الضرورة الشعرية ومفهومها لدى النحويين دراسة على ألفية بن مالك

إبراهيم بن صالح الحندود

مقدمة

الضرورة الشعرية ومفهومها لدى النحويين دراسة تطبيقية على ألفية ابن مالك إعداد د. إبراهيم بن صالح الحندود رئيس قسم النحو والصرف وفقه اللغة كلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة حمداً لك اللهم لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد أفضل من أرسل إلى البشرية وخير من نطق بالعربية وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فإنه لم يبلغ قوم في الحفاظ على لغتهم، والحرص على نقائها، والتفاني في خدمتها ما بلغه المسلمون؛ إذ يسَّر الله - عز وجل - من هذه الأمة من نذر نفسه لخدمة هذه اللغة في شتى فروعها. وما كثرة المصنفات وتتابع ظهورها حتى اليوم - وما بعده - إن شاء الله تعالى - إلا دليل على ذلك. ولا غرو في هذا فهي لغة القرآن الكريم الذي تكفل الله بحفظه إلى يوم الدين {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} 1، {إناَّ نَحْنُ نَزَّلْنا الْذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} 2. وممَّا لقي عناية من علماء العربية لغة النثر والشعر من حيث اتفاقُهما أو اختلافهما في بناء الألفاظ وصياغة العبارات، وكذا الخضوع لقواعد اللغة، والنحو حسب طبيعة كلٍّ منهما. لقد كانت النظرة في بادئ الأمر إلى فنّيَ الشعر والنثر واحدة من حيث الخصائص التعبيرية في صياغة العبارة وبناء الألفاظ؛ بدليل اشتراكهما في شواهد اللغة والنحو، فلم يفرق علماء العربية بين شاهد المنثور وشاهد المنظوم

_ 1 الآية 28 من سورة الزمر. 2 الآية 9 من سورة الحجر.

في كتبهم، فترى الشاهد من القرآن الكريم جنباً إلى جنب مع الشاهد من الحديث النبوي، والشعر، والمأثور من أقوال البلغاء على الرغم من التفاوت الملحوظ في طريقة الصياغة أو الإعراب. وغاية ما في الأمر أنَّ هذا التغير عندهم يُعدُّ شذوذاً عن القاعدة قد يرقى إلى درجة الجواز إذا جاء في القرآن أو الحديث أو المقبول إذا جاء على لسان شاعر كبير ممن يستشهد بشعرهم1. وما عدا ذلك خطأٌ لا ذكر للضرورة فيه. وإن المتتبع لسيبويه - رحمه الله - ليلحظ أنه لم يصرِّح في كتابه بتعريف محدد للضرورة، بل إن لفظ "الضرورة" لم يجر له ذكر عنده على الإطلاق - على اتساع الكتاب - وإنما كان يكتفي بتعبير يؤدي إلى معناه دون التصريح بلفظه2. ودخلت الضرورة - فيما بعد - في ميادين البحث اللغويّ، والنقديّ على نطاق واسع. فدخلت ميدان اللغة؛ لأنها تضطر الشاعر إلى تغيير بناء اللفظ؛ زيادةً أو حذفاً أو خروجاً عن القياس، فتناول اللغويون ذلك بالبحث من خلال معاجم اللغة وأشاروا إلى هذه الضرائر. ودخلت ميدان النحو لكونها تدفع الشاعر إلى مخالفة القياس في بناء الجملة وفي عمل الأدوات وكذا التغيير في تركيب الجملة3 (من حيث التقديم والتأخير) . إن قضية الضرورة وما أثارته من اهتمام لدى العلماء تعتبر أحد الموضوعات التي استهوت عدداً غير قليل من الدارسين، وشغلت أذهان الكثير

_ 1 انظر: مقدمة كتاب ما يجوز للشاعر في الضرورة للقزاز 16. 2 انظر: الضرورة الشعرية في النحو العربي ص 132. 3 انظر: في الضرورة الشعرية ص 7.

من القدماء، والمحدثين وذلك للعلاقة المتينة بين اللغة والشعر؛ إذ إن الشعر من المصادر الرئيسة التي استمد منها العلماء قواعد اللغة وأصولها. ولكنهم وجدوا فيه بعض الألفاظ والتراكيب التي تشذ عن هذه الأصول التي استنبطوها منه ومن كلام العرب المحتج بكلامهم فدفعهم ذلك إلى التأمل والتماس العلل. ولأهمية هذا الموضوع واختلاف أقوال العلماء فيه رأيت أن أدلي دلوي فيه من خلال هذا البحث المقرون بتطبيق الضرورة على ألفية ابن مالك لكونها نظماً تسوغ فيه الضرائر من جهة، وما يعتقده صاحبُها من أن الضرورة (ما لا مندوحة للشاعر عنه بأن لم يمكنه الإتيان بعبارة أخرى) . ولا أزعم أني أوفيت البحث حقَّه، كما لا أدعي خلّوه من الخطأ والثغرات، ولكن حسبي أني اجتهدت وبذلت وسعي ما استطعت. فإن وفقت للصواب فلله الحمد والمنة على توفيقه، وإن أخطأت أو قصَّرت فأسأله هَدْيَه وتوفيقه. وفي الختام أتوجه بالشكر إلى الله عز وجل على أن وفقني لإتمام هذا البحث، وأسأله تعالى أن يجعل مابُذل فيه خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. د. إبراهيم بن صالح الحندود

تمهيد

تمهيد طبيعة الشعر وعلاقته بالضرورة ... التمهيد أولاً: طبيعة الشعر وعلاقته بالضرورة: الشعر كلام موزون بأفاعيلَ محصورة في عدد معيّن من الحروف، والحركات، والسكنات1، يستلزم بناؤه على هذه الصورة المقيَّدة بالوزن، والقافية أن يلجأ قائله - أحياناً - إلى الخروج عن القواعد الكلّيّة وارتكاب ما ليس منها؛ إمّا بزيادة اللفظ أو نقصانه أو تغيير في تركيب الجملة من تقديم وتأخير أو فصل بين متلازمين، وغير ذلك مما لا يُستجاز في الكلام مثله2؛ لأن الشاعر غير مختار في جميع أحواله فيفعل ذلك تلافياً لقصور اللفظ الذي يناسب المعنى الذي يريد مع الحفاظ على الوزن وسلامة القافية. على أنه لا يخرج عن القواعد المذكورة كيفما اتفق، وإنما يسلك طريقة لها وجه في العربية3. قال سيبويه (180هـ) : "وليس شيءٌ يضطرون إليه إلاّ وهم يحاولون به وجهاً"4 "فإن جهلنا ذلك فإنما جهلنا ما علمه غيرنا، أو يكون وصل إلى الأول ما لم يصل إلى الآخر"5.

_ 1 انظر: شرح ألفية ابن معطي 2/1380. 2 انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة 34، ضرائر الشعر لابن عصفور 13. 3 انظر: شرح ألفية ابن معطي 2/1380. 4 الكتاب 1/13. 5 شرح ألفية ابن معطي 2/1380.

كما ألحقوا الكلام المسجوع في ذلك بالشعر لكون السجع يجري في ذلك مجرى الشعر، بدليل قولهم: "شهر ثرى، وشهر ترى، وشهر مرعى"1 فحذفوا التنوين من "ثرى"، ومن "مرعى" إتباعاً لقولهم: "ترى"؛ لأنه فعل فلم ينوّن لذلك2. وقالوا: "الضِّيح والريح" فأبدلوا الحاءَ ياءً إتباعاً للريح، والأصل: الضِّحّ3. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ارجعن مأزورات غير مأجورات"4؛ بإبدال الواو ألفاً إتباعاً لمأجورات، والأصل: "موزورات"؛ لأنه من الوزر. وقد جاء مثل ذلك أيضاً في فواصل القرآن لتتفق. قال عز وجل: {فَأَضَلُّونا السَّبِيلا} 5، وقال سبحانه: {وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا} 6. فإن زيادة الألف في "السبيلا" و "الظنونا" بمنزلة زيادتها في الشعر على جهة الإطلاق7.

_ 1 أي شهور الربيع، أي يمطر أولاً ثم يظهر النبات فتراه، ثم يطول فترعاه الأنعام. انظر: مجمع الأمثال 1/370. 2 انظر: ضرائر الشعر لابن عصفور 13، 14، والارتشاف 3/268. 3 الضّحّ: ما برز للشمس، والريح: ما أصابته الريح، من قولهم: جاء فلان بالضِّحِّ والريح، أي جاء بما طلعت عليه الشمس وجرت عليه الريح. انظر: مجمع الأمثال 1/161. 4 أخرجه ابن ماجة في كتاب الجنائز (50) ، باب ما جاء في اتباع النساء الجنائز رقم 1578. 5 من الآية 67، من سورة الأحزاب. 6 من الآية 10، من سورة الأحزاب. 7 انظر: ضرائر الشعر لابن عصفور 14، الارتشاف 3/269.

وقد كان النحاة يقفون إزاء الأبيات المخالفة لمذاهبهم وأقيستهم فيعمدون إلى التأويل لإدخالها ضمن هذه الأقيسة، فأصبحت تلك الأبيات الخارجة عن القياس المألوف ميداناً رحباً لتأويلات النحاة وتعليلاتهم، فدخلت بسبب ذلك ضمن الخلاف النحوي؛ إذ كل طرف لا يتردد في إلقاء جملة مما احتج به الطرف الآخر في بحر الضرورة1. 1 انظر: في الضرورات الشعرية 7. 2 انظر: الضرورة الشعرية دراسة نقدية لغوية 191. 3 الأصول 3/435.

التأليف في الضرائر

ثانياً: التأليف في الضرائر: لسيبويه - رحمه الله - جهود في مجال الكتابة عن الضرورة - وإن كانت لفظة "الضرورة" غير مذكورة في كتابه كما سبق - إلاّ أن دراسته لهذه الظاهرة تفتقر إلى المنهجية المحددة القائمة على التقسيم، والتصنيف للمظاهر العامة للضرورة. وهذا لا يلغي سمة التبكير، والريادة في معالجة موضوع متشعب الأطراف. فما كتبه عن الضرورة يعدّ إضاءات موزعة ذات فوائد متفرقة، أفاد منها النحاة في هذا المجال1. ولعل أبا بكر بن السراج (316هـ) قد سبق في بداية القرن الرابع إلى تثبيت مبادئ التصنيف في الضرائر الشعرية بقوله: "ضرورات الشعر أن يضطر الوزن إلى حذف، أو زيادة، أو تقديم أو تأخير في غير موضعه، وإبدال حرف، أو تغيير إعراب عن وجهه على التأويل، أو تأنيث مذكر على التأويل"2. هذا النص يمكن عدُّه الأساس التاريخي الأول لحركة التأليف، والكتابة المنهجية عن الضرورة.

_ 1 انظر: الضرورة الشعرية دراسة نقدية لغوية 191. 2 الأصول 3/435.

أما المبكِّر إلى حصر تلك المظاهر حصراً علمياً فهو أبو سعيد السيرافي (368هـ) حيث يقول: "ضرورة الشعر على تسعة أوجه: الزيادة، والنقصان، والحذف، والتقديم، والتأخير، والإبدال، وتغيير وجه من الإعراب إلى وجهٍ آخر على طريق التشبيه، وتأنيث المذكر وتذكير المؤنث"1. وإنما يُعَدّ هذا النص لشارح "الكتاب" أصلاً لكل ما ورد في فصول النحاة من نصوص، وإشارات إلى أنواع هذه الظاهرة؛ لأن ابن السراج قد اقتصر على سبعة أقسام فقط ولم يشر إلى ما يقع في الشعر من تذكير المؤنث، إلا أن يكون هذا النقص سهواً من ناسخ كتاب "الأصول" أو محققه2. ويمكن اعتبار تذكير المؤنث الذي لم يذكره أبو بكر داخلاً ضمن الحذف الذي أشار إليه. أمَّا التطور في تصنيف الضرورات فقد سار - بعد أبي سعيد السيرافي - على مرحلتين: الأولى: الانتقال من التصنيف السباعي إلى التصنيف الخماسي، كما هو الشأن عند ابن عصفور (669هـ) في "ضرائر الشعر"، و "شرح الجمل"، و "المقرب" وأبي الفضل الصفار القاسم بن علي البَطَلْيوسي (بعد 630هـ) في "شرح كتاب سيبويه". وجرى على هذا أبو حيان (745هـ) ، في "ارتشاف الضرب". ويتمثل هذا التقسيم في: الزيادة، والنقص، والتقديم والتأخير، والبدل. الثانية: الانتقال من التصنيف الخماسي المذكور إلى تصنيف آخر ثلاثي يتمثل في الزيادة، والحذف، والتغيير3. وقد بنى الآثاري4 (828هـ)

_ 1 ما يحتمل الشعر من الضرورة 34، 35. 2 انظر: الضرورة الشعرية دراسة نقدية لغوية 192. 3 انظر: الضرورة الشعرية. دراسة نقدية لغوية 193. 4 أبو سعيد زين الدين شعبان بن محمد الآثاري. ولد في الموصل سنة 765هـ، وتوفي بمصر. (الضوء اللامع 3/301 - 303، شذرات الذهب 7/184، الأعلام 3/164) .

سرده للضرورات في منظومته "كفاية الغلام في إعراب الكلام"1 فقال: ضرورة الشاعر تمحو ما وجبْ ... على الذي يتبع أوزان العربْ وهي ثلاث فاغنم الإفادة ... الحذف والتغيير والزيادة كما أقام على هذا التقسيم أبو المعالي محمود شكري الآلوسي (1342هـ) ترتيب الضرورات في كتابه "الضرائر"، وجرى على هذا جمعٌ غير قليل من العروضيين المعاصرين وغيرهم مفيدين من التصنيفات المذكورة السابقة مع اختلاف يسير2. فللدكتور عبد الوهاب العدواني كتاب بعنوان "الضرورة الشعرية. دراسة نقدية لغوية"، وللدكتور محمد حماسة عبد اللطيف مصنَّفٌ بعنوان "الضرورة الشعرية في النحو العربي"، كما صنَّف الدكتور خليل بنيان الحسون مصنفاً بعنوان " في الضرورة الشعرية". على أن أول كتاب يصل إلينا يستقل ببحث الضرورة هو كتاب "ما يجوز للشاعر في الضرورة" لأبي جعفر القزاز3 (412هـ) 4.

_ 1 ص14. 2 انظر: الضرورة الشعرية. دارسة نقدية لغوية 194. 3 محمد بن جعفر التميمي القزاز القيرواني. ولد بالقيروان وتوفي بها. يغلب عليه علم النحو واللغة. من مصنفاته: كتاب "الجامع" في اللغة. (معجم الأدباء 17/105 - 109، وفيات الأعيان 4/374 – 376) . 4 انظر: الضرورة الشعرية في النحو العربي 130.

مفهوم الضرورة لدى النحويين

الفصل الأول: مفهوم الضرورة لدى النحويين أولاً: رأي سيبويه وابن مالك: لم يصرّح سيبويه بتعريف محدد للضرورة، وإنما كان يكتفي ببعض العبارات التي فهم منها بعض شرّاح "الكتاب" ودارسيه مفهوم الضرورة عنده من خلال تناوله لبعض المسائل، وبخاصة الباب الذي عقده في أول الكتاب بعنوان "ما يحتمل الشعر"1. فمن خلال بعض النصوص حدّد العلماء رأي سيبويه في "الضرورة" وهو أنه يجوز للشاعر ما لا يجوز له في الكلام بشرط أن يضطر إلى ذلك، ولا يجد منه بداً، وأن يكون في ذلك ردُّ فرع إلى أصل، أو تشبيه غير جائز بجائز2. قال سيبويه - عند قول أبي النجم العجلي -: قد أصبحتْ أمُّ الخيارِ تدَّعي ... عليَّ ذنباً كلُّه لم أصنعِ3

_ 1 انظر: الضرورة الشعرية في النحو العربي 132. 2 انظر: شرح الجمل 2/549، الارتشاف 3/268، الضرورة الشعرية في النحو العربي 134. 3 من "الرجز". وقال بعض المحققين: بهذه الرواية - أي رفع "كل" يتم المعنى الصحيح؛ لأنه أراد التبرؤ من الذنب كله، ولو نصب لكان ظاهر قوله: إنه صنع بعضه. وأمُّ الخيار: زوجته. الديوان 132، الكتاب 1/69، الخصائص 1/292، 3/61، شرح المفصل 2/30، 6/90.

"هذا ضعيف، وهو بمنزلته في غير الشعر؛ لأن النصب لا يكسر البيت ولا يخل به ترك إظهار الهاء"1. ولا يبعد مفهوم ابن مالك (ت 672هـ) للضرورة عن مفهوم سيبويه المتقدم وهو أن الضرورة: ما لا مندوحة للشاعر عنه بحيث لا يمكن الاتيان بعبارة أخرى. صرَّح بهذا في شرح التسهيل وشرح الكافية الشافية. فوصل "أل" بالمضارع - على سبيل المثال - جائز عنده اختياراً لكنه قليل، فذكر أن قول الفرزدق: ما أنتَ بالحكمِ التُرضى حكومته ... ولا الأصيلِ ولا ذي الرأي والجدلِ2 وقول ذو الخِرَق الطهوي 3: يقول الخنا وأبغض العجم ناطقاً ... إلى ربنا صوت الحمار اليجدعُ4

_ 1 الكتاب 1/44. 2 البيت من "البسيط" من أبيات قالها في هجاء رجل من بني عذرة كان قد فضل جريراً عليه. والحكم: الذي يحكّمه الخصمان ليفصل بينهما. والأصيل: الحسيب. والجدل: شدة الخصومة والقدرة على غلبة الخصم. والبيت في: الإنصاف 2/521، المقرب 1/60، شرح شذور الذهب 16، تخليص الشواهد 154، شرح ابن عقيل 1/157، التصريح 1/38، 142، الخزانة 1/32، الدرر 1/274. 3 اسمه خليفة بن حمل بن عامر بن حنظلة. شاعر جاهلي. (المؤتلف والمختلف 109، الخزانة 1/44) . 4 من "الطويل". الخنا: الفاحش من الكلام. والعجم: جمع أعجم أو عجماء وهو الحيوان؛ لأنه لا ينطق. اليُجدَّع: هو الذي قطعت أذناه؛ فإن صوت الحمار حالة تقطع أذنه أكثر وأقبح، لما يقاسيه من الألم. انظر: نوادر أبي زيد 276، أمالي السهيلي 21، المقاصد النحوية 1/467، الهمع 1/294، الخزانة 1/31، 34، 35، 5/482، الدرر 1/275.

غيرُ مخصوص بالضرورة؛ لتمكن قائل الأول من أن يقول: "ما أنت بالحكم المرضي حكومته" ولتمكن الآخر من أن يقول: "إلى ربنا صوت الحمار يُجدعُ" فإذ لم يفعلا ذلك مع استطاعته ففي ذلك إشعار بالاختيار وعدم الاضطرار1. وهذا الاتجاه في فهم الضرورة قد نُسب إلى ابن مالك وشُهر به، حتى إن كثيراً ممن خالف هذا المنهج وجّه نقده إلى ابن مالك وحده ولم يتعرّض لسيبويه2، كقول أبي حيان: "لم يفهم ابن مالك معنى قول النحويين في ضرورة الشعر ... " إلخ 3. وإن المتأمل ليستوقفه النظر حيال قبول الناس لهذا الرأي في فهم الضرورة؛ إذ لم يجد كثرة من الأنصار له على الرغم من أن أشهر الذين قالوا به هما سيبويه وابن مالك، والأول كان يعيش في عصر الاستشهاد ويستقي شواهده من المصادر الحية أو ممن سمعها من المصادر الحية، والآخر يعد أمَّة لا في الاطلاع على كتب النحاة وآرائهم فحسب، بل أيضاً في اللغة وأشعار العرب بله القراءات ورواية الحديث النبوي4.

_ 1 انظر: شرح التسهيل 1/202، وانظر كذلك: 1/367، وشرح الكافية الشافية 1/300. 2 انظر: الضرورة الشعرية في النحو العربي 137. 3 التذييل والتكميل ج (1) لوحة 167. 4 انظر: المدارس النحوية لشوقي ضيف 309، 310، وانظر: الضرورة الشعرية في النحو العربي 137.

(ومعنى هذا أنّ رأي هذين الإمامين لما امتازا به من سعة رواية ونفاذ رأي ينبغي أن يكون له وزنه في دراسة اللغة؛ لأنه نابع من فهم لخصائصها أصيل وحسّ بها غير مدخول) 1. لكن هذا الرأي قد تعرَّض لنقد شديد من المتأخرين كأبي إسحاق الشاطبي (790هـ) ، وأبي حيان، وابن هشام (761هـ) ، والشيخ خالد الأزهري (905هـ) ، وعبد القادر البغدادي (ت1093هـ) . وملخص رد الشاطبي على ابن مالك يتمثل في الآتي: أولاً: أن النحاة قد أجمعوا على عدم اعتبار هذا المنزع، وعلى إهماله في النظر القياسي جملة، ولو كان معتبراً لنبهوا عليه. ثانياً: أن الضرورة لا تعني عند النحويين أنه لا يمكن في الموضع غير ما ذكر؛ لأنه ما من ضرورة إلا ويمكن أن يعوض من لفظها غيره، دليل ذلك الراء في كلام العرب، فإنها من الشياع في الاستعمال بمكان لا يُجهل، ولا يكاد ينطق أحد بجملتين تعريان عنها. وقد هجرها واصل بن عطاء2 (131هـ) لمكان لثغته فيها، بل كان يناظر الخصوم ويخطب على المنبر فلا يُسمع في نطقه راءٌ، حتى صار مثلاً. وإن الضرورة الشعرية لهي أسهلُ من هذا بكثير، وإذا كان الأمر هكذا أدى إلى انتفاء الضرورة في الشعر وذلك خلاف الإجماع، وإنما معنى الضرورة أن الشاعر قد لا يخطر بباله إلا لفظة ما اقتضت ضرورة النطق بها في ذلك

_ 1 الضرورة الشعرية في النحو العربي 137، 138. 2 أبو حذيفة واصل بن عطاء الغزّال. رأس المعتزلة. ولد بالمدينة سنة 80هـ، ونشأ بالبصرة. (أمالي المرتضى 1/163 - 165، وفيات الأعيان 6/7-11، النجوم الزاهرة 1/313، 314) .

الموضع زيادة أو نقص أو غير ذلك، في الوقت الذي قد يتنبه غيره إلى أن يحتال في شيءٍ يزيل تلك الضرورة. ثالثاً: أنه قد يكون للمعنى الواحد أكثر من عبارة بحيث يلزم في إحداها ضرورة ولكنها هي المطابقة لمقتضى الحال، وهنا يرجع الشاعر إلى الضرورة؛ لأن اعتناء العرب بالمعاني أشد من اعتنائهم بالألفاظ. وإذا تبيَّن في موضع ما أن ما لا ضرورة فيه يصلح هنالك، فمن أية جهة يعلم أنه مطابق لمقتضى الحال؟ رابعاً: أن العرب قد تأبى الكلام القياسي لعارض زحاف فتستطيب المزاحف دون غيره أو بالعكس فتركب الضرورة لذلك1. ومن أقوال ابن هشام في الرد على ابن مالك قوله: "إذا فُتح هذا الباب - يعني زعم القدرة على تغيير بنية الشعر وألفاظه - لم يبق في الوجود ضرورة، وإنما الضرورة عبارة عما أتى في الشعر على خلاف ما عليه النثر"2. ومن أقواله أيضاً: إن كثيراً من أشعار العرب يقع عن غير روية، وهو مما يدعو إلى عدم التمكن من تخيّر الوجه الذي لا ضرورة فيه. كما أن الشعر لمّا كان مظنة للضرورة استُبيح فيه ما لم يُضطرّ إليه، كما أُبيح قصر الصلاة في السفر؛ لأنه مظنة المشقة مع انتفائها أحياناً والرخصة باقية3. هذا الكلام قاله ابن هشام في رده على ابن مالك إذ زعم أن إيراد الضمير المتصل بعد "إلاَّ" في قول الشاعر4:

_ 1 انظر: شرح الألفية للشاطبي ج2 لوح 57. 2 تخليص الشواهد 82. 3 انظر: المصدر السابق 83. 4 لم أجد من سمَّاه.

وما نبالي إذا ما كنتِ جارتَنا ... ألاّ يجاورنا إلاَّكِ ديارُ1 ليس ضرورة، لتمكن قائله من أن يقول: "ألا يكون لنا خلٌّ ولا جارُ" 2 ثم إن الشاعر قد يتاح له في حرارة التجربة الشعرية غير عبارة عن الفكرة الواحدة، لكنه لا يختار من الألفاظ إلا ما يأنس فيه الملاءمة التامة للمعنى الذي ينشده وإن ساوره قلق فني في دقة لغته، وقدرتها على التعبير عنه. فإذا ثبت هذا وأنه هو واقع الشعر اللغوي فإن التفكير بنفي الضرورة، ومحاولة استبدالها بما لا ضرورة فيه أمرٌ من الصعوبة بمكان على الشاعر، ناهيك عن الناقد اللغوي، والنحوي وذلك لتفاوت القدرات على تخيّل الألفاظ، واستحضارها من المعاجم الذهنية المختلفة في سعتها، وتنوعها، وصفائها3. وقد حاول بعض المحدثين4 الاعتذار لابن مالك بأنه كان يعمل ثقافته، وفكره حين بيّن رأيه في الضرورة الشعرية. فكان يضع في اعتباره لهجات العرب المتباينة، والقراءات القرآنية، والحديث النبوي الشريف بحيث إذا ورد فيها شيء قال النحاة عن نظيره في الشعر إنه ضرورة لم يعدّه هو كذلك، بل

_ 1 البيت من "البسيط". يقال: ما بها ديَّار، أي ما بها أحد. والشاهد في قوله: " إلاَّك " حيث أوقع الضمير المتصل بعد "إلاَّ" للضرورة الشعرية، والقياس: إلا إياك والبيت في: الخصائص 1/307، 2/195، المفصل 129، أمالي ابن الحاجب 2/105، المغني 577، التصريح 1/98، 192، شرح الأشموني 1/109، الدرر 1/176. 2 انظر: شرح التسهيل 2/276. 3 الضرورة الشعرية. دراسة لغوية نقدية 147 (بتصرف) . 4 هو الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف في كتابه: الضرورة الشعرية في النحو العربي ص141.

يرجع كل ظاهرة إلى أصلها، وأحياناً ينصّ على أنه لهجة قبيلة معينة وضرورة عند غيرهم. فنراه - مثلاً - يقول عن تسكين هاء الغائب واختلاس حركتها: "وقد تسكن أو تختلس الحركة بعد متحرك عند بني عُقَيل، وبني كلاب اختياراً، وعند غيرهم اضطراراً"1. وقد ذكر في كتاب "التسهيل" جملة من المسائل يعدّها بعضهم ضرورة ولا يراها هو كذلك كحذف نون الوقاية من "ليس"، و "ليت"، و "عن"، و "قد"، و "قط"2، وزيادة "ال" في العلم، والتمييز، والحال3، وإسكان عين "مع"4، والفصل بينها وبين تمييزها5، وتأكيد المضارع المثبت6، ومجيء الشرط مضارعاً، والجواب ماضياً7، وإجراء الوصل مجرى الوقف8. وفي بعض كتبه الأخرى يشير إلى أن بعض الظواهر تكثر في الشعر دون النثر9. (ولعله في هذا متأثر بسيبويه. وهذا يشعر بأنهما يدركان أن للشعر نظاماً خاصاً به في صرفه، ونحوه ينبغي أن يدرس وحده منفصلاً عن النثر، ولكن النظرة السائدة إلى وحدة اللغة جعلت هذه الملاحظة تقف عند حدّ الإدراك الذي لم يؤيده التنفيذ العملي) 10.

_ 1 التسهيل 24. 2 انظر: المصدر السابق 25. 3 انظر: التسهيل 42. 4 انظر: المصدر السابق 98. 5 انظر: المصدر السابق 124. 6 انظر: المصدر السابق 216. 7 انظر: المصدر السابق 240. 8 انظر: المصدر السابق 331. 9 الضرورة الشعرية في النحو العربي 141، 142 (بتصرف) . 10 المصدر السابق 142.

ثانيا: رأي ابن جني والجمهور

ثانياً: رأي ابن جني والجمهور: يرى أبو الفتح عثمان بن جني (392هـ) وكثير من النحويين أن الضرورة ما وقع في الشعر سواء كان للشاعر عنه مندوحة أم لا؟ ولم يشترطوا في الضرورة أن يضطر الشاعر إلى ذلك في شعره، بل جوّزوا له في الشعر ما لم يجز في الكلام؛ لأنه موضع قد أُلفت فيه الضرائر. دليل ذلك قول الشاعر1: كم بجودٍ مقرفٍ نال العلا ... وكريمٍ بخله قد وضَعَهْ 2 -في رواية من خفض "مقرف"، حيث فصل بين "كم" وما أضيفت إليه بالجار والمجرور، وذلك لا يجوز إلا في الشعر، ولم يضطر إلى ذلك إذ يزول الفصل بينهما برفع "مقرف" أو نصبه3. ومما استدل به صاحب هذا المذهب - أيضاً - قول الآخر4: فلا مزنةٌ ودقت ودقَها-ولا أرضَ أبقلَ إبقالَها 5

_ 1 هو أنس بن زُنَيْم. شاعر صحابي. عاش إلى أيام عبيد الله بن زياد. (المؤتلف والمختلف 55، الإصابة 1/81، 82، الخزانة 6/473) . 2 البيت من "الرمل" من قصيدة قالها الشاعر لعبيد الله بن زياد بن سميّة. المقرف: النذل اللئيم الأب. ومعنى البيت: إن الجود قد يرفع اللئيم بينما كريم الأب قد يتضع بسبب بخله. والبيت في: الكتاب 1/296، المقتضب 3/61، الأصول 1/320، الإنصاف 1/303، شرح المفصل 4/132، شرح شواهد الشافية 53، الدرر 4/49، 6/204. 3 انظر: ضرائر الشعر لابن عصفور 13. 4 هو عامر بن جُوَيْن الطائي. شاعر، فارس، من أشراف طيّىء في الجاهلية. (رغبة الآمل 6/235، الأزمنة والأمكنة 2/170، الخزانة 1/53) . 5 البيت من " المتقارب " في وصف أرض مخصبة بما نزل بها من الغيث. المزنة: هي السحابة المثقلة بالماء، والودق: المطر. وقوله: أبقلت إبقالها: أي نبت بقلها. =انظر البيت في: الكتاب1/240، الخصائص 2/411، المغني 860، 879، أوضح المسالك 2/108، المقاصد النحوية 2/464، التصريح 1/278، الخزانة 1/45، 49،50.

ألا ترى أنه حذف التاء من أبقلت، وقد كان يمكنه أن يثبت التاء وينقل حركة الهمزة فيقول: أبقلت ابقالها1. قال ابن جني في قول الشاعر2: فزججتها بمزجة ... زجَّ القلوصَ أبي مزاده 3 - (فصل بينهما بالمفعول به) ، هذا مع قدرته على أن يقول: زجّ القلوص أبو مزاده كقولك: سرَّني أكلُ الخبز زيدٌ ... فارتكب هاهنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها4.

_ 1 انظر: شرح الجمل 2/550. 2 لم أقف على اسمه. 3 قال البغدادي: "يقال: زججته زجًّا: إذا طعنته بالزُّجّ - بضم الزاي - وهي الحديدة في أسفل الرمح. وزج القلوص: مفعول مطلق، أي زجاً مثل زج. والقَلوص - بفتح القاف - الناقة الشابة. وأبو مزادة: كنية رجل". وقول العيني: الأظهر أن الضمير في زججتها يرجع إلى المرأة؛ لأنه يخبر أنه زج امرأته بالمزجة كما زج أبو مزادة القلوص كلامٌ يُحتاج في تصديقه إلى وحي، وقد انعكس عليه الضبط في "مزجَّة" فقال: هي بكسر الميم، والناس يلحنون فيها فيفتحون ميمها " الخزانة 4/415. والبيت في: معاني القرآن 1/358، 2/81، وفيه "متمكناً" بدل: "بمزجة"، مجالس ثعلب 1/125، الخصائص 2/406، الإنصاف 2/427، المقاصد النحوية 3/468. 4 الخصائص 2/406.

وإلى هذا المذهب ذهب كل من الأعلم الشنتمري (476هـ) ، والرضي1 (686هـ) ، وأبو حيان، وابن هشام2، والبغدادي، والشيخ محمد الأزهري المعروف بـ "الأمير" (1232هـ) . قال الأعلم: "والشعر موضع ضرورة يحتمل فيه وضع الشيء في غير موضعه دون إحراز فائدة ولا تحصيل معنى وتحصينه، فكيف مع وجود ذلك"3؟ وقال أبو حيان - في التذييل والتكميل -: "لا يعني النحويون بالضرورة أنه لا مندوحة عن النطق بهذا اللفظ، وإلا كان لا توجد ضرورة؛ لأنه ما من لفظ أو ضرورة إلا ويمكن إزالتها ونظم تركيب آخر غير ذلك التركيب، وإنما يعنون بالضرورة أن ذلك من تراكيبهم الواقعة في الشعر المختصة به، ولا يقع ذلك في كلامهم النثريّ، وإنما يستعملون ذلك في الشعر خاصة دون الكلام"4. أما البغدادي فيقول عن الضرورة: "والصحيح تفسيرها بما وقع في الشعر دون النثر سواء كان عنه مندوحة أوْ لا"5. وخالف الأمير قول ابن مالك بحجة أنه - كما يقول -: "يسد باب الضرورة، فإن الشعراء أمراء الكلام قل أن يعجزهم شيء. على أنه لا يلزم الشاعر وقت الشعر استحضار تراكيب مختلفة"6. وما احتج به أصحاب هذا الرأي لم يسلم من المعارضة من قبل أنصار الرأي الأول كاعتراضهم على الاحتجاج بقول الشاعر:

_ 1 انظر: الخزانة 1/33. 2 انظر: تخليص الشواهد 82. 3 تحصيل عين الذهب 86. 4 التذييل والتكميل ج2 لوحة 37. وانظر: الهمع 5/332. 5 الخزانة 1/31. 6 حاشية الأمير على المغني 1/48.

