع ما اشتملت عليه من حسن الشكالة، والفصاحة في العبارة، وقوة الحافظة، وحسن العقيدة، وعدم الخوص فيما لا يعنيه. وله نظم رقيق، فمنه ارتجالاً قوله: كَرِيمٌ إذا مَا القومُ شَحُّوا تراكَمتْ ... عَطَايَاهُ عَن بِشْرٍ يَفوحُ بِنَشْرِه يَجُودُ بمَا يَلْقاهُ من كُلِ نِعْمةٍ ... ويُعْطِي جَزِيلاً ثمَّ يأتي بعُذْرهِ ومنه أيضاً: تَباشِيرُ الصَّباحِ لنا أبَاحَتْ ... دَمَ العُنْقودِ في وقتِ الصَّبُوح ونَشْرُ الرَّوضِ هَيَّجَ كُلَّ صَبٍّ ... إلى لُقْياكَ بالخَبَرِ الصَّحِيحِ وماءُ المُزْنِ صَبَّ لنا مِزاجاً ... فخُذْ بُشْرَاكَ من قَوْلٍ نَصُوحِ إذا ما الغَيْمُ قطَّبَ كُنْ بَشوشاً ... وهَيِّئ من غَبُوقكَ للصَّبُوحِ وكانت وفاته ليلة الجمعة، تاسع المحرم، في التاريخ المتقدم، وصلى عليه من الغد، ودفن بالقرافة، بجوار الشيخ أبي الخير الأقطع، والبوصيري، صاحب " البردة "، وتأسف الناس عليه. رحمه الله تعالى. 82 - إبراهيم بن محمد بن عبد الله الظاهري أخو أبي العباس أحمد، الآتي ذكره في بابه. سمع من أبي إسحاق إبراهيم بن خليل، أخي الحافظ يوسف بن خليل " معجم الطبراني الصغير "، وكتاب " اقتضاء العلم العمل " للخطيب، وسمع غيره. وروى، وحدث. ومات في سابع عشر ذي الحجة، سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، ودفن بباب النصر. وكان مولده بحلب، سنة سبع وأربعين وستمائة. 83 - إبراهيم بن محمد بن عبد المحسن ابن خولان الدمشقي، الحنفي قال السخاوي: ذكره شيخنا في " معجمه "، وقال: رافقنا في سماع الحديث بالقاهرة، ثم ولي وكالة بيت المال، بدمشق، وكانت لديه فضائل. وحدث عن أبي جعفر الغرناطي المعروف بابن الشرقي، بكثير من شعره. ومن النوادر التي كان يخبر بها، أن رجلاً من أصدقائه ماتت امرأته، فطالت عُزبته فسئل عن ذلك، فقال: لم أهم بالتزويج إلا رأيتها في المنام، فأواقعها، فأصبح وهمتي باردة عن ذلك. قال: فاتفق أنه تزوج أختها، بعد ثلاث سنين، فلم يرها بعد ذلك في المنام. مات في الكائنة العظمى، فيما أظن. وترجمه أيضاً فيما قرأته بخطه، فيما استدركه على المقريزي، فقال: سمع كثيراً، وولى وكالة بيت المال، بدمشق، وكان يلازم يلبغا السالمي، فاعتنى به، وكان لطيف المحاضرة. مات بدمشق، في الفتنة العظمى، سنة ثلاث وثمانمائة. رحمه الله تعالى. 84 - إبراهيم بن محمد بن علي بن غالب الإستراباذي، أبو القاسم كان قاضياً بإستراباذ. تفقه على أبيه محمد بن علي، من أصحاب الصيمري. كذا ذكره في " الجواهر "، من غير زيادة.

85 - إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد ابن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير العقيلي، الحلبي، جمال الدين، ابن ناصر الدين، ابن كمال الدين، المشهور بابن العديم

85 - إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد ابن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير العقيلي، الحلبي، جمال الدين، ابن ناصر الدين، ابن كمال الدين، المشهور بابن العديم من بيت كبير مشهور بحلب، تحلى أكثر أهله بفضيلتي العلم والرياسة. ولد في سادس ذي الحجة، سنة إحدى عشرة وسبعمائة تقريباً. وسمع " صحيح البخاري " على الحجار بحماة، وسمع من العز إبراهيم بن صالح بن العجمي، والكمال ابن النحاس، وحفظ " المختار ". وولي قضاء حلب، بعد أبيه، إلى أن مات، إلا أنه تخلل في ولايته أنه صرف مرة بابن الشحنة. قال علاء الدين في " تاريخه ": كان عاقلاً، عادلاً في الحكم، خبيراً بالأحكام، عفيفاً، كثير الوقار والسكون، إلا أنه لم يكن نافذاً في الفقه، ولا في غيره من العلوم، مع أنه درس بالمدارس المتعلقة بالقاضي الحنفي كالحلاوية، والشادبختية، وكان يحفظ " المختار "، ويطالع في " شرحه ". قال ابن حجر: وقرأت بخط البرهان المحدث، أن ابن العديم هذا ادعى عنده مُدع على آخر بمبلغ، فأنكره، فأخرج المدعي وثيقة فيها: أقر فلان بن فلان. فأنكر المدعى عليه أن الاسم المذكور في الوثيقة اسم أبيه. قال: فما أسمك أنت؟ قال: فلان. قال: واسم أبيك؟ قال: فلان. فسكت عنه القاضي، وتشاغل بالحديث مع من كان عنده، حتى طال ذلك، وكان القارئ يقرأ عليه في " صحيح البخاري "، فلما فرغ المجلس، صاح القاضي: يا ابن فلان، فأجابه المدعى عليه متبادراً. فقال له: أدفع لغريمك حقه. فاستحسن من حضر هذه الحيلة، التي استغفل المدعى عليه، حتى التجأ إلى الاعتراف. وكانت وفاته في سادس عشري المحرم، سنة سبع وثمانين وسبعمائة. قال: وقرأت بخط البرهان الحلبي: كان من قضاة السلف، وفيه مواظبة على الصلوات في الجامع، نظيف اللسان، وافر الفضل، طويل الصمت والمهابة، في غاية العفة، مع المعرفة بالمكاتيب والشروط، كبير القدر عند الملوك والأمراء، وله مكارم ومآثر، وكان حسن النظر في مصالح أصحابه. رحمه الله تعالى. 86 - إبراهيم بن محمد بن محمد ابن عمر بن محمود، سعد الدين بن محب الدين، القاضي، شمس الدين سبط السراج، قارئ " الهداية "، ويعرف بابن الكماخي. أحد نواب الحنفية كأبيه وجده. ولد في تاسع عشر شعبان، سنة خمس وثلاثين وثمانمائة. ونشأ، فحفظ القرآن، وكتبا، وعرض، واشتغل في الفقه، وأصوله، والعربية، وغيرها، وشارك في الفضائل. ومن شيوخه الأمين الأقصرائي، والسمني. وكان عاقلاً، متودداً، محتشماً، لطيف العشرة. واستقر بعد أبيه في تدريس الفقه بالظاهرية القديمة، محل سكنهم، وبمدرسة قلمطاي بالقرب من الرملة، وباشر في عدة جهات، وحج غير مرة، وجاور. ومات في يوم الاثنين، ثامن ربيع الأول، أو ليلة التاسع منه، سنة ست وثمانين وثمانمائة، وصلى عليه من الغد. ومما كتبه عنه الشهاب الحجازي، من نظمه، قوله: مِن رَحْمةِ الرحمنِ لا تيْأَسَنْ ... إن كنتَ في العَالَمِ ذا مَرْحَمَه فمَن يَكُنْ في الناسِ ذا رَحمةٍ ... حُقَّ على الرَّحمَنِ أن يَرْحَمَهْ 87 - إبراهيم بن محمد بن نوح بن محمد بن زيد ابن النعمان بن عبد الله بن زيد بن نوح النوقدي، النوحي، الفقيه يروى عن أبي بكر بن بندار الإستراباذي، وأبي حفص محمد بن إبراهيم النوقاني. وغيرهما. روى عن أبو العباس المستغفري، وغيره. مات في ذي القدة، سنة خمس وعشرين وأربعمائة. والنوقدي، بفتح النون، وسكون الواو، وفتح القاف، وفي آخرها دال مهملة؛ نسبة إلى نوقد قريش، وهي من قرى نسف. 88 - إبراهيم بن محمد بن يوسف العابودي، المنعوت كمال الدين، أبو إسحاق المعروف جده بإمام الحرمين. تفقه يسيراً، وكان إماماً في الشعر. قال في " الجواهر ": رأيت بخط الحافظ اليغموري، أنشدني كمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يوسف العابودي، سنة ثلاثين وستمائة، بدمشق: قُلْتُ وجَفْنُ الليلِ مُغْرَوْرِق ... ومَوْعِدُ الإصْبَاحِ قد فَاتَا ما طَالَ لَيْلي وجَرَى مَدْمَعِي ... إلا لأنَّ الصُّبحَ قدْ مَاتَا 89 - إبراهيم بن محمد، أبو إسحاق الفقيه الدهستاني

90 - إبراهيم بن محمد، أبو إسحاق، الموصلي، القاضي

دخل نيسابور في سنة نيف وستين وأربعمائة، وتفقه في مدرسة الإمام الصندلي، ومهر، في الفقه، وصار من المدرسين والمسئولين. وسمع " سنن أبي داود " على أبي الحسين أحمد بن عبد الرحيم الحاكم الإسماعيلي. وكان إمام الحرمين يقبل عليه في مجالس المناظرة، كعادته يشم منه رائحة التحقيق في أي فن كان. وولي قضاء الريّ. وكان يحفظ طريقة أبي زيد الدبوسي، على وجهها، ويتكلم في مناظرته بها. وذكره الهمذاني في " الطبقات " من أصحاب الصندلي، وقال: قرأ على أبي زيد الفرائض والحساب. ووهب له معين الملك " تفسير أبي العباس السمناني " قاضي الري، وهو ثلاثة عشر مجلداً كباراً ضخمة، ابتغاها من تركة أبي يوسف القزويني. وكانت وفاة الدهستاني، فيما يقال: سنة ثلاث وخمسمائة. رحمه الله تعالى. 90 - إبراهيم بن محمد، أبو إسحاق، الموصلي، القاضي قال في " الجواهر ": درس بالمدرسة الصادرية. ومات سنة ستين وخمسمائة. ذكره الذهبي في " تاريخه ". 91 - إبراهيم بن محمد، برهان الدين القرمي القاهري ابن أخي النجم إسحاق، الآتي ذكره. لازم عمه المذكور، والأمين الأقصرائي. وفهم، وحصل، وتكسب بالشهادة، وحج غير مرة. وسعى في قضاء العسكر، فأجيب إليه، لكنه أجاب داعي الله قبله، ومات فجأة، ليلة الأربعاء، تاسع ذي الحجة، سنة ثمان وثمانين وثمانمائة. وكان يذكر بديانة، وهمة، وتودد، ومساعدة. رحمه الله تعالى. 92 - إبراهيم بن محمد الرومي الحنفي كان عالماً، عاملاً، فقيهاً، فاضلاً، يرجع إليه في أمر الفتوى في زمانه. كذا ترجمه في " الشقائق "، من غير زيادة. 93 - إبراهيم بن محمود الغزنوي أبو إسحاق قال عبد القادر: تفقه يسيراً، وله شعر حسن. سمع منه الحافظ الدمياطي، وأنشد من شعره قوله: ورشيقٍ دَمْعي عليه طَلِيقٌ ... وفُؤادِي الْعانِي لَدَيْه أسيرُ أمَّرُوهُ على المِلاجِ وهذا ... شَعرُه إن شككْتُمُ المنشورُ كُلَّما جاء بالمَلامِ عَذُولِي ... قُلتُ ذا مُنكَرٌ وهذا نَكِيرُ ومولده سنة خمس وستمائة تقريباً. ودرس بمدرسة الصادرية، بدمشق. 94 - إبراهيم بن محمود بن أحمد ابن حسن، أبو الطيب، الأقصرائي الأصل، المواهبي نسبة إلى شيخ يقال له أبو المواهب، وكان يقرأ عليه فاشتهر به. أخذ عن إينال باي الفقه. وأثنى عليه القاضي خير الدين السخاوي قاضي المالكية بطيبة، وتكلم فيه غيره، والله أعلم بحاله. 95 - إبراهيم بن معقل، أبو إسحاق، النسفي قاضي نسف. ذكره في " تاريخ دمشق ". وروى له حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أحدهما عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: " من صلى صلاة الضحى بنى الله له قصراً في الجنة من ذهب "، وفي رواية أخرى: " من صلى ثنتى عشرة ركعة من الضحى بنى له بيت في الجنة ". والحديث الثاني، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمسة أسهم، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول عبد هـ ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان ". ولم يؤرخ وفاته. وقال في " الجواهر ": مات سنة خمس وتسعين ومائتين، رحمه الله تعالى. قلت: وذكره الذهبي، في " تاريخ الإسلام "، فقال: إبراهيم بن معقل بن الحجاج، أبو إسحاق، النسفي، قاضي نسف وعالمها. رحل، وكتب الكثير. وسمع جباره بن المغلس، وقتيبة بن سعيد، وهشام بن عمار، وأقرانهم. وروى " الصحيح " عن أبي عبد الله البخاري. وكان فقيه النفس، عارفاً باختلاف العلماء. وروى عنه ابنه سعيد، وعبد المؤمن بن خلف، ومحمد بن زكريا، النسفيون، وخلف بن محمد الخيام، وخلق سواهم. صنف " المسند "، و " التفسير "، وغير ذلك. وتوفي في ذي الحجة، سنة خمس وتسعين ومائتين. انتهى. 96 - إبراهيم بن منصور سبط حفص بن عبد الرحمن، راوي وفاة جده حفص، على ما يأتي. كذا في " الجواهر " من غير زيادة. 97 - الفقيه، الصالح. قال الخزرجي: كان فقيهاً، صالحاً، ورعاً، ناسكاً. وكان مولده سنة تسع وثمانين وستمائة. وهو أحد الفقهاء المدرسين على مذهب الإمام أبي حنيفة، درس بالدعاسية بزبيد.

98 - إبراهيم بن موسى بن أبي بكر ابن الشيخ علي الطرابلسي، الحنفي

وكان ذا مروءة، وحسن خلق. وتوفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 98 - إبراهيم بن موسى بن أبي بكر ابن الشيخ علي الطرابلسي، الحنفي نزيل القاهرة. أخذ في دمشق، عن جماعة، منهم: الشرف ابن عبيد، وقدم معه القاهرة، حين طلب لقضائها. ولازم الصلاح الطرابلسي، ورغب له عن تصرفه بالمؤيدية، لما أعطي مشيخة الأشرفية. وأخذ عن الديمي " شرح ألفية العراقي " للناظم، وعن السباطي أشياء. قال السخاوي: وكذا سمع على " شرح معاني الآثار " لمحمد بن الحسن، وغيرهما، وعلق عني بعض التآليف. وهو فاضل، ساكن، دين. رحمه الله تعالى. ورأيت بخط الشيخ العلامة علي ابن غانم المقدسي، مفتي الديار المصرية، أن من تآليف صاحب الترجمة كتاب " الإسعاف في أحكام الأوقاف "، وكتاب " مواهب الرحمن في مذهب النعمان " وشرحه سماه " البرهان ". 99 - إبراهيم بن موسى، أبو إسحاق الفقيه الوزدولي ذكره السهمي في " تاريخ جرجان "، فقال: روى عن المعتمر بن سليمان، وعبد الله ابن المبارك، وفضيل بن عياض، وخالد بن نافع، وأبي معاوية، وابن عيينة، وابن علية، ومن في طبقتهم. روى عنه عبد الرحمن بن عبد المؤمن، وأحمد بن حفص السعدي، وغيرهما. روى عن جعفر بن محمد الفريابي، وكان أحد المتعصبين على أصحاب أبي حنيفة، انه قال: دخلت جرجان، فكتب عن العصار، والسباك، وموسى بن السندي، فقيل: يا أبا بكر، وإبراهيم بن موسى الوزدولي؟ قال: نعم، كان يحدث هناك، ولم أكتب عنه، لأني لا أكتب عن أصحاب الرأي، وإبراهيم شيخ أصحاب الرأي. وروى له في " التاريخ " المذكور بإسناده إلى أبي الحسن القصري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من زعم أنه عالم فهو جاهل ". وكان لإبراهيم ولد فاضل مُحدث، صنف الكتب والسير، وهو مستقيم الحديث. رحمهما الله تعالى. 100 - إبراهيم بن ميمون، الصائغ، المروزي روى عن أبي حنيفة، وعطاء، وغيرهما. وروى عنه حسان بن إبراهيم، وغيره. وروى له النسائي، وأبو داود. وقال النسائي: لا بأس به. قال السمعاني: كان فقيهاً فاضلاً، قتله أبو مسلم الخراساني بمرو، سنة إحدى وثلاثين ومائة. قال ابن المبارك: لما بلغ أبا حنيفة قتل إبراهيم الصائغ بكى حتى ظننا إنه سيموت، فخلوت به، فقال: كان والله رجلاً عاقلاً، ولقد كنت أخاف عليه هذا الأمر. قلت: وكيف كان سببه؟ قال: كان يقدم ويسألني، وكان شديد البذل لنفسه في طاعة الله تعالى، وكان شديد الورع، وكنت ربما قدمت إليه بالشيء، فيسألني عنه، ولا يرضاه، ولا يذوقه، وربما رضيه فأكله. *فسألني عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن اتفقنا عل أنه فريضة من الله تعالى، فقال لي: مد يدك حتى أبايعك. فأظلمت الدنيا بيني وبينه. فقلت: ولم؟ قال: دعاني إلى حق من حقوق الله فامتنعت عليه، وقلت له: إن قام به رجل واحد قتل ولم يصلح للناس أمرٌ، ولكن إن وجد أعواناً صالحين، ورجلاً يرأس عليهم مأموناً على دين الله، فنعم. وكان يقتضي ذلك كلما قدم على تقاضي الغريم الملح، فأقول: هذا أمر لا يصلح بواحدٍ، ما أطاقته الأنبياء حتى عقدت عليه من السماء، وهذه فريضة ليست كالفرائض، يقوم بها الرجل وحده، وهذا متى أمر الرجل به وحده أشاط بدمه، وعرض نفسه للقتل فأخاف أن يعين على قتل نفسه، ولكن ننتظر، فقد قالت الملائكة: (أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيها) الآية سورة البقرة 30. ثم خرج إلى مرو، حتى كانأبو مسلم فكلمه بكلام غليظ، فأخذه، فاجتمع عليه فقهاء خراسان وعبادهم حتى أطلقوه، ثم عاوده، فزجره، ثم عاوده، ثم قال: ما أجد شيئاً أقوم به لله تعالى أفضل من جهادك، ولأجاهدنك بلساني، ليس لي قوة بيدي، ولكن يراني الله وأنا أبغضك فيه. فقتله، رحمه الله تعالى. وروى ابن عساكر في " تاريخ دمشق " بسنده، عن الحسن بن رشيد العنبري، قال: سمعت يزيد النحوي، يقول: أتاني إبراهيم الصائغ، فقال لي: ما ترى ما يصنع هذا الطاغية! - يعني أبا مسلم الخراساني - إن الناس معه في سعة غيرنا أهل العلم. قال: قلت لو علمت أنه يصنع بي إحدى الخصلتين لفعلت؛ إن أمرت ونهيت، يقبل منا أو يقتلنا، ولكن أخاف أن يبسط علينا، وأنا شيخ كبير لا صبر لي على السياط. فقال الصائغ: لكن لا أنتي عنه.

101 - إبراهيم بن نصرويه بن سختام

قال: فذهب إبراهيم، فدخل على أبي مسلم، فأمره ونهاه، فقتله على ذلك. وعن الحسن بن رشيد، أيضاً، أنه قال: سمعت النعمان: أنا حدثت إبراهيم الصائغ، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيد الشهداء حمزة، ثم رجل قام إلى إمام جائر، فأمره، ونهاه، فقتله على ذلك ". وعن الحسن بن رشيد أيضاً، قال: دعا أبو مسلم الناس إلى البيعة، فدعا الصائغ، فقال له: بايع طوعاً غير كاره. فقال الصائغ: لا، بل كرهاً غير طائع. قال: فكيف بايعت لنصر بن سيار؟ قال: إني لم أسأل عن ذلك، ولو سئلت لقلت. وقال أحمد بن سيار: وذكر يعمر بن بشر، قال: كتب إبراهيم الصائغ إلى أبي مسلم بكتاب، يأمره وينهاه، وذكر أنه كان بين أبي مسلم وبينه اجتماع أيام دعوته، وأن أبا مسلم وعده القيام بالحق، والذب عن الحرام أيام دولة بني أُمية؛ فلما ملك أبو مسلم وبسط يده، دخل عليه إبراهيم الصائغ، فوعظه ونهاه. فقال أبو مسلم: يا إبراهيم، أين كنت عن نصر بن سيار، وهو يتخذ زقاق الذهب للخمر فيبعث بها إلى الوليد بن يزيد!؟. فقال إبراهيم: إني كنت معهم أخشى، وأنت وعدتني أن تعمل بالحق وتقيمه. فكف عنه أبو مسلم، وكان إبراهيم يظهر مخالفته إياه، ومع ذلك لا يدع ما يمكنه. تغمده الله برحمته؛ فما كان أحبه في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وروى ابن عساكر، بسنده عن علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، قال: لما قتل أبو مسلم إبراهيم الصائغ، فأحببت أن أراه في المنام، فرأيته، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي مغفرة ليس بعدها مغفرة. قلت: فأين يزيد النحوي؟ قال: أيهات، هو أرفع مني بدرجات. قلت: لم وقد كنتما سواء؟ قال: بقراءة القرآن. قال: ورأيت في منامي رجلاً على مصلاة على النار يغلي، فقلت: من هذا؟ فقالوا: أبو مسلم. قال علي: فأخبرتني بعض أهل بيتي، عن أبي، قال: قيل لي في منامي: إنه سيرى في كل بلاد خراسان مثل ما رأيت في هذه الليلة. وبالجملة، فقد كان إبراهيم من العلماء العاملين الآمر بالمعروف، الناهين عن المنكر، الذابين عن محارم الله، الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم. رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته، وبركات علومه، في الدنيا والآخرة، آمين. 101 - إبراهيم بن نصرويه بن سختام روى عنه ابنه على الآتي ذكره وذكر أخيه إسحاق، إن شاء الله تعالى. 102 - إبراهيم بن والي الذكرى الأصل، العزي المنشأ والدار ذكره في " الغرف العلية "، وقال: قدم علينا في صفر، سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، وأراني " نظم الأجرومية ". ثم إنه - أعني صاحب " الغرف " - ذكر له جماعة ممن نظم الأجرومية وشرحها، وذكر أنه أنشده بعض الأشعار، وساق منها شيئاً لم أكتبه؛ لسفم النسخة، وتحريف الكاتب، وإن ظفرت له بشيء صحيح ألحقته. تغمده الله برحمته. 103 - إبراهيم " بن يحيى " بن أحمد البصراوي الشيخ الإمام، المحدث، عماد الدين، أبو إسحاق ذكره في " الغرف العلية ". ونقل عن البرزالي، أنه ولد سنة خمس وأربعين وستمائة. وأنه قرأ القرآن، وسمع الحديث، وقرأ على الشيوخ كثيراً من الكتب والأجزاء، وكان مشهوراً بحسن القراءة. وبعد مُلازمته للطلب والاشتغال بالعلم، خدم في الديوان، وحصل له دنيا وافرة. ثم إنه رأى رؤيا أوجبت له التوبة والإقلاع عما كان فيه، وحج ولازم المسجد والتلاوة، وبقي على ذلك عشرين سنة، وعرض له صمم في آخر عمره. ومات سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 104 - إبراهيم بن يعقوب بن إبراهيم وهو أخو الإمام يوسف بن أبي يوسف. تفقه على أبيه، رحمه الله تعالى. ذكره في " الجواهر "، هو والذي قبله. 105 - إبراهيم بن يعقوب بن البهلول التنوخي، أبو إسحاق، الأنباري من بيت كبير، مشهور بالعلم والتقدم ورواية الحديث. روى عنه ابن أخيه أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب حكاية. ويأتي أحمد، في بابه، إن شاء الله تعالى. 106 - إبراهيم بن يعقوب بن أبي نصر ابن أبي النصر بن مدوسة، الواعظ، الكاشاني سكن سمرقند، وتولى خطابتها نيابة عن محمود بن أحمد الشاغرجي، الملقب شيخ الإسلام. سمع بالكشانية أباه، وبسمرقند أبا إبراهيم إسحاق بن محمد الخطيب النوحي.

107 - إبراهيم بن يوسف بن رستم

وكان فقيهاً، فاضلاً، عارفاً بمذهب أبي حنيفة، وروايته، مفسراً، واعظاً، حسن السيرة. ولد في عشر ذي القعدة، سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. وتوفي بسمرقند، سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، رحمه الله. 107 - إبراهيم بن يوسف بن رستم قال في " الجواهر ": هكذا نسبه في " مآل الفتاوى " فلا أدري؛ أهو إبراهيم بن رستم، الإمام المذكور قبله، ونُسب إلى جده رستم، أو غيره؟ ولا أعلم أحداً من الحفاظ ذكر أن رستم جد إبراهيم، والله تعالى أعلم. 108 - إبراهيم بن يوسف بن علي البرهان، أبو إسحاق، القاهري، الحنفي، المعروف، بابن العداس ولد تقريباً في العشر الأوسط من شهر رمضان، سنة إحددى وأربعين وسبعمائة. واشتغل بالفقه، والقراءات، وغيرهما. وقرأ على السيخ أكمل الدين " شرحه للهدايا "، وغيره، وعلى التقي ابن البغدادي " الصحيحين "، وعلى الجمال ابن خير أولهما. وفضل بحيث ناب في القضاء. وحدث، سمع منه الزين رضوان، والشمس محمد بن علي بن محمد بن عبد الكريم الفوي. وروى عنه بالإجازة التقى السمني. مات في ليلة الاثنين، سابع جمادى الآخرة، سنة ثمان وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 109 - إبراهيم بن يوسف بن محمد ابن البوني، أبوالفرج إمام مِحراب الحنفية بدمشق. مقرئ، مُحدث. روى عن أبي القاسم ابن عساكر. ومات سنة اثنتي عشرة وستمائة. رحمه الله. 110 - إبراهيم بن يوسف بن ميمون ابن قدامة، وقيل ابن رزين، أبو إسحاق، الباهلي عرف بالماكياني؛ نسبة إلى جده، فيما ذكره السمعاني. وهو أخو عصام، ومحمد، ووالد عبد الله وعبد الرحمن، الآتي كل منهم في بابه. وإبراهيم هذا هو الإمام المشهور، الكبير المحل عند أصحاب أبي حنيفة، وشيخ بلخ، وعامها في زمانه. لزم أبا يوسف حتى برع، وروى عن سفيان بن عُيينة وإسماعيل بن عُلية، وحماد بن زيد. وروى عن مالك بن أنس حديثاً واحداً، عن نافع مولى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: " كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام ". وسبب تفرده أنه دخل على مالك وقتيبة بن سعيد حاضر، فقال لمالك: إن هذا يرى الإرجاء. فأمر أن يقام من المجلس، ولم يسمع غير هذا الحديث، ووقع له بهذا مع قتيبة عداوة، فأخرجه من بلخ، فنزل بغلان، وكان بها إلى أن مات. وروى النسائي عن إبراهيم هذا، وقال: ثقة. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب " الرد على الجهمية ": حدثني عيسى بن بنت إبراهيم بن طهمان، قال: كان إبراهيم بن يوسف شيخاً جليلاً فقيهاً، من أصحاب أبي حنيفة. طلب الحديث بعد أن تفقه في مذهبهم، فأدرك ابن عيينة ووكيعاً. *فسمعت محمد بن محمد بن الصديق، يقول: سمعته يقول القرآن كلام الله، ومن قال مخلوق فهو كافر، بانت منه امرأته، ولا يصلى خلفه، ولا يصلى عليه إذا مات، ومن وقف فهو جهمي. *وقال أحمد بن محمد بن الفضل: سمعت محمد بن داود الفرعي، يقول: حلفت أن لا أكتب إلا عن من يقول: الإيمان قول وعمل. فأتيت إبراهيم بن يوسف، فقال: اكتب عني فإني أقول: الإيمان قول وعمل. *وكان عصام بن يوسف، أخو إبراهيم هذا يرفع يديه عند الركوع، وعند رفع الرفع، وكان إبراهيم لا يرفع. توفي سنة إحدى وأربعين، في أولها، وقيل: سنة تسع وثلاثين ومائتين، رحمه الله تعالى. 111 - إبراهيم بن يوسف *روى عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة، أنه قال: لا يحل لأحدٍ أن يُفتي بقولنا ما لم يعرف من أين قُلنا. قال في " الجواهر ": ولعله الذي قبله، والله تعالى أعلم. 112 - إبراهيم، تاج الدين الرومي، الشهير بابن الخطيب قرأ على المولى يكان، ودأب، وحصل، وصارت عنده مهارة تامة في غالب الفنون، وصار مدرساً بمدرسة أزنبق. وكان شيخاً فاضلاً، صاحب شيبه نيرة، وأخلاق حميدة. توفي في أوائل سلطنة السلطان محمد خان ببلدة أزنبق، تغمده الله تعالى برحمته. 113 - إبراهيم السيد الشريف العجمي ثم الرومي، الشهير ببير أمير كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العاملين، ومن أبناء الأكابر. اشتغل، وحصل، وأخذ عن المولى حسن السامسوني، والمولى خواجا زاده. وصار مدرساً بعدة مدارس، وصار أيضاً مُفتياً بمدينة أماسية.

114 - إبراهيم الرومي، الشهير بابن الأستاذ

وكانت وفاته سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، وقد أناف على التسعين، ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري، رضي الله تعالى عنه. وكان مجرداً، لم يتأهل قط، وأفنى عمره في الأشتغال والعبادة. وكان فقيهاً بتلك الديار منقطع القرين، وكان يكتب الخط المليح جداً. وعمى في آخر عمره، ثم عولج فأبصر بعينه الواحدة، واكتفى بها إلى أن مات، رحمه الله تعالى. 114 - إبراهيم الرومي، الشهير بابن الأستاذ كان أبوه دباغاً، وهو فيما قيل: أول من صبغ الجلود اللازوردية. ورغب ابنه في الاشتغال، والتحصيل، وقرأ على المولى سنان باشا، وغيره. وصار مدرساً بأنقرة وأماسية، وقاضياً ببعض النواحي. وكان عنده فضيلة تامة، وله في العلوم مشاركة، رحمه الله تعالى. 115 - إبراهيم بن الكركي الحنفي المصري، قاضي القضاة، برهان الدين ولي قضاء الديار المصرية عوضاً عن عبد البر ابن الشحنة، سادس عشر رجب، سنة ثمان عشرة وتسعمائة، وكان له نهار مشهور. وتوفي سنة ثلاث وعشرين وصلى عليه الغائب بدمشق. كذا نقلته من " الغرف العلية ". 116 - أحمد بن إبراهيم بن أسد ابن أحمد بن محمد الهروي والد نصر الفقيه الآتي ذكره، وتقدم أبوه إبراهيم. روى عنه ابنه نصر. 117 - أحمد بن إبراهيم بن أيوب، شهاب الدين، العينتابي قاضي العسكر، بدمشق. قال الوالي العراقي: اشتغل على الشيخ رضي الدين المنطيقي. ودرس بعدة مدارس بدمشق. وقال ابن حجر: تفقه، ودرس. وجمع " شرحاً للمُغني "، وشرح " مجمع البحرين " في ست مجلدات. ومات في المحرم، سنة سبع وستين وسبعمائة. وذكره ابن حبيب في " تاريخه "، وقال في حقه: إمام شهابه لامع، وسحابه هامع، وقلمه لأشتات الفضائل جامع، وكلمه يفيد الطالب ويطرب السامع. كان ذا شكل حسن، وبراعة ولسن، وأخلاق جميلة، وطريقة معروفة بالفضيلة، عادلاً، في أحكامه، بارعاً في مذهب إمامه. أقام بحلب مدة، من الدهر، ثم استوطن دمشق، مُنتقلاً من النهر إلى البحر. أفتى، ودرس، ونوع، وجنس، وحرر المنقول من النقول، وشرح " مجمع البحرين " و " المُغني " في الأصول. وقال أحمد بن محمد بن الشحنة، ومن خطه نقلت: شرح " معجم البحرين "، وقفت عليه، واسمه " المنبع في شرح المجمع "، و " المرتقي في شرح الملتقي "، وهو في ست مجلدات كبار، نحو ثلاثمائة كراس. 118 - أحمد بن إبراهيم بن داد ابن دنكة التركي، أبو العباس، القاضي محيي الدين مولده سنة أربع وسبعين وستمائة، بالقاهرة. تفقه على والده، ثم ورد حلب، ودرس بها في عدة مدارس. وولي مشيخة الخانقاة المقدمية، وأذن له والده في الفتوى، وانتهت إليه رياسة الحنفية بحلب في زمانه. وكان حياً بحلب، في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. قاله في " الجواهر ". وقال ابن حجر: إنه مات في السنة المذكورة. رحمه الله تعالى. 119 - أحمد بن داود المعري، الحلبي، شهاب الدين، أبو العباس، المعروف بابن البرهان ذكره في " تاج التراجم " وقال: كان فقيهاً، فاضلاً، له مشاركة في علوم عديدة، ومصنفات مفيدة، شرح " الجامع الكبير "، وانتفع به الصغير والكبير. وكانت وفاته سادس عشر رجب الفرد، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. وذكره أيضاً ابن حبيب، فقال: عالم شهابه زاهر، وبرهانه ظاهر، وبحل فضله زاخر، ودُر مصنافاته فاخر. كان خيراً ديناً، فاضلاً متفنناً، بارعاً في مذهبه، عارفاً بمعجمه ومعربه، مواظباً على التعليم والتعريف، ماهراً في القراءات والنحو والتصريف، متصدياً للفتوى، سالكاً طريق العُزلة والتقوى. باشر بحلب تدريس الشهابية، ونيابة الحكم العزيز، ونصب حال جماعة من الطلبة على المدح والتميز. وكانت وفاته بها وقد جاوز الستين، تغمده الله برحمته، آمين. 120 - أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني ابن أبي إسحاق، أبو العباس، السروجي قاضي القضاة بمصر. ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة، أو بعدها، وتفقه على مذهب أحمد، فحفظ بعض " المقنع "، ثم تحول حنفياً، فحفظ " الهداية "، وأخذ عن الشيخ نجم الدين أبي الطاهر إسحاق بن علي بن يحيى، وصاهره على ابنتيه، وأخذ أيضاً عن القاضي صدر الدين سليمان ابن أبي العز، وغيرهما.

121 - أحمد بن إبراهيم بن عمر ابن أحمد العمري، الصالحي، شهاب الدين

وبرع في المذهب، وأتقن الخلاف، واشتغل في الحديث والنحو، وشارك في الفنون، وصار من أعيان الفهاء، وفقهاء الأعيان. وشرع في " شرح " على " الهداية " أطال فيه النفس، وهو مشهور، ولم يكمل، تكلم فيه على الأحاديث، وعللها. وكان قد سمع الحديث من محمد بن أبي الخطاب بن دحية، وغيره. فلما مات معز الدين النعمان قرر عوضه في قضاء الحنفية، وحكى عنه أنه شرب ماء زمزم لولاية القضاء، فحصل له. وكان مشهوراً بالمهابة، والعفة والصيانة، والسماحة، وطلاقة الوجه، مع عدم مراعاة أصحاب الجاه. فلما عزل لم يجد معه من يساعده، فمات قهراً في شهر رجب، سنة عشر وسبعمائة. ولعل الله أراد به خيراً، وادخر له ذلك عنده. ومن تصانيفه " الرد على ابن تيمية "، وهو فيه منصف، متأدب، صحيح المباحث، وبلغ ذلك عن ابن تيمية، فتصدى للرد على رده. وذكره الذبي في " تاريخ "، فقال: كان نبيلاً، وقوراً، فاضلاً، كثير المحاسن والبر، وما أظنه روى شيئاً من الحديث. انتهى. ولما كان شهر رجب سنة سبعمائة طلب بطرك النصارى، وربان اليهود، وجميع القضاة والعلماء، وفوض إليه أخذ العهد عليهم وتجديده، فجددوه، وكان من جملة ما شرط عليهم، أن لا يركب أحداً منهم فرساً ولا بغلة؛ وأن لا تلبس النصارى العمائم الزرق، واليهود العمائم الصفر، فالتزموا بذلك واستمر. ويقال: إنه كان له دفتر يكتب فيه ما يستدينه، فأوصى عند موته أن يعتمد ما فيه، فجاء شخص، فذكر أن له عنده مائتي درهم، فلم يجدوها في الدفتر، فرآه شخص من أصدقائه في منامه، فقال له: إن الرجل صادق، وإنها في الدفتر بقلم دقيق. فانتبه الرجل، فوجد الأمر كما قال. ويقال إنه حج، فسأل الله حاجة، ولم يذكر ذلك لأحد، فجاء شخص بعد مدة، فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فأمرني ان أقول لك: أعطني جميع ما عمدك، والأمارة الحاجة التي سألتها بمكة. فقال: نعم. وأخرج ما عنده، وهو مائة دينار وألف درهم. وقال: لو كان عندي أكثر من هذا لدفعته لك؛ فإن الإمارة صحيحة. والله تعالى أعلم. 121 - أحمد بن إبراهيم بن عمر ابن أحمد العمري، الصالحي، شهاب الدين المعروف بابن زبيبة، بزاي مضمومة، وباء موحدة، وياء مشددة، تصغير زبيبة. نزيل حلب، وأقام بها مدة يشتغل، ويدرس. ثم توجه إلى القاهرة، وناب في الحكم بها. وكان حفظه للنوادر والحكايات المضحكات، كثيراً جداً. ثم ولي القضاء بالإسكندرية، وهو أول حنفي ولي بها القضاء. ومات بها في ربيع الأول، سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة. أثنى عليه ابن حبيب، وقال: إنه عاش سبعين سنة. كذا ذكر هذه الترجمة الحافظ ابن حجر. وأما الوالي العراقي، فقال: أحمد بن محمد العمري الحنفي، الشهير بابن زبيبة. تفقه، ودرس، وناب في الحكم، ثم ولي قضاء الإسكندرية. وكان كثير الحفظ للحكايات المضحكة، حلو النادرة. مات في رجب أو شعبان، سنة اثنتين وستين وسبعمائة. انتهى. وهو كما تراه مُخالف لما قاله ابن حجر في اسم الأب، وتاريخ الوفاة، ولعله من تحريف الكتاب، والله تعالى أعلم. 122 - أحمد بن إبراهيم بن محمد ابن عبد الله، شهاب الدين، أبو العباس، اليماني الأصل، الرومي، الزاهد نزيل الشيخونية المعروف بابن العرب، وبعرب زاده، وهو بمعنى الأول. أصله من اليمن، ثم انتقل أبوه منها إلى بلاد الروم فسكنها، وولد صاحب الترجمة بها، ونشأ بمدينة بروسة. وكان يقال له عرب زاده، على عادة الروم والترك في بلادهم، لمن يكون أصله عربياً ولو ولد ببلادهم، ونشأ بها. وكانت نشأته حسنة، على قدم جيد. ثم قدم القاهرة وهو شاب، ونزل بقاعة الشيخونية، وقرأ على غمامها خير الدين سليمان ابن عبد الله، وغيره، ونسخ بالأجرة مدة، واشتغل.

123 - أحمد بن إبراهيم بن محمد ابن عمر بن عبد العزيز بن أبي جرادة، العقيلي الحلبي، المعروف بابن العديم

ثم انقطع عن الناس، فلم يكن يجتمع بأحدٍ، بل اختار العزلة، مع المواظبة على الجمعة والجماعات، ويبكر في الجمعة بعد اغتساله لها بالماء البارد صيفاً وشتاء، ولا يكلم أحداً في ذهابه وإيابه، ولا يجترئ أحدٌ على الكلام معه، لهيبته ووقاره، وتورع جداً، بحيث إنه لم يكن يقبل من أحد شيئاً، ومتى اطلع على أن أحداً من الباعة حاباه؛ لكونه عرفه لم يعد إليه؛ وللخوف من ذلك كان يتنكر ويشتري بعد العشاء الآخرة قوت يومين أو ثلاثة، وأقام على هذه الطريقة أكثر من ثلاثين سنة، وكراماته كثيرة، ولم يكن في عصره من يدانيه في طريقته. قال العيني: وثبت بالتواتر أنه أقام أكثر من عشرين سنة لا يشرب الماء أصلاً، وكان يقضي أيامه بالصيام، ولياليه بالقيام. مات في ليلة الأربعاء، ثاني شهر ربيع الأول، سنة ثلاثين وثمانمائة، وصلى عليه العيني، وكان الجمع في جنازته موفوراً، مع أن أكثر الناس كان لا يعرفه، ولا يعلم بسيرته، فلما تسامعوا بموته هرعوا إليه، ونزل السلطان من القلعة، فصلى عليه بالرميلة، وأعيد إلى الخانقاه، فدفن بجوار الشيخ أكمل الدين، وحمل نعشه على الأصابع، وتنافس الناس في شراء ثياب بدنه، واشتروها بأغلى الأثمان، فاتفق أنه حسب ما اجتمع من ثمنها، فكان قدر ما تناوله من المعلوم من أول ما نزل بالخانقاه، وإلى أن مات، لا يزيد ولا ينقص، وعد هذا من كراماته، رحمه الله تعالى. ذكره في " الضوء اللامع ". 123 - أحمد بن إبراهيم بن محمد ابن عمر بن عبد العزيز بن أبي جرادة، العقيلي الحلبي، المعروف بابن العديم أخو كمال الدين، قاضي الحنفية بالقاهرة. وولي هذا قضاء حلب. وله إجازة من عمر بن أميلة، وموسى بن فياض. ومن مسموعاته على بعض شيوخه عن إبراهيم بن صالح " جزء الجابري "، وعلى محمد ابن علي بن أبي سلام " مسلسلات التيمي ". قال ابن حجر في " المجمع المؤسس ": وكان في سنة خمس وعشرين موجوداً، ثم لقيته في سنة ست وثلاثين بحلب، وسمعت عليه من " عشرة الحداد "، وغير ذلك. وقال السخاوي، في " الضوء اللامع ": إنه ولي عدة مدارس، وحمدت سيرته، وكان محافظاً على الجماعة والأذكار، ولم يكن تام الفضيلة، مع اشتغاله في صغره. وقد حدث، وسمع منه الأئمة، وأخذ عنه غير واحد من أصحابنا، وأثنى عليه البرهان الحلبي. مات ليلة الأربعاء، منتصف شوال، سنة سبع وأربعين وثمانمائة. 124 - أحمد بن إبراهيم بن محمد الفقيه، الزاهد، أبو حامد، البغولني بفتح الباء الموحدة، وضم الغين المعجمة، وفتح اللام، وفي آخره النون. قال السمعاني: هذه النسبة إلى بغولن. قال: وظني أنها من قرى نيسابور، منها، أبو حامد، من أصحاب أبي حنيفة، وشيخهم في عصره. درس بنيسابور، والعراق. وتوفي في سابع عشر شهر رمضان، سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. كذا في " الجواهر المضية ". وقال في " تاريخ الإسلام ": أحمد بن إبراهيم بن محمد، العلامة، أبو حامد، البغولني، النيسابوري، الحنفي، الزاهد. شيخ أهل الرأي في عصره، وزاهدهم. أفتى، ودرس، نحواً من ستين سنة. وكتب الحديث بنيسابور، والعراق، وبلخ، وترمذ، وحدث. ترجمه الحاكم، وقال: مات في رمضان، واجتمع الخلق الكثير في جنازته، رحمه الله تعالى. 125 - أحمد بن إبراهيم بن الشيخ كريم الدين ابن جلال الدين بن سيف الدين، أبو سيادة، الحسيني الأودهي، الهندي قال السخاوي في " الضوء اللامع "، ومن خطه نقلت: لقيني بمكة في المجاورة الثانية، فقرأ على " البخاري "، ولازمني في أشياء، بل كتب عني ما أمليته هناك، وكتبت له إجازة حافلة. انتهى. 126 - أحمد بن إبراهيم بن يحيى ابن أحمد الفزاري، الدمشقي الحنفي، الكاتب يعرف أبوه بابن الكيال. ذكره السخاوي، في " الذيل التام لدول الإسلام ". وأرخ وفاته في شهر ذي الحجة، سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة. رحمه الله تعالى. 127 - أحمد بن إبراهيم الكشي الصالحي ذكره ابن حجر في " الدرر الكامنة "، وقال في حقه: كان من فضلاء الحنفية. مات في رجب، سنة خمس وتسعين وسبعمائة. 128 - أحمد بن إبراهيم الميداني قال في " الجواهر ": هكذا هو مذكور في الكتب، كتب أصحابنا.

129 - أحمد بن إبراهيم الفقيه

وهذه النسبة إلى موضعين؛ أحدهما ميدان زياد بنيسابور، والثاني إلى محلة بأصبهان. 129 - أحمد بن إبراهيم الفقيه قال في " الجواهر ": هكذا هو مذكور في " الذخيرة ". *وحكى عنه فرعاً، وهو أن من غسل وجهه، وغمض عينيه شديداً، لا يجوز وضوءه. ولعله الذي قبله. انتهى. 130 - أحمد بن أحمد بن عبد اللطيق ابنأبي بكر الأصيل الفاضل، المحدث، زين الدين - حفيد سراج الدين - اليماني، الشرجي الزبيدي أحد أفاضل الحنفية، وأعيانهم. ولد سنة ثمانمائة وستة عشر، بزبيد، ومات أبوه وهو حمل فسمي باسمه. واشتغل ودأب، وحصل، وسمع، وحدث. وكان أديباً، شاعراً، له مؤلفات مها، " طبقات الخواص "، و " مختصر صحيح البخاري "، " ونزهة الأحباب " في مجلد كبير، يتضمن أشياء كثيرة، من أشعار ونوادر، ومُلح، وحكايات، وفوائد، وهو كتاب يشمل على مائة فائدة، وغير ذلك. مات سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، ونزل الناس في زبيد بموته درجة في الرواية. رحمه الله تعالى. 131 - أحمد بن أحمد بن محمود ابن موسى الهثمامي، شهاب الدين، المقدسي، ثم الدمشقي، المقري ويعرف بالعجيمي، وفي الشام بالمقدسي. قرأ القراءات على جماعة، منهم العلاء بن اللفت، ومهر فيها، وتصدى لإقرائها، فانتفع به جماعة؛ أولاده، وغيرهم. وهو ممن أخذ أيضاً عن ابن الهمام، والعماد ابن شرف، وآخرين. وتحول إلى الشام، في سنة خمسة وعشرين، باستدعاء محمد بن منجك؛ لإقراء بنيه، فقطنها، وتكسب بكتابة المصاحف، وكان متقناً فيها، مقصوداً من الآفاق بسببها. مات بدمشق، في جمادى الأولى، سنة سبع وخمسين وثمانمائة. قال السخاوي، نقلاً عن الهمامي، ابن صاحب الترجمة، رحمه الله تعالى. 132 - أحمد بن إدريس بن يحيى المارداني الحنفي كان زكياً، فاضلاً، كثير المحفوظ. وكتب الشروط، وجلس تحت الساعات، وكان يحب الكتب، وجمع منها شيئاً كثيراً. وحصل له في آخر عمره مرض، وطال به، وتعلل إلى أن مات، في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. تغمده الله تعالى برحمته. 133 - أحمد بن إسحاق " بن محمد " بن أحمد ابن إسحاق بن عبد الرحمن بن يزيد بن موسى، أبو جعفر، الإصطخري، الحلبي قاضي حلب، الملقب بالجرذ. حدث ببغداد ومصر، وحلب، عن محمد بن معاذ المعروف ببدران، وأبي عبد الله أحمد ابن خليل الكندي الحلبي. روى عنه ابن أخيه علي بن محمد بن إسحاق القاضي. ذكره الخطيب. وذكره ابن عساكر، وقال: قضى بحلب في أيام سيف الدولة ابن حمدان. كذا ذكره عبد القادر في " الجواهر ". وذكره الذهبي، فيمن توفي في حدود سنة خمسين وثلاثمائة. 134 - أحمد بن إسحاق بن البهلول ابن حسان بن سنان، أبو جعفر، التنوخي، الأنباري الأصل ولي قضاء مدينة المنصور نحو عشرين سنة، وحدث حديثاً كثيراً. وسمع أباه إسحاق بن البهلول، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وأبا سعيد الأشج، وسعيد بن يحيى الأموي، وغيرهم. وروى عنه أبو الحسن الجراحي، ومحمد بن إسماعيل الوراق، وأبو الحسن الدارقطني، وجماعة سواهم. وكان ثقة. قال طلحة بن محمد، في تسمية قضاة بغداد: وأحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان ابن سنان التنوخي، من أهل الأنبار، عظيم القدر، واسع الأدب، تام المروءة، حسن الفصاحة، حسن المعرفة بمذهب أهل العراق، ولكنه غلب عليه الأدب. وكان لأبيه إسحاق " مسند " كثير حسن، وكان ثقة، وحمل الناس عن جماعة من أهل هذا البيت، منهم البهلول بن حسان، ثم ابنه إسحاق، ثم أولاد إسحاق. حدث منهم بهلول بن إسحاق، وحدث القاضي أحمد بن إسحاق، وابنه محمد، وحدث ابن أخي القاضي داود بن الهيثم بن إسحاق، وكان أسن من عمه القاضي، وأبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق الأزرق، وكان من جملة الكتاب. ولم يزل أحمد بن إسحاق بن البهلول على قضاء المدينة، من سنة ست وتسعين ومائتين، إلى شهر ربيع الآخر، سنة ست عشرة، ثم صرف. انتهى. قال الخطيب: وكان ثبتاً في الحديث، ثقة، مأموناً، جيد الضبط لما حدث به. وكان متفنناً في علوم شتى؛ منها: الفقه على مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وربما خالفهم في مُسئلات يسيرة.

وكان تام العلم باللغة، حسن القيام بالنحو على مذهب الكوفيين، وله في كتاب ألفه. وكان واسع الحفظ للشعر القديم والمحدث، والأخبار الطوال والسير، والتفسير. وكان شاعراً، كثير الشعر جداً، خطيباً، حسن الخطابة والتفوه بالكلام، لسناً، صالح الحظ من الترسل في الكتابة، والبلاغة في المخاطبة. وكان ورعاً، متخشعاً في الحكم. وتقلد القضاء بالأنبار، وهيت وطريق الفرات، من قبل الموفق بالله الناصر لدين الله، في سنة ست وسبعين ومائتين، ثم تقلده للناصر دفعة أخرى، ثم تقلده للمعتضد، ثم تقلد بعض كور الجبل للمكتفي، في سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ولم يخرج إليها. ثم قلده المقتدر بالله، في سنة ست وتسعين، بعد فتنة ابن المعتز، القضاء بمدينة المنصور، مدينة السلام، وطسوجى قطربل، ومسكن، وأنبار، وهيت، وطريق الفرات. ثم أضاف له إلى ذلك بعد سنتين القضاء بكور الأهواز مجموعة، لما مات قاضيها إذ ذاك محمد بن خلف، المعروف بوكيع، فما زال على هذه الأعمال، إلى أن صرف عنها، في سنة سبع عشرة وثلاثمائة. وروى " سبط " ابن الجوزي في " مرآة الزمان " بسندهِ عن أبي الحسن علي بن محمد ابن أبي جعفر بن البهلول، قال: طلبت السيدة أم المقتدر من جدي كتاب وقف بضيعة كانت ابتاعتها، وكان الكتاب في ديوان القضاء، وأرادت أخذه لتحرقه، وتتملك الوقف، ولم يعلم أحد بذلك، فحمله على الدار، وقال للقهرمانة: قد أحضرت الكتاب، فأين ترسم؟ فقالوا: نريد أن يكون عندنا. فأحس بالأمر، فقال لأم موسى القهرمانة: تقولين لأم المقتدر السيدة، اتقي الله، هذا والله ما لا سبيل إليه أبداً، أنا خازن المسلمين على ديوان الحكم؛ فإن مكنتموني من خزنه كما يجب، وإلا فاصرفوني، وتسلموا الديوان دفعة واحدة، فاعملوا فيه ما شئتم، وأما أن يفعل شيءٌ من هذا على يدي فوالله لا كان ذلك أبداً، ولو عرضت علي السيف. ونهض والكتاب معه، وجاء إلى طيارة، وهو لا يشك في الصرف، فصعد إلى ابن الفرات، وحدثه بالحديث، فقال: ألا دافعت عن الجواب، وعرفتني حتى أكتب، وأملي في ذلك، والآن، أنت مصروف، فلا حيلة لي مع السيدة في أمرك. قال: وأدت القهرمانة الرسالة إلى السيدة، فشكت إلى المقتدر، فلما كان يوم الموكب خاطبه المقتدر شفاهاً في ذلك، فكشف له الصورة، وقال له مثل ذلك القول والاستعفاء. فقال له المقتدر: مثلك يا أحمد من قلد القضاء، أقم على ما أنت عليه، بارك الله فيك، ولا تخف أن ينثلم محلك عندنا. قال: فلما عاودت السيدة، قال لها المقتدر: الأحكام ما لا طريق إلى اللعب بها، وابن البهلول مأمون علينا، محب لدولتنا، ولو كان هذا شيئاً يجوز لما منعك إياه. فقال السيدة: كأن هذا لا يجوز!. فقيل لها: لا، هذه حيلة من أرباب الوقف على بيعه. وأعلمها كاتبها ابن عبد الحميد شرح الأمر، وأن الشراء لا يصح بتمزيق الكتاب، وأن هذا لا يحل، فارتجعت المال وفسخت الشراء وعادت تشكر جدي، وانقلب ذلك أمراً جميلاً عندهم، فقال جدي بعد ذلك: من قدم أمر الله على أمر المخلوق كفاه الله شرهم. وحدث القاضي أبو نصر يوسف بن عمر القاضي أبي عمر محمد بن يوسف، قال: كنت أحضر دار المقتدر، وأنا غلام حدث بالسواد، مع أبي أبى الحسين، وهو يومئذ يخلف أباه أبا عمر، وكنت أرى في بعض المواكب أبا جعفر القاضي يحضر بالسواد، فإذا رآه أبي عدل إلى موضعه، فجلس عنده، فيتذاكران بالشعر والأدب والعلم، حتى يجتمع عليهما من الخدم عدد كبير، كما يجتمع على القصاص، استحساناً لما يجري بينهما؛ فسمعته يوماً قد أنشد بيتاً، لا أذكره الآن، فقال له أبي: أيها القاضي، إني أحفظ هذا البيت بخلاف هذه الرواية. فصاح عليه أبو جعفر صيحة عظيمة، وقال، اسكت ألي تقول هذا، وأنا أحفظ لنفسي من شعري خمسة عشر ألف بيت، وأحفظ للناس أضعاف ذلك وأضعافها. يكررها مراراً. وحدث القاضي أبو طالب محمد بن القاضي أبى جعفر بن البهلول، قال: كنت مع أبي في جنازة بعض أهل بغداد من الوجوه، وإلى جانبه جالس أبو جعفر الطبري، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة، ويسليه، وينشده أشعاراً، ويروي له أخباراً، فداخله الطبري في ذلك، ثم اتسع الأمر بينهما في المذاكرة، وخرجا إلى فنون كثيرة من الأدب، والعلم، استحسنها الحاضرون، وعجبوا منها، وتعالى النهار، وافترقنا.

135 - أحمد بن إسحاق بن شيت ابن نصر بن شيت، أبو نصر، الأديب، الفقيه، الصفار

فلما جعلت أسير خلفه، قال لي أبي: يا بني، هذا السيخ الذي داخلنا اليوم في المذاكرة من هو، أتعرفه؟ فقلت: يا سيدي، كأنك لم تعرفه! فقال: لا. فقلت: هذا ابو جعفر محمد بن جرير الطبري. فقال: إنا لله، ما أحسنت عشرتي يا بني. فقلت: كيف يا سيدي؟. قال: ألا قلت لي في الحال، فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة، هذا رجل مشهور بالحفظ، والاتساع في صنوف العلوم، وما ذاكرته بحسبها. قال: ومضت على هذا مدة، فحصرنا في جنازة أخرى، وجلسنا، فإذا بالطبري قد أقبل، فقلت له قليلاً قليلاً: هذا أبو جعفر الطبري قد جاء مُقبلاً. قال: فأوما إليه بالجلوس عنده، فأوسعت له حتى جلس إلى جنبه، وأخذ أبي يحادثه، فلما جاء إلى قصيدة ذكر الطبري منها أبياتاً، قال أبي: هاتها يا أبا جعفر إلى آخرها. فيتلعثم الطبري، فينشدها أبي إلى آخرها. وكلما ذكر أشياء من السير، قال أبي: كان هذا في قصة فلان، ويوم بني فلان، مريا أبا جعفر فيه. فربما مر، وربما تلعثم، فيمر أبي جميعه. قال: فما سكت أبي يومه ذلك إلى الظهر، وبان للحاضرين تقصير الطبري عنه، ثم قمنا، فقال لي أبي: الآن شفيت صدري. وعن أبي بكر ابن الأنباري، أنه كان يقول: ما رأيت صاحب طيلسان أنحى من القاضي أبي جعفر ابن البهلول. وكانت وفاته في شهر ربيع الآخر، من سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، بعد أن أريد إلى العود إلى منصب القضاء فامتنع، وقال: أحب أن يكون بين الصرف والقبر فرجة. قيل له: فابذل شيئاً، حتى يرد العمل إلى أبنك. فقال: ما كنت لأتحملها حياً وميتاً. وقال في ذلك: تركْتُ القضاء لأهلِ القضاء ... وأقْبلْتُ أَسْمُو إلى الآخِرَهْ فإنْ يَكُ فَخْراً جَلِيلَ الثناءِ ... فقدْ نِلتُ منهُ يَداً فاخِرهْ وَإنْ يَكُ وِزْراً فأبعِدْ بِه ... فَلاَ خَيْرَ في إمْرَة وَازِرَهْ وقال أيضاً: أَبَعْدَ الثَّمانينَ أفْنَيْتَهَا ... وَخَمْساً وَسَادِسُهَا قدْ نَمَا تُرَجِّي الحَياةَ وَتَسْعى لَهَا ... لَقَدْ كادَ دِنُكَ أن يُكْلَمَا وقال أيضاً: إلى كَمْ تخْدُمُ الدُّنْيَا ... وَقَد جُزْت الثَّمانِينَا لَئنْ لم تَكُ مَجْنُوناً ... لقد فُقْتَ المَجَانِينَا 135 - أحمد بن إسحاق بن شيت ابن نصر بن شيت، أبو نصر، الأديب، الفقيه، الصفار من أهل بخارى. تقدم ذكر ابن ابنه إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد. قال السمعاني: له بيت في العلم إلى الساعة ببخارى، ورأيت من أولاده جماعة. وسكن أبو نصر هذا مكة، وكثرت تصانيفه، وانتشر عمله بها. ومات بالطائف، وقبره هناك. وذكر الحاكم في تاريخ نيسابور "، وأثنى عليه بالفقه والأدب، وقال: إنه لم ير في سنه ببخارى من هو أحفظ منه فهماً. قال: وكان قد طلب الحديث مع أنواع العلم، وأنشدني لنفسه من الشعر المتين ما يطول شرحه. انتهى. 136 - أحمد بن إسحاق بن صبيح الجوزجاني، أبو بكر صاحب أبي سليمان الجوزجاني. قال في " الجواهر ": كان من الجامعين بين علم الأصول، وعلم الفروع، وكان في أنواع العلوم في الذروة العليا. وله كتاب " الفرق والتمييز "، وكتاب " التوبة "، وغيرهما. 137 - أحمد بن إسحاق الجوزجاني، الإمام أبو بكر تلميذ أبي سليمان موسى بن سليمان الجوزجاني. أستاذ أبي نصر أحمد بن العباس العياضي. كما ذكره في " الجواهر ": ثم قال: لعله أحمد بن غسحاق بن صبيح، الذي قبله. 138 - أحمد بن أسد من أقران شمس الإسلام محمود الأوزجندي. ذكره في " الجواهر ". 139 - أحمد بن أسعد بن المظفر الإمام، عز الدين، أبو الفضل كان إماماً عالماً، فقيهاً، له مشاركة في عدة علوم. وأفتى، ودرس، وانتفع به جماعة من الطلبة. وكان له حظ وافر من العبادة، والنسك. ولد في ذي الحجة، سنة ثمانين وخمسمائة. ومات بكاشغر في تاسع شهر رجب، سنة سبع وستين وستمائة، وصلي عليه بجامعها بعد صلاة الجمعة، قريب من ستة آلاف نفس، رحمه الله تعالى. 140 - أحمد بن الأسود أبو علي، القاضي، البصري سمع يزيد بن هارون، وجماعة. وولي قضاء قرقيسيا.

141 - أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو العباس، شهاب الدين، الجوهري، القادري

ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: حدثنا عنه أحمد بن عبد الله الجسري. مات سنة خمس وسبعين ومائتين. رحمه الله تعالى. 141 - أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو العباس، شهاب الدين، الجوهري، القادري ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة، أو التي بعدها. وحفظ القرآن العظيم، وبعض المتون. وأخذ الفقه، والحديث، والعربية عن التقي الشمني. وأخذ أيضاً عن الأمين الأقصرائي، والكافيجي، وغيرهما. ولازم الزين قاسماً، وأخذ عنه كثيراً من الفقه وأصوله، والحديث، و " أوقاف الخصاف "، وجملة من رسائله وتصانيفه. وقرأ على النظام في " شرح الشمسية " للقطب، وفي " شرح أكمل الدين على المنار "، وأكثر من القراءة حتى على غير أهل مذهبه. وحج، ودخل الشام، وغيره. وناب في القضاء عن المُحب ابن الشحنة، واجيز بالإفتاء والتدريس، ببعض المدارس. وكان مداوماً للإشغال، والاشتغال، مع التواضع، والعفة، والعقل، وحسن المحاضرة. ومات سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 142 - أحمد بن إسماعيل بن عامر، أبو بكر السمرقندي رئيس سمرقند. روى عن أبي عيسى الترمذي، وسعيد بن خشنام. وذكره الحافظ أبو العباس المُستغفري، في " تاريخ نسف "، وقال: نزل في دارنا أيام جدي أبي بكر ابن المستغفري، وحدث بها، وكان كثير الحديث. مات ببخارى، سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 143 - أحمد بن إسماعيل بن عثمان الإمام، العلامة، شهاب الدين، الكوراني، الشافعي، ثم الحنفي ولد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. ودأب في فنون العلم، حتى فاق في المعقولات، والمنقولات، واشتهر بالفضيلة. ودخل القاهرة، ورحل إلى الروم، وصادف من ملكها السلطان مراد خان حظوة، فاتفق أنه مات وهو هناك الشيخ شمس الدين الفنري، فسأله السلطان أن يتحنف، ويأخذ وظائفه، ففعل، وصار المشار إليه في المملكة الرومية. وألف للسلطان محمد بن السلطان مراد خان قصيدة في علم العروض، ستمائة بيت، سماها " الشافعية في علم العروض والقافية ". مات سنة أربع وتسعين وثمانمائة. ومن نظمه قصيدة يمدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم، منها: لقد جَادَ شِعْري في ثَناكَ فَصَاحةً ... وكيف وقد جادَتْ به ألْسُنُ الصَّخْرِ لَئِنْ كان كعبٌ قد أصابَ بِمِدْحَةٍ ... يَمَانِيَّةٍ تزْهُو على التِّبْرِ في القَدْرِ فلِي أمَلٌ يَا أجْوَدَ النَّاس بالْعَطَا ... ويَا عِصْمَةَ العَاصِينَ في رَبْعة الحَشْرِ شَفاعَتُك العُظمَى تَعُمُّ جَرَائمِي ... إذا جئتُ صِفْرَ الكفِّ مُحتَمِلَ الوِزْرِ وأول منظومة " الشافعية " قوله: بحَمْدِ إلهِ الخَلْق ذِي الطَّوْلِ والبِرِّ ... بَدَأتُ بنظمٍ طَيُّه عَبَقُ النَّشْرِ وثنَّيْتُ حَمْدِي بالصَّلاة لأحْمَدٍ ... أبِي القاسم المحْمُودِ في كُرْبَةِ الحَشْرِ صَلاةً تعُمُّ الآلَ والشِّيَعَ الَّتِي ... حَمَوْا وَجْهَهُ يَوْمَ الكَرِيهَةِ بالنَّصْرِ ذكره الحافظ جلال الدين السيوطي، في كتابه " نظم العقيان، في أعيان الأعيان ". وذكره صاحب " الشقائق "، فقال ما ملخصه: إن الكوراني كان حنفي المذهب، قرأ ببلاده، وتفقه، ثم ارتحل إلى القاهرة، وقرأ بها القراءات العشر، وسمع الحديث، وأجازه ابن حجر، وغيره. ثم رحل إلى الديار الرومية، واجتمع بالسلطان مراد خان، فأكرمه، وعظمه، وجعله مؤدباً لولده السلطان محمد، فأقرأه القرآن، وأحسن تأديبه. ثم إن السلطان محمداً المذكور لما جلس على سرير المُلك، بعد موت أبيه، عرض الوزارة عليه، فأبى ولم يقبل، وقال: إن من ببابك من الخدم والعبيد، إنما يخدمونك لينالوا الوزارة في آخر أمرهم، فإذا كان الوزير من غيرهم تتغير خواطرهم، ويختل أمر السلطنة. فأعجبه ذلك. وعرض عليه قضاء العسكر، فقبله، وباشره أحسن مباشرة، وقرب أهل الفضل، وأبعد أهل الجهل. ثم إن أهل السلطان عزله، وأعطاه قضاء بروسة، وولاية الأوقاف بها، فلم يزل بها ينفذ الأحكام، ويعدل بين الأخصام، إلى أن ورد عليه مرسوم مخالف للشرع الشريف، فحرقه، وعزر من هو بيده.

144 - أحمد بن إسماعيل بن محمد ابن صالح بن وهيب بن عطاء بن جبير بن جابر ابن وهيب الأذرعي الأصل، الدمشقي نجم الدين، المعروف بابن الكشك.

فلما بلغ السلطان ذلك عزله عن القضاء، ووقع بينهما بسبب ذلك منافرة ووحشة. فرحل الكوراني إلى الديار المصرية، وكان سُلطانها إذ ذاك الملك الأشرف قايتباي، فأكرمه غاية الإكرام، وأقبل عليه الإقبال التام، وأقام عنده مدة، وهو على نهاية من الإجلال والتعظيم. ثم إن السلطان محمداً ندم على ما فعل، وأرسل إلى قايتباي، يلتمس منه إرسالة إليه، فذكر ذلك للكوراني، ثم قال: لا تذهب إليه؛ فإني أكرمك فوق ما يكرمك. فقال له الكوراني: نعم أعرف ذلك، إلا أن بيني وبينه محبة أكيدة، كما بين الوالد والولد، وما وقع بيننا من التنافر لا يُزيلها، وهو يعرف أني أميل إليه بالطبع، فإذا امتنعت من الذهاب إليه، لا يفهم إلا أن المنع كان من جانبك، فتقع بينكما عداوة. فاستحسن السلطان قايتباي منه ذلك، وأهب له ما يحتاج إليه في السفر، ووهبه مالاً جزيلاً، وأرسل معه بهدايا عظيمة إلى السلطان محمد خان. فلما وصل إليه أكرمه فوق العادة، وفوض إليه قضاء بروسة، فأقام به مدة. ثم فوض إليه منصب الفتوى بالديار الرومية، وعين له كل يوم مائتي درهم، وكل شهر عشرين ألف درهم، وكل سنة خمسين ألف درهم، سوى ما كان يتفقده به من الهدايا والتحف، والعبيد والجواري. وعاش في كنف حمايته في نعم وافرة، وإدرارات مُتكاثرة. وصنف هُناك " تفسير القرآن الكريم "، وسماه " غاية الأماني في تفسير السبع المثاني "؛ أورد فيه مؤاخذات كثيرة، على العلامتين الزمخشري والبيضاوي، رحمهما الله تعالى، وصنف أيضاً " شرح البخاري "، وسماه " الكوثر الجاري على رياض البخاري "، رد في كثير من المواضع فيه على الكرماني، وابن حجر، وصنف " حواشي " لطيفة مقبولة على " شرح الشاطبية " للجعبري. وكانت أوقاته كلها مصروفة في التأليف والفتوى، والتدريس والعبادة. وتخرج به جماعة كثيرة. حُكي عنه أنه كان يختم القرآن في أكثر لياليه، يبتدي فيه بعد صلاة العشاء الآخرة، ويختمه عند طلوع الفجر. وكان رجلاً طوالاً، مهيباً، كبير اللحية، وكان يصبغها، وكان قوالاً بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، يخاطب السلطان والوزير باسمهما، وإذا لقي أحداً منهما يسلم عليه السلام الشرعي، ولا ينحني له، ويصافحه، ولا يقبل يده، ولا يذهب إلى السلطان إلا إذا دعاه، وكان كثير النصيحة لمخدومه السلطان محمد، قوي القلب في الإقدام بها عليه. ومما يُحكى عنه، أنه قال مرة لمخدومه المذكور مُعاتباً: إن الأمير تيمور أرسل بريداً في مصلحة من المصالح المهمة، وقال له: إن احتجي في الطريق إلى فرس فخذ فرس كل من لقيته، ولو كان ابي شاه رخ. فتوجه البريد إلى ما أمر به، فلقي في طريقه العلامة سعد الدين التفتازاني، وهو نازل في بعض المواضع، وخيله مربوطة بإزاء خيمته، فأخذ البريد منها فرساً واحداً، فظهر السعد إليه من الخيمة، وأمسكه وأخذ الفرس منه، وضربه ضرباً شديداً. فرجع البريد إلى تيمور، وأخبره بذلك، فغضب غضباً شديداً، ثم قال: لو كان ابني لقتلته، ولكن كيف أقتل رجلاً ما دخلت إلى بلدة إلا وقد دخلها تصنيفه قبل دخول سيفي. ثم قال الكوراني: إن تصانيفي تقرأ الآن بمكة، ولم يبلغ إليها سيفك. فقال له السلطان محمد خان: نعم، كان الناس يكتبون تصانيفه، ويرحلون من سائر الأقطار إليها، وأما أنت فكتبت تصنيفك، وأرسلت به إلى مكة. فضحك الكوراني، واستحسن هذا الجواب غاية الاستحسان. وفضائل الكوراني ومناقبه كثيرة جداً، وفيما ذكرناه منها مقنع. وكانت وفاته سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، بمدينة قسطنطينية، ودفن بها، وكان له جنازة حافلة، حضرها السلطان فمن دونه، وكثر البكاء عليه، وتأسف الناس على فراقه، رحمه الله تعالى. 144 - أحمد بن إسماعيل بن محمد ابن صالح بن وهيب بن عطاء بن جبير بن جابر ابن وهيب الأذرعي الأصل، الدمشقي نجم الدين، المعروف بابن الكشك. ولد سنة عشر وسبعمائة تقريباً. وأجاز له أبو محمد القاسم بن المظفر بن عساكر الطبيب، ويحيى بن محمد بن سعيد، وأبو بكر ابن مُشرف، وأبو عبد الله ابن أبي الهيجاء بن الزراد، وزينب بنت عمر بن شكر، وجماعة غيرهم. وسمع " الصحيح " من أبي العباس ابن الشحنة، وسمع من غيره.

145 - أحمد بن إسماعيل، شهاب الدين، الرومي

وتفقه، وقدم القاهرة، فقرر في قضاء الحنفية، بعد موت القاضي صدر الدين ابن التركمتاي وكان خبيراً بالمذهب، كثير الاسحضار لفروعه. ودرس بأماكن متعددة، بدمشق، وغيرها. وحدث " بالصحيح " بالقاهرة. ولم تطب له الإقامة بمصر، فترك المنصب، واستعفى، ورجع إلى دمشق، ولزم داره. ثم ولي قضاء دمشق، وكان وليه قبل ذلك. واتفق أنه كان له قريب في عقله خلل، فجاء وطلب منه شيئاً، فمنعه، فضربه بسكين، فمات منها، وذلك في ذي الحجة، سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فقبض على القاتل، فقتل نفسه أيضاً. قال أحمد ابن الشحنة: وهو أحد من بقي من قدماء المدرسين والقضاة، وقد أجاز لي غير مرة. وأنجب أولاداً تولوا بعده المنصب. وكانت فيهم حشمة، ورياسة، وتودد للناس، ونفع للقادمين. وكان آخر من بقي منهم القاضي شهاب الدين أحمد، وقد طلب لولاية القضاء بالديار المصرية مرة، ولكتابة السراخري، فاستعفى من ذلك، وكانت وفاته بدمشق، وفي سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ولم يخلف بعده أراس منه، رحمه الله تعالى. 145 - أحمد بن إسماعيل، شهاب الدين، الرومي سمع " الصحيح " من ست الوزراء، وابن الشحنة. وناب في الحكم عن جمال الدين ابن التركماني. وولي قضاء منية الشيرج، والمرج. ومات في ثاني عشر ذي الحجة، سنة ستين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 146 - أحمد بن اسماعيل التمرتاشي صنف كتاب " التراويح ". ذكره في " الجواهر " ثم ذكر بعده شخصا آخر، يقال له احمد بن اسماعيل التمرتاشي، أبو العباس، شرح " الجامع الصغير ". ثم قال: لعله الذي قبله. 147 - احمد بن أبي بكر بن رجب الرومي الخرتبرتي، الخطيب خطيب قلعة دمشق، ومدرسها. قال البرزالي: كان شيخا كبيرا، جاوز التسعين، فلما توفي ليلة الاثنين، الرابع عشر من شهر ربيع الآخر، سنة سبعمائة وتسعة عشر، قرر ولده في الخطابة، وولي التدريس محيي الدين الأسمر. 148 - أحمد بن أبي بكر بن صالح أبن عمر، الشيخ، الإمام، العالم، شهاب الدين، أبو العباس، المرعشي عالم حلب، انتهت إليه رياسة العلم بها في زمنه. مولده بمرعش سنة ست وثمانين وسبعمائة، وقرأ بها القرآن الكريم، وحفظ بعض المختصرات. ثم رحل إلى عينتاب وتفقه على علمائها. ثم رحل إلى حلب بعد أن أذن له بالإفتاء، والتدريس، وقرأ بها على جماعة، منهم العلامة عمر البلخي، بحث عليه في " الكشاف "، و " شرح المفتاح " وبحث في " المغني " على الإمام شمس الدين محمد بن سلامة المارديني وسمع عليه " الصحيحين ". وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وشارك في عدة فنون. وتصدر للإفتاء والتدريس بحلب، وانتفع به الطلبة. وألف كتباً كثيرة؛ منها " كنوز الفقه " في المذهب، ونظم " العمدة " للنسفي، في أصول الدين، وزاد عليها، وخمس البردة. وعرض عليه الملك الظاهر جقمق القضاء بحلب، فامتنع تنزهاً عن ضيق عيش، ورقة حال. وكان في عصره عالم البلاد الحلبية. وكان موجوداً في سنة ست وثلاثين وثمانمائة. كذا لخصت هذه الترجمة من " الغرف العلية ". 149 - أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب القزويني، أبو عبد الله، بديع الزمان، العلامة قال في " الجواهر ": رأيت له " الجامع الحريز، الحاوي لعلوم كتاب الله العزيز ". كان مقيماً بسيواس، في سنة عشرين وستمائة. 150 - أحمد بن أبي بكر بن محمد العبادي نسبة لمنية عباد، قرية بالغربية. قال ابن حجر: تفقه على السراج الهندي. وفضل، ودرس، وشغل. ثم صاهر القليجي، وناب في الحكم، ووقع على القضاة. ودرس بمدرسة الناصر حسن، وكان يجمع الطلبة، ويحسن إليهم. وحصلت له محنة مع السالمي، ثم أخرى مع الملك الظاهر. ومات في ثامن عشر أو تاسع عشر شهر ربيع الآخر، سنة إحدى وثمانمائة، رحمه الله تعالى. وقال في " المنهل ": كان إماً علامة، بارعاً، فقيهاً، نحوياً، من أهيان فقهاء الحنفية. ودرس، وأفتى، عدة سنين، في علوم كثيرة. 151 - أحمد بن أبي بكر بن محمد ابن غازي بن سليمان، أبو العباس، شهاب الدين عرف بابن سلك. مولده سنة تسعين وستمائة. درس، وأفتى، وناب في الحُكم. وكانت وفاته سنة تسع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 152 - أحمد أبي بكر الخاصي

153 - أحمد بن أبي الحارث

والد يوسف الآتي ذكره، إن شاء الله تعالى *قال في " الجواهر ": حكى يوسف في فتاويه، فيمن تزوج امرأة بشهادة شهود، على مهر مُسمى، ومضى على ذلك سنون، وولدت أولاداً ومضى سنون، ثم مات الزوج، ثم إنها استشهدت الشهود أن يشهدوا على ذلك المسمى، وهم يتذكرون. استحسن مشايخنا أنهم لا يسعهم أن يشهدوا، بعد اعتراض هذه العوارض، ومن ولادة الأولاد، ومضى الزمان، لاحتمال سقوطه، كله أو بعضه عادة. وكان يفتي بهذا والدي، ثم رجع وأفتى كما هو ظاهر جواب " الكتاب " أنه يجوز، وبه يُفتى. قال عبد القادر: ولا أدري هذه النسبة إلى أي شيء، ولم يذكرها السمعاني، والله تعالى أعلم. 153 - أحمد بن أبي الحارث *قال الجرجاني في " الخزانة ": قال أبو العباس الناطفي: رأيت بخط بعض مشايخنا في رجل جعل أحد بنيه داراً بنصيبه، على أن لا يكون له بعد موت الأب ميراث. جاز. وأفتى به الفقيه أبو جعفر محمد بن اليمان، أحد أصحاب محمد بن شجاع الثلجي. وحكى ذلك أصحاب احمد بن أبي الحارث، وأبي عمرو الطبري. 154 - أحمد بن أبي داود بن حريز ابن مالك بن عبد الله بن سلام بن مالك - يتصل نسبه بإياد بن نزار بن معد بن عدنان - الإيادي، أبو عبد الله، القاضي اصله من البصرة، وسكن بغداد. ويقال إن اسم والده دعني، ويقال: فرج. قال الخطيب البغدادي: والصحيح أن اسمه كُنيته. وكانت ولادته كما نقله أبو العيناء عنه، سنة ستين ومائة، وكان أسن من يحيى بن أكثم. قال الخطيب: ولي القضاء للمعتصم، والواثق، وكان موصوفاً بالجود، وحسن الخلق، ووقور الأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل الخليفة على امتحان العلماء بخلق القرآن. وقال الدارقطني: هو الذي كان يمتحن العلماء في زمانه، وولي قضاء القضاة للمعتصم، والواثق، وكان هو الذي يولي قضاة البلاد كلها من تحت يده، واستمر في أيام دولة المتوكل، ثم صرف، وصودر. وقال أبو العيناء: كان أحمد بن أبي داود شاعراً مُجيداً، فصيحاً، بليغاً، ما رأيت رئيساً أفصح منه، وكان في غاية التأدب، ما خرجت من عنده يوماً فقال: يا غلام، خذه بيده. بل كان يقول: اخرج معه. فكنت أفتقد هذا الكلام فما أخل به قط، وما كنت أسمعها من غيره. وقال النديم في " الفهرست ": كان من كبار المعتزلة، تجرد في إظهار المذهب، وذب عن أهله، وبالغ في العناية به، وكان من صنائع يحيى بن أكثم، وهو الذي أوصله إلى المأمون، ثم اتصل بالمعتصم فغلب عليه، ولم يكن يقطع أمراً دونه، ولم ير في أبناء جنسه أكرم منه. وقال الصولي: كان يقال أكرم من في دولة بني العباس البرامكة، ثم أحمد بن أبي داود، لولا ما وضع به نفسه من محبة المحنة بخلق القرآن، والمبالغة في ذلك، واللجاج فيه، وحمل الخلفاء عليه، ولولا ذلك لأجمعت الألسن على الثناء عليه، ولم يضف إلى كرمه كرم أحد. ويقال: إنه لم يكن له أخ من 'خزوانه إلا بنى له داراً، ووقف على ولده أبداً، ولم يكن لأخ من إخوانه ولد إلا من جارية وهبها له. ومما يحكى من كرمه، أنه انقطع شسعه، فناوله رجل شسعاً، فوهب له خمسمائة دينار. ويروى أن الواثق أمر بعشرة آلاف درهم، لعشرة من بني هاشم، على يد ابن أبي داود، فدفعها إليهم، فكلمه نظراؤهم من بني هاشم أيضاً، ففرق فيهم عشرة آلاف درهم مثل أولئك، من مال نفسه، على أنها من عند الواثق، فبلغه ذلك، فقال: يا أبا عبد الله، مالنا أكثر من مالك، فلم تغرم، وتضيف ذلك إلينا؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين، لو أمكنني أن أجعل ثواب حسناتي لك، وأجهد في عمل غيرها لفعلت، فكيف أبخل بمالٍ أنت ملكتنيه على أهلك الذين يكثرون الشكر، ويتضاعف فيهم الأجر. فوهبه الواثق ألف درهم، ففرقها كلها في بني هاشم. وقال محمد بن عمر الرومي: ما رأيت أحضر حجة من أحمد بن أبي داود؛ قال له الواثق يوماً: يا ألا عبد الله، رفعت إلي رقعة، فيها أنك وليت القضاء رجلاً أعمى. قال: نعم، يا أمير المؤمنين، هذا رجل من أهل الفضل، وليته ثم بلغني أنه أصيب ببصره، فأردت أن أصرفه، فبلغني أنه معى من كثرة بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت له ذلك، وأمرته أن يستخلف. قال: وفيها أنك أجزت شاعراً مدحك بألف دينار.

قال: نعم، أجزته بدونها، وهذا شاعر طائي - يعني أبا تمام - لو لم أحفظ له إلا قوله لأمير المؤمنين المعتصم، يحرضه على استخلافك، في قصيدة مدحه بها: واشْدُدْ بهارونَ الخلافةَ إنَّهُ ... سَكَنٌ لِوَحْشَتِها ودَارُ قَرارِ فلقد عَلِمْتَ بأنَّ ذلك مِعْصمٌ ... مَا كنتَ تَتْرُكُهُ بِغَيْر سِوَارِ فطرب، وأمر لأبي تمام بجائزة. وقال له الواثق يوماً آخر: يا أحمد، لقد اختلت بيوت الأموال بطلبتك للَّئذين بك. فقال: إن نتائج شكرها متصلة بك، وذخائرها أجرها مكتوبة لك. فقال: لا منعتك بعدها. وروى الخطيب أن عون بن محمد الكندي، قال: لعهدي بالكرخ ببغداد، وأن رجلاً لو قال: ابن أبي داود مسلم. لقتل في مكانه، ثم وقع الحريق بالكرخ، وهو الذي ما كان مثله قط، كان الرجل يقوم في صينية شارع الكرخ فيرى السفن في دجلة، فكلم ابن أبي داود المعتصم في الناس، قال: يا أمير المؤمنين، رعيتك في بلدك، وبلد آبائك، نزل بهم هذا الأمر، فاعْطف عليهم بشيء يفرق فيهم؛ يمسك أرماقهم، ويبنون ما انهدم عليهم، ويصلحون أحوالهم. فلم يزل ينازله حتى أطلق له خمسة آلاف ألف درهم، فقال: يا أمي رالمؤمنين إن فرقها عليهم غيري خفت أن لا يقسمها بالسوية، فأذن لي في تولي أمرها، ليكون الأجر أوفر والثناء أكبر. قال: ذلك إليك. فقسمها على مقادير الناس وما ذهب منهم نهاية ما يقدر عليه من الاحتياط، واحتاج إلى زيادة فازدادها من المعتصم، وغرم ماله في ذلك غرماً كثيراً، فكانت هذه من فضائله التي لم يكن لأحدٍ مِثلها. قال عون: فلعهدي بالكرخ بعد ذلك، وأن إنساناً لو قال: زر ابن أبي داود وسخ. لقتل مكانه. وحدث حريز بن أحمد بن أبي داود، قال: حدثني علي بن الحُسين الإسكافي، قال: اعتل أبوك، فعاده المعتصم، وكان معه، بغا، وكنت معه؛ لأني كنت أكتب لبغا، فقام، فتلقاه، وقال له: قد شفاني الله بالنظر إلى أمير المؤمنين. فدعا له بالعافية، فقال له: قد تمم الله شفائي، ومحق دائي بدعاء أميير المؤمنين. فقال له المعتصم: إني نذرت إن عافاك الله أن أتصدق بعشرة آلاف دينار. فقال له: يا أمير المؤمنين، فاجعلها لأهل الحرمين، فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتا. فقال: نويت أن أتصدق بها ههنا، وأنا أطلق لأهل الحرمين مثلها. ثم نهض، فقال: أمتع الله الإسلام وأهله ببقائك يا أمير المؤمنين؛ فإنك كما قال النمري لأبيك الرشيد: إن المكارم والمَعْرُوفَ أوْدِيَةٌ ... أحَلَّكَ الله منها حَيثُ تجْتمِعُ مَن ام تِكُنْ بأمِينِ الله مُعْتصِماً ... فليْسَ بالصَّلواتِ الخَمْسِ ينْتَفِعُ فقيل للمعتصم في ذلك، لآنه عادة، وليس يعود إخوته وأجلاء أهله، فقال المعتصم: وكيف لا أعود رجلاً، ما وقعت عيني عليه قط إلا ساق إلي أجراً، أو أجبت لي شكراً، أو أفادتني فائدة تنفعني في ديني ودنياي، وما سألني حاجة لنفسه قط. وروى الخطيب في " تاريخه " بسنده، عن ابن الأعرابي، أنه قال: سأل رجل قاضي القضاة أحمد بن أبي داود أن يحمله على عَيْر، فقال: يا غلام، أعطه عيراً، وبرذوناً، وفرساً، وجارية. ثم قال، أما والله ولو عرفت مركوباً غير هذا لأعطيتك. فشكر له الرجل، وقاد ذلك كله، ومضى، انتهى. قلت: ومثل ذلك مرويٌ عن معن بن زائدة الشيباني، وهو متقدم على ابن أبي داود في الجود والوجود، فلعل ابن أبي داود حكى مكارمه الوافرة، وضارع أخلاقه الظاهرة. ومن لطيف ما يحكى هُنا، ويشهد لما ذكرنا، عن الصاحب أبي القاسم إسماعيل بن عباد، أنه كان يعجبه الخز، ويأمر بالاستكثار منه في داره، فنظر أبو القاسم الزعفراني يوماً إلى جميع ما فيها من الخدم والحاشية، وعليهم الخُزور الفاخرة الملونة، فاعتزل ناحية وأخذ يكتب شيئاً، فنظر إليه الصاحب، وقال: علي به. فاستمهل ريثما يتم مكتوبه، فأمر الصاحب بأخذ الدرج من يده. فقام، وقال: أيد الله مولانا: اسْمعه مِمن قاله تزْدَدْ به ... عَجَباً فحسنُ الوردِ في أغصانِهِ فقال: هات يا أبا القاسم. فأنشده أبياتاً، منها: سِوَاك يَعُدُّ الغِنَى مَا اقْتنى ... وَيأمُرُهُ الحِرْصُ أن يَخْزُنا وأنتَ ابنُ عَبِّاد المُرْتَجى ... تَعُدُّ نَوالَك نَيْلَ المُنى

وخَيْرُك مِن بَاسِطٍ كَفَّهُ ... وَمِمَّنْ تَناءىَ قريبُ الجَنى غَمَرْتَ الوَرى بصُنوفِ النَّدَى ... فأصْغَرُ مَا مَلَكوهُ الْغِنى وغادَرْتَ أشْعرَهُمْ مُفْحَماً ... وأشْكَرَهُمْ عَاجِزاً ألْكَنا أيَا مَن عَطَايَاهُ تُهْدى الغنى ... إلى راحتَيْ مَن نأى أو دنَا كَسَوْتَ المُقِيمين والزَّائِرينَ ... كُسى لم يُخَلْ مثلُها مُمْكِنَا وحَاشِيَةُ الدَّارِ يَمْشُونَ في ... ضُرُوب من الخَزِّ إلا أنَا ولَسْتُ أذكِّرُ بِي جَارياً ... عَلى العَهْدِ يُحْسِنُ أن يُحْسِنَا فقال له الصاحب: قرأت في أخبار معن بن زائدة، أن رجلاً قال له: احملني أيها الأمير. فأمر له بناقة، وفرس، وبغل، وحمار، وجارية، ثم قال له: لو علمت مركوباً غيرها لحملتك عليه. وقد أمرنا لك من الخزبجية، ودراعة، وقميص، وسراويل، وعمامة، ومنديل ومطرف، ورداء، وجورب، ولو علمنا لباساً آخر يتخذ من الخز أعطيناكه. وقد بلغ حيث معن المذكور للمعلى بن أيوب، فقال: رحم الله ابن زائدة، لو كان يعلم أن الغلام يركب لأمر له به، ولكنه كان عربياً خالصاً. قلت: وقد ذكرت أنا هذه القصة لبعض موالي الديار الرومية، فقال: لو كنت أنا مكان ابن زائدة ما أعطيته إلا الغلام فقط، إذ لا يركب غيره. وعن محمد بن عبد الملك الزيات الوزير، قال: كان رجل من ولد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لا يلقى أحمد بن أبي داود إلا لعنه، ودعا عليه، سواء وجده منفرداً، أو في محفل، وأحمد لا يرد عليه؛ فاتفق أن عرضت للعمري حاجة عند المعتصم، فسألني أن أرفع قضيته، فخشيت أن يعارض أحمد، فامتنعت، فألح علي، فأخذت قصته، ودخلت إلى المعتصم، فلم أجد أحمد، فاغتنمت غيبته، ودفعت له قصة الرجل، فدخل أحمد وهي في يده، فناولها له، فلما رأى اسمه، وفيه أنه من ذرية عمر بن الخطاب، قال: يا أمير المؤمنين، عمر ابن الخطاب يا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، تقضي لولده كل حاجة. فوقع بقضاء حاجته، وأخذت القصة، ودفعتها للرجل، وقلت له: اشكر القاضي، فهو الذي اعتنى بك حتى قضيت حاجتك. فجلس الرجل حتى خرج أحمد، فقام إليه، فجعل يدعو له ويشكره، فالتفت إليه أحمد، وقال له: اذهب عافاك الله، فإني إنما فعلت ذلك لعمر، لا لك. ومن أخباره الشنيعة المتلقة بأمر المحنة بالقول بخلق القرآن، وبقيامه في ذلك، على وجه الاختصار، ما حكاه ابن السبكي في " الطبقات الكبرى " في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله تعالى، قال: ذكر الداهية الدهيا، والمصيبة العُظمى، وهي محنة عُلماء الزمان، ودعاؤهم إلى القول بخلق القرآن، وقيام أحمد بن حنبل الشيباني، وابن نصر الخزاعي، مقام الصديقين، وما اتفق في تلك الكاينة من أعاجيب تناقلتها الرواة على ممر السنين: كان القاضي أحمد بن أبي داود ممن نشأ في العلم، وتضلع بعلم الكلام، وصحب فيه صباح بن العلاء السلمي، صاحب واصل بن عطاء، أحد رءوس المعتزلة، وكان ابنأبي داود رجلاً فصيحاً، قال أبو العيناء: ما رأيت قط أفصح ولا أنطق منه، وكان كريماً ممدحاً، وفيه يقول بعضهم: لقد أنْسَتْ مَسَاويَ كُلِّ دَهْرٍ ... مَحَاسِنُ أحمدَ بن أبي دُوَادِ ومَا طَوَّفْتُ في الآفَاقِ إلاَّ ... ومِن جَدْوَاك رَاحِلَتي وزَادِي مُقِيمُ الظَّنِّ عندك والأمَانِي ... وإن قلقتْ رِكابِي في البلادِ وكان معظماً عند المأمون أمير المؤمنين، يقبل شفاعته، ويُصغي إلى كلامه، وأخباره في هذا كثير، فدس له ابن داود له القول بخلق القرآن، وحسنه عنده، وصيره يعتقده حقاً مُبيناً، إلى أن أجمع رأيه في سنة ثمان عشرة ومائتين، على الدعاء إليه، فكتب إلى نائبه على بغداد، إسحاق بن إبراهيم الخزاعي، عم طاهر بن الحسين، في امتحان العلماء كتاباً، يقول فيه كذا وكذا. ثم ساق الكتاب، وجوابه، وأخباراً أخر تتعلق بالإمام أحمد وغيره، أضربنا عنها خوف الإطالة، إذ المراد بيان أن السبب في هذه المحنة العظمى هو ابن داود، وذكر يسير من أخباره المتعلقة بها، وأما حصرها فلا سبيل إليه.

فعن أحمد بن المعدل، أن أبي داود كتب إلى رجل من أهل المدينة: إن تابعت أمير المؤمنين في مقالته استوجبت المكافأة الحسنة. فكتب إليه: عصمنا الله وإياك من الفتنة، والكلام في القرآن بدعةٌ يشترك فيه السائل والمجيب؛ لتعاطي السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه، ولا نعلم خالقاً إلا الله، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، لا نعلم غير ذلك، والسلام. وروى الخطيب في " تاريخه " أن طاهر بن خلف، قال: سمعت محمد بن الواثق، الذي يقال له المهتدي بالله، يقول: كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلاً أحضرنا ذلك المجلس، فأتى بشيخ مقيد، فقال أبي: ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه. يعني ابن أبي داود. قال: فأدخل الشيخ، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال: لا سلم الله عليك. فقال: يا أمير المؤمنين، بئس ما أدبك به مؤدبك، قال الله تعالى: (وَإذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بأحْسَنَ مِنْهَا أوْ رُدُّوهَا) ، والله ما حييتني بها، ولا بأحسن منها. فقال ابن أبي دواد: يا أمير المؤمنين، هذا رجل متكلم. فقال له: كلمه. فقال: يا شيخ، ما تقول في القرآن؟ قال الشيخ: لم تنصفني المسألة، أنا أسألك قبل. فقال له: سل. فقال الشيخ: ما تقول في القرآن؟ فقال: مخلوق. فقال الشيخ: هذا شيءٌ علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والخلفاء الراشدون، أم شيٌ لم يعلموه؟ فقال: شيءٌ لم يعلموه. فقال: سبحان الله، شيءٌ لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا عليٌ، ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت! قال: فخجل ابن أبي داود. وقال: أقلني. قال: والمسألة بحالها؟ قال: والمسألة بحالها؟ قال: نعم. قال: ما تقول في القرآن؟ فقال: مخلوق. فقال: هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليٌ، والخلفاء الراشدون، أم لم يعلموه؟ فقال: علموه، ولم يدعوا الناس إليه. قال: أفلا وَسعك ما وسعهم!! قال: ثم قام أبي، فدخل مجلس الخلوة، واستلقى على قفاه، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، وقو يقول: هذا شيءٌ لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت، سبحان الله، هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والخلفاء الراشدون، ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم. ثم دعا الحاجب، وأمره أن يرفع عن الشيخ قيوده، ويعطيه أربعمائة دينار، ويأذن له في الرجوع، وسقط من عينه ابن أبي دواد، ولم يمتحن بعد ذلك أحداً. انتهى. وقد أنكر ابن السبكي في " طبقاته " أن يكون صدر من ابن أبي دواد مثل هذا الكلام، الذي تنبو عنه الأسماع، وتنفر منه الطباع، وهو قوله " شيءٌ لم يعلموه "، فقال: وكان من الأسباب في رفع الفتنة، أن الواثق أتى بشيخ مقيد، فقال له ابن دواد: يا شيخ، ما تقوله في القرآن، أمخلوقٌ هو؟ فقال له الشيخ: لم تنصفني المسألة، أنا أسألك قبل الجواب، هذا الذي تقول يا ابن أبي داود من خلق القرآن شيء علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله تعالى عنهم، أو جهلوه؟ فقال: بل علموه. فقال: هل دعوا الناس إليه، كما دعوتهم أنت، أو سكتوا؟ قال: بل سكتوا. قال: فهلا وسعك ما وسعهم من السكوت! فسكت ابن أبي دواد، وأعجب الواثق كلامه، وأمر بإطلاق سبيله، وقام الواثق من مجلسه وهو على ما حكى يقول: هلا وسعك ما وسعهم. يكرر هذه الكلمة. وكان ذلك من الأسباب في خمود الفتنة، وإن كان رفعها بالكلية إنما كان على يد المتوكل.

قال: - أعني ابن السبكي - وهذا الذي أردناه في هذه الحكاية هو ما ثبت من غير زيادة ولا نقصان، ومنهم من زاد فيها ما لا يثبت، فاحفظ ما أثبتناه، ودع ما عداه، فليس عند ابن أبي داود من الجهل ما يصل به إلى أن يقول: جهلوه. وإنما نسبه هذا إليه تعصب عليه، والحق وسط، فابن أبي دواد مبتدع، ضال مبطل لا محالة، ولا يستدعي أمره أن يدعي شيئاً ظهر له، وخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين، كما حكي عنه في هذه الحكاية، فهذا معاذ الله أن يقوله أو يظنه أحدٌ يتزيي بزي المسلمين، ولو فاه به ابن أبي دواد لفرق الواثق من ساعته بين رأسه وبدنه. قال: وشيخنا الذهبي، وإن كان في ترجمة ابن أبي دواد حكى الحكاية على الوجه الذي لا نرضاه، فقد أوردها في ترجمة الواثق من غير ما وجه على الوجه الثابت. قال: وقد دامت هذه المحنة شطراً من خلافة المأمون، واستوعبت خلافة المعتصم والواثق، وارتفعت في خلافة المتوكل. وقد كان المأمون الذي افتتحت في أيامه، وهو عبد الله المأمون بن هارون الرشيد، ممن عُني بالفلسفة، وعلوم الأوائل، ومهر فيها، واجتمع عليه جمع من علمائها، فجره ذلك إلى القول بخلق القرآن. قال: وذكر المؤرخون أنه كان بارعاً في الفقه، والعربية، وأيام الناس، وكان ذا حزمٍ، وحُكم، وعلم، ودهاء، وهيبة وذكاء، وسماحة، وفطنة، وفصاحة، ودين. قيل: ختم في رمضان ثلاثاً وثلاثين خنمة، وصعد في يوم منبراً، وحدث فأورد بسنده نحواً من ثلاثين حديثاً، بحضور القاضي يحيى بن أكثم، ثم قال له: يا يحيى، كيف رأيت مجلسنا؟ فقال: أجل مجلس يفقه الخاصة والعامة. فقال: ما رأيت له حلاوة، إنما المجالس لأصحاب الخلقان والمحابر. وقيل: تقدم إليه رجل غريب، بيده محبرة، قال: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث، منقطع به السبيل. فقال: ما تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر شيئاً. قيل: فما زال المأمون يقول: حدثنا هُشيم، وحدثنا يحيى، وحدثنا حجاج، حتى ذكر الباب. ثم سأله عن باب آخر، فلم يذكر فيه شيئاً. قيل: فقال المأمون: حدثنا فلان، وحدثنا فلان، إلى أن قال لأصحابه: يطلب أحدُهم الحديث ثلاثة أيام، أنا من أصحاب الحديث! أعطوه ثلاثة دراهم. قال: وكان المأمون من الكرم بمكان مكين، بحيث إنه فرق في ساعة ستة وعشرين ألف ألف درهم، وحكايات مكارمه تستوعب الأوراق، وإنما اقتصر في عطاء هذا السائل - فيما نراه والله أعلم - لما رأى منه من التمعلم وليس هو هناك، ولعله فهم عنه التعاظم عليه بالعلم، كما هو شأن كثير ممن يدخل إلى الأمراء، ويظنهم جهلة، على العادة الغالبة. وكان المأمون كثير العفو والصفح، ومن كلامه: لو علم الناس حبي للعفو لتقربوا إلي بالجرائم، وأخاف أن لا أؤجر فيه. يعني لكونه طبعاً له. قال يحيى بن أكثن: كان المأمون يحلم حتى يغيظنا. وقيل: إن ملاحاً مر والمأمون جالس، فقال: أتظنون أن هذا ينبل في عيني، وقد قتل أخاه الأمين؟ فسمعه المأمون، وظن الحاضرون أنه سيقضي عليه، فلم يزد على أن تبسم، وقال: ما الحيلة حتى أنبل في عين هذا السيد الجليل. قال - أعني ابن السبكي -: ولسنا نستوعب ترجمة المأمون، فإن الأوراق تضيق بها، وكتابنا غير موضوع لها، وإنما غرضنا أنه كان من أهل العلم والخير، وجره القليل الذي كان يدريه من علوم الأوائل، إلى القول بخلق القرآن، كما جره اليسير الذي كان يدريه في الفقه، إلى القول بإباحة متعة النساء، ثم لم يزل به يحيى بن أكثم، رحمه الله تعالى، حتى أبطلها، وروى له حديث الزهري، عن ابني الحنفية، عن أبيها محمد بن علي، رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر. فلما صح له الحديث، رجع إلى الحق. وأما مسألة خلق القرآن فلم يرجع عنها، وكان قد ابتدأ بالكلام فيها، في سنة اثنتي عشرة، ولكن لم يصمم ويحمل الناس، إلا سنة ثمان عشرة، ثم عوجل ولم يمهل، بل توجه غازياً إلى أرض الروم، فمرض، ومات، في سنة ثمان عشرة ومائتين. واستقل بالخلافة أخوه المعتصم محمد بن هارون الرشيد، بعهد منه، وكان ملكاً شجاعاً، بطلاً مهيباً، وهو الذي فتح عمورية، وقد كان المنجمون قضوا بأنه يكسر، فانتصر نصراً مؤزراً، وأنشد فيه أبو تمام قصيدته السائرة، التي أولها:

السَّيفُ أصْدَقُ أنْباءً من الكُتُب ... في حَدِّه الحَدُّ بين الجِدِّ واللعبِ والعلمُ في شُهُبِ الأرْمَاحِ لامِعَةً ... بَيْن الخَمِيسَيْن لا في السَّبْعةِ الشُّهُبِ أيْنَ الرِّوَايةُ أمْ أيْنَ النُّجومُ وَمَا ... صَاغُوهُ مِن زُخْرُفٍ فيها ومن كذِبِ تخرُّصاً وأحَاديثاً مُلفَفَّقةً ليْسَتْ بنَبْعٍ إذا عُدَّتْ ولا غَرَبِ قال: ولقد تضيق الأوراق عن شرح ما كان عليه من الشجاعة والمهابة والمكارم، والأموال، والخيل، والدهاء، وكثرة العساكر، والعدد، والعَدَد. وقال الخطيب: ولكثرة عسكره، وضيق بغداد عنه، بنى سامرا، وانتقل بالعساكر إليها، وسميت العسكر. ويقال: بلغ عدة غلمانه الأتراك فقط، سبعة عشر ألفاً. وقيل: إنه كان عرياً من العلم، مع أنه رويت عنه كلمات تدلُ على فصاحة ومعرفة. قال أبو الفضل الرياشي: كتب ملك الروم، لعنه الله، إلى المعتصم، يتهدده، فأمر بجوابه، فلما قرئ عليه الجواب لم يرضه، وقال للكاتب: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وسمعت خطابك، والجواب ما ترى، لا ما تسمع، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار. ومن كلامه: اللهم إنك تعلم أني أخافك من قبلي، ولا أخافك من قبلك، وأرجوك من قبلك، ولا أرجوك من قبلي. *قال ابن السبكي: والناس يستحسنون هذا الكلام منه، ومعناه أن الخوف من قبلي؛ لما اقترفته من الذنوب، لا من قبلك؛ فإنك عادل لا تظلم، فلولا الذنوب لما كان للخوف معنى، وأما الرجاء، فمن قبلك؛ لأنك متفضل، لا من قبلي، لأنه ليس عندي من الطاعات والمحاسن ما أرتجيك به. قال: والشق الثاني عندنا صحيح لا غبار عليه، وأما الأول، فإنا نقول: إن الرب تعالى يخاف من قبله، كما يخاف من قبلنا؛ لأنه الملك القهار، يخافه الطائعون والعصاة، وهذا واضح لمن تدبره. قال المؤرخون: ومع كونه كان لا يدري شيئاً من العلم، حمل الناس على القول بخلق القرآن. قال ابن السبكي: لأن أخاه المأمون أوصى إليه بذلك، وانضم إلى ذلك القاضي أحمد ابن أبي دواد، وأمثاله من فقهاء السوء، وإنما يتلف السلاطين فسقة الفقهاء؛ فإن الفقهاء ما بين صالح وطالح، فالصالح غالباً لا يتردد إلى أبواب الملوك، والطالح غالباً يترامى عليهم، ثم لا يسعه إلا أن يجري معهم على أهوائهم، ويهون عليهم العظائم، ولهو على الناس شر من ألف شيطان، كما أن صالح الفهاء خير من ألف عابد، ولولا اجتماع فقهاء السوء على المعتصم، لنجاه الله مما فرط منه، ولو كان الذين عنده من الفقهاء على حق لأروه الحق أبلج واضحاً، ولأبعدوه عن ضرب مثل الإمام أحمد، ولكن ما الحيلة والزمان بني على هذا! أو بهذا تظهر حكمة الله في خلقه. ومات المعتصم، في سنة سبع وعشرين ومائتين. وولي الواثق بالله أبو جعفر هارون بن المعتصم بن الرشيد، وكان مليح الشعر، يروى أنه كان يحب خادماً أهدي له من مصر، فأغضبه الواثق يوماً، ثم إنه سمعه يقول لبعض الخدم: والله إنه ليروم أن أكلمه من أمس، فلم أفعل. فقال الواثق في ذلك: يَاذَا الذي بِعَذَابي ظَلَّ مُفْتَخِراً ... مَا أنتَ إلا مَلِيكٌ جَارَ إذْ قدَرَا لَوْلا الهَوَى لَتَجَارَيْنا على قَدَرٍ ... وإن افِقْ منه يومْاً مَا فسَوْفَ تَرَى وقد ظرف عبادة المخنث، حيث دخل إليه، وقال: يا أمير المؤمنين، أعظم الله أجرك في القرآن. قال: ويلك، القرآن يموت!! قال: يا أمير المؤمنين، كل مخلوق يموت، بالله من يصلي يا أمير المؤمنين بالناس التراويح إذا مات القرآن؟ فضحك الخليفة، وقال: قاتلك الله، أمسك. قال الخطيب: وكان ابن أبي دواد قد استولى عليه، وحمله على تشديد المحنة. قال ابن السبكي: وكيف لا يشدد المسكين فيها، وقد أقروا في ذهنه أنه حق يقربه إلى الله تعالى، حتى إنه لما كان الفداء، في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، واستفك الواثق من طاغية الروم أربعة آلاف وستمائة، قال ابن أبي دواد، على ما حُكي عنه ولكن لم يثبت عندنا: من قال من الأسارى القرآن مخلوق خلصوه وأعطوه دينارين، ومن امتنع دعوه في الأسر. وهذه الحكاية إن صحت عنه دلت على جهل عظيم، وإفراط في الكفر.

وهذا من الطراز الأول، فإذا رأى الخليفة قاضياً يقول هذا الكلام، أليس يوقعه في أشد مما وقع منه؟! فنعوذ بالله من علماء السوء، ونسأله التوفيق والإعانة. انتهى. ولنرجع إلى أخبار أحمد: روى عن الحسن بن ثواب، قال: سألت أحمد بن حنبل عمن يقول: القرآن مخلوق. قال: كافر. قال: فابن أبي دواد؟ قال: كافر بالله العظيم. قلت: بماذا كفر؟ قال: بكتاب الله تعالى، قال الله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) ، فالقرآن من علم الله، فمن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم. وقال أبو حَجَّاج الأعْرَابي يَهْجُوهُ: نكَسْت الدِّينَ يَا ابْن أبي دُواد ... فأَصْبحَ من أطَاعَك في ارْتِدلدِ زَعَمْت كلامَ رَبِّك كان خَلْقاً ... أمَالَكَ عند رَبِّك مِن مَعَادِ كَلامُ الله أنْزَلهُ بعِلْمٍ ... وأوْحَاه إلى خَيْر العِبَادِ ومَن أمْسَى ببَابِك مُسْتَضيفاً ... كمَن حَلَّ الفَلاةَ بغَيْرِ زَادِ لقد أظْرَفْتَ يَا ابن دُوَادٍ ... بقولكَ إِنِّنِي رَجُلٌ إِيادِي قلت: قد ظلمهُ هذا الشاعر، بنسبته إلى البخل، مع ما قدمنا ذكره عنه من المكارم، وحسن الصنيع إلى من يعرف ومن لا يعرف، حتى لعدوه، وأحسن منه قول بعضهم يهجوه أيضاً: لَوْ كنتَ في الرَّأي مَنْسُوباً إلى رَشَدِ ... أوْ كان عَزْمُك عَزما فيه توْفيقُ لَكان في افقهِ شُغلٌ لو قنَعْت به ... من أنْ تقولَ كَلامُ اللهِ مخلوقُ ماذا عَليك وأصلُ الِّين يَجْمَعُهُمْ ... مَا كانَ في الفَرْعِ لولاَ الجهلُ والمُوقُ وفي " تاريخ الخطيب " عن أبي الهُذيل، قال: دَخلتُ على ابن أبي دواد، وابنُ أبي حفصة ينشده هذه الأبيات: فقُلْ للفاخرين عَلى نِزارٍ ... ومنْها خِنْدَف وبنو إياد رسول الله والخلفاء منَّا ... ومنا أحمدُ بن أبي دواد قال: فقال لي: كيف تسمع يا أبا الهُذيل؟ فقلت: هذا يضع الهناء مواضع النقب. ثم إن أبا الهذيل نقض على ابن أبي حفصة، فقال: فقُل للفاخرين علَلَى نِزارٍ ... وهُمْ في الأرضِ سَادَاتُ العبَادِ رَسُولُ اللهِ وَالْخُلَفاءُ منَّا ... ونَبْرَأ من دَعِيِّ بَنِي إيَادِ ومَا مِنَّا إيَادٌ إذْ أقَرَّتْ ... بدَعْوةِ أحمدَ بن أبي دُواد فبلغ ابن أبي دُواد قوله، فقال: مَا بلغ مني أحدٌ ما بلغ هذا الكلام، ولولا أني أكره أن أُنبه عليه، لعاقبته عقاباً لم يعاقب أحدٌ مثله، جاء إلى منقبة كانت لي، فنقضها عروة عروة. كذا غزاه الخطيب إلى ابن أبي حفصة وأبي الهُذيل، وقال الصلاح الصفدي، في كتاب " المجاراة والمجازاة ": إن الأبيات الأول لمروان بن أبي الجنوب، والأبيات الثانية لأبي الهفان المهزمي. والله أعلم. وروى أن ابن أبي دواد، كان بينه وبين محمد بن عبد الملك الزيات، وزير المعتصم، مناقشات وشحناء، حتى قيل: إن أحمد قال له مرة: والله ما أجيبك مُتكثراً بك من قلة، ولا متعززاً بك من ذلة، ولكن أمير المؤمنين رتبك رتبة أوجبت لقاك، فإن لقيناك فله، وإن تأخرنا عنك فلك. ثم نهض من عنده. قال ابن خلكان: وكانت وفاته بعد موت الوزير المذكور بسبعة وأربعين يوماً. قال: ولما حصل له الفالج، ولي القضاء موضعه ابنه أبو الوليد محمد، ولم تكن طريقته مرضية، وكثر ذاموه، وقل شاكروه، حتى قال إبراهيم بن العباس الصولي: عَفَّتْ مَسَاوٍ تَبَدَّتْ منكَ ظاهِرةٌ ... على مَحاسِنَ أبْقاها أبوكَ لَكَا قِفْ قد تقدَّمتَ أبْناء الكرامِ به ... كما تقدَّمَ آبَاءُ اللِّئام بِكا قال ابن خلكان: ولعمري، لقد بالغ في طرفي المدح والذم، وهو معنى بديع. قال: واستمر على القضاء إلى سنة تسع وثلاثين ومائتين، فسخط المتوكل على القاضي أحمد وولده محمد، فأخذ من الوليد مائة ألف دينار، وعشرين ألف دينار، وجوهراً بأربعين ألف دينار، وسَيرهُ إلى بغداد من سُر من رأى، وفوض القضاء إلى يحيى بن أكثم الصيفي. وقال بعض البصريين يهجوه، حين بلغ أنه فُلج:

أفَلَتْ نُجُومُ سُعودِك ابنَ دُوَادِ ... وَبَدتْ نُحُوسُكَ في جميع إيَادِ فَرِحَتْ بمَصْرَعِكَ البَرِيَّةُ كُلُّها ... مَن كَان منهامُوقناً بمعَادِ لم يَبْقَ منكَ سِوَى خَيَالٍ لامِعٍ ... فوق الفِرَاشِ مُمَهَّداً بوِسادِ وَخَبتْ لَدَى الخلفاء نارٌ بَعْدَمَا ... قد كنت تَقْدحُهَا بكُلِّ زِنادِ اطْغاك يا ابنَ أبي دُوادٍ رَبُّنا ... فجَرَيْتَ في مَيْدَان إخْوةٍ عَاد لم تَخْشَ مِن رَبِّ السَّماءِ عُقوبَةً ... فسَنَنْتَ كلَّ ضَلالةٍ وفَسَادِ كمْ مِن كَريمةِ مَعشرٍ أرْمَلتها ... وَمُحَدِّث أوْثَقْتَ بالأقْيادِ كمْ من مَسَاجد قد مَنْعتَ قُضاتَها ... مِن أن تُعدّلَ شاهداً برَشَادِ كم مِن مَصابيحٍ لهَا أطْفَيْتَهَا كيمَا تُزِلَّ عن الطَّريق الهَادي إن الأسارَى في السُّجُونِ تفَرَّجُوا ... لمَّا أتَتْكَ مَوَاكب العُوَّادِ وغَدَا لمَصْرَعك الطبيبُ فلم يجِدْ ... لعلاجِ مَابِكَ حِيلَةَ المُرْتادِ لاَزالَ فَالِجُكَ الذي بكَ دَائِماً ... وفُجِعْتَ قبلَ الموتِ بالأوْلادِ وأبَا الوَليدِ رَأيْتَ في أكْتافِهِ ... سَوْطَ الخليفةِ مِن تِدَىْ جَلاَّدِ وَرَأيْتَ رَأسَك في الخُشوبِ مُعَلَّقاً ... فوقَ الرُّءوُسِ مُعَلِّما بسَوَادٍ قال الخطيب: وأبو الوليد هذا، هو ابن أحمد بن أبي دُواد، واتفق أنه مات هو وأبوه منكوبين، وكان بين وفاتيهما نحو شهر، هو في ذي الحِجة، سنة تسع وثلاثين ومائتين، وأبوه في المحرم، سنة أربعين ومائتين، يوم السبت، لتسع بقين منه. ومن شعر أحمد، وقد بلغه أن شخصاً هجا ابن الزيات الوزير بسبعين بيتاً، وقيل: إن ابن الزيات هو الذي قال السبعين بيتاً في هجو أحمد، فقال: أحْسَنُ من سَبْعين بَيْتاً هِجاً ... جَمْعُك مَعْناهُنَ في بَيْتِ مَا أحْوَجَ المُلْكَ إلى مَطْرَةٍ ... تغْسيلُ عَنْهُ وَضَرَ الزَّيْتِ فبلغ ابن الزيات ذلك، فقال: يَاذا الذي يَطْمَعُ في هَجْونا ... عَرَّضْتَ بي نفسَك للموْتِ الزيتُ لا يُزْرى بأحْسابنَا ... أحْسَابُنا مَعْرُفَةُ البَيْتِ قَيَّرْتُمُ المُلْكَ فلمْ يُنقِهِ ... حتى غسَلنا القارَ بالزَّيتِ وفي هذا إشارة إلى ما يقال من أنه كان في أجداد أحمد من يبيع القار. ومن مثختار شعر أبي تمام في مدحه قوله: أأحْمَدُ إنَّ الحاسِدينَ كثيرُ ومَالَك إن عُدَّ الكِرامُ نَظِيرُ حَلَلْتَ مَحلاً فاضلاً مُتقادِماً ... مِنَ الفخرِ والمجدُ القديمُ فَخورُ وكُلُّ غنِيٍّ أوْ فقير فإنِّهُ ... إليكَ وإن نَالَ السَّماء فَقِيرُ إليكَ تَناهى المَجْدُ مِن كُلِّ وِجْهَةٍ يَصيرُ فما يَعْدُوكَ حيثُ تَصيرُ وبَدْرُ إيادٍ أنتَ لا يُنْكونه كذاك إيادٌ للأنام بُدُورُ تجنَّبْتَ أن تُدْعَى الأمِير تواضُعاً ... وأنت لمَن يُدْعى الأميرَ أميرُ فمَا مِن نَدى إلا إليكَ مَحَلَّهُ ... ولا رِفْعة إلا إليكَ تَسيرُ وقال أيضاً، من قصيدة في مدحه: أيَسْلُبُني ثَراء المالِ رَبِّي ... وأطلُبُ ذَاكَ مِن كَفٍّ جَمَادِ زعمتُ إذاً بَأنَّ الجُودَ أضْحى ... لهُ رَبٌ سوَى ابن أبي دُوَادِ ومن كلام أحمد الذي ينبغي أن يكتب بماء الذهب: ثلاثةٌ ينبغي أن يبجلوا وتعرف أقدارهم: العلماء، والولاة، والإخوان؛ فمن استخف بالعلماء أهلك دينه، ومن استخف بالولاة أهلك دنياه، ومن استخف بالإخوان أهلك مروءته. وحكى عنه ولده، أنه كان 'ذا صلى رفع يديه، وقال: مَا أنت بالسبب الضعيف وإنما ... نُجْحُ الأمور بقُوةِ الأسْبابِ اليوم حاجتنا إليك وإنما ... يُدعى اللبيب لساعةِ الأوصاب

155 - أحمد بن أبي السعود ابن محمد بن مصلح الدين الرومي، العمادي

قال أبو بكر بن دريد: كان ابن أبي دواد مألفاً لأهل الأدب، من أي بلد كانوا، وكان قد ضم منهم جماعة يعولهم ويمونهم، فلما مات حضر ببابه جماعة منهم، وقالوا: يدفن من كان على ساقه الكرم، وتاريخ الأدب، ولا نتكلم، إن هذا وهن وتقصير. فلما طلع سريره قام إليه ثلاثة منهم، فقال أحدهم: اليَومَ مات نظامُ المُلْكِ وَاللَّسَنِ ... ومات مَن كان يُستعدَى على الزَّمَنِ وأظلمَت سُبُلُ الآدابِ إذ حُجِبَتْ ... شَمْسُ المَكارم في غَيْمٍ مَن الكَفَنِ وتقدم الثاني، فقال: ترك المَنابر والسريرَ تواضُعاً ... ولهُ مَنابرُ لو يَشا وسَريرُ ولغَيْرِه يُجْبى الخَراجُ وإنمَا ... يُجْبى إليه مَحامِدٌ وأجُورُ وتقدم الثالث، فقال: وليسَ فَتِيقَ المِسْك رِيحُ حَنُوطِهِ ولكنَّهُ ذَاك الثَّناءُ المُخَلَّفُ وليسَ صَرِيرَ النَّعْشِ مَا تَسْمَعُونَهُ ... ولكنهُ أصْلابُ قومٍ تَقَصَّفُ هذا، وقد أطلقنا عنان القلم في ترجمة أحمد، ومع ذلك لو رُمنْا حصر محاسنه، وما يؤثر عنه من مكارم الأخلاق، ومن مساويها التي تُعزى إليه في أمر المحنة، لكل لسان القلم، وقصر باع الاطلاع. وفيما ذكرناه كفاية لمن أراد الوقوف على حاله، وما كان عليه من الحسن والقبح. تجاوز الله عنه، إنه جواد كريم. 155 - أحمد بن أبي السعود ابن محمد بن مصلح الدين الرومي، العمادي الآتي ذكر أبيه العلامة أبي السعود، مُفتي الديار الرومية، في محلة، إن شاء الله تعالى. قال المولى قطب الدين، نزيل مكة المشرفة في حقه: كان نادرة زمانه في الذكاء والحفظ، والآداب، لم يسمع في هذا العصر له بنظير في هذا الباب. اجتمعت به في سنة خمس وستين، بمدينة إصطنبول، وهو مدرس في مدرسة رستم باشا بخمسين عثمانياً، فأكرمني، وأضافني، وباسطني، فرأيت من حفظه، وذكائه، ما أدهشني وحيرني، مع صغر سنه، وكبر قدره وشأنه. قال: وأخبرني أن مولده سنة أربع وأربعين وتسعمائة. وأنه اشتغل على والده، وعلى المولى شمس الدين أحمد بن طاش كبرى، صاحب " الشقائق النعمانية ". وكان يحفظ " مقامات الحريري " على ظهر الغيب، وقرأ لي منها عدة مقامات، ومع ذلك كان ينظم شعراً غريباً، بليغاً، في أعلى درجات الفصاحة، مع كمال الحسن، والملاحة، فلا أدري أي وصف يوفيه، وأي صنف من الفضل ما هو فيه، وماذا يقال فيه والدهر من رواته، وفن الأدب خامل ما لم يواته. قال: وأنشدني من لفظه تخميس قصيدة لأبي الطيب المتنبي، وأنه هو الذي خمسها، وقد بقي في حفظي منها هذا البيت: نشرتُ على الآفاقِ دُرَّ فوائدي ... وفي سِلْك شعْرِي قد نَظَمْتُ فَرائدي فمن ذا يُضاهيني وتلك مَقاصدي ... وما الدهرُ إلا مِن رُواةِ قصائِدي إذا قلتُ شِعْراً أصبح الدهرُ مُنشِدَا فانظر إلى هذا السبك العجيب، والسكب الغفريب، واللفظ الذي يفوق الدر الرطيب. وكان يدرس في " التلويح "؛ و " الهداية "، و " شرح المواقف "، و " شرح المفتاح "، وينقل " صحيح البخاري " بغاية التدقيق، والفهم الدقيق، واللفظ الأنيق، إلى أن ذوى غصن شبابه، وانطوت صحيفة كتابه، وتوفاه الله إلى رحمته، في حياة والده. انتهى. قلت: وكان له أخ يُسمى محمداً، ولي قضاء الشام، وحلب، وتوفي في حياة أبيه أيضاً، وكان في العلم دون أخيه، وفي الجود ليس في أبناء جنسه من يوازيه، تغمده الله برحمته. 156 - أحمد بن أبي سعيد أحمد بن أبي الخطاب محمد بن إبراهيم بن علي، القاضي الطبري، البخاري، الكعبي الإمام العلامة. مولده سنة ست وتسعين وأربعمائة. وكانت له اليد الطولى في علم الخلاف، والنظر. وتفقه على والده، وعلى الإمام البرهان. وروى عنه أبو المظفر السمعاني، وقال: هو أستاذي في علم الخلاف. ذكره الحاكم في " تاريخ نيسابور "، فقال: درس بنيسابور فقه الإمام أبي حنيفة نيفاً وستين سنة، وأفتى قريباً من هذا، وحدث سنتين. ومات تقريباً في عشر الستين وخمسمائة. رحمه الله تعالى. وإنما ذكرته هنا، ولم أذكره فيمن اسمه أحمد بن أحمد؛ لغلبة الكنية على اسم أبيه.

157 - أحمد بن أبي العز ابن أحمد بن أبي العز بن صالح بن وهيب الأذرعي فخر الدين، ابن الكشك

157 - أحمد بن أبي العز ابن أحمد بن أبي العز بن صالح بن وهيب الأذرعي فخر الدين، ابن الكشك المعروف بابن الثور، بفتح المثلثة. ذكره الحافظ ابن حجر في " معجم شيوخه "، وقال سمع من أول " الصحيح " إلى كتاب الوتر على الحجار، وسمع أيضاً من إسحاق الآمدي، وعبد القادر بن الملول، وغيرهما. مات في صفر، سنة إحدى وثمانمائة، وله ثمانون سنة، إلا أياماً. رحمه الله تعالى. 158 - أحمد بن عمران أبو جعفر، الفقيه الإمام، العالم، العلامة، أحد أصحاب التفنن في العلوم. واسم أبي عمران موسى بن عيسى، وإنما ذكرته هنا لغلبة الكنية على أبيه. نزل أبو جعفر مصر، وحدث بها عن عاصم بن علي، وسعيد بن سليمان، الواسطيين، وعلي بن الجعد، ومحمد بن الصباح، وبشر بن الوليد، وإسحاق بن إسماعيل، وغيرهم. وهو أستاذ أبي جعفر الطحاوي، وكان ضريراً، روى عنه الطحاوي، وغيره. قال الخطيب: وقال لي القاضي أبو عبد الله الصمري: أبو جعفر أحمد بن أبي عمران، أستاذ أبي جعفر الطحاوي، وكان شيخ أصحابنا بمصر في وقته، وأخذ العلم عن محمد بن سماعة، وبشر بن الوليد، وأضرابهما. وقال أبو سعيد بن يونس: أحمد بن أبي عمران الفقيه، يكنى أبا جعفر، واسم أبي عمران موسى بن عمران، من أهل بغداد، وكان مكيناً في العلم، حسن الدراية بألوان من العلم كثيرة، وكان ضرير البصر، وحدث بحديث كثير في حفظه، وكان ثقة، وكان قدم إلى مصر مع أبي أيوب صاحب خراج مصر، فأقام بمصر إلى أن توفي بها في المحرم، سنة ثمانين ومائتين. انتهى. وذكره الحافظ جلال الدين السيوطي في " حسن المحاضرة "، وقال: قاضي الديار المصرية. وأثنى عليه. وهذا صريح في أنه ولي القضاء بمصر، فكأنه وليه قبل أن أصيب ببصره، فليحرر، والله أعلم. 159 - أحمد بن أبي الكرم ابن هبة الله، الفقيه ذكره ابن العديم، في " تاريخ حلب "، وقال: كان فقيهاً حسنً، ديناً، كثير التلاوة للقرآن. وولي التدريس بالموصل، ومشيخة الرباط، وطلب الحديث. وقدم حلب مراراً، رسولاً إلى الملك الناصر داود، في سنة ثمان وأربعين وستمائة. وورد بغداد رسولاً أيضاً في هذه السنة. وتوفي بالموصل سنة خمسين وستمائة. قال ابن العديم: بلغني وفاته وأنا ببغداد، في هذا التاريخ. رحمه الله تعالى. 160 - أحمد بن أبي المؤيد المحمودي، النسفي، أبو نصر كان إماماً جليلاً، فاضلاً، زاهداً، اعجوبة الدنيا، وعلامة العلما. مصنف " الجامع الكبير المنظوم " وهو في مجلد، و " شرحه " في مجلدين، رأيت بخط ابن طولون، أن كل باب منه قصيدة، وأن له قصيدة في أصول الدين. وبيت المحمودية بمرو مشهور بالعلم، وهذه النسبة إلى بعض أجداد المنتسب إليه، رحمه الله تعالى. 161 - أحمد بن أبي يزيد ابن محمد، شهاب الدين بن زكي الدين العجمي السرائي، المشهور بمولانا زاده كان أبوه ناظر الأوقاف ببلاد السراي، وكان معروف بالزهد والصلاح، فتضرع إلى الله تعالى، أن يرزقه ولداً صالحاً، فولد له أحمد هذا، في يوم عاشوراء، سنة أربع وخمسين وسبعمائة. ومات أبوه وله تسع سنين، فلازم الأشتغال حتى برع في أنواع العلوم، وصار يضرب به المثل في الذكاء. وخرج من بلده وله عشرون سنة، فطاف البلاد، وأقام بالشام مدة. ودرس الفقه والأصول، وشارك في الفنون، وكان بصيراً بدقائق العلوم. وكان يقول: أعجب الأشياء عندي البرهان القاطع، الذي لا يكون فيه للمنع مجال، والشكل الذي يكون فيه فِكر ساعة. ثم سلك طريق التصوف، وصحب جماعة من المشايخ مدة. ثم رحل إلى القاهرة، وفوض إليه تدريس الحديث بالظاهرية، في أول ما فتحت ثم درس الحديث بالصرغتمشية، وقرأ فيها " علوم الحديث " لابن الصلاح، بقوة ذكائه حتى صاروا يتعجبون منه. ثم إن بعض الحسدة دس إليه سماً، فمرض، وطال مرضه، إلى أن مات في المحرم، سنة إحدى وتسعين، وكثر الثناء عليه جداً. وترك ولداً صغيراً من بنت الأقصرائي، وأنجب بعده، وتقدم، وهو محب الدين، إمام السلطان في زمنه. 162 - أحمد بن بحارة بالباء الوحدة، أو بالنون. وإنما ذكرته هنا، مع وجود الشك في اسم أبيه، لأني رأيته بخط بعضهم بالباء الموحدة، فنقلته كما وجدته.

163 - أحمد بن بدر الدين بن شعبان

ذكره القاضي عمارة في " تاريخ زبيد "، فقال: أبو العباس، الفقيه الحنفي. كان مبرزاً في علم الكلام والأدب واللغة، شاعراً يحذو طريق أبي نواس في الاشتهار بالخلاعة، واجتاز ليلة بدار القاضي أبي الفتوح بن أبي عقامة وهو سكران، وكان فظاً في ذات الله تعالى، عز وجل، وابن بحارة يخلط كلامه، فصاح عليه القاضي، وليس عنده أحدٌ من الأعوان: إلى هذا الحد يا حمار!. فوقف ابن بحارة مخاطباً للقاضي، وقال: سَكَراتٌ تَعْتادُني وخُمارُ ... وانْتِشاءٌ أعْتادُهُ ونَعارُ فمَلُومٌ مَن قال إني مَلوُمُ ... وحِمَارٌ مَن قال إنِّي حِمَارُ 163 - أحمد بن بدر الدين بن شعبان المشهور بجده شعبا المذكور. أحد قضاة القضاة بالديار المصرية، وأصله من الديار الشامية. وكان ابوه من القضاة المذكورين المشهورين. وكانت سيرته كولده أحمد غير محمودة، وطريقته غير مشكورة، وقد شُكي مِراراً عديدة، وفتش عليه وصودر، والأولى بنا أن نضرب صفحاً عن ذكر ما هو شائعٌ عنه بين العوام والخواص، من الأوصاف التي لا تليق بمن ينتمي إلى العلم وأهله أن يلتبس بها، وفضل الله أوسع من ذنوبه. وأما صاحب الترجمة، فإنه قد اشتغل، ودأب، وحصل، وصار ملازماً من قاضي القضاة السيد الشريف محمد، المعروف بمعلول أمير، كما يزعم هو، والله تعالى أعلم. ثم صار مدرساً في بعض المدارس بديار العرب، وألقى بها يسيراً من الدروس، بحضور من لا يعترضه، لا في الخطأ ولا في الصواب. ولم يزل طالباً للقضاء، راغباً في تحصيله، طائراً إليه بأجنحة الطمع الزائد، وحب الرياسة المفرطة، إلى أن بلغ منه مُراده، وصار يتولاه تارة، ويعزل منه أخرى. ومن جملة البلاد التي ولي قضاءها قوة، والبحيرة، والجيزة، والخانقاة السرياقوسية، وغيرها. وكان يعامل الرعايا بكل حيلة يعرفها، وكل خديعة يقدر عليها، ويتوصل بذلك إلى أخذ أموالهم، والاستيلاء على أرزاقهم، فحصل من ذلك أموالاً جزيلة، لا تُعد ولا تُحصى، وأضافها إلى ما ورثه من مال أبيه، وهو فيما يقال عنه كثير جداً، ومدة عمره وجميع دهره ما رؤي، ولا سمع، أنه تصدق على فقير بكسرة ولا درهم نقرة، ولا أضاف غريباً، ولا وصل قريباً، وأما إخراج الزكاة فما أظن أنه قرأ لها باباً، ولا رأت عينه لها أصحاباً. وأما الكتب النفيسة فإن عنده منها ما ينوف على أربعين ألف مجلد، وأكثرها من كتب الأوقاف، وضع يده عليها، ومنع أهل العلم من النظر إليها، وطالت الأيام، ومضى عليها أعوام، ونسيت عنده، وغير شروطها، ومحا ما يستدل به من كونها وقفاً من أوائلها وأواخرها، وزاد ونقص، وصارت كلها ملكاً له في الظاهر، ولم يخف الله ولا اليوم الآخر. وقد شاع وذاع، وملأ الأفواه والأسماع، أن أجره مسقعات أملاكه وأوقافه تزيد كل يوم على عشرين أو ثلاثين ديناراً ذهبا. وقد وصل إلى دقاقة الرقاب وهو لا يزداد في الدنيا إلا طمعاً، وفي القضاء إلا حبا وكانت نفسه الأمارة تطمعه في أن يصير قاضياً بخمسمائة عُثماني، في مرتبة مصر، ويكون بذلك من جملة علماء الديار الرومية، وداخلاً في زمرة مواليهم، وكان منه ما سنشرحه مُفصلاً، إن شاء الله تعالى. 164 - أحمد بن بديل الكوفي، القاضي من أصحاب أبا بكر بن عياش، وعبد الله بن إدريس، ومحمد بن فضل، ووكيعاً، وعبد الرحمن المحاربي، وأبا معاوية الضرير، ومفضل بن صالح، وعبد الله بن نمير، وأبا سلامة، وغيرهم. قال الخطيب: وكان من أهل العلم والفضل. ولي قضاء الكوفة قبل إبراهيم بن أبي العنبس، وتقلد أيضاً قضاء همذان. وورد بغداد، وحدث بها فروى عنه عبد الله بن إسحاق المدائني، ويحيى بن محمد بن صاعد، وإبراهيم بن حماد القاضي، ومحمد بن عبيد الله بن العلاء الكاتب، وعلي بن عيسى الوزير، وغيرهم. قال أحمد بن صالح الهمذاني: بلغني أنه كان يسمى بالكوفة راهب الكوفة، فلما ولي القضاء قال: خذلت على كبر السن، خذلت على كبر السن!! مع عفته وصيانته.

165 - أحمد بن البرهان

وحدث أبو القاسم عبد الله بن سليمان، قال: كنت أكتب لموسى بن بغا، وكنا بالري، وقاضيها إذ ذاك أحمد بن بديل لبكوفي، فاحتاج موسى أن يجمع ضيعة هناك، كان له فيها سهام، ويعمرها، وكان فيها سهم ليتيم، فصرت إلى أحمد بن بديل، أو فاستحضرت أحمد بن بديل، وخاطبته في أن يبيع علينا حصة اليتيم، ويأخذ الثمن، فامتنع، وقال: ما باليتيم حاجةٌ إلى البيع، ولا آمن أن أبيع ماله، وهو مستغنٍ عنه، فيحدث على المال حادثة، فأكون ثد ضيعته عليه. فقلت: إنا نعطيك من ثمن حصته ضعف قيمتها. قال: ما هذا لي بعذر في البيع، والصورة في المال إذا كثر مثلها إذا قل. قال: فأدرته بكل لون، وهو يتمنع، فأضجرني، فقلت: أيها القاضي، لا تفعل فإنه موسى بن بغا. فقال لي: أزك الله، إنه الله تبارك وتعالى. قال: فاستحييت من الله أن أعاوده بعد ذلك، وفارقته. فدخلت على موسى، فقال: ما عملت في الضيعة؟ فقصصت عليه الحديث، فلما سمع أنه الله تبارك وتعالى بكى، وما زال يكررها، ثم قال: لا تعرض لهذه الضيعة، وانظر في أمر هذا الشيخ الصالح، فإن كانت له حاجة فاقضها. قال: فأحضرته، وقلت له: إن الأمير قد أعفاك من أمر الضيعة، وذاك أني شرحت له ما جرى بيننا، وهو يعرض عليك حوائجك. قال: فدعا له، وقال: هذا الفعل أحفظ لنعمته، وما لي حاجةٌ إلا إدرار رزقي؛ فإنه تأخر منذ شهور، وأضرني ذلك. قال: فأطلقت له جارية. وروى الخطيب بسنده، عن أحمد بن بديل، قال: بعث إلى المعتز رسولاً بعد رسول، فلبست كمي، ولبست نعل طاق، وأتيت بابه، فقال الحاجب: يا شيخ، نعليك. فلم ألتفت إليه، ودخلت الباب الثاني، فقال الحاجب: نعليك. فلم التفت إليه، فدخلت إلى الثالث، فقال: يا شيخ، نعليك. فقلت: أبالواد المقدس، فأنا أخلع نعلي. فدخلت بنعلي، فرفع مجلسي، وجلست على مصلاة، فقال: أتعبناك أبا جعفر. فقلت: أتعبتني، وأذعرتني، فكيف بك إذا سئلت عني! فقال: ما أردنا إلا الخير، أردنا نسمع العلم. فقلت: وتسمع العلم أيضاً، ألا جئتني فإن العلم يؤتى ولا يأتي. قال: فأخذ الكاتب القرطاس، والدواة، فقلت له: أتكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قرطاس بمداد! قال: فبم نكتب.؟ قلت: في رق. فجاءوا برق وحبر، وأخذ الكاتب يريد أن يكتب، فقلت: اكتب بخطك. فأوما إليه أن لا تكتب، فأمليت عليه حديثين أسخن الله بهما عينيه. فسأله ابن البنا أو ابن النعمان: أي الحديثين؟ فقلت: قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من استرعى رعية فلم يحطها بالنصيحة حرم الله عليه الجنة "، والثاني: " ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً ". انتهى. وكانت وفاته سنة ثمان وخمسين ومائتين. رحمه الله تعالى. 165 - أحمد بن البرهان ذكره في " الجواهر "، وقال: هكذا هو معروف بهذه النسبة. الإمام شهاب الدين المقري. له مشاركة في فنون. مات بحلب، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، في ثامن عشر رجب الفرد. رحمه الله تعالى. 166 - أحمد بن بكر بن سيف، أبو بكر، الحصيني بفتح الجيم وكسر الصاد المهملة المشددة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى جصين، وهي محلة بمرو، اندرست، وصارت، مقبرة، ودفن بها الصحابة، يقال لها تنور كران. هكذا ذكره السمعاني، وذكر الحازمي عن أبي نعيم الحافظ، أنه كان يقول: بكسر الجيم. قال السمعاني: وأحمد هذا ثقة، يروى عن أب وهب، عن زفر بن الهذيل، عن أبي حنيفة، كتاب " الآثار ". وروى عن غيره فأكثر. ترجمه في " الجواهر "، ولم يذكر له وفاة، ولا مولداً، والله أعلم. 167 - أحمد بن جعفر بن أحمد ابن مدرك، أبو عمر البكراباذي، المعروف بالكوسج من أهل جرجان. سمع من أبي الحسن أحمد بن محمد بن عمر الجرجاني، وغيره. وروى عنه الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي، وذكره في " تاريخ جرجان ". توفي سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. 168 - أحمد بن حاج، أبو عبد الله، العامري، النيسابوري، الفقيه صاحب محمد بن الحسن، تفقه عليه. وكان جليلاً، يمع ابن المبارك، وسفيان بن عيينة. وروى عنه أبو عبد الله أحمد بن حرب، وأحمد بن نصر اللباد، شيخ الحنفية بنيسابور.

169 - أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن ابن انوشروان الرازي الأصل،

ذكره الحاكم في " تاريخها "، وقال: قرأت بخط أبي عمرو المُستملى وفاته سنة سبع وثلاثين ومائتين. رحمه الله تعالى. 169 - أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن ابن انوشروان الرازي الأصل، قاضي القضاة جلال الدين، ابن قاضي القضاة حسام الدين، ابن تاج الدين. مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة، بمدينة أنكورية، من بلاد الروم. تفقه على والده، وغيره، وقرأ التفسير والنحو على يزيد بن أيوب الحنفي، وقرأ النحو أيضاً على صدر الدين، تلميذ أبي البقاء العكبري، وعلى قاضي سيواس، تلميذ ابن الحاجب في النحو والتصريف، وقرأ " الجامع الكبير "، و " الزيادات " للعتابي، على الشيخ شمس الدين المارداني، وقرأ الخلاف على العلامة برهان الدين الحنفي، بدمشق، والفرائض على أبي العلاء البخاري. وكان قد ولي القضاء بخرت برت، وعمره سبع عشرة سنة. قال القطب في " تاريخ مصر ": اشتغل كثيراً، وكان جامعاً للفضائل، ويحب أهل العلم، مع السخاء، وحسن العشرة. قال البرزالي: ولي قضاء الشام، وناب عن والده قبل ذلك، ودرس بالخاتوية، والقصاعية. وكانت له عناية ب " جامع الأصول " ألقاه درساً، ويحفظ منه كثيراً. وكان محبوباً إلى الناس، كثير الصدقة، جواداً، متع بحواسه، إلا السمع، وكتب الخط المنسوب، على الولي الذي كان ببلاد الروم. ومات سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وكان قد انحنى من الكبر، وإذا مرض يقول: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، أني أعمر. فكان كذلك، فإنه أكمل التسعين وزاد. وكان سمع الحديث من الفخر ابن البخاري، وكان يحفظ في كل يوم من أيام الدروس ثلاثمائة سطر. وقال الشهاب ابن فضل الله: كان كبير المروءة، حسن المعاشرة، سخي النفس، فوق السبعين سنة يدرس بدمشق، وغالب رؤساء مذهبه من الحكام، والمدرسين، كانوا طلبة عنده، وقل منهم من أفتى ودرس، بغير خطه. وقال ابن حبيب في حقه: إمام مذهبه، عارف بنقد فضته وذهبه، حسن التلطف كثير التعفف، ذو نفس زكية وسيرة مرضية، وأخلاق كريمة، ومناقب وجوهها وسيمة، معروف بالمكارم، موصوف بالهم والعزائم. باشر بدمشق تدريس عدة مدارس، وزين بنجوم علومه مذولي القضاء بها آفاق المجالس، واستمر معدوداً من الأكابر والأعيان، إلى أن فرق الموت بينه وبين الأهل والأوطان. انتهى. وذكر صاحب آكام المرجان، عن الشهاب ابن فضل الله العمري، عنه، حكاية غريبة، لا بأس بذكرها هنا، قال: سفرني أبي إلى الشرق لإحضار أهله إلى الشام، فألجأنا المطر حتى نمنا في مغارة، فبينما أنا نائم إذا شيءٌ يوقظني، فانتبهت فإذا امرة لها عين واحدة مشقوقة، فارتعت، فقالت: لا تخف، إني رغبت أن أزوجك ابنة لي كالقمر. فقلت: على خيرة الله. ثم نظرت فإذا برجل في هيئة قاض وشهود، وكلهم بصفة المرأة، فخطب أحدهم، وعقد، زقبلت، ونهضوا. وعادت المرأة، ومعها جارية حسناء فتركها عندي، وانصرفت، فارتعت، وخفت خوفاً شديداً، ولم أقرب تلك الجارية، ورحلنا، وهي معنا. فلما كان في اليوم الرابع حضرت تلك المرأة، فقالت: كأن هذه الشابة ما أعجبتك؟ فقلت: نعم. قالت: فناولنيها. ففعلت، فأخذتها وانصرفت، فلم أرها بعد ذلك. 170 - أحمد بن الحسن بن أحمد أبو نصر الدرواحكي، الزاهد عرف بفخر الإسلام. استاذ العقيلي. ولم يذكر السمعاني هذه التسمية. كذا في " الجواهر ". 171 - أحمد بن الحسن بن إسماعيل ابن يعقوب بن إسماعيل، الشهاب، العينتابي، ثم القاهري والد شمس الدين محمد ومحمود المعروف كل منهما بالأمشاطي. ممن اشتغل وفضل، وذكر بالخير. ورافق ابن حجر في السماع على بعض شيوخه في " المستخرج " وغيره، وأثبت اسمه في " الطباق " فشيخه، ونسبه في بعضها عجمياً، وفي بعضها كحكاوياً، وفي بعضها عينتابياً. مات سنة تسع عشرة وثمانمائة. رحمه الله تعالى. ذكره السخاوي، في " الضوء الللامع ". 172 - أحمد بن حسن بن أبي بكر ابن حسن الرهاوي، ثم المصري الملقب بطبيق. سمع من الحسن الكردي " المائة الشريحية " ومن الواني، والدبوسي والختني، وابن قريش، وغيرهم، وأكثر من السماع، وحدث. وسمع منه الإمام جمال ادين ابن ظهيرة، وغيره. وناب في الحكم بالقاهرة، وولي الحسبة.

