الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني
4 - الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة مركز الدعوة والإرشاد بالقصب، 1431هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر. القحطاني، سعيد بن علي بن وهف أركان الإسلام./ سعيد بن علي بن وهف القحطاني - القصب، 1431هـ 5 مج. ردمك: 5 - 0 - 90179 - 603 - 978 (مجموعة) 3 - 4 - 90179 - 603 - 978 (ج4) (خمسة أجزاء في صندوق واحد) 1 - الإسلام 2 - العبادات (فقه إسلامي) 3 - التربية الإسلامية. أ. العنوان ديوي 252 ... ... ... ... ... ... ... ... ... 4396/ 1431 رقم الإيداع: 4396/ 1431 ردمك: 5 - 0 - 90179 - 603 - 978 (مجموعة) 3 - 4 - 90179 - 603 - 978 (ج4) الطبعة الأولى: شعبان 1428هـ- 2008م الطبعة الثانية: شوال 1431هـ- 2010م
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فهذه رسالة في ((الصيام في الإسلام)) بيّنت فيها بإيجاز: كل ما يحتاجه المسلم في صيامه، وقرنت ذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، فما كان من صواب فمن الله الواحد المنَّان، وما كان من خطأ أو تقصير: فمني ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، رفع الله منزلته، وغفر له، وجزاه عني وعن المسلمين خيراً. وقد قسمت البحث إلى عدة مباحث على النحو الآتي: ¬
المبحث الأول: مفهوم الصيام: لغة، وشرعاً. المبحث الثاني: فضائل الصيام وخصائصه. المبحث الثالث: فوائد الصيام ومنافعه العظيمة. المبحث الرابع: فضائل شهر رمضان وخصائصه. المبحث الخامس: حكم صيام شهر رمضان ومراتب فرضيته. المبحث السادس: ثبوت دخول شهر رمضان وخروجه. المبحث السابع: أنواع الصيام وأقسامه. المبحث الثامن: شروط الصيام. المبحث التاسع: أركان الصيام. المبحث العاشر: تيسير الله تعالى في الصيام. المبحث الحادي عشر: أهل الأعذار المبيحة للفطر في نهار رمضان. المبحث الثاني عشر: المفطرات: مفسدات الصيام. المبحث الثالث عشر: شروط المفطرات. المبحث الرابع عشر: الصيام في بلاد يطول فيها النهار. المبحث الخامس عشر: آداب الصيام الواجبة. المبحث السادس عشر: محرمات الصيام. المبحث السابع عشر: آداب الصيام المستحبة. المبحث الثامن عشر: مكروهات الصيام. المبحث التاسع عشر: مباحات الصيام. المبحث العشرون: قضاء الصيام. المبحث الحادي والعشرون: صلاة التراويح. المبحث الثاني والعشرون: أخطاء يقع فيها بعض الصائمين. المبحث الثالث والعشرون: صيام التطوع. المبحث الرابع والعشرون: الصيام المحرم والمكروه. المبحث الخامس والعشرون: ليلة القدر. المبحث السادس والعشرون: الاعتكاف. المبحث السابع والعشرون: فضائل وخصائص العشر الأواخر.
المبحث الثامن والعشرون: فضائل تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره، وآدابها وأثرها. المبحث التاسع والعشرون: زكاة الفطر من رمضان. المبحث الثلاثون: آداب العيد. والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل مباركاً، نافعاً، خالصاً لوجهه الكريم، مقرّباً لمؤلفه، وقارئه، وناشره من الفردوس الأعلى، أعلى جنات النعيم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كلَّ من انتهى إليه؛ إنه سميع مجيب، قريب، خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على خيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وأسوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أبو عبد الرحمن سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر بعد عصر يوم الأحد 26/ 4/1428هـ.
المبحث الأول: مفهوم الصيام: لغة وشرعا
المبحث الأول: مفهوم الصيام: لغة وشرعاً 1 - الصوم والصيام لغة: الإمساك (¬1)، يقال: صام النهار إذ وقف سير الشمس، قال الله تعالى إخباراً عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} (¬2) أي: صمتاً؛ لأنه إمساك عن الكلام، ويفسره قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} (¬3). وقال الشاعر النابغة الذبياني: خَيْلٌ صِيامٌ وخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ العَجَاجِ وأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا يعني بالخيل الصائمة: القائمة بلا اعتلاف، وقيل: الممسكة عن الصهيل (¬4). والصيام: مصدر صام يصوم صوماً وصياماً (¬5). 2 - الصوم شرعاً: قيل: ((هو عبارة عن إمساك مخصوص: وهو ¬
الإمساك عن الأكل، والشرب، والجماع من الصبح إلى المغرب مع النية)) (¬1). وقيل: هو عبارة عن إمساك عن أشياء مخصوصة في وقت مخصوص (¬2). وقيل: ((هو عبارة: عن إمساك مخصوص، في وقت مخصوص، على وجه مخصوص)) (¬3). وقيل: ((هو الإمساك عن المفطر على وجه مخصوص)) (¬4). وقيل: ((إمساكٌ بِنِيَّةٍ عن أشياء مخصوصة، في زمن معيَّن، من شخص مخصوص)) (¬5). وقيل: ((هو: الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وغيرها مما ورد به الشرع في النهار على الوجه المشروع)) (¬6) (¬7). وقيل: الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وغيرها مما ورد به ¬
المختار في تعريف الصيام شرعا:
الشرع في النهار على الوجه المشروع، ويتبع ذلك الإمساك عن الرفث والجهل وغيرها من الكلام المحرم والمكروه (¬1). وقيل: إمساك مخصوص من شخص مخصوص، عن شيء مخصوص، في زمنٍ مخصوص (¬2). والمختار في تعريف الصيام شرعاً: أن يُقال: ((هو التعبد لله تعالى بالإمساك بنية: عن الأكل، والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، من شخص مخصوص، بشروط مخصوصة)) (¬3). وسمي الصيام صبراً؛ لحديث: ((صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر)) (¬4) (¬5). وقد قيل: إنه عُني بقوله: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} (¬6)؛ لأن ¬
الصائم يُصبِّر نفسه عن شهواتها (¬1). وسمي أيضاً: السياحة (¬2). ¬
المبحث الثاني: فضائل الصيام وخصائصه
المبحث الثاني: فضائل الصيام وخصائصه الصيام له فضائل وخصائص عظيمة على النحو الآتي: 1 - الصيام من الأعمال التي يُعِدُّ الله بها المغفرة والأجر العظيم؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ الله كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (¬1). 2 - الصيام خير للمسلم لو كان يعلم؛ لقول الله تعالى: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون} (¬2). 3 - الصيام سبب من أسباب التقوى؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} (¬3). 4 - الصوم جُنة، يستجنُّ بها العبد المسلم من النار؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال ربنا - عز وجل -: الصيامُ جنةٌ يستجنُّ بها العبدُ من النار (¬4)، ¬
وهو لي وأنا أجزي به)) (¬1). وعن كعب بن عُجرة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أُعيذك بالله يا كعبَ بن عُجْرَةَ من أُمراءَ يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابَهم فصدَّقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس منِّي ولستُ منه، ولا يرِدُ عليَّ الحوض، ومن غَشِيَ أبوابهم أو لم يغشَ فلم يصدقهم في كذبهم ولم يُعنهم على ظلمهم فهوَ منِّي وأنا منه، وسَيَرِدُ عليَّ الحوض، يا كعبَ بنَ عُجرةَ: الصلاةُ برهانٌ، والصومُ جنّةٌ حصينةٌ، والصدقةُ تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ، يا كعبَ بنَ عُجرةَ، إنه لا يدخل الجنة لحمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ، النارُ أولى به، يا كعبَ بنَ عُجرةَ، الناسُ غاديان: فمبتاعٌ نَفْسَه فمُعْتقها، وبائعٌ نَفْسَه فمُوبِقُها)) (¬2). وعن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الصيامُ جُنَّةٌ كجُنَّةِ أحدكم من القتال)) قال: وكان آخر ما عَهِدَ إليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بعثني إلى الطائف قال: ((يا عثمان تجوَّز في الصلاة؛ فإن في القوم الكبير وذا الحاجة))، وفي لفظ: ((الصيام جُنَّةٌ من النار كجُنَّةِ أحدكم من القتال)) (¬3). ¬
5 - الصيام حصن حصين من النار؛
5 - الصيام حِصْنٌ حصين من النار؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصيام جُنَّةٌ وحِصْنٌ حَصِينٌ من النار)) (¬1). 6 - الصيام جُنّةٌ من الشهوات؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: لقد قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر (¬2) الشباب من استطاع منكم الباءة (¬3) فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاءٌ)) (¬4) (¬5). 7 - صيام يوم في سبيل الله يباعد الله النار عن وجه صاحبه سبعين سنة؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ¬
8 - صيام يوم في سبيل الله يبعد صاحبه عن النار كما بين السماء والأرض،
((من صام يوماً في سبيل الله بَعَّدَ الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) (¬1). 8 - صيام يوم في سبيل الله يبعد صاحبه عن النار كما بين السماء والأرض؛ لحديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه -،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من صامَ يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض)) (¬2). وقد قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صام يوماً في سبيل الله))، ((أي: في طاعة الله، يعني: قاصداً به وجه الله تعالى، وقد قيل عنه: إنه الجهاد في سبيل الله)) (¬3)، وقال الإمام النووي رحمه الله: ((فيه فضيلة الصيام في سبيل الله، وهو محمول على من لا يتضرر به، ولا يفوت به حقاً، ولا يختل به قتاله ولا غيره من مهمات غزوه، ومعناه: المباعدة عن النار، والمعافاة منها، والخريف السنة، والمراد به سبعين سنة)) (¬4)، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا الحديث حمله قوم على الجهاد، وهو ظاهر كلام المؤلف، إذا لم يشق عليهم، وقال قوم: هذا الحديث في سبيل الله: أي في طاعة الله)) (¬5) (¬6). ¬
9 - الصوم وصية النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا مثل له، ولا عدل
9 - الصوم وصية النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا مثل له، ولا عدل؛ لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، قال: قلت: يا رسول الله: مُرني بأمر ينفعني الله به، قال: ((عليك بالصوم فإنه لا مِثْلَ له))، وفي لفظ: أن أبا أمامة سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: ((عليك بالصوم فإنه لا عدل له))، وفي رواية أنه - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله مُرْني بعملٍ، قال: ((عليك بالصوم فإنه لا عِدْل له))، قلت: يا رسول الله مرني بعملٍ، قال: ((عليك بالصوم فإنه لا عدل له)) (¬1)، وفي لفظ ابن حبان في صحيحه: قال أبو أمامة: أنشأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشاً، فأتيته فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله لي بالشهادة، قال: ((اللهم سلِّمهم وغنِّمهم))، فغزونا فسلمنا وغنمنا، حتى ذكر ذلك ثلاث مرات، قال: ثم أتيته فقلت: يا رسول الله إني أتيتك تترى ثلاث مرات أسألك أن تدعوَ لي بالشهادة، فقلت: ((اللهم سلِّمهم وغنِّمهم))، فسلمنا وغنمنا، يا رسول الله، فمرني بعَمَلٍ أدخلُ به الجنة، فقال: ((عليك بالصوم؛ فإنه لا مِثْلَ لهُ))، فكان أبو أمامة لا يُرَى في بيته الدُّخانُ نهاراً، إلا إذا نزل بهم ضيفٌ، فإذا رأوا الدخان نهاراً، عرفوا أنه قد اعتراهم ضيفٌ)) (¬2). ¬
10 - الصوم يدخل الجنة من باب الريان
10 - الصوم يدخل الجنة من باب الريان؛ لحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجنة باباً يُقالُ له: الريَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؛ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرُهم، فإذا دخل آخرهم أُغلق فلم يدخل منه أحد)) (¬1)،وفي رواية: ((في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يُسمَّى الريان لا يدخله إلا الصائمون)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله نُوديَ من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعيَ من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعيَ من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعيَ من باب الريَّان، ومن كان من أهل الصدقة دُعيَ من باب الصدقة))، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله؛ ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعَى أحدٌ من تلك الأبواب كلِّها؟ قال: ((نعم، وأرجو أن تكون منهم)) (¬3)، وفي لفظ للبخاري: ((من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة: كلُّ ¬
11 - الصيام من أول الخصال التي تدخل الجنة
خزنةِ بابٍ: أي فُل، هَلُمَّ ... )) (¬1) وفي لفظ للبخاري أيضاً: ((من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله ... )) (¬2). 11 - الصيام من أول الخصال التي تُدْخِلُ الجنةَ؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أصبح اليوم منكم صائمًا؟))،قال أبو بكر: أنا. قال: ((فمن اتَّبع منكم اليوم جنازة؟))،قال أبو بكر: أنا. قال: ((فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟))،قال أبو بكر: أنا. قال: ((فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟))،قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)) (¬3). ولفظ البخاري في الأدب المفرد: ((ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة)) (¬4). 12 - الصيام كفارة للذنوب؛ لحديث حذيفة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فتنة الرجل في أهله، وماله، وولده، وجاره، تكفِّرها: الصلاة، والصوم، والصدقة، والأمر، والنهي))،وفي لفظ: ((والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (¬5) وهذا من نعم الله تعالى العظيمة أن يكفر ما يقع من المسلم من ¬
13 - يوفى الصائمون أجرهم بغير حساب
الزلل مع أهله، وولده وماله، وجيرانه، بالصلاة، والصوم، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينبغي للمسلم أن يكثر من هذه الخصال، وهذا في الصغائر، أما الكبائر فلا بد فيها على الصحيح من التوبة بشروطها (¬1). 13 - يوفَّى الصائمون أجرهم بغير حساب. 14 - للصائم فرحتان: فرحة في الدنيا، وفرحة في الآخرة. 15 - خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وقد دلَّ على هذه الفضائل الثلاث حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -:قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله تعالى: كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة (¬2)،وإذا كان يومُ صَوْمِ أحدِكم فلا يرفث (¬3) ولا يصخب (¬4)، ¬
فإن سابَّهُ أحدٌ أو قاتله (¬1) فليقل: إنِّي امرؤٌ صائمٌ، والذي نفسُ محمد بيده! لخلوفُ فم الصائم (¬2) أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومه))، وفي لفظ للبخاري: ((الصيام جُنَّة، فلا يرفث، ولا يجهل (¬3) وإن امرُؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم - مرتين - والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه، وشرابه، وشهوته من أجلى، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها))، وفي لفظ لمسلم: ((كلُّ عملِ ابن آدم يُضاعف له: الحسنةُ عشرُ أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله - عز وجل -: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك))، وفي لفظ لمسلم: (( ... وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه)) (¬4) (¬5). ¬
16 - الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما يوم القيامة
16 - الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما يوم القيامة؛ لحديث عبد الله بن عمرو، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصيامُ والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربِّ منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان)) (¬1). 17 - الصوم يزيل الأحقاد والضغائن والوسوسة من الصدور؛ لحديث الأعرابي الصحابي، وحديث ابن عباس - رضي الله عنهم -،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((صوم شهر الصبر وثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ: يذهبن وحر الصدر)) (¬2) (¬3). ¬
18 - الصوم باب من أبواب الخير
18 - الصوم باب من أبواب الخير؛ لحديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((ألا أدلُّك أبواب الخير)) قلت: بلى يا رسول الله: قال: ((الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل))، ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}، حتى بلغ يعملون)) (¬1) (¬2). 19 - من خُتِمَ له بصيام يومٍ يريد به وجه الله أدخله الله الجنة؛ لحديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: أسندتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدري فقال: ((من قال: لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله خُتِمَ له بها دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله خُتِمَ له بها (¬3) دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله خُتِمَ له بها دخل الجنة)) (¬4). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في حديث القدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: (( ..... وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخُلُها)) (¬5)، وفي ¬
20 - أعد الله الغرف العاليات في الجنة لمن تابع الصيام المشروع
لفظ أحمد في المسند: (( ... وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيُختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها)) (¬1). 20 - أعد الله الغرف العاليات في الجنة لمن تابع الصيام المشروع، وأطعم الطعام، وألان الكلام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام؛ لحديث أبي مالك الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إنَّ في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وأفشى السلام، وصلَّى بالليل والناس نيام)) (¬2). من عمل هذه الأعمال كانت له هذه الغرف، وهي جمع غرفة: أي علالي في غاية اللطافة، ونهاية الصفا والنظافة، وهي شفافة لا تحجب من وراءها، وهي مخصصة لمن له خلق حسن مع الناس، وخاصة بمن يطيُّب الكلام؛ لكونه من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، وهي لمن أطعم الطعام: للعيال، والفقراء، والأضياف، ونحو ذلك، ولمن أدام الصيام: أي أكثر منه بعد ¬
21 - الصائم له دعوة لا ترد حتى يفطر
الفريضة، وأقلّه أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وهي لمن صلى بالليل والناس نيام: أي غالبهم نيام أو غافلون عنه؛ لأن العمل بالليل والناس نيام لارياء فيه ولا سمعة، وهذا يؤكد على أن من فعل ذلك فقد بلغ الغاية العظمى في الإخلاص لله - عز وجل -، وهي لمن أفشى السلام، وبذل السلام لمن عرف ومن لا يعرف، والمقصود أن هذا الحديث فيه الترغيب في هذه الخصال العظيمة، فمن فعلها كانت له هذه الغرف (¬1). 21 - الصائم له دعوة لا تُردُّ حتى يفطر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا تُردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتحُ لها أبواب السماء، ويقول الربُّ: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)) (¬2). 22 - الصائم دعوته لا ترد حين يفطر؛ لما رُوي عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن للصائم عند فطره لدعوةً ما تُردُّ))، قال ابن أبي ¬
23 - تفطير الصائمين فيه الأجر الكبير
مليكة: سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كلَّ شيء أن تغفر لي)) (¬1)، وقد جاء في لفظ بعض نسخ الترمذي للحديث الذي قبل هذا: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم)) (¬2)، ويعضد ذلك حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله عند كلِّ فطر عتقاء)) (¬3). 23 - تفطير الصائمين فيه الأجر الكبير؛ لحديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من فطَّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً)) (¬4). 24 - لعظم أجر الصيام جعله الله تعالى من الكفارات على النحو الآتي: أ- كفارة فدية الأذى، قال الله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن ¬
ب- من لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله
صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (¬1). ب- من لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ لقول الله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (¬2). ج-كفارة قتل الخطأ؛ لقول الله تعالى: {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ الله وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا} (¬3). د- كفارة اليمين؛ لقول الله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ الله ِباللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ} (¬4). هـ - جزاء قتل الصيد في الإحرام؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ ¬
و كفارة الظهار
مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا الله عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ الله مِنْهُ والله عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام} (¬1). وكفارة الظهار؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ الله وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيم} (¬2). ز- كفارة الجماع في نهار شهر رمضان؛ لحديث: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: ((وَمَا أَهْلَكَكَ)).قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِى رَمَضَانَ. قَالَ: ((هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً)). قَالَ: لاَ. قَالَ: ((فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)). قَالَ: لاَ. قَالَ: ((فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)). قَالَ: لاَ، قَالَ ثُمَّ جَلَسَ فَأتِيَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ: ((تَصَدَّقْ بِهَذَا)). قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: ((اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ)) (¬3). ¬
المبحث الثالث: فوائد الصيام ومنافعه العظيمة وحكمه ومصالحه
المبحث الثالث: فوائد الصيام ومنافعه العظيمة وحكمه ومصالحه قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: ((لما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية؛ لتستعدَّ لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسِر الجوع والظمأ من حدتها وسَوْرتها، ويذكّرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحبس قُوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها، ويُسكِّن كلَّ عضو منها وكل قوة عن جماحه، وتلجم بلجامه، فهو لجام المتقين، وجُنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئاً، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته، وهو سرٌّ بين العبد وربه لا يطَّلِع عليه سواه، والعباد قد يطَّلِعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمر لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم. وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ
1 - الصوم وسيلة إلى التقوى
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الصوم جنة))، وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح، ولا قدرة له عليه بالصيام، وجعله وِجاءَ هذه الشهوة. والمقصود: أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة، والفطر المستقيمة، شرعه الله لعباده رحمةً بهم، وإحساناً إليهم، وحُميةً لهم وجُنّة)) (¬2). فالصيام له فوائد ومنافع وحِكَمٌ عظيمة، منها الفوائد الآتية: 1 - الصوم وسيلة إلى التقوى (¬3)؛ لأن النفس إذا انقادت للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة الله، وخوفاً من أليم عقابه، فمن باب أولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سبباً للتقوى؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} (¬4)؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)) (¬5). ¬
2 - الصوم وسيلة إلى شكر النعم
2 - الصوم وسيلة إلى شكر النعم (¬1)؛ لأن كفّ النفس عن الأكل، والشرب، وسائر المفطرات من أجلِّ النعم وأعلاها؛ لأن الامتناع عن هذه النعم زماناً معتبراً يُعرِّفُ قدرها؛ لأن النعم مجهولة، فإذا فقدت عُرفت، فيحمل ذلك على القيام بشكر الله تعالى؛ ولهذا إذا أفطر الصائم وجد لذة عظيمة للشراب البارد على الظمأ، وكذلك الطعام، فيحمله ذلك على شكر الله - عز وجل -، وقد جاءت الإشارة إلى ذلك أثناء الكلام عن الصيام، قال الله تعالى: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} (¬2). 3 - الصوم يقهر الطبع ويكسر النفس ويحدُّ من الشهوة؛ لأن النفس إذا شبعت رغبت في الشهوات؛ لأن الشّبع والرّيّ ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والبطر والغفلة (¬3)،وإذا جاعت امتنعت عما تهوى؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)) (¬4)،يكون الصوم من أسباب الامتناع عن المعاصي (¬5). 4 - الصوم يجعل القلب يتخلَّى للذكر والفكر؛ لأن تناول الشهوات يوجب الغفلة، ورُبما يقسِّي القلب، ويعمي عن الحق، ويحول بين ¬
5 - الصوم به يعرف الغني قدر نعم الله تعالى عليه
العبد وبين الذكر والفكر، ويستدعي الغفلة، وخلة البطن من الطعام والشراب ينوّر القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته، ويُخليه للذكر والفكر (¬1). 5 - الصوم به يعرفُ الغنيُّ قدر نعم الله تعالى عليه وقد حُرمها كثير من الخلق (¬2). 6 - الصوم سبب في التمرّن على ضبط النفس والسيطرة عليها، حتى يتمكن المسلم من قيادة نفسه لما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة. 7 - الصوم يضبط النفس ويُقلِّل من كبريائها. 8 - الصوم يسبب الرحمة والعطف على المساكين؛ لأن الصائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ذكر من هذا حاله في جميع الأوقات أو غالبها، فتسارع إلى قلبه الرقة والرحمة لهؤلاء المساكين، فيحسن إليهم، فيحصل بذلك على الثواب العظيم من الله تعالى (¬3). 9 - الصوم فيه موافقة للفقراء بتحمل ما يتحملون، فيرفع ذلك شأن الصائم عند الله تعالى (¬4). 10 - الصوم يُضيِّق مجاري الدم بسبب الجوع (¬5) والعطش، ¬
11 - الصوم يجمع أنواع الصبر
فتضيق مجاري الشيطان؛ لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فيقهر بذلك الشيطان؛ لحديث: ((إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)) (¬1). 11 - الصوم يجمع أنواع الصبر؛ فإن فيه: صبراً على طاعة الله: وهي الصيام، وصبراً عن محارم الله: وهي المفطرات، أثناء الصيام، وصبراً على أقدار الله المؤلمة: من الجوع والعطش، فيحصل الصائم على جزاء الصابرين {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب} (¬2). 12 - الصوم يترتب عليه فوائد صحية تحصل بسبب تقليل الطعام والشراب، وإراحة جهاز الهضم، فيدفع الله تعالى بذلك كثيراً من الأمراض الخطيرة على الإنسان (¬3). 13 - الصوم عبادة لله تعالى يظهر بها من كان عابداً لمولاه، ومن كان متبعاً لهواه، فيظهر بذلك صدق إيمان العبد ومراقبته لله؛ ولهذا كان كثير من المؤمنين لو ضرب، أو حبس على أن يفطر يوماً بغير عذر لم يفطر، وهذه الحكمة من أبلغ حكم الصيام. ¬
المبحث الرابع: فضائل شهر رمضان وخصائصه
المبحث الرابع: فضائل شهر رمضان وخصائصه شهر رمضان له فضائل وخصائص عظيمة على النحو الآتي: 1 - أنزل الله تعالى فيه القرآن، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (¬1)، فقد مدح الله تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور، بأن اختاره من بينهنَّ لإنزال القرآن العظيم فيه (¬2)، وكان ذلك في ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} (¬3)، وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين} (¬4). 2 - أنزلت الكتب الإلهية فيه؛ لما رُويَ من حديث واثلة بن الأسقع: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أُنزلت صحف إبراهيم - عليه السلام - في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لستٍ مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان)) (¬5). 3 - تفتح فيه أبواب الجنة. ¬