بأنه يحتمل أن يكون الذي اضطره إلى حذف التاء أنه ليس من لغته النقل، فلو قال: أبقلت ابقالها من غير نقل على لغته لم يصل للوزن1. ولعل أهم ثمرة للخلاف بين الجمهور من جهة، وسيبويه وابن مالك من جهة أخرى؛ أن الضرورة واسعة المدلول حسب رأي الجمهور؛ فهي تشتمل كل ما ورد في الشعر، أو كَثُر فيه سواء أكانت له نظائر في النثر أم لا. فكثرت أنواع الضرائر نتيجة لهذا؛ لأنهم لا يريدون تمزيق القاعدة، أو الإكثار من القواعد فاستندوا إلى هذا الحكم (الضرورة في كل بيت يخالف القاعدة. وأما على رأي سيبويه، وابن مالك فإن ما يجد الشاعر عنه بدلاً لا يعدُّ ضرورة، بل نوع من التغيير يجوز في الشعر والنثر على حد سواء) 2.

_ 1 انظر: شرح الجمل 2/550. 2 انظر: الضرورة الشعرية في النحو العربي 152، 153.

ثالثا: رأي أبي الحسن الأخفش

ثالثاً: رأي أبي الحسن الأخفش: يرى أبو الحسن الأخفش (215هـ) أن الشاعر يجوز له في كلامه وشعره ما لا يجوز لغيره في كلامه؛ لأن لسانه قد اعتاد الضرائر، فكثيراً ما يقول: جاء هذا على لغة الشعر، أو يحمل على ذلك قوله تعالى: {قَوارِيراً مِنْ فِضَّةٍ} 1في قراءة من قرأ2 بصرف "قوارير"3.

_ 1 من الآية 16 من سورة الإنسان. 2 قرأ أبو جعفر ونافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم: (قواريراً. قواريراً مِنْ فِضَّةٍ (بالتنوين فيهما في الوصل. ووقفوا عليهما بالألف. (السبعة 663، المبسوط 454، النشر 2/395) . قال ابن عصفور: (وهذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون التنوين في قوله: " قواريراً" بدلاً من حرف الإطلاق، فكأنه في الأصل " قواريرا" وحرف الإطلاق يكون في الشعر وفي الكلام المسجوع إجراءً له مجرى الشعر، فأجريت رؤوس الآي مجرى الكلام المسجوع في لحاق حرف الإطلاق فيكون مثل قوله تعالى: {وتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا} ، و {فَأَضَلُّونا السَّبِيلا} . شرح الجمل 2/550. 3 انظر: شرح الجمل 2/550.

وقال تعالى: {وتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا} 1، و {فَأَضَلُّونا السَّبِيلا} 2 بزيادة الألف لتتفق الفواصل، كزيادة الألف في الشعر للإطلاق3. وهذا الاتجاه في الرأي يقلل من وجود ما يسمى بالضرورة من قبل أنه يبيح للشاعر في كلامه المعتاد ما لا يباح لغيره إلا في الاضطرار لاعتياد لسانه الضرائر على حدِّ تعبيره4. ويعترف أبو الحسن من جانب آخر بتأثير هؤلاء الشعراء في غيرهم بوصفهم طبقة ذات مكانة اجتماعية تقلدها العامة وتقتدي بها وبذلك تشيع الظاهرة في الشعر، والنثر على السواء، وعليه فلا محل إذن للقول بأنها ضرورة5.

_ 1 من الآية 10 من سورة الأحزاب. 2 من الآية 67 من سورة الأحزاب. 3 انظر: معاني القرآن 1/241، 2/660، والارتشاف 3/378. 4 انظر: الضرورة الشعرية في النحو العربي 155. 5 انظر: المصدر السابق 155.

رابعا: رأي ابن فارس

رابعاً: رأي ابن فارس: يختلف موقف أحمد بن فارس (395هـ) من ضرائر الشعر عن موقف النحويين جميعهم؛ إذ لا يكاد يعترف بما يسميه النحاة ضرورة، فيتعيّن على الشاعر أن يقول بما له وجه في العربية، ولا ضرورة فيه حينئذٍ. فإن لم يك ثمت وجه منها رُدَّ وسمّي باسمه الحقيقي وهو الغلط أو الخطأ، ولا داعي للتكلف واصطناع الحيل للتخريج1. قال في كتابه الصاحبي: "وما جعل الله الشعراء معصومين يُوَقُّون الخطأ والغلط، فما صحَّ من شعرهم فمقبول، وما أبته العربية، وأصولها فمردود"2.

_ 1 انظر: المصدر السابق 157. 2 الصاحبي 469.

وقد ألف ابن فارس مصنفاً لهذا الغرض سمَّاه "ذمُّ الخطأ في الشعر" ولخَّص فيه موقفه من الضرورة الشعرية. ومن جملة ما قاله: "إنَّ ناساً من قدماء الشعراء ومن بعدهم أصابوا في أكثر ما نظموه من شعرهم وأخطأوا في اليسير من ذلك، فجعل ناس من أهل العربية يوجهون لخطأ الشعراء وجوهاً، ويتمحلون لذلك تأويلات حتى صنعوا فيما ذكرنا أبواباً، وصنفوا في ضرورات الشعر كتباً"1. ويرى أنه لا فرق بين الشاعر، والخطيب، والكاتب، فالشعراء يخطئون كما يخطىء سائر الناس، ويغلطون كما يغلطون، ولا يعدو أن يكون ما ذكره النحويون في إجازة ذلك والاحتجاج له ضرباً من التكلف2. ويعرّض ابن فارس بما استشهد به سيبويه3 من قول الشاعر4: فلست بآتيه ولا استطيعه ... ولاكِ اسقني إن كان ماؤك ذا فضلِ5 فيتساءل: لم لا يجوز لواحد منا - إذن - أن يقول للآخر: لست أقصدك ولاك اقصدني أنت6؟

_ 1 ذم الخطأ في الشعر 17، 18. 2 انظر: المصدر السابق 23. 3 انظر: الكتاب 1/9. 4 هو النجاشي الحارثي قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب. يكنى أبا الحرث وأبا محاسن. كان فاسقاً رقيق الإسلام. (الشعر والشعراء 1/329 - 333، الإصابة 3/551، 552) . 5 البيت من "الطويل" من كلمة قالها الشاعر في وصف ذئب حين استضافه للطعام والشراب فقبل الذئب الشراب إن كان فاضلاً عن الحاجة، واعتذر عن عدم قبوله الطعام. انظر: المعاني الكبير 1/207، سر الصناعة 2/440، المنصف 2/229، الأزهية 296، أمالي المرتضى 2/211، الإنصاف 2/684، المغني 384، الخزانة 5/265، 10/418، 419. 6 انظر: ذم الخطأ في الشعر 21.

ولكن الملاحظ أن ابن فارس في كتابه "الصاحبي" على الرغم من إعادته، وتكريره بعض ما قاله في "ذم الخطأ في الشعر" - يبدو أكثر رفقاً وأقل حدة في موقفه من الضرورة فهو قد أكّد عدم عصمة الشعراء من الخطأ1. ولكنه لم ينكر الضرورة على الإطلاق، فما عدّه النحاة ضرورة قسّمه ابن فارس في هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام2: الأول: ما يباح للشعراء دون غيرهم كقصر الممدود، والتقديم، والتأخير، والاختلاس، والاستعارة. فأما اللحن في الإعراب أو إزالة كلمة عن نهج الصواب فليس لهم ذلك3. الثاني: ما يُعدُّ من خصائص العربية، ومظهراً من مظاهر الافتنان فيها، ويسميه ابن فارس بأسماء مختلفة كالبسط، والقبض، والإضمار. ولعله في مثل هذا ينظر إلى اللهجات المختلفة. وهذا ما دعاه إلى عدم القول بأنها ضرورة أو من خصائص الشعر. كقول الشاعر4: محمد تفد نفسك كل نفس-إذا ما خفت من أمرٍ تَبالا5 وهذا مما يعدّه النحاة ضرورة.

_ 1 انظر: الصاحبي 469. 2 انظر: الضرورة الشعرية في النحو العربي 158-162. 3 انظر: الصاحبي 469. 4 اختُلف في قائله؛ إذ نسبه الرضي إلى حسان بن ثابت، ونسبه ابن هشام في شرح شذور الذهب 211 إلى أبي طالب، كما نُسب إلى الأعشى. ولم أجده في دواوين الثلاثة. 5 البيت من " الوافر ". والتبال: الإهلاك، وأصله: الوبال - بالواو - فأبدلت الواو تاءً. والمعنى: إذا خفت وبال أمرٍ أعددت له. والبيت في: الكتاب 1/408، المقتضب 2/132، اللامات 96، أسرار العربية 319، أمالي ابن الشجري 2/150، 151، شرح المفصل 7/60، 9/24، شرح التسهيل 4/60.

الثالث: ما يُعدَّ خطأ وغلطاً عنده، كقول الشاعر1: ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبونُ بني زيادِ2 والراجح عندي هو ما ذهب إليه جمهور النحويين من أن الضرورة ما وقع في الشعر سواء أكان للشاعر عنه مندوحة أم لا؛ لأن الشعر كلام موزون بأفاعيل محصورة يستلزم بناؤه على هذه الصورة المقيدة بالوزن، والقافية، أن يلجأ قائله أحياناً إلى الضرورة. صحيح أنه ما من ضرورة إلا ويمكن أن يعوض من لفظها غيره لكن الشاعر غير مختار في أموره كلها، فقد لا يخطر بباله في ذلك الموضع إلا هذه اللفظة المؤدية إلى الضرورة. وكثير من أشعار العرب يقع في غير روية، وهو مما يدعو إلى عدم التمكن من تخير الوجه الذي لا ضرورة فيه، ولا يلزم الشاعر - وقت الإنشاد - استحضار التراكيب المختلفة ليوازن بينها ويختار منها ما خلا من الضرورة ويبتعد عما سواه.

_ 1 هو قيس بن زهير العبسى. كان سيد قومه ويلقب بـ"قيس الرأي " لجودة رأيه. وهو صاحب "داحس" وهي فرسه. راهن حذيفة بن بدر الفزاري فصار آخر أمرهما إلى القتال والحرب. (معجم الشعراء 322، الكامل لابن الأثير 1/336، 337) . 2 البيت من "الوافر" من قصيدة قالها الشاعر فيما كان قد شجر بينه وبين الربيع بن زياد العبسي من أجل درع أخذها الربيع من قيس فأغار قيس على إبل الربيع وباعها في مكة. الأنباء: الأخبار. وتنمي بمعنى تبلغ. واللبون من الشاء والإبل: ذات اللبن. والمراد بزياد هو زياد بن سفيان بن عبد الله العبسي. ويروى البيت: "ألا هل اتاك" مكان "ألم يأتيك" ولا شاهد فيه على هذه الرواية. والبيت في: الكتاب 2/59، معاني القرآن 1/161، أمالي ابن الشجري 1/126، 127، 328، الإنصاف 1/30، المقرب 1/50، 203، ضرائر الشعر 45، شرح شواهد الشافية 408.

الضرورة لا تنحصر بعدد معيّن: لعل أقرب تعريف يمكن إطلاقه على الضرورة الشعرية هو: الخروج على القواعد النحوية، والصرفية؛ لإقامة الوزن وتسوية القافية1. والضرورة بابها الشعر، وشعر العرب لم يحط بجميعه كما روي عن أبي عمرو بن العلاء (154هـ) أنه قال: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلاَّ أقله، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير2. وإذا كان الأمر هكذا فإنه لا يمكن حصر الضرائر بعدد دون آخر، فلا يلتفت إلى من حصر الضرائر في عشرٍ ولا مائة3. والشاعر غير مقيّد بحدود ما يجده لدى الشعراء الآخرين من ضرورات فيزيد في المواضع التي زادوا فيها ويحذف حيث حذفوا، أو يغيّر على نحو ما غيروا، فقد يعترض في بعض نظمه الكثير مما لا يجد له نظيراً عند غير4. ومما ساعد على وجود الضرائر وكثرتها اختلافُ نظرة العلماء إلى مصادر الاستشهاد، ومواقفهم المختلفة منها. واختلفت نظرتهم كذلك إلى مدلول الضرورة الشعرية ذاتها فسلكوا في فهمهم لها وجهات متباينة فصارت الظاهرة الواحدة ضرورة شعرية على رأي في حين أنها لا تُعدُّ كذلك في رأي مغاير5. الضرورة تنقسم إلى حسنة وقبيحة: الحكم النحوي ينقسم إلى رخصة وغيرها، والرخصة هاهنا ما جاز للشاعر استعماله للضرورة التي تتفاوت حسناً وقبحاً. فالضرورة المستحسنة هي التي لا

_ 1 انظر: الضرورة الشعرية في النحو العربي 13. 2 انظر: الضرائر للآلوسي 24. 3 انظر: المصدر السابق 24، 25. 4 انظر: في الضرورات الشعرية 14. 5 انظر: الضرورة الشعرية في النحو العربي 128.

تستهجن ولا تستوحش منها النفس، كتسكين العين في جمع فَعْلَة بالألف والتاء حيث يجب الإتباع، كقول الشاعر1: علَّ صروفَ الدهرِ أو دُولاتِها يُدِلْننا اللمة مِنْ لماتِها فتستريحَ النفسُ من زَفْراتِها2 وهذا من أسهل الضرورات. ومن الضرائر المستحسنة: صرف ما لا ينصرف، وذلك أن أصل الأسماء كلها الصرف. ومنه قول النابغة الذبياني: فلتأتينك قصائدٌ وليركبن ... جيشٌ إليك قوادم الأكوارِ3

_ 1 لم أقف على اسمه. 2 أبيات من مشطور الرجز. وقوله: "صروف الدهر" أي نوائبه. و "الدولة": التغير والانتقال من حال إلى آخر. يدلننا: ينصرننا. و "اللمة": الشدة. ونصبها هنا على نزع الخافض، أي: على اللمة. انظر: معاني القرآن 3/9، 235، اللامات 135، سر الصناعة 1/407، الخصائص 1/316، الإنصاف 1/220، لمع الأدلة 82، رصف المباني 322. 3 البيت من "الكامل". من قصيدة يتوعد فيها الشاعر زُرْعة بن عمرو الكلابي؛ يتهدده بقصائد الهجو وبالحرب. "القوادم": جمع قادمة، والقادمة: مقدم الرّحْل. و "الأكوار": جمع كور، وهو رحل الناقة. يقول: واللَّه لأغيرنّ عليك بقصائد الهجو ورجال الحرب. وجعل الجيش يدفع القوادم؛ لأنهم كانوا يركبون الإبل في الغزو حتى يحلوا بساحة العدو فينزلون عنها إلى الخيل، فجعل الجيش هو المزعج للإبل المتحركة، الدافع لها. والبيت في: الديوان 99، الكتاب 2/150، المقتضب 1/143، الأصول 3/436، المنصف 2/79، الخصائص 2/347، الإنصاف 2/490.

وقصر الجمع الممدود تشبيهاً بحذف الياء من "فعاليل" ونحوه، كقول الشاعر1: فلو أنَّ الأطبا كانُ حولي ... وكان مع الأطباءِ الأُساةُ2 ومدّ المقصور كقول الشاعر3: سيُغنيني الذي أغناك عني ... فلا فقرٌ يدومُ ولا غِناءُ4 وأما الضرورة المستقبحة فمثل عدل الأسماء عن وضعها الأصلي بتغييرٍ ما فيها من زيادة أو نقص يترتب عليه التباس جمع بجمع مثلاً كرد "مطاعم" إلى مطاعيم أو عكسه، فإنه يؤدي إلى التباس "مطعم" بـ "مطعام". وكالنقص المجحف كما في قول لبيد بن ربيعة: درس المنا بمُتالعٍ فأبانِ ... فتقادمت بالحَبْسِ فالسُّوبانِ5

_ 1 لم أجد من سماه. 2 البيت من "الوافر". والأُساة: جمع آسٍ كقضاة: جمع قاضٍ. انظر البيت في: معاني القرآن للفراء 1/91، مجالس ثعلب 1/88، الكشاف 3/42، الإنصاف 1/385، شرح المفصل 7/5، 9/80، المقاصد النحوية 4/551، الهمع 1/201، الخزانة 5/229، 231، الدرر 1/178. 3 لم أقف على قائله. 4 البيت من " الوافر ". الإنصاف 2/747، ضرائر الشعر 40، أوضح المسالك 4/297، التصريح 2/293، شرح الأشموني 4/110، الاقتراح 159. 5 البيت من " الكامل ". درسُ المنازل: عفاؤها وانمحاؤها. ومُتالع: اسم موضع، وقيل: اسم جبل بنجد. وأبان: اسم جبل، والحبس والسوبان: اسما موضعين. والفاء بمعنى الواو كما في: بين الدخول فحومل والبيت في: الديوان 138، اللسان (تلع 8/37، (أبن 13/5، المقاصد النحوية 4/246، التصريح 2/180، الهمع 5/334، شرح الأشموني 3/161، الدرر 6/208.

يريد: المنازل1. فرخَّمه في غير النداء بحذف حرفين منه هما الزاي واللام. وكقول العجاج: واطناً مكةَ من وُرْقِ الحمَي 2 يريد: الحمام. فلا يحسن بالشعراء الأخذ بمثال هذه الضرورات لقبحها، حتى وإن ارتكزت على شواهد معتبرة؛ لأن بتر اللفظ على هذا النحو يمسخ صورته المألوفة. كما أن الأخذ بمثل هذه الضرائر يفضي إلى اختلاط الصيغ وعدم وضوح القصد، وابتعاد الذهن عن الوصول إلى اللفظ بحدوده المعروفة. فالأولى اقتصار الشاعر على الأخذ بالحسن من الضرورات، وهي التي يكون فيها الحذف أو الزيادة، أو التغيير الذي يطرأ ضمن القياس المعروفة نظائره، والذي يهدي فيه التركيب إلى المراد بسهولة لكثرة شواهده وأمثلته3. ثم إنه لا يجوز للشاعر أن يلحن لتسوية قافية ولا لإقامة وزن بأن يرفع منصوباً أو ينصب مخفوضاً، أو يحرك مجزوماً، ويسكن معرباً. وليس له أن يُخرج شيئاً عن لفظه إلا أن يكون يخرجه إلى أصل قد كان له فيرده إليه؛ لأنه كان حقيقته، ومتى وجد هذا في شعر كان خطأً ولحناً ولم يدخل في ضرورة الشعر4.

_ 1 انظر: الاقتراح للسيوطي 21، 42. 2 البيت من "الرجز". القواطن: جمع قاطنة وهي المقيمة، من قطن المكان يقطنه إذا أقام فيه. و"الوُرْق": جمع ورقاء، وأراد الحمام الأبيض الذي يضرب لونه إلى السواد. و"الحمي" - بفتح الحاء وكسر الميم - يريد: الحمام فغيّرها إلى الحمي، فاقتطع بعض الكلمة للضرورة، وأبقى بعضها لدلالة المبقّى على المحذوف منها: والرجز في: الديوان 295، الكتاب 1/8، 65، ما ينصرف وما لا ينصرف 51،الخصائص 3/235، شرح المفصل 6/75، التصريح 2/189، الدرر 3/49. 3 انظر: في الضرورات الشعرية 6، 7. 4 انظر: الأصول 3/436، ما يحتمل الشعر من الضرورة 34.

الفصل الثاني: الضرورات الشعرية في ألفية ابن مالك ربما ورد في ألفية ابن مالك بعض التجاوزات غير الإعرابية، كأن يقع الناظم في عيب من عيوب الشعر، أو يتجوَّز في بعض الألفاظ، أو يجمع بين متنافيين، وهذه الأشياء لم أُعن بها في هذا البحث، من قبل أنها لا تدخل في نحو ولاصرف، ولكني مضطر لذكر بعض النماذج المثبتة لذلك: فمن عيوب الشعر قول الناظم - في باب "إنَّ" وأخواتها -: وتصحبُ الواسطَ معمولَ الخبرْ ... والفَصْلَ واسماً حلَّ قبله الخبرْ1 حيث تكرَّر لفظ القافية ومعناها واحد، وهو من عيوب القافية، المسمى بـ"الإيطاء"2، كما قال امرؤ القيس في قافية: سرحةُ مرقبِ فوق مرقبِ3 وذلك قوله: على الأيْنِ جيَّاشٍ كأنَّ سراتَه ... على الضُّمرِ والتعداءِ سرحةُ مَرقَبِ له أيْطلا ظبيٍ وساقا نعامةٍ ... وصَهوةُ عَيْرٍ قائمٍ فوقَ مَرْقَبِ وإذا اتفقت الكلمتان في القافية واختلف معناهما لم يكن إيطاءً4.

_ 1 الألفية ص20. 2 انظر: حاشية ابن حمدون على شرح المكودي 1/111، فتح الرب المالك 273. 3 الديوان 46، 47. 4 انظر: العمدة لابن رشيق 1/169، 170، الكافي في العروض والقوافي 162.

ومنه ما جاء في باب "الضمير" حين كان يتحدث عن نون الوقاية فقال: وليتني فشا وليتي ندرا ... ومع لعلَّ اعكس وكن مخيّرا في الباقي ات واضطراراً خَفَّفا ... منيِّ وعنيِّ بعضُ من قد سلفا1 فقوله: "في الباقيات" متعلق بـ"مخيرا"، واتصال آخر الكلمة من البيت بأول كلمة من البيت الذي بعده يُسمَّى تضميناً، وهو قبيح في الشعر2. ومثله قوله في باب "الإبدال": والواوُ لاماً بعد فتح يا انقلبْ ... كالمعطيانِ يُرْضَيانِ.ووجبْ إبدالُ واوٍ بعد ضمٍ من ألفْ-ويا كموقن بذا لها اعتُرفْ3 وإنما سُمي هذا بالتضمين، لأنك ضمَّنت البيت الثاني معنى الأول، لأن الأول لا يتم إلا بالثاني، كقول النابغة الذبياني: وهُمْ وردوا الجفارَ على تميمٍ ... وهم أصحابُ يومِ عكاظ إنِّي شهدتُ لهم مواطنَ صالحاتٍ ... وثقت لهم بحسن الظن مني4 وكلما كانت اللفظة المتعلقة بالبيت الثاني بعيدةً من القافية كان أسهل عيباً5. ومن التجوّز في الألفاظ ما يلي: 1 - قال في باب " الابتداء ": وبعد " لولا " غالباً حذفُ الخبرْ ... حتمٌ، وفي نصِّ يمينٍ ذا استقرْ6

_ 1 الألفية ص13. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 16، حاشية الصبان 4/306. 3 الألفية ص68. 4 الديوان 123. 5 انظر: العمدة 1/171، الكافي في العروض والقوافي 166، مفتاح العلوم للسكاكي 576. 6 الألفية ص17.

فجمع بهذا بين متباينين هما قوله: "حتم" و"غالباً"، فأشكل الجمع بينهما من قبل أن حتمية الحذف تقتضي عدم الانفكاك، وغالبيته تقتضي خلاف ذلك1. 2 - تجوَّز الناظم في تسمية ما بعد " بل ولكن "معطوفاً إذ قال في باب "كان وأخواتها": ورفعَ معطوفٍ بلكنْ أو ببلْ ... من بعد منصوبٍ بما الزم حيثُ حلْ2 وفي الواقع أن ما بعدهما غير معطوف، وإنما هو خبر لمبتدأ محذوف. فإذا قيل: ما زيدٌ قائماً بل قاعدٌ، وما عمرو منطلقاً لكن مقيمٌ، فإن التقدير: بل هو قاعد، ولكن هو مقيم. و"بل"، و"لكن" حرفا ابتداء3. 3 - قال في باب "إن وأخواتها": وإنْ تُخفَّفْ أنَّ فاسمها استكنْ ... والخبرَ اجعلْ جملةً من بعد أنْ4 فتجوَّز في قوله: "استكن"، لأن الضمير المنصوب لا يستكن، كما أن الحرف لا يُستكن فيه الضمير، وإنما هو محذوف لامستكن. قاله بدر الدين المرادي5 (749هـ) . 4 - قال في باب " الاشتغال ": وبعد عاطفٍ بلا فصل على ... معمول فعل مستقر أوّلا6

_ 1 انظر: فتح الرب المالك 215. 2 الألفية ص18. 3 انظر: توضيح المقاصد 1/315، شرح المكودي 41، شرح الأشموني 1/250. 4 الألفية ص20. 5 انظر: توضيح المقاصد 1/355. 6 الألفية ص25.

فتجوَّز في قوله: "على معمول فعل"، لأن العطف حقيقة إنما هو على الجملة الفعلية1. يعني أن الاسم المشتغل عنه إذا وقع بعد عاطف تقدمته جملة فعلية ولم يُفصل بين العاطف والاسم اختير نصبه نحو: قام زيدٌ وعمراً أكرمتُه، وذلك طلباً للمناسبة بين الجملتين، لأن مَنْ نَصَبَ فقد عطف فعلية على فعلية، ومن رفع فقد عطف اسمية على فعلية، وتناسب المتعاطفين أولى من تخالفهما2. 5 - وقال في باب "إعراب الفعل": وإن على اسمٍ خالصٍ فعلٌ عُطفْ ... تنصبُهُ " أنْ " ثابتاً أو منحذفْ 3 فجعل الفعل هو المعطوف، والمعطوف في الحقيقة إنما هو المصدر4، أي المؤول من "أنْ" والفعل، كما في قول الشاعرة5: ولبسُ عباءةٍ وتقرَّ عيني ... أحبُّ إليَّ من لُبْسِ الشُّفوفِ6

_ 1 انظر: توضيح المقاصد 2/42، شرح الأشموني 2/79. 2 انظر: شرح الأشموني 2/79. 3 الألفية ص52. 4 انظر: توضيح المقاصد 4/222. 5 هي ميسون بنت بحدل الكليبية. زوج معاوية بن أبي سفيان. شاعرة بدوية. توفيت نحو (80هـ) . (الكامل لابن الأثير 3/261، الخزانة 8/505، 506) . 6 من "الوافر" من جملة أبيات قالتها الشاعرة في الحنين إلى أهلها وإلى حالتها الأولى والتذمر من الحاضرة. " الشفوف ": جمع شَِفّ - بكسر الشين وفتحها -: ثياب رقاق تصف البدن. والبيت في: الكتاب 1/426، المقتضب 2/27، الأصول 2/124، الصاحبي 146، الاقتضاب 115، الجنى الداني 157، التصريح 2/244.

فالواو في "وتقر" واو العطف، و" تقر" فعل مضارع منصوب بـ"أنْ" مضمرة جوازاً بعد الواو العاطفة على اسم صريح، أي خالص من التأويل بالفعل. 6 - وقال في باب "جمع التكسير": في نحو رامٍ ذو اطِّرادٍ فُعَلَهْ ... وشاع نحوُ: كاملٍ وكَمَلَهْ1 ومقصوده أن من أمثلة جمع الكثرة "فُعَلَة" وهو مطرد في كل وصف على "فاعل" معتل اللام لمذكر عاقل نحو: رامٍ ورُماة وقاضٍ وقُضاة. ومنها كذلك "فَعَلَة" وهو مطرد في كل وصف على "فاعل" صحيح اللام لمذكر عاقل نحو: كاملٍ وكَمَلَة وكاتبٍ وكتَبَة. فالاطراد كائن في الوصفين إلا أن الناظم استعمل مع الأول الاطراد واستعمل مع الثاني الشِّياع والشياع لا يلزم منه الاطراد مع أنه مطرد نحو: ساحر وسَحَرة وبارٍّ وبَرَرَة. ولذلك فإنه لو قال: في نحو رامٍ ذو اطراد فُعَلَهْ ... كذاك نحو: كامل وكَمَلَهْ لكان أنصّ، لأن الشياع لا يقتضي بالضرورة الاطراد مع أنه مطرد كما تبين2. 7 - ولعله يدخل فيما نحن فيه ما يرد في بعض عبارات الألفية من قصور، كقوله في باب "لا النافية للجنس": وركب المفرد فاتحاً كلا ... حولَ ولا قوة ... ... 3

_ 1 الألفية ص58. 2 انظر: توضيح المقاصد 5/50. 3 الألفية ص21.

قال المرادي: "وفي عبارته هنا قصور حيث قال: "فاتحاً"، بل الصواب: على ما ينصب به ... ، ولو قال وركب المفرد كالنصب لأجاد"1. والقصور الذي أشار إليه المرادي حاصل من عدم شمول عبارة الناظم المثنى وجمع المذكر السالم، لأنهما يُبنيان على الياء، وكذا جمع المؤنث السالم لبنائه على الكسر. كذلك لم أُعْن بما يحتمل وجهين أحدهما ضرورة، فإذا حُمل على الآخر لم يعد كذلك، كقوله في باب "الابتداء": وبعد " لولا " غالباً حذفُ الخبرْ ... حتمٌ، وفي نصِّ يمينٍ ذا استقرْ2 فقوله: "استقر" في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله: "ذا"، وإظهار "استقرَّ" هنا للضرورة 3، كما في قول الشاعر4: لكَ العِزُّ إنْ مولاك عزَّ وإن يَهُنْ ... فأنت لدى بحبوحةِ الهونِ كائنُ 5

_ 1 توضيح المقاصد 1/365. 2 الألفية ص17. 3 الأصل عند الجمهور أن الخبر إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً أن يكون كل منهما متعلقاً بكون عام واجب الحذف، فإن كان متعلقهما كوناً خاصاً وجب ذكره إلاّ أن تقوم قرينة تدل عليه إذا حذف، فيجوز ذكره وحذفه. انظر: شرح ابن عقيل 1/250، الهمع 2/40. 4 لم أقف على اسمه. 5 من " الطويل ".بحبوحة كل شيء: وسطه. والهون: الذل والهوان. والشاهد فيه: التصريح بالخبر " كائن " الذي تعلق به الظرف " لدى " وهو شاذ، والقياس حذفه. والبيت في: المغني 582، شرح ابن عقيل 1/211، المقاصد النحوية 1/544، الهمع 2/22، 5/135، شرح شواهد المغني 2/847، الدرر 2/18، 5/313.

أعرب المكودي قوله: "اعتقد" معطوفاً على "يجب"، وجاز عطف الفعل "اعتقد" - مع كونه طلباً - على الفعل "يجب" مع كونه خبراً، لأن يجب في معنى أوجب1. وألزمه الأزهري حذف الجواب مع كون الشرط مضارعاً، ووقوع ما هو بمعنى الطلب خبراً، والأول ممتنع إلا في الضرورة، والآخر خلاف الأكثر. قال: ولو جعل "يجب" جواب الشرط، والشرط وجوابه خبر المبتدأ لسلم من هذا. وعطفُ الإنشاء على الأخبار أجازه الصفار2 (63هـ) وجماعة3، ومنعه ابن مالك في شرح التسهيل4 تبعاً للبيانيين5. وقال في باب "جمع التكسير": وزائدَ العادي الرباعي احذفْهُ ما ... لم يكُ ليناً إثرَهُ اللَّذ خَتَما6 فقوله: "اللَّذْ" لغة في "الذي" وهو مبتدأ مؤخر، وجملة "ختما" إمّا أن يكون الفعل فيها مبنياً للمفعول فتكون الجملة صلة المصول، والعائد محذوف مجرور بالباء - وإن لم تتوافر شروط الحذف - للضرورة، والتقدير: خُتم به7.

_ 1 انظر: شرح المكودي 80. 2 أبو القاسم قاسم بن علي بن محمد البَطَلْيوسي، الشهير بالصفَّار. صاحب ابن عصفور والشلوبيني. شرح كتاب سيبويه شرحاً حسناً. (البلغة 173، 174، بغية الوعاة 2/256، كشف الظنون 2/1428) . 3 انظر: المغني 627، الهمع 5/273. 4 انظر: 2/250. 5 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 56. 6 الألفية ص60. 7 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 129.