173 - أحمد بن الحسن بن أنوشروان الرازي

ووقع من سلم، فمات، في ذي القعدة، سنة ست وسبعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى. 173 - أحمد بن الحسن بن أنوشروان الرازي قاضي القضاة، أبو المفاخر، تاج الدين. والد قاضي القضاة حسام الدين بن أبي الفضائل الحسن بن أحمد، الآتي ذكره في محله إن شاء الله. 174 - أحمد بن الحسن المعروف بابن الزركشي، شهاب الدين كان رجلاً فاضلاً، درس بالحسامية، وأعاد. ووضع " شرحاً " على " الهداية "، وانتخب " شرح الصغناقي "، وله مشاركة في علوم. مات في ثامن عشري رجب، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. قال في " الجواهر ": ورأيت بخطي ثاني جمادي الأولى، سنة سبع وثلاثين. وقال ابن الشحنة، بعد نقله كلام صاحب " الجواهر " هذا: قلت، قوله " ووضع شرحاً على الهداية، وانتخب شرح الصغناقي ". يشعر بأنهما كتابان، وقد اعتبرت ما وقفت عليه من شرحه، فوجدته يختصر كلام السروجي، من غير زيادة عليه، ولم أر فيما وقفت عليه من كلامه شيئاً من بحوث الصنغاقي، ولا حكاية لشيء من كلامه. انتهى. 175 - أحمد بن الحسن الزاهد عرف بدرواحة. أحد رواة " الأمالي "، ومن أقران البرهان. ذكره في الجواهر. 176 - أحمد بن الحسن بن سلامة ابن ساعد المنبجي الأصل، البغدادي المولد، أبو العباس قرأ الفقه على أبيه الحسن، ودرس مكانه بعد وفاته بالمدرسة الموفقية على شاطئ دجلة. وسمع أبا القاسم علي بن أحمد الكاتب، وحدث عنه بكتاب " المغازي " لمجمد بن مسلم الزهري. سمع منه القاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي. وكان مولده سنة اثنتين وخمسمائة. وتوفي يوم الأربعاء، لثمان عشرة خلت من شعبان، سنة أربع وثمانين وخمسمائة. رحمه الله تعالى. 177 - أحمد بن حسن بن عبد المحسن الرومي المدرس بإحدى المدارس السليمانية. كان والده قاضياً بالعسكر المنصور، بولاية أناطولي. وكان من عتقاء الوزير الأعظم رستم باشا، وقد جرى الاصطلاح عند الكتاب أن من تجري عليه الرق، وكان مسلماً، يكتبون في تعريفه فلانا ابن عبد الله، وكان والد صاحب الترجمة يكتب حسن بن عبد المحسن، وهو بمعنى المصطلح عليه مع زيادة الإحسان، وعد ذلك من حسن ذوقه. وكان قد ولي قبل قضاء العسكر، وقضاء الشام مرتين، وقضاء مصر، وقضاء مكة، وقضاء قسطنطينية، وحاز من الجاه والتقدم والمروءة والكرم، ما فاق بسببه أبناء جنسه، وكان فيه يومه أحسن من أمسه، وقد مدحه شعراء الديار الشامية، والمصرية، والرومية، بقصائد طنانة، وبالغوا في مدحه وشكره؛ فإنه كان - رحمه الله تعالى - ملجأ لكل قاصد، ومقصداً لكل وارد. ولد صاحب الترجمة في حدود الستين من المائة العاشرة. واشتغل من صغره، ودأب، وحصل. وأخذ الفقه وغيره، عن الإمام العلامة بقية السلف، وبركة الخلف أبي السعود العمادي، مفتي الديار الرومية، وكان معيداً عنده بمدرسة السلطان بايزيد خان، عليه الرحمة والرضوان. وأخذ عن الفاضل العلامة قاضي العساكر المنصورة بولاية أناطولي محمد بن عبد الكريم. وأجاز له حين دخل مع والده الديار الشامية والمصرية، جماعة من العلماء الأجلة، منهم: الإمام العلامة محمد البرهمتوشي الحنفي، والشيخ الإمام المحدث شمس الدين العلقمي الشافعي، والشيخ البارع بقية الأفاضل، ومجمع الفضائل، ناصر الدين الطبلاوي، والإمام الجامع بين علمي الشريعة والحقيقة، الولي العابد الزاهد العالم الرباني الشيخ عبد الوهاب الشعراوي الشافعي، والشيخ العلامة أمين الدين بن عبد العال الحنفي، مُفتي الديار المصرية، وحافظ العصر ومحدث الديار المصرية الإمام الجليل البارع الشيخ نجم الدين الغيطي، والإمام الكبير المحدث الحافظ المفنن المتقن مفتي الديار الشامية الشيخ بدر الدين ابن الشيخ رضي الدين الغزي العمري الشافعي، رحمه الله تعالى، وغيرهم. وهو الآن مكب على المطالعة، والمراجعة، والإشغال، وله الذهن الوقاد، والفكر التقاد، وعنده من الكتب النفيسة مالا يتيسر لغيره جمعه في العمر الطويل، ولا بالمال الجزيل، هذا مع ما حواه من حسن الخلق والخلق، وكرم النفس، وطرح التكلف، وغير ذلك من الأوصاف الجميلة، وأحسن معلوماته العلوم العربية، وهو من المكثرين لحفظ اللغة العربية، والاطلاع على الكتب الأدبية.

وله شعر رقيق، ولكنه قليل، منه ما أنشدنا إياه ارتجالاً، ونحن بحضرته، وهناك مسمع حسن النغمة، قبيح الصورة، وهو: يَالَقَومي مِنْ مُغَنٍّ ... لَحْنُهُ للوَجْدِ مُعْربِبْ وَجْهُهٌ وَجْهٌ قَبِيحٌ ... فهْوَ في الحَاليْنِ مُطْرِبْ ومنه قوله، وقد ذكر عنده أن أناساً وجه لهم بعض المناصب العلية، وأن التوجيه كان لهم ببدلهم لا بفضلهم، فأنكر ذلك، وقال مرتجلاً بيتاً مُفرداً، وهو: يَقُولون بالفَضْلِ المناصبُ أعْطِيَتْ ... فقلتُ نَعَمْ لكن بفضْلِ الدَّراهِمِ وقد مدحه كثير من شعراء عصره، وأطنبوا في مدحه وشكره، ومنهم بل من أجلهم، الشيخ الفاضل العلامة عماد الدين بن عماد الدين الدمشقي الحنفي، مدحه مكاتبةً بقصيدة، قالها في ليلة واحدة، وأرسلها إلى حضرته الشريفة، في سنة ثمانين وتسعمائة، وهي هذه: هَلْ لصَبٍّ قَدْ هَامَ فيك غَراما ... رَشْفَةٌ مِن لَماكَ تَشْفِي السَّقامَا يا هِلالاً تَحْتَ اللثامِ وبَدراً ... كامِلاً عندَ مَا يُمِيطُ اللثَامَا وغَزالاً منهُ الغَزَالةُّ غَابَتْ ... عندَ مَا لاَحَ خَجْلةً واحْتِشامَا وبأوْرَاقِها الغُصُونُ توارَتْ ... منهُ لمَّا انْثَنى وهَزَّ قَوامَا لكَ يا فاترَ اللواحظ طَرفٌ ... فَتْكُهُ في القلوبِ فاقَ الحُسامَا ذَابِلٌ وهْوَ في الفؤادِ رَشيقٌ ... ناعِسٌ أحرمَ الجفون المَنَاما ومُحباً سَبى بنَمْلِ عِذارٍ ... زُمَرَ الحُبِّ عندَ مَا خطَّ لاَمَا عَجباً مِن بَقاء خَالِكَ في الخَدِّ ... ونيرانُهُ تَؤُجُّ ضِراما ومن الفرع وهو فوقَ جَبين ... مُخجِلِ الشَّمْسِ كيفَ مَدَّ ظَلامَا يا بديع الجمَالِ يا مَالِكَ الحُسْنِ ترَفَّقْ بمن غَدَا مُسْتَهَامَا عبدُ رقٍّ مَا حال عنك لِواشٍ ... نَمَّق الزُّورَ في هَواك ولاَمَا كم بَكَى طَرْفُهُ إليكَ اشتياقاً ... وقضى بالبُكَاء عَاما فعَامَا شاعَ في الناسِ حُبُّهُ لكَ لَّما ... بَاحَ وَجْدا وحُرْقةً وهُيَامَا مثل مَا شاعَ أن أحمد مولا ... نا بديع الزمانِ أضحى الإماما واحدٌ صَحَّ فيه جَمْعُ المَعَاني ... مُفرَدٌ قدْ حوى الكمال تَماماً وبه للعُلوم شأوٌ رفيعٌ ... شامِخُ المَجْدِ للسماء تسامى وهو في حلبة السِّباق مُجَلٍّ ... ومحل لكُلِّ أمرٍ تَعَامَى كمْ جَلاَ مُشْكلاً وحَلَّ عَويصاً ... وكفَى مُعْضلاً وأطْفَى أواما يا بديع البيانِ مَنْطِقُك العَذْ ... بُ المعَاني فاق العُقودَ نِظامَا وإذا مَا نَثَرْتَ دُراً تَمَتَّتْ ... زُهْرُ الأفْقِ أن تكون كَلامَا حُزْتَ مَجداً وسُؤدداً وعَفافاً ... وافْتِخاراً ورِفعَةً ومَقامَا ألِفَتْ كفُّكَ المكَارمَ حتى ... فُقْتَ كلَّّ الوَرَى وفُقتَ الكِراما فُقْتَ مَعْناً بَدلاً وسَحْبانَ نُطْقا ... وحَبيبا شِعْراً وسُدْت عِصَامَا وأخذتَ العُلُومَ عن خيرِ أصْلٍ ... لِسِمَاكِ السَّمَا غدَا يتَسامَى قد حَوى المجْدَ والكَمالَ جميعاً ... وامتطَى غاربَ العُلى والسَّناما وهْوَ أعْلى الوَرَى مَقاماً وأوْفا ... هُم عَطَاء جمّا وأرْعَى ذِمَامَا يَا رَفيعَ الجَناب يا حَسَنَ الوَصْ ... ف ويا مَن فاق الورى إعظاما عِش قريراً بفَرْعِك الشامِخِ الأصْ ... لِ ولازِم شُكْرَ الإلهِ دَوَاما واقبَلَنْ بنت ليلةٍ منك جاءتْ ... تتمَنى قَبُولَها إنْعَامَا وأتَتْ تلثَمُ التُرابَ وتُهْدِي ... لك مِنِّي تحيَّةً وسَلامَا فتجاوَزْ عنها بحِلْمِكَ واسْلَمْ ... مَا شَدا بُلبُلٌ وفاحَ خُزامَي

وقد مدحه العبد الفقير إلى الله تعالى، جامع هذه " الطبقات "، بقصيدة تائية، عندي أنها من الشعر الجيد أو المقبول، وإن لم تكن الغير كذلك؛ فقد شرفت بمن قيلت فيه، ونُظمت لأجله، كما قلت في هذا المعنى: والشعرُ قد يُرزقُ سعداً بمَنْ ... قد قالهُ أو قِيلَ في حَقِّهِ وهي هذه: لي في الغرام بمن أهوى صَبَابَاتُ ... لهَا نِهايات من يَهوى بِداياتُ وكُلُّ صَبٍّ لهُ في الحبِّ مَرْتَبةٌ ... لي فَوْقَها رُتَبٌ فيه عَلِيَّاتُ بقَدْر مَن عاشَق العُشَّاق منزلهم ... وفي الجمَال لمنْ أهْوى مَزِيَّاتُ وكلُّ مَن شَغلتْه الغانياتُ عن ال ... أغن أشغالهُ عندي بَطَالاتُ حُبُّ المُقَرْطَق لا حُبُّ المقَنَّعِ لي ... بالرُّوحِ فيه وبالدُّنْيا مُغالاَةُ ظَبْيٌ من التُّركِ إلاَّ أنَّ أعيُنَهُ ... مُهَنَّداتٌ لها بالرُّوحِ فَتْكاتُ من الخَطَا مَا خطَا إلاَّ ودَاخَلَه ... بالقَدِّ عُجْبٌ وللأغْصَانِ شَمْخاتُ ما اهْتَزَّ إلاَّ وَبزَّ الناسَ أنْفُسَهُم ... وهكذا شَأنُهُنَّ السَّمْهَرِيَّاتُ حَذارِ يا قلبُ من ألحاظِه فلها ... سِهَامُ حَتْفٍ لها بالقلْبِ رَشقاتُ ولا يَغُرَّك ما يُخْطِي وكن يقِظاً ... ففي سِهَام الخطَا تُلْفَى إصَابَاتُ عِذارُهُ حُجَّةٌ بالعُذْرِ فائمةٌ ... بها لقاضي قُضاةِ الحُسْنِ إثْباتُ مِسْكٌ على طِرسِ كافُور به كتبَتْ ... يَدُ البَدِيع ولِلْبَاري احْتِكاماتُ أوْ جنَّةُ الحُسنِ حَوْلَ الخدِّ قد نَبَتتْ ... والخَدُّ نارٌ وما للنارِ إثْباتُ للهِ ما قد رَأتْ عَيْنايَ مِن عَجَبٍ ... نارٌ بها نَبَتَتْ لِلآسِ جَنَّاتُ كأنَّ أصْدَاغَهُ للهَائمينَ بها سُودُ العقاربِ أو للعَطْفِ وَاوَاتُ والبَدرُ طَلْعَتُه والليْلُ طُرَّتهُ ... إذْ كان للوَصْلِ في أخراهُ ميقاتُ وقبلَهُ ما رَأتْ عَينِي ولا سمعَتْ ... أذني بليلٍ بهيمٍ فيه قمراتُ كأنما خالُهُ تحت العِذارِ فتىً ... قد زمَّلتْهُ ثِيَابٌ سُنْدُسِيَّاتُ أو بُلبُلٌ برِياضِ الخدِّ مُسْتتِرٌ ... مِن خارج اللَّحْظِ أخْفَتْهُ المخَافاتُ أو سَارقٌ في ظلامِ الليل أمَّ إلى ... كُنوزِ ثَغْرٍ بها تُلْفَى السعَاداتُ أو راهبٌ يَقْرأ الإنجيلَ مِن صُحُفٍ ... ما في الحواشِي بها للخطِّ غَلْطَاتُ سُلطَانُ حُسْنٍ أعَزُّ الناسِ دَانَ له ... إلا الروادِفَ فهْيَ الخارِجياتُ على القلوبِ خَفيفاتٌ على ثِقَلٍ ... فِيهِنَّ فهْيَ الخفيفاتُ الثقيلاتُ للهِ أوقاتُنا اللاَّتِي مَررْن وفي ... حَالِ الحقيقة يا هذا حَلاَواتُ نَضُمُّ فيهنَّ أغْصَانَ القدُودِ كما ... ضَمَّتْ حُنُواً على الطفلِ الحَنُوناتُ ونحتسي من سلاف الثَّغْرِ ما عجزَتْ ... عنه العَجُوزُ وهاتِيك المُدَامَاتُ تمضي الليالي ولا نَدري لها عدداً ... كأنَّ أعْوامنا بالوَصْلِ سَاعاتُ حتى رَماني زَمَاني عن حنيته ... سِهَامَ هَجْرٍ وما عندي مِجَنَّاتُ وصَارَ رُوحي ورُوحُ الحِبِّ في جَسَدٍ ... ودُون نَيْلِ المُنَى منه مَسَافاتُ وَالَهفَ قلبي على مافاتَ من فُرصِ الزَّ ... مانِ إذ فرَصُ الدَّهْرِ اختلاساتُ أخرتها وهي لذات بها سَمَحَ الد ... هرُ البخيلُ وللتَّأخير آفاتُ يَا نازلين الحَشَا في صدكُم عجبٌ ... وللشمائلِ باللطفِ اشتمالاتُ على قاضي الهوى أن الفُؤادَ لكم ... قَضي وما قضيتْ منك لباناتُ

باللهِ يا من يُطيل اللومَ في قَمرٍ ... أقصِرْ عَناكَ فما تُجدي العلاماتُ تاللهِ لو نظرتْ عَيناك لا نظرتْ ... جَمالهُ كان لي منكَ المَعوناتُ للناسِ أكنى بسلمَى والرَّبَابِ عسى ... تُلْهِي عَذُولِي عن الحِبِّ الكِنايَاتُ لأنَّنِي بالهَوَى مَن لا يَبُوحُ وإن جَرَى لهُ من مَآقِي العَيْنِ بَاحَاتُ وما الخَطا بُمَرادِي في النَّسِيب ولا ... تَغزُّلي بالظِّبا إلاَّ الإشارَاتُ فيمَن هَوَيْتُ صِفاتُ الحُسْن أجْمعُهَا ... كأحمد جُمِّعَتْ فيه الكَمَالاتُ مِن مَهْدِه جَاء مَهْدِيّيا لهُ أدَبٌ ... فَلقَ البَرَايا وأخْلاقٌ جَمِيلاتُ بَحْرٌ وما البحْرُ إلا دُونَ أنمُلِه ... غَيْثٌ وما الغيثُ إلا منهُ قَطْراتُ وما تقدَّمَهُ في الفَضْلِ ذو أدَبٍ ... إلا زَماناً وإن فاتُوا فما فاتوا كأنما هو شمسٌ في مكارمِه ... ومَكْرُمَاتُ الألي كانوا ذُبالاتُ في كُلِّ عِلْمٍ لهُ باعٌ يَطولُ وما ... لِمدَّعي عِلمهِ إلا الجَهَالاتُ يَراعُه بالمعَانِي والبَيانِ لهُ ... على البَديعِ وأهلِيه مَقامَاتُ حَديثُه حَسَنٌ ألفاظُهُ دُرَرٌ ... مُسَلْسَلاتٌ صِحاحٌ جَوْهَرِيَاتُ سَنَّ الإباحَاتِ في أمْوالِهِ فَلهُ ... يَدٌ تقولُ خُذُوا لم تدْرِ مَا هَاتُوا بنَحوِ تصْرِيفهِ نَحْوَ الصَّواب له ... مِن عِلَّةِ النَّقْصِ أفْعَالٌ سَلِيماتُ أبْكارُ أفْكارِه الأقْمارُ سَاطِعةً ... عَنْها بَصائرُ مَن يَدْري حَسِيرَاتُ محَاسنٌ مَالَها في العصرِ ذو شَبَهٍ ... كأنها في خدُودِ الحُسْنِ شَامَاتُ يُمْنَى عَرَابةَ عن يُسْرَاهُ قاصِرَةٌ ... إذا تبَدَّى لِعِزِّ المَجْدِ رَايَاتُ به مَنارُ الهدَى والدِّنِ ذُو شَرَف ... كالنَّجمِ لاحَتْ لنا نته الهِداياتُ مِن بعد ما دَرَسَتْ آثارُهُ وعَفَتْ ... رُسُومُهُ وأبَادَتْهُ الضَّلالاتُ ورَدَّ شَمْسَ العُلَى مِن بعدِ ما غَرَبتْ ... فما ليُشعَ في هذا اخْتصَاصَاتُ باللهِ أسِمُ والبيتِ العتِيقِ ومَن ... سَعَى وَلبَّى وطابَتْ منهُ نِيَّاتُ لو كان مِن آدمٍ لليوم كُلُّ فَتىً ... إلى قريش لهُ تُلْفَى انتِسَابَاتُ ولازَمَ المَدْحَ في أوصافِه عَجزتْ ... عن حَصْرِ أوصَافِه الغُرِّ العِباراتُ خُذها إليك عروساً ما رَأيتُ لها ... كُفْؤاً سِوالكَ ومن فيه المُكافاةُ في حُلَّةٍ من بَديع الحُسنِ رَافِلةٍ ... لها بأوْجِ العُلى في التَّيةِ خَطراتُ تُزْهِي على البدرِ إعجاباً بمَطلَعِهَا ... فإنَّ مَطلَعَهَا فيه النِّهَايَاتُ فلو رأى حُسنَها حَسَّانُ قَبَّحَ ما ... أتى به حيثُ خانَتهُ السَّجيَّاتُ أو عامرٌ مَرةً في العُمْرِ مَا عَمَرَتتْ ... في حُبِّ لَيلَى لهم بالشعرِ أبياتُ لَها نِظامٌ به النَّظامُ بَانَ لهُ ... عن سُنَّةِ الحُسْنِ في النَّظْمِ اعْتِزالاَتُ إلى ابن أوْسِ تَميمٍ يَنْتهي نَسَباً ... لها على البَدْرِ في التِّمِّ الكَمالاتُ صَدَاقُها صِدْقُ وُدٍّ لا يزولُ وهَلْ ... تُرجَى سِوَى عندَ موْلانا المَودَّاتُ وأنْ يُؤهِّلنِي عَبداً لخِدْمَته ... فإنَّ أعْبُدَهُ للناسِ سَادَاتُ مِن أحمد الناس ترجُو العَفْوَ إن خَطَرتْ ... من غير عَمْدٍ وَقاهَا الله زَلاِّتُ

178 - أحمد بن حسن بن محمد ابن أحمد، أبو العباس، الحامدي، الدامغاني، القاضي

لا زالَ بالعَفْوِ مَوْصُفاً لكلِّ فتًى أيِّامُه في فَمِ الدَّهرِ ابْتِسَامَاتُ 178 - أحمد بن حسن بن محمد ابن أحمد، أبو العباس، الحامدي، الدامغاني، القاضي سمع من أبي الحسين بن سمعون، وأبي إسحاق بن يزداد. ذكره عبد الغافر، في " تاريخ نيسابور " فقال: شيخ من أصحاب أبي حنيفة، ولي قضاء دامغان فأحسن سيرته، وسمع بالعراق، وخراسان. قاله في " الجواهر ". 179 - أحمد بن الحسن بن محمد ابن عبد العزيز بن محمد بن الفرات، الموقع ولد سنة ثلاث وثمانين وستمائة. وسمع من الدمياطي، والصفي والرضي الطبريين، في آخرين. قال ابن حجر: سمع منه شيخنا الحافظ أبو الفضل، وغيره. وأثنى عليه. ومات في عاشر ذي القعدة، سنة ست وخمسين وسبعمائة. قال: وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: وكان رأساً في صناعة التوقيع، والكتابة، والحساب، وكان يقصد ذلك، ويعتمد عليه. واستقر ولده مكانه، رحمهما الله تعالى. 180 - أحمد بن الحسن بن محمود ابن منصور، أبو يعلي مولده سنة خمس، وقيل: ست وخمسين وأربعمائة. ذكره أبو زكريا يحيى بن أبي عمرو بن منده، وقال: حسن المعرفة، يرجع إلى ستر وصلاح. كتب بأصبهان، وخراسان. وكان من الحفاظ، عالماً بمذهب الكوفيين. رحمه الله تعالى. 181 - أحمد بن حسن شاه، الشهاب أبو الفضل، القاهري، المعروف بابن حسن اشتغل بعد بلوغه، وحفظ كتباً، وبرع في فنون، واختص بالشمني، والأقصرائي. وتوفي ثامن عشر رجب، سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، قبل أن يكتهل. قال السخاوي: ونعم الشاب فضلاً، وديانة، وعقلاً، وانجماعاً. رحمه الله تعالى. 182 - أحمد بن الحسين بن سليمان ابن فزارة بن عبد الله، قاضي القضاة، شرف الدين أبو العباس، المعروف بابن الكفري، الدمشقي قال الولي العراقي: تفقه، وبرع، ودرس، وأفتى. وناب في الحكم بدمشق، ثم ولي قضاء القضاة بها، ثم تركه لولده قاضي القضاة جمال الدين. وأضر، وانقطع للعبادة. وطان قد تلا بالسبع، وأتقن ذلك، وسمع حديث السلفي، وحدث، وسمع منه والدي، والهيثم، انتهى. وكانت وفاته سنة خمس وسبعين وسبعمائة، وله خمس وثمانون سنة. وذكره ابن حجر في " إنباء الغمر "، وأثنى عليه. 183 - أحمد بن الحسين بن علي ابن بندار بن المطهر بن سعيد بن إبراهيم بن يوسف ابن يعقوب، الدماوندي، الباركثي، اليوسفي من أهل دماوند، ناحية بين الري وطبرستان. كان فقيها، عالماً فاضلاً، زاهداً، ورعاً، كثير المحفوظ، متواضعاً. وذكر أنه من ذرية القاضي أبي يوسف، وأن مولده بقرية من قرى دُماوند، يقال لها باركث، في حدود سنة تسعين وأربعمائة، وله بيت مشهور بالعراق. وسافر إلى بلاد غزنة والهند، وأقام بها مدة، وصحب الكبار. ومات بمرو، عصر يوم الثلاثاء، الثالث عشر من شهر رمضان، ست وخمسين وخمسمائة. وذكره السمعاني في جملة شيوخه، وأنشد له: عَجبْتُ لِمَن يَمْشِي خَلِيعاً عِذارُهُ ... وقد لاح كالصُّبْحِ المُنير عِذَارُهُ نِثارُ عِذارٍ كان مِسْكاً وعَنْبراً ... فقد صار كافُور المشِيبِ نِثارُه 184 - أحمد بن الحسين بن علي أبو حامد المروزي، ويعرف بابن الطبري وكان أبوه من أهل همذان. سمع أحمد بن الخضر المروزي، وأحمد بن محمد بن عمر المنكري، ومحمد بن عبد الرحمن الدغولي، وغيرهم. قال الخطيب: وكان أحد العباد المجتهدين، والعلماء المتقنين، حافظاً للحديث، بصيراً بالأثر. ورد بغداد في حداثته، فتفقه بها، ودرس على أبي الحسن الكرخي مذهب أبي حنيفة. ثم عاد إلى خراسان فولى بها قضاء القضاة، وصنف الكتب، وروى. ثم دخل بغداد، وقد علت سنه، فحدث بها، وكتب الناس عنه، ووثقه البرقاني. وعن أبيسعد الإدريسي أنه قال: أحمد بن الحُسين، أبو حامد القاضي المروزي، ويعرف بالهمذاني. كان أصله من همذان. تولى قضاء بخارى، ونواحيها. وكان من الفقهاء الكبار لأهل الرأي. كتب الحديث الكثير، وخرج وصنف " التاريخ ". وكان مُتقناً، ثبتاً في الحديث والرواية. سكن بخارى، ومات بها، سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.

185 - أحمد بن الحسين أبو سعيد البردعي

وقيل: مات بمرو، يوم الأربعاء، التاسع من صفر، في السنة المذكورة، رحمه الله تعالى. وورخه الحاكم، في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة. 185 - أحمد بن الحسين أبو سعيد البردعي قال الخطيب: أحد الفقهاء على مذهب أبي حنيفة. ورد بغداد حاجاً. قال: فحدثني القاضي أبو عبد الله الصيمري، وقال: أخذ أبو سعيد أحمد بن الحُسين البردعي العلم عن أبي علي الدقاق، عن موسى بن نصر. وأخذ عنه أبو الحسن الكرخي، وأبو طاهر الدباس، وأبو عمرو الطبري، وأضرابهم. *وكان قد قدم بغداد حاجاً، فدخل الجامع، ووقف على داود صاحب الظاهر، وهو يكلم رجلاً من أصحاب أبي حنيفة، وقد ضعف في يده الحنفي، فجلس، فسأله عن بيع أمهات الأولاد، فقال: يجوز. فقال له: لم قلت؟ قال: لأنا أجمعنا على جواز بيعهن قبل العلوق، فلا نزول عن هذا الإجماع إلا بإجماع مثله. فقال له: أجمعنا بعد العلوق قبل وضع الحمل على أنه لا يجوز بيعها، فيجب أن نتمسك بهذا الإجماع، ولا نزول عنه إلا بإجماع مثله. فانقطع داود، وقال: ننظر في هذا. قال: فعزم أبو سعيد على القعود ببغداد، والتدريس بها، لما رأى من غلبة أصحاب الظاهر، فلما كان بعد مديدة رأى في المنام، كان قائلاً يقول: (فَأمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) فانتبه بدق الباب، وإذا قائل يقول له: قد مات داود بن علي صاحب المذهب، فإن أردت أن تصلي عليه فاحضر. وأقام أبو سعيد ببغداد سنين كثيرة يدرس، ثم خرج إلى الحج فقتل في وقعة القرامطة مع الحجاج، سنة سبع عشرة وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 186 - أحمد بن حفص المعروف بأبي حفص الكبير الإمام المشهور، والعلم المنشور، الذي ظنت حصاته في الآفاق، وشاع ذكره بين أهل الخلاف والاتفاق. أخذ العلم عن محمد بن الحسن، وله أصحابٌ لا يحصون. *قال شمس الأئمة: قدم محمد بن إسماعيل البخاري بخارى، في زمن أبي حفص الكبير، وجعل يُفتي فيها، فنهاه أبو حفص، وقال: لست بأهل لها. فلم ينته، حتى سئل عن صبيين شربا من لبن شاة أو بقرة، فأفتى بثبوت الحرمة. فاجتمع الناس، وأخرجوه. والمذهب أنه لارضاع بينهما؛ لأن الرضاع يعتبر النسب، وكما لا يتحقق النسب بين بني آدم والبهائم، فكذلك لا تثبت حرمة الرضاع بشرب لبن البهائم. نقله صاحب " الجواهر ". *وكان أبو حفص هذا يقول: لو أن رجلاً عبد الله خمسين سنة، ثم أهدي لرجل مشرك بصلة يوم النيروز، يريد به تعظيم ذلك اليوم، فقد كفر، وحبط عمله. 187 - أحمد بن حمزة المشهور بعرب جلبي قرأ على المولى موسى جلبي بن أفضل زاده، وغيره من علماء الديار الرومية، ثم رحل إلى القاهرة، واشتغل بها كثيراً، في التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والعربية، وغير ذلك من العلوم، وأجاز له فضلاء تلك الديار، وشهدوا له بالفضيلة. ثم عاد إلى الديار الرومية، وبنى له الوزير قاسم باشا مدرسة بالقرب من مدرسة أبي أيوب الأنصاري، رضي الله تعالى عنه. 188 - أحمد بن خاص التركي شهاب الدين أحد الفضلاء المتميزين من الحنفية. أخذ عنه بدر الدين العيني، وكان يطريه. كذا قال ابن حجر. وذكره السخاوي، في " الضوء اللامع " وقال: أكثر الاشتغال بالفقه والحديث، ليلاً ونهاراً، وكتب كثيراً، وجمع، ودرس. ومات في سنة تسعٍ. رحمه الله تعالى. 189 - أحمد باشا ابن المولى حضر بيك، ابن جلال الدين كان من جملة الأفاضل بالديار الرومية. وولي إحدى المدارس الثمان، وسنه دون العشرين، وهو من المدرسين الأول بها، فلما عزل أخوه سنان باشا عن الوزارة عُزل هو أيضاً عن التدريس، وأعطي قضاء أسكوب ومدرستها. فلما ولي السلطان بايزيد، وجه له تدريس إحدى المدرستين المتجاورتين، بمدينة أدرنة، ثم وجه له إحدى المدارس الثمان. ثم جعل مُفتياً بمدينة بروسة، وعين له كل يوم مائة درهم عُثماني. وكانت وفاته بها، في سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وقد جاوز عشر التسعين، رحمه الله تعالى. 190 - أحمد بن الخضر الحنفي شهاب الدين مفتي دار العدل. سمع عيسى المطعم، وجماعة، وهو مكثر. قال ابن حجر في بعض مؤلفاته: كذا قرأت بخط القدسي، ولعله الذي قبله، انتهى.

191 - أحمد بن داود بن محمد الأودني، أبو نصر

والذي قبله هو كما قاله في " إنباء الغمر " أحمد بن محمد بن عمر بن الخضر بن مسلم الدمشقي شهاب الدين الحنفي، المعروف بابن خضر. ولد سنة ست وسبعمائة. كان يدرلى الفقة والأصول، ودرس بأماكن. وسمع من عيسى المطعم، والحجار، وغيرهما. وكان فاضلاً، حدث بدمشق. ومات بها في رابع عشر شهر رجب، سنة خمس وثمانين وسبعمائة، عن ثمانين سنة تنقص يسيرا. وكان جلداً، قوياً. ولي إفتاء دار العدل، بدمشق، وهو أول من وليه. وشرح " الدرر " للقونوي، في مجلدات. انتهى. 191 - أحمد بن داود بن محمد الأودني، أبو نصر تفقه بأبيه، وروى عنه. روى عنه عمر بن منصور البخاري. قال في " الجواهر ". 192 - أحمد بن داود أبو حنيفة، الدينوري صاحب " كتاب النبات "، أحد العلماء المشهورين في اللغة. ذكره أبو القاسم مسلمة بن القاسم الأندلسي، في " الذيل " الذي ذيل به على " تاريخه الكبير " في أسماء المحدثين، وقال: فقيه حنفي الفقه. وله من المصنفات " كتاب الفصاحة " و " كتاب الأنوار " و " كتاب القبلة "، و " كتاب حساب الدور "، و " كتاب الوصايا "، و " كتاب الجبر والمقابلة " و " كتاب إصلاح المنطق ". مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين. كذا في " الجواهر المضيئة ". وذكر له ابن شهبة، في " طبقات اللغويين والنحاة "، ترجمة تليق بشأنه، لا بأس بإيرادها كما هي، فقال: أحمد بن داود الإمام أبو حنيفة الدينوري اللغوي، مؤلف " كتاب النبات "، وغيره. أخذ عن البصريين، والكوفيين، وأكثر عن ابن السكيت. وكان لغوياً، مُهندساً، منجماً، حاسباً، راوية، ثقة فيما يرويه ويحكيه. قال ياقوت في " معجم الأدباء ": قال أبو حيان التوحيدي، في كتاب " تفريظ الجاحظ: قال عبد الله بن حمود الزبيدي، وكان من أصحاب السيرافي، قلت للسيرافي: قد اختلف أصحابنا في بلاغه الجاحظ، وأبي حنيفة الدينوري صاحب " النبات "، ووقع الرضا بحكمك، فما قولك؟ فقال: أن أحقر نفسي عن الحكم لهما وعليهما. فقلت: لا بد م قول. فقال: أبو حنيفة أكثر ندارة، وأبو عثمان أكثر حلاوة، ومعاني أبي عثمان لائطةٌ بالنفس، سهلة في السمع، ولفظ أبي حنيفة أعرب وأغرب، وأدخل في أساليب العرب. قال أبو حيان: والذي أقوله فأعتقده، أني لم أجد في جميع من تقدم وتأخر غير ثلاثة، لو اجتمع الثقلان على تقريظهم، ومدحهم، ونشر فضائلهم، في أخلاقهم وعلمهم، ومصنفاتهم ورسائلهم، مدى الدنيا إلى أن يأذن الله تعالى بزوالها، لما بلغوا آخر ما يستحقه كل واحد منهم؛ هذا الشيخ الذي أنشأنا له هذه الرسالة، أعني أبا عثمان، والثاني أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري، فإنه من نوادر الرجال، جمع مثل حكمة الفلاسفة، وبيان العرب، له من كل فن ساق وقدم؛ وهذا كلامه في " الأنواء " يدل على حظ وافر من علم النجوم، وأسرار الفلك، فأما كتابه في " النبات " فكلامه فيه عروض كلام أبدي بدوي، وعلى طباع أفصح عربي، وقد قيل: إن له كتاباً يبلغ ثلاثة عسر مجلداً في القرآن، ما رأيته، وإنه ما سبق إلى ذلك النمط، هذا، مع ورغه وزهده، وجلالة قدره، والثالث، أبو زيد أحمد بن سهل البلخي؛ فإنه لم يتقدم له شبيه في الأعصر الأول، ولا يظن أنه يوجد له نظير في مستأنف الدهر؛ ومن تصفح كلامه في " كتاب أقسام العلوم "، وفي " كتاب اختلاف الأمم "، وفي " كتاب نظم القرآن "، وفي " كتاب اختيار التبيين "، وفي رسائله إلى إخوانه، وجوابه عن ما يسأل عنه ويبده به، علم أنه خزانة بحر الجود، وأنه عالم العلماء، وما روى في الناس من جمع بين الحكمة والشريعة سواه، وإن القول فيه لكثير، فلو تناصرت إلينا أخبارهما، لكنا نفرد لكل تقريظاً مقصوراً عليه، وكتاباً منسوباً إليه، كما فعلنا بأبي عثمان. قال ياقوت: قرأت في كتاب ابن فورجة، المسمى " الجني على ابن جني " في الرد عليه، في كتابه المسمى " الفتح على أبي الفتح "، في تفسير قول المتنبي: فدع عنك تشبيهي بما وكأنه ... فما أحَدٌ فوقي وما أحدٌ مِثلي وقال فيه ما لم يرضه ابن فورجة، ونسبه إلى أنه سأل عنه أبا الطيب، فأجاب بهذا الجواب.

193 - أحمد بن روح الله ابن سيدي ناصر الدين غياث الدين ابن سراج الدين الجابري، الأنصاري

*فأورد ابن فورجة هذه الحكاية: زعموا أن أبا العباس المبرد، ورد الدينور، زائراً لعيسى بن ماهان، فأول ما دخل عليه، وقضى سلامه، قال له عيسى: أيها الشيخ ما الشاة المجثمة، التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم أكلها؟ فقال: هي الشاة القليلة اللبن، مثل اللجبة. فقال: هل من شاهد؟. قال: نعم، قول الراجز: لم يَبْقَ من آلِ السَّلِيط نَسَمَهْ ... إلا عُنَيْزٌ لَجْبَةٌ مُجَثَّمَه فإذا بالحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدينوري، فلما دخل، قال له عيسى بن ماهان: أيها الشيخ، ما الشاة المجثمة، التي نهينا عن أكل لحمها؟. فقال: هي التي جثمت على ركبها وذبحت من خلف قفاها. فقال: كيف تقول هذا، وهذا شيخ أهل العراق - يعني المبرد - قال: هي مثل اللجبة، وهي قليلة اللبن. وأنشد الشاهد. فقال أبو حنيفة: أيمان البيعة تلزم أبا حنيفة إن كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ، أو قرأه، وإن كان هذا الشاهد إلا لساعته هذه. فقال المبرد: صدق الشيخ أبو حنيفة؛ فإني أنفت أن أرد عليك من العراق، وذكري قد شاع، فأول ما تسألني عنه لا أعرفه. فاستحسن منه هذا الإقرار وترك البهت. قال ابن فورجة: وأنا أحلف بالله العظيم، إن كان أبو الطيب قط سئل عن هذا البيت، فأجاب بهذا الجواب، الذي حكاه ابن جني، وإن كان إلا متزايداً فيما يدعيه، عفا الله عنه، فالجهل والإقرار به أحسن. ولأبي حنيفة من الكتب " كتاب ألباه "، " كتاب ما تلحن فيه العامة "، " كتاب الشعر، والشعراء "، " كتاب الفصاحة "، " كتاب الأنواء "، " كتاب حساب الدور "، " كتاب النخب في حساب الهند "، " كتاب الجبر والمقابلة "، " كتاب البلدان " كبير، " كتاب النبات " لم يصنف في معناه مثله، " كتاب الجمع والتفريق "، " كتاب الأخبار الطوال "، " كتاب الوصايا "، " كتاب نوادر الجبر "، " كتاب إصلاح المنطق "، " كتاب القبلة والزوال "، " كتاب الكسوف ". قال أبو حيان التوحيدي: له " تفسير القرآن ". توفي سنة إحدى وثمانين ومائتين. رحمه الله تعالى. 193 - أحمد بن روح الله ابن سيدي ناصر الدين غياث الدين ابن سراج الدين الجابري، الأنصاري من ذرية جابر بن عبد الله الأنصاري، رضي الله تعالى عنه الملك الباري. الإمام العامل، والبارع الكامل. قاضي العسكر المنصور بولاية أناطولي. اشتغل، ودأب، وحصل، وأخذ العلم عن جماعة كثيرة، من أجلهم المولى العلامة محمد شاه، الآتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى، وكان معيداً له، وملازماً منه. وصار مدرساً بعدة مدارس، منها مدرسة بناها المرحوم محمد باشا، باسم صاحب الترجمة، وهي معروفة فيما بين قسطنطينية ومدينة أردنة، وهو أول من درس بها، ومنها إحدى الثمان، ومدرسة أيا صوفية، ومدرسة المرحومة والدة السلطان مراد خان أدام الله أيامه، بمدينة اشكدار، حميت عن البوار. وألقى بالمدرسة المذكورة درساً عاماً حضره غالب أفضل الديار الرومية وعلمائها، وتكلم في تفسير سورة الأنعام، على قوله تعالى: (وَقَالَوُا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) الآية، وكان درساً حافلاً، لم يعهد في ذلك الزمان بالديار الرومية مثله، لأن المدرسين في بلادهم لا يفعلون ذلك، وإنما يجلس المدرس وحده في محل خال من الناس، ولا يدخل إليه إلا من يقرأ الدرس، وشركاؤه فيه، ولا يحضرهم أحد من غير تلامذة المدرس. وجرى في ذلك الدرس العام، من الأبحاث الرائقة، والفوائد الفائقة، ما حفظته الوعاة، وتناقلته الرواة. ثم خلع عليه يوم الدرس المذكور ثلاث خلع، بعد أن أرسلت إليه المرحومة والدة السلطان، نصره الله تعالى، ألف دينار لأجل ضيافة من يحضر الدرس المذكور، ومد لهم سماط، احتوى على نفائس الأطعمة، وأخذوا منه رعاية له نحو خمسين ملازماً، وما وقع ذلك لأحد غيره. ثم ولي قضاء الشام، ثم قضاء مدينة أردنة، ثم قضاء قسطنطينية، ثم ولي قضاء العسكر، في أواخر شهر رمضان المعظم قدره، سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة، وأخذ يعامل أهل العلم وطلاب المناصب بالرفق، والمداراة، والإحسان، ويُقلد أعناق الرجال منن الإكرام والإفضال، غير أنهم لم يكونوا راضين عنه الرضاء التام، وقلما يحصل منهم ذلك في حق قاضٍ من القضاة؛ فإن رضاءهم غايةٌ لا تدرك.

194 - أحمد بن زيهراد بن مهران أبو الحسن، السيرافي

ولصاحب الترجمة مؤلفات تدل على فضله، ونبله، وعلو مقامه، منها، " تفسير سورة يوسف "، " وحاشية على تفسير سورة الأنعام " للعلامة البيضاوي، " حاشية في آداب البحث " على " حاشية ملا مسعود "، و " حواش على أوائل التلويح "، و " حواش على غالب شرح المفتاح للسيد "، وله رسائل مُتعددة، في فنون كثيرة، نفع الله بها آمين. 194 - أحمد بن زيهراد بن مهران أبو الحسن، السيرافي المقري، الفقيه، المتكلم. أحد الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة، الذين قدموا مصر، وأملى بها. حدث عن أبي داود سليمان بن الأشعث، والربيع بن سليمان المرادي، والقاضي بكار. وسمع منه بمصر أبو حفص عمر بن شاهين، وعبد الغني بن سعيد. وكانت ولادته سنة ثلاث وخمسين ومائتين. ذكره أبو عمرو الداني في " طبقات القراء "، وقال: توفي بمصر، سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وقيل: سنة ست، ورمي بالاعتزال. 195 - أحمد بن زيد أبو زيد، الشروطي ذكره أبو الفتح محمد بن إسحاق النديم، في كتاب " الفهرست "، في جملة أصحابنا. وقال: له من الكتب " كتاب الوثائق "، و " كتاب الشروط الكبير "، و " كتاب الشروط الصغير ". وذكره الصغناقي في " شرحه " في أثناء كتاب البيوع، فقال في بحث: ذكره أبو زيد الشروطي. كذا في " الجواهر ". 196 - أحمد بن سامة بن كوكب الطائي، أبو العباس، الصالحي الشروطي، المحدث ذكره الذهبي، في " المعجم المختص "، وقال: قرأ، ونسخ، وحصل، وكان حنفياً، متواضعاً. مات في صفر، سنة ثلاث وسبعمائة. رحمه الله تعالى. 197 - أحمد بن سعد بن نصر ابن بكار بن إسماعيل، أبو بكر الفقيه، البخاري ولده سابع عشر جمادى الآخرة، سنة تسع وسبعين ومائتين. قدم بغداد، وحدث بها عن صالح جزرة الحافظ، وعلي بن موسى الحنفي، وغيرهما. حدث عنه أبو الحسن بن رزقويه. مات ليلة الأربعاء، لخمسٍ بقين من ذي الحجة، سنة ستين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. 198 - أحمد بن سليمان بن أبي العز وهيب الإمام تقي الدين بن الإمام صدر الدين، أخو قاضي القضاة شمس الدين محمد بن سليمان. درس بالشبلية. وكان فاضلاً، صدراً من الصدور. مات في رجب، سنة خمسٍ وثمانين وستمائة. قال في " الجواهر المضيئة ". 199 - أحمد بن سليمان بن كمال باشا الإمام العالم، العلامة، الرحلة، الفهامة، أوحد أهل عصره، وجمال أهل مصره، من لم يخلف بعده مثله، ولم تر العيون من جمع كماله وفضله. كان، رحمه الله تعالى، إماماً بارعاً، في التفسير، والفقه، والحديث، والنجو، والتصريف، والمعاني، والبيان، والكلام، والمنطق، والأصول، وغير ذلك، بحيث إنه تفرد في إتقان كل علم من هذه العلوم، وقلما يوجد فن من الفنون إلا وله مصنف أو مصنفات. أخذ عن المولى لطفي الرومي، وخطيب زاده، ومعروف زاده، وغيرهم. ودأب، وحصل، وصرف سائر أوقاته في تحصيل العلم، ومُذاكرته، وإفادته، واستفادته، حتى فاق الأقران، وصار إنسان عين الأعيان. ودرس في بلاده بعدة مدارس، ثم صار قاضياً بمدينة أدرنة، ثم قاضياً بالعسكر المنصور في ولاية أناطولى، ثم عُزل، وأعطي تدريس دار الحديث بأدرنة، وعين له كل يوم من العلوفة مائة درهم عثماني، ثم وجه له تدريس مدرسة السلطان بايزيد خان، بالمدينة المذكورة، ثم صار مُفتياً بمدينة إصطنبول، بعد وفاة المولى علاء الدين الجمالي. ولم يزل في منصب الفتوى، إلى أن لحق باللطيف الخبير، في سنة أربعين وتسعمائة. رحمه الله تعالى. قال في " الشقائق النعمانية ": وكان السبب الحامل له على الاشتغال بالعلم، والباعث له على تحصيله، أنه رأى مرة عند إبراهيم باشا بن خليل باشا، وزير السلطان المجاهد بايزيد خان، شخصاً رث الهيئة، خلق الثياب، جاء وجلس فوق بعض الأمراء الكبار المتقدمين في الدولة، فاستغرب ذلك، وسأل عن السبب فقيل له: هذا شخص من أهل العلم، يقال له المولى لطفي. فقال: أيبلغ العلم بصاحبه هذه المنزلة؟ فقيل له: نعم، وأزيد. فانقطع من ذلك الحين إلى المولى المذكور، وقرأ عليه، ثم قرأ على غيره، إلى أن مهر، وصار إماماً في كل فن، بارعاً في كل علم، تشد الرحال إليه، وتعقد الخناصر عليه. انتهى ملخصاً.

200 - أحمد بن سليمان بن محمد ابن عبد الله الكناني، الحوراني الأصل، الغزي، المقري

ودخل ابن كمال باشا إلى القاهرة، صحبه السلطان سليم خان بن بايزيد خان، حين أخذها من الجراكسة، وكان إذ ذاك قاضياً بالعسكر المنصور، في الولاية المذكورة. وأجاز له بعض علماء الحديث بها، وأفاد واستفاد، وحصل بها علو الإسناد، وشهد له عُلماؤها بالفضائل الجمة، والإتقان في سائر العلوم المهمة. وله من التصانيف: " تفسير القرآن العزيز "، لم يكمل، " حواش على الكشاف "، " حواش على أوائل تفسير القاضي "، " شرح الهداية "، لم يكمل، " الإصلاح والإيضاح " في النفقه، " تغيير التنقيح "، في الأصول، " تجويد التجريد "، في أصول الدين، " متن " و " شرح " في المعاني والبيان، " شرح المفتاح "، لم يكمل، " تغيير المفتاح، وشرحه "، " حواش على المفتاح "، للسيد، " متن " و " شرح "، في الفرائض، " حواش على التلويح "، " حواش على التهافت " للمولى خواجا زاده، وله رسائل كثيرة، في فنون عديدة، لعلها تزيد على ثلاثمائة رسالة. وفاق في الإنشاء بالعربية، والفارسية، والتركية، وكان له منها حظ جزيل، وفيها باع طويل. ومن تصانيفه الفارسية، كتاب سماه " نكارستان "، على منوال كتاب " الكلستان "، وكتاب سماه " دقائق الحقائق "، أبدع فيه إلى الغاية، حتى قيل: لو لم يكن له في هذا اللسان إلا هذا الكتاب، لكفلاه دليللاً على تبحره فيه، واطلاعه على دقائقه. وصنف كتاباً بالتركية، في تواريخ آل عثمان. قال في الشقائق: أبدع في إنشائه، وأجاد. وكل مؤلفاته مقبولة، مرغوب فيها، متنافس في تحصيلها، متفاخر بتملك الأكثر منها، وهي لذلك مستحقة، وبه جديرة. وكان رحمه الله تعالى، في كثرة التأليف، وسرعة التصنيف، ووسع الاطلاع، والإحاطة بكثير من العلوم، في الديار الرومية، نظيراً للحافظ جلال الدين السيوطي في الديار المصرية. وعندي أن ابن كمال باشا أدق نظراً من السيوطي، وأحسن فهما، وأكثر تصرفا؛ على أنهما كانا جمال ذلك العصر، وفخر ذلك الدهر، ولم يخلف أحدٌ منهما بعده مثله. رحمه الله تعالى. 200 - أحمد بن سليمان بن محمد ابن عبد الله الكناني، الحوراني الأصل، الغزي، المقري نزيل مكة المشرفة. اشتغل بالقراءات، وتميز فيها، وفهم العربية، واشتغل، وقطن مكة، على خير وانجماع، مع تحرز، وتخيل. قال السخاوي: وقد لازمني كثيراً في الرواية والذراية، وكتبت له إجازة، وسمعته ينشد من نظمه: سلامٌ هلى دَلرِ الغُرور لأنها ... مُكدَّرةٌ لذاتُهَا بالفجائعِ فإن جَمَعَتْ بَيْن المُحِبَّين سَاعةً ... فعَمَّا قليل أرْدَفتْ بالمَوَانعِ قال: ثم قدم القاهرة من البحر، في رمضان، سنة تسع وثمانين وثمانمائة. وأنشدني من لفظه قصيدتين، في الحريق والسيل الواقع بالمدينة وبمكة، وكتبهما لي بخطه. وسافر لغزة لزيارة أمه، وأقرأ بها " البخاري "، وأقبل عليه أهلها. انتهى. كذا قاله في " الضوء اللامع ". 201 - أحمد بن سليمان بن نصر ابن حاتم بن علي بن الحسن الكاشاني ولي قضاء القضاة، في زمن الخاقان أبي شجاع، أخي شمس الملف. وحدث بسمرقند، وأملى، ولم يكن محمود السيرة في ولايته. روى عن أبي المعالي " محمد بن " نصر بن منصور المديني، الخطيب بسمرقند. وذكره السمعاني. 202 - أحمد بن سهل أبو حامد، الفقيه، البلخي روى عن محمد بن الفضل البلخي، ومحمد بن أسلم قاضي سمرقند. وروى عنه حفيده عبد الله بن محمد بن أحمد بن سهل، وعبد الله بن محمد بن شاه الفقيه السمرقندي. وذكره أبو سعد الإدريسي، في " تاريخ سمرقند " وقال: كان فاضلاً من أصحاب الرأي. سكن سمرقند، وله عقب. وروي أن وفاته كانت في شهر رمضان، سنة أربعين وثلاثمائة. 203 - أحمد بن الصلن بن المغلس أبو العباس، الحماني وقيل: أحمد بن محمد بن الصلن، ويقال: أحمد بن عطية. وهو ابن أخي جبارة ابن المغلس الفقيه. تفقه على بشر بن الوليد الكندي. وروى عنه، وعن ثابت بن محمد الزاهد، وأبي نعيم الفضل بن دكين، ومسلم بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وجبارة ابن المغلس، وأبي بكر ابن أبي شيبة، وأبي عبيد القاسم بن سلام.

204 - أحمد بن طاهر بن حيدرة ابن إبراهيم بن العباس بن الحسين

ذكره الخطيب، في " تاريخه "، وروى بسنده عنه أنه قال: حدثنا محمد بن المثنى، صاحب بشر بن الحارث، قال: سمعت ابن عُيينة، قال: العلماء؛ ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، وأبو حنيفة في زمانه، والثوري في زمانه. ثم إن الخطيب أخذ في رد هذا القول بالحجج الواهية، والطعن فيه بما يسهل الجواب عنه، ولا يخفى التعصب فيه. وقد صنف الحماني " كتاباً في مناقب الإمام أبي حنيفة " وأطنب فيه، وذكر ما ورد في حقه من الأخبار والآثار، وشهادة العلماء له بالتقدم في العلم، والعبادة، والورع، وغير ذلك. وكان هذا - والله أعلم - هو السبب الذي أوغر صدر الخطيب عليه، وحمله على القدح الزائد، والله سبحانه وتعالى يعلم المفسد من المصلح. وكانت وفاته في شوال، سنة ثمان وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. وكانت وفاة صاحب الترجمة، في شوال، سنة ثمان وثلاثمائة. ومن تصانيفه " كتاب في مناقب الإمام الأعظم "، أطنب فيه إلى الغاية. وقد ضعف الخطيب، ونسبه إلى وضع الأحاديث، وبالغ في الحط عليه، كما جرت عادته بذلك مع أئمة الحنفية، وتبع الخطيب في ذلك غيره. والله أعلم. 204 - أحمد بن طاهر بن حيدرة ابن إبراهيم بن العباس بن الحسين قال في " الجواهر ": ولد بمصر، سنة إحدى وخمسمائة. وكان عالماً، تفقه على مذهب أبي حنيفة، وله يد في علم الهيئة، والتواريخ وأخبار الناس. توفي بدمشق. وذكره ابن عساكر، في " تاريخ دمشق "، وأوصل نسبه إلى الحسين بن علي، رضي الله تعالى عنهما؛ فقال بعد الحسين هذا: ابن العباس بن الحسن بن الحسين وهو أبو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، أبو العباس الحُسيني النقيب. ولد بمصر. وقدم دمشق وهو شاب، فأقام بها مدة، ورجع إلى مصر. ثم قدم دمشق، فاستوطنها؛ وولي نقابة الطالبيين. وكان عالماً بالحساب وعلم الهيئة، والتواريخ، وأخبار الناس، وكان يذهب مذهب أبي حنيفة. انتهى، ولم يؤرخ وفاته. ورأيت بهامش النسخة التي نقلت منها، بخط بعضهم ما صورته: قلت: توفي أوائل أيام المستضيء، أو في آخر أيام المستنجد بالله. رحمه الله تعالى. 205 - أحمد بن الطيب بن جعفر ابن كماري الواسطي والد محمد، وجد إسماعيل. وكمارى، بفتح الكاف والميم، وبعد الألف راء، كذا ضبطه السمعاني. 206 - أحمد بن العباس بن الحسين بن جبلة بن غالب ابن نوفل بن عياض بن يحيى بن قيس بن سعد ابن عبادة الأنصاري الخزرجي الفقيه، السمرقندي، العياضي تفقه على الإمام أبي بكر بن إسحاق الجوزجاني، تلميذ أبي سليمان موسى بن سليمان الجوزجاني. وتفقه عليه جماعة، منهم ولده. وقال الإدريسي في " تاريخ سمرقند ": كان من أهل العلم والجهاد، وكان له ولدان إمامان في الفقه من أصحاب أبي حنيفة، شديدان في المذهب. قال: ولا أعلم له رواية، ولا حديثاً فأذكره. أسره الكفرة، فقتلوه صبراً في ديار الترك، في أيام نضر بن أحمد بن أسد بن سامان الكبير. ولم يكن أحدٌ يضاهيه، ويقابله في البلاد؛ لعلمه وورعه، وكتابته، وجلادته، وشهامته، إلى أن استشهد، نور الله ضريحه. ومن كلامه: ترك النصيحة يورث الفضيحة. وحكي أنه لما استشهد خلف أربعين رجلاً من أصحابه، كانوا من أقران أبي منصور الماتريدي. رحمهم الله تعالى. 207 - أحمد بن العباس الإستراباذي صاحب المسجد المنسوب إليه بإستراباذ. ذكره السهمي، في " تاريخ جرجان "، وقال: كان فقيهاً، ثقة، من أهل الرأي، وله آثار بإستراباذ. روى عن أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي. روى عنه الحسين بن بندار، وجعفر بن محمد بن شهريل. 208 - أحمد بن عبد الله بن إبراهيم المحبوبي، شهاب الدين، الحنفي ذكره في " الغرف العلية "، وقال: اشتغل، وبرع، ودرس، وألف، ومن ذلك " تنقيح العقول في فروق المنقول ". كذا في " تاج التراجم ". انتهى. 209 - أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن عبد الله بن أحمد بن عسكر البندنيجي الأصل، البغدادي المولد والدار، أبو العباس بن أبي أحمد، القاضي أحد سكان محلة مشهد أبي حنيفة، رضي الله عنه.

210 - أحمد بن عبد الله ابن أبي القاسم البلخي، أبو جعفر، القاضي

قال صدقة الفرضي: كان فقيهاً حسناً. سأله أبو المحاسن القرشي عن مولده، فقال: في سنة تسع وتسعين وأربعمائة. نقله ابن النجار، وقال: حدث باليسير، وسمع أبا القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، وأبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد القاضي الأنصاري. وسمع منه أبو المحاسن القرشي، وغيره. وولي القضاء، والحسبة بالجانب الغربي من بغداد، فحمدت سيرته، وشكرت ولايته، وشهد له بالعفة، والنزاهة، والديانة، والصيانة، والفضل. وكانت وفاته ليلة الجمعة تاسع المحرم، سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، ودفن قبل الصلاة بمقبرة الخيزران، ظاهر قبر أبي حنيفة. رحمه الله تعالى. 210 - أحمد بن عبد الله ابن أبي القاسم البلخي، أبو جعفر، القاضي له كتاب الرد على المشنعين على أبي حنيفة، سماه " الإبانة ". كذا في " الجواهر ". 211 - أحمد بن عبد الله بن رشيد الحِجازي، السلمي قال ابن حجر في " المجمع المؤسس ": تفقه على مذهب أبي حنيفة ومهر، ثم أسن وأضر. وسمع، وهو كبير من القلانسي، ومن مسموعاته عليه " معجم ابن قانع "، وسمع قطعة من كتاب " قضاء الحوائج " لأبن أبي الدنيا، على عز الدين ابن جماعة. مات في شهر ربيع الآخر، سنة تسع وتسعين وسبعمائة. وهو من شيوخ ابن حجر. رحمه الله تعالى. 212 - أحمد بن عبد الله بن عباس أبو العباس الطائي، الأقطع قال الخطيب: من أهل الرأي. سكن بغداد، وحدث بها عن سهل بن عثمان العسكري، وحفص المهرقاني، وهارون بن سعيد الأبلي، وأحمد بن سعيد الهمذاني، ويونس بن عبد الأعلى المصري. روى عنه أحمد بن كامل القاضي، وأبو القاسم الطبراني. وروى له الخطيب في " تاريخه " عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدباراً، ولا الناس إلا شحاً، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم ". 213 - أحمد بن عبد الله بن عبد الله ابن مهاجر الأندلسي، الوادياشي، شهاب الدين تفقه ببلده، وتأدب. ورحل منها إلى المشرق، فحج، ثم سكن طرابلس الشام، ثم حلب، وتحول حنفياً. واشتمل عليه ناصر الدين ابن العديم قاضيها، فكان يواليه، ويطرب لأماليه، واستنابه في عدة مدارس، وفي الأحكام. وكان قيماً بالنحو، والعروض، رائق النظم، ومنه قوله: مَا لاَحَ في دِرْعٍ يَصُولُ بسَيْفِه ... والوَجْهُ منه يُضِئُ تحت المِغْفَر إلا حَسِبْتُ البَحْرَ مُدَّ بجَدْوَلٍ ... والشمْسَ تحت سَحَابةٍ مِن عَنْبَرِ ومنه: تُسَعُِّ في الوَغَى نِيرَانَ حَرْرٍ ... بأَيْدِيهمْ مُهَنَّدَةٌ ذُكُورُ ومن عَجَبِ الظُبَى قد سَعَّرَتْهَا ... جَدَاوِلُ قد أقلَّتْها بُدُورُ وخمس " لامية العجم " تخميساً جيداً. ومدح ابن الزملكاني لما ولي قضاء حلب، بقصيدة على وزن قصيدة ابن النبيه، التي أولها: بَاكِرْ صَبُوحَكَ أهْنَا العَيْشِ بَاكِرهُ ... فقد ترنَّمَ فوق الأيْكِ طائِرُهُ ومطلع قصيدته هو، قوله: يُمْنٌ ترَنَّم فوق الأيْكِ طَائِرهُ وطَائرٌ عمَّتِ الدُنْيَا بَشَائِرُهُ قلت: مطلعٌ حسن، وبشائر مقبولة، وطائر ميمون؛ ولكن أين بشائر ابن النبيه من هذه البشائر، وأين يُمن هذا الطائر. ولا بأس بإيراد غزل قصيدة ابن النبيه، وإن كان فيه خروج عن المقصود؛ فإنها قصيدة بديعة، ولي بها وبأخواتها من " ديوانه " غرام زائد، واعتناء متزايد، حتى قلت في حقه متفضلاً، وعلى فضله منبها، وله في الشعر وحُسن الذوق مُقدماً: يقولون لي هل للنباتي في الورى ... إذا قِيلَتِ الأشْعارُ ثَمَّ شَبِيهُ وهل من نبيهٍ في المعاني كَمِثْلِهِ ... فقلتُ وهل كابْنِ النَّبيهِ نَبيهُ وغزل القصيدة الموعود بذكره، قوله: باكِرْ صَبُحَكَ أهْنَا العَيشِ بَاكِرُهُ فقد ترنَّمَ فوق الأيْكِ طائِرُهُ واللْلُ تَجْري الدرَاري في مَجَرَّتهِ ... كالرَّوْضِ تَطْفو على نَهْرٍ أزاهرُهُ وكوكبُ الصُّبْحِ نَجّاب عَلَى يَدِهِ ... مُخَلَّقٌ تمْلأ الدُّنْيَا بَشائِرُهُ

214 - أحمد بن عبد الله بن الفضل أبو نصر، الخيزاخزي

فانْهَضْ إلى ذَوْبِ يَاقوتٍ لهَا حَبَيبٌ ... تنُوبُ عَن ثَغْرِ مَن تَهْوَى جَواهِرُهُ حَمْرَاءُ في وجْنَةِ الساقي لهَا شَبَهٌ ... فهل جَناهُ مَعَ العُنقود عاصِرُهُ ساقٍ تكونَ من صُبحٍ وَمِن غَسَقٍ ... فَاْبيضَّ خَدَّاهُ واسْوَدَّتْ غدائرُهُ سُودٌ سَوالِفهُ لُعْسٌ مَراشِفُهُ ... نُعْسٌ نَواظِرهُ خُرسٌ أساورُهُ مُفلَّجُ الثَّغْرِ مَعْسُولُ اللَّمىَ غَنِجٌمُؤنثُ الجَفْنِ فَحْلُ اللَّحْظِ شَاطِرُهُ مُهفْهَفُ القَدِّ يُبدي جِسمُه تَرَفاً ... مُخَصَّر الخَصْرِ عَبلُ الرِّدف وافرهُ تَعلمتْ بَانَهُّ الوادي شَمائِلَهُ ... وَزَوَّرَتْ سِحْرَ عَيْنَيْهِ جَاذِرُهُ كَأنَّهُ بسَوادِ الصُّبْحِ مُكْتحِلٌ ... ورُكِّبَتْ فوق صَدغَيهِ مَحَاجِرُهُ نَبيُّ حُسنٍ أظلَّتْهُ ذَوَائِبُه ... وقامَ في فَتْرَةِ الأجَفْانِ ناظِرُهُ فَلوْ رَاتْ مُقْلَتا هَاروتَ آيتَه ال ... كبرى لآمنَ بَعْد الكُفرِ سَاحِرهُ قَامتْ أدِلةُ صدغَيْهِ لِعاشِقِهِ ... عَلَى عَذُولٍ أتَى فيه يُناظرُهُ خُذْ مِنْ زَمَانِك مَا أعْطَاكَ مُغتنماً ... وأنت نَاهٍ لهذا الدَّهرِ آمرُهُ فالعمرُ كالكأس تُستَحْلى أوائِلُهُ ... لكنَّهُ رُبَّمَا مُجَّتْ أواخِرُهُ وَاجسُرْ على فُرَصِ اللذاتِ مُحْتقِراً ... عَظيمَ ذَنْبِك إن اللهَ غافِرُهُ فليْس يُخْذَلُ في يَوم الحساب فَتىً ... والنَّاصِرُ ابنُ رسولِ اللهِ نَاصِرُهُ هكذا فليكن الشعر، وبمثله فليفتخر المادح، ويطرب الممدوح، ويعذر في إيراده الأديب المؤرخ. ومن شعر صاحب الترجمة، قوله في قالب الطين: مَا آكلٌ في فَمينِ ... يَغُوطُ مِن مَخْرَجَيْنِ مُغْري بقَبْضٍ وَبَسْطٍ ... وَمَا لَهُ مِنْ يَدَيْنِ ويقْطَعُ الأرْضَ عَدْواً ... مِن غيرِ مَا قَدَمَيْنِ وله أيضاً من أبيات: أيُها الطَّرْفُ لاَتَ حينَ مَناص ... فابْكِ عَهْدَ الوِصَالِ إنْ كنت تبكي وارْم نَحوَ الحسناء لحْظَك تَحْظى ... من سَنا ذلك اليَقين بشَكِّ وإذا أخْتُها الغزالةُ قالتْ ... هِيَ مِثْلِي فقُل وأحَسْنُ مِنْكِ وكانت وفاته سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، عن نحو خمسين سنة. رحمه الله تعالى. 214 - أحمد بن عبد الله بن الفضل أبو نصر، الخيزاخزي بفتح الخاء المعجمة، وسكون الياء تحتها نقطتان، وفتح الزاي، وسكون الألف، وفتح الخاء الثانية، وكسر الزاي، نسبة إلى قرية خيزاخزي، من قُرى بخارى. الفقيه، الإمام ابن الإمام. تفقه على والده، وروى عنه، وعن الحسن بن فراس المكي، وغيرهما. وولي الإمامة بجامع بخارى، وعقد له مجلس الإملاء بها. قال أبو كامل البصري: سمعت أبا نصر يقول: كان في غرامة شديدة في حال الصبا، وكان من يتصل إلى شيخي، يعني والده، يغريه علي، فيغضب الشيخ منه ويقول: سلمته إلى الله تعالى، فهو خيرٌ له مني، إن أراد الله به خيراً يكن، وإن أراد غير ذلك فليس في أيدينا شيء غير الدعاء. فتوفي شيخي، ولم يصل إلي من ميراثه شيء كثير، فأقبلت على العلم، وأصلحت فيما بيني وبين الله، فبركة تسليم الشيخ إياي إلى الله تعالى، أصلح الله شأني، وصب على الدنيا صبا، وصرت وجية البلد، ومدرس الفقه، ومملي الكتب، وإمام العامة. 215 - أحمد بن عبد الله بن القاسم السرماري - قرية من قرى بخارى - القاضي، الإمام، أبو جعفر

216 - أحمد بن عبد الله بن محمد ابن عمر بن علي

قال في " الجواهر ": رأيت له كتاب " النبأ "، في مجلد لطيف، وهو نفيس، يشتمل على ستة أبواب، الأول في أن مذهب الإمام اصلح للولاة والأئمة من مذهب المُخالفين. الثاني أن تمسك بالآثار الصحيحة. الثالث في سلوكه في الفقه طريقة الاحتياط. الرابع في بيان أن المخالف اعتقد في مسائل الاحتياط، وهو ترك الاحتياط. الخامس في المسائل التي توجب الشناعة على مذهب المخالفين. والسادس في الأجوبة عن المسائل التي يذكرها المخالفون، ويشنعون بها على الإمام. وهو كتاب نفيس يذكر كل باب من الفروع جملة مُستكثرة، وروى هذا الكتاب عنه صاحبه أبو بكر محمد بن عبد الملك الخطيب، الآتي ذكره. انتهى. قلت: صاحب هذه الترجمة، وهو أحمد بن عبد الله بن أبي القاسم البلخي، صاحب كتاب " الإبانة " المتقدم ذكره قريباً. وهذا الكتاب المذكور هنا في هذه الترجمة هو كتب " الإبانة "، وقد اطلعت عليه، ونقلت منه كثيراً في هذا الكتاب، ووهم صاحب " الجواهر "، فظن الترجمتين لرجلين، وذكر كلاً منهما على حدة، وليس الأمر كما ظن. والله أعلم. 216 - أحمد بن عبد الله بن محمد ابن عمر بن علي حفظ القرآن الكريم، و " الكنز ". واشتغل على ابن الديري، والشمني، والزين قاسم، وكذا حضر دروس ابن الهمام، والعز عبد السلام البغدادي، وأخذ أيضاً عن البرهان الهندي؛ والأبدي، والتقى الحصني، والشهاب الخواص. وسمع من ابن حجر، وغيره. وتعانى الأدب، وتميز، وشارك في الفضائل. واستقر في موقعي الدست، وناب في القضاء، في سنة ثلاث وخمسين، عن ابن الديري، فمن بعده. وذكر أنه نظم " التلخيص "، و " الكافي في علم العروض والقوافي ". ولكنه كان زري الهيئة، قبيح الفعال، مع مزيد الفاقة. ومن نظمه إجابة لمن سأله إجازة قول القائل: هذا صَبَاحٌ وصَبُحٌ فمَا ... عُذرُك في تَرْكِ صَبُوحِ الصَّبَاحْ فقال: تمنُّعُ الحِبِّ وفَقْدُ النَّدَى ... وخَوْف واشٍ ورَقيبٍ ولاَحْ كذا نقلت هذه الترجمة من خط السخاوي، من ورقة وجدتها بأثناء كتابه " الضوء اللامع " وأخلي فيها مكاناً بعد اسم جده علي؛ لكتابة ما اشتهر به من نسبة، وغيرها، ثم رأيت في بعض نسخ " الضوء " أنه كان يعرف بالشهاب القليجي، وأن ولادته في سنة تسع وعشرين وثمانمائة. رحمه الله تعالى. 217 - أحمد بن عبد الله بن يوسف بن الفضل الصبغي الإمام الكبير. من أهل سمرقند. سمع يوسف بن يحيى البلخي، وغيره. وسمع منه الحافظ أبو حفص عمر بن محمد النسفي. وكان إماماً، فقيهاً، فاضلاً. ورد بغداد حاجاً، وكان معيداً في الدار الجوزجانية، بسمرقند. ذكره السمعاني في " ذيله "، وقال: سمعت أبا بكر الزهري بسمرقند، سمعت أبا حفص، يقول: توفي الإمام أحمد الصبغي، يوم الخميس، الثامن من شهر رجب، سنة ست وعشرين وخمسمائة، ودُفن في مشهد ابن عبدة، وقد زاد على سبعين سنة. والصبغي، بكسر الصاد المهملة، وسكون الباء الموحدة، وفي آخرها غينٌ معجمة؛ نسبة إلى الصبغ والصباغ، وهو ما يصبغ به الألوان. قاله السمعاني. 218 - أحمد بن عبد الله الفريمي ذكره في " الشقائق "، وقال: قرأ على المولى شرف الدين الفريمي الآتي ذكره في حرف الشين. وصار من أفاضل دَهره، وعلمائهم العاملين، ودرس، وأفاد. واستوطن مدينة قسطنطينية إلى أن مات، ودفن بها. وكان السلطان محمد يعظمه، ويقبل قوله. حُكي أنه اجتمع مرة بالسلطان المذكور، وهو متوجه إلى مدينة أدرنة، فيسأله السلطان محمد عن أحوال مدينة فرم، فقال له الشيخ: كنتا نسمع أنه كان بها ستمائة مُفت، وثلاثمائة مُصنف، وأنها كانت بلدة عظيمة، معمورة بالعلماء والصلاح، وقد أدركت أنا أواخر ذلك. فقال له السلطان: وما كان سبب خرابها؟ قال: حدث هناك وزير، أهان العلماء، وأقصاهم، فتفرقوا في البلاد، وجلوا عن الأوطان، والعلماء في المدينة بمنزلة القلب، ومتى عرضت للقلب آفة سرت إلى سائر البدن. فأمر السلطان عند ذلك بإحضار وزيره محمود باشا، فلما حضر حكى له ما ذكره الشيخ، وقال له: قد ظهر أن خراب المُلك من الوزراء. فقال له الوزير: لا بل من السلطان. قال: لم؟ قال: لأي شيء استوزر مثل هذا الرجل!! فقال السلطان: صدقت. وكان للشيخ مجالس وعظ يحضرها الخاص والعام.

219 - أحمد بن عبد الله بن برهان الدين السيواسي

وله مؤلفات، منها: " حواش على شرح اللب " للسيد عبد الله، و " حواش على شرح العقائد " للتفتازاني، و " حواش على التلويح "، وغير ذلك. 219 - أحمد بن عبد الله بن برهان الدين السيواسي قاضي سيواس، قدم حلب، فاشتغل بها، ودخل القاهرة، وأخذ عن فضلائها. ثم رجع إلى سيواس، وصاهر صاحبها، ثم عمل عليه حتى قتله، وصار حاكماً بها. ثم إن بعض الأمراء الظاهرية انحاز إليه، وقويت بهم شوكته، فأرسل الملك الظاهر إلى قتالهم العسكر الشامية، وهم نحو ألف، وصاحب سيواس أحمد هذا، ومن انحاز إليه، ووافقه من التركمان وغيرهم نحو عشرين ألفاً، فوقعت بينهم وقعةٌ عظيمة، قتل فيها من الفريقين جماعة، ثم كان النضر للشاميين، وانهزم برهان الدين. ثم أرسل يطلب الأمان من اظاهر، ويبذل له الطاعة، فأمنه، وصار من جهته. ثم إن التاتار الذين كانوا بأرزنجان، نازلوا برهان الدين، فاستنجد الظاهر عليهم، فأرسل إليه جماعة كثيرة من العساكر الشامية، فلما أشرفوا على سيواس انهزم التاتار منهم، وكانوا محاصريها. ثم في أواخر سنة ثمانمائة قصده عُثمان بن قطلبيك التركماني، وحصلت بينهما وقعة، انكسر فيها عسكر سيواس، وقتل برهان الدين في المعركة. وكان جواداً فاضلاً، وله نظم، رحمه الله تعالى. ولبرهان الدين هذا، في الكتاب الذي ألفه ابن عرب شاه، في سيرة تيمور، ترجمة حسنة، فلا بأس أن نلخص منها ما يليق بمقام صاحبها، ونوفيه حقه، فنقول وبالله التوفيق. قال في " الغرف العلية ": وكان سبب دخوله إلى القاهرة أنه كان في ابتداء أمره حين طلب العلم، رأى منجماً صادقاً، فسأله عن حاله، فقال له المنجم: أنت تصير سُلطاناً. فقال: إن كان ولا بد فأكون سلطان مصر؛ فإنها أعظم الممالك. فقدم إلى القاهرة، وأقام بها سنين فما صار بها جُندياً، فقال في نفسه: أقمت هذه المدة الطويلة، وما صرت جندياً، فمتى أصير سلطاناً، فعاد إلى سيواس، وآل أمره إلى أن ملكها. وقال المقريزي: القاضي برهان الدين السيواسي، حاكمها، وحاكم قيسارية وترقات. قصده الأمير قراملك؛ فلم يكترث به القاضي؛ احتقاراً، وركب عجلاً بغير أهبة، وساق في أثره، فكر عليه قراملك، فأخذه قبصاً باليد، فتفرقت عساكره شذر مذر. إلى أن قال: وكان عالماً، جواداً، شديد البأس، يحب العلم والعلماء، ويدني إليه أهل الخير والفقراء، وكان دائماً يتخذ يوم الخميس والجمعة والاثنين لأهل العلم خاصة، لا يدخل عليه سواهم. وأقلع قبل موته، وتاب، ورجع إلى الله تعالى. ومن مصنفاته كتاب " الترجيح على التلويح ". وكان للأدب وأهله عنده سوق نافق. 220 - أحمد بن عبيد الله، مصغراً ابن إبراهيم بن أحمد بن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ابن محمد بن جعفر بن هارون بن محمد بن أحمد ابن محبوب بن الوليد بن عبادة الإمام شمس الأئمة، المحبوبي، البخاري من ذرية عبادة بن الصامت، رضي الله عنه. تفقه على أبيه الإمام الكبير عبيد الله بن إبراهيم. ومن تآليفه " تنقيح العقول في فروق المنقول ". 221 - أحمد بن عبيد الله بالتصغير أيضاً، ابن عوض بن محمد الشهاب، ابن الجلال، ابن التاج الأردبيلي الشرواني، القاهري أخو البدر محمود، المعروف بابن عبيد الله. ولد في صفر، سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. واشتغل قليلاً، وتعلم التركية، وتقرب بها عند الدولة، وكان جميل الصورة. وناب في الحكم عن التفهني، فمن بعده. ووصف السخاوي، بأنه كان قليل البضاعة في الفقه والمصطلح؛ حُفظت عليه عدة أحكام فاسدة. وذكر نقلاً عن أخيه محمود، أنه حفظ " النافع "، وأنه درس بالأيتمشية، برغبته له عنها، فلما مات عادت الوظيفة له. مات بالإسهال الدموي، والقولنج، والصرع، ليلة الأربعاء، ثالث عشري شهر رمضان، سنة أربع وأربعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 222 - أحمد بن عبد الرحمن بن إسحاق ابن أحمد بن عبد الله، أبو نصر، الريغذموني المعروف بالقاضي الجمال. كان إماماً فاضلاً، ولي قضاء بخارى. وروى عن أحمد بن عبد الله بن الفضل الخيزاخزي، وروى عنه أبو بكر عبد الرحمن ابن محمد النيسابوري، وأبو القاسم محمود بن أبي توبة الوزير، وغيرهما.

223 - أحمد بن عبد الرحمن بن علي ابن عبد الملك بن بدر بن الهيثم بن خلف أبي عصمة بن أبي الهيثم بن أبي حصين ابن أبي عبد الله بن أبي القاسم اللخمي، القاضي

وكانت ولادته في شوال، سنة أربع عشرة وأربعمائة. ووفاته في شهر رمضان، من ثلاث وتسعين وأربعمائة، ببخارى. والريغذموني، بكسر الراء المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، والغين المعجمة، وضم الميم، وسكون الواو، وفي آخرها النون، نسبة إلى ريغذمون، قرية من قرى بخارى. والله تعالى أعلم. 223 - أحمد بن عبد الرحمن بن علي ابن عبد الملك بن بدر بن الهيثم بن خلف أبي عصمة بن أبي الهيثم بن أبي حُصين ابن أبي عبد الله بن أبي القاسم اللخمي، القاضي قدم مصر من الرقة، وحدث عن أبي يونس بن أحمد بن أبي سلمة الرافقي. روى عنه محمد بن علي الصوري. قال في " الجواهر ": ذكره شيخنا قطب الدين، في " تاريخ مصر "، وقال: مات سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، رحمه الله تعالى. 224 - أحمد بن عبد الرحمن بن محمد شهاب الدين ابن قاضي عجلون كاتب السر، بدمشق. وهو والد قاضي القضاء علاء الدين الحنفي، قاضي دمشق. توفي سنة 'حدى وستين وثمانمائة، تغمده الله تعالى برحمته. 225 - أحمد بن عبد الرحمن أبو حامد، النيسابوري، السرخكي بضم السين، وسكون الراء، وفتح الخاء المعجمة، والكاف في آخرها؛ قرية على باب نيسابور. كذا قاله في " الجواهر ". ذكر أنه سمع أبا الأزهر العبدي، ومحمد بن يزيد السلمي. وروى عنه أبو العباس أحمد بن هارون، وغيره، وتوفي في شهر رمضان، سنة ست عشرة وثلاثمائة، انتهى. وذكره ياقوت في " معجم البلدان "، كما ذكره صاحب " الجواهر " إلا أنه قال: أحمد ابن عبد العزيز. 226 - أحمد بن عبد الرحيم بن شعبان الدمشقي، الحنفي، ابن النحاس صحب الشيخ زين الدين الردادي، وانتفع به. وقرأ " ألفية ابن معطي " على ابن مالك. وكان يقرئ بالروايات، مع الدين والعبادة وملازمة الجماعة. مات في المحرم، سنة إحدى وسبعمائة. رحمه الله تعالى. 227 - أحمد بن عبد الرشيد البخاري الملقب قوام الدين، الإمام. زالد طاهر الإمام. له ذكرٌ في ترجمة صاحب " الهداية ". كذا في " الجواهر ". 228 - أحمد بن عبد السميع بن علي ابن عبد الصمد الهاشمي من ولد عبد الله بن عباس. قال في " الجواهر ": سمع أبا نصر الزينبي. وروى عنه ابن عساكر. وذكره ابن النجار في " تاريخه "، وقال: كان خطيباً، فقيها حنفياً. 229 - أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه المعروف والده ببرهان الأئمة. وهو أخو عمر بن عبد العزيز، الملقب بالصدر الشهيد حسام الدين. وأحمد هذا أحد مشايخ صاحب " الهداية "، وأجازه برواية مسموعاته ومُستجازاته مُشافهة، بمدينة بخارى، وكتب ذلك بخطه، وكان من جملة ما حصل لصاحب " الهداية " منه، رواية كتاب " السير " لمحمد بن الحسن، من طريقة شمس الأئمة السرخسي. 230 - أحمد بن عبد العزيز الحلواني البخاري، الإمام قال في " الجواهر ": تفقه عليه علي بن عبيد الله الخطيبي. ثم أظنه ابن الإمام شمس الأئمة عبد العزيز الحلواني. رحمه الله تعالى. 231 - أحمد بن عبد العزيز، أبو سعيد، البردعي كان إماماً، عالماً، علامة، من أفراد الرجال، وممن تضرب بفضله الأمثال، وكان مدار الفتوى عليه في زمانه، وكان يعقد مجلساً للوعظ، ويتكلم على الناس. وتوفي يوم الأثنين، ثامن عشر ذي القعدة، سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. 232 - أحمد بن عبد القادر أحمد ابن مكتوم بن أحمد بن محمد بن سليم ابن محمد القيسي، تاج الدين، أبو محمد، النحوي ولد في أواخر ذي الحجة، سنة اثنتين وثمانين وستمائة. وأخذ عن بهاء الدين ابن النحاس، والدمياطي، وغيرهما. قال ابن حجر: قرأت بخطه أنه حضر دروس البهاء ابن النحاس، وسمع من الدمياطي اتفاقاً قبل أن يطلب، ولزم أبا حيان دهراً طويلاً، وأخذ عن السروجي، وغيره. ثم أقبل على سماع الحديث، ونسخ الأجزاء، وكتاب الطباق، والتحصيل، فأكثر عن أصحاب النجيب، وابن علاق جداً، وقال في ذلك: وعَابَ سَمَاعِي للأحَاديثِ بَعْدمَا ... كَبرْتُ أناسٌ هُمْ إلى العَيْبِ أقرَبُ وقالوا إمامٌ عُلُومٍ كثيرةٍ ... يَرُوحُ ويَغْدُو سَامِعاً يَتَطلَّبُ

233 - أحمد بن عبد القادر بن محمد ابن طريف - بالطاء المهملة كرغيف - شهاب الدين، أبو محيي الدين، الشاوي - بالشين المعجمة - القاهري

فقلتُ مُجيباً عن مَقَالتهمْ وقد ... غَدَوْتُ بجَهلٍ منهُمُ أتعجَّبُ إذا استدرك الإنسان مَافاتَ مِن عُلاً ... فلِلْحَزْمِ يُعزَى لا إلى الجهلِ يُنسَبُ وكان قد تقدم في الفقة والنحو واللغة. ودرس، وناب في الحكم. وله على " الهداية " " تعليق "، شرع فيه، وشرع أيضاً في الجمع بين " العباب "، و " المُحكم " في اللغة، وجمع كتاباً حافلاً سَماه " الجمع المتناه، في أخبار اللغويين والنحاة ". قاله ابن حجر، وقال: رأيت منه الكثير بخطه، من ذلك مُجلدة في المحمدين خاصة. وذكر السيوطي، أنها عشر مجلدات. قال: وكانه مات عنها مسودة، فتفرقت شذر مذر. ومن تصانيفه " شرح كافية ابن الحاجب "، و " شرح شافيته "، و " شرح الفصيح "، و " التذكرة " ثلاث مجلدات، سماها " قيد الأوابد ". قال السيوطي: فلما وقفت على كتاب من الكتب الأدبية، من شعر، وتاريخ، ونحو ذلك، إلا وعليه ترجمة مُصنف ذلك الكتاب بخط ابن مكتوم هذا. قال: وجمع من " تفسير أبي حيان " مجلداً، سماه " الدر اللقيط من البحر المحيط "، قصره على مباحث أبي حيان، مع ابن عطية، والزمخشري. ومن شعره: نَفَضْتُ يَدي من الدنيَا ... ولمْ أضْرَعْ لمَخْلوقٍ لِعِلمِي أن رِزقيَ لا ... يُجَاوِزُني لمَرزُوق ومَن عَظمَتْ جَهَالتُه ... يرى فِعْلى مِن الموُقِ ومنه أيضاً قوله: مَا عَلى العَالِمِ المُهَذَّبِ عارٌ ... إنْ غَدا خَاملاً وذوالجهْلِ سامِ فاللبابُ الشَّهِيُّ بالقِشْرِ خَافٍ ... ومَصُونُ الثِّمارِ تحت الكِمامِ ومنه أيضاً: ومُعَذَّرٍ قال العذُولُ عليه لي ... شَبِّهْهُ واحْذَرِ مِن قُصُورٍ يَعتْتَرِى فأجبْتُه هو بانةٌ من فَوْقِها ... قَمَرٌ يُحَفُّ بِهَالةٍ منْ عَنْبَرِ ومنه أيضاً قوله: تغافلْتُ إذْ سَبَّني حَاسِدٌ ... وكنتُ مَلِيًّا بإرْغامِهِ ومَا بِيَ من غَفْلةٍ إنَّمَا ... أرَدْتُ زِيادَةَ آثامِهِ وكانت وفاته في الطاعون العام، في شهر رمضان، سنة تسع وأربعين ووسبعمائة، رحمه الله تعالى. 233 - أحمد بن عبد القادر بن محمد ابن طريف - بالطاء المهملة كرغيف - شهاب الدين، أبو محيي الدين، الشاوي - بالشين المعجمة - القاهري ولد في سنة أربع وتسعين وسبعمائة - كما رواه السخاوي مكتوباً بخطه وصححه - بالقاهرة، ونشأ بها، فحفظ القرآن، و " مقدمة أبي الليث "، والكثير من " المجمع ". واسمع على ابن أبي المجد، والتنوخي، والعراقي، والهيثمي. وسمع على الحلاوي، وغيره. وأجاز له أبو حفص البالسي، وغيره، ولزم التقي الشمني، وحضر دروسه. وحدث ب " البخاري " وغيره، وسمع منه الفضلاء. وصار بأحرة فريد عصره. وكان خيراً، قانعاً، باليسير، مُحباً في الطلبة، صبوراً عليهم، متودداً إليهم، حافظاً لنكت ونوادر وفوائد لطيفة، ذا همة وجلادة على المشي، مع تقدمه في السن. ومتع بحواسه، إلى أن مات، في ليلة الخميس، ثامن عشر ذي القعدة، سنة أربع ةثمانين وثمانمائة، وصلى عليه من الغد بمصلى باب النصر. ونزل الناس بموته في " البخاري " بالسماع المتصل درجة. رحمه الله تعالى. 234 - أحمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد ابن أنوشروان التبريزي الأصل، شهاب الدين أبو العباس، المعروف بابن المكوشت قال ابن حجر: اشتغل في مذهب أبي حنيفة، ومهر وتقدم، وقال الشعر الحسن. وقدم دمشق، فأفاد بها، وجلس مع الشهود بباب المسمارية. سمع منه، من نظمه، الحافظان بهاء الدين ابن خليل، وصلاح الدين العلائي، ووصفه العلائي بالعلم، والفضل، والأدب. انتهى. وذكره ابن خطيب الناصرية، في " تاريخه " المنتقى من " تاريخ ابن حبيب "، فقال: فقيهٌ علمه نافع وقربه مختار، وأديب كتابته تخفى بأوراقها محاسن الأزهار. كان حسن الهيئة والمحاضرة، حريصاً على المسألة بعيداً عن المنافرة، ذا سمت جميل، وفضل جزيل، وحال مضبوط، ويد في الشروط، وقصائد نظمها متسق، وفوائد برقها في سماء الأدب مؤتلق. وهو القائل من أبيات:

235 - أحمد بن عبد الكريم

وحَقِّكمُ ما في الوُجُودِ سِوَاكمُ ... بقَلْبي حَلاَ أو في سُوَيْدائِه حَلاَّ وحَاشا وكَلاَّ أن أُسمَّى لِغيْركُمْ ... بَعَبْدٍ وأن أبْقى على غيْرِكُم كَلا فما جَارَ إلا عَاذِاٌ عن هَوَاكُمُ ... ولا عَاش إلا من رَأى جَوْرَكم عَدلاً فلا تقطعوا عَنيِّ عَوائدَ جُودِكمْ ... ورُدُّوا لِي العَيشَ الحَمِيدَ الذي وَلَّى ولا تُعْرِضُوا عنيِّ فإنِّي وحَقِّكُمْ ... أرَى كلَّ صَعْبٍ دُون إعراضِكم سَهْلاً وذكره ابن شاكر الكتبي، في " عيون التواريخ ". وأورد من شعره قوله: أجِبْ بلَبَّيْك دُعَا الحَبيبْ ... وكيف يَدْعُوك ولا تسْتجيبْ فإنَّ إعْرَاضَكَ عن سَيِّدٍ ... إليه يَدْعُوك عَجيبٌ عجيبْ فانتهزِ الفرصةَ في غَفلةٍ ... من حَاسدٍ أو كَاشحٍ أو رَقيبْ وارْفَعْ إلى مَوْلاك شَكوى الهوى ... فإنَّ مَوْلاكَ قَريبٌ مُجيبْ وقوله أيضاً: أتُرى تُمَثَّلُ طَيْفَك الأَحلامُ ... أم زوْرَةُ الطَّيفِ المُلِمِّ حَرَامُ يا باخِلاً بالطَّيْفِ في سِنةِ الكَرَى ... ما وَجْهُ بُخْلِكَ والمِلاحُ كرامُ لوْ كنتَ تدري كيف بات مُتَيَّمٌ ... عَبَثتْ به في حُبِّك الأسقامُ إنْ دَامَ هَجْرُك والتَّجَنِّي والقِلَى ... فعَلَى الحيَاةِ تَحيَّةٌ وسلامُ نارُ الغَرامِ شَديدةٌ لكنها ... بَردٌ على أهلِ الهوى وسَلامُ وقوله أيضاً: بَعْدَ الثمانين ماذا المرْءُ ينتظرُ ... وقد تغيَّر فيه السمعُ والبَصَرُ وأيُّ شيءٍ تُرَى يَرْجوهُ منْ ذهبَتْ ... لَذاتُه وهو للآفاتِ مُنتظِرُ يَرْثى له أبداً مَن كان يَحسُدُه ... على الشبَابِ لحالٍ كُلُهُ عِبَرُ فَقَائِماً تأنفَ الأبصارُ مَنظرَها ... لكنْ بها لِذوي الألباب مُعتَبَرُ كفى بها عِبرَة أن الكبير بها ... بغَيْر مَوْتٍ وَقَبْرٍ ليس يَنْجَبِرُ وليسَ للشَّيْخِ إلا أن يُعاملهُ ... باللُطْفِ مَولى على مَا شَاء مُقتدِرُ وقوله أيضاً: عودتني الخير وعاملتني ... باللطْفِ في سَائِر أحْوَالي وكلما عارضني عارضٌ ... أثقَلِي خَفَّفْتَ أثْقَالي حتى لقد بالقَنع أغنيتني ... عن كلَّ ذي جاهٍ وذي ملل فإن تكن عَني راضٍ فيا ... فَوْزِي ويا سَعْدِي وإقْبَالي وكانت وفاته بدمشق، وثلاثين وسبعمائة، عن ست وثمانين سنة. 235 - أحمد بن عبد الكريم رفيق محمود بن عبد الرحيم. كانا في زمن علاء الدين التاجري، المذكور في " القنية ". *ذكرهما في " الجواهر "، وحكي أنهما سُئلا عن قرية يعطي الإمام لخطيبها في كل سنة من غلات نفسه قدراً معيناً، ثم إن واحداً خطب سنة، هل يستحق هذا المرسوم شرعاً؟. فقالا: لا. 236 - أحمد بن عبد المجيد ابن إسماعيل بن محمد قاضي ملطية. تفقه على أبيه عبد المجيد. رحمهما الله تعالى. 237 - أحمد بن عبد الملك بن موسى بن المظفر أبو نصر، القاضي، الأسروشني، المعروف بكاك من علماء ما وراء النهر، ومن أئمة أصحابنا. مولده سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. حدث عن العلامة محمود بن حسن القاضي. ومات في ربيع الأول، سنة تسع عشرة وخمسمائة. رحمه الله تعالى. 238 - أحمد بن عبد المنعم القاضي أبو نصر، الخطيب، الآمدي فقيهٌ، إمام. روى عنه السلفي، وذكره في " معجم شيوخه ". كذا في " الجواهر ". 239 - أحمد بن عثمان بن إبراهيم أبو الفرج، الفقيه، عرف بابن النرسي من أهل باب الشام. روى عنه القاضي أبو علي المحسن بن علي التنوخي، حكاية، في كتاب " الفرج بعد الشدة "، وقال: ما علته إلا ثقة فيما يرويه، صدوقاً فيما يحكيه. قال: وكان خلف أبا الحسن علي بن أبي طالب البهلول التنوخي على القضاء، بهيت، رحمه الله تعالى.

240 - أحمد بن عثمان بن إبراهيم ابن مصطفى بن سليمان المارديني الأصل المعروف بابن التركماني

240 - أحمد بن عثمان بن إبراهيم ابن مصطفى بن سليمان المارديني الأصل المعروف بابن التُركماني الإمام العلامة، تاج الدين، أخو العلامة علاء الدين، قاضي القضاة، من بيت العلم والرياسة. ولد في آخر ذي الحجة، سنة إحدى وثمانين وستمائة. وسمع من الدمياطي، ومن الصواف، وغيرهما. وحدث، واشتغل بأنواع العلوم، ودرس، وأفتى، وصنف، وناب في الحكم. وكان موصوفاً بالمروءة، وحسن المعاشرة. قرأت بخط بعض الأفاضل ما صورته: نقلت من خط ولده جلال الدين محمد - يعني ولد صاحب الترجمة - قال: كتب الشهاب ابن فضل الله العمري، كاتب السر الشريف، يسأل والدي عن الاسم، والنسب، والمولد، والمنشأ، وما له من تصنيف، فكتب إليه: الاسم، والكنية وهي أبو العباس، والمولد، والمسكن، ثم قال: وأما القبيلة فهو من التركمان الذين ينسلون من كل حدب، لا فارس الخيل، ولا وجه العرب. وأما النسبة فهو من ماردين، ولولا سقوط الألف واللام لكانت من الماردين، فأعجب لنسبة تمت بالنقصان، ولحقيقة وجدت بالفقدان. انتهى. قال في: " المنهل الصافي ": صنف " التعليقة " على " المحصول " للفخر الرازي، وشرح " مختصر الباجي " في الأصول، وهو مختصر " المحصول " و " تعليقة " على " المنتخب، في أُصول فقه المذهب "، وثلاث تعاليق على " خلاصة الدلائل، في تنقيح المسائل " في فقه المذهب، الأولى في حل مشكلاته، والثانية فيما أهمله من مسائل " الهداية "، والثالثة في ذكر أحاديثه، والكلام عليها، وشرح " الجامع الكبير " لمحمد بن الحسن، وشرح " الهداية "، ولم يكمل، وله كتابان في علم الفرائض، مبسوط ومتوسط و " تعليق " على " مُقدمتي ابن الحاجب "، وشرح " المقرب " لابن عصفور، و " عروض ابن الحاجب " وكتاب " أحكام الرماية "، وكتاب " الأبحاث الجلية، في مسألة ابن تيمية "، وشرح " الشمسية " في المنطق، وغير ذلك. وكان يكتب الخط المنسوب، ويجيد النظم، ومن نظمه ما كتبه إلى الشهاب ابن فضل الله: غَرَامي بكْ بَيْن البَرِيَّة قد فشَا ... فلَستُ أبالي بالرقيبِ وما وَشَى وهي طويلة. انتهى. وقال جمال الدين المسلاني: كتبت عنه من فوائده. وعدل له سبعة عشر تصنيفاً، في الفقة، والأصول، والعربية، والعروض، والمنطق، والهيئة، وله كلام على أحاديث " الهداية ". قال: وغالبها لم يكمل، منها يُنسب لأخيه. ومات في أوائل جمادى الأولى، سنة أربع وأربعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى. 241 - أحمد بن عثمان بن أبي بكر ابن بصيص، النحوي الزبيدي - بفتح الزاي - الزبيدي - بضمها - أبو العباس إمام الحُفاظ، شرف النحاة، وختام الأُدباء. كذا ذكره الخزرجي، في " تاريخ زبيد "، وقال: انتهت إليه رياسة الأدب، وكانت الرحلة إليه، وكان بارعاً في فهمه، وله تصانيف مفيدة، وأشعار جيدة. شرح " مقدمة ابن بابشاد " ولم يكملها؛ لسبق القضاء عليه، وهو شرح غريب المثال، انتحل فيه الأسئلة الدقيقة، وأجاب عنها بالأجوبة الحقيقية؛ وهذب منهاجها، ونشر مقاصدها. وله " المنظومة " المشهورة في العروض. ولم يزل على أحسن طريقة، حتى توفي يوم الأحد، الحادي عشر من شعبان، سنة ثمان وستين وسبعمائة. رحمه الله تعالى. 242 - أحمد بن عثمان بن محمد ابن إبراهيم بن عبد الله الكلوتاتي ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة. وأجاز له العز ابن جماعة، وحبب إليه الحديث، وابتدأ في القراءة من سنة تسع وسبعين، وهلم جرا، ما فتر، ولاوني. قال ابن حجر: فلعله قرأ " البخاري " أكثر من أربعين مرة، وقرأ باقي الكتب الستة، واعتنى بالطلب، ودار على الشيوخ، وأفاد الطلبة. ثم قال: أفادتني كثيراً، وسمعت الكثير بقراءته، وقد قرأ علي كتاب " تغليق التعليق "، وله في ذلك همة عالية جداً، وقرأ علي أيضاً من " أطراف المُسند "، وقطعة من " المعجم الأوسط "، وغير ذلك، والله يديم النفع به. وقد اشتغل في العربية كثيراً، ولم يمهر فيها، فكان بعض الشيوخ إذا سمع قراءته يقول له: اجرم تسلم. ولم يحصل له في مدة عمره وظيفة تناسبه. ومات في الرابع والعشرين من جُمادى الأولى، سنة خمس وثلاثين وثمانمائة.

243 - أحمد بن عزيز بن سليمان - وقيل سليم - بن منصور بن عكرمة النسفي، البزدوي

قال ابن حجر: قرأت بخطه، أخذت علم الفقه عن الشيخ عز الدين الرازي، وجلال الدين التباني، وشمس الدين ابن أخي الجار، وغيرهم؛ وعلم العربية عن الشيخ شمس الدين الغماري، والشيخ سراج الدين ابن عمر، والشيخ شهاب الدين الصنهاجي، والشيخ عبد الحميد الطرابلسي، وآخرين. انتهى. وذكره في " الغرف العلية "، وذكر أنه كان ينشد: ومُحاِث يُبْدِي إلىَّ بَشَاشَةً ... وتَقَرُّبا مِنِّي بِنَشْرِ مَحاسِني وحَدِثُه ضِدُّ الذي في نَفْسِهِ ... شَتَّانَ بين مُناصِحٍ ومُدَاهِنِ مالدرهم المغشوش. 243 - أحمد بن عُزيز بن سليمان - وقيل سُليم - بن منصور بن عكرمة النسفي، البزدوي روى عن حِبان بن موسى المروزي، وأبي جعفر أحمد بن حفص البخاري، وجماعة من المُتقدمين، من أصحاب عبد الله بن المبارك. ذكره الحافظ أبو العباس المُستغفري، في " تاريخ نسف "، فقال: كان إماماً، من أصحاب أبي حنيفة، وروى عنه أهل نسف. وجده سليم كان بالبصرة، قدم خراسان مع قتيبة بن مسلم، وسكن بزدة، من أعمال نسف. كذا قال الأمير ابن ماكولا. انتهى. وبزدة: بفتح الباء الموحدة، وسكون الزاي، ودال مهملة، وهاء؛ من أعمال نسف، من بلاد ما وراء النهر، والنسبة الصحيحة إليها كما قاله السمعاني: بزدوي، لا بزدي. 244 - أحمد بن عصمة، أبو القاسم، الصفار الملقب حم، بفتح الحاء، البلخي الفقيه، المُحدث. تفقه على أبي جعفر الهندواني، وسمع منه الحديث. روى عنه أبو علي الحسن بن صديق بن الفتح الوزغجني. مات سنة ست وعشرين وثلاثمائة، وهو ابن سبع وثمانين سنة. 245 - أحمد بن عطية الدسكري أبو عبد الله، الضرير قال ابن النجار: درس الفقه على أبي عبد الله الدامغاني. وهو شاعر حسن، له معرفة تامة بالنحو، واللغة. روى عنه أبو البركات السقطي، ومحمد بن عبد الباقي بن أحمد المقري. مدح الإمام القائم بأمر الله، وابن ابنه المقتدي بأمر الله، وابنه المستظهر بالله. وكان خصيصاً بسيف الدولة صدقة بن مزيد، وأحد ندمائه وجلسائه، وله فيه مدائح كثيرة في المطابقة والمجانسة. والدسكري، بفتح الدال، وسكون السين المهملة، وفتح الكاف وفي آخرها ياء؛ نسبة إلى دسكرة، وهي قريتان، إحداهما من أعمال بغداد، على طريق خُراسان، يقال لها: دسكرة الملك، وهي كبيرة، والثانية قرية بنهر الملك، من أعمال بغداد أيضاً. 246 - أحمد بن عقبة بن هبة الله ابن عطاء بن ياسين بن زهير البصراوي والد إبراهيم، والمذكور فيما تقدم. كذا ذكره في " الجواهر " من غير زيادة. 247 - أحمد بن علي بن إبراهيم، الشهاب القاهري خادم الأمين الأقصرائي، المعروف بالقريصاتي، حرفة أبيه، ويقال له اللاَّلاَ أيضاً. ولد في سنة أربع وعشرين وثمانمائة. وترقى بخدمة الشيخ وملازمته، وملازمة دروسه سفراً وحضراً، وما انفك عنه حتى مات، بعد أن أذن له في الإفتاء والتدريس. واستقر بجاه الشيخ في جهات ووظائف كثيرة، وحصل له ثروة زائدة. وذكر هو، أنه رافق ابن شيخه أبا السعود في الأخذ عن الشمس الفيومي، والعجمي، وفي السماع على الزين الزركشي، وأنه قرأ على أبي الجود في الفرائض، وعلى الشرف العلمي المالكي في النحو، وكذا قرأ فيه " الحاجبية " على المُحب الأقصرائي، وجاور بعد شيخه سنة سبع وثمانين وثمانمائة. 248 - أحمد بن علي بن أحمد أبو طالب، الهمداني، المعروف بابن الفصيح، الكوفي، فخر الدين كان إماماً، كالماً، علامة، مُفننا، معظماً. وكان مفيداً، ومدرساً بمشهد أبي حنيفة، وكان له صيت في بلاد العراق، ثم قدم دمشق، فأكرمه ألطنبغا، نائب الشام. ودرس بالقصاعين، وأعاد بالريحانية. قال ابن حجر: قال شيخنا العراقي، كان من فقهاء الحنفية، وله مؤلفات. وأرخ الذهبي مولده سنة تسع وسبعين وستمائة تقديراً. وأرخه الصفدي، وجزم به في سنة خمس وثمانين، انتهى. وقال الذهبي، في " تاريخه المختص ": هو ذو الفنون فخر الدين، أبو العباس. ولد بالكوفة سنة ثمانين وستمائة. وسمع من الدواليبي وغيره، فأفتى، ودرس، وناظر بدمشق، وظهرت فضائله، وله المصنفات المُفيدة.

249 - أحمد بن علي بن أحمد أبو العباس، الشيباني الأصولي

وقال الكمال جعفر: نظم الكثير، وصنف في الفرائض، وكان كثير الإحسان إلى الطلبة، بجاهه وماله. وكان قد سمع ببغداد من ابن الدواليبي، وصالح بن عبد الله الصباغ، وغيرهما، وأجاز له إسماعيل ابن الطبال، وتقدم في العربية، والقراءات، والفرائض، وغيرها، وشغل الناس، وكان كثير التودد، لطيف المحاضرة. ذكره الذهبي في " معجمه "، ومات قبله بمدة، وكتب عنه سعيد الدهلي من شعره. انتهى. وذكره ابن خطيب الناصرية، فيما انتقاه من " تاريخ ابن حبيب "، فقال: عالم حلت عبارته، وعلت إشارته، ولطفت معاني ذاته، وعذبت مذاقه نباته، وحسنت أخلاقه، ورقمت بالتبر أوراقه، تصدى لمعرفة العلوم الأدبية، وتصدر ببغداد لإقراء العربية، ومهر في حل المشكلات والغوامض. ثم قدم دمشق، فدرس وأعاد، وجلس للإفادة مبلغاً طلبة العلم غاية المراد. وهو القائل: أمرَّ سِوَاكَهُ مِنْ فوقِ دُرَّ ... وناوَلَنِيه وَهْوَ أحبُّ عِنْدِي فذُقْتُ رُضابَهُ ما بَيْنَ نَدٍّ ... وخَمْرٍ مُسْكِرٍ مُزِجَا بشُهْدِ وقال أيضاً: زار الحَبيبُ فحيي ... يا حُسن ذاك المُحَيَّا مِن بُعْدِهِ كنتُ مَيْتاً ... مِن وَصْلِه عُدْتُ حَيّا وقال أيضاً: ما العلمُ إلاَّ في الكتا ... ب وفي أحاديثِ الرَّسُولِ زسِوَاهُمَا عند المحَقِّ ... قِ من خُرَافاتِ الفُضولِ قلت: ومن مؤلفاته المنظومة أيضاً، قصيدة في القراءات على وزن " الشاطبية " بغير رموز، جاءت في نحو حجمها بل أصغر، ونظم " المنار " في أصول الفقه، ونظم " المنافع "، وغير ذلك. قال صاحب " تاج التراجم ": كتب إليه الشيخ أثير الدين أبو حيان، لما قدم دمشق قصيداً، منها: شَرُفَ الشامُ واسْتنارَت رُبَاهُ ... بإمامِ الأئمةِ ابنِ الفصيحِ كُلَّ يَوْمٍ له دُرُوسُ عُلومٍ ... بلسانٍ عَذبٍ وفكرٍ صَحيحِ وكانت وفاته بدمشق، سنة خمس وخمسين وسبعمائة. رحمه الله تعالى. 249 - أحمد بن علي بن أحمد أبو العباس، الشيباني الأصولي صاحب الإمام الزاهد علي البلخي، وأستاذ الفقيه مَسعود بن شجاع. ذكره الصاحب أبو حفص عمر ابن العديم، في " تاريخ حَلب ". ومن شعره قوله: أيُّها النُّوَّامُ وَيْحَكُمُ ... قد حَمَلنا عَنْكُمُ السَّهَرَا فَجْرُها والصَّبْرُ بَعْدَكمُ ... ما سمعْنا عنهما خَبَراً 250 - أحمد بن علي بن أحمد ابن علي بن يوسف، الإمام، العلامة شهاب الدين، المعروف بابن عبد الحق أخو قاضي القضاة برهان الدين، المتقدم ذكره. مولده تقريباً في سنة ست وسبعين وستمائة. ووفاته في ليلة ثامن عشر ربيع الأول، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. وكان إماماً، فاضلاً، فقيهاً، محدثاً، أفتى، ودرس، وحصل، وأفاد. رحمه الله تعالى. 251 - أحمد بن علي بن أبي بكر ابن نصير بن بجير بن خولان ابن بجير بن خولان الصالحي ولد سنة أربع وثمانين وستمائة. وأحضر على الفخر بعض " المشيخة "، وأسمع من زينب بنت المعلم، وأجاز له جماعة. وحدث " بالصحيح " عن ست الوزراء، واشتغل بالعلم، وتفقه. وولي التدريس ببعض المدارس، وخطب بالقلعة. قال ابن حجر: سمع منه الحسيني، وشيخنا. قال ابن رافع: كتب الحكم للحنفي. وقال الحسيني: كان محترزاً في شهاداته. مات في ربيع الأول، سنة خمس وستين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 252 - أحمد بن علي بن تغلب ابن أبي الضياء بن مظفر الشامي الأصل، البغدادي المنشأ، المنعوت بمظفر الدين، المعروف بابن الساعاتي وأبوه هو الذي عمل الساعات المشهورة على باب المستنصرية، ببغداد. وكان إماماً كبيراً، عالماً علامة، مُتقناً مُفننا، بارعاً، فصيحاً، بليغاً، قوي الذكاء، حتى كان الشيخ شمس الدين الأصبهاني يُفضله، ويثني عليه كثيراً، ويرجحه على الشيخ جمال الدين ابن الحاجب، ويقول: هو أذكى.

253 - أحمد بن علي بن علي ابن هبة الله بن محمد بن علي بن البخاري، أبو الفضل

زمن تصانيفه: " الدر المنضود في الرد على فيلسوف اليهود " يعني بذلك ابن كمونة اليهودي، و " مجمع البحرين " في الفقه، جمع فيه بين " مختصر القدوري " و " منظومة النسفي "، مع زوائد، ورتبه فأحسن، وأبدع في اختصاره، وشرحه في مجلدين كبيرين. وله " البديع " في أصول الفقه، جمع فيه بين أصول فخر الإسلام البزدوي، و " الإحكام " للآمدي. قال في خطبته: قد منحتك أيها الطالب لنهاية الوصول إلى علم الأصول، بهذا الكتاب، البديع في معناه، المطابق اسمه لمسماه، لخصته لك من كتاب " الإحكام "، ورصعته بالجواهر النفيسة من " أصول فخر الإسلام "؛ فإنهما البحران المُحيطان بجوامع الأصول، الجامعان لقواعد المعقول والمنقول، هذا حاوٍ للقواعد الكلية الأصولية، وذاك مشحون بالشواهد الجزئية الفروعية. انتهى. ووجد إجازة بخطه، على نسخة من " مجمع البحرين "، يقول فيها للمجاز له: وأنا معتمد على الله تعالى، ثم ملتمس من خدمته أن يصون هذا الكتاب، ويحفظه عن تغيير يقع فيه، وما يرى فيه من مخالفة لفظ أو معنى لما في أحد الكتابين، فلا يتسرع إلى إنكاره؛ فإن لي فيه مقصداً صالحاً؛ من تحرير نقل، أو اختيار ما هو الأصح من الأقوال والروايات، وقد كنت عازماً على التنبيه على ذلك في حواشي الكتاب، فلم يتسع الزمان؛ لسرعة التوجه إلى دار السلام، صانها الله تعالى عن الغير، وفتح لها أبواب النصر والظفر، ولكن كل ذلك منقول من مواضعه، محرر عند واضعه، منبه عليه في شرح الكتاب، والله الملهم للصواب. قال العالم البرزالي: توفي سنة أربع وتسعين وستمائة. وكان يضرب بفصاحتع، وذكائه، وحسن كتابته المثل. رحمه الله تعالى. 253 - أحمد بن علي بن علي ابن هبة الله بن محمد بن علي بن البخاري، أبو الفضل ابن قاضي القضاة أبي طالب. شهد عند والده فقبل شهادته، واستنابه في القضاء، ثم لما توفي والده جعل إليه القضاء ببغداد، وخوطب بأقضى القضاة، وبذل على ذلك مالاً. ثم عزل، وبقي ملاماً لمنزله، إلى أن توفي، في يوم الأربعاء، لأربع خلون من ذي الحجة، من سنة تسع وتسعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 254 - أحمد بن علي بن غازي ابن علي بن شير التركماني وقال في " الجواهر ": احمد بن غازي، بإسقاط علي، والصحيح ما قلناه. قال صاحب " المنهل ": هو الشيخ العلامة، شهاب الدين، المحدث. سمع من الحافظ الضياء، وحدث، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، وكتب، وجمع، ورحل، وأفتى، ودرس. وكان كبير القدر، عظيم الشأن. انتهى. وكانت ولادته سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. ووفانه في ثاني عشر ربيع الأول، سنة ست وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى. 255 - أحمد بن علي بن قدامة أبو المعالي، البغدادي تفقه على الصيمري، ثم على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني. وولاه القضاء بالأنبار، وأقام بها سنين، ثم ورد بغداد معزولاً، فأقام بدرب أبي خلف، من الكرخ. وكان يقرئ الأدب، و " الغرر " للمرتضى أبي القاسم الموسوي، وسمعها منه. وتوفي في شوال، سنة ست وثمانين وأربعمائة، ودفن بمقبرة الشونيزية عند أبي حنيفة، وقد زاد على الثمانين. رحمه الله تعالى. 256 - أحمد بن علي بن قرطاي شهاب الدين، أبو الفضل، بن علاء الدين بن سيف المصري سبط محمد بن بكتمر الساقي. المعروف بابن بكتمر. ولد في يوم الأحد، ثالث عشري شعبان، سنة ست وثمانين وسبعمائة بالقاهرة. ونشأ بها في ترف زائد، ونعمة سابغة، وثروة ظاهرة؛ من إقطاع، وأوقاف كثيرة جداً، حتى إن غلته تزيد على عشرة دنانير كل يوم، فيما قيل، ومع ذلك فلا يزال في دين كثير، لكونه يقتني الكتب النفيسة، بالخطوط المنسوبة، والجلود المتقنة، وغير ذلك من الآيات البديعة، والقطع المنسوبة الخط. وقد اشتغل في الفنون، وبرع في الفقه، وكتب على العلاء ابن عصفور، فبرع في الكتابة وفنونها، حتى فاق في المنسوب، لا سيما في طريقة ياقوت. وكان يقول: إنه سمع على ابن الجزري، حديث قص الأظفار. وأكثر النظر في التاريخ، والأدبيات، وقال الشعر الجيد. وكان ذا ذهن وقاد، مع السمن الخارج عن الحد، بحيث لا يحمله إلا الجياد من الخيل. وكان فاضلاً، أديباً، شاعراً، حسن المحاضرة، صبيح الوجه، محباً في الفضائل والتحف.

257 - أحمد بن علي بن محمد ابن علي بن أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي كمال الدين، بن صلاح الدين، المعروف بابن عبد الحق

وأتقن صنائع عدة، حتى إنه كان يقترح لأصحاب الصنائع أشياء في فنونهم، فيقرون بأنه أحسن مما كانوا يريدون عمله. وهو من أفكه الناس محاضرة، وأحلاهم نادرة، وأبشهم وجهاً، وأظهرهم وضاءة، عنده من لطافة الصفات، بقدر ما عنده من ضخامة الذات، ولهُ وجاهةٌ عند الأكابر. ومحاسنه شتى، غير أنه كان مسرفاُ في الإنفاق، يضيع ما عنده ولو في غير محله، ويستدين أيضاً ويصرف. وقد قطن القدس، ودمشق، والقاهرة، وتوفي بها، في الطاعون، ليلة الأثنين، عاشر ذي القعدة، سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وحمل جنازته ثمانية أنفس، منهم أربعة بالخشب الذي يسمونه قوبا، رحمه الله تعالى. ومن نظمه قوله: تسَلْطَنَ ما بيَنْ الأزاهِرِ نَرْجِسٌ ... بما خُصَّ من إبرِيزِه ولُجَيْنَهِ فمَدَّ إليه الوَرْدُ رَاحةَ مُقْتِرٍ ... فأعْطَاهُ تِبْراً مِن قُرَاضَةِ عَيْنِهِ ومنه أيضاً: إن إبْراهيمَ أورَى ... في الحَشَا منهُ ضِرامَا ليت قلبي بِلِقاهُ ... نالَ بَرداً وسَلاَمَا ومنه أيضاً: رَعَى الله أيَّامَ الرَّبيعِ ورَوْضَها ... بها الوَرْدُ يَزْهُو مثلَ خَدَّ حَبيبي وإني وحَق الحُبِّ ليس تَرحُّلِي ... سِوى لمكانٍ مُمْرِعٍ وخَصِيبِ 257 - أحمد بن علي بن محمد ابن علي بن أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي كمال الدين، بن صلاح الدين، المعروف بابن عبد الحق سبط الشيخ شمس المُقري. وأما عبد الحق فهو جد جده لأمه، وهو عبد الحق بن خلف الحنبلي. ولد سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. وأحضر على البندنيجي، وغيره، وأسمع الكثير على المزي، والبرزالي، فأكثر عنهما، وتفرد. وهو من شيوخ ابن حجر، ذكره في " المجمع المؤسس "، وقال عنه: ولم يكن محموداً في سيرته، ويتعسر في التحديث. مات في ثاني ذي الحجة، سنة اثنتين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 258 - أحمد بن علي بن محمد ابن أيوب بن رافع القلعي، الدمشقي إمام القلعة. ذكره ابن حجر، في " الدرر "، وقال: سمع من أبي بكر الرضي، وغيره. وحدث، أجاز لي غير مرة. ومات في شوال، سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، وقد بلغ الثمانين، رحمه الله تعالى. 259 - أحمد بن علي بن محمد ابن علي بن ضرغام بن علي بن عبد الكافي الشهاب، أبو الهباس القرشي، التميمي البكاري، الغضائري المعروف بابن سكر، بضم المهملة، ثم كاف مشددة. سمع بإفادة أخيه من البدر الفارقي، وأبي زكريا يحيى المصري، وعبد الرحمن بن عبد الهادي، وغيرهم. وأجاز له المزي، والذهبي، وابن الجزري، وفاطمة بنت العز، وآخرون. وكان شيخاً ساكناً. مات سنة ست وثمانمائة، في شهر رجب، وله بضع وسبعون سنة. ذكره ابن حجر، في " معجم شيوخه ". 260 - أحمد بن علي بن محمد ابن ضوء، شهاب الدين، أبو عبد العزيز الصفدي الأصل، المقدسي، ويعرف بابن النقيب ولد في ليلة الاثنين، سابع عشري رمضان، سنة إحدى وخمسين وسبعمائة. وسمع من اليافعي، وخليل بن إسحاق الداراني، وعبد المنعم بن أحمد الأنصاري، وغيرهم. وحدث، وسمع منه الفضلاء، كابن موسى، ووصفه بالشيخ الإمام العالم. وذكره ابن حجر في " إنبائه "، فقال: أحمد بن علي بن النقيب، تقدم في فقه الحنفية، وشارك في فنون، وكان يوم بالمسجد الأقصى. مات سنة سبع عشرة وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 261 - أحمد بن علي بن محمد بن مكي بن محمد ابن عبيد بن عبد الرحيم، شهاب الدين، الأنصاري الدماصي - بمهملتين نسبة لدماص، قرية بالشرقية من الديار المصرية - ثم القاهري، البولاقي المعروف بقرقماس؛ لمشاركته لتركي اسمه كذلك. قال السخاوي: ولد، كما قرأته بخطه، في سنة تسعين وسبعمائة، بالقاهرة. ونشأ بها، وقرأ القرآن، وحفظ " المختار " و " المنظومة " في الفقه، و " المنار " في أصوله، و " الحاجبية " في العربية. واشتغل في الفقه على الجمال يوسف الضرير، وغيره، وفي أصوله على الزين طاهر، وغيره، وفي العربية على العز ابن جماعة، وحضر درسه في غيرها أيضاً.

262 - أحمد بن علي بن محمد ابن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الملك بن عبد الوهاب ابن حمويه بن حسنويه القاضي، الدامغاني، أبو الحسين

وسمع " سنن أبي داود "، و " ابن ماجه " على الغناري، وختمهما على الإيناسي، وأولهما على المطرز، وثانيهما على الجوهري. وناب في القضاء على التفهني، والعيني، فمن بعدهما. وحدث باليسير، وسمع منه الفضلاء. مات في يوم الخميس، سادس عشر شهر ربيع الثاني، سنة اثنتين وثمانمائة، وصلى عليه الأمين الأقصرائي، رحمهما الله تعالى. 262 - أحمد بن علي بن محمد ابن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الملك بن عبد الوهاب ابن حمويه بن حسنويه القاضي، الدامغاني، أبو الحسين ابن قاضي القضاة أبي الحسن بن قاضي القضاة أبي عبد الله. مولده في غزة، سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. وكان إماماً، فاضلاً، بارعاً، من بيت العلم والقضاء. فوض إليه قضاء ربع الكرخ، ثم الجانب الغربي بأسره، ثم ضم إليه قضاء باب الأزج، وجرت أموره في قضائه على السداد. وسمع الحديث من أبي الفوارس طراد بن محمد بن علي الزينبي الحنفي، وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة، وأبي الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، وغيرهم. روى عنه أبو بكر كامل، وأبو القاسم وأبو " سعد " السمعاني. مات في ليلة الأربعاء، حادي عشر جمادي الآخرة، سنة أربعين وخمسمائة. نقله أبو سعد، وتابعه ابن النجار، وزاد: وصلى عليه ظاهر الشونيزية ولده أبو الحسن علي، ودفن على أبيه بدار النبعة، رحمه الله تعالى. 263 - أحمد بن علي بن محمد بن موسى أبو ذر، الإستراباذي ذكره الخطب في " تاريخه "، وقال: الفقيه على مذهب أبي حنيفة. وقدم بغداد حاجاً، وحدث بها عن أبي الحسن الكرخي، وإسماعيل بن محمد الصفار، ومحمد بن أحمد بن محمويه العسكري، وجعفر بن محمد الخالدي، وعبد الصمد الطستي، وأبي سهل بن زياد، ودعلج بن أحمد. وكان ثقة، مشهوراً بالزهد، موصوفاً بالفضل. وقال: حدثني عنه القاضيان أبو عبد الله الصيمري، وأبو القاسم التنوخي. 264 - أحمد بن علي بن محمد السجزي المعروف بالإسلامي والد علي، الآتي ذكره في بابه. ذكره صاحب " الجواهر "، ولم يذكر من حاله شيئاً. 265 - أحمد بن علي بن منصور بن محمد ابن أبي العز بن صالح بن وهيب بن عطاء ابن جبير بن جابر بن وهيب الأذرعي الأصل، الدمشقي، شرف الدين، أبو العباس المعرف سلفه بابن الكشك، واشتهر هو بابن منصور. ولد في سنة عشر وسبعمائة، تقريبا. وسمع الحديث، واشتغل كثيراً، ومهر. وأذن له في التدريس، فدرس، وأفتى، وأعاد. وطلبه السلطان الملك الأشرف من دمشق، وولاه قضاء القضاة بالديار المصرية، فباشر قليلاً، ثم ترك، ورجع إلى الشام. وكان صارماً مهيبا، نزهاً، قوالاً بالحق، لا يقبل لأحدٍ هدية، ولا يعمل برسالة أحدٍ من أهل الدولة، ولا يراعيهم، فكثرت عليه رسائلهم، فكره الإقامة بينهم، وسأل العزل مرة بعد مرة، وكان قامعاً لأهل الظلم، منصفاً للمظلوم، كثير النفع للناس. وكانت مقاصده جميلة، وأموره مستقيمة، إلا أنه لم يجد من يعاونه. وكان دمث الأخلاق، طارحاً للتكلف، كثير البشر، جميل المحاضرة، متواضعاً. وكان يباشر صرف الصدفات بنفسه، ما بين دراهم وخبز. وصنف " مختصراً " في الفقه، وآخر في أصول الدين. وذكر في " تاج التراجم "، أن المختصر المذكور في الفقه اختصره من " المختار "، وسماه " التحرير "، وعلق عليه " شرحاً "، ولم يكمله. قال ابن حجر: وصار كثير التبرم بالوظيفة، فاتفق أن حصل للأشرف مرض فعالجه الأطباء، فما أفاد، فلازمه الجلال جار الله، فاتفق أنه شفي على يده، فشكر له ذلك، ووعده بتولية القضاء، فبلغ ذلك شرف الدين، فعزل نفسه. قال: وأوجب ذلك عنده أنه سئل في أوقاف أراد بعض الدولة حلها، فامتنع، فألح عليه، فأصر، وعزل نفسه. وكان لما قدم القاهرة، انتصب للإقراء بالمدرسة المنصورية، فقرأ عليه جماعة في الفقه، وفي أصول الفقه. وكانت وفاته بدمشق، في يوم الاثنين، العشرين من شعبان، سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة. وكان من محاسن الدهر، وقضاة العدل، رحمه الله تعالى. 266 - أحمد بن علي بن يوسف ابن أبي بكر بن أبي الفتح بن علي الحسيني إمام الحنفية بمكة المشرفة. ولد سنة ثلاث وستين وستمائة.

267 - أحمد بن علي، أبو بكر الوراق

وسمع من الشريف الغرافي، " تاريخ المدينة " بسماعه منه، ومن غيره. وأجاز له باستدعاء البرزالي شمس الدين ابن العماد الخليلي، وأبو اليمن ابن عساكر، والقطب القسطلاني، وغيرهم. وسمع منه جماعة؛ منهم الحافظ الغرافي، قرأ عليه " تاريخ المدينة " لابن النجار. ومات في رمضان، سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، وقيل: في ذي القعدة، وقيل: أول سنة ثلاث وستين، وله نحو تسع وثمانين سنة. ولو كان سماعه على قدر سنه لكان مسند عصره، رحمه الله تعالى. 267 - أحمد بن علي، أبو بكر الوراق ذكره أبو الفرج محمد بن إسحاق في " الفهرست "، في جملة أصحابنا، بعد أن ذكر الكرخي، فقال: وله من الكتب: كتاب " شرح مختصر الطحاوي ". ولم يزد. وذكر في " القنية " أنه خرج حاجاً إلى بيت الله الحرام، فلما سار مرحلة، قال لأصحابه: ردوني، ارتكبت سبعمائة كبيرة في مرحلة واحدة. فردوه. رحمه الله تعالى. 268 - أحمد بن علي، أبو بكر الرازي الإمام الكبير الشأن، المعروف بالجصاص، وهو لقب له، وكتب الأصحاب والتواريخ مشحونة بذلك. ذكره صاحب " الخلاصة " في الديات والشركة، بلفظ الجصاص، وذكره صاحب " الهداية " في القسمة، بلفظ الجصاص، وذكره صاحب " الميزان " من أصحابنا، بلفظ أبي بكر الجصاص، وذكره بعض الأصحاب، بلفظ الرازي الجصاص. *وذكره في " القنية "، عن بكر خواهرزاده، في مسألة إذا وقع البيع بغبن فاحش، قال: ذكر الجصاص، وهو أبو بكر الرازي، في واقعاته أن للمشتري أن يرد وللبائع أن يسترد. *وقال الشيخ جلال الدين في " المغني " في أصول الفقه، في الكلام في الحديث المشهور: قال الجصاص، إنه أحد قسمي المتواتر. وذكر شمس الأئمة السرخسي هذا القول في " أصوله " عن أبي بكر الرازي. وقال ابن النجار في " تاريخه " في ترجمته: كان يقال له الجصاص. ذكر هذا كله صاحب " الجواهر "، ثم قال: وإنما ذكرت هذا كله؛ لأن شخصاً من الحنفية نازعني غير مرة في ذلك، وذكر أن الجصاص غير أبي بكر الرازي، وذكر أنه رأى في بعض كتب الأصحاب: " وهو قول أبي بكر الرازي والجصاص " بالواو. فهذا مستنده، وهو غلط من الكاتب، أو منه، أو من المصنف، والصواب ما ذكرته. انتهى. قال الخطيب في حقه: كان مشهوراً بالزهد، والورع. ورد بغداد في شبيبته، ودرس الفقه على أبي الحسن الكرخي. ولم يزل حتى انتهت إليه الرياسة، ورحل إليه المتفقهة، وخوطب في أن يلي قضاء القضاة، فامتنع، وأعيد عليه الخطاب فلم يفعل. حدث أبو بكر الأبهري، قال: خاطبني المطيع على قضاء القضاة، وكان السفير في ذلك أبو الحسن بن أبي عمرو الشرابي، فأبيت عليه، وأشرت بأبي بكر أحد بن علي الرازي، فأحضر للخطاب على ذلك، وسألني أبو الحسن بن أبي عمرو معونته عليه، فخوطب، فامتنع، وخلوت به، فقال لي: تشير علي بذلك؟ فقلت: لا أرى لك ذلك. ثم قمنا بين يدي أبي الحسن بن أبي عمرو، وأعاد خطابه، وعدت إلى معونته، فقال لي: أليس قد شاورتك، فأشرت علي أن لا أفعل. فوجم أبي الحسن بن أبي عمرو من ذلك، وقال: تشير علينا بإنسان، ثم تشير عليه أن لا يفعل!!. قلت: نعم، إمامي في ذلك مالك بن أنس، أشار على أهل المدينة أن يقدموا نافعاً القارئ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشار على نافع أن لا يفعل، فقيل له في ذلك، فقال: أشرت عليكم بنافع؛ لأني لا أعرف مثله، وأشرت عليه أن لا يفعل؛ لأنه يحصل له أعداء وحساد. فكذلك أنا أشرت عليكم به؛ لأني لا أعرف مثله، وأشرت عليه أن لا يفعل؛ لأنه أسلم لدينه. قال الصيمري: استقر التدريس ببغداذ لأبي بكر الرازي، وانتهت الرحلة إليه، وكان على طريقه من تقدمه في الورع، والزهد، والصيانة. ودخل بغداد سنة خمس وعشرين، ودرس على الكرخي، ثم خرج إلى الأهواز، ثم عاد إلى بغداد، ثم خرج إلى نيسابور مع الحاكم النيسابوري، برأي شيخه أبي الحسن الكرخي ومشورته، فمات الكرخي، وهو بنيسابور، ثم عاد إلى بغداد، سنة أربع وأربعين وثلاثمائة. تفقه عليه أبو بكر أحمد بن موسى الخوارزمي، وأبو عبد الله محمد بن يحيى الجرجاني، شيخ القدوري، وأبو الفرج أحمد بن محمد بن عمر المعروف بابن المسلمة، وأبو جعفر محمد ابن أحمد النسفي، وأبو الحسين بن محمد بن أحمد بن أحمد الزعفراني، وابو الحسين محمد بن أحمد ابن الطيب الكماري، والد إسماعيل قاضي واسط.

269 - أحمد بن عمر بن أحمد ابن هبة الله بن أبي جرادة

قال الخطيب: لأبي بكر تصانيف كثيرة مشهورة، ضمنها أحاديث رواها عن أبي العباس الأصم النيسابوري، وعبد الله بن جعفر بن فارس الأصبهاني، وعبد الباقي بن قانع القاضي، وسليمان بن أحمد الطبراني، وغيرهم. قال في " الجواهر ": وله من المصنفات: " أحكام القرآن "، وشرح " مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي "، وشرح " مختصر الطحاوي "، وشرح " الجامع " لمحمد بن الحسن، وشرح " الأسماء الحسنى "، وله " كتاب " مفيد في أصول الفقه، وله " جوابات " عن مسائل وردت عليه. قال ابن النجار: توفي يوم الأحد، سابع ذي الحجة، سنة سبعين وثلاثمائة، عن خمس وستين سنة، وصلى عليه أبو بكر الخوارزمي، صاحبه. حكاه الخطيب. انتهى. 269 - أحمد بن عمر بن أحمد ابن هبة الله بن أبي جرادة ولد الصاحب كمال الدين ابن العديم، من البيت المشهور. قال والده في " الأخبار المستفادة، في مناقب بني جرادة ": ولد قبل صلاة الصبح، من يوم الأربعاء، لأربع بقين من جمادى الأولى، منسنة اثنتي عشرة وستمائة، في حياة والدي، وسماه باسمه. 270 - أحمد بن عمر بن محمد ابن أحمد بن إسماعيل بن علي بن لقمان أبو الليث، بن شيخ الإسلام أبي حفص، النسفي، يعرف بالمجد من أهل سمرقند، مولده في سنة سبع وخمسمائة. تفقه على والده الإمام نجم الدين عمر النسفي، وغيره. وأسمعه أبوه من جماعة من السمرقنديين، والغرباء الواردين عليهم بسمرقند. وكان قد سمع من أبيه كثيراً، غير أنه لم يكن له عناية بالحديث مثل والده. قال أبو سعد في حقه: من أولاد المحدثين والأئمة، وكان فقيهاً فاضلاً، واعظاً كاملاً، حسن الصمت، وصولاً للأصدقاء. قدم مرو، سنة سبع وأربعين، متوجهاً إلى الحجاز. وانصرف من نيسابور لموت السلطان، وتشوش الطرق. قال: ثم لما وافيت سمرقند، أول سنة تسع وأربعين، لقيته بها، واجتمعت به، وكان يعيرني الكتب والأجزاء، ويزورني وأزوره، ومع كثرة اجتماعي معه، وشدة أُنسي به، لم يتفق لي أن أسمع منه شيئاً بسمرقند. وقدم علينا بخارى، في سنة إحدى وخمسين، عازماً على الحج، وورد بغداد، وأقام بها شهرين في التوجه والانصراف، أياماً قلائل، لأن الحروب قائمة بين أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله، والسلطان محمد شاه، والناس في شدة عظيمة، وكان ذلك في صفر سنة اثنتين وخمسين، فخرج من بغداد متوجهاً إلى وطنه، فلما وصل إلى قومس، وجاوز بسطام، خرج جماعة من أهل القلاع، وقطعوا الطريق على القافلة، وقتلوا مقتلةً عظيمة من العلماء، والقافلين من الحجاز، أكثر من سبعين نفساً، وكان فيهم المجد النسفي، رحمه الله تعالى. قال: سمعت بعض الحجاج القافلين من أهل سمرقند، يقول: قتل الإمام المجد النسفي، يوم الاثنين، السابع والعشرين من جمادي الأولى، سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، بقرب كوف، من نواحي بسطام، وكان عليه ثلاث ضربات، ضربة على رأسه، وضربتان في رقبته، ودفن بهذه القرية، وأراد أهل بسطام أن ينقلوه إلى بسطام، فما أمكنهم؛ لأن الشمس والهواء الحار أثرا فيه. قال السمعاني: أنشدني الفقيه أبو الليث لفظاً، قال أنشدني والدي لنفسه: يَا صَاحِبَ العِلْمِ أتَرْضَىَ بأَنْ ... يَسعَدَ قَوْمٌ ولَكَ الشِّقْوَهْ كَفاكَ اللهُ سُبْحانَه لا يكُنْ ... غيرُك أوْفَى منك بالحُظْوَهْ وأحمد بن عمر هذا، هو وأبوه من مشايخ صاحب " الهداية "، وصدر بهما في " مشيخته "، وذكر أن أحمد هذا أجاز له من سمرقند. رحمه الله تعالى. 271 - أحمد بن عمر اليمني شهاب الدين، الحنفي عُني بالنحو، والفقه، والقراءات، والفرائض. وأفاد ببلاده، وكان من فضلائها الكبار. مات بزبيد. رحمه الله نعالى. كذا في " إنْباء الغُمر ". 272 - أحمد بن عمر وقيل عمرو، بن مهير، وقيل مهران الشيباني، أبو بكر، الخصاف ذكره صاحب " الهداية " في الوديعة، بلقبه الخصاف. روى عن أبيه، وحدث عن أبي عاصم النبيل، وأبي داود الطيالسي، ومسدد بن مسرهد، والقعنبي، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، وعلي بن المديني، وعارم بن محمد أبي الفضل، وأبي نعيم الفضل بن دكين، في خلق.

273 - أحمد بن عمرو بن محمد ابن موسى بن عبد الله، القاضي البخاري أبو نصر، يعرف بالعراقي

ذكره النديم؛ في " فهرست العلماء "، فقال: كان فاضلاً، فارضاً، حاسباً، عارفاً بمذهب أصحابه، وكان مقدماً عند المهتدي بالله، وصنف للمهتدي " كتاباً في الخراج "، فلما قتل المهتدي نهب الخصاف، وذهبت بعض كتبه، ومن جملتها كتاب الخراج هذا، و " كتاب "، عمله في المناسك، لم يكن خرج للناس. قال النديم: وله من المصنفات: " كتاب الخيل " في مجلدين، و " كتاب الوصايا "، و " الشروط الكبير " وكتاب " الشروط الصغير "، و " كتاب الرضاع "، و " كتاب المحاضر والسجلات "، و " كتاب أدب القاضي "، و " كتاب النفقات على الأقارب "، و " كتاب إقرار الورثة بعضهم لبعض "، و " كتاب أحكام الوقف " و " كتاب النفقات " و " كتاب العصير وأحكامه " و " كتاب ذرع الكعبة والمسجد الحرام والقبر ". قال ابن النجار: وذكر بعض الأئمة، أن الخصاف كان زاهداً ورعاً، يأكل من كسب يده. وقال شمس الأئمة الحلواني: الخصاف رجل كبير في العلم، وهو ممن يصح الاقتداء به. وروى عن بعض مشايخ بلخ، أنه قال: دخلت بغداد، وإذا على الجسر رجل ينادي ثلاثة أيام، يقول: إن القاضي أحمد بن عمرو الخصاف، استفتي في مسألة كذا، فأجاب بكذا وكذا، وهو خطأ، والجواب كذا وكذا، رحم الله من بلغها صاحبها. قلت: هكذا ينبغي أن يكون العلماء، وهكذا يجب أن يكون التحفظ في دين الله، والنصيحة لعباد الله، لا كعلماء زماننا الذين ليس لهم غرض إلا التفاخر بالعلم، والتكبر به، وإظهار القوة والغلبة، فلا يبالي أحدهم إذا كان مستظهراً في البحث على خصمه، أن يكون على الحق أو على الباطل، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكانت وفاة صاحب الترجمة ببغداد، سنة إحدى وستين ومائتين. رحمه الله تعالى. 273 - أحمد بن عمرو بن محمد ابن موسى بن عبد الله، القاضي البخاري أبو نصر، يعرف بالعراقي حدث عن أبي نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الإستراباذي، ومحمد بن يوسف بن عاصم البخاري، وغيرهما. ذكره الحافظ الإدريسي، في " تاريخ سمرقند "، فقال: كان أحد أئمة أصحاب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، في الفقه، وكان على قضاء سمرقند مدة، وانصرف منها إلى بخارى. وعاش إلى سنة ست وتسعين وثلاثمائة، ومات ببخارى، رحمه الله تعالى. 274 - أحمد بن عمران، أبو جعفر الليموسكي، الإستراباذي الفقيه، المحدث لأصحاب أبي حنيفة. قال السهمي، في " تاريخ جرجان ": من أصحاب الرأي، وكان مذهبه مذهب أهل السنة. وروى عن الحسن بن سلام السواق، وأحمد بن حازم بن أبي غرزة، والهيثم بن خالد، ومحمد بن سعد العوفي، وابن أبي العوام، وغيرهم. سمع منه أبو جعفر المستغفري، في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، ومات في هذه السنة. *ذكره الحافظ أبو سعد الإدريسي، في " تاريخ إستراباذ "، وقال: كان ثقة في الحديث، من أصحاب الرأي، شديد المذهب، كان يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، والإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. قال السمعاني: والليموسكي، بكسر اللام، وسكون الياء، وضم الميم، وبعدها واو وسين مهملة ساكنة، ثم كاف؛ نسبة إلى ليموسك، قرية من قرى إستراباذ. 275 - أحمد بن عيسى الزيبي ذكره الصيمري في طبقة الخصاف، وأحمد بن أبي عمران، قال: وكان إليه أحد جانبي بغداد، والجانب الآخر إلى إسماعيل بن إسحاق. 276 - أحمد بن عيسى، أبو العباس ابن الرصاص، النحوي شارح " الألفية ". كان إماماً كبيراً، في الفقه، وغيره، وعليه انتفع الشيخ شمس الدين الديري. توفي بدمشق، سنة تسعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى. بقية باب من أسمه أحمد 277 - أحمد بن الفرج بن عبد العزيز الساغرجي، السغدي أبو نصره والد الإمام محمود، تفقه عليه والده، وروي عنه. وحدث هو عن يوسف بن صالح الخطيب، وغيره. مات بسمرقند، في ربيع الأول، سنة أربع وعشرين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 278 - أحمد بن فهد بن الحسين بن فهد أبو العباس العلثي، الفقيه سمع من أبي شاكر بن يوسف البالاني، وفخر النساء شُهدة بنت أحمد الكاتبة، وغيرهما، وجدث. ومات ببغداد سنة سبع وعشرين وستمائة. ودفن بمقبرة الحلبة، بفتح الحاء، وسكون اللام، وبعدها باء موحدة، وتاء تأنيث: محلة كبيرة مشهورة ببغداد، بقرب باب الأزج.