4 - تغلق فيه أبواب النار
4 - تغلق فيه أبواب النار. 5 - تصفَّد الشياطين ومردة الجنِّ. 6 - تفتح فيه أبواب الرحمة. 7 - تفتح فيه أبواب السماء. 8 - ينادي فيه منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. 9 - لله فيه كل ليلة عتقاء من النار. وقد دلَّ على هذه الخصال السبع حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا كان أوّلُ ليلة من رمضان: صُفِّدت (¬1) الشياطين ومردة الجن (¬2)، وغُلِّقت أبواب النار فلم يُفتح منها بابٌ، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها بابٌ، ويُنادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، وياباغي الشر ¬
10 - شهر رمضان فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها
أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة))، وفي لفظ للبخاري: ((وفتحت أبواب السماء))، وفي لفظ لمسلم: ((وفتح أبواب الرحمة))، وفي لفظ للبخاري ومسلم: ((وسلسلت الشياطين)) (¬1). 10 - شهر رمضان فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حُرِم الخير كله؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله - عز وجل - عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرَها فقد حرم))، ولفظ أحمد: ((تفتح فيه أبواب الجنة)) بدلاً من ((أبواب السماء)) (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه -، قال: دخل رمضان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمها فقد حُرِمَ الخير كلَّه، ولا يُحرم خيرها إلا محروم)) (¬3). 11 - شهر رمضان تجاب فيه الدعوات، فقد ذكر الله تعالى ¬
12 - شهر رمضان شهر الذكر والشكر
الدعاء أثناء آيات الصيام فقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون} (¬1). وعن أبي هريرة أو أبي سعيد (¬2) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله عتقاء في كل يومٍ وليلة، لكل عبد منهم دعوةٌ مستجابة)) (¬3)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((يعني في رمضان)) (¬4)، ولفظ البزار عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة - يعني في رمضان - وإن لكل مسلم في يوم وليلة دعوةً مستجابةً)) (¬5). وعن جابر - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله - عز وجل - عند كل فطر عتقاء وذلك في كل ليلة)) (¬6). 12 - شهر رمضان شهر الذكر والشكر؛ لأن الله تعالى ذكر ¬
13 - شهر رمضان شهر الصبر
ذلك أثناء الكلام عن أحكام الصيام، فقال تعالى: {وَلِتُكَبِّرُواْ الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} (¬1). 13 - شهر رمضان شهر الصبر؛ لحديث الأعرابي الصحابي، وحديث ابن عباس - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((صوم شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر: يُذْهِبنَ وَحَرَ الصَّدرِ)) (¬2)، ولا شك أن في صيام شهر رمضان: صبراً على طاعة الله، وصبراً على أقدار الله المؤلمة من الجوع والعطش، وصبراً عن محارم الله التي حرمها على الصائم، من المفطرات وغيرها. وقد قال الله - عز وجل -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب} (¬3). 14 - صيام شهر رمضان يكفر الخطايا؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان مكفرات ما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائر)) (¬4). 15 - شهر رمضان تُغفر فيه الذنوب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ¬
16 - شهر رمضان أعظم الأوقات التي تغفر فيها الذنوب
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من صام رمضان إيماناً (¬1) واحتساباً (¬2) غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه)) (¬3). 16 - شهر رمضان أعظم الأوقات التي تغفر فيها الذنوب، ومن لم يغفر له في رمضان فقد رغم أنفه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رَقِيَ المنبر فقال: ((آمين، آمين، آمين))، فقيل: يا رسول الله ما كنت تصنع هذا؟ فقال: ((قال لي جبريل - عليه السلام -: رَغِمَ (¬4) أنفُ عبدٍ دخل عليه رمضان فلم يُغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رَغِمَ أنفُ عبدٍ ذُكِرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فقلت: آمين، ثم قال: رَغِمَ أنفُ عبدٍ أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخل الجنة، فقلت: آمين)) (¬5). ¬
17 - إدراك شهر رمضان ترفع به الدرجات
وعنه - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رَغِم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رَجُلٍ أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة))، قال بعض رواة الحديث: وأظنه قال: ((أو أحدهما)) (¬1). 17 - إدراك شهر رمضان ترفع به الدرجات؛ لحديث طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -: أن رجلين من بليٍّ قدما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان إسلامهما جميعاً، فكان أحدهما أشدَّ اجتهاداً من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم تُوفِّي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فَأَذِنَ للذي توفي الآخِرَ منهما، ثم خرج فَأَذِنَ للذي استشهد، ثم رجع إليَّ فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعدُ. فأصبح طلحة يُحدِّثُ به الناس، فعجبوا من ذلك، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحدَّثوه الحديث، فقال: ((من أي ذلك تعجبون))؟ فقالوا: يا رسول الله هذا كان أشدَّ الرجلين اجتهاداً ثم استشهد، ودخل الآخِرُ الجنة قبله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أليس قد مكث هذا بعده سنة؟))، قالوا: بلى، قال: ((وأدرك رمضان، وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟))، قالوا: بلى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض)) (¬2). ¬
18 - عمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -
18 - عمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لامرأة من الأنصار يقال لها أمّ سنان: ((ما منعك أن تكوني حججتي معنا؟))، قالت: ناضحان (¬1) كانا لأبي فلان - زوجها- حج هو وابنه على أحدِهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا [أرضاً لنا]، قال: ((فإن عمرة في رمضان تقضي حجة))، أو ((حجة معي))، وفي لفظ لمسلم: ((فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرةً فيه تعدل حجة))، وفي لفظ للبخاري: ((فإذا كان رمضان اعتمري فيه؛ فإن عمرة في رمضان حجةٌ))، أو نحواً مما قال (¬2)، والحاصل أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم أمّ سنان أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب، لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض؛ للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض، وهذا الحديث فضل من الله ونعمة على عبده المؤمن، وفيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت، كما يزيد بحضور القلب، وبخلوص القصد (¬3)، والصواب أن فضل العمرة في رمضان يعدل حجة، أو حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عام لجميع المسلمين، ولا يختص بأمِّ سنان ¬
19 - من صام رمضان كان من الصديقين والشهداء
وحدها (¬1)، وهذا من فضل الله وإحسانه وجوده على عباده المؤمنين. 19 - من صام رمضان كان من الصِّدِّيقين والشهداء؛ لحديث عمرو بن مُرَّة الجهني - رضي الله عنه -، قال: جاء رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من قضاعة، فقال له: يا رسول الله؛ أرأيت إن شهدت أن لاإله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته فمن أنا؟ قال: ((من الصِّدِّيقين والشهداء)) (¬2). 20 - صوم شهر رمضان يدخل الجنة؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إذا صليتُ المكتوبات، وصمتُ رمضان، وأحللتُ الحلال، وحرمتُ الحرام (¬3) ولم أزد على ذلك شيئاً، أأدخلُ الجنة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم))، قال: والله لا أزيد على ذلك شيئاً (¬4). وهذا الحديث يدل على أن من اقتصر على فعل الواجبات التي أوجب الله تعالى عليه، وانتهى عن جميع ما حرم الله عليه دخل الجنة، ¬
21 - قيام شهر رمضان إيمانا واحتسابا تغفر به الذنوب
لكن من ترك التطوعات ولم يعمل منها شيئاً، فقد فوَّت على نفسه ربحاً عظيماً وثواباً جسيمًا، ومن داوم على ترك شيء من السنن كان ذلك نقصاً في دينه، وقدحاً في عدالته (¬1)، وأما قول هذا الرجل: ((ولم أزد على ذلك شيئاً))، فيحمل على أن فعل الحلال: كل ما للإنسان أن يفعله شرعاً، ولا يمنع منه، والحرام: على ما منع الإنسان من فعله مطلقاً، ويحتمل أن يكون قال ذلك؛ لأنه لم يتفرَّغ لفعل شيء من النوافل في تلك الحال إما لشغله بالجهاد، أو لغيره من أعمال الدين، والله تعالى أعلم. 21 - قيام شهر رمضان إيماناً واحتساباً تغفر به الذنوب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) (¬2). فإذا قام المسلم رمضان تصديقاً بما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فضله، واحتساباً للثواب يرجو الله مخلصاً له القيام ابتغاء مرضاته وغفرانه، حصل له الثواب العظيم (¬3). 22 - شهر رمضان شهر صلاة التراويح؛ فإن صلاة التراويح جماعة لا تُصلَّى إلا في رمضان؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
23 - شهر رمضان من صلى فيه التراويح ليلة فلازم الإمام حتى ينصرف
خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، فصلَّى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم في الليلة الثانية، فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطفق (¬1) رجال منهم يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهد، فقال: ((أما بعد، فإنه لم يخفَ عليَّ شأنكم، ولكنِّي خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها))، وذلك في رمضان (¬2). وصلاة التراويح: هي قيام رمضان أول الليل، وسميت بذلك؛ لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات، بناءً على حديث عائشة رضي الله عنها (¬3). 23 - شهر رمضان من صلى فيه التراويح ليلة فلازم الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة كاملة من فضل الله تعالى؛ لحديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - في قيام رمضان، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنه من قام مع الإمام حتى ¬
24 - شهر رمضان شهر الانتصار على أعداء الإسلام في بدر
ينصرف كتب الله له قيام ليلة))، وفي لفظ: ((كُتِب له قيام ليلة)) (¬1). 24 - شهر رمضان شهر الانتصار على أعداء الإسلام في بدر مع قلة عدد المسلمين وعدَّتهم؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ الله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِين * بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِين* وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيم} (¬2)، وقد كان عدد المسلمين في هذه الغزوة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً على فرسين وسبعين بعيراً، فنصرهم الله تعالى على المشركين، وكان عددهم نحو ألف رجل، معهم مائة فرس، وسبعمائة بعير، وكان ذلك في شهر رمضان المبارك في السنة الثانية من الهجرة. وكذلك نصر الله المؤمنين في غزوة الفتح في شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة، وقد دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة ففتحها بغير قتال؛ لأن النصر ¬
25 - مضاعفة الجود في شهر رمضان المبارك
من عند الله، وهو سبحانه ينصر رسله والذين آمنوا، قال سبحانه: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيم} (¬1)، وقال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيز} (¬2). 25 - مضاعفة الجود في شهر رمضان المبارك، ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان في هذا الشهر المبارك أجود بالخير من الريح المرسلة حين يلقاه جبريل (¬3). 26 - شهر رمضان شهر مدارسة القرآن، فقد كان جبريل يلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل سنة في رمضان وذلك في كل ليلة فيدارسه القرآن، فيعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جبريل القرآن؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل في كلِّ ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة))، وفي لفظ: ((فإذا لقيه جبريل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة)) (¬4). ¬
27 - صوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، لا يتم
وعن عائشة رضي الله عنها، عن فاطمة رضي الله عنها، قالت: أَسَرَّ إليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كلّ سنة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي)) (¬1). 27 - صوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، لا يتمُّ ولا يكمل إيمان العبد إلا به؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بُني الإسلامُ على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)) (¬2). 28 - شهر رمضان شهر الاعتكاف، ولزوم المساجد لطاعة الله تعالى، والتفرُّغ لمناجاته سبحانه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، واعتكف أزواجه من بعده)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان ¬
29 - شهر رمضان شهر الاجتهاد في العبادة
عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً)) (¬1). وعنه - رضي الله عنه - قال في جبريل: ((كان يعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبِضَ فيه، وكان يعتكف في كل عامٍ عشراً، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه)) (¬2)، والمراد بالعشرين: العشر الأوسط، والعشر الأخير (¬3). 29 - شهر رمضان شهر الاجتهاد في العبادة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)) (¬4). وعنها رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشد المئزر)) (¬5). ومعنى شدَّ المئزر: أي شمَّر واجتهد في العبادات، وقيل: كناية عن اعتزال النساء. وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تحرَّوا ليلة القدر في ¬
30 - إفطار يوم من رمضان بغير عذر ليس كإفطار غيره
الوتر من العشر الأواخر من رمضان))، وفي لفظ: ((تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)) (¬1)، وقد تكون ليلة القدر في الأشفاع؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((التمسوها في أربع وعشرين)) (¬2)، وفي لفظ له عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هي في العشر الأواخر، هي في تسع يمضين، أو في سبع يبقين))، يعني ليلة القدر. وفي لفظ: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى)) (¬3). وقد كان الصحابة - رضي الله عنه - يجتهدون في العشر الأواخر اجتهاداً عظيماً؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفوٌّ كريمٌ تحب العفو فاعفُ عني)) (¬4). 30 - إفطار يوم من رمضان بغير عذر ليس كإفطار غيره من أنواع الصيام؛ لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان ¬
فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: عُواءُ أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قال: قلت: ما هؤلاء؟ قال: الذين يفطرون قبل تحلة صومهم)) (¬1). ¬
المبحث الخامس: حكم صيام شهر رمضان ومراتب فرضيته
المبحث الخامس: حكم صيام شهر رمضان ومراتب فرضيَّته أولاً صيام شهر رمضان: واجب بالكتاب، والسنة، والإجماع، على كل مسلمٍ، بالغٍ، عاقلٍ، قادر، مقيم، خالٍ من الموانع: أما الكتاب؛ فلقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} (¬1) وقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬2). وأما السنة؛ فلحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)) (¬3)؛ ولحديث طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -: أن أعرابياً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثائر الرأس نسمع دويَّ صوتِهِ (¬4)، ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة؟ فقال ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خمس صلوات في اليوم والليلة)) فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوَّع شيئاً)) فقال: أخبرني بما فرض الله عليَّ من الصيام؟ فقال: ((شهر رمضان)) فقال: هل عليَّ غيره؟ قال: ((لا، إلا أن تطوَّع شيئاً)) فقال: أخبرني ما فرض الله عليَّ من الزكاة؟ قال: فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلاّ أن تطوَّع)) قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص [مما فرض الله عليَّ شيئاً] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق)) (¬1)؛ ولحديث أنس - رضي الله عنه -؛قال: نُهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء (¬2)، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية، العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسُولُك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟ قال: ((صدق)) قال: فمن خلق السماء؟ قال: ((الله))، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: ((الله))، قال: فمن نصب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعل؟ قال: ((الله)) قال: فبالذي خلق السماء، ¬
وخلق الأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولُكَ أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، قال: ((صدق)) قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولُك أنَّ علينا زكاة في أموالنا، قال: ((صدق)) قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولُك أنَّ علينا صومَ شهر رمضان في سنتنا؟ قال: ((صد ق)) قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) قال: وزعم رسولُك أنَّ علينا حجَّ البيت من استطاع إليه سبيلاً، قال: ((صدق)) قال: ثم ولَّى، قال: والذي بعثك بالحقِّ لا أزيد عليهنَّ ولا أنقص منهنَّ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لئن صدق ليدخلنَّ الجنة)) (¬1)؛ ولحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال: أيُّكم محمد؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم - متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئُ، فقال له الرجل: ابن عبد المطلب؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قد أجبتك)) فقال الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنّي سائلك فمشدِّدٌ عليك في المسألة فلا تَجِدْ عليَّ في نفسك (¬2)، فقال: ((سل عمَّا بدا لك)) فقال: أسألك بربِّك وربِّ مَن قبلك آلله أرسلك إلى الناس كلِّهم؟ قال: ((اللهم نعم)) قال: أنشدك بالله آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: ((اللهم نعم)) قال: أنشدك بالله آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: ((اللهم نعم)) ¬
وأما الإجماع
قال: أنشدك بالله آلله أمرك أن نأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم نعم)) فقال الرجل: آمنت بما جئتَ به، وأنا رسولُ مَنْ ورائي مِنْ قومي، وأنا ضِمامُ بن ثعلبة أخو بني سعدٍ بن بكر)) (¬1)، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة المتواترة. وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان، وأجمعوا على أن من أنكر وجوبه كفر، إلا أن يكون جاهلاً حديثَ عهدٍ بإسلام؛ فإنه يعلّم حينئذ، فإن أصرّ على الإنكار فهو كافر، يُقتل مرتداً؛ لأنه جحد أمراً ثابتاً بنص القرآن والسنة، معلوماً من الدين بالضرورة (¬2). ثانياً: مراتب فرض الصيام وأطواره: لما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخر فرض صيام رمضان إلى وسط الإسلام بعد الهجرة لما توطَّنت النفوس على التوحيد، والصلاة، وألِفَتْ أوامر القرآن فنقلت إليه بالتدرج، وكان فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صام تِسع رمضانات (¬3). ¬
الرتبة الأولى: فرض أولا على وجه التخيير بينه وبين أن يطعم
وكان فرض الصوم على رُتَبٍ ثلا ث (¬1) على النحو الآتي: الرتبة الأولى: فُرِضَ أولاً على وجه التخيير بينه وبين أن يُطعم عن كل يوم مسكيناً مع الترغيب في الصوم؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون} (¬2). وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: ((لمّا نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد أن يفطر ويفتدي (¬3) حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها))، وفي رواية لمسلم: ((كُنَّا في رمضان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين، حتى أُنْزِلت هذه الأية: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬4) (¬5) وعن ابن عمر ¬
رضي الله عنهما أنه قرأ ((فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)). قال: ((هي منسوخة)) (¬1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((والمراد بالطعام: الإطعام، قوله: ((قال هي منسوخة)) هوصريح في دعوى النسخ، ورجحه ابن المنذر من جهة قوله: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} قال: لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لايطيق الصيام لم يناسب أن يقال له: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} مع أنه لايطيق الصيام)) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى يقول: ((والصواب أن الآية منسوخة)) (¬3) (¬4)،والله تعالى أعلم (¬5)،ومما يؤكد أن الآية منسوخة حديث ابن أبي ليلى قال: ((حدثنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لما نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكيناً ترك الصوم ممن يُطيقه ورُخص لهم في ذلك ¬
الرتبة الثانية: تحتم الصيام
فنسختها {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} فأمروا بالصيام)) (¬1) قال ابن حجر رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}: ((في الكلام حذف تقديره: وعلى الذين يطيقون الصيام إذا أفطروا فدية وكان هذا في أول الأمر عند الأكثر، ثم نسخ وصارت الفدية للعاجز إذا أفطر)) (¬2) (¬3). الرتبة الثانية: تحتم الصيام؛ لقول الله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬4) لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعم حَرُم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة (¬5). الرتبة الثالثة: تحتم الصيام ووجوبه من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وهذه الرتبة نسخت الرتبة الثانية، وهي التي استقر عليها الشرع في الصيام إلى يوم القيامة (¬6)،فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام ¬
قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندكِ طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه - فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبةً لك (¬1)، فلما انتصف النهار غُشي عليه فَذُكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} ففرحوا بها فرحاً شديداً، ونزلت: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَد} (¬2). ¬
المبحث السادس: ثبوت دخول شهر رمضان وخروجه
المبحث السادس: ثبوت دخول شهر رمضان وخروجه يثبت دخول شهر رمضان برؤية محققة، أو بشهادة شاهدٍ واحدٍ عدلٍ فأكثر، فإن لم تكن رؤية، ولا شهادة أكمل الناس عدة شعبان ثلاثين يوماً، فعلى هذا يثبت دخول شهر رمضان بأحد أمرين: الأمر الأول: رؤية هلال رمضان ولو من واحدٍ عدل (¬1). الأمر الثاني: إتمام شهر شعبان ثلاثين يوماً. وكذلك يثبت خروج شهر رمضان: إما برؤية هلال شوال ولو من اثنين عدلين، أو إكمال رمضان ثلاثين يوماً، والفرق بين ثبوت دخول رمضان وخروجه، هو أن شهادة الواحد تقبل في دخوله، ولا يُقبل في خروجه إلا بشهادة عدلين، كما دلت على ذلك الأدلة الثابتة (¬2) على النحو الآتي: أولاً: وجوب صوم رمضان بالرؤية المحققة لهلاله أو بإكمال شعبان ثلاثين يوماً؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان فقال: ((الشهر تسع وعشرون ليلة] وفي طريق ((الشهر: هكذا، وهكذا، وخنس (¬3) الإبهام في الثالثة))،وفي رواية: ((الشهر هكذا، ¬
وهكذا، وهكذا)) يعني تسعاً وعشرين يقول: مرة ثلاثين، ومرة تسعاً وعشرين)) [فـ] لاتصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمَّ (¬1) عليكم فاقدروا له)) (¬2) وفي رواية ((فأكملوا العدة ثلاثين)) وفي لفظ: ((إنا أُمَّة أميَّة (¬3) لا نكتب ولانحسب، الشهر هكذا، وهكذا)) يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين)) (¬4)؛ وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آلى (¬5) من نسائه، [وفي رواية: حلف لا يدخل على بعض أهله شهراً، فلما مضى ¬
تسعةٌ وعشرون يوماً غدا [عليهن] أوراح، فقيل له: [يا نبي الله!] إنك حلفت أن لا تدخل [عليهن] شهراً، فقال: ((إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوماً)) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما مضت تسع وعشرون ليلة أعدُّهُنَّ دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: بَدَأَ بي فقلت: يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً، وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدُّهُنَّ، فقال: ((إن الشهر تسع وعشرون)) (¬2). أما حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((شهران لا ينقصان، شهرا عيد: رمضان، وذو الحجة)) (¬3) قال الإمام البخاري رحمه الله: ((قال إسحاق: وإن كان ناقصاً فهو تام، وقال محمد: لا يجتمعان كلاهما ناقص)) (¬4)، وقال الإمام الترمذي رحمه الله: ((قال أحمد: معنى هذا الحديث: لا ينقصان معاً في سنة واحدة؛ شهر رمضان وذو الحجة، إن ¬
نقص أحدهما تم الآخر، وقال: إسحاق: معناه لا ينقصان، يقول: وإن كانا تسعاً وعشرين فهو تمام غير نقصان. وعلى مذهب إسحاق يكون ينقص الشهران معاً في سنة واحدة)) (¬1). والله تعالى أعلم (¬2) بمراد نبيه - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّيَ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين))، ولفظ مسلم: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يوماً))، وفي رواية لمسلم: ((صوموا ¬
لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فعدُّو ثلاثين)) (¬1)،وعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لاتقدَّموا الشهر حتى تروا الهلال قبله، أو تكملوا العدة، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة قبله)) (¬2). وعن ربعي بن حراش مرسلاً، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فأتمُّوا شعبان ثلاثين، إلا أن تروُا الهلال قبل ذلك، ثم صوموا رمضان ثلاثين إلا أن تروُا الهلال قبل ذلك)) (¬3). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقدَّموا الشهر بصوم يومٍ ولا يومين، إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم، ولا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه، فإن حال دونه غمامة (¬4) فأتمُّوا العدة ثلاثين، ثم أفطروا، والشهر تسع وعشرون))، وهذا لفظ أبي داود، ولفظ ¬
الترمذي: ((لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حالت دونه غياية (¬1) فأكملوا ثلاثين يوماً))،وفي رواية للنسائي: قال ابن عباس: عجبت ممن يتقدم الشهر وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) (¬2). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحفَّظ (¬3) من شعبان ما لا يتحفَّظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غُمَّ عليه عَدَّ ثلاثين يوماً ثم صام)) (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أحصوا هلال شعبان لرمضان)) (¬5). ولا يُتقدم بالصيام قبل رمضان بيوم أو يومين؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -،عن ¬