وإما أن يكون الفعل مبنياً للمعلوم، والفاعل ضمير مستتر راجع إلى الحرف الذي ختم الكلمة وعلى هذا لا إشكال ولا ضرورة. قال المكودي - معرباً على البناء للفاعل -: "ومفعول "ختَم" محذوف، والتقدير: ما لم يكن الزائد ليناً الذي ختم الكلمة بعده"1. أما التجاوزات الإعرابية فهي محل التطبيق في هذا البحث. ولست أزعم أني استقصيت جميع الضرائر التي لجأ إليها الناظم في منظومته ولكن حسبي أني اجتهدت في حصرها أو حصر معظمها على أقل تقدير. وحاولت قدر الإمكان تقديم هذه الضرائر مراعياً باب المسألة النحوية محل الدراسة، دون النظر إلى ترتيب البيت في الألفية، إذ لو راعيتُ ذلك لترتب عليه فصلٌ بين الضرائر المتشابهة، من قبل أن الضرورة الواحدة قد ترد في أكثر من موضع من الألفية. ثم إن مراعاة ترتيب أبيات الألفية لا ينبني عليه كبير فائدة. وبعد: فدونك هذه الضرائر أو التجاوزات التي وقعت للناظم في ألفيته:

_ 1 شرح الألفية للمكودي 206.

الضرورات الشعرية في ألفية ابن مالك

الضرورات الشعرية في ألفية ابن مالك مدخل ... لكونه كوناً مطلقاً. ويمكن حمل بيت الألفية على وجه آخرَ هو أن يراد بالاستقرار الثبوت، وكذا يحمل الكون في قول الشاعر على الثبوت وعدم التزلزل والانفكاك فيصير كوناً خاصاً ويخرج من بيت الضرورة، لأنه حينئذٍ يجوز ذكره، وحذفه. ونظير هذا ما قاله أبو البقاء العكبري1 وغيره2 في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} 3: إن الاستقرار في الآية معناه الثبوت، وعدم التحرك، لا مطلق الوجود والحصول، فهو كون خاص4. وقال في باب "لا النافية للجنس": ومفرداً نعتاً لمبنيٍّ يلي ... فافتح أوِ انصبَنْ أو ارفع تَعْدِلِِ5 فإن قوله: "ومفرداً نعتاً" مفعول مقدم لقوله: "افتح أو انصب أو ارفع" من باب التنازع مع تأخر العوامل. وقد قدَّم "مفرداً" على "نعتاً" وحقه التأخير، لأنه وصف له لأجل الضرورة. ويجوز نصبه - أعني "مفرداً" - على الحالية، لأنه وصفٌ لنكرة تقدم عليها6. وعليه فلا ضرورة في البيت. وقال في باب "المفعول معه": والنصبُ إنْ لم يجزِ العطفُ يجب ... أو اعتقد إضمارَ عاملٍ تُصِبْ7

_ 1 قال العكبري: " مستقراً " أي ثابتاً غير متقلقل، وليس بمعنى الحصول المطلق، إذ لو كان كذلك لم يذكر". التبيان 2/1009. 2 انظر: الدر المصون 8/616، الفتوحات الإلهية 3/315. 3 من الآية 40 من سورة النمل. 4 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 28، وانظر: المغني 581. 5 الألفية ص21. 6 انظر: شرح المكودي 51. 7 الألفية ص28.

خبر كان إذا كان ضميرا بين الاتصال والانفصال

خبر "كان" إذا كان ضميراً بين الاتصال، والانفصال: إذا كان خبر "كان" ضميراً فإنه يجوز اتصاله، وانفصاله عند عامة النحويين، ولكن اختُلف في المختار منهما، حيث اختار سيبويه الانفصال نحو: كان زيد إياك وكنتُ إياك1.

_ 1 انظر: الكتاب 1/381.

قال عمر بن أبي ربيعة: لئن كان إياهُ لقد حال بعدنا ... عن العهد والإنسانُ قد يتغيَّرُ1 كما اختاره - أيضاً - ابنُ يعيش2 (643هـ) وابن عصفور3: وإنما كان المختار الانفصال، لأنه في الأصل خبر المبتدأ، فكما أن خبر المبتدأ منفصل من المبتدأ فكذلك هو في هذا الباب4. وذهب الرماني (384هـ) وأبو الحسين بن الطراوة (528هـ) إلى أن الاتصال هو الأفصح والمختار5. ووافقهما ابن مالك وابنه بدر الدين6 (686هـ) . قال ابن مالك: وصِل أو افصل هاءَ سلنيهِ وما ... أشبهه، في كنتُه الخلفُ انتمى كذاك خلتنيه، واتصالا ... أختارُ. غيري اختار الانفصالا 7 وجاء موجبُ هذا الاختيار عند ابن مالك مُوضَّحاً في شرح الكافية الشافية حيث قال في نحو: "الصديق كنته":

_ 1 من " الطويل ". قوله: " حالَ " أي تغيَّر وتحولت حاله عما كنا نعلمه فيه. " العهد ": المعرفة. والبيت في: الديوان 121، شرح المفصل 3/107، أوضح المسالك 1/102، المقاصد النحوية 1/314، التصريح 1/108، شرح الأشموني 1/119، الخزانة 5/312، 313. 2 انظر: شرح المفصل 3/107. 3 انظر: شرح الجمل 1/406. 4 انظر: شرح المفصل 3/107، شرح الجمل 1/406. 5 انظر: شرح الجمل 1/407. 6 انظر: شرح الألفية لابن الناظم ص63. 7 الألفية ص12.

"حقُّ هذا أن يمتنع انفصاله لشبهه بهاء "ضربته" ولكنه نُقل فقُبل، وبقي الاتصال راجحاً لوجهين: أحدهما: الشبه بما يجب اتصاله، وإذا لم يساوه في الوجوب فلا أقل من الترجيح. الثاني: أن الانفصال لم يرد إلاَّ في الشعر، والاتصال وارد في أفصح النثر كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في ابن صياد: "إن يكنه فلن تسلط عليه، وإلاَّ يكنه فلا خير لك في قتله" 1، وكقول بعض فصحاء العرب2: "عليه رجلاً ليسني"3. ومع اختيار الناظم للاتصال -كما سبق- فقد عدل عنه لضرورة الشعر إلى الانفصال. قال في باب "الابتداء" - وهو يتحدث عن الجملة الواقعة خبراً عن المبتدأ إذا كانت هي المبتدأ في المعنى -: وإنْ تكنْ إياه معنًى اكتفى ... بها كنطقي الله حسبي وكفى 4

_ 1 انظر: صحيح البخاري (جنائز) 110، (جهاد) 253، صحيح مسلم (فتن) 85. 2 انظر: الكتاب 1/381. 3 شرح الكافية الشافية 1/231. 4 الألفية ص16.

الإظهار في موضع الإضمار

الإظهار في موضع الإضمار: قال ابن مالك في باب "إنَّ" وأخواتها: وإنْ تُخَفَّفْ أنَّ فاسمها استكنْ ... والخبرَ اجعل جملةً من بعدِ أنْ 1

_ 1 المصدر السابق ص20.

ففي البيت الثاني إظهارٌ في موضع الإضمار للضرورة. والقياس: من بعدها1. فإن بعض النحويين يرى أن الاسم إذا احتيج إلى ذكره ثانيةً في جملة واحدة كان الاختيار أن يذكر ضميره كقولك: "زيدٌ أكرمته"، فلو أعدت لفظه بعينه موضع ضميره فقلت: "زيدٌ أكرمتُ زيداً" كان ضعيفاً ووجه الكلام على خلافه. وإنما كان اختيار الضمير دون الاسم الظاهر، لأنه أخف، وأبعد عن الشبهة واللبس. فإذا أعيد ذكر الاسم الظاهر في جملة أخرى جاز وحسن نحو: مررتُ بزيدٍ وزيدٌ رجلٌ فاضلٌ2. قال سيبويه: " وتقول: "ما زيدٌ ذاهباً ولا محسنٌ زيدٌ" الرفع أجود وإن كنت تريد الأول، لأنك لو قلت: ما زيدٌ منطلقاً زيدٌ لم يكن حدَّ الكلام، وكان هاهنا ضعيفاً، ولم يكن كقولك: ما زيدٌ منطلقاً هو، لأنك قد استغنيت عن إظهاره، وإنما ينبغي لك أن تضمره، ألا ترى أنك لو قلت: ما زيدٌ منطلقاً أبو زيد لم يكن كقولك: ما زيد منطلقاً أبوه، لأنك قد استغنيت عن الإظهار. فلما كان كذلك أجرى مجرى الأجنبي، واستؤنف على حاله حيث كان هذا ضعيفاً، وقد يجوز أن تنصب. قال الشاعر، وهو سوادة بن عدي3:

_ 1 انظر: إرشاد السالك 38. 2 انظر: شرح السيرافي جزء 1 لوحة 137. 3 نسبه سيبويه لسوادة بن عدي كما هو واضح، والراجح كما يقول البغدادي أن البيت لعدي بن زيد العبادي وليس لابنه سوادة.

لا أرى الموتَ يسبقُ الموتَ شيءٌ ... نغَّصَ الموتُ ذا الغنى والفقيرا 1 فأعاد الإظهار"2. وكان الوجه أن يقول: لا أرى الموت يسبقه شيء، ولكنه أظهر الضمير. فسيبويه يختار - عند إعادة الاسم الظاهر – الرفعَ، لأن العرب لا تعيد لفظ الظاهر إلاّ أن تكون الجملة الأولى غير الثانية، فتكون الثانية ابتدائيةً كقولك: زيدٌ أكرمته وزيدٌ أحببته، إذ إنه بالإمكان الوقف على الجملة الأولى ثم الابتداء بالأخرى بعد ذكر رجل غير زيد. فلو قيل: زيد أكرمته وهو أحببته لجاز أن يُتوهم الضميرُ لغير زيد. فإذا أُعيد باسمه الظاهر انتفى التوهم. أما مع إعادته مضمراً في الجملة الواحدة نحو: زيد أكرمته فإنه لا يتوهم عود الضمير لغيره، إذ لا تقول، زيدٌ أكرمت عمراً3. ونصَّ بعضهم كأبي عبد الله القيرواني صاحب ضرائر الشعر4، ومكي ابن أبي طالب5 (437هـ) ، والأعلم6 على أنه لا يجوز الإظهار في موضع الإضمار إلا في الشعر، كقول الفرزدق: لعمرك ما معنٌ بتاركِ حقِّهِ ... ولا منسىءٌ معنٌ ولا متيسِّرُ7

_ 1 البيت من " الخفيف ". ومعناه ظاهر. انظره في: ديوان عدي بن زيد 65، الخصائص 3/53، ما يجوز للشاعر في الضرورة 96، تحصيل عين الذهب 86، الاقتضاب 368، الخزانة 1/379، شرح أبيات المغني 7/77. 2 الكتاب 1/30. 3 انظر: تحصيل عين الذهب 86. 4 انظر: ص96 من الكتاب المشار إليه. 5 انظر: مشكل إعراب القرآن 1/329. 6 انظر: تحصيل عين الذهب 86. 7 من "الطويل"."معن": اسم رجل يبيع بالنسيئة، يضرب به المثل في شدة التقاضي. والمنسىء: هو المؤخر. والمتيسّر: المتساهل. والبيت في: الديوان 1/310، الكتاب 1/31، ذيل الأمالي 73، ما يجوز للشاعر في الضرورة 98، الاقتضاب 368، الهمع 2/130، الخزانة 1/375.

فـ "معن" الثاني هو "معن" الأول. وكان القياس أن يأتي بضميره فيقول: ولا منسىء ولا متيسر. ويرى قوم أنه يجوز ي الشعر وغيره. قال مكي: وفيه نظر1. ويرىآخرون أنه لا يجوز مطلقاً لا في ضرورة ولا في اختيار. واستثنوا من ذلك ما إذا كان اسماً للجنس، أو أريد به تفخيم الأمر وتعظيمه فإن في ذلك فائدة كقوله - عز وجل-: {الحاقَّةُ ما الحاقَّةُ} 2، و {القارِعَةُ ما القارِعَةُ} 3، فلولا ما أُريد به من معنى التعظيم والتفخيم لقيل - والله أعلم-: الحاقةُ ما هي، والقارعةُ ما هي4. وكقوله سبحانه: {إذا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزالَها وأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَها} 5 فأعاد الظاهر ولم يضمره. ومنه قول الشاعر: لا أرى الموتَ يسبقَُ الموتَ شيىءٌ لأن الموت اسم جنس بمنزلة الأرض، فإذا أُعيد مظهراً لم يُتوهم أنه اسم لشيء آخر كما يتوهم في زيد ونحوه من الأسماء المشتركة6.

_ 1 مشكل إعراب القرآن 1/329. 2 الآيتان 1، 2 من سورة الحاقة. 3 الآيتان 1، 2 من سورة القارعة. 4 انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/216، أمالي ابن الشجري 1/370، وانظر: 2/6. 5 الآيتان 1، 2 من سورة الزلزلة. 6 انظر: ما يجوز للشاعر في الضرورة 97، 98، تحصيل عين الذهب 87.

والراجح أن الإظهار في موضع الإضمار لا يجوز إذا كان ذلك في جملة واحدة نحو: زيدٌ أكرمت زيداً، إلا في الضرورة، لكون الإضمار أخفَّ وأبعد عن الشبهة واللبس. فإذا أعيد في جملة أخرى، أو قصد به التفخيم، والتعظيم حَسُن.

حذف العائد المجرور مع اختلاف متعلق الجارين

حذف العائد المجرور مع اختلاف متعلق الجارين: من المعلوم أنه يجوز حذف العائد المجرور بحرف جرٍّ إنْ جَرَّ الموصولَ حرف مثله مع اتفاق متعلقي الحرفين لفظاً ومعنى، أو المضاف إلى الموصول، أو الموصوف بالموصول نحو: مررت بالذي مررت به، أو بغلام الذي مررت به، أو بالرجل الذي مررت به، فيجوز حذف "به" هاهنا1. قال ابن مالك: كذا الذي جُرَّ بما الموصولَ جَرّْ ... كمُرَّ بالذي مررتُ فهو بَرّْ2 ومن ذلك قوله تعالى: {مَا هَذا إلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُم يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} 3. فالموصول وهو "ما" مجرور بـ"مِنْ" التبعيضية، وهي متعلقة بقوله: "يشرب" قبلها، والعائد المحذوف مجرور بـ"مِنْ" التبعيضية وهي متعلقة بقوله "تشربون"، والتقدير: ويشرب من الذي تشربون منه. فاتفق الحرفان لفظاً ومعنى ومتعلقاً4.

_ 1 انظر: الارتشاف 1/356. 2 الألفية ص15. 3 من الآية 33 من سورة المؤمنون. 4 انظر: التصريح 1/147.

فالعائد المجرور يجوز حذفه عند الجمهور بشروط ثلاثة: الأول: أن ينجرّ الموصول بمثل الحرف الجار للعائد لفظاً، فإذا اختلفا لفظاً لم يجز الحذف نحو: حللت في الذي حللت به. الثاني: أن يتفق الحرفان معنى، فإذا اختلفا لم يجز الحذف نحو: مررت بالذي مررت به، مريداً بإحدى البائين السببية، والأخرى الإلصاق. الثالث: أن يتفقا متعلقاً، فلو اختلف المتعلق لم يجز الحذف نحو: سررت بالذي مررت به1. قال ابن مالك في شرح الكافية الشافية: "وإن جُرَّ العائد بحرف وجُرَّ الموصول بمثله لفظاً ومعنىً جاز حذف العائد نحو: مررتُ بالذي مررت. ومنه قوله تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تّشْرَبُونَ} 2 أي: مما تشربون منه ... وكذلك يجوز حذف العائد المجرور بحرفٍ جُرَّ بمثله موصوف بالموصول أو عائد عليه بعد الصلة3. فإذا خلا العائد المجرور مما شُرط لم يجز حذفه عند الجمهور إلا ضرورة أو شذوذاً. كقول الشاعر4: وإنَّ لساني شُهدةٌ يُشتفى بها ... وهُوَّ على من صبَّه الله علقمُ5

_ 1 انظر: توضيح المقاصد 1/254، 255. وانظر: الارتشاف 1/ 536. 2 من الآية 33 من سورة المؤمنون. 3 شرح الكافية الشافية 1/292، 293. 4 شاعر من همذان لم أجد من سمَّاه. 5 البيت من " الطويل " الشَّهدة: - بضم الشين -: العسل بشمعه. يقول: إن لساني مثل العسل يشتفي به الناس ولكنه مثل العلقم على من سلطه الله عليه. والعلقم: في الأصل الحنظل وهو نبات مُرٌّ كريه الطعم وليس هو المراد هاهنا، بل المراد: شديد أو صعب ليتسنى تعلق الجار والمجرور به من قبل أنهما لا يتعلقان إلا بالمشتق أو ما في معناه. وفي البيت شاهد آخر هو تشديد الواو في " هُوَّ "، وهذه لغة همذان إحدى قبائل اليمن، حيث تشدد الواو في "هو" والياء في "هي". والبيت في شرح المفصل 3/96، شرح التسهيل 1/207، الجنى الداني 474، المغني 567، تخليص الشواهد 165، المقاصد النحوية 1/451، التصريح 1/148، شرح الأشموني 1/174.

أراد: من صبه الله عليه، فحذف العائد المجرور بـ"على" مع اختلاف المتعلق. والمتعلقان هما: "صَبَّ" و"علقم". فـ"على" المحذوفة متعلقة بـ"صبَّه" والمذكورة متعلقة بـ"علقم" لتأوله بصعب أو شاق أو شديد، فاختلف متعلقا جارِّ الموصول وجارِّ العائد1. وابن مالك لا يتفق مع الجمهور في عدِّ مثل هذا ضرورةً أو نادراً، بل يعدُّه قليلا2. ولعله لما كان عنده كذلك - أي قليل وليس شاذاً أو ضرورةً كما يقول الجمهور - وقع له شئ من ذلك في الألفية، حيث قال في باب "الندبة": ويُندبُ الموصولُ بالذي اشتَهَرْ ... كـ"بئرَ زمزمٍ" يلي وامَنْ حَفَرْ3 فقوله: "اشتهر" صلة "الذي" والعائد ضمير محذوف مجرور بحرف جُرَّ الموصولُ بمثله غير أن متعلقي الجارين مختلفان، والتقدير: ويُندب الموصول بالوصف الذي اشتهر به4.

_ 1 انظر: المغني 567، 568، تخليص الشواهد 165. 2 انظر: شرح التسهيل 1/206، 207. 3 الألفية ص 46. 4 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 99.

وقال في باب "تثنية المقصور والممدود وجمعهما جمعاً تصحيحاً": والسالمَ العينِ الثلاثي اسماً أنِلْ ... إتباعَ عينٍ فاءه بما شُكلْ1 فجملة "شُكل" لا محل لها صلة الموصول المجرور محلاً بالباء، والعائد ضمير محذوف مجرور بباء أخرى. ومتى اختلف متعلق الجارين: "الذي جَرَّ الموصول والذي جر العائد فالحذف شاذ أو ضرورة عند الجمهور2. وجائز بقلة عند ابن مالك كما تقدم. وما ذهب إليه ابن مالك هو الراجح عندي. فهو قليل لا ممتنع. وقد أورد ابن مالك جملة من الشواهد على ذلك غير البيت المستشهد به هاهنا تدل على أن المسألة ليست شاذة أو ضرورة، بل ليست نادرة3.

_ 1 الألفية ص57. 2 انظر: منحة الجليل لمحمد محيي الدين عبد الحميد 4/110. 3 انظر: شرح التسهيل 1/206، 207، شرح الكافية الشافية 1/294

تقديم معمول الصلة على الموصول

تقديم معمول الصلة على الموصول: قال ابن مالك في باب "إن" وأخواتها: ولا يلي ذي اللامَ ما قد نُفيا ... ولا من الأفعال ما كرضيا 1 قال الأزهري: "كرضيا: في موضع صلة "ما" الثانية، والألف للإطلاق، وتقدير البيت: ولا يلي الخبر الذي قد نفي ولا الخبرُ الذي كرضي حال كونه

_ 1 الألفية ص 20.

من الأفعال هذه اللامَ. ففيه تقديم معمول الصلة على الموصول وذلك جائز في الشعر"1. قلت: اختلف النحاة في تقديم معمول الصلة على الموصول. فجمهور البصريين على منع تقديم شئ من الصلة على الموصول مطلقاً، سواء كان الموصول اسماً أو حرفاً. فإن جاء ما ظاهره كذلك أوَّلوه2. وذهب الكوفيون إلى جواز ذلك مطلقاً3. وأجاز بعض البصريين تقدم المتعلق بالصلة على الموصول إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً مطلقاً4 وجعله متعلقاً بالصلة نفسها، لأن العرب تتسع في الظروف والمجرورات ما لا تتسع في غيرها من الفضلات، لكثرة دورانهما في الكلام5. وذهب ابن الحاجب (646هـ) إلى جواز تقديم معمول الصلة على الموصول مع "أل" خاصة، كقوله تعالى: {وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدينَ} 6، ومنعه فيما عدا ذلك7. وهو قريبٌ من رأي ابن مالك في شرح التسهيل إلاَّ أنَّ ابن مالك جعل التقدم مع "أل" مطرداً إذا كانت مجرورة بـ"مِنْ" التبعيضية كالآية السابقة، ومَنَعَ التقدم في غير "أل" مطلقاً، ومعها إذا لم تجرَّ بـ"من"8. 1 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 35، 36. 2 انظر: الأصول 2/223، 224، المسائل البغداديات 558، اللامات 58، البحر المحيط 1/395، الهمع 1/304، 305، أمالي ابن الحاجب 1/152، 153. 3 انظر: الارتشاف 1/553، الدر المصون 5/279. 4 انظر: الدر المصون 5/279. 5 انظر: شرح الجمل 1/555، الارتشاف 1/553، الدر المصون 5/279. 6 من الآية 20 من سورة يوسف. 7 انظر: الأمالي النحوية 1/152. 8 انظر: شرح التسهيل 1/237، 238.

أما في شرح الكافية الشافية فقد قال: "لا تتقدم الصلة ولا شئ يتعلق بها ... فإن كان الموصولُ الألفَ واللام أو حرفاً مصدرياً لم يجز تقديم المعمول، لأن امتزاج الألف واللام والحرف المصدري بالعامل آكد من امتزاج غيرهما به"1 فلم يستثنِ ما إذا كانت "أل" مجرورة بـ"مِن" أو لا. وعلى هذا فإن قوله: ولا من الأفعال ما كرضيا جائز عند بعض البصريين لكون المعمول جاراً ومجروراً، وجائز عند الكوفيين دون النظر إلى هيئة المعمول. أما عند جمهور البصريين وابن الحاجب وابن مالك فلا يجوز إلا في الضرورة.

_ 1 شرح الكافية الشافية 1/308 - 313.

تقديم معمول خبر "ليس" عليها

تقديم معمول خبر "ليس" عليها: اختلف في خبر "ليس": أيجوز تقدمه عليها أم لا؟ فذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز، لأن "ليس" فعل جامد فلا يجري مجرى المتصرف كما أجريت "كان" مجراه، لأنها متصرفة1. ولأنها في معنى "ما" في نفي الحال، وكما أن "ما" لا تتصرف ولا يتقدم معمولها عليها فكذلك "ليس"2. وممن منع تقديم الخبر أبو سعيد السيرافي3، والأنباري4 (577هـ) ، كما نُسب المنع إلى أبي العباس المبرد5.

_ 1 انظر: الإنصاف 1/161. 2 انظر: المصدر السابق 1/161. 3 انظر: شرح السيرافي ج1 لوح 154. 6 انظر: الإنصاف 1/160، شرح المفصل 7/114، شرح الرضي 4/201. ولم أقف على ما يفيد ذلك عن المبرد في المقتضب أو الكامل4 انظر: الإنصاف 1/163، أسرار العربية 140.

وذهب جمهور البصريين إلى جواز تقدمه. وكذا من المتأخرين أبو علي الفارسي1 (377هـ) وابن جني2، وابن بَرْهان3 (456هـ) وعبد القاهر الجرجاني4 (471هـ) والزمحشري5، وأبو البقاء العكبري6 (616هـ) وابن عصفور7. ومما احتج به أصحابُ هذا الرأي قوله تعالى: {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْروفاً عَنْهُمْ} 8، فقالوا: إن "يوم" معمول "مصروفاً" وتقديم المعمول يؤذن بتقدم العامل9. أما ابن مالك فرأيه رأي الفريق الأول القائل بمنع تقديم خبر "ليس" عليها 10، وقال: لنا في الآية ثلاثة أجوبة: أحدها: أن "يوم" مرفوع بالابتداء، وإنما بني على الفتح لإضافته إلى الجملة وذلك سائغ مع المضارع كسوغه مع الماضي. الثاني: أن المعمول قد يقع حيث لا يقع العامل نحو: أمَّا زيداً فاضرب، فإنه لا يلزم من تقديم معمول الفعل بعد "أمَّا" تقديم الفعل.

_ 1 انظر: الإيضاح 1/101. 2 انظر: الخصائص 2/382. 3 انظر: شرح اللمع 1/58، 59 وابن بَرْهان هو: عبد الواحد بن علي الأسدي العكبري، أبو القاسم. عالم في النحو واللغة. (نزهة الألباء 259، 260، إنباه الرواة 2/213 - 215، شذرات الذهب 3/297) . 4 انظر: المقتصد 1/408. 5 انظر: المفصل 269. 6 انظر: التبيان 2/690. 7 انظر: شرح الجمل 1/389. 8 من الآية 8 من سورة هود. 9 انظر: التبيان 2/690، شرح الجمل 1/389. 10 انظر: شرح التسهيل 1/351، شرح عمدة الحافظ 112.

الثالث: أن يكون "يوم" منصوباً بفعل مضمر، لأن قبله: {ما يَحْبِسُهُ} ، فـ {يَوْمَ يَأْتيهمْ} جواب، كأنه قيل: يعرفون يوم يأتيهم و {لَيْسَ مَصْرُوفاً} جملة حالية مؤكدة أوِّ مستأنفة1. إذاً: فإن ابن مالك يرى أنه لا يجوز تقديم خبر "ليس" عليها ولا معمول الخبر كما هو ظاهر كلامه وتخريجه للآية. ومع هذا فقد جاء في ألفيته ما يخالف هذا، حيث قال في باب "الوقف": والنقلُ إنْ يُعدم نظيرٌ ممتنعْ-وذاك في المهموز ليس يمتنعْ2 فإن "ذاك" مبتدأ و"في المهموز" جار ومجرور متعلق بقوله: "يمتنع"، و"ليس" فعل ماض واسمها ضمير مستتر فيها، وجملة "يمتنع" خبرها. والجملة من "ليس" واسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو اسم الإشارة "ذاك"، والتقدير: وذاك النقل ليس يمتنع في المهموز، فقدم معمول خبر "ليس" عليها وهو ممتنع عند الجمهور3. - ومنهم ابن مالك - كما تقدم - وهذا ضرورة. قال الأزهري (905هـ) : "إلا أن يقال بجوازه في الظروف على حَدِّ قوله تعالى: {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} 4"5.

_ 1 انظر: شرح التسهيل 1/354. 2 الألفية ص 63. 3 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 137. 4 من الآية 8 من سورة هود. 5 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 137.

الفصل بين العامل والمعمول بالأجنبي

الفصل بين العامل والمعمول بالأجنبي ... ومثل ذلك - بل أقبح منه - قول الفرزدق: وما مثله في الناس إلا مملكاً-أبو أمه حيٌّ أبوه يقاربه1 فحق الكلام وما ينبغي أن يكون عليه اللفظ: "وما مثله في الناس حيٌّ يقاربه إلاَّ أبو أمه أبوه". ففرَّق بين المبتدأ وخبره بما ليس منه، من قبل أن قوله: "أبو أمه أبوه" مبتدأ في موضع نعت المملك، ففرَّق بينهما بقوله: "حيٌّ" و"حيٌّ" خبر "ما"2. وعليه فإن بيت ابن مالك السالف الذكر يُحمل على الضرورة التي ألجأته إلى ذلك كما ألجأته في غير هذا الموضع من الألفية.

_ 1 البيت من " الطويل " قاله الشاعر في مدح إبراهيم بن هشام المخزومي خال هشام بن عبد الملك. ويريد بالمملّك هشاماً، لأنه الخليفة. أي: ليس في الدنيا حيٌّ يقارب هذا الممدوح إلا ابن أخته وهو الخليفة. والبيت في: الكامل 1/42، الخصائص 1/146، 329، 2/393، الإفصاح 84، شرح الجمل 2/607، ضرائر الشعر لابن عصفور 213، شرح ألفية ابن معطي 2/1390. 2 انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة 227 - 229.

تقديم معمول الفعل المؤكد بالنون

تقديم معمول الفعل المؤكد بالنون: قال ابن مالك في باب "المعرب والمبني": والرفعَ والنصبَ اجعلَنْ إعرابا-لاسمٍ وفعلٍ نحو: لن أهابا1 أعرب بعضهم كلمة "الرفع" مفعولاً به مقدماً للفعل "اجعلن"2.

_ 1 الألفية ص 10. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 8، منحة الجليل 1/41.

وهو معترض بأن الفعل المؤكد بالنون لا يتقدم معموله عليه. وقد مشى الناظم على ذلك في عدة مواضع من الألفية، كقوله في باب "اسم الإشارة": وبهنا أو ههنا أشر إلى ... داني المكانِ وبِهِ الكافَ صلا 1 وقوله في "باب التمييز": والفاعلَ المعنى انصبن بأفعلا ... مفضِّلاً كأنت أعلى منزلا2 -وقوله في باب "النائب عن الفاعل": وثالثَ الذي بهمز الوصلِ ... كالأول اجعلنَّه كاستُحلي3 وقد حاول بعض المعربين التماس بعض التأويلات والتقديرات لتصحيح هذه المخالفة، كإعرابهم المعمول مفعولاً به لفعل محذوف يفسره الآتي المؤكد بالنون وهو "اجعلنْ" و "صلا" و "انصبن" و "اجعلنَّ" في الأبيات السابقة مع أن الفعل المؤكد بالنون لا يصلح أن يفسر عاملاً محذوفاً قبله، ولما في ذلك من تهافت بلاغي أيضاً4. وقيل: إذا كان المعمول ظرفاً أو جاراً ومجروراً جاز تقديمه على عامله المؤكد بالنون دون غيرهما من المعمولات كقول ابن مالك: كالأول اجعلنَّه كاستُحلي بناءً على أنه يتوسع في شبه الجملة ما لا يتوسع في غيرها5.

_ 1 الألفية ص 14. 2 الألفية ص 31. 3 المصدر السابق ص 24. 4 انظر: النحو الوافي 1/104، 2/101. 5 انظر: الخزانة 11/384، 394.

وهو غير بعيد لديَّ، غير أني أميل إلى عدم التعسف والتكلف، ويكفي القول بأن ضرورة النظم هي التي ألجأته إلى ارتكاب المخالفة كغيرها من الضرائر التي ارتكبها في الألفية والتي عرضت جزءاً منها، وسيأتي أمثلة لها أيضاً.

تقديم النائب عن الفاعل على الفعل

تقديم النائب عن الفاعل على الفعل: قال ابن مالك في باب "أفعل التفضيل": وما بِهِ إلى تعجبٍ وُصِلْ ... لمانعٍ به إلى التفضيل صِلْ1 أعرب المكودي (807هـ) "ما" مبتدأ أو مفعولاً بفعل محذوف يفسره "صل " وهي موصولة، وصلتها: وصل به، و"به" متعلق بـ"وُصل"2. فقوله: "و"به" الأول متعلق بـ"وُصل" فيه تقديم النائب عن الفاعل على مذهب الكوفيين. والبصريون يمنعونه. ويمكن تخريجه على مذهب البصريين على أنه من الحذف والإيصال بأن يكون في "وُصِل" ضمير مستتر كان مجروراً بالباء، والأصل: وما به وصل به، ثم حذفت الباء واستتر الضمير"3. قلت: هذه المسألة مبنيَّةٌ على مسألة الخلاف في تقديم الفاعل على الفعل وهي المثبتة في كتب النحو من قبل أن أحكام نائب الفاعل هي أحكام الفاعل التي منها وجوب تأخره عن المسند على مذهب البصريين.

_ 1 الألفية ص39. 2 انظر: شرح المكودي 131. 3 حاشية الملوي الأزهري على المكودي 131.

وذهب بعض الكوفيين إلى جواز تقديم الفاعل مع بقاء فاعليته في سعة الكلام نحو: زيدٌ قام، تقديره: قام زيدٌ. وكذلك محمد قعد، وما أشبه ذلك1. ومما استدلوا به قول الزبَّاء2: ما للجمالِ مشيُها وئيدا ... أجندلاً يحملنَ أم حديدا3 قالوا: معناه وئيداً مشيها. ووجه الاستدلال أن "مشيها" روي مرفوعاً. ولا يجوز أن يكون مبتدأ، إذ لا خبر له في اللفظ إلا "وئيدا" وهو منصوب على الحال، فوجب أن يكون فاعلاً بوئيدا مقدماً عليه4.

_ 1 انظر: شرح الجمل 1/159، شرح التسهيل 2/108، البسيط 1/272، 273. 2 اسمها نائلة، وقيل: فارعة، وقيل: ميسون. بنت عمرو بن الظرب. الملكة المشهورة في العصر الجاهلي. صاحبة تدمر وملكة الشام والجزيرة، تحسن أكثر اللغات الشائعة في عصرها. (المعارف لابن قتيبة 108، 618، الكامل في التاريخ لابن الأثير 1/198-202، الخزانة 8/273) . 3 البيتان من "الرجز" للزباء في قصة طويلة تجدها في حاشية الأمير على المغني 2/145. "وتيداً": أي له صوت شديد، تريد شدة وطئها الأرض من ثقل ما تحمله فيسمع لوقعها صوت. " الجندل ": الحجارة. روي "مشيها" بالرفع وهو الشاهد في المسألة، وبالخفض على أنه بدل اشتمال من الجمال، وبالنصب على المصدر، أي تمشي مشيَها. (انظر: معاني القرآن للفراء 2/73، 424، شرح الأشموني 2/46) . والرجز في: أدب الكاتب 170، أمالي الزجاجي 166، شرح الجمل 1/159، شواهد التوضيح والتصحيح 111، شرح التسهيل 2/108، البسيط 1/274، المغني 758، المساعد 1/387. 4 انظر: التصريح 1/271.