279 - أحمد بن قانع بن مرزوق بن واثق القاضي، أو عبد الله مولى بن أبي

ذكره المنذري في " التكملة ". 279 - أحمد بن قانِع بن مرزوق بن واثق القاضي، أو عبد الله مولى بن أبي الشَّوارب أخو عبد الباقي بن قانع القاضي، الآتي ذكره في محله. ولد سنة ثلاث وسبعين ومائتين. ومات سنة خمس وخمسين وثلاثمائة. وكان فقيهاً، حسن العلم بالفرائض. وحدَّث عن أبي شعيب الحراني، والحسن بن مثنى العنبري، وإسماعيل بن الفضل البلخي وغيرهم. وحدث عنه علي بن أحمد الرزاز، وغيره. وكان ثقة. ذكره الخطيبُ، في " تاريخه ". وروى له بسنده، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (أُدْعُوا اللهَ وأنتُمْ مُوقُنونَ بِالإجَابَةِ، وأعْلَمُوا لأن اللهَ لا يَسْتَجِيبُ الدُّعاءَ من قَلْبَ لاهٍ) . 280 - أحمد بن قلشماه، أبو العباس القُونَوِيّ قاضي القضاة بمدينة قُونية، من بلاد الروم، أكثر من ثلاثين سنة. كان إماماً، عالماً بالتفسير والفقه، والنحو، والأصلين. ودرس بقُونية بالمصلحية، والنظامية، وغيرهما. كذا ذكره في " الجواهر "، من غير زيادة. 281 - أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة بن منصور القاضي، الشجري، البغدادي قال السمعاني: كان عالماً بالأحكام، والقرآن، وأيام الناس، والأدب، والتواريخ، وله فيها مصنفات. ولي قضاء الكوفة. وحدث عن محمد بن الجهم السمري، وأبي قلابة الرقاشي، وغيرهما. روى عنه الدارقطني، وأبو عبيد الله. وكان متساهلاً في الحديُ. كذا في " الجواهر ". وذكره الخطيب البغدادي، في " تاريخه "، فقال: أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة ابن منصور بن كعب بن يزيد، أبو بكر، القاضي. كان ينزل في شاعر عبد الصمد عند مربعة أبي عبيد الله، من الجانب الشرقي. وهو أحد أصحاب محمد بن جرير الطبري. وتقلد قضاء الكوفة من قبل أبي عمر محمد بن يوسف. وكان من العلماء بالأكام، وعلوم القرآن، والنحو، والشعر، وأيام الناس، وتواريخ أصحاب الحديث، وله مصنفات في أكثر ذلك. انتهى. قلت: فول الخطيب: " وهو أحد أصحاب محمد بن جرير الطبري "، يدل على أن ابن كامل ليس بحنفي المذهب، كما ذكره صاحب " الجواهر "، اللهم إلا أن يُقال: إنه أحد أصحابه في غير الفقه، من علوم الحديث، وغيرها، ولم أقف على تصريح في ذلك إلى الآن، وإنما ذكرته تبعاً لصاحب " الجواهر ". قال الحسن بن رزقويه، وقد ذكر أحمد بن كامل: لم تر عيناي مثله. وحدث الحسن بن أبي بكر، قال: سمعتُ أحمد بن كامل القاضي، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، وكأنه في المسجد الذي في أصحاب البارزي، في الجانب الشرقي في المِحراب، فتقدمت، فقرأت عليه، واستعدت، وابتدأت بأم القرآن اقرأها، وأعد على عدد أهل الكوفة. فلما قرأت: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّيْنِ) قلت: يا رسول الله، كيف أقرأ هذا الحرف (مَالِكِ) ، أو (مَلِكِ) . فقال لي: (مَلِكِ يَوْم الدِّينِ) . فقلتُ: بألف أو بغير ألفٍ؟ فقال: بغير ألف. وقرأت من سورة البقرة، فلما قرات، (خَتَمَ اللهُ على قُلُبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ) ، فال: ختَم الله على أفئدتهم، وهمزه. فوقع في نفس في المنام أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يُعَلِّمَني أن القلب هو الفؤاد، فبلغتُ عليه إلى خمسين آية، من سورة البقرة، على عدد أهل الكوفة. وسُئل أبو الحسن الدارقطني، عن ابن كامل، فقال: كان متساهلاً، وربما حدث من حفظه بما ليس عنده في كتاب، وأهلكه العجب، فكأنه كان يختار ولا يضع لأحد من العلماء الأئمة. فقيل: كان جريري المذهب؟.. فقال أبو الحسن: بل خالف، واختار لنفسه. وهذا يُؤيد ما تقدم من كونه ليس بحنفي، ولكن قوله (اختار لنفسه) يُمكن حمله على أنه اختار لنفسه ما يُوافق رأي الإمام الأعظم، بحيث صار لكثرة أخذه برأيه يُعد من أتباعه. والله أعلم. وأملى كتاباً في " السِّيَر "، وتكلم على الأخبار. ومن شعره: إِنَّ الثَّمانِينَ عقْدٌ ليس يَبْلُغُهُ ... إِلاَّ المُؤَخَّرُ لِلأَخْبَارِ والْعِبَرُ ومنه: ليس لي عُدَّةٌ تَشُدُّ فؤادي ... غيرَ ذِي الطِّولِ عُدَّتِي وظَهيري هو فَخْرِي لِكُلِّ ما أرتَجِيه ... وغِيائي ورَاحِمي ونَصيري ومنه أيضاً:

282 - أحمد بن كشتغدي بن عبد الله الخطائي

صَرْفٌ الزمانِ تَنَقُّلُ الأَيَّامِ ... والمرءُ بيم مُحلَّلٍ وحزامِ وإذا تعسَّفتَ الأُمورَ تَكَشَّفَتْ ... عن فَضْلِ إنْعامٍ وقُبْحِ أَثَامِ وكانت وفاته يوم الأربعاء، لثمان خلون من المحرم، سنة خمسين وثلاثمائة. وكانت ولادته، في سنة ستين ومائتين. 282 - أحمد بن كُشتغدي بن عبد الله الخطائي مولده في شهر رمضان، سنة ثلاث وستين وستمائة. ووفاته في صفر، سنة أربع وأربعين وسبعمائة. قال في " الجواهر ": شيخ فقيه، عنده فهم. سمع من النجيب، وأبي حامد المحمودي الصابوني الإمام، روى لنا عنهما. وأجاز له من دمشق جماعة، منهم؛ الإمام جمال الدين ابن مالك. رحمه الله تعالى. 283 - أحمد بن كند غدِي بالنون الساكنة، والكاف المضمومة، والغين المعجمة، وبعد الدال المضمومة. وقبل الدال المهملة أيضاً المكسورة، والياء آخر حرف شهاب الدين، ابن التركي، القاهري نزيل الحسينية، بالقرب من جامع آل ملك. كان عالماً، فقيهاً، ديناً، بزي الأجناد. توجه عن الناصر فرج رسولاً إلى تمرلنك، فمرض بحلب، واشتد مرضه حتى مات في ليلة السبت، رابع عشر شهر ربيع الأول، سنة سبع وثمانمائة، وصلى عليه من الغد، ودُفن خارج باب المقام بتربة موسى الحاجب، وقد جاوز الستين. ذكره ابن خطيب الناصرية. قال السخاوي: وأورده شيخُنا - يعني ابن حجر - في " مُعجمه "، وقال: أحد الفضلاء المهرة في فقه الحنفية، والفنون. اتصل أخيراً بالظاهر برقوق، ونادمه. ثم أرسله الناصر إلى تمرلنك، فمات بحلب في جُمادى الأولى. كذا قال. ثم قال: سمعت من فوائدعه كثيراً. وقرأ عليه صاحبنا المجدُ ابن مكانس المقامات بحثاً. زاد في " إنبائه ": فكان يُجيد تقريرها، على ما أخبرني به المجد. وقال فيه: اشتغل في عدة علوم، وفاق فيها. واتصل بالظاهر في أواخر دولته، ونادمه بتربية شيخ الصفوي، أحد خواص الظاهر، وحصل الكثير من الدنيا. وقال: إنه مات قبل أن يؤدي الرسالة، في رابع عشر ربيع الأول. وأرخه البرهان المحدث، وأثنى عليه بالعلم، والمروءة، ومكارم الأخلاق. وقال العييني: إنه كان ذكياً، مُستحضراً، مع بعض مجازفة، ويتكلم بالتركي. ذكره في " الضوء اللامع ". 284 - أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن داود بن حازم أبو العباس، الأذرعي ابن قاضي القضاة أبي عبد الله كان إماماً فاضلاً، مُفنناً. تفقه على أبيه، وتصدر بالجامع الحاكمي، وناب في الحُكم، وحصل من الكتب شيئاً كثيراً. ومات في الخامس والعشرين من شهر رمضان، سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. ودفن بالقرافة. وكان مولده سنة ست وثمانين وستمائة. رحمه الله تعالى. 285 - أحمد بن محمد بن إبراهيم بن علي البُخاري، أبو سعيد أبن أبي الخطاب تفقه عليه ولده أحمد، وتقدم. وسمع منه. وكان موجوداً بعد الخمسمائة. ويأتي ابن ابنه محمد بن أحمد. ويأتي أبوه أبو الخطاب محمد بن إبراهيم بن علي، في الكنى. كذا في " الجواهر ". 286 - أحمد بن محمد بن إبراهيم بن علي، أبو طاهر القاضي، القصارى قال ابن النجار: مولده سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. وقال السمعاني، في " ذيله " سنة خمس وسبعين، بتقديم السين، وثلاثمائة. وذكر كل منهما أنه قرأ بخط أبي محمد عبد الله بن السمرقندي. روى عنه ابنه أبو عبد الله محمد بن أحمد، والحافظ عبد الوهاب الأنماطي. قال ابن ناصر: مات سنة أربع وسبعين وأربعمائة. ويأتي ابنه محمد في بابه، إن شاء الله تعالى. 287 - أحمد بن محمد بن إبراهيم بن رزمان، بضم الراء ابن علي بن بشارة، أبو العباس الدمشقي مولده بدمشق، سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. وتُوفي سنة إحدى وستين وستمائة، ببستان ظاهر دمشق، وصلى عليه بجامع العُقيبة، ودُفن بسفح قاسيون. كتب عنه الدمياطي، وذكره في " معجم شيوخه ". رحمه الله تعالى. 288 - أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو الحسن، الأشعري اليمنى، القُرشي، الحنفي كان فقيهاً، فرضياً، حسابياً، نحوياً، لغوياً، متأدباً، نسَّابة. صنف في فنون، وله " اللباب في الآداب "، و " مختصر في النحو " وغير ذلك. كذا ذكره السيوطي، في " طبقات النحاة "، ومن نُسخة مصححة بخطه نقلت، ولم يؤرخ له مولداً، ولا وفاة.

289 - أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو سعيد، الفقيه النيسابوري

ولا أدري هل قوله " الحنفي " نسبه إلى المذهب، أو القبيلة، فذكرته احتياطاً. والله أعلم. 289 - أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو سعيد، الفقيه النيسابوري سمع إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، راوي " صحيح مسلم " عن مسلم، وأبا بكر بن خُرنمة. سمع منه الحاكم أبو عبد الله، وأبو نعيم الحافظ. وكان شيخ نيسابور في عصره، أقام يُدري ويُفتي على مذهب أبي حنيفة زمناً طويلاً. مات ليلة الأربعاء، العشرين من شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين، [وثلاثمائة] وهو ابن إحدى وتسعين سنة. رحمه الله تعالى. 290 - أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو عمرو الفقيه، الزورني. ذكره الحافظ أبو سعد عبد الكريم، في " الأنساب ". قال " تفقه على مذهب أبي حنيفة، وسكن باب عرزة سنين، ثم تحول إلى زون. ومات بها، في سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. 291 - أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو العباس، الرومي ثم الدمشقي، المعروف بابن الشِّهاب ولي إمامة الحنفية بالجامع الأموي، وتدريس المُعينية، ومشيخة الخاتونية. وكانت له زاوية بالشرف الشمالي. مات في صفر، سنة سبع عشرة وسبعمائة، رحمه الله تعالى. كذا قاله ابن حجر. وقال صاحب " درة الأسلاك " في حقه، إمام يُلازم المحراب، وقارئ يتقن الإعراب، وشيخ يعرف طريق القوم، وفقيهٌ في بحر العلم يُجيد العوم. كان ذا وجاهة ظاهرة، ومُروءة وافرة، وأخلاق جميلة، وعصبية جزيلة، ينصرُ الحق ويُعين الضعيف، ويجتهد فيما يُزلفه عند الخبير اللطيف. ولى بالجامع الأموي إقامة محراب الحنفية، وباشر تدريس المُعينية ومشيخة الخاتونية. وبنى بالشرف الأعلى زاوية مشهورة، وأبان عن فِعال محمودة وخلال مشكورة. وكانت وفاته بدمشق. رحمه الله تعالى. 292 - أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن علي السُلمي الصوفي قال الحافظ أبو صالح أحمد بن عبد الملك: سألته عن كُنيته، فقال: نحن من العرب، لا نكني أنفسنا حتى يُولد لنا. فمات ولم يُولد له. ذكره الفارسي في " السياق "، فقال: شيخ زاهد، عالم، عفيف، صوفي، من أصحاب أبي حنيفة، جميلُ الطريق والسيرة، تُحكى له الكرامات، وقيل: إنه من الأولياء. وكان يُلقب بحمرويه. وتُوفي سنة تسع وأربعمائة. رحمه الله تعالى. 293 - أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن عبدوس ابن كامل، أبو الحسن، الزعفراني عُرف بذلك، وبالدلال. الإمام ابن الإمام. روى عنه الخطيب وفاة أبيه، كما يأتي. وقال: كتبتُ عنه من سماعاته الصحيحة. وسألته عن مولده، فقال: ولدت يوم الأحد، الثامن عشر من المحرم، سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. ومات في يوم الأربعاء، السادس عشر من صفر، سنة سبع وأربعين وأربعمائة. ودفن في مقبرة الشونيزي. وكان يسكن درب الآجر، من نهر طابق. انتهى. وسمع أحمد هذا أبا بكر بن مالك القطيعي، وأبا محمد بن ماسي، وأبا أحمد النيسابوري، والقاضي الجرجاني، وغيرهم. 294 - أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان، الإمام المشهور أبو الحسين بن أبي بكر، الفقيه، البغدادي. المعرةف بالقدوري صاحب " المختصر " المبارك. تكرر ذكره في " الهداية " و " الخخلاصة "، وغيرهما. مولده سنة اثنتين وستين وثلاثمائة. أخذ الفقه عن أبي عبد الله محمد بن يحيى الجرجاني، وهو أخذ عن أبي بكر الرازي. عن أبي الحسن الكرخي، عن أبي سعيد البردعي، عن أبي علي الدقاق، عن أبي سهل موسى ابن نصر الرازي، عن محمد بن الحسن، رحمهم الله تعالى. وتفقه على القدوري أبو نصر أحمد بن محمد بن محمد وشرح " مختصره ". وتفقه غيره عليه ممن لا يُحصى. وروى الحديث عن محمد بن علي بن سُويد المؤدب، وعُبيد الله بن محمد الحوشبي. وروى عنه قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، والخطيب. وقال: كتبتُ عنه، وكان صدوقاً، ولم يحدث إلا بشيء يسير. وكان ممن أنجب في الفقه، لذكائه. انتهت إليه بالرعاق رياسة أصحاب أبي حنيفة، وعظم عندهم قدره، وارتفع جاهه. وكان حسن العبارة في النظر، جرى اللسان، مُديماً لتلاوة القرآن. وقال السمعاني: كان فقيهاً، صدوقاً.

صنف من الكتب " المختصر " المشهور، فنفع الله تعالى به خلقاً لا يُحْصون، وشرح " مختصر الكرجي " و " التجريد " في سبعة أسفار، يشتملُ على مسائل الخلاف بين أصحابنا وبين الشافعي، شرع في إملائه سنة خمس وأربعمائة، وله " التقريب " في مجلد، و " مختصر " جمعه لابنه، وغير ذلك من التصانيف. وذكره أبو محمد الفامي، في " طبقات الفقهاء "، وأثنى عليه. وقال: كان له ابن فلم يُعلمه الفقه، وكان يقول: دعوه يعيش لروحه. قال: فمات وهو شاب. ومات القدوري في يوم الأحد، الخامس عشر من شهر رجب، سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، ودفن من يومه في داره بدرب أبي خلف. نقله الخطيبُ والسمعاني، وحكاه جماعةٌ، منهم ابن خلكان. وزاد: ثم نُقل إلى تربة في شارع المنصور، ودفن هناك بجنب أبي بكر الخوارزمي الفقيه الحنفي. وخرج له في " الجواهر المضيئة " حديثاً واحداً، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتعمداً فليَتَبَوَأ مقعده من النار) . مُناظرة بين أبي الحسين القدوري والقاضي أبي الطيب الطبري الشافعي استدل أبو الحسين في المُختلعة أنه يلحقها الطلاق، بأنها معتدة من طلاق، فجأز أن يلحقها ما بقي من عدة الطلاق، كالرجعية. فكلمه أبو الطيب الطبري، وأورد عليه فصلين: أحدهما، أنه قال: لا تأثير لقولك: إنها معتدة من طلاق، لأن الزوجة ليست بمعتدة، ويلحقها الطلاق، فإذا كانت المعتدة والزوجة التي ليست بمعتدة في لحاق الطلاق سواء، ثبت أن قولك: المُعتدة، لا تأثير له، ولا يتعلق الحكم به، ويكون تعليق الحكم على كونها معتدة، كتعليقه على كونه مظاهراً منها، ومولياً عنها، ولما لم يصح تعليق طلاقها على العدة، كان حال العدة وما قبلها سواءً، ومن زعم أن الحكم يتعلق بذلك كان محتاجاً إلى دليل يدل على تعليق الحكم به. وأما الفصل الثاني؛ فإن في الأصل أنها زوجة، والذي يدل عليه أنه يستبيح وطئها من غير (عقد جديد) ، فجائر أن يلحقها ما بقي من عدد الطلاق، وفي مسألتنا هذه ليست بزوجة، على أنه لا يستبيح وطئها من غير عقد جديد، فهي كالمطلقة قبل الدخول. فتكلم الشيخ أبو الحسين على الفصل الأول بوجهين: أنه قال: لا يخلو القاضي، أيده الله تعالى، في هذا الفصل، من أحد أمرين؛ إما أن يكون مُطالباً بتصحيح العلة، والدلالة على صحتها، (فأنا ألتزم بذلك، وأذل بصحته، ولكنه محتاج ألا يخرج المُطالبة بتصحيح العلة، والدلالة على صحتها) مخرج المعترض عليها بعدمالتأثير، أو يعترض عليها بالإفساد من جهة عدم التأثير، فإن كان الإلزام على هذا الوجه لم يلزم، لأن أكثر ما في ذلك أن هذه العلة لم تعم جميع المواضيع التي يثبت فيها الطلاق، وأن الحكم يجوز أن يثبت في موضع مع عدم هذه العلة، وهذا لا يجوز أن يكون قادحاً في العلة، مُفسداً لها. يُبين صحة هذا، أن علة الربا التي تضرب بها الأمثال في الأصول والفروع، لا تعم جميع المعلومات، لأنا نجعلُ العلة في الأعيان الأربعة؛ الكيل مع الجنس، ثم يثبتُ الربا في الأثمان، مع عدم هذه العلة، ولم يقل أحد ممن ذهب إلى أن علة الربا معنى واحد. فإن قلتم: لا تعم جميع المعلومات، ولا تتناول جميع الأعيان التي يتعلق بها تحريم التفاضل، فيجب أن يكون ذلك موجباً لفسادها، فإذا جاز لنا بالاتفاق منا ومنكم، أن نعلل الأعيان الستة بعلتين، يوجد الحكم مع كل واحدة منها، ومع عدمها، ولا يلتفت إلى قول من قال: إن هذه العلل لا تعم جميع المواضع، فوجب أن تكون فائدة، وجب أن يكون في مسألتنا مثله. وما أجاب به القاضي الجليل عن قول هذا القائل، فهو الذي نُجيب به عن السؤال الذي ذكره، وأيضاً، فإني أدل على صحة العلة. فالذي يدل على صحتها أننا اجتمعنا على أن الأصول كلها معللة بعلل، وقد اتفقنا على أن الأصل الذي هو الرجعة معلل أيضاً، غير أنا اختلفنا في عينها، فقلتم أنتم: إن العلة فيها بقاء الزوجية: وقلنا نحن: العلة وجود العدة من طلاق. ومعلومٌ أننا إذا عللناه بما ذكرتم من الزوجية لم يبعد، وإن عللناه بما ذكرته من العدة تعدت إلى المُختلعة، فيجب أن تكون العلة هي المتعدية دون الأخرى. وأما معارضتك في الأصل، فهي علة مدعاة، وتحتاج أن يدل على صحتها، كما طالبتني بالدلالة على صحة علتي.

وأما منعُ الفرع فلا نُسلم أنها زوجة؛ فإن الطلاق وضع لحل العقد، وما وضعُ للحل إذا وجد ارتفع العقد، كما قلنا في فسخ سائر العقود. فتكلم القاضي أبو الطيب على الفصل الأول، بأن قال: قصدي بما أوردتك من المطالبة بتصحيح الوصف، والمطالبة في الدلالة عليه من جهة الشرع، (وأنَّ الحكم تابع له، غير أني كشفت عن طريق الشرع) له، وقلت: إذا كان الحكم يثبتُ مع وجود هذه العلة، ويثبت مع عدمها، لم يكن ذلك علة في الظاهر، إلا أن يدل الدليل على أن هذا الوصف مؤثر في إثبات هذا الحكم في الشرع، فحينئذ يجوز أن يُعلق الحكم عليه، ومتى لم يدل الدليل على ذلك، وكان الحكم ثابتاً مع وجوده ومع عدمه، وليس معه ما يدل على صحة اعتباره، دل على أنه ليس بعلة. وما ذكره الشيخ الجليل من علة الربا، وقوله: إنها إحدى العلل. فليس كذلك، بل هي وغيرها من معاني الأصول سواءٌ، فلا معنى لهذا الكلام، هو حجة عليك، وذلك أن الناس لما اختلفوا في تلك العلل، وادعت كل طائفة معنى، طلبوا ما يدل على صحة ما ادعوه، ولم يقتصروا فيها على مجرد الدعوى، فكان يجب أن يعمل في علة الرجعية مثل ذلك؛ لأن هذا تعليل أصل مجمع عليه، فكما وجب الدلالة على صحة علة الربا وجب أن يدل أيضاً على صحة علة الرجعية. وأما جريان الربا مع الأثمان، مع عدم علة الأربعة، فعلة أخرى، تثبت بالدليل، وهي علة الأثمان. وأما في مسألتنا، فلم يثبت كون العدة علة في وقوع الطلاق، فلم يصح تعليق الحكم عليها. وأما الفصل الثاني فلا يصح، وذلك أنك ادعيت أن الأصول كلها معللة، وهي دعوى تحتاجُ أن يدل عليها، وأنا لا أسأله؛ لأن الأصل المعلل عندي ما دل عليه الدليل. وأما كلام الشيخ الجليل، أيده الله تعالى، على الفصل الثاني، فإن طالبني بتصحيح العلة فأنا أدل على صحتها. والدليلُ على ذلك، أنه إذا طلق امرأة أجنبية لم يتعلق بذلك حكم، فإن عقد عليها، أو حصلت زوجة له، فطلقها، وقع عليه الطلاقُ. فلو طلقها قبل الدخول طلقة ثم طلقها، لم يلحقها؛ لأنها خرجت عن الزوجية، فلو أنه عاد فتزوجها ثم طلقها، لحقها طلقة، فدل (على أن العلة فيها) ما ذكرت، وليس في دعوى علتك مثل هذا الدليل. وأما إنكاره لمعنى الفروع، فلا يصح لوجهين: أحدهما، أن عنده أن الطلاق لا يفيد أكثر من نقصان العدة، ولا يزيل الملك، فهذا لا يتعلق به تحريم الوطءِ، ومن المحال أن يكون العقد مرتفعاً ويحل له وطؤها. والثاني، أني أبطل هذا عليه، بأنه لو كان قد ارتفع العقد، لوجب أن لا يستبيح وطئها إلا بنكاح، ولما أجمعنا أنه يستبيح وطئها من غير عقد لأحد، دل على أن العقد باقٍ، وأن الزوجية ثابتة. فتكلم الشيخ أبو الحسين على الفصل الأول، بأن قال: أما قولك إني مطالب بالدلالة على صحة العلة. فلا يصح، والجمعُ بين المطالبة بصحة العلة، وعدم التأثير تناقضٌ، وذلك أن العلة إما أن تكون مقطوعاً بكونها مؤثرة، فلا يحتاج فيها إلى الدلالة على صحتها، ولا المطالبة، أو مقطوعاً بأنها غير مؤثرة، فلا يجوز المطالبة فيها أيضاً بالدلالة على صحتها؛ لأن ما يدل على صحتها يدل على كونها مؤثرة، فلا يجوز أن يرد الشرع بتعليق حكم على ما لا تأثير له في المعاني، وإنما ورد الشرع بتعليق الحكم على المعاني المُؤثرة في الحكم، وإذا كانت الصورة على هذا يجوز أن يقال: هذا لا تأثير له، ولكن دل على صحته لو كانت العلة مشكوكاً في كونها مؤثرة في الحكم لم يجز القطع على أنها غير مؤثرة، وقد قطع القاضي بأن هذه العلة غير مؤثرة، فبان بهذه الجملة، أنه لا يجوز أن يعترض عليها من جهة عدم التأثير، ويحكم بفسادها، ليتنبه، ثم يطالبني مع هذا بتصحيحها؛ لأن ذلك طلب محال جداً.

وأما ما ذكرت من علة الربا، فهو استشهاد صحيح، وما ذكر من ذلك حجة علي؛ لأن كل من ادعى علة في الربا) دلَّ على صحتها، فيجب أن يكون هاهنا مثله. فلا يلزم؛ لأني أمتنع من الدلالة على صحة العلة، بل أقول: إن كل علة ادعاها المسئول في مسألة من مسائل الخلاف، فطولب بالدلالة على صحتها لزمه إقامة الدليل عليها، وإنما امتنع أن يجعل الطريق المسئول لها وجود الحكم مع عدمه، (وأنه لا يعم) جميع المواضع التي بين فيها ذلم الحكم، وهو أبقاه الله تعالى، جعل المفسد لهذه العلة وجود نفوذ الطلاق مع عدم العلة، وذلك غير جائز، كما قلنا في علة الربا في الأعيان الأربعة، إنها تفقد ويبقى الحكم. وأما إذا طالبتني بتصحيح العلة، واقتصرت على ذلك، فإني أدل عليها، كما أدل على صحة العلة التي ادعيتها في مسألة الربا. وأما الفصل الثاني، وهو الدلالة على صحة العلة، فإن القاضي، أيده الله، تعلق من كلامي بطرفه، ولم يتعرض لمقصوده، وذلك أني قلت: إن الأصول كلها معللة، وإن هذا الأصل مُعلل بالإجماع بيني وبينه، وإنما الاختلافُ في غير العلة، فيجب أن يكون ما ذكرناه هو العلة؛ لأنها تتعدى، فترك الكلام على هذا كله، وأخذ يتكلم في أن من الأصول ما لا يعلل، وأنه لا خلاف فيه، وهذا لا يصح؛ لأنه لا خلاف أن الأصول كلها [معللة] ، وإن كان في هذا خلاف فأنا أدل عليه. والدليل عليه، هو أن الظواهر الواردة في جواز القياس مطلقة، وذلك كقوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الأَبْصَار) ، وكقوله صلى الله عليه وسلم، " إذا اجتهدَ الحاكمُ فَأَصابَ، فله أجرَانِ، فإن اجْتَهَدَ فأَخْطَأَ فله أجر ". وعلى أني خرجتُ من عهده بأن قلت: إن الأصل الذي تنازغنا عليه يعلل بالإجماع، فلا يضرني مخالفة من خالفه في سائر الأُصول. وأما المعارضة؛ فإنه لا يجوز أن يكون المعنى في الأصل ما ذكرت من ذلك النكاح، ووجود الزوجية؛ يدل على ذلك أن هذا المعنى موجود في الصبي والمجنون، ولا ينفذ طلاقهما، فثبت أن ذلك ليس بعلة، وإنما العلة ملك إيقاع الطلاق، مع وجود محل موقعه، وهذا المعنى موجود في المختلعة، فيجب أن يلحقا. وأما معنى الفرع، فلا أسلمه. وأما ما ذكرت من إباحة الوطء، فلا يصح؛ لأنه يطؤها وهي زوجة، لأنه يجوز له مراجعتها بالفعل، فإذا ابتدأ المباشرة حصلت الرجعة، فصادفها الوطء وهي زوجة. وأما أن يبيح وطئها، وهي خارج عن الزوجية، فلا. وأما قوله: لو كان قد ارتفع العقد لوجب أن لا يستبيحها من غير عقد، كما قال أصحابنا فيمن باع عصيراً، فصار في يد البائع خمراً، ثم تخلل: إن البيع يعود بعد ما ارتفع. وعلى أصلكم، إذا رهن عصيراً فصار خمراً، ارتفع الرهن، فإذا تخلل عاد الرهن، وكذلك هاهنا مثله. فتكلم القاضي أبو الطيب على الفصل الأول، بأن قال: ليس في الجمع بين المططالبة بالدليل على صحة العلة، وبين عدم التأثير مناقضة؛ وذلك أني إذا رأيت الحكم ثبت مع وجود هذه العلة، ومع عدمها، على وجه واحد، كان الظاهر أن هذا ليس بعلةٍ للحكم، إلا أن يظهر دليل على أنه علة، فنصير إليه. وهذا كما تقول في القياس: إنه دليل على الأحكام، إلا أن يعارضه ما هو أقوى منه فيجب تركه، وكذلك خبر الواحد دليل في الظاهر، يجب المصير إليه، إلا أن يظهر ما هو أقوى منه، فيجبُ تركه؛ من نص قرآن، أو خبر متواتر، فيجب المصير إليه. كذلك ها هنا، الظاهر بما ذكرته أنه دليل على ذلك، ليس بعلة، إلا أن تقيم دليلاً على صحته، فنصير إليه. وأما علة الربا، فقد عاد الكلام إلى هذا الفصل الذي ذكرت، وقد تكلمت بما يغني عن إعادته. وأما الفصل الثاني، فقد تكلمت على (ما سمعت) ، من كلام الشيخ الجليل، أيده الله تعالى، وهو أنه قال: الأصول كلها معللة. وأما هذه الزيادة (فالآن سمعتها) ، وأنا أتكلم على الجميع. وأما دليلك على أن الأصول كلها معللة، فلا يصح؛ لأن الظواهر التي وردت في جواب القياس كلها حجة عليك، لأنها وردت بالأمر بالاجتهاد، فما دل عليه الدليل فهو حجة يجب الحكم بها، وذلك لا يقتضي أن كل أصل معلل.

وأما قولك: إن هذا الأصل مجمع على تعليله، وقد اتفقنا على أن العلة فيه أحدى المغنيين؛ أما المعنى الذي ذكرته، (وإما المعنى الذي ذكرته) ، وأحدهما يتعدى، والآخر لا يتعدى، فيجب أن تكون العلة فيها ما يتعدى. فلا يصح؛ لأن اتفاقي معك على أن العلة أحد المعنيين لا يكفي في الدلالة على صحة العلة، وأن الحكم تعلق بهذا المعنى؛ لأن اجتماعنا ليس بحجة، لأنه يجوز الخطأ علينا، وإنما تقوم الحجة بما يقع عليه اتفاق الأمة، التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعصمتها. وأما قولك: إن علتي متعدية. فلا تصح، لأن التعدي إنما يذكر لترجيح إحدى العلتين على الأخرى، وفي ذلك نظر عندي أيضاً، وأما أن يستدل بالتعدي على صحة العلة فلا، ولهذا لم نحتج نحن وإياكم على مالك في علة الربا، فإن علتنا تتعدى إلى ما لا تتعدى علته، ولا ذكر أحد في تصحيح علة الربا ذلك، فلا يجوز الاستدلال. وأما فضل المعارضة، فإن العلة في الأصل ما ذكرت. وأما الصبي والمجنون، فلا يلزمان؛ لأن التعليل واقع، لكونهما محلا لوقوع الطلاق، ويجوز أن يلحقهما الطلاق، وليس التعليل للوجوب، فيلزم عليه المجنون والصبي. وهذا كما يقال: إن القتل علة إيجاب القصاص، ثم نحن نعلم أن الصبي لا يستوفى منه القصاص حتى يبلغ، وامتناع استيفائه من الصبي والمجنون لا يدل على أن القتل ليس بعلة لإيجاب القصاص. كذلك ها هنا، يجب أن تكون العلة في الرجعية كونها زوجة، وإن كان لا يلحقها الطلاق من جهة الصبي؛ لأن هذا إن لزمني على اعتبار الزوجية، لزمك على اعتبار الاعتداد؛ لأنك جعلت العلة في وقوع الطلاق كونها معتدة، وهذا المعنى موجود في حق الصبي والمجنون، فلا ينفذ طلاقهما، ثم لا يدل ذلك أن ذلك ليس بعلة، وكل جواب له عن الصبي والمجنون في اعتباره العدة فهو جوابنا في اعتبار الزوجية. وأما علة الفرع، فصحيحة أيضاً، وإنكارك لها لا يصح، لما ثبت أن من أصلك أن الطلاق لا يفيد أكثر من نقصان العدد، والذي يدل عليه جواز وطء الزوجية، وما زعمت من أن الرجعية تصح منه بالمباشرة غلط؛ لأنه لا يبتدئ بمباشرتها وهي أجنبية، فكان يجب أن يكون ذلك محرماً، ويكون تحريمه تحريم الزنا، كما قال صلى الله عليه وسلم: " العينان تزنيان، واليدان تزنيان، ويُصدِّق ذلك الفرج "، ولما قُلتُم: إنه يجوز أن يقدم على مباشرتها. دل على أنها باقية على الزوجية. وأما ما ذكرت من مسألة العصير فلا يلزم أن العقود كلها لا تعود معقودة إلا بعقد جديد. يبين صحة هذا البيع والإجارات، والصلح، والشركة، والمضاربات، وسائر العقود، فإذا كانت عامة العقود على ما ذكرناه، من أنها إذا ارتفعت لم تعد إلا باستئناف أمثالها، لم يجز إبطال هذا بمسألة شاذة عن الأصول. وهذا كما قلت لأبي عبد الله الجرجاني، وقد فرقت بين إزالة النجاسة والوضوء، بأن إزالة النجاسة طريقها التروك، والتروك موضوعة على أنها لا تفتقر إلى النية كترك الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وغير ذلك، وألزمني على ذلك الصوم، فقلت له: غالبُ التروك وعامتها موضوعة على ما ذكرت، فإذا اشتد منها واحد لم ينتقض به غالب الأصول، ووجب رد المُختلف فيه إلى ما شهد له عامة الأصول وغالبها، لأنه أقوى في الظن. وعلى أن من أصحابنا من قال: إن العقد لا ينفسخ في الرهن، بل هو موقوف مراعى، فعلى هذا لا أسلمه، ولأن أصل أبي حنيفة أن العقد لا يزول، والملك لا يرتفع. فتكلم الشيخ أبو الحسين على الفصل الأول، بأن قال: قد ثبت أن الجمع بين المطالبة بتصحيح العلة وعدم التأثير، غير جائز. وأما ما ذكرت، من أن هذا دليل، ما لم يظهر ما هو أقوى منه، كما نقول في القياس، وخبر الواحد، فلا يصح، وذلك أنا لا نقول: إن كل قياس دليل وحجة، فإذا حصل القياس في بعض المواضع يعارضه إجماع لم نقل إن ذلك قياس صحيح، بل نقول: هو قياس باطل، وكذلك لا نقول: إن ذلك الخبر حجة ودليل. فأما القاضي، أيده الله تعالى، فقد قطع في هذا الموضع، بأن هذا لا تأثير له، فلا يصح مطالبته بالدليل على صحة العلة. وأما الفصل الآخر، وهو الدلالة على أن الأصول معللة فقد أعاد فيه ما ذكره أولاً، من ورود الظواهر، ولم يرد عليه شيئاً يُحكى. وأما قولك: إن إجماعي وإياه ليس بحجة، فإني لم أذكره لأني جعلته حجة، وإنما ذكرته اتفاقياً، لقطع المنازعة.

295 - أحمد بن محمد بن أحمد بن حمزة بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن قارب بن الأسود بن مسعود أبو الحسين، قاضي الكوفة، الثقفي

وأما فصل التعدي فصحيح، وذلك أني ذكرت في الأصل علة متعدية، ولا خلاف أن المتعدية يجوز أن تكون علة، وعارضني، أيده الله تعالى، بعلة غي متعدية، وعندي أن الواقعة ليست بعلة، وعنده أن المتعدية أولى من الواقعة، فلا يجوز أن يُعارضني بها، وذلك يوجب بقاء علتي على صحتها. وأما المعارضة فإن قولك: إن التعليل للجواز، كما قلنا في القصاص. فلا يصح؛ لأنه إذا كان علة ملك إيقاع الطلاق ملك النكاح، وقد علمنا أن ملك الصبي ثابت، وجب إيقاع طلاقه، فإذا لم يقع دل على أن ذلك ليس بعلة. وأما القصاص فلا يلزم؛ لأن هناك لما ثبت له القصاص، وكان العقل هو العلة في وجوده (جاز أن يستوفى له القصاص) . وأما قوله: إن هذا يلزم على علتي. فليس كذلك، لأني قلت: معتدة من طلاق، " فلا يتصور أن يطلق الصبي، فتكون امرأته معتدة من طلاق ". فألزمه القاضي، المجنون إذا طلق امرأته. انتهت المناظرة، نقلاً من " طبقات الشافعية الكبرى " لابن السبكي، من نسخة تحتاج إلى التصحيح. والله أعلم. 295 - أحمد بن محمد بن أحمد بن حمزة بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن قارب بن الأسود بن مسعود أبو الحسين، قاضي الكوفة، الثقفي هكذا ساقه ابن النجار. وقال: جده الأسود هو عروة بن مسعود. مولده، يعني مولد أحمد، سنة ثلاثين وأربعمائة. وقيل: سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة. تفقه على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني. وسمع بالكوفة، أبا طاهر محمد بن محمد بن الحسين الصباغ القرشي، وغيره. وروى عنه من أهل بغداد؛ عبد الوهاب الأنماطي، وأبو الحسن محمد بن المبارك بن الخل الفقيه. ذكره أبو سعد، في " ذيله "، وقال: دخل بغداد في حال شبيبته. وتفقه على الدامغاني. وحصل له بالكوفة وجاهة، وتقدم، حتى ولي القضاء بها. قال: وسألت الأنماطي عنه، فأثنى عليه، وقال: كان خيراً، ثقة. ثم ورد بغداد أخيراً، بعد علو سنه، وحدث بها. وكانت وفاته في سادس رجب، سنة سبع وتسعين وأربعمائة. وقيل: سنة خمس وتسعين. رحمه الله. 296 - أحمد بن محمد بن أحمد بن شُجاع أبو نصر الصفار، البخاري قدم بغداد حاجا، فروى بها عن خلف بن محمد الختام كتاب " العين " لعيسى بن موسى غُنجار، وغير ذلك. ورجع من الحج في صفر، سنة سبع وسبعين وثلاثمائة. وذكره الخطيبُ في " تاريخه ". وروى بسنده إليه، إلى إسحاق بن إبراهيم القاضي، أنه قال: كان رجل من أهل مرو يُكنى بأبي زرارة، وكان ولد بالبصرة، ونشأ بها، فقدم مرو، وكان يوجه في الوفود إلى ولاة خُراسان، فجاء يوماً، فاستقبله الأمير، فقالوا: تنح عن الطريق. فقال: الطريقُ بين المسلمين. فسمع بذلك الأمير، فقال: من هذا؟ فقالوا: رجل من أوساط الناس. قفأمر أن يُضرب خمسمائة سوط، ويقطع لسانه. وكان من موالي خزاعة، فقاموا إليه حتى خلصوه. فقال أبو زرارة، رحمه الله تعالى: لِسلنُ المَرْءِ يكْسِرُ ما ضِغَيْهِ ... إذا يَهْفُو ويُرْمى بالحِجَارَه فَلا تَتَعَرَّضَنَّ لِشَتْمِ والٍ ... أمالَك عِبْرةٌ بأبِي زُرارَهْ 297 - أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الرِّيغذموني أبو نصر، الملقب جمال الدين أستاذ الإمام العقيلي. تقدم جده أحمد بن عبد الرحمن. ويأتي جد أبيه عبد الرحمن بن إسحاق إن شاء الله تعالى. 298 - أحمد بن محمد بن أحمد بن مُسْكان، أبو نصر النيسابوري الجد، الحنفي ذكره في " تاريخ الإسلام "، فيمن توفى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. وقال: ولد سنة نيف وعشرين. وسمع بعد الثلاثين وثلاثمائة، من جماعة؛ منهم: الأصم. قال أبو صالح المؤذن: سمعت منه، وكان يغلط في حديثه، ويأتي بما لا يُتابع عليه. قال عبد الغفار: وضاعت كتبه، فاقتصر على الرواية عن الأصم، فمن بعده. وهو جد شيخنا القاضي أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله. توفي في ربيع الآخر. روى عنه حفيده شيخنا. وقد أهمله في " الجواهر ". انتهى. 299 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف ابن إسماعيل بن شاه، أبو بكر الزاهد ابن أبي عبد الله الإمام بن الإمام، من بيت العلم والفضل. تفقه على والده.

300 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمود، أبو الحسين بن أبي جعفر، السمناني

وسمع الحديث من الخليل بن أحمد القاضي السجزي الحنفي. سمع منه ابنه محمد بن أحمد، وواصل بن حمزة. قال أبو سعد: كان من أهل العلم والزهد، ويقول الشعر. وقال ابن ماكولا: أحد الفضلاء المتقدمين في الأدب، وفي علم التصوف، والكلام على طريقتهم، وله كرامات مشهورة. وله شعر كثير جيد، فيه معان حسنة مستكثرة. ورأيت له " ديوان شعر " أكثره بخط تلميذه ابن سينا الفيلسوف. مات في المحرم، سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وصلى عليه الإمام أبو بكر بن الفضل البُخاري، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وذكره الذهبي فقال: كان صدراً، إماماً، وكان زاهداً، مليح التصانيف. وله النظم والنثر، وديوانه مشهور، ويذكر عنه كرامات. يروى عن أبي بكر محمد (بن الفضل) . 300 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمود، أبو الحسين بن أبي جعفر، السمناني بكسر السين المهملة وسكون الميم، وفتح النون، وفي آخرها نون أخرى؛ نسبة إلى سمنان العراق. مولده بسمنان، في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة. تفقه على والده. وسمع منه أبو الفتوح عبد الغافر بن الحسين الألمعي الكاشغري. وروى عنه أبو محمد يحيى بن علي بن محمد بن الطراح، وأبو المعالي عبد الخالق بن عبد الصمد بن علي النحاس، وأبو البدر إبراهيم بن محمد بن منصور الكرخي، وأبو منصور بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز. ذكره الخطيب، في " تاريخه ". وقال: كتبت عنه شيئاً يسيراً، وكان صدوقاً. تقلد القضاء بباب الطاق، وتولى قطعة من السواد. وأخرج له، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: ربما انقطع شسع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيمشي في نعل حتى يصلح الأخرى. وذكره السمعاني، في " ذيله " فقال: قرأ على أبيه أبي جعفر طرفاً من الكلام، والفروع على مذهب أبي حنيفة. وصاهره قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني على ابنته، وولاه نيابة القضاء بنواح على شاطئ دجلة والفرات. وكان كبيراً، نبيلاً، وقوراً، جليلاً، حسن الخلق والخَلْق، متواضعاً، من ذوي الهيئات. قال: وقرأت بخط أبي الفضل ابن خيرون: كان (ثقة، جيد الأصول) . وتوفي في يوم الاثنين، العشرين من جمادى الأول، سنة ست وستين وأربعمائة، ودفن يوم الثلاثاء. وقال غيره: ودفن في داره شهراً، ثم نقل منها إلى تربة بشارع المنصور، ثم نقل منها إلى تربة بالخيزرانية. رحمه الله تعالى. 301 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمود بن نصر النسفي، المايمرغي بفتح الميم وسكون الألف والياء المثناة من تحت، وفتح الميم الثانية، وسكون الراء، وكسر االغين المعجمة، نسبة إلى ما يمرغ، وهي من المُشترك، يأتي ذكرها مُفصلاً في الأنساب، إن شاء الله تعالى. وكان أحمد هذا إماماً مشهوراً. تفقه على أبيه، الإمام المشهور أيضاً، الآتي ذكره في محله، إن شاء الله تعالى. 302 - أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى، أبو النصر الأنماطي، الحفيد، النيسابوري قال الحاكم في " تاريخ نيسابور ": ما علمتُ في أصحاب أبي أكثر سماعاً للحديث منه. توفي سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 303 - أحمد بن محمد بن أحمد، أبو الفتح الخُلمي ذكره السمعاني بالخاء المعجمة. وقال: نسبة إلى خلم، وهي بلدة على عشر فراسخ من بلخ. مولده في شهر ربيع الأول، سنة سبعين وأربعمائة. وأقام ببخارى مدة يتفقه. وسمع بها القاضي أبا اليسر محمد بن محمد بن الحسين البردوي، وأبا المعين ميمون بن محمد بن محمد النسفي، والسيد أبا إبراهيم إسماعيل بن محمد بن الحسن بن الحسين، وكتب عنهم إملاء. وسمع ببغداد. ذكره أبو سعد، في " ذيله "، وقال: كان صالحاً، ساكناً، وكان ينوب عن القاضي في بعض الأوقات. ورد بغداد حاجاً، سنة سبع عشرة وخمسمائة، وسمع بها. قال: ولقيته ببلخ، ونفذ إلى مجلداً ضخماً مما كتب بخط يده، من أمالي الأئمة المذكورين. وتوفي يوم الأربعاء، الحادي والعشرين من صفر، سنة سبع وأربعين وخمسمائة. رحمه الله تعالى. 304 - أحمد بن محمد بن أحمد العقيلي، الأنصاري البُخاري، العلامة، شمس الدين كان شيخاً، عالماً، ثبتاً. روى عن جده لأمه الإمام العلامة شرف الدين عمر بن محمد بن عمر العقيلي، وتفقه عليه.

305 - أحمد بن محمد بن إسحاق بن الفضل أبو علي البزاز النيسابوري

وكان مخصوصاً بشرح " الجامع الصغير " لمحمد بن الحسن، ونظمه نظماً حسناً. ومات ببخارى، في الخامس من شهر رمضان، سنة سبع وخمسين وستمائة. رحمه الله تعالى. 305 - أحمد بن محمد بن إسحاق بن الفضل أبو علي البزاز النيسابوري حدث عنه القاضيان؛ أبو العلاء الواسطي، وأبو القاسم التنوخي. وذكره الخطيب في " تاريخه "، وقال: قدم بغداد حاجاً، وكان ثقة. وجحدثني التنوخي، قال: أبو علي النيسابوري أحمد بن محمد، شيخ، ثقة، فقيه على مذهب أبي حنيفة. قدم علينا حاجاً بعد عوده في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. ومات بنيسابور، في يوم الجمعة، الثامن من شهر ربيع الآخر، سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 306 - أحمد بن محمد بن إسحاق، أبو الفضل الكلاباذي، القاضي قاضي بُخارى، يعرف بالخراص روى عن علي بن موسى القمي. ذكره ابن ماكولا، وقال: تُوفي في رجب، سنة خمسين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 307 - أحمد بن محمد بن إسحاق أبو علي الشاشي سكن بغداد، ودرس بها. قال الخطيب: حدثني القاضي أبو عبد الله الصيمري، قال: صار التدريس بعد أبي الحسن الكرخي إلى أصحابه؛ فمنهم: أبو علي الشاشي، وكان شيخ الجماعة. وكان أبو الحسن جعل التدريس له حين فلج، والفتوى إلى أبي بكر الدامغاني. وكان يقولل: ما جاءنا أحفظ من أبي علي. قال الصيمري: وتوفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة. وحدث القاضي أبو محمد النعمان، قال: حضرتُ أبا علي الشاشي في مجلس إملائه، وقد جاءه أبو جعفر الهندواني، فسلم عليه، وأخذ يمتحنه " في مسائل " الأصول، وكان أبو علي الشاشي عارفاً بها، فلما فرغ امتحن أبو علي أبا جعفر بشيءٍ من مسائل النوادر، فلم يحفظها، فكان ذلك سبب حفظ الهندواني للنوادر. وقال لأبي علي: جئتُك زائراً لا متكلماً. تُوفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 308 - أحمد بن محمد بن أبي بكر الأخسيكثي أبو نصر، الإمام، جمال الدين ولد في ذي القعدة، سنة إحدى عشرة وستمائة. ومات في ثالث شوال، سنة تسعين وستمائة. رحمه الله تعالى. 309 - أحمد بن محمد بن بكر بن خالد بن يزيد أبو العباس المعروف بالقصير، وهو لقب لوالده محمد بن بكر، وكان أبوه محمد مشهوراً بكاتب أبي يوسف القاضي. روى عن أبيه، وعن غيره. وروى عنه محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، وموسى بن هارون الحافظ، ومحمد بن مخلد، وأبو عبد الله الحكيمي، وأبو عمرو بن السماك. وكان ثقة. مات يوم السبت، لسبع خلون من شهر ربيع الأول، سنة أربع وثمانين ومائتين. رحمه الله تعالى. 310 - أ؛ مد بن محمد بن حامد، أبو الحسن، بن أبي العباس القطان، النيسابوري مولده سنة خمس عشرة وثلاثمائة. سمع أبا حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال، وأقرانه. قال الحاكم، في " تاريخ نَيسابور ": كان من كبار الفقهاء لأصحاب أبي حنيفة، من المشهورين المقبولين، وما أراه حدث. توفي سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 311 - أحمد بن محمد بن حامد بن هاشم أبو بكر الطواويسيس روى عن محمد بن نصر المروزي، وعبد الله بن شيرويه النيسابوري، وغيرهما. روى عنه نصر بن محمد بن غريب الشاشي، وأحمد بن عبد الله بن إدريس، خال الإدريسي الحافظ. وتوفي في الحمام، سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، بسمرقند. رحمه الله تعالى. 312 - أحمد بن محمد بن الحسن الاستراباذي تفقه على علي بن أبي طالب بن أبي العلاء، وروى عنه. تفقه عليه أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الثلجي. رحمه الله تعالى. 313 - أحمد بن محمد بن حسين بن إبراهيم ابن سليمان الأديب البارع، شهاب الدين، المعروف بابن مُبارك شاه، وهو لقب والده. ولد يوم الجمعة، عاشر شهر ربيع الأول، سنة ست وثمانمائة. واشتغل بأنواع العلوم، على العلامة ابن الهمام، وابن الديري، وغيرهما. وتفنن، وبرع، وتميز، وجمع مجاميع، وعلق تعاليق. مات في شهر ربيع الأول، سنة اثنتين وستين وثمانمائة. وله مصنفات؛ منها: " كتاب في مناقب الإمام أبي الليث " وجمع " التذكرة " المنسوبة إليه، وتعانى نظم الشعر.

314 - أحمد بن محمد بن الحسين بن داود بن علي بن عيسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، أبو الفضل ابن أبي علي الحسيني

ومن نظمه قوله: لي في القناعةِ كنزٌ لا نَفَاذَ له ... وعِزَّةٌ أَوْطَأَتْنِي جَبْهَةَ الأسدِ أُمسِي وأُصْبِحُ لا مُسْتَرْفِداً أحَداً ... ولا ضَنِيناً بَميسُوري على أحدِ وكتب إلى الشريف صلاح الدين الأسيوطي، يطارحه في كريم، فقال: تَجَاسَرَ العبدُ حَسْبَ الإذْنِ مِنْكَ له ... وراحَ مِنْ شَيْخِه بالسَّعْدِ مَقْرُونَا مَلَكْتَ رِقِّي بما أسديتَ مِنْ كَرَمٍ ... إذ كنتُ عَبْداً رَقِيقاً صِرْتُ مَأْذُونا يُقبل الأرض التي مدت آمالنا بسماحتها يد الأطماع، ويُنهي أنه تمسك بقوة الطباع. وقال: يا إماماً أنتَ شَرَّفْ ... تَ المعاني والمَعالِي لك وَصْفٌ في الأحاجِي ... قد أتى مثل الغزالِ فأجابه الشريفُ: تأمَّلَ الطَّرْفُ ما أَهْدَيْتَ مِن أمَلِ ... أظهرتَه بعدَما قد كان مَخْزُونَا وقَدْ أَجَبْتُ ولم أمْنَحْكَ جائزةً ... بِذَا رَضِيت وما قدَّمْتُ مَوْزُونَا وبعد، فقد وقفت على ما شنف الأسماع، وامتثلت المرسوم المُطاع، وطارحتُ بميسور المُستطاع. فقلتُ: راقَ لي ما جئتَ فيه ... بكلامٍ كاللآلِي فُقْتَ إذْ جَوَّدْتَ نَظْماً مُنْتَقَّى جادَ بِمَالِ ومن شعر ابن مبارك شاه، يمدح الحافظ ابن حجر، ويذكر ختمة " البخاري "، قوله من قصيدة: أَتُبْرِزُ خَدًّا لِلمُقْبِّلِ أم يَدَا ... وتَعْطِفُ قَدَّا لِلمُعانِقِ أَمْيَدَا وتُسْبِلُ فَرْعاً طال سُهْدِي بلَيْلِهِ ... وتُطْلِعُ من فَرْقِ الغزالة فَرْقَدا فَدَيْتُكَ لا أَخْشَى الضَّلالَ بِفَرْعِهَا ... وقد لاحَ فرقٌ للضلالِ من الهُدى ومن عَجَبٍ أني خليعُ صَبابةٍ ... وشَوْقِي إليها لا يزالُ مُجَدَّدَا وأَعْجَبُ من ذا أنَّ لِينَ قَوامِها ... تَثَنَّى بجَمْعِ الحُسْنِ يخطِرُ مُفْردا لَها سيفُ لَحْظٍ فوقَ دينار وَجْنَةٍ ... فيا خَوْفَ قلبٍ قد رآه مُجردا ولحظٌ غدَا في السِّحر فتنةَ عاشِقٍ ... يُخيَّل من حَبْلِ الذؤابِ أَسْودا ومُذْ قُلْتُ إنَّ الوَجْهَ لِلحُسْنِ جامعٌ ... غَدَا الطَّرْفُ في مِحرابه مُترددا ولِمْ لا يكون الوجه قِبْلَةَ عاشقٍ ... إذا ما جَلا رُكناً من الخال أسْودا فيا لَهْفَ قلبي وهي تقليه في لظى ... على قَبَس مِنْ خَدِّها قد تَوَقَّدَ ومَجْنُونِ طَرْفٍ في شَبَابِيكِ هُدْبِهِ ... بِسِلْسِلَةٍ مِنْ دَمْعِهِ قَدْ تَقَيَّدَّا وَلَوْ لِلاَّحِى بَديعُ جَمالِها ... لَما راحَ فيه اليوم يَلْحِى ولا غَدَا لَها طَلْعَةٌ أَبْهَى من الشمسِ بَهْجَةً ... كأنَّ شِهابَ الدِّين في وَجْهِها بَدَا منها في المديح: وكَمْ رُمْتُ محمودَ الأيادِي فلم أجدْ ... بِعَصْرِي رئيساً غيرَ أحمدَ أَحْمدا ومن شعره أيضاً: وَوَحْيِ غَرامٍ في الأحادث بَيْنَنا يَطُولُ على العُشَّاقِ فهم بما حَوَوْا وروا حديثَ الخال عن ماء وجْنةٍ ... بكلِّ حديثٍ في المحاسِنِ أوْرَوَوْا ومنه أيضاً: إن النِساءَ نساءَ مِصْ ... ر قَدْ جُبِلْنَ على الخِيانة إن قيلَ هل عُدِمُ الْوَفَا ... فِيهِنَّ قُلْ إي والأمانة ومنه أيضاً: يا أيُها العُشَّاقُ قُولُوا لِمَنْ ... قد جاءكُم يَسْأَلُ أو يَهْتَدِي أَجيدٌ إتْلافُ رُوح امْرِئ ... على مَليحٍ في الهوى أمْ ردِى 314 - أحمد بن محمد بن الحسين بن داود بن علي بن عيسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، أبو الفضل ابن أبي علي الحُسيني سمع الحديث بنيسابور، والعراق، ومكة. حدَّث عن أبي الحسن العلوي، وعن عمه السيد أبي الحسن الحسيني.

315 - أحمد بن محمد بن حمزة بن الثقفي

ذكره الفارسي، في " السياق "، وقال: السيد السيد العالم، أبو الفضل بن أبي علي " الأديب "، الزاهد، المقري، حسن الأخلاق مع حشمة. تفقه على مذهب أبي حنيفة، وكان له الدرس، ومجلس النظر. وهو أفضل أهل بيته، عديم النظير في العلوية. مات في ذي الحجة، سنة ثمان وأربعين وأربعمائة. رحمه الله تعالى. 315 - أحمد بن محمد بن حمزة بن الثقفي والد عبد الواحد، الآتي ذكره في محله. رحمهما الله تعالى. 316 - أحمد بن محمد بن داود أبي الفهم القحطاني، التنوخي أخو القاضي أبي القاسم علي محمد بن أبي الفهم. تفقه على أبي الحسن الكرخي. وقرأ " أدب القاضي " عليه، وعلقه عنه ببغداد. ثم سار إلى أخيه، في سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وهو بالبصرة، فاستابه بتستر وأعمالها، فأقام بها. وكان من أصحاب الحديث، حافظاً للقرآن، يعرف شيئاً من تفسيره، ويتكلم على المتشابه والمشكل. رحمه الله تعالى. 317 - أحمد بن محمد بن داود الأفشنجي تفقه مع أخيه محمود، على محمد بن أحمد بن عبد المجيد القرنبي. وسيأتي ذكر محمود في محله، إن شاء الله تعالى. 318 - أحمد بن محمد بن سعيد، أبو نصر النسفي روى عن أبي علي محمد بن محمد بن الحارث الحافظ السمرقندي، وغيره. ذكره الحافظ أبو سعد الإدريسي، في " تاريخ سمرقند ". وقال: كان من الفقهاء على مذهب أبي حنيفة، وكان يتهم بمذهب الاعتزال. كتبنا عنه. ومات في شهر ربيع الأول، سنة أربع وسبعين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 319 - أحمد بن محمد بن سماعة تفقه على والده، وتخرج به. وكان من أهل الدين، والعلم، والعمل، قريب الشبه بأبيه، عفيفاً في نفسه. وولى القضاء بمدينة المنصور، وكان محمود السيرة. ولم يزل قاضياً إلى أن صرف بإبراهيم بن إسحاق بن أبي العنبس الزهري الكوفي. توفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين. رحمه الله تعالى. 320 - أحمد بن محمد بن سهل أبو الحسن ابن سهلويه المُزكي ابن بنت أبي يحيى زكريا ابن يحيى النيسابوري سمع بنيسابور أحمد بن محمد بن نصر، وأبا عبد الله البوشنجي، وأقرانهما. وبالعراق ابا مسلم الكجي، وأرقانه. ذكره الحاكم، في " تاريخ نيسابور ". وقال: كان شيخ أصحاب أبي حنيفة في عصره. امتنع عن التحديث إلا بأحاديث يسيرة. توفي يوم الأربعاء، لخمس خلون من شوال، سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، وهو ابن خمس وتسعين سنة. رحمه الله تعالى. 321 - أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن سليم بن سليمان ابن حباب الأزدي الحجري المصري أبو جعفر، الطحاوي الإمام، الفقيه، الحافظ، المحدث. صاحب التصانيف الفائقة، والأقوال الرائقة، والعلوم الغزيرة، والمناقب الكثيرة. سمع هارون بن سعيد الإربيلي، وأبا حازم القاضي، وغيرهما. وتصانيفه تطفح بذكر شيوخه، وكثرة من روى عنه، وأخذ منه، وقد جمعهم بعضُ الأفاضل في " جُزْءِ " مُستقل. وروى عنه خلقٌ كثير منهم: أبو محمد عبد العزيز بن محمد التميمي الجوهري، قاضي الصعيد، وأحمد بن القاسم بن عبد الله البغدادي المعروف بابن الخشاب الحافظ، وأبو بكر مكي بن أحمد بن سعدويه البردعي، وابو القاسم سلمة بن القاسم بن إبراهيم القرظي، وأبو القاسم عبيد الله بن علي الداؤودي القاضي، شيخُ أهل الظاهر في عصره، والحسن بن القاسم بن عبد الرحمن أبو محمد الفقيه المصري، والقاضي الكبير ابن أبي العوام، وأبو الحسن محمد بن أحمد الإخميمي، (وأبو بكر محمد بن إبراهيم علي المقري الحافظ، وسمع منه كتابه " معاني الآثار "، وابنه أبو الحسن علي بن أحمد الطحاوي، وأبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، صاحب " المعجم "، وأبو سعيد عبد الرحمن بن يونس المصري الحافظ، وأبو بكر محمد بن جعفر بن الحسين البغدادي المفيد الحافظ المعروف بغندر، وميمون بن حمزة العُبيدلي، روى عنه " العقيدة ". وقد جمع بعضهم من روى عنه في " جزء " مُستقل. وكان ثقة، ثبتاً، نبيلاً، انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة في زمنه، ولم يخلف بعده مثله. قال أبو عمر بن عبد البر: كان الطحاوي كوفي المذهب، وكان عالماً بجميع مذاهب الفقهاء.

322 - أحمد بن محمد بن شجاع، أبو أيوب الثلجي، بالثاء المثلثة

ورُوى أنه كان شافعي المذهب، وأنه كان يقرأ على المزني، فقال له يوماً: والله لا جاء منك شيء. فغضب أبو جعفر من ذلك، وانتقل إلى أبي جعفر بن أبي عمران الحنفي، فاشتغل عليه، وعلى القاضي أبي حازم. فلما صنف " مختصره "، قال: رحم الله أبا إبراهيم، يعني الُمزني، لو كان حياً لكفر عن يمينه. وذكر أبو يعلى الحنبلي، في كتاب " الإرشاد " في ترجمة المُزني، أن الطحاوي المذكور كان ابن أخت المُزني، وأن محمد بن أحمد الشروطي، قال: قلت للطحاوي: لم خالفت خالك، واخترت مذهب أبي حنيفة؟ فقال: لأني كنت أرى خالي يديم النظر في كتب أبي حنيفة، فلذلك انتقلت إليه. انتهى. قلتُ: هذا هو الأليق بشأن هذا الإمام، والأحرى به، وأنه لم ينتقل من مذهب إلى مذهب بمجرد الغضب، وهوى النفس، لأجل كلمة صدرت من أستاذه وخاله، في زمن الطلب والتعلم، بل لما استدل به على ترجيح مذهب الإمام الأعظم، وتقدمه في صحة النقل، وإيضاح المعاني بالأدلة القوية، وحسن الاستنباط، من كون خاله المزني مع جلالة قدره، ووفور علمه، وغزير فهمه، كان يديم النظر في كتب أبي حنيفة، ويتعلم من طريقته، ويمشي على سننه في استخراج الدقائق من أماكنها، والجواهر من معادنها، نفعنا الله ببركة علومهم أجمعين. وقال الذهبي، في " طبقات الحُفاظ ": ناب في القضاء عن أبي عبد الله بن عبدة قاضي مصر بعد السبعين ومائتين. وترقت حاله، فحدث أنه حضر رجل معتبرٌ عند القاضي محمد بن عبدة، فقال: أيش روى أبو عبيدة بن عبد الله، عن أمه، عن أبيه؟ فقلت: حدثنا بكار بن قتيبة، حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن أبي عُبيدة، عن أمه، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الله ليغار للمؤمن فليغر ". وحدثنا به إبراهيم بن أبي داود، حدثنا سُفيان بن وكيع، عن أبيه، عن سفيان، موقوفاً. فقال الرجل: تدري ما تقول، تدري ما تتكلم به؟! قلت: ما الخبر؟ قال: رأيتك عشية مع الفقهاء في ميدانهم، وأنت الآن في ميدان أهل الحديث، وقل من يجمع ذلك. فقلت: هذا من فضل الله تعالى وإنعامه. انتهى. وصنف الطحاوي كتباً مفيدة، منها " أحكام القرآن " في نيف وعشرين جزءاً، و " معاني الآثار "، وهو أول تصانيفه، و " بيان مشكل الآثار "، وهو آخر تصانيفه، واختصرها ابن رشد المالكي، و " المختصر " في الفقه، وولع الناس بشرحه، وعليه عدة شروح، و " شرح الجامع الكبير "، و " شرح الجامع الصغير "، وثلاثة كتب في الشروط كبير وصغير، ووسط، وكتاب " الوصايا والفرائض "، وكتاب " نقض كتاب المدلسين " على الكرابيسيس، و " كتاب أصله كتب العزل "، و " المختصر الكبير "، و " المختصر الصغير "، و " تاريخ كبير "، و " كتاب في مناقب أبي حنيفة "، وله في القرآن ألف ورقة، حكاه القاضي عياض في " الإكمال "، وله " النوادر الفقهية "، في عشرة أجزاء، و " النوادر والحكايات "، في نيف وعشرين جزءاً، وله " حكم أراضي مكة "، و " قسم الفيء والغنائم "، وله " الرد على عيسى ابن أبان " في كتابه الذي سماه " خطأ الكتب "، وله " الرد على أبي عبيدة " فيما أخطأ فيه، في كتاب " النسب "، وله " اختلاف الروايات على مذهب الكوفيين ". كذا نقلت أسماء هذه الكتب من " الجواهر المضية "، وأظن أن فيها ما تكرر عدده، والله أعلم. وكانت ولادة الطحاوي سنة ثمان وثلاثين ومائتين. وقال السمعاني: سنة تسع. ووفاته سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. والطحاوي: نسبة إلى طحا، بفتح الطاء والحاء المهملتين، وبعدها ألف؛ وهي قرية بصعيد مصر. والأزدي: نسبة إلى الأزد، بفتح الهمزة، وسكون الزاي المعجمة، وبالدال المهملة؛ قبيلة كبيرة مشهورة. والحجر: بفتح الحاء المهملة، وسكون الجيم، والراء المهملة؛ بطنٌ منهم. 322 - أحمد بن محمد بن شجاع، أبو أيوب الثلجي، بالثاء المثلثة ولد الإمام المشهور. ذكر الطحاوي، عن شيخه أحمد بن أبي عمران الفقيه، قال: كنا عند أبي أيوب أحمد بن محمد بن شُجاع، في منزله، فبعث غلاماً من غلمانه إلى أبي عبد الله ابن الأعرابي، صاحب " الغريب " يسأله المجيء إليه، فعاد إليه الغلام، فقال: قد سألته في ذلك، فقال: عندي قوم من الأعراب، فإذا قضيتُ أربي منهم أتيت. قال الغلام: وما رأيت عنده أحداً، إلا أن بين يديه كتبا ينطُر في هذا مرة وفي هذا مرة.

323 - أحمد بن محمد بن شعيب بن هارون الفقيه الجلاباذي

ثم ما شعرنا حتى جاء. وذكر الحكاية بطولها. كذا في " الجواهر المضية ". وفي " مختصر الأنساب " للقاضي مجد الدين الحنفي، أنه قيل لابن الأعرابي في ذلك، فقال: لَنَا جُلَساءٌ ما نَمَلُّ حَدِيثَهُمْ ... ألِبَّاءُ مأمُونونَ غَيْباً ومَشْهدا يُفيدُونَنا من علْمِهِم عِلْمَ ما مَضآ ... وعَقْلاً وتأديباُ ورَأْياً مُسَدَّدا بِلا فِتْنَةٍ تُخْشَى ولا سوء عِشْرَةٍ ... ولا نَتَّقِي منهم لِساناً ولا يَدَا فإن قُلْتَ أموات فما أنت كاذِبٌ ... وإن قلتَ أحْياء فلستَ مُفَنَّدَا 323 - أحمد بن محمد بن شُعيب بن هارون الفقيه الجُلاباذِي بضم الجيم، وإعجام الذال؛ نسبة إلى محلة كبيرة بنيسابور. أخذ عنه أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه. توفي في ذي القعدة، سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 324 - أحمد بن محمد بن صاعد بن محمد، أبو نصر قاضي القضاة، شيخ الإسلام الزينبي مولده سنة عشر وأربعمائة. ذكره أبو الحسن عبد الغافر الفارسي، في " السياق "، وقال: شيخ الإسلام، وصدر المحافل، المقدم العزيز من وقت صباه في بيته وعشيرته، الفائق أقرانه بوفور حشمته. رُبي في حجر الإمامة، وكان من أوحد الأحفاد عند القاضي الإمام صاعد. سمع من جده هذا، ومن أبيه محمد، ومن عمه أبي الحسن إسماعيل بن صاعد. روى عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، وزاهر بن طاهر الشحامي، في آخرين. قال أبو نصر: دخلتُ على المتوكل أمير المؤمنين، وهو يمدح الرفق، فأكثر في مدحه، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنشدني الأصمعي بيتين. فقال: هاتِهما. فقلت: لَمْ أَرَ مِثْلَ الرِّفْقِ في لِينِهِ ... قَدْ أَخْرَجَ العَذْراء مِنْ خِدْرِهَا مَنْ يَسْتَعِينْ بِالرفقِ في أمرهِ ... يَسْتَخْرِجِ الحَيَّةَ مِن جُحْرِهَا قال: فكتبهما الخليفة بيده. مات ليلة الثلاثاء قبل الصبح، ثامن شهر شعبان المكرم، سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، ودفن في مقبرة أسلافه. رحمه الله تعالى. 325 - أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشهير بابن عرب شاه كذا نسب نفسه في " شرح قصيدته " التي سماها " عقود النصيحة " وهو أدرى بنسبه. وذكره الحافظ جلالُ الدين السيوطي، في " أعيان الأعيان "، فقال: أحمد بن محمد ابن عبد الله بن علي بن محمد بن عرب شاه، الدمشقي، الحنفي، شهاب الدين. كان عالماً (فاضلاً، وأديباً) ناظماً. جال في البلاد، وأخذ عن الأكابر، وله تصانيف. ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. ومات في رجب، سنة أربع وخمسين وثمانمائة. انتهى. وذكر صاحب الترجمة، في " شرح قصيدته " المذكورة، من شرح حاله، ما ملخصه: أنه جود القرآن العظيم، بمدينة سمرقند، وقرأ بها النحو، والصرف، على تلامذة السيد شريف الجرجاني، وكان يحضر أيضاً مجلس السيد، ويسمع دروسه، ولما قدم الشيخ شمس الدين ابن الجزري إلى سمرقند سمع عليه الحديث، وأخذ عنه بعض مصنفاته. ثم أنه طاف بلاد ما وراء النهر، والمُغل إلى حدود الخطا، وقطع سيحون، واجتمع بمشايخ لا يحصون؛ من أعظمهم الخواجا عبد الأول، وابن عمه عصام الدين، والشيخ حسام الدين، وأسمع ببخارى على عالمها الرباني الخواجا محمد الزاهد، الذي توفى بالمدينة المنورة، في سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. ومكث بما وراء النهر نحواً من ثمان سنين، وذكر أنه اجتمع بعالم خوارزم المولى نور الله، واجتمع بالمولى حافظ الدين البزازي، وأقام عنده نحو أربع سنوات، وقرأ عليه الفقه، وأصوله، والمعاني، والبيان. ثم قدم الديار الرومية، وأقام بها نحو عشر سنين، واجتمع بعلمائها، ومن أجلهم المولى شمس الدين الفنري، والمولى برهان الدين حيدر الخوافي، وقرأ عليه " مفتاح العلوم " من أوله إلى آخره، وقرأ غير ذلك من العلوم العقلية والنقلية.

وتنقلت به الأحوال إلى أن اتصل (بخدمة السلطان) غياث الدين أب الفتح محمد بن عثمان الكريشجي، وأقرأ أولاده، ومنهم السلطان مراد خان، وترجم له كتاب " جامع الحكايات " من الفارسي إلى التركي، نظماً ونثراً، وهو في ست مجلدات، وترجم " تفسير ابي الليث السمرقندي "، و " تعبير القادري " نظماً، وكان يكتب عند السلطان غياث الدين المذكور إلى سائر الأطراف، عربياً، وفارسياً، وتركياً، وغير ذلك. ثم قال: والحاصل أني لم أخل برؤية احد ممن يُشار إليه من ملك ولا سلطان، ولا عالم ولا شيخ، ولا كبير، على حسب ما يتفق، ولم يبق من العلوم فن إلا وكان لي فيه حظ وافر، ولا منصب إلا وكان لي فيه نصيب؛ من التدريس، والخطابة، والإمامة والكتابة، والوعظ، والتصنيف، والترجمة، وغير ذلك. ورأيت ملوك الجغتاي - بالغين المعجمة - والخطا، وأولاد توقتامش وايدكو، وملوك الروم، والعجم، والترك. هذا، وقد أفصح في نظم القصيدة المذكورة سابقاً عن بعض حاله، وكثرة حله وترحاله، حيث يقول: ألاَ إنَّنِي يا أهلَ جِلَّقَ منكمُ ... ومَن نَسَبِي أَنْسابُ سَعْدٍ وعُثْمانِ وَمَسْقَطُ رأسِي في دمشقَ وقد مَضى ... بها جُلُّ أسلافي وأهلِي وإخواني ولكنَّما حُكْمُ الإلهِ بما جَرَى ... قَضى لي بتغريبِ الدِّيارِ فأقصانِي وَدَحْرَجَني ذا الدَّهْرُ في صَوْلَجانِهِ ... لأَطْوارِ أَدْوارٍ وكثرةِ دورانِ فَقَضَّيْتُ غضَّ العُمْرِ في طَلَبِ العُلَى ... على بُعْدِ أَوْطانِي وقِلَّةِ أَعْواني فَطَوْراً تَرَى بالصِّيْنِ سَابِقَ ناقَتِي ... وحيناً تَرَى بالرُّوم قائد هِجاني وطَوْراً تَرانِي ذا ثراءٍ وتارةً ... أَلُوكُ الثرى فقراً وأَكْتُمُ أَشْجانِي وفي كُلِّ أَطْوارِي تَرانِي مُشَبِّثاً ... بِذيلِ المَعاني غيْرَ وَاهٍ ولا وانِي أبا كِرُ دَرْسَ العِلْمِ جُهدي وطاقَتِي ... وأخدُم أهلَ الفضلِ في كلِّ أحْياني ومن شعر ابن عرب شاه أيضاً قوله: السَّيْلُ يَقْطَعُ ما يلقَاهُ من شَجَرٍ ... بينَ الجِبالِ ومنه الأرضُ تنفطرُ حتى يُوافي عُباب البحرِ تنظره ... قد اضْمَحَلَ فلا يبقى له أثر ومنه أيضاً قوله: فعِشْ ما شِئت في الدنيا وأدْرِكْ ... بِها ما شِئتَ مِن صِيتٍ وصَوْتِ فَحْيلُ العَيْشِ مَوْصُولٌ بِقَطْعٍ ... وخَيْطُ العُمْرِ مَعْقُودٌ بِمَوْتِ وله غير ذلك من الأشعار الرائعة، والتأليف الفائقة. وقد ذكر له في " الضوء اللامع " ترجمة واسعة، ذكر فيها أن العلاء البخاري لما قدم من الحجاز، مع الركبِ الشامي، سنة اثنتين وثلاثين، انقطع إليه صاحب الترجمة، ولازمه في الفقه، والأصلين، والمعاني، والبيان، والتصوف، وغيرهما، حتى مات، وكان ممن قرأ عليه " الكافي " في الفقه و " البزدوي " في أصوله. قال: وتقدم في غالب العلوم، وأنشأ النظم الفائق، والنثر الرائق، وصنف نظماً، ونثراً، فمن ذلك " مرآة الأدب " في علم المعاني والبيان والبديع، سلك فيه أسلوباً بديعاً، نظم فيه " التلخيص " وعمله قصائد غزلية، كل باب من قصيدة مُفردة على قافية، وقف عليها الحافظ ابن حجر، واسحسنها، و " مقدمة في النحو "، و " العقد الفريد في التوحيد "، و " عجائب المقدور في نوائب تيمور "، و " فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء "، و " خطاب الإهاب الناقب، وجواب الشهاب الثاقب " و " منتهى الأدب في لغة الترك والعجم والعرب ". وأورد له من النظم قوله: قميصٌ مِن القُطْنِ مِنْ حِلِّهِ ... وَشَرْبَةُ ماءٍ قَرَاحٍ وقُوتْ يَنالُ به المرءُ ما يَبْتَغِي ... وهذا كثيرٌ عَلى مَن يَمُوتْ ومنه مُعمى في اسم يوسف، وهو قوله: وَجْهُك الزَّاهِي كبَدْرٍ ... فوقَ غُصْنٍ طَلَعَا واسْمُكَ الزَّاكِي كَمِشْكَا ... ةٍ سَنَاهُ لَمَعَا في بُيُوتٍ أَذِنَ الل ... هُ لها أن تُرْفَعَا عَكْسُها صَحِّفْهُ تَلْ ... قَ الحُسْنَ فيها أَجْمَعَا ومنه أيضاً قوله:

326 - أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين الناصحي القاضي

وما الدَّهْرُ إلا سُلَّمٌ فَبِقَدْرِ ما ... يكونُ صُعُودُ المَرْءِ فيه هُبُوطُهُ وهَيْهَاتَ ما فيه نُزُولٌ وإنَّما ... شُرُوطُ الذي يَرْقَى إليه سُقُوطُهُ فَمَن صار أعْلَى كان أوفى تهشُّماً ... وَفاء بما قامتْ عليه شُرُوطُهُ وله غير ذلك من التآليف، والتصنيف، والقصائد، والمُقطعات، وكان آخر ما ألفه " كتاب على لسان الحيوانات "، فيه العجائب والغرائب. أثنى عليه الأئمة، كالحافظ ابن حجر، والمقريزي، وغيرهما، حتى وصفهُ بعضهم بقوله: الإمام العلاَّمة، أحد أفراد الدهر في الفضل، والنظم، والنثر، وعلم المعاني، والبديع، والنحو، والصرف، وغير ذلك. رحمه الله تعالى. 326 - أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين الناصحي القاضي من بيت العلم، والفضل، والقضاء. قال عبد الغافر: من أولاد الكبار، ووجوه بيت الناصحية، خلف أسلافه في تحصيل العلم، والتدريس في مدرسة السلطان، بنيسابور، والمناظرة في المحافل. وكان سليم النفس، مأمون الجانب، مُشتغلاً بنفسه، ظريف المعاشرة، قائماً بقضاء الحقوق. مات في شعبان، سنة خمس عشرة وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 327 - أحمد بن محمد بن عبد الله بن علي الكندي الآتي ذكر أبيه، وجده، إن شاء الله تعالى. 328 - أحمد بن محمد بن عبد الله بن عيسى بن عبد الله أبو القاسم، القهستاني مولده سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة. ذكره عبد الغافر، وقال: كان زاهداً، ورعاً، يجمع ويصنف. كذا في " الجواهر " من غير زيادة. وقُهستان؛ بضم القاف، والهاء، وسكون السين، وفتح التاء المُثناة من فوق، وفي آخرها النون: بلدة متصلة بنواحي هراة، والعراق، وهمذان، ونهاوند. 329 - أحمد بن محمد بن عبد الله، أبو الحسن النيسابوري القاضي، المعروف بقاضي الحرمين. شيخ أصحاب أبي حنيفة في زمانه بلا مدافعة، والمعول عليه في الفتوى بلا منازعة. تفقه على أبي الحسن الكرخي، وأبي طاهر الدباس، وبرع في المذهب. سمع بخراسان أبا العباس الحسن بن سفيان الشيباني، وأبا يحيى زكريا بن يحيى البزار، وأبا خليفة الفضل بن الحباب، وجماعة سواهم. وروى عنه أبو عبد الله الحاكم، وذكره في " تاريخ نيسابور "، وقال: غاب عنها نيفاً وأربعين سنة، وتقلد قضاء الموصل، وقضاء الرملة، وقلد قضاء الحرمين، فبقي بهما بضع عشرة سنة، ثم انصرف إلى نيسابور سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، ثم ولي القضاء بها في سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. قال الحاكم: سمعتُ أبا بكر الأبهري المالكي، شيخ الفقهاء ببغداد بلا مُدافعة يقول: ما قدم علينا من الخراسانيين أفقه من أبي الحسن النيسابوري. سمعتُ أبا الحسين القاضي، يقول: حضرتُ مجلس النظر، لعلي بن عيسى الوزير، فقامت امرأة تتظلم من صاحب التركات، فقال: تعودين إلى غدا، وكان يوم مجلسه للنظر، فلما اجتمع فقهاءُ الفريقين، قال لنا: تكلموا اليوم في مسألة توريث ذوي الأرحام. قال: فتكلمت فيها مع بعض فُقهاء الشافعية، فقال: صنَّف هذه المسألة، وبكر بها غداً إلى. ففعَلت، وبكرتُ بها إليه، فأخذ مني الجُزء، وانصرفت. فلما كان صحوة النهار طلبني الوزيرُ إلى حضرته، فقال: يا أبا الحسين، قد عرضت تلك المسألة بحضرة أمير المؤمنين، وتأملها، فقال: لولا أن لأبي الحسين عندنا حُرُمات لقلدته أحد الجانبين، ولكن ليس في أعمالنا أجل عندي من الحرمين، وقد قلدته الحرمين. فانصرفت من حضرة الوزير، ووصل العهد إلى، فكان هذا السبب فيه. قال الحاكم: زادني بعضُ مشايخنا في هذه الحكاية، أن القاضي أبا الحسين، قال: قلتُ للوزير: أيد الله الوزير، بعد أن رضى أمير المؤمنين المسألة وتأملها، وجب على الأمير أن يُنجز أمره العالي، بأنه يرد السهم إلى ذوي الأرحام. وأنه أجاب إليه وفعله. قال الحاكم: تُوفي القاضي صحوة يوم السبت، الحادي والعشرين من المحرم، سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وصلى عليه الشيخ أبو العباس الميكالي. انتهى. وأبو العباس هذا هو إسماعيل بن عبد الله بن ميكال الميكالي الأديب، شيخ خراسان، ووجيهها، رحمه الله تعالى. 330 - أحمد بن محمد بن عبد الله الظاهري أبو العباس، الإمام، الحافظ

331 - أحمد بن محمد بن عبد الجليل بن إسماعيل الفقيه، أبو نصر، السمرقندي الأبريسمي

سمع الكثير، وسافر إلى البلاد، وأخذ عن سبعمائة شيخ، بالشام، والجزيرة، ومصر، ورحل إلى خراسان، وما زال في طلب الحديث وإفادته إلى آخر عُمره. وجمع " الأربعين البلدانية " لنفسه، وجمع للفخر ابن البخاري " مشيخة " في غاية الحُسن، في ثلاثة عشر جزءاً. وأخذ القراءات بحلب، عن أبي عبد الله الفاسي. ونسخ كثيراً بخطه، وعُني بفن الرواية، مع الزهد، والوقار، والجلالة، والتبرك به. ومات بظاهر القاهرة، في زاوية له على شاطئ النيل، ابتناها له أيدغدي العزيزي، سنة ست وتسعين وستمائة. وكان مولده سنة ست وعشرين وستمائة. 331 - أحمد بن محمد بن عبد الجليل بن إسماعيل الفقيه، أبو نصر، السمرقندي الأبريسمي مولده في حدود سنة ست وثمانين وأربعمائة. تفقه بسمرقند، وسمع " تنبيه الغافلين " لأبي الليث، من الإمام إسحاق بن محمد النوحي، عن أبي بكر بن محمد بن عبد الرحمن الزيدي، عن المصنف. مات في عشر الخمسين وخمسمائة تقريباً. والأبريسمي؛ بفتح الهمزة، وسكون الباء الموحدة، وكسر الراء، وسكون الياء، وفتح السين، وفي آخرها الميم: نسبة لمن يعمل الأبريسم. 332 - أحمد بن محمد بن عبد الخالق الأسروشني ذكره في " الجواهر " هكذا، من غير زيادة. انتهى. 333 - أحمد بن محمد بن عبد الرحمن، أبو عمرو الطبري المعروف بابن دانكا أحد الفقهاء الكبار، من طبقة أبي الحسن الكرخي، وأبي جعفر الطحاوي. وتفقه على أبي سعيد البردعي، وصنف " شرح الجامعين ". قال قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني: حدثني القاضي الصيمري، قال: كان أبو عمرو الطبري فقيهاً ببغداد، يُدرس في حياة أبي الحسن الكرخي، وكانت وفاته سنة أربعين وثلاثمائة. قال أبو عمرو: سمعتُ أبا منصور أيوب بن غسان، يقول: جُمع بين داود بن علي الأصبهاني، وبين محمد بن علي بن عمار الكُريني ببغداد، في مسجد الجامع، يتناظران في خبر الواحد، وكان الكريني ينفي العمل به، وكان [داود] يحتج للعمل به، ويبالغ في ثبوته، فاجتمع الناسُ عليهما، وأخذت الكُريني الحجارة من كل ناحية، حتى هرب من المسجد، فسئل بعد ذلك عن خبر الواحد، فقال: أما بالحجارة والآجر فإنه يوجب العلم والعمل جميعاً. 334 - أحمد بن محمد بن عبد الغني السرسي القاهري الحنفي الشيخ، الإمام، العالم، العامل، الفاضل، الكامل، العلامة، العارف، المُلك، شهاب الدين، المعروف بكُنيته ونسبته. كان أحد أفراد العلماء المُسلكين، وأهل اليقين، حتى قيل: إن الشمس الحنفي ما وصل إلا بملاحظته ومدده، وبركته، وكانت بينهما محبة أكيدة جداً، ويذكر عنه الكرامات والمكاشفات، وكان بصدد نفع الناس في العلوم الدينية، والمعارف الإلهية، وانتفع به خلق كثير. وكانت وفاته في يوم الإثنين، حادي عشري جمادى الآخرة، سنة إحدى وستين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 335 - أحمد بن محمد بن عبد القادر المصري، شهاب الدين ابن الشرف ذكره في " الدرر الكامنة "، وقال: خطيبُ الجامع الشيخوني. مات في المحرم، سنة سبع وستين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 336 - أحمد بن محمد بن عبد المؤمن، رُكن الدين القرمي المعروف بالمُرتعش، لرعشة كانت به، يُديم معها تحريك رأسه. قال ابن حجرٍ: قدم القاهرة بعد أن حكم بالقرم ثلاثين سنة، وناب في الحكم، وولى إفتاء دار العدل، ودرس بالجامع الأزهر، وغيره، وجمع " شرحاً " على " البخاري "، وكان يُرمى بالهنات. ولما ولي التدريس، قال: لأذكرن لكم ما لم تسمعوا، فعمل درساً حافلاً، فاتفق أنه وقع منه شيء، فبادر جماعةٌ فتعصبوا عليه، وكفروه، فبادر إلى السراج الهندي، فادعى عليه عنده، وحكم بإسلامه، فاتفق أنه بعد ذلك حضر درس السراج الهندي، ووقع من السراج شيء، فبادر الركن، وقال: هذا كفر. فضحك السراج حتى استلقى، وقال: يا شيخ ركن الدين تُكفر من حكم بإسلامك. فأخجله. انتهى. وقال الولي العراقي: كان يذكر بفضل، وبراعة، وتفنن في العلوم، ولكن سمعت قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة، يقول: دعانا الأمير أرغون شاه لحضور الدرس عنده، يعني:

337 - أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن بصير بن أحمد بن الحسين الأنبردواني، البصيري، أبو كامل

عند الشيخ ركن الدين، بجامع المارداني، فخطب خُطبةمليحة، ثم قال: والسلطان أعجلنا بالخروج إلى السرحة عن حفظ الدرس، فأخرج كراساً من كمه ليقرأ منه الدرس، فقلنا: حصل المقصود بما تقدم، وقُمنا، وكأنه لم يكن حافظه. قال العراقي: وسمعت والدي يقول: إنه كان حاضراً سماع " صحيح البخاري " بمجلس السلطان الأشرف، فمر حديثُ شق الصدر، فقال: هذا كناية عن شرح الصدر، فرد عليه الحاضرون، ومنهم شيخنا الشيخ ضياء الدين القرمي، وقال له: في " الصحيح " أن أنساً قال: كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم. فسكت. ويقال: إن الشيخ ضياء الدين كان نائباً عنه بالقرم. مات سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. ومن فوائده: ما نقله عنه تلميذه الشيخ عز الدين ابن جماعة، أنه قال: شرف العلم من ستة أوجه: موضوعة، وغايته، ومسائله، ووثوق براهينه، وشدة الحاجة إليه، وخساسة مُقابله. 337 - أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن بصير بن أحمد بن الحسين الأنبردُواني، البصيري، أبو كامل مع أبا الحسين الفارسي، وغيره. قال السمعاني: وكان قد سمع الحديث الكثير، واشتغل به، وجمع كتاباً سماه " المُضاهاة والمُصافاة " في الأسماء والأنساب "، قال: وكان شديد التعصب في مذهبه، مُتحاملاً على أصحاب الشافعي. وأنبردُوان؛ بالفتح، وسكون النون، وفتح الباء الموحدة، وسكون الراء، وضم الدال المهملة، وفي آخرها النون: قرية من قرى بُخارى. 338 - أحمد بن محمد بن علي، أبو طالب الفقيه عرف بابن الكجلو، هكذا هو مضبوط في " تاريخ الزينبي ". من أهل المدائن، قال ابن النجار: كان يتولى الخطابة [بها] مُدَّة، ثم قدم بغداد، واستوطنها، وكان يسكن بمدرسة سعادة، على شاطئ دجلة. وكان أديباً فاضلاً، له شعر حسنٌ، منه قوله من قصيدة: فُؤادُ مَشُوقٍ حَرُّهُ ايس يَبْرُدُ ... وذَائِبُ دَمْعٍ بالأسَى ليس يَجْمُدُ وما كُلُ مُرْتَاحٍ إلى المجد ماجدٌ ... ولا كُلُ من يَهْوَى السِّيادة سيِّدُ ومنْ يَزْرَعِ المعروفَ بذْراً فإنه ... على قدر ما قدَّمَ البذرَ يحصد وحدَّث أحمد هذا، عن أبي غالب محمد بن الحسن الماوردي، بتستر. وتوفي لسبع عشرة خلت من ذي الحجة، سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 339 - أحمد بن محمد بن علي، أبو الفضل القاشاني نزيل همذان، ذكره ابن الشعار، فقال: كان من الفقهاء الحنفية، أصولياً، عارفاً بالمسائل الخلافية، حافظاً للأشعار، ويكتب خطاً حسناً. أنشدني من شعره [ابنه] أبو بكر إسحاق ببغداد. ومات بهمذان، في سلخ ذي القعدة، سنة تسع عشرة وستمائة، رحمه الله تعالى. 340 - أحمد بن محمد بن علي، حافظ الدين، أبو المعالي ابن الشمس الجلالي نشأ في كنف أبويه، فحفظ القرآن، وأخذ عن أبيه، والأمين الأقصرائي، والشمني، وسيف الدين، وابن عبيد الله، والتقي الحصني، وطائفة. وبرع، واستقر بعد أبيه في تدريس الألجيهية، وخطابه البرقوقية، وغير ذلك. وقرأ على السخاوي " الأربعين النووية "، ولازمه في غيرها، وناب في القضاء، ثم ترك، وكان فاضلاً، متأنقاً، سليم الفطرة، عديم السر. كتب على " الهداية " في دروسه بعض أشياء، وخطب لنفسه. مات في عاشر شعبان، سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 341 - أحمد بن محمد بن عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد ابن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن أبي جرادة شهاب الدين ابن كمال الدين أبي غانم ابن الصاحب كمال الدين ابن العديم، العُقيلي، الحلبي ولد بعد رأس القرن السادس، وأسمع على بيبرس العديمي، وعمتيه؛ خديجة، وشُهدة. وحدث، وسمع عليه ابن عشائر " منتقى مشيخة الفسوي "، والأول من " مشيخة ابن شاذان الكبرى "، وغير ذلك. وكان له معرفة بالأدب، والتاريخ، جيد المذاكرة، حسن المُحاضرة. حكى أخوه القاضي كمال الدين، عنه، أنه رأى في منامه كأن شخصاً يُنشده: يَا غَافِلاً جَرَّتْهُ آمالُهُ ... عَن الْمَقَامِ الأَشْرَفِ الأَسْنَى انْهَضْ بِجِدٍّ منكَ نحوَ العُلى ... وافْتَحْ لها مُقْلَتَكَ الْوٍَْنَى

342 - أحمد بن محمد بن عمر بن الحسين بن عبيد الله ابن عمرو بن خالد بن الرفيل أبو الفرج، المعروف بابن المسلمة

قال: فحفظتهما، وزدتُهما: وارْجِعْ إلى مَوْلاكَ واخْضَعْ له ... تَسْتَوْجِبِ الإحْسَانَ والْحُسْنَى قال أخوه: فلما أنشدني ذلك، أعقبه بأن قال: ما اظن إلا أن نفسي نُعيت إلي، فمات في السنة المقبلة، وهي سنة خمس وستين وسبعمائة، عن بضع وستين سنة. قاله ابن حبيب. ويقال: إنه جاوز السبعين، وكان قد ولي نيابة السلطنة، مدة يسيرة، وكان ذا حشمة زائدة، وتجمل وافر، رحمه الله تعالى. 342 - أحمد بن محمد بن عمر بن الحسين بن عبيد الله ابن عمرو بن خالد بن الرفيل أبو الفرج، المعروف بابن المُسلمة سكن بغداد، وسمع أباه، وأحمد بن كامل القاضي، ودعلج بن أحمد. وكتب عنه الخطيب البغدادي، وقال: كان ثقة، يسكن بالجانب الشرقي، ويعمل كل سنة مجلساً واحداً، في أول المحرم. وكان أحد الموصوفين بالعقل، والمذكورين بالفضل، كثير البر والمعروف، وكانت داره مألفاً لأهل العلم. وكان يصوم الدهر، ويقرأ في كل يوم سبع القرآن، يقرأه نهاراً ويعيده في ليلته في ورده. انتهى. وكان مولده فيما بلغ الخطيب، في آخر ذي القعدة، من سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وكانت وفاته يوم الاثنين، مُستهل ذي القعدة، سنة خمس عشرة وأربعمائة. وكان يختلف في درس الفقه إلى الإمام أبي بكر الرازي. وحدث رئيس الوزراء، جمال الورى، أبو القاسم علي بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر، قال: رأيت أبا الحسين القدوري الفقيه بعد موته في المنام، فقلت له: كيف حالك؟ فتغير وجهه ودق، حتى صار كهيئة الوجه المرثى في السيف، دقة وطولاً، فأشار إلى صعوبة الأمر. قلت: فكيف حال الشيخ أبي الفرج؟ يعني جده، فعاد وجهه إلى ما كان عليه، وقال لي: من مثل الشيخ أبي الفرج ذاك ثم. ورفع يده إلى السماء. فقلت في نفسي: يُريد بهذا قول الله تعالى: (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) ، كذا رواه الخطيب. 343 - أحمد بن محمد بن عمر، أبو العباس الناطفي أحد الفقهاء الكبار، حدث عن أبي حفص ابن شاهين، وغيره. قال أبو عبد الله الجرجاني، في " خزانة الأكمل ": قال أبو العباس الناطفي: رأيت بخط بعض مشايخنا، في رجل جعل لأحد بنيه داراً بنصيبه، على أن لا يكون له بعد موت الأب ميراث. جاز. وأفتى به الفقيه أبو جعفر محمد بن اليمان، أحد أصحاب محمد بن شجاع الثلجي، وحكى ذلك أصحاب أحمد بن أبي الحارث، وأبي عمرو الطبري. مات أبو العباس بالري، سنة ست وأربعين وأربعمائة. ومن تصانيفه: " الواقعات "، و " النوازل "، و " الأجناس "، و " الفروق ". والناطفي: نسبة إلى عمل الناطف وبيعه. 344 - أحمد بن محمد بن عمر، أبو نصر، العتابي، البخاري وقيل أبو القاسم الإمام، العالم، العلامة، الزاهد، المنعوت زين الدين، أحد من سار ذكره، وبعد صيته، واشتهرت مصنفاته، فمنها الكتاب المشهور ب " الزيادات " رواه عنه جماعة؛ منهم الإمام حافظ الدين، وشمس الأئمة الكردي، وغيرهما، ومنها " جامع الفقه " أربع مجلدات، و " شرح الجامع الكبير "، و " شرح الجامع الصغير ". وذكر الذهبي أن من مصنفاته " كتاباً في التفسير ". مات يوم الأحد، وقت الظهر، سنة ست وثمانين وخمسمائة، بمدينة بُخارى، ودفن في كلاباذ، بمقبرة القضاة السبعة، الذين منهم أبو زيد الدبوسي. والعتابي: نسبة إلى أشياء، منها إلى عتاب بن أسيد، ومنها إلى العتابيين: محلة غربي بغداد، ومنها إلى محلة يقال لها: دار عتاب، قاله السمعاني. قال الذهبي: إن دار عتاب محلة ببخارى، وإن منها صاحب الترجمة. والله تعالى أعلم. 345 - أحمد بن محمد بن عمران، الكاثي الحجي نسبة إلى الحج، وأهل خوارزم يقولون: الحجي، كما يقول الناس: الحاج. قال السمعاني: كان فقيهاً فاضلاً، حسن السيرة. سمع ببغداد أبا القاسم بن الحصين الشيباني. وكانت ولادته سنة ست وتسعين وثلاثمائة. 346 - أحمد بن محمد بن عيسى بن الأزهر أبو العباس البرتي الفقيه، الحافظ من طبقة أحمد بن أبي عمران، أستاذ الطحاوي. تفقه على أبي سليمان موسى الجوزجاني، وروى كتب محمد بن الحسن، عنه، وحدث بالكثير، وكتب، وصنف " المُسند "، وحدث عن القعنبي، ومسدد بن مسرهد، وأبي بكر بن أبي شيبة، وغيرهم.

347 - أحمد بن محمد بن عيسى بن زياد الأنطاكي الفقيه، أبو بكر، ابن أبي عبد الله ابن أبي موسى، القاضي

وروى عنه يحيى بن صاعد، والقاضي أبو عبد الله المحاملي، وغيرهما. قال الخطيب: كان ثقة، حجة، يذكر بالصلاح والعبادة، وكان من أصحاب القاضي يحيى بن أكثم، وكان قبل ذلك يتقلد واسط، وقطعة من أعمال السواد. قال غير الخطيب: كان إليه أحد جانبي بغداد، والجانب الآخر إلى إسماعيل بن إسحاق، ثم استعفى في أيام المعتضد، ورد عليهم العهد، ولزم بيته، واشتغل بالعبادة حتى مات. وروى الخطيب عن أبي عمر محمد بن يوسف القاضي، قال: ركبتُ يوماً من الأيام مع إسماعيل بن إسحاق، إلى القاضي أحمد بن محمد بن عيسى البرتي، وهو ملازم لبيته، فرأيته شيخاً مُصفاراً، أثر العبادة عليه، ورأيت إسماعيل أعظمه إعظاماً شديداً، وسأله عن نفسه وأهله، وعجائزه، وجلسنا عنده، ثم انصرفنا، فقال لي إسماعيل: يا بني، تعرف هذا الشيخ؟ قلت: لا. قال: هذا البرتي القاضي، لزم بيته، واشتغل بالعبادة، هكذا تكون القضاة، لا كما نحن. وعن العلاء بن صاعد بن مخلد، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، وهو جالس في موضع، فدخل عليه أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى البرتي القاضي، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصافحه، وقبل بين عينيه، وقال: مرحباً بالذي يعمل بسنتي وأثرى. وكان العلاء بن صاعد إذا جاءه أبو العباس قام له، وقبل بين عينيه، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل بك. ووثقه الدارقطني. وقال أحمد: صدوق، وما أعلم إلا خيراً. مات ليلة السبت، لتسع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، سنة ثمانين ومائتين، رحمه الله تعالى. والبرتي؛ بكسر الباء الموحدة، وسكون الراء، وفي آخرهما التاء المثناة من فوق: نسبة إلى برت، قرية بنواحي بغداد. هذا هو الصحيح من نسبته ونسبه. وأما صاحب " الجواهر " فقد وهم، فذكره أيضاً فيمن اسمه أحمد بن عيسى. وذكر قصة إسماعيل بن إسحاق المذكورة معه، وغيرها من ترجمته، كما هنا، وأشار إليه في الأنساب، فقال: الزنبي، نسبة أحمد بن عيسى، نسبة إلى زنب، قرية على ساحل بحر الروم، قرية من عكا، ولا أدري بالنون أو الياء، كذا قال: السمعاني، قال ابن الأثير: والصحيح أنها بالياء لا غير. انتهى. وقد تصفحت كثيراً من كتب التواريخ، وطبقات الأئمة، فلم أجد فيها ما يشعر بأنه كان في ذلك العصر من القضاة الحنفية، من يقال له أحمد بن عيسى الزنبي، وكأن صاحب " الجواهر " - والله أعلم - رأى في بعض الكتب ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى البرتي، وقد أسقط الكاتب اسم أبيه محمد، وصحف البرتي بالزنبي، فنقلها كما هي من غير تحرير ولا مراجعة، وظنها ترجمة لشخص آخر غير هذه الترجمة، وتبعه غيره ممن صنف في " طبقات الحنفية "، والله أعلم بالصواب. 347 - أحمد بن محمد بن عيسى بن زياد الأنطاكي الفقيه، أبو بكر، ابن أبي عبد الله ابن أبي موسى، القاضي سمع بأنطاكية، وطرسوس، والمصيصة، وروى عن محمد بن آدم، ومحمد بن سليمان، وأحمد بن أبي بكر الحواري، وقاسم بن عثمان الجوعي. روى عنه أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وغيره. ذكره ابن العديم، في " تاريخ حلب "، وقال: كان أبوه أبو عبد الله قاضياً بحلب، وقنسرين، وكان أبوه وجده فقيهين على مذهب الإمام أبي حنيفة. وقال عبد الغني بن سعيد المصري، في " كتاب القضاة ": وقدم مصر، وحدث بها وروى بسنده، أن القاضي أحمد هذا، رُفع له فيها ورقة مكتوب فيها: أَيُها القاضِي الكثيرُ الهِبَاتِ ... صَانَكَ اللهُ مِنْ مَقامِ الدُّناتِ أَيكُونُ القِصاصُ مِن قَتْلِ لَحْظٍ ... مِنْ غَزالٍ مُوَرَّدِ الوَجَنَاتِ أَمْ يَخَافُ العَذَابَ من هو صَبٌّ ... مُبْتَلىً بالزَّفيرِ والْحَسَراتِ فأخذ الورقة، وكتب على ظهرها: يا ظَرِيفَ الصَّنيعِ والآلاتِ ... وعَظِيمَ الأَشْجان واللَّوَعاتِ إِنْ تَكُنْ عاشقاً فلَمْ تَأْتِ ضَنْباً ... بَلْ تَرَّقَيْتَ أَرْفَعَ الدَّرَجاتِ ومَتى أقْضِ بالقِصَاصِ على لَحْ ... ظِ حَبِيبٍ أُخْطِى طَرِيقَ القُضاةِ 348 - أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد بن السكن أبو جعفر، السكوني أخذ عن أبي يوسف، ومحمد، وروى عنه وكيع. قاله في " الجواهر ".

349 - أحمد بن محمد بن قادم، أبو يحيى البجلي الفقيه

وذكره الخطيب، في " تاريخه "، وقال: حدث عن أبي يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن الشيباني، وأبي بكر بن عياش، وإسماعيل بن عُلية. روى عنه وكيع القاضي، وحمزة بن الحسين السمسار، وعلي بن محمد بن يحيى بن مهران السواق، ومحمد بن مخلد العطار. وروى له الخطيب بسنده عنه، عن أبي يوسف، عن أبي إسحاق الشيباني، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ". قال الدارقطني: ولم يؤرخ له الخطيب وفاةً، رحمه الله تعالى. 349 - أحمد بن محمد بن قادم، أبو يحيى البجلي الفقيه مولده سنة تسعين ومائة. قال في " الجواهر ": ذكره أبو علي الحسين، في " كتابه "، وقال: فقيهٌ، عالم، قليل النظير، كان يرى رأي الكوفيين، وله نظر في اللغة، ومعرفة بالشعر. وجلس في الجامع، وهو حديث السن، في سنة أربع عشرة ومائتين، فقال يوماً لبعض أصحابه: أحص اليوم على كم أجيب. وجلس يُفتي للناس، فلما قام قال للرجل: كم عددت؟ قال: عددتُ ثمانمائة جواب. وكان له يد في الشروط، وفي فنون من العلم. وخالف في كثير من المسائل، وكتب يسأله عنها بالعراق، ومن ذلك رسالة إلى بشر ابن غياث المريسي، في أشياء أشكلت على مشايخ بلده، فقال: إنا وجدنا في كتاب لأبي يوسف القاضي: لو أن حنطة طُبخت بخمر حتى انتفخت، فإن أكلها حرام، ولا حد على من أكلها، فإن طبخت بالماء الطاهر بعد ذلك ثلاث مرات، تخفف بعد كل طبخة، ثم تطبخ، طهرت، ولا بأس بأكلها، وكذلك اللحم يطبخ بالخمر، فإذا صب عليه الماء الطاهر، وطبخ به ثلاث طبخات، ويُرد بعد كل طبخة، ثم طبخ، فهذا طهور، ومرق ذلك اللحم يهراق. مات ابن قادم سنة سبع وأربعين ومائتين، رحمه الله تعالى. 350 - أحمد بن محمد بن ماهان عم أبي حنيفة محمد بن حنيفة بن ماهان، من طبقة خالد بن يوسف السمتي. قاله في " الجواهر ". 351 - أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد ابن حمادن، أبو منصور، الحارثي القاضي، الرئيس من أهل سرخس. مولده في الحادي والعشرين من ذي القعدة، سنة سبع وثلاثين وأربعمائة. ذكره الإمام نجم الدين أبو حفص عمر النسفي، في " معجم شيوخه "، وقال: من مسموعاته، كتاب " الموطأ " رواية محمد بن الحسن، عن مالك، ومنها تصانيف أبي الحسن الكرخي. وكانت وفاته خامس عشر المحرم سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 352 - أحمد بن محمد بن محمد بن 'سحاق بن الفضل أبو علي البزاز، النيسابوري حدث ببغداد، عن أبي حامد بن الشرقي، ومكي بن عبدان. وحدث عنه القاضيان: أبو علي الواسطي، وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي. قال الخطيب: قدم بغداد حاجا، وكان ثقة، وحدثني التنوخي، قال: أبو علي أحمد ابن محمد النيسابوري، شيخ، ثقة، فقيه على مذهب أبي حنيفة، قدم علينا حاجا، وسمعنا منه بعد عوده، في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. وتوفي بنيسابور، يوم الجمعة، الثامن من شهر ربيع الآخر، سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 353 - أحمد بن محمد بن محمد بن حسن بن علي بمن يحيى ابن محمد بن خلف الله بن خليفة الإمام تقي الدين، أبو العباس ابن العلامة كمال الدين، ابن العلامة أبي عبد الله، الشمني، بضم المعجمة، والميم، وتشديد النون القُسنطيني، الحنفي، المالكي والده وجده قال الحافظ جلال الدين السيوطي في حقه: المحدث، المفسر، الأصولي، المتكلم، النحوي، البياني، المحقق، إمام النحاة في زمانه، وشيخ العلماء في أوانه، شهد بنشر علومه العاكف والبادي، وارتوى من بحار فهومه الظمآن والصادي. أما التفسير فهو " بحره المحيط "، و " كشاف " دقائقه بلفظه " الوجير "، الفائق على " الوسيط " و " البسيط ". وأما الحديث، فالرحلة في الرواية والدراية إليه، والمعول في حل مُشكلاته وفتح مقفلاته عليه. وأما الفقه فلو رآه النعمان لأنعم به عيناً، أو رام أحد مناظرته لأنشد: وألفى قولها كذباً ومَيْنَا وأما الكلام فلو رآه الأشعري لقربه وقر به، وعلم أنه نصير الدين ببراهينه وحججه المهذبة المُرتبة.

وأما الأصول ف " البرهان " لا يقوم عنده بحجة، وصاحب " المنهاج " لا يهتدى معه إلى محجة. وأما النحو فلو أدركه الخليل لاتخذه خليلا، أو يونس لأنس بدرسه وشفى منه غليلاً. وأنا المعاني ف " المصباح " لا يظهر له نور عند هذا الصباح، وماذا يفعل " المفتاح " مع من ألفت إليه المقاليد أبطال الكفاح. إلى غير ذلك من علوم معدودة، وفضائل مأثورة مشهودة: هُو البحرُ لا بَلْ دونَ مَا عِلْمِهِ البحرُ ... هو البدرُ لا بل دونَ طَلْعَتِهِ البدْرُ هُوَ النَجْمُ لا بل دونَه النجمُ رُتْبَةً ... هو الدُّرُّ لا بل دون مَنْطِقِه الدُّرُّ هو العالِمُ المشهورُ في العصرِ والذي ... به بين أَرْبابِ النُهَى افْتَخَرَ العَصْرُ هو الكاملُ الأَوْصافِ في العلم والتُقَى ... فطابَ به في كل ما قُطْرٍ الذِّكْرُ محاسِنُهُ جَلَّتْ عن الحَصْرِ وازْدَهَى ... بِأَوْصافِه نَظْمُ القصائِد والنَّثْرُ ولد بالإسكندرية، في شهر رمضان، سنة إحدى وثمانمائة، وقدم القاهرة مع والده، وكان من علماء المالكية، فتلا على الزراتيتي، وأخذ النحو عن الشمس الشطنوفي، ولازم القاضي شمس الدين البساطي، وانتفع به في الأصلين، والمعاني والبيان، وأخذ عن الشيخ يحيى السيرامي، وبه تفقه، وعن العلاء البخاري، وأخذ الحديث عن الشيخ ولي الدين العراقي، وبرع في الفنون. واعتنى به والده في صغره، فأسمعه الكثير على التقي الزُبيري، والجمال الحنبلي، والصدر الإبشطي، والشيخ ولي الدين، وغيرهم. وأجاز له السراج البلقيني، والزين العراقي، والجمال ابن ظهيرة، والهيتمي، والكمال الدميري، والحلاوي، والجوهري، والمراغي، وآخرون. وخرج له " مشيخة " شمس الدين السخاوي، وحدث بها، وبغيرها. وخرج له السيوطي " جزءاً " في الحديث المسلسل بالنحاة، وحدث به. قال: وهو إمام، علامة، منقطع القرين، سريع الإدراك، أٌرأ التفسير والحديث، والفقه، والعربية، والمعاني، والبيان، وغيرها، وانتفع به الجم الغفير، وتزاحموا عليه، وافتخروا بالأخذ عنه، مع الخير، والعفة، والتواضع، والشهامة، وحسن الشكل والأبهة، والانجماع عن بني الدنيا. أقام بالجمالية مدة، ثم ولي المشيخة، والخطابة، بتربة قايتباي الجركسي، بقرب الجبل، ومشيخة مدرسة اللالاَّ، وطلب لقضاء الحنفية بالقاهرة، سنة ثمان وستين، فامتنع. وصنف " شرح المُغني " لابن هشام، و " حاشية على الشفاء "، و " شرح مختصر الوقاية " في الفقه، و " شرح نظم النخبة " في الحديث، لوالده. وله نظم حسن، قال السيوطي: أنشدني منه ما قاله حين تولى الظاهر ططر، ونوه أنه [إن] مات أفسد الأتراك وهو: يَقول خَلِيلي العِدى أَضْمَرَتْ ... إذا مات ذا المَلْكُ سُوء الوَرَى فقلتُ سَلِ الله إبقاءهُ ... ويَكْفِينَنَا الظاهرُ المُضْمَرَا قال: وكتب لي نقريظاً على " شرح الألفية "، و " جمع الجوامع " تأليفي. وقلت أمتدحه: لُد بمَن كان للفضائل أهْلا ... مِن قَديمٍ ومنذ قد كان طِفْلا وبِمَن حَازَ سُودَداً وارْتِفَاعاً ... ومَكَاناً عَلاَ السِّماك وأَعْلَى عالمُ العَصْرِ من عَلاَ في حديثٍ ... وزَكَا في القديم فَرْعاً وأَصْلا عَلَمُ الرُّشْدِ ذُخْرُ أهل المعاني ... كَنْزُ عِلْمٍ يُولِيكَ طَلاًّ وَوَبْلا جمَّلَ اللهُ منه طَلْعَةَ عَصْ ... وكَسَا الدَّهْر منه تاجا مَحَلى قد ترقى من العلوم مَحَلاًّ ... وتَبَوَّا من الهدايةِ نُزلا نال في العِلْمِ ذِرْوَةَ المجدِ فامْتا ... زَ بقِدْحٍ من العلوم مُعَلى تَوَّجَ الفِقه حين ألف شَرْحاً ... وكَساهُ بالابْتِهاجِ وحَلَّى جلَّ عن مثله فكم أوْضَحَ المُشْ ... كَل حتَّى اكتَسَى ضِياء وجُلى لو رآهُ النُعمان أَنْعَمَ عَيْناً ... أو رآه الخَليلُ وافَاهُ خِلاَّ وَسْمُهُ في الأنامِ أفضلُ في التَّفْ ... ضلِ والحقُ أنه الفَرْدُ فَضْلا

354 - أحمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم ابن موسى ابن عبد الله بن مجاهد النسفي البردوي، أبو المعالي ابن أبي اليسر

ذو محلٍّ مثل الهلالِ عَلاءً ... وضِياء كالبدرِ حين تَجَلى أغْرَبُ الوَصْفِ أن بَيْ ... تاً قديمَ البناءِ في المجدِ كُلاَّ من يَكُنْ أصله الكمالُ فإنْ نا ... لَ كَمالاً فإنه نال أهْلا ذو بَنانٍ يُمطرْنَ دُرَّا على أرْ ... ضِ لُجَيْنٍ وفي التَّقوم أغْلى ولِسانٍ كأَّنه لفظُ سُحْبَا ... نَ فسُبْحانَ من حباهُ وأولى ليس فيه عيبٌ سِوى أنه ليْ ... سَ يخُونُ الخليل عَهْداً وإلاَّ ما طَلَبْنا لِعِلْمِنَا أنه ما ... لَكَ في المجدِ والمكارمِ مثلاَ فلم الدهرض في ارتفاعٍ فقد أضْحَ ... ى لك الحَزْنُ في الجلالة سَهْلا جمعَ اللهُ فيك كُلَّ جميلٍ ... وبك اللهُ ضمَّ لِلعِلْمِ شَمْلا قلت: هذا شعر فقيه محدث نحوي. وللشهاب المنصوري يمدحه: شيخَ الشُيوخِ تَقِيَّ الدين يا سَنَدِي ... يا مَعْدنَ العِلْمِ بل يا مُفتيَ الفِرَقِ أَنتَ الذي اختاره المَوْلى فَزيَّنَهُ ... بالحُسْنِ في الخلق والإحسانِ في الخُلُق كم معشرٍ كابدُوا الجهلَ القبيحَ إلى ... أن عُلِّمُوا منك علماً واضح الطُرُقِ وقَيْتَهم بالتُّقى والعِلْم ما جهلوا ... فأنت يا سيِّدي في الحالتين تقي وكانت وفاته، رحمه الله تعالى، قرب العشاء، ليلة الأحد، سابع عشر ذي الحجة، سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، ودفن يوم الأحد، وصلى عليه خلق كثير، وفُجعوا به. ورثاه الحافظ جلال الدين السيوطي، بقصيدة يقول في آخرها: إِذا نُجُوم الهدَى والرُّشْدِ قد أفِلَتْ ... ضلَّ الوَرى فلهم في غيِّهِمْ سَكَرُ وإن تَكُنْ أَعْيُنُ الإسْلامِ ذاهِبَةً ... تَتْرَى فَعَمَّا قليلٍ يذهبُ الأَقَرُ وبالجملة، فقد كان من محاسن زمنه، وأماثل عصره، رحمه الله تعالى. 354 - أحمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم ابن موسى ابن عبد الله بن مجاهد النسفي البردوي، أبو المعالي ابن أبي اليُسر عرف بالقاضي الصدر، من أهل بخارى، الإمام ابن الإمام. مولده سنة اثنتين أو إحدى وثمانين وأربعمائة، ببخارى. وهو ابن أخي أبي الحسن علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم البردوي، الفقيه بما وراء النهر، صاحب الطريقة على مذهب الإمام أبي حنيفة، رحمه الله تعالى. تفقه أحمد هذا على والده حتى برع في العلم، وسمع منه، ومن أبي المعين ميمون بن محمد بن محمد المكحولي، ولقى الأكابر، وأفاد والده عن جماعة. وولى القضاء ببخارى مدة، وحمدت سيرته، وأملى بها، وورد مرو حاجا، وقرأ عليه السمعاني بها، وحدث ببغداد، ورجع من الحج. وتوفي بسرخس، في جمادى الأول، سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وعقد له العزاء بها، ثم حمل إلى بخارى. قال أبو سعد: إمام فاضل، مفتٍ، مناظر، حسن السيرة، مرضي الأخلاق، من بيت الحديث والعلم. رحمه الله تعالى. 355 - أحمد بن محمد بن محمد عبد اله، أبو القاسم الخليلي، البلخي، الزيادي، الدهقان قال السمعاني: يقال له الخليلي، لأنه كان يخدم القاضي [الخليل] بن أحمد السجزي، شيخ الإسلام ببلخ، وكان وكيلاً له. روى عن أبي القاسم الخُزاعي علي بن (أحمد بن محمد) ، وحدث عنه " بشمائل النبي " صلى الله عليه وسلم. روى عنه أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي. وتوفي ببلخ، سنة اثنتين، أو إحدى وتسعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. 356 - أحمد بن محمد بن محمد، أبو نصر المعروف بالأقطع أحد شراح " المختصر "، سكن بغداد بدرب أبي زيد، بنهر الدجاج. تفقه على أبي الحسين القدوري، حتى برع، وقرأ الحاسب حتى أتقنه. وخرج من بغداد إلى الأهواز، سنة ثلاثين وأربعمائة، وأقام برام هرمز، وشرح " المختصر "، وكان يدرس هناك إلى أن توفي. واتفق أنه مال إلى حدث، فظهرت على الحديث سرقة، واتهم بأنه شاركه فيها، فقطعت يده اليسرى. وتوفي سنة أربع وسبعين وأربعمائة. كذا في " الجواهر ".

357 - أحمد بن محمد بن محمد السرخسي، الوزير أبو العباس ابن أبي بكر، الفقيه

وحكى الصفدي، في " تاريخه " أن يده قُطعت في حربٍ كان بين المسلمين والتاتار، والله تعالى أعلم. 357 - أحمد بن محمد بن محمد السرخسي، الوزير أبو العباس ابن أبي بكر، الفقيه من أهل باب الطاق. كان يخدم قاضي القضاة أبا القاسم علي بن الحسين الزينبي، وسمع من الشريفين؛ أبي نصر محمد، وأبي الفوارس طراد. وروى عنه أبو القاسم ابن عساكر، وأبو سعد السمعاني. وكان موالده سنة سبعين وأربعمائة. ووفاته سنة سبع وأربعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 358 - أحمد بن محمد بن محمد بن محمد - ثلاث محمدين ابن حسن بن أحمد بن قاسم بن مسيب بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه الإمام بهاء الدين، المعروف بسلطان ولد ابن علاء الدين كان إماماً فقيهاً، درس بعد أبيه بمدرسته بقونية، وتبع طريق والده في التجرد، وعمر. وتوفي سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، عن اثنتين وسبعين سنة، ودفن بتربة والده بقونية، وصلى عليه الشيخ مجد الدين الأقصرائي، بوصية منه. وحكى بعض أصحابه، أنه كانت له سرية، فقال لها يوماً: اختالري واحداً من أصحابي، أزوجك به، لعل الله أن يرزقك ولداً يعبدُ الله تعالى. فامتنعت من ذلك. قال صاحبنا: فقال لي الشيخ: اكشف لي عن سبب المنع. فقلت لها عن ذلك، فقالت: الكبار يزورونني، ويكرمونني، لنسبتي إلى الشيخ، وإذا تزوجت بغيره يزول عني هذا. فقال الشيخ: آثرت اللذة الوهمية على اللذة الحسية. ويُحكى عنه كرامات، رحمه الله تعالى. 359 - أحمد بن محمد بن محمد بن محمد، ثلاث محمدين الخُجندي ذكره في " إنباء الغِمْر " فقال: ولد سنة تسع عشرة، يعني: وسبعمائة، واشتغل كثيراً، وسمع الحديث، وحدث، وله تصانيف. وكان مقيماً بالمدينة النبوية، ومات بها، في سنة ثلاث وثمانمائة. تقلت تاريخ وفاته من " تاريخ العيني ". انتهى كلام ابن حجر. وأحمد هذا، من بيت الخجندية المشهورين بمكة والمدينة، وهم أصحاب علم وفضل. 360 - أحمد بن محمد بن محمود بن سعيد الغرنوي معيد درس الإمام الكاساني، صاحب " البدائع "، تفقه على أحمد بن يوسف العلوي الحسني، وانتفع به جماعة من الفقهاء، وتفقهوا عليه. وصنف في الفقه، والأصول، كتباً حسنة مفيدة؛ منها: كتاب " روضة اختلاف العلماء "، و " مقدمته " المختصرة في الفقه المشهورة، و " كتاب في أصول الفقه "، وكتاب في أصول الدين، سماه " بروضة المُتكلمين "، واختصره، ووسمه ب " المنتقى من روضة توفي بحلب، بعد سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، ودفن بمقابر الفقهاء الحنفية، قبل مقام إبراهيم، عليه " الصلاة " والسلام، رحمه الله تعالى. 361 - أحمد بن محمد بن مسعود الوبري الإمام الكبير، أبو نصر له: " شرح مختصر الطحاوي " في مجلدين، رحمه الله تعالى. 362 - أحمد بن محمد بن مقاتل، أبو نصر الرازي روى عن أبيه، عن أبي مُطيع، عن أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه. روى عنه عبد الباقي بن قانع، وأبو القاسم الطبراني. قاله في " الجواهر " من غير زيادة. 363 - أحمد بن محمد بن مكحول بن الفضل أبو البديع، لمكحولي سمع أباه أبا المعين المكحولي، وأبا يهل هارون بن أحمد الإسفرائيني. وكان - كما قال السمعاني - بارعاً في الفقه. وتوفي ببخارى، في صفر، سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. 364 - أحمد بن محمد بن منصور، أبو بكر الأنصاري، الدامغاني أحد الفقهاء الكبار. درس على الطحاوي بمصر، وروى عنه، وقدم بغداد، ودرس بها على الكرخي، ولما فُلج الكرخي، جعل الفتوى إليه دون أصحابه، فأقام ببغداد دهراً طويلاً، يحدث عن الطحاوي، ويُفتي. روى عنه القاضي أبو محمد الأكفاني، وغيره. قال الصيمري: وكان أبو بكر الدامغاني أقام على الطحاوي سنين كثيرة، ثم أقام على الكرخي، وكان إماماً في العلم والدين، مشاراً إليه في الورع والزهادة، وولى القضاء بواسط لديون ركبته، وخرج إليها، وكان ينظر بين الخصوم على وجه التحكيم، وكان يقول للخصمين: أنظر بينكما؟ فإذا قالا: نعم. نظر بينهما. وربما قال: حكمتماني؟ فإذا قالا: نعم، نظر بينهما.

365 - أحمد بن محمد بن منصور الأشموني الحنفي، النحوي

وكان يقال: إنه غض من نفسه بولاية الحكم، رحمه الله تعالى. 365 - أحمد بن محمد بن منصور الأشموني الحنفي، النحوي قال ابن حجر: كان فاضلاً في العربية، مشاركاً في الفنون. نظم في النحو " لامية " آذن فيها بعلو قدره في الفن، وشرحها شرحاً مُفيداً، وصنف في فضل لا إله إلا الله. ومات في ثامن عشري شوال، سنة تسع وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 366 - أحمد بن محمد بن مهران ابو جعفر راوي " الموطأ " عن محمد بن الحسن، كذا في " الجواهر " من غير زيادة. 367 - أحمد بن محمد بن موسى بن رجاء أبو بكر، الأربنجني قال السمعاني: كان فقيهاً حنفياً. توفي سنة تسع وستين وثلاثمائة. وسيأتي الكلام على هذه النسبة في الأنساب. 368 - أحمد بن محمد بن نصر بن أحمد بن جبريل الإمام، أبو نصر، النسفي قال السمعاني: من أئمة نسف، تفقه بسمرقند على القاضي منصور بن أحمد، وروى عنه الحديث، وعن غيره وحدث. سمع منه أبو جعفر عمر بن محمد بن أحمد النسفي. ولد في رجب، أو في شعبان، سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. 369 - أحمد بن محمد بن نصر، أبو نصر، الفقيه النيسابوري، عُرف باللباد سمع أبا نعيم الفضل بن دكين، وبشر بن الوليد القاضي، وغيرهما. روى عنه إبراهيم بن محمد بن سفيان، وأبو يحيى زكريا بن يحيى البزار. ذكره الحافظ أبو عبد الله، في " تاريخ نيسابور "، فقال: أهل الرأي في عصره، ورئيسهم. مات في سنة ثمانين ومائتين. روى الحاكم بسنده عنه، إلى جعفر بن محمد الصادق، أن سفيان الثوري، سأله دعاء يدعو به عند البيت الحرام، قال جعفر: إذا بلغت البيت الحرام، فضع يدك على الحائط، ثم قل: يا سابق الغوث، ويا سامع الصوت، ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت. ثم ادعُ بما شئت. قال له سفيان: فعلمني ما لم أفقه. فقال له: يا ابا عبد الله، إذا جاءك ما تحب فأكثر من الحمد، وإذا جاءك ما تكره فأكثر من: لاحول ولا قوة إلا بالله، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار. 370 - أحمد بن محمد بن هبة الله بن أبي الفتح بن صالح ابن هارون بن عروسة، أبو العباس، ابن أبي الكرم الواسطي الأصل، الموصلي المولد قال في " الجواهر ": كتب عنه الدمياطي، ورأيته بخطه في " معجم شيوخه ". وذكر أن مولده في الثالث والعشرين من شعبان، سنة ثمانين وخمسمائة. ومات بالموصل، عشية الخميس، سابع عشر شهر رمضان، سنة خمسين وستمائة. قال صاحب " الجواهر " أيضاً: ورأيت بخط الشريف عز الدين " في وفياته ": وكان فقيهاً حسناً، متديناً، كثير التلاوة للقرآن. ودرس بالموصل، وولي مشيخة بعض ربطها، وترسل عن صاحبها، إلى بغداد، ودمشق، وحلب، مراراً، وسمع بالموصل من أبي حفص عمر بن محمد بن طبرزد، ومن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن أبي المجد. 371 - أحمد بن محمد بن يحيى بن أبي زكريا ابن أبي العوَّام، أبو عبد الله ابن عم أبي العباس بن محمد السعدي كذا ذكره الحافظ ابن حجر، في " رفع الإصر، عن قضاة مصر "، وقال: حنفي من المائة الخامسة، ولي القضاء بمصر أولاً، نيابة عن القاسم بن عبد العزيز بن النعمان، هو وأبو عبد الله بن سلامة القُضاعي، فاتفق أنهما حضرا يشكوان من سوء سيرة القاسم، فدخل القاسم يشكو منهما كثرة مخالفتهما له، فصرفه المُستنصر، وقرر اليازوري في القضاء مع الوزارة، وأمره أن يفوض أمر القضاء إليهما، ثم وليه استقلالاً في حادي عشر شهر رمضان، سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، من قبل المُستنصر، وأضيف إليه النظر في المظالم، ودار الضرب، والصلاة، والخطابة، والأحباس، وخلع عليه، وقرى سجله، على منبر القصر، ولقب قاضي القضاة، نصير الدولة، أمين الأئمة. فباشر ذلك، إلى أن مات في صفر، أو في شهر ربيع الأول، سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة. انتهى كلامُ ابن حجرٍ. وذكره صاحب " الجواهر "، وقال: أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن يحيى بن الحارث، أبو العباس، عرف بابن أبي العوام، السعدي. يأتي أبوه، وعبد الله جده. بيت علماء فضلاء. وأحمد هذا أحد قضاة مصر، مولده بها سنة تسع وأربعين وثلاثمائة.

372 - أحمد بن محمد بن يوسف بن الخضر ابن عبد الله بن عبد الرحيم أبو الطيب، الحلبي، الفقيه

روى عن أبيه، عن جده، روى عنه أبو عبد الله محمد بن سلامة القُضاعي. وكان بمصر رجل مكفوف البصر. يقال له: أبو الفضل جعفر الضرير، من أهل العلم، والنحو، واللغة، فقدمه الحاكم، وخلع عليه، وأقطعه، ولقبه بعالم العلماء، ثم سأله عن الناس واحداً واحداً، فذكر ابا العباس أحمد بن أبي العوام، وغيره، فوقع الاختيار على أبي العباس، فقيل للحاكم: ما هو على مذهبك، ولا مذهب من تقدم من سلفك، غير أنه ثقة، مأمون، مصري، عارف بالقضاء، عارف بالناس، وما في مصر من يصلح لهذا الأمر غيره. فأمر الحاكم أن يكتب له سجل، وشرط عليه فيه أنه إذا جلس في مجلس الحكم، يكون معه أربعة من فقهاء الحاكم، كيلا يحكم إلا على المذهب، وقرأ عهده على المنبر بالجامع العتيق. وزكاه فيه بأحسن تزكية، وخلع عليه، وحمل على مركب حسن، وجعل له النظر في القاهرة، ومصر، والحرمين، وسائر الأعمال، ما خلا فلسطين، فإن الحاكم ولاها أبا طالب المعروف " بابن بنت الزيدي " ولم يجعل لأبي العباس عليه نظراً. وكان أبو العباس يجل نفسه عن قضاء مصر وأعمالها، غير أن هيبة الحاكم الجأته إلى ذلك. وكان من عادته أيام ولايته، أن يركب يوم الجمعة مع الحاكم، ويطلع يوم السبت إليه، يعرفه ما يجري من الأحكام، والشهود، والأمناء، وغيرهم، وما يتعلق بالحكم، ويوم الأحد يجلس في الجامع العتيق، ويوم الثلاثاء يجلس في القاهرة في الجامع الأزهر، يحكم بين أهلها، ويوم الأربعاء سأل فيه الحاكم أن يجعل له راحة، واشترى داراً بالقرافة، ينقطع فيها من بكرة يوم الأربعاء إلى المغرب، يتعبد فيها، ويخلو بمن يريد من الشهود، وغيرهم. انتهى كلام صاحب " الجواهر " بحروفه، إلا في مواضع يسيرة لا تخل بالمعنى. وقد ذكر ابن حجر، في كتابه " رفع الإصر " هذا الذي ذكره صاحب " الجواهر " برمته، لكنه قال بعد سرد نسبه المذكور: الفقيه الحنبلي، وذكر أن وفاته كانت لعشرين ليلة خلت من شهر ربيع الأول، سنة ثماني عشرة، يعني وأربعمائة، ثم إنه ذكر بعد ترجمته ترجمة ابن عمه المذكور آنفاً، كما نقلناه، فإما أن يكون صاحب " الجواهر " وهم في ذلك، واشتبه عليه هذا بهذا، واغتر بما ذكره ابن حجر، من أنه روى عن أبي جعفر، وغيره، وأن له مصنفاً حافلاً في مناقب أبي حنيفة وأصحابه، وأن القضاعي رواه عنه، وأن السلفي حدث به، عن الرازي، عن القضاعي، مع أنه لا يلزم من ذلك أن يكون حنفياً؛ لأن كثيراً من غير الحنفية صنفوا في مناقب أبي حنيفة وأصحابه كتباً كثيرة، وإما أن يكون وقف على ما صحح عنده أنه كان حنفي المذهب، ويكون قول ابن حجر: إنه حنبلي. غير صحيح، هذا مع أني وقفتُ على نسخة من كتاب " النجوم الزاهرة، بتلخيص أخبار قضاة مصر والقاهرة " لسبط ابن حجر، والنسخة مصححة بخطه، لخص فيها " رفع الإصر " وزاد فيه، ونقص، وذكر أن جده مات عنه، وهو في المسودة لم تبيض، وأنه هو الذي بيضه، وحرره، وانتخب بعد ذلك منه هذه النسخة، وزاد عليه، وقد بخطه أن ابني أبي العوام المذكورين حنفيان، والله تعالى أعلم. 372 - أحمد بن محمد بن يوسف بن الخضر ابن عبد الله بن عبد الرحيم أبو الطيب، الحلبي، الفقيه مولده بحلب، سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. كتب عنه الدمياطي، ودرس مدة بحلب، وسمع من أبي حفص عمر ابن طبرزد، وحدث. ومات بحلب، سنة ثمان وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى. 373 - أحمد بن محمد السرخسي، الشجاعي، البلخي الإمام، أبو حامد مات سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. 374 - أحمد بن محمد، أبو منصور بن أبي الحارث قال ابن الهمذاني، في " الطبقات ": حدثني من رآه، وقد ورد إلى بغداد، سنة ثمان وسبعين وأربعمائة للحج، وكان شيخاً مهيباً، حسن الوجه، وولى القضاء بسرخس. 375 - أحمد بن محمد اللارزي صاحب " الخلاصة " في الفرائض. تفقه عليه عبد الجبار بن أحمد، مفتي مازندران. 376 - أحمد بن محمد، علاء الدين السيرامي اشتغل في بلده، وتفقه على جماعة، حتى برع في الفقه، والأصول، والمعاني، والبيان.

377 - أحمد بن محمد بن الصائغ الحنفي

ودرس في عدة بلاد، وقدم ماردين، فأقام بها مدة، ثم وصل إلى حلب، فقطنها، فلما أنشأ الظاهرُ برقوق مدرسته، بين القصرين، استدعاه، فقدم في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، فاستقر شيخ الصوفية بها، ومدرس الحنفية، وذلك في ثاني عشر شهر رجب، منها، فتكلم على قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ) ، ثم اقرأ " الهداية "، وغير ذلك من كتب الفقه والأصول. قال ابن حجر: وكان شيخنا عز الدين ابن جماعة يقرطه، ويفرط في وصفه بالفهم والتحقيق، ويذكر أنه تلقف منه أشياء لم يجدها مع نفاستها في الكتب. ولم يزل على حالته، موصوفاً بالديانة، والخير، والانجماع، والتواضع، وكثرة الأسف على نفسه، والاعتراف بتقصيره في حق ربه، إلى أن صار يعتريه الربو، وضيق النفس، فمرض به، إلى أن مات، في ثالث جمادى الأول، سنة خمس وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 377 - أحمد بن محمد بن الصائغ الحنفي خادم علمي الأبدان والأديان، كذا رأيته بخطه في آخر " رسالة " صنفها في بعض مسائل طبية، قدمها لحضرة قاضي القضاة حسن أفندي، حين كان قاضياً بالديار المصرية، مؤرخة بثامن عشر شهر ربيع الآخر المبارك، (سنة ست وستين وتسعمائة) . وكان أحمد هذا يُلقب بسري الدين، وكان له في كل فن من العلوم باع، ومعرفة تامة، ووسع اطلاع، ولكن كان في العربية، والنظم، والإنشاء، وعلم الطب، أمهر منه في غيرها. وبلغني أنه له كثيراً من الأبحاث، والاستشكالات، والأجوبة، مسطرة بخطه على هوامش الكتب التي قرأها، وأقرأها، ما لو جمع لكان في مجلدين، أو ثلاثة. وله رسائل كثيرة، وأشعار شهيرة، كأنها الماء الزلال والسحر الحلال. وقد ترددت إليه، وتردد إلي، وذاكرته، وذاكراني، وما أبصرت عيني في الديار المصرية بعده في فن الأدب مثله. وتوفي سنة.....................، رحمه الله تعالى. 378 - أحمد بن محمد البالسي الأصل، ثم الدمشقي شهاب الدين، الحواشي اشتغل في صباه كثيراً، وصاهر أبا البقاء على ابنته، وأفتى، ودرس، وناب في الحكم، وولى نظر الأوصياء، ووظائف كثيرة بدمشق، وكان حسن السيرة. ثم إنه سعى في القضاء استقلالاً، وباشره قليلاً، وعُزل. مات في جمادى الآخرة، سنة تسع وثمانمائة. 379 - أحمد بن محمد، شهاب الدين المتيني قال الخزرجي: كان فقيهاً، جواداً، على مذهب الإمام أبي حنيفة، عارفاً بالنحو، والفرائض، وقراءة القرآن للسبعة القراء، وكان ديناً، خيراً، حسن السيرة. أخذ الفقه عن الفقيه أبي زيد، وكذا الفرائض عنه أيضاً. وكان مدرساً في مدرسة ابن الجلاد، وناظراً، إلى أن توفي، في سنة تسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 380 - أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل بن أبي العز الدمشقي شهاب الدين، المعروف بابن الكشك انتهت إليه رياسة أهل الشام في زمانه، وكان شهماً، قوي النفس، مستحضراً لكثير من الأحكام. وولى قضاء الحنفية استقلالاً مدة، ثم أضيف إليه نظر الجيش في الدولة المؤيدية وبعدها، ثم صرف عنهما معاً، ثم أعيد لقضاء الشام، وعين لكتابة السر، فاعتذر عن ذلك، ولم يقبل. وكان بينه وبين ابن حجر معاداة، وكان كل منهما يبالغ في الحط على الآخر، ولكن كان ابن كشك أجود من ابن حجر، سامحهما الله تعالى. عاش صاحب الترجمة بضعاً وخمسين سنة، وكانت وفاته في صفر، بالشام، في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. قاله الحافظ ابن حجر، في " إنبائه ". 381 - أحمد بن محمود بن أحمد بن عبد السيِّد الحصيري، القاضي الفقيه، الإمام، ابن العلاَّمة جمال الدين وكان يلقب نظام الدين تفقه على أبيه، ودرس بالنورية إلى حين وفاته، وأفتى، وناب في الحكم عن قاضي القضاة حسام الدين. قال في " المنهل " ك وكان عفيفاً، ديناً، مُلازماً للعبادة والاشتغال، إلى أن توفي يوم الجمعة، تاسع المحرم، سنة ثمان وتسعين وستمائة، ودفن عند والده بمقابر الصوفية. وذكره ابن خلكان، في ترجمة محمد بن محمد العميدي، وقال: قتله التتر، رحمه الله تعالى. 382 - أحمد بن محمود بن أبي بكر الصابوني أبو محمد، الملقب نور الدين تفقه عليه شمس الأئمة الكردري.

383 - أحمد بن محمود بن عمر الجندي

وكانت وفاته وقت صلاة المغرب، ليلة الثلاثاء، سادس عشر صفر، سنة ثمانين وخمسمائة، ودفن بمقبرة القضاة السبعة. وهو صاحب كتاب " البداية في أصول الدين "، [وله كتاب " المُغني في أصول الدين "] أيضاً، كذا عزا الكتابين إليه العلامة قاسم بن قطلوبُغا الحنفي، رحمه الله تعالى. 383 - أحمد بن محمود بن عمر الجندي شارح كتاب " المصباح " في النحو، للإمام برهان الدين المُطرزي، رحمه الله تعالى. 384 - أحمد بن محمود بن محمد بن نصر والد الإمام المايمرغي، الآتي في بابه إن شاء الله تعالى. 385 - أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله القيسري، العلامة صدر الدين، ابن العجمي قال ابن حجر: كان بارعاً، فاضلاً، نحوياً، فقيهاً، متفنناً في علوم كثيرة، معروفاً بالذكاء، وحسن التصور، وجودة الفهم. ولي الحسبة مراراً، ونظر الجوالي، ودرس بعدة مدارس، وولي مشيخة الشيخونية. وكان مولده سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ومات بالطاعون، يوم السبت، رابع عشر شهر رجب، سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 386 - أحمد بن محمود الرومي مفتي الديار الرومية، الشهير بقاضي زاده. الإمام الفاضل، والبارع الكامل، الذي طنت حصاته في الآفاق، وارتفع قدره وتفرد في عصره بالاتفاق، ونال الجاه العريض، والحرمة الوافرة، وكانت كلمته مسموعة عند السلطان، نافذة حتى على الوزراء والأعيان. أخذ العلم عن فضلاء الديار الرومية، واشتغل، ودأب، وحصل، ولزم المولى العلامة سعدي جلبي، والمولى عبد القادر الحميدي، مفتي الديار الرومية المشهور بقادري أفندي، واستفاد منه، وتخرج عليه، إلى أن صار من أهل الفضل والكمال. وولى ندارس متعددة؛ منها إحدى الثمان، وإحدى المدارس السليمانية، ثم ولى قضاء حلب، فأقام بها مدة، ثم عزل، ولزم منزله، واشتغل بالتحرير والتحبير، والتأليف والتصنيف. ثم ولي قضاء قُسطنطينية، ثم قضاء العسكر، بولاية روملي، ولم يزل فيه مدته فعُزل، ولزم بيته. وحصل بينه وبين المرحوم محمد باشا الوزير الأعظم في زمن دولة السلطان سليم بن السلطان سليمان تنافر، أدى إلى ارتحاله من اصطنبول إلى مدينة أدرنة، والإقامة بها اختياراً منه، لا مأموراً بالخروج، وصار فيها مدرساً بدار الحديث، بمائتي عُثماني. ثم قدم إلى اصطنبول، في دولة السلطان مراد خان بن السلطان سليم، أدام الله أيامه، وولي قضاء العسكر بولاية روملي، وأقبل عليه السلطان غاية الإقبال، وحصل له من التمكن في الدولة ما ذكرناه سابقاً، إلى أن توفي مفتي الديار الرومية، حامد ألإندي، ففوض إليه منصب الإفتاء مكانه، ولم يزل مُفتياً مُشاراً إليه، يُشاور في الأمور، ويُطيع كلامه الجمهور، إلى أن توفي، سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، ودفن بالقرب من جامع السلطان محمد الكبير، في تربة أعدها له قبل وفاته، رحمه الله تعالى. وله تآليف، منها: " شرح على أواخر الهداية " ابتدأ فيه من كتاب الوكالة، من المحل الذي وصل إليه ابن الهمام، وكأنه جعله كالتكملة " لشرح ابن الهملم "، وهو مع كونه كثير الفوائد، غزير الفرائد، بينه وبين " شرح ابن الهمام " بون بعيد، وفرق أكيد، وله " حاشية " على " شرح المفتاح " للسيد الشريف، وكتاب " مُحاكمات بين صدر الشريعة، وابن كمال باشا "، وله غير ذلك رسائل كثيرة، في فنون عديدة. وكان مع العلاَّمة مفتي الديار الرومية محمد بن الشيخ بن إلياس، حين كانا قاضيين بالعسكر المنصور، سبباً في تقديم قُضاة العسكر على أمراء الأمراء في الجلوس عليهم، وحصل بذلك لأهل العلم شرف زائد، وتضاعف الدعاء منهم بسبب ذلك لحضرة السلطان مراد، وعد ذلك من محاسن أيامه، أدامها الله تعالى، ومتع المسلمين بطول بقائها. وبالجملة، فقد كان صاحب الترجمة من مفاخر الديار الرومية، ولولا ما كان فيه من الحدة، وسرعة الغضب، لاتفق الناسُ على أنه مفرد عصره في جميع المحاسن، تغمده الله برحمته. 387 - أحمد بن مسعود بن أحمد الصاعدي، الإمام، العلامة الملقب صدر الدين روى عن الإمام شمس الأئمة الكردري، تفقه عليه، وانتفع به. ويقال: إنه من نسل أبي حفص الكبير، وكان يدرس بمدرسة أبي حفص، ببخارى.