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يومٍ أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصم ذلك اليوم))،ولفظ مسلم: ((لا تقدَّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا رجلٌ كان يصوم صوماً فليصمه)) (¬1). ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم الشَّكِّ، فعن صِلةَ بنِ زُفَرَ قال: كنَّا عند عمار بن ياسر فأُتي بشاة مصليّة فقال: كلوا، فتنحَّى بعض القوم فقال: إنِّي صائمٌ، فقال عمار: ((من صام اليوم الذي يَشُكُّ فيه الناس فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2)، وحتى ولو كانت ليلة الثلاثين من شعبان فيها غمامٌ أو قتر فلا يصام يوم الشك؛ لهذا الحديث وغيره من الأحاديث السابقة آنفاً (¬3). ¬
ثانيا: وجوب صوم رمضان بالشهادة، والشهادة نوعان:
ثانياً: وجوب صوم رمضان بالشهادة، والشهادة نوعان: النوع الأول: شهادة الواحد؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت الهلال، قال الحسن في حديثه: يعني رمضان، فقال: ((أتشهد أن لا إله إلا الله؟)) قال: نعم، قال: ((أتشهد أن محمداً رسول الله؟)) قال: نعم، قال: ((يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غداً)) (¬1). ¬
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: ((تَراءى (¬1) الناس الهلال، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته، فصامه وأمر الناس بصيامه)) (¬2). قال الإمام الترمذي أثناء كلامه على حديث ابن عباس رضي الله عنهما في شهادة الأعرابي: ((والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم، قالوا: تقبل شهادة رجل واحد في الصيام، وبه يقول ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وأهل الكوفة، وقال: إسحاق: لا يصام إلا بشهادة رجلين، ولم يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين)) (¬3) (¬4). ¬
النوع الثاني: شهادة الاثنين
النوع الثاني: شهادة الاثنين؛ لحديث حصين بن الحارث الجدليِّ - من جديلة قيس - ((أن أمير مكة خطب ثم قال: عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن ننسك (¬1) للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدلٍ نسكنا بشهادتهما، فسألتُ الحسين بن الحارث مَنْ أمير مكة؟ قال: لا أدري، ثم لقيني بعد فقال: هو الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب، ثم قال الأمير: إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله منِّي، وشهد هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأومأ بيده إلى رجل، قال الحسين: فقلت لشيخٍ إلى جنبي: من هذا الذي أومأ إليه الأمير؟ قال: هذا عبد الله بن عمر، وصدق كان أعلم بالله منه، فقال: بذلك أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). وعن ربعي بن حراش، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬
ثالثا: اختلاف المطالع بين البلدان في رؤية الهلال
((اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقَدِمَ أعرابيان فشهدا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: بالله؛ لأَهَلاَّ الهلال أمسِ عشيّةً، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس أن يفطروا)) زاد خلفٌ في حديثه: ((وأن يغدوا إلى مُصَلَّاهُم)) (¬1). وعن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، أنه خطب الناس في اليوم الذي يُشَكُّ فيه، فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وساءلتهم، وإنهم حدَّثوني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا)) (¬2). وعن أبي عمير بن أنس عن عُمُومةٍ له من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((أن ركباً جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مُصَلَّاهُم)) (¬3). ثالثاً: اختلاف المطالع بين البلدان في رؤية الهلال؛ لحديث كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: ((فقدمت الشام فقضيت ¬
حاجتها واستُهِلَّ عليَّ رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول - صلى الله عليه وسلم -))، وشك يحيى بن يحيى [من رواة الحديث] في نكتفي، أو تكتفي (¬1). وعن أبي البختري قال: خرجنا للعمرة، فلما نزلنا ببطن نخْلةَ قال تراءينا الهلال، فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين، قال: فلقينا ابن عباس فقلنا: إنَّا رأينا الهلال، فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين، فقال: أيُّ ليلة رأيتموه؟ قال: فقلنا: ليلة كذا وكذا، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله مدَّه للرؤية فهو لِلَيلةٍ رأيتموه)) وفي رواية: ((إن الله قد أمدّه لرؤيته فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة)) (¬2). ولاشك أن اختلاف مطالع الأهلّة من الأمور التي علمت ¬
بالضرورة: حساً وعقلاً، ولم يختلف في هذا أحد من علماء المسلمين ولا غيرهم، وإنما وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في اعتبار اختلاف المطالع في ابتداء صوم شهر رمضان والفطر منه على قولين: فمن أئمة الفقهاء من رأى اعتبار اختلاف المطالع في بدء صوم رمضان ونهايته، فإن اتفقت لزم الصوم كل من يوافق بلد من رأى الهلال في المطالع للأهلّة، ولا يلزم من يخالف مطلع الهلال إذا لم يروه. ومنهم من لم يرَ اعتبار اختلاف المطالع فإذا رآه أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم، وهذا أقرب إلى اتحاد المسلمين وتوحيد كلمتهم، وعدم التفرق بينهم، فإذا اجتمعوا وكان يوم صومهم ويوم فطرهم واحداً كان ذلك أفضل وأقوى للمسلمين في اتحادهم (¬1). ¬
والأظهر أنه لا حرج على أهل أي بلدٍ إذا لم يروا الهلال ليلة الثلاثين من شعبان أو ليلة الثلاثين من رمضان أن يأخذوا برؤيته إذا ثبتت في غير مطلعهم؛ لعموم الأدلة؛ ولكن إذا اختلفوا فيما بينهم أخذوا بحكم الحاكم في بلدهم إن كان الحاكم مسلماً؛ فإن حُكْم الحاكم بأحد القولين يرفع الخلاف ويلزم من تحت ولايته العمل به، وإن لم يكن الحاكم مسلماً أخذوا بحكم المركز الإسلامي في بلادهم محافظة على الوحدة الإسلامية في صومهم رمضان، وفي صلاتهم العيد في بلادهم (¬1) والله تعالى أعلم (¬2). ¬
وقد سمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى، يذكر كثيراً: أن الدول الإسلامية إذا وثق بعضها ببعضٍ وكل منهم اعتمد رؤية الهلال عند الدولة الأخرى فهو حسن لعموم الأحاديث، وإن لم يتيسر ذلك وصاموا برؤيتهم فلا بأس (¬1). ¬
رابعا: الصوم والفطر بالاجتهاد
رابعا: الصوم والفطر بالاجتهاد، ثبت في هذا أحاديث منها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون))،ولفظ أبي داود: ((وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل فجاج (¬1) مكة ¬
منحر، وكل جمع موقف)) (¬1). قال الإمام الترمذي رحمه الله: ((وفسَّر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا؛ أن الصوم والفطر مع الجماعة وعُظْمِ الناس)) (¬2). قال الخطابي رحمه الله: ((معنى الحديث: أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوماً اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعاً وعشرين؛ فإن صومهم وفطرهم ماضٍ، ولا شيء عليهم: من وزرٍ، أو عيبٍ، وكذلك الحج إذا أخطأوا [يوم] عرفة، فليس عليهم إعادتُه، وكذلك أضحاهم تجزئهم، وإنما هذا رفق من الله ولطف بعباده)) (¬3). وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحى الناس)) (¬4). ومما يدخل في معنى هذه الأحاديث: أن من رأى هلال رمضان وحده ¬
وردّت شهادته لم يلزمه الصوم ولا غيره، ونقله حنبل عن أحمد في الصوم، وكما لا يعرِّف ولا يضحى وحده، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (¬1). وقال سماحة شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله: ((ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يصوم وحده، والصواب أنه لا يجوز له أن يصوم وحده، بل عليه: أن يصوم مع الناس ويفطر معهم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)) (¬2)، أما إذا كان في البرية ما عنده أحد فإنه يعمل برؤيته في الصوم والفطر)) (¬3) والله - عز وجل - أعلم (¬4). ¬
وكذلك من انتقل من بلدٍ إلى بلدٍ آخر فحكمه في الصيام والإفطار حكم البلد الذي سافر إليها، سواء كان ذلك في أول شهر رمضان أو في الخروج من الصيام، فيصوم مع الناس، ويفطر معهم؛ لأن حكم من
وُجد في بلد حكم أهله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)) (¬1) لكن إذا كان الذي انتقل إلى بلد آخر أو دولة أخرى لم يصم إلا ثمانية وعشرين يوماً؛ فإنه يلزمه أن يقضي يوماً آخر بعد العيد؛ حتى يكمل به تسعة وعشرين يوماً؛ لأن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين، كما أنه لا يزيد عن الثلاثين (¬2) وحتى لو قدم إلى بلد فصاموا وهو قد صام في بلد آخر قبلهم بيوم فإنه يصوم مع الناس حتى ولو كان صيامه معهم يكمل له واحداً وثلاثين يوماً؛ فإنه يصوم معهم للحديث السابق: ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)) (¬3) (¬4). ¬
خامسا: السنة لكل من رأى الهلال أول كل شهر
خامساً: السنة لكل من رأى الهلال أوّل كل شهر. عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى الهلال قال: ((اللهم أهلّه علينا باليُمن والإيمان، والسلامة والإسلام ربي وربك الله)) (¬1). ¬
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال قال: ((الله أكبر، اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب ربنا وترضى، ربنا وربك الله)) (¬1). ¬
المبحث السابع: أنواع الصيام وأقسامه
المبحث السابع: أنواع الصيام وأقسامه الصوم أربعة أنواع على النحو الآتي: النوع الأول: الصوم المفروض بالشرع، وهو صوم رمضان: أداءً، وقضاءً، لقول الله - عز وجل -: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)) (¬1)؛ وللأحاديث الكثيرة في ذلك، وإجماع الأمة، وسيأتي الكلام على قضاء صيام رمضان تفصيلاً إن شاء الله تعالى. النوع الثاني: الصوم الواجب في الكفارات، وهو أقسام: 1 - فدية الأذى للمحرم وهي صيام ثلاثة أيام لمن لم يرد الذبح أو الإطعام (¬2). 2 - من لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله (¬3). 3 - كفارة قتل الخطأ لمن لم يجد رقبة مؤمنة، فيصوم شهرين متتابعين (¬4). 4 - كفارة اليمين صيام ثلاثة أيام لمن لم يجد الإطعام أو الكسوة، أو الرقبة (¬5). ¬
جزاء قتل الصيد في الإحرام لمن لم يرد المثل من النعم أو الإطعام
5 - جزاء قتل الصيد في الإحرام لمن لم يرد المثل من النعم أو الإطعام (¬1). 6 - كفارة الظهار لمن لم يجد رقبة مؤمنة، فيصوم شهرين متتابعين (¬2). 7 - كفارة الجماع في نهار رمضان لمن لم يجد إعتاق رقبة مؤمنة (¬3). النوع الثالث: الصوم الواجب بالنذر (¬4)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) (¬5)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر فأقضيه عنها؟ قال: ((نعم، فدين الله أحق أن يقضى)) وفي لفظ: جاءت امرأة فقالت: يا رسول الله لِلَّهِ إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأ صوم عنها؟ قال: ((أرأيت لو كان على أمكِ دين فقضيتيه أكان يؤدِّي ذلك عنها؟))، قالت: نعم، قال: ((فصومي عن أمك)) (¬6). ¬
النوع الرابع: صوم التطوع
وغير ذلك من الأحاديث في وجوب صوم النذر، وقضائه عن الميت (¬1). النوع الرابع: صوم التطوع، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى تفصيلاً (¬2). ¬
المبحث الثامن: شروط الصيام
المبحث الثامن: شروط الصيام الشرط لغة: العلامة، واصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته (¬1)، وشروط وجوب صوم رمضان أداءً (¬2) ستة: فيجب صيامه على كل مسلم، بالغ، عاقل، قادر، مقيم، خالٍ من الموانع، على النحو الآتي: الشرط الأول: الإسلام، وضده الكفر، فالكافر لا يُلزم بالصوم ولا ¬
يصح منه؛ لقول الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِالله وَبِرَسُولِهِ} (¬1)، وقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} (¬2)، ولا يلزمه قضاؤه بعد إسلامه؛ لقول الله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} (¬3)، لكن الكافر يعاقب على ما ترك من شرائع الإسلام؛ لأنه مخاطب بأصول الإسلام وفروعه؛ لقوله تعالى في أصحاب اليمين وهم يتساءلون عن المجرمين: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِين * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين} (¬4)، وإذا أسلم في أثناء يوم من أيام رمضان، أُمر بإمساكِ بقية اليوم؛ لأنه صار من أهل الوجوب حين وقت وجوب الإمساك (¬5). ¬
الشرط الثاني: البلوغ
الشرط الثاني: البلوغ فلا يجب الصيام على الصغير حتى يبلغ؛ لحديث علي بن طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رُفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم)) (¬1). ولكن يأمره وليُّهُ بالصوم إذا أطاقه؛ لحديث الرُّبيِّع بنت معوذ رضي الله عنها، قالت: أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطراً فليتمَّ بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم))، قالت: فكُنَّا نصومه ¬
ويحصل البلوغ بواحد من أمور ثلاثة للذكر، والأنثى تزيد بأمر رابع
بعد ونصوِّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن (¬1)، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك (¬2) حتى يكون عند الإفطار))، وفي رواية مسلم: ((فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوِّم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم ... ))، وفي لفظ: (( ... ونضع لهم اللعبة من العهن فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم)) (¬3)، وقال عمر - رضي الله عنه - لِنشْوان (¬4) في رمضان: ((ويلك وصبياننا صيام فضربه)) (¬5)، فينبغي لولي الصغير أن يأمره بالصيام إذا بلغ سبع سنين وأطاق الصيام، للتمرين عليه كما فعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بصبيانهم - رضي الله عنهم -، إلا إذا كان الصيام يضرهم فلاحرج على وليّه إذا لم يصوِّمْه. ويحصل البلوغ بواحد من أمور ثلاثة للذكر، والأنثى تزيد بأمرٍ رابعٍ، على النحو الآتي: الأمر الأول: إنزال المني باحتلام أو في اليقظة؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا ¬
الأمر الثاني: إنبات الشعر:
بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} (¬1)؛ ولحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)) (¬2). الأمر الثاني: إنبات الشعر: وهو الشعر الخشن ينبت حول قُبُل الرجل والمرأة؛ لحديث عطية القرظي - رضي الله عنه -،قال: ((كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قُتِلَ، ومن لم ينبت لم يُقتل، فكنت فيمن لم ينبت))، وفي لفظ لأبي داود: ((فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني من السبي))، ولفظ الترمذي: ((عُرضنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم قريظة فكان من أنبت قُتل، ومن لم يُنْبِتْ خُلِّي سبيلُه، فكنت ممن لم ينبت فخُلِّيَ سبيلي)) (¬3)، وعن كثير بن السائب قال: حدثني ابْنَا قريظة أنهم عرضوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قريظة، فمن كان محتلماً أو أنبت عانته قُتِل، ومن لم ¬
الأمر الثالث: بلوغ تمام خمس عشرة سنة
يكن محتلماً، أو لم ينبت عانته ترك)) (¬1). الأمر الثالث: بلوغ تمام خمس عشرة سنة؛ لحديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عرضني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني))، قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هذا الحديث، فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة [سنة، ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال])) (¬2). ويحصل بلوغ الأُنثى بما حصل به بلوغ الذكر، وتزيد بأمر رابعٍ وهو الحيض، فإذا حصل للذكر واحد من ثلاثة أمور فقد بلغ، وإذا حصل للأنثى واحد من أربعة أمور فقد بلغت (¬3). وإذا حصلت علامة من علامات البلوغ المذكورة أثناء نهار رمضان، ¬
فإن كان من بلغ صائمًا أتمَّ صومه وأجزأه ذلك اليوم عن فرض رمضان ولا شيء عليه، فكان أول النهار نفلاً، وآخره فريضة، كمن أتمّ خمس عشرة سنة بعد الزوال أو غير ذلك من العلامات الدالة على البلوغ (¬1) إلا إذا كانت علامة البلوغ للأنثى: الحيض؛ فإنها لا تصوم حتى تطهر، ثم يصوم بقية الشهر وإن كان من بلغ أثناء النهار مفطراً لزمه إمساك بقية يومه؛ لأنه صار من أهل الوجوب (¬2). والله أعلم (¬3). ¬
الشرط الثالث: العقل
الشرط الثالث: العقل، وضده الجنون، والمجنون مرفوع عنه القلم
حتى يفيق؛ لحديث علي - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم)) (¬1). فإذا كان الإنسان مجنوناً، فلا يجب عليه الصيام؛ لهذا الحديث، ولا يصحُّ منه الصيام؛ لأنه ليس له عقل يعقل به العبادة وينويها، والعبادة لا تصح إلا بنية؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ... )) (¬2) (¬3). فإن كان يُجنُّ أحياناً ويفيقُ أحياناً لزمه الصيام في حال إفاقته دون حال جنونه، وإن جُنَّ في أثناء النهار لم يبطل صومه كما لو أُغمي عليه بمرضٍ أو غيره؛ لأنه نوى الصوم وهو عاقل بنية صحيحة، ولا دليل على بطلان صومه، خصوصاً إذا كان معلوماً أن الجنون ينتابه في ساعات معينة. وعلى هذا فلا يلزم قضاء اليوم الذي حصل فيه الجنون، وإذا أفاق المجنون أثناء نهار رمضان: لزمه إمساك بقية يومه؛ لأنه صار من أهل الوجوب. والله تعالى أعلم (¬4). ¬
الشرط الرابع: القدرة على الصوم
والكبير الهرم الذي بلغ الهذيان وسقط تمييزه، لا يجب عليه الصوم ولا الإطعام عنه؛ لسقوط التكليف عنه، بزوال تمييزه، فأشبه الصبي قبل التمييز، فإن كان يميز أحياناً ويهذي أحياناً، وجب عليه الصوم أو الإطعام إذا لم يطق الصوم في حال تمييزه دون حال هذيانه، والصلاة كالصوم: لا تلزمه حال هذيانه، وتلزمه حال تمييزه (¬1). الشرط الرابع: القدرة على الصوم، وضدها العجز، فالعاجز عن الصوم لا يجب عليه الصوم أداء، ويجب عليه القضاء؛ لقول الله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬2)، والعجز عجزان: عجز طارِئ يُرجى بُرؤه، وهذا هو المذكور في الآية آنفة الذكر. كالمريض الذي ينتظر الشفاء، فعليه القضاء إذا شفي. وعجز دائم لا يُرجى بُرؤه، كالمريض الذي لا يُرجى بُرؤه، والكبير ¬
الشرط الخامس: الإقامة
الهرم الذي لا يطيق الصيام، فالواجب بدل الصيام أن يطعم عن كل يومٍ مسكيناً (¬1) (¬2). الشرط الخامس: الإقامة، فلا يجب الصيام أداءً على المسافر، وعليه القضاء؛ لقول الله تعالى {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬3) (¬4). الشرط السادس: الخُلوُّ من الموانع، وهي: الحيض والنفاس، للنساء خاصة، فلا يجب عليها الصيام أداءً، بل لا يجوز أن تصوم وهي حائض أو نفساء؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... أليست إذا حاضت لم تُصلِّ ولم تَصُمْ؟ فذلك من نقصان دينها)) (¬5)، ويجب عليها القضاء بعدرمضان؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ((كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)) (¬6)، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى. ¬
المبحث التاسع: أركان الصيام
المبحث التاسع: أركان الصيام الركن لغة: هو جانب الشيء الأقوى، والأركان جمع ركن. الركن اصطلاحاً: هو عبارة عن جزء الماهية (¬1). والصوم له ركنان تتركب منهما حقيقة الصيام، على النحو الآتي: الركن الأول: النية: وهي القصد، والإدارة للشيء، فلا بد من النية في الصوم والقصد لذلك، وهي نوعان: النوع الأول: نية المعمول له، وهي الإخلاص لله تعالى، وابتغاء مرضاته ووجهه، ويرجو ثوابه - سبحانه وتعالى -؛لقول الله تعالى - عز وجل -: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} (¬2)؛ولحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (([يا أيها الناس] إنما الأعمال بالنيات ((وفي رواية: العمل بالنية)) وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته [إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته] إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها ((وفي رواية: يتزوجها)) فهجرته إلى ما هاجر إليه)) (¬3). ¬
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)) والمعنى: الأعمال واقعة، أو حاصلة، وصالحةٌ أو فاسدةٌ، أو مقبولة أو مردودة، أو مثابٌ عليها أو غير مثابٍ عليها بالنيات؛ فإن الأعمال لا تقع إلا عن قصدٍ، وصلاحها وفسادها بحسب صلاح النيات وفسادها، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( ... إنما الأعمال بالخواتيم)) (¬1) أي: إن صلاحها وفسادها، وقبولها وعدم قبولها بحسب الخاتمة. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) والمعنى: أن حظ العامل من عمله نيته، فإن كانت صالحةً فعمله صالحٌ وله أجره، وإن كانت فاسدةً فعمله فاسدٌ وعليه وزره، فلا يحصل له من عمله إلا ما نواه به، فإن نوى خيراً، حصل له خير، وإن نوى شراً، حصل له شر، وليس هذا تكريراً للجملة الأولى [إنما الأعمال بالنيات] فإن الجملة الأولى دلت على أن صلاح العمل وفساده بحسب النية المقتضية لإيجاده، والجملة الثانية: [وإنما لكل امرئ ما نوى] دلت على أن ثواب العامل على عمله بحسب نيته الصالحة، وأن عقابه عليه بحسب نيته الفاسدة، وقد تكون نيته مباحةً فيكون العمل مباحاً، فلا يحصل له ثواب ولا عقاب، فالعمل في نفسه: صلاحه، وفساده، وإباحته، بحسب النية العاملة عليه، المقتضية لوجوده، وثواب العامل، وعقابه، وسلامته بحسب نيته، التي بها صار العمل: صالحاً، أو فاسداً، أو مباحاً. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ¬
ما هاجر إليه)) لما ذكر - صلى الله عليه وسلم - أن الأعمال بحسب النيات، وأن حظ العامل من عمله نيته من: خيرٍ، أو شرٍ، وهاتان كلمتان جامعتان، وقاعدتان كليتان لا يخرج عنهما شيء، ذكر بعد ذلك مثالاً من أمثال الأعمال التي صورتها واحدة ويختلف صلاحُها وفسادُها باختلاف النيات، وكأنه يقول: سائر الأعمال على حذوِ هذا المثال. فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن هذه الهجرة تختلف باختلاف النيات والمقاصد بها، فمن هاجر من دار الشرك إلى دار الإسلام حُبَّاً لله ورسوله، ورغبةً في تعلم دين الإسلام وإظهار دينه، حيث كان يعجز عنه في بلاد الشرك، فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله حقاً، وكفاه شرفاً وفخراً، أنه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته من بلد الشرك إلى بلد الإسلام؛ لطلب دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها في دار الإسلام، فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك، فالأول تاجرٌ، والثاني خاطبٌ، وليس واحد منهما بمهاجر (¬1). فهذا النوع الأول من أنواع النية: وهو تمييز المقصود بالعمل، وهو الله تعالى وحده لا شريك له، وهذه النية التي يتكلم فيها العارفون بالله تعالى في كتبهم في كلامهم على الإخلاص، وتوابعه، وهي التي توجد في كلام السلف المتقدمين. ¬
النوع الثاني: تمييز العبادات بعضها عن بعض
النوع الثاني: تمييز العبادات بعضها عن بعض: كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر مثلاً، وتمييز صيام رمضان من صيام غيره، أو تمييز العبادات من العادات، كتمييز: غسل الجنابة من غسل التبرد والتنظف، ونحو ذلك، وهذه النية التي توجد كثيراً في كلام الفقهاء في كتبهم (¬1). والركن الأول للصيام، لابد فيه من هذين النوعين: الإخلاص لله تعالى في هذه العبادة العظيمة، وتمييز الصيام بالإرادة والقصد للفرض أو التطوع، ولا بد أن تكون النية في فرض الصيام من الليل؛ لحديث حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ لم يُجْمِعِ (¬2) الصيامَ قبل الفجر فلا صيام له))، وهذا لفظ أبي داود، والترمذي، وعند النسائي: ((من لم يُبيِّتِ (¬3) الصيام قبل الفجر فلا صيام له))، وفي لفظ له: ((من لم يُجْمع الصيام قبل طلوع الفجر فلا يصوم))، وفي لفظ له أيضاً: ((من لم يبيِّت الصيام من الليل فلا صيام له))، ولفظ ابن ماجه: ((لا صيام لمن لم يفرضه من الليل)) (¬4). ¬
وعن عائشة وحفصة رضي الله عنهما زوجي النبي - صلى الله عليه وسلم - موقوفاً عليهما، قالتا: ((لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر)) (¬1). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما موقوفاً عليه، قال: ((إذا لم يُجمع الرجل الصوم من الليل فلا يصُمْ))، وفي لفظ: ((لا يصوم إلا من أجمع الصيام من الليل)) (¬2)؛ ولهذه الأحاديث لابد على الصحيح من تبييت النية في صوم أيام رمضان فينوي ويجزم في أول ليلة من ليالي رمضان: أن يصوم رمضان كله، ثم ينوي كل ليلة أن يصوم غداً، وكذلك صيام الفرض من قضاء رمضان، والنذر والكفارات لا بد من أن ينوي الصيام ويبيّته ليلاً، كل ليلة (¬3) (¬4)، وهذا هو الموافق لظاهر حديث حفصة، ¬
وحديث عائشة وابن عمر - رضي الله عنهم - (¬1). ¬
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((والصواب أنه لابد من نيَّة من الليل، لأنواع الصيام المفترضة: صيام رمضان، والنذر، والكفارات)) (¬1) ((فإذا نواه بعد غروب الشمس، أو أوسط الليل، أو آخر الليل [قبل الفجر] كفى)) (¬2)، والحمد لله (¬3)، وقال شيخ الإسلام ابن ¬
تيمية رحمه الله: ((أما تبييت النية، فإن الصوم الواجب الذي وجب الإمساك فيه من أول النهار لا يصح إلا بنية من الليل، سواء في ذلك ما تعيّن زمانه كأداء رمضان، والنذر المعين، وما لم يتعيّن كالقضاء، والنذر المطلق)) (¬1)، ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى (¬2)، فالنية ليس فيها مشقة؛ فإن المسلم إذا تسحَّر، أو أمسك عن الطعام، أو خطر بقلبه الصيام غداً فقد نوى (¬3). أما صيام التطوع فيجوز أن ينوي من النهار (¬4) إذا لم يتناول شيئاً من ¬
المفطرات بعد الفجر (¬1)؛ لأنه صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ذلك؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم: ((يا عائشة: هل عندكم شيء؟)) قالت: فقلت: يا رسول الله ما عندنا شيء، قال: ((فإني صائم)) قالت: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهديت لنا هدية - أو جاءنا زورٌ (¬2) - قالت: فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: يا رسول الله: أُهديت لنا هدية - أو جاءنا زور - وقد خبأت لك شيئاً، قال: ((ما هو؟)) قلت: حيسٌ (¬3) قال: ((هاتيه)) فجئت به فأكل، ثم قال: ((قد كنت أصبحت صائماً))، وفي رواية: ((دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: ((هل عندكم شيء؟)) فقلنا: لا، قال: ((فإني إذن صائم))، ثم أتانا يوم آخر فقلنا: يا ¬
رسول الله: أُهدي لنا حيس، فقال: ((أرينيه فلقد أصبحت صائماً)) فأكل)) (¬1). وعن أمِّ هانئ رضي الله عنها، قالت: لما كان يوم الفتح - فتح مكة -، جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمُّ هانئ عن يمينه، قالت فجاءت الوليدة (¬2) بإناء فيه شرابٌ فناولته فشرب منه، ثم ناوله أمَّ هانئٍ فشربت منه، فقالت: يارسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة؟ فقال لها: ((أكنتِ تقضين شيئاً؟)) قالت: لا، قال: ((فلا يضركِ إن كان تطوعاً)) (¬3)، وفي رواية للترمذي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فدعا بشراب، فشرب ثم ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله أما إني كنت صائمة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الصائم المتطوع أمينُ نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر))، وفي رواية للترمذي أيضاً: ((أمين نفسه، أو أميرُ نفسه)) على الشك)). وفي لفظ للترمذي عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: كنت قاعدة عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأُوتي بشرابٍ، فشرب منه ثم ناولني فشربت منه، فقلت: إني أذنبت ذنباً فاستغفرلي، فقال: ((وما ذاك؟)) قالت: كنت صائمة فأفطرت، فقال: ¬
((أمن قضاءٍ كنت تقضينه؟)) قالت: لا، قال: ((فلا يضرك)) (¬1). ولفظ الحاكم مرفوعاً بدون شك: ((الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر))، وفي لفظِ الحاكم مرفوعاً: ((المتطوع بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر)) (¬2). وعن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: كان أبو الدرداء يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا: لا، قال: فإني صائم يومي هذا، وفعله أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وحذيفة - رضي الله عنهم - (¬3)، والأظهر صحة نية التطوع بالصيام قبل الزوال وبعده ((¬4). ¬