وهو عند البصريين ضرورة، والضرورة تبيح تقديم الفاعل على الفعل1. كما خرَّجه كثير من النحويين على أن "مشيُها" مبتدأ، والخبر محذوف، كأنه قال: ما للجمال مشيها ظهر وئيداً، أو ثبت وئيداً. ويكون حذف الخبر هنا والاكتفاء بالحال نظيرَ قولهم: "حكمك مسمَّطا"2" فـ"حكمك" مبتدأ حذف خبره لسدّ الحال مسدَّه، أي: حكمك لك مثبتاً3. كما خُرِّج على أن "مشيُها" بدل من الضمير في "للجمال" لأنه في موضع خبر المبتدأ الذي هو "ما"4. والصحيح ما ذهب إليه جمهور النحويين - ومنهم ابن مالك - من أنه لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل، لأننا إذا قلنا: زيدٌ ذهب فإن في "ذهب" ضميراً يُعرب فاعلاً، والفعل لا يرفع فاعلين في غير العطف نحو: ذهب زيدٌ وعمرو. ونحن إذا ما أظهرنا هذا الضمير بأن جعلنا في موضعه غيره تبيَّن ذلك كما في قولنا: زيدٌ ذهب أخوه. كما نقول: رأيت زيداً ذهب، فيدخل على الابتداء ما يزيله ويبقى الضمير على حاله5. ولست أميل إلى أن قول الزباء من باب تقديم الفاعل على الفعل ضرورة، وذلك لتمكنها من النصب على المصدرية أو الجر على البدلية، كما يقول الأزهري6.

_ 1 انظر: المصدر السابق 1/271. 2 المسمَّط: المرسل الذي لا يُردّ. انظر: مجمع الأمثال 1/212. 3 انظر: شرح التسهيل 2/108، 109، المغني 758، التصريح 1/271. 4 انظر: شرح الجمل 1/160. 5 المقتضب 4/128 (بتصرف) . 6 انظر: التصريح 1/271.

وأقرب تأويل إلى نفسي أن يكون "مشيها" مبتدأ قد حذف خبره على نحو: "حكمك مسمطاً" كما تقدم1.

_ 1 انظر المسألة في: المقتضب 4/128، أسرار العربية 79 - 84، البسيط 1/272 - 275، التصريح 1/271.

قلب المعنى

قلبُ المعنى: قال ابن مالك في باب "الابتداء": كذا إذا ما الفعلُ كان الخبرا ... أو قُصد استعمالُه منحصرا1 -قال الأزهري: "في هذا التركيب قلب ... ، لأن المحدث عنه الخبر، فكان حقه أن يقول: كذا إذا ما الخبرُ كان الفعلا وهو خاص بالشعر، وأصل التركيب: كذا إذا ما كان الخبر الفعل المسند إلى ضمير المبتدأ المفرد فامنع تقديمه على المبتدأ"2. فإنه من المعلوم أن العرب بعامة مجمعون على رفع الفاعل ونصب المفعول إذا ذكر الفاعل، غير أنه قد ورد في الشعر شيء على جهة القلب، فصُيِّر المفعول فاعلاً والفاعل مفعولاً على التأويل3. كقول الأخطل: مثل القنافذ هَّداجونَ قد بلغت ... نجرانَ أو بلغت سوءاتِهم هجرُ4

_ 1 الألفية ص 17. 2 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 26. 3 انظر: الجمل للزجاجي 203. 4 البيت من " البسيط " من قصيدة مدح فيها الشاعر بني مروان وهجا جريراً وقومه. القنافذ: جمع قنفذ وهو معروف يُضرب به المثل في سري الليل. وهدَّاجون: من الهدج وهو مشي في ضعف أو هو مقارب الخطو مع الإسراع من غير إرادة. والسوءات: الفواحش والقبائح. شبَّههم بالقنافذ لمشيهم بالليل للسرقة والفجور. والبيت في: الديوان 109، مجاز القرآن 2/39، الكامل 1/475، الجمل 230، الحلل 276، شرح الجمل 2/602، شرح ألفية ابن معطي 2/1390.

أراد: بلغت نجرانَ سوءاتُهم أو هجرَ، وذلك وجه الكلام، لأن السوءات تنتقل من مكان فتبلغ مكاناً آخر، إلاَّ أنه قلب الفاعل فصار مفعولاً فجعل "هجر" كأنها هي البالغة وإنما هي المبلوغة في المعنى، لأن البلدان لا ينتقلن وإنما يُبلغنَ ولا يَبلغن 1. وأكثر ما يكون ذلك فيما لا يشكل معناه من الكلام ولم يدخله لبس كالبيت السابق2. وقد اختلف العلماء في قلب الإعراب، فمنهم من أجازه في الضرورة مطلقاً، على تأويلٍ هو أن يضمَّن العامل معنًى يصح به. ومنهم من أجازه في الشعر وفي الكلام اتساعاً واتكالاً على فهم المعنى3. وقد حكى أبو زيدِ الأنصاري (215هـ) : إذا طلعت الجوزاء انتصب العودُ في الحِرباء4. يريد: انتصب الحرباء في العود5.

_ 1 انظر: الأصول 3/464، ما يحتمل الشعر من الضرورة 210، شرح الأبيات المشكلة الإعراب 123. 2 انظر: الكامل 1/475، الأصول 3/463، ما يجوز للشاعر في الضرورة 103. 3 انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة 216، الارتشاف 3/333، الهمع 5/349. 4 الحِرباء: دويِّبة يستقبل الشمس برأسه ويكون معها كيف دارت ويتلون ألوانا بحر الشمس. انظر: حياة الحيوان الكبرى 1/231. 5 انظر: النوادر 409.

وحكى أبو الحسن: عرضتُ الناقةَ على الحوضِ، وعرضتها على الماء. يراد: عرضتُ الماءَ والحوض عليها1. ومن كلامهم: إنَّ فلانةَ لتنوءُ بها عجيزتُها. يراد: لتنوءُ هي بعجيزتها2 وكذلك قوله تعالى: {وَآتَينْاهُ مِنَ الكُنُوزِ ما إنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعُصْبَةِ أُولي القُوَّة} 3 فقد احتمله قوم على مثل هذا، وقالوا: إن المفاتيح لا تنوء بالعصبة، بل العصبة تنوء بها وتحملها في ثقل. وقيل: ليس الأمر كذلك بل الصواب أن الباء للنقل بمعنى الهمزة، فيكون معنى لتنوء بالعصبة: لتنوء العصبةُ. كما تقول: ذهب بزيدٍ وأذهبه، وكذلك: ناءَ به وأناءه. ومثله قولهم: لتنوء بها عجيزتها4. وذهب ابن عصفور إلى أن القلب لا يجوز إلاَّ في الشعر، وأن ما جاء منه في الكلام قليلٌ لا يقاس عليه5. وأورد ابن السراج القلبَ فيما جاء كالشاذ الذي لا يقاس عليه6. والراجح لديَّ أنه يجوز في الشعر وفي سعة الكلام. لكنما المسألة تعود إلى القلة والكثرة، فيكثر القلب في الشعر ويقل في الكلام كما تقدم من الأمثلة التي حكاها أبوزيد وغيره، ولكن على شرط أن لا يشكل معناه. وعليه فالذي يظهر لي أن قول ابن مالك: كذا إذا ما الفعل كان الخبرا

_ 1 انظر: شرح الأبيات المشكلة الإعراب 123، ضرائر الشعر 271. 2 انظر: الكامل 1/475، شرح الجمل 2/603. 3 من الآية 76 من سورة القصص. 4 انظر: الأصول 3/466، ما يحتمل الشعر من الضرورة 216، شرح الجمل 2/603. 5 انظر: ضرائر الشعر 271، شرح الجمل 2/603. 6 انظر: الأصول 3/463 وكذلك أورده القزاز وابن عصفور في الضرائر الشعرية.

لا بأس به، لكونه مما لا يلبس، ولوقوعه في الشعر الذي نصَّ العلماء على أن القلب فيه جائز.

تقديم المفعول له على عامله

تقديم المفعول له على عامله: الأصل في المفعول له أنه يجوز تقديمه على عامله نحو: مخافةَ شره جئته، لأن العامل متصرف في نفسه فيتصرف في معموله1. هذا إن لم يكن هناك مانع يمنع من ذلك. فإن كان هكذا امتنع تقديم المفعول له إلا على جهة الضرورة الشعرية. وممَّن نصّ على جواز تقديمه أبو حيان2، والمرادي3، والسيوطي4، سواء كان المفعول له منصوباً أو مجروراً. وذهبت طائفة منها ثعلب إلى منع تقديم المفعول له على عامله5. والسماع يرد عليهم، قال الشاعر: فما جَزَعاً وربِّ الناس أبكي-ولا حرصاً على الدنيا اعتراني 6 فإن "جزعاً" مفعول له مقدم على عامله وهو "أبكي". وقد اضطر ابن مالك إلى تقديم المفعول له مع وجود المانع حين قال: فاجرره باللام وليس يمتنعْ مع الشروطِ كلزُهْدٍ ذا قَنِعْ7.

_ 1 انظر: أسرار العربية 189. 2 انظر: الارتشاف 2/224، التذييل والتكميل جزء (2) لوحة 197. 3 انظر: توضيح المقاصد 2/89. 4 انظر: الهمع 3/135. 5 انظر: الارتشاف 2/224، الهمع 3/135. 6 البيت من " الوافر ". قال الشنقيطي: نسبه أبو حيان لجحدر، فإن كان يريد جحدر بن مالك الحنفي فلم نجده في نونيته المشهورة إلا أن يكون سقط من الرواة. الدرر 3/80. وهو في الهمع 3/135 بلا نسبة. 7 الألفية ص27.

فإن "ذا" اسم إشارة في محل رفع على الابتداء، وجملة "قَنِع" خبره. قال الأزهري: "وفيه تقديم المفعول له على عامله وما أظن أحداً يجيز مثل ذلك نثراً، لأن الخبر الفعلي لا يجوز تقديمه على المبتدأ فمعموله أولى. وقول بعض الشراح إن فيه إشعاراً بجواز تقديم المعمول له على عامله صحيح لكنه مشروطٌ بعدم المانع....والمانع هنا موجود كما ترى، وإنما يجوز ذلك أن لو قال: ذا لزهدٍ قنع. ولم أرَ أحداً تنبه لما قلناه في هذا المثال، بل حكموا فيه بالجواز مطلقاً، والظاهر وقفه على الضرورة"1. قيل: وقد وقف على كلام الأزهري غير واحد وسلَّمه2.

_ 1 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 54. 2 انظر: حاشية ابن الحاج على المكودي 1/158.

خروج "سوى" عن الظرفية

خروج "سوى" عن الظرفية: ذهب سيبويه، وجمهور البصريين إلى أن "سوى" ظرف مكان ملازم للنصب على الظرفية لا يخرج عن ذلك إلاَّ في الشعر1. ومما احتج به هؤلاء الاستقراءُ، فإن العرب لم تستعمل "سوى" في اختيار الكلام إلا ظرفاً، وتُتأول في الموضع الذي وقعت فيه غير ظرف2. واحتج سيبويه لهذا بعدم تصرفها، وعدم التصرف إنما يوجد في الظرف، وفي المصادر، وفي الأسماء المبهمة3. كما احتج البصريون لملازمة "سوى" النصب على الظرفيةِ بأنها صفة ظرف في الأصل، والأولى في صفات الظروف إذا حذفت موصوفاتها النصب4.

_ 1 انظر: الكتاب 1/203، الأصول 1/199. 2 انظر: الإنصاف 1/296، التبيين 419. 3 انظر: الكتاب 1/203، 204. 4 انظر: كتاب سيبويه والضرورة الشعرية 282.

وذهب الكوفيون إلى أن "سوى" ترد بالوجهين، فتكون اسماً كـ"غير" وتكون ظرفاً، فليس خروجها عن الظرفية، مقصوراً على الضرورة الشعرية1. وذهب الزجاجي2 (340هـ) وابن مالك إلى أن "سوى" كـ"غير" تصرفاً ومعنى، فيقال: "جاءني سواك" بالرفع على الفاعلية، و"رأيت سواك" بالنصب على المفعولية، و" ما جاءني أحد سواك" بالنصب والرفع. كما ذهب إلى هذا أيضاً ابن الناظم3 ورجحه ابن هشام4. وأورد ابن مالك في شرح التسهيل، وشرح الكافية الشافية طائفةً من الشواهد النثرية، والشعرية الدالة على تصرفها5. وذهب الرماني6 والعكبري7 إلى أن "سوى" تستعمل ظرفاً غالباً وكـ"غير" قليلاً، وإلى هذا ذهب المرادي8 وابن هشام9، ورجحه الأشموني 10 (900هـ) . وقد استعملها ابن مالك غير ظرف في باب "العلم" حيث قال: واسماً أتى وكنيةً ولقبا ... وأخرن ذا إن سواه صحبا 11

_ 1 انظر: المصدر السابق 282. 2 انظر: المغني 188، الهمع 3/361. 3 انظر: شرح الألفية 307. 4 انظر: المغني 188. 5 انظر: شرح التسهيل 2/314، 315، شرح الكافية الشافية 2/716، 717. 6 انظر: الارتشاف 2/326. 7 انظر: التبيين 419، 422. 8 انظر: توضيح المقاصد 2/120. 9 انظر: أوضح المسالك 2/282. 10 انظر: شرح الأشموني 2/160. 11 الألفية ص 13.

فـ"سواه" مفعول به مقدم لـ"صحب". كما استعملها غير ظرف في باب "اسم الإشارة" إذ قال: وذانِ تانِ للمثنى المرتفع ... وفي سواه ذَيْنِ تَيْنِ اذكر تَطع1 حيث جرّ "سوى"، لأنها عنده متصرفة2.

_ 1 المصدر السابق ص14. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 17، 18.

مجيء الحال من المبتدأ

مجيء الحال من المبتدأ: قال ابن مالك في باب " عطف النسق ": فالعطفُ مطلقاً بواوٍ ثم -حتى أم أو كفيك صدقٌ ووفا1 فقوله: "العطف" مبتدأ وخبره "بواو" وما بعده. و"مطلقاً" حال من العطف. قاله المكودي2. فقوله: "ومطلقاً حال من العطف" فيه إتيان الحال من المبتدأ وهو ضعيف. وقيل: حال من الضمير المستتر في الخبر. وجاء تقديم الحال على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه؛ لأن ذلك مغتفر في النظم. على أن الأخفش، والناظم أجازاه قياساً3. قلت: ستأتي قريباً مسألة تقديم الحال على عاملها الظرفي. وسأناقش - هاهنا - مسألة إتيان الحال من المبتدأ. فأقول:

_ 1 الألفية ص 42. 2 شرح المكودي 142. 3 انظر: حاشية الملوي على المكودي 142.

اختلف النحويون في مجئ الحال من المبتدأ؛ فظاهر كلام سيبويه أن صاحب الحال في نحو: "فيها قائماً رجلٌ" هو المبتدأ. وصححَّه ابن مالك. وأكثر النحويين على منعه قائلين: إن صاحب الحال هو الضمير المستكن في الخبر بناءً على أنه لا يكون إلاَّ من الفاعل والمفعول1. قال ابن مالك: "وقول سيبويه هو الصحيح؛ لأن الحال خبرٌ في المعنى، فَجَعْلُه لأظهر الاسمين أولى من جعله لأغمضهما"2. (وزعم أبو الحسن بن خروف أن الخبر إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً لا ضمير فيه عند سيبويه، والفراء إلاَّ إذا تأخر، وأما إذا تقدم فلا ضمير فيه. واستدل على ذلك بأنه لو كان فيه ضمير إذا تقدم لجاز أن يؤكد، وأن يعطف عليه، وأن يبدل منه كما فعل ذلك مع التأخر) 3. وإذا قيل: "زيد راكباً صاحبك" لم يجز عند الجمهور إلاَّ على تقدير: إذا كان راكباً4. كما يظهر من كلام أبي القاسم الزجاجي في الجمل أن الابتداء يعمل في الحال؛ لأن العامل في الحال هو العامل في صاحب الحال 5. ومذهب أبي العباس المبرد، وتبعه ابن السراج أنه لا يعمل في الحال إلا فعل مجرد أو شيء في معنى الفعل كاسم الإشارة في قولك: هذا زيد قائماً؛ لأن المبتدأ هاهنا في معنى الفعل وهو التنبيه، كأنك قلت: انتبه له قائماً.

_ 1 انظر: شرح التسهيل 2/333، البسيط 1/315، 528، الارتشاف 2/347، الهمع 4/23. 2 شرح التسهيل 2/333. 3 شرح التسهيل 2/333، وانظر: الارتشاف 2/347، والهمع 4/23. 4 انظر: البسيط 1/315. 5 انظر: الجمل 363، 364. وانظر كذلك ص35.

وإذا قلت: ذاك زيد قائماً صار كأنك قلت: أُشير لك إليه قائماً1. أما مذهب سيبويه: فإن الذي يظهر لي - كما ظهر لغيري من قبل - أن الحال تجئ من المبتدأ. فإنه قال في باب "ما ينتصب لأنه خبرٌ للمعروف المبني ... ": (فأما المبني على الأسماء المبهمة فقولك: هذا عبد الله منطلقاً ... ، فـ"هذا" اسمٌ مبتدأ يُبنى عليه ما بعده وهو "عبد الله"، ولم يكن ليكون هذا كلاماً حتى يُبنى عليه أو يُبنى على ما قبله ... والمعنى أنك تريد أن تعرِّفه عبد الله؛ لأنك ظننت أنه يجهله، فكأنك قلت: انظر إليه منطلقاً، فـ " منطلقاً " حال قد صار فيها عبد الله، وحال بين منطلق وهذا2. لكن الذي يبدو لي من هذا النصّ أن المذهب المتقدم عن المبرد وابن السراج موافق لمذهب سيبويه وهو أن الحال تجيء من المبتدأ إذا كان في معنى الفعل كأسماء الإشارة؛ لأن سيبويه قال: "فكأنك قلت: انظر إليه منطلقا" ومثَّل سيبويه - في موضع آخر من الكتاب - بـ"فيها عبد الله قائماً، وعبد الله فيها قائماً" ثم قال: "قولك: "فيها" كقولك: استقرَّ عبد الله، ثم أردت أن تخبر على أية حال استقرَّ فقلت: قائماً، فـ "قائم" حال مُسْتَقَرٌّ فيها. وإن شئت ألغيت "فيها"3 فقلت: فيها عبد الله قائمٌ ... فإذا نصبت القائم فـ"فيها" قد حالت بين المبتدأ والقائم واستُغني بها، فعمل المبتدأ حين لم يكن القائم مبنياً عليه عَمَلَ: هذا زيد قائماً"4.

_ 1 انظر: المقتضب 3/274، 4/168. وانظر: الأصول 1/218. 2 الكتاب 1/256. 3 يُسمي سيبويه الظرف - إذا لم يكن خبراً - ملغى؛ لأنه يتم الكلام بإلغائه وإسقاطه، وذلك قوله: وإن شئت ألغيت فيها فقلت: فيها عبد الله قائم. انظر: شرح السيرافي جزء (2) لوحة 199. 4 الكتاب 1/261،262.

والراجح لديَّ أن المبتدأ يعمل في الحال إذا كان فيه معنى فعل كما قال سيبويه، وأبو العباس المبرد وأبو بكر بن السراج، وصححه ابن مالك. وفي القرآن الكريم: {وَهَذا بَعْلي شَيْخاً} 1. فالجمهور على نصب "شيخاً" وفيه وجهان2 أشهرهما أنه حالٌ، والعامل فيه معنى الإشارة، والتنبيه أو أحدهما. والآخر: أنه منصوب على التقريب3 عند الكوفيين.

_ 1 من الآية 72 من سورة هود. 2 انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج3/64، الكشاف 2/225، التبيان 2/707، الفريد 2/649، الدر المصون 6/357. 3 يراد بالتقريب عمل اسم الإشارة "هذا وهذه" في الجمل الاسمية. قال السيوطي: (وذهب الكوفيون إلى أن هذا وهذه إذا أريد بهما التقريب كانا من أخوات "كان" في احتياجهما إلى اسم مرفوع وخبر منصوب نحو: كيف أخاف الظلم وهذا الخليفةُ قادماً) الهمع 2/71.

مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ

مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ: حق الحال أن تكون من المعرفة؛ لأنها خبر في المعنى، وصاحبها مخبر عنه، فأصله أن يكون معرفة. وكما جاز أن يُبتدأ بنكرة بشرط حصول الفائدة وأمن اللبس كذلك يكون صاحب الحال نكرة بشرط وضوح المعنى، وأمن اللبس. ولا يكون ذلك في الأكثر إلا بمسوغ. قاله ابن مالك1. وأشهر ما ذكره النحويون من مسوغات تنكير صاحب الحال تخصيصُه بوصف أو بإضافة.

_ 4 شرح التسهيل 2/331 (بتصرف يسير) .

فمن الأول قول الحق تبارك وتعالى: {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أمْراً مِنْ عِنْدِنا} 1. ومن الثاني قوله: {في أَرْبَعَةِ أيَّامٍ سَواءً للسَّائِلِينَ} 2. ومن مسوغات تنكيره كذلك: تقدم الحال عليه نحو: جاءني ضاحكاً رجلٌ. أو اعتماده على نفي كقوله تعالى: {ومَا أَهْلَكْنا مِن قَرْيَةٍ إلاّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ} 3. أو نهي كـ"لا تعتب على صديقٍ غائباً". وقد اختلف النحاة في مجيء الحال من النكرة دون مسوغ من المسوغات السابقة؛ فذهب سيبويه إلى أن ذلك مقيسٌ لا يُوقف فيه على ما ورد به السماع، وإن كان الإتباع في إعرابه صفةً أقوى4. ووجه ماذهب إليه سيبويه أن الحال إنما يؤتى بها لتقييد العامل، فلا معنى لاشتراط المسوغ في صاحبها5. وذهب ابن مالك إلى إن مجيء صاحب الحال نكرة خالية من المسوغات المذكورة جائز بقلة؛ لقوله في الألفية:-- ولم يُنكَّرْ – غالباً - ذو الحال إنْ ... لم يتأخر أو يُخصَّص أو يَبِنْ من بعدِ نفيٍ أو مضاهيه كلا ... يبغ امرؤٌ على امرىءٍ مستسهلاً6 ولمَّا كان هذا مذهبه - في مجيء صاحب الحال نكرة - فقد جاء شيءٌ من ذلك في باب "الإبدال" إذ قال:

_ 1 من الآية 4 من سورة الدخان. 2 من الآية 10 من سورة فصلت. 3 من الآية 40 من سورة الحجر. 4 الكتاب 1/272. 5 انظر: منحة الجليل 2/263. 6 الألفية ص30.

أحرفُ الإبدالِ هَدَأْتَ مُوطيا ... فأبدلِ الهمزةَ من واوٍ ويا آخراً اثر ألفٍ زِيد وفي ... فاعِلِ ما أُعِلَّ عيناً ذا اقتُفي 1 قال الصبان (1206هـ) : "وله: "آخراً" جعله حالاً من المتعاطفين قبله، وإن أحوج إفراده إلى تأويلها بالمذكور، وإلى ارتكاب الحال من النكرة بلا مسوغ، وهو نادر"2. وذهب ابن هشام إلى ما ذهب إليه ابن مالك3. أما أبو حيان فقد اختار مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ كثيراً قياساً، وإن كان دون الإتباع في القوة4. ويرى ابن الشجري5 (542هـ) والإسفراييني6 (684هـ) أن مجيء الحال من النكرة دون مسوغ ضعيف. وعدَّه ابن أبي الربيع ضعيفاً قبيحاً7. وكذا عدَّه قبيحاً ابن القواس8 (696هـ) فقال:

_ 1 الألفية ص67. 2 حاشية الصبان على الأشموني 4/285. وقد تفرَّد الصبان بهذا الإعراب - حسب ما وقفت عليه - أما بقية المعربين فعلى أن "آخراً" و "إثرَ" منصوبان على الظرفية. 3 انظر: أوضح المسالك 2/317. 4 انظر: التذييل والتكميل جزء 3 لوحة 74. 5 انظر: الأمالي 1/346. 6 انظر: لباب الإعراب 325. والإسفراييني هو تاج الدين محمد بن محمد بن أحمد. ويعرف عند النحويين بصاحب اللباب وصاحب الضوء (الأنساب 1/223، مفتاح السعادة 1/173) . 7 انظر: البسيط 2/723. 8 هو عز الدين أبو الفضل بن جمعة بن زيد بن القواس الموصلي. عالم بالنحو. ولد بالموصل سنة 628هـ. شَرَح ألفية ابن معطي وكافية ابن الحاجب. (طبقات الحنابلة 2/379، بغية الوعاة 2/99) .

إن خلت النكرة من مسوغ فمجيء الحال منها قبيح؛ لإمكان الحمل على الصفة مع المخالفة في الإعراب1. وقال عنه السيوطي (911هـ) : نادر2. والصحيح عندي ما ذهب إليه سيبويه من صحة مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ، وإن كان دون الإتباع في القوة؛ فقد ورد في كلام العرب شيئ من ذلك، كقولهم: فيها رجلٌ قائماً، وعليه مائةٌ عيناً3. وما حكاه يونس (182هـ) فيما سبق أن العرب تقول: مررت بماءٍ قعدةَ رجلٍ. ويُسِّهل ذلك أن الحال إنما يجاء بها لتقييد العامل، فلا ضرورة لاشتراط المسوغ في صاحبها.

_ 1 شرح ألفية ابن معطي 2/564 (بتصرف يسير) . 2 انظر: الهمع 4/21. 3 العين - هاهنا - الدينار والذهب.

تقديم الحال على عاملها غير المتصرف

تقديم الحال على عاملها غير المتصرف: قال ابن مالك في باب "إعراب الفعل": وبعدَ حتىَّ هكذا إضمارُ أنْ ... حَتْمٌ كـ "جد حتى تَسُرَّ ذا حَزَنْ1 فقوله: "إضمار": مبتدأ، و "حَتْمٌ" بمعنى واجب خبره، و"هكذا" في موضع الحال من "حتم" على أنه في الأصل نعت له قدم عليه فانتصب على الحال. والتقدير: إضمارُ أنْ بعد حتى هكذا فقدم الحال على عاملها، وهو غير متصرف، ولا شبيه به للضرورة2.

_ 1 الألفية ص 51. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 111.

قلت: مذهب جمهور النحويين1 أنه إذا كان العامل في الحال فعلاً متصرفاً نحو: أتيت مسرعاً، وزيد دعا مخلصاً فإنه يجوز تقديم الحال عليه. وكذلك إذا كان العامل صفةً تشبه الفعل المتصرف بأن كانت متضمنهً معنى الفعل، وحروفه، وقبول علاماته الفرعية من تأنيث، وتثنية، وجمع، فذا في قوة الفعل. ويستوي في ذلك اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة. نحو: راحل، ومقبول. فيجوز أن يقال: مسرعاً أتيت، وزيد مخلصاً دعا، وهو مسرعاً راحل، وأنت شاهداً مقبول2. قال ابن مالك: والحالُ إن يُنصب بفعلٍ صُرِّفا ... أو صفةٍ أشبهتِ المصرَّفا فجائزٌ تقديمه كمسرعا ... ذا راحلٌ، ومخلصاً زيدٌ دعا3 فإذا كان العامل فعلاً غير متصرف كفعل التعجب لم يجز تقديمها عليه. وكذلك لو كان العاملُ صفةً لا تشبه الفعل المتصرف كأفعل التفضيل، فإنه لا يجوز تقديم الحال عليه4، نحو: زيد أحسنُ من عمرو ضاحكاً. وجواز تقديم الحال على العامل المتصرف مشروط بعدم المانع كوقوعه صلة " ال " نحو: أنت المصلي فذّاً، والجائي مسرعاً زيدٌ. فلا يقال: ال فذَّاً أنت مصلٍّ، ولا: ال مسرعاً جاءني زيدٌ. بخلاف صلة غيرها فيقال: من الذي خائفاً جاء5؟

_ 1 يرى أبو عمر الجرمي أنه لا يجوز تقديم الحال على عاملها مطلقاً تشبيهاً لها بالتمييز. ويرى الأخفش منع تقديم الحال في نحو " راكباً جاء زيدٌ " لبعدها عن العامل. انظر: الارتشاف 2/349، توضيح المقاصد 2/152، المساعد 2/26، الهمع 4/27. 2 انظر: شرح الكافية الشافية 2/752، شرح التسهيل 2/343، شرح ابن عقيل 2/270. 3 الألفية ص 30. 4 يستثنى من ذلك لو توسط أفعل التفضيل بين حالين نحو: زيدٌ مفرداً أنفع من عمرو معاناً؛ فلا يجوز تقديم هذين الحالين ولا تأخيرهما عنه، فلا يقال: زيدٌ مفرداً معاناً أنفع من عمرو، ولا زيدٌ أنفع من عمرو مفرداً معانا. انظر: توضيح المقاصد 2/153. 5 انظر: شرح التسهيل 2/344، الارتشاف 2/350، الهمع 4/29.

وكذلك لو كان العامل صلةً لحرفٍ مصدري عامل كـ"أن" أو إحدى أخواتها، نحو: يعجبني أن يقوم زيدٌ مسرعاً، فلا يجوز: يعجبني أنْ مسرعاً يقوم زيد1. أو كان مصدراً ينسبك بحرف مصدري، والفعل نحو: سرني ذهابك غداً غازياً، ولأجزينك بودك إياي مخلصاً2. وقد يكون العامل غير ما ذكر وعرض له مانع يمنع ما بعده أن يعمل فيما قبله؛ كأن يكون مقروناً بلام ابتداء نحو: لأصبر محتسباً، أو بلام قسم نحو: لأقومن طائعاً؛ فإن ما في حيِّز لام الابتداء ولام القسم لا يتقدم عليهما، إذ لا يقال: محتسباً لأصبر، ولا: طائعاً لأقومنَّ؛ لأن لام الابتداء ولام القسم من الأشياء التي لها الصدارة فلا يجوز أن يعمل ما بعدهما في شيءٍ قبلهما3. هذا هو مجمل قول جمهور النحويين في مسألة تقديم الحال على عاملها، ومنهم ابن مالك كما اتضح. وعليه فإن تقديم الناظم للحال في النظم السابق يُعدُّ ضرورة؛ لأن العامل فيها وهو قوله "حتم" مصدر وليس بفعل متصرف ولا شبيه بالمتصرف.

_ 1 انظر: شرح التسهيل 2/344، الارتشاف 2/350. 2 انظر: شرح التسهيل 2/344، أوضح المسالك 2/328. 3 انظر: شرح التسهيل 2/344، أوضح المسالك 2/330، التصريح 1/383.

تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف

تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف: لايجوز عند أكثر النحويين تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف، فلا يجوز عندهم أن يقال في "مررت بهندٍ جالسةً" مررت جالسةً بهند، قياساً على المجرور بالإضافة في امتناع تقدم حاله عليه1.

_ 1 انظر: المقتضب 4/171، 302، اللمع 118، أمالي ابن الشجري 3/15، التوطئة 214، شرح التسهيل 2/336، شرح الكافية الشافية 2/744.

وذهب ابن كيسان (320هـ) ، وأبو علي الفارسي، وابن برهان إلى جواز ذلك1. وتابعهم ابن مالك فقال في الألفية: وسبقَ حالٍ ما بحرفٍ جُرَّ قد ... أَبَوْا، ولا أمنعه فقد وردْ 2 وحجته في ذلك - بالإضافة إلى السماع - أن المجرور بحرف مفعولٌ به في المعنى، فلا يمتنع تقديم حاله عليه كما لا يُمنع تقديم المفعول به3. ومما جاء مسموعاً من أشعار العرب الموثوق بعربيتهم قول الشاعر4: لئن كانَ بردُ الماءِ هيمانَ صادياً-إليَّ حبيباً إنها لحبيبُ 5 فـ "هيمان" و "صاديا" حالان من الضمير المجرور بـ "إلى" وهو الياء.

_ 1 انظر: شرح التسهيل 2/337، الارتشاف 2/348. 2 الألفية ص 30. 3 انظر: شرح الكافية الشافية 2/744. 4 اختلف فيه فقيل: هو عروة بن حزام العذري، وقيل: كثيرِّ عزَّة، وقيل: قيس بن ذريح، وقيل: مجنون ليلى. فهو لعروة في: الشعر والشعراء 2/623، والخزانة 3/212، 218، ولكثير عزة في المقاصد النحوية 3/156، وللمجنون في سمط اللآلي 400. وقال المبرد في الكامل 2/789: أحسبه لقيس بن ذريح. وبلا نسبة في: شرح التسهيل 2/338، شرح ابن عقيل 2/264، شرح الأشموني 2/177. 5 البيت من "الطويل". "هيمان": شديد العطش. "صادياً": عطشان. يقول: إذا كان الماء البارد حبيباً إلى نفسي وأنا في أشد العطش والظمأ فإن هذه المرأة حبيبة إلى نفسي كالماء للعطشان.