388 - أحمد بن مسعود بن عبد الرحمن، أبو العباس

وكانت وفاته ببخارى، ليلة الجمعة، ثامن المحرم، سنة خمس وخمسين وستمائة، ودفن بكلاباذا، رحمه الله تعالى. 388 - أحمد بن مسعود بن عبد الرحمن، أبو العباس سكن دمشق، وتفقه على الشيخ جلال الدين عمر الخبازي، وقرأ عليه الأصول. وتفقه عليه العلامة محيي الدين الأسمر. وشرح " الجامع الكبير " في أربع مجلدات، وسماه " التقرير "، مات ولم يكمل تبييضه، فكمله والده أبو المحاسن محمود، وله " شرح عقيدة الطحاوي ". ولم أقف له على تاريخ وفاة، رحمه الله تعالى. 389 - أحمد بن مسعود بن علي، أبو الفضل التُركستاني، الفقيه المنعوت ضياء الدين قدم بغداد، وسكنها، واختص بخدمة الوزير ناصر بن مهدي العلوي، وكان ينفذه في الرسائل من الديوان إلى الأطراف، وكان يعرضُ عليه الرقاع للناس. ثم لما عزل ابن مهدي عن الوزارة، رتب مدرساً بمشهد أبي حنيفة، بباب الطاق، وجعل إليه النظر في أوقافه، والرياسة على أصحابه، وخلع عليه خلعة سوداء، وخوطب بالاحترام التام. وكان قد ثقفه، وبرع في علم النظر، وانتهت إليه الرياسة في مذهب أبي حنيفة، وكان عفيفاً، نزهاً، ولم يكن الحديث من فنه، لكن شرفه الإمام الناصر لدين الله، بأخذ الإجازة له من أصحاب المذاهب الأربعة. وكانت وفاته في ليلة السبت، السادس والعشرين من ربيع الآخر، سنة عشر وستمائة، وصلى عليه من الغد بالمدرسة النظامية، ودفن بمقبرة الخيزران، المجاورة لمشهد أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، وكان شاباً. سمع منه جماعة من الفقهاء، رضي الله عنهم. 390 - أحمد بن المصدق بن محمد، أبو حنيفة النيسابوري ذكره ابن النجار، وقال: قدم بغداد حاجاً وحدث بها عن أبي يعقوب النجيرمي، روى عنه على السجزي. انتهى. وسيأتي الكلام على هذه النسبة في محله. 391 - أحمد بن مصطفى بن خليل الشهير بابن طاش كبرى صاحب " الشقائق النعمانية ". مولده في الليلة الرابعة عشرة، من شهر ربيع الأول، سنة إحدى وتسعمائة. ذكر في " شقائقه " أنه قرأ على المولى علاء الدين اليتيم، " المقصود " في الصرف، و " تصريف العزى "، و " المراح "، و " المصباح " في النحو، للإمام المطرزي، و " كافية ابن الحاجب "، وقطعة من " الوافية، في شرح الكافية "، وقرأ على عمه قاسم بن خليل " ألفية ابن مالك "، و " ضوء المصباح "، و " مختصر إيساغُوجي " في المنطق، مع " شرحه " لحسام الدين الكاتي، وقطعة من " شرح الشمسية " للعلامة الرازي، ثم قرأه على والده من أوله إلى آخره، مع " حواشي " الشيد الشريف عليه، وقرأ " شرح العقائد " للتفتلازاني، مع " حواشيه " للخيالي، و " هداية الحكمة " لمولانا زاده، مع " حواشي " المولى خواجازاده، و " شرح أدب البحث " لمسعود الرومي، و " شرح المطالع " للعلامة الأصبهاني بتمامه، مع " حواشي " السيد الشريف عليه، وغير ذلك. وأخذ أيضاً عن المولى محيي الفنري، وغيره من علماء الديار الرومية، وقرأ على العلامة الرحلة، من لم يُخلف بعده مثله، الشيخ محمد التونسي، الشهير بمغُوش، حين قدم إلى الديار الرومية، قطعة من " صحيح البخاري "، وقطعة من كتاب " الشفاء " للقاضي عياض، وشيئاً من العلوم العقلية، وأجاز له لأن يروى عنه ما تجوز له روايته؛ من تفسير، وحديث، وغيرهما. وتنقل في المدارس الشريفة، وصار مدرساً بإحدى المدارس الثمان مرتين، تخلل بينهما ولايته بأدرنة مدرسة السلطان بايزيد خان، ثم صار قاضياً بمدينة إصطنبول، في سابع عشر شوال، سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، وكانت سيرته محمودة، وولايته مشكورة، وأضر بأخرة. وله من المؤلفات، كتاب " موضوعات العلوم "، جمع منه فوائد كثيرة، واختصر " حاشية خطيب زاده " على " حاشية التجريد " للسيد، واختصر " الكافية "، وكتاب " الشقائق النعمانية "، في علماء الدولة العثمانية "، وهو كتاب لطيف، صنفه بعد أن كف بصره، وهو دال على وسع اطلاعه على أخبار الناس، وأحوال الأفاضل، ودال على قوة الحافظة، لأن أكثره متلقف من أفواه الرواة، ونقلة الأخبار، من غير كتاب يستمد منه، ويعتمد عليه؛ لأن الديار الرومية ليس لها تاريخ يجمع علماءها، وأوصاف فُضلائها، وما أحوجها إليه، وما أقل رغبة أهلها في علم الأدب، وأقل تعريجهم عليه. وله أيضاً تجريداتٌ في بعض العلوم، تركها مسودة، لما عرض له من العمى، رحمه الله تعالى.

392 - أحمد بن مصطفى، الشهير والده بمركز خليفة الرومي

ورأيت في " ذيل الشقائق " لبعضهم، أن وفاته كانت في ليلة الاثنين، تاسع عشري رجب الفرد، سنة ثمان وستين وتسعمائة، تغمده الله تعالى برحمته ورضوانه. ومن أولاده فخرُ القضاة والمدرسين، عمدة الفضلاء والمحققين، كمال أفندي، قاضي مدينة سلانيك الآن، ممن يوصف بالعلم، والفضل، والدين، والورع، والتعفف عن كثير مما جرت عادة قضاة الزمن بتناوله. ولم أجد حين كتابتي لهذه الترجمة من يشرح لي أحواله مفصلة، فاكتب ما يليق به، وإن شاء الله تعالى إذا رأيته، وتيسر لي أن أسأله عن ترجمة نفسه، وعن ما يعرف من أخبار آبائه وأجداده، مما يتعين كتابته في تراجمهم، وتيسر له إفادة ذلك، لا أهمل إعطاء كل حقه، وإنما أكتبه بالفاء والواو، وإن تعسرت أو تعذرت ملاقاة الكمال، ورأيت أحداً يعرف مقامات الرجال، ويعتمد عليه في رواية ما يقال، لا أهمل شيئاً مما يتصل بعلمي، أو يغلب عليه الصدق في ظني. 392 - أحمد بن مصطفى، الشهير والده بمركز خليفة الرومي أخذ علم الحديث، والتفسير، والعربية، عن والده، وفاقه في العلم، ثم اشتغل بعلم التصوف والوعظ والتذكير، وانتفع به كثير من الناس، وصنف بعض الرسائل. وتوفي سنة ثلاث وستين وتسعمائة. وكان والده المذكور، من أهل العلم بالتفسير، والتصوف والتذكير، وتُوفي سنة تسع وخمسين وتسعمائة، رحمه الله تعالى. 393 - أحمد بن مُضر قال في " الجواهر ": قال في " الفتاوي " رؤية الله تعالى في المنام، تكلم فيه المشايخ، فقال أكثر مشايخ سمرقند: لا يجوز، حتى قيل لأحمد بن مضر: إن الرجل يقول: رأيت الله في المنام. فقال أحمد: إن مثل الإله الذي رآه في المنام كثير ما يراه الناس في السوق كل يوم. وقال أبو منصور الماتريدي: هو شرٌ من عبادة الوثن. واستحسن جواب أحمد، والسكوت في هذا الباب أحسن. انتهى. 394 - أحمد بن منصور، أبو نصر الأسْبيجابي، القاضي أحد شراح " مختصر الطحاوي ". كان من المُتبحرين في الفقه، ودخل سمرقند، وجلس للفتوى، وصار المرجع [إليه] في الوقائع، وانتظمت له الأمور الدينية، وظهرت له الآثار الجميلة. ووجد بعد وفاته صندوق له، فيه فتاوى كثيرة، كان فقهاء عصره أخطأوا فيها فوقعت عنده، فأخفاها في بيته، لئلا يظهر نُقصانهم، وما تركها في أيدي المستفتين، لئلا يعملوا بغير الصواب، وكتب سؤاللاتهم ثانياً، وأجاب على الصواب. قال في " الجواهر ": ولم يذكر السمعاني هذه النسبة. انتهى. قلت: ستأتي في الأنساب بينة على وجه الصواب، إن شاء الله تعالى. وأما تاريخ وفاته فلم أقف عليه، لكن رأيت بخط بعضهم أنه بعد الثمانين وأربعمائة. والله تعالى أعلم. 395 - أحمد بن منوصر الفقيه، الحافظ الطبري المستوطن بسمرقند. قال في " الجواهر ": قال الأسبيجابي أحمد بن منصور أبو نصر، في آخر " شرحه لمختصر الطحاوي ": وكان الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن بكر نشر هذه المسائل، وكان في نشرها وذكرها سابقاً إمام كل عصر، وقوام كل دهر، إلا أنه لم يجمعها في مؤلف، وبعده الشيخ الفقيه الحافظ أحمد بن منصور الطبري، المتوطن بسمرقند، أكرمه الله تعالى في الدارين، جمعها على غاية من التطويل، وهو في كل ذلك مفيد، وفي جمعها مجيد. ثم أشار بعد ذلك في كلامه إلى أنه هذب هذا منها، والله أعلم. 396 - أحمد بن موسى بن علي، أبو العباس، الجلاد الفرضي، النحلي قال الخزرجي: كان فقيهاً، فاضلاً في مذهب الإمام أبي حنيفة، إماماً في الفرائض والجبر والحساب، وله مصنفات مفيدة. أخذ عن والده، وغيره، وانتفع به خلق كثير، لا سيما في الفرائض، والحساب، والهندسة. وكانت ولادته في الثامن والعشرين من ذي الحجة، [في آخر سنة سبعمائة، وتوفي في الثامن عشر من ذي الحجة] سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة. 397 - أحمد بن موسى بن عمرو، أبو العباس الحلبي، شهاب الدين مدرس الفارقانية، بالقاهرة، بعد الشيخ نجم الدين إسحاق الحلبي، ودرس، وأفتى.

398 - أحمد بن موسى بن يزداد القمي القاضي

ومات بالمدرسة المذكورة، في العشر الأخير من رمضان، سنة ثلاث وسبعمائة، ودفن بتربة الإمام أبي العباس الظاهري، خارج باب النصر، بوصية منه لابن أخيه كمال الدين البسطامي، وأراد شمس الدين السروجي أن يدفنه بتربته بالقرافة، وما أمكن مخالفة كمال الدين، فلما رفع النعش توجهوا به إلى ناحية باب زويلة، فدار النعش بقوة إلى ناحية باب النصر، فتوجهوا به إلى حيث أوصى أن يدفن. وكان - رحمه الله تعالى - إماماً عالماً، عاملاً، مُكباً على العبادة، إلى أن تُوفي، رحمه الله تعالى. 398 - أحمد بن موسى بن يزداد القُمي القاضي والد محمد، الآتي في بابه، إن شاء الله تعالى. 399 - أحمد بن موسى، الشهير بالخيالي قرأ على المولى خضر بيك، وهو مدرس بسلطانية بروسة، وصار معيداً عنده، وقرأ على غيره من فضلاء عصره، وحصل إلى أن فاق الأقران، وصار مدرساً ببعض المدارس. ثم لما مات المولى تاج الدين، الشهير بابن الخطيب، وهو مدرس بمدرسة أزنيق، تأسف السلطان محمد عليه، وعين مكانه صاحب الترجمة، وجعل له من العلوفة كل يوم مائة وثلاثين درهماً عُثمانياً، وكان إذ ذاك متأهباً للحج الشريف، فلم يقبل، فألح عليه الوزير محمود باشا في القبول، فقال له في الجواب: لو أعطيتني أنت وزارتك، وأعطاني السلطان سلطنته، ما تركت الحج لهما. فعرض الوزير على السلطان جوابه، غير أنه لم يذكر له السلطنة، حياء منه، فأعجبه ذلك، وزاد فيه رغبة ومحبة، وفوض إليه التدريس المذكور، وأمره أن يستنيب عنه إلى حين عوده، فقبل ذلك حينئذ. ولما عاد من الحج ما لبث إلا يسيراً، ولحق باللطيف الخبير، وكان سنه إذ ذاك ثلاثاً وثلاثين سنة. وكان، رحمه الله تعالى، مع صغر سنه، من العلماء العاملين، لا يفتر عن الاشتغال بالعلم، والعبادة، ولا يأكل إلا مرة واحدة في اليوم والليلة، كثير التفكر، طويل الصمت. وله مؤلفات؛ منها: " حواش على شرح العقائد النسفية " مختصرة، يمتحن بها أذكياء الطلبة، و " حواش على أوائل حاشية شرح التجريد "، و " شرح نظم العقائد " للمولى خضر بيك. وكتب بخطه الكثير، من ذلك: " تفسير القاضي "، و " التلويح "، وغيرهما، وعلى هوامش كل من الكتابين المذكورين بخطة مباحث لطيفة مفيدة. وبالجملة، فقد كان من فضلاء الدولة العثمانية. 400 - أحمد بن ناجِم روى عن نصير بن يحيى، عن الحسن بن مسهر عن محمد بن الحسن، أنه قال: جواز إجازة الظر دليل على فساد بيع لبنها؛ لأنه لما جازت الإجارة ثبت أن سبيله سبيل المنافع، وليس سبيل الأموال، لأنه لو كان مالاً لم تجز إجارته، ألا ترى، لو أن رجلاً استأجر بقرة على أن يشرب لبنها لم تجز الإجازة. 401 - أحمد بن ناصر بن طاهر، أبو المعالي، العلامة برهان الدين الحُسيني ذكره البرزالي، فقال: كان إماماً علامة، زاهداً، عابداً، مفنناً، وعنده انقطاع، وعبادة، وزهد، ومعرفة بالتفسير، والفقه، الأصول. صنف " تفسيراً " في سبع مجلدات، وصنف في أصول الدين " كتاباً " فيه سبعون مسألة. وذكره الذهبي، في " طبقات الصوفية "، وذكر أنه سمع من ابن اللتي، وغيره، وأنه ساح مدة في برية الخطا. قال: وكان إمام محراب الحنفية بدمشق. وتوفي ببيته، في المنارة الشرقية، وترك دنيا واسعة، وتجارات. انتهى. وكانت وفاته في شوال، سنة تسع وثمانين وستمائة. 402 - أحمد بن نصر حدث بكتب أبي حنيفة، وأبي يوسف، عن أبي سليمان الجورجاني، عن محمد ابن الحسن، سمعها أحمد بن إسماعيل بن جبريل. أورد ذلك ابن ماكولا. كذا في " الجواهر المضية ". 403 - أحمد بن نصر، أبو نصر، اللباد النيسابوري شيخ الحنفية بها، أستاذ إبراهيم بن محمد الخدامي النيسابوري. ذكره في " الجواهر "، ثم قال: لعله أحمد بن محمد بن نصر، المذكور قبله. انتهى. قلت: مراده بقبله، القبيلة المطلقة، أي المذكور سابقاً، فيمن اسمه أحمد بن محمد بن نصر. انتهى. 404 - أحمد بن نعسان، الإمام الفاضل، شهاب الدين أبو العباس، البصراوي قال اليونييني: مولده في سنة أربع وأربعين وستمائة، بالكفير، من عمل بصرى، وكان فاضلاً، ملازماً للاشتغال والمطالعة، وحج مرات، ودرس بالمدرسة الدماغية، وكان مواظباً على الشهادة، والتردد إلى القضاة.

405 - أحمد بن نور الدين بن حمزة، الشهير بابن ليسى الرومي

وحدث عن القاضي شمس الدين بن عطا، بأحاديث من " المسند " و " العلامات ". انتهى. ومات سنة أربع عشرة وسبعمائة، بالمدرسة الشبلية، ظاهر دمشق، ودفن ضُحى يوم الأحد، بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى. 405 - أحمد بن نور الدين بن حمزة، الشهير بابن ليسى الرومي أحد فضلاء الديار الرومية. قرأ على علماء عصره، ودرس بإحدى الثمان، وغيرها، وولي قضاء مصر مرتين، وكان ذا ثروة عظيمة، وكتب كثيرة. توفي سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، تغمده الله تعالى برحمته. 406 - أحمد بن هارون بن إبراهيم، أبو العباس، الفقيه الحاكم، المعروف بالتبان سكن نيسابور، وسمع بها؛ أبا القاسم عبد الرحمن بن رجاء البزديغري، وأبا نصر أحمد ابن محمد بن نصر، وأبا الفضل العباس بن حمزة، وغيرهم، وبمرو؛ يحيى بن سامويه بن عبد الكريم الدهلي، وأقرانه، وبالري؛ علي بن الحسن بن الجنيد، ومحمد بن أيوب، وأقرانهما، وبالعراق؛ عبد الله بن أحمد بن حنبل، وارقانه، وبالحجاز؛ علي بن عبد العزيز البغوي. سمع منه الحاكم، وذكره في " تاريخ نيسابور "، وقال: شيخُ أصحاب أبي حنيفة، ومفتيهم في عصره. توفي يوم الأحد، الثاني من رجب، سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، وشهدت جنازته في ميدان الحسين، وصلى عليه ابنه أبو صادق. وذكره السمعاني، في باب التبان، نسبة إلى بيع التبن، قال: والمنسوب إليه أبو العباس التبان، إمام أصحاب أبي حنيفة بنيسابور. 407 - أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زُهير أبو الحسين، العُقيلي، الحلبي مولده سنة أربع وخمسين وأربعمائة. حدث بحلب، عن أبيه. ومات سنة أربع عشرة وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 408 - أحمد بن هبة الله بن أسعد بن عبد الله، أبو العباس المعروف بابن البختي قال ابن النجار: سمع أبا البركات عبد الوهاب الأنماطي، وأبا الوقت عبد الأول، وحدث. روى لنا عنه عبد الله بن أحمد المُقري " مشيخته ". وقال لنا عبد الجبار: توفي في أول رجب، من سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 409 - أحمد بن هبة الله بن سعد الله بن سعيد بن سعد ابن مقلد بن صالح بن مقلد بن علي بن يحيى بن أبي جعفر أحمد بن عُبيد الجبراني - وأحمد بن عُبيد هذا هو أخو أبي عبادة الوليد بن عبيد البحتري الشاعر - النحوي المقري، الحنفي كذا ذكره ابن شهبة في " طبقات النحاة واللغويين ". وقال في " الجواهر ": أحمد بن هبة الله بن سعد الله بن سعيد الجبراني المغربي النحوي. حدث عن أبيه، وعن أبي الفرج يحيى بن محمود الثقفي. مولده سنة إحدى وستين وخمسمائة. ومات بحلب، سنة ثمان وعشرين وستمائة، دفن تحت جبل جوشن. ذكره المُنذري، في " التكملة "، وقال: لنا عنه إجازة، كُتبت لنا عنه من حلب، سنة خمس وعشرين وستمائة. انتهى. قال ابن شُهبة: والجبراني؛ بكسر الجيم، ثم موحدة ساكنة، ثم راء، وبعد الألف نون: نسبة إلى بيت جبر بن قُورسْطايا، من قرى حلب، من ناحية عزاز، على غير قياس، وتعرف بجبرين الشمالي أيضاً، ذكره كذلك أبو العلاء الفرضي، وقال الذهبي: الجبراني، بفتح الجيم ويشكله بعضهم بضمنها. انتهى ما قاله ابن شهبة، ومن خطه نقلت. وذكره الحافظ جلال الدين السيوطي، في " طبقات النحاة "، وأثنى عليه، بنحو ما هنا، والله أعلم. 410 - أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله ابن أحمد بن يحيى، أبو الحسن ابن أبي جرادة والد الصاحب كمال الدين، وهو ابن أخي أحمد بن هبة الله، الذي تقدم ذكره قريباً. مولده بحلب سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. سمع أباه، وغيره، وولي القضاء بحلب. وتوفي سنة ثلاث عشرة وستمائة، رحمه الله تعالى. 411 - أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أبي جرادة الحلبي، أبو الحسن، قاضي القضاة عُرف بابن العديم وأهل بيته فيهم العلم، والرياسة، وهو والد محمد الآتي، وجد ابنه عبد العزيز، وعبد العزيز هذا هو والد عمر، وجد ابنه محمد، وسيأتي كل منهم في بابه، إن شاء الله تعالى. قال في " الجواهر ": أظنه الذي قبله، والله أعلم. 412 - أحمد باشا بن ولي الدين، السيد الشريف الحُسيني أحد علماء الديار الرومية.

413 - أحمد بن يحيى بن أحمد بن زيد بن ناقه الكوفي الإمام، الفقيه، النحوي

اشتغل كثيراً، وحصل من العلم جانباً غزيراً، وصار مدرساً بمرادية بروسة، ثم صار قاضياً بمدينة أدرنة، ثم جعله السلطان محمد قاضياً بالعسكر المنصور، ثم معلماً لنفسه، ومصاحباً له، ومال إليه الميل الزائد حتى استوزره، ثم جرى بينهما أمر أدى إلى عزله عن الوزارة، ثم جعله أميراً على بعض البلاد، مثل تيرة، وأنقرة، وبروسة. مات وهو أمير ببروسة، في سنة اثنتين وتسعمائة، ودفن بها. وقيل في تاريخ وفاته بحساب الجمل: " إن في الجنات مأوى روحه ". وكان رحمه الله تعالى من السخاء والمروءة، وعلو الهمة، على جانب عظيم، ولم يخلف ولداً، لأنه لم يتزوج أبداً حتى رمي لأجل ذلك بالميل إلى الغلمان، وقيل: بل كان عنيناً، فلذلك لم يتزوج، والله تعالى أعلم. 413 - أحمد بن يحيى بن أحمد بن زيد بن ناقه الكوفي الإمام، الفقيه، النحوي قال: في " الجواهر ": رأيت له " المسائل الكوفية، للمتأدبة الكرخية " نحواً من كراسة، وذكر أنه رأى في آخرها طبقة سماع عليه ببغداد، تاريخها يوم الأربعاء، ثاني جمادى الأولى، سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة. 414 - أحمد بن يحيى بن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ولي القضاء بمدينة السلام، بعد ابن أبي العنبس الكوفي. قال طلحة بن محمد بن جعفر: واستقضى أحمد بن يحيى بن أبي يوسف، سنة أربع وخمسين ومائتين، وكان متوسطاً في أمره، شديد المحبة للدنيا، وكان صالح الفقه على مذهب أهل العراق، ولا أعلمه حدث بشيءٍ، ثم عزل، واستقضى ثانية، وعُزل وولى الأهواز، ثم توجه إلى خراسان، فمات بالري، رحمه الله تعالى. 415 - أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى ابن عبيد الله بن محمد، القاضي، أبو الحسن ابن أبي جعفر العُقيلي وأبو الحسن هذا هو جد والد الصاحب كمال الدين ابن العديم. وهو أول من ولي القضاء من هذا البيت بمدينة حلب، وليه في سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. وكان مولده بحلب سنة ثمانين وثلاثمائة. قرأ الفقه على القاضي الفقيه أبي جعفر محمد بن أحمد السمناني، بحلب، وعلق عنه " التعليق " المنسوب إليه. روى عنه ابنه أبو الفضل هبة الله بن أحمد. وألف أبو الحسن هذا كتاباً، ذكر الخلاف بين أبي حنيفة وأصحابه، وما تفرد به عنهم. وحج سنة أربع وعشرين وأربعمائة، وأخذته العرب بتبوك مع جماعة من الحلبيين. 416 - أحمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسين، القاضي أبو نصر، النيسابوري، الناصحي من بيت العلم والقضاء. روى عنه عبد الرحيم السمعاني. ومات في عشر الخمسين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 417 - أحمد بن يحيى بن أيوب بن حسن بن عطاء شهاب الدين، الحنفي ولد سنة..... وسمع من عبد الوهاب بن محمد المقدسي " جزء الحريري " صاحب " المقامات "، وحدث. ومات سنة ... ، رحمه الله تعالى. 418 - أحمد بن يحيى بن محمد بن علي بن أبي القاسم بن علي ابن أبي الفضل الدمشقي، تاج الدين ابن السكاكري كان كاتباً مجيداً، عارفاً بالشروط، بارعاً فيها، غاية في إخراج علل المكاتيب، وقد كتب في مجلس الحكم لابن الزملكاني حين كان قاضي حلب، وولي بها كتابة الدرج. وكان قد سمع من التقي سليمان العاشر من " الخراساني "، و " درجات التائبين "، وقطعةً من " صحيح البخاري " وغير ذلك، وحدث. ومات بحلب، سنة خمس وستين وسبعمائة، وله خمس وستون سنة. وذكره صاحب " درة الأسلاك "، وقال في حقه: عالم تاجه على الذرى، وقلمه حسنُ السير والسرى، وأمانته نامية الزرع، وعدالته ثابتة الأصل والفرع. كان كاتباً مجدياً، فاضلاً فريداً، بارعاً في صناعة الشروط، غيثاً للإجابة عنها عند القنوط، عارفاً بعلل المكاتيب الحكمية، خبيراً بسُلوك طرائقها العملية والعلمية. ورد إلى حلب، صُحبة قاضي القضاة كمال الدين ابن الزملكاني، وبلغ في أرجائها فوق ما كان يرجوه من الأماني، وكتب الحكم في مجالسها، والإنشاء في ديوانها، واستمر إلى أن أنشبت المنية به أظفار عُقبانها. رافقته في كتابة جماعة من قضاة حلب، وسمعت من فوائده، وكتبت إليه حين ولى كتابة الدرج بها: أَياماً جِداً في الناس نُسْخةُ فضلِهِ ... مُقابلةٌ قد أصبحتْ منه بالأَصْلِ

419 - أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد، الإمام الأديب، أبو العباس، شهاب الدين الشهير بابن أبي حجلة

لَقَد سُرَّسِرُّ الدَّرْجِ لمَّا حَلَلْتَهُ ... ولِمْ لاَ ومِنْ مَرْآكَ قد فاز بالوَصْلِ 419 - أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد، الإمام الأديب، أبو العباس، شهاب الدين الشهير بابن أبي حجلة ذكره ابن حجر، في " إنماء لغمر "، فقال: ولد بزاوية جده بتلمسان، سنة خمس وعشرين وسبعمائة، واشتغل. ثم قدم إلى الحج فلم يرجع، ومهر في الأدب، ونظم الكثير، ونثر فأجاد، وترسل ففاق، وعمل " المقامات "، وغيرها. وكان حنفي المذهب، حنبلي المعتقد، وكان كثير الحط على الاتحادية، وصنف " كتاباً " عارض قصائد ابن الفارض بقصائد كلها نبوية، وكان يحط عليه، لكونه لم يمدح النبي صلى الله عليه وسلم، ويحط على نحلته ويرميه، ومن يقول بمقالته، بالعظائم، وقد امتحن بسبب ذلك على يد السراج الهندي. قال، أعني ابن حجر: قرأت بخط ابن القطان، وأجازنيه: كان ابن أبي حجلة يبالغ في الحط على ابن الفارض، حتى إنه أمر عند موته، فيما أخبرني به صاحبه أبو زيد المغربي، أن يوضع الكتاب الذي عارض به ابن الفارض، وحط عليه فيه، في نعشه، ويدفن معه في قبره، ففعل به ذلك. وقال: وكان يقول للشافعية: إنه شافعي. وللحنفية: إنه حنفي. وللمحدثين: إنه على طريقتهم. قال: وكان بارعاً في الشعر، مع أنه لا يحسن العروض، وعارض " المقامات " فأنكروا عليه. وكان كثير العشرة للظلمة، ومدمني الخمر. قال: وكان جده من الصالحين، فأخبرني الشيخ شمس الدين بن مرزوق، أنه سُمي بأبي حجلة، لأن حجلة أتت إليه، وباضت على كمه. وولي مشيخة الصهريج الذي بناه منجك. وكان كثير النوادر، والنكت، ومكارم الأخلاق. ومن نوادره، أنه لقب ولده جناح الدين. وجمع مجاميع حسنة؛ منها " ديوان الصبابة "، و " منطق الطير "، و " السجع الجليل، فيما جرى من النيل "، و " السكردان "، و " الأدب الغض "، و " أطيب الطيب "، و " مواصيل المقاطيع "، و " النعمة الشاملة، في العشرة الكاملة "، و " حاطب ليل " عمله: ك " التذكرة " في مجلدات كثيرة، و " نحر أعداء البحر "، و " عنوان السعادة، ودليل الموت على الشهادة "، و " قصيرات الحجال "، وغير ذلك. وهو القائل: نظمي عَلاَ وأَصْبَحَتْ ... ألفاظه مُنَمَّقَهْ فكلُّ بيتٍ قلتهُ ... في سطحِ داري طَبَقَهْ ومن شعره أيضاً: الطَّرْفُ مِنْ فَقْدِ الكَرَى ... يَشْكُو الأَسَى إلَيهِ والخَدُّ من فَرْطِ البُكَا ... يا ما جَرَى عليْهِ ومنه في صيرفي: يا سائِلاً عن حالتي ما حالُ مَنْ ... أمسى بعيدَ الندارِ فاقدَ إلْفِهِ بي صَيْرَفيٌ لا يَرِقُّ لِحالَتِي ... قد مُتُّ مِن جُورِ الزمانِ وَصَرْفِهِ ومنه في بادهنج: وبادَهَنْجٍ لا خَلَتْ ... دِيارُنا مِن حِسِهِ كأَّنَهُ متَيَّمٌ ... يلقَى الهوى بتَفْسِهِ ومنه أيضاً: يا بَادَ هَنْجِي لا بَرِحْتَ من الهوى ... مِثلي على حُبِّ الديارِ مُوَلِّها داري بحُبِّك لم تزلْ مَعْشُوقةً ... خُلِقَتْ هواك كما خُلِقْتَ هَوى لها ومنه أيضاً، مضمناً أيضاً: هَجا الشعراء جَهْلاً بادَهَنْجِي ... لأن نسميه أبداً عَلِيلُ فقال البَادَهَنْجُ وقد هَجُوْهُ ... إذا صحَّ الهوى دَعْهُم يقُولُوا ومنه أيضاً في شاذروان: وَشَاذَرْوان ماءٍ باتَ يَجْرِي ... كَعَيْنِ الصَّبِّ رُوِّعَ يومَ بَيْنِ إذا ما قيل جُدْ بالْما سرِيعاً ... يقول: نَعَمْ علَى رأسي وعَيْني وقال، مضمناً: قُل للهلال وغَيْمُ الأُفقِ يَسْتُرُهُ ... حكيتَ طَلْعةَ مَن أهواهُ بالْبَلَجِ لَكَ البِشارةُ فاخلعْ ما عليك فقدْ ... ذُكِرْتَ ثمَّ على ما فيك من عوجِ وله أيضاً: قالت وقد أنكرت سقامي ... لم أر ذا السقْمَ يومَ بَيْنِكْ لكِنْ أصبابك عينُ غَيْري ... فقلتُ لا عَيْنَ بعدَ عَيْنِكْ وله أيضاً: أَمُعَطِّلَ الكاسَاتِ عن عُشاقِها ... يكفيكَ بالتعطيل عَيْباً عائِباً

420 - أحمد بن يهوذا، الشهاب، الدمشقي ثم الطرابلسي، النحوي

ذَهَبْ كُؤُوسكَ بالمدامِ فقد أرَى ... للناسِ فيما يعشقون مَذاهِبَا فمتى سلكت مِن الهُمومِ مَهالِكاً ... صادفتَ في فتح الدنان مَطالِبَا ومتى امْتَطَيْتَ مِنَ الكُؤُوسِ كُميْتَهَا ... أَمْسَيْتَ تَمْشي في المسرةِ راكِبا ومَتَى طَرَقْتَ عَشِيَّ أُنسٍ دَيْرَها ... لم تلقَ إلاَّ راغِباً أو رَاهِبا وقال مضمناً، وأجاد: يا صَاح قد حضر المُدام ومُنيَتِي ... وَحَظِيتُ بعدَ الهَجْرِ بالإِيِناسِ وكَسا العِذَارُ الخَدَّ حسناً فاسقِنِي ... واجعلْ حديثَك كُلَّه في الكاسِ وقال مضمناً أيضاً: يقول عارضُ حِبي حينَ مَرَّ على ... رَوْضِ الخُدودِ كمرِّ الطَّيْف بالوَسَنِ أَصْبَحْتُ أَلْطَفَ من مرِّ النَّسِِيمِ على ... زَهْرِ الرياضِ يكادُ الوَهْمُ يُؤْلمُنِي وقال مضمناً أيضاً: يقول العاذِلُونَ نَرَى رَماداً ... علَى خَدَّيْهِ من شعَرِ العِذارِ فقُلتُ لهم صدَقْتُمْ غيرَ أني ... أرى خَلَلَ الرَّماد وميضَ نارِ وله شعر كثير، وعنده أدب غزير، ومن أراد غير ما هنا، فعليه بمراجعة دواوينه، ومطالعة مجاميعه، فإن فيما ما يُقر العين، ويشرح الصدر. 420 - أحمد بن يهوذا، الشهاب، الدمشقي ثم الطرابلسي، النحوي ذكره في " الضوء اللامع "، وقال: ولد سنة بضع وسبعين، وتكسب بالشهادة، وتعاني العربية، فمهر فيها، واشتر بها، وأقرأها، وانتفع الناس به فيها، وشرع في نظم " التسهيل "، فنظم سبعمائة بيت، ومات قبل إكماله. وكان تحول بعد فتنة اللنك إلى طرابلس، فقطنها إلى أن مات بها، في آخر سنة عشرين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. انتهى. قلت: أثنى عليه ابن حجر، في " إنبائه "، وما قاله السخاوي مأخوذ منه. ورأيت في بعض المجاميع، معزوا إليه من الشعر، قصيدة، لا بأس بإيرادها، وهي قوله: ما شئتُمُ أيُها العُذَّالُ لي قولوا ... طَعْمُ المَلامِ بضكْرِ الحِبِّ مَعْسُولُ عذبٌ لَدَىّ عذابِي في محبَّتِهم ... فقَصَّرُوا في مَلامِ الصَّبِّ أو طيلوا نعم صدقتُم بأن الحبَّ مَهْلَكَةٌ ... لكنْ جَناحِي إلى الساداتِ مَنْسُولُ ولستُ أوَّلَ من غَرَّ الغرامُ به ... ولا حديثي لدى الحُفَّاظِ مجهولُ قد هام في عَزَّة قبلي كُثَيِّرُها ... ومات قيسٌ بليلي وهو مشغولُ وذَلَّلَتْ عَبْلَةٌ قبلي لِعَنْتَرِها ... ولم يَكُنْ فيه لولا الوَجْدُ تَذْلِيلُ وفي جَمِيلٍ حديثٌ معَ بُثَيْنَتِهِ ... قديمُ عَهْدٍ بِطَيِّ الطِّرْسِ محمولُ وجاء في نِسْوَةٍ قَطَّعْنَ مِن شَغَفٍ ... بحُسْنِ يوسفَ أَيْدِيهِنَّ تَنْزِيلُ وقال كعبٌ وقد بانتْ سُعاد جَوىً ... بانتْ سعادُ فقلبي اليومَ مَتْبُولُ يا راحلين بقلبٍ قد جنى تَلَفِى ... قِفُواء فؤادي فهو اليومَ مَسْئولُ يا قلبُ مالك لا تلوى على جَسَدٍ ... كَسَوْتَه سَقَماً ما عنه تَحْوِيلُ أهل الحجازِ فَدَتْكُمْ كلُّ جارِحةٍ ... أليس فيكم فؤادُ الصَّبِّ مَكْبُولُ أليس منكم رسولُ الله وهو بكم ... وعنكُمُ قِيله للناسِ مَنْقُولُ صلى الإله على المختار ما صَدَحَتْ ... وُرْقٌ وزِيدَ من الرحمنِ تَبْجيلُ ومن المنسوب إليه في " المجموع " المذكور، هذه القصيدة: أرى الأحبة عن شكوايَ قد عَدَلُوا ... وبين أهلِ الهوى في الوصلِ ما عَدَلُوا خَلَّوا فؤادي ولكنْ حرَّقُوه جَوىً ... ما بالهم خرَّبُوا بيتاً به نزلوا يا ليت شعري دَمِي دون الورى سَفَكُوا ... أم هم كذلك ما زالوا ولم يزلوا بل لو رأيت غَداة البَيْنِ ما صنعُوا ... بالناس كم أسرُوا قوماً، وكم قتلوا يا حادي العِيسِ قِفْ بالقوم إنَّهُمُ ... مِنْ جِرم نَصْلٍ رَمَوْا في القلب ما نَصَلُوا

421 - أحمد بن يوسف بن عبد الواحد بن يوسف أبو الفتح الأنصاري، السعدي المنعوت بشهاب الدين

سَلْهُمْ بما حللوا تعذيب سائلهم ... وما جَوابُهُمُ عنه إذا سُئِلُوا أَهكذا قَسْوَةُ الأَحْبابِ ما بَرِحَتْ ... أمْ هؤلاء مِن الأجْبالِ قد جُبِلُوا ومنها: رَامُوا صَلاحِي بِلَوْمي لَيْتَهم سَكَتُوا ... قد حركوا خَبْلَ مجنونٍ وما عَقَلُوا كم أَحَّجُوا بِمَلامِ الصَّبِّ نارَ جَوى ... ضَرُّوا وما شَعَرُوا يا بئسَ ما فعلوا رَوَوْا بأنيَ مَفْتُونٌ وقد صَدَقُوا ... وما خَفِيَ عنهُم فوق الذي نَقَلُوا أهل الحجاز وإن جارُوا وإن هَجَرُوا ... هم بُغَيَتِي قَطَعُوني اليومَ أم وَصَلُوا لهم على كلِّ من في الكائنات عُلاً ... ودُونَهُمْ كلُّ مَنْ يَحْفَى ويَنْتَعِلُ إن كان عنِّي لهم بُدٌّ فَدَيْتُهُمُ ... فليس لي عنهم بُدٌ ولا حِوَلُ إن كان من قَصْدِهم قتلى بهَجْرِهِمُ ... على الذي قصدُوا مِن هجرهم حَصَلُوا عليك بابن يَهُوذَا مَدْحُهم أبداً ... لعلَّ يَمْحُو كتاباً كُلُه زَلَلُ 421 - أحمد بن يوسف بن عبد الواحد بن يوسف أبو الفتح الأنصاري، السعدي المنعوت بشهاب الدين كان إماماً، عالماً، محدثاً، مُفتياً. ولد بحلب، وتفقه بها، ثم سافر إلى الموصل، وتفقه بها على الجلال الرازي، وسمع الحديث، وقرأ علم النظر والخلاف، وبرع فيهما. سمع منه أبو حفص عمر ابن العديم، وقال: استدعى في أيام المستنصر بالله إلى بغداد، ليدرس بالمدرسة المستنصرية، فتوجه إليها، ودرس بها في يوم الخميس، العشرين من جمادى الأولى، سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وهو ثاني مدرس ذكر التدريس بها، ثم عاد إلى بلده في صفر، سنة خمس وثلاثين. وأول مدرس بها من أصحابنا عمر بن محمد الفرغاني، والد يوسف، الآتي ذكره في بابه. 422 - أحمد بن يوسف بن علي بن محمد بن أحمد أبو نصر، وقيل أبو العباس عماد الدين، الحُسني مولده سنة نيف وستين وخمسمائة، بحلب. سمع الحديث من أبي هاشم (عبد المطلب بن الفضل) الهاشمي، شيخ الحنفية، وتفقه على أحمد بن محمد بن محمود الغرنوي. وخرج من حلب إلى مصر، حين وصل التتر إلى بلاد الروم، سنة أربعين وستمائة، وحدث بها، وأضر بمصر. ثم عاد إلى حلب، فأقام صابراً مُحتسباً، إلى أن مات في بعض شهور سنة ثمان وأربعين وستمائة، رحمه الله تعالى. 423 - أحمد بن يوسف الأزرق بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول ابن حسان بن سنان، أبو الحسن، التنوخي الأنباري الأصل حدث عن عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان الثقفي، ومحمد بن جرير الطبري، وعبد الله ابن إسحاق المدائني، وإسحاق بن بيان بن معن الأنماطي، وعبد الله بن محمد البغوي، وغيرهم من هذه الطبقة. قال الخطيب: قال لي علي بن المحسن: ولد أبو الحسن بن الأزرق ببغداد، في المحرم، لعشر خلون منه، من سنة سبع وتسعين ومائتين، سمعته يذكر ذلك. وحمل عن جماعةٍ من أهل العلم والأدب، منهم: علي بن سليمان الأخفش، وابن دريد، وابن شُقير النحوي، ونفطويه. وكان حافظاً للقرآن، قرأه كله على ابن مجاهد، بقراءة أبي عمرو بن العلاء، وأخذ شيئاً من النحو عن أبي بكر السراج، وأبي إسحاق الزجاج. وحمل قطعة من اللغة والنحو، عن ابن الأنباري ونفطويه. وقرأ الكلام في الأصول على أبي بكر بن الأخشاد، ثم على ابن هشام الجُبائي. ودرس من الفقه قطعة على أبي الحسن الكرخي. ومات يوم الجمعة، لأربع خلون من المحرم، سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وقالت بنته طاهرة: مات أبي يوم الجمعة، لأربع خلون من المحرم، سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وهو أخو أبي غانم محمد بن يوسف الأزرق. 424 - أحمد بن الشبذي، أبو الفضل العلاَّمة رشيد الدين قرأ كتاب " المُلخص " في الفتاوي على أبي المحامد محمد بن أحمد بن أبي الخطاب، تصنيفه، وأجاز له جميع مسموعاته، وقرأ عليه " الشمائل " للترمذي، وتخرج به، وذكره في " مشيخته ". 425 - أحمد، المعروف بالقاري من أصحاب محمد بن الحسن.

426 - أحمد القلانسي، الإمام

روى عنه، عن أبي حنيفة، أن المعلومات العشر، وعن محمد أنها أيام النحر الثلاثة؛ الأضحى، ويومان بعده. هكذا ذكره الكرخي. وذكر الطحاوي أن قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، أن المعلومات العشر، والمعدودات أيام التشريق. قال أبو بكر الرازي: والذي روى أبو الحسن عنهم أصح. 426 - أحمد القلانسي، الإمام قال في " خُلاصة الفتاوي "، في مجموع النوازل: سئل الشيخ الإمام عن من ضرب امرأته، وقال: دوداد طلاق. قال: لا تُطلق. وسئل الإمام أحمد القلانسي، عن من وكز امرأته، وقال: إنك طالق، ثم وكزها ثانية، وقال: إنك دو طلاق، ثم وكزها ثالثاً، وقال: (سِه طلاق) . قال: تُطلق ثلاثاً. وشيخ الإسلام يقول: سمى الضرب طلاقاً فبطل، والإمام أحمد: سمى الطلاق فيقع. قوله: دُو دَاد يعني هذا، وقوله: إنك [يعني] هذا طلاق، وقوله: دُو، يعني اثنين، وقوله: سه. يعني ثلاثاً. كذا نقلت هذه الترجمة من " الجواهر ". 427 - أحمد والد عبد الجبار الفرضي، الآتي محله، إن شاء الله تعالى. 428 - أحمد المارديني، المنعوت فصيحُ الدين درس بالشبلية، وكان قد اشتغل بحلب، وأقام ببلاد الروم مدة طويلة، وولي هناك نيابة الحكم، ودرس أيضاً. ودفن بجبل قاسيون، يوم الخميس، سنة ثمان وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى. 429 - أحمد، شهاب الدين، البلبيسي مدرس المدرسة البدرية التي برحبه الأيدمري. مات عن سن عالية فُجاءة، سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة. ذكره الولي العراقي. 430 - أحمد الهندي ذكره الشيخ بدر الدين الغزي، في " رحلته " إلى الديار الرومية، عند من اجتمع به في مدينة حلب من الأفاضل والأعيان، فقال: ومنهم الشيخ المحقق، والإمام المدقق، حسنة الليالي والأيام، وقرة عين المسلمين والإسلام، الشهاب أبو العباس أحمد الهندي الحنفي، عامله الله تعالى وإيانا ببره الوفي، ولطفه الخفي، آمين. ثم قال: شيخ له في تحقيق العلوم قدم عال، وأشتاتُ معال، وخاطر يجول في أوسع مجال، فيبرز نفائس لآل وعرائس جمال، ويأتي بسحر حلال، وبحر زلال، فضائل مثلُ الحصا كثرة، وخاطر يغرف من بحره. كان عندنا بالشام مدة، وأقام يدرس بالجامع الأموي في كتب عدة. وهو محسب معتقد، غير شان، ولا منتقد، لطيف الذات والطباع، بخلاف من يأتي من تلك البقاع. ثم قال: سلم علي، وتردد إلي، وسمع مني، وأخذ عني. وذكرت بحضوره قول ابن عباس، وتبعه الشعبي، بجواز صلاة الجنازة بغير طهارة، فاستفاده وتلقاه بالقبول، ثم أيده بقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى: يجوز التيمم لها مع وجود الماء، وأنها عنده لا تبطل بالقهقهة. وعلل ذلك بأنها عنده صلاةٌ من وجه، ودعاء من وجه. وبحثت معه في غير ذلك أيضاً. انتهى كلام البدر الغزي، رحمه الله تعالى. 431 - أحمد البروسوي، شمس الدين من رجال " الشقائق ". ذكر أنه أخذ عن علاء الدين الجمالي، وغيره، وأنه صار مدرساً ببعض المدارس. وأنه توفي في أوائل سلطنة السلطان سليمان بن السلطان سليم خان. قال: وكان عالماً، عاملاً، مشتغلاً بالعلم الشريف آناء الليل، اطراف النهار، لا يفتر عن ذلك، وكان له ذكاء مفرط، وذوق سليم، حل بهما كثيراً من غوامض العلوم، وكانت له تعليقات وحواش كثيرة، ضاعت بعد وقاته. 432 - أحمد الرومي الكرمياني الشهير بشمس الدين الأصغر قرأ على بعض الأفاضل، بالديار الرومية، وصار مدرساً بمدارس متعددة، منها مدرسة السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان، بمدينة إصطنبول، وهو أول مدرس بها. وكان من فضلاء بلاده، وله مشاركة في كثير من العلوم. توفي سنة سبع وخمسين وتسعمائة، تغمده الله برحمته. 433 - أحمد، شمس الدين الرومي الشهير بقراجه أحمد كان من فضلاء عصره بالديار الرومية، وصار مدرساً بمدرسة السلطان بايزيد خان، بمدينة بروسة. ومات وهو مدرس بها، في أواسط شعبان، سنة أربع وخمسين وثمانمائة. وكان كتثير الاشتغال، مواظباً عليه، لكنه كان بطيء الفهم، ولم يزل مع ذلك يدأب ويحصل، حتى بلغ بالتكرار، مبلغ الأفاضل الأخيار.

434 - أحمد، شمس الدين، الرومي المشهور بدينقور أحمد

وصنف حواشي على المختصرات، انتفع بها كثير من الطلبة؛ منها: " حواش على شرح الرسالة الأثيرية، في الميزان " للحسام الكاتي، و " حواش " على " شرح الشمسية " للسيد الشريف، و " حواش " على " شرح الشمسية " للتفتازاني، و " حواش " على " شرح العقائد " له أيضاً، رحمه الله تعالى. 434 - أحمد، شمس الدين، الرومي المشهور بدينقور أحمد كان مدرساً ببعض البلاد الرومية، ثم صار مدرساً بمدرسة السلطان بايزيد خان بن السلطان مراد الغازي، بمدينة بروسة. وتوفي، وهو مدرس بها. وله تصانيف مفيدة؛ منها: " شرح المراح " في الصرف، و " حواش " على " شرح آداب البحث " لمسعود الرومي، و " شرح المقصود " في الصرف. 435 - أحمد الرومي، الشهير بشمس الدين الماشي اشتغل، وحصل، وصار مدرساً بمدينة أدرنة، بدار الحديث، وبمدرسة السلطان بايزيد بأماسية. ومات وهو مدرس بها. وكان فيما قيل: من فضلاء تلك الديار، وفقهائها، وكان يُفتي بمدينة أماسية، رحمه الله تعالى. 436 - أحمد الرومي، الشهير ببير أحمد وهو غير بير أحمد المشهور بالمجعول الأيديني. قرأ على المولى أحمد باشا المُفتي، وغيره، وصار مدرساً بمدرسة السلطان مراد خان، ببروسة، وغيرها، وولي قضاء حلب. ومات في عشر الخمسين بعد التسعمائة. وكان، فيما ذكر، من فضلاء الديار الرومية، وممن له مشاركة في العلوم، وله تعليقات على بعض المباحث، رحمه الله تعالى. 437 - أحمد، السيد الشريف الحُسيني قاضي المدينة الشريفة. أخو السيد حسن، نقيب الأشراف، الآتي ذكره في محله، المشهور والده بالقاضي البغدادي. قرأ، واشتغل، وحصل، وصارت له فضيلة. وولي تدريس إحدى الثمان، ثم صار مدرساً بمدرسة السلطان بايزيد، بمدينة أماسية، ومفتياً بولايتها، ثم صار مدرساً بسليمانية دمشق، ومفتياً بها، ثم ولي قضاء المدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، واستمر بها قاضياً إلى أن مات. وكان أبوه من فضلاء الديار الرومية. وله " شرح " على تجريد الطوسي، و " حاشية " على مباحث أغلاط الحس، من " شرح المواقف " للسيد، وهي حاشية جيدة، وغير ذلك. كذا أخبرني بعض الفضلاء بالديار الرومية. 438 - أحمدي الشاعر الرومي المشهور في تلك البلاد، قال ابن عرب شاه: هو شاعر الروم بالتركي، وهو أظرف من نشأ من شعرائهم وأدبائهم. له " إسكندرنامه "، وله " ديوان " مشهور، وله كتاب يسمى " مرقاة الأدب "، وشرح قصيدة الصرصري المُصنعة، التي يخرج من كل بيت منها حروف الهجاء كلها، شرحاً مُفيداً شافياً، حقق فيه أنواعاً من العلوم، ومطلع هذه القصيدة. أبَتْ غيرَ ثَجِّ الدَّمع مُقْلَةُ ذِ حُزْنِكَسَتْهُ الضَّنَى الأوطان في مَشْخَصِ الظُعْنِ قال: وكلامه يوازي كلام ابن نباتة، والحاجري، وابن النبيه، في العربي. وكان رجلاً من أهل العلم والفضل. وعمر، وتوفي في أواخر سنة خمس عشرة وثمانمائة، ببلدة أماسية. انتهى. وحكى صاحب " الشقائق "، أنه دخل هو، والمولى شمس الدين الفناري، وحاجي باشا، على بعض مشايخ الصوفية بمصر، يزورونه، فنظر إليهم، وقال للمولى أحمدي: أنت تضيع عمرك في الشعر. وقال لحاجي باشا: أنت تُضيع عمرك في الطب. وقال لشمس الفناري: أنت تصير عالماً ربانياً. فكان الأمر كما قال. ومن نوادر المولى أحمدي، أن تيمور لما دخل البلاد الرومية، كان يكثر من مصاحبته، فدخل معه يوماً الحمام، فقال له تيمور: قوم من معنا في الحمام. فقال: نعم، هذا يساوي ألفاً، وهذا يساي كذا، وهذا كذا. فقال تيمور: قومني أيضاً. فقال له: أنت تساوي ثمانين درهماً. فقال له تيمور: إزاري وحده يساوي هذا المقدار. فقال المولى أحمدي: وأنا إنما قومت الإزار، وأما أنت فلا تساوي درهماً. فاستحسن تيمور هذا الكلام، وضحك منه ضحكاً كثيراً، ثم وهب له ما في الحمام، من آلات الذهب والفضة، وكانت شيئاً كثيراً. 439 - أحمد بن ازاهد، الحاكم، العلامة عُرف بالحدادي صاحب كتاب " زلة القاري " كذا في " الجواهر "، من غير زيادة. 440 - أحمد بن المصري، الشيخ، الإمام الفاضل الشاهد، الحنفي توفي سنة سبع وتسعين وثمانمائة. كذا ذكره بعض المؤرخين من غير زيادة، والله تعالى أعلم.

فصل من اسمه أحمد شاذ، وإدريس، وأده بالي، وأرغون. 441 - أحمد شاذ كذا رأيته في غالب الكتب والأشعار التي له فيها ذكر، وبعضهم كتبه أحمشاذ، فوصل بين الميم والشين، وأسقط الدال، وأتى به في الشعر كذلك، بحيث لو أتى بالدال لذهب الوزن فيه، ولعل إسقاط الدال لضرورة الشعر، والله تعالى أعلم. وهو ابن عبد السلام بن محمود، أبو المكارم الغرنوي، الفقيه، الواعظ. ذكره العماد الكاتب، في " الخريدة "، وأطال ترجمته، وساق كثيراً من أشعاره، فقال: كان من فحول العلماء، وقروم الفضلاء، بحراً متموجاً، وفجر متبلجاً، وهماماً فاتكاً، وحساماً باتكاً، إذا جادل جدل الأقران، وإذا ناظر بَذِّ النظراء والأعيان. شاهدته بأصبهان في سني ثلاث، أو أربع، أو خمس وأربعين وخمسمائة، وجاورته فوجدته بحسن المنظر والمخبر، ذا رواء وروية، ولمعان وألمعية، فصيح العبارة، صبيح الشارة، مُتبحراً في العلوم، مالكاً عنان التصرف في إنشاء المنثور والمنظوم. وكان عارفاً بتفسير كتاب الله تعالى، ومدة مقامه بأصبهان يعقد مجلس الوعظ بالجامع كل يوم أربعاء، ويتكلم على التوحيد، باللفظ السديد، وملك من قبول القلوب، ما أدرك به كل مطلوب، وسمح بإفادة نسبه، وإشاعة أدبه؛ لإشادة حسبه. أذكر، وقد اقترح على فضلاء أصبهان، أن ينظم كل واحد منهم قصيدة على روى الذال المعجمة، فكنت ممن نظم، ورأيت عنده مجلدين من القصائد الذالية فيه على روي اسمه شاذ. وله خاطر سمح باللفظ المبتكر، والمعنى المحرر. ومن شعره الذي أنشده لنفسه بأصفهان، من قصيدة: أَمَالِك رِقِّي مالَكَ اليومَ رِقَّةٌ ... على صَبْوَتي والحَيْنُ مِن تَبِعَاتِهَا سَأَلْتَ حياتِي إذْ سأَلْتُك قُبْلَةً ... لِيَ الرِّبْحُ فيها خُذْ حَياتي وهَاتِهَا ومنها أيضاً: فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي المَعَالِيَ أنَّنِّي ... سأَقْضِي ولو يوماً حُقُوقَ عُفاتِهَا ووجدت مكتوباً على ظهر كراسة، بخطه من شعره، هذين البيتين: لو كنتُ ألف عامٍ في سَجْدَةٍ لِرَبِّي ... شُكْراً لِفَضْلِ يومٍ لم أَقْضِ بالتَّمامِ العامُ ألفُ شهرٍ والشهرُ ألفُ يومٍ ... واليومُ ألفُ حِينٍ والحِينُ ألفُ عامِ وكتب إليه صديقي النجيب أبو المعالي محمد بن مسعود بن القسَّأم، هذه الفُتيا، على سبيل المُفاكهة، بأصبهان: يا إمامَ الناس هل من حَرَجٍ ... لِحَبيبٍ في الْتِشَامِ لِحَبِيبْ برَّحَ الشَّوْقُ به لكنَّه ... عاشقٌ عَفُ النَّوى غيرُ مُريبْ وتَفانى صبره في حُبِّه ... لِغزالٍ فاتِنِ الطَّ {ْفِ لَبِيْبْ فتَّعاظى قُبْلَةً في غَفْلَةٍ ... مِن عَذُولٍ واسْتِرَاقِ مِن رَقيبْ يا إمام الناسِ بَيِّنْ هل له ... في ثواب أو عقابٍ من نَصيبْ فأجابه شمس الدين أحمد شاذ، عنها: أيُها السائِلُ عن لَثْمِ الحبيبْ ... أَرْعِنِي سَمْعَكَ وافْهَمْ لأُجِيْبْ ما اقتضاهُ العشقُ فالْزَمْ فالذي ... يقتضيهِ العشقُ فِعْلُ المُسْتَرِيبْ ما على العاشِقِ في شرع الهوَى ... من مَلامٍ في التِثامٍ لِحَبيبْ أدرك الوَرْدَ فإن شئتَ اقْتَطِفْ ... ما اقتَطَافُ الوردِ بالبِدْعِ الغَريب خُذ من أحمد شاذَ فَتْوَى عالمٍ ... إنه يُخْطي فيها أو يُصِيبْ وله من قصيدة: يا عاذِلي كُفَّ عِنَانَ التِّلاَحْ ... ما أنا عن سُكْرِ هَواهُ بِصَاحْ يقتلني سيفُ لِحاظِ الْمَهَا ... يضنْشُرُني رَشْفُ رُضابِ المِلاَحْ يُنْطُقُنِي خُرْسُ خَلاخِيلها ... يُخرسني نُطْقُ حواشِي الوِشَاحْ ومنها: لا أُنْسَ إلا أُنْسُ عُهود الْحِمى ... آلَفَنَا الأُنْسُ بها والمِزاحْ نَرْجِسُنا الطَّرْفُ وما وَرْدِنا ... من عَرق العارض والريقُ راحْ لم أشكر الوَصْلَ فحُم النَّوى ... وعَرَّف الفجر ظلام الرَّواحْ

442 - إدريس بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي

فقبْلَ ذا اليوم نَشضرْتُ الهوى ... وبعد ذا اليوم طَوَيْتُ الصَّلاحْ ومنها، في التخلص إلى المدح: أحُلُّ في المجد بأوجِ السُّها ... وإلى الأرقع منه الطِّماح إلى بهاء الدولة المُرتَضَى ... محمدٍ بَدْرِ سماءِ السَّماحْ وله، وقد ودع أهل كرمان، عند ارتحاله عنها إلى أصفهان، من قصيدة: أَتُعَذِّبُونَ مُتَيَّماً بهواكمُ ... لم يكفهِ تعذيبُه بنواكمُ ومنها: كرمان إن ضاقت بغُرِّ فضائلي ... عُذراً فقد ضاقت بها دُنياكُمُ إن كانَ يَرْحَلُ شَخْصُهُ عن داركم ... فلقد أقام فُؤاده بذارَكُمُ وله، وأظن أنها لغيره: أفي قُبْلَةٍ خالَسْتُها منكَ عامِداً ... تُعاتِبُنِي سِراًّ وتَهْجُرُني جَهْرا .................................. ... .................................. وهي أسا الحواس. والعين تؤنث، وبها يتوصل إلى الحقائق، والأُذن تؤنث، وبها يتوسل إلى الدقائق. واليد تؤنث، وهي المُتصدية لتحبير الإنشاء، والعضد تُؤنث، وبها استقامت سائر الأشياء. والسماء تؤنث، وهي ترجى للإمطار، والأرض تُؤنث وهي تنتظر لنفحات الأزهار. والفردوس تؤنث، وهي مجمع أطايب الثمار، وبها وعد الأخيار الأبرار. والعين أعني: الذهب. تُؤنث، ودونها مذلة النفوس، والخمر تؤنث، وزعموا أنها مطردة العبوس. والدرع تُؤنث، وبها يدفع الهلك، والقوس تؤنث، وبها يُحرز المُلك. وقد ذكر العماد الكاتب في " الخريدة "، لصاحب الترجمة من النثر والنظم غير ما ذكرناه، تركناه خوف الإطالة، وخشية الملل. وبالجملة، فإنه كان من أفاضل زمنه، ومحاسن أيامه، تغمده الله تعالى برحمته. 442 - إدريس بن عُبيد بن أبي أُمية الطنافسي من بيت العلم، والفضل. وسيأتي أخوه محمد، وعمر، ويعلى، وإبراهيم عُبيد، كل منهم في محله. قال الدارقطني: كلهم ثقات. والله تعالى أعلم. 443 - إدريس بن علي بن إدريس، أبو الفتح النيسابوري قال السمعاني: كان أديباً فاضلاً، مليح الشعر، رقيق الطبع. سمع يحيى بن عبد الله بن الحسين الناصحي القاضي، وكان يدرس الفقه، ويفتي، إلى أن مات. وفوض إليه التدريس بالمدرسة السلطانية بنيسابور. وكانت ولادته غُرة شهر ربيع الآخر، سنة سبع وخمسين وأربعمائة. ووفاته بنيسابور، سنة أربعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. وذكره العماد الكاتب في " الخريدة "، وساق له من الشعر قوله: بُلِيْتُ بِشَادِنَ فَرْدِ الجمالِ ... بديعِ الحُسْنِ سَحَّارِ الْمَقالِ يزيدُ عليَّ وَجْداً بعدَ وَجْدٍ ... ويُضْعِفُنِي خَيَالاً في خَيال يُواعِدُني الوِصَالَ وقد يَرَانِي ... فمَن يَبْقَى إلى يوم الوِصَالِ أُؤملُ أن أنال مُناي فيهِ ... وطِيبُ العَيْشِ في طِيب المَنالِ ولا عَجَبٌ بأن يُقْضَى طِلابِي ... فإن الصُّبْحَ تُثْمِرُه الليالي وساق له من الشعر أيضاً غير ذلك، ولكن من شرطه هذه القطعة، والله أعلم. 444 - إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن ابن الأسود الأودي والد عبد الله. سمع منه ابنه هذا، وتفقه عليه، وسيأتي في بابه، إن شاء الله تعالى. 445 - أده بالي الرومي القرماني ذكره صاحب " الشقائق "، وبالغ في الثناء عليه، وقال ما لخصه: إنه ولد بقرمان، واشتغل ببعض العلوم، ورحل إلى الديار الشامية، وقرأ على مشايخها، وأخذ عنهم التفسير، والحديث، والأصول، ثم رفع إلى بلاده، واتصل بخدمة السلطان عثمان الغازي، ونال عنده القبول التام، والحظ الوافر. وكان أرباب الدولة يراجعونه في الأمور الشرعية والعرفية، وكان عاملاً، عابداً، زاهداً، مقبول الدعاء، مسموع الكلام.

446 - أرغون الدوادار الناصري

وقد بنى زاوية ينزل بها المسافرون، وكان السلطان عثمان يجيء إليه في الزاوية المذكورة بعض الأوقات، ويبيت معه بها، ويقال: إنه بات بها ليلة، فرأى في المنام أن قمراً خرج من حضن الشيخ، ودخل في حضنه، ثم نبت من سرته عند ذلك شجرة عظيمة، سدت أغصانها الآفاق، وتحتها جبال كثيرة، تتفجر الأنهار منها، والناس ينتفعون بها، ويسقون دوائبهم وبساتينهم، فقص هذه الرؤيا على الشيخ، فقال: لك البشرى، نلت مرتبة السلطنة أنت وأولادك، وينتفع بكم الناس. وكان للشيخ بنت فزوجها للسلطان عثمان، رجاء في أن يكون هذا النسل من ذريته، وقد حقق الله رجاءه. وكانت وفاته سنة ست وعشرين وسبعمائة، عن مائة وعشرين سنة، وكانت وفاة بنته زوج السلطان بعده بشهر، ثم بعد مضي ثلاثة أشهر من وفاتها مات السلطان عثمان، رحمهم الله تعالى. 446 - أرغون الدوادار الناصري نائب حلب، وليهامن قبل الناصر محمد بن قلاوُون، في ستة سبع وعشرين وسبعمائة، وحكم بها أربع سنين، وباشر نيابة السلطنة بالديار المصرية، ست عشرة سنة. قال أبو الفضل محب الدين ابن الشحنة: كان أميراً كبيراً، معظماً مُبجلاً، محترماً في الدولة، ذا وقار ومهابة، ورأي وتدبير، ويحكم بالشرع الشريف. قرأ، وحصل. وقال أبوه: في تاريخه المُسمى ب " روض المناظر، في علم الأوائل والأواخر " في ترجمة أرغون المذكور: وكان فقيهاً حنفياً، ورعاً، أذن له بالإفتاء على مذهبه، وسمع " صحيح البخاري "، على الشيخ أبي العباس أحمد ابن الشحنة الحجار، ووزيرة بنت عمر بن أسعد بن المُنجا، بمصر، في سنة خمس عشرة وسبعمائة، بقراءة الشيخ أبي حيان، قال: وكتب منه مجلداً بخطه. وقال ابن خطيب الناصرية: وكتب " صحيح البخاري " بخطه، وسمعه على أبي العباس الحجار. انتهى. وقال صاحب: " درة الأسلاك "، في حقه: أمير مناضل، وفقيه فاضل، ونائب كم رفع من نوائب، ومقدم قدمه راسخ وسمهمه صائب. كان مُبجلاً، مُعظماً، مُعززاً، مكرماً، مُحترماً في الدولة، معدوداً من أرباب الصون والصولة، ذا وقار ومهابة، وأوامر مقرونة بالإجابة، ورأي وتدبير، وتدقيق وتحرير. يحكم بالشرع الشريف، وينصر المظلوم ويُعين الضعيف، ويكثر من محبة أهل العلم. ويجتمع بهم ويذاكرهم في حالتي الحرب والسلم. قرأ وحصل، وأجمل وفصل، وجمع كتباً نفيسة، واتخذ كلا منها أنيسهُ وجليسه. وكتب " صحيح البخاري " بخطه المأهول بالضبط والتبيان، وسمعه على أبي العباس أحمد الحجار بقراءة الأستاذ أثير الدين أبي حيان. وباشر نيابة السلطنة بالديار المصرية، ست عشرة سنة، واستمر بحلب أربع سنين، ثم لحق بجوار من تكل عن وصفه الألسنة، رحمه الله تعالى. وذكره ابن حجر، في أنباء المائة الثامنة، وقال في حقه: اشتغل على مذهب الحنفية، ومهر فيه إلى أن صار يعد في أهل الإفتاء. وكانت له عناية بالكتب عظيمة، جمع منها جمعاً ما جمعه أحد من أبناء جنسه، وكان الناس قد علموا رغبته في الكتب، فهرعوا إليه بها. وكان خيراً ساكناً، قليل الغضب، حتى يقال: إنه لم يسمع منه أحد طول نيابته بمصر وحلب، كلمة سوء، وكان للملك به جمال. وكان له حنو على ابن الوكيل، وأبي حيان، وابن سيد الناس، وغيرهم. انتهى. وأرغون هذا، هو الذي أمر بحفر نهر الساجور، وإجرائه إلى حلب، وجمع الناس على ذلك، واجتهد فيه بحيث كمل في نحو ستة أشهر، وأنفق عليه جملة من المال، وكان يوم وصوله يوماً مشهوداً، وكان قبل أرغون هذا بعض النواب قصد سوقه إلى حلب، كما فعل أرغون، فقيل: من ساقه يموت من عامه. فتأخر عنه، وقيل مثل ذلك لأرغون، فقال: لا أرجع عن خير عزمت عليه. فقدر الله تعالى أنه مرض، ومات من عامه، سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. وأنشد القاضي شرف الدين الحسين بن ريان، في إجراء نهر الساجور، قوله: لمَّا أتَى نَهْرُ السَّاجُورِ قلتُ له ... كم ذَا التَّأخُرُ من حِينٍ إلى حِين فقال أخَّرنِي رَبِّي لِيَجْعَلَنِي ... مِنْ بَعْضِ مَعْرُوفِ سَيْفِ الدِّين أَرْغُون وأنشد القاضي بدرُ الدين حسن بن حبيب: قد أَضْحَتِ الشَّهْباءُ تُثْنِي عَلَى ... أَرْغَونَ في صُبْحٍ ودَيْجُورِ

447 - إسحاق بن إبراهيم بن موسى الوزدولي

مِنْ نهرِ السَّاجورِ أَجْرَى بها ... للناسِ بَحْراً غيرَ مَسْجُورِ وبالجملة، فقد كان من خيار الحكام، ومحاسن ولاةِ الأنام. ولما مات، رحمه الله تعالى، كان عُمر نحو الخمسين، ودُفن في تُربته التي أنشأها بسوق الخيل بين بابي القوس. باب من اسمه إسحاق 447 - إسحاق بن إبراهيم بن موسى الوزدولي من أهل الحديث، صنف الكتب والسير، وهو ثقة، مستقيم الحديث. تفقه على أبيه المتقدم ذكره. 448 - إسحاق بن إبراهيم بن نصرويه، أبو إبراهيم السمرقندي، الخطيبي أخو الإمام أبي الحسن على الخطيبي. شيخ أصحاب أبي حنيفة، وعالمهم في زمانه. حدث عن أبي عمرو بن صابر، وأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد المُستملي، ومحمد بن أحمد ابن شاذان، وطائفة. روى عنه [أخوه] علي، وغيره. ومات سنة إحدى عشرة وأربعمائة. 449 - إسحاق بن إبراهيم بن خالد بن محمد الطلقي المُؤذن، أبو بكر الاستراباذي روى عنه علي بن الحسن الأصبهاني، وأحمد بن سعيد بن عثمان الثقفي الطبري، ومحمد بن إبراهيم بن مطرف، وأبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي، وغيرهم. روى عن محمد بن خالد الحنظلي الرازي، وعفان بن سيار، ويزيد بن هارون، وغيرهم. حكى أبو زرعة محمد بن إبراهيم المؤذن، قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن هارون بن عيسى الاستراباذي يقول: إسحاق بن إبراهيم أبو بكر الطلقي، كان من أهل الري، ويقول: الإيمان قول وعمل. مات في شوال، سنة أربع وستين ومائتين. كذا نقلت هذه الترجمة من " تاريخ جرجان "، ولم يذكر صاحب " الجواهر " هذه الترجمة، ولا تعرض لصاحبها، والله تعالى أعلم. 450 - إسحاق بن إبراهيم، أبو يعقوب الخراساني، الشاشي ذكره ابن يونس في " الغرباء الذين قدموا مصر "، وكان يتفقه على مذهب أبي حنيفة، وكان فقيهاً. وكان يتصرف مع قضاة مصر، ويلي قضاء بعض أعمال مصر، وكتبت عنه حكايات وأحاديث، وكان يروي " الجامع الكبير " عن زيد بن أسامة، عن أبي سليمان الجورجاني، عن محمد بن الحسين، وكان ثقة. توفي بمصر، سنة خمس وعشرين وثلاثمائة. 451 - إسحاق بن أحمد بن شيث، أبو نصر، البُخاري المعروف بالصفار قدم بغداد حاجاً، في سنة خمس وأربعمائة، وحدث بها عن نصر بن أحمد بن إسماعيل الكشاني. قال الخطيب: حدثني عنه الحسن بن علي بن محمد المذهب، وأثنى عليه خيراً. 452 - إسحاق بن إسماعيل بن إبراهيم بن شُعيب ابن محمد بن إدريس، القاضي نجم الدين، القرمي ذكره السيوطي، في " أعيان الأعيان "، وقال: ولد قبل تسع وسبعين، وولى قضاء العسكر، ومشيخة مدرسة قايتباي. مات في صفر، سنة ثمان وثمانمائة، رحمه الله تعالى. وذكره السخاوي في " ضوئه "، وقدم إبراهيم على إسماعيل، في النسخة التي نقلت منها، وأثنى عليه، وذكر أنه يقال له: الإمامي؛ لأنه فيما قيل، ينتسب إلى الإمام أبي منصور الماتريدي. وقال: بلغني أنه أخذ عن حافظ الدين البزازي، والله تعالى أعلم. 453 - إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق ابن سالم، أبو الفضل، كمال الدين، ابن النحاس الأسدي، الحلبي ذكره العلامة قاضي القضاة علاء الدين في " تاريخه "، وقال: من بيت كبير معروف، قيل: إن أصلهم من نواحي بغداد. ولد بحلب، سنة ثلاث أو أربع وثلاثين وستمائة، وقيل: سنة ثمان وعشرين تقريباً، في حدود الثلاثين وستمائة، وقال في " تاريخه ": سنة ثمان وعشرين. سمع من ابن خليل، ويعيش، وابن رواحة، وابن قميرة. إلى أن قال: ورتب مسمعاً بدار الحديث الأشرفية، بعد ابن مشرف، ونسخ الأجزاء، وخرج له أبو عبد الله الوالي جزءاً، عن أربعين شيخاً، وجد في سماعه نحو الأربعمائة جزء، سوى المجلدات الكبار. وكان ترك النسخ، واشتغل بالتجارة في النحاس، ثم ترك ذلك، ولازم المدرسة، وحضر الدروس، وحدث بالكثير، وقصده الطلبة. وللحافظ أبي عبد الله الذهبي فيه مديح. وممن سمع منه السبكي، ومحمود بن خليفة، ومحمد بن المزين، وهو فقيه ابن فقيه.

454 - إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو يعقوب، التنوخي

وكانت وفاته في آخر ليلة السبت، سادس عشر شهر رمضان، سنة عشر وسبعمائة، بدمشق، وصلى عليه ظهر السبت بالجامع، ودفن بمقابر باب الصغير. كذا ترجمه أحمد بن محمد بن العلامة محب الدين ابن الشحنة، ومن خطه نقلت، وهو من خط جده نقل. وذكره ابن حبيب، وقال في حقه: كبير من بيت معروف، وجليل على فعل الخير موقوف، لقى النبيه، ورأى النبيل، وسمع الكثير ومعظم سماعه على ابن خليل. حدث وأفاد وروى، وأخذ الطلبة عنه جملة من حديث من لا ينطق عن الهوى. وكانت وفاته بدمشق، عن نيف وثمانين سنة. وأرخ وفاته كما سبق، رحمه الله تعالى. 454 - إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو يعقوب، التنوخي من أهل الأنبار، رحل في طلب الحديث، إلى بغداد، والكوفة، والبصرة، والمدينة، ومكة. وسمع أباه البهلول بن حسان، ويحيى بن آدم، ووكيع بن الجراح، وأبا معاوية الضرير، ويعلى، ومحمداً، ابني عُبيد، وأبا يحيى الحماني، وإسماعيل بن عُلية، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وسفيان بن عُيينة، وخلائق كثيرين. وكان ثقة، صنف " المسند "، وحدث ببغداد؛ فروى عنه إبراهيم الحربي، وابو بكر ابن أبي الدنيا، ويحيى بن صاعد، وابناه؛ البهلول، وأحمد، وابن ابنه يوسف بن يعقوب الأزرق، والقاضي أبو عبد الله المحاملي. أخذ الفقه عن الحسن بن زياد اللؤلؤي، وعن الهيثم بن موسى، صاحب أبي يوسف. وله مذاهب اختارها، وانفرد بها. وكان حسن العلم باللغة، والنحو، والشعر، وصنف كتاباً في الفقه، سماه " المتضاد " و " كتابا في القراءات "، وصنف في غير ذلك من أنواع العلم. وكان سمحاً، سخياً، يأخذ من أرزاقه بمقدار القوت، ويُفرق ما يبقى بعد ذلك على ولده، وأهله، والأباعد، ويفرق في أيام كل فاكهة شيئاً كثيراً منها، وكان له غلام وبغل يستقي الماء ويصبه لقراباتهم. وحدث أحمد بن يوسف الأزرق، عن عمه إسماعيل بن يعقوب، عن عمه البهلول بن إسحاق، قال: استدعى المتوكل أبي إلى سر من رأى، حتى حدثه، وسمع منه، وقرى له عليه حديث كثير، ثم أمر فنصب له منبر، فكان يحدث عليه، وحدث بالمسجد الجامع بسر من رأى، وفي رحبة زيرك، بالقرب من باب الفراعنة، وأقطعه إقطاعاً مبلغه في كل سنة اثنا عشر ألفاً، ورسم له صلة بخمسة آلاف درهم في السنة، فكان يأخذها، وأقام إلى أن قدم المستعين بالله بغداد، فخاف أبي من الأتراك أن يكسبوا الأنبار، فانحدر إلى بغداد عجلاً، ولم يحمل معه شيئاً من كتبه، فطالبه محمد بن عبد الله بن طاهر أن يحدث، فحدث ببغداد من حفظه بخمسين ألف حديث، ولم يخطئ في شيءٍ منها. وقال ابن الأزرق: حدثني القاضي أبو طالب محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول، قال: تذاكرت أنا ومحمد بن صاعد، ما حدث به جدي ببغداد، فقلت له: قال لي أنيس المُستملي: حدث أبو يعقوب بن إسحاق بن البهلول ببغداد، من حفظه بأربعين ألف حديث. فقال لي أبو محمد بن صاعد: لا يدري أنيس ما قال، حدث إسحاق بن البهلول، من حفظه ببغداد، بأكثر من خمسين ألف حديث. وقال أبو طالب: كنت مع أبي ببغداد، وأنا جالس على باب داره، فخرج من عنده جماعة من أصحاب الحديث، وهم يقولون: قد حدث بالحديث الفلاني، عن سفيان بن عُيينة، فأخطأ فيه، قال: كذا، وإنما هو كذا - لم يقم أبو طالب على ذكر الحديث. قال أبو طالب: فدخلت على أبي، فأعلمته ما قالوا، فقال: يا غلام ارددهم. فردهم، فقال لهم: حدثني سفيان بن عيينة بهذا الحديث، كما حدثتكم به، وحدثني به سفيان بن عُيينة مرة أخرى بكيت وكيت، فذكر الوجه الذي قالوه، ثم قال: وأنا فيما حدثتكم به أثبت من يدي على زندي. وكانت ولادته بالأنبار، سنة أربع وستين ومائة. ومات بها، في سنة اثنتين وخمسين ومائتين، رحمه الله تعالى. وقد ذكر ابن السبكي، إسحاق هذا في " طبقات الشافعية "، وذكر أنه روى عن الشافعي، وكأنه إنما ذكره لروايته هذه فقط، لا لكونه شافعياً، فإن إسحاق هذا، وجميع أهل بيته، كانوا حنفية بلا تردد، والله تعالى أعلم. 455 - إسحاق بن عبد الله بن إسحاق أبو يعقوب، النصري شيخ أصحاب أبي حنيفة، وعالمهم، وفقيههم، بجرجان. روى عن أبي علي الصواف، ودعلج، ومحمد بن إبراهيم الشافعي، ونعيم بن عبد الملك، ومحمد بن الحسين بن ماهيان. وروى عنه ولده الرضي بن إسحاق النصري.

456 - إسحاق بن علي بن يحيى الملقب نجم الدين، أبو الطاهر

ذكره السهمي، في " تاريخ جرجان "، وقال: من أصحاب أبي حنيفة، وكان يومئذ رئيس أهل مذهبه. مات في المحرم، سنة ست وتسعين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. 456 - إسحاق بن علي بن يحيى الملقب نجم الدين، أبو الطاهر شيخ الحنفية في وقته. ولي نيابة الحكم بالقاهرة، عن القاضي معز الدين، ودرس بالمنصورية، والفارقانية، والحسامية، وهو أول مدرس بهما، وثاني مدرس بما قبلهما. مات في خامس المحرم، سنة إحدى عشرة وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 457 - إسحاق بن الفرات بن الجعد بن سليم، أبو نعيم الكندي، التجيبي، المصري، القاضي ولد سنة خمس وثلاثين ومائة. لقي أبا يوسف القاضي، وأخذ عنه الفقه، وكان من كبار أصحاب مالك، قاله أبو عمر الكندي. مات بمصر، سنة أربع ومائتين. روى له النسائي. 458 - إسحاق بن محمد بن إبراهيم بن محمد [بن محمد] بن نوح ابن زيد بن نعمان بن عبد الله بن الحسين بن زيد بن نوح النوحي، الخطيب، النسفي أخو القاضي إسماعيل النوحي، من بيت العلم والفضل. وكان إسحاق هذا فقيهاً فاضلاً، عمر كثيراً، وتولى الخطابة. وحدث عن أبي بكر محمد بن عبد الرحمن المُقري، وأبي مسعود أحمد بن محمد الرازي، وغيرهما. روى عنه أبو المحامد محمود بن أحمد بن الفرج الساغرجي، وأحمد بن محمد ابن عبد الجليل، وغيرهما. وكانت ولادته في صفر، سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. ووفاته بنسف، ليلة الجمعة، التاسع والعشرين من جمادى الأولى، سنة ثمان عشرة وخمسمائة. قال في " الجواهر ": كذا رأيته في " الأنساب " للسمعاني بخطي، ورأيته في مسودة هذا الكتاب التاسع عشر. 459 - إسحاق بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن زيد أبو القاسم، القاضي، الحكيم السمرقندي ذكره أبو سعد السمعاني، وقال: روى عن عبد الله بن سهل الزاهد، وعمرو بن عاصم المروزي. روى عنه عبد الكريم بن محمد الفقيه السمرقندي، في جماعة. وتولى قضاء سمرقند، وحمدت سيرته، ولقب بالحكيم؛ لكثرة حكمته ومواعظه. مات في المحرم، يوم عاشوراء، سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، بسمرقند، رحمه الله تعالى. 460 - إسحاق بن محمد أميرك المرغيناني أحد مشايخ أصحاب أبي حنيفة في وقته، وهو والد أسعد الآتي ذكره في بابه، إن شاء الله تعالى. 461 - إسحاق بن محمد بن حمدان بن محمد بن عبد الله ابن محمد بن نوح، أبو إبراهيم الجبني، بضم الجيم والباء الموحدة، وفي آخرها النون المشددة نسبة إلى الجُبُن قال السمعاني: روى عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب الحارثي السبذموني. روى عنه ابنه أبو نصر. توفي أبو إبراهيم في مُستهل ذي القعدة، سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. قال الخطيب: كان أحد الفقهاء على مذهب أبي حنيفة - يعني إسحاق بن محمد بن حمدان - قدم بغداد حاجاً. كذا في " الجواهر ". 462 - إسحاق بن محمد، أبو القاسم المعروف بالحكيم السمرقندي أخذ عن الماتريدي الفقه، والكلام. ذكره في " الجواهر "، وقال: أظنه الذي قبله. 463 - إسحاق بن يحيى بن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، أبو محمد الآمدي الدمشقي، الفقيه، المحدث قال ابن حجر: درس بدار الحديث بالظاهرية، بدمشق، وسمع ابن خليل، وحمدان بن شيث والمجد ابن تيمية، وله مشاركة حسنة في عدة علوم. وتوفي بدمشق، سنة خمس وعشرين وسبعمائة عن ثلاث وثمانين سنة. وذكره ابن شاكر في " عيون التواريخ "، وذكر أنه ولد في سنة أربعين وستمائة. وأنه سمع من الشيخ مجد الدين ابن تيمية، وحمدان بن شيث، ويوسف بن خليل، والضياء صقر، وابن سعد، وكمال الدين ابن العديم، وجماعة. واشتغل بالفقه على مذهب أبي حنيفة، ورتب بالمدارس، ودور الحديث، وشهد على القضاة، واشتهر بالعدالة، وكان كثير المداخلة للأكابر، وعلى ذهنه أناشيد وحكايات مطبوعة، وعنده تواضع، وكيس، وقضاء حوائج. وتولى مشيخة دار الحديث الظاهرية، إلى أن مات. وتفرد بالرواية عن ابن خليل، وقصده الناس للتسميع، وكان سهلاً فيه، محباً للرواية. تغمده الله تعالى برحمته.

464 - إسحاق بن يوسف الأزرق بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول بن حسان، أبو يعقوب، التنوخي

464 - إسحاق بن يوسف الأزرق بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول بن حسان، أبو يعقوب، التنوخي من البيت المشهور بالفضل، والعلم، والرواية. حدث عن أبي سعيد العدوي. روى عنه أخوه أبو غانم محمد الآتي، في محله، إن شاء الله تعالى. باب من اسمه أسد، وإسرائيل، وأسعد 465 - أسد بن عمرو بن عامر بن عبد الله بن عمرو بن عامر بن أسلم أبو المنذر، وقيل أبو عمرو، القشيري، البجلي، الكوفي. صاحب الإمام، وأحد الأئمة الأعلام. سمع الإمام الأعظم أبا حنيفة، ومطرف بن طريف، وحجاج بن أرطأة، وغيرهم. وروى عنه أحمد بن حنبل، ومحد بن بكار بن الريان، وأحمد منيع، وأحمد بن محمد الزعفراني، وغيرهم. قال محمد بن سعد: أسد بن عمرو البجلي، من أنفسهم، يُكنى أبا المنذر، وكان عنده حديث كثير، وهو ثقة. وكان قد صحب أبا حنيفة، وتفقه، وكان من أهل الكوفة، فقدم بغداد، فولى قضاء مدينة الشرقية بعد العوفي. وولى أيضاً قضاء واسط، ووثقه أحمد بن حنبل، والمشهور عن يحيى بن معين في حقه التوثيق، فلا يُلتفت إلى من ضعفه. روى عباس بن محمد الدوري، عن يحيى بن معين، أنه كان يقول: كان أسد بن عمرو صدوقاً، وكان يذهب مذهب أبي حنيفة، وكان سمع من مطرف، ويزيد بن أبي زياد، وولى القضاء، فأنكر من بصره شيئاً، فرد عليهم القمطر، واعتزل القضاء. قال عباس: وجعل يحيى يقول: رحمه الله، رحمه الله. وفي " الجواهر المضية "، أن الطحاوي، قال: كتب إلى ابن أبي ثور، يحدثني عن سليمان بن عمران، حدثني أسد بن الفرات، قال: كان أصحاب أبي حنيفة الذين دونوا الكتب أربعين رجلاً، فكان في العشرة المتقدمين: أبو يوسف، وزُفر، وداود الطائي، وأسد بن عمرو، ويوسف بن خالد السمتي، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو الذي كان يكتبها لهم ثلاثين سنة. وولى أسد القضاء بواسط، فيما ذكره الخطيب، وولى قضاء بغداد بعد أبي يوسف للرشيد، وحج معه معادلاً له. قال الطحاوي: سمعت بكار بن قُتيبة، يقول: سمعت هلال بن يحيى الرأي، يقول: كنت أطوف بالبيت، فرأيت هارون الرشيد يطوف مع الناس، ثم قصد إلى الكعبة، فدخل معه بنو عمه. قال: فرأيتهم جميعاً قياماً وهو قاعد، وشيخٌ قاعد معه أمامه، فقلت لبعض من كان معي: من هذا الشيخ؟ فقال لي: هذا أسد بن عمرو قاضيه. فعلمت أن لا مرتبة بعد الخلافة أجل من القضاء. واختلف في وفاته، فقيل: سنة ثمان وثمانين ومائة، وقيل: سنة تسعين ومائة، والله تعالى أعلم. 466 - إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عمرو ابن عبد الله السبيعي، الكوفي سمع من أبي حنيفة، ومن جده أبي إسحاق. قال: كنت أحفظ حديث أبي إسحاق، كما أحفظ السورة من القرآن، وكان يقول: نعم الرجل النعمان، فقهه عن حماد، وناهيك به. روى عنه وكيع، وابن مهدي، ووثقه أحمد، ويحيى، وروى له الشيخان. ومات سنة ستين ومائة. وقيل: إحدى وستين. وكانت ولادته في آخر المائة الأولى، وكان من خيار الناس، رحمه الله تعالى. 467 - أسعد بن إسحاق بن محمد بن أمِيرك أحد مشايخ أصحاب أبي حنيفة بمرغينَان، وهو من بيت العلم، والفضل، والفتوى، والتدريس، والإملاء، والزهد، والورع. وكان له شعر حسن، منه قوله: تَحَوَّلْتُ عن تلك الديارِ وأهلِها ... وآثرتُ قولَ الشاعرِ المُتَمَثَّلِ إذا كنتَ في دارٍ يُهينُكَ أهْلها ... ولم تكُ مَكْبولاً بها فَتَحَوَّلِ وتقدم أبوه إسحاق بن محمد، رحمهم الله تعالى. 468 - أسعد بن الحسن بن سعد بن علي بن بُندار اليزدي فقيه أصحاب أبي حنيفة بأصبهان، في وقته. كان إماما جليلاً، سمع من زاهر بن طاهر الخشوعي " مناقب أبي حنيفة " لأبي عبد الله الحسين بن محمد الصيمري، بروايته عن أبي محمد الحسن بن محمد بن أحمد الإستراباذي. واليزدي، بفتح الياء آخر الحروف، وسكون الزاي، بعدها دال مهملة، نسبة إلى يزد، من أعمال إصطخر فارس، بين أصبهان وكرمان. قاله السمعاني. وسيأتي أخوه المطهر، صاحب " اللباب، شرح القدوري " في محله إن شاء الله تعالى. 469 - أسعد بن صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد بن محمد ابن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، أبو المعالي ابن أبي العلاء، ابن أبي القاسم، ابن أبي الحسين سمع أباه، وجده في جمع.

470 - أسعد بن عبد الله بن حمزة، الفقيه الحاكم، الغوبديني

وحدث ببغداد، فروى عنه من أهلها الشريف أبو المُعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، وأبو محمد عبد الرحيم بن محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء. ذكره السمعاني، في " ذيله "، وابن النجار، في " تاريخه ". وهو من بيت كبير، مشهور بالعلم، والقضاء، والتذكير، والتدريس، والخطابة. وولى هو أيضاً الخطابة في المسجد الجامع القديم، المُختص بأصحاب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، وكان إليه معها التذكير، والتدريس. وكانت وفاته، فيما رواه السمعاني، يوم السبت، سابع ذي القعدة، سنة سبع وعشرين وخمسمائة، بنيسابور، رحمه الله تعالى. 470 - أسعد بن عبد الله بن حمزة، الفقيه الحاكم، الغوبديني نسبة إلى غُوبدين، قرية من قرى نسف، على فرسخين منها. يروى مُصنفات محمد بن الحسن، عن والده، عن محمد بن أبي سعيد، عن جده يعقوب، عن أبي سليمان الجوزجاني، عن محمد بن الحسن. روى عنه الإمام أبو حفص عمر النسفي، صاحب " المنظومة ". كذا في " الجواهر ". 471 - أسعد بن علي بن الموفق بن زياد بن محمد بن زياد الرئيس، أبو المحاسن، الزيادي مولده رابع عشر ربيع الآخر، سنة تسع وخمسين وأربعمائة. سمع من الداودي " مُنتخب مُسند عبد بن حُميد " و " صحيح البخاري "، " ومُسند الدارمي ". روى عنه الحافظان؛ السمعاني، وابن عساكر. وكان ثقة، صدوقاً، صالحاً، عابداً، سديد السيرة، دائم الصلاة والذكر، وكان يسرد الصوم. مات في سنة أربع وأربعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 472 - أسعد بن سعد الدين محمد بن حسن الحافظ العالم ابن العالم، والفاضل ابن الفاضل، والبليغ ابن البليغ، والقدوة ابن القدوة، والرحلة ابن الرحلة، ممن تُعقد الخناصر عليه، وتشد الرحال إليه. وبقية نسبه سيأتي في ترجمة والده الإمام العلامة، معلم حضرة السلطان مراد خان، عليه من الله تعالى مزيد الرحمة والرضوان. ولد ثامن عشر محرم، سنة ثمان وسبعين وتسعمائة، ورباه والده في حجر الدلال، وغذاه بدر الكمال، وأقرأه القرآن العزيز عند بعض صلحاء المعلمين، وبعض المُقدمات النحوية، والفقهية، وغيرهما. ثم قرأ على والده فأكثر من القراءة تشريكاً لأخيه قاضي القضاة محمد أفندي، الآتي ذكره في محله، وصار مُلازماً من والده المشار إليه. ثم أكب على الاشتغال ليلاً ونهاراً، وصباحاً ومساء، ودأب، وحصل، إلى أن صار بالفضائل مشهوراً، وبالفواضل مشكوراً. وتصرف في المناصب السنية، والمدارس العلية، منها تدريس المدرسة الكبرى، التي تُنسب إلى المرحومة اسمى خان، والدة المرحوم المغفور له - إن شاء الله تعالى - السلطان سليم الثاني، وهي من المدارس التي جرت العادة بنقل مدرسها إلى إحدى المدارس الثمان، ومنها إلى تدريس إحدى المدارس السليمانية، بمدينة قُسطنطينية، وكذلك وقع لصاحب الترجمة، وأقام في المدرسة السليمانية مدة طويلة، لا ينقطع عن إلقاء الدروس الدروس بها يوماً، مما جرت به العادة، وأما الاشتغال في منزله الكريم، والمطالعة، والمراجعة، والمباحثة مع الأصحاب والإخوان والمُترددين إليه، فإنه لا يفتر ولا يمل، ولا يقدم على ذلك أمراً مُهماً، ولا حاجة من حوائج الدنيا. وله في العربية، والفارسية، والتركية، يد طُولى. وأما سَجيته الشعرية، ونظمه في القصائد الطنانة، وغوصه على استخراج الجواهر المضية، من أصداف الألفاظ الدرية، فإنه يبهر العقول، ويحير الألباب، ويأتي بالعجب العُجاب، والحال أنه ما اتهم ولا أنجد، ولا غور ولا أصعد، ولا عاشر الأعراب في بواديها، ولا قارضهم الأشعار في حاضرها ولا باديها، ولكنه فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. وإن شاء الله تعال، نسوق في آخر الترجمة من أشعاره وإنشائه، ما يفوق الماء الزلال، ويُعد من السحر الحلال.

473 - أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي، النيسابوري أبو المظفر، جمال الإسلام

ثم بعد أن أقام في الاشتغال بالمدرسة المذكورة، ما تقدم ذكره من المدة المزبورة، وجه له قضاء أدرنة المحروسة، التي تعد من جملة أمهات المدن، وكراسي السلاطين من آل عثمان، أدام الله تعالى دولتهم إلى آخر الزمان، في أول شهر من شهور سنة أربع بعد الألف، أحسن الله ختامها، وهذه الرعاية التامة، بهذه الولاية من التدريس المذكور، ما حصلت لأحد من أبناء الموالي في هذه الأيام، ولم يكن إعطاء هم له ذلك لأجل خاطر والده شيخ الإسلام فقط، بل له ولما حواه من الفضائل الكاملة، والفواضل الشاملة، لما أنعم الله تعالى به عليه من العقل، واللطف، والرفق، والشفقة، والرحمة، وحسن التدبير، والفكر الثاقب، والرأي الصائب، ولكونه ممن يستحق أن يوصف بقول أبي الطيب المتنبي، بل هو أحق به ممن قيل في حقه: قاضٍ إذا اشْتَبَهَ الأَمْرَانِ عَنَّ له ... رَأْيٌ يُفَرَّقُ بينَ الماءِ واللبنِ ولما خرج مُتوجهاً إلى مدينة أدرنة المذكورة، خرج معه لتوديعه وتشييعه من أرباب الدولة، وأكابر الديار الرومية، ومواليها، وعلمائها، وفضلائها، ما لا يعد كثرة، وكان من جملتهم قاضيا القضاة، المعروف كل منهما في الدولة العثمانية بقاضي العسكر، أحدهما قاضي العسكر بولاية روميلي، والآخر بولاية أناطولي. ولما وصل بالصحة والسلامة إلى مدينة أدرنة، فرح أهلها بقدومه، واستقبلوه إلى مسافة بعيدة عن المدينة، سروراً بذلك لما كانوا يسمعونه عنه، من اتصافه بالأخلاق الحميدة، والآراء السديدة، ولما بلغهم عنه أيضاً من الثقات، أنه يقول: لا بد أن أسألك طريق العدل والإنصاف، وأساعد الفقراء والمساكين بحسب الطاقة، ولا أدع أحداً من أتباعي يمد يده إلى شيءٍ من أموال الناس، وغير ذلك من الوعود الجميلة، والنية الصالحة، وقد أنجزوا وعده، وحفظ عهده، وسار فيهم سيرة شُريحية، بفطنة إياسية، حتى فاق الأقران، وأربى في سائر الفضائل على غالب من تقدمه في الزمان. ولما سافر السلطان الغازي محمد خان، نصره الله تعالى، إلى بلاد الكفار الفجار، بولاية الألمان، مر في طريقه على مدينة أدرنة، فوجد أهاليها شاكر منه، داعين له، راضين عنه، فأقبل عليه غاية الإقبال، وجلس لأجله مجلساً خاصاً لا يشركه فيه أحد، للسلام عليه، والتشرف بتقبيل يديه، فبمجرد نظرة إليه، قام له على قدميه، وعظمه، وبجله في الدخول والخروج، أكثر من تعظمه لقضاة العسكر، بل ولمن هو أكبر منهم. ثم اقتضى رأيه الشريف، أن يكرمه ويراعيه، بما يليق من المناصب السنية، والمراتب العلية، ففوض إليه قضاء دار السلطنة البهية، قسطنطينية المحمية، صانها الله تعالى عن كل آفة وبلية، وتوجه إليها مصحوباً بالسلامة، مؤيداً بالكرامة، وتأسفت أهالي أدرنة على فراقه، وشيعه كثير منهم مقدار مرحلة أو مرحلتين، فبينما هو في أثناء الطريق، إذ ورد عليه خبر بأن والدة سلطان العصر - نصره الله تعالى، وأنعم عليه خاصة، وعلى الناس عامة، بنفوذ الأوامر على كل حال، والاستقلال في مهمات الأمور بتدابير الرجال - قد امتنعت من تنفيذ هذا الإعطاء، وصممت على رد هذه الولاية، وولت فيما يقال: قاضي إصطنبول سابقاً، أو أبقته على ما كان عليه، لكون ولدها السلطان المشار إليه، قد فوض إليها فعل ذلك، وأنها تعزل من أرباب الدولة من أرادت، وتولي من أرادت، فاضطربت أباب المناصب لهذا الخبر غاية الاضطراب، وتحيرت عقول العامة في هذا الأمر ولا شك أنه يُحير الألباب، أما أرباب المناصب فللخوف على مناصبهم باختلال الأحوال، وسرعة النقض والإبرام، واعوجاج ما كانوا يعهدونه من ذلك الاعتدال، وأما العامة فلكونهم كانوا يؤملون صلاح أحوالهم، بأن هذا السفر يُسفر عن اختصاص الحل والعقد بفحول الرجال، فإذا بالأمور على ما كانت عليه، والطباع ما تغير عن ما كان متوجهاً إليه، ووجوه الاختلال وعلله كثيرة، ومنكراته صارت معروفة شهيرة، لا نُطيل بذكرها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 473 - أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي، النيسابوري أبو المظفر، جمال الإسلام مصنف " الفروق " في المسائل الفرقية، وله " الموجز " في الفقه، وهو شرح لمختصر أبي حفص عمر، مدرس المستنصرية ببغداد. قاله في " الجواهر ". 474 - أسعد بن محمد بن محمود، الجلال السيراجي

475 - أسعد بن هبة الله بن إبراهيم بن القاسم بن محمد بن عبد الله أبو المظفر، ابن أبي سعد، ابن أبي القاسم، ابن أبي محمد ابن أبي الفرج، الربعي، الأديب، النحوي المعروف، بابن الخيزراني

البغدادي، ثم الدمشقي قال السخاوي: ذكره شيخُنا - يعني: ابن حجر - في " إنبائه " وقال: إنه قدم بغداد في صغره، فاشتغل على الشمس السمرقندي في القراءات، والفقه ثم حضر مجلس الكرماني، وقرأ عليه " البخاري " كثيراً، وجاور معه بمكة، وكان يُقري ولديه وغيرهما، في النحو، والصرف، وغير ذلك، مع سلامة باطن، ودين، وتعفف، وتواضع، وخط حسن. وقدم دمشق، وولي إمامة الخانقاه السميساطية بها، ودرس وأعاد، وحدث وأفاد. مات بها في جُمادى الآخرة، سنة ثلاث وثمانمائة، وقد جاوز الثمانين. انتهى ملخصاً. وذكره [التقي] الكرماني، فقال: قرأت عليه القرآن، والشاطبية، وغيرهما، وكان فاضلاً في القراءات، والنحو، والصرف، واللغة، وفقه مذهبه، مُشاركاً في غيرها، مع حسن الصوت بالقرآن والحديث. وهو كان القارئ للبخاري بمجلس والدي، مدة طويلة، بل لازم مجلس والدي نحو ثلاثين سنة، وجاور معه بمكة، ولزمه حتى مات، وارتحل بسبب الفتنة اللنكية، في سنة خمس وتسعين، عن بغداد إلى دمشق، فأقام بها بعد زيارته القدس والخليل، حتى مات عن نيف وستين، أو سبعين، ودفن بظاهر دمشق، رحمه الله تعالى. 475 - أسعد بن هبة الله بن إبراهيم بن القاسم بن محمد بن عبد الله أبو المُظفر، ابن أبي سعد، ابن أبي القاسم، ابن أبي محمد ابن أبي الفرج، الربعي، الأديب، النحوي المعروف، بابن الخيزراني ولد سنة إحدى وخمسمائة، في شهر رمضان، وسكن بغداد. وسمع الحديث من أبي القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، وأبي غالب أحمد بن الحسن، وأبي عبد الله الحسين بن إبراهيم الدينوري. سمع منه القاضي أبو المحاسن القرشي، وأبو العباس أحمد بن محمد البندنيجي. ذكره ابن الدبيثي، وقال: كان له معرفة بالفقه على مذهب أبي حنيفة، وقرأ الأدب على أبي منصور موهوب بن أحمد بن الجواليقي، وكان يفهم ما يقرأ عليه. وذكره ابن النجار، وقال: روى لنا عنه أبو بكر عبد الله بن أحمد المقري، وتفقه على مذهب أبي حنيفة، وكان فقيهاً فاضلاً، أديباً عالماً، حسن الطريقة، متديناً. مات ليلة الخميس، سادس عشر ربيع الآخر، سنة تسعين وخمسمائة، ودفن بالوردية. رحمه الله تعالى. باب من اسمه إسماعيل 476 - إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد الشيباني أبو الفضائل أحد القضاة بدمشق، نيابة، وأحد الفقهاء بها. عرف بابن الموصلي، وكان محمود السيرة. ولد ببصرى، سنة أربع وأربعين وخمسمائة، في رابع عشر ربيع الآخر. سمع منه الحافظ الرشيد العطار، وأجاز للمُنذري. وذكره الشيخ شهاب الدين القوصي في " معجمه "، وقال: أنشدني لنفسه: قال العَذُولُ بَدَا الْعِذَارُ بِخَدِّهِ ... فَتَسَلَّ عنهُ فالْعِذَارُ يشِينُ فَأَجَبْتُه مَهْلاً رُويدك إنَّما ... أَغْرَاكَ فيهِ بالْمَلاَمِ جُفُونُ ما ذاكَ شَعْرُ عِذَارِهِ لكِنَّمَا ... أَجْفَانٌ عَيْنِك في الصِّقَالِ تَبِيْنُ ومن شعره أيضاً قوله: بِأَبِي الأَهْيَفَ الذي لَحْظ عُيْنَيْ ... هِ ذَا رَاشِقٌ وهذا رَشِيقُ راحَ في حُسْنِه غَريباً وإِنْ كا ... نَ شَقِيقاً لِوَجْنَتَيْهِ الشقيقُ وقال في " تاج التراجم ": هو القاضي شرف الدين، له مصنفات في الفرائض مشهورةٌ، انعزل في منزله حتى مات، سنة ثلاثين وستمائة. وأرَّخ الذهبي وفاته سنة تسع وعشرين، رحمه الله تعالى. 477 - إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل بن نصر ابن أبي المعالي بن الملاق الشروطي أبو الفضل إمام القليجية. ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة. ذكره الذهبي، في " معجمه "، وقال: سمع من خطيب مردا، والرضي بن البرهان، وكان خيراً، متواضعاً. مات في جُمادى الآخرة، سنة تسع وسبعمائة. رحمه الله تعالى. 478 - إسماعيل بن إبراهيم بن غازي بن علي بن محمد، أبو الطاهر النميري، المارداني، عُرف بابن فُلُوس وهو ابن خالة القاضي شمس الدين بن الشيرازي، وكانا ينوبان في القضاء عن ابن الزكي.

479 - إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى الكناني البلبيسي، نزيل القاهرة، القاضي مجد الدين، أبو محمد

كان عالماً فاضلاً، فقيهاً، سمع الحديث بدمشق على أصحاب السلفي، وقدم مصر، ودرس الأصلين، وله فيهما يد طولى، وله علم بالعربية والمنطق، والطب، ودرس بالفخرية للطائفة الحنفية، ودرس بدمشق، بمدرسة عز الدين أيبك. ومولده بماردين، سنة ثلاث، وقيل: أربع، وتسعين وخمسمائة. وكان منعوتاً بشرف الدين. وله واقعة مشهورة مع الملك المعظم حين بعث إليه أن يفتي بإباحة الأنبذة، وما يعمل من ماء الرمان، ونحوه، فقال شرف الدين: ما أفتح هذا الباب، وإباحتها إنما هي رواية النوادر، وقد صح عن أبي حنيفة أنه ما شربه قط، والحديث عن عمر في إباحة شربه لا يثبت. فغضب المعظم، وكان بيده مدرسة طرخان، وكان ساكناً بها، فأخذها منه، وأعطاها للزين محمد بن العتال تلميذ شرف الدين، فلم يتأثر، وأقام في بيته، يتردد إليه الناس. ومات بدمشق، سنة سبع وثلاثين وستمائة، رحمه الله تعالى. 479 - إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى الكناني البلبيسي، نزيل القاهرة، القاضي مجد الدين، أبو محمد ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. وتفقه، ومهر، وطلب الحديث بنفسه، فسمع من أولاد الفيومي الثلاثة: إبراهيم، ومحمد، وفاطمة، وغيرهم، ورافق الشيخ جمال الدين الزيلعي في الطلب، وكان متثبتاً لا يحدث إلا من أصله. وأخذ فن الحديث عن الحافظ مغلطاي، وعن القاضي علاء الدين التركماني. وتفقه بفخر الدين الزيلعي، وغيره، ومهر في الشروط، وصنف في الفرائض، والحساب، وناب في الحكم. وكان ديناً، فاضلاً، أديباً، عفيفاً، حسن المفاكهة، جيد المحاضرة. شرح " التلقين " لأبي البقاء، في النحو، وصنف في الشروط، وكان القاضي تاج الدين ابن الظريف، مع مهارته في الفرائض والحساب، يُثني على تصنيفه فيهما، واختصر " الأنساب " للرشاطي، وأضاف إليها " زيارات الأنساب " لابن الأثير، اختصاره من كتاب أبي سعد ابن السمعاني. ولم يزل على حالته حتى ولي القاضي شمس الدين الطرابلسي، فاتفق له معه شيء، فامتنع من النيابة، إلى أن قدر أن استدعاه الملك الظاهر، فخلع عليه، وفوض إليه قضاء الحنفية، فباشره بصلابة، ونزاهة، وعفة، وتشدد في الأحكام، وفي قبول الشهادة، ولم يتفق أنه عدل من الشهود أحداً في مُدة ولايته، إلا اثنين، وأبغضه الرؤساء، لرد رسائلهم. وذكر بعض من يعرفه أنه قد حصل له في المنصب بعض خمول، وانقباض من الناس عنه، وذلك بسبب أنه كان يزهو بنفسه، ويرى أن المنصب دونه، لما كان عنده من الاستعداد، ولما في غيره من النقص في العلم والمعرفة، فانعكس أمره لذلك، واشتهر عنه أنه كان إذا رأى المكتوب عرف حاله من أول سطر بعد البسملة غالباً. وكان عزله من المنصب، في شعبان، سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، فانصرف إلى منزله بالسيوفية، وأقام فيه بطالاً، ولكنه يشغل الطلبة، ويحضر الوظائف التي كانت بيده قبل القضاء، وضاق حاله، وتعطل إلى نُسى كأن لم يكن شيئاً مذكوراً. وكان الظاهر يتفقده بالصدقات، فلما مات الظاهر كف بصره، وساءت حاله إلى الغاية. ومات في شهر ربيع الأول، سنة اثنتين وثمانمائة. وكان كثير النظم، جيد الوزن فيه، إلا أنه لم يكن بالماهر في عمله، وله أشياء كثيرة من قسم المقبول، كقوله: لا تَحْبَسَنَّ الشِّعْرَ فَضْلاً بَارِعاً ... ما الشعرُ إلا مِحْنَةٌ وَخَبَالُ فالْهَجْوُ قَذْفٌ والرِثَاءُ نِيَاحَةٌ ... والْعَشْبُ ضِغْنٌ والمديحُ سُؤالُ 480 - إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن نوح بن زيد ابن نعمان بن عبد الله بن الحسن بن زيد بن نوح، أبو محمد النوحي، النسفي، الإمام، الخطيب من أهل نسف. كانت ولادته في شعبان، سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة بسمرقند. سمع أبا العباس جعفر بن محمد المُستغفري. روى عنه أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد النسفي الإمام نجم الدين. له ذكر في " طلبة الطلبة ". ذكره السمعاني، وقال: كتب الحديث بسمرقند. وتُوفي سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. 481 - إسماعيل بن إبراهيم بن ميمون الصائغ، المروزي تفقه على أبيه إبراهيم، المتقدم ذكره، رحمهما الله تعالى. 482 - إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوي، الدمشقي المعروف بابن الدرجي

483 - إسماعيل بن إبراهيم، الشرف الزبيدي

مولده بدمشق سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة. وكانت بها وفاته سنة أربع وستين وستمائة، ودفن بباب الفراديس. وكان قد سمع من منصور الطبري، وغيره، وخرج له الحافظ أبو عبد الله البرزالي " مشيخة ". 483 - إسماعيل بن إبراهيم، الشرف الزبيدي أحد مشايخ النحو بزبيد، لازم السراج عبد اللطيف الشرجي، حتى مهر فيه، وفي الصرف واللغة، بحيث إنه لما قدم البدرُ الدماميني زبيد، لم يكن بها من يُجاريه سواه، فكان لذلك يبالغ في احترامه، وينصفه، ويعترف بفضله وتقدمه في فنه، وكان له مع ذلك اشتغال بالفقه. مات في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة. كذا ذكره السخاوي، في " الضوء اللامع "، وقال: أفاده لي بعض فُضلاء اليمن. وممن أخذ عنه العفيف الناشري، وقال: إنه شيخ نحاة عصره. 484 - إسماعيل بن أحمد بن إسحاق بن شيث، الصفار أبو إبراهيم الشهيد، المتقدم ذكره، في بابه. كان إماماً فاضلاً، قوالاً بالحق، لايخاف في الله لومة لائم. قتله الخاقان، سنة إحدى وستين وأربعمائة. 485 - إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل القوصي، ثم المصري جلال الدين، أبو الطاهر قال ابن حبيب: عالم عماده مرفوع، وكلامه بين الطلبة مسموع، ولفظه محرر، وفضله لدى القراء مقرر، وعقود نظمه مؤتلفة، وموارد أدبه مُرتشفة. كان عارفاً بالقراءات السبع، ماهراً في العربية، مُصدراً للإفادة بالجامع الطولوني، بالديار المصرية. وقال في " الدرر ": اعتنى بالعلم، وفاق في العربية والقراءات، وقال الشعر الحسن، وتصدر بجامع ابن طولون، وكان حسن المحاضرة، وباشر العُقود. وقال الصفدي: هو رفيق أبي حيان، تفقه على مذهب أبي حنيفة، وجمع " كراسة " في حديث " الطهور ماؤه الحل ميتته ". مات سنة خمس عشرة وسبعمائة. ومن شعره: أَقُولُ لَهُ ودَمْعِي ليس يَرْقَا ... ولِي مِن عَبْرَتِي إحْدى الرَّسائِلْ حُرِمْتُ الطَّيْفَ منك بفيضِ دَمْعِي ... فَطَرْفِي فِيكَ مَحْرُومٌ وسائِلْ 486 - إسماعيل بن أحمد بن سلم، القاضي، أبو أحمد كان فاضلاً مشهوراً، وكان ينوب عن القضاة الصاعدية. ومات سنة سبعين وخمسمائة، ودُفن بالوردية، رحمه الله تعالى. 487 - إسماعيل بن أحمد بن عبد الوهاب، تاج الدين أبو الفِدَا، الخطيب، المخزومي، القاهري ولد بالقاهرة، في حدود بضعٍ وعشرين وسبعمائة. ومات في ربيع الآخر، سنة ثلاث وثمانمائة، بعد أن اختلط، وأتلف ماله، وساءت حاله. وكان ذا فوائد كثيرة، وثروة غزيرة، وناب في القضاء والحسبة. وحكى عنه أنه كان في أيام صباه، يهوى بعض الصور الحسنة، وأنه رأى في منامه من ينشده: لا أَوْحَشَ اللهُ عَيْنِي مِنْ مَحاسِنِهم ... ولا خَلاَ مَسْمَعي مِن طِيبِ الْخَبَرِ قال: فتطيرت من ذلك، فلم ألبث أن جاءني نعي من كنت أهواه. 488 - إسماعيل بن أحمد بن علي بن يوسف بن إبراهيم عُرف بابن عبد الحق عم قاضي القضاة برهان الدين، إمام، فقيه، سمع وحدث. وسمع منه ابن أخيه برهان الدين. 489 - إسماعيل بن أبي البركات، ابن أبي العز بن صالح المعروف بابن الكشك، عماد الدين قاضي دمشق، وليه بعض القاضي جمال الدين ابن السراج، فباشر دون السنة، وتركه لولده نجم الدين. ودرس بعدة مدارس، بدمشق، وكان جامعاً بين العلم والعمل، وكان مصمماً في الأمر، حسن السيرة. عمر حتى جاوز التسعين، مات في شوال، أو بعده، سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة. 490 - إسماعيل بن تَوْبَة، أبو سهل، القزويني راوي " السير الكبير " عن محمد بن الحسن، مع أبي سليمان الجوزجاني، لم يروه غيرهما، وكان يؤدب أولاد الخليفة، فكان يحضر معهم لسماع " السير " على محمد، فاتفق أنه لم يبق من الرواة غيره، وغير أبي سليمان. 491 - إسماعيل بن حاجي الإمام، العالم، الحبر، المدرس. كذا قاله في ترجمته ابن قاضي شُهبة، في من مات سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة. قال - أعني ابن شهبة -: شرف الدين الهروي، ثم الدمشقي، الحنفي. هكذا وجدت هذه الترجمة بخط ابن الشحنة فنقلتها منه، وهو نقلها من خط جده.

492 - إسماعيل بن الحسين بن عبد الله أبو القاسم، البيهقي

وذكره ابن حجر، في " الدرر "، وأرخ وفاته كما هنا، وقال: كان من الفقهاء الشافعية، وأنه درس " الحاوي. والله تعالى أعلم. 492 - إسماعيل بن الحسين بن عبد الله أبو القاسم، البيهقي قال في " الجواهر ": كان إماماً جليلاً، عارفاً بالفقه. صنف في المذهب كتاباً، سماه " الشامل "، جمع فيه مسائل وفتاوى، تتضمن كتاب " المبسوط " و " الزيادات "، وهو كتاب مفيد، رأيته في مجلدين، وله كتاب سماه " الكفاية مختصر " شرح القدوري " لمختصر أبي الحسن الكرخي. انتهى. ورأيت بخط ابن الشحنة، على هامش الكتاب، عند ترجمة البيهقي هذا، ما صورته: في الأصل بخط الشيخ سراج الدين قارئ " الهداية "، ما نصه: ورأيت كتاباً في أصول الفقه، مسمى ب " الينابيع " وهو كثير الفوائد، منسوب إلى شمس الأئمة البيهقي. 493 - إسماعيل بن الحسين بن علي بن الحسين بن هارون أبو محمد الفقيه، الزاهد، البخارى ورد بغداد حاجاً، مرات عديدة، وحدث بها عن محمد بن أحمد بن خنب البخاري، وبكر بن محمد بن حمدان المروزي، ومحمد بن عبد الله بن يزداد الرازي، وغيرهم. روى عنه القاضي أبو جعفر محمد بن أحمد السمناني، وغيره. روى عنه السمناني بسنده إلى جابر بن عبد الله، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بِرُّوا آباءَكُمْ تَبّرُّكُم أَبْناؤُكُمْ، وعِفُّوا تَعِف نِساؤُكم، ومن تُنُصِّل إليه فلم يقبل لم يردْ على الْحَوْضِ ". قلت: وقد أحسن بعض الشعراء في نظم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " وعِفُوا تعف نِساؤُكُمْ " حيث يقول: عِفُّوا تَعِفَّ نِساؤُكُمْ فِي الْمَحْرَم ... وتَجَنَّبُوا مَالا يَحِلُّ لِمُسْلِمِ إن الزِّنَا دَيْنٌ فَإنَّ أَقْرَضْتَهُ ... كان الْوَفَا مِنْ أَهْلِ بيتِك فَاعْلَمِ قال الخطيب: قرأت بخط أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد البخاري الحافظ، المعروف بالغُنجار: تُوفي أبو محمد إسماعيل بن الحسين، يوم الأربعاء، لثمان خلون من شعبان، سنة اثنتين وأربعمائة. 494 - إسماعيل بن الحسين بن محمد بن الحسين بن أحمد بن محمد بن عزيز بن الحسين بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ين علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الإمام عِز الدين، أبو طالب قال ياقوت: كان أعلم الناس بالنحو، واللغة، والفقه، والشعر، والأصول، والأنساب، والنجوم، حسن الأخلاق، لا يرد غريبٌ إلا عليه، ولا يستفيد مستفيدٌ إلا منه، حسن السيرة في القضاء، اجتمعت به، فوجدته كما قيل: قَد زُرْتُهُ فوجدتُ الناسَ في رجلٍ ... والدهرَ في ساعةٍ والفضلَ في دارِ قرأ الأدب على المطرزي، والفقه على الفخر بن الطيان الحنفي، والحديث على أبي المُظفر السمعاني، وسمع من جماعة. وصنف كتباً كثيرة في الأنساب. مولده ليلة الاثنين، ثاني عشري جمادى الآخرة، سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة. 495 - إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة الإمام بلا مدافعة، ذو الفضائل الشريفة، والخصال المنيفة. تفقه على أبيه حماد، والحسن بن زياد ولم يدرك جده. وسمع الحديث من أبيه، ومالك بن مغول، وعمر بن ذر، والقاسم بن معن، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذءئب، وغيرهم. وروى عنه غسان بن المفضل الغلابي، وعمر بن إبراهيم الثقفي، وسهل بن عثمان العسكري، وعبد المؤمن بن علي الرازي، وغيرهم. وولى قضاء الجانب الشرقي ببغداد، بعد محمد بن عبد الله الأنصاري، وقضاء البصرة، بعد يحيى بن أكثم، والرقة، وكان بصيراً بالقضاء، محموداً فيه، عارفاً بالأحكام، والوقائع، والنوازل، والحوادث، صالحاً ديناً. قال محمد بن عبد الله الأنصاري: ما ولى القضاء من لدن عمر بن الخطاب إلى اليوم، أعلم من إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة. فقيل له: يا أبا عبد الله، ولا الحسن بن أبي الحسن؟. قال: والله، ولا الحسن. وعن أبي العيناء، قال: لما ولي إسماعيل البصرة، دس إليه الأنصاري إنساناً يسأله عن مسألة، فقال: أبقى الله القاضي، رجل قال لامرأته. فقطع عليه إسماعيل، وقال: قل للذي دسك، إن القضاة لا تفتي.

496 - إسماعيل بن خليل، الإمام، تاج الدين

وروى عن إسماعيل أنه قال: ما ورد على مثل امرأة تقدمت إلي، فقالت: أيها القاضي، إن عمي زوجني من هذا، ولم أعلم، فلما علمت رددت. قال: فقلت لها: ومتى رددت؟ قالت: وقت علمت. قلت: ومتى علمت؟ قالت: وقد رددت. قال: فما رأيت مثلها. وفي رواية، أن المرأة المذكورة كانت من نسل أبي حنيفة، وأنه لما عرفها قال: هذا الفرع من ذلك الأصل. وعن شمس الأئمة الحلواني، أن إسماعيل كان يختلف إلى أبي يوسف، يتفقه عليه، ثم صار بحال يُزاحمه. ومات شاباً، ولو عاش حتى صار شيخاً، لكان له نبأ عند الناس. وروي أنه لما عزل عن البصرة، شيعه أهلها، وقالوا: جزاك الله خيراً، عففت من أموالنا، وعن دمائنا. فقال إسماعيل: وعن أبنائكم. يعرض بيحيى بن أكثم في اللوط. كذا رواه الخطيب، والله تعالى أعلم بصحته. وصنف إسماعيل من الكتب: " الجامع " في الفقه، عن جده أبي حنيفة، و " الرد على القدرية "، و " كتاب الإرجاء " ونقضه عليه أبو سعيد البردعي من أصحابنا، وله " رسالة إلى البُستي ". وكانت وفاته سنة اثنتي عشرة ومائتين، رحمه الله تعالى. 496 - إسماعيل بن خليل، الإمام، تاج الدين تفقه، واشتغل، وكان يسكن الحُسينية. ووضع " مقدمة " في أصول الفقه، وأخرى في الفرائض، وكان له فيها يد طولى. وكان صالحاً، عفيفاً، زاهداً، وكان صادق الرؤيا، يخبر بأشياء يسندها إلى منامه، فتجيء كفلق الصبح، حتى كان يُخبر في كل سنة بزيادة النيل، فلا ينخرم. ومات في ثامن جمادى الآخرة، سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. قاله ابن حجر. وذكره صاحب " الجواهر "، وأثنى عليه بالعلم، والصدق، والدين المتين، رحمه الله تعالى. 497 - إسماعيل بن داود بن مساعد بن نعسان عماد الدين مولده سنة اثنتين وأربعين وستمائة. ووفاته ثاني رمضان المعظم، سنة أربع عشرة وسبعمائة. وكان رجلاً جيداً، فصيح العبارة، مشكور السيرة. حج إلى بيت الله الحرام، ثم قدم " من الحج " متمرضاً، إلى أن توفي في السنة المذكورة، رحمه الله تعالى. 498 - إسماعيل بن سالم قال في " الجواهر " تفقه على محمد بن الحسن. ذكره أبو بكر الرازي، في " أحكام القرآن ". 499 - إسماعيل بن سميع الكوفي، السابري بفتح السين وسكون الألف، وفتح الباء الموحدة، وفي آخرها الراء، قال السمعاني: هذه النسبة إلى نوع من الثياب، يقال: لها: السابري، والمشهور بهذه النسبة جماعة، منهم: أبو محمد إسماعيل بن سُميع الحنفي الكوفي، بياع السابري. يروى عن أبي رزين، وأبي مالك. روى عنه إسرائيل، وحفص بن غياث، وغيرهما. وأثنى عليه أحمد بن حنبل، وهو ثقة. كذا في " الجواهر المضية ". 500 - إسماعيل بن سعيد أبو إسحاق، الطبري الأصل الجُرجاني، المعروف بالشالنجي من أصحاب محمد بن الحسن، روى عنه، وعن سفيان بن عُيينة، ويحيى القطان. وروى عن إسماعيل المذكور، الضحاك بن الحسين الإسترباذي الفقيه الأزدي، وأبو العباس أحمد بن العباس بن محمد المسعودي. وسكن إستراباذ؛ وحدث بها، وروى عنه أهلها، وأهل جرجان. وصنف في فضائل أبي بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم، وصف كتاب " البيان " في الفقه، قيل: إنه رد فيه على محمد بن الحسن، يحكي كل مسألة، ثم يرد، وله تصانيف أخر في الفقه، وغيرها. وكان أحمد بن حنبل يُكاتبه، ويثني عليه. قال الفضل بن عُبيد الله الحميري: سألت أحمد بن حنبل عن رجال خُراسان، فقال: أما إسحاق بن راهويه فلم ير مثله، وأما إسماعيل بن سعيد الشالجي فقيه عالم. وحكى داود بن محمد أنه رآه بإستراباذ يُملي الأخبار، وأن من بها من أهل العلم والفقه والحديث يترددون إليه كل يوم. قال: وكان بها حينئذ نيف وأربعون من الفقهاء، وأهل العلم. قال: زوكان من الورع بمكان. مات سنة ثلاثين ومائتين. وقيل مات بدهستان، في ربيع الأول، سنة ست وأربعين ومائتين. قال السمعاني: والشالنجي، بفتح الشين المعجمة، واللام، بينهما ألف، وسكون النون، وفي آخرها الجيم: هذه النسبة إلى بيع الأشياء من الشعر، كالمخلاة والمقود والحبل. والله تعالى أعلم. 501 - إسماعيل بن سليمان بن ايداش بن السلاَر الإمام أبو طاهر فقيه محدث، حدث عن الصائن ابن عساكر، وعبد الخالق بن أسد الفقيه.

502 - إسماعيل بن سودكين بن عبد الله، أبو الطاهر، النوري

سمع منه الحافظ الرشيد، وذكره في " معجم شيوخه "، وقال: كان ملازماً لأداء الفرائض في الجماعات، من أهل الخير والعفاف. وذكره المنذري، في " التكملة "، وقال: لنا منه إجازة كتب بها إلينا من دمشق، سنة سبع عشرة وستمائة. توفي يوم الجمعة، رابع ذي القعدة، سنة ثلاثين وستمائة. وروى عنه أنه سئل عن مولده، فقال: في حادي عشر، شهر رجب، سنة اثنتين وأبعين وخمسمائة، بدمشق. 502 - إسماعيل بن سودكين بن عبد الله، أبو الطاهر، النوري قال في " الجواهر ": مولده بالقاهرة سنة ثمان، أو تسع وأربعين وخمسمائة. وقال الذهبي: سنة تسع وسبعين وخمسمائة. صحب الشيخ أبا عبد الله محمد بن علي بن العربي مدة، وكتب عنه كثيراً من تصانيفه. وسمع بمصر من أبي الفضل محمد بن يوسف الغرنوي، وأبي عبد الله محمد بن حامد الأرتاحي، وبحلب من الشريف أبي هاشم عبد المطلب بن [الفضل] الهاشمي. وحدث، وروى عنه ابن القواس. وكان فقيهاً، فاضلاً، محدثاً، شاعراً، له نظم حسن، وكلام في التصوف. مات بحلب، سنة ست وأربعين وستمائة. ويقال له: النوري، لأن أباه كان من مماليك السلطان نور الدين الشهيد. 503 - إسماعيل بن صاعد بن محمد بن أحمد بن عُبيد الله - عم شيخ الإسلام أحمد بن محمد بن صاعد المذكور فيما تقدم - أبو الحسن، قاضي القضاة ولي قضاء الري ونواحيها أولاً، ثم صار قاضي القضاة، ثم بعد ذلك ولي قضاء نيسابور ونواحيها، والبلاد الغربية منها، مثل طوس، ونسا، وصار بخراسان من المشاهير الكبار. وكان من دهاة الرجال، ولم يشتهر بشيء من العلوم، إلا أنه كان دقيق النظر، عارفاً برسوم القضاء، مُزاحماً للصدور، متقدماً بما فيه من الرجولية، ومن الحشمة التي حازها عن أبيه، وكان مع ذلك قصير اليد عن أموال الناس. وكانت ولادته ستنة سبع وسبعين وثلاثمائة. وأسمعه أبوه من المشايخ، فسمع " الناسخ والمنسوخ " لمحمد بن مهاجر، في أول سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. وحدَّث عن الخفاف، وغيره، وعُقد له مجلس الإملاء بنيسابور سنة اثنين وثلاثين وأربعمائة، وحضر مجلسه الصدور والمشايخ. وبُعث رسولاً إلى فارس، فمرض في الطريق، ووصل إلى إيذج، فتوفي بها، سابع رجب، سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة. وإيذج موضعان؛ أحدهما بلدة من كور الأهواز، والثاني قرية من قرى سمرقند. 504 - إسماعيل بن صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد أبو الحسن من بيت الصاعدية المشهور. شيخ فاضل، سافر إلى خراسان. وكان أبوه قد أسمعه من مشايخ عصره، وسمع من جده منصور، وعن أبيه الحسن بن إسماعيل، وغيرهما. 505 - إسماعيل بن صاعد، أبو القاسم، عماد الإسلام ابن أبي العلاء، البخاري، الفقيه كان قاضي أصبهان، وكان من الأعيان الكبراء، مقدماً عند الملوك والسلاطين. قال ابن النجار: والقضاء في ولده إلى يومنا هذا. قدم بغداد، في سنة عشر وخمسمائة. 506 - إسماعيل بن عبد الرحمن [بن عبد السلام] ابن الحسن بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن بشير ابن منكوا، أبو يوسف اللمعاني مدرس مشهد الإمام أبي حنيفة. قرأ الفقه، على عمه عبد الملك بن عبد السلام، حتى برع فيه، وهو من بيت أكثره من أهل العلم والفضل. ذكر المنذري أن مولده سنة ثمان عشرة وخمسمائة. وأنه توفي سنة ست وستمائة. وذكر نسبه، فقال: إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبد السلام بن الحسن. وذكره أبو العباس أحمد بن بختيار الواسطي، في كتاب " تاريخ الأحكام " من جمعه، وقال: إنه توفي يوم السبت السابع من شعبان، سنة ست وثلاثين وخمسمائة، ودفن بمقبرة الخيزران. واللمعاني، بفتح اللام، وسكون الميم، وفتح الغين المعجمة، نسبة إلى لمعان، وهو مواضع من جبال غزنة. والله أعلم. 507 - إسماعيل بن عبد الرحمن بن مكي مجد الدين، أبو الفداء، المارديني ولي قضاء حلب مدة يسيرة، وكان مشكور السيرة.

508 - إسماعيل بن عبد السلام بن إسماعيل ابن عبد الرحمن [بن عبد السلام] ابن الحسن اللمعاني أبو القاسم، البغدادي

ذكؤه العلامة قاضي القضاة علاء الدين ابن خطيب الناصرية، في " تاريخه "، ثم قال: قرأت في " تاريخ " شيخنا ابن حبيب، قال: سنة تسع وثمانين وستمائة، وفيها توفي قاضي القضاة مجد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بن مكي المادرديني، الحنفي، حاكم عرف مجده، وطاب غوره ونجده، وعلا قدره، وفاح في مجالس الحكم نشره، وارتفع لواء نجمه، وانتفع الطلبة بعلمه. أفتى ودرس وأفاد، وسلك عند مباشرته الحكم بحلب طريق السداد. وكانت وفاته بدمشق، عن أربع وستين سنة، رحمه الله تعالى. 508 - إسماعيل بن عبد السلام بن إسماعيل ابن عبد الرحمن [بن عبد السلام] ابن الحسن اللمعاني أبو القاسم، البغدادي يأتي أبوه، وأخوه، وجده، وجماعة من أهل بيته. ذكره الحافظ الدمياطي، في مشايخه الذين أجازوا له، وروى عنه بسنده إلى ابن بريدة، عن أبيه، رفعه: " الدلال على الخير كفاعله ". 509 - إسماعيل بن عبد الصادق بن عبد الله بن سعيد ابن مسعدة بن ميمون، البياري، الخطيب سمع أبا محمد عبد الكريم بن موسى بن عيسى البزدوي. وروى عنه القاضي أبو اليسر محمد بن محمد البزدوي، وابنه ميمون بن إسماعيل. ذكره أبو حفص عمر بن محمد النسفي، في كتاب " القتد ". ومات في ذي الحجة، سنة أربع وتسعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. 510 - إسماعيل بن عبد العزيز بن سوار بن صلاح أبو عبد العزيز، البصروي نزيل دمشق. مولده بقرية الكفر، من عمل بصري، في سنة أربع وثمانين وخمسمائة. ذكره الدمياطي، في " معجم شيوخه ". وأخوه محمد، يأتي إن شاء الله تعالى. 511 - إسماعيل بن عبد المجيد بن إسماعيل بن محمد مدرس قيسارية. تفقه على والده الآتي ذكره. وهو أخو قاضي ملطية، المتقدم ذكره في محله. 512 - إسماعيل بن عثمان بن عبد الكريم بن تمام بن محمد القُرشي الإمام، العلامة، شيخ الحنفية في عصره، أبو الفداء المُلقب رشيد الدين، المعروف بابن المُعلم عالم صَفا ماء مشربه، وانتهت إليه رياسة مذهبه، وانتظمت قلائد مجده، وظهرت دلائل ورعه وزهده، وبرز للطلبة كنز علمه النافع، وأضاء نجم هدايته الذي لا معارض له ولا مدافع. عرض عليه القضاء بدمشق فامتنع من قبوله، ورغب فيما يقربه ويدنيه من طاعة الله ورسوله. وكانت وفاته بمصر، عن إحدى وتسعين سنة. قال ابن حجر، في " الدرر ": ولد سنة ثلاث وعشرين وستمائة. وسمع من الزبيدي، وقرأ بالروايات على السخاوي، وسمع منه، ومن ابن الصلاح، وابن أبي جعفر، والعز النسابه، في آخرين. وكان فاضلاً في مذهب الحنفية، تفقه على الجمال محمود الحصيري. وعمر حتى انفرد، وأفتى، ودرس وقدم القاهرة، فأقام بها إلى أن مات. وكان قد عرض عليه القضاء بدمشق فأبى. ومات في خامس رجب، سنة أربع عشرة وسبعمائة. وامتنع من الإقراء لكونه كان تاركاً، وكان بصيراً بالعربية، رأساً في المذهب. وقال الذهبي: كان ديناً، مُقتصداً في لباسه، متزهداً، بلغني أنه تغير بأخرة، وكان منقطعاً عن الناس، ومات ابنه قبله بيسير. انتهى. وقال في " الجواهر ": تفقه عليه جماعة؛ منهم: شيخنا ولده العلامة تقي الدين يوسف، وشيخنا قاضي القضاة شمس الدين ابن الحريري، والإمام علاء الدين الفارسي، ويأتي كل منهم في بابه. درس وأفتى، وحدث، وسمعت عليه " ثلاثيات البخاري " بسماعه من ابن الزبيدي. ثم قال: وسمعته غير مرة يقول: سمعتُ " البخاري " جميعه على ابن الزبيدي. وكان الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد يعظمه، ويُثني على علمه، وفضله، وديانته. وروى عنه في " الجواهر " قوله: كِبَرٌ وأَمراضٌ وَوَحْشَةُ غُرْبَةٍ ... معَ سُوءِ حالٍ قد جُمِعْنَ لِعَاجِزِ بئس الصِّفاتُ لِمَن غَدَتْ أوْصافهُ ... هذي الصِّفاتُ وما المملتُ بناجزِ لولا رجاءُ تَفَضُّلٍ من راحِمٍ ... حَتْماً لَخَابَ ولم يكنْ بالفائزِ يا ربِّ أَنْجِزْ رحمةً يحيى بها ... الفضلُ فضلكَ مالَه مِن حاجزِ 513 - إسماعيل بن عدي بن الفضل بن عبيد الله، أبو المظفر الأزهري، الطالقاني تفقه بما وراء النهر على البرهان، وغيره.

514 - إسماعيل بن علي بن الحسين بن محمد بن الحسن بن زنجويه الرازي، ابو

وسمع ببُخارى، وبلخ، جماعة؛ منهم أبو المعين ميمون بن محمد بن محمد بن المعتمد المكحولي النسفي. وكتب عنه الحافظان؛ أبو علي ابن الوزير الدمشقي، وأبو الحجاج الأندلسي. قال السمعاني، في " أنسابه ": كتب لي الإجازة بجميع مسموعاته، وكان فقيهاً، فاضلاً، مُفتياً، جال في أكناف خراسان، وخرج إلى ما وراء النهر، وتفقه بها. وكانت وفاته - فيما أظن - في حدود سنة أربعين وخمسمائة. والأزهري، نسبة إلى جد المُنتسب إليه. قال في " الجواهر " يعد نقل كلام السمعاني هذا: كذا نقلته من خطى من مسودتي. ولم أر هذه الترجمة في السمعاني، لا في الأزهري، ولا في الطالقاني، وإنما ذكرها السمعاني في الورى، بفتح الواو والراء، وفي آخرها ياء تحتها نقطتان؛ هذه النسبة إلى وره، قرية من قرى الطالقان، خرج منها جماعة؛ منهم أبو المظفر إسماعيل بن عدي بن عبد الله الطالقاني الورى، الفقيه الحنفي، كان فقيهاً فاضلاً، تفقه على البرهان، وغيره. وسمع الحديث ببلخ من أبي جعفر محمد بن الحسين السمنجاني، وأبي بكر محمد بن عبد الرحمن بن القصير الخطيب. وسمع ببخارى، وخراسان. سمع منه أبو علي ابن الوزير الدمشقي، وأبو الحجاج بن فارو الأندلسي. وتوفي في حدود سنة أربعين وخمسمائة. رحمه الله تعالى. 514 - إسماعيل بن علي بن الحسين بن محمد بن الحسن بن زنجويه الرازي، ابو سعد، السمان قال في " الجواهر ": قال ابن العديم، في " تاريخ حلب ": شاهدت بخط محمود بن عمر الزمخشري، في أصل " معجم أبي سعد السمان "، والمشيخة جميعها بخط الزمخشري، ما مثاله: ذكر الأستاذ أبو علي الحسين بن محمد بن مزدك في " تاريخه ": الشيخ الزاهد إسماعيل بن علي السمان، شيخهم، وعالمهم، وفقيههم ومتكلمهم، ومحدثهم. وكان إماماً بلا مدافعة، في القراءات، والحديث، ومعرفة الرجال، والأنساب، والفرائض، والحساب، والشروط والمقدرات. وكان إماماً أيضاً، في فقه أبي حنيفة وأصحابه، وفي معرفة الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي، رحمهما الله تعالى، وفي فقه الزيدية، وفي الكلام. وكان يذهب مذهب الحسن البصري، ومذهب الشيخ أبي هاشم. وكان قد حج، وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل العراق، وطاف الحجاز، والشام، وبلاد المغرب، وشاهد الرجال، والشيوخ، وقرأ عليه ثلاثة آلاف رجل من شيوخ زمانه، وقصد أصبهان لطلب الحديث في آخر عمره. وكان يقال في مدحه: إنه ما شاهد مثل نفسه. وكان مع هذه الخصال الحميدة زاهداً، ورعاً، قواماً، مجتهداً، صواماً، قانعاً، راضياً، أتى عليه أربع وسبعون سنة، ولم يدخل أصبعه في قصعة إنسان، ولم يكن لأحد عليه منه ولا يد، في حضره ولا في سفره. مات ولم تكن له مظلمة، ولا تبعة، من مال، ولا لسان. كانت أوقاته موقوفة على قراءة القرآن، والتدريس، والرواية، والإرشاد، والهداية، والعبادة. خلف ما جمعه طول عمره من الكتب وقفاً على المسلمين. كان تاريخ الزمان، وشيخ الإسلام، وبقية السلف والخلف. مات ولا فاته في مرضه فريضة، ولا واجب، من طاعة الله تعالى، من صلاة، ولا غيرها، ولا سال منه لعابٌ، ولا تلوث ثياب، ولا تغير لونه. وكان يجدد التوبة، ويكثر الاستغفار، ويقرأ القرآن. قال أبو الحسن المطهر بن علي المرتضى: سمعت أبا سعد إسماعيل السمان، يقول: من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام. وصنف كتباً كثيرة، ولم يتأهل قط. مضى لسبيله، وهو يبتسم، كالغائب يقدم على أهله، وكالمملوك المطيع يرجع إلى مالكه. مات وقت العتمة، من ليلة الأربعاء، الرابع والعشرين من شعبان، سنة خمس وأربعين وأربعمائة، ودفن ليلة الأربعاء بجبل طبرك، بقرب الفقيه محمد بن الحسن الشيباني، تحت قبر أبي الفتح عبد الرزاق بن مردك. وذكره ابن خلكان، في " تاريخه " في ترجمة الرئيس ابن سينا، وقال: كان له نحو من أربعة آلاف شيخ، وكان أبو علي يختلف إلى إسماعيل الزاهد في الفقه، ويتلقف مسائل الخلاف، ويناظر، ويُجادل. ويأتي ابن أخيه يحيى بن طاهر بن الحسين، إن شاء الله تعالى. 515 - إسماعيل بن علي بن عبد الله الحاكم، الناصحي أبو الحسن، ابن أبي سعيد حدث عن عبد الله بن يوسف، وأبي سعيد الصيرفي، وغيرهما، وكان ثقة. ولد في أواخر القرن الرابع، أو أوائل الخامس.

516 - إسماعيل بن علي بن عبيد الله الخطيبي

ومات في جمادى الآخرة، سنة ست وثمانين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. 516 - إسماعيل بن علي بن عبيد الله الخطيبي تفقه على أبيه، وخرج معه إلى الحج، فمات أبوه بالأبواء، فتوجه هو صحبة أبي العلاء صاعد بن محمد إلى مكة، ثم قدما من الحج إلى بغداد، وتردد هو إلى قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني. وولي القضاء بأصبهان مرتين، ثم قدم إلى بغداد، وحصل له بها القبول التام، وكان يحضر عنده أهل العلم من سائر الطوائف. وقتل شهيداً، يوم الجمعة، بجامع همذان، سنة اثنتين وخمسمائة، سادس صفر الخير. 517 - إسماعيل بن علي بن محمد أبو إبراهيم، البشتنقاني بضم الباء الموحدة، وسكون الشين المعجمة، وفتح التاء المثناة من فوقها، وكسر النون، وفتح القاف، وفي آخرها النون: قرية على فرسخ من نيسابور، يقال لها: بُشتنقان، وهي إحدى مستنزهات نيسابور. تفقه على العلامة أبي العلاء صاعد، وسمع الحديث منه، وكان يعد نفسه من تلامذته. قال عبد الغافر، في " السياق ": رجل صالح مستور، مشتغل بالتجارة، وله مروءة، وثروة، ونعمة، وأقارب، وأعقاب. سمع منه عبد الغافر المذكور، وقال: توفي في ذي القعدة، سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة. رحمه الله تعالى. 518 - إسماعيل بن عيسى بن دولات البلكشهري المولد، نزيل الحرمين، ويعرف بالأوغاني قدم مع أبيه عيسى من بلاده، وقطنا بيت المقدس عند الصامت، فمات أبوه بها، وتسلك هو بالشيخ الصامت، وعاد فقطن مكة، وتسلك عليه الفقراء، وربما كان يقرئهم في الفقه. وكان على قدم عظيم، من التلاوة، والصيام، وإدامة الاعتمار. واختصر " جامع المسانيد " للخوارزمي، وسماه " اختيار اعتماد المسانيد، في اختصار أسماء بعض رجال الأسانيد ". قال السخاوي: رأيته بخطه عند الشيخ عبد المعطي، وقال: إنه اختصره أيضاً الجمال محمود بن أبي العباس القونوي، وابو البقاء بن الضياء، وأبدى في كل منهما علة، وفي كتابه أيضاً علل. مات في ليلة الأربعاء، سابع المحرم، سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 519 - إسماعيل بن الفضل قال: محمد بن شُجاع: سمعت إسماعيل بن الفضل، وابا علي الرازي، وجماعة من أصحابنا، يذكرون أن ابا يوسف سُئل: أسمع منك محمد بن الحسن هذه الكتب؟ فقال أبو يوسف: سلوه. فأتينا محمداً، فسألناه، فقال: ما سمعتها، ولكن أصححها لكم. كذا في " الجواهر ". 520 - إسماعيل بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن نوح النوحي، القاضي تقدم نسبه في ترجمة أخيه إسحاق، ويأتي أبوه في بابه إن شاء الله تعالى. قال السمعاني، لما ذكر أخاه إسحاق في النوحي: والده، وإخوته، وأهل بيته، يقال لهم: نوحى، وهم علماء فضلاء. وذكر أن النسبة للجد. رحمهم الله تعالى. 521 - إسماعيل بن محمد بن أحمد بن جعفر، أبو سعيد الفقيه، الحجاجي ولد سنة سبع وتسعين وثلاثمائة. وتوفي ليلة الأضحى، سنة تسع وسبعين وأربعمائة. حدث عن أبي سعيد الصيرفي، وأبي القاسم السراج، وسمع الحافظ عبد الغافر الفارسي. وسمع منه الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي. قال أبو الحسن، في " السياق ": فقيه، شيخ معروف، من فقهاء أصحاب أبي حنيفة، كثير الحديث، مشهور به. وقال أبو الفضل المقدسي في " أنسابه ": فقيه على مذهب أبي حنيفة، لا أعلم أني رأيت حنفياً أحسن طريقاً منه. وقال السمعاني، في " الأنساب ": الحجاجي: نسبة إلى الحجاج، وهو اسم رجل، ومكان. وذكر من ينسب إلى الرجل، ثم قال: وأما المنتسب إلى المكان، فهو أبو سعيد إسماعيل ابن محمد بن أحمد الحجاجي الفقيه، [كان] حسن الطريقة، روى عن القاضي أبي بكر الحيري، وغيره. وكان ينسب إلى قرية من أعمال بيهق، يقال له حجاج. ولعله توفي في حدود سنة ثمانين وأربعمائة. رحمه الله تعالى. 522 - إسماعيل بن محمد بن أحمد بن الطيب الكماري قاضي واسط، من بيت علم وفضل. قال السمعاني: الكماري، بفتح الكاف، والميم، وبعد الألف راء: هذه اللفظة تشبه النسبة، وهو اسم لجد بعض العلماء، وهو الطيب بن جعفر بن كماري الواسطي. قال: وجماعة من أولاده يعرفون بابن الكماري.