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((الأظهر صحته كما نُقِلَ عن الصحابة)) (¬1)،وقال رحمه الله: ((ينوي أي وقتٍ شاء، ولو كان بعد الزوال أيضاً، وهذا أعدل الأقوال عندنا، وأشبه بسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2)،وقال رحمه الله: ((والمنصوص عن أحمد أن الثواب من حين النية)) (¬3)، ((والمنصوص أصح)) (¬4)،وهذا يبيِّن أن نية صيام التطوع من الليل يكتب له ثواب صيام اليوم كاملاً، أما إذا أنشأ النية أثناء النهار فيكتب له ثواب بقية يومه من حين النية (¬5)؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما ¬
الركن الثاني: الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر
نوى)) (¬1)،وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((وهذا هو القول الراجح)) (¬2)، وبناء على ذلك فصيام الأيام المعيّنة من النفل يحتاج إلى تبييت النية من الليل؛ ليحصل على ثواب صيام اليوم كله، كيوم: لإثنين، والخميس، والأيام البيض، وستة أيام من شوال، وصيام يوم عرفة لغير الحاج، وصيام يوم عاشوراء؛ لأنه إذا نوى من النهار قبل الزوال أو بعده لا يثاب على القول المنصوص عن أحمد - وهو الراجح - إلا على بقية اليوم؛ لأنه لا يصدق عليه: أنه صام اليوم كاملاً. والله تعالى أعلم (¬3). الركن الثاني: الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس؛ لقول الله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا ¬
كَتَبَ الله لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} (¬1)، والمراد بالخيط الأبيض: بياض النهار، والخيط الأسود: سواد الليل؛ لحديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه -، قال: لما نزلت {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (¬2) قال له عدي: يا رسول الله! إني أجعل تحت وسادتي عقالين (¬3) عِقالاً أبيض، وعقالاً أسود، أعرف الليل من النهار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن وسادك لعريض (¬4) إنما هو سواد الليل وبياض النهار))، وفي لفظ للبخاري: ((إن وسادك إذاً لعريض أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك))،ثم قال: ((إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار)) (¬5). وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: أُنزلت {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}، ولم ينزل: ((مِنَ الْفَجْرِ))، فكان ¬
رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبيَّن له رؤيتهما، فأنزل الله بعدُ {مِنَ الْفَجْرِ} فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار)) (¬1). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يُقال له: ((أصبحت أصبحت))، وفي رواية للبخاري: حتى يقول له الناس: ((أصبحت أصبحت))، وفي رواية لمسلم: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا، ويرقى هذا (¬2). وعن عائشة رضي الله عنها أن بلالاً كان يؤذن بليل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم؛ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر)) قال القاسم: ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا)) (¬3). ¬
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يمنعن أحدكم - أو قال: أحداً منكم - أذان بلال [أو قال: نداءُ بلال] من سحوره؛ فإنه يؤذن - أو ينادي - بليل؛ ليرجع قائمكم، ولينبه نائمكم، وليس أن يقول الفجر أو الصبح - وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل - حتى يقول هكذا)) وقال زهير بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى، ثم مدَّهما عن يمينيه وشماله))،وفي رواية البخاري: ثم أظهر يزيد يديه ثم مدَّ إحداهما من الأخرى))،وفي لفظ مسلم: (( ... ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم))، وقال: ((ليس أن يقول هكذا وهكذا - وصوب يده ورفعها - حتى يقول هكذا وفرج بين أصبعيه))،وفي رواية لمسلم أيضاً قال: ((إن الفجر ليس الذي يقول هكذا وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض؛ ولكن الذي يقول هكذا - ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه))،وفي رواية لمسلم: ولكن يقول هكذا: يعني الفجر ((وهو المعترض وليس بالمستطيل)) (¬1). وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا))، وحكاه حماد بيده: يعني معترضاً، وفي لفظ: ((لا يغرنكم أذان ¬
بلال، ولا هذا البياض - العمودي الصبح - حتى يستطير (¬1) هكذا)) (¬2). وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الفجر فجران: فجر يَحْرُمُ فيه الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر تَحرُمُ فيه الصلاة ويحلُّ فيه الطعام)) (¬3). وعن جابر - رضي الله عنه -، قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا تحل الصلاة فيه، ولا يحرم الطعام، وأما الذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام)) (¬4). وقد ذكر الإمام ابن خزيمة رحمه الله: أن معنى قوله: ((فجر يحرم فيه الطعام، يريد: على الصائم، وتحل فيه الصلاة، يريد: صلاة الصبح وفجر تحرم فيه الصلاة، يريد: صلاة الصبح إذا طلع الفجر الأول، لم يحل أن ¬
يصلّيَ في ذلك الوقت صلاة الصبح؛ لأن الفجر الأول يكون بالليل، ولم يرد أنه لا يجوز أن يتطوع بالصلاة بعد طلوع الفجر الأول، وقوله: ويحلُّ فيه ((الطعام، يريد: لمن يريد الصيام)) (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذان الحديثان يدلان على أن الفجر فجران: فجر صادق، وفجر كاذب، فالفجر الصادق: هو المستطيل [في الأفق] والكاذب الذي كذنب السرحان [الذئب] عمودياً في السماء)) (¬2). وأما الإفطار فقد دل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} (¬3)، فإذا غربت الشمس فقد دخل الليل؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)) (¬4) (¬5). ¬
المبحث العاشر: تيسير الله تعالى في الصيام
المبحث العاشر: تيسير الله تعالى في الصيام فرض الله - عز وجل - صيام شهر رمضان ويسَّره على عباده، ولم يكلفهم ما لا طاقة لهم به، قال الله - عز وجل - في فرضه شهر رمضان وتيسيره في ذلك: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬1)، والله لم يوجب الصيام أداءً إلا على المسلم، البالغ، العاقل، القادر على الصيام، المقيم، السالم من الموانع، وهذا من رحمته وإحسانه، وتيسيره على عباده؛ فإنه تعالى لم يجعل عليهم في الدين من حرج كما قال - عز وجل -: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬2)، وقال - سبحانه وتعالى -: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬3)، وقال جلَّ وعلا: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: ((نعم))، {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا (¬4) كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} قال: ((نعم)) {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: ((نعم)) {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين} قال: ((نعم)) (¬5). ¬
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما في هذه المواضع: قال: ((قد فعلت)) بدلاً: من ((نعم)) (¬1). وقد نفى الله - عز وجل - الحرج عن هذه الأمة، فقال: {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} (¬2). وقد خفف عن عباده ولم يشقَّ عليهم، قال سبحانه: {يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} (¬3)،وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الدين يسٌر ... )) الحديث (¬4) وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) (¬5). ومن تيسيره تعالى على عباده: أن بعث لهم رسولاً رحيماً بالمؤمنين، يشق عليه ما يشق عليهم، قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ ¬
عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم} (¬1)، ومن تيسير الله تعالى على عباده أن أوحى إلى رسوله الكريم أن يأمر بالتيسير وينهى عن التعسير، فعن عائشة رضي الله عنها: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يسروا ولا تعسروا)) الحديث (¬2)، والنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، والله تعالى حينما فرض صيام شهر رمضان لم يشق على عباده، بل يسّر عليهم، فأباح الإفطار: للمريض، والمسافر، والكبير الهرم الذي لا يطيق الصوم، والحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما الضرر، ولم يوجبه على الصبيان والأطفال، ولا على الذين لا يطيقونه، وغير ذلك من التيسير والتخفيف، ويأتي التفصيل إن شاء الله تعالى في أحكام أهل الأعذار الذين أباح لهم الله تعالى الإفطار في نهار رمضان: رحمة بهم، وإحساناً، وكرماً وتخفيفاً على عباده سبحانه، فلا إله غيره، ولا رب سواه، فله الحمد كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه. ¬
المبحث الحادي عشر: أهل الأعذار المبيحة للفطر في نهار رمضان
المبحث الحادي عشر: أهل الأعذار المبيحة للفطر في نهار رمضان أهل الأعذار في رمضان أنواع على النحو الآتي: النوع الأول: المريض، والحديث عنه على النحو الآتي: أولاً: مفهوم المرض: السُّقم، نقيض الصحة، ويقال: المرضُ والسُّقم في البدن والدِّين جميعاً، كما يُقال: الصحة في البدن والدين جميعاً، والمرض في القلب يطلق على كل ما خرج به الإنسان عن الصحة في الدين، وأصل المرض: النقصان، يقال: بدن مريض: ناقص القوة، ويقال: قلب مريض: ناقص الدين، والمرض: فتورٌ عن الحق، وفي الأبدان: فتور الأعضاء (¬1). والمرض: جمع أمراض: وهو فساد المزاج وسوء الصحة بعد اعتدالها، ومرض الموت: العلة التي يقرر الأطباء أنها علة مميتة (¬2). وعلى هذا فالمريض: هو الذي اعتلت صحته، سواء كانت في جزء من بدنه أو في جميع بدنه (¬3). ثانياً: يجب على المريض الصبر، ويحتسب الأجر على ما يصيبه، قال الله ¬
تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب} (¬1)، وقال - عز وجل -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُم} (¬2)، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِير * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَالله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور} (¬3)، وقال - عز وجل -: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ} (¬4)، وقال الله - عز وجل -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون} (¬5)، وقال - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِين} (¬6). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... والصبر ضياء)) (¬7)، وعن صهيب - رضي الله عنه -،قال: قال ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاءُ صبر فكان خيراً له)) (¬1). وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((ما يصيب المسلم من نصبٍ (¬2)، ولا وصبٍ (¬3)، ولا همٍّ، ولا حزنٍ، ولا أذىً، ولا غمٍّ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه)) (¬4). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلم يصيبه أذىً: من مرضٍ فما سواه إلا حَطَّ الله سيئاته كما تحطُّ الشجرة ورقها)) (¬5). وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلم يُشاك شوكة فما فوقها إلا كُتب له بها درجة، ومُحيت عنه بها خطيئة)) (¬6). ¬
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من يرد الله به خيراً يُصِبْ (¬1) منه)) (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه - يرفعه: ((إن عِظَمَ الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السُّخْط)) (¬3). وعن مصعب بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه -، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتدَّ بلاؤُه، وإن كان في دينه رقةٌ ابتُلي على حسب دينه، فما يبرح البلاءُ بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة)) (¬4). والمسلم يسأل الله العفو والعافية ولا يسأله البلاء، فإذا حصل له شيء صبر واحتسب؛ لحديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال على المنبر: ¬
ثالثا: المرض نوعان على النحو الآتي:
((سلوا الله العفو والعافية؛ فإن أحداً لم يُعطَ بعد اليقين خيراً من العافية)) (¬1). وعن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله؟ قال: ((سل الله العافية)) فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله؟ فقال لي: ((يا عباس يا عمَّ رسول الله: سل الله العافية في الدنيا والآخرة)) (¬2). ثالثاً: المرض نوعان على النحو الآتي: النوع الأول: المريض: الذي يُرجى برؤُ مرضِه، رخص الله له في الفطر، وأوجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها؛ لقول الله - عز وجل -: {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬3)؛ ولقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬4). والمريض في شهر رمضان له ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن لا يَشقَّ عليه الصوم ولا يضره، فيجب عليه الصوم؛ ¬
الحالة الثانية
لأنه ليس له عذر يبيح له الفطر. الحالة الثانية: أن يشق عليه الصوم ولا يضره، فيفطر، ويكره له الصوم مع المشقة؛ لأنه خروج عن رخصة الله تعالى، وتعذيب لنفسه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يحب أن تُؤتَى رخصُه كما يكره أن تؤتى معصيته)) (¬1). قال ابن حزم رحمه الله: ((واتفقوا على أن المريض إذا تحامل على نفسه فصام أنه يجزِئه، واتفقوا على أن من آذاه المرض وضَعُف عن الصوم فله أن يفطر)) (¬2). الحالة الثالثة: أن يضرَّهُ الصوم، فيجب عليه الفطر، ولا يجوز له الصوم؛ لقول الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (¬3)، وقوله - عز وجل -: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬4)؛ ولقول سلمان لأبي الدرداء: (( ... إن لربِّك عليك حقّاً، ولنفسك عليك حقّاً، ولأهلك عليك حقّاً، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه))، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال له ¬
النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صدق سلمان)) (¬1)، ومن حق النفس على المسلم أن لا يضرَّها مع وجود رخصة الله تعالى؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ضرر ولا ضرار)) (¬2)، والله تعالى أعلم، وأحكم، وأرحم (¬3). وإذا حدث له المرض في أثناء يوم من أيام رمضان وهو صائم وشقَّ عليه إتمامه جاز له الفطر؛ لوجود المبيح للفطر. وإذا برئ في نهار رمضان وقد أفطر أول النهار للعذر لم يصح صومه ذلك اليوم؛ لأنه كان مفطراً أول النهار؛ لأن الصوم لا يصح إلا بنية قبل طلوع الفجر، ثم الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وينبغي له الإمساك بقية يومه (¬4) ويجب عليه القضاء بعدد الأيام التي ¬
النوع الثاني: المريض العاجز عن الصيام عجزا مستمرا
أفطرها؛ لقول الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬1). وإذا ثبت عن طريق الطبيب الثقة المسلم الحاذق الموثوق بدينه وأمانته أن الصوم يجلب له المرض أو يزيد مرضه، ويؤخر بُرْأَه؛ فإنه يجوز له الفطر، محافظةً على صحته، واتقاءً للمرض، ويقضي عن هذه الأيام التي أفطرها (¬2)، والله تعالى أعلم (¬3). النوع الثاني: المريض العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً لا يُرجى زواله: كالكبير الهرم، والمريض الذي لا يُرجى برؤه، وذلك بإخبار الطبيب المسلم الثقة الحاذق، فحينئذٍ لا يجب على هذا العاجز الصيام؛ لأنه لا يستطيعه؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬4) ولقوله تعالى: ¬
ويخير العاجز عن الصيام، لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه في صفة الإطعام بين أمرين
{لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬1). قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن للشيخ الكبير والعجوز العاجِزَيْن عن الصوم أن يفطرا)) (¬2)، لكن يجب عليه أن يطعم بدل الصيام عن كل يوم مسكيناً؛ لأن الله تعالى جعل الإطعام معادلاً للصيام حين كان التخيير بينهما أوَّل ما فرض الصيام، فتعيَّن أن يكون بدلاً من الصيام عند العجز عنه؛ لأنه معادل له (¬3). قال ابن عباس رضي الله عنهما: (( ... الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً)) (¬4)،وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام، فقد أطعم أنس بن مالك بعدما كبر، عاماً أو عامين، كلَّ يومٍ مسكيناً: خبزاً ولحمًا، وأفطر)) (¬5). ويُخيَّر العاجز عن الصيام، لكبرٍ، أو مرضٍ لا يُرجى برؤه في صفة الإطعام بين أمرين: ¬
الأمر الأول: يفرق طعاما على المساكين
الأمر الأول: يفرِّق طعاماً على المساكين، لكل مسكين نصف صاعٍ على الصحيح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجرة: (( ... أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع)) (¬1)، والصاع النبوي أربع حفنات بكَفَّيْ الرجل المعتدل، وهو يزن تقريباً ثلاثة كيلو، أما نصف الصاع فيزن كيلو ونصف كيلو تقريباً، وهو اختيار شيخنا ابن باز رحمه الله، حيث قال: ((عن كل يومٍ نصف صاعٍ من قوت البلد: من تمرٍ، أو أرزٍ، أو غيرهما، ومقداره بالوزن كيلو ونصف على سبيل التقريب)) (¬2)، وهو اختيار اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حيث قالوا: (( ... وهو نصف صاعٍ عن كل يومٍ من قوت البلد، وهو كيلو ونصف تقريباً)) (¬3). الأمر الثاني: يجوز أن يُصلحَ طعاماً، ويدعوَ إليه من المساكين بقدر الأيام التي عليه؛ لأن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ((أطعم بعد ما كبر عاماً أو عامين كل يوم مسكيناً: خبزاً ولحماً وأفطر)) (¬4). قال شيخنا ابن باز رحمه ¬
الله: ((إذا كان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يشق عليهما الصوم فلهما الإفطار ويطعمان عن يوم مسكيناً: إما بتشريكه معهما في الطعام، أو دفع نصف صاع من التمر، أو الحنطة، أو الأرز للمسكين كل يوم ... )) (¬1). وقال شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى في فدية الإطعام عن الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، والمريض الذي لا يُرجى برؤه، الذين لا يُطيقون الصيام: قال رحمه الله: ((يدفع الطعام للفقراء والمساكين، ويجوز دفعه كله إلى مسكين واحد ... )) (¬2)، وقال رحمه الله في موضع آخر: ((وهذه الكفارة يجوز دفعها لواحد أو أكثر في أول الشهر، أو وسطه، أو آخره ... )) (¬3). والله تعالى أعلم (¬4). ¬
النوع الثالث: المسافر مسافة قصر الصلاة
النوع الثالث: المسافر مسافة قصر الصلاة، والحديث عنه على النحو الآتي: أولاً: مفهوم السفر، والمسافر: السُّفْر جمع سافر، والمسافرون جمع مسافر، والسفر والمسافرون، بمعنىً. وسُمِّيَ المسافر مسافراً؛ لكشفه قناع الكنِّ عن وجهه، ومنازل الحضر عن مكانه، ومنزل الخفض عن نفسه، وبروزه إلى الأرض الفضاء، وسُمِّيَ السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، فيُظهِر ما كان خافياً منها (¬1). فظهر أن السفر: قطع المسافة، سُمِّيَ بذلك؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، ومنه قولهم: سفرت المرأة عن وجهها: إذا أظهرته، والسفر: هو الخروج عن عمارة موطن الإقامة قاصداً مكاناً يبعد مسافة يصحُّ فيها قصر الصلاة (¬2). وقيل: السفر لغة: قطع المسافة. وشرعاً: هو الخروج على قصد مسيرة ثلاثة أيام ولياليها فما فوقها بسير الإبل، ومشي الأقدام (¬3). والمسافر: هو من قصد سيراً وسطاً ثلاثة أيام ولياليها وفارق بيوت بلده (¬4). ¬
ثانيا: أنواع السفر على النحو الآتي:
ثانياً: أنواع السفر على النحو الآتي: 1 - سفرٌ حرامٌ، وهو أن يسافر لفعل ما حرمه الله، أو حرمه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، مثل: من يسافر للتجارة في الخمر، والمحرمات، وقطع الطريق، أو سفر المرأة بدون محرم (¬1). 2 - سفر واجب، مثل السفر لفريضة الحج، أو السفر للعمرة الواجبة، أو الجهاد الواجب. 3 - سفر مستحب، مثل: السفر للعمرة غير الواجبة، أو السفر لحج التطوع، أو جهاد التطوع. 4 - سفر مباح، مثل: السفر للتجارة المباحة، وكل أمر مباح. 5 - سفر مكروه، مثل: سفر الإنسان وحده بدون رفقة، إلا في أمر لا بد منه (¬2)؛لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكبٌ بليلٍ وحده)) (¬3). فهذه أنواع السفر التي ذكرها أهل العلم، فيحرم على كل مسلم أن يسافر إلى سفر محرم، وينبغي له أن لا يتعمَّد السفر المكروه، بل يقتصر في جميع أسفاره على السفر الواجب، والسفر المستحب، والمباح، وله أن يأخذ برخص السفر من: الفطر في شهر رمضان، وقصر الصلاة، وغير ذلك من ¬
ثالثا: السفر الذي يبيح الفطر في رمضان: هو ما تقصر فيه الصلاة:
الرخص التي شرعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ثالثاً: السفر الذي يبيح الفطر في رمضان: هو ما تقصر فيه الصلاة: للمسافر أن يفطر في رمضان وغيره، بدلالة الكتاب والسنة، الإجماع: ¬
أما الكتاب
أما الكتاب؛ فلقول الله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬1). وأما السنة؛ فلقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله وضع عن المسافر الصوم)) (¬2)، وأحاديث كثيرة. وأما الإجماع، فأجمع المسلون على إباحة الفطر للمسافر في الجملة؛ وإنما يباح الفطر في السفر الطويل الذي يبيح القصر (¬3). قال الإمام البخاري رحمه الله: ((باب في كم يقصر الصلاة؟ وسمَّى النبي - صلى الله عليه وسلم -، يوماً وليلةً سفراً، وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصران ويفطران في أربعة بُرُدٍ، وهي ستة عشر فرسخاً)) (¬4). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((قوله: بابٌ: في كم يقصر الصلاة؟ يريد بيان المسافة التي إذا ¬
أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر ولا يسوغ له في أقلَّ منها ... وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام، وأورد ما يدل على اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة)) (¬1)، وكأن البخاري رحمه الله يشير إلى حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المذكور عنده في الباب (¬2)، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة)) (¬3) (¬4). وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما من قوله: ((لاتقصر إلى عرفة، وبطن نخلة، واقصر إلى عسفان (¬5)، والطائف، وجدة، فإذا قدمت على أهلٍ أو ماشية فأتمّ)) (¬6)، والمسافة من مكة إلى الطائف ثمانية وثمانون كيلو، ومن مكة إلى جدة تسعة وسبعون كيلو، ومن مكة إلى عسفان ثمانية وأربعون ميلاً. وهذه المسافة عليها الجمهور من أهل العلم، ومنهم الأئمة الثلاثة: الإمام أحمد بن حنبل، والإمام الشافعي والإمام مالك رحمهم الله تعالى (¬7). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((الأولى في ¬
هذا أن ما يعدُّ سفراً تلحقه أحكام السفر: من قصرٍ، وجمعٍ، وفطرٍ، وثلاثة أيام للمسح على الخفين؛ لأنه يحتاج إلى الزاد والمزاد: أي ما يعد سفراً، وما لا فلا، ولكن إذ عمل المسلم بقول الجمهور، وهو أن ما يعدُّ سفراً: هو يومين قاصدين ... فلو عمل الإنسان بهذا القول فهذا حسن من باب الاحتياط؛ لئلا يتساهل الناس فيصلوا قصراً فيما لا ينبغي لهم ... لكثرة الجهل، وقلة البصيرة، ولا سيما عند وجود السيارات؛ فإن هذا قد يفضي إلى التساهل، حتى يفطر في ضواحي البلد، واليومان: هي سبعون كيلو أو ثمانون كيلو تقريباً)) (¬1). وقال رحمه الله أيضاً: ((وقال بعض أهل العلم: إنه يحدد بالعرف ولا يحدد بالمسافة المقدرة بالكيلوات، فما يُعدُّ سفراً في العرف يُسَمَّى سفراً، وما لا فلا، والصواب ما قرره جمهور أهل العلم، وهو التحديد بالمسافة التي ذكرت (¬2)، وهذا الذي ¬
رابعا: يفطر المسافر إذا فارق عامر بيوت قريته، أو مدينته
عليه أكثر أهل العلم (¬1)، فينبغي الالتزام بذلك)) (¬2)، والله أعلم (¬3). رابعاً: يفطر المسافر إذا فارق عامر بيوت قريته، أو مدينته، أو خيام قومه وجعلها وراء ظهره، إذا كان سفره تقصر في مثله الصلاة، قال ابن قدامة رحمه الله في الرد على من قال يفطر إذا عزم على السفر ولبس ثياب ¬
السفر: ((ولنا قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬1)، وهذا شاهد، ولا يوصف بكونه مسافراً حتى يخرج من البلد، ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين، ولذلك لا يقصر الصلاة)) (¬2)، والله تعالى أعلم (¬3). ¬
خامسا: إقامة المسافر التي يفطر فيها ويقصر فيها الصلاة
خامساً: إقامة المسافر التي يفطر فيها ويقصر فيها الصلاة: إذا نوى المسافر الإقامة أثناء سفره في بلد أكثر من أربعة أيام، فإنه يُتِمُّ الصلاة، ويصوم إذا كان في رمضان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة في حجة الوداع، يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، وأقام بها: الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، ثم صلى الفجر يوم الخميس ثم خرج إلى منى، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها، فإذا أجمع المسافر أن يقيم كما أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر، وأفطر إن كان في رمضان، وإذا أجمع أكثر من ذلك أتم وصام، قال الإمام ابن قدامة: ((وجملة ذلك أن
من لم يُجمع إقامةً مدة تزيد على إحدى وعشرين صلاة فله القصر ولو أقام سنين)) (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((إذا نوى أن يقيم بالبلد أربعة أيام فما دونها قصر الصلاة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة؛ فإنه أقام بها أربعة أيام يقصر الصلاة، وإن كان أكثر ففيه نزاع، والأحوط أن يتم الصلاة، وأما إن قال: غداً أسافر، أو بعد غد أسافر ولم ينوِ المقام فإنه يقصر؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة بضعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة، والله أعلم)) (¬2). وكذلك الصيام في رمضان والإفطار، فإن أجمع إقامة أربعة أيام فأقل قصر وأفطر، وإن أجمع على الإقامة أكثر من ذلك أتم وصام، وعليه: الإمام الشافعي، وأحمد، ومالك، وبقول هؤلاء الأئمة وجمهور أهل العلم معهم تنتظم الأدلة، ويكون ذلك صيانة من تلاعب الناس، وهذا هو الأحوط؛ لأن ما زاد عن أربعة أيام غير مجمع عليه، وما كان أربعة أيام فأقل مجمع عليه أي داخل في المجمع عليه، وبهذا يخرج المسلم من الخلاف، ويترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، والله - عز وجل - أعلم (¬3). ¬
ومما يدل على أن المسافر إذا أقام ببلد متردِّداً في مدة الإقامة جاز له أن يفطر مدة تلك الإقامة؛ لأنه لم يجمع على الإقامة مدة معينة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة الفتح في رمضان وصام حتى إذا بلغ الكديد (¬1) - الماء الذي بين قُدَيدٍ وعُسفان - أفطر فلم يزل مفطراً ¬
حتى انسلخ الشهر)) (¬1). قال أبو البركات المجد ابن تيمية رحمه الله: ((ووجه الحجة منه أن الفتح كان لعشر بقين من رمضان، هكذا جاء في حديث متفق عليه)) (¬2). قال الإمام الشوكاني رحمه الله: ((والحديث يدل على أن المسافر إذا أقام ببلد متردِّداً جاز له أن يفطر مدة تلك الإقامة كما يجوز له أن يقصر ... وقد دل الدليل على أن من كان مقيماً ببلد وفي عزمه السفر يفطر مثل المدة التي أفطرها - صلى الله عليه وسلم - بمكة، وهي عشرة أيام، أو أحد عشر يوماً، على اختلافٍ في الروايات ... )) (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((وقد أقام - صلى الله عليه وسلم - في مصالح الإسلام والمسلمين، وهذه الإقامة لم يكن مجمعاً عليها، ... فلما حصل المقصود ارتحل إلى المدينة، .... وإقامته - صلى الله عليه وسلم - عشرون يوماً في تبوك ينتظر فيما يتعلق بحرب الروم هل يتقدم أو يرجع، ثم أذن الله له أن يرجع، واحتج بهذه القصة وقصة الفتح على أنه لا بأس بالقصر مدة الإقامة العارضة ولو طالت، حتى قال أهل العلم: لو مكث سنين مادام لم يجمع ¬
سادسا: إذا سافر سفرا شبه دائم في العام:
إقامة؛ فإنه في سفر، وله أحكام السفر، وهذا هو الصواب ... )) (¬1). سادساً: إذا سافر سفراً شبه دائم في العام: مثل سفر سائقي الشاحنات، وغيرهم الذين يسافرون كثيراً؛ فإن لهم الإفطار، والترخّص برخص السفر، إذا كانت المسافة التي يقطعونها في سفرهم مسافة قصر، وعليهم قضاء الأيام التي أفطروها من رمضان قبل دخول رمضان المقبل؛ لعموم قول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬2)، وإليهم اختيار الأيام التي يقضون فيها ما أفطروه من أيام رمضان، جمعاً بين دفع الحرج عنهم، وقضاء ما عليهم من الصيام، سواء كان القضاء في أيام الشتاء أو غيرها (¬3). سابعاً: إذا صام أياماً من رمضان ثم سافر، أو نوى صيام يومٍ ثم سافر في أثنائه فله الفطر على الصحيح إذا خرج من عامر بيوت أو مساكن بلاده؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة إلى مكة [وفي رواية: خرج إلى مكة في رمضان] فصام حتى بلغ عُسفان ثم دعا بماء فرفعه إلى يده ليراه الناس فأفطر حتى قدم مكة ... )). ¬
الحديث (¬1)، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في ترجمته التي بوّب بها على هذا الحديث: ((بابٌ: إذا صام أياماً من رمضان ثم سافر)). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول على ترجمة البخاري لهذا الحديث: ((والمعنى أنه إذا صام من أول الشهر ثم سافر آخره فلا بأس أن يفطر، وكذلك إذا صام أول اليوم ثم سافر في آخره فلا بأس أن يفطر)) (¬2)، والله أعلم (¬3). ¬
ثامنا: أنواع الصيام في السفر: ثلاثة:
ثامناً: أنواع الصيام في السفر: ثلاثة: من تتبع الأحاديث الثابتة في الصيام في السفر وجدها تدل على ثلاثة أنواع على النحو الآتي: النوع الأول: إباحة الإفطار مطلقاً في السفر؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج [عام الفتح] في رمضان من المدينة [إلى مكة] ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة يصومُ ويصومون حتى بلغ الكديد - وهو ماء بين عُسفان وقُديد -[وفي رواية حتى بلغ عُسفان] [فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء، فوضعه على راحته - أو راحلته -[وفي رواية: فشرب نهاراً ليراه الناس] [فأفطر]، ثم نظر إلى الناس، فقال المفطرون للصُّوَّم: أفطروا [فأفطر الناس] فلم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر [وفي رواية: حتى قدم مكة] [وكان ابن عباس يقول: صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر]. [قال الزهري: وإنما يؤخذ من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الآخرُ، فالآخر] [وفي رواية عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: غزا غزوة الفتح في رمضان] (¬1). ¬
وعن عمرو بن أمية الضمري - رضي الله عنه -، قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر فسلمت عليه، فلما ذهبت لأخرج قال: ((انتظر الغداء يا أبا أمية)) فقلت: إني صائم يا نبي الله، فقال: ((تعال أخبرك عن المسافر، إن الله تعالى وضع عنه الصيام ونصف الصلاة)) (¬1). وعن أنس بن مالك الكعبي - رضي الله عنه -، قال: أغارت علينا خيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتغدَّى فقال: ((ادْنُ فكُلْ)) قلت: إني صائم، قال: ((اجلس أحدثك عن الصوم أو الصيام، إن الله - عز وجل - وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع: الصوم -أو الصيام -)). والله لقد قالهما النبي - صلى الله عليه وسلم - كلتاهما أو إحداهما، فيا لهف نفسي فهلاَّ كنت طعمت من طعام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -))، وهذا لفظ ابن ماجه، أما لفظ الترمذي: (( ... إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم - أو الصيام)) (¬2). ¬
النوع الثاني: التخيير بين الإفطار والصوم في السفر
النوع الثاني: التخيير بين الإفطار والصوم في السفر؛ لحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه -، قال: ((خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن رواحة))، ولفظُ مسلم: ((خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان ... )) الحديث (¬1). وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -، قال: ((سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛فصام بعضنا وأفطر بعضنا)) (¬2)،وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: سأل حمزة بن عمرو الأسلمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصيام في السفر؟ فقال: ((إن شئت فصم وإن شئت فأفطر))، وفي لفظٍ أنه قال: يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر؟ قال: ((صم إن شئت وأفطر إن شئت))، وفي لفظ للبخاري أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أَأَصوم في السفر - وكان كثير الصيام - فقال: ((إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)) (¬3)، وفي لفظٍ لمسلم أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل عليَّ جُناحٌ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن ¬
يصوم فلا جُناح عليه)) (¬1). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: ((كُنَّا نسافر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعب الصائمُ على المفطر ولا المفطر على الصائم))، ولفظ مسلم: ((سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فلم يعب الصائم على الفطر، ولا المفطر على الصائم)) (¬2). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: قال: ((سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونحن صيام، فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنكم قد دنوتم من عدوِّكم والفطر أقوى لكم))، فكانت رخصةٌ، فمنَّا من صام ومنَّا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر فقال: ((إنكم مصبِّحوا عدوِّكم والفطر أقوى لكم، فأفطروا))، وكانت عزمة (¬3) فأفطرنا، ثم قال: لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك في السفر)) (¬4). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فصام حتى بلغ عُسفان ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهاراً ليراه الناس، ¬
النوع الثالث: الأمر بالإفطار
وأفطر حتى قدم مكة، وكان ابن عباس يقول: ((صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر))، ولمسلمٍ أن ابن عباس قال: ((لا تعب على من صام ولا على من أفطر، قد صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفطر)) (¬1). وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، قال: كُنَّا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فلما غربت الشمس قال لرجل: ((انزل فاجدح لنا)) (¬2)، قال: يا رسول الله الشمسَ [وفي رواية: إن عليك نهاراً]، [وفي رواية: لو أمسيت] قال: ((انزل فاجدح لنا)) قال: لو انتظرت حتى تمسي؟ قال: ((انزل فاجدح لنا)) ثم قال: ((إذا رأيتم الليل أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم)) وأشار بأصبعه قِبَل المشرق. ولفظ مسلم: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر في شهر رمضان ... وفيه: فأتاه بماء فشرب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال بيده: ((إذا غابت الشمس من هاهُنا وجاء الليل من هاهُنا فقد أفطر الصائم)) (¬3). النوع الثالث: الأمر بالإفطار والترغيب في الفطر والترهيب من ¬
الصيام في السفر؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: لما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ الظهران (¬1)، فآذنَّا بلقاء العدوِّ، فأمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعون)) (¬2). وعن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس في سفره - عام الفتح- بالفطر، وقال: ((تقوَّوْا لعدوّكم)) وصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو بكر: قال الذي حدثني: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعَرْج (¬3) يصُبُّ على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحرِّ)) (¬4). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كُراع الغميم، فصام الناس ثم دعا بقدحٍ ¬
فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بَعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة))،وفي رواية فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام ... )) الحديث (¬1). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كُنَّا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر: فمنّا الصائم ومنّا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حارٍّ أكثرنا ظلاً صاحب الكساء، ومنّا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصُّوَّام وقام المفطرون، فضربوا الأبنية (¬2) وسقوا الركاب (¬3) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ذهب المفطرون اليوم بالأجر)) (¬4) (¬5). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -،قال: أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بطعام بمرِّ الظهران، فقال لأبي بكر وعمر: ((ادنيا فكُلا)) فقالا: إنا صائمان، فقال: ((ارحلوا لصاحبيكم، ¬
احملوا لصاحبيكم)) (¬1) أي قال لسائر الصحابة المفطرين: ارحلوا لصاحبيكم: أي لأبي بكر وعمر لكونهما صائمين، أي شدُّوا الرحال لهما على البعير، ((اعملوا)) من العمل: أي عاونوهما فيما يحتاجان إليه، والمقصود أنه قررهما على الصوم فهو جائز، أو أنه أشار إلى أن صاحب الصوم كلٌّ على غيره فهو مكروه، والله تعالى أعلم (¬2). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فرأى رجلا قد اجتمع الناس عليه، وقد ظُلِّل عليه، فقال: ((ما له؟)) قالوا: رجل صائم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس البر أن تصوموا في السفر))، ولفظ البخاري: فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلِّل عليه، فقال: ((ما هذا)) فقالوا: صائم، فقال: ((ليس من البر الصوم في السفر)) (¬3)، ولفظ النسائي: ((إنه ليس من البر أن تصوموا في السفر، وعليكم برخصة الله التي رخّص لكم فاقبلوها)) (¬4). ¬
تاسعا: حكم صوم المسافر
وعن كعب بن عاصم الأشعري - رضي الله عنه -، وكان من أصحاب السقيفة، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ليس من أم برِّ امْ صيامُ في امْ سَفر)) (¬1) ولفظه الآخر: عن كعب بن عاصم الأشعري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس من البر الصيام في السفر)) (¬2)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((ليس من ام برِّ ام صيامُ في ام سفر)) هذه لغة لبعض أهل اليمن يجعلون لام التعريف ميماً، ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - خاطب بها هذا الأشعري كذلك؛ لأنها لغته، ويحتمل أن يكون الأشعري هذا نطق بها على ما ألِفَ من لغته فحملها عنه الراوي وأدَّاها باللفظ الذي سمعها به، وهذا الثاني أوجه عندي والله أعلم)) (¬3). قال ابن الأثير رحمه الله: ((من أم برِّ)) قوله: من امبرٍّ، هذه الميم بدل من لام التعريف في لغة قوم من اليمن، فلا ينطقون بلام التعريف، ويجعلون مكانها الميم)) (¬4). تاسعاً: حكم صوم المسافر على ثلاث حالات: ¬
يظهر أن صيام المسافر على ثلاث حالات
جواز الفطر للمسافر ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع، وإن صام المسافر أجزأه (¬1). وبالتأمل في الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع يظهر أن صيام المسافر على ثلاث حالات على النحو الآتي: الحال الأولى: أن يشق الصيام عليه مشقة شديدة (¬2) غير محتملة بحيث لا يستطيع تحملها، أو يضره الصيام (¬3) فيجب عليه أن يفطر، ويحرم عليه الصوم؛ لقول الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (¬4)؛ ولقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬5)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما شكا إليه الناس في غزوة فتح مكة - فقيل له: إن الناس قد شقَّ عليهم الصيام، دعا بقدح فرفعه حتى نظر الناس إليه فشرب، فقيل له: إن بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة)) (¬6). الحال الثانية: أن يَشُقّ عليه الصيام مشقّة يسيرة محتملة، بحيث يستطيع تحملها، ولكن الفطر أرفق به، فيستحب له أن يفطر، ويكره له ¬
الحال الثالثة
أن يصوم؛ لحديث جابر - رضي الله عنه -، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فرأى رجلاً قد اجتمع الناس عليه وقد ظُلِّل عليه، وفي رواية: فرأى زحاماً ورجلاً قد طُلِّل عليه، فقال: ((ما هذا؟)) فقالوا: صائم، فقال: ((ليس من البر الصوم في السفر)) (¬1)، ولفظ النسائي: ((إنه ليس من البر الصوم في السفر، وعليكم برخصة الله التي رخّص لكم فاقبلوها)) (¬2). الحال الثالثة: أن لا يشقّ عليه الصيام مطلقاً: لا مشقة شديدة ولا مشقة يسيره، بل والصوم سهل يسير عليه، والفطر سهل يسير عليه، وقد تساوى الأمران ولافرق بينهما، ففي هذه الحال يجوز له أن يصوم، ويجوز له أن يفطر؛ لحديث حمزة بن عمرو الأسلمي - رضي الله عنه -: أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصيام في السفر، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: ((إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)) وفي لفظ لمسلم: أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل عليَّ جُناحٌ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جُناح عليه)) (¬3). ولكن اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه الحال: أيهما أفضل وأعظم للأجر: الصيام أو الفطر؟ على قولين (¬4) فقيل: الصيام أفضل، ¬
وقيل: الفطر أفضل، والأقرب والله تعالى أعلم: أن الفطر أفضل؛
لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته)) (¬1)، وفي لفظٍ: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه)) (¬2)، وهذا هو الأفضل؛ لهذه الأدلة؛ ولغيرها (¬3)، ولكن لا حرج لمن أراد الصيام إذا لم يشق عليه؛ لقول ¬
النبي - صلى الله عليه وسلم - لحمزة بن عمرو الأسلمي: ((هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)) (¬1)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ((لا تَعِبْ على من صام ولا على من أفطر، قد صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفطر)) (¬2)،وهذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري: ((وكان ابن عباس يقول: قد صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر))،وتقدم قول أنس - رضي الله عنه -: ((كُنَّا نسافر مع رسول - صلى الله عليه وسلم -))،وفي لفظٍ: ((في رمضان)) ((فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم)) (¬3)،وبالله تعالى التوفيق (¬4). والله ¬
تعالى أعلم (¬1). وسمعت شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله ¬
النوع الرابع: الحائض والنفساء:
يقول: ((والصواب صحة الصوم في السفر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام في السفر، ولكن الأفضل الفطر مطلقاً: سواء شق عليه الصيام أو لم يشقّ عليه)) (¬1). النوع الرابع: الحائض والنفساء: إذا حاضت المرأة أو نفست: أفطرت، فإن صامت لم يجزئها، فقد أجمع أهل العلم على أن الحائض والنفساء، لايحل لهما الصوم، وأنهما يفطران رمضان ويقضيان، وأنهما إذا صامتا لم يجزئهما الصوم، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: ((كنا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)) (¬2)، والأمر إنما هو للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أليس إذا حاضت لم تصلِ ولم تصم)) (¬3)،والحائض والنفساء سواءٌ؛ لأن دم النفاس هو دم الحيض، وحكمه حكمه، ومتى وُجدَ الحيض أو النفاس في جزء من النهار فسد صوم ذلك اليوم، سواء وجد في أوله بعد طلوع الفجر أو في آخره، قبل غروب الشمس، ولو ¬
صامت الحائض أو النفساء مع علمها بتحريم ذلك أثمت ولم يجزئها (¬1). وإذا طهرت الحائض أو النفساء في أثناء نهار رمضان لم يصحَّ صومها بقيةَ اليوم؛ لوجود ما ينافي الصيام في حقها في أول النهار، وعليها الإمساك بقية اليوم في أصح قولي العلماء؛ لزوال العذر الشرعي الذي أبيح لها الفطر من أجله)) (¬2)، وإذا طهرت الحائض أو النفساء في الليل في ¬
النوع الخامس: الحامل والمرضع
رمضان ولو قبل الفجر بلحظة وجب عليها الصوم؛ لأنها أصبحت من أهل الصيام، وليس فيها ما يمنعه، ويصح صومها حينئذٍ ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، كالجنب إذا صام ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر؛ لقول عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم)) (¬1) (¬2). النوع الخامس: الحامل والمرضع؛ لحديث أنس بن مالك الكعبي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن الله - عز وجل - وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام)) (¬3). قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((وقال الحسن وإبراهيم في المرضع والحامل: إذا خافتا على أنفسهما أو ولد هما تفطران ثم تقضيان)) (¬4). ¬
والحامل والمرضع لهما ثلاث حالات
والحامل والمرضع لهما ثلاث حالات: الحال الأولى: إذا خافتا على أنفسهما فقط، فحكمهما كالمريض: مع عدم المشقة مطلقاً: أي لا يشق عليها الصيام فيحرم عليها الإفطار، ويجب الصوم، ومع المشقة التي تتحملها يكره الصيام، ومع المشقة التي لا تتحملها أو تضرها يحرم عليها الصيام. وعليها أن تقضي عدد الأيام التي أفطرتها فقط بلا خلاف في هذه الحال. . الحال الثانية: إذا خافتا على ولديهما الضرر، فتفطران؛ لإنقاذ معصومٍ، وتقضيان الأيام التي أفطرتهما فقط على الصحيح بدون إطعام. الحال الثالثة: إذا خافتا على أنفسهما وولديهما أفطرتا، وتقضيان عدد الأيام التي أفطرتهما فقط على الصحيح. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((والصواب أنهما إذا خافتا على ولديهما أو نفسيهما أفطرتا وقضتا بدون إطعام)) (¬1). وسمعته يقول: ((والصواب أنه لايجب الإطعام مع الصيام)) (¬2)، فحكم الحامل والمرضع كالمريض في جميع الأحوال على الصحيح من أقوال أهل العلم، ¬
والله تعالى أعلم (¬1). ¬
النوع السادس: المكره على الفطر إكراها ملجئا
النوع السادس: المكره على الفطر إكراهاً ملجئاً، بحيث ألزمه غيره: أن يتناول شيئاً من مفسدات الصوم، فأفطر بذلك دفعاً للضرر أو الهلاك عن نفسه، أو يعتدي عليه عدوٌّ ويهدده بالقتل إن لم يفطر، أو يتوعّده بقطع عضو منه، أو بإلحاق الضرر بولده أو ماله، فيفطر ولا شيء عليه، ولكن بشرط أن يكون المُكْرِه قادراً على إنزال الهلاك به؛ لقول الله تعالى:
{مَن كَفَرَ بِالله مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} (¬1) فقد رفع الله الحكم عمَّن كفر مكرهاً وقلبه مطمئن بالإيمان، فإذا رفع الله حكم الكفر عمَّن أكره عليه فما دونه أولى؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: ((إن الله تجاوزلي عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)) (¬2)،وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) (¬3)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تجاوز لأمتي عما توسس به صدورها، ما لم تعمل به أو تتكلّم به، وما استكرهوا عليه)) (¬4) من الإكراه أن يُكره الرجل الفاسق زوجته إكراهاً ملجئاً، على الجماع في نهار رمضان وهي صائمة، فصيامها صحيح، ولا قضاء عليها ولا كفارة [على ¬
النوع السابع: من احتاج للفطر؛ لدفع ضرورة غيره
الصحيح من قولي العلماء] (¬1)،ولا يحل له إكراهها، ويأثم عند الله تعالى إثماً عظيماً يهلك به نفسه. ويُلحق بالإكراه: الصائم إذا طار إلى جوفه غبار بغير اختياره، أو دخل في بطنه شيء بغير اختياره، كأن يتمضمض أو يستنشق فينزل إلى جوفه شيء من الماء بغير اختياره، فصيامه صحيح ولا قضاء عليه (¬2) فالمكره مضطر لدفع الضرر أو الهلاك عن نفسه، فجاز له الإفطار، والله تعالى أعلم. النوع السابع: من احتاج للفطر؛ لدفع ضرورة غيره، كإنقاذ معصومٍ: من غرقٍ، أو حريقٍ، أو هدمٍ، أو نوعٍ من أنواع الهلاك، فإذا لم يستطع إنقاذ المعصوم إلا بالإفطار أفطر، وأنقذه؛ لأنَّ إنقاذ المعصوم من الهلكة واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ويلزمه قضاء ما أفطره، وليس عليه إطعام على الصحيح من قولي العلماء إنما عليه قضاء لذلك اليوم الذي أفطره لإنقاذ المعصوم، ويدخل في ذلك إنقاذ المعصوم بالتبرع بالدم إذا خشي عليه الهلاك إلا بالتبرع، والله تعالى أعلم (¬3). ¬
النوع الثامن: من غلبه الجوع أو العطش الشديد الذي يخاف معه الهلاك
النوع الثامن: من غلبه الجوع أو العطش الشديد الذي يخاف معه الهلاك على نفسه (¬1)، أو نقصان العقل، أو ذهاب البصر أو السمع أو بعض الحواس الأخرى، فيجوز أن يفطر بما يسدّ رمقه، ثم يُكمل صيامه ويقضي؛ لقول الله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬2)، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬3)، وقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (¬4)، وقال الله تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬5)؛ وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن: ((لا ضرر ولا ضرار)) (¬6)، وهذا بمنزلة من فقد الطعام والشراب، ثم وجد الميتة، فله أن يأكل منها ما يسد رمقه ثم يُمسك، وقد قال الله تعالى: {فَمَنِ ¬
النوع التاسع: من احتاج إلى الفطر للتقوي به على الجهاد
اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيم} (¬1)؛ ولقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيم} (¬2) وغير ذلك من الأدلة (¬3). النوع التاسع: من احتاج إلى الفطر للتقوي به على الجهاد في سبيل الله تعالى في قتاله العدُوَّ فإنه يفطر، ويقضي عدد الأيام التي أفطرها، سواء كان الجهاد في السفر، أو في بلده إذا حضره العدو ولم يستطع الجهاد إلا بالتقوّي عليه بالإفطار؛ لأن في ذلك دفاعاً عن المسلمين، وإعلاءً لكلمة الله - عز وجل -؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة فتح مكة: ((إنكم قد دنوتم من عدوِّكم والفطر أقوى لكم)) قال أبو سعيد - رضي الله عنه - ((فكانت رخصةً، فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: إنكم مصبِّحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا)) وكانت عزمة فأفطرنا (¬4). قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((فلو اتفق مثل هذا في الحضر، وكان في الفطر قوة لهم على لقاء عدوِّهم، فهل لهم الفطر؟ فيه قولان، أصحُّهما دليلاً، أن لهم ذلك، وهو اختيار ابن تيمية، وبه أفتى العساكر الإسلامية، ¬
لما لقوا العدو بظاهر دمشق (¬1)، ولا ريب أن الفطر لذلك أولى من الفطر لمجرد السفر، بل إباحة الفطر في السفر تنبيه على إباحته في هذه الحالة؛ فإنها أحق بجوازه؛ لأن القوة هناك تختصّ بالمسافر، والقوة هنا له وللمسلمين؛ ولأنّ مشقّة الجهاد أعظم من مشقة السفر؛ ولأنّ المصلحة الحاصلة بالفطر للمجاهد أعظم من المصلحة بفطر المسافر؛ ولأنّ الله تعالى قال: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} (¬2) , والفطر عند اللقاء من أعظم أسباب القوة ... وبالجملة فتنبيه الشارع وحكمته يقتضي أن الفطر لأجل الجهاد أولى من مجرد السفر، فكيف وقد أشار إلى العلة، ونبَّه عليها، وصرح بحكمها، وعزم عليهم أن يفطروا لأجلها ... )) (¬3)،والله تعالى أعلم، وأحكم (¬4). فهذه أنواع تسعة لمن يباح لهم الفطر من رمضان من أهل الأعذار، وقد جمعها بعضهم بقوله: وعوارض الصوم التي قد يُغتفر ... للمرء فيها تسع تستطر ¬
حَبَلٌ، وإرضاعٌ، وإكراهٌ، سَفَر ... مرضٌ، جهاد، جوعة، عطش، كِبَر (¬1) ¬
المبحث الثاني عشر: المفطرات: مفسدات الصوم
المبحث الثاني عشر: المفطرات: مفسدات الصوم المفطرات التي تفسد الصوم ... أنواع على النحو الآتي: النوع الأول: الجماع: وهو إيلاج الذَّكر في الفرج ولو لم ينزل، وهو أعظم المفطرات، وأكبرها إثمًا، قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ الله لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} (¬1)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((فأذن في المباشرة فعُقل من ذلك: أن المراد: الصيام من المباشرة، والأكل والشرب، ولمّا قال أولاً: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (¬2) كان معقولاً عندهم أن الصيام هو: الإمساك عن الأكل والشرب والجماع ... )) (¬3). فالجماع في الفرج في نهار رمضان؛ لغير المعذور حرام ومفسد للصيام، بدلالة الكتاب والسنة، والإجماع: أما الكتاب، فكما في الآية السابقة. ¬
أما السنة
أما السنة؛ فلحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: ((بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ((مالك؟)) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم ... (¬1))، وقد أقرَّه النبي - صلى الله عليه وسلم -: على أن هذا العمل هلاك. وأما الإجماع، فقال ابن المنذر رحمه الله: ((ولم يختلف أهل العلم أن الله - عز وجل - حرَّم على الصائم في نهار الصوم: الرَّفث: وهو الجماع، والأكل والشرب)) (¬2)، وقال ابن حزم رحمه الله: ((واتفقوا على أن الأكل لما يُغَذِّي من الطعام مما يستأنف إدخاله في الفم، والشرب، والوطء حرام ... )) (¬3). فمتى جامع الصائم بطل صومه: فرضاً كان أو نفلاً، ثم إن كان في نهار رمضان والصوم واجب عليه لزمه القضاء والكفارة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ((ما لك؟)) وفي لفظ مسلم: ((وما أهلكك؟)) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم [في رمضان] فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هل تجد رقبةً تعتقها؟)) قال: لا. قال: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟)) قال: لا [أستطيع] فقال: ((فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟)) قال: لا [أجد] قال: (([اجلس)) فجلس] فمكث عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبينما ¬
نحن على ذلك أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بِعَرِقٍ فيه تمر، والعَرِقُ المكتل [الضخم] [وهو الزنبيل] قال: ((أين السائل؟)) فقال: أنا، قال: ((خُذْ هذا فتصدّق به)) فقال الرجل: أعلى أفقر مني [وفي رواية منا] يا رسول الله، فوالله ما بين لابتيها - يريد الحَرَّتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال: ((أطعمه أهلك)) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد في رمضان فقال: يارسول الله احترقت احترقت، فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((ما شأنه)) فقال: وطئت امرأتي في رمضان نهاراً، فقال: ((تصدّق، تصدّق)) فقال: يا نبي الله ما عندي شيء، قال: ((اجلس)) فجلس فبينما هو على ذلك أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أين المحترق آنفاً؟)) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تصدَّقْ بهذا)) فقال: يا رسول الله: أغيرنا؟ فو الله يا رسول الله! إنا لجياع ما لنا شيء، قال: ((فكلوه)) (¬2). وفي رواية لأبي داود: (( ... فأُتي بِعَرِقٍ فيه تمر - قدر خمسة عشر صاعاً - وقال فيه: ((كُلْهُ أنت وأهل بيتك وصُمْ يوماً واستغفر الله)) (¬3). ¬
وفي هذا الحديث فوائد منها: الفائدة الأولى: أن الجماع في نهار رمضان من الفواحش المهلكة المحرقة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ الرجل على قوله: هلكت، احترقت. الفائدة الثانية: أن من جامع زوجته في نهار رمضان، وهو مقيم، صحيح، وجب عليه أمور أربعة: الأمر الأول: الكفارة المغلَّظة، وهي على الترتيب: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي: كأيام العيدين، وأيام التشريق، أو لعذر حسِّي: كالمرض، والسفر لغير قصد الفطر، والحيض والنفاس للمرأة إذا كانت غير مكرهة، فإن أفطر لغير عذر ولو يوماً واحداً لزمه استئناف الصيام من جديد؛ ليحصل على التتابع. فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين؛ فإنه يطعم ستين مسكيناً لكل مسكين نصف الصاع من طعام البلد، من قوت غالب البلد. الأمر الثاني: يُمسك بقيَّة اليوم الذي جامع فيه؛ لأنه أفطر بغير عذر فلم يكن لفطره معنى، ولا رخصة. الأمر الثالث: يقضي يوماً مكان اليوم الذي جامع فيه؛ لرواية أبي داود: ((وصم يوماً)) أي مكانه.