وأشار في التسهيل، وشرحه إلى أن تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف ضعيفٌ على الأصح لا ممتنع 1. ولما كان تقديم الحال على صاحبها بهذه الهيئة جائز عنده - وإن كان ممتنعاً عند غيره - استخدمه في باب "أفعل التفضيل" حيث قال: وأفعلَ التفضيلِ صله أبدا-تقديراً او لفظاً بـ "مِنْ" إنْ جُرِّدا2 فقوله: "تقديراً أو لفظاً" مصدران في موضع الحال من المجرور بعدهما. وعند المانعين منصوبان على إسقاط "في"3.

_ 1 انظر: شرح التسهيل 2/337، الارتشاف 2/348. 2 الألفية ص 30. 3 انظر: شرح الكافية الشافية 2/744.

تقديم الحال على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه

تقديم الحال على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه: للحال مع عاملها - إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً - ثلاث صور: الأولى: أن تتأخر عن الجملة نحو: زيد في الدار قائماً وزيد عندك مقيماً. وهذه الصورة لا إشكال في جوازها، بل هي الأصل1. الثانية: أن تتوسط بين المخبر عنه والخبر. نحو: زيدٌ قائماً في الدار، وزيد مقيماً عندك - وستأتي قريباً -. الثالثة: أن تتقدم الحال على الجملة نحو: قائماً زيدٌ في الدار، ومقيماً زيدٌ عندك. وهي ما أنا بصدد الحديث عنه الآن؛ حيث قال ابن مالك في آخر باب "أبنية المصادر": في غيرِ ذي الثلاثِ بالتا المرّهْ ... وشذَّ في هيئةٍ كالخِمْرهْ2

_ 1 انظر: توضيح المقاصد 2/156. 2 الألفية ص37.

فإن قوله: "في غير" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال مقدم على صاحبه وهو الضمير المستكن في خبر المبتدأ المقدم الذي هو قوله: "بالتا" و "المرَّه" مبتدأ مؤخر. والتقدير: والمرة كائنة بالتاء حال كونها كائنة في غير الفعل صاحب الأحرف الثلاثة، فقدم الحال على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه1. قال الأزهري: وهو نادر2. فهذه الصورة منعها جمهور النحاة، فلا يقال عندهم: قائماً زيدٌ في الدار، ولا قائماً في الدار زيدٌ؛ نظراً إلى ضعف الظروف في العمل3. على أن أبا بكر بن طاهر4 (580هـ) قد ذكَر أنه ليس ثمت خلاف في امتناع: قائماً زيدٌ في الدار5، وتبعه ابن مالك6. ولكن الصحيح خلاف ذلك؛ فإن أبا الحسن الأخفش قد أجاز في قولهم: "فداءً لك أبي وأمي" أن يكون "فداءً" حالاً، والعامل فيه "لك". وهو نظير: قائماً في الدار زيدٌ7. أما الصورة التي وعدت قريباً بذكرها فهي أن تتوسط الحال بين المخبر عنه، والخبر، وتلك لا تخلو من أن تكون متوسطة بين الخبر المقدم، والمبتدأ المؤخر نحو: عندك قائماً زيد، وفي الدار مقيماً عمرو. وهذه لا خلاف في جوازها8.

_ 1 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 76، منحة الجليل 3/133. 2 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 76. 3 انظر: الكتاب 1/277، المقتضب 4/300. 4 هو محمد بن أحمد بن طاهر الأنصاري الإشبيلي. يُعرف بـ "الخِدَبّ ". نحوي، حافظ، بارع اشتهر بتدريس " الكتاب " و " معاني القرآن " للفراء، و " الإيضاح " لأبي علي. (إنباه الرواة 4/194، 195، إشارة التعيين 295، بغية الوعاة 1/28) . 5 ينظر: الارتشاف 2/355. 6 ينظر: شرح الكافية الشافية 2/753. 7 ينظر: الارتشاف 2/355، توضيح المقاصد 2/156. 8 انظر: توضيح المقاصد 2/157.

أو تكون الحال بين المبتدأ والخبر في ترتيبها الأصلي، نحو: زيد قائماً عندك، وعمرو مقيماً في الدار. ففي هذه الصورة خلاف بين النحويين على أربعة مذاهب. سأوردها باختصار، ولكني سأذكر قبل ذلك ما جاء في ألفية ابن مالك من هذا القبيل. ففي باب " عطف النسق " قال: فالعطف مطلقاً بواوٍ ثم فا ... حتى أم أو كفيك صدقٌ ووفا 1 فقوله: "العطف": مبتدأ، وخبره قوله: "بواو" و "مطلقاً" حال من الضمير المستتر في الخبر، وجاء تقديم الحال على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه؛ لأن ذلك مغتفر في النظم، على أن الأخفش والناظم أجازاه قياساً2. وفي باب "المقصور والممدود" قال: والعادمُ النظير ذا قصر وذا ... مدٍّ بنقلٍ كالحجا وكالحذا 3 فقوله: "العادم": مبتدأ، و "بنقل" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبره. و"ذا قصر وذا مد" حالان من الضمير المستكن في الخبر. وهذا من تقديم الحال على عاملها المعنوي4. والآن أُورد المذاهب الأربعة في هذه المسألة: الأول: مذهب جمهور البصريين المتمثل في المنع مطلقاً5. وما ورد من ذلك فمسموع يحفظ ولا يقاس عليه6؛ نظراً لضعف العامل بعدم تصرفه7.

_ 1 الألفية ص42. 2 انظر: حاشية الملوي على المكودي 142. 3 الألفية ص57. 4 انظر: شرح الأشموني 4/109. 5 انظر: الارتشاف 2/355، توضيح المقاصد 2/157، شرح الأشموني1/181. 6 انظر: شرح الألفية لابن الناظم 329، شرح الأشموني 1/181. 7 انظر: المقتضب 4/170.

الثاني: الجواز مطلقاً، وإليه ذهب الفراء1، والأخفش2، وصحَّحه ابن مالك مع التضعيف3. واستدل المجيزون بجملة من الشواهد، منها قراءة بعضهم 4: {وَقَالُوا ما فِي بُطُونِ هذِه الأنعامِ خالِصَةً لِذكُورِنا ومُحَرَّمٌ على أَزْواجِنا} 5. بنصب " خالصةً " على الحال المتوسطة بين المخبر عنه وهو " ما " والمخبر به وهو " لذكورنا". أما المانعون فقد ردُّوا ذلك وتأولوه. فمن أقوالهم: إن ما ورد من هذا قليل لا يُحفظ منه إلا هذا، وما لا بال له لقلته لا ينبغي القياس عليه 6. ومن تخريجاتهم للآية أن " خالصة " معمولة للجار والمجرور قبلها على أنها حال من الضمير المستتر في صلة " ما " فهو العامل في الحال. وتأنيث " خالصة " باعتبار معنى " ما "؛ لأنها واقعة على الأجنَّة 7. المذهب الثالث: الجواز بقوة إن كان الحال ظرفاً أو جاراً ومجروراً وبضعف إن كان اسماً صريحاً، وهو مذهب ابن مالك في التسهيل وشرحه 8.

_ 1 انظر: الارتشاف 2/355. 2 انظر: شرح الجمل 1/335، الفوائد الضيائية 1/388. 3 انظر: شرح التسهيل 2/346، وانظر: الهمع 4/33. 4 هي قراءة ابن عباس بخلاف، والأعرج، وقتادة، وسفيان بن حسين، وابن جبير، والزهري. (مختصر في شواذ القرآن 41، المحتسب 1/232، البحر المحيط 4/231) . 5 من الآية 139 من سورة الأنعام. 6 انظر: شرح الألفية لابن الناظم 239. وانظر: شرح الجمل 1/336. 7 انظر: التصريح 1/385، شرح الأشموني 2/182. وانظر: إعراب القرآن للنحاس 2/100، الكشاف 2/43. 8 انظر: التسهيل 111، وشرحه 2/346. وانظر: الارتشاف 2/356، شرح الأشموني 2/181.

المذهب الرابع: الجواز إذا كانت الحال من مضمر مرفوع نحو: أنت قائماً في الدار، والمنع إن كانت من ظاهر، وهو مذهب الكوفيين، فأجازوا أن يُقال في: " أنت في الدار قائماً ": في الدار قائماً أنت، وأنت قائماً في الدار1. والذي أميل إليه: أنه يجوز وقوع الحال بين المبتدأ والخبر في نحو: زيد في الدار قائماً، وزيدٌ عندك مقيماً. فيقال: زيدٌ قائماً في الدار، وزيد مقيماً عندك، وذلك لأمرين: الأول: السماع. وله شواهد مبثوثة في كتب النحو وغيرها. الثاني: أنه يتسع في الظرف والجار والمجرور ما لا يتسع في غيرهما.

_ 1 انظر: الارتشاف 2/355، تعليق الفرائد ج1 مج3 ص1917.

تفديم الصفة على الموصوف

تفديم الصفة على الموصوف ... تقديم الصفة على الموصوف: وهو من الأشياء التي نصَّ النحاة على منعها1. وذهب بعضهم إلى أنه إذا تقدمت الصفة على الموصوف أُعربت - حينئذٍ - حسب موقعها وأُبدل منها الموصوف2. فإذا قيل - مثلاً -: مررت بالطويل عبد الله فإنه لا يجوز جعل الطويل صفةً لعبد الله، ولكن على إرادة: مررت بالرجل الطويل عبد الله، فحذف الموصوف وأبدل عبد الله من الصفة. قاله ابن الشجري، وحكم عليه بالقبح3.

_ 1 انظر: أمالي ابن الشجري 1/275، شرح الجمل 1/218. 2 انظر: إعراب القرآن للنحاس 5/233، شرح التسهيل 3/320، البحر المحيط 5/404، حاشية ابن الحاج 2/34. 3 انظر: أمالي ابن الشجري 1/275.

ومثل ابن مالك1 لتقديم النعت وجعل المنعوت بدلاً بقوله عز وجل: {إلى صِراطِ العَزيزِ الحَمِيدِ اللهِ} 2. أما في الألفية فقد ذكر بعض المعربين بعض المواضع التي اضطر فيها ابن مالك إلى تقديم الصفة على الموصوف لإقامة الوزن. كقوله في باب "جمع المذكر السالم": وارفع بواوٍ وبيا اجرُرْ وانصبِ ... سالمَ جمعِ عامرٍ ومذنبِ 3 الأصل: جمع عامر ومذنب السالم، فقدم الصفة على الموصوف، وحذف "ال" ليتمكن من الإضافة، ثم أضاف الصفة إلى موصوفها كجرد قطيفةٍ وفاضل رجلٍ للضرورة4. وقال في باب "لا النافية للجنس": ومفرداً نعتاً لمبنيٍّ يلي ... فافتح أو انصبَن أو ارفع تَعْدِلِ 5 -قدَّم "مفرداً" على "نعتاً" مع أن حقه التأخير عنه؛ لأنه وصف له لأجل الضرورة. ويجوز نصبه على الحال؛ لأنه نعت نكرة تقدم عليها6. وقال في باب "النداء": وابنِ المعرَّف المنادى المفردا ... على الذي في رفعه قد عُهِدا 7 فقوله: " المعرَّف " مفعول بـ "ابْنِ"، وكان حقه أن يقدم المنادى؛ لأن المعرَّف نعت له، والمفرد نعت للمنادى8.

_ 1 انظر: شرح التسهيل 3/320. 2 من الآيتين 1، 2 من سورة إبراهيم. 3 الألفية ص11. 4 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 10. 5 الألفية ص21. 6 انظر: شرح المكودي 51. 7 الألفية ص44. 8 انظر: شرح المكودي 149، وانظر: حاشية الصبان 3/137.

فأصل كلام الناظم: وابنِ المنادى المعرف المفرد ... الخ، فالمعرّف نعت للمنادى، فقدم النعت وهو "المعرَّف" على المنعوت وهو "المنادى"، فأعرب المعرف مفعولاً والمنادى بدلاً منه، فصار التابع متبوعاً. ولو أراد الناظم السلامة من ذلك لقال: وابنِ المنادى المفرد المعرَّفا-على الذي في رفعه قد أُلفا1.

_ 1 انظر: حاشية ابن الحاج على شرح المكودي 2/34.

تقديم معمول المصدر على المصدر

تقديم معمول المصدر على المصدر: قال ابن مالك في باب "الضمير": وفي لَدُنِّي لَدُني قَلَّ وفي-قَدْني وقَطْني الحذفُ أيضاً قد يفي1 فإن قوله: "وفي قدني" متعلق بـ "يفي" أو بالحذف؛ فعلى الأول يلزم تقديم معمول الخبر على المبتدأ. ويلزم على الثاني إعمال المصدر المحلى بـ "أل" وتقديم معموله عليه، وكلاهما خاص بالشعر2. وقال في باب "كان وأخواتها": وبعد أنْ تعويضُ ما عنها ارتُكِبْ ... كمثل: أمَّا أنت برّاً فاقتربْ 3 قال الأزهري: "وبعد: متعلق بـ"ارتكب" أو بـ"تعويض". وأيًّا كان فاللازم أحد الأمرين: إما تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ، أو تقديم معمول المصدر عليه، وكلاهما مخصوص بالشعر"4.

_ 1 الألفية ص13. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 16. 3 الألفية ص18. 4 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 31.

وقال الناظم في أول باب "التنازع": إنْ عاملانِ اقتضيا في اسمٍ عَمَلْ ... قبلُ فللواحد منهما العملْ1 فالمكودي يرى أن قوله: "في اسم" متعلق بـ"اقتضيا"2، لكن الذي يظهر للأزهري - كما قال - أنه متعلق بـ"عمل" وقدم عليه للضرورة3. وفي باب "الممنوع من الصرف" قال: ولسراويلَ بهذا الجمعِ ... شبهٌ اقتضى عمومَ المنعِ4 نقل الأزهري عن الشاطبي قوله: "أتى بضرورة في هذا البيت؛ حيث قدم "بهذا" على "شبَه" وهو مصدر مقدر بـ "أنْ" والفعل، ولا يتقدم معموله عليه، ولا يمكن أن يقدر "شَبَه" هنا بمشبه كما قدر "عجب" بمعنى معجب في قوله تعالى: {أَكان للنَّاسِ عَجَباً} 5) اهـ. بمعناه6. قال الأزهري: "وقد يمنع كونه مقدراً بـ "أنْ" والفعل هنا ويدعي بأنه مصدر صريح، وحينئذٍ لا يمنع تقديم معموله عليه على الأصحّ - سلّمنا ذلك، لكن ذاك في غير المجرور والظرف لكونهما يكتفيان برائحة الفعل عند المحققين"7. ومن هذا قوله في باب "إعراب الفعل":

_ 1 الألفية ص26. 2 انظر: شرح المكودي 70. 3 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 50. 4 الألفية ص50. 5 من الآية 2 من سورة يونس. 6 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 107. 7 المصدر السابق 107.

وبعدَ " حتى" هكذا إضمارُ "أنْ" ... حتمٌ كـ" جد حتى تسرَّ ذا حَزَنْ1 أعرب الأزهري قوله: "حتم" خبر المبتدأ الذي هو "إضمار" والتقدير: إضمارُ أن حتم بعد حتى هكذا. قال: فقدم معمول المصدر عليه، وعلى المبتدأ العامل فيه للضرورة2. قلت: المصدر العامل على ضربين: أحدهما: مقدر بالفعل وحده وهو الآتي بدلاً من اللفظ بفعله نحو: ضرباً زيداً. وهذا يعمل عند أكثر النحويين مقدماً ومؤخراً؛ لأنه ليس بمنزلة موصول، ولا معموله بمنزلة صلة؛ فيقال: ضرباً زيداً، وزيداً ضرباً3. والآخر: مقدر بالفعل، وحرف مصدري. ولأجل تقديره بهذا جُعل هو ومعموله كموصول وصلة، فلا يتقدم ما يتعلق به عليه، كما لا يتقدم شيءٌ من الصلة على الموصول4. وقد نسب السيوطي إلى ابن السراج القول بجواز تقديم المفعول على المصدر نحو: يعجبني عمراً ضَرْبُ زيدٍ5. والذي في "الأصول" خلاف ذلك؛ إذ صرّح أبو بكر بعدم الجواز فقال: "واعلم أنه لا يجوز أن يتقدم الفاعل ولا المفعول الذي مع المصدر على المصدر؛ لأنه في صلته"6. ويرى ابن مالك إضمار عامل فيما أوهم خلاف ذلك، أو عدَّه نادراً7.

_ 1 الألفية ص51. 2 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 111 (بتصرف يسير) . 3 انظر: شرح الكافية الشافية 2/1024، شرح ألفية ابن معطي 2/1012. 4 انظر: التبصرة والتذكرة 1/241، شرح الكافية الشافية 2/1019. 5 انظر: الهمع 5/69. 6 الأصول 1/137. 7 انظر: التسهيل 142، شرح الكافية الشافية 2/1019.

فقد يجيء ما قبل المصدر متعلقاً به من جهة المعنى تعلق المعمول بالعامل، كقول ابن مُقْبل1: لقد طالَ عن دهماءَ لدِّي وعِذْرتي-وكتمانُها أُكني بأمِّ فُلانِ2 وكقول عمر بن أبي ربيعة: ظنُّها بي ظنُّ سوءٍ كُله ... وبها ظنِّي عَفافٌ وكرمْ3 قال ابن مالك: فَلَنا في هذه أن نعلق ما تقدم بمصدر آخر محذوف لدلالة الموجود عليه، فيصير كأنه قال: لدِّي عن دهماء لدِّي. وظنِّي بها ظنِّي. فيُتلطف لذلك كله فيما يُؤمن معه الخطأ ويُثبت به الصواب4. ويكون هذا التقدير نظير قولهم في قوله تعالى: {وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدينَ} 5، أنَّ تقديره: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين6.

_ 1 هو تميم بن أُبيّ بن مقبل، أبو كعب. من بني العجلان. شاعر مجيد مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام فأسلم. (طبقات فحول الشعراء 1/150، الشعر والشعراء 1/455 - 458، الإصابة 1/189، 190) . 2 البيت من " الطويل ". اللدد: الجدال والخصومة. الديوان 344، أمالي المرتضى 2/173، شرح التسهيل 3/113، التذييل والتكميل جـ3 لوحة 235، شرح شذور الذهب 374، شفاء العليل 2/647. 3 من " الرمل " ومعناه ظاهر. انظر: الديوان 377 برواية " سوءٍ فاحشٍ "، شرح التسهيل 3/113، التذييل والتكميل جـ3 لوحة 235. 4 انظر: شرح التسهيل 3/113، شرح الكافية الشافية 2/1019. 5 من الآية 20 من سورة يوسف. 6 تلك مسألة تتعلق بتقديم معمول الصلة على الموصول؛ حيث اختلف النحويون فيها على عدّة مذاهب؛ منها: المنع مطلقاً وهو قول جمهور البصريين، وأوَّلوا ما جاء في ذلك من شواهد على أربعة تأويلات؛ أحدها: أنه على تقدير عامل مضمر تقديره: أعني، ففي قوله تعالى: {وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدينَ} يكون التقدير: أعني فيه من الزاهدين.. الثاني: أن يكون التقدير: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين، ويكون قوله: "من الزاهدين" تبييناً لا صلة. وإذا كان كذلك جاز تقديمه؛ لأنه ليس في الصلة. والثالث: أن الألف واللام ليست بمعنى "الذي" وإنَّما هي للتعريف كهي في "الرجل". والرابع: أن الجار والمجرور متعلق بما تعلق به قوله: {مِنَ الزَّاهِدينَ} ؛ لأن {مِنَ الزَّاهِدينَ} واقع خبراً وهو متعلق بمحذوف فيتعلق أيضاً بـ "فيه". انظر: اللامات 58، 59، المسائل البغداديات 558، التبصرة والتذكرة 1/277، الأمالي لابن الحاجب 1/152.

وزاد في شرح التسهيل تأويلين أحدهما: أن يجعل ما تقدم متعلقاً بنفس المصدر الموجود على نية التقديم والتأخير. الثاني - وهو الذي تطمئن إليه النفس لبعده عن التكلف -: أن يكون ما تقدم متعلقاً بالمصدر الموجود نفسه، لا على نية التقديم والتأخير ولكن على أن يكون ذلك مُستباحاً في المصدر، وإن لم يُتسبح مثله في الموصول المحض كما استُبيح استغناؤه عن معمول لا دليل عليه، وإن لم يُتسبح مثله في صلة الموصول1.

_ 1 انظر: شرح التسهيل 3/114.

الإخبار عن المصدر قبل تمام عمله

الإخبار عن المصدر قبل تمام عمله: قال ابن مالك في باب "الصفة المشبهة باسم الفاعل": وعملُ اسمِ فاعلِ المُعدَّى ... لها على الحدِّ الذي قد حُدَّا1 أعرب المكودي "عمل" مبتدأ و"اسم فاعل" مضافاً إلى "المعدَّى". قال: "وهو على حذف الموصوف. والتقدير: فاعل الفعل المعدَّى. و "لها" في موضع خبر "عمل"، و"على الحدّ" متعلق بـ "عمل"2.

_ 1 الألفية ص38. 2 شرح المكودي 121.

فقوله: "لها" في موضع خبر المبتدأ الذي هو "عمل" و"على الحدّ" متعلق بـ "عمل" فيه الإخبار عن المصدر قبل تمام عمله1. قد تقدمت الإشارة - قريباً - إلى أن المصدر المقدر بالحرف المصدري والفعل مع معموله كالموصول مع صلته وأنه لا يتقدم عليه ما يتعلق به كما لا يجوز تقديم شيء من الصلة على الموصول، ولا يفصل بينهما بأجنبي كما لا يفصل بين الموصول وصلته2. هذا رأي جمهور النحويين في هذه المسألة. قال ابن مالك في الكافية الشافية: وهو مع المعمول كالموصول مع ... صلته فيما أُجيز وامتُنع وبالندور احكم على الذي يرد ... بغير ذا، أو حاول العذر تجدْ 3 وقال في التسهيل: "ويُضمرُ عاملٌ فيما أوهم خلاف ذلك، أو يُعدُّ نادراً"4. أي إن وقع ما يوهم خلاف ما ينبغي تُلطف له فيما يؤمن معه الخطأ ويُثبت به الصواب، من محاولة تخريجه على وجه مناسب ومحاولة إيجاد العذر، كالضرورة الشعرية. فإن لم يتأتَ كلُّ ذلك حُمل على النُّدرة5. فممَّا يوهم الفصل بأجنبي - مثلاً - قول الشاعر6: المنُّ للذمِّ داعٍ بالعطاءِ فلا ... تمنن فتُلقى بلا حمد ولا مالِ7

_ 1 انظر: حاشية الملوي على شرح المكودي 121. 2 انظر: شرح التسهيل 3/113، شرح الكافية الشافية 2/1018، شرح الأشموني 2/291. 3 الكافية الشافية 2/1018. 4 التسهيل 142. 5 انظر: شرح الكافية الشافية 2/1019. 6 لم أجده من سمَّاه. 7 من "البسيط" وقد ورد في: شرح الكافية الشافية 2/1020، شرح الأشموني 2/292.

فإن من يسمع هذا البيت يسبق إلى ذهنه أن الباء الجارة لـ "العطاء" متعلقة بـ "المن"؛ ليكون التقدير: المنُّ بالعطاء داعٍ للذم، وعليه مدار المعنى. غير أن هذا التقدير ممتنع من جهة الإعراب؛ لأنه يلزم منه ارتكاب محذورين؛ أحدهما: الفصل بين المصدر ومعموله1. والآخر: الإخبار عن المصدر قبل تمام عمله، أي فيما تعلق به من مجرور وغيره. فيُخرج البيت على تعليق الباء بمحذوف؛ كأنه قيل: المنُّ للذمِّ داعٍ المنّ بالعطاء، فـ "المنَّ" الثاني يدل على "المنِّ" الأول، فحُذف وأُبقي ما يتعلق به دليلاً عليه2.

_ 1 أجاب بعضهم كابن الحاجب بأن الفصل مغتفر إذا كان المعمول ظرفاً كما في قوله تعالى: {إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يَوْمَ تُبْلى السَّرائِرُ} [الآيتان 8، 9 من سورة الطارق] . انظر: حاشية الصبان 2/292. 2 انظر: شرح الكافية الشافية 2/1020،1021، شرح الأشموني 2/292.

تقديم من ومجرورها على أفعل التفضيل

تقديم "مِنْ" ومجرورها على أفعل التفضيل: إذا كان أفعل التفضيل مجرداً جيء بعده بـ "مِنْ" جارةً للمفضَّل عليه نحو: محمدٌ أكرمُ من خالدٍ. و "مِنْ" ومجرورها بمنزلة المضاف والمضاف إليه، لا يجوز تقديمها عليه، كما لا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف1. ويتعيّن تقديم "مِنْ" ومجرورها على أفعل التفضيل إذا كان المجرور اسم استفهام أو مضافاً إلى اسم استفهام2. أما إذا كان المجرور بـ "من" غير استفهام لم يجز تقديمه على أفعل التفضيل إلا في ضرورة الشعر عند كثير من النحويين3، كقول الفرزدق:

_ 3 انظر: شرح ابن عقيل 3/184. 4 انظر: شرح الرضي 3/456، التسهيل 133، شرح الكافية الشافية 2/1134. 5 انظر: شرح المفصل 2 / 60، شرح الرضي 3/456، الارتشاف 3 / 229، أوضح المسالك 3 / 293، الهمع 5/115.

فقالت لنا: أهلاً وسهلاً، وزوَّدتْ ... جنى النحل بل ما زوَّدتْ منه أطيبُ1 -فقدَّم المجرور بـ "مِنْ" على أفعل التفضيل في غير الاستفهام. أما ابن مالك فقد عَدَّ التقديم بهذه الصورة نادراً لا ممتنعاً، فقال في الألفية: وإنْ تكنْ بتلوِ " مِنْ " مستفهِماً-فلهما كن أبداً مقدِّما كمثل: مِمَّنْ أنت خيرٌ؟ ولدى ... إخبارٍ التقديمُ نَزْراً ورَدا2 وقال في شرح التسهيل: "إن كان المفضول غير ذلك لم يجز تقديمه إلاَّ في نادر من الكلام3. ومع كون تقديم "مِنْ" ومجرورها ممتنعاً - إذا لم يكن المجرور اسم استفهام أو مضافاً إليه - عند الجمهور4، ونادراً عند ابن مالك إلاَّ أنه قد جاء به ابن مالك مقدماً، إذ قال في باب "الأسماء الستة": وفي أبٍ وتالِيَيْه يندرُ ... وقصرها من نقصهن أشهر5 فقوله: "من نقصهن" متعلق بـ "أشهر" مقدَّم عليه.

_ 1 من "الطويل" من أبيات قالها في شأن امرأة من بني ذهل بن ثعلبة قرته وحملته وزودته. "جنى النحل": ما يُجنى منه وهو العسل والمعنى: استقبلتنا بالترحيب والحفاوة قائلة لنا: أهلاً وسهلاً، واحتفت بنا احتفاءً طيباً. والبيت في: شرح المفصل 2 / 60، شرح التسهيل 3 / 54، شرح الألفية لابن الناظم 484، توضيح المقاصد 3 / 127، شرح ابن عقيل 3 / 184، المقاصد النحوية 4/43، الهمع 5/115، شرح الأشموني 3 / 52. 2 الألفية ص 40. 3 شرح التسهيل 3 / 54. 4 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 9. 5 الألفية ص 11. قال: الصبان: (أشهر: أفعل تفضيل شاذ؛ لأنه إماَّ من " شُهر " المبني للمجهول أو " أشهر " الزائد على الثلاثي) . حاشية الصبان 1 / 70.

قال الأزهري: "هذا غير جائز عند الجمهور، خلافاً للناظم"1.

_ 1 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 9.

تقديم معمول الصفة على الموصوف

تقديم معمول الصفة على الموصوف: قال ابن مالك في "باب الكلام وما يتألف منه": بالجرِّ والتنوينِ والندا وأل ... ومسند للاسم تميزٌ حَصَلْ 1 فقوله: "للاسم" يُعرب خبراً مقدماً. و "تمييز": مبتدأ مؤخر. وجملة "حصل" في محل رفع صفة لـ "تمييز". ويلزم على هذا تقديم الصفة التي هي قوله: "بالجر" وما عطف عليه على الموصوف وهو قوله: "تمييز"، والصفة لا تتقدم على الموصوف، فمعمولها أولى بالمنع2. قلت: ذهب جمهور البصريين إلى أنه لا يجوز تقديم معمول الصفة على الموصوف، فلا يجوز أن يقال في: هذا رجلٌ يأكلُ طعامَك: هذا طعامَك رجلٌ يأكلُ. وتبعهم في هذا ابن مالك فقال في الكافية الشافية: وعَمَلَ التابعِ قبلَ ما تبع ... لا توقِعَنْ ففعلُ ذاك ممتنعْ وما نعوه علماءُ البصرهْ ... وغيرهم أجاز دون كثرهْ3

_ 1 الألفية ص 9. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 6، شرح الأشموني 1 / 39. قال ابن الحاج في حاشيته على المكودي 1/ 27: (وهذا الاعتراضُ وارد، ولا تلتفت لكلام بعض) . 3 الكافية الشافية 2 / 1148.

وأجاز ذلك الكوفيون، وتبعهم الزمخشري في قوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمْ في أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَليغاً} 1 قال: "فإن قلت: بم تعلق قوله: "في أنفسهم"؟ قلت: بقوله: "بليغاً"؛ أي قل لهم قولاً بليغاً في أنفسهم ... "2. واستثنى ابن مالك في التسهيل ما إذا كان النعت صالحاً لمباشرة العامل فإنه يجوز تقديمه، ولكن ليس من باب تقديم الصفة على الموصوف ولكن على جعل المنعوت بدلاً منه3. ومثَّل في الشرح بقوله - عز وجل -: {إلى صِراطِ العَزيزِ الحَميدِ اللَّهِ} 4 ففيه تقديم النعت وهو قوله: "العزيز الحميد" وجعل المنعوت - وهو لفظ الجلالة - بدلاً. ومنه قول الشاعر: ولكنِّي بليتُ بوصلِ قومٍ ... لهم لحمٌ ومنكرة جسومُ5 أي: وجسوم منكرة. وقال ابن عصفور: "ولا يجوز تقديم الصفة على الموصوف إلاَّ حيث سمع، وذلك قليل"6.

_ 1 من الآية 63 من سورة النساء. 2 الكشاف 1 / 276. 3 انظر: التسهيل 169. 4 من الآية 1، 2 من سورة إبراهيم. 5 من "الوافر"، ولم أجد من نسبه لشاعرٍ بعينه. والبيت في: شرح التسهيل 3 / 320، التذييل والتكميل جزء (4) لوحة 129، المساعد 2/418، شفاء العليل 2 / 758. 6 شرح الجمل 1 / 218.

والراجح هو ما ذهب إليه البصريون ومن تبعهم من عدم جواز تقديم معمول الصفة على الموصوف؛ لأن حق المعمول ألاَّ يحل إلا في موضع يحل فيه العامل1، كما قال ابن مالك. فأنت تقول: هذا رجلٌ مكرمٌ زيداً، ولا تقول: هذا زيداً رجلٌ مكرمٌ؛ لأن النعت لا يتقدم على المنعوت؛ لأنه تابع2. ولعله يُتسامح في ذلك إذا كان معمولُ الصفة جاراً ومجروراً كما في آية النساء وبيت الألفية.

_ 1 هذا هو الغالب ولكنه غير مطرد. ألا ترى أن قوله تعالى: {فَأمَّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الشرح: 9، 10] قد تقدم المعمولان فيه وهما "اليتيم والسائل"؛ فالأول معمول لـ "تقهر"، والآخر معمول لـ "تنهر" وقد تقدما على "لا" الناهية، والعامل فيهما لا يجوز تقديمه عليها؛ من قبل أن المجزوم لا يتقدم على جازمه. فقد تقدم المعمول هاهنا حيث لا يتقدم العامل. انظر الدر المصون 4 / 17. 2 انظر: شرح التسهيل 3 / 288، البحر المحيط 3 / 282.

الفصل بين الصفة والموصوف بما هو أجنبي

الفصل بين الصفة والموصوف بما هو أجنبي: قال ابن مالك في باب "نعم وبئس" وما جرى مجراهما: فِعلانِ غير متصرفين ... نعم وبئس رافعان اسمينِ1 أعرب المكودي قول الناظم: "فعلان" خبراً مقدماً، و"غير متصرفين" نعتاً له، و"نعم وبئس" هو المبتدأ، و"رافعان" نعت لفعلين كذلك. قال: ولا يجوز أن يكون قوله: "غير متصرفين" و"رافعان" أخباراً؛ لأنهما قيدٌ في فعلين، وليس المراد أن يخبر بهما عن "نعم وبئس"2.

_ 1 الألفية ص 39. 2 انظر: شرح المكودي 128.