523 - إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعد الله، السعدي ابن الفقاعي، الحموي، كمال الدين، أبو الفدا

523 - إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعد الله، السعدي ابن الفقاعي، الحموي، كمال الدين، أبو الفدا من فضلاء بلده، له معرفة بالقراءات، والنحو، والفقه، وهو حسن الأداء في القراءة، خبير بالتجويد، له النظم الجيد، وعنده الفضل التام. وهو فقيه حنفي، ويخطبُ بحصن صهيون، مع إقامته بحماة. كذا قاله البرزالي، في " معجمه ". وكانت ولادته في شهر رجب، سنة اثنتين وأربعين وستمائة. ومن شعره: مَتَى عَايَنَتْ عَيْنايَ أَعْلامَ حاجِر ... جعلتُ مَوَاطِي العِيسِ أَعْلَى مَحاجِري وإِنْ لاحَ مِنْ أَرْضِ العَواصِمِ بارقٌ ... رجعتُ بأحْشاءِ صَوَادٍ صَوَادِرِ سَقَى اللهُ هاتِيكَ المَواطِنَ والرُّبا ... مَوَاطِرَ أَجْفانٍ هَوَامٍ هَواتِرِ وحيَّى الْحَيا مِن ساكِنِ الحيِّ أَوْجُهاً ... سَفَرْنَ بأ، ْوارٍ زَوَاهٍ زواهرِ بحيثُ زَمانُ الوصلِ غَضٌ ورَوْضَهُ ... أريضٌ بأزهارٍ بَوَاهٍ بواهِرِ وحيثُ جُفُونُ الحاسدين غضيضةٌ ... رَمَقْنَ بأَرْماقٍ سِواهٍ سَوَاهِرِ قال البزالي: توفي خامس، أو سادس عشر جمادى الأولى، سنةة خمس عشرة وسبعمائة، بحماة. كتب إلي بذلك شهاب الدين ابن قرناص. انتهى. 524 - إسماعيل بن محمد بن الحسن الحُسيني؟ السيد، أبو إبراهيم كتب عنه أحمد بن محمد الخلمي، إملاء. من أقران أبي اليسر وأبي المعين. قاله في " الجواهر ". 525 - إسماعيل بن محمد بن الحسن، أبو الفضل، الحاكم الكرابيسي، الفقيه، المذكر ذكره في " سياق نيسابور " فقال: شيخ فاضل، معروف، من الحنفية. سمع الحديث من الخفاف، وطبقته. أخبرنا عنه أبو بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم. وتوفي سنة إحدى وستين وأربعمائة. وذكره الثعالبي، في " تتمة اليتيمة "، وقال في حقه: من أشعر الفقهاء، وأفقه الشعراء، ومن العلم حشو ثيابه، والعقل والفضل من أوصافه وألقابه، يقول ويُحسن. ثم أنشد له: تَمَنَّيْتَ أن تَحْيَى حياةً هَنِيئَةً ... وأن لا تَرَى كَرَّ الزَّمان بَلاَبِلاَ رُوَيْدَكَ هذِي الدَّارُ سجْنٌ وقَلَّما ... يَمُرُّ على المَسْجُونِ يومٌ بِلاَبَلا 526 - إسماعيل بن محمد بن سليمان، أبو الفضل، البيلقي الملقب شمس الدين. الإمام، العلامة. تفقه عليه شمس الأئمة الكردري. 527 - إسماعيل بن محمد بن محمد الحسين، أبو النجح ابن أبي الفضل، البزار تفقه على أبيه محمد، وروى عنه ابن النجار. ومات سنة سبع وستمائة، رحمه الله تعالى. 528 - إسماعيل بن محمد بن يحيى قال في " الجواهر ": حكى عنه ابن عساكر حكاية عن والده، تأتي في ترجمته. ولم يزد على ذلك. 529 - إسماعيل بن هبة الله بن محمد هبة الله بن أحمد بن يحيى ابن زهير بن موسى بن عيسى بن عبد الله ابن محمد بن عامر بن أبي جرادة، أبو صالح، عرف بابن العديم من بيت كبير مشهور. مولده بحلب، سنة عشر وستمائة، وسمع بها من جده أبي غانم محمد. وقدم مصر، وحدث بها ب " جزء أبي علي الكندي " بسماعه من الحسين بن صصري. مات في المحرم، سنة أربع وتسعين وستمائة. كذا في " الجواهر ". وترجمه في " درة الأسلاك "، فقال: رئيس أصيل، ومسند جليل، بيته عامر بأهله، وفرعه مثمر بمحاسن أصله. أكثر من سماع الحديث، واستمطر من الأخبار النبوية أي غيث مُغيب. سمع بحلب وحماة ودمشق ومصر والحجاز، وتقدم بما رواه عن الحفاظ بالبلاد المذكورة وامتاز. وكانت وفاته بحلب، عن سبع وسبعين سنة، رحمه الله تعالى. 530 - إسماعيل بن يحيى بن علي بن يحيى، مجد الدين، ابن أشرف الدين، المهاجري، الكردي، السنهوتي - بمهملة مفتوحة ثم نون ساكنة، بعدها هاء مضمومة، وآخره تاء مثناة - الأصل القارى، الحنفي، الشطرنجي أخو القاضي شمس الدين محمد، المعروف بابن يحيى.

531 - إسماعيل بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان، أبو الحسن،

ولد في أواخر سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، أو أوائل التي تليها، بالقاهرة، ونشأ فحفظ القرآن الكريم، وقصيدة " يقول العبد "، و " الكنز "، و " المنظومة النسفية "، و " المنار "، و " ألفية النحو "، وعرض على عبد السلام البغدادي، وابن الهمام، وغيرهما، وحضر دروس الأفاضل. وكان في الشطرنج عالية زمنة، وتميز، وفاق في كثرة المحفوظ، نظماً، ونثراً مع مشاركة في الفضائل، وعقل وسكون. وحج، وجاور بالحرمين. وسمع بالمدينة من أبي الفرج المراغي. وطاف البلاد، واشتهر عند أكابر الناس، وولي المناصب، ثم رغب عنها. قال السخاوي: ورأيت منه أمراً بديعاً غريباً، وهو أنه إذا ذكر كلام يسابق لبيان عدد حروفه عند تمامه، فلا يخرم، وأمره في ذلك وراء العقل، حتى في الكلام الكثير. قال: ومن نظمه، مما أنشدنيه في غصون: إنَّ قَلْبِي هامَ وَجْداً ... ووُلُوعاً بِحِمَاكْ فَلِذَا ذُبْتُ غَراماً ... واشْتِيَاقاً لِلِقَاكْ يا غُصوناً في رِيَاضٍ ... مِن زُهُورٍ وأراكْ أنتَ قد أَضْنَيتَ قلبِي ... فشِفَائِي في شِفَاكْ في أبيات. 531 - إسماعيل بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان، أبو الحسن، التنوخي، الأنباري أحد فضلاء البيت المشهور. حدث ببغداد، عن أبي العباس أحمد بن محمد البرتي، والحارث بن أبي أسامة، ومحمد ابن غالب التمتام، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، بهلول بن إسحاق، وغيرهم. وروى عنه ابن أخيه أحمد بن يوسف بن يعقوب الأزرق، وغيره. وكان حافظاً للقرآن، عالماً بأنساب اليمن، كثير الحديث، ثقة، صدوقاً. وكانت ولادته بالأنبار، سنة اثنتين وخمسين ومائتين. ومات بها، في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. 532 - إسماعيل بن اليسع بن الربيع، أو ابن الربيع بن اليسع الكندي، الكوفي، أبو الفضل، وأبو عبد الرحمن كان من أهل الكوفة، ومن أهل المائة الثانية. أخذ عن أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، وسمع من محمد بن عمرو بن علقمة، وغيره. روى عنه عبد الله بن وهب، وسعيد بن أبي مريم، وأبو صالح الحراني، وغيرهم. قال أبو عمر الكندي: كانت ولايته - يعني قضاء مصر - بعناية يعقوب بن داود وزير المهدي، وهو أول كوفي ولي القضاء بمصر على رأي أبي حنيفة، وذلك بعد موت ابن لهيعة، سنة أربع وستين. وقال سعيد بن أبي مريم: أول من أدخل مذهب أبي حنيفة مصر إسملعيل بن اليسع، وكانوا لا يعرفونه، وكان من خير قضاتنا، إلا أنه كان مذهبه إبطال الأحباس، فثقل ذاك على أهل مصر، وأبغضوه. وقال يحيى بن بكير: كان فقيهاً مأموناً، وكان يُصلي بنا الجمع وعليه كساء مربع من صوف، وقطن، وقلنسوة من خز. وقال خلف بن ربيعة، عن أبيه، وعن غير واحد: كان إسماعيل رجلاً صالحاً، وكان في زمن ولايته القضاء أمير مصر إبراهيم بن صالح، وصاحب البريد سراج بن خالد، فأراداه على الحكم لهما بشيء فلم يُطعهما، فاحتالا عليه، فاستدعاه غشامة بن عمرو، فأطعمه سمكاً، ثم أدخله الحمام، فمرض، فكتبا إلى الخليفة: إن إسماعيل حصل له فالج، فكتب: يعود غوث بن سليمان إلى القضاء. وعن أحمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: سمعت عمي يقول: قدم علينا إسماعيل بن اليسع الكوفي قاضياً، بعد ابن لهيعة، وكان من خير قضاتنا، غير أنه كان يذهب إلى قول أبي حنيفة، ولم يكن أهل مصر يعرفون مذهب أبي حنيفة. ونقل ابن حجر، في " رفع الإصر عن قضاة مصر " عن يحيى بن عثمان بن صالح، عن أبيه، عن جده، قال: جاء رجل إلى الليث بن سعد، فقال: ما تقول في رجل قال لرجل يا مأبون، يا من يُنكح في دبره؟ فقال له الليث: إيت إلى القاضي فاسأله. فقال: صرت إليه، فسألته، فقال لي: يقول له مثل ما قال له. فقال الليث: سبحان الله، وهل يقال هذا؟ قال: فكتب الليث إلى الخليفة، فعزله. قال: وجاء الليث إلى إسماعيل، فجلس بين يديه، فقام إسماعيل، واجله، وأمره أن يرتفع، فقال: ما جئت إليك زائراً، وإنما جئت إليك مخاصماً. قال: في ماذا؟ قال: في أحباس المسلمن، قد حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فمن بقي بعد هؤلاء!!

533 - إسماعيل المتكلم

وقام، فكتب إلى المهدي، فورد الكتاب بعزله، فأتاه الليث فجلس إلى جنبه، وقال للقارئ: اقرأ كتاب أمير المؤمنين. فقال له إسماعيل: يا أبا الحارث، وما كنت تصنع بهذا! والله لو أمرتني بالخروج لخرجت من البلد. فقال له الليث: إنك والله - ما علمتُ - لعفيف عن أموال الناس. وكان ورود الكتاب بعزله في جمادى الأولى، سنة سبع وستين ومائة. 533 - إسماعيل المتكلم له كتاب " الكافي "، وكتاب " الصلاة "، وكتاب " شرح العمدة ". وهو إمام كبير، يلقب، بقاضي القضاة. وله ابن إمام كبير، يقال له برهان الدين إبراهيم، تقدم. 534 - إسماعيل الرومي، القرماني، كمال الدين أحد فضلاء الديار الرومية، المشهور بقرا كمال. أخذ العلم عن المولى الخيالي، وغيره، ودرس ببعض المدارس. ولما كان مدرساً بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، كان القاضي بها إذا ذلك عبد الرحمن بن المؤيد، فوقع بينهما بعض التنافر، بسبب الاختلاف في مسألة من المسائل العلمية، وبقي ذلك في خاطر ابن المؤيد، فلما ولي قضاء العسكر عزله عن التدريس، وعين له كل يوم سبعيم درهماً عثمانياً، بطريق التقاعد، فقنع بذلك، ولزم بيته، واشتغل بالعلم والعبادة، إلى أن مات، تغمده الله تعالى برحمته. ومن تصانيفه: " حواش على الكشاف "، و " حواش على تفسير القاضي البيضاوي " و " حواش على شرح الوقاية " لصدر الشريعة، و " حواش على حاشية شرح العقائد " للخيالي، و " حواش على شرح المواقف " للسيد الشريف، وله غير ذلك. 535 - إسماعيل بن التمجيد الرومي كان معلماً للسلطان محمد خان، وكان رجلاً صالحاً. صنف " حواشي " على " تفسير العلامة البيضاوي ". وله نظم بالعربي، والفارسي، تغمده الله تعالى برحمته. باب من اسمه أشرف 536 - أشرف بن محمد، أبو سعيد قاضي نيسابور. أحد أصحاب أبي يوسف، تفقه عليه، وأخذ عنه، وسمع منه، ومن إسماعيل بن عياش، وسلام بن سليم الكوفي، في آخرين. روى عنه محمد بن الحسن البخاري، وغيره. ذكره في " الجواهر ". 537 - أشرف بن نجيب بن محمد بن محمد، أبو الفضل، الكاساني الإمام، الأستاذ، الملقب أشرف الدين توفي بكاشغر، مدينة من بلاد المشرق. ومن مشايخه شمس الأئمةالكردري، والقاضي محمود بن الحسن البلخي، وعدنان بن علي عمر الكاساني، ومحمد بن الحسن بن محمد الدهقان الإمام الكاساني. قاله في " الجواهر ". 538 - أصفح بن علي بن أصفح بن القاسم بن الليث، القيسي الطالقاني، وكنيته أبو معاذ وهو رفيق أبي حكيم محمد بن أحمد الخوارزمي. تفقه، بدامغان، وروى عن رفيقه أبي حكيم أنه أنشده لبعضهم: يا حبيباً مالِي سِواهُ حبيبُ ... أنتَ منِّي وإن بَعُدْتَ قريبُ كيف أبْرَا مِن السِّقامِ وسُقْمِي ... منك يا مُسْقِمِي وأنتَ الطَّبيبُ إن أكنْ مُذْنِباً فحُبك ذَنْبِي ... لستُ عنه وإن نهيتُ أتُوبُ ليسَ صَبْرِي وإن صبرتُ اختياراً ... كيفَ والصبرُ في هَواكَ عَجِيبُ فاغفر الذَنْبَ سيِّدي واعفُ عنِّي ... لا لشيءٍ إلا لأني غرِيبُ 539 - أعظم شاه بن إسكندر شاه بن شمس الدين، غِياث الدين، أبو المظفر، السجستاني الأصل صاحب بنكاله، من بلاد الهند. كان حنفياً، ذا حظ من العلم والخير، محباً في الفقهاء والصالحين، شجاعاً، كريماً، جواداً. ابتنى بمكة عند باب أم هانئ مدرسة، صرف عليها، وعلى أوقافها، اثنى عشر ألف مثقال مصرية، وقرر بها دروساً للمذاهب الأربعة، وكملت عمارتها، ودرس فيها في جمادى الآخرة، سنة ثمانمائة وأربع عشرة. وكذا عمل بالمدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، مدرسة بمكان يقال له الحصن العتيق، عند باب السلام. هذا، مع إرساله غير مرة لأهل الحرمين بصدقات كثيرة. مات في سنة ثمانمائة وأربع عشرة، أو التي بعدها، رحمه الله تعالى. 540 - أقبغا سيف ادين العديمي، الحلبي أحد فتيان كمال الدين عمر ابن العديم. ولد في حدود سنة ثمانين وسبعمائة. وسمع بحلب، على ابن صديق بعض " الصحيح ".

541 - أكثم بن يحيى بن حبان ابن بشر بن المخارق الأسدي

وحدث، سمع منه الفضلاء، وكان ديناً، خيراً، ملازماً للخير، مع العقل، والسكون، والتقنع بأوقاف من سيده. مات في حدود سنة أربعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 541 - أكثم بن يحيى بن حبان ابن بشر بن المُخارق الأسدي والد عمر القاضي. قال ابن النجار: إنه ولي قضاء بغداد، وأصبهان، وإنه كان من أصحاب أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه. مات سنة تسع وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. 542 - أُلجاي [[الداوادار، الفقيه الحنفي]] رأيت بخط أحمد بن الشحنة، ما صورته: وجدت بخط سيدي الجد، متعني الله بحياته الكريمة، ماصورته: الجاي الداوادار، الفقيه الحنفي، ذكره ابن الوردي، فيمن مات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، رحمه الله تعالى. 543 - ألغ بيك بن شاه رخ ابن تيمور صاحب الزيج المشهور. ولد سنة تسعين وسبعمائة تخميناً. ونشأ في أيام جده، وتزوج في أيامه أيضاً، وعمل له العرش المشهور. ولما مات جده الطاغية، عليه من الله ما يستحق، وآل الملك إلى أبيه شاه رخ، بعد مدة ولاه سمرقند وأعمالها، فحكمها نيفاً على ثلاثين سنة، وعمل بها رصداً عظيماً، فرع منه في سنة أربع وخمسين، أو التي قبلها، وكان قد جمع لهذا الرصد علماء الهيئة والهندسة، وكل صاحب فضيلة، وهو مع ذلك يتلفت إلى من يسمع به من العلماء في الأقطار، وإذا سمع بفاضل لا يزال يحتال إلى أن يستقدمه إليه، مبجلاً مكرماً. قال في " المنهل ": هذا مع علمه الغزير، وفضله الجم، واطلاعه الكثير، وباعه الواسع، في هذه العلوم، مع مشاركة جيدة إلى الغاية، في الفقه، والأصلين، والمعاني، والبيان، والعربية، واللغة، والتاريخ، وأيام الناس، وأما غير ذلك كالهيئة، والهندسة، والتقاويم الفلكيات، فيه يضرب المثل، وانتهت إليه الرياسة في عصره. وكان عنده من قوة الحافظة ما يقضي منه العجب. حُكي أنه سأل بعض حواشيه: ما يقول الناس عني؟، وألح عليه. فقال: يقولون إنك ما تحفظ القرآن الكريم. فدخل من وقته، وحفظه في أقل من ستة أشهر، حفظاً مُتقناً. وقال السيد الشريف سراج الدين عبد اللطيف الفاسي، قاضي القضاة الحنابلة بمكة: قدمتُ على القان شاه رُخ في بعض سفراتي إليه، فوجهني إلى ألغ بيك صاحب سمرقند، فلما وصلت إليه، رحب بي، وأكرمني غاية الإكرام، وأخذ يحادثني في بعض الأيام، ويسألني عن كيفية الحرم الشريف، وكيف مثال الكعبة، والحجر الأسود وغير ذلك، فصرت أصف له كل ما بالحرم من البناء وغير ذلك، وهو لا يكرر مني اللفظ، بل يفهمه من أول مرة كأنه رآه فذهل عقلي مما رأيت من ذكائه المفرط، وصرت كلما جالسته بعد ذلك أسمع منه من الغرائب ما أتعجب منه، من كثرة محفوظه للشعر، واستشهاده على ما يحكيه من الحكايات بكلام العرب، وحفظه للتاريخ، ومع ذلك يعتذر بقلة معرفته باللغة العربية. وتذاكرت معه أيضاً فجرى ذكر أشراف مكة بني حسن، فقال بعض من حضر: هم أولاد جوار، فأنشد ألغ بيك المذكور في الحال قول الشاعر: لا تَحْقِرَنَّ امْرَءاً مِن أَن تكون له ... أمٌ من التُّرْكِ أو سوداء عُجْماء فإنَّما أمَّهاتُ الناسِ أَوْعِيَةٌ ... مُسْتَودعاتٌ وللأحسابِ آباءُ انتهى كلام الشيخ سراج الدين باختصار. وألغ بيك هذا، هو أسن أولاد أبيه شاه رخ، ولما مات أبوه، أقامت زوجته في الملك ولد ولدها علاء، الدولة، وتركت ولدها ألغ بيك، فلما بلغ ألغ بيك ذلك جمع العساكر، وتوجه إلى هراة، واستولى عليها، وهزم أمه، وابن أخيه منها، وأخذ غالب خزائن والده، وعاد إلى سمرقند مؤيداً منصوراً. وأقام بها إلى أن خرج عن طاعته ولده عبد اللطيف، وخلعه من السلطنة، واستولى على مملكته، ثم أنه قتله، في خبر طويل. ويحكى أنه قال حين أمر بقتله: والله، لقد علمتُ أن هلاكي على يد ولدي عبد اللطيف هذا، من يوم ولد، لكن أنساني القدر ذلك، ووالله لا يعيش بعدي إلا خمسة أشهر، ثم يقتل شر قتلة، وكان الأمر كذلك. وكان قتل ألغ بيك، على الوجه المشروح، سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 544 - إلياس بن إبراهيم السينابي كان رجلاً فاضلاً ذكياً، سريع الفطنة، له مشاركة في أكثر الفنون، وكان مداوماً للاشتغال.

545 - إلياس بن ناصر بن إبراهيم الديلمي، أبو طاهر

وله " شرح " لطيف على " الفقه الأكبر "، و " رسائل " متعلقة بتفسير بعض الآيات، و " حواش " على " شرح المقاصد " للسعد التفتازاني. وكان حسن الخط، سريعه، قيل: إنه كتب " مختصر القدوري " في الفقه، في يوم واحد، وكتب " حواشي شرح الشمسية " للسيد الشريف، في ليلة واحدة. وكان خفيف الروح، لطيف المزاج. وصار مدرساً بسلطانية بروسة، ومات وهو مدرس بها. نقله في " الشقائق ". 545 - إلياس بن ناصر بن إبراهيم الديلمي، أبو طاهر قال ابن النجار: الفقيه الحنفي، درس الفقه على الصيمري، ثم على الدامغاني. ودرس بواسط، وكانت له حلقة بجامع المنصور، ودرس في جامع الصيمري، بدرب الزرادين، ودرس بمشهد أبي حنيفة، وهو أول من درس فيه، ووصف بحسن الفهم، ودقة الفكر. قال الصيدلاني: توفي يوم الخميس، ودفن يوم الجمعة، الثاني والعشرين من جمادى الآخرة، سنة إحدى وستين وأربعمائة، ودفن بمقبرة الخيزران، وحضر قاضي القضاة الصلاة عليه. رحمه الله تعالى. 546 - إلياس بن يحيى بن حمزة الرومي أحد رجال " الشقائق ". كان عالماً، عاملاً، فاضلاً، وكان مدرساً وقاضياً، ومفتياً ببعض نواحي الديار الرومية. أخذ الفقه عن الشيخ العلامة محمد بن محمد بن محمود البخاري، صاحب " فصل الخطاب "، و " الفصول الستة "، وغيرهما، وأجاز له إجازة مؤرخة بيوم الجمعة، الحادي والعشرين، سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، بمدينة بخارى رحمه الله تعالى. 547 - إلياس، المعروف بمفرد شجاع ويعرف أيضاً بشيخ أسكوب؛ لأنه صار مدرساً بإسحاقيتها مدة أربعين سنة. وكان عالماً، محققاً، مدققاً، فاضلاً، كاملاً، مجاب الدعوة، خشن الملبس، ملازماً للعبادة. قاله في " الشقائق ". 548 - إلياس الرومي الحنفي قال في " الشقائق ": كان عالماً بالعلوم العقلية والنقلية، متمهراً في الفقه والعربية، جامعاً بين العلم والعمل. قال: ولم أطلع من أحواله على أكثر مما ذكرت. انتهى. والله تعالى أعلم. 549 - إلياس الرومي، الملقب شجاع الدين كان مملوكاً لبعض أهل العلم، فرباه، وأحسن تأديبه، واشتغل من صغره في علوم كثيرة. وكان مدرساً بإحدى المدارس الثمان، وتخرج [عنده] جماعة كثيرة. ومات، وهو مدرس بالمدرسة المذكورة. 550 - إلياس الرومي، الشهير بخرزمة شجاع ومعنى خرزمة بالعربية: النورة التي يطلى بها. مولده بنواحي أدرنة. قرأ على المولى محمد بن الأشرف، والمولى سنان باشا، وغيرهما. وصار مدرساً بعدة مدارس، ثم صار قاضياً بمدينة أدرنة، ثم بمدينة بروسة، ثم صار مدرساً بعدة مدارس. وكان عالماً، عاملاً، راضياً من العيش بالقليل. وكانت أوقاته مصروفة في العلم والعمل. وكان مغرماً بتحشية الحواشي، صنف " حواشي " على " حاشية شرح التجريد " للسيد، و " حواشي شرح المطالع " له أيضاً، و " حواشي " على " حاشية شرح الشمسية له أيضاً، و " حواشي " على " حاشية شرح العضد " له أيضاً. وكان أكثر اشتغاله بالعلوم العقلية، ولم يكن له في غيرها مهارة. وكان يفضل السيد على السعد، ويقول في حقه: هو بحر لكنه مكدر. وكان يثني على العلامة خواجا زاده، ويقول: إنه لم يمنعه من الأخذ عنه إلا عدم رضا والدته بسفره إليه. مات سنة تسع وعشرين وتسعمائة، وقد جاوز التسعين، رحمه الله تعالى. وهو من رجال " الشقائق ". 551 - إلياس الرومي، المشهور باصلو شجاع كان من فضلاء الديار الرومية، وكان مدرساً بإحدى المدارس الثمان، في زمن السلطان بايزيد خان بن السلطان محمد خان، رحمهم الله تعالى. 552 - إلياس الرومي من نواحي قسطمون. أخذ عن المولى خواجازاده، وصار معيداً لدرسه، ثم صار مدرساً بعدة مدارس؛ منها إحدى المدارس الثمان. وتوفي سنة ثلاث وعشر وتسعمائة، وقد جاوز التسعين. وكان من فضلاء تلك الديار، رحمه الله تعالى. 553 - أمير كاتب بن أمير عمر العميد، ابن العميد أمير غازي الشيخ، الإمام، العلامة، قوام الدين، أبو حنيفة الفارابي، الإتقاني وسماه الحُسيني في " ذبيله " لطف الله. قال في: " الدرر ": ولد بإتقان، في شوال، سنة خمس وثمانين وستمائة، واشتغل ببلاده، ومهر، إلى أن شرح " الأخسيكثي " وذكر أنه فرغ منه بتستر، سنة سبعمائة وسبع عشرة.

وقدم دمشق، في سنة عشرين، وناظر، وظهرت فضائله. قاله ابن كثير. ودخل مصر، ثم رحل فدخل بغداد، وولي قضاءها. ثم قدم دمشق ثانياً في شهر رجب، سنة سبع وأربعين، وولي بها دار الحديث الظاهرية بعد وفاة الذهبي، وتدريس الكنجية، ثم نزل عنهما. ولما دخل مصر، المرة الثانية، أقبل عليه صرغتمش، وعظمه، وجعله شيخ المدرسة التي بناها، واختار لحضوره الدرس طالعاً، وذلك حين كان القمر في السنبلة، والزهرة في الأوج وكان تثليث المشتري والقمر، فدرس ذلك اليوم، وأقبل عليه صرغتمش إقبالاً عظيماً، فقدر أنه لم يعش بعد ذلك سوى سنة ونصف، بل أقل من ذلك. قال ابن حجر: وكان لما قدم دمشق صلى مع النائب، وهو يلبغا، فرأى إمامه رفع يديه عند الركوع والرفع منه، فاعلم الإتقاني يلبغا، أن صلاته باطلة على مذهب أبي حنيفة، فبلغ ذلك القاضي تقي الدين السبكي، فصنف " رسالة في الرد عليه "، فوقف عليها، فجمع " جُزءاً "، في إثبات ما قاله، وأسند ذلك عن مكحول النسفي أنه حكاه عن أبي حنيفة، وبالغ في ذلك، إلى أن أصغى إليه النائب، وعمل بقوله. قال: واختص بصرغتمش، وأشار عليه بأن فصر مدرسته على الحنفية دون غيرهم، وكان شديد التعاظم، متعصباً لنفسه جداً، حتى قال في " شرحه " للأخسيكثي: لو كان الأسلاف في الحياة، لقال أبو حنيفة: اجتهدت. ولقال أبو يوسف: نار البيان أوقدت. ولقال محمد: أحسنت. ولقال زُفر: أتقنت. ولقال [الحسن] : أمعنت. واستمر هكذا، حتى ذكر أعيان الحنفية. وقال الصفدي، في ترجمته: كان متعصباً على الشافعية، متظاهراً بالغض منهم، يتمنى تلافهم، واجتهد في ذلك بالشام، فما أفاد، ودخل مصر، وهو مُصر على العناد، وكان شديد الإعجاب. وشرح " الهداية " شرحاً حافلاً، وحدث ب " الموطأ " رواية محمد بن الحسن، بإسناد نازل. وقال ابن حبيب: كان رأساً في مذهب أبي حنيفة، بارعاً في اللغة والعربية، كثير الإعجاب بنفسه، شديد التعصب على من خالفه. قلت: لا يخفى على من عنده أدنى تأمل، ووقف على مؤلفات الإتقاني، أن ما ذكره ابن حجر، ونقله عن الصفدي وغيره، في حق الشيخ، أنه كان من المجمع على علمه، وفضله، وتحقيقه، وبراعته، ومن كان هذا الوصف وصفه، فبعيد أن يصدر منه ما لا يليق بمثله، ولا يحسن بعمله وفضله، مما أضربنا عن ذكره، من التعصبات التي تؤدي إلى وصف الإنسان بما لا ليس فيه، والجواب في الجميع سهل، والأقران قلما تخلو من مثل ذلك. قال ابن حجر: وقرأت بخط القطب: فقيه، فاضل، صاحب فنون من العلم، وله معرفة بالأدب، والمعقول، درس بمشهد أبي حنيفة ببغداد، وقدم دمشق في رمضان، سنة إحدى وعشرين، ثم دخل العراق، سنة اثنتين. وكانت وفاته بمصر، سنة ثمان وخمسين وسبعمائة. قال ابن الشحنة، في أوائل " شرح الهداية " في ترجمة الإتقاني: وقد أخبرنا شيخنا الحافظ أبو الوفاء أن الأمير صرغتمش الناصري، كان قصد أن يبني مدرسة، ويقرر في تدريسها الشيخ علاء الدين الأقرب الحنفي، فقدرت وفاته، [فكانت] ولاية الشيخ قوام الدين بها على أكمل وجوه التعظيم، حتى إنه يوم ألقى الدرس، حضر الأمير صرغتمش إلى منزل الشيخ بقناطر السباع، واستدعاه للحضور، فلما ركب الشيخ أخذ الأمير صرغتمش بركابه، واستمر ماشياً في ركابه إلى المدرسة، ومعه جماعة من الأمراء مشاة، فقال له: يا أمير صرغتمش، لا تأخذ في نفسك من مشيك آخذاً بركابي، فقد أخذ بركابي سلطان من بني سلجوق. وكان يوماً مشهوداً. وذكره الصفدي في " أعيان العصر، وأعوان النصر "، قال: ونقلت من خطه - يعني صاحب الترجمة - ما صورته: تاريخ قدومنا دمشق في الكرة الثانية، في العاشر من شهر رجب، سنة سبع وأربعين وسبعمائة، ثم لبثنا ثمة إلى أن خرجنا منها، في ثامن صفر، يوم السبت، من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة. قال العبد الفقير إلى الله تعالى أمير كاتب ابن أمير عمر، المدعو بقوام الفارابي الإتقاني: كان تاريخ ولادتي بإتقان، ليلة السبت، التاسع عشر من شوال، سنة خمس وثمانين وستمائة، وفاراب: مدينة عظيمة من مدائن الترك تسمى بلسان العوام أوترار، وإتقان: اسمٌ لقصبة من قصباتها. ثم قال: هذا ما أنشأ في دولة السلطان مالك رقاب الأمم، مولى ملوك العرب والعجم، قاهر الكفرة والمشركين، ناصر الإسلام والمسلمين، الملك الناصر فلان، في مدح المقر العالي، سيف الدين صرغتمش، رحمه الله تعالى:

554 - أمير غالب بن أمير كاتب، ابن أمير عمر، ولد الذي قبله همام الدين، ابن الإمام العلامة قوام الدين، الإتقاني

أَرَأَيْتُمُ مَن دَرَأ النُّوَبَا ... وأتى قُرَباً ونَفَى الرِّيَبَا فَبَدَا عَلَماً وَسَما كَرَمًا ... ونَمَا قَدَماً ولقد غَلَبَا وساق القصيدة بتمامها، ثم قال: وأعطاني المقر العالي صرغتمش، أيده الله تعالى، جائزة هذه القصيدة، يوم أنشدتها، عشرة ألف درهم، وملأ يوم الدرس بركة المدرسة بالسكر وماء الليمون، فسقى بذلك الناس أجمعين، وخلع على بعد الدرس خلعتين، وخلع على ابني همام الدين أيضاً، ثم لما خرجت حملني على بغلة شهباء، مع السرج. المُفضض واللجام، وكان اليوم يوماً يؤرخ، فيا لها قصة في شرحها طول. انتهى ما نقلته عن الصفدي، مع حذف ما ليس في ذكره كبير فائدة، وأما هو فقد نقله بحروفه. قلت: أما علم الشيخ، وفضله، وإتقانه، فما لا يشك فيه، وأما إنشاؤه نثراً ونظماً، فالذي يظهر من كلامه، وعقود نظامه، أن العربية وإن كان يعرف دقائقها، فليست له بسجية، تغمده الله تعالى برحمته، وأباحه بحبوحة جنته، آمين. 554 - أمير غالب بن أمير كاتب، ابن أمير عمر، ولد الذي قبله همام الدين، ابن الإمام العلامة قوام الدين، الإتقاني ذكره علاء الدين ابن خطيب الناصرية، في " تاريخه "، وقال: ولي قضاء دمشق، وكان رئيساً، عالماً، حسن الأخلاق والشكل، عادلاً في أحكامه، اعتمد على العلماء من نوابه، وتخلى عن الأشياء، ورفه نفسه عن التعب. توفي، رحمه الله تعالى، سنة أربع وثمانين وسبعمائة، بدمشق، وقد قارب الخمسين سنة، رحمه الله تعالى. نقلت هذه الترجمة من خط أحمد بن محمد ابن الشحنة، رحمه الله تعالى. 555 - أيوب بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله بن إبراهيم ابن طارق بن سالم بن النحاس الأسدي الحلبي الإمام العلامة، بهاء الدين، أبو صابر ولد سنة سبع عشرة وستمائة. وسمع بمكة من ابن الجُميزي، وبالقاهرة من يوسف الساوي، وببغداد من ابن الخازن. ودرس، وأفتى، وحدث. ومات في ليلة يسفر صباحها عن ثاني شوال، سنة تسع وتسعين وستمائة. وذكره الصفدي، في " أعيان العصر، وأعوان النصر "، وحكى أنه كان مدرس القليجية، وشيخ الحديث بها، ثم قال: لم يزل بمدرسته في الإفادة، وألف هو هذه العادة، ورآها كما يرى المحب محبوبته الغادة، إلى أن نحا النحاس حينه، وتولع به بينه. انتهى. 556 - أيوب بن الحسن الفقيه، الزاهد أبو الحسين، النيسابوري تفقه عنه محمد بن الحسن. وكان من خواص أصحابه إبراهيم بن محمد بن سفيان. قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع: سمعت محمد بن يزيد العدل، يقول: كان إبراهيم بن محمد بن سفيان مجاب الدعوة، وكان من أصحاب أيوب بن الحسن الزاهد، صاحب الرأي، الفقيه الحنفي، انتهى. مات أيوب سنة إحدى وخمسين ومائتين، رحمه الله تعالى. 557 - إياس الرومي قرأ على المولى أياسلوغ جلبي، والمولى خضر بيك، ودأب، وحصل. وصار مُعلماً للسلطان محمد خان، وهو صغير، ثم أنه اشتغل بالعبادة، وانقطع إلى خدمة مولاه. وكان له عناية تامة بتصحيح الكتب وتحشيتها. وكان من عباد اله الصالحين، وقد قيل: إنه قطب قبل موته، تغمده الله تعالى برحمته. كذا قاله في " الشقائق "، رحمه الله تعالى. حرف الباء 558 - باشا جلبي بن المولى زيرك الرومي أحد فضلاء الديار الرومية. اشتغل، وحصل، ودرس ببعض المدارس. ومات وهو مدرس بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، في أوائل سلطنة السلطان سليم خان الأول، وكان يشغل الطلبة، وانتفع به جماعة كثيرة، رحمه الله تعالى. 559 - باشا جلبي اليكاني الرومي أخذ عن ابن المؤيد، ولازمه، وكان يشهد له بالفضيلة. ودرس بعدة مدارس، منها المدرسة الحلبية بأدرنة، وتوفي وهو مدرس بها، سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة. وكان مُكباً على الاشتغال، وله مشاركة في فنون كثيرة، وله كتابة على مواضع من " شرح المفتاح " للسيد، قدس الله روحه. 560 - بالي بن حاجي سيدي الرومي الإيديني أحد فضلاء الدولة العثمانية. قرأ على المولى خطيب زاده، وصار ملازماً منه، وأخذ عن غيره من فضلاء تلك البلاد. وصار مدرساً بعدة مدارس، وولي بالمدارس الثمان مرتين، وولي قضاء بروسة مرتين.

561 - بايزيد الصوفي

ومات وهو مدرس بإحدى الثمان، في اليوم الثاني من آخر الربيعين، سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، ودفن عند مسجده بمدينة قُسطنطينية. وكان من المشهورين بالعلم والفضل في الديار الرومية، وكان عنده كتب كثيرة، أوقفها قبل وفاته على أولاده، ثم على طلبة العلم الشريف، وله " رسالة " متضمنة للأجوبة عن إشكالات المولى سيدي الحُميدي. 561 - بايزيد الصوفي كان عالماً، عاملاً، مدبراً، جعله السلطان بايزيد خان معلماً لابنه السلطان محمد خان، عليه الرحمة والرضوان. وذد ذكرته في هذا الباب، ولم أذكره في الكنى، لان اصطلاح أهل بلاد الروم في أكثر الكنى هكذا، بل هو علم عندهم، يضعونه على المولود وقد ولادته، ولو سألت أكثرهم عن الاصطلاح فيه ما عرفه، فيكون بهذا الاعتبار علماً مركباً محله في هذا الباب، والله تعالى أعلم. 562 - برويز بن عبد الله الرومي الإمام البارع، العالم، العامل، قاضي العساكر بولاية أناطولي. كان من أرقاء رجل من أكابر النظار، يعرف بافشانجي محمد جلبي، وكان قد اشتغل من صغره، ولازم أفاضل العلماء، وتردد إليهم، وأخذ عنهم، وأجل من قرأ عليه الإمام العلامة أحمد بن سليمان بن كمال باشا، فقرأ عليه كثيراً من مؤلفاته، وكان يكرمه، ويعتني به. ثم إنه صار مدرساً بمدارس متعددة، منها مدرسة إبراهيم باشا القديمة بقُسطنطينية، ومدرسة محمود باشا بها أيضاً، بخمسين عُثمانياً، ثم بمدرسة دار الحديث بأدرنة، ثم بإحدى المدارس الثمان، ثم صار قاضياً ببغداد، ثم عزل عنها وولي قضاء حلب، ثم قضاء دمشق، ثم قضاء أدرنة، ثم قضاء إصطنبول، ثم قضاء العسكر بولاية أناطولي، وكان محموداً في هذه الولايات كلها، يقول الحق، ويعمل به، ثم أقام معزولاً مدة مديدة، ثم ولي قضاء مكة المشرفة، ومات بها في سنة......، ودفن بالمعلاة، رحمه الله تعالى. 563 - بركة بن علي بن بركة بن الحسين ابن أحمد بن بركة بن علي، أبو الخطاب الفقيه، الإمام الكبير، له مصنفات، منها كتاب " كامل الآلة في صناعة الوكالة "، يشتمل على الشروط، وهو كتاب حسن في فنه. مات في ربيع الأول، سنة خمس وستمائة، رحمه الله تعالى. 564 - بشر بن غياث بن أبي كريمة أبو عبد الرحمن المريسي مولى زيد بن الخطاب. كان يسكن في الدرب المعروف به، ويُسمى درب المريسي، وهو بين نهر الدجاج ونهر البزازين. أخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي، واشتغل بالكلام، وجرد القول بخلق القرآن، وحكي عنه أقوال شنيعة، ومذاهب مُستنكرة، أساء أهل العلم قولهم فيه بسببها، وكفره أكثرهم لأجلها. وكان الأليق بكتابنا هذا عدم ذكره، والإضراب عن الاعتناء بأمره، فإنه كان - والحق أحق أن يتبع - سيئة من سيئات الزمان، ونقمة من نقم الحدثان، لكن ذكرناه تبعاً للغير، وتحذيراً منه ومن العمل بطريقته، ولاحتمال أن يكون الله قد هداه قبل الموت إلى الحق واعتقاده، وإلا فالمشهور أن الرجل كان غير مُتقيد بدين ولا مذهب، وسنذكر ما قاله في حقه الثقات الأثبات، من غير ميل إليه، وانحراف عنه، والله تعالى أعلم بالصواب. قال في " الجواهر ": أخذ الفقه عن أبي يوسف، وبرع فيه، ونظر في الكلام والفلسفة. قال الصيمري، فيما جمعه: ومن أصحاب أبي يوسف خاصة بشر بن غياث المريسي، وله تصانيف، وروايات كثيرة عن أبي يوسف، وكان من أهل الورع والزهد، غير أنه رغب الناس عنه في ذلك الزمان، لاشتهاره بعلم الكلام، وخوضه في ذلك، وعنه أخذ حُسين النجار مذهبه، وكان أبو يوسف يذمه. قال: وهو عندي كإبرة الرفاء، طرفها دقيق، ومدخلها ضيق، وهي سريعة الانكسار. انتهى. وعن إسحاق بن إبراهيم بن عمر بن منيع: كان بشر المريسي، يقول بقول صنف من الزنادقة سماهم صنف كذا وكذا، الذين يقولون ليس بشيءٍ. وعن عباد بن العوام: كلمت بشراً المريسي، وأصحاب بشرٍ، فرأيت آخر كلامهم ينتهي إلى أن يقولوا: ليس في السماء شيء. وعن يحيى ابن عاصم، قال: كنت عند أبي، فاستأذن عليه بشرٌ المريسي، فقلت: يا أبتِ، يدخل عليك مثل هذا!! فقال: يا بُني، وماله؟ قال، قلت: إنه يقول: القرآن مخلوق، وإن الله معه في الأرض، وإن الجنة والنار لم يُخلقا، وإن منكراً ونكيراً باطلٌ، وإن الصراط باطل، وإن الشفاعة باطلٌ، وإن الميزان باطل، مع كلام كثير.

قال، فقال: أدخله علي. فأدخلته عليه. قال: فقال: يا بشر أدنه، ويلك يا بشر ادنه، مرتين، أو ثلاثاً. فلم يزل يدينه حتى قرب منه، فقال: ويلك يا بشر، من تعبد، وأين ربك؟ فقال: وما ذاك يا أبا الحسن. قال: أخبرتُ عنك أنك تقول: القرآن مخلوق، وإن الله معك في الأرض. مع كلام. - ولم أر شيئاً أشد على أبي من قوله: القرآن مخلوق، وإن الله معه في الأرض -. فقال: يا أبا الحسن، لم أجيء لهذا، إنما جئتُ في كتاب خالد تقرأه علي. قال: فقال له: لا، ولا كرامة، حتى أعلم ما أنت عليه، أين ربك ويلك؟ قال، فقال له: أوتعفيني؟ قال: ما كنت لأعفيك. قال: أما إذا أبيت، فإن ربي نور في نور. قال: فجعل يزحف إليه، ويقول، ويلكم، اقتلوه، فإنه والله زنديقٌ، وقد كلمت هذا الصنف بخراسان. وعن الحسين بن علي الكرابيسي، أنه قال: جاءت أم بشر المريسي إلى الشافعي، فقالت: يا أبا عبد الله، أرى ابني يهابك ويُحبك، وإذا ذكرت عنده أجلك، فلو نهيته عن هذا الرأي الذي هو فيه، فقد عاداه الناس عليه، ويتكلم في شيء يواليه الناس عليه ويحبونه. فقال لها الشافعي: أفعل. فشهدت الشافعي، وقد دخل عليه بشر، فقال له الشافعي: أخبرني عما تدعو إليه، أكتاب ناطق، أم فرض مفترض، أم سنة قائمة، أو وجوب عن السلف البحث فيه، والسؤال عنه؟ فقال بشر: ليس فيه كتاب ناطق، ولا فرض مفترض، ولا سنة قائمة، ولا وجوب عن السلف البحث فيه، إلا أنه لا يسعنا خلافه. فقال الشافعي: أقررت على نفسك بالخطأ، فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار، يُواليك الناس عليه، وتترك هذا؟ قال: لنا نهمه فيه. فلما خرج بشر قال الشافعي: لا يفلح. قال الحسين: كلمت يوماً بشراً المريسي، شبيهاً بهذا السؤال، قال: فرض مفترض، قلت: من كتاب، أو سنة، أو إجماع؟ قال: من كل. قال: فكلمته حتى قام وهو يضحك منه. وقال البويطي: سمعتُ الشافعي يقول: ناظرت المريسي في القرعة، فذكرت له حديث عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرعة. فقال: يا ابا عبد الله، هذا قمار. فأتيت ابا البختري، فقلت له: سمعت المريسي يقول: القرعة قمار. فقال: يا ابا عبد الله، شاهد آخر، واقتله. وقال أبو ثور: سمعت الشافعي يقول: قلت لبشر المريسي: ما تقول في رجل قُتل، وله أولياء صغار، وكبار، هل للأكابر أن يقتلوا دون الأصاغر؟. فقال: لا. فقلت له: فقد قتل الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ابن ملجم، ولعلي أولاد صغار. فقال: أخطأ الحسن بن علي. فقلت: أما كان جواب أحسن من هذا اللفظ؟ قال: وهجرته من يومئذ. وعن قتيبة بن سعيد، قال: دخل الشافعي على أمير المؤمنين، وعند بشر المريسي، فقال أمير المؤمنين للشافعي: ألا تدري من هذا؟ هذا بشرٌ المريسي. فقال له الشافعي: أدخلك الله في أسفل سافلين، مع فرعون وهامان وقارون. فقال المريسي: أدخلك الله أعلى عليين، مع محمد وإبراهيم وموسى صلى الله عليهم وسلم. قال محمد بن إسحاق: فذكرت هذا الحكاية لبعض أصحابنا، فقال لي: لا تدري أي شيءٍ اراد المريسي بقوله؟ كان منه طنزاً، لأنه يقول: ليس ثم جنة ولا نار. وروى عن حميد الطوسي، أنه دخل على أمير المؤمنين، وعند بشر المريسي، فقال أمير المؤمنين لحميد: أتدري من هذا يا أبا غانم؟ قال: لا. قال: هذا بشر المريسي. فقال حميد: يا أمير المؤنين، هذا سيد الفقهاء، هذا قد رفع عذاب القبر، ومسألة منكر ونكير، والميزان، والصراط، أنظر هل يقدر يرفع الموت؟ ثم نظر إلى بشر، فقال، لو رفعت الموت كنت سيد الفقهاء حقاً. وروى أن يهودياً مر على بشر، والناس مجتمعون عليه، فقال لهم: لا يفسد عليكم كتابكم، كما أفسد أبوه علينا التوراة، يعني أنا أباه كان يهودياً. وعن أبي مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي، قال: حدثني أبي، قال: رأيت بشراً المريسي - عليه لعنة الله - مرة واحدة، شيخاً قصيراً، ذميم المنظر، وسخ الثياب، وافر الشعر، أشبه شيء باليهود، وكان أبوه يهودياً صباغاً بالكوفة في سوق المراضع، ثم قال: لا يرحمه الله، فقد كان فاسقاً. وكان أبو زرعة الرازي، يقول: بشرٌ المريسي زنديق.

565 - بشر بن القاسم بن حماد بن عبد ربه، أبو سهل الفقيه، السلمي، الهروي، النيسابوري المعروف ببشرويه

وكان أبو يوسف، يقول له: طلب العلم بالكلام هو الجهل، والجهل بالكلام هو العلم، وإذا صار الشخص رأساً في الكلام، قيل: زنديق، أو رمى بالزندقة، يا بشر: بلغني أنك تتكلم في القرآن، إن أقررت أن لله علماً خصمت، وإن جحدت العلم كفرت. وكان يزيد بن هارون يحرض أهل بغداد على قتل بشر المريسي. وروى عن بعض العلماء الصلحاء، أنه قال: رأيت ليلة الجمعة، ونحن في طريق خراسان في مفازة إبليس في المنام. قال: وإذا بدنه ملبس شعراً، ورأسه إلى أسفل، ورجلاه إلى فوق، وفي بدنه عيون مثل النار. قال: فقلت له: من أنت؟ قال: أنا إبليس. قال: فقلت له: وأين تريد؟ قال: بشر بن يحيى. رجل كان عندنا بمرويرى رأى المريسي. قال: ثم قال: ما من مدينة إلا ولي فيها خليفة. قلت: من خليفتك في العراق؟ قال: بشر المريسي، دعا الناس إلى ما عجزت عنه، قال: القرآن مخلوق. وروى عن بشر أنه قال: القول في القرآن قول من خالفني، وغير مخلوق. فقيل له: أما ترجع عنه؟ قال: أرجع عنه! وقد قلته منذ أربعين سنة: (وقد صنفت) فيه الكتب، واحتججت فيه بالحجج. فنعوذ بالله تعالى من العناد، والإصرار على ما يؤدي إلى البوار، ودخول النار. وروى أن بشراً دخل يوماً على سفيان بن عيينة، وعنده أصحابه، فأخذ يتكلم بمهملاته، فقال ابن عيينة: اقتلوه. قال ابن خلاد: فأنا كنت ممن ضربه بيده. وقيل لسفيان بن عُيينة: إن بشراً المريسي، يقول: إن الله تعالى لا يرى يوم القيامة. فقال: قاتله الله، ألم يسمع الله يقول: (كَلاَ إِنَّهُم عَنْ رَبِّهِمْ يومئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) ، فجعل احْتجابه عنهم عُقوبة لهم، فإذا احتجب عن الأولياء والأعداء، فأي فضل للأولياء على الأعداء؟! وروى أن بشراً دخل على أبي يوسف، فقال له أبو يوسف: حدثنا إسماعيل، عن قيس، عن جرير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديث الروية. ثم قال أبو يوسف: إني والله مؤمن بهذا الحديث، وأصحابك يُنكرونه، وكأني بك قد شغلت على الناس (خشبة باب الجسر، فاحذر) . وحدث بعض الثقات، أنه لما مات بشر المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم والسنة أحد إلا عُبيد الشونيري، فلما رجع من جنازته أقبل عليه أهل السنة والجماعة، وقالوا: يا عدو الله تنتحل السنة، وتشهد جنازة المريسي؟ قال: أنظروني حتى أخبركم، ما شهدت جنازة رجوت بها من الخير ما رجوت في شهود جنازته، لما وضع في موضع الجنائز، قمت في الصف، فقلت: اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن برؤيتكفي الآخرة، اللهم فاحجبه عن النظر إلى وجهك الكريم يوم ينظر إليك المؤمنون، اللهم عبدك هذا كان ينكر الميزان، اللهم فخفف ميزانه يوم القيامة، اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن بعذاب القبر، اللهم، فعذبه اليوم في قبره عذاباً لم تعذبه أحد من العالمين، اللهم عبدك هذا كان ينكر الشفاعة، اللهم فلا تشفع فيه أحداً من خلقك يوم القيامة. فسكتوا عنه، وضحكوا. وحدث أحمد ابن الدورقي، قال: مات رجل من جيراننا شاب، فرأيته في الليل وقد شاب، فقلت: ما قصتك؟ قال: دفن بشر في مقابرنا، فزفرت جهنم زفرة شاب منها كل من في المقبرة. وكانت وفاته سنة ثمان عشرة ومائتين، ويقال سنة تسع عشرة. والمريسي، بفتح الميم وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخرها السين المهملة، نسبة إلى مريس، قرية بأرض مصر، قاله الوزير أبو سعد، في كتاب " النتف والطرف ". ثم قال: وإليها يُنسب بشر المرسي، وإليه تُنسب الطائفة المريسية. قال في " الجواهر ": وله أقوال في المذهب غريبة. منها؛ جواز أكل لحم الحمار. ومنها: وجوب الترتيب في جميع العمر، ذكره عنه صاحب " الخلاصة " في باب قضاء الفوائت، قال: وربما شرط بعض الترتيب في جميع العمر، كقول بشر. هكذا أطلقه، وهو بشر المريسي هذا. انتهى. 565 - بشر بن القاسم بن حماد بن عبد ربه، أبو سهل الفقيه، السلمي، الهروي، النيسابوري المعروف ببشرويه والد الحسن، والحسين، وسهل، قضاة نيسابور، وفقهاء أصحاب أبي حنيفة بها، وسيأتي كل منهم في بابه، إن شاء الله تعالى. سمع بشر مالك بن أنس، والليث بن سعد، وابن لهيعة، وشريك بن عبد الله القاضي، وحماد بن زيد. روى عنه بنوه الثلاثة المذكورون، وأيوب بن الحسن، في آخرين.

566 - بشر بن المعلى

مات في آخر ذي القعدة، من سنة خمس عشرة ومائتين، وقبره في مقبرة الحسين بن معاذ. قاله في " الجواهر "، نقلاً عن الحاكم. 566 - بشر بن المعلى قال في " الجواهر ": روى عن أبي يوسف أن الحج بعد اجتماع الشروط، يعني شُروط الوجوب، يجب على الفور، حتى يأثم بالتأخير، ذكره شمس الأئمة في " المبسوط ". 567 - بشر بن الوليد بن خالد، أبو الوليد الكندي، الإمام أحد أعلام الأئمة، المشهورين من علماء هذه الأمة. سمع مالك بن أنس، وعبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن الغسيل، وحماد بن زيد، وصالحاًالمري، وحشرج بن نباتة، وشريك بن عبد الله وأبا الأحوص سلام بن سليم، وابا يوسف، وكان أحد أصحابه، وعنه أخذ الفقه. وروى عنه الحسن بن علويه القطان، وأحمد بن الوليد بن أبان، وأحمد بن القاسم البرتي، وأحمد بن علي الأبار، وغيرهم. وكان جميل المذهب، حسن الطريقة، وولي القضاء بعسكر المهدي، من جانب بغداد الشرقي، لما عزل عنه محمد بن عبد الرحمن المخزومي، وذلك سنة ثمان ومائتين، وأقام على ولايته سنتين، ثم عزل، وولي القضاء بمدينة المنصور، في سنة عشر، فلم يزل متولياً إلى أن صرف عنه، في سنة ثلاث عشرة ومائتين. حدث طلحة بن محمد بن جعفر، قال: لما عزل المأمون إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة استقصى على مدينة المنصور أبا الوليد بشر بن الوليد الكندي، وكان بشر علماً من أعلام المسلمين، وكان عالماً، ديناً، خشناً، (مهذب الحكم) ، واسع الفقه، وهو صاحب أبي يوسف، ومن المقدمين عنده، وحمل الناس عنه من الفقه والمسائل ما لا يُمكن جمعه. وقال طلحة: حدثني عبد الباقي بن قانع، عن بعض شيوخه، أن يحيى بن أكثم شكا بشر بن الوليد إلى المأمون، وقال: إنه لا يُنفذ قضائي. وكان يحيى قد غلب على المأمون، حتى كان عنده أكبر من ولده، فأقعده المأمون على سريره، ودعا بشر بن الوليد، فقال له: ما ليحيى يشكوك، ويقول: إنك لا تنفذ أحكامه. قال: يا أمير المؤمنين، سألت عنه بخراسان فلم يحمد في بلده، ولا في جواره. فصاح به المأمون، وقال: اخرج. فخرج بشر، فقال يحيى: يا أمير المؤمنين، قد سمعت فاصرفه. فقال: ويحك، هذا لم يراقبني فيك، أصرفه!! فلم يفعل. وعن أحمد بن الصلت، قال: سمعت بشر بن الوليد القاضي، يقول: كنا نكون عند ابن عيينة، فكان إذا وردت عليه مسألة مشكلة يقول: ها هنا أحد من أصحاب أبي حنيفة؟ فيقال: بشر. فيقول: أجب فيها. فأجيب، فيقول: التسليم للفقهاء سلامة في الدين. وكان بشر يُصلي كل يوم مائتي ركعة، وكان يُصليها بعدما فلج. وعن أبي قدامة، قال: لا أعلم ببغداد رجلاً من أهل الأهواء والرافضة، إلا كانوا مُعينين على أحمد بن حنبل، ما خلا بشر بن الوليد الكندي، رجل من العرب. وعن محمد بن سعد، قال: بشر بن الوليد الكندي، روى عن أبي يوسف القاضي كتبه وإملاءَه، وولي القضاء ببغداد في الجانبين جميعاً، فسعى به رجل، وقال: إنه لا يقول: القرآن مخلوق. فأمر به أمير المؤمنين أبو إسحاق المعتصم أن يحبس في منزله، ووكل ببابه الشرط، ونهى أن يفتى أحداً بشيء، فلما ولي جعفر بن أبي إسحاق الخلافة، أمر بإطلاقه، وأن يُفتي الناس ويحدثهم، فبقي حتى كبرت سنه. وقد وثقه أبو علي صالح بن محمد، ووثقه الدارقطني أيضاً، ونقل الخطيب عن بعضهم تضعيفه. وقد مدح وهجى كغيره من الأفاضل المحسودين، فمما هجى به قول بعضهم، حين ولي قضاء عسكر المهدي: يا أَيُها الرجلُ المُوَحِّدُ رَبَّهُ ... قاضِيكَ بشرُ بن الوليد حِمارُ يَنْفِي شهادة من يَدِينُ بما بِهِ ... نَطَقَ اكتابُ وجاءت الآثارُ ويعُدُّ عَدْلاً من يقول بأنه ... شيخٌ تُحيطُ بِجِسْمِهِ الأَقْطارُ وممن مدحه ربيعة بن ثابت الرقي، بأبيات حسنةٍ، وهي هذه: بشرٌ يجُودُ بمالِهِ ... جُودَ السَّحائِبِ بالدَيَمْ وأبو الوليدِ حوَى النَّدَى ... لمَّا تَرَعْرَعَ واْتَلَمْ وأَعَزُ بَيْتٍ بَيْتُه ... بيتٌ بَنَتْهُ له إرَمْ عَمَرْتْهُ كِنْدَةُ دَهْرَها ... وبَنَى فَأَتْقَنَ ما انهدَمْ بِشْرٌ يجودُ برفدهِ ... عَفْواً ويكشفُ كلَّ غَم

568 - بشر بن يحيى المروزي

بشرٌ يجود إذا قصدْ ... تَ تُريدُ جداوهُ هلم ما قال لا في حاجةٍ ... لا بَلْ يقولُ نعمْ نعمْ وهو العَفُوُّ عنِ المُسِ ... ئِ وعن قبائح ما اجْتَرَمْ نامَ القُضاةُ عن الأنا ... م وعَيْنُ بشر لم تنم وحكيمُ أهلِ زمانِهِ ... فيما يريدُ وما حَكَمْ وكأنه القمرُ المُني ... رُ إذا بَدَا أجْلَى الظُلَمْ وكأنه البحرُ المُطِّلُ ... إذا تقاذَفَ والتَطَمْ وكأنه زهرُ الربي ... عِ إذا تفتَّحَ أو نَجَمْ ختَمَ الإلهُ لِبِشْرِنا ... بالخيرِ منه إذا خَتَمْ قال أحمد بن كامل القاضي: مات بشر بن الوليد الكندي المفلوج صاحب أبي يوسف القاضي، في سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وبلغ سبعاً وتسعين سنة، ودفن في مقابر باب الشام. رحمه الله تعالى. 568 - بشر بن يحيى المروزي قال نصير بن يحيى: سئل بشر بن يحيى المروزي عن ماء وقعت فيه نجاسة، فأرة أو نحوها، والماء قليل، فعجن به وخُبز، قال: بيعوه من النصارى، ولا أراهم يأكلونه إن علموا ذلك، فلا بد من الإعلام. ثم قال: بيعوه من اليهود، ولا أراهم يأكلونه إن علموا ذلك. ثم قال: بيعوه من المجوس، ور أراهم يأكلونه إن علموا ذلك. ثم قال: بيعوه من هؤلاء الذين يقولون: الماء طاهر لا ينجسه شيء. كذا في " حيرة الفقهاء "، نقله صاحب " الجواهر ". قلت: وفيه من سوء الأدب، وبذاءة اللسان، ما لا يخفى، ومثل هذا لايليق بشأن أهل العلم، سامحه الله تعالى، وغفر له بمنه وكرمه. 569 - بشر بن أبي الأزهر القاضي، واسم أبي الأزهر يزيد النيسابوري، وكنيته أبو سهل تفقه على أبي يوسف، وسمع ابن المبارك، وابن عُيينة، وأبا يوسف، وشريكاً، وابن وهب، في آخرين. روى عنه الإمام علي ابن المديني، ومحمد بن يحيى الدهلي. ذكره الحاكم في " تاريخ نيسابور "، وقال: من أعيان الفقهاء الكوفيين، وأديانهم، ومفتيهم، وزهادهم، مات ليلة الأربعاء، السادس من رمضان، سنة ثلاث عشرة ومائتين. رحمه الله تعالى. 570 - بكار بن الحسن بن عثمان بن زياد بن عبد الله، الفقيه العنبري، الأصبهاني، مفتيها حدث عن أبيه، وعن ابن المبارك، وإسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة. امتحن في أيام الواثق، فلم يجب إلى ما يريدون، وقال: عيون الناس ممدودة إلي، فإن أجبت أخشى أن يجيبوا ويكفروا. وتجهز ليخرج، فوكل به، وعزم حبان بن بشر القاضي على نفيه من أصبهان، فجاء البريد بموت الواثق، فطرد الأعوان عن داره، فقال الناس: ذهب بكار بن الحسن بالدست، وخرى حبان في الطست. قال ابن أبي الشيخ: مات سنة ثمان ومائتين، رحمه الله تعالى. وسيأتي أبوه الحسن في بابه، إن شاء الله تعالى. 571 - بكار بن قُتيبة بن عبد الله بن أبي بردعة ابن عبيد الله بن بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة أبو بكرة الثقفي، البكراوي وفي هذا النسب، من تقديم بعض الآباء، على بعض، وإثبات البعض، وإسقاط البعض، خلاف، لا علينا أن نطيل به، لعدم الفائدة المهمة في ذلك. ولدسنة اثنتين وثمانين ومائة، وأخذ الفقه والشروط عن هلال بن يحيى، وعيسى بن أبان، وطلب الحديث، فأكثر عن أبي داود الطيالسي، ويزيد بن هارون، وصفوان بن عيسى، وعبد الصمد بن عبد الوارث، ومؤمل بن إسماعيل، وغيرهم من مشايخ البصرة. وروى عنه أبو داود السجستاني، خارج " السنن " وابن خزيمة، وأبو عوانة، في " صحيحيهما " والطحاوي، أكثر عنه جداً، وخلائقُ كثيرون، وكان له اتساع في الفقه والحديث. وعن أحمد بن سهل الهروي قال: كنت ألازم غريماً لي، بعد العشاء الآخرة، أو نحو هذا، وكنت ساكناً في جوار بكار بن قتيبة، فانصرفت إلى منزلي، فإذا هو يقرأ (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خليفَةً في الأرْضِ) ، الآية، فوقفتُ أتسمع عليه طويلاً، ثم انصرفت فقمت في السحر، على أن أصير إلى منزل الغريم، فإذا هو يقرأ هذه الآية، ويرددها، فعلمت أنه كان يقرؤها من أول الليل. وكان كثيراً ما يُنشد: لِنَفْسِيَ أَبْكِي لستُ أَبْكِي لِغَيرِهَا ... لِعَيْبِيَ في نفسي عن الناسِ شاغِلُ

قال أبو عمر الكندي: قال محمد بن الربيع الجيزي: ولي بكار قضاء مصر من قبل المتوكل، فدخلها يوم الجمعة، لثمان ليالٍ خلون من جمادى الآخرة، سنة ست وأربعين ومائتين. ويقال: إنه لقي وهو قاصد مصر محمد بن أبي الليث بالجفار؛ وهو الرمل الذي بين غزة والعريش، راجعاً إلى العراق مصروفاً، فقال له بكار: أنا رجل غريب، وأنت قد عرفت البلد، فدُلني على من أشاوره وأسكن إليه. فقال له: عليك برجلين، أحدهما عاقل وهو يونس بن عبد الأعلى، فإنني سمعت في سفك دمه وقدر علي فحقن دمي، والآخر موسى بن عبد الرحمن بن القاسم؛ فإنه زاهد. قال: فصهما لي. فوصفهما له، فلما دخل بكار مصر، ودخل الناس إليه، رأى شيخاً بالوصف الذي وصف له به يونس بن عبد الأعلى، فظن أنه هو، فأكرمه، فبينا هو في الحديث معه، إذ قيل: يونس بن عبد الأعلى. فأعرض عن الرجل، وتلقى يونس فأكرمه، وأتاه موسى بن عبد الرحمن، فأعظمه، واستشاره، وأخذ برأيه. واتفق أنه قال لموسى، بعد ما تخصص به: يا أبا هارون، من أين المعيشة؟ قال: من وقف أبي. قال: يكفيك؟ قال: قد تكفيت به، وقد سأل القاضي، فأسأل؟ قال: سل. قال: هل ركب القاضي دين بالبصرة لم يجد له وفاء حتى تولى القضاء؟ قال: لا. قال: فرزق ولداً أحوجه إلى ذلك؟ قال: لا. قال: فعيال؟ قال: ما نكحت قط. قال: فأجبره السلطان وخوفه؟ قال: لا. قال: فضربت آباط الإبل من البصرة إلى مصر لغير حاجة!! لله على أن دخلت عليك أبداً. قال: أقلني. قال: أنت ابتدأت. ثم انصرف عنه، فلم يعد إليه. قال ابن حجر: وقد استبعد صاحبنا جمال الدين صحة هذه الحكاية، من جهة أن ابن أبي الليث كان حينئذ محبوساً بالعراق، ولأن خروجه من مصر كان في سنة إحدى وأربعين، قبل مجيء بكار بخمس سنين. وأجرى المتوكل على بكار في الشهر مائة وثمانين وستين ديناراً. وكان بكار عافرفاً بالفقه، كثير البكار، والتلاوة، وكان إذا فرغ من الحكم خلا بنفسه، وعرض من تقدمن إليه، وما حكم به، على نفسه، وكان يكثر الوعظ للخصوم، ولا سيما عند اليمين، وكان يحاسب أمناءه في كل وقت، ويسأل عن الشهود. ودخل عليه أبو إبراهيم المزني، في شهادة، ولم يكن رآه قبلها، لاشتغال المُزني بنفسه، وإنما اضطر إلى أداء الشهادة، فلما أداها، قال له: تسم. فقال: إسماعيل بن يحيى المُزني. قال: صاحب الشافعي؟ قال: نعم. فاستدعى من شهد عنده أنه هو، فقبل شهادته. وقال الطحاوي: ما أدري كم كان يجيء أحمد بن طولون إلى بكار، وهو على الحديث، فما يشعر به بكار إلا وهو جالس إلى جنبه، فيقول: ما هذا أيها الأمير، هلا تركتني حتى أقضي حقك، أحسن الله مجازاتك. وقال ابو حاتم ابن أخي بكار: قدم على بكار رجل من أهل البصرة، ذكر أنه كان رفيقه في المكتب، فأكرمه جداً، ثم احتاج إلى شهادة، فشهد عند بكار مع رجل مصري، فتوقف عن الحكم، فظن أهل مصر أن توقفه لأجل المصري، فسئل في خلوة عن ذلك، فقال: المصري على عدالته، ولكن السبب البصري، وذكر منه أمراً رآه في الصغر، وقال: لا تطيبُ نفسي إذا ذكرت ذلك أن أقبل شهادته. وقيل: إنه ذكر أنه أكل معه أرزاً في سمن، فنفذ العسل الذي من ناحية بكار، ففتح من جهة صاحبه حتى جرى إليه، فقال له (أخترقتها لتغرق أهلها) . فقال: له بكار: أتهزأ بالقرآن في مثل هذا! فبقيت في نفسه عليه. وكان بكار في غاية العفاف، وسلامة الصدر، اتفق أنه دخل عليه بعض أمنائه، وهومخرق الثياب، فقال: بعثتني أحفظ تركة فلان، فصنع بي جاره هذا. فقال: أحضروه. فأحضره الأعوان، فقال له بكار: أنت صنعت هذا بأميني. قال: نعم. فقال: خُذُوه. فأخذه الأعوان، فسقط ميتاً، فدهش بكار، فقال له أمناء القاضي: هذا عمله اليوم، مات مرتين. فاستوى الرجل جالساً، فقال: كذبوا والله، ما مت إلا الساعة، ورقد. فجعل بكار يرش عليه ماء الورد، ويشمه الكافور، ويرفق به، ويعده، إلى أن قام فصرفه، وأقبل على أعوانه، فقال: هددتموه، وجررتموه، فلو وافق أجله!. وكان ابن طولون إذا حضر جنازة لا يُصلي عليها غيره، إلا أن يكون بكار حاضراً. ويقال: إن بكاراً كان عثمانياً، فتظلم إليه رجل، فجعل يُنادي: ذهب الإسلام. فقال له بكار: يا هذا، نحر عثمان فما ذهب الإسلام، يذهب بسببك!

فلما وقع بينه وبين ابن طولون بكته بها ابن طباطبا النقيب. وقال الطحاوي: جاء رجل إلى أبي محمد بن العباس التل الفقيه، فقال له: في يدي دار لرجل غائب، وإني أريد إخراجها من يدي. فقال له: صر إلى القاضي، فسلمها له. فمضى، وعاد، فقال: قلت له، فقال: أخرجوه. فقال له التل: صدق، عد إليه، وسم له اسم صاحبها، وأنه غائب. ففعل، فقال: أخرجوه. فقال له التل: صدق، عد إليه، وأذكر له موضعها وحدودها. ففعل، فقال: أخرجوه، فقال له التل: صدق، عد إليه، واذكر له إنك لا ملك لك عليها، ولا على شيء منها بسبب من الأسباب. فقال: أخرجوه. فقال التل: صدق، عد إليه، وقل له: وأنا عاجزٌ عن حفظها. فمضى، ثم عاد، فقال: عرفته ذلك، فقال: اكتبوا عليه بما ذكرنا كتاباً، وأعطوه نسخة، واقبضوا الدار، وأقيموا لها أميناً، حتى يحضر صاحبها. فقال له التل: ابتليت بقاضٍ فقيه. قال ابن حجر: والتل هذا يسمى محمد بن العباس، بصرى سكن مصر، ومات في ذي الحجة، سنة اثنتين وسبعين ومائتين. وعن بكار أنه قال يوماً في مجلسه: ما حللت سراويلي على حلالٍ قط. فقال له رجل: ولا حرام؟ فقال: والحرام يذكر!! وكان بكار يخالف أصحابه الحنفية في تحليل قليل النبيذ، ويذهب إلى تحريمه، وكان يعاتب صاحبه أبا جعفر التل على الشرب. قال ابن زولاق: كان لبكار اتساعٌ في العلم والمُناظرة، ولما رأى " مختصر المزني " وما فيه من الرد على أبي حنيفة، شرع هو في الرد على الشافعي، فقال لشاهدين من شهوده: اذهبا إلى المزني، فقولا له: سمعت الشافعي يقول ما في هذا الكتاب؟ فمضيا وسمعا " المختصر " كله من المزني، وسألاه: أسمعت الشافعي يقول هذا؟ قال: نعم. فعادا إلى بكار، فأخبراه بذلك، فقال: الآن استقام لنا أن نقول: قال الشافعي. ثم صنف الرد المذكور. ومن قضايا بكار، أن رجلاً خاصم آخر شافعياً في شفعة جوار، فطالبه عند بكار، فأنكر، فطاوله بكار حتى عرف أنه من أهل العلم، فقال بكار للمدعي: ألك بينة؟ قال: لا. قال لخصمه: أتحلف؟ قال: نعم. فحلفه، فحلف، فزاد في آخر اليمين: إنه ما يستحق عليك هذه الشفعة على قول من يعتقد شفعة الجوار، فامتنع، فقال له بكار: قُم فأعطه شُفعته. فأخبر الرجل المزني بقضيته، فقال: صادفت قاضياً فقيهاً. ولما غضب أحمد بن طولون على بكار سجنه، وكان السبب في ذلك أنه لما خرج إلى قتال الموفق بسبب المعتمد، حين ضيق وهو ولي العهد على أخيه المعتمد، وهو الخليفة حينئذ، حتى إنه لم يبق للمعتمد إلا الإسم، ضاق المعتمد بذلك، فكاتب أمراء الأطراف، فوافقه أحمد بن طولون، وواعده أن يحضر إليه، ويحمله معه إلى مصر، ويجعلها دار الخلافة، ويذب عنه من يُخالفه في ذلك، فتهيأ المعتمد لذلك، واهتم أحمد بأمره، فبلغ الموفق، فنصب لأحمد الحرب، وصرح بعزله ولعنه، فصرح أحمد بخلع الموفق من ولاية العهد، وأمر بلعنه، وخرج أحمد بالعسكر من مصر، واستصحب بكاراً. فلما كان بدمشق، جاء كتاب المعتمد إلى ابن طولون بخلع الموفق من ولايته العهد، ففعل، وأجاب القضاة كلهم إلى خلعه وسماه بكار الناكث، وأشهد على نفسه هو وسائر قُضاة الشام والثغور. وطلب منهم أحمد أن يلعنوا الموفق، فامتنع بكار، فألح عليه، فأصر على الامتناع حتى أغضبه. وكان قبل ذلك مكرماً معظماً عنده، عارفاً بحقه، وكان يجيزه في كل سنة بألف دينار، فلما غضب عليه أرسل إليه: أين جوائزي؟ فقال: على حالها. فأحضرها من منزله بخواتيمها ستة عشر كيساً، فقبضها أحمد منه. ثم لم يزل عليه في لعن الموفق، وهو يمتنع من إجابته، إلى أن قال يوماً لأحمد: (ألا لعنةُ الله على الظالمين) . فقال علي بن الحسين بن طباطبا نقيبُ الطالبيين بمصر: أيها الأمير، إنه عناك. فغضب أحمد، وأمر بتمزيق ثيابه، وجروه برجله وليس عليه إلا سراويل وخفان وقلنسوة، وهو مسلوب الثياب، فضربه رجل بعود حديد على رجله الممدودة، فقال: أوه. وضمها، ثم حمل من بين يديه إلى السجن، ثم أقامه للناس يطالبونه بمظالم يدعونها عليه، فكان يحضر في مجلس المظالم بين يدي أحمد قائماً. وكان الطحاوي يقول: ما تعرض له أحد فأفلح بعد ذلك، لقد تعرض له غلام يقال له: عامر بن محمد بن نجيح، وكان في حجره، فرآه بكار في مجلس المظالم، فقال له: يا عامر ما تصنع ها هنا؟ قال: أتلفت على مالي.

572 - بكر بن محمد بن أحمد بن مالك بن جماع بن عبد الرحمن ابن فرقد، أبو أحمد، السنجي، الورسنيني

فقال: إن كنت كاذباً فلا نفعك الله بعقلك. قال: فأخبرني من رآه وهو ذاهب العقل، يسيل لعابه، يسبه الناس وهو يرميهم بالحجارة، وهم يقولون: هذه دعوة بكار. قال: وتقدم إليه نصراني، فقال: أيها الأمير: إن هذا الذي يزعم أنه كان قاضياً جعل ربع أبي حبساً. فقال بكار: ثبت عندي أن اباه حبس هذا الربع، وهو تملكه، فأمضيت الحبس، فجاءني هذا مُتظلماً، فضربته، فخرج إلى بغداد، فجاءني بكتاب هذا الذي تزعم أنه الموفق: " لا تمض أحباس النصارى "، فعرفت أنه جاهل، فلم ألتفت إليه، وقد شهد عندي إسحاق بن معمر، بأن هذا كان أسلم ببغداد على يد الموفق، لفإن شهد عندي آخر مثل إسحاق ضربت عنقه. فصاح أحمد بالنصراني: المطبق، المطبق، فأخرج وحُبس. قال الطحاوي: ولما قبض أحمد بن طولون يد كار عن الحكم وسجنه، أمره أن يُسلم القضاء لمحمد بن شاذان الجوهري، كالخليفة له، ففعل. ثم كان بكار إذا حضر مجلس المظالم للمناظرة يعاد إلى السجن إذا انقضى المجلس، وكان يغتسل في كل يوم جمعة، ويلبس ثيابه، ويجيء إلى باب السجن، فيرده السجان، ويقول: أعذرني أيها القاضي، فما أقدر على إخراجك. فيقول: اللهم اشهد. فبلغع ذلك أحمد، فأرسل إليه: كيف رأيت المغلوب المقهور لا أمر له ولا نهي، ولا تصرف له في نفسه، لا يزال هكذا حتى يرد على كتاب المعتمد بإطلاقك. ولما طال حبس بكار طلب أصحاب الحديث إلى أحمد أن يأذن لهم في السماع منه، فكان يحدثهم من طاق السجن، فأكثر من سمع منه في آخر عمره كان كذلك. قال ابن زولاق: ثم أمر ابن طولون بنقل بكار من السجن إلى دار اكتريت له عند درب الصقلي، فأقام فيها. فلما مات أحمد بن طولون بلغ بكاراً، فقال: ما للناس؟! قيل: انصرف أيها القاضي إلى منزلك، فقد مات أحمد. فقال: انصرف أيها القاضي إلى منزلك، فقد مات أحمد. فقال: الدار بأجرة، وقد صلحت لي. وعاش بعد ابن طولون أربعين يوماً، ومات في تلك الدار، وكانت جنازة حافلة جداً، وما روى أحد فيها راكباً، وصلى عليه ابن أخيه محمد بن الحسن بن قتيبة، ودفن بطريق القرافة. والدعاء عند قبره مستجاب، ومات يوم الخميس، لخمس بقين من ذي الحجة، سنة سبعين ومائتين، وقد قارب التسعين، وكانت مدة ولايته أربعاً وعشرين سنة، رحمه الله تعالى، ورضى عنه، ونفعنا ببركاته، آمين. 572 - بكر بن محمد بن أحمد بن مالك بن جماع بن عبد الرحمن ابن فرقد، أبو أحمد، السنجي، الورسنيني دسكن سمرقند،، وروى عن أبيه، في آخرين، وكان فقيهاً، مناظراً، عقد له مجلس الإملاء. ومات بسمرقند، سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. قاله في " الجواهر ". وقال السمعاني: مات ببخارى، سنة إحدى وخمسين. وسيأتي تحقيق النسبة إلى سنج، وورسنين، في باب الأنساب مفصلاً، إن شاء الله تعالى. 573 - بكر بن محمد بن علي بن الحسن بن أحمد ابن إبراهيم بن إسحاق بن عثمان بن جعفر بن جابر ابن عبد الله الأنصاري، الزرنجري، أبو الفضائل الملقب شمس الأئمة، من أهل بُخارى. تفقه على شمس الأئمة الحلواني، وغيره، وبرع في الفقه، وكان يضرب به المثل في حفظ مذهب أبي حنيفة، وكان مُصيباً في الفتاوى، وأجوبة الوقائع، وكانت له معرفة بالأنساب والتواريخ، وكان أهل بلده يسمونه أبا حنيفة الأصغر. وكان نهاية في الحفظ، بحيث إن المتفقه إذا طلب منه إلقاء درسٍ من أي محل كان، يلقيه من حفظه، ولا يحتاج إلى مراجعة كتاب. وكانت الفقهاء إذا وقع لهم في الرواية إشكال يراجعونه، ويأخذون بقوله. وأملى، وحدث، وسمع أباه، وشيخه الحلواني، وأبا مسعود البجلي، وكانت عنده كتب عالية. وذكره السمعاني في " مشيخته "، وحكى أنه أجازه مكاتبة، سنة ثمان وخمسمائة، وأن جماعة كثيرة بخراسان وما وراء النهر رووا له عنه، وأن ولادته كانت سنة سبع وعشرين وأربعمائة، ووفاته في شعبان سنة اثنتي عشرة وخمسمائة. وقيل: إنه مات في ربيع الأول، من هذه السنة، رحمه الله تعالى. 574 - بكر بن محمد العمي تفقه على محمد بن سماعة، وتفقه عليه القاضي أبو حازم، وكان من أعيان الأئمة علماً وعملاً. وسيأتي في الأنساب بيان هذه النسبة مفصلاً، إن شاء الله تعالى. 575 - بكبرس، أبو الفضائل، وأبو شجاع

576 - بلبان بن عبد الله

الفقيه الأصولي، الملقب نجم الدين التركي، الناصري، مولى أمير المؤمنين الناصر لدين الله. قال في " الجواهر ": له " مختصر " في الفقه على مذهب أبي حنيفة، رأيته نحواً من " القدوري " اسمه " الحاوي "، وله " شرح العقيدة " للطحاوي، في مجلد كبير ضخم، فيه فوائد، رأيته أيضاً، سماه ب " النور اللامع، والبرهان الساطع ". سمع منه الحافظ عبد المؤمن الدمياطي ببغداد، وتوفي بها بعد الخمسين وستمائة. وذكره الصاحب ابن العديم، في " تاريخ حلب "، وقال: فقيه حسن، عارف بالفقه والأصول، وكان يلبس لبس الأجناد القباء والشربوش، عرض عليه الإمام المستنصر قضاء القضاة ببغداد، وأن يلبس العمامة، فامتنع من ذلك. قال ابن العديم: وبلغني أن اسمه أولاً منكوبرس، وكان خيراً فقيهاً، ورعاً، فاضلاً، حسن الطريقة، ولم يتفق لي به اجتماع حين قدم حلب، ولا حين قدمت بغداد، وأخبرت أنه كان على الرق، ولم يعتقه مواليه، وكذا عادة الخلفاء ببغداد، وأنه تزوج بامرأة حرة لها ثروة، وولد منها بنت، وماتت المرأة، وورثت ابنته منها مالاً وافراً، وماتت البنت، فجمع جميع ما كان لابنته، وسيرة للإمام المستنصر، وقال: أنا عبدٌ، ولا أرث من ابنتي شيئاً، وهي حرة. فرد عليه، وأذن له في التصرف فيه على حسب اختياره. قال: وتوفي ببغداد، في أوائل شهر ربيع الأول، سنة اثنتين وخمسين وستمائة، ودفن إلى جانب قبر أبي حنيفة، في القبة، بالرصافة. كتب عنه الحافظ الدمياطي، وذكره في " معجم شيوخه "، رحمه الله تعالى. 576 - بلبان بن عبد الله ذكره قاضي القضاة علاء الدين في " تاريخه "، فقال: أبو النعمان، العلاني، الأصبحي، القاسمي، المعزى، الحنفي، ذكره قطب الدين في " تاريخ مصر ". إلى أن قال قطب الدين في " تاريخه ": كتب أبو القاسم ابن البقري من شعره بالمحمودية من القاهرة، في ذي القعدة، سنة تسعين وستمائة، وسأله عن مولده، فقال: ولدت ببلاد آص، وهي علان من بلاد التلارك، سنة ثلاثين وستمائة. فما أنشده لنفسه، وأجاز له ما تجوز عنه روايته: لقد كَمْلَتْ أَوْصَافُك الغُرُّ فاسْتَمِعْ ... مَقالاً يُحاكِيه الْجُمانُ المُنَضَّدُ ودامت لنا أَيَّامُكَ الغُرَّ ما شَدَا ... على عَذَباتِ الدَوْحِ طَيْرٌ مُغَرِّدُ وصلى على المُخْتارِ ما طارَ طائِرٌ ... وغَرَّدَ قُمْرِيٌ وأَطْرَبَ مُنْشِدُ كذا نقلت هذه الترجمة من خط أحمد بن محمد ابن الشحنة، وهو نقلها من خط جده. وذكره ابن طولون في " طبقاته "، وقال، نقلاً عن شيخه أبي الحسن الحموي: ولعلها - يعني لفظ ستمائة المذكورة في تاريخ ولادة صاحب الترجمة - سبعمائة، فإن المحمودية لم تكن غُمرت في ذلك التاريخ، فإن محموداً الأستادار فرغ من عمارتها في نيف وثمانين وسبعمائة، والله تعالى أعلم. 577 - بهلول بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو محمد، التنوخي من البيت المشهور بالعلم والفضائل. سمع إسماعيل بن أبي أويس، وإبراهيم بن حمزة، ومصعب بن عبد الله، الزبيريين، وسعيد بن منصور، وأبا مصعب الزهري، ومحمد بن معاوية النيسابوري، واحمد بن حاتم الطويل، واباه إسحاق بن البهلول، وغيرهم. روى عنه أخوه أحمد، وابنا أخيه، يوسف الأزرق، وإسماعيل، ابنا يعقوب، وابن أخيه داود بن الهيثم بن إسحاق، وأبو طالب محمد بن أحمد، ابن البهلول، وعلي بن إبراهيم بن حماد الأزدي، وأبو بكر الشافعي، وجماعة آخرهم أبو بكر الإسماعيلي الجُرجاني. وكان ثقة. قال أحمد بن يوسف الأزرق، عن عمه إسماعيل بن يعقوب: إن البهلول بن إسحاق أنباري، ولد بها في سنة أربع ومائتين، ومات بها في شوال، من سنة ثمان وتسعين ومائتين. قال: وكان قد تقلد القضاء والخُطبة على المنابر بالأنبار وأعمالها مدة طويلة، قبل سنة سبعين ومائتين، وكان حسن البلاغة، مصقعاً في خطبه، كثير الحديث، ثقة فيه، ضابطاً لما يروره، وحدث بالأنبار. 578 - بهلول بن حسان بن سنان، أبو الهيثم التنوخي، الأنباري

579 - بهلول بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول ابن حسان بن سنان، أبو القاسم التنوخي، الأنباري

جد الذي قبله، سمع ببغداد، والبصرة، والكوفة، والمدينة، ومكة، وحدث عن شيبان بن عبد الرحمن التميمي، وورقاء بن عمر اليشكري، والفرج بن فضالة، وإسماعيل بن عياش، وأبي غسان محمد بن مطرف، وسعيد بن أبي عروبة، وشُعبة بن الحجاج، وحماد بن سلمة، وأبي سيبة القاضي، وشريك بن عبد الله، وغيرهم، كمالك بن أنس، وسفيان بن عُيينة. وروى عنه ابنه إسحاق بن بهلول حديث: " يقول الله أنا عند ظن عبدي، وأنا معه حيث يذكرني "، وغير ذلك من الأحاديث. وكان البهلول قد طلب الحديث، والفقه، والتفسير، والسير، وأكثر من ذلك، ثم تزهد إلى أن مات بالأنبار، في سنة أربع ومائتين، رحمه الله تعالى. 579 - بهلول بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول ابن حسان بن سنان، أبو القاسم التنوخي، الأنباري أخو جعفر، وعلي، الآتي ذكرهما. سكن بغداد، وحدث بها عن أبيه. قال الخطيب: حدثني عنه القاضي أبو القاسم التنوخي، وذكر لي أنه ولد ببغداد، لأربع بقين من شوال، سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة. قال: ومات يوم الثلاثاء، لسبع خلون من رجب، سنة ثمانين وثلاثمائة. قال: وسمعت منه شيئاً يسيراً، وكان ينزل في سكة بالمدينة، تُعرف بسكة أبي العباس الطوسي. 580 - بُنَيْمان بن محمد بن الفضل بن عمر المعروف بالصفي من أهل أصبهان، وهو من شيوخ السمعاني. قال السمعاني: كان فاضلاً، متميزاً، حسن الخط، سمع الرئيس أبا عبد اله القاسم بن الفضل الثقفي، وتوفي يوم السبت، الثاني والعشرين من شوال، سنة تسع وخمسين وخمسمائة. رحمه الله تعالى. 581 - بيبرس بن عبد الله اللبي المجدي، العديمي الشيخ علاء الدين، أبو سعيد ذكره ابن حبيب، وقال: مسند جليل، حسن السمت نبيل، كبير السكينة والوقار، معتاض فوده عن أدهم الليل بأشهب النار، لمع سناء إسناده، وبعد عهد ميلاده، وذوت زهرته، حيث قدمت هجرته. سمع الحديث من قديم، وامتاز بنسبته إلى بني العديم، وأخذ عن الجم الغفير بإفادة مواليه، وتفرد في البلاد الحلبية بكثرة عواليه، وحدث الناس سنين عديدة، ورحل الطلبة إليه رغبةً في رواياته المفيدة. سمعتُ عليه حاضراً في هذه السنة " جزء البانياسي " وغيره، وهو أول مشايخي الذين أرجو بركة كل منهم وخيره. وكانت وفاته بحلب، سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وقد أناف على تسعين سنة. انتهى. 582 - بيبرس المنصوري الخطائي، الدوادار صاحب " التاريخ " المشهور، في خمسة وعشرين مجلداً. كان من مماليك المنصور، وتنقل في الخدم، وكان فاضلاً في أبناء جنسه، وكان اللسطان يقوم له ويُجلسه. قال الذهبي: كان عاقلاً، وافر الهيبة، كبير المنزلة، ومات في شهر رمضان، سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وهو في عشر الثمانين. وقال غيره: كان كثير الأدب، حنفي المذهب، عاقلاً، أجيز بالإفتاء، والتدريس، وله بر ومعروف، كثير الصدقة سراً، ويُلازم الصلاة في الجماعة، وغالبُ نهاره في سماع الحديث، والبحث في العلوم، وليله في قراءة القرآن والتهجد، مع طلاقة الوجه، ودوام البشر. رحمه الله تعالى. 583 - بيرم بن علي بن برستكين، أبو الرسور فقيه، محدث، روى عن الضياء ابن عساكر، وغيره، وسمع منه الحافظ الرشيد، وأجار له جميع ما يرويه. وكان مولده تخميناً، سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وتُوفي بدمشق، سنة عشرين وستمائة. رحمه الله تعالى. 584 - بايزيد خان بن سلطان مراد الغازي الملقب بيلدرم بايزيد بويع بالسلطنة بعد وفاة أبيه، في رابع شهر رمضان المبارك، من شهور سنة واحد وتسعين وسبعمائة، وكانت وفاته في سنة خمس وعشرين وثمانمائة. تغمده الله تعالى برحمته. 585 - بايزيد خان بن السلطان محمد خان بويع بالسلطنة بعد وفاة أبيه، سنة ست وثمانين وثمانمائة، وكانت وفاته في سنة ثمان عشرة وتسعمائة. تغمده الله تعالى برحمته. 586 - برهان الدين بن القطب الحنفي قاضي القضاة. ذكره ابن الحمص، فيمن تُوفي سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، وقال: دفن بالقاهرة، وكان مصادراً لأجل طلب مال منه، وكان عالماً، عفيفاً. تغمده الله برحمته. 587 - بهاء الدين بن العارف بالله تعالى لُطف الله كان رجلاً فاضلاً، صالحاً، زاهداً، عابداً.

التاء

قرأ على المولى خواجه زاده، وغيره. ودرس بإحدى الثمان، وغيرها، وصار مدرساً بمدرسة السلطان بايزيد بأدرنة، إلى أن توفي سنة خمس وتسعين وثمانمائة. تغمده الله تعالى برحمته. حرف التاء المُثناة من فوق 588 - تغري برمش بن يوسف بن عبد الله، أبو المحاسن الزين التركماني، القاهري، الحنفي قدم القاهرة شاباً، وقرأ على الجلال التباني، وغير، وداخل الأمراء الظاهرية. وكان متعصباً لأهل مذهبه، مع محبيه لأهل الحديث، والتعصب لهم أيضاً، محباً للسنة، كثير الحط على ابن العربي ونحوه، مبالغاً في ذلك، بحيث صار يحرقُ ما يقدر عليه من كتبه، بل ربط مرة بكتاب " الفصوص " في ذنب كلب، ونفق بذلك سوقه عند كثير من الناس، وكسد عند آخرين، وقام عليه بسبب ذلك جماعة من أضداده، فلم يكترث بهم، ونصر عليهم، واستفتى في ذلك البلقيني وغيره من أعيان علماء المذاهب الأربعة، فأفتوه بذمه، وذم كتبه، وجواز إعدامها، وصار يعلن بذلك ويبالغ فيه، وجعله دأبه وديدنه. وصحب جماعة من الأتراك بمصر، واستفاد بصحبتهم جاهاً وتعظيماً عند أعيان الناس بالقاهرة وغيرها، في دولة الظاهر، وغيره، وكتب له مرسوم بإنكار المنكرات المجمع عليها، وأمر الحكام بمعونته في ذلك، فناله بهذا السبب ألسنة العوام، بل ربما أوقع بعضهم به الفعل، وكان الظفر له عليهم. وكان أكثر إقامته بالحرمين الشريفين، وانتفع أهلها به كثيراً. وكان قد اشتغل في بلاده، وفي القاهرة، بفنون من العلم، وكان يستحضر كثيراً من المسائل الفقهية، وغيرها، لكنه ليس بالماهر. ورتبه السلطان المؤيد مدرساً بالجامع الذي بناه بالقلعة، وتخرج به جماعة من الجراكسة. مات ليلة الأربعاء، مستهل المحرم، سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، ودفن في صبيحتها، بالمعلاة. رحمه الله تعالى. هكذا لخصت هذه الترجمة من " الضوء اللامع "، والذي ظهر لي من كلامه، وكلام من نقل عنه، أن صاحب الترجمة كان من خيار الناس، وأنه لم يكن فيه عيب إلا أنه يصدع بالحق، ولا يُحسن مداراة الفساق، فحصل له بذلك عند أها عصره ما لا يليق من كلامهم فيه، وحطهم عليه، وحسدهم له، والله تعالى يغفر للمسيء منهم، آمين. 589 - تغري برمش، سيف الدين الجلالي، الناصري ثم المؤيدي نائب القلعة بالقاهرة، ويعرف بالفقيه. كان يزعم أن أباه كان مسلماً، وأن بعض التجار اشتراه ممن سرقه، فابتاعه منه الخواجا جلال الدين، وقدم به حلب، وتنقلت به الأحوال، وصار يُخالط أرباب الدول في أمورهم، ووجه رسولاً إلى الديار الرومية، وعينُ لغزو رودس، وحصل له من كثرة دخوله فيما لا يعنيه جفاء من السلطان، وانحراف عليه، ونفى إلى بيت المقدس، فأقام به بطالاً، إلى أن مات، في ليلة الجمعة، ثالث شهر رمضان، سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وقد زاد على الخمسين. وكان قد اعتنى بالحديث، وأخذ عن الحافظ ابن حجر، وناصر الدين الفاقوسي، والشمس ابن المصري، والزين الزركشي، وطائفة. ولقى بالشام ابن ناصر الدين، وبحلب البرهان الحلبي، ووصفه ابن حجر بصاحبنا المحدث الفاضل، ووصفه أيضاً بالحافظ. قال السخاوي: وبالجملة، فكان فاضلاً، ذاكراً لجملة من الرجال والتاريخ وأيام الناس، مشاركاً في الأدب وغيره، حسن المحاضرة، حلو المذاكرة، جيد الخط، فصيحاً، عارفاً بفنون الفروسية، مُحباً في الحديث وأهله، مستكثراً من كتبه، فرداً في أبناء جنسه، مع زهو وإعجاب وتعاظم. انتهى. وقد مدحه محمد بن حسن بن علي النواجي، بقصيدة فريدة، لا بأس بإيرادها هنا بتمامها، وهي: أَياديكَ أم بَحْرٌ يَجِلُّ عن النهرِ ... ولَفْظُك دُرٌ أم هو الكوكب الدُّرِّي ووَشْيُ رَقِيمٍ بالْيَراعِ مُحَبَّر ... بطِرْسِك أم نَوْعٌ بَدِيعٌ من السِّحْرِ وغُصنُ يَرَاعٍ ما نَرَى أم سَحابةٌ ... تَسِيرُ بأرْزاقِ البَرِيَّةِ بل تسْرِي وآراؤُكَ الغُرُّ العُلاَ أم كَتَائِبٌ ... تَسُوقُ نُفُوسَ المُلْحِدِنَ إلى الحَشْر فيا فارِسَ الإسْلامِ يا سَيْفَ دولةٍ ... به قُطِعَتْ أَوْصالُ دَاعيةِ الكُفْرِ يَمِينُكَ فيها اليُمْنُ والأَمْنُ والمُنَىويُسْرَالكَ خُصَّتْ في البَرِيَّةِ باليُسْرِ

وكم قد {َوَيْنَا مِن عَوَاليكَ مُسْنَداً ... بيوم نَوالٍ عن عَطاءٍ وعن بشرِ لكَ اللهُ مِنْ مَلْكٍ نَدَى جُودٍ كَفِّهِ ... يُساجِلُ مَوْجَ البحرش بالشِّيمِ الغُرِّ أصابعه عَشْرٌ تَزيدُ على المَدَى ... فلا غَزْوَ أن أَغْنَتْ عن النِّيلِ في مصرِ فقُمْ وارتشِفْ يا صاحِ من فَيْضِ كَفِّهِ ... لِتَرْوِي حديثَ الجُودِ من طُرُقٍ عشرِ وقُلْ باسْمِهِ اللهُ أعْطَى وأيَّدَ ال ... مَمَالِكِ بالفَتْحِ المُبِينِ وبالنَّصْرِ فيا جُودَ تَغْرِى بَرْمَشٍ بعُفَاتِهِ ... تَرَفَّقْ لِئَلاَّ تُغْرِقَ الناسَ في بَحْرِ مقرٌ كريمٌ عالِمٌ ومُحدِّثٌ ... فصيحٌ بليغٌ فارسُ النَّظْمِ والنَّثْرِ محطُّ رِحالِ الطَّالبينَ ومَلْجَأَال ... عُفاةِ وأمْنُ الخائفينَ مِن الفَقْرِ فقيهٌ إمامُ العَصْرِ شَرْقاً ومَغْرِباً ... سَنَاهُ عِشاًكالصُّبْحِ والشمس في الظُّهْرِ أميرٌ أطاع الله أَمْرِهِ ... وراقَب رَبَّ المُلْكِ في السِّرِّ والجهرِ أميرٌ يُمِيرُ الناسَ عَذْبُ نَمِيرِهِ ... إذا ضنَّتِ السُّحْبُ الهَوامِعُ بالنَّزْرِ فكم سدَّ مِن ثغرٍ وكم شادَ مِن عُلاً ... وكم شَدَّ من أزْرٍ وكم حطَّ من وِزْرِ بأفْقِ سَماهُ قلعةُ الجَبلِ ازدهتْ ... فمَدَّتْ جَناحاً فوقَ قادِمَةِ النَّسْرِ وَحِفْظاً غَدَتْ ذاتُ البُرُوجِ وزُيِّنَت ... به من حُلاهُ الغُرِّ بالأنجُمِ الزُّهْرِ حَمَى حَوْزَة الإسْلامِ بالبَاْسِ والنَّدَىوجهَّزَ جَيْشَ النَّصْرِ في اليُسْرِ والعُسْرِ بِكُلِّ حَدِيدِ الطرفِ أسْمَرَ إن رَنَا ... إلى مَقْتَلٍ أصْماهُ بالنَّظَرِ الشَّزْرِ ومن أبيضٍ لا يعرفُ الصفحَ إنَّما ... يُقابلهُمْ بالحَدِّ في لَبَّةِ النَّحْرِ مَضارِبُهُ لا تنثنِي عن ضَريبةٍ ... إذا راحَ يَحْكي البحرَ في المد والجَزْرِ بريشِ ويبرِي لِلْعِدَى منه أسهُماً ... وفي السَّلْمِ والجدوى يَريشُ ولا يَبْرِي إذا اعْتَقَلَ الخَطِّيَ كَلَّمَ خَصْمَهُ ... بِطُولِ لِسان في تلهبِهِ جَهْرِي يُريهم يَقِينَ الموت بالشَّكِ سُرعةً ... ويستخرج الأضغان من داخل الصدر وإن جرد الهِندي عاينتَ شُعْلَةً ... لها شررٌ ترمي به الدهر كالقَصْرِ يجُرُّهُم لِلْمَوْتِ نُونٌ قِسِيَّهِ ... وما خِلتُ أن النُونَ مِن أحْرُفِ الجرِّ مُواظبة للخَمْسِ في طَوْعِ رَبِّها ... وخِدْمةِ باريها مُلازمة الوتْرِ لمُدْرِكةٍ تُنمي كِنَانةُ سَهْمِهِ ... وعامِله المَيَّادُ يُعزى إلى النَّضْرِ وأسيافُه مَشْهورةٌ في عِداته ... تُذِيقُهُم بالنكرِ عاقبةَ المَكْرِ حماسَتُهُ يومَ اللقَا أم تَغَزُّلٌ ... يُرِيكَ افْتِناناً منه بالبِيضِ والسُّمرِ فما اضْطَرَبَتْ في غير قلب سيُوفُهُ ... ولا اختلجَتْ أرْماحُه في سِوى الصَّدْرِ فيا للسَّجايا البَرْمَكِية عُوضت ... من الكافِ ش] ئاً كم به نِلتَ من فَخْرِ وكم حُزْتَ من أجرٍ وأوليتَ مِن ندىً ... ويَسَّرْتَ مِن عُسْرٍ وأنقَذْتَ من أَسْرِ ويا حافظَ الإسلامِ من طَعْنِ جاهلٍ ... يُصيبُ ويُخْطي في الحديث ولا يدرِي مَدَدْتُ يَدَ النَّعْمَا بجُودٍ قَصَرْتَهُ ... عليكَ لقد أبدعت في المدِّ والقَصْرِ وكم لكَ في الهَيْجاءِ مِن عَرَبيَّةٍ ... تُباهِي بها الأقرانَ في الكَرِّ والْفَرِّ لِصَهْوَتِهَا يا فارِسِيَّ زَمانِه ... نَحَوْتَ فلم تَعْبَأ بِزَيْدٍ ولا عمرو

590 - تكش بن أرسلان بن أطسر بن محمد

مُنَكَسَةٌ أَعْلامُهُمْ ورُءُوسُهُم ... فلا غَرْوَ أن يُبْنَى الجميعُ على الكَسْرِ وأبْدَيْتَ في فنِّ الحروب مَعاني ال ... بدِعِ تُرُدُّ العَجْزَ منهم على الصدْرِ خدمتُ سَجاياكَ العُلا بفضيلةٍ ... يَتيمةُ فِكْرٍ نُخْبةُ الدهرِ والعُمْر ومن بحرِك العَجَّاجِ صُغْتُ قصيدةً ... كُميتُ فُحولِ الشِّعْرِ من خلفها تَجْرِي وأرسلتُها منكم إليكم هديةً ... ومن عَجبٍ أن تُهدي الدُّرَ للبَحْرِ يلُفُّ حياءَ وَجْهها طِيبُ نَشْرِها ... فَيَخْلُو طِبَاقُ الحُسْنِ باللفِّ والنَشْرِ فخُذها عَرُوساً بنتَ أربعَ عَشْرَة ... أتت لك تُجْلى في دُجَا النَفْسِ كالبدرِ وإن كنتُ قد أَقْلَعْتُ عن مَدحِ غيركم ... لِما فيه من وِزْرٍ فقد فُزْتُ بالأجْرِ وفي النَفْسِ حاجاتٌ وفيك مكارمٌ ... يُناجيكَ عن سِرِّي بها عالِمُ السِّرِّ فعِشْ وابْقَ واسْلَمْ واغْنَ واغْنَمْ وجُدْ وسُدْودُمْ وارْقَ واسْعَدْ بالهَناءِ مَدَى العُمْرِ ونَلْ فوقَ هامِ الأنجُم الغُرِّ رفعةً ... لِيَرْوِي حديثُ الفضل منك عن الزُّهرِ ويا رَبِّ فاحْرُسْهُ بجَاهِ محمدٍ ... وأيِّدْهُ بالمَاْمُونِ من حادِثِ الدَّهْرِ (انتهى ذلك، والله تعالى أعلم) . 590 - تُكش بن أرسلان بن أطسر بن محمد ذكره الملك المؤيد صاحب حماة، في " تاريخه "، وقال: كان عادلاً، حسن السيرة، يعرف الفقه على مذهب أبي حنيفة، والأصول. قال: وتُوفي سنة ست وتسعين وخمسمائة. رحمه الله تعالى. 591 - تمام بن إسماعيل بن تمام السلمي الحنفي الشيخ ظهير الدين، أبو كامل سمع على أبي حفص بن طبرزد " جزء فصل التواضع " للجوهري، تخريج طاهر النيسابوري، سنة ثلاث وستمائة، بكلاسةِ جامع دمشق، واشتغل، وحصل، وبرع وتفقه. كذا قاله ابن طولون، في " طبقاته ". ثم قال: وكتب لحجة الإسلام الغزالي: قد كنتُ حُرًّا والهوى مالِكي ... فصِرْتُ عَبْداً والهوى خَادِمِي وصِرْتُ بالوَحْدَةِ مُسْتَأْنِساً ... مِنْ دُونِ أولادِ بني آدمِ يا لائِمِي في تَرْكِهِمْ جاهِلاً ... عُذْرِي مَكْتُوبٌ على خَتِمِي وكان المكتوب على خاتمه، رحمه الله تعالى، قوله عز وجل: (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) ، انتهى. ومعنى قوله: " كتب لحجة الإسلام الغزالي ": كتب من شعره. 592 - توبة بن سعد بن عثمان بن سيار مولى حمدان، ولي قضاء مرو لجعفر بن محمد بن الأشعث، سنة سبعين. أورده ابن ماكولا في " كتابه "، وقال: أدرك أبا حنيفة، وصحب أبا يوسف، وسمع ابن جريح. كذا في " الجواهر " من غير زيادة. 593 - تَمُر بن عبد الله الشهابي الأمير سيف الدين الحاجب أحد أمراء الطبلخانات، وفقهاء الحنفية، كان له معرفة بالفقه والأصول، وتصدر للإقراء مدة طويلة. وكان شجاعاً، فاضلاً، عالماً، ديناً، خيراً، مات سنة ثمان وتسعين وسبعمائة بالقاهرة، من جراحة حصلت له في بعض أسفاره من العرب العصاة، رحمه الله. كذا في " الغُرف العلية، في تراجم متأخري الحنفية " لابن طولون. 594 - تمر بغا، الظاهر، أبو سعيد، الرومي، الظاهري، جقمق أحد ملوك الأتراك بالديار المصرية، تسلطن في آخر يوم السبت، سابع جمادى الأولى، سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، بعد خلع بلباي وسر جمهور الناس به لمزيد عقله، وتؤدته، ورئاسته، وفصاحته، وفهمه، ولم يلبث أن خلع في يوم الإثنين، سادس رجب منها، بالأشرف قايباي، وجرت له قبل السلطنة وبعدها أمور يطول شرحها، ومات في آخر الأمر بثغر إسكندرية، في يوم الجمعة، ثامن ذي الحجة، سنة تسع وسبعين وثمانمائة، ودفن هناك.

595 - تنم الفقيه الحنفي

وكان ملكاً، فقيهاً فاضلاً، يحفظ " المنظومة " للنسفي، ويستحضر كثيراً من المسائل الفقهية، مع مشاركة حسنة في فنون؛ كالتاريخ والشعر، وعنده حذق وذكاء، وعقل تام، وجودة رأي، وتدبير، وفصاحة باللغتين العربية والتركية، وطهارة لسان، وحشمة، وأدب، وتجمل زائد في ملبسه، ومركبه، ومأكله، ومشربه، ومسكنه، وله في ذلك اختراعات تنسب إليه، وعلى ذهنه الكثير من الصنائع؛ كعمل القوس والسهام، عارفاً برمي النشاب معرفة تامة إليه انتهت الرياسة فيه، بل وفي غيره من أنواع الفروسية والملاعب، ولكنه كان غير عفيف فيما يقال: قائماً في أغراض نفسه جداً، مع إثارة فتن ومكر وخداع، ومزيد تكبر، ودخول فيما تقصر أمثاله عن دونه، وتعرض للخلاف بين الحنفية والشافعية، وربما نُسب إليه التكلم بما لا يليق. قال السخاوي: مما أظنه السبب في سرعة انقضاء مدته، مع أنه لما تسلطن تواضع جداً، وأعرض عن كثير مما ينسب إليه، ولله عاقبة الأمور. انتهى نقلاً من " الضوء اللامع ". 595 - تنم الفقيهُ الحنفي أخذ عن ابن قديد النحو، والصرف، وغيرهما، وكذا عن ملا شيخ. وتصدر للإقراء، فانتفع به جماعة من الترك، وأبنائهم، وغيرهم، وممن أخذ عنه خضر بن شماف. قال السخاوي: ومنه استفدته. كذا في " الضوء اللامع ". حرف الثاء المثلثة 596 - ثابت بن شبيب بن عبد الله، أبو محمد، التميمي البصروي، الفقيه، المعروف بالسديد قال أبو القاسم عمر بن أحمد ابن العديم، في " تاريخ حلب ": لفيته ببصرى عند عودي من الحج، سنة أربع وعشرين وستمائة، وأخبرني أنه قدم حلب، ونزل بها بالمدرسة النورية، وهو شيخ حسن، صالح، مستور، فقيه. كان يدرس الفقه على مذهب أبي حنيفة بالمسجد النبوي، بمدينة بُصرى. قال: وأخبرني ابن أخيه داود بن علي بن شبيب الفقيه، بحلب، أن عمه ثابت بن شبيب، توفي في شهر ربيع الآخر، سنة وثلاثين وستمائة ببصرى. رحمه الله تعالى. حرف الجيم 597 - جابر بن محمد بن محمد بن عبد العزيز بن يوسف الخوارزمي، الكاتي، ثم المصري، افتخار الدين أبو عبد الله ولد في عاشر شوال، سنة سبع وستين وستمائة. وقرأ على خاله أبي المكارم [بن] محمد بن أبي المفاخر، وقرأ " المفضل " و " الكشاف " على أبي عاصم الإسفندري، عن سيف الدين عبد الله بن محمود الخوارزمي، عن أبي عبد الله البصريي، عن مولفهما. واشتغل ببلاده وتمهر، وقدم القاهرة، فسمع من الدمياطي، وولي بها مشيخة الجتولية التي بالكبش. وكان يعرف العربية معرفة جيدة. وباشر الإفتاء، والتدريس بأماكن. وله شعر حسن. ومات في أول النصف الثاني من المحرم، سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. وقال الفاسي: قدم مكة، وقرأ " الصحيح " على التوزي، وتكلم على أماكن فيه من جهة العربية، ودرس بالقدس، ومكة، وكان فاضلاً، حسن الشكل، مليح المحاضرة. قال ابن حجر: وكات، بالتاء المثناة أو المثلثة: من قرى خوارزم. 598 - جار الله بن صالح بن أبي المنصور أحمد بن عبد الكريم ابن أبي المعالي يحيى بن عبد الرحمن بن علي بن الحسين ابن علي بن الحسين بن محمد بن شيبة بن إياد بن عمرو ابن العلاء بن مسعود، جلال الدين الشيباني الطبري الأصل، المكي والد أحمد، وعلي، ومحمد. سمع من خليل المالكي، والعز ابن جماعة، والموفق الحنبلي، وغيرهم، وأجاز له إبراهيم بن محمد بن يونس بن القواس، وجماعة كثيرة. وحدث، وسمع منه الفضلاء، كالحافظ ابن حجر، والتقى الفاسي، وغيرهما. وكان خيراً، عاقلاً، تردد إلى مصر مراراً، وأدركه أجله بها، في آخر سنة خمس عشرة وثمانمائة، بخانقاه سعيد السعداء، ودفن بمقبرة صوفيتها، وقد بلغ السبعين، رحمه الله تعالى. 599 - الجاررود بن يزيد، أبو علي، وقيل أبو الضحاك الفقيه، النيسابوري، صاحب الإمام جاء من أولاده كثير من أهل العلم والفضل، فمنهم ابنه سلمة، والنضر بن سلمة، ومحمد ابن النضر، وسيأتي كل منهم في محله، إن شاء الله تعالى.

600 - جامع الكشاني

وذكره الخطيب البغدادي، في " تاريخه "، وقال: حدث عن بهز بن حكيم، وعمر بن ذر، روى عنه أهل نيسابور، وقدم بغداد، وحدث بها، فروى عنه من أهلها أبو طالب عبد الجبار بن عاصم، ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه، والحسن بن عرفة. وروى من حديثه عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أترعُون عن ذكر الفاجر، اذكروه بما فيه يحذره الناسُ ". ثم ذكر جماعة ممن أنكر على الجارود رواية هذا الحديث عن بهز بن حكيم، وتكلم فيه بسببه، وضعفه، منهم أحمد بن حنبل، والبخاري، وابن المديني، وغيرهم. وروى عن مكي بن إبراهيم، أنه قال، وقد أنكروا على الجارود هذا الحديث: ما تنكرون هذا، إن الجارود رجل غني، كثير الصدقة، مُستغن عن الكذب، هذا معمر قد تفرد عن بهز بن حكيم بأحاديث. وكانت وفاة الجارود سنة ثلاث، وقيل: ست ومائتين، رحمه الله تعالى. قلت: والذي يظهر من كلام الأئمة في حقه أنه كان إماماً عالماً حافظاً، وما أنكروا عليه إلا هذا الحديث، والله أعلم بحاله. 600 - جامع الكُشاني روى عن أبي حنيفة، فيما إذا قال: له على كذا وكذا درهماً. يلزمه أحد عشر، كما إذا قال: " له عليَّ " كذا كذا. بغير عطف. ذكره في " الروضة " من كتب أصحابنا، قاله في " الجواهر ". 601 - جبارة بن المغلس الحماني الكوفي عم أحمد بن الصلت، المذكور سابقاً. روى عن ابن ماجه، وتكلموا فيه. ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين، وهو في عشر المائة، رحمه الله تعالى. 602 - جبريل بن جميل بن محبوب القيسي، اللواتي، البزاز أسمعه أبوه من السلفي، ومن الضياء لدر، وتفقه على مذهب أبي حنيفة، وحدث، وسمع منه المنذري. وسيأتي له زيادة في ترجمة ابنه يوسف. وكانت وفاته، كما قاله المنذري، في " التكملة "، سنة ستمائة، راجعاً من الحج. 603 - جبريل بن عبد الله الشيخ زين الدين الدمشقي قرأ كتاب " الجمعة " لأبي عبد الرحمن النسائي على أبي القاسم البوصيري، سنة أربع وتسعين وخمسمائة، واشتغل في " الكنز "، وحصل، ودرس، وكان رزقه مُقتراً " عليه وعلى عياله ". ذكره ابن طولون، في " طبقاته ". 604 - جرير بن عبد الحميد بن قرط أبو عبد الله، الرازي، الآبي وآبة: قرية من قرى أصبهان، ولد بها صاحب الترجمة، ونشأ بالكوفة. وأخذ الفقه عن أبي حنيفة في مسائل، منها: مسألة جناية المدبر على سيده. وسمع يحيى بن سعيد الأنصاري، ومالكاً، والثوري، والأعمش. وروى عنه ابن المبارك، وقتيبة، وأحمد، وابن المديني. قال ابن سعد: ثقة، كثير العلم، يرحل إليه. وقال هبة الله الطبري: مجمع على ثقته. مات سنة " ثمان و " ثمانين ومائة، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وصلى عليه ابنه عبد الله. قال جرير: ولدت سنة مات الحسن، سنة عشر ومائة. روى له الشيخان. 605 - جعفر بن أحمد بن إسماعيل بن شهريل، أبو محمد الاستراباذي رحل وسمع، وذكره أبو سعد الإدريسي، في " تاريخ إستراباذ "، وقال: كان من فقهاء أصحاب أبي حنيفة، حسن الطريقة فيهم، وكان يعرف بالزهد والعبادة، وحدثنا عنه جماعة. قال: ومات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. وذكره السهمي أيضاً، في " تاريخ جرجان "، وقال: كنيته أبو محمد، وربما نُسب إلى جده. فيقول: جعفر بن شهربل، روى عن عمار بن رجاء، وإسحاق بن إبراهيم، وجعفر ابن أحمد بن بهرام، وجماعة من أهل إستراباذ، وجرجان، وكتب بمكة عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، روى عنه أبو أحمد بن عدي. 606 - جعفر بن أحمد بن بهرام الباهلي، أبو حنيفة الشهيد، الإستراباذي قال السهمي، في " تاريخ جرجان ": كان من فقهاء الحنفية بإستراباذ، وإليه الفُتيا. سُعي به عند الحسن بن زيد العلوي، أنه يبغض أهل البيت، فحبسه في سجنه حتى مات، ثم أمر به فصلب بجرجان، فذهب جماعة من أهل إستراباذ وسرقوه ليلاً، ودفنوه في مقبرة جرجان، وأخفوا قبره. يروى عن محمد بن خالد الحنظلي، وجعفر بن عون، والفضل بن دكين، ويحيى بن هاشم، وداود بن سليمان الجرجاني. روى عنه الحسن (بن الحسين) بن عاصم، والحسين بن بندار المفسر، وجعفر بن أحمد ابن إسماعيل بن شهريل، وأبو نُعيم عبد الملك [بن محمد] بن عدي، الإستراباذيون.

607 - جعفر بن أبي علي الحسن بن إبراهيم الدميري الأصل المصري المولد والدار

607 - جعفر بن أبي علي الحسن بن إبراهيم الدميري الأصل المصري المولد والدار قرأ القرآن بالروايات على أبي الجيوش عساكر بن علي الشافعي، وتفقه على الإمام جمال الدين عبد الله بن محمد بن سعد الله، وعلى الفقيه بدر الدين أبي محمد عبد الوهاب ابن يوسف. وسمع الحديث من أبي محمد عبد الله بن بري، وأبي الفضل محمد بن يوسف الغرنوي الحنفي. ودري بالمدرسة السيوفية بالقاهرة إلى حين وفاته، وكان حسن الصمت، كثير العُزلة عن الناس، حسن الخط. سمع منه المنذري، وقال: سألته عن مولده، فذكر ما يدل على أنه في سنة خمس وخمسين وخمسمائة بالقاهرة. وتوفي بها، ليلة الإثنين، مستهل ذي القعدة، سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي، رحمه الله تعالى. 608 - جعفر بن طرخان الإستراباذي، أبو محمد ذكره الحافظ السهمي، في " تاريخ جرجان "، فقال: كان " من أجلة " فقهاء الرأي، له تصانيف، روى عن أبي نعيم الفضل بن دكين، وأبي حذيفة موسى بن مسعود، وعثمان ابن الهيثم، ومحمد بن كثير، وجماعة. روى عنه ابنه محمد، وجعفر بن شهريل، والحسن بن الحسين بن عاصم، وأبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي. مات سنة سبع وسبعين ومائتين، رحمه الله تعالى. 609 - جعفر بن عبد الله بن محمد بن علي بن محمد أبو منصور الدامغاني، ابن أبي جعفر ابن قاضي القضاة أبي عبد الله من البيث المشهور بالقضاء، والعدالة، والرواية. كان شيخاً نبيلاً، حسن الأخلاق، لطيف الكلام، محمود السيرة، مرضي الطريقة. سمع الحديث الكثير من أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، وأبي زكريا يحيى ابن عبد الوهاب بن منده الأصبهاني. وحدث بالكثير، وكان صدوقاً. وروى عنه أبو العباس ابن البندنيجي، وغيره. وكان مولده في ليلة الثلاثاء، سادس عشر صفر، من سنة تسعين وأربعمائة. ووفاته سنة ثمان وستين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 610 - جعفر بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن حمزة، قاضي القضاة، أبو البركات ابن قاضي القضاة أبي جعفر بن القاضي أبي الحسين ناب في قضاء العراق عن أبيه، واستقل به بعد وفاته، ولما مات الوزير عون الدين ناب أبو البركات عنه في الوزارة، مُضافاً إلى قضاء القضاة. ومات سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وله ست وأربعون سنة. وسمع منه أبو المحاسن القرشي. 611 - جعفر بن عبد الوهاب بن محمد ابن كامل البغدادي حدث عن محمد بن الحسن. 612 - جعفر بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول أبو محمد التنوخي، الأنباري الأصل من البيت المشهور. قال الخطيب: ذكر لي أبو القاسم التنوخي أنه ولد ببغداد، في ذي القعدة، من سنة ثلاث وثلاثمائة. قال: وكان أحد القراء للقرآن بحرف عاصم وحمزة والكسائي. وكتب هو وأخوه على الحديث في موضع واحد. قال: وأصل كل واحد منهما أصل الآخر، وشيوخ كل واحد منهما شيوخ الآخر. وحدث عن عبد الله بن محمد البغوي، وأبي الليث الفرائضي، وجده أحمد بن إسحاق بن البهلول، وغيرهم. وعرض عليه القضاء والشهادة فأباهما، تورعا وتقللا وصلاحا. قال الخطيب: قال لي علي بن المحسن: مات جعفر بن أبي طالب ابن البهلول ببغداد، ليلة الأربعاء، لثمان وعشرين ليلة خلت من جمادى الآخرة، سنة سبع وسبعين وثلاثمائة، ودُفن من الغد إلى جانب داره، بسكة أبي العباس الطوسي. قال - أعني الخطيب -: وهو أخو علي والبهلول إبني محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول. رحمهم الله تعالى. 613 - جعفر بن محمد بن عمار البرجمي القاضي من أهل الكوفة، ولي القضاء بسرمن رأى. كذا في " الجواهر "، من غير زيادة. 614 - جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر أبو العباس، النسفي، المُستغفري خطيب نسف. كان فقيهاً فاضلاً، ومحدثاً مكثراً، وصدوقاً حافظاً، لم يكن بما وراء النهر في عصره مثله، وله تصانيف أحسن فيها. سمع أبا عبد الله محمد بن أحمد غُنجار، وزاهر بن أحمد السرخسي. روى عنه أبو منصور السمعاني. وكانت ولادته سنة خمسين وثلاثمائة، ووفاته في سلخ جمادى الأولى، سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة بنسف. رحمه الله تعالى.

615 - جعفر بن محمد، أبو محمد البويبي، الفقيه

615 - جعفر بن محمد، أبو محمد البويبي، الفقيه من طبقة الإمام أبي بكر محمد بن الفضل البخاري، رحمهما الله تعالى. 616 - جعفر بن يحيى بن خالد، أبو الفضل البرمكي قال الخطيب: كان من علو القدر، ونفاذ الأمر، وعظم المحل، وجلالة المنزلة، عند هارون الرشيد، بحالةٍ انفرد بها، ولم يشارك فيها، وكان سمح الأخلاق، طلق الوجه، ظاهر البشر، فأما جوده وعطاؤه فأشهر من أن يذكر، وأبين من أن يظهر، وكان أيضاً من ذوي الفصاحة، المذكورة باللسن والبلاغة، ويقال: إنه وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، نظر في جميعها، فلم يخرج شيء منها عن موجب الفقه. قال: وكان أبوه يحيى بن خالد قد ضمه إلى أبي يوسف القاضي، حتى علمه وفقهه. وقال ثُمامة بن أشرس: ما رأيت رجلاً أبلغ من جعفر بن يحيى والمأمون. وحكى العباس بن الفضل، قال: اعتذر رجل إلى جعفر بن يحيى البرمكي، فقال له جعفر: قد أغناك الله بالعُذر [منا] عن الاعتذار إلينا، وأغنانا بالمودة لك عن سوء الظن بك. وحيث كان يروى عنه في الكرم، وإسداء النعم، وإكرامه جلسائه، والإحسان إلى أوليائه، وتحقيق ظن آمليه، وتفريج كربة سائليه، ما تضيق عنه الدفاتر، وتعجز عن ضبطه الأقلام والمحابر، وتغنى به الركبان، وتتجمل بذكره مجالس الأعيان، فلا بأس أن نذكر منها طرفاً يسيراً يكون لأهل الكرم به قدوة، ولضعيف الهمة باعثاً على الجميل وموجداً له نحوه، وليعلم أن المرء لا يبقى له بعد موته إلا الذكر الجميل، والثناء الحسن الجزيل. فمن ذلك ما روى ابن عساكر، عن المهذب صاحب العباس بن محمد، صاحب قطيعة العباس والعباسية، أنه أصابته ضائقة، وألح عليه المطالبون، وعنده سفطٌ فيه جوهر، مُشتراة عليه ألف درهم، فحمله إلى جعفر ليبيعه منه، فاشتراه بثمنه، ووزن له ألف ألف، وقبض منه السفط، وأجلسه عنده في تلك الليلة، فلما رجع إلى أهله إذا السفط قد بلغه إلى منزله، فلما أصبح غداً إليه ليتشكر له، فوجده مع أخيه الفضل على باب الرشيد، يستأذن عليه، فقال له جعفر: إني قد ذكرت أمرك للفضل، وقد أمر لك بألف ألف، وما أظنها إلا سبقتك إلى أهلك، وسأفاوض فيك أمير المؤمنين. فلما دخل ذكر أمره له، وما لحقه من الديون، فأمر له بثلاثمائة ألف دينار. وروى الخطيب أن جعفراً كان ليلة في سمره وعنده أبو علقمة الثقفي صاحب الغريب، فأقبلت خنفساة إلى علقمة، فقال: أليس يقال: إن الخنفساة إذا أقبلت إلى رجل أصاب خيراً؟ قالوا: بلى. فقال جعفر: يا غلام أعطه ألف دينار. ثم نحوها فعادت إليه، فقال: يا غلام، أعطه ألف دينار. فأعطاه. وروى أيضاً أن جعفراً حج مرة مع الرشيد، فلما كانوا بالمدينة، قال لإبراهيم الموصلي: أنظر لي جارية أشتريها، ولا تبق غايةً في حذاقتها بالغناء والضرب والكمال، والطرف، والأدب، وجنبني قولهم: صفراء. قال إبراهيم: فوصفتها على يد من يعرف، فأرشدت إلى جارية لرجل، فدخلت عليه، فرأيت رسوم النعمة عنده، فأخرجها إلي، فلم أر أجمل منها ولا أصبح ولا آدب، قال: ثم تغنت لي أصواتاً فأجادتها، قال: فقلت لصاحبها: قل ما شئت، قال: أقول لك قولاً لا أنقص منه درهماً، قلت: قل. قال: أربعين ألف دينار. قال: قلت قد أخذتها، واشترطت عليك نظرةً. قال: ذاك لك. قال: فأتيت جعفر بن يحيى، فقلت: قد أصبت حاجتك على غاية الكمال والظرف والأدب والجمال ونقاء اللون وجودة الضرب والغناء، وقد اشترطت نظرة فاحمل المال، ومر بنا. قال: فحملنا المال على حمالين، وجاء جعفر مُستخفياً، فدخلنا على الرجل فأخرجها، فلما رآها جعفر أعجب بها، وعرف أن قد صدقته، ثم غنته فازداد بها عجباً، فقال لي: اقطع أمرها. فقلت لمولاها: هذا المال قد نقدناه ووزناه، فإن قنعت وإلا فوجه إلى من شئت لينتقده. فقال: لا، بل أقنع بما قلتم. قال: فقالت الجارية: يا مولاي، في أي شيء أنت؟ فقال: قد عرفت ما كنا فيه من النعمة، وما كنت فيه من انبساط اليد، وقد انقبضت عن ذلك لتغير الزمان علينا، فقدرت أن تصيري إلى هذا الملك، فتنبسطي في شهواتك وإرادتك. فقالت الجارية: والله يا مولاي لو ملكت منك ما ملكته مني ما بعتك بالدنيا وما فيها، وبعد فاذكر العهد.

وقد كان حلف لها أن لا يأكل لها ثمناً، فتغرغرت عين المولى، وقال: اشهدوا أنها حرة لوجه الله تعالى، وأني قد تزوجتها، وأمهرتها داري. فقال لي جعفر: انهض بنا. فقال: فدعوت الحمالين ليحملوا المال، قال: فقال جعفر: لا والله، لايصحبنا منه درهم. قال: ثم أقبل على مولاها، فقال: هو لك مُباركاً لك فيه، أنفقه عليك وعليها. قال: وقُمنا وخرجنا. وروى أنه لما حج اجتاز في طريقه بالعقيق، وكانت سنة مجدبة، فاعتضته امرأة من بني كلاب، وأنشدته: إني مَرَرْتُ على العقيق وأهله ... يشكون مِن مطرِ الربيعِ نُزُورَا ما ضَرَّهم إذا كان جعفر جارَهم ... أنْ لا يكون رَبِيعهم مَمْطوراً فأجزل لها العطاء. ذكر مقتل جعفر، وإيقاع الرشيد به وبأهل بيته وذكر السبب في ذلك على وجه الاختصار، فإن فيه عبرة لمن يعتبر، وعظة لمن يتعظ، وتنبيهاً لمن هو غافل عن غدر الدنيا لأرببابها، وإساءتها بعد الإحسان لأصحابها، وقد نقلت ذلك من التواريخ المعتمدة، كتاريخ الخطيب، وتاريخ ابن كثير، وغيرهما. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ثم دخلت سنة سبع وثمانين ومائة، فيها كان مقتل الرشيد جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، ودمار ديارهم، واندثار آثارهم، وذهاب صغترهم وكبارهم، وقد اختلف في سب ذلك على أقوال، ذكرها أبو جعفر بن جرير، وغيره من علماء التاريخ، فمما قيل: إن الرشيد قد سلم يحيى بن عبد الله بن حسن إلى جعفر البرمكي، فسجنه عنده، قال: فما زال يحيى يترفق له حتى أطلقه جعفر، فنم الفضلُ بن الربيع على جعفر في ذلك، فقال له الرشيد: ويلك، لا تدخل بيني وبين جعفر، فلعله قد أطلقه على أمري وأنا لا أشعر. ثم سأل الرشيد جعفر عن ذلك فصدقه الحال، فتغيظ عليه الرشيد، وحلف ليقتلنه، وكرة البرامكة، ومقتهم، وقلاهم، بعد ما كانوا أحظى الناس عنده، وأحبهم إليه، وكانت أم جعفر والفضل أمه من الرضاعة، وجعلهم من الرفعة في الدنيا وكثرة المال، بسبب ذلك في شيءٍ كثير لم يحصل لمن قبلهم من الوزراء، ولا لمن بعدهم من الأكابر والرؤساء، بحيث أن جعفراً بنى داراً، وغرم عليها عشرين ألف ألف درهم، وكان ذلك " من جملة ما كبر عليه بسببه ". ويقال: إن الرشيد كان لا يمر ببلد ولا إقليم فيسأل عن قرية أو مزرعة أو بستان، إلا قيل: هذا لجعفر. وقد قيل: إن البرامكة كانوا يريدون إبطال خلافة الرشيد، وإظهار الزندقة، ويؤيد ذلك ما روى أن الرشيد أتى بأنس بن أبي شيخ، وكان يُتهم بالزندقة، وكان مصاحباً لجعفر، وذلك ليلة قتل، فدار بينه وبينه كلام، فأخرج سيفاً من تحت فراشه، وأمر بضرب عنقه به، وجعل يتمثل ببيت قيل في أنس، قبل ذلك، وهو تَلَمَّظَ السيفُ مِنْ شوقٍ إلى أَنَسٍ ... فالسيفُ يَلْحَظُ والأَقْدارُ تَنْتَظِرُ فضرب عنقه، فسبق السيف الدم، فقال الرشيد: رحم الله عبد الله بن مصعب. فقال الناس: إن السيف كان سيف الزبير بن العوام، رضي الله تعالى عنه. وقيل: إنه بسبب العباسة أخته، فإن جعفراً كان يدخل على الرشيد بغير إذن، حتى إنه كان ربما دخل عليه وهو في الفراش مع حظاياه، وهذه وجاهة عظيمة، ومنزلة عالية، وكان من أحظى العشراء، على الشراب، فإن الرشيد كان يستعمل في أواخر ملكه المسكر، " وكان المُخلف ". وكان أحب أهله إليه أخته العباسة بنت المهدي، وكان يحضرها معه، وجعفر البرمكي حاضر أيضاً، فزوجه بها، ليحل له النظر إليها، واشترط عليه أن لا يطأها، فكان الرشيد ربما قام وتركهما وهما ثملان من الشراب، فربما واقعها جعفر، فاتفق حملها منه، فولدت ولداً بعثته مع بعض جواريها إلى مكة، وكان يُربى هناك.

وذكر قاضي القضاة ابن خلكان في " الوفيات " صفة أخرى في مقتل جعفر، وذلك أنه لما زوج الرشيد جعفراً من العباسة أخته، أحبته حباً شديداً، فراودته عن نفسه، فامتنع أشد الامتناع من خشية أمير المؤمنين، فاحتالت عليه، وكانت أمه تهدي إليه في كل ليلة جمعةٍ جارية حسناء بكراً، فقالت لأمه: ادخليني عليه في صفة جارية من تلك الجواري. فهابت من ذلك، فتهددتها حتى فعلت، فلما دخلت عليه، وكان لا يتحقق وجهاا من مهابة الرشيد، فواقعها، فقالت له: كيف رأيت خديعة بنات الملوك؟ فقال: ومن أنت؟ فقالت: أنا العباسة. وحملت منه تلك الليلة، فدخل على أمه، فقال لها: بعتيني والله برخيص. ثم أن والد يحيى بن خالد جعل يضيق على عيال الرشيد في النفقة، حتى شكته زبيدة إلى الرشيد مرات، ثم أفشت له سر العباسة، فاستشاط غضباً. ولما أخبرته أن الولد قد أرسلت به إلى مكة، حج عامه ذلك، حتى يتحقق الأمر، ويقال: إن بعض الجواري نمت عليها إلى الرشيد، فأخبرته بما وقع من الأمر، وأن الولد بمكة، وعنده جوار ومعه أموال، وحلي كثير، فلم يصدق حتى حج في السنة الخالية، فكشف عن الحال، فإذا هو كما ذكرت الجارية. وقد حج في هذه السنة يحيى بن خالد الوزير، وقد استشعر الغضب من الرشيد عليه، فجعل يدعو عند الكعبة: اللهم إن كان يرضيك عني سلب مالي وولدي وأهلي فافعل ذلك بي، وأبقِ عليهم منهم الفضل. ثم خرج، فلما كان عند باب المسجد رجع، فقال: اللهم والفضل معهم، فإني راضٍ برضاك عني، ولا تستثن منهم أحداً. وقيل: إن من المُحرضات على قتل البرمكة قول بعض الشعراء يُخاطب الرشيد: قُلْ لأَمِينِ اللهِ في أَرْضِهِ ... ومن إليه الحَلُّ والعَقْدُ إنَّ ابن يحيى جعفراً قد غدَا ... مِثْلَكَ ما بينكما حَدُّ أَمْرُكَ مَرْدُودٌ إلى أَمْرِهِ ... وأمرُهُ ليس له رَدُّ وقد بَنَى الدَّارَ التي ما بنى ال ... فُرْسُ لها مِثْلاً ولا الهِنْدُ الدُرُّ والياقُوتُ حَصْباؤُهَا ... وتُرْبُها العَنْبَرُ والنَّدُ وجَدُّك المنصورُ لو حَلَّها ... لَمَا أَطباهُ قصرهُ الخُلْدُ ساواكَ في المُلْكِ فَأَبْوابُهُ ... مأْهُولةٌ يَعْمُرُها الوَفْدُ وما يُساوي العبدُ أَرْبابَهُ ... إلا إذا ما بَطَرَ العبدُ ونحنُ نَخْشَى أنه وارثٌ ... مُلْكَكَ إن غَيَّبَك اللَحْدُ وروى ابن الجوزي أن الرشيد سُئل عن السبب الذي من أجله أهلك البرامكة، فقال: لو أن قميصي هذا يعلم لأحرقته. قال ابن كثير: فلما قفل الرشيد من الحج صار إلى الحيرة، ثم ركب في السفن إلى العمر، من أرض الأنبار، فلما كانت ليلة السبت، سلخ المحرم من هذه السنة، أعني سنة سبع وثمانين، أرسل مسرور الخادم، ومعه حماد بن سالم أبو عصمة، في جماعة من الجند، فأطافوا بجعفر بن يحيى ليلاً، فدخل عليه مسرور الخادم، وعنده بختيشوع المتطبب، وأبو ركازٍ الأعمى المغني يُغنيه: فلا تَبْعُدْ فكلُّ فتىً سيأتي ... عليه الموتُ يطرُق أو يُغادِي وكلُّ ذَخِيرةٍ لا بُدَّ يوماً ... وإن بقيتْ تَصِيرُ إلى نَفَاذِ فو فُودِيتَ من حَدَثِ المَنَايا ... فَدَيْتُك بالطَّريفِ وبالتِّلادِ وقيل: كان يُعنيه قول بعضهم: ما يُريدُ الناسُ مِنَّا ... ما ينامُ الناسُ عَنَّا إنَّما هَمُّهُمُ أنْ ... يُظْهِرُوا ما قد دَفَنَّا ولكن المشهور هو الأول.

فقال الخادم: يا أبا الفضل، هذا الموت قد طرقك، أجب أمير المؤمنين. فقام إليه، فقبل قدميه، وأدخل عليه أن يدخل إلى أهله فيوصي إليهم، فقال: أما الدخول فلا سبيل إليه. فأوصى جعفر، وأعتق جماعة من مماليكه، وجاءت رسل الرشيد تستحث الخادم، فأخرجه إخراجاً عنيفاً يقوده حتى أتى إلى المنزل الذي كان فيه الرشيد، فحبسه وقيده بقيدٍ، وأعلم الرشيد بما فعل، فأمره بضرب عنقه، فجاء إلى جعفر، فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن آتيه برأسك. فقال: يا أبا هاشم، لعل أمير المؤمنين سكران، فإذا صحا عاتبك على ذلك، فعاوده. فرجع إليه، فقال: يا أمير المؤمنين، لعلك مشغول. فقال: ويحك يا ماصَّ بظر أمه، إيتني برأسه. فكرر عليه جعفر المعاودة، فقال له: برئت من المهدي لئن لم تأتني برأسه لأبعثن من يأتيني برأسك ورأسه. فرجع إلى جعفر، وحز رأسه، وجاء به إلى الرشيد، فألقاه بين يديه. وأرسل الرشيد من ليلته البرد في الاحتياط على البرامكة جميعهم ببغداد وغيرها، ومن كان منهم بسبيل، فأخذوا كلهم عن آخرهم، فلم يفلت منهم أحد، وحبس يحيى بن خالد في منزله، وحُبس الفضل بن يحيى في منزل آخر، وأخذ جميع ما كانوا يملكونه من الأموال والموالي والحشم والخدم، واحتيط على أملاكهم. وبعث الرشيد برأس جعفر وجثته، ثم قطعت شقين، فنصب الرأس عند الجسر الأعلى، وشق الجثة عند الجسر الأسفل، وشقها الآخر عند الجسر الآخر، ثم أحرقت بعد ذلك. ونودي في بغداد: أن لا أمان للبرامكة، ولا لمن والاهم إلا محمد بن يحيى بن خالد، فإنه استثناه من بين البرامكة، لنصيحة الخليفة، وشحنت السجون بالبرامكة، واستلبت أموالهم كلها. وقد كان الرشيد في اليوم الذي قتل في آخره جعفر، هو وإياه راكبين في الصيد، وقد خلا به دون ولاة العهود، وطيبة في ذلك اليوم، ولما كان وقت المغرب، وودعه الرشيد، ضمه إليه، وقال: لولا أن الليلة ليلة خلوتي بالنساء ما فارقتك، فاذهب إلى منزلك، فاشرب، واطرب لتكون على مثل حالي. فقال: والله يا أمير المؤمنين لا أشتهي ذلك إلا معك. فانصرف عنه جعفر، فما هو إلا أن ذهب من الليل بعضه حتى أوقع به الباس والنكال، كما تقدم ذكره، وكان ذلك ليلة السبت، آخر ليلة من المحرم، وقيل: إنها كانت ليلة مستهل صفر، سنة سبع وثمانين، وكان عمر جعفر إذ ذاك سبعاً وثلاثين سنة. ولما جاء الخبر إلى أبيه يحيى بقتله قال: قتل الله ابنه. ولما قيل له: خربت دارك. قال: خرب الله دوره. ويقال: إنه لما نظر إلى داره وقد هتكت ستورها، واستبيحت قصورها، وانتهب ما فيها، قال: هكذا تقوم الساعة. وقد كتب إليه بعض أصحابه يُعزيه فيما وقع، فكتب جواب التعزية: أنا بقضاء الله راض، وبالجزاء منه عالم، ولا يُؤاخذ الله العباد إلا بذنوبهم، وما الله بظلام للعبيد، وما يغفر الله أكثر، ولله الحمد. ولقد أكثر الشعراء المراثي في البرامكة، فمن ذلك قول الرقاشي، ويذكر أنه لأبي نواس: الآن اسْتَرَحْنَا واسْتراحَتْ رِكابُنَا ... وأمْسَكَ مَن يَحْدِي ومن كان يَحْتَدِي فقُلْ للمَطايا قد أَمِنْتَ مِن السُّرَى ... وطَيِّ الفَيَافِي فَدْفَداً بعدَ فَدْفَدِ وقُلْ للمَنايا قد ظَفَرْتِ بجعفرٍ ... ولن تَظْفَرِي من بعده بمُسَوَّدِ وقُلْ للعَطَايا بعدَ فَضْلٍ تَعَطَّلِي ... وقُلْ لِلرَّزايا كلَّ يومٍ تَجَدَّدِي ودُونك سَيْفاً بَرْمَكِياً مُهَنَّدا ... أُصيبَ بسيفٍ هاشِميٍّ مُهَنَّدِ وقال الرقاشي، وقد نظر إلى جعفر وهو مصلوب على جذعه: أما واللهِ لولا خوف واشٍ ... وعَيْنٍ للخليفةِ لا تَنامُ لَطُفْنا حَوْلَ جِذْعِكَ واسْتَلَمْنَا ... كما للناسِ بالحَجْرِ اسْتِلامُ فما ابْصَرْتُ قَبْلَك يا ابنَ يحيى ... حُساماً فلَهُ السيفُ الحُسامُ عَلى اللَّذاتِ والدنيا جميعاً ... لِدَوْلَةِ آلِ بَرْمَكٍ السَّلامُ فاستدعى به الرشيد، وقال له: ويحك، ما حملك على ما فعلت؟ قال: تحركت نعمته بقلبي فلم أصبر. قال: كم كان يُعطيك جعفر كل عام؟ قال: ألف دينار. فأمر له بألفي دينار.