الأمر الرابع: يجب عليه التوبة والاستغفار؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية أبي داود: ((واستغفر الله)). الفائدة الثالثة: أن الكفارة المغلظة تجب على من جامع في الفرج في نهار رمضان مُتَعَمِّداً غير معذور أنزل أو لم ينزل. الفائدة الرابعة: حُسن خُلق النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه لم يعاقب هذا الرجل على جرمه، ولم يُؤنّبه، بل ضحك - صلى الله عليه وسلم - عند ما قال الرجل ((أعلى أفقر منا)) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أطعمه أهلك)). الفائدة الخامسة: أن من جامع في أيامٍ متعددةٍ في نهار رمضان، فعليه كفارات، لكل يوم كفارة، ويقضي بعدد الأيام التي جامع فيها (¬1) (¬2). ¬
النوع الثاني: إنزال المني باختياره
النوع الثاني: إنزال المني باختياره، سواء كان ذلك بتقبيل، أو لمس، أو استمناء، أو بتكرير النظر بقصد التلذذ والإنزال، أو غير ذلك من الأسباب (¬1)؛ لأن هذا من الشهوة التي لا يكون الصوم إلاباجتنابها؛ ¬
لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: ((إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي)). ولفظ البخاري: ((يترك شهوته، وطعامه، وشرابه من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها)) (¬1). فأما التقبيل واللَّمْسُ بدون إنزال فلا يفطر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّل ويُباشر وهو صائم، وكان أملككم لإرْبِهِ)) (¬2)، ¬
وفي لفظ للبخاري: ((إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقبِّل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت))، وفي لفظ لمسلم عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه -، أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أخبرته، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُقَبِّلُها وهو صائم)) وفي لفظ: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّل في شهر الصوم)) وفي لفظ ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقبِّل في رمضان وهو صائم)) (¬1). وعن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم)) (¬2)، وعن عمرو بن أبي سلمة - رضي الله عنه - أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُقَبِّل الصائم؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((سل هذه)) لأم سلمة، فأخبرته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له)) (¬3). ¬
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال: هَشَشْت (¬1) فقبَّلت وأنا صائم، فقلت: يارسول الله! صنعت اليوم أمراً عظيمًا، قبَّلْتُ وأنا صائم، قال: ((أرأيت لو مَضْمَضْتَ من الماء وأنت صائم؟)) قلت: لا بأس به، قال: ((فَمَهْ؟)) (¬2) (¬3). لكن إن كان الصائم يخشى على نفسه من الإنزال بالتقبيل أو نحوه من اللمس وغيره، أو يخشى من التدرج بذلك إلى الجماع؛ لعدم قوته على كبح شهوته؛ لضعف إيمانه وضعف محبته لله تعالى، وضعف خوفه منه، أو غيرذلك، فإن التقبيل ونحوه يحرم حينئذ سدَّاً للذريعة، وصوناً لصيامه عن الفساد (¬4) وعن وقوعه في معصية الله تعالى وإهلاك نفسه وإحراقها؛ ولهذا والله تعالى أعلم نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - شاباً سأله عن المباشرة للصائم، وأَذِنَ لشيخٍ كبير بالقبلة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم فرخّص له، وأتاه آخر فسأله؟ فنهاه، فإذا الذي رخّص له شيخ، والذي نهاه شاب)) (¬5)؛ ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصائم ¬
النوع الثالث: الأكل أو الشرب
عن المبالغة في الاستنشاق خوفاً من تسرّب الماء إلى جوفه فيُفْسِد صومه (¬1)، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وأما الإنزال بالاحتلام للنائم، أو بالتفكير المجرَّد عن العمل والقصد، فلا يفطر؛ لأن الاحتلام بغير اختيار الصائم، وأما التفكير المجرَّد عن العمل والقصد فمعفوٌّ عنه (¬2)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به)) وفي لفظ البخاري: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم)) (¬3). النوع الثالث: الأكل أو الشرب، فيفطر بذلك بدلالة الكتاب والسنة، والإجماع. أما الكتاب، فقول الله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (¬4)) ¬
فقد مدَّ الأكل والشرب إلى تبين الفجر، ثم أمر بالصيام عنهما (¬1). وأما السنة، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي: (( ... يترك شهوته، وطعامه، وشرابه من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها)) (¬2). وأما الإجماع، فأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب لما يُتغذَّى به، فأما ما لا يُتَغَذَّى به فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به (¬3). والسعوط (¬4) في الأنف، ودخول الماء معه بقصدٍ، كالأكل والشرب؛ لحديث لقيط بن صبرة - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول أخبرني عن الوضوء؟ قال: ((أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) (¬5)، فتبين بهذا أن الأنف منفذ إلى المعدة ¬
والجوف (¬1)، فأما شمُّ الروائح فلا يفطر؛ لأنه ليس للرائحة جُرْمٌ يدخل إلى الجوف (¬2)، إلا أن البخور له أجزاء لها جرم وهو الدخان المتصاعد؛ فليجتنبه الصائم. والله تعالى أعلم (¬3). ¬
النوع الرابع: ما كان بمعنى الأكل أو الشرب وهما شيئان
النوع الرابع: ما كان بمعنى الأكل أو الشرب وهما شيئان: الأول: حقن الدم في الصائم، مثل: أن يصاب بنزيف ويحتاج إلى إمداده بالدم فيُحقن به دمٌ؛ فإنه يفطر؛ لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب، وقد حصل له ذلك بحقن الدم فيه، فالجسد قائم على الدم، ولو فقد الدم لمات الإنسان، والدم متولّد عن الطعام والشراب، فيكون بهذا بمثابة الطعام والشراب، فإذا فقد الطعام والشراب يضعف البدن، وربما يموت صاحبه إذا فقده تماماً، فكذلك الدم. الثاني: الإبر المغذِّية التي يُكْتَفَى بها عن الأكل والشرب، فإذا تناولها الإنسان أو حُقِنَ بها أفطر، وهي تُسَمَّى الآن بالمغذِّي، فيفطر بها الصائم وإن لم تكن أكلاً وشرباً؛ فإنها بمعنى الأكل والشرب، فثبت لها حكمهما. وأما الإبر غير المغذية التي يعالج بها الإنسان فهي غير مفطِّرة، سواء: تناولها عن طريق العضلات، أو عن طريق العروق، والوريد، حتى ولو وَجَدَ حرارتها في حلقه؛ فإنها لا تُفطِّر الصائم؛ لأنها ليست أكلاً ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب فلا يثبت لها حكمهما (¬1). ¬
* وأما قطرة العين، والأذن، والكحل، فلا تفطر الصائم في أصح قولي العلماء (¬1)؛ لأنها ليست غذاء، ولا بمعنى الغذاء، وليست العين، والأذن من منافذ الطعام ولا الشراب، ولكن استعمال: قطرة العين وقطرة الأذن، والكحل في الليل أفضل خروجاً من الخلاف، ولا يجب ذلك (¬2) ولكن هذا هو الأحوط (¬3) والله تعالى أعلم. ¬
* وأما بخاخ الربو، فلا يفطر؛ لأنه لا يشبه الأكل والشرب فأشبه سحب الدم للتحليل والإبر غير المغذية، فحكمه للصائم الإباحة إذا اضطر الصائم إلى ذلك؛ لقول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (¬1) (¬2)، فلا بأس باستخدام الصائم لهذا الغاز؛ لأنه عبارة عن غاز لا يثبت ولا يبقى؛ فهو لا يفطر؛ لأنه: ليس أكلاً، ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب؛ ولأن هذا البخاخ لا يصل ¬
إلى المعدة، وإنما يصل إلى القصبات الهوائية (¬1) والله تعالى أعلم (¬2). (¬3). ¬
النوع الخامس: إخراج الدم بالحجامة يفطر به الصائم
النوع الخامس: إخراج الدم بالحجامة يُفْطِر به الصائم؛ لحديث شداد بن أوس - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم، وهو آخذ بيَدي، لثمان عشرة خلت من رمضان فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) (¬1)؛ ولحديث ثوبان - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفطر الحاجم ¬
والمحجوم)) (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) (¬2)؛ ولحديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) (¬3)، وقد ذكر الترمذي رحمه الله أن حديث ((أفطر الحاجم المحجوم)) رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد عشر صحابياً (¬4)، والإفطار بالجحامة: مذهب الإمام أحمد، وأكثر فقهاء الحديث (¬5). ¬
وهو الراجح من أقوال أهل العلم (¬1)، والقول بإفطار الصائم ¬
بالحجامة قال به المحققون، كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (¬1)، ¬
وتلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله (¬1)، وفقهاء المحدثين (¬2) ومن المعاصرين شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله (¬3)،والعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (¬4)، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (¬5). وفي معنى إخراج الدم بالحجامة: إخراجه بالفصد ونحوه، مما يؤثر على البدن تأثير الحجامة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أثناء ذكره لأقوال أهل العلم في الفطر بالحجامة: (( .... والرابع وهو الصواب واختاره أبو المظفر ابن هبيرة الوزير العالم العادل، وغيره: أنه يفطر بالحجامة والفصاد ونحوهما، وذلك؛ لأن المعنى الموجود في الحجامة موجود في الفصاد شرعاً وطبعاً)) (¬6)، وعلى هذا فلا يجوز للصائم صوماً واجباً أن يتبرَّع بإخراج دمه، إلا أن يوجد مضطر له لا تُدفع ضرورته إلا به، ولا ضرر على الصائم بسحب الدم منه، فيجوز للضرورة، ويفطر به الصائم المتبرع ويقضي يوماً مكانه. وأما خروج الدم بالرعاف، أو السعال، أو الباسور، أو قلع السن، أو شق الجرح، أو غرز الإبرة، أو ¬
النوع السادس: الاستقاء عمدا
سحب بعض الدم للتحليل، ونحوها، فلا يفطر؛ لأنه ليس بحجامة، ولا بمعناها؛ لأنه لا يؤثر في البدن كتأثير الحجامة، والله تعالى أعلم (¬1). النوع السادس: الاستقاء عمداً، فالتقيؤ عمداً يفطر به الصائم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((من ذرعه القيء (¬2) فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء)) وهذا لفظ ابن ماجه، ولفظ الترمذي: ((من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقى عمداً فليقضِ))، ولفظ أبي داود: ((من ذرعه قيء وهو صائم؛ فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقضِ)) (¬3). قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أنه لا شيء على الصائم إذا ذرعه القيء))، وقال: ((وأجمعوا على إبطال صوم من استقى عامداً)) (¬4)، وقال الإمام ابن قدامة: ((معنى استقاء: تقيأ مستدعياً للقيء، وذرعه: خرج من غير اختيار منه، فمن استقاء فعليه القضاء؛ لأن صومه ¬
يفسد به، ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه، وهذا قول عامة أهل العلم، قال الخطابي: لا أعلم بين أهل العلم فيه (¬1) اختلافاً)) (¬2). ويفطر إذا تعمد القيء: إما بالفعل، كعصر بطنه، أو غمز حلقه، أو بالشم، مثل: أن يشم شيئاً؛ ليقيء به، أو بالنظر: كأن يتعمَّد النظر إلى شيء يقيء به، فيفطر بذلك كله، وعليه القضاء. أما إذا حصل القيء منه بدون سبب منه؛ فإنه لا يضره، وإذا راجت معدتُهُ لم يلزمه منع القيء؛ لأن ذلك يضره ولكن يتركه، فلا يحاول القيء ولا منعه، ولا قضاء عليه إن غلبه (¬3). وهكذا القلس (¬4) إذا خرج من حلقه ثم عاد بغير اختياره، لا يفطر، وإذا ابتلعه عمداً، فإنه يفطره، أما إذا خرج إلى الحلق بغير قصدٍ منه، فإنه يلفظه ببزقه له، ولا يضرّه، ولله الحمد (¬5). ¬
النوع السابع: خروج دم الحيض والنفاس
النوع السابع: خروج دم الحيض والنفاس، فإذا رأت المرأة دم الحيض، أو دم النفاس فسد صومها وأفطرت، سواء في أول النهار، أو آخره، ولو قبل الغروب بلحظة؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تَصُمْ؟)) (¬1). وإن أحست الحائض بانتقال الدم أو ألمه، ولكنه لم يخرج ولم يبرز إلا بعد غروب الشمس فصومها صحيح (¬2). والحائض والنفساء تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كُنَّا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)) (¬3)،وعن معاذة أنها قالت لعائشة رضي الله عنها: أتجزئ إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت: أحرورية أنت (¬4)؟ قد كنا نحيض مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله)).وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ لمسلم: عن معاذة قالت سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: ¬
النوع الثامن: نية الإفطار
أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، فقالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (¬1))) النوع الثامن: نية الإفطار، فمن نوى الإفطار فقد أفطر؛ لأن النية أحد ركني الصيام، فإذا نوى الفطر فسد صومه؛ لأنه قطع النية؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)) (¬2) فما دام يستصحب النية في الصوم فهو صائم، وإذا نوى الإفطار فقد قطع النية فأفطر بذلك، كما لو نوى قطع الصلاة؛ فإنها تنقطع الصلاة (¬3). والله تعالى اعلم (¬4). وهذا في صوم الفرض، فأما صوم النافلة، فإنه كذلك إن نوى الفطر ¬
أفطر وإن عاد فنوى الصوم صح صومه، كما لو أصبح غيرناوٍ للصيام؛ ثم نوى الصيام؛ لأن نية الفطر إنما أبطلت الفرض؛ لما فيه من قطع النية المشترطة في جميع النهار حكماً (¬1)، وخُلوِّ بعض أجزاء النهار عنها (¬2)، ولكن تقدم أن المنصوص عن الإمام أحمد أن ثواب صوم التطوع يبدأ من النية (¬3)،وينبغي للصائم أن لا يتردَّد في نية الصوم بل يكون بنية جازمة (¬4). ¬
النوع التاسع: الردة عن الإسلام
النوع التاسع: الرِّدَّة عن الإسلام، فمن ارتدَّ عن الإسلام بقولٍ أو فعلٍ، أو اعتقادٍ، أو شكٍّ، أو أتى بناقضٍ من نواقض الإسلام، فقد أبطل صومه، بل أبطل جميع أعماله الصالحة؛ لقول الله - عز وجل -: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (¬1)، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم بين أهل ¬
العلم خلافاً في أنَّ من ارتدَّ عن الإسلام في أثناء الصوم أنه يفسد صومه ... ، وذلك؛ لأن الصوم عبادة من شرطها النية، فأبطلتها الردة، كالصلاة والحج؛ ولأنه عبادة محضة فنافاها الكفر، كالصلاة)) (¬1) والمرتدُّ يُستتاب فإن تاب وإلا قتله الحاكم. ¬
المبحث الثالث عشر: شروط المفطرات
المبحث الثالث عشر: شروط المفطرات يشترط للمفطرات ما عدا الحيض والنفاس ثلاثة شروط؛ فإذا لم توجد فلا تفطر هذه المفطرات، قال العلامة محمد بن مفلح المقدسي رحمه الله بعد أن ذكر جملة من المفطرات: (( ... وإنما يفطر بجميع ما سبق إذا فَعَلَهُ عامداً، ذاكراً لصومه، مختاراً)) (¬1)،والشروط باختصار على النحو الآتي: الشرط الأول: أن يكون الصائم عالماً بالحكم، والعلم: لغة نقيض الجهل، وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً، وقال الشوكاني رحمه الله: ((العلم: هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً)) فإن كان جاهلاً لم يفطر؛ لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال الله تعالى: ((قد فعلت)) (¬2)، وقال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} (¬3). الشرط الثاني: أن يكون ذاكراً، فإن كان ناسياً فصيامه صحيح، ولا قضاء عليه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نسي ¬
الشرط الثالث: أن يكون مختارا
وهو صائم فأكل أو شرب فليتمَّ صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)) (¬1)، فَأَمْر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإتمامه صومه دليل على صحته، ونسبة إطعام الناسي وسَقْيه إلى الله، دليل على عدم المؤاخذة عليه (¬2). قال البخاري رحمه الله: ((وقال عطاء: إن استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس به إن لم يملك، وقال الحسن: إن دخل حلقه الذباب فلا شيء عليه، وقال الحسن ومجاهد: إن جامع ناسياً فلا شيء عليه)) (¬3)،وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((لو نسي فجامع فلا شيء عليه على الصحيح)) (¬4). لكن متى ذكر أو ذُكِّر وجب عليه أن يُمسك، ويلفظ ما في فمه إن كان فيه شيء؛ لزوال عذره حينئذٍ. ويجب على من رأى صائماً يأكل أو يشرب أن ينبهه (¬5)؛ لقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} (¬6). الشرط الثالث: أن يكون مختاراً، فيتناول المفطر باختياره وإرادته، ¬
فإن كان مُكرهاً فصيامه صحيح ولا قضاء عليه ولا كفارة؛ لأن الله تعالى رفع الحكم عمن كفر مُكرهاً وقلبه مُطمئنٌّ بالإيمان، فقال تعالى: {مَن كَفَرَ بِالله مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} (¬1) وإذا رفع الله حكم الكفر عمن أُكره عليه فما دونه أولى؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)) (¬2). فلو أُكره الصائم على الإفطار فأفطر، أو أَكره الرجل زوجته على الوطء وهي صائمة وألجأها إلى ذلك بالقوة، فصيامها صحيح ولا قضاء عليها ولا كفارة كما تقدم. ولو طار إلى جوف الصائم غبار، أو دخل في حلقه أو جوفه شيء بغير اختياره، أو تمضمض أو استنشق فنزل إلى جوفه شيء من الماء بغير اختياره، فصيامه صحيح ولا قضاء عليه (¬3)، أو احتلم الصائم أثناء نومه فأنزل أو لم ينزل فلا قضاء عليه ولا كفارة؛ لأن ذلك بغير اختياره. ¬
المبحث الرابع عشر: آداب الصيام الواجبة
المبحث الرابع عشر: آداب الصيام الواجبة الواجب: هو ما يُثاب فاعله ويستحق العقاب تاركه، والصيام له آداب واجبة، لا بدَّ للصائم من المحافظة عليها سواء كانت من العبادات القولية أو الفعلية، فيجب على الصائم أن يلتزم بجميع الواجبات في الصيام وغيره، وفي الحضر والسفر، ولا يترك واجباً أوجبه الله تعالى، وأعظم الواجبات وأهم المهمات بعد الشهادتين الصلاة المفروضة، وهي وإن كانت واجبة في الصيام وفي غيره من الأوقات إلا أن بعض الصائمين يتساهل بها ويظن أن ذلك لا يؤثر على دينه وصيامه. وبعض الصائمين ينام عن الصلاة متعمداً ولا يُصلِّيها إذا استيقظ لتهاونه بشأنها، وبعضهم يسهر الأوقات الطويلة خاصة في ليالي شهر رمضان، فإذا لم يبقَ من طلوع الفجر إلا الوقت القليل نام عن صلاة الفجر، وربما لا يستيقظ إلا بعد غروب الشمس عند الإفطار، ثم ينشغل بالإفطار ويترك المغرب والعشاء كذلك. وبعض الصائمين يصلي، ولكنه لا يصلي مع جماعة المسلمين. فأما من ترك الصلاة مطلقاً متهاوناً بشأنها فجميع أعماله مردودة غير مقبولة؛ لأنه على الصحيح بتركه للصلاة متعمداً يكفر بذلك، ولا يُقبل منه صيام ولا غيره؛ لقول الله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون} (¬1)، ولقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ ¬
أولا: حكم تارك الصلاة
عَمَلُكَ} (¬1)، وتارك الصلاة كالمشرك كما سيأتي في الأدلة الآتية قريباً؛ لقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} (¬2). وأما ترك صلاة الجماعة، فهو ذنب عظيم؛ لأنه ترك واجباً أوجبه الله تعالى عليه. وسأقتصر في هذا المبحث على حكم من ترك الصلاة، وحكم صلاة الجماعة بالأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة - رضي الله عنهم - على النحو الآتي: أولاً: حكم تارك الصلاة ترك الصلاة المفروضة كفر، فمن تركها جاحدًا لوجوبها كفر كفرًا أكبر بإجماع أهل العلم، ولو صلَّى (¬3)،أما من ترك الصلاة بالكلّيّة، وهو يعتقد وجوبها ولا يجحدها، فإنه يكفر، والصحيح من أقوال أهل العلم أن كفره أكبر يُخرج من الإسلام؛ لأدلة كثيرة منها على سبيل الاختصار ما يأتي: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} (¬4)، وهذا يدل على أن تارك الصلاة مع الكفار ¬
والمنافقين الذين تبقى ظهورهم إذا سجد المسلمون قائمة، ولو كانوا من المسلمين لأُذِنَ لهم بالسجود كما أُذِنَ للمسلمين. 2 - وقال - سبحانه وتعالى -: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} (¬1). فتارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} (¬2). 3 - وقال الله - عز وجل -: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (¬3). فعلّق أخوَّتهم للمؤمنين بفعل الصلاة. 4 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) (¬4). 5 - وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)) (¬5). ¬
6 - وعن عبد الله بن شقيق - رضي الله عنه - قال: ((كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة)) (¬1). 7 - وقد حكى إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة غير واحد من أهل العلم (¬2). 8 - وذكر الإمام ابن تيمية أن تارك الصلاة يكفر الكفر الأكبر لعشرة وجوه (¬3). 9 - وأورد الإمام ابن القيم - رحمه الله - أكثر من اثنين وعشرين دليلاً على كفر تارك الصلاة الكفر الأكبر (¬4). والصواب الذي لا شك فيه، أن تارك الصلاة مطلقًا كافر لهذه الأدلة الصريحة (¬5). 10 - قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: ((وقد دلّ على كفر تارك ¬
ثانيا: حكم صلاة الجماعة:
الصلاة: الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة)) (¬1). وهذا كله يُبين أن تارك الصلاة متعمداً متهاوناً يكفر، ولا يقبل منه صيام ولا غيره من العبادات، نعوذ بالله من غضبه. ثانياً: حكم صلاة الجماعة: صلاة الجماعة فرض عين على الرجال المكلَّفين القادرين، حضراً وسفراً، للصلوات الخمس (¬2)؛ لأدلة صريحة كثيرة من الكتاب والسنة الصحيحة، ¬
1 - أمر الله تعالى حال الخوف بالصلاة جماعة
والآثار، ومنها ما يأتي: 1 - أمر الله تعالى حال الخوف بالصلاة جماعة فقال: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} (¬1)، فالله - عز وجل - أمر بالصلاة في الجماعة في شدة الخوف، ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية، فلو كانت الجماعة سُنَّة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية لأسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، فدّل ذلك على أن الجماعة فرض على الأعيان. 2 - أمر الله - عز وجل - بالصلاة مع المصلين فقال: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} (¬2)، فقد أمر الله - عز وجل - بالصلاة مع جماعة المصلين، والأمر يقتضي الوجوب. 3 - عاقب الله من لم يُجب المؤذن فيصلي مع الجماعة بأن حال بينهم وبين السجود يوم القيامة، قال - عز وجل -: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا ¬
4 - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة مع الجماعة
يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} (¬1). فقد عاقب سبحانه من لم يجب الداعي إلى الصلاة مع الجماعة بأن حال بينه وبين السجود يوم القيامة، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً)).وفي لفظ: (( .. فيُكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه .. )) (¬2). وهذا فيه عقوبة للمنافقين وأن ظهورهم يوم القيامة تكون طبقاً واحداً: أي فقار الظهر كله يكون كالفقارة الواحدة، فلا يقدرون على السجود (¬3). 4 - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة مع الجماعة، فعن مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة - وكان رحيماً رفيقاً- فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال: ((ارجعوا فكونوا فيهم، وعلِّموهم، وصلُّوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم)) (¬4). ¬
5 - هم النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريق البيوت على المتخلفين عن صلاة الجماعة
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بصلاة الجماعة، والأمر يقتضي الوجوب. 5 - همّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريق البيوت على المتخلفين عن صلاة الجماعة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد ناساً في بعض الصلوات فقال: ((لقد هممتُ أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أُخالِفَ (¬1) إلى رجالٍ يتخلَّفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم، ولو عَلِمَ أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها)). وهذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري: ((والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمر بحطب ليحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذّن لها، ثم آمر رجلاً فيؤمُّ الناس، ثم أخالف إلى رجالٍ فأحرِّق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً (¬2)، أو مرماتين حسنتين (¬3) لشهد العشاء)). وفي لفظ لمسلم: ((إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً (¬4)، ولقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة، ¬
6 - لم يرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعمى بعيد الدار في التخلف عن الجماعة
فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (¬1). وفي هذا الحديث دلالة على أن صلاة الجماعة فرض عين (¬2). 6 - لم يرخّص النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعمى بعيد الدار في التخلف عن الجماعة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له؛ فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟)) فقال: نعم، قال: ((فأجب)) (¬3). وعن ابن أم مكتوم - رضي الله عنه - أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني رجل ضرير البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: ((هل تسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((لا أجد لك رخصة)) (¬4). وفي لفظ أنه قال: يا رسول الله، إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أتسمع حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح؟ فحي هلا (¬5))) (¬6). ¬
7 - بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له
وهذا يُصَرِّح فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا رخصة للمسلم في التخلف عن صلاة الجماعة إذا سمع النداء، ولو كان مُخَيَّراً بين أن يصلي وحده أو جماعة، لكان أولى الناس بهذا التخيير هذا الأعمى الذي قد اجتمع له ستة أعذار: كونه أعمى البصر، وبعيد الدار، والمدينة كثيرة الهوام والسباع، وليس له قائد يلائمه، وكبير السن، وكثرة النخل والشجر بينه وبين المسجد (¬1). 7 - بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهماعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاةَ له إلا من عُذرٍ)) (¬2). وهذا يدل على أن صلاة الجماعة فرض عين، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله- يقول: ((معنى لا صلاة له: أي لا صلاة كاملة بل ناقصة، والجمهور على الإجزاء ... )) (¬3). 8 - تركُ صلاة الجماعة من علامات المنافقين ومن أسباب الضلال؛ لقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((لقد رأيتُنا وما يتخلَّف عن الصلاة إلا منافق قد ¬
عُلِم نفاقه، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمنا سنن الهُدى، وإنَّ من سنن الهُدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه)). وفي رواية: أن عبد الله قال: ((من سرَّه أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيثُ يُنادَى بهِنَّ؛ فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى (¬1)،وإنهنَّ من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم (¬2)، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجدٍ من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين (¬3) حتى يقام في الصف)) (¬4). وهذا يدل على أن التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم نفاقهم، وعلامات النفاق لا تكون بترك مستحب، ولا بفعل مكروه، ومعلوم أن من استقرأ علامات النفاق في السنة وجدها إما بترك فريضة، أو ¬
فعل محرم (¬1)،وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة، وتحمل المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن للمنافقين علامات يُعرَفون بها: تحيتهم لعنةٌ، وطعامهم نُهبة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد إلا هَجْراً (¬3)، ولا يأتون الصلاة إلا دَبْراً (¬4) مستكبرين، لا يألفون ولا يُؤلفون، خُشُبٌ (¬5) بالليل، صُخُبٌ بالنهار)) (¬6). وفي لفظ: ((سُخُبٌ بالنهار)) (¬7). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء وصلاة الفجر أسأنا به الظن)) (¬8).وفي رواية عنه - رضي الله عنه -: ((كنا إذا فقدنا الرجل في ¬
9 - تارك صلاة الجماعة متوعد بالختم على قلبه
صلاة الغداة أسأنا به الظن)) (¬1). 9 - تارك صلاة الجماعة متوعد بالختم على قلبه؛ لحديث ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - أنهما سمعا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواده (¬2): ((لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم (¬3) الجماعات أو ليختمنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكوننَّ من الغافلين)) (¬4). وهذا التهديد لا يكون إلا على ترك واجب عظيم. 10 - استحواذ الشيطان على قوم لا تقام فيهم الجماعة؛ لحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من ثلاثة في قرية، ولا بدوٍ لا تقام فيهم الصلاة (¬5) إلا قد استحوذ عليهم الشيطان (¬6)، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)) (¬7). قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة (¬8)، فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬
11 - تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي صلاة الجماعة
باستحواذ الشيطان عليهم بترك الجماعة التي شعارها الأذان، وإقامة الصلاة، ولو كانت الجماعة ندباً يخير الرجل بين فعلها وتركها لما استحوذ الشيطان على تاركها وتارك شعارها (¬1). 11 - تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي صلاة الجماعة؛ لحديث أبي الشعثاء قال: كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة - رضي الله عنه - فَأَذَّن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: ((أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). فقد جعله أبو هريرة - رضي الله عنه - عاصياً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخروجه بعد الأذان؛ لتركه الصلاة جماعة (¬3). قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى-: ((فيه كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر والله أعلم)) (¬4). وقد جاء النهي صريحاً، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي)) (¬5). وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا ¬
12 - تفقد النبي - صلى الله عليه وسلم - للجماعة في المسجد يدل على وجوب صلاة الجماعة
لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق)) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله- يذكر أنه لا يجوز الخروج من المسجد الذي أُذِّن فيه، إلا لعذر: كأن يريد الوضوء أو يصلي في مسجد آخر. قلت: قال الترمذي - رحمه الله-: ((وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن بعدهم، أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر، أو يكون على غير وضوء، أو أمرٌ لا بد منه)) (¬2). وذكر المباركفوري - رحمه الله-: أن الحديث يدل على أنه لا يجوز الخروج من المسجد، بعدما أُذِّن فيه، إلا للضرورة، كمن كان جنباً، أو عليه حدث أصغر، أو الذي حصل له رعاف، أو الحاقن، ونحوهم، وكذا من يكون إماماً لمسجد آخر، ومن في معناه (¬3). 12 - تفقد النبي - صلى الله عليه وسلم - للجماعة في المسجد يدل على وجوب صلاة الجماعة؛ لحديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً الصبح، فقال: ((أشاهد فلان؟)) قالوا: لا، قال: ((أشاهد فلان؟)) قالوا: لا، قال: ((إن هاتين الصلاتين (¬4) أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما، ¬