العطف على الضمير المجرور من غعير إعادة الجار

العطف على الضمير المجرور من غعير إعادة الجار ... العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجارّ: هذه المسألة من المسائل المختلف فيها؛ فجمهور البصريين، والفراء يرون أنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا بعد إعادة حرف الجر1، فلا يجوز نحو: مررت بك وزيدٍ. واحتجوا لمذهبهم بأدلة منها: أن الجار والمجرور بمنزلة شيء واحد، فإذا عطفت على الضمير المجرور فكأنك قد عطفت الاسم على الحرف الجارّ، من قِبل أن الضمير إذا كان مجروراً اتصل بالجار ولم ينفصل منه، ولهذا لا يكون إلا متصلاً، بخلاف ضمير المرفوع والمنصوب، وعطف الاسم على الحرف لا يجوز2. ومنها أن ضمير الجر شبيه بالتنوين ومعاقب له، فلم يجز العطف عليه كالتنوين3. ومنها أن حق المتعاطفين أن يصلحا لحلول كل منهما محل الآخر، وضمير الجر لا يصلح حلوله محل المعطوف، فامتنع العطف عليه4. ويرى الكوفيون ما عدا الفراء جواز العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار؛ وذلك لوروده في التنزيل، وكلام العرب، كقوله تعالى: {واتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحامِ} 5 - بالجر6 - وقوله: {يَسْتَفْتُونَكَ في النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وما يُتْلَى عَلَيْكُمْ} 7 وغيرها من الآيات والشواهد الشعرية8.

_ 1 انظر: الكتاب 1 / 392، الأصول 2 / 79. 2 انظر: الإنصاف 2 / 65. 3 انظر: شرح التسهيل 3 / 375. 4 انظر: شرح الكافية الشافية 3 / 1247. 5 من الآية الأولى من سورة النساء. 6 قرأ بالجر حمزة. وقرأ بقية السبعة بالنصب. (السبعة في القراءات 226، المبسوط 175، الغاية 132) . 7 من الآية 127 من سورة النساء. 8 انظر: الإنصاف 2 / 65.

ووافق الكوفيين في ذلك كلٌّ من يونس بن حبيب، والأخفش، وأبو علي الشلوبيني (645هـ) وصحَّحه ابنُ مالك1. قال في الألفية: وعَوْدُ خافضٍ لدى عطفٍ على ... ضميرِ خفضٍ لازماً قد جُعلا وليس عندي لازماً إذ قد أتى ... في النظم والنثر الصحيح مُثبتا2 وقال في التسهيل: "وإن عُطف على ضمير جر اختير إعادة الجار، ولم تلزم وفاقاً ليونس، والأخفش، والكوفيين"3. أما الفراء فقد عدَّه قليلاً مرةً فقال: "وما أقل ما تردّ العرب مخفوضاً على مخفوض قد كُني عنه"4. وعدَّه مرة أخرى قبيحاً ضعيفاً لا يجوز إلا في الشعر لضعفه5. ولأن الناظم لا يرى لزوم ذلك فقد جاء في الألفية شيء منه حيث قال في باب "أمَّا ولولا ولوما": وبِهما التحضيضَ مِزْ وهَلاَّ ... ألاَّ ألا وأولينها الفعلا6 فقوله: "وهلاَّ" معطوف على الضمير المجرور بالباء من غير إعادة حرف الجر7.

_ 1 انظر: الهمع 5 / 268، شرح الأشموني 3 / 114، الخزانة 5 / 124. 2 الألفية ص43. 3 التسهيل 177، 178. 4 معاني القرآن 2/86. 5 المصدر السابق 1/252، 253. 6 الألفية ص53. 7 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 115.

وقال في باب "النسب": وأولِ ذا القلب انفتاحاً وفَعِل ... وفُعِلٌ عينَهما افتح وفِعِلْ1 فقوله: "وفِعِل" - بكسر الفاء والعين - معطوف على الضمير المجرور بالإضافة من غير إعادة الجار2.

_ 1 الألفية ص62. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 133. 3 انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة 40، 41.

صرف ما لا ينصرف

صرف ما لا ينصرف: ذكر العلماء أنه يجوز للشاعر أن يصرف في الشعر ما لا ينصرف؛ لأن الأسماء أصلها الصرف. فإذا اضطر الشاعر ردَّها إلى أصلها ولم يلتفت إلى العلل الداخلة عليها1. ويرى بعض البصريين أن كل ما لا ينصرف يجوز صرفه إلاَّ أن يكون آخره ألف تأنيث نحو: "بشرى" فإنه لا يجوز فيه ذلك4. واستثنى الكسائي والفراء "أفعل" الذي معه "مِنْ" كـ "هذا أفضل منك، ورأيت أكرم منك. فإنه لا يجوز صرفه2. وذكر بعضهم أن صرف ما لا ينصرف لغة عند قوم من النحاة. وقد أجاز ذلك في الكلام أحمد بن يحيى3. وزعم أبو الحسن الأخفش أنه سمع من العرب من يصرف في الكلام جميع ما لا ينصرف. كما حكى الزجاجي مثل ذلك4.

_ 1 انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة 24، الارتشاف 1 / 448. 2 انظر: الكامل 1 / 332، الأصول 3 / 437، ضرائر الشعر 24. 3 انظر: الارتشاف 1 / 448. 4 انظر: ضرائر الشعر 25.

ويرى ابن عصفور أن ذلك لغة الشعراء؛ (لأنهم قد اضطروا إليه في الشعر فصرفوه، فجرت ألسنتهم على ذلك. وأما سائر العرب فلا يجوز صرف شيء منه في الكلام فلذلك جعل من قبيل ما يختص به الشعر) 1. وابن مالك مع جمهور النحويين في أنه يجوز للضرورة أو التناسب صرف جميع ما لا ينصرف2. قال في الألفية: ولاضطرارٍ أو تناسبٍ صُرِفْ ... ذو المنعِ، والمصروف قد لا ينصرفْ3 وقد وردت بعض الألفاظ في الألفية مصروفة لأجل الضرورة مع أنَّ حقها المنع من الصرف. من ذلك ما جاء في باب العلم، إذ قال: من ذاك أمُّ عريطٍ للعقربِ ... وهكذا ثعالةٌ للثعلب4 فـ "ثعالة" علم لجنس الثعلب، وهو غير منصرف للعلمية وتاء التأنيث، إلاَّ أنه صرفه للضرورة5. ومنه صرف الناظم لكلمة "أحمد" وهو مستحق للمنع لأجل العلمية ووزن الفعل حين قال: كذاك ذو وزنٍ يخصُّ الفعلا ... أو غالبٍ كأحمدٍ ويعلى6

_ 1 المصدر السابق 25. 2 انظر: التسهيل 223، 224، شرح الكافية الشافية 3 / 1509. 3 الألفية ص 50. 4 المصدر السابق ص 13. 5 انظر: شرح المكودي 21. 6 الألفية ص 50. وانظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 108.

وقال في باب: "جمع التكسير": أفعِلةٌ أَفْعُلُ ثم فِعْلَهْ ... ثُمَّت أفعالٌ جُموعُ قِلَّهْ1 فـ "أفعلة" مستحق للمنع من الصرف للعلمية والتأنيث إلاَّ أن الناظم قد صرفه للضرورة2. وقال في الباب نفسه: فَواعِلٌ لفَوْعَلٍ وفاعَلِ ... وفاعِلاءَ مَعَ نحوِ كاهِلِ3 فصرف كلمة "فواعل" للضرورة مع استحقاقها للمنع للسبب السابق4. وقال في باب "النسب": وفَعَليٌّ في فَعِيلَةَ التُزم ... وفُعَليٌّ في فُعَيْلَةٍ حُتم5 فنوَّن "فُعَيْلَةٍ" للضرورة، مع أنها في الأصل ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث كذلك6. وقال في موضع آخر من الباب نفسه: وبأخٍ أَختاً وبابنٍ بِنْتا ... أَلحِقْ ويونسٌ أبى حذف التا7

_ 1 الألفية ص 58. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 125، حاشية الصبان 4 / 121. 3 الألفية ص 59. 4 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 128. 5 الألفية ص 62. 6 انظر: إرشاد السالك 187. 7 الألفية ص 63.

فصرف كلمة "يونس" للضرورة مع أنه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل1. أما في باب "الإبدال" فقال: وصحَّ عينُ فَعَلٍ وفَعِلا ... ذا أَفْعَلٍ كأغْيَدٍ وأحْوَلا2 فصرف كلمة "أغيد" للضرورة مع كونها في الأصل ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن أفعل3.

حذف أداة الشرط

حذف أداة الشرط: قال ابن مالك في باب "المعرف بأداة التعريف": أل: حرفُ تعريفٍ أو اللامُ فقطْ ... فَنَمَطٌ عَّرفتَ قُلْ فيه: النَّمَطْ1 أعرب الأزهري لفظة "نمط" مبتدأ، وقال: سوَّغ ذلك إعادته بلفظ المعرفة. و"عرَّفت": شرطٌ حذفت أداته ضرورة. ومفعوله محذوف. و"قُلْ" فعل أمر جواب الشرط، حذفت منه الفاء للضرورة، والشرط وجوابه خبر المبتدأ. والتقدير: فنمط إذا عرَّفته فقل فيه النمط، على معنى: إذا أردت تعريفه فقل2.

_ 1 الألفية ص 15. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 22 نقلاً عن الشاطبي.

قلت: مذهب جمهور النحويين أنه لا يجوز حذف أدوات الشرط، لا "إنْ" ولا غيرها1. قال أبو حيان: وقد جوَّز ذلك بعضهم في "إنْ". قال: ويرتفع الفعل بحذفها، وجعل منه قول ذي الرِّمَّة: وإنسانُ عيني يَحْسِرُ الماءُ تارةً ... فيبدو وتارات يَجُمُّ فيَغْرَقُ2 أي: إن يحسر الماءُ3. فلما حذفت "إنْ" ارتفع الفعل. وإنما قدر بعضهم فيه "إنْ" محذوفة، لأن قوله "وإنسانُ عيني" مبتدأ، وجملة "يحسر الماءُ تارةً" خبره، وليس ثَمَّ رابط لهذه الجملة بالمبتدأ. فلما خلت من الرابط ذهب من ذهب إلى أصلها جملة شرطية، إذ إنه لا يشترط في الشرط إذا ما وقع خبراً أن يكون الرابط في جملة الشرط، بل قد يكون في جملة الجزاء نحو: زيد إنْ تقم هند يغضب4. وخرَّج بعض المحققين بيت ذي الرمة على أنه من عطف جملة فيها ضمير المبتدأ وهي قوله: "يبدو" بفاء السببية على الجملة المخبر بها الخالية منه وهي

_ 1 انظر: الارتشاف 2 / 561، توضيح المقاصد 4 / 260. 2 من "الطويل". إنسان العين: النقطة السوداء التي تبدو لامعة وسط السواد. "يحسر": يكشف يجمّ: يكثر. والبيت في: الديوان 479، مجالس ثعلب 2/544، المسائل البصريات 1/360، المحتسب 1/150، المقرب 1 / 8، تذكرة النحاة 668، المغني 651، أوضح المسالك 3 / 362، المقاصد النحوية 1/578، 4/449، الهمع 2/19، شرح الأشموني 1/196، الخزانة 2/192. 3 انظر: الارتشاف 2 / 561، وانظر: توضيح المقاصد 4 / 260. 4 انظر التذييل والتكميل ج 5 لوحة 162، 163. وانظر: الخزانة 2 / 192.

قوله: "يحسر الماءُ"1، فيُكتفى بذلك، لانتظام الجملتين من حيث العطف بالفاء في نظم جملة واحدة2. وهو الراجح عندي. وقد عدَّ النحاة هذا من روابط الجملة الواقعة خبراً بالمبتدأ نحو: زيدٌ جاءت هند فضربها3.

_ 1 انظر: المقرب 1 / 83، المغني 651، أوضح المسالك 3 / 362، الخزانة 2 / 192. 2 انظر: التذييل والتكميل ج 5 لوحة 163. 3 انظر: المقرب 1 / 83، الارتشاف 2 / 51، المغني 651.

حذف جواب الشرط

حذف جواب الشرط: لأداة الشرط - عند البصريين - صدر الكلام، فلا يسبقها شيء من معمولات فعل الشرط، ولا فعل الجواب غير معمول الجواب المرفوع. وقال أكثر البصريين: ولا يجوز كذلك تقديم الجواب على الأداة، لأنه ثانٍ أبداً عن الأول متوقف عليه. فإن تقدم شبه الجواب على الأداة فهو دليل عليه وليس إياه، وإنما الجواب محذوف مدلول عليه بما قبله نحو: أنت ظالم إن فعلت، والتقدير: أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم. ولا يكون هذا الحذف اختياراً إلا إذا كان فعل الشرط ماضياً لفظاً أو معنى بأن كان مضارعاً مقترناً بـ"لم"1 نحو: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَ رْجُمَنَّكَ} 2. قال ابن مالك في شرح الكافية الشافية3: " ولا يكون فعل الشرط مضارعاً غير مجزوم بـ"لم" عند حذف الجواب إلا في ضرورة.

_ 1 انظر: الكتاب 1 / 435 - 438، توضيح المقاصد 4 / 265، 266، المساعد 3 / 186، شرح ابن عقيل 4/ 42، التصريح 2 / 254، الهمع 4 / 333، 334. 2 من الآية 46 من سورة مريم. 3 3 / 1619.

أما في التسهيل فقد ذكر مرةً أن حذفه دون تحقق هذا الشرط مخصوص بالشعر1، وذكر مرة أخرى أنه قليل2. وقد وقع في الألفية شيء كثير من حذف الجواب مع فوات شرط هذا الحذف، وهو كون الشرط فعلاً ماضياً. ولا أزعم أني قد حصرت هذه المواضع كلها، ولكني وقفت على اثني عشر منها. ففي باب "الموصول" قال: إنْ يُستطل وصلٌ وإنْ لم يُستطل ... فالحذفُ نزرٌ وأبَوْا أنْ يُختزلْ3 -فـ "إنْ يُستطل" - بالبناء للمفعول - فعل الشرط مجزوم بـ "إنْ" و"وَصْلٌ" نائب عن الفاعل بـ"يُستطل"، وجواب الشرط محذوف للضرورة لكون الشرط هنا مضارعاً4. وقال في باب "التنازع": ولا تجيء مع أوَّلٍ قد أُهملا ... بمضمرٍ لغير رفعٍ أُوهِلا بل حذفَه الزم إنْ يكن غيرَ خبر ... وأخِّرَنْه إنْ يكن هو الخبرْ5 فقوله: "إن يكن غير خبر" و"إن يكن هو الخبر" حذف في الموضعين جواب "إنْ" التي فعلها مضارع. وهو ضرورة6. وقال في باب "المفعول معه":

_ 1 انظر: التسهيل 238. 2 انظر: المصدر السابق 240. 3 الألفية ص 15. 4 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 21. 5 الألفية ص 26. 6 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 51، حاشية الصبان 2 / 104.

والعطف إنْ يمكن بلا ضعفٍ أحقْ ... والنصبُ مختارٌ لدى ضعفِ النسقْ1 -فـ "إنْ" حرف شرط، و "يمكن" فعل الشرط، وجوابه محذوف للضرورة، لكون الشرط غير ماض2. وقال في باب "عطف النسق": وبانقطاعٍ وبمعنى بَلْ وَفَتْ ... إنْ تكُ مما قُيِّدت به خَلَتْ3 فجملة "خلت" في موضع نصب خبر "تك" وجواب الشرط محذوف مع فوات شرط حذفه وهو مضي الشرط ضرورة4. وقال في "المنادى المضاف إلى ياء المتكلم": واجعل منادًى صَحَّ إن يُضف لِيا ... كعبدِ عبدي عبدَ عبدا عَبْديا5 -فإن "يُضف" - بالبناء للمفعول - فعل الشرط، وجوابه محذوف للضرورة لكون الشرط هنا مضارعاً6. وجاء حذف جواب الشرط مع فوات شرط حذفه مرتين في باب "الندبة": الأولى: قوله: والشكلَ حتماً أوْلهِ مُجانِسا ... إنْ يكنِ الفتحُ بوهمٍ لابسا7

_ 1 الألفية ص 28. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 56. 3 الألفية ص 43. 4 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب ص 90. 5 الألفية ص 45. 6 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب ص 97. 7 الألفية ص 46.

والثانية: قوله: وواقفاً زِدْ هاءَ سكتٍ إنْ تُرِدْ ... وإنْ تشأْ فالمدَّ والها لا تَزِدْ1 فـ"ترد" فعل الشرط وجواب الشرط محذوف ضرورة2. وقال في باب "إعراب الفعل": وبعدَ غيرِ النفي جزماً اعتمد ... إنْ تُسقطِ الفا والجزاءُ قد قُصدْ3 -كما قال في باب "عوامل الجزم": والفعلُ من بعد الجزا إنْ يقترنْ ... بالفا أو الواوِ بتثليثٍ قَمِنْ4 فقوله: "والفعل" مبتدأ، و"قمن" خبره، وجواب الشرط محذوف للضرورة، لأن شرط حذف الجواب اختياراً مضيُّ الشرط لفظاً أو معنىً5. وقال في باب "الوقف": ... فـ"يُعدم" - بالبناء للمفعول - فعل الشرط، وجوابه محذوف للضرورة، لكون الشرط مضارعاً6. والنقلُ إنْ يُعدمْ نظيرٌ مُمتنعْ ... وذاكَ في المهموز ليس يمتنعْ7 وقال في باب "الإمالة": وهكذا بَدَلُ عَيْنِ الفعل إنْ ... يَؤُلْ إلى فِلتُ كماضي خَفْ ودِنْ8 وقال في باب "الإبدال":

_ 1 المصدر السابق ص 46. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 99، 100. 3 الألفية ص 51. 4 المصدر السابق ص52. 5 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 114، حاشية الصبان 4 / 24. 6 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 137. 7 الألفية ص 60. 8 الألفية ص 64.

ومدًّا ابدل ثانيَ الهمزيْن مِنْ ... كِلْمةٍ ان يَسْكُن كآثِرْ وائتمِنْ1 فإنَّ "يَسْكُن" فعل الشرط، وجوابه محذوف للضرورة، لكونه مضارعاً2. وثمت أبيات أخرى من الألفية ذكر الأزهري أنها مما حُذف فيها جوابُ الشرط للضرورة لكون الشرط مضارعاً غير أني أعرضت عنها صفحاً، لأن الشرط - وإن كان مضارعاً لفظاً - إلاّ أنه ماضٍ من حيث المعنى، وذلك لتقدم "لم" عليه، كقوله في باب "تعدي الفعل ولزومه": وحذفَ فضلةٍ أجز إن لم يَضِرْ ... كحذفِ ما سيق جواباً أو حُصِرْ3 وقوله في باب "النسب": واجبُرْ بردِّ اللامِ ما منه حُذفْ ... جوازاً ان لم يك رَدُّه أُلِفْ4

_ 1 الألفية ص 67. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 145. 3 الألفية ص 26. وانظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 49. 4 الألفية 62. وانظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 135. وانظر - أيضاً - الصفحات 21، 48، 71، 95، 101، 135، 136، 137، 143 من الألفية.

حذف الفاء من جواب الشرط وحذف جواب الشرط

حذف الفاء من جواب الشرط، وحذف جواب الشرط: قال ابن مالك في باب "الكلام وما يتألف منه": والأمرُ إنْ لم يكُ للنون مَحَلْ ... فيه هو اسمٌ نحو صَهْ وحَيَّهلْ1

_ 1 الألفية ص 10.

فقوله "هو اسم" مبتدأ وخبر، والجملة منهما في محل جزم جواب الشرط. وإنما لم يأتِ بالفاء للضرورة. والجملة من الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ أو تُجعل جملة "هو اسم" في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله: "والأمرُ"، وتكون جملة جواب الشرط محذوفة دلَّت عليها جملة المبتدأ وخبره. وهذا أيضاً ضرورة، لأن من شرط حذف الجواب أن يكون الشرط فعلاً ماضياً. فالبيت لا يخلو من الضرورة1. ونظير ذا تماماً قول الناظم في باب "النداء": والضمُّ إنْ لم يلِ الابنُ علما ... أو يلِ الابنَ علم قد حُتما2 فقوله: "قد حُتما" - بالبناء للمفعول - يحتمل أن يكون خبر المبتدأ، وجواب الشرط محذوف، والتقدير: والضمُّ قد حُتم إن لم يلِ فهو محتم، وفيه ضرورة، لأن شرط حذف الجواب أن يكون الشرط فعلاً ماضياً، فحيث كان مضارعاً كان حذف الجواب مخصوصاً بالشعر. ويحتمل أن يكون "قد حُتم" هو جواب الشرط، والشرط وجوابه خبر المبتدأ، وترك الفاء ضرورةً، لأن الجواب ماضٍ مقرونٌ بـ"قد"، ولا تحذف منه الفاء في هذه الحالة إلاَّ في الضرورة. فليست إحدى الضرورتين بأولى من الأخرى إلا بكثرة الاستعمال3. ومثل ترك الفاء للضرورة - أيضاً - قوله في باب "العلم":

_ 1 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 7، فتح الرب المالك 62، منحة الجليل 1 / 25، 26. 2 الألفية ص 44. 3 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 95.

وإنْ يكونا مفرديْنِ فأضِفْ ... حتماً وإلاَّ أتبعِ الذي رَدِفْ1 فإن جملة "أتبع" هي جواب الشرط، وهي طلبية يجب أن تكون مقرونةً بالفاء، ولا تحذف إلاَّ للضرورة2. ومثل الجملة الطلبية الواقعة جواباً للشرط قوله في باب "لا" النافية للجنس: والعطفُ إن لم تتكرر "لا" احكما ... له بما للنعت ذي الفصل انتمى3 فإن قوله: "احكما" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفاً لأجل الوقف، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وقد حذف منها ألفاً ضرورة وهي لازمة لكون الجواب جملةً طلبية4. وكذلك قوله في باب "عوامل الجزم": والفعلُ من بعد الجزا إن يقترنْ ... بالفا أو الواوِ بتثليث قَمِنْ5 فإن قوله: "والفعل" مبتدأ، و "قمن" خبره، وجواب الشرط محذوف للضرورة، لأن شرط حذف الجواب - اختياراً - مضيُّ الشرط لفظاً أو معنى. ويحتمل جعل "قمن" خبر مبتدأ محذوف، والجملة جواب الشرط، وحذف الفاء للضرورة6.

_ 1 الألفية ص 13. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 17، منحة الجليل 1 / 122. 3 الألفية ص 21. 4 انظر: منحة الجليل 2/19. 5 الألفية ص 52. 6 انظر: حاشية الصبان 4 / 24.

وقال في باب "التصغير ": وألف التأنيث ذو القصر متى ... زاد على أربعةٍ لن يثبتا1 فجملة "لن يثبت" في محل جزم جواب الشرط وكان من حقها أن تقترن بالفاء، لكن الناظم حذفها لضرورة إقامة الوزن. وجملة الشرط والجواب في محل رفع خبر المبتدأ، أو تكون الجملة هي خبر المبتدأ، وجواب الشرط محذوف للضرورة، لكون الشرط غير ماض2. فهذه الأبيات من الألفية تنتظم مسألتين: الأولى: حذف الفاء من جواب الشرط للضرورة. والأخرى: حذف جواب الشرط دون توافر لشرطه عند الجمهور. ومن أشهر المواضع التي لا يصلح فيها الجواب أن يكون شرطاً3 كونه جملة اسمية كقوله تعالى: {وَإنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} 4 أو كان فعلاً دالاً على الطلب نحو: {إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعوني} 5. والطلب يشمل الأمر، والنهي، والتحضيض، والعرض، والدعاء، والاستفهام. أو كان ماضياً مقروناً بـ"قد" لفظاً، أو تقديراً، أو مقروناً بحرف تنفيس، أو بحرف نفي غير "لا" و "لم"، أو كان الفعل جامداً.

_ 1 الألفية ص 61. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 131، منحة الجليل 4 / 145. 3 انظر هذه المواضع في: شرح الكافية الشافية 3 / 1594 - 1597، شرح الرضي 2 / 263، الارتشاف 2/554، 555، شرح التحفة الوردية 930، 931، شرح ألفية ابن معطي 1/333، الهمع 4 / 327. 4 من الآية 19 من سورة الأنفال. 5 من الآية 31 من سورة آل عمران.

قال ابن القواس: "وإنما لزمت الفاء لأنه لما امتنع تأثير أداة الشرط في هذه الأمور أُتي بالفاء للربط توصلاً إلى المجازاة بها، وكانت الفاء دون الواو، لأن معناها التعقيب من غير مهلة، والجزاء يجب عقيب الشرط"1. وقد اختُلف في حذف هذه الفاء من جواب الشرط إذا كان شيئاً مما تقدم على ثلاثة مذاهب: الأول: مذهب جمهور النحويين وهو أنه لا يجوز حذفها إلا في الضرورة، ويمتنع في سعة الكلام. وممن نصَّ على هذا سيبويه2، والصيمري3، وابن عصفور4، وابن مالك5، وأبو حيان6، وابن هشام7. الثاني: المنع مطلقاً في الضرورة والاختيار. نقله أبوحيان عن بعض النحويين8. ومذهب ابن الناظم - وتبعه الأزهري9 - أنه يجوز ترك هذه الفاء في الضرورة أو في الندور10، ومثَّل للندور بما أخرجه البخاري من قول النبي

_ 1 شرح ألفية ابن معطي 1 / 333. 2 انظر: الكتاب 1 / 435. 3 انظر: التبصرة والتذكرة 1 / 409. 4 انظر: شرح الجمل 2 / 199. 5 انظر: شرح الكافية الشافية 3 / 1598. 6 انظر: الارتشاف 2 / 555. 7 انظر: أوضح المسالك 4 / 210. 8 انظر: التذييل والتكميل ج5 لوحة 150. 9 انظر: التصريح 2 / 250. 10 انظر: شرح الألفية لابن الناظم 701، 702.

صلى الله عليه وسلم لأُبيّ بن كعب1 لما سأله عن اللقطة: "فإن جاء صاحُبها وإلاَّ استمتع بها"، أي فإن جاء صاحبها فردها إليه وإن لم يجيء فاستمتع بها2. والمذهب الأول هو الراجح لدي. أمَّا ما ورد في الحديث فقد أخرجه البخاري مرتين، الأولى بإثبات الفاء: "وإلا فاستمتع بها"3 وكذا في صحيح مسلم في كتاب "اللقطة"4، والترمذي في كتاب "الأحكام"5. والأخرى برواية: "وإلا استمتع بها" بإسقاط الفاء6. أما حذف جواب الشرط فيجوز إذا كان ثمَّ قرينة نحو قوله تعالى: {وَإنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إعْراضُهُمْ} 7، تقديره: فافعل. وقوله: {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} 8 أي تطيرتم. وهو كثير في لسان العرب عندما يدل دليل على حذفه نحو: "أنت ظالم إن فعلت" تقديره: أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم9. قال ابن مالك في الألفية:

_ 1 هو أُبيُّ بن كعب بن قيس بن عبيد وكنيته أبو المنذر. وهو من كتّاب الوحي، وأقرأ الصحابة. شهد بدراً، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي بالمدينة سنة 21هـ في أشهر الأقوال. (صفة الصفوة 1 / 474 - 477، تذكرة الحفاظ 1 / 16، 17، غاية النهاية 1 / 31) . 2 انظر: شرح الألفية لابن الناظم 701، 702. 3 صحيح البخاري. كتاب اللقطة (1) 3 / 249. 4 صحيح مسلم. كتاب اللقطة (9) 3 / 1350. 5 الجامع الصحيح. كتاب الأحكام (35) 3 / 658. 6 صحيح البخاري. كتاب اللقطة (10) 3 / 254. 7 من الآية 35 من سورة الأنعام. 8 من الآية 19 من سورة يس. 9 انظر: شرح الكافية الشافية 3 / 1608، الارتشاف 2 / 560، شرح ابن عقيل 4 / 42.

والشرطُ يغني عن جواب قد عُلم1 واشترط البصريون، والفراء لحذف الجواب مع وجود الدليل مضيَّ الشرط لفظاً أو معنى. فالأول مثل: أنت ظالم إن فعلت. والثاني: ما كان فعلاً مضارعاً مقروناً بـ"ل" نحو: أنت ظالم إن لم تفعل، فلا يجوز: أنت ظالم إن تفعل2. ومذهب الكوفيين - ما عدا الفراء - جواز كون الشرط مضارعاً غير منفي بـ"لم" قياساً. واستدلوا بقول الكميت بن معروف الأسدي: لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ... ليعلم ربي أن بيتي واسعُ3 فجاء بجواب القسم المقترن باللام وهو قوله: "ليعلم ربي"، وحَذَف جواب الشرط مع كون فعل الشرط - وهو قوله: "تك" - مضارعاً غير منفي بـ"لم". كما استدلوا بقول الشاعر4: يُثني عليك وأنت أهلُ ثنائه ... ولديك إنْ هو يستزدك مزيدُ5

_ 1 الألفية ص 52. 2 انظر: المقتضب2/71، توضيح المقاصد4/265،266، أوضح المسالك4/221، شرح الأشموني 4/30. 3 البيت من "الطويل". وهو في: معاني القرآن 1/66، 2/131، المساعد 3/164، المقاصد النحوية 4/327، التصريح 2/254، شرح الأشموني 4/30، الخزانة 10/68، 11/331. 4 انظر: توضيح المقاصد 4 / 266، التصريح 2 / 254، شرح الأشموني 4 / 30. 5 هو عبد اللَّه بن عَنَمة بن حرثان الضبّي. من شعراء المفضليات. شاعر مخضرم. وشهد القادسية في الإسلام سنة 15هـ. (الإصابة 2/347، الخزانة 8/471، 472) .

حيث جاء الفعل المضارع "يستزدك" مجرداً من "لم". وهذا وأمثاله عند البصريين والفراء معدود في الضرائر1. وعند ابن مالك قليل2. وبذلك يتبيّن أن ما أورده بعض المعربين للألفية على الناظم في حذف جواب الشرط في غير موضعه، من قبل أن الشرط في الأبيات السابقة متوافر فيه ما ذكره المحققون وهو كونه مضارعاً منفياً بـ"لم" في قوله: ... والأمرُ إن لم يك للنون محل وقوله: ... والعطفُ إن لم تتكرر "لا" احكما وقوله: ... والضمُّ إن لم يلِ الابن علما على أن الناظم يجيز - ولو بقلة - مجيء الشرط مضارعاً غير منفي بـ"لم" كما تقدم، فمن باب الأولى أن يجيز مجيئه مقروناً بها.

_ 1 من "الكامل". يقول: هو يثني عليك ويشكر نعمتك، ولو عاد لوجد معاداً، إذ لا تضجر ولا تسأم من الأفضال والجود. والبيت في: الحماسة لأبي تمام 1/511، شرح ديوان الحماسة للتبريزي 3/44، المساعد 3/144، 165، توضيح المقاصد 4/266، شرح الأشموني 4/30، الخزانة 9/41. 2 انظر: التسهيل 240.

تقديم معمول الجزاء على الشرط

تقديم معمول الجزاء على الشرط: في هذه المسألة خلاف بين البصريين، والكوفيين حيث أجاز الكوفيون تقديم معمول الجزاء على أداة الشرط نحو: زيداً إن تضربْ أضربْ. ومنعه البصريون. واحتج المجيزون بأن الأصل في الجزاء أن يكون مقدماً على "إن"، إذ إن قولك - مثلاً -: "إن تضرب أضرب" الأصل فيه - عندهم -: أضربُ إن تضرب. فلما تأخر الجواب انجزم على الجوار، وإن كان من حقه أن يكون مرفوعاً1. واستشهدوا لذلك ببعض الشواهد، كقول زهير بن أبي سلمى:

_ 1 انظر: الإنصاف 2 / 623، شرح الرضي 4 / 96، ائتلاف النصرة 130.

وإنْ أتاهُ خليلٌ يومَ مسألةٍ ... يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ1 التقدير فيه: يقول إن أتاه خليل يومَ مسألة، فلولا أنه في تقدير التقديم لما جاز أن يكون مرفوعاً2. "وإذا ثبت هذا - وأنه في تقدير التقديم - فإنه يجب جواز تقديم معموله على حرف الشرط، لأن المعمول قد وقع في موقع العامل"3. وأما البصريون فلا يجوز عندهم – كما تقدم – أن يقال: "زيداً إنْ تضربْ أضربْ" لا يجوز عندهم نصب "زيد" لا بالشرط، ولا بالجزاء4. وقالوا: إن ما يعمل فيه فعل الشرط كائنٌ من جملته، فلا يجوز تقديمه على حرف الشرط5. ومن احتجاجاتهم أيضاً أن أداة الشرط كأداة الاستفهام و "ما" النافية ونحوهما مما له الصدارة، فكما لا يجوز تقديم ما بعد الاستفهام عليه فكذلك لا يجوز تقديم ما بعد أداة الشرط عليها. وكذلك فإن الشرط سبب في الجزاء، والجزاء مسبِّبه، ومحال أن يتقدم المسبِّب على السبب.