وروى الزبير بن بكار، عن عمه مصعب بن الزبير، قال: لما قتل جعفر بن يحيى، وقفت امرأةٌ على حمار فاره، فقالت بلسان فصيح: والله لئن صرتَ اليوم آيةً، فلقد كنت في الكرم غايةً، ثم أنشأت تقول: ولمَّا رأيتُ السيفَ خالَطَ جعفراً ... ونادَى مُنادٍ للخليفةِ في يحيى بَكَيْتُ على الدنيا وأيْقَنْتُ أنَّما ... قُصارى الفتى يوماً مُفارَقةُ الدُنيا وما هي إلا دولةٌ بعدَ دولةٍ ... تُخَوِّلُ ذا نَعْمى وتَعْقِبُ ذا بَلْوَى إذا أَنْزَلَتْ هذا منازِلَ رِفْعَةٍ ... مِن المُلْكِ حطَّتْ ذا إلى الغايةِ القُصْوى قال: ثم حركت حمارها، فكأنها كانت ريحاً، لا أثر لها، ولا يُعرف أين ذهبت. وقيل: إن الأبيات هذه للعباس بن الأحنف. وروى الخطيبُ أن أبا يزيد الرياحي، قال: كنت قائماً عند خشبة جعفر بن يحيى البرمكي أتفكر في زوال ملكه، وحاله التي صار إليها، إذا أقبلت امرأة راكبة لها رواءٌ وهيبة، فوقفت على جعفر، فبكت وأحرقت، وتكلمت فأبلغت، فقالت: أما والله لئن أصبحت للناس آية، لقد بلغت فيهم الغاية، ولئن زال ملكك، وخانك دهرك، ولم يطل به عُمرك، لقد كنت المغبوط حالاً، الناعم بالاً، يحسن بك الملك، وينفس بك الهلك، " ولئن صرت " إلى حالتك هذه، فلقد كنت الملك بحقه، في جلالته ونطقه، فاستعظم الناس فقدك، إذ لم يستخلفوا ملكاً بعدك، فنسأل الله الصبر على عظم المصيبة، وجليل الرزية، التي لا تستعاض بغيرك، والسلام عليك وداع غير قال، ولا ناس لذكرك. ثم أنشأت تقول: العَيْشُ بعدَك مُرٌ غيرُ مَحْبُوبِ ... ومُدْ صُلِبْتَ وَمَقْتاً كلَّ مَصْلُوبِ أَرْجُو لك اللهَ ذا الإحسانِ إن له ... فَضْلاً علينا وعَفْواً غيرَ مَحْسُوبِ ثم سكتت ساعة وتأملته، ثم أنشأت تقول: عليكَ من الأحِبَةِ كلَّ يومٍ ... سلامُ الله ما ذُكرَ السَّلامُ لَئِنْ أَمْسَى صَدَاكَ بِرَاْيِ عَيْنٍ ... على خُشُبٍ حَباكَ بها الإمامُ فمِن مُلْكٍ إلى مُلْكٍ بِرَغْمٍ ... من الأملاكِ أسْلَمَكَ الهُمَامُ وروى الخطيب، أن أبا قابوس النصراني، قال: دخلت على جعفر بن يحيى البرمكي في يوم، فأصابني البرد، فقال: يا غلام، اطرح عليه كساء من أكسية النصارى، فطرح عليه كساء خز قيمته ألف دينار، قال: فانصرفت إلى منزلي، فأردت أن ألبسه في يوم عيد، فلم أصب له في منزلي ثوباً يشاكله، فقالت لي بنية لي: اكتب إلى الذي وهبه لك حتى يرسل إليك بما يشاكله من الثياب، فكتبت إليه هذه الأبيات: أبا الفضل لو أَبْصَرْتَنا يومَ عِيدِنَا ... رأيتَ مباهاةً لنا في الكنائسِ فَلَوْ كان ذاك المِطْرَفُ الخَزُّجُبَّةً ... لبَاهَيْتُ أَصْحابِي به في المجالسِ فلا بُدَّ لي من جُبَّةٍ من جبابِكُمْ ... ومن طَيْلَسانٍ من جِيادِ الطيالِسِ ومن ثَوْبِ قُوهِيٍّ وثوبِ عَلائِمٍ ... ولا بَاْسَ إن أَتْبَعْتَ ذاك بخامسِ إذا تمَّتِ الأَثْوابُ في العِيدِ خَمْسَةً ... كَفَتْكَ فلم تَحْتَجْ إلى لبس سادسِ لَعَمْرُك ما أفرَطْتُ فيما سألته ... وما كنتُ لو لأَفْرَطْتُ فيه بآيسِ وذاك لأن الشِّعْرَ يَزْدادُ جِدَّةً ... إذا ما ألْبِلَى أَبْلَى جَدِيدَ المَلابِسِ قال: فبعث إليه حين قرأش عره بتخوت خمسة، من كل نوع تختاً، قال: فوالله ما انقضت الأيامُ حتى قتل جعفر وصلب، فرأينا أبا قابوس قائماً تحت جذعه يزمزم، فأخذه صاحبُ الخبر، فأدخله على الرشيد، فقال له: ما كنت قائلاً تحت جذع جعفر؟ قال: فقال أبو قابوس: أيُنجيني منك الصدق؟ قال: نعم. قال: ترحمت والله عليه، وقلت في ذلك: أمينَ الله هَب فضلَ بنَ يحيى ... لِنَفْسِكَ أيُّها المَلِكُ الهُمامُ وما طَلَبي إليك العَفْوَ عنه ... وقد قَعَدَ الوُشاةُ به وقامُوا أرى سببَ الرِّضا فيه قَوِيًّا ... علَى اللهِ الزِّيادةُ والتَّمامُ

نَذَرْتُ عَلى فيه صِيَامَ حَوْلٍ ... فإن وَجَب الرِّضا وجبَ الصِّيامُ وهذا جعفرٌ بالجِسْرِ تَمْحُو ... مَحاسِنَ وجهِهِ ريحٌ قَتَامُ أقول له وقُمْتُ لَدَيْه نَصاً ... إلى أن كاد يَفْضَحُنِي القِيامُ أما والله لولا خوفُ واشِ ... وعينٍ للخليفةِ لا تَنامُ لَطُفْنَا حَوْلَ جِذْعِك واسْتَلَمْنا ... كما لِلْناسِ بالحَجَرِ اسْتِلامُ قال: فأطرق هارون ملياً، ثم قال: رجل أولي جميلاً، فقال فيه جميلاً، يا غلام، نادِ بأمان أبي قابوس، وأن لا يُتعرض له. ثم قال لحاجبه: إياك أن تحجبه عني، صرمتي شئت إلينا في مهمك. وروى ابن عساكر بسنده، من طريق الدارقطني، أنه لما أصيب جعفر، وجدوا له في جرة ألف دينار، زنة كل دينار مائة دينار، مكتوب على صفحة الدينار الواحدة جعفر، ومكتوب على الصفحة الأخرى هذان البيتان: وأَصْفَر مِن ضَرْبِ دارِ المُلوكِ ... يَلُوحُ على وجهه جعفرُ يَزيدُ علَى مائةٍ واحداً ... متى يُعْطَه مُعْسِرٌ يُوسِرُ وروى الخطيب أن جعفراً أمر أن تُضرب له دنانير في كل دينار ثلاثمائة مثقال، ويضرب عليها صورة وجهه، فضربت، فبلع أبا العتاهية، فأخذ طبقاً فوضع عليه بعض الألطاف، فوجه به إلى جعفر، وكتب إليه رُقعة، في آخرها: وأَصْفَر من ضَرْبِ دارِ المُلوكِ ... يلُوحُ على وجهه جعفرُ ثلاث مئِينَ يُرى وَزْنُه ... متى يَلْقَه مُعْسِرٌ يُوسِرُ فأمر بقبض ما على الطبق، وصير عليه ديناراً من تلك الدنانير، ورده إليه. وعن ثمامة بن أشرس، قال: بت ليلة مع جعفر بن يحيى بن خالد، فانتبه من منامه يبكي مذعوراً، فقلت: ما شأنك؟ قال: رأيت شيخاً جاء فأخذ بعضادتي هذا الباب، وقال: كأن لَمْ يَكُنْ بينَ الْحَجُونِ إلى الصَّفَا ... أنيسٌ ولم يَسْتَمِرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ قال: فأجبته: بَلَى نحن كُنا أهلها فأبادَنا ... صُرُوفُ اللَّيالي والجُدُودُ العَواثِرُ قال ثمامة: فلما كان الليلة المُقبلة، قتله الرشيد، ونصب رأسه على الجسر. قال: ثم خرج الرشيدُ في بعض الأيام ينظرُ إليه وهو مصلوب، فأنشأ يقول: تَقَاضاكَ دَهْرُك ما أَسْلَفا ... وكَدَّرَ عَيْشَك بعدَ الصَّفا فلا تَعْجَبَنَّ فإنَّ الزَّمانَ ... رَهِينٌ بتَفْريقِ ما ألَّفَا قال: فنظرتُ إلى جعفر، فقلتُ: أما لَئن أصبحت آية، فلقد كنت في الخير غاية. قال: فنظر الرشيدُ كأنه جملٌ يصولُ، ثم أنشأ يقول: ما يَعْجِبُ العالَمَ من جعفرٍ ... ما عايَنُوه فبِنَا كانَا من جعفرٌ أو من أبُوه ومَنْ ... كانتْ بنو بَرْمَكَ لَوْلانَا ثم حول وجه فرسه، وانصرف. وعن محمدبن عبد الرحمن الهاشمي صاحب صلاة الكوفة، قال: دخلتُ على أمي في يوم أضحى، وعندها امرأة برزةٌ: في أثواب دنسة رثة، فقالت لي: تعرف هذه؟ قلت: لا. قالت: هذه عبادة أم جعفر بن يحيى. فسلمت عليها، ورحبت بها، وقلت لها: يا فلانة، حدثيني ببعض أمركم. قالت: أذكر لكم جملة كافية لمن اعتبر، وموعظة لمن فكر، لقد هجم علي مثل هذا العيد، وعلى رأسي أربعمائة وصيفة، وأنا أزعم أن جعفراً ابني عاق لي، ولقد أتيتكم هذا اليوم والذي يقنعني جلداً شاتين، أجعل أحدهما شعاراً، والآخر دثاراً. ولنختم أخبار البرامكة بحكاية عجيبة، وقصة غريبة، لا يسمع في باب المكارم مثلها، ولا في أخبار الوفاء بأعجب منها. ذكر أبو الفرج ابن الجوزي، في كتابه " المنتظم "، أن المأمون بلغه أن رجلاً يأتي في كل يوم إلى قبور البرامكة، فيبكي عليهم، ويندبهم، فبعث من جاءه به، فدخل عليه وقد يئس من الحياة، فقال له: ويحك، ما حملك على صنيعك هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنهم أسدوا إلي معروفاً، وخيراً كثيراً، ولي خبر يطول. فقال: قل.

617 - جعفر الزين العجمي

قال: أنا المنذر بن المغيرة، من أهل دمشق، كنت في نعمة عظيمة، فزالت عني، وأفضى بي الحال إلى أن بعت داري، ولم يبق لي شيء، فأشار بعض أصحابي علي بقصد البرامكة، فأتيت إلى بغداد ومعي نيف وعشرون امرأة، فأنزلتهن في مسجد، وقصدتُ مسجد الجامع، فدخلتُ، فإذا فيه جماعة لم أر أحسن منهم، فجلست إليهم، فجعلت أراود نفسي في طلب قوت منهم لعيالي، فيمنعني من ذلك ذل السوال، فبينا أنا كذلك، إذا بخادم قد أقبل فاستدعاهم، فقاموا كلهم وقمت معهم، فدخلوا داراً عظيمة، فإذا الوزير يحيى بن خالد، فجلسوا حوله، وعُقد عقد ابنته عائشة على ابن عم له، ونثروا علينا سحيق المسك، وبنادق العنبر، ثم جاءت الخدم إلى كل واحد من الجماعة بصينية من فضة، فيها ألف دينار، ومعها فتات المسك، فأخذها القوم ونهضوا، وبقيت الصينية التي وضعوها بين يدي، وأنا أهابُ أن آخذها من عظمتها عندي، فقال لي بعض الحاضرين: ألا تأخذ وتقوم. فمددت يدي فأخذتها، وأفرغتها في جيبي، وأخذت الصينية يحت إبطي. وقمت وأنا خائف أن تؤخذ مني، فجعلت التفت والوزير ينظرني ولا أشعر، فلما بلغت الستارة أمر بي فردوني، فيئست من المال، فلما رجعت قال لي: ما شأنك؟ فقصصت عليه خبري، وخبر عيالي، فبكى وقال لأولاده: خذوا هذا فضموه إليكم. فجاءني خادم، فأخذ مني الذهب والصينية، وأقمت عندهم عشرة أيام، من ولد إلى ولد، وخاطري كله عند عيالي ولا يمكنني الإنصراف. فلما انقضت العشرة، قال لي الخادم: ألا تذهب إلى أهلك، فقلت: بلى والله. فقام يمشي أمامي ولم يعطني الذهب، فقلت في نفسي: يا ليت هذا كان من قبل. فسار أمامي إلى دار لم أر أحسن منها، فإذا فيها عيالي يتمرغون في الذهب والحرير، وقد وصل إليهم مائة ألف درهم وعشرة آلاف دينار، وكتاب فيه تمليك الدار بما فيها، وتمليك قريتين جليلتين، فكنت مع البرامكة في أطيب عيش، فلما أصيبوا أخذ مني عمرو بن سعيد القريتين، والزمني بخراجهما، فكلما لحقني فاقة قصدت دورهم وقُبورهم، فبكيت عليهم. فأمر المأمون برد القريتين عليه وخراجهما، فبكى الشيخ بكاء شديداً، فقال له المأمون، ألم أستأنف بك جميلاً. قال: بلى، ولكن هو من البرامكة. فقال: امض مصاحباً للسلامة، فإن الوفاء مبارك، " وحفظ العهد " من الإيمان. والله تعالى أعلم. 617 - جعفر الزين العجمي نزيل المؤيدية. ممن قرأ عليه الشيخ زكريا قاضي القضاة، قرأ عليه " شرح الشمسية "، وغالب " حاشيتها " للسيد، وكذا أخذ عنه الحكمة، ووصفه بالفضل والديانة. كذا نقله السخاوي، في " الضوء اللامع ". 618 - الجُنيد بن محمد بن المظفر، الفقيه، الطايكاني، الغرنوي أبو القاسم بن أبي بكر الخبازي من أهل سرخس، سمع بنيسابور أبا بكر بن عبد الغفار الشيروي، وبسرخس ناصر بن محمد العياضي. قال أبو سعد: ورد بغداد حاجاً على كبر السن، وسمع بها من أبي السعادات أحمد بن محمد بن عبد الواحد المتوكلي، وسمع منه أبو سعد السرخسي. قال القفطي، في " تاريخ النحاة ": له معرفة بالحديث واللغة. وقال أبو سعد: تُوفي، رحمه الله تعالى، في شهر ربيع الآخر، سنة أربعين وخمسمائة. زاد القفطي: بسرخس. والله تعالى أعلم. 619 - جنين بن الشيخ سيدر الحنفي، العلامة، زين الدين له شرح على " الوقاية "، سماه " توفيق العناية "، في مجلد ضخم، قال الشيخ شمس الدين الخطيب المصري: وقد وقفت عليه، وهو متأخر. كذا ذكره ابن طولون في " طبقاته " من غير زيادة إيضاح. 620 - جلال الدين الرومي أحد فضلاء الروم، وأحد قُضاتها. قرأ على ابن الحاج حسن، وغيره، ثم صار مدرساً ببعض المدارس، وقاضياً ببعض النواحي. وكان محمود السيرة، مرضي الطريقة. توفي سنة أربع وثمانين وتسعمائة، تغمده الله تعالى برحمته " ورضوانه، آمين ". آخر الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث، وأوله: حرف الحاء والحمد لله حقَّ حَمْدِهِ حرف الحاء باب من اسمه حاتم وحامد 621 - حاتم بن إسماعيل قال الواقدي: كتبت كتب أبي حنيفة عن حاتم بن إسماعيل، عنه. 622 - حاتم بن علوان بن يوسف أبو عبد الرحمن، وقيل أبو محمد، الزاهد الأصم

أحد أتباع الإمام الأعظم، وأحد أعلام الأئمة، وصلحاء هذه الأمة، كان مشهوراً بالزهد والتقلل، معروفاً بالورع والتقشف، وله كلام مدون في الزهد والحكم، وأسند الحديق عن شقيق بن إبراهيم البلخي، وغيره. وصحب عصام بن يوسف البلخي الإمام، وكان بينهما مباحث ومناظرات، وأهدى إليه عصام مرة شيئاً فقبله، فقيل له: لم قبلته؟ فقال: وجدت في أخذه ذلي وعزه، وفي ردي عزي وذله، فاخترت عزه على عزي، وذلي على ذله. وقدم حاتم مدينة بغداد في أيام أبي عبد الله أحمد ابن حنبل، واجتمع معه. حكى عنه أبو عبد الله الخواص، وكان من علية أصحابه، قال: لما دخل حاتم بغداد، اجتمع إليه أهلها، فقالوا له: يا أبا عبد الرحمن، أنت رجل عجمي، ليس يكلمك أحدُ إلا قطعته، لأي معنى؟؟!! فقال حاتم: معي ثلاث خِصال بها أظهر على خصمي. فقالوا: أي شيءٍ هي؟ قال: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن له إذا ما أخطأ، وأحفظ نفسي لا تتجاهل عليه. فبلغ ذلك أحمد بن حنبل، فقال: سبحان الله، ما أعقله من رجل. وحدث أبو جعفر الهروي، قال: كنت مع حاتم أراد الحج، فلما وصل إلى بغداد، قال لي: يا أبا جعفر، أحب أن ألقي أحمد ابن حنبل. فسألنا عن منزله، ومضينا إليه، فطرقت عليه الباب، فلما خرج قلت: يا أبا عبد الله، أخوك حاتم. قال: فسلم عليه، ورحب به، وقال بعد بشاشةٍ به: أخبرني يا حاتم، فيم التخلص من الناس؟ قال: يا أحمد، في ثلاث خصال. قال: وما هي؟ قال: أن تعطيهم مالك ولا تأخذ من مالهم شيئا، وتقضي حقوقهم ولا تستقضي أحداً منهم حقا لك، وتحتمل مكروهم ولا تكره أحداً منهم على شيء. قال: فأطرق أحمد ينكت بأصبعه على الأرض، ثم رفع رأسه. وقال: يا حاتم: إنها لشديدة. فقال له حاتم: وليتك تسلم، وليتك تسلم، وليتك تسلم. وروى الخطيب بسنده إلى الحسن بن علي العابد، أنه قال: سمعت حاتماً الأصم، وقد سأله سائل: على أي شيءٍ بنيت أمرك؟ فقال: على أربع خصال، على أن لا أخرج من الدنيا حتى أستكمل رزقي، وعلى أن رزقي لا يأكله غيري، وعلى أن أجلي لا أدري متى هو، وعلى أني لا أغيب عن الله تعالى طرفة عين. قال: وسمعت حاتماً يقول: لة أن صاحب خبر يجلس إليك ليكتب كلامك لا حترزت منه، وكلامك يعرض على الله فلا تحترز. وقال له رجل: بلغني أنك تجوز المفاوز من غير زاد. فقال حاتم: بل أجوزها بالزاد، وإنما زادي فيها أربعة أشياء. قال: وما هي؟ قال: أرى الدنيا كلها ملكاً لله، وأرى الخلق كلهم عباد الله وعياله، وأرى الأسباب والأرزاق كلها بيد الله، وأرى قضاء الله نافذاً في كل أرض. فقال له الرجل: نعم الزاد زادك يا حاتم، أنت تجوز به مفاوز الآخرة، فكيف مفاوز الدنيا!! وقال، رضي الله عنه: خرجت في سفر ومعي زاد، فنفد زادي في وسط البرية، فكان قلبي في البرية والحضر واحداً. وذكر عن حاتم أنه قال: لقينا الترك مرة، وكان بيننا جولة، فرماني تركي بوهق فأقلبني عن فرسي، ونزل عن دابته، وقعد على صدري، وأخذ بلحيتي هذه الوافرة، وأخرج من خفه سكيناً ليذبحني بها، فوحق سيدي ما كان قلبي عنده ولا عند سكينه، إنما كان قلبي عند سيدي، أنظر ماذا ينزل به القضاء منه، فقلت: سيدي قضيت على أن يذبحني هذا فعلى الرأس والعين، إنما أنا لك وملكك، فبينا أنا أخاطب سيدي وهو قاعد على صدري، آخذ بلحيتي ليذبحني، إذ رماه بعض المسلمين بسهم فما أخطأ حلقه، فسقط عني، فقمت أنا إليه، فأخذت السكين من يده فذبحته، فما هو إلا أن تكون قلوبكم عند السيد حتى تروا من عجائب لطفه ما لا ترون من الآباء والأمهات. وروى أن رجلاً جاء إليه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، أي شيءٍ رأس الزهد، ووسط الزهد، وآخر الزهد؟ فقال: رأس الزهد الثقة بالله، ووسطه الصبر، وآخره الإخلاص. وكان أبو بكر الوراق، يقول: حاتم الأصم لقمان هذه الأمة. والسبب في تسميته بالأصم أن امرأة جاءت إليه تسأله عن مسألة، فاتفق أنه خرج منها في تلك الحالة صوت، فخجلت، فقال حاتم: ارفعي صوتك. وأراها من نفسه أنه أصم، فسرت المرأة بذلك، وقالت: إنه لم يسمع الصوت. فغلب عليه أسم الأصم. ومحاسن حاتم وفضائله تجل عن الإحصاء، وتتجاوز حد الضبط، وفيما ذكرناه أدل دليل على علو شأنه، وحسن اعتقاده، وخلوص إيمانه.

وكانت وفاته بواشجرد، عند رباط يقال له: سروند، على جبل فوق واشجرد، سنة سبع وثلاثين ومائتين. وله ولد يقال له: حسن، وقيل: يقال له خشكدا، والله تعالى أعلم. وقد ذكر لحاتم الأصم هذا صاحب " مناقب الأبرار، ومحاسن الأخيار " ترجمة واسعة، ضمنها شيئاً كثيراً من زهدياته وحكمياته، لا بأس بإيرادها، أو إيراد خلاصتها، فإن غالبه ينبغي أن يكتب بماء الذهب على صفحات الخدود. قال حاتم: من دخل في مذهبنا هذا فليجعل في نفسه أربع خصال من الموت، موت أبيض، وموت أسود، وموت أحمر، وموت أخضر؛ فالموت الأبيض الجوع، والأسود الاحتمال لأذى الناس، والأحمر مخالفة النفس، والأخضر طرح الرقاع بعضها على بعض. وقال: العجلة من الشيطان إلا في خمس: إطعام الطعام إذا حضر ضيف، وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا بلغت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا أذنب. وقال: من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله تعالى؛ أولها الثقة بالله تعالى، ثم التوكل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة، والأشياء كلها تتم بالمعرفة، فالواثق برزقه لا يفرح بالغنى، ولا يهتم بالفقر، ولا يبالي أصبح في عسر أو يسر. وقال: أصل الطاعة ثلاثة أشياء: الخوف، والرجاء، والحب. وأصل المعصية ثلاثة أشياء: الكبر، والحرض، والحسد. فما يأخذه المنافق من الدنيا يأخذه بالحرص، ويمنعه بالشك، وينفقه بالرياء، والمؤمن يأخذ الخوف، ويمسك بالشدة، وينفق في الطاعة، خالصاً لله تعالى. وقال: اطلب نفسك في أربعة أشياء: العمل الصالح بغير رياء، والأخذ بغير طمع، والعطاء بغير منة، والإمساك بغير بخل. وقال: ما من صباح إلا والشيطان يقول لي: ما تأكل، وما تلبس، وأين تسكن؟ فأقول: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر. وقال له رجل: ما تشتهي؟ فقال: اشتهي عافية يوم إلى الليل. فقيل له: أليست الأيام كلها عافية؟ فقال: إن عافية يومي أن لا أعصي الله تعالى فيه. وقال: أربعةٌ يندمون على أربع: المقصر إذا فاته العمل، والمنقطع عن أصدقائه إذا نابته نائبة، والممكن منه عدوه بسوء رأيه، والجريء على الذنوب. وقال: الزم خدمة مولاك تأتك الدنيا راغمة، والجنة عاشقة، وتعهد نفسك في ثلاثة مواضع: إذا عملت فأذكر نظر الله تعالى إليك، وإذا تكلمت فاذكر سمع الله تعالى إياك، وإذا سكت فاذكر علم الله تعالى فيك. وقال له رجل: عظني. فقال: إن كنت تريد أن تعصي مولاك فاعصه في موضع لا يراك. يعني أن الله تعالى يعلم السر والجهر، ولا يخفى عليه شيءٌ، ومن علم أن أفعاله وأقواله لا تخفى على الله تعالى، وأن الله مطلع عليه، وناظر إليه، يقبح منه العصيان، واتباع الشيطان، ويكون ذا جرأة على الله تعالى، وقليل الحياء منه، نعوذ بالله من ذلك. وقال: من ادعى ثلاثاً بغير ثلاث فهو كذاب: من ادعى حب الله تعالى من غير ورع، عم محارمه فهو كذاب، ومن ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله في طاعة الله تعالى فهو كذاب، ومن ادعى حُب النبي صلى الله عليه وسلم من غير محبة الفقراء فهو كذاب. وروى أن عصام بن يوسف مر بحاتم الأصم، وهو يتكلم في مجلسه، فقال له: يا حاتم، تُحسن تصلي؟ قال: نعم. قال: كيف تُصلي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر، وأقف بالخشية، وأدخل بالنية، وأكير بالترتيل، وأركع وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بالوقار والسنة، وأسلمها إلى الله تعالى بالإخلاص، وأرجع إلى نفسي بالخوف أن لا يقبلها مني، وأحفظ بالجهد إلى الموت. فقال له: تكلم، فأنت تحسن تصلي. وروي أن شقيقا البلخي قال لحاتم الأصم: ما الذي تعلمت مني منذ صحبتني؟ قال: ستة أشياء: الأول، رأيت الناس كلهم في شك من أمر الرزق، فتوكلت على الله تعالى، لقوله تعالى: (ومَاَ مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إلا على اللهِ رِزْقُهَل) فعلمت أني من جملة الدواب فلم أشغل نفسي بشيءٍ قد تكفل لي به ربي. قال: أحسنت. والثاني، رأيت أن لكل إنسان صديقاً يفئ إليه بسره، ويشكو إليه امره، فاتخذت لي صديقاً يكون لي بعد الموت، وهو فعل الخير، فصادقته ليكون عوناً لي عند الحساب، ويجوز معي على الصراط، ويثبتني بين يدي الله تعالى. قال: أحسنت.

والثالث، رأيت لكل أحدٍ من الناس عدوا، فقلت: أنظر من عدوي، فرأيت من اغتابني أو أخذ من مالي أو ظلمني فليس عدوي، ولكن عدوي إذا كنت في طاعة الله تعالى أمرني بمعصيته، فرأيت أن ذلك إبليس اللعين وجنوده، فاتخذتهم أعْداء، ووضعت الحرب بيني وبينهم، ووترت قوسي، وفوقت سهمي، ولا أدع أحداً منهم يقربني. قال: أحسنت. والرابع، رأيت كل واحدٍ من الناس له طالب، فرأيت أن ذلك الطالب ملك الموت، ففرغت نفسي له، حتى إذا جاء بادرت معه بلا علاقة. قال: أحسنت. والخامس، نظرت في الخلق، فأحببت واحداً وأبغضت واحداً، فالذي أحببته لم يعطيني شيئاً، والذي أبغضته لم يأخذ مني شيئاً، فقلت: من أين أتيت؟ فنظرت، فإذا هو الحسد، فنفيته عني، وأحببت الناس كلهم، فكل شيءٍ لم أرضه لنفسي لم أرضه لهم. قال: أحسنت. والسادس، رأيت كل واحد من الناس له بيت يسكنه ويأوي إليه، فرأيت مسكني القبر، فكل شيءٍ قدرت عليه من الخير قدمته لنفسي، حتى أعمر قبري، فإن القبر إذا كان خراباً لا يمكن المقام فيه. فقال له شقيق: يكفيك، ولست بمحتاج إلى غيره. وقال: الزاهد يُذيب كيسه قبل نفسه، والمتزهد يذيب نفسه قبل كيسه، ولكل شيءٍ زينةٌ، وزينة العبادة الخوف، وعلامة الخوف قصر الأمل. وقال، رحمه الله تعالى، ما ينبغي أن يكتب بماء الذهب، وهو: لا تغتر بموضع صالح، فلا مكان أصلح من الجنة، لقي فيها آدم عليه الصلاة والسلام ما لقي، ولا تغتر بكثرة العبادة، فإن إبليس بعد طول تعبده لقي ما لقي، ولا تغتر بكثرة العلم؛ فإن بلعام كان يحسن اسم الله الأعظم، فانظر ما لقي، ولا تغتر بروية الصالحين، فلا شخص أكبر ولا أصلح من المصطفى صلى الله عليه وسلم، لم تنتفع بلقائه أقاربه وصاروا أعداءه. وعن أبي عبد الله الخواص، قال: دخلت مع أبي عبد الرحمن حاتم الأصم إلى الري، ومعه ثلاثمائة وعشرون رجلاً يريدون الحج، وعليهم الصوف والرزمانقات، وليس فيهم من معه طعام ولا جِراب، فنزلنا على رجل من التجار متنسك يحب الصالحين، فأضافنا تلك الليلة، فلما كان من الغد، قال لحاتم: يا أبا عبد الرحمن، ألك حاجة، فإني أريد أن أعود فقيهاً لنا وهو مريض؟ فقال حاتم: إن كان لكم فقيهٌ عليل، فعيادة الفقيه فيها فضل كثير، والنظر إلى الفقيه عبادة، وأنا أيضاً أجئ معك. وكان المريض محمد بن مقاتل، قاضي الري، فقال: مر بنا يا أبا عبد الرحمن. فجاءوا إلى باب داره، فإذا البواب كأنه أمير مسلط، فبقي حاتم متفكراً يقول: باب دار عالم على هذه الحال!! ثم أذن لهم فدخلوا، وإذا بدارٍ قوراء، وآلهٍ حسنة، وبزة وفرش وستور، فبقي حاتم متفكراً ينظر حتى دخلوا إلى المجلس الذي فيه محمد بن مقاتل، وإذا بفراش حسن وطئٍ ممهد، وهو راقد عليه، وعند رأسه خدمه، والناس وقوف. فقعد الرازي وسأل عن حاله، وبقي حاتم قائماً، وأومأ إليه محمد بن مقاتل بيده: اجلس. فقال حات: لا أجلس. فقال له محمد بن مقاتل: فلك حاجة؟ فقال: نعم. فقال: وما هي؟ قال: مسألة أسألك عنها. قال: سلني. قال حاتم: قم فاستو جالساً حتى أسألك عنها. فأمرر غلمانه فأسندوه. فقال له حاتم: علمك هذا من أين جئت به؟ فقال: حدثني به الثقات. قال: عن من؟ قال: عن الثقات من الأئمة. قال: عن من أخذوه؟ فقال: عن التابعين. قال: والتابعون عن من أخذوه؟ فقال: عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن من أخذوه؟ قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم عن من أخذه؟ قال: عن جبريل عليه الصلاة والسلام، عن الله عز وجل. فقال له حاتم: ففيما أداه جبريل عن الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأداه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه رضي الله عنهم، وأداه أصحابه إلى تابعيهم، وأداه التابعون إلى الأئمة، وأداه الأئمة إلى الثقات، وأداه الثقات إليك، هل سمعت أن من كانت داره في الدنيا أحسن، وفراشه أجمل، وزينته أكثر، كانت له المنزلة عند الله تعالى أعظم؟ فقال: لا. قال: فكيف سمعت؟ قال: سمعت من زهد في الدنيا، ورغب في الآخرة، وأحب المساكين، وقدم لآخرته، كان عند الله تعالى له المنزلة أكثر، وإليه أقرب.

قال حاتم: فأنت بمن اقتديت، بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بأصحابه، أو بالتابعين من بعدهم، والصالحين على أثرهم، أو بفرعون ونمرود، أول من بنى بالجص والآجر؟ يا علماء السوء مثلكم إذا رآه الجاهل المتكالب على الدنيا، الراغب فيها يقول: إذا كان هذا العالم على هذه الحالة لا أكون أنا شراً منه. قال: ثم خرج من عنده، وازداد محمد بن مقاتل مرضاً على مرضه من كلامه. وبلغ أهل الري ما جري بين حاتم وبين أبي مقاتل، فقالوا لحاتم: يا أبا عبد الرحمن، إن محمد بن عبيد الطنافسي بقزوين، أكبر سناً من هذا، وهو غريق في الدنيا. قال: فصار حاتم إليه متعمداً، ودخل عليه، وعنده الخلق مجتمعون يحدثهم، فقال له حاتم: رحمك الله، أنا رجل عجمي، جئتك لتعلمني مبتدأ ديني، ومفتاح صلاتي، كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال: نعم وكرامة، يا غلام، إناءً فيه ماء. فجاءه بالإناء، وقعد محمد بن عبيد يتوضأ ثلاثاً، ثم قال له: هكذا فاصنع. قال حاتم: مكانك، رحمك الله، حتى أتوضأ بين يديك، ليكون آكد لما أريد. فقام الطنافسي، وقعد حاتم مكانه فتوضأ، وغسل وجهه ثلاثاً، حتى إذا بلغ الذراع غسله أربعاً. فقال له الطنافسي: يا هذا، أسرفت. فقال له حاتم: فيما أسرفت؟ قال: غسلت ذراعك أربعاً. فقال له حاتم: سبحان الله تعالى، أنا أسرفت في كف من الماء، وأنت في جميع هذا الذي أراه كله لم تسرف!! فعلم الطنافسي أنه قصد منه ذلك، ولم يرد أن يتعلم منه شيئاً، فدخل إلى البيت، ولم يخرج إلى الناس أربعين يوماً. وكتب تجار الري إلى بغداد بما جرى بين حاتم وبين محمد بن مقاتل، ومحمد بن عبيد الطنافسي، ثم رحل حاتم إلى العراق، ودخل بغداد، واجتمع بعلمائها كما تقدم في أوائل الترجمة. ثم خرج إلى الحِجاز، فلما صار إلى المدينة الشريفة، أحب أن ينظر علماءها، فقال لهم: يا قوم، أي مدينة هذه؟ قالوا: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. قال: فأين قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصلي فيه ركعتين؟ قالوا: ما كان له قصر، إنما كان له بيت لاطي. قال: قصور أهله وأزواجه وأصحابه بعده؟ قالوا: ما لهم إلا بيوت لاطية. فقال حاتم: يا قوم، هذه مدينة فرعون. قال: فلببوه وذهبوا به إلى الوالي، فقالوا: هذا العجمي يقول: هذه مدينة فرعون. فقال له الوالي: لم قلت ذلك؟ فقال له حاتم: لا تعجل علي أيها الأمير، أنا رجل غريب، دخلت هذه المدينة، فسألت: أي مدينة هذه؟ فقالوا: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. فقلت: وأين قصر الرسول صلى الله عليه وسلم لأصلي فيه ركعتين؟ قالوا: ما كان له قصر، إنما كان له بيت لاطي. قلت: فقصور أهله وأزواجه وأصحابه بعده؟ قالوا: ما لهم إلا بيوت لاطية. وسمعت الله تعالى يقول: (لَقَدْ كَاَنَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أسْوةٌ حَسَنةٌ لِمَنْ كَاَنَ يَرْجُوا اللهَ واليَوْمَ الآخِرَ) ، فأنتم بمن تأسيتم؛ برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بأصحابه، أو بفرعون أول من بنى بالجص والآجر؟ فخلوا عنه، وعرفوا أنه حاتم الأصم، وعلموا قصده. وكان كلما دخل المدينة يكون له مجلس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، يحدث ويدعو، فاجتمع إليه مرة علماء المدينة، وقالوا: تعالوا نخجله في مجلسه، كما فعل بنا عند الوالي. فحضروا عنده وقد اجتمع إليه خلق كثير، فقال له واحد: يا أبا عبد الرحمن مسألة. قال: سل. قال: ما تقول في رجل يقول: اللهم ارزقني. قال حاتم: متى طلب هذا العبد الرزق من ربه عز وجل، في الوقت، أو قبل الوقت، أو بعد الوقت؟ فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، ليس نفهم عنك هذا. فقال حاتم: أنا أضرب لكم مثلاً حتى تفهموه، مثل العبد طلب الرزق من ربه تعالى قبل الوقت كمثل رجل كان له رجل دين، فطالبه به، وقعد يلازمه، فاجتمع جيرانه وقالوا له: هذا رجل معدم، لا شيء له، فأجله في هذا الحق حتى يحتال ويعطيك. فقال لهم: كم تريدون أؤجله؟ قالوا: شهراً. فتركه وانصرف، فلما كان بعد عشرة أيام جاء واقتضاه، فقام جيرانه فقالوا: سبحان الله، أجلته بين أيدينا شهراً، ثم جئت تقتضيه بعد عشرة أيام. فتركه وانصرف، فلما كان محل الشهر جاء فاقتضاه، فقال الجيران: إنما حل لك اليوم، دعه إلى بعد المحل ثلاثاً. فهذا مثل العبد الذي يطلب الرزق من ربه عز وجل.

623 - حاتم بن منصور بن إسماعيل أبو قرة الهروي

ثم قال: عندكم أثاث، ودراهم في أكياسكم، وطعامكم في بيوتكم، وأنتم تقولون: اللهم ارزقنا. فقد رزقكم. كلوا وأطعموا إخوانكم المؤمنين، حتى إذا فنى أقيموا بعده ثلاثاً، ثم سلوا ربكم عز وجل، عسى أن يموت أحدكم غداً وعنده ما يخلف على الأعداء، وهو يسأل الله أن يزيده في رزقه، ما هذه الغفلة؟ فقالوا: نستغفر الله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا بالمسألة إلا إعناتك. ثم انصرفوا عنه. هذا ما نقلناه بعد أن اخترناه من كتاب " مناقب الأبرار " لابن خميس، رحمه الله تعالى، وفيه كفاية لمن أراد الوقوف على أخبار حاتم، وأوصافه، وطريقته التي كان عليها، ولو أردنا أن نجمع من ذلك جميع ما رأيناه منقولاً عنه في كتب القوم لطالت الترجمة، وخرجنا عن المقصود، وخشينا من السامة على من يطالع الكتاب، ممن لم يذق حلاوة المحبة، ولا دخل إليها من باب. ونسأل الله الكريم، ونتوسل إليه بنبيه العظيم، وبجميع أنبيائه وسائر أوليائه، وبصاحب هذه الترجمة حاتم بن عنوان، صلى الله عليهم وسلم، وشرف وكرم، أن ترزقنا محبتهم، وتسلكنا طريقتهم، وتجمعنا بهم في مستقر رحمتك، من غير عذاب يسبق، يا أرحم الراحمين، يا مجيب السائلين، آمين. 623 - حاتم بن منصور بن إسماعيل أبو قرة الهروي قد نيسابور سنة أربع وستين وأربعمائة. شيخ مشهور من وجوه القوم، وبيته بيت مشهور، سمع الحديث من أبيه، وغيره. ويأتي أبوه في محله، إن شاء الله تعالى. 624 - حاتم بن نصر بن مالك الغجدواني الفقيه تفقه على أبي حفص الكبير، وروى عن محمد " بن محمد " بن سلام. 625 - حاتم بن أبي المظفر، أبو قرة كذا رأيته في " الجواهر " وغيرها، ولا أدري هل هو أبو قرة المتقدم، وكان أبوه منصور يكنى بأبي المظفر، فتكون الترجمتان لواحدٍ، أم لا؟ فكتب كما رأيت، وإن وجدت ما يوضح ذلك ألحقته. روى عن حاتم المذكور صاعد بن سيار، وقال أنشدني أبو قرة حاتم بن أبي المظفر الحنفي، أنشدنا والدي، أنشدنا عمي أبو نصر، رحمه الله تعالى: عَسَى وعَسَى يُثْنِي الزَّمانُ عِنَانَهُ ... بِعَثْرةٍ دَهْرِي والزَّمانُ عَثورُ فتُدْرَكَ آمال وتُحْوَي رَغائِبٌ ... ويَحْدُثَ مِن بَعْدِ الأمور أُمُورُ 226 - حاجي بابا الطوسنوي كذا ذكره في " الشقائق "، وقال: كانت له فضيلة تامة، وملازمة للاشتغال والإشغال، وانتفع به كثير من الطلبة، ومن تصانيفه " إعراب الكافية "، و " إعراب المصباح "، و " شرح قواعد الإعراب "، و " وشرح العوامل ". 627 - حاجي بن علي بن الخطاب الشهير بحاجي باشا الرومي، الإيديني الأصل صاحب كتاب " الشفاء " في الطب. كان من مشاهير الفضلاء، قرأ على الشيخ أكمل الدين بمصر، وكان من خواص تلامذته، وله إليه ميل زائد، وقرأ العلوم العقلية على العلامة مبارك شاه المنطقي، وعرض له مرض شديد، اضطره إلى الاشتغال بالطب حتى مهر فيه، وفوضت له الرئاسة بمارستان مصر، فدبره أحسن التدبير. وصنف كتاب " الشفاء " المذكور في الطب باسم الأمير عيسى بن محمد بن ايدين، وصنف فيه أيضاً مختصراً بالتركية، وسماه " التسهيل "، وصنف قبل اشتغاله بالطب " حواشي " على " شرح الطالع " للعلامة الرازي على التصورات والتصديقات، وله " شرح " على " الطوالع " أيضاً. وكان السيد يشهد له بالفضيلة التامة وكان رفيقاً له غي الاشتغال، رحمهما الله تعالى. 628 - حاجي بيرم الأنقري ولد ببعض قرى أنقرة، من بلاد الروم، وأنقرة هي التي تسمى الآن أنكورية، وبها قبر امرئ القيس. واشتغل في العلوم العقلية والنقلية، ومهر فيها، وصار مدرساً بمدينة أنقرة، ثم ترك التدريس، وصحب الشيخ الولي الصالح حامد بن موسى القيصري، وأخذ عنه طريق التصوف، وانتفع به خلق كثير. وكانت وفاته بأنقرة، ودفن بها، وقبره مشهور، مقصود الزيارة، تغمده الله برحمته. 629 - حامد بن أبي القاسم بن روزبة، أبو صابر وأبو القاسم، الأهوازي نزيل مصر، الفقيه. سمع، وحدث، وسمع منه المنذري الحافظ، وذكره في " معجم شيوخه ". وكانت وفاته في سحر يوم الرابع والعشرين، من شهر رمضان المعظم، سنة اثنتي عشرة وستمائة، بالمشهد الحاكمي، بالقرب من جامع ابن طولون، وقد علت سنه، رحمه الله تعالى.

630 - حامد بن عبد الله العجمي العلامة، زين الدين

630 - حامد بن عبد الله العجمي العلامة، زين الدين كذا ذكره في " الغرف العلية "، وقال: إنه اشتغل ببلاده، وحصل، وبرع، وتفقه، وقدم دمشق، ودرس بها. وتوفي يوم السبت، سابع عشر ذي الحجة، سنة ست وتسعمائة، ودفن بباب الصغير، وحضر جنازته الشيخ برهان الدين بن عون، والطلبة رحمه الله تعالى. وهو أحد شيوخ ابن طولون. 631 - حامد بن محمد، الشهير بابن شيخ دوروز مفتي الديار الرومية، وكان يعرف في الديار الرومية باسمه مقروناً بلفظ أفندي، فإذا قالوا: حامد أفندي. ينصرف إليه فقط. كان أبوه من أهل العلم، وكان يستحضر كثيراً من اللغة. وكان ولده هذا من العلماء العاملين، وعباد الله الصالحين، أخذ العلم عن المولى العلامة مفتي الديار الرومية شيخ محمد بن إلياس، والمولى الفاضل الكامل قادري أفندي، وصار مُلازماً منه، وتذكر حباله، حين كان قاضي العسكر، ثم صار مدرساً بعشرين عثمانياً في مدرسة منلا خسرو، بمدينة بروسة، ثم صار مدرساً بمدرسة ابن ولي الدين بثلاثين عثمانياً، في مدينة بروسة أيضاً، صار مدرساً في مدرسة داود باشا بأربعين عثمانياً، في مدينة إصطنبول، ثم صار مدرساً بمدرسة الخاصكية، والده السلطان سليمان، عليه مزيد الرحمة والرضوان، بمدينة مغنيسيا، وصار مفتياً بالولاية المذكورة، ثم ولي تدريس المدرسة المعروفة بشاه زاده، بمدينة إصطنبول، بستين عثمانياً، ثم ولي منها قضاء دمشق، ثم قضاء القاهرة، ثم عزل عنها، وصار مدرساً بأياصوفيا، بتسعين عثمانياً، بطريق التقاعد، ثم ولي قضاء بروسة، ثم قضاء قُسطنطينية، ثم قضاء العسكر بروم ايلي، نحو عشر سنين، ثم عزل وولي مكانه قاضي زاده. فلما توفي المرحوم أبو السعود العمادي، فوض إليه منصب الإفتاء بالديار الرومية، واستمر فيه إلى أن نقله الله تعالى إلى دار كرامته، نهار الثلاثاء، رابع شعبان، سنة خمس وثمانين وتسعمائة، رحمه الله تعالى. وله " كتاب " جمع فيه كثيراً من الفتاوي الفقهية، نحو خمسة عشر مجلداً، وعلى حواشيه شيء يسير من أبحاثه، رأيت بعضه عند المولى العلامة محمد بن الشيخ محمد، مُفتي البلاد الرومية. وكان صاحب الترجمة في ولاياته كلها محمود السيرة، مشكور الطريقة، يقول الحق ويعمل به، وكان من أعف القضاة عن محارم الله تعالى، رحمه الله تعالى. 632 - حامد بن محمد بن محمد الشيخ افتخار الدين الخوارزمي ولد سنة سبع وستين وستمائة. واشتغل بالعلم، وسمع من الدمياطي، وله نظم، كتب عنه منه البرزالي، وعمل هو لنفسه ترجمة في " جزء ". مات في العشر الأواخر من المحرم، سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. 634 - حامد بن محمود بن علي بن عبد الصمد الرازي من أهل الري. تفقه بنيسابور على أبي النصر الأرغياني، وببخارى على الحُسام بن البرهان، وبرع في الفقه. وكانت ولادته سنة نيف وتسعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. 635 - حامد بن محمود بن معقل النيسابوري الشاماتي، القطان، أبو محمد بن أبي العباس القطان، النيسابوري والد محمد بن حامد، وجد أحمد بن محمد بن حامد، الآتي ذكر ابنه محمد في بابه، إن شاء الله تعالى. من بيت علم وفضل. كان شيخ أصحاب أبي حنيفة بنيسابور، وكان يروي كتب محمد بن الحسن، عن زياد ابن عبد الرحمن، عن أبي سليمان موسى الجوزجاني، عن محمد بن الحسن. روى عنه أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه، شيخ الحنفية بنيسابور. روى الحاكم عن ابن ابنه أحمد بن محمد، أنه قال: توفي جدي حامد بن محمود سنة تسع عشرة وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. 636 - حامد بن موسى القيصري كان من عباد الله الصالحين، وكانت له فضيلة تامة في علمي الظاهر والباطن، وله كرامات ظاهرة، وكان العلامة شمس الدين الفنري يعترف بفضله، ويعترف من بحره. وهو أول واعظ وعظ بالجامع الكبير، الذي بناه السلطان بايزيد ببروسة، ثم انتقل من مدينة بروسة إلى مدينة أقسراي، واستمر بها إلى أن مات، رحمه الله تعالى. 637 - حبان بن بشر بن المخارق أبو بشر الأسدي جد أكتم، المذكور في حرف الألف.

638 - حبان بن علي، أبو علي، وقيل أبو عبد الله، العنزي، الكوفي

سمع يحيى بن آدم، وأبا معاوية الضرير، ومحمد بن سلمة الحراني، وأبا يوسف القاضي، وعليه تفقه، وروى عنه جماعة، منهم أبو القاسم البغوي، وغيره. وولي القضاء بأصبهان، ثم قدم بغداد، فأقام بها إلى أن ولاه المتوكل على الله قضاء الشرقية. وكان رحمه الله تعالى من أجل أصحاب الحديث، ديناً، ثقة، مقبولاً، وثقة ابن معين، وغيره. وكان لا يبصر إلا بعينه الواحدة، وكان سوار بن عبد الله كذلك، فاتفق أن المتوكل ولاهما القضاء في يوم واحد، وذلك بأمر القاضي يحيى بن أكتم، بعد قدومه على الخليفة إلى سر من رأى، وتفويض قضاء القضاة إليه، ولي حبان بالشرقية، وسواراً بالجانب الشرقي، وخلع عليهما، فقال فيهما دعبل الشاعر: رأيتُ مِن الكبائرِ قاضِيَيْنِ ... هما أُحْدُوثَةٌ في الخافِقَيْنِ قد اقْتَسَما العَمَى نِصْفَيْنِ فَذا ... كما اقتسَما قضاء الجانِبيْنِ ونحسَبُ منهما مَن هَزَّ رأساً ... لِيَنْظُرَ في مَواريث ودَيْنِ كأنك قد جعلتَ عليه دَنا ... فَتَحْتَ بُزالَهُ مِن فَرْدِ عَيْنِ هما فَالُ الزَّمانِ بِهُلْكِ يحيى ... إذ افْتَتَح القَضاءَ بِأعْوَرَيْنِ 638 - حبان بن علي، أبو علي، وقيل أبو عبد الله، العنزي، الكوفي أخو مندل، كان هو وأخوه من أصحاب أبي حنيفة، رضي الله عنه، وهو أستاذهما الأعظم، عنه أخذا، وعليه تفقها. حدث حبان عن سليمان الأعمش، وغيره، وروى عنه محمد بن الصباح. قال حجر بن عبد الجبار في حقه: ما رأيت فقيهاً بالكوفة أفضل من حبان بن علي. وقال محمد بن شجاع: كان أبو حنيفة لا يفزع إليه في أمر الدين والدنيا إلا وجد عنده في ذلك أثراً حسنا. وضعفه بعض المحدثين، وترك حديثه. وقال الذهبي، في " الميزان "، بعد أن ذكره، وذكر من أثنى عليه، ومن ضعفه: قلت: لا يترك. وكان المهدي قد أحب أن يراه، ويرى أخاه مندلا، فكتب إلى الكوفة بإشخاصهما إليه، فلما دخلا عليه سلما، فقال: أيكما مندل؟ فقال مندل، وكان أصغر سناً: هذا حبان يا أمير المؤمنين. وكانت وفاة حبان سنة إحدى وسبعين ومائة، وقيل: اثنتين وسبعين. وسئل محمد بن فضل عن مولده، فقال: ولدت أنا وحبان بن علي سنة إحدى عشرة. قيل له: فمندل؟ قال: أكبر منا بدهر. والصحيح، كما رواه الخطيب في ترجمة مندل، وكما نقلناه آنفاً، أن حبان كان أكبر منه، وسيأتي الكلام على تاريخ مولده ووفاته في حرف الميم، إن شاء الله تعالى. وكان حبان فصيحاً بليغاً، ومن شعره يرثي أخاه قوله: عَجَباً يا عَمْرُو مِن غَفْلتِنَا ... والمَنَايَا مُقْبِلاتٌ عَنَقَا قاصِداتٌ نَحْوَنا مُسْرِعةً ... يتَخَللْنَ إلينا الطُّرُقَا فإذا أذْكُرُ فُقْدان أخِي ... أتَقَلَّبُ في فِرَاشِي أرَقَا وأخِي أيُ أخٍ مِثْلُ أخِي ... قد جَرَى في كُلٍّ خَيْرٍ سَبَقَا 639 - حبيب بن عمر الفرغاني صاحب " المُوجَز " في الفقه. ذكره العقيلي، في كتاب " المناهج " الذي ألفه في الفقه، وذكر أنه صنفه وهذبه لما رأى " الموجز " لحبيب هذا، ورأى " مختصر الطحاوي ". 640 - حبيب بن يوسف بن عبد الرحمن زين الدين الرومي العجمي قرأ للثمان على الشمس الغماري، بقراءته على أبي حيان، وكذا قرأ على التقي البغدادي. وروى عن الشمس العسقلاني، وغيره. وأم بالأشرفية، واستقر في مشيخة القراء بالشيخونية وبالمؤيدية، وتصدى للإقراء فانتفع به خلق، وممن تلا عليه للسبع الشمس بن عمران، وغيره، واستقر في إمامة الأشرفية بعده، ورافقه في الأخذ عنه التقي أبو بكر الحصني، وروى عنه بالإجازة ابن أسد، والتقى ابن فهد، وآخرون. 641 - حديد بن عبد الله البابرتي خير الدين كان فاضلاً في المذهب، محباً للحديث وأهله، مذاكراً بالعربية، كثير المروءة. ولي قضاء القدس، وعين لقضاء الحنفية بدمشق، ولكن لم يقدر له. وتوفي سنة تسع وثمانمائة، رحمه الله تعالى. 642 - حذيفة بن سليمان تفقه بحلب على عبد الوهاب بن يوسف المعروف بالبدر المحسن، المذكور في حرف العين.

643 - حريث - بضم الحاء والثاء المثلثة - ابن أبي الوفاء البخاري

643 - حريث - بضم الحاء والثاء المثلثة - ابن أبي الوفاء البخاري أحد الأئمة الكبار من فقهاء الحنفية ببخارى، وكان في زمن البخاري صاحب " الصحيح "، وله ذكر في سبب إخراجه من بخارى مع أبي حفص الكبير، وكان في زمنه ممن يشار إليه، وتعقد الخناصر عليه، رحمه الله تعالى. 644 - حسان بن سنان بن أوفى بن عوف أبو العلاء التنوخي الأنباري وهو جد إسحاق بن البهلول. سمع أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه. روى الخطيب بسنده، عن ابن إسحاق المذكور، أنه قال: حدثني جدي حسان ابن سنان بن أوفى، قال: خرجت متظلماً إلى واسط، فرأيت أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، في ديوان الحجاج، وسمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مر بالمعروف وانه عن المنكر، ما استطعت "، وفي رواية " مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر ". وكان إسحاق هذا يقول: قد دخلت في الدعوة التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: " طوبى لمن رآني، ومن رأى من رآني، ومن رأى من رأى من رآني ". وروى الخطيب، أن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، دعا لحسان المذكور، وقال له: بارك الله فيك. فكان أبو غانم محمد بن يوسف بن يعقوب الأزرق يقول: كان من بركة دعاء أنس لحسان، أنه عاش مائة وعشرين سنة، وخرج من أولاده جماعة فقهاء وقضاة، ورؤساء، وصلحاء، وكتاب، وزهاد. وكان مولد حسان سنة ستين من الهجرة، ورفاته سنة ثمانين ومائة. وروى عن بعض ولده أنه قال: كان جدنا حسان بن سنان يكنى أبا العلاء، وولد بالأنبار، في سنة ستين من الهجرة، على النصرانية، وكانت دينه ودين آبائه، ثم أسلم وحسن إسلامه، وكانت له حين أسلم ابنة بالغ، فأقامت على النصرانية، فلما حضرتها الوفاة وصت بما لها لديرة تنوخ بالأنبار. وكان حسان يتكلم ويقرأ ويكتب بالعربية والفارسية والسريانية، ولحق الدولتين، فلما قلدا أبو العباس السفاح ربيعة الرأي القضاء بالأنبار، ةهي إذ ذاك حضرته، أتى بكتب مكتوبة بالفارسية، فلم يحسن أن يقرأها، فطلب رجلاً ديناً ثقة يحسن قراءتها، فدل على حسان بن سنان، فجاء به، فكان يقرأ له الكتب بالفارسية، فلما اختبره ورضي مذهبه، استكتبه على جميع أمره. وكان حسان قبل ذلك رأى أنس بن مالك، خادم النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، ولا نعلم هل رأى غيره من الصحابة أم لا؟ ومات جدنا حسان وله مائة سنة وعشرون سنة، رحمه الله تعالى. 645 - حسام الدين التقاتي الرومي المعروف بابن المداس كان رجلاً عالماً، محباً للعلم، مواظباً على الاشتغال، وصنف شرحاً ل " مائة " الشيخ عبد القاهر الجرجاني، وهو وجيز مفيد جداً، وله كلام على " حواشي شرح التجريد " لسيد. وله " تعليقة " يذكر فيها أسباب ظهور قوس قزح على رأي الحكماء، قال في آخرها: هذا على مذهب الحكماء، وأما نحن أيها المتشرعة فالأولى بنا أن نضرب عن أمثال ذلك صفحاً، على أنه قيل: إن قزح اسم شيطان، والله تعالى أعلم. كذا في " الشقائق ". قلت: نعم، قد ورد في الحديث النهي عن إضافة اسم القوس المذكور إلى قزح؛ لما ذكر المؤلف من أنه اسم شيطان، وأمر بإضافته إلى الله تعالى، بأن يقال: قوس الله تعالى. وقد أضافه بعضهم إلى السحاب، فقال: قوس السحاب، وأنشد ذلك: وسَاق صَبيحٍ لِلصبُوحِ دَعَوتُهُ ... فقام وفي أجْفَانِه سِنَةُ الغَمْض يَطُوف بِكَاساتِ العُقارِ كأنْجُمٍ ... فَما بَيْنَ مُنْقَضٍّ علينا ومُنْفَضِّ وقد نَسَجتْ أيْدِي الجَنُوبِ مَطارفاً ... على الجَوِّدَ كْنَا والحَوَاشِي على الأرضِ يُطَرِّزها قَوْسُ السَّحابِ بأحْمَرٍ ... علَى أخْضَرٍ في أصْفَرٍ إثْرَ مُبْيَضِّ كَأثْوابِ خُودٍ أقْبَلَتْ في غَلاَئِلٍ ... مُصَبَّغةٍ والبَعْضُ أقْصَرُ مِن بَعْضٍ وهذا من التشبيه البديع الملوكي، وقد تنوزع في هذه، فقيل: لسيف الدولة ابن حمدان، وقيل: لابن الرومي، وقيل: لغيرهما. والله سبحانه وتعالى أعلم. 646 - الحسن بن إبراهيم بن الجراح تقدم أبوه في بابه. والحسن هذا ذكره ابن يونس في " تاريخ الغرباء " وقال: قدم مصر مع أبيه، وتوفي بها سنة خمس وثمانين ومائتين.

647 - الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن ابن محمد بن شاذان، أبو علي بن أبي بكر البغدادي البزاز

وقال ابن عبد الحكم: إنه قدم بعد أبيه. فإنه قال في حق أبيه: ولم يكن إبراهيم بالمذموم في أول ولايته، حتى قدم عليه ابنه من العراق، فتغير حاله، وفسدت أحكامه. والله تعالى أعلم. 647 - الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن ابن محمد بن شاذان، أبو علي بن أبي بكر البغدادي البزاز قال ابن عساكر، في " تبيين كذب المفتري، فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري ": كان أبو علي ابن شاذان حنفي الفروع، مولده في ربيع الأول، سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، فيما نقله الخطيب. وقال في " تاريخ الإسلام ": أسمعه أبوه من أبي عمرو بن السمك، وأحمد بن سليمان العباداني، وميمون بن إسحاق. وعدد جماعة كثيرة. ثم قال: روى عنه أبو بكر الخطيب، والبيهقي، والإمام أبو إسحاق الشيرازي. وذكر جماعة. ثم قال: قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقاً، صحيح السماع، يفهم الكلام على مذهب أبي الحسن الأشعري، وكان يشرب النبيذ على مذهب الكوفيين، ثم تركه بأخره، وكتب عنه جماعة من شيوخنا؛ كالبرقاني، وأبي محمد الخلال. وسمعت أبا الحسن بن رزقويه، يقول: أبو علي بن شاذان ثقة. وسمعت أبا القاسم الأزهري، يقول: أبو علي أوثق من برأ الله في الحديث. وحدثني محمد بن يحيى الكرماني، قال: كنت يوماً بحضرة أبي علي ابن شاذان، فدخل رجل شاب، فسلم ثم قال: أيكم أبو علي ابن شاذان. فأشرنا إليه، فقال له: أيها الشيخ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: سل عن أبي علي ابن شاذان، فإذا لقيته فأقره مني السلام. قال: ثم انصرف الشاب، فبكى أبو علي، وقال: ما أعرف لي عملاً أستحق به هذا، إلا أن يكون صبري على قراءة الحديث علي، وتكرير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما جاء ذكره. قال الكرماني: ولم يلبث أبو علي بعد ذلك إلا شهرين أو ثلاثة حتى مات. توفي أبو علي آخر يوم من سنة خمس، ودفن في أول يوم من سنة ست وعشرين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. وقد سمع أحمد بن كامل، وعبد الباقي بن قانع، القاضيين، رحمهما الله تعالى. 648 - الحسن بن أحمد بن الحسن بن أنوشروان قاضي القضاة، حسام الدين، أبو الفضائل، ابن قاضي القضاة تاج الدين أبي المفاخر، الرازي، الرومي، الحنفي قال في " درة الأسلاك " في حقه: حسام قاطع، وإمام بارع، وعالم إلى البر مُسارع، وحاكم لأشتات المعارف جامع. كان كبير النفس ظاهر الحشمة، جليل القدر جزيل الحرمة، واسع الخطوة، وافر المروءة والحظوة، معظماً عند أراب الأبواب المأهولة، حسن المشاركة في العلوم المعقولة والمنقولة. ولي القضاء نيفاً وعشرين سنة، بمصر والشام، واعلى في كل منهما منار الأقضية والأحكام. وفيه يقول الأديب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن التلمساني، من أبيات: لا أخْتَشِي الحادِثاتِ والحَسَنُ المُحْ ... سِن لي مِن جنابهِ أرَب مِن مَعْشَرٍ قد سَمَوْا وقد كَرُموُا ... فِعْلاً وطابُوا أصْلاً إذا انْتَسَبُوا إنْ أظْلَمَ الدَّهْرُ ضَاءَ حُسْنُهُمُ ... وإن أمَرَّتْ أيَّامُه عَذُبُوا من فِضَّةٍ عِرْضُهُمْ ونَشْرُهُمُ ... يُعَطِّرُ الكَوْنَ أيَّةً ذَهَبُوا ولد في المحرم، سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ببلاد الروم. واشتغل، ومهر، وولي قضاء ملطية أكثر من عشرين سنة. ثم ورد دمشق فولي القضاء بها أيضاً نجواً من عشرين سنة. ثم نقل إلى قضاء الديار المصرية، في صفر، سنة ست وتسعين وستمائة، بعناية المنصور لاجين، لأنه كان يصحبه لما كان نائب دمشق، فاختص به كثيراً، فلما ولي السلطنة استقدمه وولاه القضاء، فلم يزل إلى أن قتل لاجين. واتفق أنه قتل وهو عنده، فلما تسلطن الناصر صرفه عن القضاء، فرجع إلى دمشق، ولم يزل بها حتى كانت وقعة التاتار، فعدم فيها، قيل: إنهم أسروه، وباعوه للفرنج، فأخذوه إلى بلادهم، وعرفوا أنه من أهل العلم بالطب فصار يلاطفهم بطبه. ويقال: إنه حصل له بعد أن استقر عندهم بقبرس إسهال، ودام به حتى مات. وقيل غير ذلك، والله أعلم بحقيقة الحال. وكانت وقعة التاتار المذكورة، في سنة تسع وتسعين وستمائة. وكان، رحمه الله تعالى، إماماً علامة، كثير الفضل والإفضال، كثير التودد إلى الناس.

أثنى عليه الشهاب ابن فضل الله، وغيره. وذكره الصلاح الصفدي في " أعيان العصر، وأعوان النصر "، وقال في حقه: كان مجموع الفضائل، عرياً من الرذائل، كثير المكارم، عفيفاً عن المحارم، ظاهر الرياسة، حرياً بالسياسة، خليقاً بالنفاسة، يتقرب إلى الناس بالود، ويتجنب الخصماءاللد، فيه مروءة وحشمة، وبينه وبين المفاخر قرابة ولحمة، وله نظم وأدب، ورغبة في إذاعة الخير واجتهاد وطلب. ولد بأقسراي، سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وولي قضاء ملطية أكثر من عشرين سنة. ثم نزح إلى الشام، سنة خمس وسبعين وستمائة، خوفاً من التاتار، وأقام بدمشق، وولي قضاءها سنة سبع وسبعين وستمائة؛ بعد القاضي صدر الدين سليمان، وامتدت أيامه إلى أن تسلطن حسام الدين لاجين، فسار إليه سنة ست وتسعين، فأقبل عليه، وولاه القضاء بالديار المصرية، وولى ابنه جلال الدين مكانه في دمشق، وبقي معظماً وافر الحرمة إلى أن قتل لاجين وهو عنده، فلما ضربوا السلطان بالسيف استغاث وقال: ما يحل. فأشاروا إليه بالسيوف، فاختبأ هناك، واشتغلوا عنه بالسلطان، ولما زالت دولة لاجين قدم إلى دمشق على مناصبه وقضائه، وعزل ولده. ولم يزل على حاله إلى أن خرج إلى الغزاة، وشهد المصاف بوادي الخازندار، في سنة تسع وتسعين وستمائة، في شهر ربيع الأول، وكان ذلك آخر العهد به، وأصابت الرزية الرازي، وكان في غنية عن قراءة الملاحم والمغازي. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: والأصح أنه لم يقتل بالغزاة، وصح مروره مع المنهزمين، وأنه أسر وبيع للفرنج، وأدخل إلى قبرس، هو وجمال الدين المطروحي. وقيل: إنه تعاطى الطب والعلاج، وإنه جلس يطب بقبرس وهو في الأسر، ولكن ذلك لم يثبت. قال: - أعني الصفدي -: وقلت بناء على صحةِ هذه الدعوى: إنَّ حالَ الرَّازيِّ بين البَرايَا ... حَالةٌ لم نَجِدْ عليها مِثالاَ كان قاضِي القُضاةِ شَاماً ومِصْرا ... ثم في قُبْرسٍ غَدَا كَحَّالاَ ثم قال: الله أكرم وأرحم من أن يمشي أحداً من أهل العلم الشريف إلى ورا، وأن يرده في آخر عمره القهقري. قال ابن حجر: وكان الحسام ممن قام في الإنكار، في قصة الكاتب النصراني، كاتب عساف أمير العرب، وكان نقل عنه أنه وقع في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فقام في أمره تقي الدين ابن تيمية، وزين الدين الفارقي، وعقد بسبب ذلك مجالس، وتعصب الشمس الأعسر شاد الدواوين النصراني، فما وسع النصراني لما خشي على نفسه إلا أنه أسلم فأطلق، فقال القاضي حسام الدين في ذلك: إلى مَ فُتُورُ العَزْمِ يا آلَ أحْمَدِ ... بإبْقَاءِ كَلْبٍ سَبَّ دِينَ مُحَمَّدِ وكان إذا ما أدَّنَ القَوْمُ سَبَّهُ ... وكان لِذِكْرِ القُبْحِ فيه بِمَرصَدِ بإسْلاَمِه لا يُدْرَأُ الْحَدُّ بَعْدَما ... تَكرَّر منه الشَّرُّ في كلِّ مَوْردِ علَى مِثْلِهِ أهْلُ الموَاهِبِ أجْمَعُوا ... فكُنْ مُمْضِياً في نَحْرِهِ بمُهَنَّدِ فأنْتمْ لُيُوثُ الحَرْبِ في كُلِّ مَعْرَكٍ ... وأنْتُمْ سِهامُ الغَزْوِ في كُلِّ مَشْهَدِ وهي طويلة. ولما ولي قضاء الديار المصرية، عوضاً عن قاضي القضاة شمس الدين أبي العباس أحمد بن برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي، كتب له تقليد بخط الإمام الرئيس شهاب الدين أبي الثناء محمود بن سليمان الحلبي، منه:

649 - الحسن بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن بكر ابن محمد بن عبد الرزاق بن داسة الداسي البصري، أبو علي

وبعد: فإن أولى من ألقيت له مقاليد الحكم في الممالك، وفوض إليه على سعة الأعمال المصرية والشامية قضاء القضاة فيما هنا وفيما هنالك، وأجريت له أقلامه بالعدل والإحسان وأشرق بمسود مداده كل حال حالك، وغدقت آراء الدولة منه بمشير ما اشتبهت مسالك الصواب في أمر إلا وأوضح له التوفيق الإلهي تلك المسالك، ومن سارت ركائب فضله في الآفاق، وقيدت الطلبة عنه العلوم على اختلافها فلم يختلف في أنه هو العالم على الإطلاق، فلو أدرك عصر إمامه لكان له وارثاً، ولصاحبيه في الرتبة ثالثاً، ولشاد أفكاره للنعمان ما لم يشده شعر زياد، ولاقتدى به في القياس من حاده في طريقته وحاد، ولو تأخر الرازي إلى عصره، لعلم أن اتصافه بالفخر لكونه من مصره، مع أصالة رأي من قاس آراء قيس ببعضها فقد أبطل، وشجاعةٍ لو تقدم عصرها لرجع عما قاله في بني أمية الأخطل، وبلاغةٍ قال فيها البليغ ما قاله البليد، وبراعةٍ ما عبد الرحيم في الفخر عن إدراك شأوها إلا كعبد الحميد. ولما كان فلان رسم بالأمر العالي أن ينوه إحساننا بذكره، وينبه على رفعة قدره، فيكون مشيراً في الدولة القاهرة، وقاضي القضاة بالديار المصرية، والبلاد الشامية، إذ هو كفؤ هذه المراتب وكافيها، وطبها الخبير بمصالحها وشافيها. فليتلق هذا الإحسان بشكر يضفي عليه حلل النعم، ويضفي لديه مناهل البر الذي تخجل من دوامه الديم، وليعمل في مصالح الدين والدنيا آراءه المسددة في كل أمر، ويبد ما نعمله من خصائصه التي جمعت له بين ذكاء إياس وفطنة عمرو، ويمض الحكم فيما أراه الله في سائر ما ذكر من الممالك، ويبسط يد أقضيته بلسان الشرع الذي إذا نطق بأمرٍ أصغى حسامنا المنصور إلى ذلك. وأما الوصايا فنحن نحكم في استغنائه عنها بعلمنا، ونعلم فيما نثبته من ذلك بالحق نفوذ حُكمنا، لكن ملاكها التقوى وهو بها متصف، وبالأفتقار إلى التوفيق لها معترف فيجعلها إمام أحكامه، وأمام إتقان كل رأي وإحكامه. انتهى. 649 - الحسن بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن بكر ابن محمد بن عبد الرزاق بن داسة الداسي البصري، أبو علي قال السمعاني: كان فقيها حنفياً، سمع جده عبد الله بن أحمد، وسمع منه عبد العزيز النخشي. وهو من قرائب أبي محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق بن داسة التمار الداسي البصري، راوي كتاب " السنن " لأبي داود، عنه، وفاته منه شيء يسير، أقل من جزء، رواه إجازة أو وجادة. كذا في " الجواهر ". 650 - الحسن بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عسكر أبو طاهر، البندنيجي من أهل باب الطاق، من أولاد القضاة والعدول، شهد عند قاضي القضاة أبي الحسن علي بن أحمد الدامغاني في ولايته الثانية، في يوم الخميس، الثاني والعشرين من المحرم، سنة ست وسبعين وخمسمائة، فقبل شهادته. وسمع الحديث على أبي القاسم شعيب بن أحمد، وغيره. وكان ديناً، فاضلاً، له النظم والنثر. قال ابن النجار: ذكر لي عبد الرحمن بن عمر الواعظ، أنه كتب شيئاً من شعره، وبلغني أنه توفي يوم الجمعة، الثاني والعشرين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 651 - الحسن بن أحمد بن عطاء بن حسن بن جابر بن وهب أبو محمد الأذرعي، بدر الدين ابن عم قاضي الحنفية بدمشق شمس الدين ابن عطاء. ولد سنة أربع وعشرين وستمائة، ووجد اسمه في أوراق السامعين على ابن الزبيدي في " البخاري "، وحدث، وسمع منه جماعة، وكان أحد الشهود بقصر نجاح. ومات في تاسع شهر رمضان، سنة تسع وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 652 - الحسن بن أحمد بن علي بن محمد بن علي ابن الدامغاني، أبو محمد قاضي القضاة " بن قاضي القضاة " أبي الحسين ابن قاضي القضاة أبي الحسن علي بن قاضي القضاة أبي عبد الله وهو أخو قاضي القضاة أبي الحسن علي بن أحمد.

653 - الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن بن عبيد الله ابن عمرو بن خالد بن الرفيل، أبو محمد عرف بابن المسلمة

شهد عند أخيه في ولايته الأولى، يوم السبت، لثلاث خلون من ذي القعدة، سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، فقبل شهادته، وولاه القضاء بربع الكرخ، ثم القضاء بواسط، فانحدر إليها، وأقام بها حاكماً إلى أن عُزل أخوه عن قضاء البصرة، في جمادى الآخرة، سنة خمس وخمسين وخمسمائة، فعزل أبو محمد، وعاد إلى بغداد، ولزم منزلة بالكرخ، إلى أن ولي ابو طالب روح بن أحمد قضاء القضاة، في شهر ربيع الآخر، سنة ست وستين، فأعاد أبا محمد الدامغاني إلى قضاء واسط، فقدمتها في العشر الآخر من شعبان، من السنة المذكورة، وأقام بها مدة، ثم عاد إلى بغداد، واتناب على القضاء بها أبا الفضل هبة الله بن علي، ثم عاد إليها مرات، إلى أن فارقها آخر مرة سنة سبع وسبعين، وله بها بيت، وأقام ببغداد إلى حين وفاته. وسمع الحديث من إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي، وعبد الوهاب بن المبارك الأنماطي، وحدث باليسير. روى ابن النجار، عن ابن القطيعي، قال: سألت أبا محمد الدامغاني عن مولده، فقال: في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. وقال - أعني ابن النجار -: أنبأنا قاضي القضاة أبو الحسن محمد بن جعفر العباسي، وتقلته من خطه، قال: درج أبو محمد الحسن بن أحمد بن علي الدامغاني، في يوم السبت، ثامن عشر شهر رجب، سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، ودفن بداره بالكرخ، رحمه الله تعالى. 653 - الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن بن عبيد الله ابن عمرو بن خالد بن الرفيل، أبو محمد عرف بابن المسلمة حدث عن محمد بن المظفر شيئاً يسيراً. قال الخطيب: كتب عنه بعض أصحابنا، وكان صدوقاً، ينزل بدرب سليم، من الجانب الشرقي. ومات في ليلة الأحد، الثامن عشر من صفر، سنة ثلاثين وأربعمائة. ومولده سنة تسع وستين وثلاثمائة. وتقدم أبوه في حرف الألف، ويأتي جده محمد بن عمر في بابه، إن شاء الله تعالى. 654 - الحسن بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن أبي القاسم الوزير هبة الله بن محمد بن عبد الباقي بن سعيد الحلبي أبو محمد، مجد الدين المعروف بابن أمين الدولة وكان أمين الدولة - وهو جده هبة الله الثاني - فقيهاً، فرضياً، محدثاً. شرح " مقدمة " الإمام سراج الدين شرحاً حسناً، وحدث بحلب، وسمع منه الشيخ جمال الدين الظاهري، وقتل في وقعة حلب، في العشر الأوسط من صفر، سنة ثمان وخمسين وستمائة. ومن شعر الحسن بن أحمد، صاحب الترجمة، قوله: كأنَّ البَدْرَ حين يَلُوحُ طَوراً ... وطَوْراً يَخْتَفِي تحتَ السَّحابِ فَتَاه كُلَّما سَفَرتْ لِخِلٍّ ... تَوَارَتْ خَوْفَ وَاشٍ بالْحِجَابِ 655 - الحسن بن أحمد، أبو عبد الله الزعفراني الفقيه مُرتب مسائل " الجامع الصغير "، رحمه الله تعالى. 656 - الحسن بن أحمد النويري الطرابلسي الحنفي عرض عليه الصلاح الطرابلسي " الشاطبية " في ذي القعدة، سنة سبع وأربعين، وقال: إنه كان قاضي الحنفية ببلده. كذا ذكره السخاوي في " الضوء اللامع " من غير زيادة. 657 - الحسن بن إسحاق بن نبيل، أبو سعيد النيسابوري ثم المعري قاضي معرة النعمان. أصله من نيسابور. سمع بمصر من النسائي، والطحاوي، وسمع بحلب، والكوفة، والري. ذكره ابن العديم، في " تاريخ حلب "، وقال: له كتاب " الرد على الشافعي فيما خالف فيه القرآن "، وكان يذهب إلى قول الإمام أبي حنيفة، وإنه بقي قاضي المعرة أربعين، يعزل ويعود إليها. 658 - الحسن بن إسماعيل بن صاعد بن محمد القاضي وهو والد الحسين الآتي ذكره قريباً، إن شاء الله تعالى، أبوه إسماعيل تقدم، وجده صاعد، ومحمد بن صاعد، يأتي كل منهما في بابه، إن شاء الله تعالى. وبيت الصاعدية بيت علم وفضل، ورياسة. وسمع صاحب الترجمة من أبي حمزة المهلبي. 659 - الحسن بن أيوب، أبو علي الرمجاري النيسابوري أحد من تفقه عند أبي يوسف القاضي. سمع هشيماً، وابن عيينة. ذكره الحاكم، في " تاريح نيسابور "، وقال: شيخ قديم من قدمائنا، من أصحاب أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، كانت رحلته إلى أبي يوسف القاضي مع بشر بن أبي الأزهر القاضي، وأقرانهما.

660 - الحسن بن أبي بكر بن أحمد، الشيخ بدر الدين. القدسي

قرأت بخط أبي عمرو المستلمي، حدثنا خشنام، حدثنا الحسن بن أيوب الفقيه، ثقة من أهل العلم، وكان ينزل رمجار. كذافي " الجواهر ". 660 - الحسن بن أبي بكر بن أحمد، الشيخ بدر الدين. القدسي قال ابن حجر: اشتغل بالعلم قديماً، وكان فاضلاً في العربية وغيرها، وولي مشيخة الشيخونية بعد التفهني، ومات في ثالث ربيع الآخر، سنة ست وثلاثين وثمانمائة. وقال السيوطي: صنف " شرحاً " على " شذور الذهب " لابن هشام. وذكره في " الغرف العلية " بنحوما هنا، وأثنى عليه. 661 - الحسن بن أبي بكر بن محمد بن عثمان بن أحمد ابن عمر بن سلامة، بدر الدين، أبو محمد الحلبي، المارديني الأصل أخو البدر محمد، ويعرف بابن سلامة. ولد ينة سبعين وسبعمائة بماردين، وكان أبوه مدرساً بها، فانتقل ولده هذا إلى حلب فقطنها، وحج وجاور، فسمع هناك على ابن صديق " الصحيح "، وعلى الجمال بن ظهيرة، واشتغل كثيراً على أخيه، بل شاركه في الطلب، وحفظ " الكنز "، و " المنار "، و " عمدة النسفي "، و " الحاجبية ". وساح في البلاد كثيراً، ثم اقام، وتكسب بالشهادة، وحدث، وسمع منه الفضلاء، وكان ساذجاً، سليم الصدر. مات بحلب وقد هرم بعد سنة خمسين وثمانمائة، ظناً. قال السخاوي، رحمه الله تعالى. 662 - الحسن بن أبي مالك، أبو مالك من أصحاب أبي يوسف، تفقه عليه، وأخذ عنه شيئاً كثيرا. قال الصميري في حقه: ثقة في روايته، غزير العلم، واسع الرواية، كان أبو يوسف يشبهه بجمل حمل أكثر مما يطيق، وكان يفضل محمد بن الحسن، في التدقيق، على أبي يوسف. قال الطحاوي: سمعت ابن أبي عمران يحدث عن ابن الثلجي، قال: كانوا إذا قرأوا على الحسن بن أبي مالك مسائل محمد بن الحسن، قال: لم يكن أبو يوسف يدقق هذا التدقيق الشديد. وكان ممن تفقه على الحسن هذا محمد بن شجاع، وغيره. وتوفي - رحمه الله تعالى - في السنة التي مات فيها الحسن بن زياد، سنة أربع ومائتين، رحمه الله تعالى. تفقه على الحسن بن زياد اللؤلؤي. ورحل إلى ابن عيينة ووكيع. وغيرهما. وسمع بمصر من عبد الله بن صالح، كاتب الليث. مات سنة أربع وأربعين ومائتين، رحمه الله تعالى. 664 - الحسن بن بندار، أبو علي الإستراباذي ذكره الإدريسي في " تاريخ إستراباذ "، وقال: كان فاضلاً، ورعاً، ثقة، من أصحاب أهل الرأي، يروي عن الحسين بن الحسن المروزي، وغيره. مات سنة اثنتين وتسعين ومائتين، رحمه الله تعالى. وذكره الحافظ السهمي، في " تاريخ جرجان "، فقال الحسن بن بندار الإستراباذي، المفسر، كنيته أبو علي، كان من أصحاب الرأي، يروي عن الحسين بن الحسن المروزي، وإسماعيل بن موسى بن بنت السدي، ويوسف بن حماد الإستراباذي، روى عنه الحسن بن علي بن الحسين الإستراباذي. 665 - الحسن بن حرب من أصحاب محمد بن الحسن، وممن تفقه عليه. قال الطحاوي: سمعت ابن أبي عمران يقول: كان حرب أبو الحسن بن حرب يجئ بابنه الحسن، فيجلسه في مجلس محمد بن الحسن، فقلت لحرب: لم تفعل هذا وأنت نصراني، وهو على غير دينك؟ قال: أعلم ابني العقل. ثم أسلم ولزم الحسن بن حرب محمد بن الحسن، وكان من جملة أصحاب محمد، وهم بالرقة آل الحسن بن حرب. كذا في " الجواهر ". 666 - الحسن بن الحسين بن أبي الحسن أبو محمد الأندقي سبط الإمام عبد الكريم الأندقي، فإنه كان جده لأمه، وكان عبد الكريم من أصحاب الإمام عبد العزيز الحلواني، بل من كبارهم. قال السمعاني في حق صاحب الترجمة: يقال: هو من بيت العلم، والزهد، والورع، شيخ الوقت، وصاحب الطريقة الحسنة، من كبار مشايخ ما وراء النهر. مات في السادس والعشرين من رمضان، سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 667 - الحسن بن حسين بن أحمد بن أحمد بن محمد بن علي ابن عبد الله بن علي البدراني المعروف كسلفه بابن الطولوني ولد سنة ست وثلاثين وثمانمائة، بالقاهرة، ولازم الأمين الأقصرائي، والعلامة قاسم ابن قطلوبغا، وأخذ عنهما، وعن غيرهما. وفيه خير، وأدب وتواضع، وتودد للطلبة، وإحسان للفقراء، واعتناء بالتاريخ. وقيل: إنه شرح " مقدمة أبي الليث "، و " الجرومية "، وكان نعم الرجل، رحمه الله تعالى.

668 - الحسن بن الحسين بن الحسن بن عطية ابن سعد بن جنادة

668 - الحسن بن الحسين بن الحسن بن عطية ابن سعد بن جنادة روى عن أبيه، وتفقه به. وسيأتي ذكر كل من أبيه وجده في بابه، إن شاء الله تعالى. 669 - الحسن بن حماد الحضرمي المعروف بسجادة من أصحاب محمد بن الحسن. سمع أبا بكر بن عياش، وعبد الرحمن بن سليمان، وأبا معاوية، وغيرهم، وروى عنه أبو بكر ابن أبي الدنيا، وغيره. *قال الخطيب: وكان ثقة، سأله رجل عن من حلف بالطلاق أن لا يكلم كافراً، فكلم من يقول: القرآن مخلوق. فقال: طلقت امرأته. *وسئل أيضاً عن من حلف بالطلاق لا يكلم زنديقاً، فكلم رجل يقول: القرآن مخلوق. فقال: طلقت امرأته. فحكى ذلك لأحمد بن حنبل، فقال: ما أبعد. وسئل عنه أحمد، فقال: صاحب سنة، وما بلغني عنه إلا خير. وكانت وفاته ببغداد، سنة إحدى وأربعين ومائتين. *ونقل عنه في " الجواهر " أنه قال: سمعت محمد بن الحسن، يقول في رجل نبش بعدما دفن، قال: اقول لابنه، اتق الله، ووار أباك، ولا أجبره على ذلك. 670 - الحسن بن خاص بيك، العلامة بدر الدين ذكره في " المنهل " فقال: كان جندياً بارعاً، عالماً، مفنناً؛ في الفقه، والأصول، وله مشاركة في عدة علوم، وتصدر للإفتاء والتدريس عدة سنين، وانتفعت به الطلبة، مع وجاهته عند الأكابر من الأمراء، وغيرهم، بحيث لا ترد رسالته. قال المقريزي، بعد ثنائه عليه: سمعنا بقراءته بمكة، في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، " الصحيحين "، مات سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، عن نحو ستين سنة. قال السخاوي: وسماه شيخنا في " الإنباء ": محمد. والله أعلم. 671 - الحسن بن الخطير بن أبي الحسين النعماني نسبة إلى النعمانية، قرية بين بغداد وواسط، وإلى جده النعمان بن المنذر. الإمام أبو علي الظهير، ويقال له: الفارسي؛ لأنه تفقه بشيراز. قال ياقوت: كان مبرزاً في اللغة والنحو، والعروض والقوافي، والشعر، والأخبار، عالماً بتفسير القرآن، والخلاف، والكلام، والحساب، والمنطق، والهيئة، والطب، قارئاً بالعشر والشواذ، حنفياً، عالماً باللغة العبرانية، ويناظر أهلها، يحفظ في كل فن كتاباً. دخل الشام، وأقام بالقدس مدة، فاجتاز به العزيز بن الصلاح بن أيوب، فرآه عند الصخرة يدرس، فسأل عنه، فعرف منزلته في العلم، فأحضره ورغبة في المصير معه إلى مصر، ليقمع به الشهاب الطوسي، فورد معه، وأجرى له كل شهر ستين ديناراً، ومائة رطل خبزاً، وخروفاً، وشمعة كل يوم، ومال إليه الناس، وقرر العزيز المناظرة بينه وبين الطوسي، وعزم على أن يسلك معه مسلكاً في المغالطة؛ لأن الطوسي كان قليل المحفوظ، إلا أنه كان جريئاً مقداماً. فركب العزيز يوم العيد، وركب معه الطوسي والظهير، فقال الظهير للعزيز في أثناء الكلام: أنت يا مولانا من أهل الجنة. فوجد الطوسي السبيل إلى مقتله، فقال له: وما يديريك أنه من أهل الجنة، وكيف تزكى على الله، ومن أخبرك بهذا؟ ما أنت إلا كما زعموا أن فارة وقعت في دن خمر، فشربت فسكرت، فقالت: أين القطاط؟ فلاح لها هر، فقالت: لا تؤاخذ السكارى بما يقولون. أنت شربت من خمر دن هذا الملك فسكرت، فصرت تقول خالياً: أين العلماء؟ فأبلس الظهير، ولم يجد جواباً، وانصرف وقد انكسرت حرمته عند العزيز. وشاعت هذه الحكاية بين العوام، وصارت تحكى في الأسواق والمحافل، فكان مال أمره أن انضوى إلى مرسة الأمير الأسدي، يدرس بها مذهب أبي حنيفة، إلى أن مات يوم الجمعة، سلخ ذي القعدة، سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. وكان مولده سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. قال في " الدر الثمين " كان يحفظ في التفسير " كتاب التفسير " لتاج القراء، ويحفظ في الفقه " الجامع الصغير " لمحمد بن الحسن، و " الوجيز " للغزالي، وفي الكلام " نهاية الإقدام " للشهر ستاني، وفي اللغة " الجمهرة " لابن دريد، وفي النحو " الإيضاح " لأبي علي، ويحفظ عروض الصاحب ابن عباد، ويحفظ في المنطق " أرجوزة ابن سينا ".

672 - حسن بن خليل بن خضر، بدر الدين القاهري

وله من التصانيف " تفسير "، وصل فيه إلى قوله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) في نحو مائتي ورقة إملاء، وشرح " الجمع بين الصحيحين " للحميدي، سماه " الحجة " اختصره في كتاب " الإفصاح " للوزير يحيى بن هبيرة، وزاد عليه اشياء، و " كتاب في اختلاف الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار " لم يتمه، وله " خطب "، وفصول وعظه مشحونة بغريب اللغة، و " تنبيه البارعين على المنحوت من كلم العرب "، وله غير ذلك، رحمه الله تعالى، بمنه ولطفه. 672 - حسن بن خليل بن خضر، بدر الدين القاهري أخو ناصر الدين محمد الكلوتاتي. كان قد اشتغل عند الزين قاسم الحنفي، وغيره. وفضل، وحج، وجاور، ولازم العبادة، مع الانجماع عن الناس. قال السخاوي: وكان يقصدني كثيراً للمراجعة في شيءٍ كان يجمعه في السيرة النبوية، ونحو ذلك. مات في ربيع الأول، سنة ثمانين - يعني: وثمانمائة - بين الخطارة وبلبيس، رحمه الله تعالى. كذا في " الضوء اللامع ". 673 - الحسن بن داود بن بابشاذ بن داود بن سليمان أبو سعيد، المصري قال الخطيب: قدم بغداد، ودرس فقه أبي حنيفة على القاضي أبي عبد الله الصيمري. وكان مفرط الذكاء، حسن الفهم، يحفظ القرآن بقراءات عدة، ويحفظ طرفاً من علم الأدب، والحساب، والجبر والمقابلة، والنحو، وكتب الحديث بمصر على أبي محمد ابن النحاس، وطبقته. قال: كتبت عنه أحاديث، وكتب عني، وكان ثقة حسن الخلق، وافر العقل، وكان أبوه يهودياً، ثم أسلم وحسن إسلامه، وذكر بالعلم، وهو فارسي الأصل. وأقام أبو سعيد ببغداد إلى أن أدركه أجله، فتوفي ليلة السبت، ودفن صبيحة تلك الليلة، لعشر بقين من ذي القعدة، سنة تسع وثلاثين وأربعمائة، ودفن في مقبرة الشونيزي، ولم تكن سنه بلغت الأربعين. رحمه الله تعالى. وكان قد قرأ بعد الصيمري على ابي عبد الله الدامغاني، وكان أبو عبد الله، وابنه أبو الحسن علي، يعولان عليه في درسهما على تعليقه. وهو ابن أخي أبي الفتح أحمد بن بابشاذ، رحمه الله تعالى. وبابشاذ: كلمة أعجمية، تتضمن الفرح والسرور. 674 - الحسن بن داود بنرضوان، أبو علي الفقيه السمرقندي درس الفقه بنيسابور على أبي سهل الزجاجي، وسمع " السنن " لأبي داود، من ابن داسة. قال الحاكم، في " تاريخ نيسابور ": وكان أحد الفقهاء الكوفيين المتقدمين في النظر والجدل، وخرج إلى العراق، وأقام بها يسمع ويتفقه، ثم انصرف إلى نيسابور، ودرس الفقه، وبنى بها مدرسة. قال الحاكم: وأقام معي مدة، وتوفي، رحمه الله تعالى، يوم الاثنين، التاسع عشر من رجب، سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. 675 - الحسن بن رشيد من أصحاب الإمام الأعظم، رضي الله تعالى عنه. روى عن أبي حنيفة، عن عكرمة، عن ابن عباس: " سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ". قال الحسن، قال لي أبو حنيفة، رحمه الله تعالى: لما حدثت إبراهيم الصائغ به، جاءني من الغد. فذكر قصة إبراهيم الصائغ، المذكورة في ترجمته، رحمه الله تعالى. 676 - الحسن بن زياد، أبو علي اللؤلؤي مولى الأنصار، أحد أصحاب الإمام، رضي الله تعالى عنه. روى عن محمد بن سماعة القاضي، وحمد بن شجاع الثلجي، وشعيب بن أيوب الصريفيني. وهو كوفي، نزل بغداد، فلما توفي حفص بن غياث جعل على القضاء مكانه. روى الخطيب أنه لما ولي القضاء لم يوفق فيه، وكان حافظاً لقول أصحابه، وكان إذا جلس ليحكم ذهب عنه التوفيق، حتى يسأل أصحابه عن الحكم في ذلك، فإذا قام عن مجلس القضاء عاد إلى ما كان عليه من الحفظ، فبعث إليه البكائي يقول: ويحك، إنك لم توفق للقضاء، وأرجو أن يكون هذا لخير أراده الله بك، فاستعف. فاستعفى، واستراح. وعن محمد بن سماعة، قال: سمعت الحسن بن زياد، قال: كتبت عن ابن جريجٍ اثني عشر ألف حديث، كلها يحتاج إليها الفقهاء. وعن أحمد بن عبد الحميد الحارثي، قال: ما رأيت أحسن خلقاً من الحسن بن زياد، ولا أقرب مأخذاً، ولا أسهل جانباً، مع توفر فقهه وعلمه، وزهده وورعه. قال: وكان الحسن يكسو مماليكه كما يكسو نفسه، اتباعاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألبسوهم مما تلبسون ". وكانت وفاه في سنة أربع ومائتين.

677 - حسن بن سلامة بن ساعد أبو علي الفقيه

وكان يختلف إلى زفر وأبي يوسف في الفقه، رحمهم الله تعالى. قال الحسن: وكان أبو يوسف أوسع صدراً إلى التعليم من زفر. قال علي بن صالح: كنا عند أبي يوسف، فأقبل الحسن بن زياد، فقال أبو يوسف: بادروه واسألوه، وإلا لم تقدروا عليه. فأقبل الحسن بن زياد فقال: السلام عليكم يا أبا يوسف، ما تقول؟ متصلاً بالسلام. قال: فرأيت أبا يوسف يلوي وجهه إلى هذا الجانب مرة وإلى هذا الجانب مرة، من كثرة إدخالات الحسن عليه، ورجوعه من جواب إلى جواب. وقا السمعاني في حقه: كان عالماً بروايات أبي حنيفة، وكان حسن الخلق. وقال شمس الأئمة السرخسي: الحسن بن زياد المقدم في السؤال والجواب. وقال يحيى بن آدم: ما رأيت أفقه من الحسن بن زياد. ومما روى عنه من دينه وورعه، أنه سئل عن مسألة فأخطأ فيها، فلما ذهب السائل ظهر له الحق، فاكترى منادياً ينادي: إن الحسن بن زياد استفتى فأخطأ في كذا، فمن كان أفتاه الحسن في شيء، فليرجع إليه. فما زال حتى وجد صاحب الفتوى، فأعلمه بالصواب. وروى عنه محمد بن شجاع، أنه قال، وقد سأله رجل: أكان زفر قياساً؟ ما قولك قياساً!! هذا كلام الجهال، كان عالماً. فقال الرجل: أكان زفر نظر في الكلام؟ فقال: ما أستخفك، تقول لأصحابنا نظروا في الكلام، وهم بيوت الفقه والعلم، إنما يقول نظر في الكلام من لا عقل له، وهؤلاء كانوا أعلم بالله وبحدوده من أن يتكلموا في الكلام الذي تعني، ما كان همهم غير الفقه. 677 - حسن بن سلامة بن ساعد أبو علي الفقيه من أهل منبج، قدم بغداد، واستوطنها إلى حين وفاته. تقدم ولده أحمد، ويأتي ولده يحيى، وولده علي، ثلاثة إخوة، علماء فضلاء. تفقه صاحب الترجمة على قاضي القضاة الدامغاني، حتى برع في الفقه، ودرس، وشهد عند قاضي القضاة المذكور، وولي القضاء بنهر عيسى، وسمع الشريف أبا نصر الزينبي، وابا طاهر أحمد بن الحسن الكرجي، وغيرهما. وروى عنه أبو القاسم ابن عساكر، في " معجم شيوخه "، وتفقه عليه ابنه أحمد المذكور. وكان إماماً، مُفننا، مُدرساً، له يد باسطه في؛ المتفق، والمختلف، والمفترق. مات سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 678 - حسن بن سنان الحسيني العالم العامل، والبارع الكامل، الشهير بأمير حسن السيواسي، النيكساري المولد. رحل في طلب العلم، واكتساب الفضائل، وأخذ عن العلامة أبي السعود العمادي مفتى الديار الرومية وعالمها، ولازمة مدة مديدة، واشتغل عليه، وعلى غيره، ومهر وبرع، وتفنن في أكثر العلوم، ثم صار مُلازماً من المولى خير الدين، مؤدب السلطان سليمان بن السلطان سليم خان، تغمدها الله تعالى بالرحمة والرضوان. ودرس في الديار الرومية بعدة مدارس، ثم ولي قضاء حلب، ثم قضاء مكة المشرفة، وأقام بها قاضياً نحو خمس سنوات، وحمد أهل البلدين سيرته، وشكروا في العدل طريقته، ومدحوه نظماً ونثراً، وبالغوا في الدعاء له سراً وجهراً، وعامل جيران بيت الله معاملة حسنة، وسار فيهم سيرة مشكورة، وسلك فيهم طريقة مرضية، ثم ولي قضاء بروسة، ثم قضاء أدرنة، ثم عزل وعين له في كل يوم تسعون درهماً عُثمانياً، بطريق التقاعد. وكانت وفاته في مدينة إصطنبول، في شهر ذي الحجة، صبيحة عيد الأضحى، سنة خمس وسبعين وتسعمائة، ودفن خارج باب أدرنة، بالقرب من قبر الأمير البخاري. كذا أملاني هذه الترجمة أحد أولاد صاحبها. وكان - كما أخبرتني به ولده الفاضل البارع محمد جلبي الشهير بالسعودي - عالماً عاملاً، له يد طولى في كثير من العلوم، خصوصاً الفقه وأصوله، وكان على طريقة السلف في التواضع والخشوع، وعدم الميل إلى الدنيا، وكان متثبتا في أحكامه، بصيراً بأمور القضاء، مع العفة الزائدة والدين المتين. وقد خلف من الولد ثلاثة، أنجب كل منهم وفاق الأقران، وبلغ في المكارم الغاية، وأخذ من الفضائل بأوفى نصيب، وأوفر حظ. فأكبرهم الفاضل العالم البارع مصطفى جلبي، المدرس الآن، وهو سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة، بإحدى المدارس السليمانية.

679 - الحسن بن شرف، حسام الدين التبريزي

أخذ العلم عن أبيه، وعن غيره من علماء الديار الرومية، ودخل مع أبيه الديار العربية، واجتمع ببعض علمائها، وأخذ عن أكابر فضلائها، وأجازوه بالرواية عنهم، ومهر في العربية وغيرها من الفنون، وقد جمع الله من الهيبة، والوقار، ومحبة الناس، ما هو لائق بحضرته الشريفة الهاشمية. والثاني هو الإمام الفاضل العلامة محمد جلبي السعودي، المذكور سابقاً، أدام الله سعده، وخلد عزه ومجده. أخذ العلم عن أبيه، وعن غيره من أعيان علماء الروم، وبرع في العلوم، المنطوق منها والمفهوم، ورحل إلى ديار العرب، ومهر في علم الأدب، وهو الآن مدرس بإحدى المدارس الثمان، لا يفتر عن الاشتغال، والإفادة والاستفادة، والمطالعة والتحرير، مع الدين، والورع، والتقوى، والقيام مع الحق، ومساعدة فقراء الطلبة، تارة بجاهه، وتارة بماله. وهو كما قال الشاعر: مَولىً إذا قصَد الأنامُ نَوَالَهُ ... يَكْفِيهمُ منه مُجَرَّدُ قَصْدِهِ لا غَرْوَ أن فاقَ الأنامَ لأنَّهُ ... وَرِثَ المَكارِمَ عن أبيه وجَدِّهِ والثالث يقال له: أحمد جلبي، صار من أرباب الدولة الكبار، وكتابها الأخيار، وله معرفة تامة بعلم الموسيقى، حسن الأخلاق والمعاشرة، كريم النفس بما في يده. وهو كما قال الشاعر: لا يَألَفُ الدِّرْهَمُ المَضْروبُ صُرَّتَهُ ... لكنْ يَمُرُّ عليها وهْوَ مُنْصَرِفُ 679 - الحسن بن شرف، حسام الدين التبريزي ناظم " البحار " في الفقه. ذكره ابن طولون في " الغرف العلية "، وقال: ذكره المحب ابن الشحنة في أوائل شرحه على " الهداية " المسمى ب " نهاية النهاية "، فقال: كان شيخنا يترجمه بالعلم والفضل. يعني به العلامة الشيخ بدر الدين ابن سلامة الحنفي. قال: وذكر لي أنه قرأ عليه " الكشاف "، وغيره. ومن تأليفه " دامقة المبتدعين " بالقاف، قال: والدامقة الضربة التي تكسر السن. وكانت وفاته في نيف وسبعين وسبعمائة. 680 - الحسن بن شيبان بن الحسن أبو محمد الحلبي قال ابن النجار: أحد فقهاء الحنفية. وأبوه شيبان بن الحسن، يأتي إن شاء الله تعالى. شهد عند قاضي القضاة أبي الحسن علي بن محمد الدامغاني، في الخامس والعشرين من شعبان، سنة تسع وثمانين وأربعمائة، فقبل شهادته، وسمع الحديث من أبي الغنائم محمد بن علي بن أبي عثمان، وغيره. ومات - رحمه الله تعالى - شاباً، لم يرو شيئاً. ذكر أبو الحسن الهمذاني أنه توفي سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، ولم يبلغ الثلاثين، وكان من أحسن الناس وجهاً. رحمه الله تعالى. 681 - الحسن بن صالح بن صالح بن مسلم بن حي الإمام، القدوة، أبو عبد الله الهمداني الكوفي الفقيه العابد، أخو علي بن صالح المحدث، وهما توأمان، ولدا سنة مائة. وحدث الحسن عن سلمة بن كهيل، وعبد الله بن دينار، ومنصور بن المعتمر، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وسماك بن حرب، وخلق كثير. حدث عنه وكيع، ويحيى بن آدم، ويحيى بن فضيل، وعبد الله بن موسى، وأبو نعيم، وقبيضة، وأحمد بن يونس، وعلي بن الجعد، وآخرون. قال أبو نعيم: كتب عن ثمانمائة شيخ، فما رأيت أفضل من الحسن بن صالح. ووثقه أحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وغيرهما. وقال أبو زرعة: اجتمع فيه إتقان، وفقه، وعبادة، وزهد، وكان يشبه بسعيد بن جبير. وقال وكيع: جزا هو وأمه وأخوه الليل للعبادة، فماتت أمه فقسما الليل بينهما، فمات علي فقام الحسن الليل كله. وعن أبي سليمان الداراني، قال: مارأيت أحداً الخوف على وجهه أظهر من الحسن بن صالح، قام ليلة ب " عَمَّ يَتَسَاءلون "، فغشي عليه فلم يختمها إلى الفجر. وعن الحسن، أنه قال: ربما أصبحت ما معي درهم، وكأن الدنيا حيزت لي. وعنه أيضاً، قال: إن الشيطان يفتح للعبد تسعة وتسعين باباً من الخير، يريد بها باباً من الشر. وقال أبو نعيم: ما كان بدون الثوري في الورع والقوة، وما رأيت إلا من غلط في شيءٍ غير الحسن بن صالح. *ونسبه الذهبي إلى أن كان يذهب إلى القول بترك الجمعة خلف الظلمة، والخروج عليهم بالسيف. والله أعلم بحاله. وعن أبي الوليد الطيالسي، في حكاية عن أبي يوسف، أنه قال: ما أخاف على رجل من شيءٍ خوفي عليه من كلامه في الحسن بن صالح. فوقع في قلبي أنه أراد شعبة.

682 - الحسن بن صديق الوزغجني أبو علي

قال أبو نعيم: مات الحسن سنة سبع وستين ومائة. رحمه الله تعالى. 682 - الحسن بن صديق الوزغجني أبو علي يروى عن محمد بن عقيل، وأحمد بن حم. والوزغجني؛ بفتح الواو وسكون الزاي وفتح الغين المعجمة وسكون الجيم وفي آخرها نون: نسبة إلى وزغجن، قرية من قرى ما وراء النهر. كذا في " الجواهر " من غير زيادة. 683 - الحسن بن عبد الله بن محمد بن علي الدامغاني أبو سعيد بن أبي جعفر ابن قاضي القضاة أبي عبد الله من بيت القضاء والرياسة والتقدم. وهو أخو جعفر بن عبد الله، المذكور في حرف الجيم. ذكر أبو عبيد الله المرستاني، أنه حدث عن أبي القاسم هبة الله بن محمد ابن الحصين بتستر، وأنه سمع منه، وأنه توفي، رحمه الله تعالى، في يوم الاثنين، ثالث المحرم، سنة خمس وسبعين وخمسمائة. كذا في " الجواهر ". 684 - الحسن بن عبد الله بن محمد بن عمرو بن سعيد ابن محمد بن داود التيمي الأصل، أبو حمزة الفقيه، التنوخي قاضي منبج. مات، رحمه الله تعالى، قبل الأربعمائة. ذكره كمال الدين ابن العديم، في " تاريخه ". وسيأتي أخوه محسن في بابه، إن شاء الله تعالى. وقد رثاه أبو العلاء المعري، بقصيدة فريدة، لا بأي بإيرادها، فإنها من القصائد الطنانة، وهي: غَيْرُ مُجْدٍ في مِلَّتِي واعْتِقَادِي ... نَوْحُ بَاكٍ ولا تَرَنُّمُ شَادِ وشَبِيهٌ صَوْتُ النَّعِيِّ إذا قِي ... سَ بِصَوْتِ البَشِيرِ في كُلِّ نَادِ أبَكَتْ تِلْكُمُ الحْمَامَةُ أم غَنَّ ... تْ علَى فَرْعِ غُصْنِهَا المَيَّادِ صَاحِ هذِي قُبورُنَا تَمْلأ الرُّحْ ... بَ فأينَ القُبورُ مِن عَهْدِ عَادِ خَفِّفِ الوَطْء مَا أظُنُّ أدِيمُ ال ... أرْضِ إلاَّ من هذه الأجْسادِ وقَبِيحٌ بِنَا وإنْ بَعُدَ الْ ... عَهْدُ هَوان الآباءِ والأجْدادِ سِرْ إتِ اسْطَعْتَ في الهَواءِ رُوَيْداً ... لا اخْتِيالاً على رِقَابِ الأعَادِي رُبَّ لَحْدٍ قد صارَ لَحْداً مِرَاراً ... ضَاحِكٍ مِنْ تَزَاحُمِ الأضْدادِ ودَفِينٍ علَى بَقايَا دَفِينٍ ... في طَوِيلِ الزَّمانِ والآبادِ فَاسْألِ الفَرْقَدَيْنِ عمَّن أحَسَّا ... مِن قَبِيلٍ وآنسَا مِن بِلادِ كم اقاما على زَوالِ نَهارٍ ... وأنارَا لِمُدْلِجٍ في سَوادِ تَعَبٌ كلُّها الحياةُ فما أعْ ... جَبُ إلا مِن رَاغِبٍ في ازْدِيَادِ إنَّ حُزْناً في سَاعَةِ الفَوْتِ أضْعَا ... فُ سُرُورٍ في ساعةِ المِيلاَدِ خُلِقَ الناسُ لِلْبَقاءِ فضَلَّتْ ... أمَّةٌ يَحْسِبُونهم للنَّفادِ إنَّما يُنْقَلُون مِن دارِ أعْما ... لٍ إلى دارِ شِقْوَةٍ أو رَشَادِ ضَجْعَةُ الموتِ رَقْدَةٌ يَسْترِيحُ ال - جِسْمُ فيها والعيشُ مِثْلُ السُّهادِ أبَناتِ الْهَدِيلِ أسْعدْنَ أوْعِد ... نَ قليلَ العَزاءِ بالإسعادِ إيهِ للهِ دَرُّكُنَّ فأنتُنَّ ... اللَّواتِي يُحْسِنَّ حِفْظَ الوِدَادِ ما نَسِيتُنَّ هالِكاً في الأوَانِ الْ ... خالِ أوْدَى مِن قَبْلِ هُلْكِ إيادِ بَيْدَ أنِّي لا أرتَضِي ما فَعَلْتُنَّ ... وأطْوَاقُكُنَّ في الأجْيَادِ فتَسَلَّبْنَ واسْتَعِرْنَ جميعاً ... مِن قَمِيصِ الدُّجَا ثِيَابَ حِدَادِ ثُمَّ غَرِّدْنَ في المَآتِمِ وانْدُبْ ... ن بِشَجْوٍ مع الْغَوانِي الخِرَادِ قَصَدَ الدهرُ مِن أبي حَمْزَةَ الأوَّ ... ابِ مَوْلَى حِجيً وخِدْنَ اقْتِصادِ وفَقِِيها أفكَارُه شِدْنَ لِلنُّعْ ... مانِ مالم يَشِدْهُ شِعْرُ زِيَادِ وختمها بقوله: بَانَ أمْرُ الإلهِ واْخْتَلَفَ النَّ ... اسُ فَدَاعٍ إلى ضَلالٍ وهَادِ

685 - الحسن بن عبد الله بن المرزبان أبو سعيد القاضي السيرافي النحوي

والذي حارَتِ البَرِيَّةُ فيه ... حَيَوانٌ مُسْتَحْدَثٌ مِن جَمادِ واللَّبِيبُ مَن ليس يَغْتَرُّ ... بكَوْنِ مَصِيرُه لِفَسادِ 685 - الحسن بن عبد الله بن المرزبان أبو سعيد القاضي السيرافي النحوي سكن بغداد، وحدث بها عن محمد بن أبي الأزهر البوشنجي، وأبي عبيد بن حربويه الفقيه، وعبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، وأبي بكر ابن دريد، ونحوهم. وولي القضاء ببغداد، وكان أبوه مجوسياً اسمه بهزاد، فسماه أبو سعيد عبد الله. وعن رئيس الرؤساء شرف الوزراء، جمال الورى، أبي القاسم علي بن الحسن، قال: إن أبا سعيد السيرافي، كان يدرس القرآن، والقراءات، وعلوم القرآن، والنحو، واللغة، والفقه، والفرائض، والكلام، والشعر، والعروض والقواع، والقوافي، والحساب. وذكر علوماً سوى هذه. وكان من أعلم الناس بنحو البصريين، وينتحل في الفقه مذهب أهل العراق. قال رئيس الرؤساء: وقرأ على أبي بكر ابن مجاهد القرآن، وعلى أبي بكر ابن دريد اللغة، ودرسا جميعاً عليه النحو، وقرأ على أبي بكر ابن السراج، وعلى أبي بكر المبرمان النحو، وقرأ عليه أحدهما القرآن، ودرس عليه الآخر الحساب. قال: وكان زاهداً، لا يأكل إلا من كسب يده، فذكر جدي أبو الفرج عنه، أنه كان لا يخرج إلى مجلس الحكم، ولا إلى مجلس التدريس في كل يوم، إلا بعد أن ينسخ عشر ورقات، يأخذ أجرتها عشرة دراهم، وتكون قدر مؤنته، ثم يخرج إلى مجلسه. وقال ابن أبي الفوارس: وكان أبو سعيد نزهاً، عفيفاً، جميل الأمر، حسن الأخلاق. وقال محمد بن العباس بن الفرات: كان أبو سعيد السيرافي، عالماً فاضلاً، منقطع النظير في علم النحو خاصة، وكانت سنة يوم توفي ثمانين سنة. وعن هلال بن المحسن، أنه توفي يوم الاثنين، الثاني من رجب، سنة ثمان وستين وثلاثمائة، عن أربع وثمانين سنة. قال أبو حيان التوحيدي، في " تفريط الجاحظ " له: أبو سعيد السيرافي شيخ الشيوخ، وإمام الأئمة، معرفة بالنحو، والفقه، واللغة، والشعر، والعروض، والقوافي، والقرآن، والفرائض، والحديث، والكلام، والحساب، والهندسة، افتى في جامع الرصافة خمسين سنة على مذهب أبي حنيفة فما وجد له خطأ، ولا عثر له على زلة، وقضى ببغداد، هذا مع الثقة والديانة والأمانة والرزانة، صام أربعين سنة أو أكثر، الدهر كله. وقال في " محاضرات العلماء ": شيخ الدهر، وقريع العصر، العديم المثل، المفقود الشكل، ما رأيت أحفظ منه لجوامع الزهد نظماً ونثراً، وكان ديناً، ورعاً، تقياً، نقياً، زاهداً، عابداً، خاشعاً، له داب في القراءة والخشوع، وورد بالليل من القيام والخضوع، ما قرئ عليه شيء قط فيه ذكر الموت والبعث ونحوه، إلا بكى وجزع، ونغص عليه يومه وليلته، وامتنع عن الأكل والشرب، وما رأيت أحداً من المشايخ كان أذكر لحال الشباب، وأكثر تأسفاً على ذهابه منه، وكان إذا رأى أحداً من أقرانه عاجله الشيب تسلى به. وقال في " الإمتناع والمؤانسة ": هو أجمع لشمل العلم، وأنظم لمذاهب العرب، وأدخل في كل باب، وأخرج من كل طريق، وألزم للجادة الوسطى في الخلق والدين، وأروى للحديث، وأقضى في الأحكام، وأفقه في الفتوى، كتب إليه ملوك عِدة كتباً مصدرة بتعظيمه، يسأله فيها عن مسائل في الفقه والعربية واللغة. وكان حسن الخط، طلب أن يقرر في ديوان الإنشاء فامتنع، وقال: هذا أمر يحتاج إلى دربة، وأنا عارٍ منها، وسياسة وأنا غريب فيها. وفي " الدر الثمين " أن أبا سعيد لما شهد عند قاضي القضاة ابن معروف، وقبل شهادته، وصار من جملة عدوله، عاتبه على ذلك أحد المختصين به، وقال له: إنك إمام الوقت، وعين الزمان، والمنظور إليه، والمقتبس من علمه، تضرب إليك أكباد الأبل، ويفتقر إليك الخاص والعام، والرعايا والسلطان، فإذا توسطت مجلساً كنت المنظور في الصدر، وإذا حضرت محفلاً كنت البدر، قد اشتهر ذكرك في الأقطار والبلاد، وانتشر علمك في كل محفل وناد، والألسنة مقرة بفضلك، فما الذي حملك على الانقياد لابن معروف واختلافك إليه؟ فصرت تابعاً بعد أن كنت متبوعاً، ومؤتمراً بعد أن كنت آمراً، وضعت من قدرك، وضيعت كثيراً من حرمتك، وأنزلت نفسك منزلة غيرك، وما فكرت في عاقبة أمرك، ولا شاورت أحداً من صحبك.

686 - الحسن بن عبد الله القاضي أبو علي النسفي

فقال: اعلم أن هذا القاضي مراده اكتساب ذكر جميل، وصيت حسن، ومباهاة لمن تقدمه، ومع ذلك فله من السلطان منزلة رفيعة، وقوله عنده مسموع، وأمره لديه متبوع، ورأيته يستضئ برأيي، ويعدني من جملة ثقاته وأوليائه، وقد عرض لي وصرح مرة بعد أخرى، وثانية عقب أولى، فلم أجب، فخفت مع كثرة الخلاف أن يكون تكرار الامتناع موجباً للقطيعة، وتوقع أضرار، وإذا اتفق أمران، فاتباع ما هو أسلم جانباً، وأقل غائلة أولى، وقد كان ما كان، والكلام بعد ذلك ضرب من الهذيان. وكان أبو علي الفارسي وأصحابه يحسدونه كثيراً. وله من التصانيف " شرح كتاب سيبويه " لم يسبق إلى مثله، وحسده عليه أبو علي وغيره من معاصريه، " وشرح الدريدية " و " ألفات القطع والوصل "، و " الإقناع " في النحو، لم يتمه، فأتمه ولده يوسف، وكان يقول، وضع والدي النحو في المزابل بالإقناع. يعني أنه سهله جداً، فلا يحتاج إلى مفسر، و " شواهد سيبويه "، و " المدخل إلى كتاب سيبويه "، و " الوقف والابتداء "، و " صنعة الشعر والبلاغة "، و " أخبار النحاة البصريين "، و " كتاب جزيرة العرب ". وهجاه أبو الفرج الأصبهاني لمنافسةٍ كانت بينهما، بقوله: لَسْتَ صَدْراً ولا قَرَأت علَى صَدْ ... رٍ ولا عِلْمُكَ البَكِيُّ بشَافِ لَعَنَ اللهُ كلَّ شِعْرٍ ونَحْوٍ ... وعَرُوضٍ يَجِئُ مِن سِيرافِ قال أبو حيان التوحيدي: رأيت أبا سعيد، وقد أقبل على الحسين بن مردويه الفارسي، وهو يشرح له " مدخل كتاب سيبويه " ويقول له: اصرف همتك إليه، فإنك لا تدركه إلا بتعب الحواس، ولا تتصوره إلا بالاعتزال عن الناس. فقال: يا سيدي، أنا مؤثر لذلك، ولكن اختلال الأمور، وقصور الحال، يحول بيني وبين ما أريد، فقال: ألك عيال؟ قال: لا. قال: عليك ديون؟ قال: دريهمات. قال: فأنت ريح القلب، حسن الحال، ناعم البال، اشتغل بالدرس والمذاكرة، والسؤال والمناظرة، واحمد الله تعالى على خفة الحال. وأنشده: إذا لم يكن للمرءِ مالٌ ولم يكنْ ... له طُرُقٌ يسْعى بِهنَّ الوَلائدُ وكان له خُبزٌ ومِلحٌ ففيهما له بُلغَةٌ حتى تَجِئ الفَوائدُ وهل هيَ إلا جَوعَةٌ إن سَدَدْتَها ... وكلُّ طعامٍ بين جَنْبَيْكَ وَاحِدُ واستشارة أبو أحمد بن مزدك في تزويج ابنته، وذكر له أنه خطبها جماعة. قال له: اختر منهم من يخشى الله تعالى، فإنه إن أحبها بالغ في إكرامها، وإن لم يحبها تحرج من ظلمها. وتأخر بعض أصحابه عن مجلسه في يوم السبت، فسأله عن سبب تأخره، فاعتذر بشرب دواءٍ، فأنشد: لَنعمَ اليومُ يومُ السبتِ حَقاً ... لِصيدٍ إن أردت بلا امتراءِ وفي الأحد البِناءُ فإن فيه ... تَبدى اللهُ في خَلْقِ السماءِ وفي الاثنين إن سافَرتَ فيه ... يكونُ الأوْبُ فيه بالنَّماءِ وإن تَرُمِ الحِجَامة فالثلاثَا ... ففي ساعاتهِ دَرْكُ الشفاءِ وإن شَرِبَ امرُؤٌ يوماً دَواء ... فنِعْمَ اليومُ يومُ الأربعاءِ وفي يوم الخميسِ قضاءُ حَاجٍ ... فإنَّ اللهَ يَأذَنُ بالقضَاءِ ويومُ الجُمُعةِ التَّزْوِيجُ فيهِ ... ولَذَّاتُ الرِّجالِ معَ النَّساءِ 686 - الحسن بن عبد الله القاضي أبو علي النسفي من شيوخ أبي العباس المستغفري. كذا ذكره في " الجواهر "، ولم يزد عليه. 687 - الحسن بن عبد الصمد الرومي السامسوني كان رجلاً عالماً، عاملاً، متورعاً، قرأ على المولى خسرو، وغيره. وصار مدرساً بإحدى المدارس الثمان، ثم صار معلماً للسلطان محمد خان، ثم ولي قضاء العسكر، ثم أعيد إلى التدريس بإحدى الثمان، ثم ولي قضاء إصطنبول. وكان محمود السيرة، مرضي الطريقة. وكان له خط حسن، كيب به كثيراً من الكتب، منها: " صحاح الجوهري "، كتبه للسلطان محمد. وله " حواش على المقدمات الأربع " و " حواش على حاشية شرح المختصر " للسيد. مات سنة إحدى وتسعين وثمانمائة. رحمه الله تعالى. 688 - الحسن بن عثمان بن حماد بن حسان ابن عبد الرحمن بن يزيد أبو حسان القاضي الزيادي

689 - الحسن بن عثمان

ذكره القاضي أبو علي المحسن بن التنوخي، فقال: كان من وجوه فقهاء أصحابنا، من غلمان أبي يوسف، سمع هشيم بن بشير، ووكيع بن الجراح، في خلق. روى عن محمد الباغندي، وإسحاق بن الحسن الحربي. وله " تاريخ " حسن. قال: وكان من أصحاب الحديث، تقلد القضاء قديماً، ثم تعطل، فأضاق، ولزم مسجده، يفتي ويدر الفقه. مات، رحمه الله تعالى، سنة اثنتين وأربعين ومائتين. قال إسحاق الحرب: حدثني أبو حسان الزيادي، أنه رأى رب العزة جل جلاله في النوم، فقال: رأيت وراً عظيماً لا أحسن أصفه، ورأيت فيه شخصاً خيل إلي أنه النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه يشفع إلى ربه في رجل من أمته، وسمعت قائلاً يقول: ألم يكفك أني أنزلت عليك في سورة الرعد: (وإنَّ ربَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ) ثم انتبهت. 689 - الحسن بن عثمان والد بكار المتقدم في بابه، تفقه عليه ابنه بكار. كذا قاله في " الجواهر "، والله أعلم. 690 - الحسن بن عطاء السعدي أستاذ محمد بن الحسن بن الحسين المنصوري. كذا قاله في " الجواهر " أيضاً من غير زيادة. 691 - الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة الكوفي والد الحسين الآتي ذكره، وجد الحسن المتقدم ذكره. حدث عنه ابنه الحسين. قاله في " الجواهر " أيضاً من غير زيادة. 692 - الحسن بن علي بن جبريل الصاغرجي أبو أحمد الفقيه، الدهقان تفقه على جده لأمه العباس بن الطيب الصاغرجي، الآتي في بابه إن شاء الله تعالى. مات بعد سنة ستين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 693 - الحسن بن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري مولى أم سلمة المخزومية زوج أبي العباس السفاح. ولي قضاء مدينة المنصور بعد عبد الرحمن بن إسحاق الضبي، وحدث عن أبيه، وولي القضاء في حياته، ومات لأبوه بعد توليته بسنتين، ومات هو في سنة اثنتين وأربعين ومائتين. وكان سرياً، ذا مروءة، عالماً بمذهب أهل العراق. وسئل عنه أحمد فقال: كان معروفاً عند الناس بأنه جهمي، مشهور بذلك، ثم بلغني عنه الآن أنه رجع عن ذلك، رحمه الله تعالى. 694 - الحسن بن علي بن أبي السعود الكوفي مولده بها، سنة خمس وسبعين وخمسمائة، ووفاته بدار الحديث بالقاهرة، سنة تسع وثلاثين وستمائة. وكان فقيهاً، محدثاً، مقرئاً، شاعراً، روى عنه الناس. 695 - الحسن بن علي بن عبد الله بن محمد بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن موسى بن عيسى " بن عبد الله " ابن محمد بن عامر بن أبي جرادة العقيلي الحلبي من البيت المشهور. ولد بحلب، سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وقيل غير ذلك وسمع وأفاد. ومات في أيام الفائز، سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وله من العمر تسع وخمسون سنة، رحمه الله تعالى. وذكر العماد الكاتب، في " الخريدة "، وأورد شيئاً كثيراً من أشعاره، فقال: القاضي ثقة الملك، أبو علي الحسن بن علي بن عبد الله ابن أبي جرادة. من أهل حلب، سافر إلى مصر، وتقدم عند وزرائها وسلاطينها، خاصة عند الصالح أبي الغارات ابن رزيك، وهو من بيت كبير بحلب، وذو فضل غزير وأدب. وتوفي بمصر، في جمادى الأولى، سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ومن سائر شعره ما يغنى به، أنشدني له بعض أصدقائي بدمشق: يا صاحِبَيَّ أطِيلاَ في مُؤَانَسَتي ... وذَكِّرانِي بِخلاَّنِ وعُشَّاقِ وحَدِّثانِي حَدِيثَ الخَيْفِ إن به ... رَوْحاً لقلبي وتَسْهِيلاً لأَخْلاقِي ما ضَرَّرِ ريحَ الصَّبا لو نَاسَمَتْ حُرقِيواسْتَنْفَذَتْ مُهْجَتِي مِن أسْرِ أشْوَاقِي داءٌ تقادَمَ عندي مَن يُعالِجُهُ ... ونَفْثَةٌ بلَغتْ مِنِّي مَنِ الرَّاقِي يَفْنَى الزَّمانُ وآمالِي مُصَرَّمةٌ ... مِمَّنْ أُحِبُّ علَى مَطْلٍ وإمْلاَفِ يا ضَيْعَةَ العُمْرِ لا الماضِي انتَفَعْتُ به ... ولا حَصلْتُ على عِلْمٍ مِن الْباقِي

قال: وأنشدني الشريف إدريس بن الحسن بن علي بن يحيى الحسني الإدريسي المصري لابن أبي جرادة قصيدة في الصالح ابن رزيك، يذكر قيامه بنصر أهل القصر، بعد فتكة عباس وزيرهم بهم، وقتله جماعة منهم، وقيام ابن رزيك في الوزارة، أولها: مَن عَذِيِري مِن خَلِيلِي مِن مُرَادِ مَن خَفِيرِي يَوْمَ أرْتادُ مَرادي مِن عُصاة أضْمَروُا الغَدْرَ فهُمْ ... أهلُ نَصْبٍ ونِفاقٍ وعِنادِ قتلوا الظافِرَ ظُلْماً وانْتَحوا ... لِبَنِي الحافِظِ بالبيض الحِدادِ واعْتدى عَبَّاسُ فيهم وابْنُه ... فَوْقَ عُدْوانِ يَزيدٍ وزِيادِ مِثْلُ سَفْرٍ قَتَلوا هَادِيهمُ ... ثم ضَلُّوا ما لهم مِن بَعْدُ هَادِ جاءهَم في مِثْلِ ريحٍ صَرْصَرٍ ... فَتَوَلَّوْا مِثْلِ رِجْلٍ مِن جَرَادِ بعدَ ما غَرَّهُمُ إمْلاؤُهُ ... ولَهِيبُ الجَمْرِ مِن تَحْتِ الرَّمَادِ وتَظَنَوا أنْ سَتَرْتَاعُ بهمْ ... هل تُراعُ الأُسْدُ يوماً بالنِّقَادِ قال: وأنشدني - يعني الشريف المذكور - لابن أبي جرادة في ابن رزيك، لما قتل ابن مدافع محمداً، سيد لوائه قبل الوزارة، من قصيدة: لَعَمْرِِي لقد أفلحَ المُومِنُونَا ... بِحَقٍّ وقد خَسِرَ الْمُبْطِلُونا وقد نصر اللهُ نَصْراً عَزِيزاً ... وقد فتح اللهُ فتحاً مُبِينَا بمَن شارَ عَلْياهُ واختارَهُ ... ولَقَّبَهُ فارسَ المُسْلِمينَا وكان محمدُ لَيْثَ العَرين فأخْلَى لَعَمْريَ منه العَرنَا وقد كاد أنْ يَسْتَبِينَ الرَّشَا ... دَ فأعْجَلَهُ الحَتْفُ أن يَسْتَبينَا ولا بُدَّ للغاصِبِ المُسْتَبِينِ ... على الكُرهِ مِنْ أن يُوَفِّي الدُّيُونَا ومَن يَخْذُلِ اللهُ ثُمَّ الإمامُ ... فليس له اليومُ مِن ناصِرِينَا ولَمَّا اسْتَجاشَتْ عليه الْعِدَا ... وشَبَّ له القومُ حَرْباً زَبُونَا سَقاهُمْ بِكاسٍ مَرِيرِ المَذا ... قِ لا يَعْذُبُ الدَّهْرَ لِلشَّاربينَا وأشْبَعَ ضِباعَ الفَلاةِ ... فَظَلُّوا لأنْعُمِهِ شاكرينا ومن شعره أيضاً، قوله: لَهَفِي لِفَقْدِ شَبيبَةِ ... كانتْ لدَيَّ أجَلَّ زادِ أنْفَقْتُهَا مُتَغَشْمِراً ... لا في الصلاحِ ولا الفَسادِ ما خِلْتُ أني مُبتَلى ... بهوَى الأصادِقِ والأعادِي حتى بَكَيْتُ على البَيَا ... ضِ كما بَكَيْتُ على السَّوادِ ومنه أيضاً: أحْبابَنَا شَفَّنَا لِهَجْرِكُمُ ... وبُعْدِنا مِن وصَالِكم خَبَلُ فإن قَطَعنا لا تَحْفِلُون بنا ... وإن وَصَلْناكُمُ فلا نَصِلُ فأرْشِدُونا كيف السبيلُ فقد ... ضاقَتْ بنا في هَوَاكُمُ الْحِيَلُ شأنُ المُحِبِّين أن يدوموا على الْ ... عَهْدِ وشأنُ الأحبَّةِ المَلَلُ ومنه أيضاً قوله: لِقاؤك أحلى من رُقادي على جَفْنِي ... وقُرَبُكَ أحْلى من مصاحبة الأمنِ أيا مَن أطَعْتُ الشَّوْقَ حتى أتَيْتُهُ ... وأيْقَنْتُ أني قد لَجَأتُ إلى رُكْنِ لَئنْ لم أفُزْ منكَ الغَداةَ بنظْرةٍ ... تُسَهِّلُ مِن وَعْرِ اشتياقي فَوَاغَبْنِي ومنه أيضاً قوله: وَجْدٌ قديمٌ وهَوى بَاقِ ... ونَظْرةٌ ليس لها رَاقِ ودَمْعُ عَيْنٍ أبداً حائِرٌ ... ليس بِمُنْهَلٍّ ولا رَاقِ أحْبابَنا هل وَقْفَةٌ بالِّلوى ... تُسْعٍفُ مُشْتاقاً بِمُشْتاقِ وهل نُدَاوَى مِن كُلُو النَّوى ... بِلَفِّ أعَنْاقٍ بأعْناقِ ما زِلْتُ مِن بَيْنِكُمُ مُشْفِقاً ... لو أنَّه يَنْفَعُ إشْفَلقِي

أعومُ في لُجَّةِ دَمْعِي إذا ... ما أُضْرِمَتْ تِيرانُ أشوَاقِي وَجْدِي بكم فَقْدٌ ومِيعَادُكمْ ... مُنكَسِرٌ في جُمْلَةِ الباقِي يا سَاقِياً خَمرةَ أجْفانِهِ ... لَهْفِي علَى الخَمْرِةِ والسَّاقِي أما تَخافُ اللهَ في مُقْلَةٍ ... لا عاصِمٌ منها ولا وَاقِ ومنه أيضاً قوله: إن بينَ السُّجُوفِ والأوْراقِ ... فِتْنَةً للقلوبِ والأحداقِ ومَريضُ العُهودِ تُخْبرُ عَيْناً ... هُ بما في فُؤادِه مِن نِفَاقِ أنا منهُ في ذِلَّةٍ وخُضُوعٍ ... وهو مني في عِزَّةٍ وشِقاقِ سَدَّدَ السَّهمَ في جُفُونٍ إذا ما ... فُوِّقَتْ لم يكن لها مِن فَوَاقِ ولَيالٍ مِن الصَّبابةِ أسْتَعْ ... رِضُ فيها نَفائِسَ الأعلاقِ حيثُ لا نَجْمُها قريبٌ من الغَرْ ... بِ وليستْ بدورُها في الإشْراقِ يا خَلِيليَّ هل إلى مَعْهَدِ الحَيِّ ... سَبِيلٌ لِلهائِمِ المُشْتَاقِ إنَّ وَجْدِي به وإن طالَ عَهْدِي ... لَجَدِيدُ القُوَى شديدُ الوِثَاقِ مَثْلُ وَجْدِ القاضي المُوَفَّقِ بالمَجْ ... دِ وقِدْماً ما تَصاحَبَا بِوِفَاقِ ذاكَ مَوْلَى كأَنَّما سَلَّمَ اللَّ ... هُ إليه مَفَاتِحَ الأَرْزَاقِ وقوله، وكتب به إلى أخيه بالشام من مصر: فُؤادٌ بِيَذْكارِ الحبيبِ عمِيدُ ... وشَوْقٌ على طُولِ الزمانِ يَزِيدُ وعَيْنٌ لِبُعْدِ العَهْدِ بين جُفُونِهَا ... قريبٌ ولكن اللِّقاءَ! بعيدُ وما كُنتُ أَدْري أنَّ قلبِيَ صابِرٌ ... وأني على يوم الفِراقِ جَليدُ ومنها: أريدُ مِن الأيام ما لستُ واجِداً ... وتُوجِدُني ما لا أكاد أُريد وقوله: سَريرةُ حُبٍّ ما يُفَكُّ أسِيرُهَا ... ولَوْعَةُ قلب ليس يَنْجُو سَعِيرُهَا ونَفْسُ لأَبَتْ أَنْ تَحْمِلَ الصبرَ عنكمُ ... وكيفَ وأنتُمْ حُزنُها وسُرُورُهَا ومنها: وهل حامِلٌ مِنِّي إليكم تَحِيَّةً ... إذا تُلِيَتْ يوماً يَضُوعُ عَبيرُهَا رَعَى الله أيَّامَ الصِّبَا كُلَّمَا هَفَتْ ... صَباً فشَفَى مَرْضَى القلوب مُرُورُهَا فهل لي إلى تلك اللِّيالي رَجْعةٌ ... أُجدِّدُ من وَجْدي بها وأزورُهَا لئن نَزَحَتْ داري فإِنَّ مَوَدَّتِي ... على كدر الأيَّامِ صافٍ غَديرُهَا وقوله، فيمن تردد إليه، فتعذر لقاؤه عليه: عَزَّنِي أنْ أراك في حالةِ الصِّحْ ... وِ كما عَزَّنِي أوانَ الْمُدامِ وكما لا سَبيلَ أنْ نَتَنَاجَى ... مِن بَعِيدٍ بألسُنِ الأَقْلامِ فعليكَ السَّلامُ لم يَبْقَ شيءٌ ... أَتَرَّجَاهُ غيرَ طَيْفِ المَنَامِ وقوله من قصيدة: يا غَائِبِينَ ومَا غَابَتْ مَوَدَّتُهُمْ ... هل تعلمون لِمَنْ شَفَّ الغَرامُ شِفَا إن تَعْتِبُوني فعِنْدي مِن تَذَكُرِكُمْ ... طَيْفٌ يُطالعُ طَرْفِي كُلَما طَرَفا أو تَجْحَدُونِي ما لاقَيْتُ بَعْدَكمُ ... فلِي شَواهِدُ سُقْمٍ ما بِهِنَّ خَفَا وَاهاً لقلب وهَيَ مِن بَعْدِ بَيْنِكُمُ ... وكنتُ أَعْهَدُ فيه قُوَّةً وجَفا فالرِّيحُ تُذكى الجَوَى فيه إذا نَفَحَتْ ... والوَجْدُ يَقْوَى عليه كُلَّما ضَعُفَا فَارَقْتُكُمْ غِرَّة مِني بِفُرْقَتِكُمْ ... فلم أجد عِوضاً منكمْ ولا خَلَفَا ومنها: وقَدْ فَضَضْتُ لَعَمْرِي مِن كتابِكُمُ ... ما يُشْبِهُ الوُدَّ منكم رِقَّةً وَصَفَا فَبِتُّ أَسْتَافُ منه عَنْبَراً أرِجاً ... طَوْراً وأنْظُرُ منه رَوْضَةً أُنُفَا

أوَدُّ لَوْ أَنَّنِي من بعضِ أَسْطُرِهِ ... شَوْقاً وأَحْسُدُ منه اللاَّمَ والأَلِفَا آلَيْتُ إن عادَ صَرْفُ الدَّهْرِ يَجْمَعُنَا ... لأَعْفُوَنَّ له عن كلِّ ما سَلَفَا لَهْفِي على نَفْحَةٍ من ريحِ أَرْضِكُمُ ... أبُلُّ منها فُؤاداً مُوقراً شَعِفا وَوَقْفَةٍ دون ذاك السَّفْحِ من حَلَبٍ ... أَمُرُّ فيها بدَمْعٍ قَطُّ ما وَقَفَا أَنْفَقْتُ دَمْعِي قَصْداً يومَ بَيْنِكُمُ ... لكنني اليومَ قد أَنْفَقْتُهُ سَرَفَا مالِي ولِلدَّهْرِ ما يَنْفَكُ يَقْذِفُ بي ... كأنَّنِي سهمُ رَامٍ يَبْتَغِي هَدَفَا وقوله: ما علَى الطَّيْفِ لو تَعَمَّدَ قَصْدِي ... فشَفَى عِلَّتِي وجَدَّدَ عَهْدي وأتاني مِمَّن أحبُّ رَسُولا ... وانْثَنَى مُخْبِراً حقيقةَ وَجْدِي إن أَحْبَابَنا وإن سَلَكُوا الْيَوْ ... مَ وحَشَاهُمُ سَبِيلَ التَّعَدِّي ونَسَونا فلا سَلامٌ يُوافِي ... بِوَفاءٍ منهم ولا حُسْنُ ودِّ لهُم الأقربون في القُرْبِ مِني ... وهُمُ الحاضِرونَ في البُعْدِ عِنْدي ما عَهِدْناهُمُ جُفاةً على الخِلِّ ... ولكنْ تَغَيَّرَ القومُ بَعْدي لَيْتَهم أسْعَفُوا المُحِبَّ وأرْضُوْ ... هُ بِوَعْدٍ إذْ لَمْ يَجُودُوا بنَقْدِ حَبَّذَا ما قَضى به البينُ مِن ضَمٍّ ... ولَثْمٍ لو لمْ يَشُبْهُ بِبُعْدِ لَكَ شَوْقِي في كلِّ قُرْبٍ وبُعْدٍ ... وارْتِيَاحِي بكُلِّ غَوْرِ ونَجْدِ ولَئَنْ شَطَّ بي الْمَزارُ فَحَسْبِي ... أنَّني مُغْرَمٌ بِحُبِّكَ وَحْدي وقوله، من أبيات كتبها إلى الأمير مؤيد الدولة أسامة: أَحْبابَنَا فَارَقْتُكُمْ ... بعدَ ائتلافٍ واعتِلاقِ وصَفاءِ وُدٍّ غيرِ ممْ ... ذُوقٍ ولا مُرِّ المَذاقِ ووثَائِقٍ بينَ القُلٌو ... بِ تَظَلُّ مُحْكَمةَ الوَثَاقِ نَفَقتْ بسُوقِ الْمَكْرُما ... تِ فليس فيها مِن نفاقِ لكنَّنِي وإن اغْتَرَبْ ... تُ وغَرَّنِي قُرْبُ التَّلاقي لا بُدَّ أن أتلُو حَقِي ... قَةَ ما لَقِيتُ وما ألاقي أما الغرامُ فما يَزا ... لُ به التَّراقي في التَّراقي وكذلكم وَجْدِي بكمْ ... باقٍ وصَبْري غيرُ بَاقٍ وطَلِيقُ قلبي مُوثَقٌ ... وحَبِيسُ دَمْعِي في انْطلاقِ ومنها: أَمْلَلْتُهم مِن طُولِ ما أَمْلَلْتُهم وَصْفَ اشْتِياقس يا وَيْحَ قلبي ما يَزال ... لُ صَرِيعَ كاساتِ الْفِرَاقِ بَلْ ليت أيَّامي الخَوَا ... لِي باقِياتٌ لا الْبَواقي وقوله: غَرامٌ بَدَا واشْتَهَرْ ... وَوَجْدٌ ثَوَى واسْتَقَرّ وجِسْمٌ شَجَتْهُ النَّوَى ... فَلِلسُّقِْ فيه أَثَرْ وقلبٌ إلى الآن ما عَلِمْتُ له مِن خَبَرْ ولَيْلٌ كيوم الحِسَا ... بِ ليس له مِن سَحَرْ وَلِى مُقْلَةٌ ما يَزَا ... لُ يَعْدُو عليها السَّهَرْ كأنَّ بأَجْفَانِهَا ... إذا ما تَلاقَتْ قِصَرْ بِنَفْسِيَ مَن لا أرَا ... هُ إلا بِعَيْنِ الفِكْرْ ومَنْ لَسْتُ أضسْلُو هَوَا ... هُ وَاصَلْني أم هَجَرْ ألِينُ له إنْ جَفَا ... وأَعْذِرُهُ إنْ غَدَرْ وأركبُ في حُبَّه ... على الْحالتَيْنِ الخَطَرْ وقوله: عَنَّفَ الصَّبَّ ولو شاءَ رَفَقْ ... رَشَأ يَرْشُقُ عَنْ قَوْسِ الحَدَقْ فيه عُجْبٌ ودَلالٌ وصِباً ... وتَجَنٍّ ومَلالٌ ونَزَقْ لِي منه ما شَجانِي ولَهُ ... مِن فُؤادِي كلُّ ما جَلِّ ودَقّ ومنها:

يا خليليَّ أعِينَانِي عَلى ... طُولِ لَيْلٍ وسَقامِ وأرَقْ أَتَظُنَّانِ صَلاَحِي مُمْكِناً ... إنما يَصْلُح مَن فيه رَمَقْ وقوله: ما علَى طَيْفِكُمُ لو طَرَقَا ... فشفَى مِنِّي الجَوَى والْحُرَقَا قَاتَلَ اللهُ فُؤاداً كُلَّما ... خَفَقَ الْبَرْقُ عليه خَفَقَا ومنها: وجُفُوناً بَلِيَتْ مُذ بُلِيَتْ ... مِنْكُمُ بعدَ نَعِيمٍ بِشَقَا وبِنَفْسي شادِنٌ يومَ النَّقَا ... كهلالٍ في قَضيبٍ في نَقَا أَسَرَتْنِي نَظْرَةٌ مِن لَحْظِهِ ... فاعْجُبول مِنِّي أسيراً مُطلقاً وبِوُدِّي عَاذِرٌ من غَادَرٍ ... نَكَثَ العَهْدَ وخان الْمَوْثِقَا لَم أزَلْ أَصْحَبُ في وَجْدِي بهِ ... جَسَداً مُضْنى وطَرْفاً أَرِقا يا خليليَّ على الظنِّ ومَن ... لِي لو ألْقَى خَليلاً مُشْفِقاً حَلِّلاَهُ ما سَبَى مِن مُهْجَتِي ... واسْتَذِمَّاهُ على ما قد بَقَى وأنشُدَا قَلْبي وصَبْري فلقدْ ... ذَهَبَا يومَ فِراقِي فِرَقَا وقوله: مَنْ صَحَّ عُقْدَةُ عَقْدِهِ ... وَصَفَتْ سَرِيرَةُ وُدِّهِ لم يَعْتَرِضْ في قُرْبِهِ ... ريبٌ ولا فنى بُعْدِهِ وقوله، مما يكتب على سيف: أنا في كَفِّ غُلامٍ ... بأسُهُ أفتَكُ مِنِّي أنا عندَ الظَّنِّ مِنْهُ ... وهو عندَ الظَّنِّ مِنِّي وكتب إلى أخيه قوله: هل لِلْمَعْنَى بعدَ بُعْدِ حَبِيبِهِ ... إلا اتِّصَالُ حنِينِهِ بِنَحِيبِهِ جُهْدُ المُحِبِّ مَدامِعٌ مَسْجُومَةٌ ... ليستْ تَقُومُ لهُ بِكَشْفِ كُرُوبِهِ أَحْبَابَنَا بانَ الشَّبابُ وبِنْتُمُ ... عن مُدْنَفٍ نَائي الْمَحَلِّ غَرِيبِهِ أمَّأ المَدامِعُ بَعْدَكُمْ فَعَزيزَةٌ ... والقلبُ موقُوفٌ على تَعْذِيبِهِ لي ألفةٌ بالليلِ بعدَ فُراقِكُمْ ... والنَّجْمُ عندَ شُرُوقِهِ وغُروبِهِ وأكادُ من ولهي إذا ما هَبَّ لِي ذاكَ النَّسِيمُ أطِيرُ عندَ هُبُوبِهِ وقوله، من قصيدة: بِوُدِّيَ لو رَقُوا لِفَيْضِ دُمُوعي ... ومن لِيَ مَنُّوا بِرَدِّ هُجُوعِي بُلِيتُ بِمُغْتالِ النَّواظِرِ مُولَعٍ ... بِهَجْرِي ولا يَرْثِي لِطُولِ وَلُوعِي فَحَتَّى مَ أَدْنُو مِن هَوى كلِّ نَازِحٍ ... وأَرْعَى بِظَهْرِ الغَيْبِ كلَّ مُضِيِعِ وهَلْ نَافِعِ أنِّي أَطَعْتُ عَوَاذِلِي ... إذا ما وجدتُ القلبَ غيرَ مُطِيعِ وماليَ أَخْشَى جَوْرَ خَصْمِيَ في الهَوَى ... وخَصْمِي الذي أَخْشَاهُ بينَ ضُلُوعي فيا وَيْحَ نفسي مِنْ قِسِيِّ حَوَاجِبِ ... لها أَسْهُمٌ لا تُتَّقَى بِدُروعِ ومِنْ عَزْمِهِ أدركتْ غرامِي وأَبْعَدَتْ ... مَرامِي وألْقَتْنِي بغير رُبُوعِي وقوله، من قصيدة أخرى: عُهُودٌ لها يومَ اللِّوَىلا أُضِيعُهَا ... وأَسْرَارُ حُبٍّ لَسْتُ مِمَّنْ يُذيعُها أَصَاخَتْ إلى الوَاشِينَ سَمْعاً ولم يَزَلْ ... يقولُ بِآراءِ الْوُشاةِ سَمِيعُهَا ومنها: وما كان هذا الحُبُّ إلاَّ غَوايَةٍ ... فَوَا أَسَفاً لو أنَّنِي لا أُطِيعُها تَقَضَّتْ لَيالٍ بِالعَقِيقِ وما انْقَضَتْ ... لُبَانَةُ صَبٍّ بِالفِرَاقِ وَلُوعُهَا ولَمَّا أفاضَ الحَيُّ فاضَتْ حُشَاشَةٌ ... أَجَدَّ بها يَوْمَ الْوَدَاعِ نُزُوعُهَا وَقَفْنَا وللألحاظِ في مَعْرَكِ النَّوى ... سِهامُ غَرامٍ في القُلوبِ وُقُوعُهَا ومنها: وبيض أعاضَتْنِي نَوَاهَا بِمثْلِهَا ... ألا رُبَّ بيضٍ لا يَسُرُّ طُلُوعُهَا خَلَعْتُ لها بُرْدَ الصِّبَا عن مَنَاكِبِي ... وعِفْتُ الهَوَى لَمَّا عَلاَنِي خَلِيعُها

وكتب إلى والده، يتشوق إليه، قوله: شَوْقي عَلَى طُولِ الزَّمَا ... نِ يَزِيدُ في مِقْدارِهِ وجَوَى فُؤادِي لا يَقَرُّ ... وكَيْفَ لِي بِقَرَارِهِ والقلبُ حِلْفُ تَقَلُّبِ ... وتَحَرُّقٍ في نارِهِ والطَّرْفُ كالطَّرْفِ الْغَرِي ... قِ يَعُومُ في تَيَّارِهِ وَتَلَهُّفي وتَأَسُّفِي ... باقٍ علَى اسْتِمْرارِهِ مَنْ ذا يَرِقُ لِنازِحٍ ... عن أَهْلِهِ ودِيارِهِ لَعِبَ الزَّمانُ بِشَمْلِهِ ... وقَضَى بِبُعْدِ مَزارِهِ فالسَقْمُ مِن زُوَّارِهِ ... والْهَمُ مِن سُمَّارِهِ والصَّبْرُ مِن أَعْدائِهِ ... والدَّمْعُ مِنْ أَنْصارِهِ وهُمُومُهُ مَقْصُورةٌ ... أبداً علَى تَذْكارِهِ وقوله، إلى القاضي الأجل الأشرف ابن البستاني، متولى الحكمم بعسقلان: لَعَلَّ تَحَدُّرَ الدَّمْعِ السَّفُوحِ ... يُسْكِّنُ لَوْعَة القَلْبِ الْقَرِيحِ وعَلَّ الْبَرْقَ يَرْوِي لِي حَدِيثاً ... فَيَرْفَعَهُ بإسْنادٍ صَحيحِ ويا رِيحَ الصِّبَا لَو خَبَّرَتْنِي ... متى كان الْخِيامُ بِذِ طُلُوحِ فَلي مِنْ دَمْعٍ أَجْفَاني غَبُوقٌ ... تُدارُ كُؤُوسُهُ بعدَ الصَّبُوحِ وأشْواقٌ تَقَاذَفُ بِي كأني ... عَلَوْتُ بها على طِرْفٍ جَمُوحِ ودَهْرٌ لا يزالُ يَحُطُّ رَحْلِي ... بِمَضْيَعَةٍ ويَرْوِيني بِلَوحِ كريمٌ بالكريم على الرَّزَايَا ... شَحِيحٌ حين يُسْأَلُ بالشَّحِيحِ وأيامٌ تُفَرِّقُ كلَّ جَمْعٍ ... وأَحْداثٌ تُجيزُ على الجَرِيح فيالَلَّهِ مِن عَوْدٍ بعُودِ ... ومن نِضْوٍ على نِضْوٍ طَلِيحِ وأَعْجَبُ ما مُنيتُ به عِتابٌ ... يُورِّقُ مُقْلَتي ويُذيبُ رُوحي أتى مِنْ بَعْدِ بُعْدٍ واكْتِئابِ ... وما أنكى الجُروحَ على الجُروحِ وقَدْ أسرى بِوَجْدِي كلُّ وَفْدٍ ... وهَبَّتْ بارْتِياحي كلُّ ريحِ سلامُ الله ما شَرَقَت ذُكاءٌ ... وشاقَ حنينُ هاتِفِهِ صَدُوحِ على تِلْكَ الشَّمائلِ والسَّجايا ... وحُسْنِ العَهْدِ والخُلْقِ السَّجيحِ على أُنسِ الغَريبِ إذا جفاهُ الْ ... قَرِيبُ ومَحْتِدِ المجدِ الصِّريح على ذي الهِمَّةِ العَلْياءِ والْمِنَّ ... ةِ البَيْضاءِ والوَجْهِ الصَّبيحِ ومنها: صَفُوحٌ عن مُؤاخذةِ الْمَوالي ... ولَيْسَ عن الأعادِي بالصَّفُوحِ هُمامٌ ليس يَبْرَحُ في مقامٍ ... كريمٍ أو لَدَى سَعْي] نَجيحِ حديدُ الطَّرْفِ في فِعْلٍ جميلٍ ... وقُورُ السَّمْعِ عن قولٍ قَبيحِ مَدَدْتُ يَدِي إليه فَشَدَّ أَزْرِي ... وذادَ نَوائِبَ الدَّهْرِاللَّحُوحِ وفُزْتُ بوُدِّهِ بعدَ ارْتِيادٍ ... ولكنْ صَدَّني عنه نُزُوحي وما أَدْرَكْتُ عايَتَّهُ بِنَظْمِي ... ولو أدْرَكْتُ غايةَ ذِي القُرُوح ولكنِّ وَقَفْتُ على عُلاهُ ... غِنائِي مِن ثَناءٍ أو مَديحِ وله، من قصيدة: إلى مَ ألُومُ الدَّهْرَ فيك وأَعْتِبُ ... وحتَّى مَ أَرْضَى في هَواكَ وأَغْضَبُ أما من خليلٍ في الهوى غير خائنٍ ... أما صاحبٌ يوماً على النُصْحِ يَصْحَبُ بَأيَّةِ عُضْوٍ التَقَى سَوْرَةَ الهَوَى ... ولِي جَسَدٌ مُضْنىً وقلبٌ مُعَذَّبُ عَذيري من ذِكْرى إذا ما تَعَرَّضَتْ ... تَعَرَّضَ لاحٍ دُونَها ومُونِّبُ ومنها:

696 - الحسن بن علي بن عبد العزيز بن عبد الرزاق ابن أبي النصر المرغيناني أبو المحاسن، ظهير الدين

أ {ى الدهرَ عَوْناً لِلهُمومِ على الهوَى ... وضِدًّا له في كلِّ ما يَتَطَلَّبُ فأَبْعَدُ شيءٍ منه ما هو آمِلٌ ... وأقْرَبُ شيءٍ منه ما يَتَجَنَّبُ وقد يَحْسِبُ الإنسانَ ما ليسَ مُدركاً ... وقد يُدرِكُ الإنسانُ ما ليس يَحْسِبُ وقوله، من قصيدة كتبها إلى والده: ظنَّ النَّوى منك ما ظَنَّ الهَوَى لَعِباً ... وغَرَّهُ غَرَرٌ بالبَيْنِ فاغْتَرَبَا فظلَّ في رِبْقِهِ التّبْريحِ مُوتَشِباً ... مَن ماتَ من حُرْقَةِ التَّوْديعِ مُنْتَحِباً مُتَيَّمٌ في بني كَعْبٍ له نَسَبٌ ... لكنَّهُ اليومَ عُذْرِيَ إذا انْتَسَبَا أجابَ داعِي النَّوى جَهْلاً بِمَوْقِعِها ... فكان منها إلى ما ساءَهُ سَبَبَا يا عَاتِبِي رُويداً مِن مُعاتِبتي ... فلستُ أوَّلَ مُخْطٍ في الهَوَى أَرَبَا رُدَّا حديثَ الهَوى غَضاً على وصبِ ... يكادُ يَقْضِي إذا هَبَّتْ عليه صَبَا وجَدِّدا عَهْدَهُ بالسَّمْعِ عن حلبٍ ... فإنَّ أَدْمُعَهُ لا تأتَلِي حَلَبَا لِلهِ قلبي ما أغْرَى الغرامَ بِهِ ... وحُسْنُ صَبْري لولا أنَّه غُلِبا يا قاتِلَ اللهُ عَزْماً كنتُ أذخَرُهُ ... رُزيتُهُ في سَبيل الحُبِّ مُحْتَسِبَا إذا تفكرتُ في أَمْري وغايتِهِ ... عِجِبْتُ حتى كأني لا أرى عَجَبَا ومنها: أَسْتَوْدِعُ اللهَ أَحْبَاباً أُشاهِدُهُم ... بِعَيْنِ قلبي وليستْ دَارُهُمْ كَثَبَا أَصْبَحتُ لا أرْتَجِي خِلاًّ أُفاوِضُهُ ... مِنْ بَعْدِ فُرْقَتِهِمْ جِداً ولا لَعِبَا فإن سُرِرْتُ فإني مُضمرٌ حَزنا ... أو ابتَسَمْتُ وَجَدْتُ القلبَ مُكتَئِباً وقوله: قالوا تَرَكْتَ الشِّعْرَ قلتُ لهمْ ... فيه اثنتانِ يَعافُها حَسَبي أمَّا المديح فَجُلُّهُ كَذِبٌ ... والهَجْوِ شيءٌ ليسَ يَحْسُنُ بِي وقوله: من لِي بأحورَ قُربِي في مَحَبَّتِهِ ... كالبُعْدِ لكن رَجائي منه كاليَأسِ مُسْتَعْذِبٌ جَوْرُهُ فالقلبُ في يَدِهِ ... مُعَذَّبٌ ويَدِي منه على راسِي ودَّعْتُهُ مِن بَعيدٍ ليسَ مِن مَلَلٍ ... لكنْ خَشِيْتُ عليه حَرَّ أَنْفاسي وقوله: ما ضَرَّهُمْ يومَ جَدَّ الْبَيْنُ لو وَقَفُوا ... وزَوَّدُوا كَلِفاً أَوْدى به الكلفُ تَخَلَّفُوا عَنْ دواعي ثُمَّتَ ارْتَحَلُوا ... وأَخْلَفُوني وُعُوداً ما لَها خَلَفُ ومنها: أَسْتَوْدِعُ اللهَ أَحْباباً أَلِفْتُهُمُ ... لكنْ على تَلَفِي يومَ النَّوى ائتلفوا تَقسَّمُوني فَقِسْمٌ لا يُفارِقُهُم ... أينَ اسْتَقلُّوا وقِسْمٌ شَفَّهُ الدَّنَفُ عُمْري لَئنْ نَزَحَتْ بالبَيْنِ دَارُهُمْ ... عَني فما نَزَحوا دَمْعِي ولا نَزَفُوا يا حَبَّذا نَظْرَةٌ منهم على وَجَلٍ ... تكاد تُنْكِرُني طَوْراً وتَعْتَرِفُ قلت: في هذا القدر كفايةٌ في شعر صاحب الترجمة، ولو أخذنا في إيراد جميع ما قاله من الأشعار الرائقة، والقصائد الفائقة، والمُقطعات الشائقة، لطال الكلام، وخرجنا عن المقصود.، وبالجملة فقد كان صاحب الترجمة من أدباء عصره، ومحاسن دهره. تغمده الله تعالى برحمته. 696 - الحسن بن علي بن عبد العزيز بن عبد الرزاق ابن أبي النصر المرغيناني أبو المحاسن، ظهير الدين أستاذ مسعود بن الحسين الكشاني. روى عنه صاحب " الهداية " " كتاب الترمذي " بالإجازة. ومن نظمه: الجاهِلُونَ فَمَوْتَي قبلَ مَوْتِهِمُ ... والعالِمُون وإنْ ماتُوا فأحْيَاءُ 697 - الحسن بن علي بن المثنى الهيتي أبو علي قرأ على قاضي القضاة، وولي القضاء بهيت.