13 - إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - على وجوب صلاة الجماعة
لأتيتموها ولو حبواً على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى)) (¬1). 13 - إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - على وجوب صلاة الجماعة؛ فقد ذكر الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى- إجماع الصحابة على وجوب صلاة الجماعة، وذكر نصوصهم في ذلك، ثم قال: ((فهذه نصوص الصحابة كما تراها: صحةً، وشهرةً، وانتشاراً، ولم يجئ عن صحابي واحد خلاف ذلك، وكل من هذه الآثار دليل مستقل في المسألة، لو كان وحده، فكيف إذا تعاضدت وتظافرت، وبالله التوفيق)) (¬2). وقال الترمذي - رحمه الله-: ((وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له)) (¬3). وقال بعض أهل العلم: هذا على التغليظ والتشديد ولا رخصة لأحد في ترك الجماعة إلا من عذر)) (¬4). وقال مجاهد: ((وسئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل، ولا ¬
يشهد جمعة ولا جماعة؟ قال: هو في النار)) (¬1). قال الترمذي - رحمه الله-: ((ومعنى الحديث: أن لا يشهد الجماعة والجمعة رغبة عنها، واستخفافاً بحقها، وتهاوناً بها)) (¬2). ومن الصائمين من ينام عن الصلاة في وقتها، وهذا من أعظم المنكرات، وأشد الإضاعة للصلوات، وخاصة إذا كان متعمداً، حتى قال كثير من العلماء: ((إن من أخّر الصلاة عن وقتها بدون عذر شرعي لم تقبل منه ولو صلى مائة صلاة)) (¬3)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ)) (¬4)، والصلاة بعد خروج وقتها ليس عليها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتكون مردودة غير مقبولة (¬5). ¬
المبحث الخامس عشر: الصيام في بلاد يطول فيها النهار
المبحث الخامس عشر: الصيام في بلاد يطول فيها النهار مَنْ عندهم ليل ونهار في ظرف أربع وعشرين ساعة فإنهم يصومون نهاره سواء كان قصيراً أو طويلاً، ويكفيهم ذلك والحمد لله، ولو كان النهار قصيراً. أما من طال النهار عندهم والليل أكثر من ذلك كستة أشهر، فإنهم يُقدِّرون للصيام وللصلاة قدرهما كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك في يوم الدجال الذي كسنة، وهكذا يومه الذي كشهر أو كأسبوع، يقدر للصلاة قدرها في ذلك (¬1). وقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في هذه المسألة، وأصدر القرار رقم 61 وتاريخ 12/ 4/ 1398هـ، ونصه ما يلي: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد: فقد عُرض على مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الثانية عشرة المنعقدة بالرياض في الأيام الأولى من شهر ربيع الآخر عام 1398هـ كتاب معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة رقم 555 وتاريخ 16/ 1/1398هـ المتضمن ما جاء في خطاب رئيس رابطة الجمعيات الإسلامية في مدينة (مالمو) بالسويد الذي يفيد فيه بأن الدول ¬
أولا: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جدا في الصيف
الإسكندنافية يطول فيها النهار في الصيف ويقصر في الشتاء نظراً لوضعها الجغرافي، كما أن المناطق الشمالية منها لا تغيب عنها الشمس إطلاقاً في الصيف، وعكسه في الشتاء، ويسأل المسلمون عن كيفية الإفطار والإمساك في رمضان؟ وكذلك كيفيَّة ضبط أوقات الصلوات في هذه البلدان؟. ويرجو معاليه إصدار فتوى في ذلك ليزودهم بها. ا. هـ. وعُرض على المجلس أيضاً ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ونقول أخرى للفقهاء في الموضوع، وبعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي: أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف، ويقصر في الشتاء، وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً؛ لعموم قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (¬1)؛ وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (¬2)؛ولما ثبت عن بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة، فقال له: ((صلِّ مَعَنا هذين)) يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ¬
ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، فَأبْرَدَ بِهَا فَأَنْعَمَ أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة أخّرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: ((أين السائل عن وقت الصلاة؟))، فقال الرجل: أنا يا رسول الله. قال: ((وقت صلاتكم بين ما رأيتم)) (¬1). رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس، فأمسك عن الصلاة؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان)) (¬2). أخرجه مسلم في صحيحه. إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً، ولم تفرِّقْ بين طول النهار وقصره، وطول الليل وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬
ثانيا: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفا
هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة. ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال الله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} (¬1)، ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات والتجربة، أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء. قال تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬2)، وقال الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬3)، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬4). ثانياً: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً، ولا تطلع ¬
فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها، ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلادٍ إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها عن بعض؛ ما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة، فلم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل ربَّه التخفيف حتى قال: ((يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ... )) (¬1) إلى آخره؛ ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خمس صلوات في اليوم والليلة))،فقال: هل عليَّ غيرهن. فقال: ((لا، إلاّ أن تطوَّع ... )) (¬2). الحديث. ولما ثبت من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ((نُهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك؟ قال: ((صدق)) إلى أن قال: ¬
وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: ((صدق))، قال: فبالذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم ... )) (¬1). وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدّث أصحابه عن المسيح الدجال، فقالوا: ما لبثه في الأرض؟ قال: ((أربعون يوماً: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم))، فقيل: يا رسول الله! اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: ((لا، اقدروا له قدره)) (¬2)، فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، فيجب على المسلمين في البلاد المسؤول عن تحديد أوقات الصلاة فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلادٍ إليهم يتمايز فيها الليل من النهار، وتُعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة. وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان، وعليهم أن يقدروا لصيامهم، فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته، وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب البلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار، ويكون مجموعهما أربعاً وعشرين ساعة؛ لما ¬
تقدم في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المسيح الدجال، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه؛ إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة. والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه. هيئة كبار العلماء (¬1). رئيس الدورة عبد العزيز بن صالح عبد الله خياط ... عبد الله بن حميد ... عبد العزيز بن باز عبد المجيد حسن ... محمد الحركان ... عبد الرزاق عفيفي محمد بن جبير ... إبراهيم بن محمد آل الشيخ ... سليمان بن عبيد عبد الله بن غديان ... صالح بن غصون ... راشد بن خنين عبد الله بن قعود ... عبد الله بن منيع ... صالح بن لحيدان ¬
المبحث السادس عشر: محرمات الصيام
المبحث السادس عشر: محرمات الصيام المحرَّم: هو ما يستحق العقاب فاعله، ويُثاب تاركُه. والصائم يحرم عليه أن يفعل شيئاً حرمه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، والمحرمات على الصائم نوعان: النوع الأول: أنواع المفطرات، التي ذُكِرت، وأنها تُفطر الصائم: من الأكل، والشرب، والجماع، وإنزال المني باختياره، والحجامة، والتقيؤ عمداً، وتناول ما يقوم مقام الغذاء، ونية الإفطار في صيام الفرض بدون عذر شرعي، وغيرها من المفطرات، فيحرم على الصائم صيام الفرض: كصوم رمضان، والكفارات، والنذور، أن يتناول شيئاً من هذه المفطرات، إلا أن يكون له عذر يبيح الفطر؛ لأن من تلبَّس بواجبٍ لزمه إتمامه إلا لعذر شرعي صحيح، ثم إن كان في شهر رمضان وفعل شيئاً من هذه المفطرات بدون عذر أثم إثماً عظيماً ويلزمه ويجب عليه الإمساك بقية اليوم، والقضاء، وعليه أن يتوب ويستغفر الله، وعليه الكفارة إذا كان ما أفطر عليه هو الجماع في نهار رمضان، فإن كان صيام الفرض غير رمضان: صيام الكفارات، أو قضاء رمضان، أو صيام النذر؛ فإنه يلزمه القضاء دون الإمساك، وعليه التوبة إلى الله تعالى والاستغفار؛ لأن من تناول المفطر بدون عذر في صيام الفرض قد ورد فيه الوعيد الشديد، فعن أبي أمامة - رضي الله عنه -، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((بينا أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعيَّ (¬1) ¬
النوع الثاني: جميع المحرمات في رمضان وغيره
فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهِّله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل (¬1) إذا بأصواتٍ شديدةٍ، فقلت: ما هذه الأصوات؛ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلَّقين بعراقيبهم (¬2) مشقَّقة أشداقهم (¬3) تسيل أشداقهم دماً، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّةِ صومهم (¬4) ... )) الحديث (¬5). وهذا وعيدٌ شديدٌ لمن أفطر في رمضان بغير عذر. النوع الثاني: جميع المحرمات في رمضان وغيره، فيجب على الصائم أن يجتنب جميع ما حرَّم الله عليه من الأقوال والأفعال، ويحرم عليه أن يفعل شيئاً من ذلك، سواء كان في أثناء الصيام أو في غيره، والمحرمات كثيرة يجب اجتنابها في جميع الأوقات: في رمضان وفي غيره، ولكن الصائم إذا ¬
1 - الكذب: وهو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو
فعلها دلَّ ذلك على فساد قلبه وضعف عقله؛ لأنه لم يستطع تركها حتى وهو صائم، وإلاَّ فالمحرمات يجب اجتنابها في كل وقت وفي كل لحظة، طاعةً لله تعالى، ورغبةً في ثوابه، وخوفاً من عقابه، ومن هذه المحرمات على سبيل الإيجاز ما يأتي: 1 - الكذب: وهو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عمدت ذلك أم جهلته، لكن لا يأثم في الجهل والسهو وإنما يأثم في العمد (¬1). وأعظم الكذب وأقبحه الكذب على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُون} (¬2) وقال سبحانه: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى الله الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون} (¬3)، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُون} (¬4)، والآيات في تحريم الكذب على الله ورسوله كثيرة (¬5). ¬
وأما الأحاديث فكثيرة جداً أقتصر على حديثين منها: فعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحدٍ، فمن كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوَّأْ مقعدَه من النار)) (¬1). قال الإمام مسلم رحمه الله: وفي الأثر المشهور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من حدَّث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) (¬2). والكذب على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فاحشة عظيمة وذنب كبير، وموبقة كبيرة (¬3). والكذب عموماً على غير الله ورسوله قد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على تحريمه في الجملة، وهو من قبائح الذنوب، وفواحش العيوب، وإجماع الأمة منعقد على تحريمه مع النصوص المتظاهرة (¬4)، ويكفي في تحريمه والتنفير منه (¬5) قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((آية المنافق ثلاث: إذا ¬
ولا يجوز الكذب إلا في ثلاث حالات:
حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائْتُمِنَ خان)) (¬1)، وقد قال الله تعالى: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ الله عَلَى الْكَاذِبِين} (¬2). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صدِّيقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذَّاباً))، وفي رواية لمسلم: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرَّى الصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يكتب عند الله كذَّاباً)) (¬3). ولا يجوز الكذب إلا في ثلاث حالات: الحالة الأولى: في الحرب؛ لحديث: ((الحرب خَُدْعة)) (¬4). ¬
الحالة الثانية: الإصلاح بين الناس
الحالة الثانية: الإصلاح بين الناس؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الكذَّاب الذي يصلح بين الناس فَيَنْمِي خيراً أو يقول خيراً)) (¬1). الحالة الثالثة: وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها عند المصلحة، وقد دل على هذه الخصال الثلاث، حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها في رواية مسلم: ((ليس الكذَّاب الذي يصلح بين الناس فَيَنْمِي خيراً أو يقول خيراً)) قال ابن شهاب: ((ولم أسمع يُرخَّص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاثٍ: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها)). وفي رواية لمسلم أيضاً قالت أم كلثوم: ((ولم أسمعه يرخِّصُ في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث، بمثل ما جعله يونس من قول ابن شهاب)) (¬2). 2 - قول الزور وشهادة الزور، والزور كلمة عامة يدخل فيه: الكذب، والباطل، والتهمة، وشهادة الزور، والأصل في الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يُخيَّل إلى من يسمعه أو يراه أنه خلاف ما هو به، قال الإمام الطبري رحمه الله: (( ... فإن كان ذلك كذلك فأولى الأقوال بالصواب ... أن يقال: إن الزور كل باطل سواء كان ذلك: ¬
3 - الغيبة، وهو ذكرك أخاك بما يكره في غيبته
شركاً، أو غناءً، أو كذباً، أو غيره، وكل ما لزمه: الزور؛ لأن الله عمَّ في وصفه عباد الرحمن أنهم لايشهدون الزور، فلا ينبغي أن يخصّ من ذلك شيئاً إلا بحجة)) (¬1). قال الله تعالى في صفات عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (¬2)، وقال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور} (¬3). فيجب على الصائم أن يجتنب قول الزور وشهادة الزور، والجهل والعمل به، ويحرم عليه أن يفعل شيئاً من ذلك، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من لم يدع قول الزور والعمل به [والجهل] فليس لله حاجةٌ [في] أن يدع طعامه وشرابه)) (¬4). والمراد بالزور: الكذب، والجهل، والسَّفَه، والعمل به: أي بمقتضاه (¬5). 3 - الغيبة، وهو ذكرك أخاك بما يكره في غَيبته، وقد عرّفها ¬
النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، قال الإمام النووي رحمه الله: ((الغيبة: ذكر المرء بما يكرهه، سواء كان ذلك في: بدن الشخص، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلْقِه، أو خُلُقِه، أو ماله، أو ولده، أو زوجه، أو خادمه، أو ثوبه، أو حركته، أو طلاقته، أو عبوسته أو غير ذلك، مما يتعلق به، سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز، ومن ذلك قول كثير من الفقهاء في التصانيف: قال بعض من يدَّعي العلم أو بعض من ينسب إلى الصلاح ... ممن يفهم السامع المراد منه ... ومنه قولهم عند ذكره: الله يعافينا، الله يتوب علينا، نسأل الله السلامة، فكل ذلك من الغيبة)) (¬1). والغيبة محرمة بإجماع المسلمين، وقد تظاهر على تحريمها الدلائل الصريحة من الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة (¬2) على الصائم وغيره. قال الله تعالى: {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيم} (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذكرك أخاك بما يكره)) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما ¬
وتباح الغيبة لغرض شرعي لستة أسباب:
تقول فقد بهته)) (¬1)،وقد جاءت الآيات الكثيرة، والأحاديث العديدة في تحريم الغيبة، والترهيب منها (¬2)،فيجب على الصائم أن يبتعد عن الغيبة وغيرها من آفات اللسان؛ فإن ((أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)) (¬3). وتباح الغيبة لغرض شرعي لستة أسباب: السبب الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان، أو القاضي، ويقول فلان فعل بي كذا وكذا. السبب الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب، فيقول: فلان يعمل كذا فأزجره عنه. السبب الثالث: الاستفتاء، كأن يقول للمفتي: ظلمني فلان، أو أبي أو غيره، فهل له ذلك؟ وما طريقتي في الخلاص منه؟ والأفضل: أن يقول: في رجل أو زوج أو ولد؟. السبب الرابع: تحذير المسلمين من الشر: كجرح المجروحين، والإخبار بالعيب عند المشاورة، والنصيحة للمسلمين وتحذيرهم من أهل البدع، وتحذير السلطان من تولية الفسقة والظلمة على المسلمين. السبب الخامس: أن يكون مجاهراً، بفسقه، أو بدعته فيجوز ذكره بما ¬
السبب السادس: التعريف
يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر. السبب السادس: التعريف، فإذا كان معروفاً بلقب، كالأعمش، والأعرج، والقصير، وغير ذلك جاز ذكره بذلك، ويحرم ذكره به تنقصاً، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى، والله أعلم (¬1). وقد جمع بعضهم هذه الأسباب الستة في قوله: القدح ليس بغيبة في ستة ... متظلِّمٍ، ومعرِّفٍ، ومُحذِّرِ ومجاهر فسقاً ومستفتٍ ... ومن طلب الإعانة في إزالة منكر (¬2) 4 - النميمة، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم (¬3). وهي من كبائر الذنوب، ومحرَّمةٌ بإجماع المسلمين، وقد تظاهر على تحريمها الدلائل الصريحة من الكتاب والسنة والإجماع (¬4). والنميمة تفسد بين الرجل وزوجه، وبين الرجل وأخيه، وهي تفسد أكثر مما يفسد السحر، وقد روى ابن عبد البر عن يحيى بن أبي كثير قال: ((يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة)) (¬5)،فظهر ¬
وينبغي أن يعمل من نقلت إليه نميمة بستة أمور
بذلك أنها من أنواع السحر؛ لأنها تشارك السحر في التفريق بين الناس وتغيير قلوب المتحابين، وتلقيح الشرور؛ ولهذا حذَّر الله منها فقال: {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِين* هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيم * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيم} (¬1). وحذَّر منها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لا يدخل الجنة نمّام))، وفي لفظ: ((لا يدخل الجنة قتات)) (¬2)، والنميمة جاءت فيها الأحاديث الكثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، وينبغي أن يعمل من نقلت إليه نميمة بستة أمور: الأمر الأول: أن لا يُصدَّق النمام؛ لأنه فاسق. الأمر الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه، ويقبح له فعله. الأمر الثالث: أن يبغضه في الله تعالى. الأمر الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء. الأمر الخامس: أن لا يحمله ما حُكي له على التجسس والبحث عن ذلك. الأمر السادس: لا يرضى لنفسه ما نهى عنه النمام، فلا يحكي نميمة عنه فيقول: فلان حكى كذا وكذا فيصير به نماماً، ويكون آتياً ما نهى عنه (¬4). 5 - يتجنب الغش، في جميع المعاملات: من بيع، وإجارة، وصناعة، ¬
6 - يتجنب المعازف وآلات اللهو والطرب
ورهن، وفي جميع الأعمال والأقوال، وفي جميع المناصحات والمشاورات؛ فإن الغش من كبائر الذنوب، وقد تبرَّأَ النبي - صلى الله عليه وسلم - من فاعله فقال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا)) (¬1)، وفي لفظ: ((من غش فليس مني)) (¬2). والغش: خديعة وخيانة، وضياع للأمانة، وفقد للثقة بين الناس، وكل كسب من الغش فإنه كسب خبيث، حرام لا يزيد صاحبه إلا بُعداً من الله تعالى (¬3). 6 - يتجنب المعازف وآلات اللهو والطرب؛ فإن المعازف هي آلات اللهو بجميع أنواعها: كالعود، والربابة، وغيرها من الأفلام، وما يعرض به الصور الخليعة، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِين} (¬4). وقد صح عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، أنه سُئل عن هذه الآية فقال: ((والله الذي لا إله غيره هو الغناء)) (¬5). ¬
7 - يجتنب الصائم جميع ما حرم الله تعالى في كل حال
وصح أيضاً عن ابن عباس، وابن عمر، وذكره ابن كثير عن جابر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد (¬1)، وقال الحسن: ((نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير)) (¬2). وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من المعازف، وقرنها بالزنا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليكونَنَّ من أمتي أقوامٌ يستحلِّون الِحرَ، والحرير، والخمر، والمعازف ... )) (¬3). والحِرُ: الفرج، والمراد به الزنا، ومعنى يستحلُّون: أي يفعلونها فعل المستحلِّ لها بدون مبالاة، وقد وقع في زمننا فكان من الناس من يستعمل هذه المعازف أو يستمعها كأنها شيء حلال، فاحذر يا عبد الله من نواقض الصوم ونواقصه (¬4). 7 - يجتنب الصائم جميع ما حرَّمَ الله تعالى في كل حال: فلا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك الشهوات: من الطعام والشراب، وسائر المفطرات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرمه في كل حال: من الكذب، والظلم، والعدوان على الناس في: دمائهم، وأموالهم، ¬
وأعراضهم، وترك اللغو، والرفث، وقول كل باطلٍ؛ ولهذا جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغوِ والرَّفث (¬1)، فإن سابَّك أحدٌ أو جهل عليك، فلتقل: إني صائم، إني صائم)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رُبَّ صائمٍ حظّه من صيامه الجوع والعطش، ورُبَّ قائمٍ حظّه من قيامه السهر))، وهذا لفظ ابن خزيمة، ولفظ الإمام أحمد: ((كم من صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، وكم قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر)) (¬3). وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: (( ... وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب (¬4)؛ فإن سابَّه أحد ¬
أو قاتله (¬1) فليقل: إني امرُؤٌ صائم ... )) (¬2). قال بعض السلف: ((أهون الصيام: ترك الطعام، والشراب)) (¬3)،وقال جابر - رضي الله عنه -: ((إذا صمت فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك، عن الكذب، والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء)) (¬4)، وقد أحسن القائل حين قال: إذا لم يكن في السمع مني تصاونٌ وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صَمتُ فحظِّي إذاً من صومي الجوعُ والظمأ فإن قلت إني صمت يومي فما صمتُ (¬5) قال ابن رجب رحمه الله: ((وسرُّ هذا أن التقرّب إلى الله تعالى بترك ¬
المباحات لايكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات، فمن ارتكب المحرّمات ثم تقرّب بترك المباحات كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرّب بالنوافل، وإن كان صومه مجزئاً عند الجمهور بحيث لايؤمر بإعادته؛ لأن العمل إنما يبطل بارتكاب ما نهي عنه فيه لخصوصه دون ارتكاب ما نُهي عنه لغير معنى يختص به، هذا هو أصلُ جمهور العلماء)) (¬1). ¬
المبحث السابع عشر: آداب الصيام المستحبة
المبحث السابع عشر: آداب الصيام المستحبة المستحب والمسنون: هو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه. والصوم له آداب مستحبة، يستحب للصائم المحافظة عليها، والعمل بها؛ ليحصل على الثواب الأكمل والأجر الأعظم في صيامه، وهذه الآداب على النحو الآتي: أولاً: السّحور ومشروعيته على النحو الآتي: 1 - مفهومه: السَّحور [بفتح السين]: ما يُتسَحَّرُ به، [وبضم السين] السُّحُور: الفعل نفسه (¬1)، وسُمِّي بذلك؛ لأنه يقع في السَّحَر (¬2)، وهو في الحقيقة: كل طعامٍ أو شرابٍ يَتَغَذَّى به آخر الليل في السحر من أراد الصيام (¬3). 2 - وقت السحور: يبدأ من السحر: وهو آخر الليل قُبيل الصبح، وجَمْعُ السَّحَر: أسحار، وقيل: السَّحَر من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر (¬4) فعلى هذا يكون وقت السحور من بداية ثلث الليل الآخر إلى ¬
3 - الإمساك عن السحور وجميع المفطرات
طلوع الفجر الثاني والأفضل تأخيره إلى قُبَيْل الفجر الثاني كما سيأتي. 3 - الإمساك عن السحور وجميع المفطرات يكون من طلوع الفجر الثاني؛ فإن الفجر فجران: فجر صادق، وفجر كاذب، فالفجر الصادق: هو المستطيل في الأفق، والفجر الكاذب: هو العمودي من جهة الأرض إلى جهة السماء، وهو كذنب الذئب، والفجر الأول هو الذي لايتبيَّن فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والخيط الأبيض: هو بياض النهار، والخيط الأسود: هو سواد الليل، كما قال الله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (¬1)، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيط الأبيض والأسود فقال: ((إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار)) (¬2). وقد كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - مؤذنان: المؤذن الأول بلال - رضي الله عنه - وكان يؤذن قبل طلوع الفجر الثاني بوقت يسير، والمؤذن الثاني ابن أمِّ مكتوم - رضي الله عنه -، وكان يؤذن بعد طلوع الفجر الثاني، فأذان بلال لإيقاظ النائم؛ وليرجع القائم وينتهي من صلاة الليل، وأذان ابن أمِّ مكتوم لتنبيه الناس بدخول الفجر الثاني فيمسكوا عن الطعام والشراب، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أمِّ ¬
مكتوم))،وكان رجلا أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت))،وفي رواية للبخاري: ((حتى يقول له الناس: أصبحت أصبحت))،وفي رواية لمسلم: ((ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا)) (¬1). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لايمنعنَّ أحدَكم - أو قال: أحداً منكم - أذان بلال [أو قال: نداء بلال] من سحوره؛ فإنه يؤذن - أو ينادي - بليل؛ ليرجع قائمكم، ولينبِّه نائمكم، وليس أن يقول الفجر أو الصبح - وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق، وطأطأ إلى أسفل - حتى يقول هكذا))، وقال زهير بسبَّابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم مدَّهما عن يمينه وشماله))، وفي رواية البخاري: ((ثم أظهر يزيد يديه ثم مدَّ إحداهما من الأخرى))، وفي لفظ مسلم: (( ... ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم))، وقال: ((ليس أن يقول هكذا وهكذا - وصوَّب يده ورفعها - حتى يقول هكذا وفرَّج بين أصبعيه))، وفي رواية لمسلم أيضاً قال: ((إن الفجر ليس الذي يقول هكذا - ووضع المسبِّحة على المسبِّحة ومدَّ يديه))، وفي رواية لمسلم أيضاً: ((ولكن يقول هكذا: يعني الفجر، وهو المعترض وليس بالمستطيل)) (¬2). ¬
وعن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يغرَّنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا))، وحكاه حماد بن زيد بيديه، قال: يعني معترضاً، وفي لفظ: ((لا يغرنَّكم أذان بلال ولا هذا البياض-العمودي الصبح-حتى يستطير (¬1) هكذا)) (¬2)، ولفظ الترمذي: ((لا يمنعنَّكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق)) (¬3)، وفي لفظ أبي داود: ((لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق - الذي هكذا - حتى يستطير)) (¬4)،وفي رواية النسائي: ((لايغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض حتى ينفجر الفجر هكذا))، وهكذا - يعني معترضاً))،قال أبو داود (¬5):وبسط يديه يميناً وشمالاً)) (¬6). ¬
وعن طلق بن علي - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلوا واشربوا، ولا يهدينّكم (¬1) الساطع المُصْعِد، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر)) (¬2). وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام وتحلُّ فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة ويحلُّ فيه الطعام)) (¬3). وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا تحلُّ الصلاة فيه ولا يحرم الطعام، وأما الذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنه يحلُّ الصلاة ويحرم الطعام)) (¬4)، والله ¬
4 - الحكمة من السحور
تعالى أعلم (¬1). 4 - الحكمة من السحور، فيه حكم عظيمة منها مخالفة أهل الكتاب؛ فإنهم لا يتسحرون؛ لحديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أَكلَةُ السَّحَر)) (¬2). قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((معناه: الفارق والمميِّز ما بين صيامنا وصيامهم السحور؛ فإنهم لا يتسحرون ونحن يستحبُّ لنا السحور، وأكلةُ (¬3) السحر: هي السحور)) (¬4). 5 - فضل السحور. السحور له فضائل على النحو الآتي: أ - السحور بركة؛ عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تسحَّروا فإن في السَّحور بركة)) (¬5). ¬
وعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يتسحَّر، فقال: ((إنها بركة أعطاكم الله إيَّاها فلا تدعوه)) (¬1). وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه -، قال: دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السحور في رمضان فقال: ((هَلُمَّ إلى الغداء المبارك)) (¬2). وعن المقدام بن مَعْدِيَكرِبَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((عليكم بغداء السحور؛ فإنه هو الغداء المبارك)) (¬3). وبركة السحور؛ لأنه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولأن المتسحِّر يتقوَّى به على طاعة الله تعالى؛ ولأن من قام للسحور يكون في السحر وهو وقت من أوقات الإجابة؛ ولأن فيه مخالفةً لأهل الكتاب؛ ولأن من تسحر في آخر الليل قبل الفجر يعينه ذلك على حضور صلاة الفجر مع الجماعة؛ ولأن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين؛ ولأن من تسحر امتثالاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - واقتداءً بفعله يكون عبادة لله تعالى؛ وكذلك إذا نوى بالسحور التقوي على عبادة الله كان السحور عبادة لله للصائم المتسحر له به أجر، ¬
ب- الله - عز وجل - وملائكته يصلون على المتسحرين
وغير ذلك من أنواع البركات. ب- الله - عز وجل - وملائكته يصلون على المتسحرين؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((السحور أكله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جُرعةً من ماء؛ فإن الله - عز وجل - وملائكته يصلون على المتسحرين)) (¬1). 6 - أفضل طعام السحور التمر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نِعْمَ سحورُ المؤمن التمرُ)) (¬2). 7 - حكم السحور: سنة مؤكدة، وليس بواجب، قال الإمام البخاري رحمه الله: ((باب بركة السحور من غير إيجاب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واصلوا ولم يذكر السحور (¬3)، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واصل فواصل الناس، فشقَّ عليهم، فنهاهم، قالوا: إنك تواصل، قال: ((لستُ كهيئتكم، إني أَظَلُّ أُطْعَمُ وأُسقَى)) (¬4). وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله: الإجماع على ندب السحور واستحبابه (¬5). ¬