_ 1 البيت من " البسيط " من قصيدة يمدح فيها الشاعرُ هرمَ بن سنان المري. الخليل: الفقير. المسألة: طلب العطاء. ويروى: " مسغبة " مكان " مسألة " والحَرِم: بمعنى الحرام. أي إذا طلب من عطاء لم يعتل بغيبة مال ولا حرمة على سائله. والبيت في: الديوان 91، الكتاب 1 / 436، المقتضب 2 / 70، الأصول 2 / 192، المحتسب 2 / 65، شرح المفصل 8 / 157، المقاصد النحوية 4 / 429، التصريح 2 / 249. 2 انظر: الإنصاف 2 / 626. 3 المصدر السابق 2 / 627. 4 انظر: الإيضاح العضدي 321. 5 انظر: المقتصد 2 / 1120.

وإذا ثبت أن مرتبة الجزاء إنما هي بعد الشرط وجب أن تكون مرتبة معموله كذلك، لأن المعمول تابعٌ للعامل1. وأما قول زهير: وإنْ أتاه خليلٌ يومَ مسألةٍ ... يقولُ ... ... ... فلا يعني رفعه أنه على نية التقديم وإنما رفعه لأن فعل الشرط ماض، وفعل الشرط إذا كان ماضياً، نحو: إنْ قمتَ أقوم فإنه يجوز أن يبقى الجواب على رفعه، لأنه لمَّا لم يظهر الجزمُ في فعل الشرط ترك الجواب على أول أحواله وهو الرفع. وابن مالك مخالفٌ للكوفيين في تجويزهم تقديم معمول الجزاء على الأداة فقال في شرح التسهيل. "لـ"إنْ" الشرطية صدر الكلام، فلا يتقدم عليها ما بعدها ... فلذلك لو تقدم على أداة الشرط مفعول في المعنى لفعل الشرط أو الجزاء وجب رفعه بالابتداء وشغل الفعل بضمير مذكور أو مقدر"2. وقد جاء في الألفية بما لم يجزه وهو تقديم معمول الجزاء على الشرط في قوله في باب "المعرَّف بأداة التعريف": وحذفَ ألْ ذي إنْ تُنادِ أو تُضِفْ ... أَوْجِبْ. وفي غيرهما قد تنحذفْ3 فإن قوله: "أوْجبْ" جواب الشرط على حذف الفاء للضرورة، والتقدير: إن تنادِ مصحوب "أل" أو تضفه فأوجب حذف "أل". فقدَّمَ معمول الجواب على الشرط ضرورة4.

_ 1 انظر: المقتصد 2 / 1120، الإنصاف 2 / 627. 2 شرح التسهيل 4/86. 3 الألفية ص15. 4 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 24.

قصر الممدود

قصر الممدود: أجاز العلماء للشاعر قصر الممدود في حال الضرورة، وقد لجأ ابن مالك في منظومته إلى هذه الضرورة في مواضع كثيرة حتى أكاد أقول بأنه يصعب حصرها وربما كان في البيت الواحد أكثر من موضع، وهي من الضرائر اليسيرة التي لا يترتب عليها - في الغالب - اختلافُ إعراب أو تغيُّرُ معنى. وحسبي أن أشير إلى بعض هذه المواضع فقط لأمرين، أحدهما: خشية الإطالة، والثاني: أن إدراك بقية المواضع غير خافٍ على المتأمل. قال في باب "الكلام وما يتألف منه": بالجرِّ والتنوين والندا وألْ ... ومسندٍ للاسمِ تمييزٌ حَصَلْ1 فقصر كلمة "النداء" وهي ممدودة، لضرورة الوزن. وقال في الباب نفسه: بِتا فعلتَ وأَتَتْ ويا افعلي ... ونونِ أقبلنَّ فعلٌ ينجلي2 فقصر الناظم تاء "فعلت" وياء "افعلي" وهما في الأصل ممدودان وذلك لضرورة الوزن أيضاً. وقال في باب "المعرب والمبني": وارفع بواوٍ وانصبنَّ بالألفْ-واجرُرْ بياءٍ ما من الأسما أصِفْ3

_ 1 الألفية ص9. 2 المصدر السابق ص9. 3 المصدر السابق ص10.

فكلمة "الأسماء" ممدودة لكن ضرورة الوزن قد ألجأت الناظم إلى قصرها. وقال في باب "الأسماء الستة": وشرطُ ذا الإعرابِ أنْ يُضَفْنَ لا ... لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا1 ففي هذا البيت ما ذكرته آنفاً من وجود غير لفظة مقصورة للضرورة، فهو هاهنا قد قصر - مضطراً - ثلاثة ألفاظٍ هي: "لليا"، و"كجا"، و"اعتلا" وأصل الكلام بالمد: للياء كجاء أخو أبيك ذا اعتلاء وقال في باب "ما ولا ولات": إعمالَ ليس أُعملتْ ما دون إنْ ... مع بقا النفي وترتيب زُكِنْ2 الأصل: مع بقاء النفي، بالمدّ، لكنه قصر لضرورة الوزن. وقال في باب "ظنَّ وأخواتها": وجوّزِ الإلغاءَ لا في الابتدا ... وانوِ ضميرَ الشأنِ أو لامَ ابتدا3 فقوله: "في الابتدا"، و"لام ابتدا" كلاهما بالقصر للضرورة. ومنه قوله في باب "جمع التكسير": والسينَ والتا من كمُسْتَدْعٍ أزلْ ... إذ ببنا الجمعِ بقاهما مُخِلْ4

_ 1 المصدر السابق ص11. 2 المصدر السابق ص18. 3 الألفية ص21. 4 المصدر السابق ص60.

حيث قصر ثلاث كلمات ممدودات في الأصل وهو قوله: "والتا"، وقوله: "ببنا" وقوله: "بقاهما"، والأصل فيهن: "والتاء"، و "ببناء"، و"بقاؤهما". ومن ذلك قوله في باب "الإمالة": دونَ مزيدٍ أو شذوذٍ ولما ... تليه ها التأنيثِ ما الها عَدِما1 فقوله: "ها"، هي فاعل "تليه"، وقوله: "الها" مفعول مقدم بالفعل "عَدِم"، وكلاهما مقصور لضرورة الوزن. وأختتم هذه النماذج بما قاله في باب "الحكاية": وقُل لمن قال: أتت بنْت: مَنَهْ ... والنونُ قبل تا المثنى مُسْكَنَهْ والفتحُ نزرٌ وصِلِ التا والألفْ ... بِمَنْ بإثرِ ذا بنسوةٍ كَلِفْ2 فقد قصر ابن مالك كلمة "تا" في البيت الأول الواقعة مضافاً إليه بإضافة "قبل" إليها، وكذا كلمة "التا" في البيت الثاني الواقعة مفعولاً به للفعل "صل". كل ذلك إنما كان لضرورة الوزن.

_ 1 المصدر السابق ص64. 2 المصدر السابق ص55.

حذف حرف الصلة للاكتفاء بالحركة منه

حذف حرف الصلة للاكتفاء بالحركة منه: ذكر بعض من تكلم في ضرائر الشعر من العلماء أنه يجوز للشاعر حذف الياء وهي لام الفعل اجتزاءً بالكسرة1. كما قال أبو خُراش الهذلي: ولا أدرِ مَنْ ألقى عليه ثيابَه ... ولكنه قد سُلَّ عن ماجدٍ محضِ2

_ 1 انظر: ما يجوز للشاعر في الضرورة 218، 219، شرح الجمل 2/585. 2 من " الطويل " من قصيدة للشاعر في رثاء أخيه عروة. وفي شرح ديوان الهذليين وأمالي القالي وأمالي المرتضى: "ولم أدرِ" وعليه فلا شاهد على ما نحن فيه. والبيت في: شرح ديوان الهذليين 3 / 1207، 1230، الكامل 2 / 713، أمالي القالي 1/271، أمالي المرتضى 1/199، ما يجوز للشاعر في الضرورة 219، الإنصاف 1/390.

يريد: ولا أدري: لأن الفعل غير مجزوم فحذف الياء مجتزئاً بالكسرة التي قبلها، لأنها تدل عليها. وقد وقع في ألفية ابن مالك شيء من ذلك، إذ قال في باب "الإضافة": وبعضُ الاسماءِ يُضاف أبدا ... وبعضُ ذا قد يأتِ لفظاً مفردا1 أراد: قد يأتي. بإثبات الياء، لأنه فعل مضارع مرفوع، إلا أنه قد حذف لامه وهي الياء ضرورة2. قال الزمخشري: "والاجتزاء بالكسرة عن الياء كثير في لغة هذيل"3. وعدّ ابن الشجري هذا الحذف شاذاً في غير الفواصل والقوافي4. وهذه المسألة قريبة من سابقتها أو هي منها. والراجح فيها لدي ما ترجح هناك من أنه يجوز حذف الياء في غير ما ضرورة، وذلك لمجيئه في القرآن الكريم وهو أفصح كلام بلا ريب، قال المولى عز وجل: {وَسَوْفَ يُؤْتِ} 5، {يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إلاَّ بِإذْنِهِ} 6. قرأ نافع وأبو عمرو والكسائي: "يأتي" بإثبات الياء وصلاً، وحذفها وقفاً. وقرأ ابن كثير بإثباتها وصلاً ووقفاً. وقرأ باقي السبعة بحذفها في الحالين7.

_ 1 الألفية ص 33. 2 انظر: منحة الجليل 2 / 51. 3 الكشاف 1 / 235. 4 انظر: أمالي ابن الشجري 2 / 289. 5 من الآية 146 من سورة النساء. 6 من الآية 105 من سورة هود. 7 انظر: السبعة في القراءات 338، البحر المحيط 5 / 261، الدر المصون 6 / 387.

وقال تعالى: {يَوْمَ يُنادِ المُنادِ} 1 و {فَمَا تُغْنِ النُّذٌرْ} 2. على أنه قد تقدم عن الزمخشري أن هذا كثير في لغة هذيل.

_ 1 من الآية 41 من سورة ق. 2 من الآية 5 من سورة القمر.

زيادة ألف الإطلاق في آخر الكلمة

زيادة ألف الإطلاق في آخر الكلمة: ومما ذكره جمهور العلماء في باب الضرائر الشعرية أنه يجوز للشاعر أن يلحق القافية المطلقة حرفاً1، كقول جرير: أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت لقد أصابا2 فألحق هذه الألف في الروي؛ لأن الشعر وضع للغناء والترنم3؛ إذ اعتاد الشعراء أن يترنموا في أواخر الأبيات قبل حرف الروي ليمتد بها الصوت، ويقع فيه تطريب لا يتم إلا بمد الحرف. وأكثر ما يقع ذلك في الأواخر4. قال السيرافي: "وهذه الزيادة غير جائزة في حشو الكلام، وإنما ذكرناها لاختصاص الشعر بها دون الكلام، وهي جيدة مطردة، وليس تخرجها جودتها من ضرورة الشعر إذ كان جوازها سبب الشعر5.

_ 1 انظر: الكتاب 2 / 298، ما يحتمل الشعر من الضرورة 39، 40، شرح الجمل 2 / 553، الارتشاف 3 / 272، الهمع 5 / 342. 2 من "الوافر" مطلع قصيدة في هجاء الراعي النميري. "عاذل" أي يا عاذل، منادي مرخم حذف منه حرف النداء. العتاب هنا: اللوم في سخط. والبيت في: الديوان 58، الكتاب 2 / 298، المقتضب 1 / 240، الأصول 2/386، الخصائص 1 / 171، 2 / 96، المنصف 1 / 224، 2 / 79، أمالي ابن الشجري 2/241. 3 انظر: الكتاب 2 / 299. 4 انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة 39، 40. 5 ما يحتمل الشعر من الضرورة 40.

ومن هذا القبيل ما جاء في ألفية ابن مالك في باب "المعرب والمبني" حيث قال: ومُعربُ الأسماء ما قد سَلمِا-من شَبَه الحرف كأرضٍ وسُما وفعل أمر ومُضِيٍّ بُنيا ... وأعربوا مضارعاً إن عَريا1 قضت ضرورة الشعر عليه بزيادة الألف في آخر الفعلين "سَلِم" و "عري" وقال في الباب نفسه: فالأوَّل الإعرابُ فيه قُدِّرا ... جميعُهُ وهو الذي قد قُصِرا2 زاد ألف الإطلاق في الفعلين "قُدِّر" و "قُصِر". وقال في باب "النكرة والمعرفة": في الباقيات واضطراراً خفَّفا ... منِّي وعنِّي بعضُ من قد سَلَفا3 أراد: "خَفَّفَ" و"قد سَلَفَ" فمدَّ من أجل الضرورة. ومثل ذا قوله في باب "الابتداء": والأصلُ في الأخبار أنْ تُؤخَّرا ... وجَوَّزوا التقديمَ إذْ لا ضَرَرا4 الأصل: "تُؤخَّرَ" و"لا ضَرَر". وقوله في باب "كان وأخواتها": ككانَ ظلَّ باتَ أضحى أصبحا ... أمسى وصارَ ليسَ زالَ بَرحِا5 زاد ألف الإطلاق في الفعلين "أصبح" و "برح".

_ 1 الألفية ص 10. 2 المصدر السابق ص 11. 3 المصدر السابق ص 13. 4 المصدر السابق ص 16. 5 المصدر السابق ص 17.

وقوله في باب "إنَّ وأخواتها": ولا يلي ذي اللامَ ما قد نُفِيا ... ولا مِن الأفعال ما كرضيا1 الأصل: "نُفي" و "كرضي". وقوله في باب "ظنَّ وأخواتها": وَهَبْ تعلَّمْ والتي كصيَّرا ... أيضاً بها انصِب مبتداً وخبرا2 حيث زاد ألف الإطلاق في الفعل "صيَّر". وقال في باب "أعلَمَ وأرى": وكأرى السابقِ نبَّا أخبرَا ... حدَّثَ أنبأ كذاك خبَّرا3 اقتضت ضرورة النظم زيادة الألف في الفعلين "أخبرَ" و "خبَّر". وثمت نماذج كثيرة في الألفية ليست بخافية على القارئ. من أجل ذا أكتفي بما ذكرت خشية الإطالة.

_ 1 المصدر السابق ص 20. 2 الألفية ص 21. 3 المصدر السابق ص 22.

قطع همزة الوصل

قطع همزة الوصل: وهو من الضرائر اليسيرة التي لا تُغير إعراباً ولا تُحيل معنًى كذلك ولكنه لا يسوغ إلا لضرورة الشعر. قال الزمخشري: "وإثبات شيء من هذه الهمزات في الدرج خروج عن كلام العرب، ولحن فاحش؛ فلا تقل: الإسم والإنطلاق والإستغفار ومن إبنك وعن إسمك. وقوله1:

_ 1 هو قيس بن الخطيم بن عدي الأوسي، أبو يزيد. شاعر الأوس. أدرك الإسلام وتريَّث في قبوله، فقتل قبل أن يدخل فيه. (طبقات فحول الشعراء 1/228، المؤتلف والمختلف 112، معجم الشعراء 321، 322) .

إذا جاوَزَ الإثنين سِرٌّ1 من ضرورات الشعر"2. فيجوز للشاعر عند الضرورة قطع ألف الوصل في الدرج إجراءً لها مجراها في حال الابتداء بها. وأكثر ما يكون ذلك في أوائل أنصاف الأبيات؛ لأنها إذ ذاك كأنها في ابتداء الكلام3. والقطع بهذه الهيئة أسهل من القطع في حشو البيت؛ لأن المصراع كثيراً ما يقوم بنفسه حتى يكاد يكون بيتاً كاملاً4 فكأن الهمزة وقعت أولاً. أما القطع في حشو البيت فهو قليل كما تقدم. ومنه قول قيس بن الخطيم: إذا جاوز الإثنين سرٌّ فإنه ... بِنَثٍّ وتكثير الوشاة قمينُ فقطع الألف من "الاثنين" وهي ألف وصل5. وقد لجأ إلى ذلك ابن مالك في ألفيته حين قال في باب "ما لا ينصرف": وألغينَّ عارضَ الوصفيَّهْ ... كأربعٍ وعارضَ الإسميّهْ6 فقطع الهمزة في قوله: "الاسمية" وهي همزة وصل ليتيسَّر له إقامة الوزن.

_ 1 بيت من "الطويل" وتمامه: إذا جاوز الإثنين سرٌّ فإنه ... بِنَثِّ وتكثير الوشاة قمينُ نثَّ الحديث ينثه نثاً إذا أفشاه. وروي: "بِبَثٍّ" أي بنشر. وروي أيضاً: "بنشر" والضمير في "فإنه" للسرّ، والباء متعلقة بـ "قمين" بمعنى جدير وخليق. والوشاة: جمع واشٍ وهو النمام الذي ينقل الكلام على جهة الإفساد. والبيت في: الديوان 162، الكامل 2/883، سر الصناعة 1/342، شرح المفصل 9/19، 137، ضرائر الشعر لابن عصفور 54، المقاصد النحوية 4/566، الهمع 6/224. 2 المفصل 356. 3 انظر: المنصف 1/67، ضرائر الشعر لابن عصفور 53، الهمع 6/224. 4 انظر: المنصف 1/67. 5 انظر: ضرائر الشعر لابن عصفور 54. 6 الألفية ص54.

وصل همزة القطع

وصل همزة القطع: وهو عكس ما تقدم وأكثر منه استعمالاً كما ذكر ابن جني1 وغيره. فللشاعر عند الضرورة أن يصل ألف القطع لإقامة الوزن كما قال حاتم الطائي: أبوهم أبي والامَّهاتُ امهاتُنا ... فأنعم ومتِّعني بقيس بن جحدرِ2 يريد: والأمهات أمهاتنا ولا يقتصر الوصل في الأسماء بل يسوغ في الأفعال أيضاً. أنشد أبو علي الفارسي3: إنْ لم أُقاتِلْ فالبسوني بُرقُعا ... وفَتَخاتٍ في اليدينِ أَرْبَعا4 يريد: فألبسوني ثم حذف الهمزة5

_ 1 انظر: المحتسب 1 / 120، الخصائص 3 / 151. 2 من "الطويل". حين أطلق النعمان الغساني بني عبد شمس إكراماً لحاتم بقي قيس بن جحدر بن ثعلبة وهو من لخم وأمه من بني عدي وهو جدّ الطرماح بن حكيم بن قيس بن جحدر، فقال له النعمان: أبقي أحد من أصحابك؟ فأنشد حاتم البيتين التاليين: فككتَ عدياً كلَّها من إسارِها ... فأفضِلْ وشفِّعني بقيس بن جحدرِ أبوه أبي والأمهات امهاتنا ... فأنعم فدتك النفسُ قومي ومعشري والإسار: العقال. وشفعني: أي اجعلني شفيعاً له وأتبعه بمن أطلقت. انظر: الديوان 49، رسالة الملائكة 132، ضرائر الشعر لابن عصفور 98. 3 انظر: شرح الأبيات المشكلة الإعراب 335. 4 من "الرجز". الفَتْخَة والفَتَخَة: خاتم يكون في اليد والرجل بفصٍّ وغير فص. والرجز في الخصائص 3 / 151، المحتسب 1 / 120، رسالة الغفران 190، الجامع لأحكام القرآن 5 / 101، ضرائر الشعر لابن عصفور 100، البحر المحيط 3 / 206. 5 انظر: المحتسب 1 / 120.

وقد ورد في ألفية ابن مالك شيء من ذلك في بعض أبياتها، كقوله في باب: "الموصول": موصولُ الاسماء الذي الأنثى التي-واليا إذا ما ثُنِّيا لا تُثبتِ1 وَصَل همزة القطع في قوله: "الاسماء" لإقامة الوزن. وقوله في الباب نفسه: في عائدٍ متَّصلٍ إن انتصب ... بفعلٍ أو وصفٍ كمن نرجو يَهَبْ2 أراد: أو وصفٍ بالقطع. وقوله في باب "الابتداء": وأوَّلٌ مبتدأ والثاني ... فاعلٌ اغنى في أسارٍ ذانِ3 وصل همزة القطع في قوله: "اغنى" للضرورة. وقوله في باب "لا التي لنفي الجنس": مرفوعاً او منصوبا او مُركَّبا ... وإن رفعتَ أوَّلاً لا تنصبا4 وَصَل الهمزة المقطوعة في قوله: "أو مركبا" للضرورة. وقوله في باب "التمييز": كشِبْرٍ ارضاً وقفيزٍ بُرّا ... ومَنَويْنِ عسلاً وتمرا5 وَصَل الهمزة في "أرضاً" وهي همزة قطع. وقوله في باب "الإضافة": وابنِ أو اعرِبْ ما كإذ قد أُجريا ... واختر بنا متلوِّ فِعلٍ بُنيا6

_ 1 الألفية ص 14. 2 المصدر السابق ص 15. 3 المصدر السابق ص 16. 4 المصدر السابق ص 21. 5 الألفية ص 31. 6 المصدر السابق ص33.

وَصَل الهمزة من قوله: "أعرب" لضرورة الوزن وأصلها همزة قطع. وفي الألفية كثير من هذا لكني أقتصر على ما أوردت خشية الإطالة.

حذف الياء والاستغناء بالكسر عنها

حذف الياء والاستغناء بالكسر عنها ... حذف الياء والاستغناء بالكسرة عنها: تقدم أن من ضرائر الشعر الحذف، ومن الحذف حذف الياء من "قاضي" و"جاري" وبابهما في حال الإضافة، والتعريف بالألف، واللام تشبيهاً بما ليس فيه ذلك؛ أي تشبيهاً للألف، واللام، والإضافة بما عاقبتاه وهو التنوين، فكما تحذف الياء مع التنوين كذلك تحذف مع الألف، واللام، والإضافة1. قال الأعشى: وأخو الغوانِ متى يشأ يَصْرِ مْنَهُ ... ويَصِرْنَ أعداءً بُعَيْد ودادِ2 فقد حذف الياء واجتزأ بالكسرة عنها حين شبّه الألف، واللام بالتنوين؛ لأنهما يتعاقبان، فحكم لهذا بحكم ما عاقبه3. فإذا ما جئنا لنطبق هذا على ألفية ابن مالك وجدنا الناظم يفعله أحياناً فيحذف الياء ويستغني عنها بالحركة المجانسة لها في آخر الكلمة وهي الكسرة، كما قال في باب "أعلم وأرى": وما لمفعوليْ علمتُ مطلقاً ... للثانِ والثالثِ أيضاً حُقِّقا4

_ 1 انظر: الأصول 3/456، شرح الجمل 2/579. 2 من "الكامل". في الديوان: "وأخو النساء" ولا شاهد فيه حينئذ. وصف النساء بالغدر وقلة الوفاء والصبر فيقول: من كان شغوفاً بهن مواصلاً لهن إذا تعرض لصرمهنَّ سارعن إلى ذلك لقلة وفائهن. وأراد: متى يشأ صرمهن يصرمنه، فحذف. والغواني: جمع غانية وهي التي غنيت بشبابها وحسنها عن الزينة. والبيت في: الديوان 179، الكتاب 1/10، الأصول 3/457، الخصائص 3/133، المنصف 2/73، الإنصاف 1/387. 3 انظر: ضرائر الشعر 120، 121. 4 الألفية، ص22.

فقوله: "للثانِ" أصله: للثاني، بإثبات الياء غير أنه قد حذفها للضرورة. وقال في باب "أبنية المصادر": فأوَّلٌ لذي امتناع كأبى ... والثانِ للذي اقتضى تقلُّبا1 فهذا نظير سابقه، ومثلهما - كذلك - قوله في باب " عطف النسق ": وانقُل بها للثانِ حكمَ الأولِ ... في الخبر المثبتِ والأمر الجلي2 وقد عدَّ سيبويه هذا وأمثاله من ضرائر الشعر، فقال في باب "ما يحتمل الشعر": "اعلم أنه يجوز في الشعر ما لا يجوز في الكلام من صرف ما لا ينصرف ... وحذف ما لا يحذف"3. أما مذهب أبي زكريا الفراء فهو أن كل ياءٍ أو واو تسكنان وما قبل الواو مضموم وما قبل الياء مكسور فإن العرب تحذفها وتجتزئ بالضمة من الواو وبالكسرة من الياء4. على أن هناك من أنكر على سيبويه وغيره من النحويين جعلهم هذا ونحوه من ضرورة الشعر؛ لأنه قد جاء في القرآن الكريم حذف الياء في غير رؤوس الآي، وقرأ به جمعٌ من القراء، كقوله - جل وعز - {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً} 5، وفي آيات غيرها كذلك6.

_ 1 المصدر السابق ص36. 2 المصدر السابق ص43. 3 الكتاب 1/9. 4 انظر: معاني القرآن 2/27. 5 من الآية 17 من سورة الكهف. وقد قرأ نافع وأبو عمرو بإثبات ياء " المهتدي " وصلاً وحذفها وقفاً. وأثبتها في الحالين يعقوب، ورويت عن قنبل من طريق ابن شنبوذ. وحَذَفَها الباقون في الحالين. انظر: السبعة في القراءات 391، الدر المصون 7/414، النشر 2/309، 316، الإتحاف 288. 6 انظر: ضرائر الشعر 121.

وأمَّا ابن عصفور فيرى أن هذا لا يرد على النحويين ولا يلزمهم؛ من قبل أنهم أرادوا أنَّ من كانت لغته إثبات الياء في "الغواني" وأمثاله فإنه قد يحذفها في الضرورة للعلة المذكورة1 وهي تشبيه المضاف إليه والألف واللام بالتنوين. والراجح لديَّ أنه لا يدخل ضمن الضرائر الشعرية؛ لوقوعه في أفصح كلام هو القرآن الكريم؛ في رؤوس الآي وغيرها كقوله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ التَّنادِ} 2، و {يَوْمَ التَّلاقِ} 3، و {الكَبيرُ المُتَعَالِ} 4، وقوله: {وَجِفَانٍ كالجَوابِ} 5، فهذه الآيات في غير الوقف، ولو قيل: إن هذا يكثر في الشعر دون غيره لكان أولى. والله أعلم. ويشير أبو العلاء المعري (449هـ) إلى أن حذف الياء من المضاف إلى الظاهر أحسن من المضاف إلى المضمر؛ لأن الظاهر منفصل، والمضمر يجري مجرى ما هو من الاسم. وحذفها من المجرد من الألف واللام أشذُّ مما هي فيهما؛ لأن الألف واللام قد يسوغ معهما حذف الياء حتى قيل إنها لغة للعرب، وقد قرأ بها القراء6.

_ 1 انظر: المصدر السابق 122. 2 من الآية 32 من سورة غافر. 3 من الآية 15 من سورة غافر. 4 من الآية 9 من سورة الرعد. 5 من الآية 13 من سورة سبأ. 6 انظر: عبث الوليد 229.

تخفيف الحرف المشدد

تخفيفُ الحرفِ المُشَدَّد: أجاز العلماء للشاعر تخفيف كل مثقل7؛ فله أن يحذف في الشعر ما لا يجوز حذفه في الكلام لتقويم الشعر، كما أن له أن يزيد لتقويمه أيضاً8، فإذا

_ 7 انظر: الكامل 2/1368. 8 انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة 89.

حذف بقي ما يدل على أنه قد حذف منه مثله؛ لأن المشدد حرفان، فإذا تمَّ للشاعر الوزن بأحدهما حذف الآخر1، وسواء في ذلك الصحيح والمعتل2. فمن التخفيف في الصحيح قول طرفة بن العبد: أصحوتَ اليومَ أم شاقتك هِرْ ... ومن الحبِّ جنونٌ مُسْتَعِرْ3 فهو مضطر إلى حذف أحد الحرفين من "هرّ" لاستواء الوزن ومطابقة البيت، فقابل براءِ "هر" راء "مستعر" وهي خفيفة أصلاً4. ومن التخفيف في المعتل قول الراجز5: حتى إذا ما لم أجد غير السَّري ... كنتُ امرءاً من مالك بنِ جعفرِ6 فخفف ياء "السَّريّ" مضطراً أيضاً. وهكذا الشأن فيما يتعلق بألفية ابن مالك؛ إذ وقع فيها شيءٌ من ذلك حين اضطر ناظمها إلى التخفيف في بعض المواضع لتقويم الوزن، سواء كان ذلك في الأحرف الصحيحة أو المعتلة.

_ 1 انظر: الأصول 3/448، ما يجوز للشاعر في الضرورة 122. 2 انظر: ضرائر الشعر لابن عصفور 133. 3 البيت من "الرمل". وهو مطلع قصيدة في الفخر. والخطاب لنفسه. صحوت: أي تركت الصبا والباطل. شاقتك: هاجت شوقك. " هر ": اسم امرأة. المستعر: الملتهب. انظر: الديوان 50، الكامل 2/1368، ما يحتمل الشعر من الضرورة 89، الخصائص 2/228، 320، ما يجوز للشاعر في الضرورة 122، شرح الجمل 2/578، الأشباه والنظائر 1/188. 4 انظر: الخصائص 2/228. وانظر أيضاً: 2/320 من الكتاب نفسه. 5 لم أقف على اسمه. 6 "السريّ": اسم رجل. وورد الرجز في: الأصول 3/448، المحتسب 2/77، الموشح 96، مايجوز للشاعر في الضرورة 122، ضرائر الشعر لابن عصفور 133.

فمن الأول قوله في باب "إن" وأخواتها: وأُلحقت بإنَّ لكنَّ وأنْ ... من دون ليت ولعلَّ وكأنْ1 فخفف النون في "أنَّ" و "كأنَّ" لضرورة الشعر التي جعلت النون ساكنة فيهما. وقوله في باب "النسب": والحذفُ في اليا رابعاً أحقُّ من ... قلبٍ، وحتمٌ قلبُ ثالثٍ يَعِنْ2 أصل النون في "يعن" مشددة؛ لأنها من عنَّ يَعنُّ بمعنى ظهر إلاَّ أن الناظم قد اضطر لتسكينها لأجل الشعر. ونظيره قوله في باب "الإبدال": وجمعُ ذي عين أُعِلَّ أو سَكَنْ ... فاحكم بذا الإعلال فيه حيث عَنْ3 وقال في الباب نفسه: واواً وهمزاً أوَّلَ الواوين رُدْ ... في بدء غيرِ شبهِ وُوفِي الأشُدْ4 فخفف كلاًّ من الدال في الفعل المبني للمجهول وأصله "رُدَّ" بالتضعيف، وكذلك الدال في "الأشد". ومن الثاني - أعني ما وقع التخفيف فيه من الأحرف المعتلة - قوله في باب "الفاعل": وقابلٌ من ظرفٍ او من مصدرِ أو حرف جرٍّ بنيابةٍ حري5

_ 1 الألفية ص20. 2 المصدر السابق ص62. 3 المصدر السابق ص67. 4 الألفية ص67. 5 المصدر السابق ص24.

الأصل فيه: "حريّ" بالتشديد بمعنى خليق، فخفف الياء للضرورة. وقوله في باب "النسب": وضاعف الثاني من ثنائي-ثانيه ذو لينٍ كـ "لا" ولائي1 يريد: مثل "لا" وتضعيفه: لائيٌّ؛ بياء النسب المشددة، ولكنها خففت هنا لضرورة الشعر2.

_ 1 المصدر السابق ص63. 2 انظر: النحو الوافي 4/727.