698 - الحسن بن علي بن محمد بن أحمد بن إسحاق ابن البهلول بن حسان، القاضي أبو يعلي التنوخي

قال الهمذاني: وسمعت قاضي القضاة الحسن يثني على حفظه لمذهبهم، وكان جميل الطريقة كريماً. قتله النمريون بهيت في شهر ربيع الأول، سنة ست وتسعين وأربعمائة. وولي بعده القضاء أبو الحسن على والده، الأتي ذكره في بابه. 698 - الحسن بن علي بن محمد بن أحمد بن إسحاق ابن البهلول بن حسان، القاضي أبو يعلي التنوخي من البيت المشهور بالعلم، والفضل، والتقدم. روى عن والده. ذكره ابن النجار، وذكر أنه مات سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 699 - الحسن بن علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم ابن موسى بن عيسى بن مجاهد النسفي البزدوي، أبو ثابت الإمام ابن الإمام الآتي في بابه إن شاء الله تعالى. ولد بسمرقند، ولما مات والده حمله عمه القاضي أبو اليسر المعروف بالصدر إلى بخارى، وأحسن تربيته، ونشأ مع ولده، وتفقه على عمه ببخارى، ثم انتقل إلى مرو، وسكنها مدة من الزمان، ثم لما مات ابن عمه أبو المعالي القاضي أحمد بن أبي اليسر، منصرفاً من الحجاز، ولي القضاء ببخارى، وبقي على ذلك مدة، ثم صرف عنه، وانصرف إلى بزدة وسكنها. وكان حسن الصمت، ساكناً، وقوراً، ملازماً بيته، حسن الصلاة. قال السمعاني: سمعت منه " المسند الكبير " لعلي بن عبد العزيز، في ثلاثين جزءا. وكانت ولادته بسمرقند، سنة نيف وسبعين وأربعمائة، ووفاته سنة سبع وخمسين وخمسمائة. رحمه الله تعالى. 700 - الحسن بن علي بن محمد بن علي بن الدامغاني أبو نصر بن قاضي القضاة أبي الحسن ابن قاضي القضاة أبي عبد الله كان ينوب عن أخيه أبي الحسن أحمد في القضاء بربع الكرخ. سمع من والده، وحدث باليسير. سمع منه القاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي. قال ابن النجار: قرأت بخطه: توفي أبو نصر ابن الدامغاني، في ليلة الجمعة، حادي عشر شوال، سنة خمس وخمسين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. 701 - الحسن بن علي بن محمد بن علي الحضني الأصل الحموي، قاضي القضاة بدر الدين ابن الصواف ولد سنة ثلاث وثمانمائة. ومات في محرم، سنة ثمان وستين وثمانمائة. ذكره الحافظ جلال الدين السيوطي، في " أعيان الأعيان ". وذكره السخاوي في " بغية العلماء والرواة "، وأثنى عليه. وذكر أنه حفظ " المختار " و " الأخسيكثي "، و " منظومة النسفي "، وأخذ الفقه عن ناصر الدين محمد بن عثمان الختمي قاضي حماة، وسمع " صحيح مسلم " على الشمس الأشقر، وحج، وقد القاهرة فحصر دروس الشمس ابن الديري، والسراج قارئ " الهداية " ثم عاد إلى بلاده، ثم قدم القاهرة مرة ثانية، وكان ابن الهمام إذ ذاك شيخاً بالمدرسة الأشرفية المستجدة، فلازمه وقرأ عليه نصف " التحقيق " شرح " الأخسيكثي " وسمع عليه باقيه مع بعض " شرح ألفية الحديث "، وصار ذا مشاركة في الأصول، مع حفظ جانب من الفقه، ثم ولي قضاء بلده، ثم قضاء الديار المصرية عن المحب ابن الشحنة. ثم قال السخاوي: وبالجملة فقد كان إنساناً صالحاً، تام العقل، متواضعاً، مُحباً للمذاكرة في مسائل العلم والأدب، بحيث إن الشرف المناوي وصفه بأنه من أهل العلم والتضلع من الأصول. رحمه الله تعالى. 702 - الحسن بن علي بن محمد الجويقي أبو القاسم قال الرافعي: ورد قزوين. وذكر تاج الإسلام أبو سعد السمعاني، أنه رحل إلى العراق، والجبال، والحجاز، وسمع بنيسابور، وقزوين، وبغداد، وتكريت. قال: وقد أدركته ولم أسمع منه، وحصل لي إجازته أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، وحدثني عنه. انتهى. 703 - الحسن بن علي بن موسى بدر الدين الحمصي سمع من أبي بكر بن قوام، والمعلم سليمان المنشد، والبرزالي، وغيرهم. ودرس بالخاتونية، وناب في الحكم. وكان حسن الشيبة والخط. مات في تاسع ذي القعدة، سنة تسع وسبعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 704 - الحسن بن السيد علي الونقاني كان من فضلاء عصره، وعنده معرفة تامة في أكثر الفنون، وله حظ وافر من العبادة. وصنف شرحاً للوقاية، سماه " العناية " وكان في لسانه لكنة. ومات في أواخر المائة الثامنة، رحمه الله تعالى. 705 - حسن جلبي بن السيد علي الرومي من رجال " الشقائق ".

706 - الحسن بن غياث

قرأ على فضلاء تلك الديار، واشتغل، ودأب، وحصل، وولي مدارس عديدة؛ منها إحدى المدارس الثمان. وكانت وفاته سنة سبع وخمسين وتسعمائة. رحمه الله تعالى. 706 - الحسن بن غياث كذا في " الجواهر " من غير زيادة، رحمه الله تعالى. 707 - الحسن بن المبارك بن محمد بن يحيى ابن مسلم الزبيدي، أبو علي، الفقيه ناصح الدين ذكره في " الجواهر "، وذكر أن اسم أبيه المبارك، وذكره ابن شاكر في " عيون التواريخ " وذكر أن اسم أبيه أبو بكر، وأن المبارك جده. قال في " الجواهر ": سمع أبا الوقت عبد الأول، وغيره، وعمر حتى حدث بالكثير. قال ابن النجار: كتبت عنه، وكان فاضلاً، عالماً، أميناً، متديناً، صالحاً، حسن الطريقة، رضي السيرة، له معرفة تامة بالنحو، وقد كتب كثيراً من كتب التفسير، والحديث، والتواريخ، والأدب، وكانت أوقاته محفوظة. قال ابن النجار: سألت أبا علي الزبيدي عن مولده، فقال: في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، ومات يوم السبت لليلة بقيت من شهر ربيع الأول، سنة تسع وعشرين وستمائة، ودفن يوم الأحد، سلخ الشهر بمقبرة جامع المنصور. وقال الذهبي: حدث ببغداد ومكة، وكان حنبلياً، ثم تحول شافعياً، ثم استقر حنفياً. وذكر مولده ووفاته كما قلنا. وأنشد له في " عيون التواريخ " قوله: لا يَخْدَعَنَّكَ ما الدُّنْيَا به خَلَبَتْ ... قُلوبَ عُشَّاقِها حتَّى به فُتِنُوا وانْظُرْ إلى ما به أقدَاحُها خُتِمَتْ ... وكيف وَافَتْ بِكَاسٍ كلُّه مِحَنُ وقوله: لا تَقْتَحِم أمْراً على غِرَّةٍ وابْحَثْ وكُنْ ذا نَظرٍ ثَاقِبِ رُبَّ شَرابٍ خِلْتَهُ سائِغاً ... وكم به قد غُصَّ مِن شَارِبِ 708 - الحسن بن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الغوبْدِينَي الآتي ذكر أبيه وأخيه في محلهما. روى عن والده، وتفقه عليه الحسن بن المبارك. كذا في " الجواهر المضية "، من غير زيادة. 709 - الحسن بن محمد بن أحمد بن علي أبو محمد الفقيه من أهل إستراباذ. قدم بغداد في سنة ست وسبعين وأربعمائة، وأقام بها يتفقه على قاضي القضاة أبي عبد الله حتى برع في الفقه. وسمع من أبيه، ومن الشريف أبي نصر محمد، وأبي الفوارس طراد، ابني محمد بن علي الزيني. وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن علي بن محمد الدامغاني، في جمادى الآخرة، سنة أربع وتسعين وأربعمائة، فقبل شهادته. واستنابه اقضى القضاة أبو سعد محمد بن نصر الهروي، في قضاء حريم دار الخلافة، في سنة اثنتين وخمسمائة، وحدث ببغداد، وسمع منه أبو بكر محمد بن أحمد البزدوجري، روى عنه في " معجم شيوخه ". قال أبو سعد السمعاني: الحسن بن محمد، قاضي الري، ومن مفاخرها في الفضل والعلم والرزانة، بهي المنظر، فصيح العبارة، حسن المحاورة، كثير المحفوظ، عرف بأدب القضاء، كتبت عنه بالري، وكان يرى الاعتزال، وكان يبخل مع السعة، حتى قال فيهم قائلهم: وقاضٍ لنا خُبْزُهُ رَبُّهُ ... ومَذهَبُه أنَّه لا يُرى وسألته عن مولده، فقال: في جمادى الأولى، سنة خمس وخمسين وأربعمائة، بإستراباذ، ومات في جمادى الآخرة، سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، بالري. وذكره ابن النجار. كذا ترجمه في " الجواهر ". وقد مدحه الشاعر المعروف بالحيص بيص، مما كتبه إليه، فقال: ضَربٌ مِن الشِّعرِ قِيس الأوَّلُونَ إلى ... تَجْويدِهِ فَغَدوا كالعِيِّ واللَّسَنِ حَبَسْتُه حيثُ لا كُفْؤٌ فيَسْمَعُه ... كي لا أُذِيلَ عُلاهُ مَحْبَسَ البُدُنِ وجئتُ منه بغرَّان مُحبَّرةٍ ... تَمشِي مَحاسِنُها زَهْواً إلى الحَسَنِ إلى أغَرَّ غَضِيضِ الطَّرْفِ يَحسُدُه ... ماضِي الحُسامِ وسَحُّ العَارِضِ الهَتِنِ إذا سَطَا فسُيُوفُ الهِنْدِ نائِبَةٌ ... ويَخْجَلُ الغَيْثُ مِن نُعْمَاهُ والمِنَنِ هو الكَمِيُّ إذا ضاق الجِدالُ ولم ... يَسْتَبْرِق الخَيْرُ مِن عِي ومِن لَكَنِ يَشْفِي النُّفُوسَ جَواباً غير مُلْتَبِسٍ ... إذا الفصيح من الإشْكَالِ لم يُبِنِ

710 - الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي ابن إسماعيل البغدادي القرشي العمري الإمام رضي الدين، أبو الفضائل الصغاني المحتد اللوهوري المولد

مُسْتَشْعرٌ مِن تُقَى الرحمنِ تُلبِسُهُ ... في السِّرِّ والجَهْرِ فَضْفاضاً مِن الجُنَنِ أماتَ بالجُودِ فَقْرَ المُرْمِلِينَ كما ... أحْيى بدَائِعَ عِلمٍ مَيِّتِ السَّنَنِ إنْ كان بالرَّيِّ مَثْوَاهُ فَمَفخرُهُ ... حَلْيُ القبائِلِ مِن قَيْسٍ ومِن يَمَنِ 710 - الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي ابن إسماعيل البغدادي القرشي العمري الإمام رضي الدين، أبو الفضائل الصغاني المحتد اللوهوري المولد الفقيه، المحدث، حامل لواء اللغة في زمانه. ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة بلوهور، ونشأ بغزنة، ودخل بغداد سنة خمس عشرة، وذهب منها بالرسالة الشريفة إلى صاحب الهند، فبقي مدة. وحج، ودخل اليمن، ثم عاد إلى بغداد، ثم إلى الهند، ثم إلى بغداد. وسمع من النظام المرغيناني، وكان إليه المنتهى في اللغة، وكان يقول لأصحابه: احفظوا " غريب أبي عبيد " فمن حفظه ملك ألف دينار، وإني حفظتها فملكتها، وأشرت على بعض أصحابي بحفظه، فحفظه وملكها. حدث عنه الشريف الدمياطي. وله من التصانيف: " مجمع البحرين " في اثني عشر سفراً، " والعباب " وصل فيه إلى فصل " بكم " ومات، وفيه قيل: إن الصَّغَاني الذي ... حازَ العُلومَ والْحِكَمْ كان قُصارَى أَمْرِهِ ... أنِ انْتَهَى إلى بَكَمْ و" الشوارد في اللغات "، " توشيح الدريدية "، " التراكيب "، " فعال "، وفَعْلان "، " التكملة على الصحاح "، " كتاب الافتعال "، " كتاب مفعول "، " كتاب الأضداد "، " كتاب العروض "، " كتاب في أسماء الأسد "، " كتاب في أسماء الذئب "، " كتاب الأسماء الفاذة "، " كتاب مشارق الأنوار " في الحديث، " شرح البخاري "، مجلد، " ذر السحابة في وفيات الصحابة "، " مختصر الوفيات "، كتاب الضعفاء "، " كتاب الفرائض "، " كتاب شرح أبيات المفصل "، " نقعة الصديان "، وله غير ذلك. وقد كان عالماً صالحاً، قال الدمياطي: وكان معه مولد، وقد حكم فيه بموته في وقته، فكان يترقب ذلك اليوم، فحضر ذلك اليوم وهو معافى، فعمل لأصحابه طعاماً؛ شكران ذلك، وفارقناه، وعديت إلى الشط، فلقيني شخص أخبرني بموته، فقلت له: الساعة فارقته!! فقال: والساعة وقع الحمام بخبر موته. فجأة. وذلك سنة خمسين وستمائة. رحمه الله تعالى. ومن شعره: تَسَرْبَلْتُ سِرْبَالَ القَناعةِ والرِّضَا ... صَبيّا وكانا في الكُهُولَةِ دَيْدَنِي وقد كان يَنْهَاني أبي حُفَّ بِالرِّضَا ... وبالْعَفْوِ أنْ أولَى نَدًى مِن يَدَيْ دَنِي 711 - الحسن بن محمد بن علي بن رجاء، أبو محمد اللغوي، المعروف بابن الدهان قال ابن النجار والقفطي في حقه: أحد الأئمة النحاة، المشهورين بالفضل والتقدم، وكان متبحراً في اللغة، ويتكلم في الفقه والأصول، قرأ بالروايات، ودرس الفقه على مذهب أهل العراق، والكلام على مذهب المعتزلة، وأخذ العربية عن الربعي، ويوسف ابن السيرافي، والرماني، وسمع الحديث من أبي الحسين ابن بشران، وأخيه أبي القاسم، وحدث باليسير. أخذ عنه الخطيب التبريزي، وغيره. وكان يلقب كل من يقرأ عليه، ويتعاطى الترسل والإنشاء، وكان بذ الهيئة، شديد الفقر سئ الحال، يجلس في الحلقة وعليه ثوب لا يستر عورته. قال أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي: كنا نقرأ اللغة على الحسن ابن الدهان يوماً، وليس عليه سراويل، فانكشفت عورته، فقال له بعض من كان يقرأ عليه معنا: أيها الشيخ، قمدك. فتجمع، ثم انكشف ثانية، فقال له ذلك الرجل: غرمولك. فتجمع، ثم انكشف ثالثة، فقال له ذلك الرجل: عجارمك. فخجل الشيخ وقال له أيها المدبر، ما تعلمت من اللغة إلا أسماء هذا المزدريك. مات، رحمه الله تعالى، يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء، الرابع من جمادى الأولى، سنة سبع وأربعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. 712 - الحسن بن محمد بن محمد أبو علي الصفار والد الإمام علي، الآتي في بابه، إن شاء الله تعالى. كذا ذكره في " الجواهر ". ورأيت بخط بعض أهل العلم أنه ولي التدريس بمشهد أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه. 713 - الحسن بن محمد بن محمد بن علي حسام الدين، البغدادي الغوري الأصل

714 - حسن جلبي بن محمد شاه بن محمد بن حمزة ابن محمد بن محمد الرومي العلامة بدر الدين، المعروف بابن الفنري

قاضي القضاة بمصر. ولد ببغداد، وتولى الحسبة فيها، ثم القضاء، ثم قدم القاهرة، فاستقر بها في قضاء الحنفية، فباشر بصرامة ومهابة، لكنه كان كثير المزاح والهزل والسخف وبذاءة اللسان، مع عدم معرفة بالشروط والسجلات، وعدم مساركة في الفقه وغيره، وعي في لسانه، واجتراء على رفقته وعلى غيرهم، حتى آل الأمر إلى أن هجم جماعة من المطبخ السلطاني، كان أساء إلى بعضهم، وحكم على بعضهم، فأقاموه، وخرقوا عمامته في عنقه، ومزقوا ثيابه، وتناولوه بالنعال، حتى أدركه بعض الأمراء وهو يستغيث، واستنقذه منهم، وقبض على بعضهم فعاقبه، ثم شيعه إلى منزله بالصالحية، فاقتحم العوام عليه بيته، فنهبوه، وكانت وقعة شنيعة، ثم اقتضى رأي أهل الدولة أن أخرجوه من القاهرة، وشيعوه على أقبح صورة. وكان سبب تسليط العامة عليه أنه أفتى بقتل سلطان ذلك الوقت. ويحكى عنه من السخف أن المرأة كانت إذا تحاكمت إليه مع زوجها ينظر إليها، ويفحش في مخاطبتها، حتى قال لامرأة مرة: اكشفي وجهك. فأسفرت، فقال لوالدها: يا مدمغ، مثل هذه تزوجها بهذا المهر، والله إن مبيتها ليلة واحدة يساوي أكثر منه. وكان يعاقب بالضرب الشديد، والتعزير العنيف، قيل: إنه مر برجل راكب وفي يده فروجان، وقد جعل رجلهما بيده، ورؤوسهما منكسة، فلما رآه وقف وطلب الرسل فأخذوا الرجل، وأحضروه إلى الصالحية، فقال له: كيف يحل لك أن تأخذ حيواناً تجعل رجليه في يدك، ورأسه إلى أسفل، اصلبوا هذا حتى يعرف إن كان هذا الفعل يضر، فحصلت فيه شفاعة، فاختصر أمره على أن ضربه ضرباً مؤلماً. وهو أول من أمر أن يكتب في المسطور أربعة من الشهود، وأن يكتبوا سكن المديون. ولما أخرج من مصر سكن دمشق مدة، ثم توجه إلى بغداد، وولي تدريس مشهد أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه. هكذا نقلت هذه الترجمة من " الدرر الكامنة، في أعيان المائة الثامنة "، و " رفع الإصر، عن قضاة مصر "، كلاهما لابن حجر، بعضها تلخيصاً، وبعضها نقلاً بالحروف، والعهدة في جميع ذلك عليه، وما أظنه يخلو من شائبة تعصب. وذكره صاحب " الجواهر " ولم يحك عنه شيئاً من هذه المساوي، وقال: بلغنا موته سنة نيف وخمسين وسبعمائة، ببغداد، رحمه الله تعالى. 714 - حسن جلبي بن محمد شاه بن محمد بن حمزة ابن محمد بن محمد الرومي العلامة بدر الدين، المعروف بابن الفنري ذكره الحافظ جلال الدين السيوطي، في " أعيان الأعيان "، فقال: إمام، علامة، محقق، حسن التصنيف، له " حاشية " على " المطول " كثيرة الفائدة. وذكره السخاوي، في " الضوء اللامع "، وقال: ولد سنة أربعين وثمانمائة، ببلاد الروم، ونشأ بها، واشتغل على علمائها، منهم؛ ملا فخر الدين، والمولى الطوسي، والمولى خسرو، حتى برع في الكلام، والمعاني، والبيان، والعربية، والمعقولات، وأصول الفقه، ولكن جل انتفاعه بأبيه، وجعل " حاشية " في مجلد ضخم على " شرح المواقف "، و " حاشية " على " المطول " كبرى، وصغرى، وأخرى على " التلويح "، وغير ذلك، مع نظم بالعربي والفارسي، وذكاء تام، واستحضار، وثروة، وحوز لنفائس من الكتب، وتواضع، واشتغال بنفسه. وقد قدم الشام في سنة سبعين، فحج مع الركب الشامي، وكذا ورد القاهرة قريباً من سنة ثمانين، فسلم على الزين ابن مزهر ببولاق، ولم ير من ينزله منزلته، ولا يعرف مقداره، وما أقرأ بها أحداً، وكان متوعك الجسم في أكثر مدة إقامته بها، فبادر إلى التوجه لمكة من جهة الطور في البحر، ومعه جماعة من طلبته، وأقام يسيراً، وأقرأ هناك. وممن قرا عليه ثم الشمس الوزيري الخطيب، وأثنى، هو وغيره، على فضائله وتحقيقه. قال السخاوي: والفنري لقب لجد أبيه؛ لأنه فيما قيل أول ما قدم على ملك الروم أهدى له فناراً، فكان إذا سأل عنه يقول: أين الفنري؟ فعرف بذلك. وذكره في " الشقائق النعمانية "، فقال: حسن جلبي بن محمد شاه الفنري، كان ممن جمع بين وظيفتي العلم والعمل، وكان يلبس الثياب الخشنة، ولا يركب دابة، ويحب المساكين، ويعاشر الفقراء، وبيلبس العباءة، ويسكن في بعض الحجر بمدرسته.

715 - الحسن بن محمد بن مصطفى بن زكريا ابن خواجا حسن التركي الدوركي الملقب بالحسام

وولي تدريس الحلبية بأدرنة، ثم أستأذن السلطان محمداً في التوجه إلى الديار المصرية، لقراءة كتاب " مغني اللبيب "، لابن هشام، على بعض المغاربة هناك، فأذن لكن لا عن رضاء تام، يل نسبه إلى خفة العقل، حيث يترك التدريس ويتوجه للقراءة على الغير، فلما دخل مصر كتب " المغني " بتمامه، وقرأه على المغربي المذكور، وأجاز له بعض تلامذة ابن حجر، وقرأ عليه " صحيح البخاري ". ثم حج، وعاد إلى الديار الرومية، وأرسل كتاب " مغني اللبيب " إلى السلطان محمد، فلما نظر فيه أعجبه، وزال ما عنده من التكدر، وأعطاه مدرسة أزنيق، ثم إحدى المدارس الثمان، وأقام بها يلقي الدروس، ويسر بفوائده النفوس، ملازماً للتواضع وخفض الجانب، متلقياً ما يجئ من عند الله بالقبول، راغباً في ثواب الآخرة، معرضاً عن الدنيا بكليته. حكى عنه بعض أصحابه أنه قال: دخلت عليه يوماً، فوجدته يبكي بكاءً شديداً، فسألته عن سبب بكائه، فقال: خطر ببالي أنه لم يحصل لي ضرر دنيوي منذ ثلاثة أشهر، وقد سمعت من الثقات أن الضرر إذا توجه إلى الآخرة تولى عن الدنيا، فلذلك بكيت. قال: فبينا نحن في الكلام إذ دخل عليه أحد غلمانه وهو مضطرب المزاج، فقال له: ما الخبر؟ فقال: سقطت البغلة من تحتي فماتت. فحمد الله تعالى وشكره، وأعتق الغلام من ساعته. وكانت وفاته بمدينة بروسة. انتهى ملخصاً. قلت: الذي يفهم من كلام السخاوي، أنه حين قدم مصر، ما قرأ بها على أحد، ولا أقرأ أحداً، والذي يفهم من كلام صاحب " الشقائق " خلاف ذلك، ويمكن أن يكون وردها مرتين، والله سبحانه وتعالى أعلم. 715 - الحسن بن محمد بن مصطفى بن زكريا ابن خواجا حسن التركي الدوركي الملقب بالحسام درس بالحسامية، وناب في الحكم، وكان فاضلاً أديباً. وسيأتي أبوه محمد، في بابه إن شاء الله تعالى. 716 - الحسن بن محمد الهاشمي الزيني القاضي أحد أصحاب أبي الحسن الكرخي، وممن حمل جنازته. رحمه الله تعالى. كذا في " الجواهر المضية " من غير زيادة. وسيأتي والده، في محله، مع تمام نسبه، إن شاء الله تعالى. وكان صاحب الترجمة هذا يكنى أبا تمام. 717 - الحسن بن محمد الغرنوي أبو علي مِن أصحاب قاضي القضاة أبي عبد الله القدماء. ولي الحسبة بجانبي بغداد، وكان من أهل الكرم، وأرباب المروءات، مشى يوماً مع بعض أصحابه وكان قد نقه من المرض، فاجتازا إلى دكان حلواني، ورائحة الحلوى تفوح من الدكان، ولم يكن معه ما يشتري له به، ففارقه وقطع عمامته، وابتاع ببعضها ما حمله إلى صديقه، فعاتبه على ذلك، فقال: ما تكلفت ذلك، وهذا مرتفع بين الأصدقاء. وحكى أحمد بن محمد بن الصباغ، قال: سمعته يقول: غم الدنيا أربعة: البنات وإن كانت واحدة، والدين وإن كان درهماً، والغربة وإن كانت يوماً، والسؤال وإن كان حبة. وكانت وفاته، رحمه الله تعالى، بالكوفة. 718 - الحسن بن محمد، بدر الدين، أبو محمد الشهير بالبشتاكي مفتي دار العدل بحلب. هكذا ذكره قاضي القضاة علاء الدين في " تاريخه " وقال: ذكره شيخنا أبو محمد ابن حبيب، في " تاريخه " فقال: فاضل في لسانه عجمة، وله حظ أطلع السعد نجمه، وعارف عند تودد، وفيه لين يمنعه من التشدد. أقام بالقاهرة حيناً من الزمان، ثم ورد إلى حلب منخرطاً في سلك الأعيان، واستقر عالياً قدره، مضيئاً بأفقها بدره. وباشر بعد وظيفة الإفتاء تدريس الجردبكية، واستمر إلى أن أمضى الردى فيه سطوته المليكية. توفي بحلب سنة اثنين وسبعين وسبعمائة، عن نيف وستين سنة، رحمه الله تعالى. 719 - حسن القرماني البيكشهري قرأ، رحمه الله تعالى، على علماء عصره، وأخذ عن الفاضل المولى سيدي الحميدي، ثم صار مدرساً ببعض مدارس بروسة، ثم قاضياً بعدة بلاد، ثم عمي بأخرة. وتوفي بمدينة قسطنطينية، في صفر الخير، سنة ستين وتسعمائة. وكان عالماً فاضلاً، عارفاً بالتفسير والحديث والفقه والعربي والأصلين. وكانت له ثروة زائدة، وكان خيراً ديناً، حسن السمت، مشكور السيرة في قضائه، وكان لا يذكر أحداً إلا بخير، رحمه الله تعالى. 720 - حسن، الشهير بحسام الدين القراصوني أحد فضلاء الديار الرومية.

721 - حسن الرومي، الشهير بأمير حسن

أخذ عن علمائها، وصار مدرساً بعدة مدارس، ثم ولي قضاء المدينتين بروسة وأدرنة، ثم ولي قضاء إسطنبول. وكان كريماً، حليماً، وقوراً، حسن المحاضرة، طارحاً للتكلف، منصفاً من نفسه، لا يغتاب أحداً، ولا يذكره إلا بخير. وكانت له مشاركة في العلوم بنقد صحيح، وذوق رجيح. مات في سنة سبع وخمسين وتسعمائة. رحمه الله تعالى. 721 - حسن الرومي، الشهير بأمير حسن وليس هو بأمير حسن النيكساري المتقدم. كان رجلاً فاضلاً، له مشاركة في أكثر العلوم، وولي تدريس بعض المدارس بالديار الرومية. وله مؤلفات، منها: " حواش " على " شرح الفرائض " للسيد الشريف، و " حواش " على " شرح رسالة المولى مسعود في علم الآداب "، وله غير ذلك. رحمه الله تعالى. 722 - الحسن بن مسعود بن الحسن الشربتي أبو علي بن الوزير الخوارزمي مولده سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، بدمشق. تفقه بمرو على شيخ أصحاب أبي حنيفة بخراسان أبي الفضل الكرماني. ذكره ابن عساكر. وكان يتزيى بزي الجند مدة، ثم اشتغل بطلب الفقه والحديث. مات سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. رحمه الله تعالى. 723 - الحسن بن مسهر *روى عن محمد بن الحسن أنه قال: جواز أخذ أجرة الظر دليل على فساد بيع لبنها؛ لأنه لما جازت الإجازة ثبت أن سبيله سبيل المنافع، وليس سبيله سبيل الأموال، لأنه لو كان مالاً لم تجز إجازته، ألا ترى أن رجلاً لو استأجر بقرة على أن يشرب لبنها لم تجز الإجازة. كذا رواه بمسنده عن الحسن بن مسهر، عن محمد بن الحسن، أبو الليث، في " الجامع الصغير ". 724 - الحسن بن معالي بن مسعود بن الحسين النحوي عرف بابن الباقلاني مولده سنة ثمان وستين وخمسمائة. تفقه على يوسف بن إسماعيل الحنفي، وسمع الحديث من أبي الفرج ابن كليب. كتب عنه ابن النجار، وقال: قدم بغداد في صباه سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، واستوطنها، وقرأ بها الفقه على يوسف المذكور، وعلى النصير عبد الله بن حمزة الطوسي. مات سنة سبع وثلاثين وستمائة. والله تعالى أعلم. 725 - الحسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الأوزجندي الفرغاني الإمام الكبير، والعالم النحرير، فخر الدين قاضي خان، صاحب " الفتاوي " المشهورة. تفقه على الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي نصر الصفاري الأنصاري، والإمام ظهير الدين أبي الحسن علي بن عبد العزيز المرغيناني، ونظام الدين أبي إسحاق إبراهيم بن علي المرغيناني. وتفقه عليه شمس الأئمة محمد بن عبد الستار الكردري. وذكره أبو المحاسن محمود الحصيري شيخ الإسلام، فقال: هو سيدنا القاضي الإمام، والأستاذ فخر الملة ركن الإسلام، بقية السلف، مفتي الشرق. توفي - رحمه الله تعالى - ليلة الاثنين، خامس عشر شهر رمضان، سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، ودفن عند القضاة السبعة. وله " الفتاوي " المشهورة، و " شرح الجامع الصغير "، وغير ذلك. 726 - الحسن بن ناصر بن أبي بكر البكراباذي الكاغدي السمرقندي أحد مشايخ الإمام جمال الدين المحبوبي. كان رفيقاً لصاحب " الهداية ". رحمهما الله. 727 - الحسن بن نصر بن إبراهيم بن يعقوب الكاشاني الأصل الكشي المولد ولي القضاء، وتفقه على أبي المعالي مسعود بن الحسن الكاشاني الخطيب. ولقيه السمعاني بسمرقند، وكتب عنه. وكانت ولادته في حدود سنة تسعين وأربعمائة، ووفاته في أواخر سنة سبع وخمسين وخمسمائة، بكش. وكان رجلاً فاضلاً، له شعر حسن مطبوع، ورواية مقبولة، وقول مسموع. *روى السمعاني عنه، عن أحمد بن عثمان بن عبد الرحيم الخطيب، أنه قال: لما بلغ الإمام الحكيم والدي عثمان قول أبي الفتح البستي: خُذُوا بدَمِي هذا الغَزالَ فإنَّهُ ... رَمَانِي بسَهْمَي مُقْلَتَيْهِ على عَمْدِ ولا تَقْتُلُوهُ إنَّما أنا عَبْدُهُ ... لِيَعْلَمَ أنَّ الحُرَّ يُقْتَلُ بالعَبْدِ أنشد على نقيضها: خُذُوا بِدَمِي مَن رَامَ قَتْلِي بِلَحْظِهِولم يَخْشَ بَطْشَ اللهِ في قاتِلِ العَمْدِ وقُودُوا بِهِ جَهْراً وإنْ كنتُ عَبْدَهُ ... لِيَعْلَمَ أنَّ الحُرَّ يُقْتَلُ بالعَبْدِ

728 - الحسن بن نصر بن عثمان بن زيد بن يزيد

728 - الحسن بن نصر بن عثمان بن زيد بن يزيد والد محمد متويه. ولد بأصبهان، وحكى عنه ولده محمد، وأورده ابن ماكولا في كتابه، وقال: كتب عن أبي حنيفة النعمان، وزفر، رحمهما الله تعالى، وكان يتفقه. 729 - الحسن بن يلنكري بن عمر السلغري ذكره في " الجواهر "، وقال: أنبأني عنه الدمياطي. ولم يزد على ذلك. 730 - الحسن بن البدر الهندي ثم الدمشقي نزيل حماة. إمام، عالم، علامة، محقق، مدقق، ذو فنون عديدة، وأقوال سديدة، متمكن من العقليات، مع فصاحة وحسن تقرير، وتزهد، وغير ذلك من المحاسن. يقال: إنه لازم السيد الجرجاني ثلاثين سنة، وإنه أخذ عن الركن الخوافي، رفيقاً للشمس السرواني، وإنه أخذ عن غيرهما أيضاً. وأخذ عنه الجمال ابن السابق الفقه، والصرف، والعربية، فقرأ على بعض " شرح الألفية " لابن المصنف، و " تصريف العزي "، ومعظم " الأخسيكثي "، و " المراح ". وكانت وفاته بحماة، في ليلة الجمعة، منتصف جمادى الثانية، سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، بالمدرسة المعزية، عن نحو السبعين، ظناً، رحمه الله تعالى. قال ابن السابق. 731 - الحسن، بدر الدين، المعروف بابن قليقلة أخذ عن البدر العيني، وصار إماماً بمدرسته، كذا قرأ على الجمال عبد الله ابن الرومي، واستقر بعده في تدريس الحنفية بجامع الظاهر. قاله في " الضوء اللامع ". باب من اسمه الحسين 732 - الحسين بن إبراهيم بن الحر بن زعلان أبو علي العامري الملقب إشكاب وهو والد محمد، وعلي، ابني إشكاب. لزم أبا يوسف، وتفقه عليه، وسمع الحديث من حماد بن زيد، وشريك بن عبد الله. وروى عنه ابناه المذكوران، وروى له البخاري مقروناً بغيره. وذكره الخطيب، وقال: كان ثقة. مات في سنة ست عشرة ومائتين، في خلافة المأمون، وهو ابن إحدى وسبعين سنة، ببغداد. ولم يدخل في شيء من القضاء، رحمه الله تعالى. 733 - الحسين بن أحمد بن الحسين بن سعد بن علي ابن بندار، الإمام أبو الفضل الهمذاني اليزدي حدث بجدة عن الشريف شميلة بن محمد بن جعفر الحسيني، وتوجه قاصداً إلى مصر، فتوفي بمدينة قوص، من صعيد مصر الأعلى، سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وحمل ميتاً إلى مصر، ودفنن بجبانتها في سفح المقطم، بتربة الحنفية. سمع منه الفقيه أبو الجود ندى بن عبد الغني الحنفي. وذكر بعض أصحاب اليزدي، أنه كان تحت يده إحدى عشرة أو اثنتي عشرة مدرسة، وفيها من الطلبة ألف ومائتا طالب. قاله في " الجواهر "، نقلاً عن " تكملة المنذري لوفيات النقلة ". 734 - الحسين بن أحمد بن علي بن أحمد، القاضي أبو نصر ابن القاضي بن أبي الحسين بن القاضي بن أبي القاسم ابن القاضي بن أبي الحسين أحمد بن محمد بن عبد الله قاضي الحرمين تفقه على القاضي أبي الهيثم. مولده في رجب، سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. ومات يوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة، سنة خمس وستين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. كذا ترجمه في " الجواهر ". 735 - الحسين بن أحمد بن علي بن محمد بن علي أبو المظفر ابن أبي الحسين ابن قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني وهو والد قاضي القضاة أبي القاسم عبد الله. شهد عند أخيه قاضي القضاة أبي الحسن علي بن أحمد، في ولايته الأولى، فقبل شهادته، واستنابه في القضاء والحكم بحريم دار الخلافة وما يليها، وأذن للشهود بالشهادة عنده وعليه فيما يسجله، ولم يكن محمود السيرة في حكمه. سمع الحديث من أبي القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، وغيره. وحدث باليسير، وسمع منه القاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي، وروى عنه أحمد بن أبي الحسين بن أحمد بن حنظلة الكشي. وسئل الحسن عن مولده، فقال: في ذي القعدة، سنة ست عشرة وخمسمائة. وكانت وفاته في اليوم الثاني والعشرين من جمادى الآخرة، سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وأخرج من الغد، وصلى عليه بجامع القصر، ودفن بالشونيزية، وكان الجمع كثيراً. وقد تقدم أبوه، رحمهما الله تعالى. 736 - حسين بن أحمد بن محمد، ناصر الدين أبو علي، الهندي الأصل، المكي

737 - الحسين بن بشر بن القاسم

ولد في جمادى الأولى، سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، أو التي بعدها، بمكة، وسمع بها من العز بن جماعة، والأسيوطي، وغيرهما. ودخل ديار مصر والشام واليمن غير مرة، وسمع من الزين العراقي، وغيره. وتفقه بمكة على الضياء الحنفي، وبدمشق على الصدر بن منصور القاضي. وولي تدريس مدرسة عثمان الزنجيلي، الجانب الغربي من المسجد الحرام، ونظر وقفها، وناب في الحكم بمكة. وكان مفننا بالفائدة، مكرراً لقراءة " الصحيح " كل سنة في أواخر عمره، ويعمل المواعيد بالمسجد الحرام. ومات ممتعا بسمعه وحواسه، في سنة أربع وعشرين وثمانمائة. رحمه الله تعالى. 737 - الحسين بن بشر بن القاسم أخو الحسن، المتقدم ذكره. تفقه على أبيه، وسمع يزيد بن هارون. وروى عنه مفتي نيسابور. ومات قبل أخيه، سنة اثنتين وأربعين ومائتين. رحمه الله تعالى. 738 - الحسين بن جعفر بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول أبو عبد الله التنوخي القاري حدث عن جده محمد بن أحمد، وعن عمه علي بن محمد. قال الخطيب: حدثنا عنه علي بن المحسن التنوخي، وذكر لنا أنه سمع منه في سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة. قال: ولد ببغداد، في شوال، من سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة. وهو المشهور بالألحان، وبطيب القراءة. رحمه الله تعالى. 739 - الحسين بن الحسن بن إسماعيل بن صاعد أبو الفضل القاضي ابن القاضي ابن القاضي تقدم أبوه وجده، ويأتي صاعد في بابه إن شاء الله تعالى. وكان الحسين هذا فاضلاً، عالماً، من أحفاد الصاعدية. سمع الحديث من جده قاضي القضاة أبي الحسن. ومات بنيسابور، يوم الجمعة، الثالث والعشرين من جمادى الأولى، سنة إحدى عشرة وخمسمائة. ودفن بمقبرة سكة القصارين. ذكره السمعاني في " مشيخته ". 740 - الحسين بن حسن بن حامد التبريزي المولى حسام الدين المشهور بأم ولد ولقب بذلك لأنه تزوج أم ولد المولى فخر الدين العجمي. كان رجلاً فاضلاً، صالحاً تقياً، مشتغلاً بنفسه، منقطعاً عن الخلق، معملاً سائر أوقاته في العلم والعمل. وكان سليم الطبع، ساذجاً، تغلب عليه الغفلة، وكان للسلطان محمد فيه اعتقاد كثير بسبب ذلك. ومما يحكى عنه من الغفلة، بل التغفل الزائد، والله أعلم بصحته، أن السلطان محمداً أعطاه تدريس إحدى المدارس الثمان، فكان إذا توجه إلى المدرسة لا يتوجه إلا ومعه من يدله على المدرسة، لاشتباه المدارس عليه، وعدم تمييز بعضها عن بعض، فاتفق أنه جاء مرة إلى المدرسة وليس معه أحد يدله، فدخل إلى مدرسة غير مدرسته، ووجد طلبة مدرسها جالسين، ومكان المدرس ليس فيه أحد، لأنه كان قد قام لقضاء حاجته، فهم بالجلوس مكانه، فلما نظر إلى الطلبة وتأملهم عرف أن المدرسة ليست بمدرسته، ورجع، وضحك من هناك من تغفله. ومما يحكى عنه من الفطنة في أجوبة المسائل العلمية، أن للسلطان محمداً خرج مرة إلى بعض الغزوات، وخرج معه العلماء والفضلاء والمدرسون يشيعونه، ومن جملتهم صاحب الترجمة، والطبول تضرب خلفه، فسأل بعض من هناك من الأفاضل عن معنى قوله تعالى: (يأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِه) ما الحكمة في أمر المؤمنين بالإيمان؟ فقال السلطان محمد للمولى حسام الدين: أجب عن هذا السؤال. فقال: هذه الطبول تجيب عنه. فقال السلطان: كيف ذلك. فقال: إن حكاية صوتها دم دم، والمراد بقوله تعالى: (آمِنُوا) دوموا على الإيمان. فأعجب السلطان كلامه هذا، واستحسنه جداً. وكان كثير الكتب، يشتريها بكل ما يفضل عن قوته، ويصرف أوقاته في مطالعتها. وكان السلطان محمد إذا توجه إلى زيارة أبي أيوب الأنصاري يمر بباب داره، فيخرج إليه، ويسلم عليه، ويخرج له شربة ماء، فيشرب منها، ويسير، وكان يحسن إليه كثيراً. 741 - الحسين بن الحسن بن عبد الله أبو عبد الله المقري من أهل بيت المقدس. قدم بغداد شاباً، واستوطنها، وتفقه على قاضي القضاة الدامغاني. وسمع الحديث من الشريف أبي نصر الزينبي، وأبي عبد الله الدامغاني، وغيرهما. وقرأ القرآن العظيم بالروايات على أبي الخطاب الصوفي.

742 - الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة أبو عبد الله العوفي

وأم بمسجد أبي حنيفة، وشهد عند قاضي القضاة أبي القاسم علي الزينبي، في ربيع الأول، سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، فقبل شهادته. وكان موصوفاً بالديانة، وكان صحيح السماع، ثقة، صالحاً، ديناً. حدث، وأقرأ. ومضى إلى رحمة الله تعالى على سنن السلامة، يوم الأربعاء، ثامن عشر جمادى الآخرة، سنة أربعين وخمسمائة، ودفن بمقبرة الخيزران. رحمه الله تعالى. 742 - الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة أبو عبد الله العوفي من أهل الكوفة، ولي القضاء ببغداد بعد حفص بن غياث. وحدث عن أبيه، وعن سليمان الأعمش، ومسعربن كدام، وعبد الملك بن أبي سليمان، وأبي مالك الأشجعي. وروى عنه ابنه الحسن، وابن أخيه سعد بن محمد، وعمر بن شبة النمري، وإسحاق ابن بهلول التنوخي. وضعفه ابن معين، وغيره. ذكره الخطيب، في " تاريخه ". وروى أن امرأة جاءت إليه، ومعها رجل وصبي، فقالت: هذا زوجي، وهذا ابني منه فقال: هذه امرأتك؟ قال نعم. وهذا ولدك منها؟ قال: أصلح الله القاضي، أنا خصي. قال: فألزمه الولد. فأخذ الصبي، فوضعه على رقبته، وانصرف، فاستقبله صديق له خصي، والصبي على عنقه، فقال: من هذا الصبي معك؟ فقال: القاضي يفرق أولاد الزنا على الناس. وفي رواية: على الخصيان. انتهى. وروى أيضاً، عن العوفي المذكور، أنه كان على مظالم المهدي، وأنه حضر عنده يوماً وقت المغرب، وصلى معه، فلما انصرف المهدي من صلاة المغرب، قام يتنفل، فجاء العوفي حتى قعد في قبلته، وجذب ثوبه، فقال له المهدي: ما شأنك؟ قال شيء أولى بك من النافلة. قال: وما ذاك؟ قال: سلام مولاك، أوطأ قوماً الخيل، وغصبهم على ضيعتهم، وقد صح ذلك عندي، فمر بردها، وابعث من يخرجهم. قيل: وكان سلام إذ ذاك واقفاً على رأس المهدي، فقال له المهدي: نصبح إن شاء الله تعالى ونفعل، فقال العوفي: لا، إلا الساعة. فقال المهدي: فلان القائد، اذهب الساعة إلى موضع كذا وكذا، فأخرج من فيها، وسلم الضيعة إلى فلان. قال: فما أصبحوا حتى ردت الضيعة على صاحبها. قال الخطيب: وكان العوفي طويل اللحية جداً، وله في أمر لحيته أخبار طريقة، قيل: إنها كانت تبلغ ركبته. قال ابن أبي داود: قامت امرأة إلى العوفي، فقالت: عظمت لحيتك فأفسدت عقلك، وما رأيت ميتاً يحكم بين الأحياء قبلك. قال: فتريدين ماذا؟ قالت: وتدعك لحيتك تفهم عني!! فقال بلحيته هكذا، ثم قال: تكلمي، رحمك الله. وعن زكريا الساجي، قال: اشترى رجل من أصحاب القاضي العوفي جارية، فغاضبته، فشكا ذلك إلى العوفي، فقال أنفذها إلي. فقال لها العوفي يا لعوب، يا غروب، يا ذات الجلابيب، ما هذا التمنع المجانب للخيرات، والاختيار للأخلاق المشنوءات؟ قالت: أيد الله القاضي، ليست لي فيه حاجة، فمره يبعني. فقال: يا منية كل حكيم، وبحاث عن اللطائف عليم، أما علمت أن فرط الاعتياصات من الموموقات على طالبي المودات، والباذلين الكرائم المصونات، مؤديات إلى عدم المفهومات. فقالت له: ليست في الدنيا أصلح لهذه العثنونات، المنتشرات على صدور أهل الركاكات، من المواسي الحالقات. وضحكت، وضحك من حضر. وقال طلحة بن محمد: كان العوفي رجلاً جليلاً، من أصحاب أبي حنيفة، وكان سليماً، مغفلاً، ولاه الرشيد أياماً ثم صرفه، وكان يجتمع في مجلسه قوم، فيتناظرون، فيدعو هو بدفتر فينتظر فيه، ثم يلقي منه المسائل، ويقول لمن يلقى عليه: أخطأت أو أصبت. من الدفتر. وتوفي سنة إحدى ومائتين. وعن محمد بن سعد، قال: الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة العوفي، يكنى أبا عبد الله، وكان من أهل الكوفة، وقد سمع سماعاً كثيراً، وكان ضعيفاً في الحديث، ثم قدم بغداد، فولوه قضاء الشرقية، بعد حفص بن غياث، ثم نقل من الشرقية، فولي قضاء عسكر المهدي في خلافة هارون، ثم عزل، فلم يزل ببغداد إلى أن توفي بها، سنة إحدى أو أثنتين ومائتين. رحمه الله تعالى. 743 - الحسين بن حفص بن الفضل بن يحيى بن ذكوان أبو محمد الهمداني الأصبهاني قال أبو نعيم، في " تاريخ أصبهان ": تفقه على أبي يوسف القاضي، وهو الذي نقل فقه أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، إلى أصبهان، وأفتى بمذهبه. روى عن السفيانين، وغيرهما. وروى عنه أحمد بن الفرات، وأبو قلابة الرقاشي، وغيرهما. وروى له مسلم في " صحيحه ".

744 - الحسين بن الخضر بن محمد الفشيد يزجى أبو علي

قال أبو نعيم: كان دخله كل سنة مائة ألف درهم، فما وجبت عليه زكاة قط، وكانت جوائزه على المحدثين والفقهاء وأهل الفضل. مات سنة اثنتي عشرة ومائتين. رحمه الله تعالى. 744 - الحسين بن الخضر بن محمد الفشيد يزجى أبو علي قاضي بخارى، إمام عصره بلا مدافعة. قدم بغداد، وتفقه بها، وناظر، وبرع، وسمع بها من أبي الفضل عبيد الله، وسمع ببخارى محمد بن محمد بن صابر. وحدث، وظهر له أصحاب وتلامذة، وآخر من حدث عنه ابن بنته علي بن محمد البخاري. *وقد ناظر مرة الشريف المرتضى، شيخ الشيعة، وقطعه، في حديث " ما تركنا صدقة "، وقال للمرتضى: إذا جعلت " ما " نافية خلا الحديث من فائدة، فإن كل أحد لا يخفى عليه أن الميت يرثه أقرباؤه، ولا تكون تركته صدقته، ولكن لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم بخلاف المسلمين، بين ذلك، فقال: " ما تركنا صدقة ". مات، رحمه الله تعالى، سنة أربع وعشرين وأربعمائة، وقد قارب الثمانين. وهو من أصحاب الإمام أبي بكر محمد بن الفضل. رحمه الله تعالى. 745 - الحسين بن الخضر بن النسفي القاضي أبو علي أستاذ شمس الأئمة الحلواني. تفقه على محمد بن الفضل الكماري. ذكره في " الجواهر "، ثم قال: أظنه الذي قبله. والله أعلم. 746 - الحسين بن الخليل بن أحمد بن محمد الإمام أبو علي النسفي الفقيه نزيل سمرقند. تفقه ببخارى على أبي الخطاب محمد بن إبراهيم الكعبي القاضي، وببلخ على الإمام أبي حامد الشجاعي. قال أبو سعد: فاضل ورع، له يد باسطة في النظر، وورد بغداد حاجاً، سنة عشر وخمسمائة، وحدث بها. سمع " البخاري " من الحسن بن علي الحمادي، وحدث به، ولي منه إجازة. وتوفي، رحمه الله تعالى، في شهر رمضان، سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. 747 - حسين بن رستم باشا المعروف في الديار الرومية والمصرية بباشا زاده، زاده الله تعالى من فضله. كان أبوه من موالي السلطان سليم، رحمهما الله تعالى. وقد تنقل في الولايات، إلى أن صار أمير الأمراء بولاية مرعش وظمشوار وبودين، وبها توفي، رحمه الله تعالى، في سنة ... ؟ وأما من جهة الأم فهو سبط إياس باشا، الذي كان رأس الوزراء في أيام دولة السلطان سليمان، رحمه الله تعالى، وكان من موالي السلطان بايزيد خان بن السلطان محمد خان، رحمهما الله تعالى، فصاحب الترجمة، كما تراه، ما نشأ إلا في حجر الدولة، ولا غذي إلا بدرة السعادة. وقد دأب وحصل، وأجمل وفصل، وسهر الليالي، في القراءة على كبار الموالي، مثل يجيى أفندي الذي كان متقاعداً من إحدى المدارس الثمان، وكان أخاً للسلطان سليمان من الرضاعة، وكان السلطان، رحمه الله تعالى، يعظمه ويبجله ويزوره أحياناً، ويقبل شفاعاته، وكان مشهوراً بالصلاح والولاية، وستأتي ترجمته في محلها من حرف الباء، إن شاء الله تعالى. ومثل عبد الغني أفندي، ومحمد أفندي مفتي الديار الرومية المعروف ببستان زاده، وفضل أفندي ابن المفتي علاء الدين الجمالي، وقاضي القضاة محمد أفندي المعروف بأخي زاده. وآخر من قرأ عليه، وأخذ عنه، مفتي الديار الرومية، بل الممالك الإسلامية، أبو السعود العمادي، صاحب " التفسير " المشهور، والفضل المذكور، رحمه الله تعالى، ومنه صار ملازماً. وما زال صاحب الترجمة بأخذ الفضائل عن أهلها، ويستخرج الجواهر من محلها، ويحضر دروس العلماء، ويحاضر الأئمة البلغاء، ويفيد ويستفيد، ويتنقل في المناصب إلى أن صار مدرساً بمدرسة السلطان سليم الأول، بمدينة إصطنبول. ثم لما نور الله تعالى عين بصيرته، وطهر من دنس المناصب فؤاد سريرته، ورأى أن الدنيا لا بقاء لها، ولا وثوق بها، وأن الأخرى هي دار البقاء، وأن سعادتها نعم السعادة وشقاها بئس الشقاء، ترك الفاني، واختار الباقي، وأقبل على الله تعالى إقبال عالم بما أحب واختار، وتارك لما يقرب من عذاب النار. وعزم على الإقامة بالديار المصرية، أو المجاورة بالأقطار الحجازية، إلى آخر عمره، أو إلى انقطاع نصيبه، وأن يطلب من فضل الله تعالى، ثم من حضرة السلطان نصره الله تعالى، أن يعين له من بيت المال ما يكفيه هو ومن معه من العيال، فعينوا له من الدراهم ومن الغلال.

748 - الحسن بن زياد بن محمد البدر الفيومي الأزهري

وله الآن بالديار المصرية خمس سنين مقيماً بها، لا يظعن عنها شتاءً ولا صيفاً، وسائر أهالها يترددون إليه، ويلازمون بابه، ويمدحون حجابه، وغالب أفاضلها يذاكرونه ويذاكرهم، ويستفيدون منه ويستفيد منهم، ومنهم من يقرأ عليه، ومنهم من ينتفع بماله وجاهه، ويشير بأنامل الثناء إليه، وهو الآن إنسان عين الديار المصرية، لا يتقدم عليه أحد ولا يوازيه. 748 - الحسن بن زياد بن محمد البدر الفيومي الأزهري نزيل خانقاه شيخو. ولد سنة ثمان وستين وسبعمائة تقريباً، بالفيوم. ثم انتقل به أبوه إلى القاهرة، فقرأ بها القرآن، واشتغل في النحو على الغماري، وغيره. ثم سافر إلى حلب، سنة أربع وثمانين وسبعمائة، فتلا فيها لنافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وعاصم، وابن عامر، وأخذ الفقه عن الجمال الملطي، وغيره. وحج سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وطوف في بلاد الشام. وأخبر أنه سمع بدمشق وحلب والقاهرة وغيرها، وكان إمام اينال باي بن قجماس، وسمع عنده على التقي الدجوي، وسمع قطعة من آخر " سيرة ابن هشام " على النور الفوي بخانقاه شيخو، لقيه البقاعي فاستجازه. ومات في...... كذا في " الضوء اللامع ". 749 - الحسين بن سليمان بن فزازة القاضي الإمام شهاب الدين الكفري بقتح الكاف وسكون الفاء وكسر الراء الدمشقي الحنفي ذكره الصلاح الصفدي في " أعيان العصر "، قال: تلا بالروايات السبع على القاسم علم الدين، وسمع ابن طلحة، ومن ابن عبد الدائم. ودرس بالطرخانية، وكان شيخ الإقراء بالمقدمية والزنجيلية. وقرأ بنفسه على ابن أبي اليسر، وكتب الطباق، وكان شيخ قراءات، وبيده لمن يحاكمه في التفاضل براءات. ودرس، وأفتى، وكان في الجود بعلمه أكرم من الغيث وأفتى، وناب في الحكم زماناً، ونظم فيه من الإجادة جماناً. وكان خيراً، عالماً، ديناً، لا يرى لسيف السنة ثالماً، إلا أنه أضر بأخرة، فلزم داره، وجلس في بيته كالبدر في دارة، ولم يزل على حاله إلى أن حل ضيف الحين بفناء قراره، وآن اجتماعه به فزاره. وتوفي رحمه الله تعالى، في يوم الاثنين، ثالث عشر جمادى الأولى، سنة تسع عشرة وسبعمائة، عن اثنتين وثمانين سنة. وقرأ عليه ابنه قاضي القضاة شرف الدين أحمد، وغيره. انتهى. 750 - الحسين بن عبد الله بن أبي زيد الفقيه أبو عبد الله النيسابوري أحد الكبار الأعيان، من أئمة أصحابنا بخراسان. حدث بالمصنفات عن محمد بن شجاع، وسمع إسحاق بن راهويه، وأحمد بن جرب، وغيرهما. روى عنه أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه. ومات سنة اثنتين وتسعين ومائتين. ذكره الحاكم، في " تاريخ نيسابور ". 751 - الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا الرئيس أبو علي الحكيم المشهور، أحد فلاسفة المسلمين، ونادرة العصر في الذكاء والفطنة والعلم، بحيث صار ممن تضرب به الأمثال، وتعقد الخناصر عليه فحول الرجال. ذكره الحافظ الذهبي، في " تاريخ الإسلام "، وشرح أحواله مفصلة، وأسند أكثر ذلك إلى حكايته عن نفسه، والمرء أدرى بأحواله، وأعرف بأفعاله وأقواله. قال: قال، كان أبي رجلاً من أهل بلخ، فسكن بخارى في دولة نوح بن منصور، وتولى العمل والتصرف بقرية كبيرة، وتزوج بأمي فأولدها أنا وأخي، ثم انتقلنا إلى بخارى، وأحضرت معلم القرآن ومعلم الأدب، وأكملت عشراً من العمر، وقد أتيت على القرآن، وعلى كثير من الأدب، حتى كان يقضي مني العجب. وكان أبي ممن أجاب داعي المصريين، ويعد من الإسماعيلية، وقد سمع منهم ذكر النفس والعقل، وكذلك أخي، فربما تذاكروا وأنا أسمعهم وأدرك ما يقولونه، ولا تقبله نفسي، وأخذوا يدعونني إليه، ويجرون على ألسنتهم ذكر الفلسفة والهندسة والحساب، وأخذ يوجهني إلى من يعلمني الحساب.

ثم قدم بخارى أبو عبد الله الناتلي الفيلسوف، فأنزله أبي دارنا، وقبل قدومه كنت أشتغل بالفقه والتردد فيه إلى الشيخ إسماعيل الزاهد، وكنت من أجود السالكين، وقد ألفت المناظرة والبحث، ثم ابتدأت على الناتلي بكتاب " إيساغوجي "، ولما ذكر لي أحد أن حد الجنس هو المقول على كثيرين مختلفين بالنوع، وأخذته في تحقيق هذا الحد بما لم يسمع بمثله، تعجب مني كل التعجب، وحذر والدي من شغلي بغير العلم، وكان أي مسألة قالها لي أتصورها خيراً منه، حتى قرأت ظواهر المنطق عليه، وأما دقائقه فلم يكن عنده منها خبر. ثم أخذت أقرأ الكتب لى نفسي، وأطالع الشروح، حتى أحكمت علم المنطق، وكذلك كتاب أقليدس، فقرأت من أوله إلى خمسة أشكال أو ستة عليه، ثم توليت بنفسي حل باقيه، وانتقلت إلى المجسطي، ولما فرغت من مقدماته، واتهيت إلى الأشكال الهندسية، قال لي الناتلي: حلها وحدك، ثم اعرضها علي، لأبين لك. فكم من شكل ما عرفه الرجل إلا وقت عرضته عليه، وفهمته إياه. ثم سافر، وأخذت في الطبيعي والإلهي، فصارت الأبواب تنفتح علي، ورغبت في الطب، وبرزت فيه في مديدة، حتى بدأ الأطباء يقرأون علي، وتعهدت المرضى، فانفتح على أبواب المعالجات النفسية من التجربة مالا يوصف، وأنا مع ذلك أختلف إلى الفقه، وأناظر فيه، وعمري ست عشرة سنة. ثم أعدت قراءة المنطق، وجميع أجزاء الفلسفة، ولازمت العلم سنةً ونصفا، في هذه المدة ما نمت ليلة واحدة في بطولها، ولا اشتغلت في النهار بغيره، وجمعت بين يدي ظهوراً، فكل حجة أنظر فيها أثبت مقدمات قياسية، ورتبتها في تلك الظهور، ثم نظرت فيها عساها تنتج، وراعيت شروط مقدماته حتى تحقق لي حقيقة الحق في تلك المسألة، وكلما كنت أتحيز في مسألة، أو لم أظفر بالحد الأوسط في قياس، ترددت إلى الجامع، وصليت، وابتهلت إلى مبدع الكل، حتى فتح لي المنغلق منه، وتيسر المتعسر، وكنت أرجع بالليل إلى داري، واشتغل بالكتابة والقراءة، فمهما غلبني النوم، أو شعرت بضعف، عدلت إلى شرب قدح من الشراب، ريثما تعود إلي قوتي، ثم أرجع إلى القراءة، ومهما غلبني أدنى نوم أحلمُ بتلك المسائل بأعيانها. ثم إن كثيراً من المسائل اتضح لي وجوهها في المنام، حتى استحكم معي جميع العلوم، ووقفت عليها بحسب الإمكان الإنساني، وكل ما علمته في ذلك فهو كما علمته، لم أزد فيه إلى اليوم، حتى أحكمت علم المنطق والطبيعي والرياضي، ثم عدلت إلى الإلهي، وقرأت كتاب " ما بعد الطبيعة " فما كنت أفهم ما فيه، والتبس علي غرض واضعه، حتى أعدت قراءته أربعين مرة، وصار لي محفوظاً، وأنا مع ذلك لا أفهمه ولا المقصود به، وأيست من نفسي، وقلت ": هذا كتاب لا سبيل إلى تفهمه، وإذا أنا في يوم من الأيام حضرت وقت العصر في الوراقين، وبيد دلال مجلد ينادى عليه، فعرضه علي فردته رد متبرم، فقال: أنه رخيص بثلاثة دراهم. فاشتريته، فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب " ما بعد الحكمة الطبيعة "، ورجعت إلى بيتي، وأسرعت قراءته، فانفتح علي في الوقت أغراض ذلك الكتاب، ففرحت وتصدقت بشيءٍ يسير، شكراً لله تعالى. واتفق لسلطان بخارى، نوح بن منصور، مرض صعب فأجى الأطباء ذكرى بين يديه، فأحضرت وشاركتهم في مداواته، وسألته الإذن في دخول خزانة كتبهم ومطالعتها وقراءة ما فيها من الكتب، وكتبها، فأذن لي، ودخلت فإذا كتب لا تحصى في كل فن، ورأيت كتباً لم تقع أسماؤها إلى كثير من الناس، فقرأت تلك الكتب، وظفرت بفوائدها، وعرفت مرتبة كل رجل في علمه، فلما بلغت ثمانية عشر عاماً من العمر، فرغت من هذه العلوم كلها، وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ، ولكنه معي اليوم انضج، وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي بعده شيءٌ. وسألني جارنا أبو الحسين العروضي، أن أصنف له كتاباً جامعاً في هذا العلم، فصنفت له " المجموع "، وسميته به، وأتيت به على سائر العلوم سوى الرياضي، ولي إذ ذاك إحدى وعشرون سنة. وسألني جارنا الفقيه أبو بكر البرقي الخوارزمي وكان مائلاً إلى الفقه والتفسير والزهد، شرح الكتب له، فصنفت له كتاب " الحاصل والمحصول " في عشرين مجلدة، أو نحوها، وصنفت كتاب " البر والإثم "، وهذان الكتابان لا يوجدان إلا عنده، ولم يعرفهما أحداً.

ثم مات والدي، وتصرفت في الأحوال، وتقلدت شيئاً من أعمال السلطان، ودعتني الضرورة إلى الإحلال ببخارى، والانتقال إلى كركانج، وكان أبو الحسن السهلي المحب لهذه العلوم بها وزيراً، وقدمت الأمير بها علي بن المأمون، وكنت على زي الفقهاء، إذا ذاك مطيلساً تحت الحنك، وأثبتوا لي مشاهرة دارة تكفيني. ثم انتقلت إلى نسا، ومنها إلى باورد، وإلى طوس، ثم إلى جاجرم رأس خراسان، ومنها إلى جرجان، وكان قصدي الأمير قابوس، فاتفق في أثناء هذا أخذ قابوس وحبسه، فمضيت إلى دهستان، فمرضت بها، ورجعت إلى جرجان، فاتصل بي أبو عبيد الجوزجاني. ثم قال أبو عبيد الجوزجاني: فهذا ما حكاه لي الشيخ عن لفظه. وصنف ابن سينا بأرض الجبل كتباً كثيرة، وهذه فهرست كتبه: كتاب " المجموع " مجلدة، " الحاصل والمحصول " عشرون مجلدة، " البر والإثم " مجلدان " الشفا " ثمانية عشر مجلداً، " القانون " أربعة عشر مجلداً، " الأرصاد الكلية " مجلد، كتاب " النجاة " ثلاث مجلدات، " الهداية " مجلد، " الإشارات " مجلد، " المختصر " مجلد، " الإشارات " مجلد، " المختصر " مجلد، " العلائي " مجلد، " القولنج " مجلد، " لسان العرب " عشر مجلدات، " الأدوية القلبي " مجلد، " الموجز " مجلد، " بعض الحكمة المشرقية " مجلد، " بيان ذوات الجهة " مجلد، كتاب " المعاد " مجلد، كتاب " المبدأ والمعاد " مجلد. ومن رسائله: القضاء والقدر "، " الآلة الرصدية "، " غرض قاطيغور ياس "، " المنطق " بالشعر، رجز، " قصيدة في العظة والحكمة "، " تعقب المواضع الجدلية "، " مختصر أقليدس "، " مختصر في النبض " بالعجمية، " الحُدُد "، " الأجرام السماوية "، " الإشارة إلى علم المنطق "، " أقسام الحكمة "، " في النهاية وأن لا نهاية "، " عهد " كتبه لنفسه، " حي بن يقظان "، " في أن أبعاد الجسم غير ذاتية له "، " خطب "، " الكلام في الهندبا "، " في أن الشيء الواحد لا يكون جوهرياً عرضياً "، " في أن علم زيد غير علم عمرو "، " رسائل إخوانية وسلطاني "، " مسائل جرت بينه وبين الفضلاء ". ثم انتقل إلى الري، وخدم السيدة وابنها مجد الدولة، وداواه من السوداء، فأقام إلى أن قصد شمس الدولة بعد قتل هلال بن بدر، وهزيمة جيش بغداد. ثم خرج إلى قزوين، وإلى همذان، ثم عالج شمس الدولة من القولنج، وصار من ندمائه، وخرج في خدمته. ثم رد إلى همذان، ثم سألوه تقلد الوزارة، فتقلدها، ثم اتفق تشويش العسكر عليه، واتفاقهم عليه خوفاً منه، فكبسوا داره ونهبوها، وسألوا الأمير قتله، فامتنع وأرضاهم بنفيه، فتوارى في دار الشيخ أبي سعد أربعين يوماً، فعاود شمس الدولة القولنج، فطلب الشيخ فحضر، فاعتذر إليه الأمير بكل وجه، فعالجه، وأعاد إليه الوزارة ثانياً. قال أبو عبيد الجوزجاني: ثم سألته شرح كتب أرسطو طاليس، فقال: لا فراغ لي، ولكن إن رضيت مني بتصنيف كتاب أورد فيه ما صح عندي من هذه العلوم بلا مناظرة ولا رد فعلت. فرضيت منه، فبدأ بالطبيعيات من كتاب " الشفا " وكان يجتمع كل ليلة في داره طلبة العلم، وكنت أقرأ من " الشفا " نوبة، وكان غيري يقرأ من " القانون " نوبة، فإذا فرغنا حضر المغنون، وهيئ مجلس الشراب بآلاته، فكنا نشتغل به، فقضينا على ذلك زمناً، وكان يشتغل بالنهار في خدمة الأمير. ثم مات الأمير وبايعوا ولده، وطلبوا الشيخ لوزارته، فأبى، وكاتب علاء الدولة سراً، يطلب المصير إليه، واختفى في دار أبي غالب العطار، فكان يكتب كل يوم خمسين ورقة تصنيفاً في كتاب " الشفا " حتى أتى منه على جميع كتاب الطبيعي والإلهي ما خلا كتابي الحيوان والنبات، ثم اتهمه تاج الملك بمكاتبة علاء الدولة، وأنكر عليه ذلك، وحث على طلبه، فظفروا به وسجنوه بقلعة فردجان، وفي ذلك يقول قصيدة، منها: دُخُولِي بالْيَقِين كما تَرَاهُ ... وكلُّ الشَّكِّ في أَمْرِ الخُروجِ فبقي فيها أربعة أشهر، ثم قصد علاء الدولة همذان، فأخذها، وهرب تاج الملك، وأتى تلك القلعة، ثم رجح تاج الملك وابن شمس الدولة إلى همذان لما انصرف عنها علاء الدولة، وحملا معهما الشيخ إلى همذان، ونزل في دار العلوي، وأخذ يصنف المنطق من كتاب " الشفا "، وكان قد صنف بالقلعة رسالة " حي بن يقظان "، وكتاب " الهدايات "، وكتاب " القولنج ".

ثم أنه خرج نحو أصبهان متنكراً، وأنا وأخوه وغلامان له في زي الصوفية، إلى أن وصلنا إلى طبران، وهي على باب أصبهان، وقاسينا شدائد، فاستقبلنا أصدقاء الشيخ وندماء الأمير علاء الدولة وخواصه وحملوا إليه الثياب والمراكب، وبالغ علاء الدولة في إكرامه وصار من خاصته. وقد خدمت الشيخ وصحبته خمساً وعشرين سنة وجرت مناظرة، فقال له بعض اللغويين: إنك لا تعرف اللغة. فأنف الشيخ، وتوفر على درس اللغة ثلاث سنين، فبلغ طبقة عظيمة من اللغة وصنف بعد ذلك كتاب " لسان العرب "، ولم يبيضه. قال: وكان الشيخ قوي القوى، وكان قوة المجامعة من قوات الشهوانية أقوى وأغلب، وكان كثيراً ما يشتغل، فأثر في مزاجه، وكان يعتمد على قوة مزاجه حتى صار أمره إلى أن أخذه القولنج وحرص على برئه حتى حقن نفسه في يوم ثمان مرات، فتقرح بعض أمعائه، وظهر به سحج، وسار مع علاء الدولة، فأسرعوا نحو إذج، فظهر به هناك الصرع الذي قد يتبع علة القولنج، ومع ذلك كان يدبر نفسه ويحقن نفسه لأجل السحج، فأمر يوماً باتخاذ دانقين من بزر الكرفس، في جملة ما يحتقن به، طلباً لكسر الرياح، وقصد بعض الأطباء الذي كان هو يتقدم إليه بمعالجته، فطرح من بزر الكرفس خمسة دراهم، لست أدري أعمد فعله أم خطأ، لأني لم أكن معه، فازداد السحج به من حدة البزر وكان يتناول المنزود يطوس؛ لأجل الصرع، فقام بعض غلمانه وطرح فيه شيءً كثيراً من الأفيون فناوله فأكله وكان سبب ذلك خيانتهم في مال كثير من خزانته، فتمنوا هلاكه ليأمنوا، فنقل الشيخ إلى أصبهان وبقي يدبر نفسه، واشتد ضعفه ثم عالج نفسه حتى قدر على المشي لكنه مع ذلك يكثر المجامعة فكان ينتكس. ثم قصد علاء الدولة همذان، فسار الشيخ معه، فعاودته تلك العلة في الطريق، إلى أن وصل همذان، وعلم أنه قد سقطت قوته، وإنها لا تفي بدفع المرض، فأهمل مداواة نفسه، وأخذ يقول: المدبر الذي كان يدبر قد عجز عن التدبير، والآن فلا تنفع المعالجة. وبقى على هذا أياماً، ومات عن ثلاث وخمسين سنة. انتهى قول أبي عبيد. وقبره تحت سور همذان. وقيل: إنه نقل إلى أصبهان بعد ذلك. وقال ابن خلكان، في ترجمة ابن سينا: ثم اغتسل وتاب، وتصدق بما معه على الفقراء، ورد المظالم على من عرفه، وأعتق مماليكه، وجعل يختم كل ثلاثة أيام ختمة، ثم مات بهمذان، يوم الجمعة، في رمضان، وولد في صفر، سنة سبعين وثلاثمائة. قال: وكان الشيخ كمال الدين ابن يونس يقول: إن مخدومه سخط عليه، ومات في سجنه، وكان ينشد: رأيتُ ابنَ سِينَا يُعادِي الرِّجالَ ... وفي السِّجْنِ مات أخّسَّ الْمَماتِ فلم يَشْفِ مانَاتَهُ " بالشَّفا " ... ولم يَنْجُ مِن مَوْتهِ " بالنَّجَاةِ " وصية ابن سينا لأبي سعيد بن أبي الخير الصوفي الميهي ليكن الله تعالى أول فكر له وآخره، وباطن كل اعتبار وظاهره، ولتكن عين نفسه مكحولة بالنظر إليه، وقدمها موقوفة على المثول بين يديه، مسافر بعقله في الملكوت الأعلى، وما فيه من آيات ربه الكبرى، وإذا انحط إلى قراره، فلينزه الله في آثاره، فإنه باطن ظاهر، تجلى لكل شيء بكل شيء. ففِي كُلِّ شيءٍ له آيَةٌ ... تَدُلُ علَى أنَّه وَاحِدُ فإذا صارت هذه الحال له ملكه انطبع فيها نقش الملكوت، وتجلى له قدس اللاهوت، فألف الأنس الأعلى، وذاق اللذة القصوى، وأخذ عن نفسه من هو بها أولى، وفاضت عليه السكينة، وحقت له الطمأنينة، وتطلع على العالم الأدنى اطلاع راحم لأهله، مستوهن لحبله، مستخف لثقله، مستخس به لعلقه، مستضل لطرفه، وتذكر نفسه وهي بها لهجة، وببهجتها بهجة، فتعجب منها ومنهم تعجبهم منه وقد ودعها، وكان معها كأن ليس معها. وليعلم أن أفضل الحكات الصلاة، وأمثل السكنات الصيام، وانفع البر الصدقة، وأزكى السر الاحتمال، وأبطل السعي المراءاة، وأن تخلص النفس عن الدرن ما التفتت إلى قيل وقال، ومنافسة وجدال، وانفعلت بحال من الأحوال، وخير العلمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما ينفرج عن جناب علم، والحكمة أم الفضائل، ومعرفة الله أول الأوائل، (إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) .

إلى أن قال: وأما المشروب فيهجر شربه تلهياً، بل تشفياً وتداوياً، ويعاشر كل فرقة بعادته ورسمه، ويسمح بالمقدور والتقدير من المال، ويركب لمساعدة الناس كثيراً مما هو خِلاف طبعه، ثم لا يقصر في الأوضاع الشرعية، ويعظم السنن الإلهية، والمواظبة على التعبدات البدنية. إلى أن قال: عاهد الله أنه يسير بهذه السيرة، ويدين بهذه الديانة، والله ولي الذين آمنوا. ومن شعره القصيدة الطنانة، التي قالها في النفس، وولع الناس بشرحها، وحل رموزها، وكشف غوامضها، وهي هذه: هَبَطتْ إليكَ مِن المَحَلِّ الأرْفَعِ ... وَرْقَاءُ ذاتُ تَعَزُّزٍ وتَمَنُّعِ مَحْجُوبةٌ عن كلِّ مُقْلَةِ عارِفٍ ... وهِي التي سَفَرتْ ولم تَتَبَرْقَعِ وَصَلتْ علَى كُرْهٍ إليك ورُبَّمَا ... كَرِهَتْ فِراقَكَ وهْيَ ذاتُ تَفَجُّعِ ألِفَتْ وما ألِفَتْ فلمَّا وَاصَلَتْ ... ألِفَتْ مُجاوَرَةَ الخَرَابِ الْبَلْقَعِ وأظُنُّها نَسِيَتْ عُهوداً بالْحِمىَ ... ومَنازِلاً بِفِرَاقِها لم تَقْنَعِ حتَّى إذا اتَّصَلَتْ بهاء هُبُوطِها ... مِن مِيمِ مَرْكَزِها بذَاتِ الأجْرَعِ عَلِقَتْ بها هَاءُ الثَّقِِيلِ فأصْبَحَتْ ... بينَ المَعالِمِ والطُّلُولِ الخُضَّعِ تَبْكِي إذا ذكرتْ دِياراً بالْحِمَى بمَدامِعٍ تَهْمِى ولَمَّا تُقْلِعِ وتَظَلُّ سَاجِعَةً علَى الدَّمَنِ التي ... دَرَسَتْ بِتَكْرَارِ الرِّياحِ الأرْبَعِ إذْ عاقَها الشَّرَكُ الكَثِيفُ وصَدَّهَا قَفَصٌ عن الأوْجِ الفَسِيحِ الأرْيَعِ حتى إذا قَرُبَ الْمَسِيرُ مِن الْحِمَى ... ودَنَا الرَّحِيلُ إلى الفَضَاءِ الأوْسَعِ هُجِعَتْ وقد كُشِفَ الْغِطاءُ فأبْصَرتْ ما ليس يُدْرَكُ بالعُيُونِ الهُجَّعِ وغَدَتْ مُفارِقةً لكلِّ مُخَلَّفٍ ... عنها حَلِيفِ التُّرْبِ غيرِ مُشَيَّعِ وغَدَتْ تُغَرِّدُ فوقَ ذِرْوَةِ شاهِقٍ ... سَامٍ إلى قَعْرِ الحَضِيضِ الأوْضَعِ إنْ كان أرْسَلها الإلهُ لِحِكُمةٍ ... طُويَتْ عن الْفَطِنِ اللَّبيبِ الأوْرَعِ فهُبُوطُها إن كان ضَرْبَةَ لاَزِبٍ ... في العالَمِين فَخَرْقُها لم يُرْقَعِ وهي التي قَطَع الزَّمانُ طَرِيقَها ... حتى لقد غَرُبَتْ بغيرِ المَطْلَعِ فكأنَّها بَرْقٌ تألَّقَ لِلْحِمَى ... ثم انْطوَى فكأنَّه لم يَلْمَعِ وله أيضاً: قُمْ فَاسْقِنيهَا قَهْوة كَدَمِ الطُّلاَ ... يا صاحِ بالقُدُحِ المِلاَ بين المَلاَ خَمْراً تَظَلُّ لها النَّصارَى سُجَّداً ... ولها بَنُو عِمْرانَ أخْلَصَتِ الوَلاَ لو أنَّها يوماً وقد لَعِبَتْ بهمْ ... قالتْ ألَسْتُ بِرَبِّكُم قالُوا بَلَى وله، وهو يجود بنفسه: أقام رجالاً في مَعَارِجِه مُلْكَا ... وأقْعَدَ قَوْماً في غَوَايَتِهمْ هَلكَى نَعُوذُ بكَ اللَّهُمَّ مِن شَرِّ فِتْنَةٍ ... تُطَرِّقُ مَنْ حَلَّتْ بهِ عيشَةً ضَنْكَا رَجَعْنَا إليكَ الآنَ فاقْبَلْ رُجُوعَنَا ... وقَلِّبْ قُلوباً طال إعْراضُها عَنْكَا فإنْ أنتَ لم تُبْرِئ سَقامَ نُفُوسِنَا ... وتَشْفِ عَمَايَاهَا إذاً فلِمَنْ يُشْكَى فقد آثَرتْ نفسِي لِقاكَ وقَطَّعَتْ ... عليكَ جُفونِي مِن مَدامِعِها سِلْكَا ويُنْسَبُ إليه أيضاً البيتان اللذان ذكرهما الشهرستاني، في أول كتاب " نهاية الإقدام ". وهما: لقد طُفْتُ في تِلْكَ المَعالِمِ كُلِّها ... وسَرَّحْتُ طَرْفِي بَيْنَ تلكَ العَوالِمِ فلم أرَ إلاَّ وَاضِعاً كَفَّ حائِرٍ ... علَى ذَقَنٍ أو قَارِعا سِنَّ نادِمِ قال ابن خلكان: ومن المنسوب إليه أيضاً، ولا أتحقق قوله: اجْعَلْ غِذاءكَ كلَّ يَوْمٍ مَرَّةً ... واحْذَرْ طَعاماً قبلَ هَضْمِ طَعامِ

752 - الحسين بن عبيد الله بن هبة الله بن محمد بن هبة الله ابن حمزة القزويني

واحْفَظْ مَنِيَّكَ ما اسْتَطَعْتَ فإنَّهُ ... ماءُ الحياةِ يُصَبُّ في الأرْحَامِ وفضائل ابن سينا كثيرة، وتصانيفه شهيرة، والناس في اعتقاده فرقتان، له، وعليه، والظاهر أنه تاب قبل موته، والله تعالى أعلم بحاله، رحمه الله تعالى. 752 - الحسين بن عبيد الله بن هبة الله بن محمد بن هبة الله ابن حمزة القزويني عرف والده بابن شفروه. روى عنه ابن النجار شعراً مِن شِعْرِ أبيه. وسيأتي كل من أبيه عبيد الله، وعميه: رزق الله، وفضل الله في بابه، إن شاء الله تعالى. 753 - الحسين بن عبد الرحمن، المولى الفاضل حسام الدين الرومي قرأ على فضلاء دياره، منهم المولى عبد الرحمن بن المؤيد، والمولى أفضل زاده والمولى خواجه زاده. وصار مدرساً بعدة مدارس، منها إحدى المدارس الثمان، وولي قضاء بروسة وأدرنة، وكان من فضلاء تلك الديار. وله " حواش " على أوائل " حاشية شرح التجريد "، " ورسالة في جواز استخلاف الخطيب "، وله بعض أبحاث متعلقة ب " شرح الوقاية " لصدر الشريعة، وله غير ذلك. وكانت وفاته سنة ست وعشرين وتسعمائة، تغمده الله برحمته. 754 - الحسين بن علي بن أحمد بن إبراهيم الحلبي المعروف بابن البرهان ولد في سنة سبعين وسبعمائة بحلب، ونشأ بها فحفظ القرآن وكتباً، واشتغل وفضل. وسمع على ابن صديق بعض " الصحيح "، وتكسب بالشهادة، ودرس بالسيفية بحلب، وحدث، وسمع منه الفضلاء. وكان من بيت علم وخير، ولكنه يذكر بلين وتساهل. مات بحلب، في حدود سنة أربعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. كذا ذكره في " الضوء اللامع ". وذكره ابن طولون، في " الغرف العلية " بنحو ما هنا، ثم قال: ورأيت بخطه ما كتبه القاضي شرف الدين الطائي إلى الصلاح الصفدي، وهو بحلب: أيا فاضِلاً في العِلمِ مازال بارِعاً ... إماماً لَدَيْهِ مُشْكِلُ النَّحْوِ وَاضِحُ لقد سَمَع المَمْلُوكُ بَيْتَيْنِ فيهما ... سُؤالٌ لأرْبابِ الْجَهالةِ فاضِحُ لنا لإبِلٌ ما رَوَّعَتْهَا الصَّفائِحُ ... ولا نَفَّرَتْها بالصياحِ الصَّوائِحُ إذا سَمِعَتْ أضيافنا مِن رُعاتِهَا ... أتَيْنَ سِرَاعاً يَبْتَدِرْنَ الذَّبائِحُ فما مُقْتَضَى رَفْعِ الذَّبائحِ فيهمَا ... ووَجْهُ وُجوبِ النَّصبِ في الْحاءِ لائحُ أجِبْ عن سُؤالٍ واغْتَنِمْ أجْرَ سائِلٍ ... له في صِفَاتِ الفاضِلين مَدائِحُ فأجابه ارتجالاً: أيا فاضِلاً أضْحَتْ رِيلضُ عُلُومِهِ ... لها نَسَماتٌ بالذَّكاءِ نَوافِحُ ومَن حازَ ذِهْناً تارَة قد تَوَقَّدتْ ... وفِكْراً به ماءُ البَدائِعِ طَافِحُ سُؤالُك في رَفْعِ الذَّبائحِ ظاهِرٌ ... وما النَّصْبُ فيه إنْ تَحَقَّقَ لائِحُ إذا سَمِعتْ يَحْتاجُ ذَا الفِعْلُ فاعِلاً ... وذلك في رَفْعِ الذَّبائحِ بائِحُ وأضْيَافَنا الْمَفْعُولُ فاسْمَعْ مَقالَ مَنْ يُسامِي علَى نَقْصِ العُلاَ مَن يُسامِحُ وخُذْ قَوْلَ شَيْخٍ قد تَدانَى مِن البِلَى ... له شَبَحٌ نَحْوَ الضَّرائِحِ رَائِحُ 755 - الحسين بن علي بن أحمد البخاري قال ابن النجار: أستاذ محمد بن إسماعيل بن أحمد بن الحسين الخطيبي البخاري الآتي في بابه إن شاء الله تعالى. 756 - الحسين بن علي بن أبي القاسم اللامشي، أبو علي قال السمعاني: إمام فاضلٌ مناظر، سمع الحديث من القاضي أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم القصار، والقاضي أبو بكر بن الحسن بن منصور النسفي. سمع منه السمعاني: وتوفي بسمرقند، في يوم الاثنين، خامس شهر رمضان، سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. قال: وكان على طريقة السلف، من طرح لالتكلف والقول بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قدم بغداد سنة خمس عشرة وخمسمائة، في رسالة من جهة خاقان ملك مارواء النهر إلى دار الخلافة، فقيل له: لو حججت ورجعت؟ قال: لا أجعل الحج تبعاً لرسالتهم.

757 - الحسين بن علي بن بشارة بن عبد الله الشبلي شرف الدين

قال السمعاني: سمعت أبا بكر الزاهد السمرقندي يقول: بت ليلة مع الإمام اللامشي في بعض بساتينه، فخرج من باب البستان نصف الليل، ومر على وجهه، فقمت أنا وتبعته من حيث لا يعلم، فوصل إلى نهر كبير عميق، وخلع ثيابه، واتزر بمئزر، وغاص في الماء، وبفي زماناً لا يرفع رأسه، فظننت أنه غرق، فصحت، وقلت: يا مسلمين، غرق الشيخ. فإذا بعد ساعة قد ظهر، وقال: يا بني، لا نغرق. فقلت: يا سيدي، ظننت أنك غرقت. فقال: ما غرقت، ولكن أردت أن أسجد لله سجدة على أرض هذا النهر، فإن هذه أرض أظن أن أحداً ما سجد لله عليها سجدة. انتهى. 757 - الحسين بن علي بن بشارة بن عبد الله الشبلي شرف الدين ولد في ذي القعدة، سنة سبع وخمسين وستمائة. وأسمع من " المسلم بن علان، والفخر، وابن أبي عمر " وابن أبي عصرون، وابني القواس، وغيرهم، وحدث، وخرج له البرزالي " جزاءاً "، وخرج له غيره " مشيخة ". وكان ناظر الشبلية بدمشق، ومعيدها، وخازن الكتب بدار الحديث الأشرفية. وكان يحب الحديث والرواية. ومات في ثامن عشري المحرم، سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. 758 - الحسين بن علي بن حجاج بن علي، الإمام الملقب حسام الدين الصغناقي الأمام العالم العلامة، القدوة الفهامة، كان إماماً عالماً فقيهاً، نحوياً، جدلياً. أخذ عن العلامة عبد الجليل بن عبد الكريم، صاحب " الهداية "، وتفقه على الإمام حافظ الدين محمد بن محمد بن نصر، وفوض إليه الفتوى وهو شاب، وعلى الإمام فخر الدين محمد بن محمد إلياس المايرغي، وروى عنهما " الهداية " بسماعهما من شمس الأئمة الكردري، عن المصنف، ومتى ذكر في " شرحه " على " الهداية " لفظ الشيخ، فالمراد به حافظ الدين، أو لفظ الأستاذ فالمراد به فخر الدين، كما ذكره في " الشرح ". واجتمع في حلب بقاضي القضاة ناصر الدين بن محمد بن القاضي كمال الدين أبي حفص عمر ابن العديم، وكتب له نسخة من " شرحه " على " الهداية " أولها وآخرها بخط يده، وأجاز له روايتها، ورواية جميع مجموعاته ومؤلفاته خصوصاً، وأن يروي أيضاً ما كان له فيه حق الرواية من الأساتذة، وكان ذلك في غرة شهر الله المعظم رجب الفرد، من شهور سنة إحدى عشرة وسبعمائة. ودخل بغداد، ودرس بمشهد أبي حنيفة، ثم توجه إلى دمشق حاجاً فدخلها في سنة عشر وسبعمائة. وله مصنفات مفيدة منها " شرح الهداية "، المذكور فرغ منه في أواخر شهر ربيع الأول سنة سبعمائة، وهو أول شروحها، و " شرح المفضل "، ذكر في أوله أنه قرأه على حافظ الدين البخاري، سنة ست وسبعين وستمائة. وكانت وفاته بمرو، فتفرقت عنه أصحابه بالبلدان، وكان منهم بدمشق الشيخ شمس الدين عبد الله بن حجاج الكاشغري، مدرس الشبلية. قال ابن الشحنة: ورأيت بخط الحافظ الخطيب ناصر الدين ابن عشائر، بيتين منسوبين إليه، وهما: إذا أرْسَلْتَ فَارْسِلْ ذَاوَقارٍ ... كريمَ الطَّبعِ حُلْوَ الاعْتِذَارِ يُؤلفُ بينَ نِيَرانٍ ومَاءٍ ... ويُصْلِحُ بينَ سِنَّوْرٍ وفَارِ ورأيت بخط بعض الفضلاء أنه شرح " مختصر الطحاوي " في عدة مجلدات، وأن الذهبي قال: حدث عنه جماعة ممن أدركهم السلفي. والله أعلم. 759 - الحسين بن علي بن عبد الله بن سيف الدين الفيشي الأصل القاهري الحسيني سكناً، ويعرف بابن فيشا ولد سنة ثلاثين وثمانمائة تقريباً بالحسينية، ونشأ فحفظ القرآن الكريم، و " العمدة " في أصول الدين للنسفي، و " المختار "، و " المنار "، و " ألفية النحو "، و " ألفية الحديث ". وأخذ الفقه وأصوله عن القاضي سعد الدين الديري، ولازم قبله العز عبد السلام البغدادي في " المختار "، و " شرحه "، والصرف، والعربية، والمنطق، وغيرها، واختص به كثيراً، ولزم خدمته. وقرأ على الأمين الأقصرائي " الكاكي " شرح المنار، و " التلويح "، و " الهداية " في الفقه. ولازم التقي الحضني في الأصلين، والمعاني والبيان و " الكشاف "، والعربية، والمنطق، وغير ذلك، ما بين سماع وقراءة. وحضر دروس الكافيجي، وكتب جملة من تصانيفه، وأخذ يسيراً عن الشمني، وابن الهمام. وفضل، وتميز، وناب في القضاء عن ابن الديري فمن بعده، وحج، وكان ذا سكون ولين وتواضع. مات في شوال، سنة خمس وتسعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.

760 - الحسين بن علي بن محمد بن جعفر، أبو عبد الله الإمام العالم العلامة، القاضي الصيمري

760 - الحسين بن علي بن محمد بن جعفر، أبو عبد الله الإمام العالم العلامة، القاضي الصيمري الذي كان غرة في جبهة العراق، ومجمعاً أنه الفرد في عصره بالاتفاق. سكن بغداد، وكان أحد من انتهت إليه الرياسة من فقهائها وقضاتها المذكورين المشهورين، حسن العبارة، جيد النظر. ولي قضاء المدائن في أول أمره، ثم ولي بأخرة القضاء بربع الكرخ، ولم يزل يتقلده إلى حين وفاته. وكان صدوقاً، وافر العقل، جميل المعاشرة، عارفاً بحقوق أهل العلم. روى عن أبي بكر هلال بن محمد، ابن أخ هلال الرأي، وأبي حفص ابن شاهين، وغيرهما. وتفقه عليه قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، وغيره. وروى عنه أبو بكر الخطيب، في " تاريخ بغداد " وغيره، وأكثر عنه الرواية جداً. وحج من الديار الشامية، وسمع منه بها جماعة. وكانت وفاته سنة ست وثلاثين وأربعمائة. وولادته سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. قال أبو الوليد الباجي: كان إمام الحنفية ببغداد، وكان عالماً عاملاً خيراً. انتهى. ومن مؤلفاته " كتاب مجلد ضخم في أخبار أبي حنيفة وأصحابه ". وسيأتي الكلام على هذه النسبة إلى أي شيء، إن شاء الله تعالى، في أواخر الكتاب. 761 - الحسين بن علي بن محمد بن علي الدامغاني أبو علي بن قاضي القضاة أبي الحسن ابن قاضي القضاة أبي عبد الله وهو أخو أبي نصر الحسن، الذي تقدم ذكره. سمع أبا الغنائم النرسي، وحدث باليسير، وسمع منه القاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي، وأخرج عنه حديثاً في " معجم شيوخه ". وذكر أنه مات يوم الجمعة، الحادي عشر من شهر رجب، سنة إحدى وستين وأربعمائة. رحمه الله تعالى. 762 - الحسين بن علي بن طاهر، أبو عبد الله البصري المتكلم، ويعرف بالجعل سكن بغداد، وكان من شيوخ المعتزلة، وله تصانيف كثيرة على مذهبهم، وكان في الفروع حنفي المذهب. قال القاضي أبو عبد الله الصيمري: كان أبو عبد الله البصري مقدماً في علم الفقه والكلام، مع كثرة أماليه فيهما، وتدريسه لهما. قال: وتوفي في ذي الحجة، سنة تسع وستين وثلاثمائة، ودفن في تربة أبي الحسن الكرخي. وقال علي بن المحسن التنوخي: ولد أبو عبد الله الحسين بن علي البصري في سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وتوفي في اليوم الثاني ن ذي الحجة، سنة تسع وستين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى - قال هلال بن المحسن: عن نحو ثمانين سنة - وصلى عليه أبو علي الفارسي النحوي، ودفن في تربة أستاذه أبي الحسن الكرخي، بدرب الحسن بن زيد. كذا نقلت هذه الترجمة باختصار يسير من " تاريخ الخطيب ". وذكره في " الجواهر " هنا باختصار جداً، ولم يبين شيئاً من أحواله، وذكره في الكنى أيضاً، وحكى عن الصيمري أنه ذكره في طبقة أبي محمد بن عبدك، وأنه قال: لم يبلغ أحد مبلغه في هذين العلمين، أعني الكلام والفقه، مع سعة النفس، وكصرة الأفضال، والتقدم عند السلطان، وإيثار الأصحاب، ولم يكن صاحب إلا علي بن محمد الواسطي. انتهى. 763 - الحسين بن عمر بن طاهر الفارسي المنعوت بالنور تفقه على مذهب الإمام، واشتغل بعلم الطب حتى مهر فيه. وسمع، وحدث، وأم بالطائفة الحنفية، بالمدرسة الصالحية بالقاهرة، إلى حين وفاته. وكان شيخاً عفيفاً، خيراً، ديناً. ولد سنة خمس وسبعين، أو اثنتين وسبعين وخمسمائة. وتوفي في حادي عشر المحرم، سنة ثلاث وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى. 764 - الحسين بن فارس، الفقيه الكثي أبو علي سمع أحمد بن سهل البخاري ومات سنة ست وتسعين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 765 - الحسين بن المبارك، أبو بكر بن أبي عبد الله محمد بن يحيى ابن علي بن المسلم بن موسى بن عمران ابن الزبيدي البغدادي سمع من أبي الوقت عبد الأول، وورد دمشق، وأسمع بها " صحيح البخاري " وغيره، وألحق الصغار بالكبار. وروى عنه أحمد بن أبي طالب الحجار، والعلامة رشيد الدين ابن المعلم. وكان ثقة. توفي ببغداد، في الرابع والعشرين من صفر، سنة إحدى وثلاثين وستمائة. رحمه الله تعالى. وتقدم ذكر أخيه الحسن. 766 - الحسين بن محمد بن إبراهيم الغوبديني أبو نعيم ولد سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة.

767 - الحسين بن محمد بن أسعد، الفقيه المعروف بالنجم

سمع ببخارى أبا سهل هارون بن أحمد الإستراباذي، وبنيسابور أبا القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد بن يعقوب النسوي، وببغداد أبا طاهر. روى عنه أبو العباس جعفر المستغفري. ذكره أبو سعد، وقال: كان ثقة، صدوقاً، مكثراً من الحديث، رحل إلى خراسان، والعراق، والحجاز، وأدرك الشيوخ، ومات سنة سبع وعشرين وأربعمائة. رحمه الله تعالى. 767 - الحسين بن محمد بن أسعد، الفقيه المعروف بالنجم تفقه على أبيه وسمع منه الحديث. قال ابن العديم: ولي التدريس بالحلاوية، وله تصانيف في الفقه، منها: " شرح الجامع الصغير " لمحمد بن الحسن، فرغ من تصنيفه بمكة، شرفها الله تعالى، وله " الفتاوي والواقعات "، وكان فقيهاً فاضلاً، عالماً متديناً. وحكى عنه حكاية طويلة في حُضوره عند نور الدين ابن زنكي، وقد سأله عن لبس خاتم في يده كان فيه لوزاتٌ من ذهب، فقال له: تتحرر من هذا، وتحمل إلى خزانتك من المال الحرام في كل يوم كذا وكذا!!. وأن نور الدين أمر بتبطيل ذلك. 768 - الحسين بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ابن أبي عابد، أبو القاسم الكوفي، القاضي ولد سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. وقدم بغداد في حداثته، وسمع بها من أحمد بن عثمان بن يحيى الأدمي وأشباهه، وقدمها مرة ثانية وقد علن سنه، وحدث بها. قال علي بن المحسن التنوخي: كان الحسين هذا ثقة، كثير الحديث، جيد المعرفة به، وولي القضاء بالكوفة من قبل أبي، وكان فقيهاً على مذهب أبي حنيفة، وكان يحفظ القرآن، ويحسن قطعه من الفرائض، وعلم القضاء، قيماً بذلك، وكان زاهداً، عفيفاً. قال: وسألته عن مولده، فقال: ولدت يوم السبت، لثلاث بقين من المحرم، في السنة المذكورة. وقال ابن الصباغ الكوفي: مات القاضي أبو القاسم الحسن بن محمد، في صفر، سنة خمس وتسعين وثلاثماة. رحمه الله تعالى. 769 - حسين بن محمد بن حسين قاضي القضاة بالديار المصرية، المعروف والده بقراجلبي. أخذ عن أبيه، وصار ملازماً منه، ودأب، وحصل، وصار له فضيلة تامة. وولي المناصب الجلية ودرس بسلطانية بروسة، وبإحدى المدارس الثمان، والسليمانية بإسطنبول، والسليمية بأدرنة، ومنها ولي قضاء دمشق، سنة خمس وثمانين وتسعمائة، في أواسط شعبان، ثم ولي قضاء القاهرة، في شهر ذي القعدة، من شهور سنة سبع وثمانين، ثم عزل منها بعد مدة، وهو الآن حي يرزق. وستأتي ترجمة والده في محلها، إن شاء الله تعالى. وما زال يترقى حتى صار قاضياً بالعسكر المنصور، بولاية أنا طولي، ثم بولاية روملي، ثم عزل بعد مدة ليست بالطويلة، من غير جرم ظاهر، وعين له من العلوفة بطريق التقاعد ما جرت به عادة أمثاله. ولما ولي قضاء العسكر أولاً وثانياً، عزم على إحياء القانون العثماني، الذي وضع في أول الأمر سبباً لتحصيل الفضائل، وتحرزاً عن إعطاء المناصب لغير أهلها، فكانت لام العاقبة سالبة لا كاسبة، وما أمكنه ذلك، فأراد أن يعطيها لكل من يكون من أهل العلم، سواء جاء من الطريق المعهودة أم لا، فما أمكنه ذلك أيضاً، لأمور يطول شرحها، ويولم القلب جرحها، ومن أعظم الأمور المذكورة، بل هو أعظمها، شدة الطمع، واستيلاء حب الدنيا على من بيده أزمة الأمور، من رؤساء الجمهور، فأبقى كل شيء على حاله، وأنشد بلسان قاله: لا تَصْلُحُ الناسُ فَوْضَى لا سَرَاةَ لَهُمْ ... ولاَ سَرَاةَ إذا جُهَّالُهم سَادُوا فنسأل الله تعالى إصلاح الأحوال، في الحال والمال، بمنه وكرمه. 770 - الحسين بن محمد بن الحسين، أبو علي والد محمد، المعروف ببكر خواهر زاده. سمع منه ابنه محمد المذكور، ويأتي في بابه، إن شاء الله تعالى. 771 - الحسين بن محمد بن خسرو البلخي قرأ بعض كتاب " الأجناس " لأبي العلاء صاعد بن منصور بن علي الكرماني على محمد بن علي بن عبد الله بن أبي حنيفة الدستجردي، لما قدم عليه بغداد، بروايته على المصنف. والدستجردي، بفتح الدال وسكون السين المهملتين وكسر التاء المثناة من فوقها وسكون الراء وفي آخرها دال مهملة: نسبة إلى دستجرد، وهي اسم لعدة قرى منها بمرو قريتان، وبطوس قريتان، وببلخ قرية كبيرة. سمع الكثير، وهو جامع " المسند " لأبي حنيفة.

772 - الحسين بن محمد بن خلف، أبو عبد الله الفقيه الحنفي

قال ابن النجار: فقيه أهل العراق ببغداد في وقته، سمع الكثير، وأكثره عن أصحاب أبي علي بن شاذان، وأبي القاسم ابن بشران، روى عنه ابن الجوزي. ومات سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. كذا نقلته من " الجواهر المضية ". والله تعالى أعلم. 772 - الحسين بن محمد بن خلف، أبو عبد الله الفقيه الحنفي والد أبي يعلي ابن الفراء الحنبلي المشهور. درس على الإمام أبي بكر الرازي مذهب أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، حتى برع فيه، وناظر وتكلم. وكان رجلاً فاضلاً، صالحاً، ثقة، أحد الشهود المعدلين بمدينة السلام. مات سنة تسعين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 773 - الحسين بن محمد بن رزينة أبو ثابت من أهل أصبهان، وهو من بيت علم وفضلٍ. قدم بغداد حاجاً سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وقرأ الأدب، وكان له معرفة بالمذهب، ويد باسطة في علم العربية. ولد بأصبهان، سنة اثنتي عشرة وخمسمائة. وتوفي سنة ثمانين وخمسمائة. رحمه الله تعالى. 774 - الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن فهم ابن محرز بن إبراهيم، أبو علي سمع خلف بن هشام، ويحيى بن معين، وغيرهما. وكان ثقة في الرواية، عسراً فيها، ممتنعاً إلا لمن أكثر ملازمته، وكان له جلساء من أهل العلم يذاكرهم، فكتب عنه جماعة على سبيل المذاكرة. وكان يسكن في بغداد، بالجانب الشرقي، في ناحية الرصافة. روى عنه أنه قال: متى فعلت خلة من ثلاث فأنا مجنون، إذا شهدت عند الحاكم، أو حدثت العوام، أو قبلت الوديعة. قال أحمد بن كامل القاضي: توفي الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن فهم عشية الجمعة، ودفن يوم السبت، لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب، سنة تسع وثمانين ومائتين، وبلغ ثمانياً وسبعين سنة، ولم يغير شيبه، وكان حسن المجلس، مفنناً في العلوم، كثير الحفظ للحديث، مسنده ومقطوعه، ولأصناف الأخبار والنسب والشعر والمعرفة بالرجال، فصيحاً، متوسطاً في الفقه. قال: وسمعته يقول: صحبت يحيى بن معين، فأخذت عنه معرفة الرجال، وصحبت مصعب بن عبد الله، فأخذت عنه معرفة النسب، وصحبت أبا خيثمة، فأخذت عنه المسند، وصحبت الحسن بن حماد سجادة، فأخذت عنه الفقه. وروى أن سبب تسمية جده فهما، أن لما ولد أخذ أبوه المصحف، فجعل يبحث له، فكان كلما صفح ورقة يخرج (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ، فضجر وسماه " فَهُم " بفتح الفاء وضم الهاء، وكثير من الناس من يظن أنه فهم، بتسكين الهاء، والصواب ما ذكرناه، والله تعالى أعلم. 775 - الحسين بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الوهاب أبو طالب الزينبي الملقب نور الهدى أخو أبي نصر محمد، وأبي الفوارس طراد، وكان أصغر الإخوة. قرأ القرآن على علي بن عمر القزويني الزاهد، فعادت عليه بركته، وقرأ الفقه على قاضي القضاة محمد بن علي الدامغاني حتى برع. وأفتى، ودرس بالشرقية التي أنشأها شرف الملك بباب الطاق، وكان مدرسها وناظرها، وترسل إلى ملوك الأطراف، وأمراء البلاد، من قبل الخليفة، وولي نقابة العباسيين والطالبيين معاً، سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة مدة، ثم استعفى. وكان شريف النفس، قوي الدين، وافر العلم، شيخ أصحاب الرأي في وقته وزاهدهم، وفقيه بني العباس وراهبهم، وله الوجاهة الكبيرة عند الخلفاء، وانتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة ببغداد. وجاور مكة ناظراً في مصالح الحرم. وسمع " البخاري " من كريمة بنت أحمد المروزية، ببغداد. وروى عنه جماعة من الأكابر والحفاظ، وآخرُ من حدث عنه أبو الفرج ابن كليب. وقد مدحه أبو إسحاق الغوي بقصيدة، أولها: جُفُونٌ يَصِحُّ السَّقْمُ فيها فتَسْقَمُ ... ولَحْظٌ يُناجِيِه الضَّمِيرُ فَيفْهَمُ مَعانِي جمالٍ في عِباراتِ خِلْقَةٍ ... لها تَرْجُمانٌ صامِتٌ يتَكلَّمُ تألَّفْنَ في عَيْني غَزالٍ مُشَنَّفٍ ... بِفَتْواهُ ما في مَذْهبِ الحُبِّ يَحْكُمُ تَضاعَفَ بالشَّكْوَى أذى الصَّبِّ في الهوى ... يُحَرِّضُ فيه الظَّالِمَ المُتَظَلِّمُ

مَحَا الله نُوناتِ الحَواجِبِ لم تَزَلْ ... قِسِيّا لها دُعْجُ النَّوَاظِرِ أسْهُمُ بِنُورِ الْهُدَى قد صَحَّ مَعْنَى خِطَابِهِ ... وكلُّ بَعِيدٍ مِن سَنَا النُّورِ مُظْلِمُ دَقيقُ المعاني جَلَّ إيجازُ لَفْظِهِ ... عن الْوَصْفِ حتى عنه سَحْببانُ مُفْحَمُ كذا نقلت هذه الترجمة من " تاريخ " ابن شاكر الكتبي. وذكره صاحب " الجواهر "، وذكر شهرته وتقدمه، وأن اسم أبيه ما ذكرناه. ولا بأس بإيراد بقية غزل القصيدة ومدحها، فإن شعر الغزي مما يكتب، بل مما يحفظ. قال رحمه الله تعالى، بعد قوله: " مَحا اللهُ نُوناتِ الحواجب " إلخ: وأطْفأ نِيرانَ الْخُدُودِ فقَلَّ مَنْ ... رأى قَبْلَها ناراً يُقَبِّلُها فَمُ سَقاك الْكَرَى مِن مَوْرِدٍ عَزَّ ماؤُهُ ... عليه قلوبُ الهيمِ كالطَّيرِ حُوَّمُ أصَادَك غِزْلانَ الحِجَازِ وطالمَا ... تَمَنَّى تَقِيٌّ صَيْدَها وهْو مُحْرِمُ طَرَقْنَ ووَجْهُ الأرْضِ في بُرْقُّعِ الدُّجَاوعُدْنَ وكُمُّ اللَّيْلِ بالفَخْرِ مُعْلَمُ وفي الحَيِّ غَيْرَانٌ على الفَجْرِ لَيْلُهُ ... مِن الفِكْرِ في شَنِّ الإغارةِ قَشْعَمُ غَشَمْشَمُ هَوْلٍ حِلْسُ حَرْبٍ كأنهُ ... مِن الموتِ في الهَيْجَاء بالمَوْتِ يُسْلِمُ يُكَفْكِفُ عن جَنْبَيْهِ أطرافه القنَا ... ويَحكي له الفح الخَميسُ العَرمْرَمُ ويَعْرَى كما يَعْرَى الحُسامُ فَيكتَسي ... سرابيلَ منه العِزُّ والنَّقْعُ والدَّمُ هو الفَخْرُ مَنْ نَهَدَ لَهُ فليَكُنْ كذا ... له مَغْرَمٌ في كُلِّ أوْت وَمغْنَمُ وإلا فما غيرُ القناعةِ ثَرْوَةٌ ... ولا مِثْلُه طَودٌ مِن الضَّيْمِ يَعْصِمُ كَفَى بِمُلُوكِ الأرضِ سُقْماً حِذارُهُمْ وإن مَلَكُوا أن يَسْلُبَ المُلكَ عَنْهُمُ وهَبْ جَعَلوا ما في الشمس لم تُنَلْ ... ولم يَبْقَ غيرَ البَدْرِ في النَّاسِ دِرْهَمُ أليس أخو الطِّمْرَيْنَ في العَيْشِ فَوْقَهُمْ ... إذا نابَ لا يَخْشَى ولا يَتَوَهَّمُ أرَى كلَّ مَن مَدَّتْ بِضَبْعَيْهِ دَوْلَةٌ ... تَعَلم منها كيف في الماء يَرْقمُ تَحَلَّى بأسْماءِ الشُهورِ فكَفُّهُ ... جُمادَى وما ضُمَّتْ عليه المُحَرَّمُ مَنِ اسْتَحْسَنَ التَّفْريطَ واستقْبَحَ اللهُّى ... تسمى بألمَي وهو أفلحُ أعلمُ ترى الجدَّ حتى في الحروفِ مُؤثِّراً ... فمِنهُنَّ في القِرطَاسِ غُفْلٌ ومُعْجَمُ ولو قُدِّمَ الإحسانُ والفضلُ لم يكنْ ... بغيرِ الحسينِ الزَّيْنَبِيِّ التَّقَدُّمُ إمامٌ غَدَا بالعِلْمِ لِلْعَصْرِ غُرَّةً ... بِرَغْمِ العِدَا والعصرُ بالجَهْلِ أدْهَمُ بِنُورِ الهُدَى.....إلخ. على أنَّه لا يَفْرَحُ الخَصْمُ مُعْجَباً ... فلَوْ أمْكَنَ الإسْهابُ عاقَ التَّكَرُّمُ ولا عَيْبَ إلاَّ حُبُّهُ الجُودَ شِيمَةً ... يُعَدِّى إليْنا ما حَواهُ ويَلْزَمُ يَجُودُ ويَخْشَى أنْ يُلاَم......إلخ. بِجَهْلي أمِينَ الدَّوْلةِ انْتَجَعَتْ يَدِي سِواكَ ولي مِن جُودِ كَفَّيْكَ خِضْرِمُ ولكنَّنِي ألفَيْتُ بالعَجْزِ رُخْصَةً ... وبالجُرْحِ حَوْلَ البَحْرِ جازَ التَّيَمُّمُ وكم مِن مُحبٍّ فارَق الحِبَّ هَيْبَةً ... وبات صَبَا أخْبارِه يَتَنَسَّمُ وما زِلْتُ فِي الأعْيادِ أدْعُو مُخَفِّفاً ... عن السمع والداعِي مع البُعْدِ يَخْدُمُ لِيَهْنِكَ أن الأكمَلَ افْتُرِعَتْ على ... بَنانِ ابْنِهِ الأقْلاَمُ والمجدُ يبْسَمُ وفاقَ فَعِشْ حتى تَرَى الكَهْلَ منهمُ ... بَنِيهِ له نَجْلٌ بنُعْماكَ يُقْسِمُ

فهذا الهلالُ الْبارِعُ الفُوقِ في العُلاَ ... سَيُؤتى كَمالَ البَدْرِ والشَّكلُ ضَيْغَمُ وجُدْ يا شِهَابَ الدولةِ القَرْمَ كَاسْمِهِ ... به الدولةُ العَلْيَا تَهَدَّى وتزْحمُ منها في المديح: فلا زال عِزُّ الدِّين بالدِّين مُعْلَماً ... بتَقْريره في صَعْدَةِ الفِقْهِ لَهْذَمُ تَضاءل في الفخْرِ الطَّرِيف الذي حَوَى ... تَليِدَ النِّجَارِ الهاشِميُّ المُفَخَّمُ أبا طالِبٍ ساجِلْ به كُلَّ مُغْرِقٍ ... ولا غزوان يشلي الجوادُ المُطهَّمُ ودُوَما دَواَم النَّيِّرَيْنِ فأنتُما ... لِكَفِّ النَّدي قلبٌ نَفيسٌ ومِعصَمُ ولولا كما كان العراقُ مُنَغَّصاً ... إلي ولم أحْمَدْهُ وهوَ مُذَمَّمُ وما خِلتني الغِرَّ وفي النَّاسِ عالِمٌ ... ويُرْزَقُ بي أهلُ الْقَريض وأحْرَمُ هَرَبْتُ فَظَنَّ الغِمْرُ أنِّي يَرَاعَةٌ ... وقد يُحْجِمُ المَغْلُوبُ مِن حيثُ يُقْدِمُ لِفَقْدِ المعَاني أصبَحَ الشِّعْرُ كاسِداًهو السِّلْكُ وهْوَ الدُّرُّ في السِّلْكِ يُنْظَمُ تَهُونُ القَوَافي عندَ مَن هانَ عِرْضُهُ ... وفيهِنَّ جَرْحٌ لِلْكَرِيمِ ومَرْهَمُ ولكن إذا لم يُكْرِمِ العِلمَ أهْلُهُ ... فكيَف يُرَجَّى في الأجانبِ مُكْرِمُ تَوَسَّمْتُ في الدنيا الأناةَ إنَّما ... يَرَى الغامِضاتِ الفارسُ المُتَوسِّمُ وقال أيضاً يمدحه: تَصابَى في المَشِيبِ ومَن تَصابَى كما في غِمْدِهِ الهِنْدِيُّ صَابَا وما لَمْعُ ابْيضاضِ الشَّيْبِ إلا ... لِيُورِدَهُ من العَيْشِ الشَّرابَا أماراتُ التَّناقُص لا تُوارَى ... وطَوْعُ يَدِ الحوادِثِ لا يُجابَى لَتَرْتيبُ الحَياةِ أشَدُّ خطْبِّا ... جَنَى عَسَلاً وصَبَّ عليه صَابَا ولو خُيِّرْتُ لم يَكُن اخْتِيارِي سِوَى أنْ يَسْبِقَ الشَّيْبُ الشَّبابا قَطَاةٌ في الهدايةِ كان فَوْدِي وإنْ سَمَّتْهُ بَعْشَتُهُ غُرابَا لقد رُفِعَ الشبابُ وكان بيني ... وبين وِصَالِ مَن أهوَى حِجَابَاً ألا لا يَكْشِفَنْ بَرَدَ الثَّنايا ... فلَو قَبَّلْتُه نَفَسِي لَذَابَا وليس لِوَصْلِ مَن يُدْعَى فيأتِي ... عُذُوبةُ وَصْلِ مَن يُدْعَى فَيَابَى يقول الناسُ ما أوْجَفْتَ خَيْلاً ... على مُتَهضِّمِيكَ ولا رِكَابَا بِشِعْرِكَ أمْ بِشَعْرِكَ لاح شَيْبٌ ... فقلتُ كِلاهما ضَعُفَا وشَابَا وذاك لأنَّ رِيح الظُّلْمِ هَبَّتْ ... عليه فصار أمْدَحُهُ عِتَابَا فيا لَيْتَ الذي أعطى وُعُوداً ... حَثَا في وَجْهِ مادحهِ التُّرابَا فقد يَجِدُ الوَرَى في التُّرْبِ تِبْراً ... ويُثْرِبُ طالبُ النُّجْحِ الْكِتَابَا وقد مَخَضَتْ وطَابَ الشِّعْر قَبْلِي ... يَدٌ أخْلَتْ مِن الزُّبْدِ الوطَابَا ولكنِّي تَتَبَّعْتُ الخَفَايَا ... بِفِكْرٍ ذَلَّلَ النُّكَتَ الصِّعابَا ولِلَّيْرُوزِ في الزَّوْرَاءِ سُوقٌ ... ومَن بالجِدِّ أم بالهَزْلِ خَابَا هي الدَّارُ التي يَلْقاكَ فيها ... حَبِيبُكَ يومَ نَائِبَةٍ حَبابَا وما الْعَرَبيُّ بالأعرابِ نَاجٍ ... إذا عَدِمَ القَلائِصَ والعِرَابَا ولولا أنَّ ذا الشَّرَفَيْنِ بَحْرٌ ... لِعِفْتُ مع الصَّدَى النُّطَفَ العِذَابَا غَدَا لِقلائِدِ الأوصْافِ جِيداً ... وقَلَّدَ جُودُه الْمِنَنَ الرِّقابَا كأني كلَّما انْتظَمتْ مَعانِي ... أمِينِ الدَّوْلةِ اسْتَفْتَحْتُ بابَا كأنَّ الفَضْلَ سِيقَ إليه ذوْداً ... لِيأخُذَ حَقَّهُ ويَرُدَّ نَابَا

776 - الحسين بن أبي نصر - وأسمه محمد، ويقال سعيد - ابن الحسين بن هبة الله بن أبي حنيفة أبو عبد الله المقري يعرف بابن القارص

فليس بسامِعٍ إلاَّ صَواباً وليس بقائلٍ إلاَّ صَوابَا متى نَاظَرْتَهُ أرعْاكَ سَمْعاً ... وكان البَحْرَ ينْتَجِعُ السَّحَابَا وعَزَّكَ أن تُجِيب له مَقَالاً ... فأسْلَفَ قبلَ تَسْألهُ الجَوَابَا يَعُدُّ مَطالِبَ الدُّنْيَا حُقُوقاً ... وحُرْمَةَ قَصْدِهِ نَسَباً قُرَابَا فلو عَزَّ الثَّراءُ به أرَانَا ... وجَدِّكَ مِن مَكارِمهِ عُجَابَا إمامُ أئمَّةِ العُلَماءِ طُرا ... وقُدْوَةُ كلِّ مَن فَهِمَ الخِطابَا أقِم نورَ الهُدَى أوَدِي برَأيٍ فسَهْمُك في كِنَانَتِهِ أصَابَا ولا تُغْفِلْ من النَّفَحاتِ حَظِّي ... فَرَسْمُ نَدَاكَ كالوسْمِيِّ صَابَا وقَرَّ بفَضْلِ ذِي الحَسَبَيْننِ عَيْناً ... فما احْتَمَلَتْ مَناقِبُهُ النِّقابَا أضافَ إلى تَلِيدِ عُلاً طَريفاً ... وكان المجد إرثاً واكتِسَابَا له بمَكَارِم الشِّيَمِ انْتِسَابٌ ... كَفَى بمَكارم الشِّيَمِ انْتِسَابَا ألم تَرَ أنَّه لِلمَجْدِ شَمْسٌ ... ونَرْضَى أنْ نُلَقِّبَهُ الشِّهابَا 776 - الحسين بن أبي نصر - وأسمه محمد، ويقال سعيد - ابن الحسين بن هبة الله بن أبي حنيفة أبو عبد الله المقري يعرف بابن القارص ذكره الحافظ ابن الدبيثي في " ذيله "، وقال: بلغني أنه كان يقول: إني من ولد أبي حنيفة الفقيه، صاحب المذهب. قال: وسألته عن مولده، فقال: سنة خمس عشرة وخمسمائة. وذكره الحافظ المنذري، في التكملة لوفيات النقلة " وقال: إن اسمه المبارك، ويقال: إن اسمه الحسين، والصحيح الأول. وذكر أن " القارص " باقاف والراء المهملة المكسورة وصاد مهملة. وأن وفاته سنة تسع وثمانين وخمسمائة. انتهى. وقال ابن الدبيثي: مات فجأة، بعد صلاة الغداة، من يوم الأحد، سابع عشرين من شهر شعبان، سنة خمس وستمائة، ودفن من يومه بباب حرب، عن تسعين سنة، رحمه الله تعالى. سمع من أبي القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، وهو آخر من روى عنه، انتهى. 777 - الحسين بن محمد، البارع، الإمام نجم الدين أخذ من علاء الأئمة الخياطي. ذكره الذهبي. رحمه الله تعالى. 778 - الحسين بن محمد بن هبة الله تقدم نسبه في ترجمة أخيه أحمد. كتب عنه الدمياطي. رحمه الله تعالى. 779 - الحسين بن يوسف بن إسماعيل بن عبد الرحمن أبو عبد الله اللمغاني تفقه على والده، ودرس بعد وفاته. وشهد عند قاضي القضاة أبي القاسم عبد الله بن الحسيم الدامغاني، يوم الجمعة، لسبع خلون من المحرم، عن سنة أربع وستمائة، فقبل شهادته. ورتب في عدة أشكال، ولم تحمد سيرته فيها، وظهر منه أحوال اقتضت عزله عن الشهادة، واعتقل مدة. وحدث بشيءٍ يسير. وكان مولده في منتصف شهر ربيع الأول، سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. وتقدم جده إسماعيل، ويأتي أبوه وجد أبيه عبد الرحمن، إن شاء الله تعالى. 780 - الحسين بن أبي يعلي، أبو علي الأخسيكثي الفقيه، الفرغاني قدم نيسابور سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. حدث عن الخصاف، وغيره. وهذه النسبة إلى أخسيكث، بالفتح ثم السكون وكسر السين المهملة، وياء ساكنة وكاف مفتوحة وثاء مثلثة، وبعضهم يقول بالمثناة: مدينة بما وراء النهر، وهي قصبة ناحية فرغانة، وهي من أنزه بلاء ما وراء النهر، وقد خرج منها جماعة من أهل العلم والأدب، وفيها يقول بعض شعرائها: مِنْ سِوَى تُرْبَةِ أرْضي ... خلَق اللهُ اللِّئامَا إنَّ أخْسِيكَث أُمٌّ ... لم تَلِدْ إلاَّ الْكِرَامَا 781 - حسين الرومي القسطموني الملقب حسام الدين قرأ على المولى الفاضل مصلح الدين اليار حصاري، والمولى الفاضل لبن الحاج حسن، وغيرهما. وصار مدرساً ببعض المدارس، ومفتياً بطرابزون، ومات وهو مدرس بها، عن سنة أربع وثلاثين وتسعمائة. وكان من فضلاء بلاده، وله مشاركة في فنون من العلم. رحمه الله تعالى. 782 - حسين جلبي الرومي أخو المولى حسن جلبي القراصويي

783 - حفص بن عبد الله بن غنام بن حفص بن غياث بن طلق النخعمي أبو الحسن الكوفي

قرأ على المولى خير الدين معلم السلطان سليمان، وغيره، وصار مدرساً بإحدى الثمان، وغيرها. وكانت وفاته سنة ست وأربعين وتسعمائة. وله مشاركة في بعض العلوم، وكان أكثر اشتغاله بالعلوم العقلية. تغمده الله تعالى برحمته. 783 - حفص بن عبد الله بن غنام بن حفص بن غياث بن طلق النخعمي أبو الحسن الكوفي قدم بغداد، وحدث عن أحمد بن عبد الحميد الحارثي. وروى عنه القاضي الجراحي. وسيأتي أبوه وجده وجد جده، كل منهم في محله، إن شاء الله تعالى. 784 - حفص بن عبد الرحمن بن عمر بن فروخ البلخي الفقيه المعروف بالنيسابوري قاضي نيسابور. كان من أفقه أصحاب أبي حنيفة الخراسانيين. روى عن إسرائيل بن يونس، وحجاج بن أرطأة، والثوري، وغيرهم. قال أبو حاتم، والنسائي: صدوق. وذكره ابن حبان، في " الثقات ". وقال الحاكم: ولي قضاء بنيسابور، ثم ندم على ذلك، وأقبل على العبادة، وكان ابن المبارك إذا قدم نيسابور لا يدع زيارته. مات في ذي القعدة، سنة تسع وتسعين ومائة. رحمه الله تعالى. 785 - حفص بن غياث بن طلق أبو عمر النخعي الكوفي أحد أصحاب أبي حنيفة الذين قال لهم: أنتم مسار قلبي وجلاء حزني. كان رحمه الله إماماً بارعاً، عالماً عاملاً، زاهداً تاركاً للدنيا، لا تأخذه في الحق لومة لائم، وكان من أعلام هذه الأمة. ولي القضاء ببغداد، وحدث بها، ثم عزل، وولي القضاء أولاً بالكوفة. قال حميد بن الربيع: لما جئ بعبد الله بن إدريس، وحفص بن غياث، ووكيع ابن الجراح، إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد، ليوليهم القضاء إذ دخلوا عليه، فأما ابن إدريس، فقال: السلام عليكم. وألقى نفسه كأنه مفلوج. فقال هارون: خذوا بيد الشيخ، لافضل في هذا. وأما وكيع فقال: والله يا أمير المؤمنين ما أبصرت بها منذ سنة. ووضع أصبعه على عينه، وعني أصبعه فأعفاه، وأما حفص بن غياث، فقال: لولا غلبة الدين والعيال ما وليت. قال إبراهيم بن مهدي: سمعت حفص بن غياث، وهو قاض بالشرقية يقول لرجلٍ يسأل عن مسائل القضاء: لعلك تريد أن تكون قاضياً، لأن يدخل الرجل أصبعه في عينه فيقتلعها، فيرمي بها، خيرٌ له من أن يكون قاضياً. وقال بشر بن الحارث: سمعت حفصاً يقول: لو رأيت أني أسر بما أنا فيه لهلكت. وروى عن ولده عمر، أنه قال: لما حضرت أبي الوفاة أغمي عليه، فبكيت عند رأسه، فأفاق، فقال: ما يبكيك؟ قلت: أبكي لفراقك، ولما دخلت فيه من هذا الأمر. فقال: لا تبك فإني ما حللت سراويلي على حرام، ولا جلس بين يدي خصمان فباليت على من توجه الحكم منهما. وروى أنه كان جالساً في مجلس القضاء، فأرسل إليه الخليفة يدعوه، فقال: أفرغ من أمر الخصوم إذ كنت أجيراً لهم، وأصير إلى أمير المؤمنين. ولم يقم حتى تفرق الخصوم. وحكى عنه ولده، أنه مرض خمسة عشر يوماً، فدفع إليه مائة درهم، وقال: امض بها إلى العامل، وقل له: هذه رزق خمسة عشر يوماً لم أحكم فيها بين المسلمين، لاحظ لي فيها. وحدث يحيى بن الليث، قال: باع رجلٌ من أهل خراسان جمالاً بثلاثين ألف درهم، من مرزبان المجوسي، وكيل أم جعفر، فمطله بثمنها وحبسه، فطال على الرجل ذلك، فأتى بعض أصحاب حفص بن غياث فشاوره، فقال: اذهب إليه فقل له: أعطني ألف درهم، واحيل عليك بالمال الباقي. واخرج إلى خراسان، فإذا فعل هذا فالقني حتى اشير عليك. ففعل الرجل وأتى مرزبان فأعطاه ألف درهم، فرجع إلى الرجل فأخبره، فقال: عُ إليه فقل: إذا ركب غداً فاجعل طريقك على القاضي حتى أوكل عنده رجلاً بقيبض المال وأخرج. فإذا جلس إلى القاضي فادع عليه بما بقي لك من المال، فإذا أقر حبسه حفص، وأخذت مالك. فرجع إلى مرزبان، فسأله في ذلك، فأجابه، فلما حضر مرزبان إلى مجلس حفص قال الرجل: أصلح الله القاضي، لي على هذا الرجل تسعة وعشرون ألف درهم. فقال حفص: ما تقول يا مجوسي؟ قال: صدق، أصلح اللهُ القاضي. قال: ما تقول يا رجل؟ فقد أقر لك. فقال: يعطيني مالي، أصلح الله القاضي.

786 - حفص، المعروف بالفرد

فأقبل حفص على المجوسي فقال: ما تقول؟ فقال: هذا المال على السيدة. قال: أنت أحمق تقر ثم تقول على السيدة، ما تقول يا رجل؟ قال: أصلح الله القاضي، إن أعطاني مالي وإلا حبسته. قال حفص: ما تقول يا مجوسي؟ قال: المال على السيدة. فقال حفص: خذوا بيده إلى الحبس. فلما حبس بلغ الخبر أم جعفر، فغضبت، وبعثت إلي السندي: وجه إلى مرزبان. وكانت القضاة تحبس الغرماء في الحبس، فعجل السندي فأخرجه. وبلغ حفصاً الخبر، فقال: أحبس أنا ويخرج السندي!! لا جلست مجلسي هذا أو يرد مرزبان إلى الحبس. فجاء السندي إلى أم جعفر، فقال: الله الله في، إنه حفص بن غياث، وأخاف من أمير المؤمنين أن يقول لي: بأمر من أخرجته، رديه إلى الحبس وأنا أكلم حفصاً في أمره. فأجابته، ورجع مرزبان إلى الحبس، فقالت أم جعفر لهارون: قاضيك هذا أحمق، حبس وكيلي، واستخف به، فمره لا ينظر في الحكم، وتولى أمره إلى أبي يوسف. فأمر لها بالكتاب. وبلغ حفصاً الخبر فقال للرجل: أحضر لي شهوداً حتى أسجل لك على المجوسي بالمال. فجلس حفص وسجل على المجوسي، وورد كتاب هارون مع خادم له، فقال: هذا كتاب أمير المؤمنين. قال: مكانك نحن في شيءٍ حتى نفرغ منه. فقال: كتاب أمير المؤمنين. قال: انظر ما يقال لك. فلما فرغ حفص من السجل أخذ الكتاب من الخادم، فقرأه فقال: اقرأ على أمير المؤمنين السلام، وأخبره أن كتابه ورد، وقد انفذت الحكم. فقال الخادم: قد والله عرفت ما صنعت، أبيت أن تأخذ كتاب أمير المؤمين حتى تفرغ مما تريد، والله لأخبرن أمير المؤمنين بما فعلت. فقال حفص: قل له ما أحببت. فجاء الخادم، فأخبر هارون، فضحك، وقال للحاجب: مر لحفص بن غياث بثلاثين ألف درهم. فركب يحيى بن خالد فاستقبل حفصاً منصرفاً من مجلس القضاء. فقال: أيها القاضي، قد سررت أمير المؤمنين اليوم، وأمر لك بثلاثين ألف درهم، فما كان السبب في هذا؟ قال: تمم الله سرور أميرالمؤمنين، وأحسن حفظه وكلاءته، ما زدت على ما أفعل كل يوم، وما أعلم إلا أن يكون سجلت على مرزبان المجوسي بما أوجب عليه. فقال يحيى بن خالد: فمن هذا سر أمير المؤمنين. فقال حفص: الحمد لله كثيراً. فقالت أم جعفر لهارون: لا أنا ولا أنت إلا أن تعزل حفصاً. فأبى عليها، ثم ألحت عليه، فعزله عن الشرقية، وولاه القضاء على الكوفة، فمكث عليها ثلاث عشرة سنة. وكان حفص يقول: والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة. ومات يوم مات ولم يخلف درهماً، وخلف عليه تسعمائة درهم ديناً. قال بشر بن الوليد: ولي حفص القضاء من غير مشورة أبي يوسف، فاشتد عليه ذلك، فقال لي وللحسن بن زياد: تتبعا قضاياه. فتتبعناها، فلما نظر فيها قال: هذا من قضاء ابن أبي ليلى. ثم قال: تتبعا الشروط والسجلات. فلما نظر فيها قال: حفص ونظر أوه يعانون بقيام الليل. وروى بسنده عن أبي يوسف، أنه قال حين ولى حفص قضاء الكوفة لأصحابه: اكسروا دفتراً لتكتبوا فيه نوادر قضاياه. فمرت قضاياه وأحكامه كالقدح، فقالوا لأبي يوسف: أما ترى؟ قال: ما أصنع بقيام الليل!! يريد أن الله وفقه بصلاة الليل للحكم. ويروى أن رجلاً صالحاً رأى في منامه كأن زورقاً غرق بين الجسرين، وفيه عشرون قاضياً، فما نجا منهم إلا ثلاثة على سواتهم خرق؛ حفص بن غياث، والقاسم بن معن، وشريك. وكان حفص لا يزوج يتيمة لمن يشرب النبيذ حتى يسكر، ولا لرافضي، فسئل عن ذلك، فقال: إن الرافضي عنده الثلاث واحدة، ومن يشرب النبيذ حتى يسكر يطلق ولا يدري. قال الخطيب: وكان حفص كثير الحديث، حافظاً له، ثبتاً فيه، وكان أيضاً مقدماً عند المشايخ الذين سمع منهم الحديث. وقال يحيى معين: جميع ما حدث به حفص بن غياث ببغداد والكوفة إنما هو من حفظه، لم يكن يخرج كتاباً، كتبوا عنه أربعة آلاف حديث من حفظه. ومآثر حفص كثيرة، ومناقبه شهيرة، وفيما ذكرناه منها مقنع. مات - رحمه الله تعالى - سنة أربع وتسعين ومائة. وقيل: ست وتسعين. وكان مولده سنة سبع عشرة ومائة. نفعنا الله ببركات علومه في الدنيا والآخرة. آمين. 786 - حفص، المعروف بالفرد من أصحاب أبي يوسف، رحمه الله تعالى. 787 - الحكم بن زهير قال المطرزي، في " المغرب ": خليفة أبي يوسف. وذكره شمس الأئمة السرخسي، في " مبسوطه "، فقال: من كبار أصحابنا، وكان مولعاً بالتدريس.

788 - الحكم بن عبد الله بن مسلمة بن عبد الرحمن أبو مطيع البلخي

وقال الحسن بن زياد: ما دخل العراق أحد أفقه من الحكم بن زهير. رحمه الله تعالى. 788 - الحكم بن عبد الله بن مسلمة بن عبد الرحمن أبو مطيع البلخي الإمام العالم العامل، أحد أعلام هذه الأمة، ومن أقر له بالفضائل جهابذة الأئمة. حدث عن هشام بن حسان، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأبي حنيفة، وكان من كبار أصحابه، وهو راوي " الفقه الأكبر ". وروى عنه أحمد بن منيع، وجماعة من أهل خراسان. وولي قضاء بلخ، وقدم بغداد غير مرة، وحدث بها، وتلقاه أبو يوسف، وتناظر معه، وكانت مدة ولايته على قضاء بلخ ستة عشر سنة، يقول بالحق ويعمل به. روي أنه جاء من الخليفة كتاب، ومعه حرسيان يقرآنه على رءوس الناس، يتضمن العهد لبعض ولد الخليفة، وكان صغيراً، وفيه مكتوب (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّا) ، فلما وصل الكتاب إل بلخ سمع به أبو مطيع، فقام فزعاً، ودخل والي بلخ، فقال له: بلغ من خطر الدنيا أنا نكفر بسببها. وكلمه مراراً، وعظه حتى أبكاه، فقال: إني معك فيما تراه، ولكنني رجل عامل، لا أجترئ بالكلام، فتكلم وكن آمناً، وقل ما شئت. فلما كان يوم الجمعة ذهب أبو مطيع إلى الجامع، وقد قال له سلم بن سالم: إني معك. وقال له أيضاً أبو معاذ: إني معك. وجاء سلم إلى الجمعة متقلداً بالسيف، ثم لما اجتمع الناس وأذن المؤذن، ارتقى أبو مطيع إلى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ بلحيته فبكى، وقال: يا معشر المسلمين، بلغ من خطر الدنيا أن تجر إلى الكفر، من قال: (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّا) لغير يحيى بن زكريا فهو كافر. فرج أهل المسجد بالبكاء، وقام الحرسيان فهربا. وقال ابن المبارك في حقه: أبو مطيع له المنة على جميع أهل الدنيا. وقال محمد بن الفضل البلخي: مات أبو مطيع وأنا ببغداد، فجاءني المعلى بن منصور، فعزاني فيه ثم قال: لم يوجد هاهنا منذ عشرين سنة مثله. وقال مالك بن أنس لرجل: من أين أنت؟ قال: من بلخ. قال: قاضيكم أبو مطيع قام مقام الأنبياء. قال بعضهم: رأيت أبا مطيع في المنام، وكأني قلت له: ما فعل بك؟ فسكن حتى ألححت عليه، فقال: إن الله قد غفر لي وفوق المغفرة. قال: فقلت: ما حال أبي معاذ؟ قال: الملائكة تشتاق إلى رؤيته. قال: فقلت: غفر الله له؟ قال لي: من شتاق الملائكة لرؤيته لم يغفر الله له. وكانت وفاته ببلخ، ليلة السبت، لاثنتي عشرة خلت من جمادى الأولى، سنة تسع وتسعين ومائة. وقد نسبه بعض الناس إلى أنه كان جهميناً، والله تعالى أعلم بحاله. *ومن تفرداته، أنه كان يقول بفرضية التسبيحات الثلاث في الركوع والسجود. 789 - الحكم بن معبد بن أحمد بن عبيد بن عبد الله ابن الأحجم بن أسد بن أسيد الفقيه الأديب، أبو عبد الله، صاحب كتاب " السنة ". روى عن نصر بن علي الجهضمي، ومحمد بن أبي عمر العدني. وروى عنه أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر، المعروف بأبي الشيخ، وأبو نعيم أحمد ابن عبد الله بن أحمد الحافظ، وذكراه في " تاريخهما لأصبهان ". قال الحافظ أبو نعيم: يتفقه على مذهب الكوفيين، وكان صاحب أدب وغريب، ثقة، كثير الحديث. مات سنة خمس وتسعين ومائتين. رحمه الله تعالى. 790 - الحكيم القاضي ذكره في " القُنْيَة " في باب المستحاضة ومن بمعناها، فقال: *إن المقتصد ليس في حكم المستحاضة، وإن كان القصد مفتوحاً؛ لأن الدم في موضعه. ثم قال: القاضي حكيم: هو في حكم المستحاضة كمن منعت الدم من السيلان بقطنة. وأطال في " القنية " الكلام في هذا. وكان يقول: من غزا في هذا الزمان غزوة واحدة ففاتته صلاة واحدة عن وقتها، يحتاج إلى مائة غزوة لتكون كفارة لما فاته من الصلاة. وحكيم هذا له " مختصر في الحيض "، وله " شرحه " أيضاً، وكان يكنى أبا القاسم. رحمه الله تعالى. 791 - حماد بن إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد بن إسحاق بن شبيب قوام الدين ابن الإمام ركن الدين إبراهيم الصفار من أهل بخارى. تقدم أبوه، وجده، وجد أبيه. حصل طرفاً من علم الكلام والفقه والأدب. وكان يوم للناس يوم الجمعة في الصلاة ويخطب غيره، وكذا عادة أهل بخارى، لا يصلي بهم الخطيب، بل من هو أعلم منه، وأحسن طريقة.

792 - حماد بن زيد بن درهم، الإمام الحافظ المحدث شيخ العراق، أبو إسماعيل الأزدي مولاهم البصري، الأزرق، الضرير

سمع أباه، وقدم حاجاً إلى بغداد، وحدث بها، وقدمها حاجاً مرة ثانية، وحدث بها أيضاً، وسمع منه القاضي أبو المحاسن عمر بن علي، وأخرج عنه حديثاً في " معجم شيوخه ". وكانت ولادته في ليلة العيد من ذي الحجة، في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، ببخارى. ووفاته سنة ست وسبعين وخمسمائة، بسمرقند. وقد كان أجاز لمن أدرك حياته عاما. قال برهان الإسلام الزرنوجي، تلميذ صاحب " الهداية "، في كتاب " تعليم المعلم طريق التعلم ": أنشدنا الشيخ الأستاذ قوام الدين حماد بن إبراهيم بن غسماعيل الصفار الأنصاري، رحمه الله تعالى، إملاء لأبي حنيفة، رحمه الله تعالى: مَن طَلَبَ العِلْمَ لِلْمَعَادِ ... فَازَ بِفَضْلٍ مِن الرَّشَادِ فَيَا لَخُسْرَانَ طَالِبِيهِ ... لِنَيْلِ فَضْلٍ مِن الْعِبَادِ 792 - حماد بن زيد بن درهم، الإمام الحافظ المحدث شيخ العراق، أبو إسماعيل الأزدي مولاهم البصري، الأزرق، الضرير ودرهم جده من بني سجستان، من موالي جرير بن حازم. وحدث حماد عن أبي عمران الجوني، ومحمد بن زياد، وأبي حمزة الضبعي، وعمر بن دينار، وثابت البناني، وخلق، ولم يلحق قتادة. روى عنه عبد الرحمن ابن مهدي، ومسدد، والقواريري، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وعلي ابن مهدي: أئمة الناس في زمانهم أربعة: الثوري، ومالك، والأوزاعي، وحماد بن زيد. وقال أيضاً: لم أر أحداً قط أعلم بالسنة منه، وما رأيت بالبصرة أفقه منه. وقال أيضاً: ما رأيت أحد أعلم من حماد بن زيد، لا سفيان ولا مالك. وعن الثوري أنه قال: دخل البصرة بعد شعبة ذلك الأزرق. يعني حماد بن زيد. وقال العجلي: كان له أربعة آلاف حديث يحفظها، ولم يكن له كتاب. ووثقه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، وأثنى عليه سائر الأئمة. ولد حماد سنة ثمان وتسعين. ومات في رمضان، سنة تسع وسبعين ومائة، رخمه الله تعالى. *وذكره عبد القادر القرشي، في " الجواهر " فقال: حماد بن زيد الإمام الكبير المشهور، أخذ الفقه عن أبي حنيفة، وهو الراوي عنه أن الوتر فريضة، وله ذكر في " مبسوط شمس الأئمة "، وشهرته تغني عن الإطناب. وأرخ وفاته كما ذكرناه، وقال: روى له الجماعة. ولم يزد على ذلك. 793 - حماد بن دليل قاضي المدائن، أحد الأثني عشر من أصحاب الإمام، الذين أشار إليهم أنهم يصلحون للقضاء، وهم: أبو يوسف، وأسد بن عمرو البجلي، والحسن بن زياد، ونوح بن أبي مريم، ونوح بن درارج، وعافية، وعلي بن ظبيان، وعلي بن حرملة، وحماد هذا، والقاسم بن معن، ويحيى بن أبي زائدة، وقد ولي الجميع القضاء، وكانوا من خيار القضاة، رحمهم الله تعالى. حدث حماد عن أبي حنيفة، وسفيان الثوري، والحسن بن عمارة، في آخرين. وروى عنه أحمد بن ابي الحواري، وإسحاق بن عيسى الطباع، وأسد بن موسى، وغيرهم. وعن أحمد ابن حنبل، أنه قال عن حماد بن دليل، وقد سئل عنه: كان قاضي المدائن، وكان صاحب رأي، ولم يكن صاحب حديث: قيل له: فهل سمعت منه شيئاً؟ قال: حديثين. وقال محمد بن عبد الله في حقه: كان قاضياً على المدائن، وكان من ثقات الناس، رأيته بمكة المشرفة يبيع البز. وقال أبو داود: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في " الثقات "، ووثقه يحيى. وذكره المزي في " التهذيب " وقال: روى له أبو داود حديثاً واحداً. وروى الخطيب، أن الفضيل بن عياض كان إذا سئل عن مسألة يقول: إتوا أبا زيد فسلوه. فقيل: إنك تقول في أبي حنيفة وأصحابه ما تقول، فإذا سئلت عن مسألة دللت إليهم. فقال: ويلكم طلبوا هذا الأمر، وهم أحق بهذا الأمر. 794 - حماد بن سلمة بن دينار، الإمام الحافظ شيخ الإسلام، أبو سلمة الربعي، مولاهم البصري البزاز، البطائني النحوي، المحدث سمع خالد بن حميد الطويل، وابن أبي مليكة، وأبا حمزة الضبعي، ومحمد بن زياد الجمحي، وأنس بن سيرين، وأبا عمران الجوخي، وقتادة، وسماك بن حرب، وثابتاً البناني، وخلقاً كثيراً. وعنه ابن المبارك، والقطان، وابن مهدي، وعفان، والقعنبي، وعبد الأعلى بن حماد، وشيبان بن فروخ، وهدبة، وخلق سواهم. قال وهيب: حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا. وقال أحمد ابن حنبل: حماد بن سلمة أعلم الناس بثابت البناني، وأثبتهم حميد.

795 - حماد بن سليمان بن المرزبان، أبو سليمان الفقيه، النيسابوري

ووثقة يحيى بن معين. وقال شهاب بن معمر: كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال. وقال الذهبي: هو أول من صنف التصانيف مع ابن أبي عروبة، وكان بارعاً في العربية، فصيحاً مفوهاً، صاحب سنة، وقع لي من عواليه أحاديث. وقال عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً. وقال عفان: رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة، ولكن ما رأيت أشد مواظبة على الخير وقراءة القرآن، والعمل لله، منه. وقال عمرو بن عاصم: كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألف حديث. وعن أحمد ابن حنبل، قال: إذا رأيت الرجل ينال من حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام. وكان حماد يقول: من طلب الحديث لغير الله مكر به. ومحاسن حماد وفضائله يطول شرحها. وتوفي وهو في الصلاة، بعد عيد النحر، سنة سبع وستين ومائة، وقد قارب الثمانين. رحمه الله تعالى. 795 - حماد بن سليمان بن المرزبان، أبو سليمان الفقيه، النيسابوري قال الحاكم، في " تاريخ نيسابور ": لقى جماعة من الناس، وتفقه على كبر السن عند محمد بن الحسن، وروى عن الثوري، وشعبة. روى عنه أحمد بن الأزهر، ويلقب قيراطاً. 796 - حماد بن مسلم، أبو إسماعيل بن أبي سليمان الكوفي أحد أئمة الفقهاء، وأحد أعلام التابعين. سمع أنس بن مالك، وتفقه بإبراهيم. وروى عنه سفيان، وشعبة، وأبو حنيفة، وبه تفقه، وعليه تخرج وانتفع، وأخذ حماد عنه بعد ذلك، ومات في حياته، سنة عشرين ومائة. قال أبو عمر بن عبد البر: أبو حنيفة أقعد الناس بحماد. وقال ابن عدي: له غرائب، وهو متماسك، لا بأس به. ونقل الذهبي توثيقه عن ابن معين، وغيره. وروى له مسلم وأصحاب السنن. وكان لحماد لسان سول، وقلب عقول، وكانت به بعد موته، وكان ربما حدث بالحديث، فتعتريه غشية، فإذا أفاق توضأ وأخذ من حيث انتهى. وكان يفطر كل يوم من شهر رمضان خمسين إنساناً، فإذا كان يوم الفطر كساهم ثوباً ثوباً، وأعطاهم مائة مائة. وقال ابن السماك: لما قدم ابن زياد الكوفة على الصدقة، كلم رجل حماداً أن يكلم ابن زياد أن يستعين به في بعض أعماله، فقال له حماد: كم تؤمل أن تصيب في عمل ابن زياد؟ قال: ألف درهم وقال: قد أمرت لك بخمسة آلاف درهم، ولا أبدل وجهي له. فقال: جزاك الله خيراً. 797 - حماد بن منصور بن الحسن، أبو منصور الضرير، الفقيه من أهل الكرخ. سمع أبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الصريفيني. وحدث باليسير، وروى عنه أبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم ابن عساكر، في " معجميهما ". 798 - حماد بن النعمان بن ثابت، الإمام ابن الإمام تفقه على أبيه، وأفتى في زمنه. وتفقه عليه ابنه إسماعيل المتقدم ذكره. وهو من طبقة أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد. وكان الغالب عليه الورع، قال الفضل بن دكين: تقدم حماد بن النعمان إلى شريك ابن عبد الله في شهادة، فقال له شريك: والله إنك لعفيف النظر والفرج، خيار مسلم. وقال ابن خلكان: كان من الصلاح والخير على قدم عظيم. ولما توفي أبوه كانت عنده ودائع كثيرة من ذهب وفضة، وغير ذلك، وأربابها غائبون، وفيهم أيتام، فحملها ابنه حماد المذكور إلى القاضي ليتسلمها منه، فقال له القاضي: ما نقبلها منك ولا تخرجها عن يدك، فإنك أهل لها وموضعها. فقال حماد للقاضي: زنها واقبضها حتى تبرأ ذمة أبي حنيفة، ثم افعل ما بدا لك. ففعل القاضي، وبقي في وزنها أياماً، فلما كمل وزنها استتر حماد فلم يظهر، حتى دفعها إلى غيره. وكانت وفاته في ذي القعدة، سنة ست وسبعين ومائة. رحمه الله تعالى. 799 - حمد بن محمد بن حمدون بن مرداس الفقيه البوزجاني تفقه ببلخ على أبي القاسم الصفار، ثم سكن بنيسابور خمسين سنة إلى أن مات بها. سمع عبد الله بن محمد بن طرخان البلخي، وابا العباس الدغولي، وغيرهما. وسمع منه الحاكم أبو عبد الله. مات، رحمه الله تعالى، في ذي القعدة، سنة ست وثمانين وثلاثمائة. والبوزجاني، بضم الباء الموحدة وسكون الزاي بعد الواو وفتح الجيم وفي آخرها النون. نسبةإلى بوزجان، قرية بين هراة ونيسابور، من بلاد خراسان. 800 - حمدون بن حمزة، أبو الطيب

801 - حمدون بن علي بن المحسن بن محمد ابن جعفر بن موسى الخيلامي

قال في " الجواهر ": له " مختصر " في الفقه، رأيته نحواً من نصف " القدوري " رحمه الله. 801 - حمدون بن علي بن المحسن بن محمد ابن جعفر بن موسى الخيلامي من أولاد أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه. كان فقيهاً فاضلاً، من أصحاب القاضي أبي نصر أحمد بن عبد الرحمن بن إسحاق الريغذموني، وروى عنه. روى عنه عمر بن محمد بن أحمد النسفي. مات، رحمه الله تعالى، بسمرقند، في ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة. والخيلامي، يأتي الكلام عليه في محله. 802 - حمزة بن علي الحلبي الصالحي، الشيخ الإمام أقضى القضاة، عز الدين أحد نواب الحكم بدمشق وعينهم، وكان لا يتولى نيابة القضاء إلا بتعزز. وكان شكلاً، حسناً، عارفاً بالمذهب، وكان قد ترك القضاء مدة، ولم يخلف في نواب الحكم مثله. توفي سنة أربع وستين وثمانمائة. تغمده الله تعالى برحمته. 803 - حمزة الرومي، الملقب نور الدين المشهور بأوج باش قرأ على المولى معرف زاده، وغيره، ودرس بإحدى المدارس الثمان، وغيرها، وصار مُفتياً بأماسية. وتوفي بعد الأربعين والتسعمائة. وكان محباً لجمع المال، حريصاً عليه، حتى صار من كثرة المال على جانب. وبني في آخر عمره مسجداً بقسطنطينية، قريباً من داره، وبنى حجرات لسكن أهل العلم، وعين لهم علوفة، وأوقف على ذلك أوقافاً كثيرة. ومما يحكى أن الوزير إبراهيم باشا قال له: إني سمعت أنك تحب المال، فكيق صرفت هذه الأموال على هذه الأوقاف؟ فقال: وهذا أيضاً من غاية محبتي في المال، حيث لا أرضى أن أخلفها في الدنيا، وأريد أن تذهب معي إلى الآخرة. 804 - حمزة القرماني كان من أفضل دهره، وأماثل عصره، ودأب وحصل، وانتفع الناس به في التدريس والفتوى، وصنف " حواشي " على تفسير " العلامة البيضاوي ". مات في أوائل المائة التاسعة. تغمده الله تعالى برحمته. 805 - حنش بن سليمان بن محمد بن أحمد ابن محمد الشهرستاني، أبو محمد قال ابن النجار: الفقيه الحنفي، طلب الحديث، وقرأه، وسمع الكثير، ويكتب بخطه. انتهى. قلت: وكان موجوداً في جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، ببغداد. 806 - حيدر بن أحمد بن إبراهيم، الشيخ أبو الحسن الرومي الأصل العجمي المولد والمنشأ، المصري الدار والوفاة الشهير بشيخ التاج والسبع وجوه كان مولده بشيراز، في حدود ثمانين وسبعمائة، وسلك على أبيه، وعلى غيره من كبار المشايخ، ورحل إلى الآفاق، ولقي كبار علماء الشرق والعراق، واجتمع بالسعد التفتازاني، والشريف الجرجاني، وغيرهما. ثم قدم القاهرة، وصحبته أخواه؛ الشاب الظريف إبراهيم، والموله حيران، ووالدتهم، فأكرمهم الأشرف برسباي، وأنزله بمنظرة التاج والسبع وجوه، خارج القاهرة، وأنعم عليه بإقطاع بعض الأراضي، واستمر هناك سنين، إلى أن أخرجه الظاهر جقمق منه، وأمر بهدمه، وذلك بإغراء بعض المفسدين، وإسناده إلى الشيخ ما هو بريء منه، ثم ظهر للسلطان براءته مما نسب إليه فندم على ذلك، وطلب الشيخ إلى القلعة، وأخذ بخاطره، وأنعم عليه بما يقوم بكفايته، وسكنه بالقرب من زاوية الشيخ أحمد الرفاعي، ثم أعطاه مشيخة زاوية قبة القصر عن الشيخ محمود الأصبهاني، فتوجه إليها، وسكنها إلى أن مات بها، ليلة الاثنين، حادي عشري شهر ربيع الأول، سنة أربع وخمسين وثمانمائة، ودفن بباب الوزير. وكان شكلاً، حسناً، منور الشيبة، حلو اللفظ، فصيح العبارة، وله مصنفات مشهورة في علم الموسيقى، وذلك مع الدين المتين، والعفة، وسلامة الباطن، وكثرة العبادة، وحسن المحاضرة. وكان له ولأخيه إبراهيم يد طولى في رقص السماع، وعمل الأوفاق، وجمع الفقراء، ومعرفة آدابهم، مع الهيبة والوقار. وأجاز لتغري بردي مؤلف " المنهل الصافي، والمستوفي بعد الوافي ". 807 - حيد بن محمد بن إبراهيم بن محمد الفقيه بهاء الدين قال ابن حجر: كان من نبهاء الحنفية، انتفع به الطلبة. وكان فاضلاً، ملازماً للتعليم، إلى أن مات، في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. 808 - حيان بن بشر بن المخارق، أبو بشر القاضي تفقه على أبي يوسف، وسمع منه الحديث، ومن هشيم بن بشير.

809 - حيدرة بن عمر بن الحسن بن الخطاب أبو الحسن الصغاني

وروى عنه محمد بن عبدوس بن كامل، وأبو القاسم البغوي. ذكره الخطيب في " تاريخ بغداد "، قال: وكان ولي القضاء بأصبهان في أيام المأمون، ثم عاد إلى بغداد، فأقام بها إلى أن ولاه المتوكل على الله قضاء الشرقية، وكان من جملة أصحاب الحديث. قال أبو نعيم: توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وقيل: سنة سبع. والله تعالى أعلم. 809 - حيدرة بن عمر بن الحسن بن الخطاب أبو الحسن الصغاني كان من أعيان الفقهاء على مذهب داود. أخذ الفقه عن أبي الحسن عبد الله بن محمد بن المغلس، وعنه أخذ الفقهاء الداودية، وله " مختصر " في مذهب داود. ثم ولع بكتب محمد بن الحسن وبكلامه، ووضع على " الجامع الصغير " كتاباً، وكان يعظم محمداً. كذا ذكره في " الجواهر ". وذكره الخطيب في " تاريخه "، وقال: حيدرة بن عمر أبو الحسن الزندوردي. ثم أرخ وفاته بيوم الثلاثاء، لثمان بقين من جمادى الأولى، سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، ودفن يوم الأربعاء، في مقابر الخيزران. رحمه الله تعالى. 810 - حيدرة بن محمد بن يحيى بن هبة الله، محيي الدين أبو الحسن بن أبي الفضائل، العباسي مدرس المستنصرية ببغداد. روى عنه صالح بن عبد الله بن الصباغ عن أبي المؤيد محمد بن محمود بن محمد الخوارزمي " مسند أبي حنيفة " من جمعه. قال ابن حجر: سمعه منا صاحبنا تاج الدين النعماني قاضي بغداد، سنة خمس وستين وسبعمائة. وذكر أن شيخه هذا توفي ببغداد، في جمادى الآخرة، سنة سبع وستين وسبعمائة. وذكره ابن الجزري في " مشيخة الجنيد البلباني " نزيل شيراز، وقال: إنه أجاز للجنيد من بغداد، في صفر، سنة تسع وخمسين. 811 - حيدرة بن معمر بن محمد بن عبيد الله، أبو الفتوح تولى النقابة بعد أبيه معمر، على ما يأتي في ترجمته. كذا ذكر في " الجواهر "، من غير زيادة. 812 - حميد الدين بن أفضل الدين الحسيني قرأ على والده، ثم على المولى يكان، وأكثر. ثم صار مدرساً بمرادية بروسة، ثم بإحدى المدارس الثمان، ثم ولي قضاء قسطنطينية، ثم صار مفتياً بها في أيام السلطان بايزيد، ومات وهو مفتٍ بها، في سنة ثمان وتسعمائة. وكان كثير المحفوظ، حليماً عند الغضب، عالماً عاملاً. وله مؤلفات مقبولة، منها " حواش " على " شرح الطوالع " للأصبهاني، و " حواش " على " حاشية شرح المختصر " للسيد الشريف، وله " أجوبة "، عن اعتراضات كثيرة في " شرح الهداية " للشيخ أكمل الدين، كتبها وهو مدرس بمرادية بروسة. والله تعالى أعلم. حرف الخاء المُعْجَمة باب من اسمه خالد، " وخسرو " 813 - خالد بن الحسين بن محمد، أبو عبد الله من أهل غزنة، قدم بغداد، حاجاً، وحدث بيسير عن أبي عبد الله محمد بن القاسم المهرجاني. وروى عنه أبو البركات السقطي، في " معجم شيوخه "، وذكر أنه كان فاضلاً، فصيحاً، عارفاً بالأصول، وله يد قوية في النظر. ذكره ابن النجار. 814 - خالد بن سليمان، أبو معاذ البلخي أحد الذين عدهم الإمام للفتوى لما سئل: من يصلح للفتوى؟ مات، رحمه الله تعالى، يوم الجمعة، لأربع بقين من المحرم، سنة تسع وتسعين ومائة. رحمه الله تعالى. 815 - خالد بن صبيح المروزي *روى عنه هشام بن عبد الملك بن عبد الله الرازي، عن أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، في اليتيمة يزوجها القاضي، أنه لا خيار لها، كما لا خيار لها في الأب إذا زوجها وهي صغيرة. له ذكر في " المبسوط "، وغيره. قال أبو حاتم: صدوق. وعده ابن حبان في الضعفاء. قال أبو العباس النباتي: والقول قول أبي حاتم. 816 - خالد بن عبد الجبار الطالقاني، أبو المحاسن قرأ على قاضي القضاة، وأقام بطخارستان، وعاد إلى بغداد للحج سنة عشر وخمسمائة. قال الهمذاني: واجتمعت في مجلس فعرفني أنه قرأ على أبي الفرائض. 817 - خالد بن محمد بن حسين بن نصر بن خالد أبو المستعين البستي الحنفي، الواعظ توفي في رجب، منصرفاً من الحج. كذا ترجمه الذهبي، في " تاريخ الإسلام " فيمن توفي سنة إحدى وأربعمائة، من غير زيادة، ولم يذكره صاحب " الجواهر ". 818 - خالد بن يزيد الزيات من أصحاب الإمام. قال: سمعته يقول: من أبغضني جعله الله مفتياً.

819 - خالد بن يوسف بن خالد السمتي

قال: وقال أبو حنيفة: الفتيا ثلاث؛ فمن أصاب خلص نفسه، ومن أفتى بغير علم ولا قياس هَلَكَ وأهْلَكَ، والثالث جاهل يريد العلوم، لم يعلم ولم يقس. قال خالد: قيل لأبي حنيفة عند ذلك: وهل عبدت الشمس إلا بالمقاييس؟ قال: غفر الله لك، الفهم الفهم، ثم القياس على العلم، وسل الله التوفيق للحق. 819 - خالد بن يوسف بن خالد السمتي الإمام ابن الإمام، تفقه على ابيه، الآتي ذكره في محله. أورد له ابن عدي حديثاً منكراً، متنه " ما من أحد إلا وعليه عمرة وحجة واجبتان ". 820 - خُسْرُو الإمام العلامة الشهير بملا خسرو، واسمه في الأصل محمد، وإنما سمي بهذا الاسم لأن شخصاً مٍن أمراء الجند كان يقال له خسرو تزوج بأخت المولى المذكور، فلما مات والده وهو صغير كفله الأمير المذكور، واشتهر إذ ذاك بأخي زوجة خسرو، ثم غلب عليه الاسم فقيل له: خسرو. كذا في " الشقائق ". وأخبرني المولى الفاضل مصطفى جلبي، سبط صاحب الترجمة، أن اسم خسرو إنما كان يقال لأحد إخوته، وأنه كان يقال له: أخو خسرو، ثم غلب عليه ذلك. ولعله أعرف بذلك من غيره. وإنما ذكرته هنا، ولم أذكره في المحمدين، لأنه صار لا يعرف إلا بهذا، وأكثر الخواص فضلاً عن العوام لا " يعرفون " أنه سمى بمحمد أصلاً. كان المولى خسرو من العلماء الكبار، وممن له في العلوم تصانيف وأخبار، قرأ على المولى بُرهان الدين حيدر الهروي، مُفتي الديار الرومية. وصار مدرساً في مدينة أدرنة، بمدرسة يُقال لها: مدرسة شاه ملك، ثم صار قاضياً بالعسكر المنصور، ثم فوض إليه بعد موت المولى خضر بيك قضاء قُسطنطينية، مُضافاً إليها قضاء الغلطة واسكدار، وتدريس أيا صوفية، وكان إذا توجه إلى التدريس بالمدرسة المذكورة يمشي قُدامه وهو راكب سائر طلبته، وكان السلطان محمد يفتخر به، ويقول عنه: هذا أبو حنيفة الثاني. وكان مع كثرة غلمانه وحاشيته يتعاطى خدمة البيت الذي أعده للمُطالعة والتأليف بنفسه، تواضعاً منه وخدمة للعلم الشريف. وكان يكتب الخط الحسن، وخلف بعد موته بخطه كتباً عديدة، منها نسختان من " شرح المواقف " للسيد، وصار مُفتياً بالديار الرومية. وله تصانيف مقبولة عند الفاضل، منها " حواش " على " المطول "، و " حواش " على " التلويح "، و " حواش " على أوائل " تفسير القاضي "، ومتنٌ في الأصول، سماه " مرقاة الوصول "، وشرحه شرحاً سماه " مرآة الأصول "، ومتن مشهور " بالدرر "، وشرحه المعروف " بالغرر "، و " رسالة في الولاء "، و " رسالة متعلقة بسورة الأنعام "، وله غير ذلك. مات في سنة خمس وثمانين وثمانمائة، بمدينة قُسطنطينية، وحمل إلى مدينة بروسة، ودُفن بها. كذا لخصت هذه الترجمة من " الشقائق ". وذكره الحافظ جلال الدين السيوطي، في " أعيان الأعيان "، فقال: عالم الروم، وقاضي القضاة بها، ورفيق شيخنا العلامة الكافيجي في الاشتغال على المشايخ. كان إماماً بارعاً، مُفنناً، مُحققاً، نظاراً طويل الباع، راسخ القدم، له " حاشية " على " تفسير البيضاوي ". 821 - خِضر بيك بن المولى أحمد باشا بن المولى العلاَّمة خضر بيك اشتغل على أبيه، وعلى غيره، وصار مُدرساً بمدرسة السلطان مراد الغازي ببروسة. واشتغل عليه جماعة كثيرة، وانتفعوا به. ثم سلك طريق التصوف، إلى أن مات، في سنة أربع وعشرين وتسعمائة. وكان من فُضلاء تلك الديار وصلحائها. رحمه الله تعالى. 822 - خضر بيك بن جلال الدين العالم العلامة، المحقق المدقق الفهامة. قرأ في بلاده مبادئ العلوم على والده، ثم على المولى يكان، ولازمه وتخرج به، وصاهره على ابنته، وصار قاضياً ببعض النواحي، وكان كثير المحبة للعلم، كثير الطلب له، حتى كان يقال: لم يكن بعد الشمس الفناري بعلوم العربية أعلم منه.

823 - خضر بن شماف - بتخفيف الميم - النوروزي القاهري

واتفق في أوائل سلطنة السلطان محمد خان، عليه الرحمة والرضوان، مجيء رجل من بلاد العرب، واسع الاطلاع في العلوم العربية، واجتمع بعلماء الديار الرومية عند السلطان المذكور، وسألهم عن بعض المسائل المتعلقة بالعلوم العربية، فعجزوا عن جوابها، وانقطع الجميع، فحصل للسلطان بسبب ذلك غضب زائد، ورأى عاراً على نفسه أن تكون بلده خالية من عالم يقوم بالجواب عما يرد من مثل هذه المسائل المشكلة، فذكره عند المولى خضر بيك، فأحضره من تلك الناحية، فحضر إليه، وكان إذ ذاك يلبس لباس الجُند، وكان سنهُ يومئذ نحو ثلاثين سنة، فازداد الرجل المذكور لصغر سنه، ولكونه بغير زي أهل العلم، وسأله عن بعض المسائل الدقيقة، فأجاب عنها بأحسن الأجوبة. ثم إن المولى المذكور سأل الرجل عن مسائل شتى، في فنون عديدة فلم يجب عنها، وانقطع، فسر السلطان محمد به، وحصل له فرخٌ زائد، ووجه له تدريس مدرسة جده السلطان محمد خان بمدينة بروسة، وعين له كل يوم خمسين درهماً عثمانياً، ثم صار مدرساً بإحدى المدرستين المتجاورتين بمدينة أدرنة. ثم لما فتح السلطان محمد مدينة قُسطنطينية جعله قاضياً بها، وهو أول من وليها من القضاة، وتوفي وهو قاض بها، في سنة ثلاث وستين وثمانمائة. وكان، رحمه الله تعالى، من فضلاء دهره وأماثل عصره، أخذ عنه جماعة كثيرة، منهم: المولى القسطلاني، والمولى مصلح الدين الشهير بخواجه زاده، والمولى شمس الدين الخيالي، وغيرهم. كذل لخضت هذه الترجمة من " الشقائق النعمانية ". وفي " الضوء اللامع " للسخاوي، ما نصه: خضر بيك بن القاضي جلال الدين بن صدر الدين بن حاجي إبراهيم، العلامة خير الدين الرومي الحنفي، أحد علماء الروم ومدرسيهم وأعيانهم. ولد في مُستهل شهر ربيع الأول، سنة عشر وثمانمائة، ونشأ بمدينة بروسة، فتفقه بالبرهان حيدر الخافي، والفناري، وقرأ يعقوب القرماني، وغيرهم. وبرع في النحو والصرف، والمعاني والبيان، وغيرها. وصنف وجمع، وأفاد ودرس، ومن تصنيفه: " حواش " على " حاشية الكشاف " للتفتازاني، و " أرجوزة في العروض "، و " أخرى في العقائد ". وولى تدريس الجامع الكبير بأدرنة، ومدرسة السلطان مراد. وقدم مكة، في سنة تسع وخمسين، فلقيه ابن عزم المغربي، وأفادنيه. وقال: إنه مات في سنة ستين. انتهى ما في " الضوء اللامع ". والظاهر أن خضر بيك هذا هو الذي ذكره صاحب " الشقائق "، وأن الترجمتين لشخص، والتفاوت في تاريخ الوفاة بين الكتابين يسير، والله تعالى أعلم. 823 - خضر بن شماف - بتخفيف الميم - النوروزي القاهري ولد في سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، بالقاهرة، ونشأ بها في كنف أبويه، فحفظ القرآن وغيره، واشتغل على تنم الفقيه، ولازمه في الفقه والنحو والصرف وغيرها، وقرأ على ملا شيخ، حين كان بالقاهرة في " شرح الإرشاد " في النحو، وفي " شرح الدرر " كلاهما من تأليفه، وقرأ على العز عبد السلام البغدادي " شرح المنار " في الأصول للأقصراني، وحضر عند ابن الهمام، وسيف الدين، وقرأ على الشهاب ابن العطار في " البخاري " وغيره، وسمع على ابن حجر بجامع عمرو. وحج، وزار بيت المقدس، وصار خازن الكتب بالصرغتمشية. وعرف بلطف العشرة والكياسة، مع التفنن في الفضيلة. وانجمع في آخر عمره من الناس بخزانة الكتب المذكورة، وأعرض عن أمور الدنيا، إلى أن مات. رحمه اله تعالى. 824 - خضر بن عُمر بن علي بن عيسى الرومي الصالحي صلاح الدين، المعروف بابن السيوفي كان فاضلاً، خيراً، ديناً، حسن الشكل، وكان شيخ زاوية جده بسفح قاسيون. وتُوفي سنة ست وسبعين وسبعمائة. وجمع كتاباً في الأحكام. ذكره ابن طولون، في " الغرف العلية "، وذكر من روايته أن الأوزاعي، قال: السلامة عشرة أجزاء، منها تسعة في التغافل. وأن أحمد ابن حنبل لما سمع ذلك قال: يرحم الله الأوزاعي، عشرتها في التغافل. 825 - خضر بن يوسف الرومي الشهير والده بالمعمار ستان. ذكره الحافظ السيوطي في " الفلك المشحون "، فقال: في يوم الثلاثاء تاسع عشري صفر، سنة إحدى وتسعمائة، وورد علينا من إصطنبول الإمام العالم العلامة خضر بن يوسف، الشهير والده بالمعمار ستان، وذكر أن له عن إصطنبول نحو خمسة أشهر، وأنه قدم علينا لأجل الحج، وأثنى على بلاده وملكهم خيراً كثيراً.

826 - خضر شاه الرومي، المنتشلي الأصل

وسألته عن العدو الذي تحرك من الفرنج على بلادهم، فذكر أن أخاه - يعني أخا ملك الفرنج - ضعف أمره وسكن شره. وسمع من لفظي الحديث المسلسل بالأولية، وكتبت له إجازة تجمع مروياتي ومؤلفاتي. انتهى. 826 - خضر شاه الرومي، المنتشلي الأصل قرأ في بلاده مبادئ العلوم، ثم رحل إلى الديار المصرية، وأقام بها نحو خمس عشرة سنة، ملازماً للاشتغال بالعلم، حتى مهر، ثم عاد إلى الديار الرومية، وصار مدرساً بمدرسة بلاط، وعُين له كل يوم خمسة عشر درهماً. ولما بنى السلطان مراد خان مدرسته بمدينة بروسة، وعين لمدرسها كل يوم خمسين درهماً، طلب من الشيخ أن يكون مدرساً بها فلم يقبل، وقال: إن الزيادة على الخمسة عشر درهماً تشغل على قلبي، وتُشوش خاطري، وفي الخمسة عشر كفايةٌ. وكان، رحمه الله تعالى، خيراً، ديناً، متواضعاً، يركب الحمار، ويتوجه عليه إلى مصالحه، ولا يبالي بالدنيا أقبلت أو أدبرت. وكانت وفاته بمدينة قسطنطينية، سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. وخلف ولدين، يُقال لأحدهما درويش محمد، وللآخر زين الدين محمد، وكان عندهما فضيلة. 827 - خضر الرومي المرز يفوني الأصل الملقب خير الدين معلم السلطان مصطفى بن السلطان سليمان، تغمدهما الله تعالى برحمته. ذكره في " الشقائق "، وأثنى عليه بالفضيلة، وذكر أنه صار مدرساً ببعض المدارس، وأنه رأى له بعض تعاليق على بعض المواضع، منها: " حواش " على قسم التصديقات من " شرح الشمسية ". وأرخ وفاته في سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة. رحمه الله تعالى. 828 - خضر الرومي، الشهير بخير الدين الأصفر ولد في مدينة أنقرة، ثم إنه قرأ في مدينة إصطنبول على المولى سعدي بن ناجي، وغيره، ودرس بعدة مدارس. وكانت وفاته سنة خمس وأربعين وتسعمائة. تغمده الله تعالى برحمته، (وهو من رجال " الشقائق ") . 829 - الخطاب بن أبي القاسم الرومي القراحصاري الإمام زينُ الدين ذكره ابن طولون في حرف الحاء المهملة فيمن اسمه حيدر، والصحيح أننه الخطاب، كما هنا. وقال: له " شرح " على " الكنز "، و " شرح " على " المختار "، و " شرح " على " المنار "، قال: وقد وقفت عليها بدمشق. وقال الشيخ قاسم: له " شرح المنظومة " في مجلدين، فرغ منه في صفر، سنة سبع عشرة وسبعمائة، وكان قد ورد دمشق، ثم رجع إلى بلاده. 830 - خطلح بن عبد الله، أبو محمد الأتابكي ويُسمى عبد الهادي تفقه وسمع، وحدث، وسمع منه السمعاني. مات سنة سبع وخمسين وخمسمائة، في شهر رمضان، رحمه الله تعالى. 831 - خطلح بن قُمرية بن عبد الله التركي الواسطي سمع منه الحافظ زكي الدين المنذري. رحمه الله تعالى. 832 - خلف بن أحمد بن عبد الله، أبو القاسم الضرير الفقيه الشلحي بالشين المعجمة واللام والحاء المهملة: نسبة إلى الشلح، قرية من قرى بغداد، وكان بها مولده. ذكره الصفدي، في " نكت الهميان "، فقال: قدم غداد، وقرأ على قاضي القُضاة أبي عبد الله محمد ابن الدامغاني، وغيره، حتى برع في المذهب والأصول والخلاف، وكان يدرس بمشهد أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه. وسمع من الشريف أبي نصر الزينبي، وأبي عبد الله الدامغاني، وأبي الحسين المُبارك ابن أحمد الصيرفي. وحدث باليسير، وسمع منه السلفي وغيره. وتوفي سنة خمس عشرة وخمسمائة. انتهى. " وذكره وأثنى عليه "، وذكر أنه دفن بمقبرة الخيزران. رحمه الله تعالى. 833 - خلفُ بن أحمد بن الفضل بن جعفر بن يعقوب بن إبراهيم أبو القاسم التميمي الحوفي سمع بمصر من الحافظ عبد الغني، وغيره. وذكره قُطب الدين، في " تاريخ مصر " والذهبي، في " تاريخ الإسلام "، وقال: مات سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وقال: ليس هو بالحوفي صاحب " الإعراب ". قال في " الجواهر ": قلت الحوفي صاحب " الإعراب " اسمه علي بن إبراهيم بن سعيد. 834 - خلفُ بن أحمد البغدادي، أبو القاسم ذكره أبو سعد في " ذيله "، وقال: ذكره أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد النسفي، في كتاب " الإجازات المترجمة بالحروف المعجمة "، فقال: الإمام خلفُ بن أحمد الحنفي البغدادي. كذا ذكره في " الجواهر " من غير زيادة، ثم أعقبه بقوله هو، 835 - خلَفُ بن أيوب

836 - خلف بن أيوب الضرير، الفقيه

من أصحاب محمد وزفر، له مسائل؛ منها مسألة الصَّدقة على السائل في المسجد، قال: لا أقبل شهادةَ من تصدق عليه. قلت: وعندي شُبهة في كون الترجمتين لشخص واحد، وإن ظفرت بما يزيلها ألحقته. قال سلمة: لو جُمِعَ علم خلفٍ لكان في زاوية من علم على الرازي، إلا أن خلف بن أيوب أظهر علمه بصلاحه. يُروى أن خلفاً فرق بين مسألتين، فلم يقنع السائل به فقال: الفرقُ بحبة لا بالجُوالق. وقيل لخلف بن أيوب: إنك مولع بالحسن بن زياد، وإنه يُخفف الصلاة. قال: لأنه حذقها - يعني أتم ركوعها وسجودها - وفي الخبر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخفهم صلاة في تمام. وتفقه خلف على أبي يوسف ايضاً، وأخذ الزهد عن إبراهيم بن أدهم، وصحبه مدة وروى عن أسد بن عمرو البجلي، وسمع الحديث من إسرائيل بن يونس، وجرير بن عبد الحميد. وروى عنه أحمد، ويحيى، وايوب بن الحسن الفقيه الزاهد الحنفي. قال الحاكم: قدم نيسابور في سنة ثلاث ومائتين، فكتب عنه مشايخنا. وذكره ابن حبان في " الثقات "، وذكره المزي في " الكمال "، وقال: روى له أبو عيسى الترمذي حديثاً عن أبي كُريب محمد بن العلاء، ولا أدري كيف هو. قال في " الجواهر ": ومتن الحديث: " خصلتان لا تجتمعان في مُنافق؛ حسن سمتٍ، وفقه في الدين ". قال في " القُنية ": ورد خلفُ بن أيوب شاهداً لاشتغاله بالنسخ حالة الأذان. وذكر خلف بن أيوب هذا الحافظ الذهبي، في " تاريخ الإسلام "، وعظمه، وأثنى عليه. ونقل عن الحاكم، في " تاريخه "، أنه قال: سمعتُ محمد بن عبد العزيز المُذكر، سمعت محمد بن علي البيكندي الزاهد، يقول: سمعت مشايخنا يذكرون أن السبب لثبات مُلك آل سامان، أن أسد بن نوح جد الأمير إسماعيل، خرج إلى المعتصم، وكان شُجاعاً عالماً، فتعجبوا من حُسنه ومن عقله، فقال له المعتصم: هل في أهل بيتك أشجع منك؟ قال: لا. قال: فهل في أهل بيتك أعقل وأعلم منك؟ قال: لا. فما أعجب الخليفة ذلك. ثم بعد ذلك سأله كذلك، فأعاد قوله، وقال: هلا قلت لي: ولم ذلك؟ قال: ويحك ولم ذلك؟ قال: لأنه ليس في أهل بيتي من وطئ بساط أمير المؤمنين وشاهد طلعته غيري. فاستحسن ذلك منه، وولاهُ بلخ، فكان يتولى الخُطبة بنفسه. ثم سأل عن علماء بلخ. فذكروا له خلف بن أيوب، ووصفوا له علمه وزهده، فتحين مجيه للجمعة، وركب إلى ناحيته، فلما ترجل وقصده، فقعد خلفٌ وغطى وجهه، فقال: السلام عليكم. فأجاب ولم يرفع رأسه، فرفع الأمير أسد رأسه إلى السماء، وقال: اللهم إن كان هذا العبد الصالح يُبغضنا فيك فنحن نُحبه فيك. ثم ركب ومر فأخبر بعد ذلك أن خلف بن أيوب مرض فعاده، فقال: هل لك من حاجة؟ قال: نعم حاجتي أن لا تعود إلى، وإن مت فلا تصل علي وعليك السواد. فلما توفي شهد أسد جنازته راجلاً، ثم نزع السواد وصلى عليه، فسمع صوتاً بالليل: بِتواضعك وإجلالك لخلف ثبتت الدولة في عقبك. مات خلفٌ سنة خمس ومائتين، ويقال: سنة خمس عشرة ومائتين. وهو الأصح، وقيل: سنة عشرين ومائتين. والله تعالى أعلم. ورأيت بخط بعضهم على هامش نسخة من " الجواهر المُضية " معزواً إلى شرح الشيخ قوام الدين الإتقاني، ما صورته: ومن زهده - يعني خلف بن أيوب - أنه مرض فأهدى إليه شداد رُمانة، فوضعها عند رأسه، فقال له: من أين هذه الرمانة؟ قال: من شجرة في داري. فقال: من أي ماء سقيتها؟ فقال: من بئر في سكتي. فقال: أليس دارك في سكة كذا؟ قال: نعم. فقال: إنه لا يطيب لي، ليس لك من ذلك النهر إلا الشقة، وليس لك أن تسقي الشجرة. فردها عليه. انتهى والله تعالى أعلم. 836 - خلفُ بن أيوب الضرير، الفقيه درس بمشهد الإمام أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه. تفقه عليه السيد بن علي أبو جعفر، المعروف بابن الزيتوني. ذكره الدبثي، في ضمن ترجمته. قاله في " الجواهر ". 837 - خلفُ بن أبي الفتح بن خلف بن أحمد بن عبد الله أبو القاسم المُقري سبط خلف الفقيه الشلحي. كان يقرأ القرآن بتلاوة حسنة، وكان يحفظ أشعاراً كثيرة، وكان يتبع مظفراً التوني المُغني ويُغني معه. قال ابن النجار: علقت عنه شيئاً كثيراً، وكان حسن الأخلاق، كيساً. قال ابن النجار: أنشدنا أبو القاسم خلف القوال، من لفظه وحفظه، أنشدني أستاذي مظفر بن الأعز التوني، لعبد المحسن الصوري:

838 - خلف بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد، أبو المظفر الخوارزمي المولد، ثم المكي

رَبْعٌ لِعَزَّةَ بالأَشْوَاقِ مَأْهُولُ ... عَفَّى فدَمْعُكَ بالأَطْلالِ مَهْطُولُ عَلَّقْتُ طَرْفِي به كَيْمَا أُسائِلُهُ ... والطَّرْفُ بالرَّبْعِ لا بالدَّمْعِ مَشْغُولُ وقَدْدَرَتْ أنَّنِي ما نِمْتُ مُذْ هَجَرَتْ ... فَوعْدُها في الكرَى لِلطَّيْفِ تَعْلِيلُ لَيْلِى كما اقْتَرَحْت والأمرُ في يَدِهَا ... ليلٌ طويلٌ بيومِ الحَشْرِ مَوْصُولُ وكانت وفاةُ صاحب الترجمة في شهر رجب، سنة عشر وستمائة، ودفن بالخيزرانية، وقد قارب السبعين. رحمه الله تعالى. 838 - خلفُ بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد، أبو المظفر الخوارزمي المولد، ثم المكي ولد في سنة أربع وخمسمائة، وورد مرو وتفقه بها على أبي الفضل عبد الرحمن الكرماني. قال ابن النجار: قدم بغداد حاجاً، سنة ستين وخمسمائة، وحدث بها. وذكر عن أبي سعد أنه لقيه بخوارزم، وأنه قدم عليه مرو، سنة إحدى وستين، فعقد المجلس في الجامع، وأنه حضر مجلسه. قال أبو سعد: وكان كثير النكت والفوائد. قال الذهبي: ذكر القاضي عُمر بن علي الدبيثي، أنه قدم بغداد سنة أربع وستين وخمسمائة. 839 - خليفة بن سليمان بن خليفة بن محمد القُرشي، أبو السرايا الخوارزمي الأصل، الحلبي المولد والدار مولده سنة ست وستين وخمسمائة، وقيل: سنة خمس، وقال ابن العديم: إنه كتب بخطه في إجازة بأن مولده سنة ثلاث وخمسين. قرأ الفقه بحلب على الإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاشاني، صاحب " البدائع "، ورحل إلى بلاد العجم، وتفقه بها على جماعة، منهم الصفي الأصفهاني، صاحب الطريقة. مات، رحمه الله تعالى، ثالث عشري شوال، سنة ثمان وثلاثين وستمائة بحلب، ودُفن بحبانة مقام إبراهيم الخليل، صلى الله وسلم عليه، خارج باب العراق. 840 - الخليل بن أحمد بن إسماعيل القاضي السجزي شيخ الإسلام، ومرجع الأنام، ببلخ. سافر ودخل البلاد، وافقه، وروى عنه أبو عبد الله الفارسي. ولم يعلم من حاله سوى ذلك، وهو مأخوذ من " الجواهر المضية ". 841 - خليل بن أحمد بن الغرسي خليل بن عناق بفتح المهملة أوله نون مُشددة وآخره قاف. الشيخ الفاضل، الأديب البارع، غرس الدين، المعروف بابن الغرز. ولد في رجب سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، بالقاهرة، ونشأ بها، وقرأ القرآن، واشتغل بالنحو والفقه، وغيرهما. ومن شيوخه ناصر الدين البارنباري، وكذا أخذ عن العز ابن جماعة، ولازم البدر البشتكي كثيراً في علم الأدب، حتى فاق فيه جداً، وطارح الأدباء، ومدح ومُدح. ولابن حجر الحافظ في حقه جواباً عن لغز أرسله إليه: أَمَوْلايَ غَرْسَ الدِّيْنِ والفَاضِلَ الذي ... لَهُ ثَمَرُ الآدابِ دَانيَةُ الهُدْبِ ومَن لاحَ حتى في ذُرَى الشَّرْقِ فَضْلُهُ ... فأَجْرَى دُمُوعَ الحاسِدين مِن الغَرْبِ ومن نظم صاحبِ الترجمة قوله: عَجُوزةٌ حَدْبَاءَ عاينْتُهَا ... تَبَسَّمَتْ قلتُ اسْتُرِي فَاكِ سُبْحَانَ مَنْ بَدَّلَ ذلكَ الْبَهَا ... بَقُبْحِ أَحْدَاقٍ وأَخْنَاكِ وقوله أيضاً: خَلِيلَيَّ قد جُعْنَا جميعاً فبَادِرَا ... لِبَيْتِ فُلانٍ مُسْرِعَيْنِ وسِيرَا وإنْ تَجِدَا قَرْقُوشَةً فاجْرِيَا بها ... لِنَحْوِي وإن كان العَجِينُ فَطِيرَا وقوله أيضاً: وافَيْتُ مَحْبُوبَ قلبِي في جِبايَتِهِ ... يوماً وصادفَ مِيعاداً به اقْتَرَبَا فأَخْلَفَ الوَعْدَ لمَّا جئتُ مُنْتَجِزاً ... وراحَ يَمْطُلُ حقاً ظاهِراً وَجَبَا وقوله أيضاً: خَلِيلَيَّ ابْسُطَالِي الأُنْسَ إنيَّ ... فَقِيرٌ مِتُّ في حُبِّ الغَوانِي وإنْ تَجِدَا مُداماً أو قِيَاناً ... خُذانِي لِلْمُدامةِ والْقِيَانِ وله غير ذلك. وكان فاضلاً، مُفنناً، ظريفاً، كيساً، حسن الصوت بالقرآن جداً، يلبس زي الجُند. مات في ليلة الجمعة، عاشر شعبان، سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة. رحمه الله تعالى. 842 - الخليل بن أحمد بن رُوزبه

843 - الخليل بن أحمد بن محمد بن الخليل بن موسى بن عبد الله أبو سعيد، السجزي، القاضي

تفقه على أبي عبد الله الدامغاني، ودخل أصبهان، وسمع بها من أبي القاسم الخوارزمي. وحدث، وروى عنه النسفي. وكان مولده سنة ست وأربعين. وأخوه فاخر بن أحمد يأتي في محله إن شاء الله تعالى. قال في " الجواهر ". 843 - الخليل بن أحمد بن محمد بن الخليل بن موسى بن عبد الله أبو سعيد، السجزي، القاضي قال الحاكم أبو عبد الله: شيخ أهل الرأي في عصره، مع تقدمه، وهو صاحب كتاب " الدعوات والآداب والمواعظ ". توفي بسمرقند، في جمادى الآخرة، سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وله " رحلة " واسعة، جمع فيها بين بلاد فارس، وخُراسان، والعراق، والحجاز، والشام، وبلاد الجزيرة. وروى عن الإمام أبي القاسم البغوي، وأبي بكر بن محمد بن إسحاق بن خُزيمة، في خلق. وله ترجمة واسعة في التواريخ، وكُتب الأنساب. وكان من أحسن الناس كلاماً في الوعظ والتذكير. وقد ذكره صاحب: تتمة اليتيمة " فقال: من أفضل القُضاة، وأشهر أدبائهم، وله شعر الفقهاء، كقوله: الشَّيْبُ أَبْهَى مِن الشَّبابِ ... فلا تُهَجِّنْهُ بالخِضَابِ هذا غُرابٌ وذاك بَازٌ ... والبازُ خَيْ {ٌ مِن الغُرابِ وله في الهزل: إذا نامت العَيْنَانِ مِن مُتَيَقِّظٍ ... تَرَاخَتْ بِلا شَكٍّ تَشانيجُ فَقْحتِهْ فَمَن كان ذا عَقْلٍ سَيَعْذِرُ ضارِطاً ... ومن كان ذا جهلٍ ففي وَسْطِ لِحْيَتهْ وقوله في الجد: جَنْبِي تَجافَى عن الْمَهَادِ ... خَوْفاً مِن الموتِ والْمَعادِ مَنْ خافَ مِن كَرَّةِ الْمَنَايَا ... لم يَدْرِ ما لَذَّةُ الرُّقادِ قَدْ بَلضغَ الزَّرْعُ مُنْتَهَاهُ ... لا بُدَّ لِلْزَرْعِ مِن حَصَادِ ومن شعره في غير " اليتيمة " قوله: سَأَجْعَلُ لِي النُّعمانَ في الفِقْهِ قُدْوَةً ... وسُفيانَ في نَقْلِ الأحاديثِ مُسْنِداً وفي تركِ ما لم يَعْنيني عن عقيدتي ... سأتبع يَعْقُوبَ الْعُلاَ ومُحَمَدا وأجعلُ درسي مِن قِراءَةَ عاصِمٍ ... وَحَمْزَةَ بالتَّحْقِيقِ دَرْساً مُؤكداً وأَجْعَلُ في النَّحْوِ الْكِسائِيَّ قُدْوَةًومِنْ بَعْدِه الْفَرَّاءض ما عِشْتُ سَرْمَدَا وإِنْ عُدْتُ لِلْحَجِّ المُبَارَكِ مَرَّةًجَعَلْتُ لِنَفْسِي كُوفَةَ الخَيْرِ مَشْهَدَا فهذا اعْتِقَادِي وهُوَ دِيني ومَذْهَبِي ... فَمَنْ شاءَ فَلْيَبْرُزْ ويَلْقَ مُوَحِّدَا ويَلْقَ لِساناً مِثْلَ سَيْفٍ مُهَنَّدٍ ... يَفُلُّ إذا لاقي الْحُسَامَ المُهَنَّدَا وله أيضاً: رَضِيتُ مِن الدُّنْيَا بِقُوتٍ يُقِيمُنِي ... ولا أَبْتَغِي مِن بَعْدِهِ أبداً فَضْلاَ ولَسْتُ أَرُومُ القُوتَ إلا لأَنَّهُ ... يُعِينُ على عِلمٍ أَرُدُّ بِهِ جَهْلاَ وذكره في " اليتيمة " أيضاً، وقال: تقلد القضاء لآل سامان بسجستان، وغيرها، سنين كثيرة، وهو القائل لأبي جعفر صاحب سجستان في تهنئته بقصر بناه: شَيَّدْتَ قَصْراً عالِياً مُشْرِفاً ... بِطائِرِيْ سَعْدٍ ومَسْعُودِ كأَنَّمَا يَرْفَعُ بُنْيَانَهُ ... جِنُّ سُلَيْمَانَ بن دَاوُدِ لا زِلْتَ فيه باقِياً ناعِماً ... على اختلافِ البِيْضِ والسُّودِ وكان مكتوباً في صدر الإيوان الذي فيه: مَن سرَّهُ أنْ يَرَى الفِرْدَوْسَ عاجِلَةً ... فَلْيَنْظُر اليومَ في بُنيانِ إيواني أو سَرَّهُ أَنْ يَرى رِضْوانَ عن كثبٍ ... بِملءِ عَيْنَيْهِ فَلْيَنْظُر إلى البانِي وأنشد الخليل قول القاضي التنوخي: خُذِ الفَلْسَ مِن كَفِّ اللَئيم فإِنَّهُ ... أَعَزُّ عليهِ مِن حُشَاشَةِ نَفْسِهِ ولا تَحْتَشِمْ ما عِشْتَ مِن كُلِّ سِفْلَةٍ ... فليس له قدرٌ بِمِقدارِ فَلْسِهِ فعارضه بقوله: صُنِ النَّفْسَ عن ذُلَّ السُّؤالِ ونَحْسِهِ ... فأَحْسَنُ أَحْوالِ الفتَى صَوْنُ نَفْسِهِ

844 - خليل بن عبد الله، خير الدين البابرتي ويقال له العينتابي

ولا تَتَعَرَّضْ لِلَّئيمِ فإنَّهُ ... أَذَلُّ لَدَيْهِ الحُرُّ مِنْ شَطْرِ فَلْسِهِ وكتب إليه أبو القاسم السجزي يستفتيه: هاكَ سُوَالَ فَقِيهِ شَرْقٍ ... هاتِ فأَحْضِرْ له الجَوَابَا هَلْ في اصْطِبَارٍ لذي اشْتِيَاقٍ ... عَلَى فِراقٍ تَرَى ثَوَابَا فأجابه بهذين البيتين: أحْضَرْتُ عن قَوْلِكَ الْجَوَابَا ... أتلُو بِبُرْهانِهِ الْكِتَابَا الله وَفَّى الصَّبُورَ أَجْراً ... يَفُوتُ في فَضْلِهِ الْحِسَابَا 844 - خليل بن عبد الله، خير الدين البابرتي ويُقال له العينتابي نزيل القاهرة. قال العيني: قدم من البلاد الشمالية في حدود سنة خمس وثمانين وسبعمائة، فنزل بالصرغتمشية، واشتغل كثيراً، ثم نزل بالبرقوقية في أيام العلاء (ثم السيف السيراميين، ولازم ثانيهما) في العلوم، وتزوج ابنته. وقال ابن حجر: إنه كان فاضلاً في مذهبه، محباً للحديث وأهله، مذاكراً بالعربية، كثير المروءة. وإنه عين مرة لقضاء الحنفية، فلم يتم، وإنه ولي قضاء القدس الشريف، في سنة أربع وثمانين. كذا لخصت هذه الترجمة من " الضوء اللامع ". وذكره في " الغرف العلية "، وقال: إنه مات سنة تسع وثمانمائة. رحمه الله تعالى. 845 - الخليل بن علي بن الحسين بن علي، الملقب نجم الدين قاضي العسكر، الحموي ولي قضاء العسكر للملك العادل أبي بكر بن أيوب، بعد الستمائة. قدم دمشق، وتفقه بها، وخدم المعظم وأرسله، ودرس في دمشق بالريحانية، وناب عن الرفيع في القضاء. وتوفي في شهر ربيع الأول، سنة إحدى وأربعين وستمائة، ودُفن بقاسيون. وسيأتي ابنه على في بابه، إن شاء الله تعالى. 846 - خليل بن عيسى بن عبد الله خيرُ الدين العجمي ولي قضاء القُدس من برقوق، سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وهو أوله من ولي قضاء الحنفية بالقدس الشريف، وكانت سيرته حسنة، وطريقته مشكورة، ثم ولي تدريس المُعظمية. وكانت وفاته بالقدس الشريف، في صفر، سنة إحدى وثمانمائة، سُقي السم مع بكلمش، وشمس الدين الديري، بالمدرسة البلدية، فمات هو وبكلمش، وأما الشمس الديري فلم يُكثر، فمرض طويلاً وعُوفي، وكان شهاب الدين ابن النقيب حاضراً، فاعتذر بالصوم وسلم. رحمهم الله تعالى. 847 - خليل بن قاسم بن صفا المولى الفاضل خيرُ الدين، جد صاحب " الشقائق "، وصفه حفيده بالأوصاف الحميدة، وبالغ في الثناء عليه.... حرف الدال المهملة من اسمه داود 848 - داود بن أرسلان بن غازي، القاضي شرف الدين أبو المظفر مولده بدمشق، سنة سبعين. تفقه على بُرهان الدين مسعود بن شُجاع أبي المُوفق. قال ابن العديم: كان فقيهاً فاضلاً، مُتميزاً، صالحاً، يُنظم الشعر. مات بدمشق، في الثامن والعشرين، من جمادى الأول، سنة تسع وثلاثين وستمائة. وكذا ذكره الحافظ المُنذري، في " وفيات النقلة ". والله تعالى أعلم. 849 - داود بن رُشَيْد، أبو الفضل من أصحاب حفص غياث، ومحمد بن الحسن. أصله خوارزمي، سكن بغداد. وروى عنه مسلم، وأبو داود، وابن ماجه. وروى له البخاري، والنسائي، ومات سنة تسع وثلاثين ومائتين. رحمه الله تعالى. قال داود بن رُشيد: قُمت ليلة فأخذني البرد، فبكيت لما أنا فيه من العرى، فنِمت، فرأيت كأن قائلاً يقول: يا داود، أنمناهم وأقمناك، فتبكي علينا!! فما نام داود بعدها. 850 - داود بن رضوان، أبو علي، الفقيه السمرقندي تفقه بالعراق، ودرس بنيسابور دهراً، وحدث. ومات في رجب، سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى. 851 - داود بن عثمان بن يعقوب، المُلقب شهاب الدين الرومي تفقه، ودرس بالطغجية بالقاهرة، خارج باب زُويلة، وهو أول من درس بها، ثم ظهر بعد ذلك كتاب يدل على أن الواقف كان ملك لابنته ما أوقفه، فبطل الدرس من ذلك اليوم، وأعاد بالمنصورية. وحج، ورجع متضعفاً، فمات في المحرم، سنة خمس وسبعمائة. رحمه الله تعالى. 852 - داود بن علي بن شبيب، الفقيه الحلبي

853 - داود بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب بن شادي بن مروان أبو المفاخر بن أبي العزائم الملك الناصر ابن الملك المعظم

ابن أخي ثابت بن شبيب المذكور، نقل عنه ابن العديم، فيما شافهه به، وفاة عمه ثابت، على ما تقدم. 853 - داود بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب بن شادي بن مروان أبو المفاخر بن أبي العزائم الملك الناصر ابن الملك المُعظم فقيه، أديب. ولد في جمادى الآخرة، سنة ثلاث وستمائة. وتُوفي ليلة السبت، الثامن والعشرين، من جمادى الأولى، سنة ست وخمسين وستمائة، في الطاعون العام. وروى أنه كان يقول: أشتهي أن يرزقني الله الشهادة. فطعن في جنبه الأيسر، فأصبح وهو يشكو ألماً مثل الطعن بالسيف، ودام على ذلك إلى آخر النهار، فلما أمسى نام، ثم انتبه، وقال: إني رأيت جنبي الأيسر يقول لجنبي الأيمن: أنا قد جاءت نوبتي فصبرت، والليلة نوبتك فاصبر كما صبرت. فأصبح وقد طُعن في جنبه الأيمن. فلما كان بين الصلاتين، وقد سقطت قواه، نام ثم انتبه وهو يرعد، فقال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، والخضر عليه الصلاة والسلام، قد جاء إلي، وجلسا عندي، ثم انصرفا. فلما كان آخر النهار قال لولده الأكبر شهاب الدين غازي: يا بُني ما بقى في رجاء، فتهيأ في تجهيزي. فبكى، وبكى الحاضرون، فقال له: لا تكن إلا رجلاً، ولا تعمل عمل النساء، ولا تغير هيئتك. وأوصاه بأهله وأولاده. ثم اشتد به الضعف، وغاب صوابه، ثم أفاق فقال: بالله تقدموا إلى جانبي، فإني أجد وحشة. ثم قال: أرى صفاً عن يميني، فيهم أبو بكر وسعد، وصورهم جميلة، وعليهم ثياب بيض، وصفا عن شمالي، وصورهم قبيحة، أبدان بلا رؤوس، ورؤوس بلا أبدان، وهؤلاء يطلبونني، (وهؤلاء لا يطلبونني) . وأنا أريد أروح إلى أهل اليمين. ثم أغفى إغفاءة، ثم استيقظ، وقال: الحمد لله، خلصت، خلصت منهم. ثم مات، رحمه الله تعالى. ولقد كان واسع النفس، مُحباً للعُلماء، مُقرباً لهم، مُحسناً إلى من يقدم عليه منهم، كثير العطاء لهم. قدم عليه راجح الحلى، شاعر الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، ومدحه بقصيدته التي أولها: أَمنكُمُ خَطَرتْ مِسْكِيَّةُ النَّفَسِ ... صَبأ تَلَقَّيْتُ منها بَرْدَ مُنْتَكِسِ فأعطاه ألف دينار، وقُماشاً وأثاثاً بألف أخرى. وانقطع إليه الإمام العلامة شمس الدين الخسروشاهي، ووصل إليه منه أموال جمة. ولا بأس بإيراد شيءٍ يسير من نظمه البديع، فمنه قوله: عُيُونٌ عن السِّحْرِ المُبِينِ تُبِينُ ... لها عندَ تَحْريكِ القلوب سُكُونُ تَصُولُ بِبيضٍ وهْيَ سُودٌ فِرِنْدُها ... فُتُورُ ذُبُولٍ والجُفُونُ جُفُونُ إذا أبصرتْ قلباً خَلِياً مِن الهوى ... تقولُ له كُنْ مُغْرَماً فيكونُ وقوله أيضاً: إذا عَايَنَتْ عَيْنَايَ أَعْلامَ جِلَّقٍ ... وبانَ مِن القَصْرِ المُشيد قِبَابُهُ تَيَقَّنْتُ لأنَّ البَيْنَ قد بانَ والنوى ... نَأي شَخْصُه والعَيْشَ عادَ شَابابُهُ وقوله أيضاً: زارَ الحبيبُ وذَيْلُ الليلِ مُنْسَدِلٌ ... وانْجابَ عن وَجْهِه دَاجِي غَياهِبِهِ فقال لي صاحبي والضوءُ قد رَفَعَتْ ... يَدَاهُ من لَيْلِنَا َرْخِي جَلاَبِبِه أما ترى الضوءَ في ليلِ الْمِحَاقِ لقدْ ... جاءَ الزمانُ يَضْرِبُ من عَجائبه فقلتُ يا غافِلاً عن نُورِ طَلْعَتِهِ ... أما ترى البَدْرَ يَبْدُو في عَقَارِبِهِ وقوله أيضاً: أُحِبُّ الغادةَ الحَسْنَاءَ تَرْنُو ... بِمُقْلَةِ جُؤذُرٍ فيها فُتُورُ ولا أصبُو إلى رَشَاءٍ غَريرٍ ... وإن فَتَنَ الوَرى الرَّشَاأُ الغَريزُ وأنى يَسْتَوي شمسٌ وبدرٌ ... ومنها يَسْتَمِدُّ ويَسْتَنِيرُ وقوله أيضاً: طرفِي وقلبي قاتلٌ وشَهيدُ ... ودَمِي على خَدَّيكَ منه شُهُودُ يا أيُها الرَّشَأُ الذي لَحَظاتُهُ ... كم دُونَهُنَّ صَوَارِمٌ وأُسُودُ مَنْ لي بِطَيْفِكَ بعدَما منَع الكرَى ... عن ناظِريَّ البُعْدُ والتَّسْهِيدُ

وأنا وحُبِّكَ لستُ أضمِرُ سَلْوَةً ... عن صبوتي ودَعِ الفؤادَ يَبِيدُ وألذُّ ما لاقيتُ منك منيتي ... وأقل ما بالنفسِ فيك أَجُودُ ومنَ الْعَجَائِبِ أنَّ قلبك لم يَلِنْ ... لِي والحديدُ ألانَه دَاوُدُ ومن لطيف شعره، ما كتب به إلى الملك المنصور إبراهيم، صاحب حمص، يستدعيخ إلى مجلس أنس، وذلك لما كانا نازلين ببيسان، حين كانا مُنفقين على حرب الصالح نجم الدين أيوب، صاحب مصر، وكان ذلك يوم عيد الفطر في زمان الربيع، وهو: يا مَلِكاً قد جَمَّلَ العَصْرَا ... وفاقَ أَمْلاكَ الوَرَى طُرَّا وفاتَ في نائِلِهِ حاتماً ... وبَتَّ في إقدامه عَمْرَا وباكَر العَلْياءَ فافتَضَّهَا ... وكانت النَّاهِدَة البِكْرَا أما ترى الزَّهْرَ وقد جاءَنا ... مُسْتَقْبِلاً بالبِشْرِ والبُشْرَى الصَّيْدُ والنَّيْرُوزُ في حالةٍ ... والمَلِكُ المنصورُ والنَّصْرا والأرضُ قد باهَتْ به واغتدَتْ ... تَخْتالُ في حُلَّتِها الخَضْرَ عَبَّسَتِ السُّحْبُ على نَوْرِهَا ... فراحَ ثَغْرُ النَّورِ مُفْتَرَّا الصَّوْمُ قد وَلَّى بآلاتِهِ ... والفِطْرُ باللذاتِ قد كَرَّا فانْهَضْ بلا نَطْلٍ ولا فَتْرَة ... نَرْتَشِف المَعْسُولةَ الخَمْرا حِيرِيَّةٌ قد عُتِّقَتْ حِقْبَةً ... فأَقْبَلَت تُخْبِرُ عن كِسْرَى واسْتَجلِهَا حَمْرَاءَ عَانِيةً ... تَحْسِبُها في كأسِها تِبْرَا أو ذَوْبَ جَمْر حَلَّ في جامِدِ ال ... ماءِ فألأقى فوقه دُرَّا وبادِرِ اللَّذاتِ في حِينِهَا ... وقُمْ بنا نَنْتَهِبِ العُمْرَا في رَوْضَةٍ أُتْرُنْجُها ببانِعٌ ... يلوحُ في الأغصانِ مُصْفَرَّا كأنَّهُ قد لاح في دَوْحِها ... وَجْهُ سَماءٍ أَطْلَعتْ زَهْرَا واسْلَمْ ودُمْ في عِيشَةٍ رَغْدَةٍ ... تُبلى على جِدَّتِها الدَّهْرا وقال شهاب الدين التلعفري الشاعر المشهور: اجتمعت ليلة بالملك الناصر داود، على شاطئ البحر بعسقلان، وقد طلع البدرُ وألقى شعاعه على البحر، فقال الملك الناصر مُرتجلاً: يا ليلةً قَطَّعْتُ عُمْرَ ظَلامِهَا ... بِمُدامةٍ صَفْراءَ ذاتِ تأَجُجِ بالساحِل النَّامي رَوَأئِحُ نَشْرِهِ ... عَن رَوْضه المُتَّضَوِع المُتأرِّجِ واليَمُّ زاه قد هَدَا تَيَّارُهُ ... مِن بَعْدِ طُولِ تَقَلُّقٍ وتَمَوُّجِ طَوْراً تُدَغْدِغُهُ الشَّمالُ وتَارةً ... يَكْرَى فتُوقِظُهُ بَناتُ الْخَزْرَجِ والبدرُ قد ألقى سَنَا أنوارِهِ ... في لُجِّهِ المُتَجَعِّدِ المُتَدَبجِ فكأنَّه إذ قد صَفْحةَ مُتنِهِ ... بِشُعاعِه المُتَّوقُدِ المُتَّوَهِجِ نهرٌ تكوَّن من نُضَارٍ يانِعٍ ... يَجْري على أرضٍ مِن الفَيْرُوزَجِ وقال أيضاً: يا راكباً من أعالي الشَّام يَجْذِبُهُ ... إلى العِراقَيْنِ إدْلاجٌ وإسْحارُ حَدَّثْتَني عن رُبُوعِ طالَما قُضِيْتْ ... لِلنَّفْسِ فيها لُباناتٌ وأوطارُ لَدَى رِيَاضٍ سَقَاها المُزْنُ دِيمَتَهُ ... وزَانَها رَهْرٌ غَضٌ ونَوَّارُ شَحَّ النَّدَى أن يُسقِّيها مُجاجَتَهُ ... فجَادها مُفْعَمُ الشُّوبُوبِ مِدْرَارُ بَكَتْ عليها الغَوادي وهي ضاحِكةٌ ... وراحَتِ الريحُ فيها وهي مِعْطارُ يا حُسْنَها حين زانتها جواسِقُها ... وأيْعَنَتْ في أعالي الدَّوحِ أَثْمارُ فهيَ السماءُ اخضِراراً في جوانِبها ... كواكبٌ زُهرٌ تبدو وأقمارُ ومنها: كَرِّرْ على نازح شَطَّ المُزارُ بِهِ ... حديثكَ العَذْبَ لا شطَّتْ بك الدارُ

854 - داود بن غلبك بن علي الرومي، المعروف بالبدر الطويل

وعَلِّلِ النَّفْسَ عنهم بالحديث بهم ... إن الحديثَ عن الأحبابِ أَسْمارُ وقال، يتضرع إلى الله تعالى، ويشكو أهله وأقاربه: أيا ربِّ إن الأقرباء تباعدوا ... وعُوملت منهم بالقطيعة والهَجْرِ وقطعتِ الأرحام بيني وبينهم وجوزِيت عن فِعلِ الصَّنائِعِ بالنَكْرِ وأَغْلَقَ دُوني بابَه كلُّ صاحِبٍ ... فَتَّحْتُ له بابي وأَدْخَلْتُه خِدْري تَخَيَّرْتُهُ منهم لِيَوْم مَسَاءَتِي ... وأعددتُه في كلِّ نائبةٍ ذُخْري فخان عُهُودي إذْ وفيتُ بعَهْدِهِ ... وشحَّ بِرَفْدِي إذْ بَذَلْتُ له رِفْدِي وأنت بِمَرْأَى يا إلهي ومَسْمَعٍ ... وعالِمُ مَكْنُونِ السرائرِ والجَهْرِ أجِرْني من باغَ عليَّ بمالِهِ ... ومَعْقِلِه المَحْفُوفِ بالعَسْكَرِ الْمُجْرِ أمَوْلايَ إنَّ العربَ تَمْنَعُ جارَها ... وتَدْفَعُ عنه الضَّيْمَ بالبيضِ والسُّمْرِ وقد جِئْتُكَ اللَّهُمَّ أَرْجُوكَ ناصِراً ... لأنكَ أوْلَى من يُؤمَّلُ لِلنَّصْرِ فخُذ بِيدي فيما أُرِّجى وأتَّقى ... على رغمِ أقوامٍ تَوَاطَوا على ضُرِّي فألطافُكَ الحُسْنَى لَدَيَّ خَفِيَّةٌ ... تُبَلِّغُنِي الآمالَ مِن حيثُ لا أَدْري ومن شعره أيضاً، قوله: لمَّا تَنَمَّقَ وجهُه المُبْيَضُ منْ ... خَطِّ السَّوادِ المُسْتَقيمِ بأسْطُرِ عايَنْتُ مَرأى لم أُشاهد مِثْلَهُ ... كَلاَّ ولم أَسْمَع به من مُخْبِر وَجْهاً تَنَقَّلَ في فُنونِ ملاحَةٍ ... حتى تَمَسَّكَ بالْعِذَارِ الأَعْطرِ فكأنَّهُ لمَّا استَدارَ عِذارُهُ ... بدرٌ بَدَا في هَالةٍ مِنْ عَنْبَرِ ومن شعره أيضاً، قصيدة عدتها أربعة وثلاثون بيتاً، منها قوله: صَبِّحَانِي بِوَجْهِهِ الْقَمَرِيّ ... واصْبِحَانِي بالسَّلْسَبِيلِ الرَّوِيِّ ومنها: ما رَأَيْنا من قَبْلِ خَدَّيْهِ ورْداً يانِعاً فوق عارض سَوْسَنيِّ كيف يُجنى الْبَنَفْسَجُ الغَضُّ منه ... وهو يُحْمَى بالنَّاظِرِ النَّرْجِسِيّ ومنها: أَعْطنيها كأنَّها وَهَجُ الشَّمْ ... سِ تَبَدَّتْ في بُرْجِها الْحَمَلِيِّ قال ابن كثير في حق صاحب الترجمة: وكان فصيحاً، وله شعر، ولديه فضائل، واشتغل في علم الكلام على الشمس الخُسروشاهي، تلميذ الرازي. وكان يعرف علم الأوائل جيداً، وقد حكوا عنه أشياء تدل إن صحت، على سوء عقيدته، والله أعلم. قال: وذكروا عنه، أنه حضر أول درس ذُكر بالمستنصرية، في سنة اثنتين وستمائة، وأن الشعراء أنشدوا المُستنصر مدائح كثيرة، فقال بعضهم في قصيدة له: لَوْ كنتَ في يوم السَّقيفة شَاهِداً ... كُنتَ المُقَدَّمَ والإمامَ الأعْظَمَا فقال الناصر للشاعر: اسكت، قد أخطأت، قد كان جد أمير المؤمنين العباس شاهداً يومئذ، ولم يكن المقدم ولا الإمام الأعظم، وإنما كان المقدم والإمام الأعظم أبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه. وهذا من أحسن ما نُقل عنه، رحمه الله تعالى. وكان، رحمه الله تعالى، شاعراً ماهراً، عالماً فاضلاً، وأشعاره وأخباره لا تدخل تحت الحصر، ولا يتيسر الإحاطة بها، وفيما ذكرناه منها مقنعٌ. 854 - داود بن غُلْبَك بن علي الرومي، المعروف بالبدر الطويل نشأ بمدينة قونية، وقرأ الأدب واللغة. وتفقه على الشيخ جلال الدين الخبازي، لما قدم دمشق، وأقام بها نحواً من ثلاثين سنة. ثم توجه إلى حلب، ودرس بها في القليجية والطرخانية نحواً من خمس عشرة سنة. ثم خرج من حلب، متوجهاً إلى قلعة المسلمين، فأدركه أجله، وتوفي سنة خمس عشرة وسبعمائة. وكان له معرفة تامة بالأصلين. رحمه الله تعالى. 855 - داود بن محمد بن موسى بن هارون، الفقيه الأودني كان إماماً، يروى عن عبد الرحمن بن أبي الليث. قال الذهبي: وابنه أبو نصر أحمد بن داود بن محمد، روى عن أبيه، وعنه عمر بن منصور البخاري.

856 - داود بن المحبر بن قحذم بن سليمان بن ذكوان أبو سليمان الطائي البصري

وله كتب، منها: كتاب " ذكر الصالحين "، وكتاب " أحداث الزمان "، وكتاب " أجر البهائم "، وكتاب " فضائل القرآن ". وتقدم ابنه أحمد. 856 - داود بن المُحبر بن قحذم بن سليمان بن ذكوان أبو سليمان الطائي البصري نزل بغداد، وحدث بها عن شعبة، وحماد بن سلمة، وغيرهما. وروى عنه جماعة؛ منهم: محمد بن إسحاق الصغاني، وغيره. قال العباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين، وذكر داود بن المحبر، فأحسن عليه الثناء، وذكره بخير، وقال: ما زال معروفاً بالحديث، يكتب الحديث، وترك الحديث ثم ذهب فصحب قوماً من المعتزلة فأفسدوه، وهو ثقة. وروى الخطيب بسنده عن العباس بن محمد المذكور، أنه قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: داود بن المُحبر ليس بكذاب. قال يحيى: وقد كتبتُ عن أبيه المحبر بن قحذم، وكان داود ثقة، ولكنه جفا الحديث، ثم حدث. قال - أعني الخطيب - بعد نقله كلام ابن معين هذا: قلتُ، حال داود ظاهرة في كونه غير ثقة، ولو لم يكن له غير وضعه كتاب " العقل " بأسره لكان دليلاً كافياً على ما ذكرته. ثم روى بسنده إلى أبي الحسن علي بن عمر، أنه قال: كتاب " العقل " وضعه أربعة: أولهم ميسرة بن عبد ربه، ثم سرقه منه داود بن المحبر، فركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة، وسرقه عبد العزيز بن أبي رجاء، فركبه بأسانيد آخر، ثم سرقه سليمان بن عيسى السجزي، فأتى بأسانيد أخر. أو كما قال الدارقطني. وروى الذهبي، بسنده إلى ابن ماجه: حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا ابن المحبر، عن الربيع بن صبيح، عن يزيد الرقاشي، عن أنس، مرفوعاً: " ستفتح مدنة يقال لها قزوين، من رابط فيها أربعين ليلة كان له في الجنة عمود من ذهب، وزمردة خضراء على ياقوتة حمراء، لها سبعون ألف مصراع من ذهب، كل باب فيه زوجةٌ من الحور العين ". قال الذهبي: فلقد شان ابن ماجة " سنته " بإدخال هذا الحديث الموضوع فيها. ومات داود ببغداد، يوم الجمعة، لثمان مضين من جمادى الأولى، سنة ست ومائتين. رحمه الله تعالى، وتجاوز عنه. 857 - داود بن مروان بن داود الملطي الفقيه العلامة، نجم الدين ناب في الحكم على الحسام الرازي، ودرس بعدة أماكن. وولى قضاء العسكر. وكان ذا مروءة وعصبية، ومعرفة بالمذهب. مات في ثالث شهر ربيع الأول، سنة سبع عشرة وسبعمائة. ودُفن بالقرافة. وهو والد صدر الدين سليمان الآتي في بابه، إن شاء الله تعالى. 858 - داود بن كمال القوجوي، الرومي أخذ عن المولى لطفي، وابن المؤيد، وابن الحاج حسن، وغيرهم. وصار مدرساً بعدة مدارس؛ منها إحدى الثمان. وولي قضاء بروسة مرتين. وكان من خيار الناس علماً، وعملاً، واتباعاً للحق. وكانت وفاته بعد الأربعين والتسعمائة، تغمده الله تعالى برحمته. 859 - داود بن نُصير، أبو سليمان الطائي، الكوفي الإمام، العالم، العامل، العابد، الزاهد، أحد أصحاب الإمام، وعين أعيان أئمة الأنام. سمع عبد الملك بن عمير، وسليمان الأعمش، وغيرهما. وروى عنه جماعة، منهم: إسماعيل بن عُلية، وغيره. وكان داود ممن شغل نفسه بالعلم، ودرس الفقه وغيره من العلوم، ثم اختار بعد ذلك العزلة والانفراد والخلوة، ولزم العبادة، واجتهد فيها إلى آخر عمره. وقدم بغداد في أيام المهدي، ثم عاد إلى الكوفة، وبها كانت وفاته. قال ابن عيينة في حقه: كان داود الطائي ممن علم وفقه. قال: وكان يختلف إلى أبي حنيفة، حتى نفذ في ذلك الكلام. قال: فأخذ حصاة فحذف بها إنساناً، فقال له: يا أبا سليمان، طال لسانك، وطالت يدك!! قال: فاختلف بعد ذلك سنة لا يسأل ولا يُجيب، فلما علم أنه يصبر، عمد إلى كتبه فعرفها في الفرات، ثم أقبل على العبادة وتخلى. قال الوليد بن عُقبة الشيباني: لم يكن في حلقة أبي حنيفة أرفع " صوتاً من " داود الطائي، ثم إنه تزهد، واعتزلهم، وأقبل على العبادة. قال عطاء: كان لداود الطائي ثلاثمائة درهم، فعاش بها عشرين سنة ينفقها على نفسه. قال: وكُنا ندخل عليه فلم يكن في بيته إلا باريةٌ، ولبنةٌ يضع عليها رأسه، وإجانةٌ فيها خبزٌ، ومطهرةٌ يتوضأ منها، ومنها يشرب.

وقال أبو سليمان الداراني: ورث داود الطائي من أمه داراً، فكان ينتقل في بيوت الدار، كلما خرب بيت من الدار انتقل منه إلى آخر ولم يعمره، حتى أتى على عامة بيوت الدار. قال: وورث من أبيه دنانير، فكان يتقوتها حتى كُفن بآخرها. وروى أن محمد بن قحطبة قدم الكوفة، فقال: أحتاج إلى مؤدب يؤدب أولادي، حافظ لكتاب الله، عالم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالآثار، والفقه، والنحو، والشعر، وأيام الناس. فقيل له: ما يجمع هذه الأشياء إلا داود الطائي. وكان محمد بن قحطبة ابن عم داود، فأرسل إليه يعرض ذلك عليه، ويُسنى له الأرزاق والفائدة، فأبى داود ذلك، فأرسل إليه بدرة عشرة آلاف درهم، وقال: استعن بها على دهرك. فردها. فوجه إليه ببدرتين، مع غُلامين له مملوكين، وقال هما: إن قبل البدرتين فأنتما حُران. فمضيا بهما إليه، فأبى أن يقبلهما، فقالا له: إن في قبولهما عِتقُ رقابنا. فقال لهما: إني أخافُ أن يكون في قبولهما وهقُ رقبتي في النار، رداهما إليه، وقولا له: إن ردهما على من أخذتهما منه أولى من أن تعطيني أنا. قال إسماعيل بن حسان: جئت إلى باب داود الطائي، فسمعته يخاطب نفسه، فظننت أن عنده أحداً، فأطلت القيام على الباب، ثم استأذنت فدخلت، فقال: ما بدا لك في الاستئذان؟ قلت: سمعتك تتكلم، فظننت أن عندك أحداً. قال: لا، ولكن كنت أخاصم نفسي، اشتهت البارحة تمراً، فخرجت فاشتريت لها، فلما جئت به اشتهت جزراً، فأعطيت الله عهداً أن لا آكل تمراً ولا جزراً حتى ألقاه. وقال عبد الله بن المبارك: قيل لداود، وقد تصدع حائط له: لو أمرت برمه؟ فقال داود: كانوا يكرهون فضول النظر. وقال ابن أبي عدي: صام داود الطائي أربعين سنة ما علم به أهله، كان خزازاً، وكان يحمل غذاءه معه، ويتصدق به في الطريق، ويرجع إلى أهله يفطر عشاء، لا يعلمون أنه صائم. وقيل: احتجم داود الطائي، فدفع إلى الحجام ديناراً، فقيل له: هذا إسراف. فقال: لا عبادة لمن لا مروءة له. وكان محارب بن دثار يقول: لو كان داود في الأمم الماضية لقص الله علينا من خبره. وكان ابن المبارك، يقول: وهل الأمر إلا ما كان عليه داود. وعن محمد بن الحسن، أنه قال: كنت آتي داود الطائي في بيته، فأسأله عن المسألة، فإن وقع في قلبه أنها مما أحتاج إليه لأمر ديني أجابني فيها، وإن وقع في قلبه أنها من مسائلنا هذه تبسم في وجهي، وقال: إن لنا شغلاً. قال أبو نعيم: مات سنة ستين ومائة. طوقال الذهبي: سنة اثنتين وستين ومائة، وقيل: سنة ستين. وحدث إسحاق بن منصور السلولي، قال: لما مات داود الطائي شيع جنازته الناس، فلما دفن قام ابن السماك على قبره، فقال: يا داود، كنت تسهر ليلك إذ الناس يناموت، فقال الناس جميعاً: صدقت. وكنت تربح إذ الناس يخسرون. فقال الناس: صدقت. وكنت تسلم إذا الناس يخوضون. فقال الناس: صدقت. حتى عدد فضائله كلها. فلما فرغ قام أبو بكر النهشلي، فحمد الله، ثم قال: [يا رب] إن الناس قد قالوا ما عندهم مبلغ ما علموا، اللهم فاغفر له برحتك، وتكله إلى عمله. قال بعض الصلحاء: رأيت داود الطائي في منامي، فقلت: أبا سليمان كيف رأيت خير الآخرة؟ قال: رأيت خيراً كثيراً. قال، قلت: فماذا صرت إليه؟ قال: صرت إلى خير والحمد لله. قال: فقلت: هل لك من علم يسفيان بن سعيد؟ فقد كان يحب الخير وأهله. قال: فتبسم، ثم قال: رقاه الخير إلى درجة أهل الخير. وذكر العيني، في " تاريخه " أن سبب علته، أنه مر بآية فيها ذكر النار، فكررها مراراً في ليلته، فأصبح مريضاً، فوجدوه قد مات ورأسه على لبنة. ورآه في تلك الليلة رجل في المنام وهو مكشوف الرأس، فقال له: إلى أين؟ فقال: الآن خلصت من السجن. فانتبه الرجل وقد ارتفع الصراخ بموته، رضي الله تعالى عنه. ورأى بعضهم أيضاً في الليلة التي مات فيها داود ملائكة ونُورا، وقالوا: قد زخرفت الجنة لقدوم داود الطائي. ومما قيل في داود من المدح قول بعضهم: يَا قَوْمُ ما كان في أَحْوالِ دَاودِ ... ما عاشَ واللهِ أمْرٌ غيرُ محمودِ داودُ مِنْ خَوْفِ رَبِّ العرشِ خالِقِهِ ... قد اقْتَنَى الدِّرْعَ لا مِنْ نَسْجِ داودِ

860 - داود بن الهيثم بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو سعد التنوخي، الأنباري

وبينُه خَرِبٌ ما فيه مُرتَقَبلٌ ... سِوى كُسيراتِ خُبْزٍ مِثْلِ جُلْمُودِ برَفْضِ دَاودَ دُنْياهُ بأَجْمَعِهَا ... قد سَادَ حَقًّا جَميع الحُمْرِ والسُّودِ طُوبَى له مِن فتى شَد الرِّحَالَ إلى ... رَوْض بَهيجٍ وطَلْحٍ ثَمَّ مَنْضُودِ رَثُّ الثِّيابِ خَمِيصُ البطنِ مُتَّكِلٌ ... على العزيزِ بعِزِّ الفَوْرِ مَوْعُودٍ هذا ومحاسن داود تجل عن الإحصاء، وتتجاوز حد الضبط، وفيما أوردناه منها دليلٌ واضحٌ على علو مقامه، وعظيم شانه، نفعنا الله ببركاته في الدارين، وجمعنا في مُستقر رحمته، وأبا حنا بحبوحة جنته، بمنه وكرمه آمين. 860 - داود بن الهيثم بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو سعد التنوخي، الأنباري سمع جده إسحاق، وأبا الخطاب زياد بن يحيى الحساني، وغيرهما. وحدث ببغداد، والأنبار، وروى عنه جماعة كثيرون. قال علي بن المحسن: كان فصيحاً، نحوياً، لغوياً، حسن العلم بالعروض، واستخراج المعمى. وصنف كتباً في اللغة على مذهب الكوفيين، وله كتاب كبير في " خلق الإنسان " متداول. وكان أخذ عن يعقوب بن السكيت، ولقي ثعلباً فحمل عنه. وكان يقول الشعر الجيد. ولقي من الإخباريين جماعة؛ منهم: حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي. وقال أحمد بن يوسف الأزرق: كان أبو سعد داود بن الهيثم كثير الحديث، كثير الحفظ للأخبار والأدب، والنحو واللغة والأشعار. ولد بالأنبار. ومات بها، سنة ست عشرة وثلاثمائة، وله من العمر ثمان وثمانون سنة. رحمه الله تعالى. 861 - داود بن يحيى بن كامل بن يحيى بن جُبارة بن عبد الملك - ينتهي نسبه إلى الزبير بن العوام، رضي الله تعالى عنه - القاضي عماد الدين والد الشيخ نجم الدين على القحفازي، الآتي في محله إن شاء الله تعالى. قال ابن العديم: كان إماماً، مُحققاً، صالحاً. ولي تدريس العزية الجوانية. ومات سنة أربع وثمانين وستمائة. رحمه الله تعالى. 862 - داود القيصري القرماني العالم، العامل، الفاضل، الكامل. قال في " الشقائق ": اشتغل في بلاده أولاً، ثم ارتحل إلى مصر، وقرأ على عُلمائها التفسير والحديث والأصول. وبرع في العلوم العقلية، وحصل علم التصوف. وشرح " فصوص " الشيخ محي الدين ابن العربي، ووضع لشرحه " مُقدمة " تبين فيها أصول علم التصوف، يُستدل بها على مهارته. قال: ولما بنى السلطان أورخان مدرسته ببلدة أزنيق، " وهي على ما يُقال "، أول مدرسة بُنيت في الدولة العثمانية، عين تدريسها للمولى داود، فدرس بها وأفاد، وصنف وأجاد. قال: وكان عابداً، زاهداً، متورعاً، صاحب أخلاق حميدة. رحمه الله تعالى. حرف الذَّال المُعْجَمة 863 - ذو الْفَوْز بن أحمد بن يوسف السرمارِي نزيل عينتاب، المعروف بالفقيه. أخذ عن مشايخ أذربيجان، وديار بكر، وغيرهم. وقدم عينتاب، فأقام بها يشغل الطلبة. وشرح " مُقدمة أبي الليث "، و " قصيدة البُستي ". وتصدر بجامع النجار، بجوار ميدان عينتاب. وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، مُشدداً في ذلك، إلى أن مات في رمضان، سنة سبع وسبعين وستمائة. كذا ذكره في " الغُرف العلية "، نقلاً عن " تاريخ العيني ". رحمه الله تعالى. حرف الرَّاء المهملة 864 - راجح بن داود بن محمد بن عيسى ابن أحمد الهِنْدي الأحمداباذي ولد في تاسع صفر، سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، بأحمداباذ. ونشأ بها يتيماً، فإن أباه توفي في ثاني سني مولده، فقرأ على بلديه محمود بن محمد المقري الحنفي، في النحو، والصرف، والمنطق، والأصلين، والعروض، وغيرها، بحيث كان جل انتفاعه به، وقرأ على ملا مخدوم بن برهان الدين الحنفي، في الهيئة والكلام. وبرع في الفنون، ونظم الشعر، مع جودة الفهم. وحج هو وأخوه مُلا قاسم وعمهما، في سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، وكانت الوقفة بالجمعة. وقرأ راجح المذكور على السخاوي في الحديث، رواية ودراية، وكتب له إجازة حافلة، وبالغ في الثناء عليه. رجحمهما الله تعالى. 865 - رافع بن عبد الله بن نصر بن سليمان أبو المعالي، القاضي

866 - ربيعة بن أسد بن أحمد بن محمد الهروي أبو سعد

تفقه على الإمام برهان الدين أبي الحسن علي البلخي، وحدث عنه ب " أماليه " التي أملاها بحلب. روى عنه الحافظ عبد القادر الرهاوي. قال ابن العديم: حدثنا عنه الفقيهان؛ إبراهيم بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عثمان، المنبجيان. قال: وولى القضاء بمنبج، وكان فقيهاً حنفياً، ورعاً، ودرس الفقه بمدرسة منبج. ومات سنة اثنتين وستمائة. رحمه الله تعالى. 866 - ربيعة بن أسد بن أحمد بن محمد الهروي أبو سعد قاضي الكرخ. فاضل معروف، من هراة. قاله في " الجواهر " من غير زيادة. 867 - رحمه الله بن عبد الرحمن بن الموفق ابن أبي الفضل الديرقاني من أهل ديوانجه، إحدى قرى هراة. من بيت كبير. قال السمعاني: سمعت منه بديوانجه، ومن أبيه بهراة. وتُوفي بالديرقان، من قرى هراة، يوم الخميس، من ذي القعدة، سنة خمس وخمسمائة. ويأتي أبوه إن شاء الله تعالى. 868 - رزق الله بن محمد بن محمد بن أحمد بن الخطيب الأنباري المعروف بابن الأخضر، أبو سعد مولده سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. نقله ابن النجار، فيما قرأه بخط عبد المحسن البغدادي. قال أبو سعد: ناهز المائة، وكان ثقة، أميناً. وتفقه على مذهب أبي حنيفة، رضي الله عنه. وكان يفهم ما يُقرأ عليه، ويحفظ عامة حديثه، اشتهرت عنه الرواية. وكان صدوقاً، حسن السمت والصوت. قال أبو سعد: قرأت بخط ابن فارس شُجاع: في يوم عيد الفطر، وهو يوم الخميس، مُستهل شوال، سنة تسع وستين وأربعمائة، توفي أبو سعد رزق الله ابن الأخضر الأنباري. رحمه الله تعالى. 869 - رزق الله بن هبة الله بن محمد القزويني أبو البركات قال ابن النجار: يُعرف بابن شفروه الحنفي، من أهل أصبهان، من بيت مشهور بالعلم والفضل والتقدم. قدم بغداد حاجاً، في سنة تسع وستمائة، واستجاز من الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين، فأجاز له، وحدث عنه ببغداد. وقد لقيته بأصبهان، وسمعت منه، عن أبي عبد الله بن العباس الرستمي. وكان شيخاً جليلاً، أديباً، فاضلاً، حسن الهيئة. سألته عن مولده، فقال: في سلخ شعبان، سنة ست وثلاثين وخمسمائة، بأصبهان. وتوفي، رحمه الله تعالى، سحرة يوم الجمعة، الثالث والعشرين من جمادى الأولى، سنة خمس عشرة وستمائة، ودفن من الغد، بمدرسته بمحلة جوبان. وسيأتي كل من أخيه؛ عُبيد الله، وفضل الله، في محله إن شاء الله. 870 - رزق الله القاشاني قال الذهبي: من أئمة الحنفية بدمشق أيام الملك نور الدين. وقاشان: بلد كبير بتركستان، وأهلها يقولون: كاشان. 871 - رسول بن عبد الله، الشِّهاب القيصري ثم الغزي قدم دمشق في حدود السبعين. وهو من أهل العلم والفضل، سمع من ابن أميلة، وابن حبيب. وولي نيابة الحكم بدمشق، في أول دولة الظاهر برقوق. ثم ولي قضاء غزة في أيام ابن جماعة، وحصل مالاً كثيراً بعد فقر شديد. ثم مات بدمشق، في جمادى الآخرة، سنة تسع وثمانمائة، وقد شاخَ. ذكره ابن حجر، في " إنبائِه ". وقال العيني، فيما نقله صاحب " الضوء اللامع " عنه: إن صاحب الترجمة كان أحد طلبة الحنفية بالشيخونية أيام أكمل الدين، وبعده. وتولى قضاء غزة، عوضاً عن القاضي موفق الدين الرومي. وأرخ وفاته في ربيع الآخر، من السنة المذكورة. ولقبه شرف الدين. والله تعالى أعلم. 872 - رسولا بن أحمد بن يوسف التركماني التباني، جلال الدين أحد فقهاء الحنفية المُعتبرين. أخذ العربية عن جماعة؛ منهم: الإمام جمال الدين ابن هشام، وغيره. وأخذ الفقه عن فقهاء عصره. واشتغل، ودأب، وحصل، إلى أن صار من كبار الحنفية، المتصدرين للإقراء والإفتاء. وولي عدة مدارس. وكان مشهوراً بالديانة، والصيانة، والعفة والانقطاع عن الناس. وأراده الملك الناصر أن يلي قضاء الحنفية بالديار المصرية، فامتنع عن ذلك. وله عدة مصنفات، منها: " شرح المنار "، في أصول الفقه، و " مختصر التلويح في شرح الجامع الصحيح " لمغلطاي، و " شرح مختصر ابن الحاجب " في الأصول، ونظم كتاباً في فقه احنفية وشرحه، وكتب على " البزدوي "، وعلى كتاب " مشارق الأنوار " في الحديث، وشرح " التلخيص "، وله تأليف في منع تعدد الجمعة، وغير ذلك.

873 - الرضي بن إسحاق بن عبد الله ابن إسحاق النصري

ومات يوم الجمعة، ثالث شهر رجب، سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، عن بضع وستين سنة. قال التقي المقريزي: وهو ممن أجاز لي. والتباني: نسبة إلى التبانة، بتاء مُثناة من فوق، بعدها باء موحدة مشددة، ونون بعد ألف، وفي آخرها الهاء. ورسولا: بألف مقصورة. والله تعالى أعلم. 873 - الرضي بن إسحاق بن عبد الله ابن إسحاق النصري كان أبوه إسحاق المُتقدم ذكره شيخ أصحاب أبي حنيفة في وقته. تفقه على ولده هذا، وانتفع به، إلى أن صار من أفاضل دهره، وأماثل عصره. قال في " الغرف العلية ": وليس الرضي هذا بصاحب " شرح المنظومة " وغيرها، فإنه متأخر عن هذا، وصاحب الترجمة مقدم عليه. قلت: شارح " المنظومة " اسمه إبراهيم بن سليمان الحموي المنطيقي، المتقدم ذكره في محله. 874 - رمضان بن الحسين بن قطلغ أبَه، صائن الدين أبو الخير، السرماري الرتكماني سمع الحديث من أبي الحجاج يوسف. وتفقه، ودرس بالمدرسة السيوفية مدة بالقاهرة. ومولده سنة أربع عشرة وستمائة. وتوفي، رحمه الله تعالى، بمدينة أبيار، وأتى به من البحر إلى مقبرة باب النصر، فغسل بها، ودفن هناك، في الرابع من شعبان، سنة خمس " وسبعين " وستمائة، بعد موته بتسعة أيام. 875 - رمضان بن محمد، الشهير بناظر زاده. أحد القضاة المشهورين في الديار الرومية بالعلم والعمل، والدين والورع، والعفة عن أموال الناس، ما عهد أنه تناول من أحد رشوة قط، ولا مكن أحداً من اتباعه من تناولها. وكان اشتغاله في أول أمره ببلاد الروم، وأخذ عن جماعة كثيرين من فضلائها. وكان من مُلازمة العلم وأهله على جانب عظيم، لا يكل ولا يمل، ولا يقطعه عنه قاطع، ولا يمنعه من القراءة مانع، إلى أن حصل من الفضائل ما يصير به الخامل من أكبر الأماثل. وصار مدرساً بإحدى المدارس الثمان، ثم بإحدى المدارس السليمانية، ومنها ولي قضاء الشام، ثم قضاء مصر، ثم قضاء بروسة، ثم قضاء أدرنة، ثم قضاء إصطنبول. وبها قضى نحبه، ولقي ربه في سنة.................. وما عُزل من ولاية إلا وأهلها داعون له، شاكرون منه، راضون عنه. وقد اجتمعت به مرات عديدة؛ في الديار الشامية، والديار المصرية، وقُسطنطينية المحمية، فرأيت من فضله وعلمه، وورعه، وعفته، ما لم أره عند أحد من أهل هذا العصر، ولا سمعتُ به، فأسأل الله الكريم أن يتغمده برحمته ورضوانه، ويجمعنا به في مُستقر كرامته ودار غفرانه، من غير عذاب يسبق، بمنه وكرمه، آمين. رمضان الرومي ذكره في " الشقائق "، فقال: العالم العامل، والفاضل الكامل، الشيخ رمضان. قرأ، رحمه الله تعالى، على علماء عصره، وتفقه. ثم جعله السلطان بايزيد خان قاضياً بالعسكر. 877 - روح بن أحمد بن محمد بن أحمد بن صالح الحديثي أصلاً أبو طالب، قاضي القضاة، الزينبي قال في " الجواهر ": تولى القضاء بالبصرة، سنة ست وستين وخمسمائة. انتهى. وقال ياقوت، في " معجم البلدان ": ناب في القضاء ببغداد مدة في زمن المُستنجد بالله، ثم ولاه المستضئ قضاء القضاة، بعد امتناع منه وإلزام له، في يوم الجمعة، حادي عشر شهر ربيع الآخر، سنة ست وستين وخمسمائة. واستناب ولده أبا المعالي عبد الملك، على القضاء، والحكم بدار الخلافة وما يليها، وغير ذلك من الأعمال. ولم يزل على ولايته حتى توفي. وقد سمع الحديث من جماعة. قال عمر بن علي القزويني: سألت روح ابن الحديثي عن مولده، فقال: سنة اثنتين وخمسمائة. ومات في خامس عشر المحرم، سنة سبعين وخمسمائة. رحمه الله تعالى. وسيأتي الكلام على ترجمة ابنه " عبد الملك، في محله، إن شاء الله تعالى ". حرف الزاي 878 - زائدة بن قُدامة الثقفي أبو الصلت، الكوفي روى عنه ابن المبارك، والسفيانان، وغيرهم. قال الإمام أحمد: المثبتون في الحديث أربعة، سفيان، وشعبة، وزهير، وزائدة. مات بأراضي الروم، عام غزا الحسن بن قحطبة، سنة ستين، أو إحدى وستين ومائة. رحمه الله تعالى. روى له الشيخان. كذا في " الجواهر ". وذكره الحافظ الذهبي، في " طبقات الحُفاظ "، فقال: الإمام الحجة أبو الصلت الثقفي الكوفي، حدث عن زياد بن علاقة، وعبد الملك بن عُمير، ومنصور، وسماك، وموسى ابن أبي عائشة، وطبقتهم.

879 - زفر بن الهذيل بن قيس العنبري البصري

وعنه ابن عُيينة، وحسين الجعفي، وابن مهدي، ومعاوية بن عمرو، وأبو نعيم، وطلق بن غنام، وأبو حُذيفة النهدي، وأحمد بن يونس، وخلق كثير. وكان من نظراء شُعبة في الإتقان. وكان لا يحدث صاحب بدعة. وكان من أصدق الناس وأبرهم. وكان وكيع لا يقدم عليه أحداً في الحديث. ووثقه أبو حاتم الرازي، وقال: صاحب سُنة. توفي في أول سنة إحدى وستين ومائة، وقد شاخ، وقيل: مات مُرابطاً بأرض الروم، رحمه الله تعالى. انتهى. 879 - زُفر بن الهذيل بن قيس العنبري البصري أحد أصحاب الإمام، وعين أعيان الأئمة الأعلام، سارت الركبان بذكره، وتعطرت الأكوان بنشره، وشهد له بأوحدية زمانه، سائر نظرائه وأقرانه. تكرر ذكره في " الهداية "، و " الخلاصة "، وغيرهما من كتب المذهب. وكان الإمام الأعظم يُفضله ويبجله، ويقول: هو أقيس أصحابي. وروى أن زُفر لما تزوج حضره أبو حنيفة، فقال له زفر: تكلم. فقال أبو حنيفة في خطبة النكاح: هذا زفر بن الهذيل، إمامٌ من أئمة المسلمين، وعلمٌ من أعلامهم، في شرفه وحسبه وعلمه. وقال ابن معين في حقه: ثقةٌ، مأمون. وقال ابن حبان: كان فقيهاً حافظاً، قليل الخطأ، كان أبوه من أهل أصبهان. وقال أبو نعيم: كان ثقة مأموناً، دخل البصرة في ميراث أخيه، فتشبث به أهل البصرة، فمنعوه الخروج منها. وروى أنه قيل لوكيع: تختلف إلى زفر! فقال: غررتمونا بأبي حنيفة حتى مات، تُريدون أن تغرونا عن زفر حتى نحتاج إلى أسيد وأصحابه. وقال مقاتل: سمعتُ أبا نعيم الفضل بن دُكين، يقول: قال لي زفر: اخرج إلى حديثك حتى أغربله لك. وتولى زفر قضاء البصرة. وكانت ولادته سنة عشر ومائة. وكانت وفاته بالبصرة، سنة ثمان وخمسين ومائة، وله ثمان وأربعون سنة. وعن أبي عمر: كان زفر ذا عقل ودين، وفهم وورع، وكان ثقة في الحديث. وعن الفضل بن دكين، قال: دخلتُ على زفر وقد احتضر، وهو يقول: في حال لها مهر، وف حال لها ثلثا مهر. وروى أن زفر كان يجلس إلى أسطوانة، وأبو يوسف بحذاه، وكان زفر يلبس قلنسوة، فكانا يتناظران في الفقه، وكان زفر جيد اللسان، وكان أبو يوسف مضطرباً في مناظرته، وكان زفر ربما يقول لأبي يوسف: أين تفر؟ هذه أبواب كثيرة مفتحة، خُذ في أيها شئت. وعن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، أنه كان يقول: ما خالفت أبا حنيفة في قولٍ إلا وقد كان أبو حنيفة يقول به. قال ابن كثير: وكان زفر عابداً، اشتغل أولاً بعلم الحديث، ثم غلب عليه الفقه والقياسُ. وعن مليح: كان زفر يُكنى بأبي خالد، وأبي الهذيل، وكان من أصبهان، ومات أخوه فتزوج بعده امرأته. وعن محمد بن وهب كان زفر من أصحاب الحديث، ثم نظر في الرأي، فغلب عليه، ونُسب إليه. وعن ابن المبارك، أنه كان يقول: نحن لا نأخذ بالرأي ما كان الأثر، فإذا جاء الأثر تركنا الرأي. وعن أبي مطيع، أنه كان يقول: زفر حجة للناس فيما بينهم وبين الله تعالى، فيما يعملون بقوله، وأما أبو يوسف فقد غرته الدنيا بعض الغرور. وعن يحيى بن أكثم، عن أبيه أكثم، أنه كان يقول: كان وكيع " في آخر عمره يختلف " إلى زفر بالغدوات، وإلى أبي يوسف بالعشيات، ثم جعل كل اختلافه إلى زفر، لأنه كان أفرغ، وكان زفر يرفق به، ويصبر له، وكان وكيع يقول لزفر: الحمد لله الذي جعلك خلفاً لنا من أبي حنيفة، رحمه الله تعالى. وعن أبي نعيم الفضل بن دكين، قال: لما مات أبو حنيفة، وفاتني ما فاتني منه، لزمت أفقه أصحابه وأورعهم، فأخذت منه الحظ الأوفر. يعني زفر بن الهذيل. وعن يحيى بن أكثم: سمعت أبي يقول: أكثر ما جالست بعد أبي حنيفة زفر بن الهذيل، لأنه كان قد جمع إلى فقهه الورع والزهد في الدنيا. وعنه: سمعت أبي يقول: زفر كان أفقه أصحاب أبي حنيفة، وأجمعهم لخصال الخير. وعن الحسن بن زياد: كان زفر وداود الطائي متواخيين، فأما داود فقد ترك الفقه وأقبل على العبادة، وأما زفر فإنه جمع بين الفقه والعبادة. وعن مليح بن وكيع، عن أبيه، قال: كان زفر شديد الورع، شديد الاجتهاد والعبادة، حسن الرأي، قليل الكتاب، يحفظ ما يسمعه، ولما مات أبو حنيفة أقبل الناس على زفر، فما كان يأتي أبا يوسف إلا نفرٌ يسير. وعن محمد بن وهب: كان زفر أحد العشرة الأكابر، الذين دونوا كتب أبي حنيفة، وكان زفر رأس حلقته.

880 - زكريا بن أبي زائدة، أبو يحيى.

وعن الحسن بن زياد، قال: كان المقدم في أصحاب أبي حنيفة في مجلسه زفر، وكان قلوبهم إليه أميل. وعن بشر بن القاسم: سمعت زفر يقول: لا أخلف بعد موتي شيئاً أخافُ الحساب عليه. وقوم ما في منزله بعد موته، فلم يبلغ ثلاثة دراهم. وعن وكيع: لما احتضر زفر، رحمه الله تعالى، دخل عليه أبو يوسف وغيره، فقالوا: ألا توصي يا أبا الهُذيل؟ فقال: هذا المتاعُ الذي ترونه لهذه المرأة، وهذه الثلاثة آلاف درهم لولد أخي، وليس لأحدٍ على شيء، ولا على أحد شيء. وكان زفر يشبه وجهه وجوه العجم، ولسانه لسان العرب. رحمه. ومما مدح به الإمام زفر، رضي الله تعالى عنه، قول بعضهم إن القِيَاسَ جَلاَ مِرْآتَهُ زُفَرُ ... فمُنْكِرُوهُ لما قدْنا لهم زَفَرُوا قَوْسُ الْقِياسِ به كانت مُوَتَّرَةً ... ما عاشَ فالآن لا قَوسٌ ولا وَتَرُ لَقَد حوى في قِياسِ الفِقْهِ مَرْتَبَةً ... عليه [قد] حَسِرَتْ مِن دُونِها الْفِكَرُ قِيَاسُه قَد صَفا في بَحْرِ خاطِرِهِ ... وحاسِدُوه لِشُّومِ الحقدِ قد كَدِرُوا غَدا لِكَسْرِ قِيَاسِ الناسِ جابِرَهُ ... وهُمْ بحِقْدِهِمُ مِنْ جَبْرِه انْكَسَرُوا مَهْ لا يُساوِيه في أوقاتِهِ أحدٌ ... هَلْ يبَسْتَوي الذَّهبُ الإبريزُ والْحَجَرُ وزفر: بضم الزاي المعجمة وفتح الفاء وبعدها را مهملة. والهُذيل: بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون اليا المثناة من تحتها وبعدها لام. والله تعالى أعلم. 880 - زكريا بن أبي زائدة، أبو يحيى. وأسلم أبي زائدة ميمون بن وداعة. كوفي، من كبار الرواة. روى عن الشعبي، وغيره. وروى عنه الثوري، وشعبة، وغيرهما. وروى له الشيخان، وكان ثقة. خرج في البعوث إلى الديلم غازياً، ثم انصرف إلى الكوفة. ذكره أبو القاسم الرافعي، في " تاريخ قزوين ". وروى فيه بسنده عنه، وعن مسعر، وسفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نام يتوسد يمينه، ويقول: " اللهم قِني عذابك يومَ تَبْعَثُ عبادك ". وروى أيضاً بسنده عنه، أنه قال: قرأت على محراب رجل بقزوين: فَلا تَغُرَّنَّكَ الآمالُ يا رَجُلُ ... واعْمَلْ فليس وراءَ الموتِ مُعْتَمَلُ واعملْ لِنَفْسِكَ لا تَشْقَى بِعَيْشَتِها ... قبلَ الفراق إذا ما جاءك الأجَلُ واحذَرْ فإِنَّ مجيء الموتِ مُقْتَرِبٌ ... فلا يَغُرَّنَّكَ التَّسْرِيفُ والأمَلُ توفي سنة تسع وأربعين ومائة. وقيل: ثمان. وقيل: سبع. رحمه الله تعالى. حكى عنه ابنه يحيى، الآتي في بابه إن شاء الله تعالى، أنه كان يقول له: يا بُني، عليكَ بالنعمان بن ثابت، فخذ عنه قبل أن يفوتك. قال يحيى: ورُبما عرضت عليه فتياه فيعجب به. والله تعالى أعلم. 881 - زكريا بن بيرام بن زكريا الرومي أصله من ولاية أنكورية. وكان مولده بدار السلطنة السنية، قُسطنطينية المحمية، في أوائل سلطنة السلطان سليمان خان، عليه الرحمة والرضوان. واشتغل، وحص، إلى أن صار من أعيان فضلاء الديار الرومية، وصار ملازماً من المولى الفاضل العلامة محمد أفندي، المعروف بمعلول أمير، وكان جل انتفاعه به، وقد كان رفيقاً في الاشتغال عليه بالديار المصرية للإمام العلامة مفتي الديار المصرية الشيخ علي القدسي. ثم إن صاحب الترجمة صار مدرساً بندارس متعددة؛ منها: إحدى المدارس الثمان، ومدرسة السلطان سليم خان بمدينة قُسطنطينية. ثم ولي منها قضاء حلب، وأقام بها مدة، وعُزل منها لا إلى منصب. ثم صار قاضياً بمدينة بروسة، ثم عزل، وصار بعد ذلك قاضياً بقسطنطينية. ثم ولى قضاء العسكر بولاية أناطولي، ثم عزل منه، وعُين له من العلوفة كل يوم مائة وخمسون درهماً عثمانياً، بطريق التقاعد. وكان في ولاياته كلها محمود السيرة، مشكور الطريقة، والرعايا راضون منه، داعون له، غير أنه كان محسوداً على علمه وفضله وتقدمه، وما عزل من منصبٍ من هذه المناصب إلا بتحريك الأعداء، وتدبير الحساد، وسعي من لا يخاف الله تعالى.

882 - زكريا بن محمود بن زكري، الشيخ، الإمام الفقيه، زكي الدين، البصروي

وقد اجتمعت بحضرته العلية، في سنة " اثنتين وتسعين وتسعمائة " مرات عديدة، وأوقفني على بعض تحريراته وكتاباته، فرأيت من ذلك ما يُبهج الناظر، ويسر الخاطر، ويقول لسان حاله كم ترك الأول للآخر؛ فمن ذلك: " حاشية " على سورة الأعراف، و " حاشية " على " الهداية " من كتاب الوكالة إلى آخر " الهداية "، و " حاشية " على " صدر الشريعة " و " حاشية " على شرح المفتاح " و " حاشية " على " حاشية التجريد "، وله غير ذلك من الرسائل المفيدة. وله نظم بالعربية والفارسية والتركية. وبالجملة فهو من مفاخر تلك البلاد، أدام الله النفع بوجوده، آمين. ثم بعد كتابة هذه الترجمة بمدة مديدة قدمن إلى الديار الرومية، فرأيته قد ولى قضاء العسكر بولاية روميلي، وقضاة ولايته ومدرسوها وملازموها راضون عنه، شاكرون منه، داعون له، لأنه يعاملهم بالإنصاف، ويُعطي كل ذي حق حقه، لا تأخذه في ذلك لومة لائم، ولا يصده عنه رهبة ظالم. ثم بعد مدة من الزمان فوض إليه منصب الفتوى بالديار الرومية، وسائر الممالك الإسلامية، وصار يكتب الفتاوي على الأسئلة كتابة جيدة، بعبارات رائعة فصيحة. وكانت في بدايته في الكتابة نهاية كثير ممن ولى هذا المنصب، لأن أكثرهم ما كانوا يُحصلون الرسوخ في الكتابة، ويسلمون من الخطأ، وسبق القلم، والمؤاخذة في غالب فتاواهم، إلا بعد مدة طويلة. وأما صاحب الترجمة، فإن أول كتاباته كأواخرها، سالمة من الطعن فيها، والمؤاخذة عليها، فحصل بولايته للعلماء والأفاضل والطلبة وسائر من ينتمي إلى العلم فرح كثير، وسرور زائد، وظنوا أن الزمان تنبه لهم، وأقبل عليهم، فما مضى إلا مدة يسيرة، وأصابته عين الكمال، وتوفي إلى رحمة الله تعالى فجأة، بدار السلطنة السنية، وهو جالسٌ على الصفة المتصلة بالباب المعروف بباب همايون، الذي تدخل منه الوزراء، وقضاة العسكر، وأرباب الدولة، لعرض المهمات على السلطان محمد خان، نصره الله تعالى، وكان المفتي المذكور ينتظر جلوس السلطان محمد خان، للسلام عليه، وتهنئته بالعيد، وهو عيد..... وخلف، رحمه الله تعالى من الأولاد الكبار، المعدودين في جملة السادات الأخيار، عدة لا تحضرني الآن أسماؤهم، ولكن أعرف منهم قدوة الأفاضل، وكثر الفواضل، قاضي القضاة بالديار المصرية، يحيى أفندي، متع الله المسلمين بطول بقائه. كان مولده في سنة " تسع وتسعين وتسعمائة ". ورُبى في حجر العلم والعمل، والصيانة عن ارتكاب الخطأ والزلل، " إلى أن " صار ممن يُشار إليه بالأنامل، وتعقد عليه الخناصر. انتهى. 882 - زكريا بن محمود بن زكري، الشيخ، الإمام الفقيه، زكي الدين، البصروي مدرس الشبلية. كان قد درس أولاً بالمدرسة الفرخشاهية، ثم إنه درس أياماً يسيرة في آخر عمره بالشبلية، عوضاً عن فصيح الدين المارديني، وأخذت منه الفرخشاهية، وكان ذلك في جمادى الآخرة، سنة ثمان وتسعين وستمائة. وتوفي زكي الدين المذكور، في سادس عشر شهر رجب، من السنة المذكورة. فكانت مدة الولاية أربعين يوماً. كذا ترجم له الصلاح الصفدي، في " أعيان العصر، وأعوان النصر ". رحمه الله تعالى. 883 - زكريا بن يحيى بن الحارث، الإمام، النيسابوري المُزكى، أبو يحيى، البزار، الفقيه أحد مشايخ أصحاب أبي حنيفة في عصره، وأحد العباد. سمع إسحاق بن راهويه بخراسان، وغيره. قال الحاكم، في " تاريخ نيسابور ": حدثنا عنه، وله تصانيف كثيرة في الحديث. مات، رحمه الله تعالى، في يوم السبت، لخمس ليال بقين من ربيع الآخر، سنة ثمان وتسعين ومائتين، وصلى عليه الأمير أبو صالح. 884 - زكريا بن يحيى بن هارون بن يوسف بن يعقوب بن عبد الحق ابن عبد الله، بدر الدين، الدِّشناوي - بالدال المهملة والشين المعجمة والنون ومن بعدها ألف وواو - التونسي قال الصفدي، في " أعيان العصر ": كان فقيهاً، أديباً، نبيهاً، أريباً. له نظم كأن قوافيه كُؤوس، وأزاهر روضة زاكية الغُروس، حدث بشيءٍ منه، ورواه الأكابر عنه. ولم يزل بالقاهرة إلى أن كمل مدته، وسكن الموت شرته وحدته. وتوفي، رحمه الله تعالى، سنة ... وسبعمائة. انتهى. وقال ابن حجر: كان أديباً فاضلاً، أخذ عنه الحافظ أبو الفتح اليعمري، وزين الدين عمر بن حسين بن حبيب، وغيرهما.

885 - زكريا بن يحيى بن يحيى النيسابوري

ومن شعره لغزٌ في اسم طيبرس: وما اسْمٌ له بَعْضٌ هو اسمُ قَبِيلَةٍ ... وتَصْحِيفُ باقِيهِ تُلاَقِي به العِدَا اسم القبيلة: طي، وتصحيف برس: تُرس. وإن قلْتَه عَكْساً فَتَصْحِيفُ بَعْضِهَ ... غِياثٌ لِظمْآنَ تألمَ بالصَّدَى وباقِيه بالتَّصْحِيفِ طَيْرٌ وعَكْسُهُ ... لكلِّ الوَرى عِلْمٌ مُعينٌ على الرَّدَى اسم الطير: بط. والعلم هو: الطب. وله في مغن راقص: يَا مَنْ غَدَا الحُسْنُ إذ غَنَى وماسَ لَنا ... مُقَسَّماً بين أَبْصارٍ وأسماعِ قاسُوكَ بالغُصْنِ رَقْصاً والهزار غِنَا ... وما تُقاسُ بِمَيَّاسٍ وسَجَّاعِ قَدْ تَسْجَعُ الُرْقَ لكنْ غيرَ ناطِقَةٍ ... ويرقُصُ الغُصْنُ لا في حُسْنِ إيقاعِ وله أيضاً: لا تَسَلْنِي عن السُّلُوِّ وسَلْ ما ... صَنَعْتْ بي لُطْفاً مَحاسِنُ سُلْمَى أَوْقَعَتْ بينَ مُقْلَتِي ورُقادِي ... وسَقامي والجِسْم حَرْباً وسِلْماً وأورد له الصفدي، في " أعيان العصر "، قوله في مليح خطائي: فقالَ لِيَ العَذُّولُ أراكَ تَبْكِي ... فقلتُ له بكيتُ على خَطَائي واعترض عليه، بأنه أراد التورية بالخطأ، مهموزاً مقصوراً، ضد الصواب، عن الخطائي، وهو المليح التركي الخطائي، وهو ممدود، فما قعدت معه التورية. ثم إنه اعترض على الأديب جمال الدين ابن نباتة، حيث استعمل ذلك في شعره. وأنشد الصلاح لنفسه في ذلك قوله: أَحْبَبْتُ مِن تُرْكِ الخَطَا ذَا قَامَةٍ ... فَضَحَتْ غُصُونَ الْبَانِ لَمَّا أن خَطَا إياكُمُ وجُفُونَهُ فأنا الذي ... سَهْمٌ أصابَ حَشاهُ مِن عينِ الْخَطَا وقوله أيضاً: يا قلبُ لا تُقْدِمْ على ... سِحْرِ الجُفونِ إذا سَطَا ومِنَ الْعَجائِبِ أنَّه ... أَضْحَى يَصِحُّ مع الْخَطَا قلت: ويُعجبني إلى الغاية في هذا المعنى قول الأديب المعمار، وإن كان يرد عليه في التورية بالخطأ، ما أورده الصفدي على صاحب الترجمة آنفاً، فإن ذلك مما يُسامح به غالباً: أصابَ قلبي خَطائِي ... بِلَحْظِهِ لِشَقائِي فَرُحْتُ مِن عُظْمِ وَجْدِي ... أَشْكو إلى الحُكَماءِ قالوا أُصِبْتَ بِعَيْنٍ ... فقلتُ مِن عُظْمِ دَائِي إنْ كان هذا صَواباً ... فتلك عَيْنُ الْخَطائي وهو لغة. في هذا المعنى أيضاً مع سلامته من الاعتراض السابق، قوله من تائية نظمها في مدح المولى الفاضل أحمد جلبي بن قاضي القضاة حسن بيك بن عبد المحسن، وقد تقدمت في ترجمته: ظبيٌ من التُرْكِ إلاَّ أنَّ أعْيُنَهُ ... مُهَنَّداتٌ لها بالقلب فتكاتُ مِن الْخَطا ما خَطَا إلا ودَاخَلَهُ ... بالقَدِّ عُجْبٌ ولِلأَغْصانِ شَمْخَاتُ ما اهتز إلا وبَزَّ الناسَ أنفُسَهُمْ ... وهكذا شَاْنُهُنَّ السَّمْهَريَّاتُ حذارِ يا قَلْبُ مِن ألْحاظِهِ فلها ... سِهامُ حَتْفٍ لها بالقلبِ رَشْقَاتُ ولا يَغُرَّنْكَ ما يُخطى وكُن يَقِظاً ... ففي سِهامِ الْخَطا تُلفَى إصاباتُ ومن نظم بدر الدين الدشناوي موشح لطيف، منه قوله: أَيا مَنْ عَلَيَّ تَجَنَّى ... وقد حاز لُطْفُ المُعَنَّى اجْعَلْ لي من صُدودِكَ أَمْنَا وارْحَمْنِي وهَبْ لي ... وَصْلاً به أَتَملَّى وكُنْ لِلْمَكارِمِ أهْلاً ... هذا [أهْنَا] وأَحْلَى 885 - زكريا بن يحيى بن يحيى النيسابوري جد أحمد بن سهل. كذا في " الجواهر "، من غير زيادة. 886 - زُهير بن معاوية بن حديح - بالحاء المهملة المضمومة - أبو خيثمة، الكوفي الحافظ، الحجة، محدث الجزيرة، من أصحاب الإمام، رضي الله تعالى عنه. سمع الأعمش، وطبقته. وروى عنه القطان، وأبو داود، وأبو نعيم، وأبو جعفر العقيلي، وأحمد بن يونس، ويحيى بن يحيى التميمي، وخلق سواهم. وكان من علماء الحديث، وكان سفيان يقول: ما بالكوفة مثله.

887 - زياد بن إلياس، أبو المعالي، ظهير الدين

ووثقه ابن معين، وروى له الشيخان. قال شعيب بن حرب، وذكر حديثاً لزهير وشعبة: زهير عندي أحفظ من عشرين مثل شُعبة. وقال أحمد ابن حنبل: زُهير من معادن العلم. وكان زهير إذا سمع الحديث من الشيخ مرتين كتب عليه: فرغت. وكان صاحب سنة. ونزل الجزيرة سنة أربع وستين، وأصابه الفالج هناك. قال علي بن الجعد: كان رجل يختلف إلى زهير ثم فقده، فأتاه بعد ذلك فقال: أين كنت؟ قال: ذهبت إلى أبي حنيفة. فقال: نعم ما تعلمت، لمجلس تجلسه مع أبي حنيفة خير لك من أن تأتيني شهرا. مات سنة أربع وسبعين. وقيل: اثنتين وسبعين. وقيل: ثلاث وسبعين ومائة. رحمه الله تعالى. 887 - زياد بن إلياس، أبو المعالي، ظهير الدين تلميذ الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن الحسين البزدوي. قال صاحب " الهداية "، في " مشيخته " اختلفت إليه بعد وفاة جدي، وقرأت عليه أشياء من الفقه والخلاف. وكان مع غزارة العلم، ووفور الفضل، متواضعاً، جواداً، حسن الخلق، ملاطفاً لأصحابه، وكان من كبار المشايخ بفرغانة. قال أبو الحسن علي، صاحب " الهداية ": أنشدني الإمام القاضي نجيب الدين محمد ابن الفضل الأصبهاني، بمرغينان، لنفسه أبياتاً يمدح بها الأستاذ ظهير الدين، أولها: أسْعَدْ فقد نِلْتَ لُقْيا أفضلِ النَّاسِ ... أبي الْمَعالي زِيَادٍ نَجلِ إلياسِ قَرْمٍ أخي ثِقَةٍ لولا مَكارِمُهُ ... ما إنْ جَرَى قَلَمٌ في ظَهْرِ قِرْطَاسِ وانزل بناديه تَلْقَ المجدَ مُبتَسِماً ... والفضلَ في نَفَحاتِ الوَرْدِ والآسِ ولُذ بِهِ من زمانٍ جاشِرٍ نَكِدٍ ... فما لِجُرْحِ الليالي غَيْرُه آسِ إنْ لَم تُحِطْ بِهُدَاهُ في فَضأئِلِه ... فقِسْهُ فالشَّيءُ قَد يُدْرَى بِمِقْياسِ جُودُ الْبَرَامِكِ في نُطْقِ ابنِ ساعِدَةٍ ... في حِلْمِ أَحْنَفَ في فَضْلِ ابنِ عَبَّاسِ 888 - زياد بن علي بن الموفق بن زياد بن محمد بن زياد أبو الفضل بن أبي القاسم بن أبي نصر عُرف بزين الحرمين من أهل هراة. قال أبو سعد: مولده في صفر، سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. سمع من جده أبي نصر بن زياد، وغيره. قال: وقرأت عليه جزءاً من سماعه من جده، وأجاز لي مُشافهةًَ. وهو من بيت الرياسة والتقدم. ورد بغداد حاجاً. وكتب إلى [أبو] عبد الله محمد بن الفضل الدهان، وأنا بِبُخارى، أن أبا الفضل ابن زياد مات بهراة، يوم الأربعاء، الثالث من جمادى الآخرة، سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. رحمه الله تعالى. 889 - زيد بن أسامة كان يروي " الجامع الكبير " لمحمد بن الحسن، عن أبي سليمان الجوزجاني، عن محمد بن الحسن. رواه عنه إسحاق بن إبراهيم الشاشي القاضي، المذكور سابقاً، في حرف الهمزة. 890 - زيد بن بشير الأندلسي، الفقيه ذكره ابن يونس، في " تاريخ مصر "، وقال: فقيه على مذهب الكوفيين. روى عنه سليمان بن عِمران، قاضي الغرب. قال: ما وجدت أحداً يعرفه بمصر، غير أبي جعفر الطحاوي. 891 - زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن ين سعيد بن عصمة ابن حمير بن الحارث ذي رُعين الأصغر الإمام، العلامة، المفنن الفهامة تاج الدين، أبو اليمن، الكندي النحوي، اللغوي، المقري، المحدث، الحافظ. ولد ببغداد سنة عشرين وخمسمائة. وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وأكمل القراءات العشر وهو ابن عشر، وكان أعلىأهل الأرض إسناداً في القراءات. قال الذهبي: لا أعلم أحداً من الأئمة عاش بعد ما قرأ القرآن ثلاثاً وثمانين سنة غيره. وقرأ العربية على أبي محمد سبط أبي منصور الخياط، وابن الشجري، وابن الخشاب، واللغة على موهوب الجواليقي. وسمع من أبي بكر بن عبد الباقي، وخلائق. وخرج له أبو القاسم ابن عساكر " مشيخة " في أربعة أجزاء. وقدم دمشق، ونال الحشمة الوافرة والتقدم، وازدحمت عليه الطلبة. وكان حنبلياً فصار حنفياً، وتقدم في مذهب أبي حنيفة، وأفتى ودرس، وأقرأ القراءات والنحو واللغة والشعر. وكان صحيح السماع، ثقة في النقل، ظريفاً في العشرة، طيب المزاج.

قرأ عليه جماعة، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو حفص ابن القواس، ثم أبو حفص العقيمي. واستوزره فروخ شاه. ثم اتصل بأخيه تقي الدين صاحب حماة، واختص به، وكثرت أمواله، وكتب الخط المنسوب. وقرأ عليه المعظم عيسى شيئاً كثيراً من النحو ك " كتاب سيبويه "، و " شرحه " و " الإيضاح ". وله خزانة كتب بالجامع الأموي فيها كل نفيس. وله " حواش " على " ديوان المتنبي " و " حواش " على " خطب ابن نباتة "، أجاب عنها الموفق البغدادي. وحضر التاج الكندي مرة عند الوزير، وحضر ابن دحية، فأورد ابن دحية حديث الشفاعة، فلما وصل إلى قول الخليل عليه الصلاة والسلام: " إنما كُنتُ خَليلاً مِن وراءَ وراءَ "، فتح ابن دحية الهمزتين، فقال الكندي: " وراء وراء " بضم الهمزتين، فعسر ذلك على ابن دحية، وصنف في المسألة كتاباً سماه " الصارم الهندي، في الرد على الكندي "، وبلغ ذلك الكندي، فعمل مصنفاً سماه " نتف اللحية، من ابن دحية ". ورد على الكندي سُؤال في الفرق بين: طلقتك إن دخلت الدار، وبين: إن دخلت الدار طلقتكِ. فألف في الجواب عنه " مؤلفاً "، فرد عليه محمد بن علي بن غالب الجزري، وسماه " الاعتراض المُبدى، لوهم التاج الكندي ". وتوفي يوم الإثنين، سادس شوال، سنة عشر وستمائة، وانقطع بموته إسناد عظيم. وفيه يقول تلميذه الشيخ علم الدين السخاوي وكان يبالغ في وصفه: لَمْ يَكُنْ في عَصْرِ عَمْرٍو مِثْلُهُ ... وكذا الكنديُّ في آخر عَصْرِ وهما زَيءدٌ وعَمْرٌو إنَّما ... بُنِيَ النَحْوُ على زيدٍ وعَمْروٍ وكتب أبو شجاع ابن الدهان الفرضي، إلى الشيخ تاج الدين الكندي، يمدحه: يا زَيْدُ زادكَ رَيِّي مِن مواهبِهِ ... نُعْمَى يُقَصِّرُ عن إدراكها الأَمَلُ لا بَدَّلَ اللهُ حالاً قد حَباكَ بها ... ما دارَ بَيْنَ النُّحاةِ الحالُ والْبَدَلُ النَحْوُ أنتَ أَحَقُّ العالِمينَ بِهِ ... أليس باسمِكَ فيه يُضْرِبُ الَمَثلُ وذكره ابن شاكر الكتبي، في " عيون التواريخ "، ونقل عنه أنه قال: كنت في صغري، وقت اشتغالي بالعلم، أبغض إخوتي إلى أبي، لأنه كان يريدني أشتغل بالتجارة، وأنا أشتغل بالعلم، وكان ذلك سعادة منحني الله تعالى بها، فإني اكتسبتُ بالعلم مقدار أربعين ألف دينار، ووهبتها جميعاً لمن يلوذ بي، حتى إن الدار التي كنت مقيماً فيها وهبتها لهم. قال ابن شاكر: وأقول: إن أحداً ما نال من السعادة ما نال تاج الدين، فإن الملك المعظم بن العادل كان صاحب الشام، وكان يقصد منزل تاج الدين بدرب العجم راجلاً، وكتابه تحت إبطه، يقرأ عليه، ولا يكلفه مشقة المجيء إلى خدمته، وكان على بابه من المماليك الأتراك وغيرهم ما لا يكون إلا على باب ملك، وكان له من الأملاك والبساتين ما لا يحصى. قال: وكان تاج الدين يُكثر الجلوس على دكان عطار بباب حيرون، فجاءته امرأة طلبت منه حاجة، فأعطاها، وأخرى إلى أن ضجر، فقال لها العطار، في كلام جرى بينهما: أخذتي والله مخي. فقال له الكندي: لا تلمها، فإنها محتاجة إليه، تريد أن تطعمه لزوجها. ومن شعر التاج الكندي قوله: لامَنِيفي اخْتِصَارِ كُتْبِي حَبيبٌ ... فَرَّقَتْ بَيْنَهُ اللَّيالي وبَيْنِي كيف لي لو أطلتُ لكنَّ عُذري ... فيه أنَّ الْمِدَادَ إِنْسَانُ عَيْنِي ومنه أيضاً قوله: أَرَى المرءَ يَهْوَى أنْ تَطُولَ حَيَاتُهُ ... وفي طُولِهَا إِرْهاقُ ذُلٍّ وإزْهاقُ تَمَنَّيْتُ في عَصْرِ الشَّبيبَةِ أنَّنِي ... أُعمِّرُ والأَعْمارُ لا شَكَّ أرْزاقُ فَلَّمَا أتاني ما تَمَنَّيْتُ ساءَني ... مِن العُمْرِ ما قد كنتُ أهْوى وأَشْتاقُ عَرَتْنِيَ أَعْراضٌ شديدٌ مراسُهَا ... عَلَى وَهَمٌ ليس لي فيه إفْراقُ وها أنا في إحدى وتسعين حَجَّةً ... لها في إرْعادٌ مخوفٌ وإبراقُ يُخَيِّلُ لِي فِكْري إذا كنتُ خالياً ... رُكُوبي على الأعْناقِ والسَّيْرُ إِعْناقُ ويُذْكِرُني مَرُّ النَّسِيم وَرَوْحُهُ ... حفَائِرَ يَعْلُوهَا مِن التُّرْبِ أَطْبَاقُ

892 - زيد بن محمد بن خيثمة بن محمد بن حاتم بن خيثمة ابن الحسن بن عوف التميمي، أبو سعد

يقولون دِرْيَاقٌ لِمُثلك نافعٌ ... وماليَ إلا رحمةُ اللهِ دِرْيَاقُ ومنه أيضاً: عَجِبْتُ لِمَنْ يَنْتَابُه الموتُ غِيلَةً ... يَرُوحُ به أو يَغْتدي كيف يَبْخَلُ وهَبْ أنه مِن فَجْأَةِ الموتِ آمنٌ ... مَسَرَّتُهُ بالعَيْشِ لا تَتَبَدَّلُ أليسَ يَرَى أن الذي خَلَقَ الورى ... بأرزاقهم ما عُمِّرُوا مُتَكَفِّلُ ومنه أيضاً: دَعِ المُنَجِّم يكْبُو في ضَلالَتِهِ ... إذا ادَّعَى عِلْم ما يَجْري به الفلكُ تَفَرَّدَ اللهُ بالعِلْمِ القديم فَلا ال ... إنسانُ يُشْرِكُهُ فيه ولا المَلَكُ أعَدَّ لِلْرِزْقِ من أَشْراكِهِ شَرَكاً ... فبِسْتِ العُدتان الشِّرْكُ والشَّرَكُ ومنه أيضاً: أنْحَلْتَ جِسْمي السِّنُون إلى أن ... صِرتُ أخْفَى مِن نُقْطَةٍ في كتاب عَرَّقَتْ أَعْظُمِي فليس عليها ... بين جِلْدِي وبينها منْ حِجابِ من رآني يقولُ هذا قناةٌ ... كُسرتْ ثم جُمِّعَتْ في جرابِ لستُ أبكي تحتَ التُّرابِ دَفيناً بعدَ ما قد بَلِيْتُ فوق الترابِ يَتَناسَى الجَهُولُ غائِلَةَ الشَّيْ ... بِ زمانَ اغتراره بالشبابِ وله غير ذلك، وقد وقفت له على " ديوان " شعر، في مجلد لطيف. وبالجملة فقد كان من فضلاء دهره، ومحاسن عصره. رحمه الله تعالى. 892 - زيد بن محمد بن خيثمة بن محمد بن حاتم بن خيثمة ابن الحسن بن عوف التميمي، أبو سعد فقيه معروف. سمع من الخفاف، وطبقته. وهو من بيت العلم والقضاء. مات في شهر ربيع الأول، سنة خمس وأربعين وأربعمائة. رحمه الله تعالى. 893 - زيد بن نُعيم من أصحاب محمد بن الحسن، حدث عنه ببغداد. روى عنه أبو إسماعيل الفقيه محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن منصور. ذكره الخطيب البغدادي، ولم يؤرخ وفاته. 894 - زين بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد المشهور بابن نُجيم وهو اسم لبعض أجداده. كان إماماً، عالماً عاملاً، مؤلفاً مُصنفاً، ماله في زمنه نظيرٌ. واشتغل، ودأب، وحصل، وجمع، وتفرد، وتفنن، وأفتى، ودرس. وصار زين الإخوان، وإنسان عين الأوان، وساعده الحظ في حياته، وبعد مماته، ورزق السعادة في سائر مؤلفاته ومصنفاته، فما كتب ورقة إلا واجتهد الناسُ في تحصيلها بالمال والجاه، وسارت بها الركبان في سائر البلدان. وكانت ولادته في سنة ست وعشرين وتسعمائة. ووفاته في سنة سبعين وتسعمائة، نهار الأربعاء، سابع رجب الفرد، تغمده الله تعالى برحمته ورضوانه، وأسكنه فسيح جناته، بمنه وكرمه، ومزيد غُفرانه. وقد أخبرني أخوه الشيخ الفاضل عمر، الشهير كأخيه بابن نجيم، أن أخاه، صاحب الترجمة، أخذ عن جماعة من علماء الديار المصرية؛ منهم: الشيخ العلامة أمين الدين بن عبد العال الحنفي، والشيخ أبو الفيض، وشيخ الإسلام ابن الحلبي، وغيرهم. وأخذ العلوم العربية والعقلية عن جماعة كثيرة؛ منهم: الشيخ العلامة نور الدين الديلمي المالكي، وكان من عباد الله الصالحين، وعُلمائه العاملين، والشيخ العلامة شُقير المغربي، أحد تلامذة الإمام العلامة الرحلة الفهامة، عالم الربع المعمور، كما هو في أوصافه مشهور، الشيخ مغوش المغربي، وغيرهم ممن لم يحضرني اسمه، ولا أخبرني به أحد من الثقات. وله من التصانيف: " البحر الرائق، بشرح كنز الدقائق "، وهو أكبر مؤلفاته، وأكثرها نفعاً، لكن حصول المنية منعه من بلوغ الأمنية، فما أكمله، ولا بحلية التمام جمله، وقد وصل فيه إلى أثناء الدعاوى والبينات. و" شرح المنار "، في أصول الفقه. وله " الأشباه والنظائر " وهو كتاب رزق السعادة التامة بالقبول عند الخاص والعام، ضمنه كثيراً من القواعد الفقهية، والمسائل الدقيقة والأجوبة الجبلية، والذي يغلب على الظن أنه لا يخلو منه خزانة أحد قدر على تحصيله من العلماء بالديار الرومية. واختصر " تحرير الإمام ابن الهمام " في أصول الفقه، وسماه " لب الأصول ". وله رسائل كثيرة، في فنون عديدة، تزيد على أربعين رسالة.

وأما تعاليقه على هوامش الكتب وحواشيها، وكتابته على أسئلة المستفيدين، والأوراق التي سودها بالفوائد والأبحاث الرائقة في أكثر الفنون، ومات قبل أن يجمعها ويحررها ويخرجها إلى الوجود فشيءٌ لا يمكن حصره، ولا يوجد عند غالب عُلمائنا في هذا العصر عُشره، ولولا معاجلة الأجل، قبل بلوغ الأمل، لكان في الفقه وأصوله خصوصاً، وفي أكثر الفنون عموماً، أعجوبة الدهر، ونادرة العصر. وفي الجملة، كان من مفاخر الديار المصرية. رحمه الله تعالى.

§1/1