الخاتمة

الخاتمة لا يسعني بعد هذا التطواف، وفي ختام هذا البحث إلا أن أقدم خلاصة موجزة له مشتملة على أهم النتائج فأقول: أولاً: لقد كانت النظرة في بادئ الأمر إلى الشعر، والنثر واحدةً من حيثُ الخصائصُ التعبيرية في صياغة العبارة، وبناء الألفاظ. يقوِّي ذلك اشتراك الفنَّيْن في شواهد اللغة، والنحو على الرغم من التفاوت الملحوظ في طريقة الصياغة، والإعراب. ثم دخلت الضرورة - فيما بعدُ - في ميادين البحث اللغوي، والنقدي على نطاق واسع. ثانياً: لسيبويه - رحمه الله - جهود في مجال الكتابة عن الضرورة - وإن كانت لفظة "الضرورة" غير مذكورة في كتابه - إلاَّ أن دراسته لهذه الظاهرة تفتقر إلى المنهجية المحددة القائمة على التقسيم، والتصنيف. فما كتبه عن الضرورة لا يعدو أن يكون إضاءاتٍ موزعة ذات فوائد متفرقة أفاد منها النحاة في هذا المجال. يمكن اعتبار ما كتبه أبو بكر بن السراج الأساسَ التاريخي الأول لحركة التأليف والكتابة المنهجية عن الضرورة. وأمّا المبكر إلى حصر تلك الظاهرة حصراً علمياً فهو أبو سعيد السيرافي. ثالثاً: لم يصرّح سيبويه بتعريف محدَّد للضرورة، وإنما كان يكتفي ببعض العبارات التي فهم منها بعض شراح "الكتاب" وغيرهم مفهوم الضرورة عنده، وهو أنه يجوز للشاعر ما لا يجوز له في الكلام بشرط أن يضطر إلى

ذلك ولا يجد منه بدّاً، وأن يكون في ذلك ردُّ فرع إلى أصل أو تشبيه غير جائز بجائز. وقد نُسب هذا الاتجاه في فهم الضرورة إلى ابن مالك أيضاً وشُهر به حتى إن كثيراً ممَّن خالف هذا المنهج وجَّه نقده إلى ابن مالك وحده ولم يتعرض لسيبويه. ولم يجد هذا الرأي قبولاً لدى كثير من العلماء، على الرغم من شهرة، ومكانة من قال به؛ حيث لقي نقداً شديداً من المتأخرين كالشاطبي، وأبي حيان، وابن هشام، والأزهري، والبغدادي. وأمَّا عند أبي الفتح عثمان بن جني، وكثير من النحويين فالضرورة ما وقع في الشعر مطلقاً سواء كان للشاعر عنه مندوحة أو لا؛ إذ لا يشترط في الضرورة أن يضطر الشاعر إلى ذلك في شعره؛ لأن الشعر موضعٌ قد ألفت فيه الضرائر. ويتعدى أبو الحسن الأخفش ذلك فيقول: إن الشاعر يجوز له في كلامه وشعره ما لا يجوز لغيره في كلامه؛ لأن لسانه قد اعتاد الضرائر. وأما أحمد بن فارس فيختلف موقفه عن موقف النحويين؛ إذ لا يكاد يقرّ بما يسميه النحاة ضرورة، حيث يتعيّن على الشاعر أن يقول بما له وجه في العربية - ولا ضرورة فيه حينئذٍ - فإن لم يك ثمَّت وجه فيها رُدَّ وسُمِّي باسمه الحقيقي وهو الغلط أو الخطأ، ولا داعي للتكلف واصطناع الحيل للتخريج، ويرى أنه لا فرق بين الشاعر، والخطيب، والكاتب، فالشعراء يخطئون كما يخطئ سائر الناس، ويغلطون كما يغلطون. رابعاً: إن أقوى هذه الآراء أن الضرورة ما وقع في الشعر سواء كان للشاعر عنه مندوحة أولا؛ لأن الشعر كلام موزون بأفاعيل محصورة يستلزم

بناؤه على هذه الصورة المقيَّدة بالوزن، والقافية أن يلجأ قائله أحياناً إلى الضرورة. خامساً: أنه لا يمكن حصر الضرائر بعدد معيّن من قِبَل أن الشاعر غير مقيّد بحدود ما يجده لدى الشعراء الآخرين من ضرورات، فيزيد في المواضع التي زادوا فيها ويحذف حيث حذفوا، أو يغيّر على نحو ما غيروا، فقد يعترض في بعض نظمه الكثير مما لا يجد له نظيراً عند غيره. سادساً: مما ساعد على وجود الضرائر وكثرتها اختلاف نظرة العلماء إلى مصادر الاستشهاد ومواقفهم المختلفة منها، واختلاف نظرتهم إلى مدلول الضرورة الشعرية ذاتها، فصارت الظاهرة الواحدة ضرورة على رأي، في حين أنها لا تُعدُّ كذلك في رأي مغاير. سابعاً: أن الضرورة تنقسم إلى حسنة لا تستهجن النفس منها، ولا تستوحش كصرف ما لا ينصرف، وقصر الجمع الممدود، ومدّ الجمع المقصور، وإلى ضرورة مستقبحة كعدل بعض الأسماء عن وضعها الأصلي بتغيير مَّا فيها من زيادة أو نقص يترتب على أحدهما التباسٌ وعدم وضوح القصد، وابتعاد الذهن عن الوصول إلى اللفظ بحدوده المعروفة. على أنه لا يجوز للشاعر أن يلحن لتسوية قافية أو إقامة وزن كأن يرفع منصوباً أو ينصب مخفوضاً، ومتى وجد هذا في شعر كان خطأً ولحناً لا يدخل في ضرورة الشعر. ثامناً: أنه قد وقع لابن مالك في ألفيته كثير من المخالفات التي يمكن إدراجها ضمن الضرورة الشعرية. وإذا ما أريد تطبيق رأيه في الضرورة على هذه المخالفات فإن هذا ليس في صالح ابن مالك نفسه؛ لأن له في هذه المواضع أو معظمها مندوحة. وكما يقول أبو حيان: ما من كلمة إلا ويمكن استبدالها بأخرى.

وعلى سبيل المثال فإن ابن مالك قد اضطر إلى تقديم الصفة على الموصوف لإقامة الوزن حين قال: وابْنِ المعرَّفَ المنادى المفردا ... على الذي في رفعه قد عُهدا وأصل الكلام: وابن المنادى المعرَّفَ المفرد. مع أنه يمكن السلامة من ذلك لو قال: وابن المنادى المفرد المعرَّفا هذا. والله أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. والحمد لله أولاً وآخِراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وعقَّب عليه الأزهري بقوله: "يلزم منه الفصل بين الموصوف والصفة بالمبتدأ، وهو أجنبي من الخبر"1. فمذهب جمهور النحويين أنه لا يجوز الفصل بين الموصوف والصفة بما ليس معمولاً لواحدٍ منهما، بل لم أقف على قول لأحد يجيز ذلك إلا في ضرورة الشعر. نصَّ على ذلك ثُلةٌ من العلماء منهم ابن جني2، وابن عصفور3، وابن القواس4، وأبو حيَّان5. فمن الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي قول عروة بن الورد: أقولُ لقومٍ في الكنيفِ تروَّحوا ... عشية بتنا عند ماوان رُزّحِ6 يريد: أقول لقوم رزّحٍ في الكنيف تروَّحوا عشية بتنا عند ماوان7 وعليه فإن بيت ابن مالك الآنف الذكر يُعدُّ من هذا القبيل، حيث ألجأته ضرورة الشعر إلى الفصل بين الموصوف "فعلان" وصفته - وهي قوله: "غير متصرفين". وكذا قوله: "رافعان" - بالمبتدأ وهو أجنبي من الخبر، بمعنى أن المبتدأ ليس معمولاً للخبر. وهو الصحيح.

_ 1 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 80. 2 انظر: الخصائص 1 / 147. 3 انظر: شرح الجمل 2 / 607، المقرب 1 / 228، ضرائر الشعر 204. 4 انظر: شرح ألفية ابن معطي 2 / 1390. 5 انظر: الارتشاف 3 / 315. 6 من "الطويل" "تروَّحوا": ساروا بالرواح. "ماوان": وادٍ فيه ماء لبني فزارة "رزَّح": الرزاح: الذي قد سقط من الهزال والأعياء والبيت في: الديوان 23، أمالي القالي 2/234، حماسة أبي تمام 1/253، ضرائر الشعر للقزاز 205. 7 انظر: ضرائر الشعر 205.

الفصل بين العامل، والمعمول بالأجنبي: قال ابن مالك في "فصل: الأحرف المشبهة بـ"ليس": وسبقَ حرفِ جَرٍّ او ظرفٍ كما ... بي أنت معنياً أجاز العلما1 تقدير البيت: أجاز العلماء سبق حرف جر ومجروره أو ظرف معمول "ما" حال كونهما متعلقين بخبر "ما" نحو: ما بي أنت معنياً، والأصل: ما أنت معنياً بي. وقد فصل بين "سبق" وعامله "أجاز" بالمثال وهو أجنبي منه. وهذا مختص بالضرورة الشعرية. قاله الأزهري2. وجمهور النحاة - العالمون بما يتكلم به العرب - لا يجيزون الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي إلاَّ في حال الضرورة كقول الفرزدق: وإني لأطوي الكشحَ منْ دونِ مَنْ طوى ... وأقطع بالخرقَ الهبوعِ المُراجمِ3 أراد: وأقطع الخرقَ بالهبوعِ، ففصل بين الجار ومجروره بالمفعول وهو قوله: الخرق4.

_ 1 الألفية ص 18. 2 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 32. 3 من "الطويل". " الكشح ": ما بين الخاصرة إلى الضلع من الخلف. وطوى كشحه عن الأمر: أضمره وستره. " الخرق " القفر أو الأرض الواسعة تتخرقها الرياح. " الهبوع ": صفة، أي بالجمل الهبوع وهو المادّ عنقه في السير. و " المُراجم " الذي يرجم الأرض بأخفافه أي يخبطها. والبيت في: ضرائر الشعر 200، شرح التسهيل 3/194، شرح الكافية الشافية 2/832، لسان العرب (هبع) 8/366، الهمع 4/227، الدرر 4/202. 4 انظر: ضرائر الشعر 200، الارتشاف 2/473.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع 1 - ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة. عبد اللطيف الزبيدي: ت: د. طارق الجنابي، ط (1) عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، 1407هـ. 2 - إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر. أحمد الدمياطي: رواه وصحّحه علي بن محمد الضباع، دار الندوة الجديدة، بيروت. 3 - أدب الكاتب. ابن قتيبة الدينوري: ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط (4) ، مطبعة السعادة بمصر، 1382هـ - 1963م. 4 - ارتشاف الضرب من لسان العرب. أبو حيان: ت: د. مصطفى النماس، ط (1) ، مطبعة المدني، القاهرة، 1408هـ. 5 - إرشاد السالك (شرح ألفية ابن مالك) . عبد المجيد الشرنوبي الأزهري: المكتبة الشعبية. بيروت. 6 - الأزمنة والأمكنة. أبو علي المرزوقي الأصفهاني: حيدر آباد، الدكن 1332هـ. 7 – الأزهية في علم الحروف. علي بن محمد الهروي: ت. عبد المعين الملوحي، ط (2) ، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق 1401هـ. 8 - أسرار العربية. أبو البركات الأنباري: ت. محمد بهجة البيطار، دمشق، 1377هـ - 1957م. 9 - إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين. عبد الباقي اليماني: ت: د. عبد المجيد دياب، ط (1) ، شركة الطباعة العربية السعودية، الرياض، 1406هـ. 10 - الأشباه والنظائر. جلال الدين السيوطي: ط (1) ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ.

1 - الإصابة في تمييز الصحابة. ابن حجر العسقلاني: دار الكتاب العربي، بيروت. 2 - الأصول في النحو. أبو بكر بن السراج: ت: د. عبد الحسين الفتلي، ط (1) ، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405هـ. 3 - تمرين الطلاب في صناعة الإعراب. الشيخ خالد الأزهري: ط (1) ، المكتبة الشعبية. بيروت. 4 - إعراب القرآن. أبو جعفر النحاس: ت: د. زهير غازي زاهد، ط (2) ، عالم الكتب 1405هـ-1985م. 5 - الأعلام. خير الدين الزركلي: ط (4) ، دار العلم للملايين، بيروت 1979م. 6 - الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب. أبو نصر الفارقي: ت: سعيد الأفغاني، ط (3) ، مؤسسة الرسالة، بيروت 1400هـ - 1980م. 7 - الاقتراح في أصول النحو. جلال الدين السيوطي: ت: د. أحمد محمد قاسم، ط (1) 1396هـ. 8 - الاقتضاب في شرح أدب الكتاب. ابن السيد البطليوسي: دار الجيل، بيروت 1973م. 9 - ألفية ابن مالك في النحو والصرف. ابن مالك: ط (1) ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ. 10 - الأمالي. أبو علي القالي: دار الكتاب العربي، بيروت. 11 - أمالي الزجاجي. أبو القاسم الزجاجي: ت: عبد السلام هارون، ط (2) ، دار الجيل، بيروت 1407هـ- 1987م. 12 - أمالي السهيلي. أبو القاسم السهيلي: ت: محمد إبراهيم البنا، ط (1) ، مطبعة السعادة، 1390هـ- 1970م. 13 - أمالي ابن الشجري. هبة الله بن علي الشجري: ت: د. محمود الطناحي، ط (1) ، مكتبة الخانجي، القاهرة 1413هـ - 1992م.

1 أمالي المرتضى. الشريف المرتضى: ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط (2) ، دار الكتاب العربي 1387هـ. 2 - الأمالي النحوية (أمالي القرآن الكريم) . ابن الحاجب: ت. هادي حسن حمودي، ط (1) ، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية 1405هـ. 3 - إنباه الرواة على أنباه النحاة. القفطي: ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط (1) ، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، دار الفكر العربي، القاهرة 1406هـ. 4 - الأنساب. أبو سعيد السمعاني: ت. د، مرجليوت. بغداد 1950م. 5 - الإنصاف في مسائل الخلاف. أبو البركات الأنباري: ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل 1982م. 6 - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك. ابن هشام: ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط (6) ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1394هـ. 7 - الإيضاح العضدي. أبو علي الفارسي: ت: د. حسن شاذلي فرهود، ط (1) ، مطبعة دار التأليف، مصر 1389هـ. 8 - البحر المحيط. أبو حيان الأندلسي: ط (2) ، دار الفكر، 1403هـ. 9 - البسيط في شرح جمل الزجاجي. ابن أبي الربيع: ت: د. عياد الثبيتي، ط (1) ، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1407هـ. 10 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة. جلال الدين السيوطي: ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت 1384هـ. 11 - البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة. الفيروزابادي: ت: محمد المصري، ط (1) ، مطبعة الفيصل، الكويت 1407هـ. - التبصرة والتذكرة. أبو محمد الصيمري: ت: د. فتحي عليّ الدين، ط (1) ، دار الفكر، دمشق 1402هـ.

1 - التبيان في إعراب القرآن. أبو البقاء العكبري: ت: علي البجاوي، مطبعة عيسى البابي الحلبي. 2 - التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين. أبو البقاء العكبري: ت: د. عبد الرحمن العثيمين، ط (1) ، بيروت، 1406هـ-1986م. 3 - تحصيل عين الذهب. يوسف بن سليمان الشنتمري: مطبوع بهامش كتاب سيبويه، ط (1) ، بولاق 1317هـ. 4 - تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد. ابن هشام: ت: د. عباس مصطفى الصالحي، ط (1) ، بيروت 1406هـ - 1986م. 5 - تذكرة الحفاظ. الذهبي: دار الكتب العلمية، بيروت 1374هـ. 6 - تذكرة النحاة. أبو حيان الأندلسي: ت: د. عفيف عبد الرحمن، ط (1) مؤسسة الرسالة، بيروت 1406هـ. 7 - التذييل والتكميل في شرح التسهيل. أبو حيان الأندلسي: دار الكتب المركزية برقم 62 نحو. مصورة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، مكة المكرمة. 8 - تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد. ابن مالك: ت: د. محمد كامل بركات، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر 1387هـ. 9 - التصريح بمضمون التوضيح. خالد الأزهري: دار الفكر. 10 - تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد. الدماميني: ت: د. محمد المفدى، ط (1) ، الأجزاء 1-4، 1403-1409هـ. 11 - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك. المرادي (ابن أم قاسم) : ت: د. عبد الرحمن سليمان، ط (2) ، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، 1397هـ. 12 - التوطئة. أبو علي الشلوبيني: ت: د. يوسف المطوع، مطابع سجل العرب، 1401هـ -1981م.

1 - الجامع الصحيح (سنن الترمذي) . محمد بن عيسى بن سورة: ت: أحمد محمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 2 - الجامع لأحكام القرآن. القرطبي: دار إحياء التراث العربي، بيروت. 3 - الجمل في النحو. أبو القاسم الزجاجي: ت: د. علي توفيق الحمد، ط (2) ، مؤسسة الرسالة، دار الأمل 1405هـ. 4 - الجنى الداني في حروف المعاني. الحسن بن قاسم المرادي: ت: د. فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فاضل، ط (2) ، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1403هـ-1983م. 5 - حاشية ابن حمدون بن الحاج على شرح المكودي: دار الفكر، بيروت. 6 - حاشية الشيخ محمد الأمير على مغني اللبيب: مطبوع بهامش مغني اللبيب لابن هشام، دار إحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي. 7 - حاشية الصبان على شرح الأشموني: دار الفكر، بيروت. 8 - حاشية الملوي الأزهري على المكودي: مطبوع بهامش شرح المكودي على ألفية ابن مالك. 9 - الحلل في شرح أبيات الجمل. ابن السيد البطليوسي: ت: د. مصطفى إمام، ط (1) ، القاهرة، 1979م. 10 - الحماسة. أبو تمام (حبيب بن أوس) : ت: د. عبد الله عسيلان، ط (1) ، دار الهلال، الرياض 1401هـ. 11 - حياة الحيوان الكبرى. كمال الدين الدميري: دار الفكر، بيروت. 12 - خزانة الأدب. عبد القادر البغدادي: ت: عبد السلام هارون، ط (2) ، مصر 1979م. 13 - الخصائص. ابن جني: ت: محمد علي النجار، ط (2) ، دار الهدى للطباعة النشر، بيروت 1952م. 14 - الدرر اللوامع على همع الهوامع. الشنقيطي: ت: عبد العال سالم مكرم، ط (1) ، الكويت 1401هـ-1981م.

1 - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون. أحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي: ت: د. أحمد محمد الخراط، ط (1) ، دار القلم، دمشق، 1406هـ- 1415هـ. 2 - ديوان أبي النجم العجلي: صنعة علاء الدين أغا، ط (1) ، الرياض 1401هـ - 1981م. 3 - ديوان الأخطل: ت: مهدي محمد ناصر الدين، ط (1) ، دار الكتب العلمية، بيروت 1406هـ - 1986م. 4 - ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس: شرح وتعليق د. محمد محمد حسين، ط (7) ، مؤسسة الرسالة، بيروت 1403هـ. 5 - ديوان امرىء القيس: ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط (4) ، دار المعارف، القاهرة. 6 - ديوان تميم بن أبي مقبل: ت: د. عزة حسن، دمشق 1962م. 7 - ديوان جرير بن عطية الخطفي: دار صادر، بيروت. 8 - ديوان حاتم الطائي: ط (2) ، منشورات دار ومكتبة الهلال، بيروت 1406هـ. 9 - ديوان ذي الرمة: ط (2) ، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، دمشق 1384هـ. 10 - ديوان زهير بن أبي سلمى: دار بيروت للطباعة والنشر، 1402هـ -1982م. 11 - ديوان طرفة بن العبد: دار صادر، دار بيروت، 1380هـ-1961م. 12 - ديوان العجاج. رواية الأصمعي: ت: د. عبد الحفيظ السطلي، دمشق 1971م. 13 - ديوان عدي بن زيد العبادي: جمع وتحقيق محمد جبار المعيبد، بغداد 1965م. 14 - ديوان عروة بن الورد: دار صادر، بيروت. 15 - ديوان عمر بن أبي ربيعة: دار صادر، بيروت.

1 - ديوان الفرزدق: ت: علي فاعور، ط (1) دار الكتب العلمية، بيروت 1407هـ. 2 - ديوان قيس بن الخطيم: ت: الدكتور ناصر الدين الأسد، مطبعة المدني بالقاهرة 1962م. 3 - ديوان كعب بن مالك الأنصاري: ت: سامي مكي العاني، ط (1) ، بغداد 1966م. 4 - ديوان لبيد بن ربيعة العامري: دار صادر، بيروت. 5 - ديوان النابغة الذبياني. صنعة ابن السكيت: ت: د. شكري فيصل، ط (2) ، دار الفكر، 1410هـ - 1990م. 6 - ديوان الهذليين. نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة 1385هـ. 7 - ذم الخطأ في الشعر. ابن فارس اللغوي: ت: الدكتور رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي، بمصر 1400هـ. 8 - ذيل الأمالي والنوادر. أبو علي القالي: مطبوع مع كتاب الأمالي لأبي علي. 9 - رسالة الغفران. أبو العلاء المعري: ت: د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطىء) ، ط (6) ، دار المعارف، القاهرة. 10 - رصف المباني في شرح حروف المعاني. أحمد بن عبد النور المالقي: ت: د. أحمد الخراط، ط (2) ، دار القلم، دمشق 1405هـ. 11 - رغبة الآمل. سيد بن علي المرصفي: مصر 1346هـ - 1348م. 12 - السبعة في القراءات. ابن مجاهد: ت: د. شوقي ضيف، ط (2) ، دار المعارف، القاهرة 1400هـ. 13 - سر صناعة الإعراب. ابن جني: ت: د. حسن هنداوي، ط (1) ، دار القلم، دمشق 1405هـ.

1 - سمط اللآلي. ويحتوي على اللآلي في شرح أمالي القالي. أبو عبيد البكري: ت: عبد العزيز الميمني، ط (2) ، بيروت 1404هـ-1984م. 2 - سنن ابن ماجه: ت: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة العلمية، بيروت. 3 - سيبويه والضرورة الشعرية. د. إبراهيم حسن إبراهيم: ط (1) ، مطبعة حسّان، القاهرة 1403هـ-1983م. 4 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب. ابن العماد الحنبلي: ط (2) ، دار المسيرة، بيروت 1399هـ. 5 - شرح الأبيات المشكلة الإعراب (إيضاح الشعر) . أبو علي الفارسي: ت: د. حسن هنداوي، ط (1) ، دار القلم، دمشق، دار العلوم والثقافة، بيروت 1407هـ - 1987م. 6 - شرح أبيات مغني اللبيب. عبد القادر البغدادي: ت: عبد العزيز رباح، أحمد يوسف دقاق، ط (1) ، دار المأمون للتراث، دمشق 1393هـ. 7 - شرح ألفية ابن مالك. أبو زيد المكودي: دار الفكر، بيروت. 8 - شرح ألفية ابن مالك. لابن عقيل: ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط (2) ، دار الفكر 1405هـ - 1985م. 9 - شرح ألفية ابن مالك. ابن الناظم: ت: د. عبد الحميد السيد عبد الحميد، دار الجيل، بيروت. 10 - شرح ألفية ابن معطي. ابن القواس الموصلي: ت: د. علي موسى الشوملي، ط (1) ، مكتبة الخريجي، الرياض، 1405هـ. 11 - شرح التحفة الوردية. ابن الوردي: ت: د. عبد الله علي الشلاّل، مكتبة الرشد، الرياض 1409هـ - 1989م. 12 - شرح التسهيل. ابن مالك: ت: د. عبد الرحمن السيد، د. محمد بدوي المختون، ط (1) ، مصر 1410هـ - 1990م.

1 - شرح الجمل. ابن عصفور: ت: د. صاحب أبو جناح، ط (1) ، بغداد 1400هـ. 2 - شرح ديوان الحماسة. الخطيب التبريزي: عالم الكتب. بيروت. 3 - شرح السيرافي: شرح كتاب سيبويه. أبو سعيد السيرافي. مصور عن نسخة دار الكتب برقم 137 نحو. 4 - شرح شذور الذهب. ابن هشام الأنصاري: ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر. 5 - شرح شواهد الشافية. عبد القادر البغدادي: مطبوع مع شرح الشافية للرضي. 6 - شرح شواهد المغني. جلال الدين السيوطي: ت: أحمد ظافر كوجان، دار مكتبة الحياة. 7 - شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ. ابن مالك: ت: عدنان عبد الرحمن الدوري، مطبعة العاني، بغداد 1397هـ. 8 - شرح الكافية. رضي الدين الاستراباذي: ت: يوسف حسن عمر، منشورات جامعة قاريونس 1398هـ - 1978م. 9 - شرح الكافية الشافية. ابن مالك: ت: د. عبد المنعم أحمد هريدي، ط (1) ، دار المأمون للتراث 1402هـ. 10 - شرح المفصل. ابن يعيش: طبع عالم الكتب، بيروت، ومكتبة المثنى بالقاهرة. 11 - شعر عبد الرحمن بن حسان بن ثابت: جمع وتحقيق: د. سامي مكي العاني، ط (1) ، بغداد 1971م. 12 - الشعر والشعراء. ابن قتيبة: ت: أحمد محمد شاكر، دار المعارف، 1966م.

1 - شفاء العليل في إيضاح التسهيل. أبو عبد الله السلسيلي: ت: د. الشريف عبد الله البركاتي، ط (1) ، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة 1406هـ. 2 - شواهد التوضيح والتصحيح. ابن مالك: ت: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية، بيروت. 3 - الصاحبي. أحمد بن فارس: ت: السيد أحمد الصقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة. 4 - صحيح البخاري. ط (2) ، عالم الكتب، بيروت 1402هـ. 5 - صحيح مسلم. ت: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 6 - صفة الصفوة. أبو الفرج الجوزي: ت: محمود فاخوري، ط (3) ، دار المعرفة، بيروت. 7 - ما يجوز للشاعر في الضرورة. أبو عبد الله القزاز القيرواني: ت: د. محمد زغلول سلام، د. محمد مصطفى هدارة، الإسكندرية. 8 - ضرائر الشعر. ابن عصفور: ت: السيد إبراهيم محمد، ط (1) ، دار الأندلس 1980م. 9 - الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر. محمود شكري الآلوسي: القاهرة 1341هـ. 10 - الضرورة الشعرية، دراسة نقدية لغوية. د. عبد الوهاب محمد العدواني: ط (1) ، الموصل 1410هـ. 11 - الضرورة الشعرية في النحو العربي. د. محمد حماسة عبد اللطيف: مكتبة دار العلوم، مصر. 12 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع. شمس الدين السخاوي: منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.

1 - طبقات فحول الشعراء. محمد بن سلام الجمحي: تحقيق وشرح: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة 1974م. 2 - عبث الوليد. أبو العلاء المعري: علق عليه محمد عبد الله المدني، ط (3) ، دار الرفاعي، الرياض 1405هـ - 1985م. 3 - العمدة في محاسن الشعر. ابن رشيق القيرواني: ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط (5) ، دار الجيل، بيروت 1401هـ -1981م. 4 - غاية النهاية في طبقات القراء. ابن الجزري: عني بنشره ج. برجستراسر، ط (3) ، دار الكتب العلمية، بيروت 1402هـ. 5 - فتح الرب المالك بشرح ألفية ابن مالك. محمد بن قاسم الغزِّي: ت: محمد المبروك الختروشي، ط (1) ، طرابلس 1401هـ. 6 - الفتوحات الإلهية. سليمان بن عمر العجيلي الشهير بالجمل: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، مصر. 7 - الفريد في إعراب القرآن المجيد. المنتجب الهمذاني: ت: د. محمد حسن النمر، د. فؤاد علي مخيمر، ط (1) ، الدوحة 1411هـ -1991م. 8 - الفوائد الضيائية. نور الدين الجامي: ت: د. أسامة طه الرفاعي، العراق 1403هـ - 1983م. 9 - في الضرورات الشعرية. د. خليل بنيان الحسون: ط (1) ، بيروت1403هـ. 10 - الكافي في العروض والقوافي. الخطيب التبريزي: ت: الحسّاني حسن عبد الله، مكتبة الخانجي، القاهرة. 11 - الكامل. أبو العباس المبرد: ت: محمد أحمد الدالي، ط (1) ، مؤسسة الرسالة، بيروت 1406هـ. 12 - الكامل في التاريخ. ابن الأثير: ط (4) ، دار الكتاب العربي، بيروت 1403هـ-1983م. 13 - الكتاب. سيبويه: ط (1) بولاق، 1316هـ.

1 - الكشاف. أبو القاسم الزمخشري: دار المعرفة، بيروت. 2 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. حاجي خليفة: ط (1) ، منشورات مكتبة المثنى، بيروت. 3 - كفاية الغلام في إعراب الكلام. أبو سعيد الآثاري: ت: د. زهير زاهد، والأستاذ هلال ناجي، ط (1) ، بيروت 1407هـ. 4 - اللامات. أبو القاسم الزجاجي: ت: مازن المبارك، ط (2) ، دار الفكر، دمشق 1405هـ-1985م. 5 - لباب الإعراب للإسفراييني. تاج الدين الإسفراييني: ت: بهاء الدين عبد الوهاب عبد الرحمن، ط (1) ، الرياض 1405هـ. 6 - لسان العرب. ابن منظور: دار صادر، بيروت. 7 - لمع الأدلة. أبو البركات الأنباري: ت: سعيد الأفغاني، دمشق، 1377هـ-1957م. 8 - اللمع في العربية. ابن جني: ت: حامد المؤمن، ط (2) ، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية 1405هـ. 9 - المؤتلف والمختلف. أبو القاسم الآمدي: تصحيح وتعليق د/ ف. كرنكو، ط (2) ، دار الكتب العلمية، بيروت 1402هـ. 10 - ما يحتمل الشعر من الضرورة. أبو سعيد السيرافي: ت: د. عوض بن حمد القوزي، ط (1) ، مطابع الفرزدق، الرياض 1409هـ -1989م. 11 - ما ينصرف وما لا ينصرف. أبو إسحاق الزجاج: ت: هدى محمود قراعة، ط (1) ، القاهرة، 1391هـ-1971م. 12 - المبسوط في القراءات العشر. أبو بكر الأصبهاني: ت: سبيع حاكمي، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق. 13 - مجاز القرآن. أبو عبيدة معمر بن المثنى: ت: محمد فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي، القاهرة 1374هـ-1954م.

1 - مجالس ثعلب. أبو العباس أحمد بن يحيى: ت: عبد السلام هارون، ط (3) ، دار المعارف، مصر. 2 - مجمع الأمثال. أبو الفضل الميداني: ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط (3) ، دار الفكر 1393هـ. 3 - المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها. ابن جني: ت: علي النجدي ناصف وزميليه، ط (2) ، دار سزكين للطباعة والنشر 1406هـ. 4 - مختصر في شواذ القراءات. ابن خالويه: نشر: ج براجستراسر، المطبعة الرحمانية، مصر 1934م. 5 - المدارس النحوية. د. شوقي ضيف: ط (4) ، دار المعارف 1968م. 6 - المسائل البصريات. أبو علي الفارسي: ت: د. محمد الشاطر أحمد محمد، ط (1) ، القاهرة 1405هـ-1985م. 7 - المسائل المشكلة (البغداديات) . أبو علي الفارسي: ت: صلاح الدين عبد الله السنكاوي، مطبعة العاني، بغداد. 8 - المساعد على تسهيل الفوائد. ابن عقيل: ت: محمد كامل بركات، ط (1) ، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى 1400هـ - 1980م. 9 - مشكل إعراب القرآن. مكي بن أبي طالب: ت: د. حاتم صالح الضامن، ط (2) ، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405هـ - 1984م. 10 - المعارف. ابن قتيبة: ت: د. ثروت عكاشة، ط (4) ، دار المعارف 1981م. 11 - معاني القرآن. أبو زكريا الفراء: ت: أحمد نجاتي ومحمد النجار، ط (3) ، عالم الكتب، بيروت 1403هـ. 12 - معاني القرآن وإعرابه. أبو إسحاق الزجاج: ت: د. عبد الجليل عبده شلبي، ط (1) ، عالم الكتب، بيروت 1408هـ - 1988م.

1 - المعاني الكبير. ابن قتيبة الدينوري: ط (1) ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ. 2 - معجم الأدباء. ياقوت الحموي: ط (3) ، دار الفكر، 1400هـ. 3 - معجم الشعراء. أبو عبيد الله المرزباني: تصحيح وتعليق: د. ف. كرنكو، ط (2) ، دار الكتب العلمية، بيروت 1402هـ. 4 – مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. ابن هشام الأنصاري: ت: د. مازن المبارك، محمد علي حمد الله، ط (5) ، دار الفكر، بيروت 1979هـ. 5 - مفتاح السعادة ومصباح السيادة. طاش كبرى زادة: دار الكتب الحديثة، مطبعة الاستقلال الكبرى، القاهرة. 6 - مفتاح العلوم. أبو يعقوب السكاكي: ت: نعيم زرزور، ط (1) ، دار الكتب العلمية، بيروت 1403هـ. 7 - المفصل في علم العربية. أبو القاسم الزمخشري: ت: السيد محمد بدر الدين النعساني، ط (2) ، دار الجيل، بيروت. 8 - المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية. بدر الدين العيني: مطبوع بهامش خزانة الأدب، ط (1) ، بولاق 1299هـ. 9 - المقتصد في شرح الإيضاح. عبد القاهر الجرجاني: ت: د. كاظم بحر المرجان، دار الرشيد للنشر، العراق 1982م. 10 - المقتضب. أبو العباس المبرد: ت: محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت. 11 - المقرب. ابن عصفور الإشبيلي: ت: أحمد الجواري وعبد الله الجبوري، ط (1) ، مطبعة العاني، بغداد 1391هـ. 12 - منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل. محمد محيي الدين عبد الحميد: مطبوع مع شرح ابن عقيل. 13 - المنصف. أبو الفتح بن جني: ت: إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين، ط (1) ، مصطفى البابي الحلبي 1373هـ.

1 - منهج السالك إلى ألفية ابن مالك. الأشموني نور الدين أبو الحسن: دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه. 2 - الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء. محمد بن عمران المرزباني: مصر 1343هـ. 3 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. جمال الدين بن تغري بردي: مصورة عن طبعة دار الكتب. 4 - النحو الوافي. عباس حسن: ط (5) ، دار المعارف، مصر 1980م. 5 - نزهة الألباء في طبقات الأدباء. أبو البركات الأنباري: ت: د. إبراهيم السامرائي، ط (3) مكتبة المنار، الأردن 1405هـ. 6 - النشر في القراءات العشر. ابن الجزري: صححه وراجعه علي محمد الضبع، دار الكتب العلمية، بيروت. 7 - نكت الهميان في نكت العميان. الصفدي: المطبعة الجمالية، القاهرة 1329هـ. 8 - النوادر في اللغة. أبو زيد الأنصاري: ت: د. محمد عبد القادر أحمد، ط (1) ، دار الشروق، بيروت 1401هـ-1981م. 9 - همع الهوامع في شرح جمع الجوامع. جلال الدين السيوطي: ت: د. عبد العال سالم مكرم، ط (1) ، دار البحوث العلمية، الكويت 1400هـ - 1980م. 10 - وفيات الأعيان. ابن خلكان: ت: د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت.

§1/1