8 - يحصل السحور ولو بالماء عند عدم الطعام
8 - يحصل السحور ولو بالماء عند عدم الطعام، ويحصل بالماء الأجر كذلك؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((السحور كلُّه بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جُرعة من ماء ... )) (¬1). ثانياً: تأخير السحور أفضل؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - أن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - حدَّثه ((أنهم تسحَّروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -،ثم قاموا إلى الصلاة، قلت: كم بينهما؟ قال: قَدْرُ خمسين أو ستين، يعني آية))،وفي رواية للبخاري، عن قتادة عن أنس بن مالك ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن ثابت تسحَّرا فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله إلى الصلاة فصليا))، [قال قتادة:] قلت لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قَدْرَ ما يقرأ الرجل خمسين آية)) (¬2) (¬3). ¬
وتأخير السحور أرفق بالصائم وأسلم له من النوم عن صلاة الفجر، وللصائم أن يأكل ويشرب ولو بعد السحور ونيّة الصيام، حتى يتبيَّن طلوع الفجر؛ لقول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (¬1). ويحكم بطلوع الفجر إما بمشاهدته في الأفق، أو بخبر موثوق به ¬
ثالثا: الإفطار
بأذان أو غيره، فإذا طلع الفجر أمسك، وينوي بقلبه، ولا يتلفَّظ بالنية؛ لأن التلفُّظ بها بدعة (¬1). ثالثاً: الإفطار، فالسنة إفطار الصائم بعد الغروب وعدم المواصلة؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم)) (¬2) (¬3). ¬
رابعا: تعجيل الإفطار بعد تحقق غروب الشمس
وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فلما غربت الشمس قال لرجل: ((انزل فاجدح لنا)) (¬1)، قال: يا رسول الله الشمس [وفي رواية: إن عليك نهاراً]، [وفي رواية: لو أمسيت] قال: ((انزل فاجدح لنا))، قال: لو انتظرت حتى تمسي؟ قال: ((انزل فاجدح لنا))، ثم قال: ((إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم))، وأشار بأصبعه قِبَل المشرق. ولفظ مسلم: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان فلما غابت الشمس قال: ((يا فلان انزل فاجدح لنا))، قال: يا رسول الله، إن عليك نهاراً، قال: ((انزل فاجدح لنا))، قال: فنزل فجدح، فأتاه به فشرب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال بيده: ((إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم)) (¬2). رابعاً: تعجيل الإفطار بعد تحقق غروب الشمس؛ لحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) (¬3)، ¬
والمقصود بتعجيل الإفطار: إذا أقبل الليل من المشرق وأدبر النهار إلى المغرب وغربت الشمس أفطر الصائم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يزال الدينُ ظاهراً ما عجَّل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون)) (¬1). وعن أبي عطية، قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها، فقلنا: يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أحدهما يُعجِّل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيُّهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال: قلنا: عبد الله-يعني عبد الله بن مسعود - قالت: ((كذلك كان يصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -))، وفي لفظ: ((رجلان من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كلاهما لا يألون عن الخير (¬2): أحدهما يعجل المغرب والإفطار، والآخر يؤخر المغرب والإفطار ... )). الحديث (¬3). وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنا معاشر الأنبياء أُمرنا أن ¬
نُعجِّل الإفطار، وأن نُؤخِّر السحور، وأن نضرب بأيماننا على شمائلنا)) (¬1)، وفي لفظ: ((إنا معشر الأنبياء أُمرنا بتعجيل فطرنا، وتأخير سحورنا، ووضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة)) (¬2). وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - رفعه: ((ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال الله - عز وجل -: ((أحبُّ عبادي إليَّ أعجلهم فطراً))، وهذا لفظ الترمذي، ولفظ أحمد: ((إن أحبَّ عبادي إليَّ أعجلهم فطراً)) (¬4). ¬
خامسا: السنة الإفطار على رطب، فإن عدم فتمر
خامساً: السنة الإفطار على رطب، فإن عُدِمَ فتمر، فإن عدم فماء؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفطر قبل أن يُصلِّي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن تمرات حساحسوات من ماء)) (¬1). فإن لم يجد رطباً، ولا تمراً، ولا ماءً: أفطر على ما تيسر من طعام أو شراب حلال، فإن لم يجد شيئاً نوى الإفطار بقلبه (¬2). سادساً: أن يدعوَ عند الإفطار، وأثناء الصيام؛ فإن دعوة الصائم لا تردّ حتى يفطر، وحين يفطر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا تردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، [وفي رواية: حين يفطر] ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتحُ لها أبواب السماء، ويقول الربُّ: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)) (¬3). ¬
ولما رُوي عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن للصائم عند فطره لدعوةً ما تُردُّ))،قال ابن أبي مليكة: سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كلَّ شيء أن تغفر لي)) (¬1)، وقد جاء في لفظ بعض نسخ الترمذي للحديث الذي قبل هذا: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم)) (¬2)، ويعضد ذلك حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله عند كلِّ فطر عتقاء)) (¬3). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر ¬
سابعا: تفطير الصائمين فيه الأجر الكبير حتى ولو كانوا أغنياء
قال: ((ذهب الظمأ، وابتلَّت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله)) (¬1). سابعاً: تفطير الصائمين فيه الأجر الكبير حتى ولو كانوا أغنياء، ولو على شيء يسير من التمر أو الماء أو اللبن؛ لحديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من فطَّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً)) (¬2). ثامناً: ترك الوصال، فالسنة عدم الوصال، فإذا كان ولا بد، جاز الوصال إلى السحر، ولكن السنة والأفضل الإفطار مطلقاً؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واصل (¬3) فواصل الناس فشق عليهم، فنهاهم قالوا: إنك تواصل، قال: ((لست كهيئتكم إني أظَلُّ أُطعمُ وأُسقَى)) (¬4)،وفي لفظ للبخاري: ((إني لست مثلكم، إني أُطعم وأُسقى)) (¬5). ¬
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تواصلوا)) قالوا: ((إنك تواصل، قال: ((لست كأحد منكم إني أُطعم وأُسقى))، أو ((إني أبيت أُطعم وأُسقى))، وفي رواية للبخاري: ((واصل النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر الشهر، وواصل أُناسٌ من الناس، فبلغ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لو مُدَّ بي الشهر لواصلتُ وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم (¬1)، إني لست مثلكم، إني أَظلُّ يطعمني ربي ويسقيني)) (¬2). وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال: ((إني لست كهيئتكم، إني يُطعمني ربي ¬
ويسقيني)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يارسول الله، قال: ((أيكم مثلي؛ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني))، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يوماً، ثم يوماً، ثم رأو الهلاك، فقال: ((لو تأخر لزدتكم)) كالتنكيل (¬2) لهم حين أبوا أن ينتهوا))،وفي رواية للبخاري: ((إياكم والوصال)) مرتين، الحديث، وفيه: ((فاكلفوا (¬3) من العمل ما تطيقون)) (¬4). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تواصلوا فأيكم أراد ان يواصل، فليواصل حتى السحر)) قالوا: فإنك تواصل يارسول الله، قال: ((لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساقٍ يسقينِ)) (¬5). ¬
وسمعت شيخنا عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول: ((هذه الأحاديث المتقدمة كلها تدل على كراهة الوصال، فلا ينبغي التكلف، والوصال معناه: أن يصل يوماً بيوم، أو يومين، هذا هو الوصال المكروه، لكن إذا أراد أن يواصل إلى السحر فلا بأس، يعني يجعل عشاءه أكلة واحدة في آخر الليل، لكن الأفضل أن يفطر من أول الليل، والوصال إلى السحر جائز)) (¬1). والسنة أن يفطر الصائم إذا غربت الشمس، ولا يواصل، هذا هو الأفضل، فإن واصل إلى السحر فلا بأس لكنه خلاف الأفضل (¬2). والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل (¬3). ¬
تاسعا: كثرة القراءة والذكر، والدعاء، والصلاة
تاسعاً: كثرة القراءة والذكر، والدعاء، والصلاة، والصدقة، والعمرة، فيستحب للصائم أن يكثر من تلاوة القرآن الكريم، ويذكر الله تعالى على كل أحيانه، ويحافظ على أذكار الصباح والمساء والأذكار في مواطنها، ويكثر من صلاة التطوع وخاصة صلاة الليل، ويدعو الله تعالى؛ فإن الصائم لا ترد دعوته حتى يفطر، ويكثر من الصدقة وأبواب الخير؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان يُدارسه القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة))، وفي لفظ: ((فإذا لقيه جبريل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان يعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبِض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشراً فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه)) (¬2). وكان جوده - صلى الله عليه وسلم - يجمع أنواع الجود كلها: من بذل العلم، والنفس، والمال لله - عز وجل - في إظهار دينه، وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل ¬
عاشرا: استحضار نعمة الله عليه بتوفيقه له بالصيام
طريق، من تعليم جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وإطعام جائعهم، وكان جوده يتضاعف في رمضان؛ لشرف وقته، ومضاعفة أجره، وإعانة العابدين فيه على عبادتهم، والجمع بين الصيام وإطعام الطعام من أسباب دخول الجنة (¬1). فالمسلم ينبغي له أن يقتدي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وإن تيسر له عمرة في رمضان كانت كحجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -،كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام (¬2)، وكذلك جميع أنواع الخير (¬3)، فيستحب للمسلم أن يخصّ رمضان من العبادة بما لا يخصّ غيره به من الشهور، وهذا لا يكون إلا بحفظ الوقت وترك فضول النوم، وتجنب مجالس اللغو، واللهو، فالليل عند كثير من الناس سهر، والنهار نوم. عاشراً: استحضار نعمة الله عليه بتوفيقه له بالصيام؛ لأنه تعالى وفَّقه له، ويسَّره عليه، حتى أتمَّ يومه، وبلَّغه شهر رمضان، وأكمل شهره؛ فإن كثيراً من الناس حُرِموا الصيام: إما بموتهم قبل بلوغه، أو بعجزهم عن صيامه، أو بضلالهم وإعراضهم عن القيام به، فليحمد الصائم، ربَّه على نعمة الصيام، التي هي سبب لمغفرة الذنوب، وتكفير ¬
الحادي عشر: السواك
السيئات، ورفعة الدرجات في دار النعيم، نسأل الله التوفيق والسداد (¬1). الحادي عشر: السِّواك: يُستحبُّ السِّواك في جميع الأوقات للصائم وغير الصائم: سواء كان ذلك قبل الزوال أو بعده (¬2)؛لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((السِّواك مطهرةٌ للفمِّ مرضاةٌ للرَّبِّ)) (¬3). ويتأكد استحباب السِّواك في عدة أحوال: الأول: عند الانتباه من النَّوم؛ لحديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من اللَّيل يَشُوصُ فاهُ بالسِّواك)) (¬4). الثاني: عند كل وضوء؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لولا أن أشقَّ على أُمتي لأمرتهم بالسِّواك عند كلِّ وضوء)) (¬5). ¬
الثالث: عند كل صلاة
الثالث: عند كل صلاة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لولا أن أشقَّ على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسِّواك مع كلّ صلاة)) (¬1). الرابع: عند دخول المنزل؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل بيته بَدَأَ بالسِّواك)) (¬2). الخامس: عند تَغَيُّر رائحة الفم أو طعمه، أو اصفرار لون الأسنان من طعام أو شراب؛ لما رُويَ في ذلك (¬3)؛ ولأنَّ السواك إنَّما شُرِع لتطييب الفم وتطهيره وتنظيفه، فإذا تغيَّر فقد تحقق السبب المقتضي له، فكان أولى منه عند الاستيقاظ من النوم (¬4). السادس: عند قِراءة القرآن الكريم، لحديث علي - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن العبد إذا تسوَّك ثم قام يصلي قام الملكُ خلفه فيستمع لقراءته فيدنو منه))، أو كلمة نحوها ((حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من القرآن ¬
السابع: قبل الخروج من البيت إلى الصلاة
إلا صار في جوف الملك، فطهِّروا أفواهكم للقرآن)) (¬1). السابع: قبل الخروج من البيت إلى الصلاة؛ لحديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: ((ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من بيته لشيءٍ من الصلاة حتى يستاك)) (¬2). ويُستحب الاستياك على اللِّسان؛ لأن أبا موسى قال: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيته ((يستاك على لسانه)) (¬3). ويُستحب التيامن في السِّواك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله)) (¬4). ويُستحب أن يستاك بيده اليسرى؛ لأنه إماطةُ أذىً يُفعل بإحدى اليدين، ¬
الثاني عشر: كف الجوارح
فكان باليسرى كالاستنجاء (¬1)، والله الموفق (¬2). الثاني عشر: كفُّ الجوارح، عن فضول: الكلام، والسمع، والنظر، والمنام، وعن كل ما يشغله عن طاعة الله تعالى، وهذا في الأمور التي لا إثم فيها، فالفضول في ذلك تركها يعين على الطاعة؛ فإنَّ ترك فضول: النظر، والكلام، والاستماع، والمخالطة، والأكل، والنوم، من أسباب شرح الصدر، ونعيم القلب، وزوال همه وغمه، وإعانة من ترك ذلك لله على الطاعات (¬3). الثالث عشر: صلاة التراويح مع الجماعة، وهذا من آداب الصائم المستحبة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة))، وفي لفظ: ((كتب له قيام ليلة)) (¬4)، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) (¬5). ¬
الرابع عشر: يتصف بصفات السلف الصالح الكرام
فإذا قام المسلم رمضان تصديقاً بما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فضله، واحتساباً للثواب يرجو الله مخلصاً له القيام ابتغاء مرضاته، وغفرانه حصل له الثواب العظيم (¬1). الرابع عشر: يتَّصف بصفات السَّلف الصالح الكرام ويعمل بعمل طبقات الصائمين الأبرار؛ لأن الصائمين على طبقتين: الطبقة الأولى: من ترك طعامه، وشرابه، وشهوته لله تعالى يرجو عنده عِوَض ذلك في الجنة، فهذا قد تاجر مع الله وعامله، والله تعالى لا يُضيع أجر من أحسن عملاً، كما قال تعالى: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} (¬2)، ولا يخيب معه من عامله، بل يربح أعظم الربح (¬3). وعن أبي قتادة وأبي الدهماء قالا: أتينا على رجل من أهل البادية، فقال البدويُّ: أخذ بيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يُعلِّمني مما علَّمه الله، وقال: ((إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله إلا أعطاك الله خيراً منه))، وفي لفظ: ((إنك لن تدع شيئاً لله إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه)) (¬4)، فهذا الصائم يُعطى في الجنة ما شاء الله من طعام، وشراب، ونساء، قال الله تعالى: ¬
الطبقة الثانية
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَة} (¬1). يا قوم ألا خَاطِبٌ في هذا الشهر إلى الرحمن، ألا راغب فيما أعدَّه الله للطائعين في الجنان، ألا طالب لما أخبر به من النعيم المقيم، مع أنه ليس الخبر كالعيان: من يُرد ملك الجنان ... فليدَعْ عنه التواني وليقُمْ في ظلمة الليل ... إلى نور القرآن وليصِلْ صوماً بصومٍ ... إنّ هذا العيش فانِ إنما العيش جوار الله ... في دار الأمانِ الطبقة الثانية من الصائمين: من يصوم في الدنيا عما سوى الله، فيحفظ الرأس وما حوى، ويحفظ البطن وما وعى، ويذكر الموت والبلى، ويريد الآخرة فيترك زينة الحياة الدنيا، فهذا عيدُ فطره يوم لقاء ربه، وفرحه برؤيته (¬2). أهل الخصوص من الصّوَّام صومُهُمُ ... صون اللسان عن البهتانِ والكذبِ والعارفون وأهل الأنس صومُهُمُ ... صون القلوب عن الأغيارِ والحُجُبِ العارفون لا يُسلِّيهم عن رؤية مولاهم قَصْرٌ، ولا يرويهم دون مشاهدته نهرٌ، هِمَمُهُم أجلّ من ذلك. ¬
الخامس عشر: يستحب للصائم إذا شتمه أحد أو سابه
من صام عن شهواته في الدنيا أدركها غداً في الجنة، ومن صام عما سوى الله فعيده يوم لقائه {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ} (¬1) (¬2). يا معشر التائبين صوموا اليوم عن شهوات الهوى؛ لتدركوا عيد الفطر يوم اللِّقاء، لا يطولنَّ عليكم الأمد باستبطاء الأجل؛ فإن معظم نهار الصيام قد ذهب، وعيد اللقاء قد اقترب (¬3). الخامس عشر: يستحب للصائم إذا شتمه أحد أو سابَّه أن يقول: إني صائم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤٌ صائم)) (¬4). ¬
المبحث الثامن عشر: مكروهات الصيام
المبحث الثامن عشر: مكروهات الصيام المكروه: هو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، وهو الذي نهى عنه الشرع لا على وجه الإلزام بالترك (¬1). ويكره في حق الصائم بعض الأمور التي قد تؤدي إلى نقص كمال الأجر، ومنها الأمور الآتية: 1 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق؛ وذلك خشية أن يذهب الماء إلى جوف الصائم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -، للقيط بن صبرة: (( ... وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) (¬2). 2 - القُبلة، تكره ممن تتحرك شهوته عند ذلك، ويخشى ¬
على نفسه من الوقوع في الحرام: إما بالجماع في نهار رمضان، أو الإنزال، أما من لا يخشى منه ذلك، ويأمن على نفسه؛ لقوته، وملكه لإربه، فلا كراهة في حقه إذا أَمِنَ الوقوع في ما يُفسد صومه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُقَبِّل وهو صائم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل في رمضان وهو صائم)) (¬1)، وقد ثبت في ذلك أحاديث كثيرة (¬2). ومما يُستدل به على كراهة القبلة لمن تتحرك شهوته، ويخشى الوقوع في ما يبطل صيامه، حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم فرخصَّ له، وأتاه آخر فسأله؟ فنهاه، فإذا الذي رخّص له شيخ، والذي نهاه شاب)) (¬3). قال شيخنا ابن باز رحمه الله: ((تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها، ومباشرته لها بغير جماع وهو صائم كل ذلك جائز ولا حرج فيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، لكن إن خشي الوقوع فيما حرم الله عليه؛ لكونه سريع الشهوة كره له ذلك ... )) (¬4). ¬
3 - المباشرة باللمس، والمعانقة، ودواعي الوطء
3 - المباشرة باللمس، والمعانقة، ودواعي الوطء: كاللمس، وتكرار النظر بالتلذذ، حكمها حكم القبلة كما تقدم عند جمهور الفقهاء؛ فما يقال في التقبيل يقال في المباشرة (¬1)، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: يقبل ويباشر وهو صائم (¬2)، وكان أملككم لأربه))، فحكم المباشرة حكم القبلة جوازاً وإباحة وكراهة، والله أعلم. 4 - بلع النخامة؛ لأنها مستقذرة، وفيها ضرر على الصائم وغير الصائم، والصائم أولى، قال العلامة محمدبن عثيمين رحمه الله: ((بلع النخامة حرام على الصائم وغير الصائم، وذلك لأنها مستقذرة، وربما تحمل أمراضاً خرجت من البدن)) (¬3)، وقال الإمام شيخنا ابن باز رحمه الله: ((اللعاب لايضر الصوم؛ لأنه من الريق، فإن بلع فلا بأس وإن بصق فلا بأس))، وقال: ((لاحرج في بلع الريق ولا أعلم في ذلك خلافاً بين أهل العلم، لمشقة أو تعذر التحرز منه))، ((أما النخامة والبلغم فيجب لفظهما إذا وصلتا إلى الفم، ولا يجوز للصائم بلعهما؛ لإمكان التحرز منهما))، وقال في موضع آخر: ((أما النخامة وهي ما يخرج من الصدر أو من الأنف، ويقال لها النخاعة، وهي البلغم الغليظ الذي يحصل للإنسان تارة من الصدر، وتارة من الرأس، فهذه يجب على الرجل والمرأة بصقه ¬
5 - ذوق الطعام لغير حاجة
وإخراجه وعدم ابتلاعه، أما اللعاب العادي الذي هو الريق، فهذا لاحرج فيه، ولا يضر الصائم: لا رجلاً، ولا امرأة)) (¬1)، والله أعلم (¬2). 5 - ذوق الطعام لغير حاجة، فإن كان محتاجاً لذلك، كأن يكون طبَّاخاً يحتاج لذوق ملحه، أو حلاوته، أو ما أشبه ذلك، ثم يبصقه فلا بأس للحاجة مع الحذر من وصول شيء من ذلك إلى حلقه (¬3). 6 - مضغ العلك القوي الشديد الذي لا يتفتت ولا يتحلل، يُكره للصائم؛ لأنه يجمع الريق، ويحلب الفم، ويورث العطش، ويجلب البلغم، وربما تسرب إلى البطن شيء منه، وكذلك مضغه أمام الناس يجعلهم يسيئون به الظن، فلا ينبغي ذلك (¬4). ¬
7 - الوصال في الصيام، وهو أن يواصل اليومين والثلاثة
ويحرم مضغ العلك الذي يتحلل منه أجزاء، وهو الذي ليس بصلب، فهو حرام على الصائم؛ لأنه إذا مضغه لا بد أن ينزل منه شيء، وما كان وسيلة إلى فساد الصوم؛ فإنه يكون حراماً إذا كان الصوم واجباً، ويفسد الصوم إذابلع منه شيئاً (¬1). 7 - الوصال في الصيام، وهو أن يواصل اليومين والثلاثة بدون طعام ولا شراب في الليل، وهذا هو الوصال المكروه، أما الوصال الجائز، فهو أن يواصل الصوم بدون إفطار إلى السحر، فيجعل فطوره سحوراً، ولكن الأفضل أن يفطر إذا غربت الشمس (¬2). ¬
المبحث التاسع عشر: مباحات الصيام
المبحث التاسع عشر: مباحات الصيام المباح: هو الذي لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه. يباح للصائم الأمور الآتية: 1 - الصائم يُصبح جنباً؛ لحديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم))، وفي لفظ: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدركه الفجر جنباً في رمضان من غير حُلُمٍ فيغتسل ويصوم))، وفي لفظ عن عائشة قالت: ((أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كان ليصبح من جماع غير احتلام ثم يصوم))، وقالت أم سلمة مثل ذلك (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنبٌ أفأصوم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم))، فقال: لست مثلنا يا رسول الله، فقال: ((والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي)) (¬2). 2 - الحائض والنفساء إذا رأت الطهروانقطع حيضها أو نفاسها من الليل، ويشترط أن ينقطع قبل طلوع الفجر، ولكن ليس لها تأخير ¬
3 - المضمضة والاستنشاق للصائم في الوضوء والغسل
الغسل إلى طلوع الشمس، بل يجب عليها أن تغتسل وتصلي قبل طلوع الشمس (¬1). 3 - المضمضة والاستنشاق للصائم في الوضوء والغسل بدون مبالغة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للقيط ابن صبرة: ((أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) (¬2). 4 - اغتسال الصائم، وصبّ الماء البارد على الرأس من العطش أو الحر، قال الإمام البخاري رحمه الله: ((باب اغتسال الصائم، وبلَّ ابن عمر رضي الله عنهما ثوباً فألقاه عليه وهو صائم، ودخل الشعبي الحمام وهو صائم، وقال الحسن: لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم .. )) (¬3). وعن أبي بكرة عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعرج يصبُّ على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر)) (¬4). ¬
5 - تذوق الطعام للصائم عند الحاجة لذلك
5 - تذوق الطعام للصائم عند الحاجة لذلك، وقال الإمام البخاري: قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((لا بأس أن تطعم القدر أو الشيء)) (¬1) هذا لفظ البخاري، ولفظ ابن أبي شيبة، عن ابن عباس رضي الله عنهماقال: ((لا بأس أن يذوق الخلَّ أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم))، وفي لفظ: ((لا بأس أن يتطاعم الصائم عن القدر)) (¬2)، وعن الحسن: ((أنه كان لا يرى بأساً أن يتطاعم الصائم: العسل، والسمن، ونحوه، ثم يَمُجُّهُ)) (¬3)،وجاء عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - أنه ذاق عسلاً وهو صائم)) (¬4). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأما إذا ذاق طعاماً ولفظه، أو وضع في فيه عسلاً ومجّه فلا بأس به، للحاجة كالمضمضة والاستنشاق)) (¬5). 6 - القبله والمباشرة للصائم إذا وثق بنفسه وأمن الوقوع في ما حرم الله تعالى؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل ¬
7 - شم الروائح الطيبة لا بأس به للصائم، إلا أنه لا يستنشق
ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه)) (¬1)، وإذا لم تحرِّك القبلة شهوته، وأمن من الوقوع في إفساد صومه، فلا بأس بالقبلة للأحاديث الكثيرة في ذلك (¬2). 7 - شمُّ الروائح الطيبة لا بأس به للصائم، إلا أنه لا يستنشق دخان البخور؛ لأن له أجزاء (¬3). 8 - إذا أكل الصائم أو شرب ناسياً، فلا قضاء عليه ولا كفارة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو ¬
9 - ما يعرض للصائم بغير اختياره
شرب فليتمَّ صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)) (¬1). 9 - ما يعرض للصائم بغير اختياره، كمن استنثر فدخل الماء في حلقه من غير قصد أو دخل حلقه ذباب، أو حصل له جراح أو جرح، أو رعاف، أو قيء، أو دخل ماء أو بنزين، أو غبار بغير اختياره فلا حرج في ذلك (¬2)، والله أعلم (¬3). 10 - تحليل الدم، وضرب الإبرالتي ليس فيها غذاء ولا يقصد بها التغذية، وله أن يدّهن، لكن تأخير ضرب الإبر والتحليل إلى الليل أولى وأحوط إذا تيسر ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((دع ما يربيك إلى ما لا يريبك)) (¬4)؛ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) (¬5). 11 - البخ في الفم أو الأنف لأصحاب مرض الربو، لا بأس به ¬
12 - لا بأس بتنظيف الأسنان بالمعجون؛ فإنه لا يفطر الصائم كالسواك
بالبخاخ المعروف الذي يحتوي على الأكسجين أو غيره من أنواع الهواء. 12 - لا بأس بتنظيف الأسنان بالمعجون؛ فإنه لا يفطر الصائم كالسواك، ولكن على الصائم التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبه شيء من ذلك بدون قصد فلا قضاء عليه (¬1). ¬
المبحث العشرون: قضاء الصيام
المبحث العشرون: قضاء الصيام قضاء الصيام لمن يلزمه القضاء أنواع على النحو الآتي: النوع الأول: كل من لزمه القضاء ممن أفطر في الصوم الواجب؛ فإنه يلزمه القضاء بعدد الأيام التي أفطر؛ لقول الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬1)،فإن أفطر جميع شهر رمضان لزمه قضاء جميع أيامه، فإن كان الشهر ثلاثين يوماً؛ فإنه يلزمه أن يقضي ثلاثين يوماً، وإن كان الشهر تسعة وعشرين يوماً؛ فإنه يقضي تسعة وعشرين يوماً فقط، أما إن كان أفطر بعض الشهر؛ فإنه يلزمه أن يقضي بعدد الأيام التي أفطر فقط (¬2). النوع الثاني: من أفطر يوماً أو أكثر من شهر رمضان بغير عذر، وجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، ويستغفره؛ لأنَّ إفطار يوم من رمضان بغير عذر يُرخِّص له في الإفطار: جرم عظيم، وذنب كبير، يهلك صاحبه، ويجب عليه مع التوبة والاستغفار أن يقضي بعدد الأيام التي أفطرها، ووجوب القضاء هنا، على الفور على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ لأنه غير مُرخَّص له الفطر، والأصل أن يُؤدِّيه في وقته (¬3)؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة المُجامع في نهار رمضان، وفيه من رواية أبي داود: ¬
النوع الثالث: يجوز التفريق في قضاء رمضان
(( ... وصم يوماً [أي مكانه] واستغفر الله ... )) (¬1). وإذا كان الإفطار بالجماع في نهار رمضان، وجب عليه، مع التوبة، والاستغفار، والقضاء: الكفارة المغلّظة كما تقدّم في كفارة الجماع في نهار رمضان (¬2). النوع الثالث: يجوز التفريق في قضاء رمضان؛ لقول الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬3)، وهذا مطلق يتناول المتفرق (¬4)، ولكن يستحب التتابع: أي لايفطر بين أيام صوم القضاء؛ للأمور الآتية: الأمر الأول: الصيام متتابعاً أقرب إلى مشابهة الأداء؛ لأن الأداء متتابع: أي صيام رمضان متتابع. الأمر الثاني: أسرع في إبراء الذِّمّة؛ ويكون بذلك من المسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إليها. الأمر الثالث: الصيام متتابعاً أحوط؛ لأن الإنسان لا يدري ما يحدث له، فقد يكون اليوم صحيحاً وغداً مريضاً، وقد يكون اليوم حيَّاً وغداً ميِّتاً؛ ولهذا كان الأفضل أن يكون القضاء متتابعاً (¬5). ¬
النوع الرابع: الصيام في القضاء على الفور أفضل
النوع الرابع: الصيام في القضاء على الفور أفضل، ولكن لا يجب، وإنما يكون أفضل؛ لأن هذا أسرع في إبراء الذمة، وأحوط؛ لأن الإنسان لا يدري ما يحدث له، كما تقدم، فإذا بادر بقضاء رمضان بعد يوم العيد يكون ذلك من المسارعة إلى الخيرات والمسابقة إليها (¬1)، فعلى هذا يُستحب القضاء على الفور متتابعاً ولا يجب (¬2). ¬
النوع الخامس: يجوز تأخير القضاء إلى شعبان قبل رمضان الآخر
النوع الخامس: يجوز تأخير القضاء إلى شعبان قبل رمضان الآخر، مع وجوب العزم على فعل القضاء، وكذلك القول في واجب مُوسَّع إنما يجوز تأخيره بشرط العزم على فعله، حتى لو أخره بلا عزم عصى على الصحيح عند المحققين من الفقهاء والأصوليين (¬1). فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان)). قال يحيى: الشغل من النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، وفي رواية لمسلم: ((إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يأتي شعبان)) (¬3). النوع السادس: لا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر بغير عذر، وهو قول الأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف القائلين بأن القضاء على التراخي، وأنه لا يشترط المبادرة به في أول ¬
الإمكان (¬1)؛لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان)) (¬2)،فلا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر بغير عذر؛ لأن عائشة رضي الله عنها، لم تؤخره إلى ذلك، ولو أمكنها لأخرته؛ ولأن الصوم عبادة متكررة فلم يجز تأخير الأولى عن الثانية، كالصلوات المفروضة (¬3)، فإن أخر القضاء إلى رمضان آخر بغير عذر، فعليه القضاء، وإطعام مسكين لكل يوم؛ لما ثبت عن ابن عباس (¬4) وأبي هريرة (¬5) - رضي الله عنهم - (¬6). ¬
النوع السابع: تأخير القضاء إلى رمضان آخر لعذر:
فإن أخَّر الصيام بغير عذر حتى أدركه رمضانان أو أكثر لم يكن عليه أكثر من إطعام مسكين لكل يوم مع القضاء؛ لأن كثرة التأخير لا يزداد بها الواجب، كما لو أخر الحج الواجب سنين لم يكن عليه أكثر من فعله (¬1). النوع السابع: تأخير القضاء إلى رمضان آخر لعذرٍ: لا شيء على من أخّر القضاء إلى إدراك رمضان الآخر؛ لعذر، قال العلامة ابن مفلح رحمه الله: ((ومن دام عذره بين الرمضانين فلم يقضِ ثم زال صام الشهر الذي أدركه ثم قضى ما فاته ولا يُطعم، نصَّ عليه)) (¬2). ومن أفطر في رمضان بعذر ثم اتصل عجزه فلم يتمكّن من الصوم حتى مات فلا صوم عليه، ولا يُصام عنه ولا يُطعم عنه (¬3)، قال ابن قدامة رحمه الله: ((من مات وعليه صيام من رمضان قبل إمكان الصيام: ¬
النوع الثامن: قضاء الصيام عن الميت
إما لضيق الوقت، أو لعذرٍ من: مرضٍ، أو سفرٍ، أو عجزٍ عن الصوم فلا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم ... [لأنه] حق لله وجب بالشرع فمات من يجب عليه قبل إمكان فعله فسقط إلى غير بدلٍ كالحج ... )) (¬1). النوع الثامن: قضاء الصيام عن الميت، فإذا أخَّر المسلم قضاء الصوم الواجب عليه، من رمضان أو غيره بغير عذر حتى مات، وقد أمكنه القضاء ولم يقضِ صام عنه وليه (¬2)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، ¬
قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) (¬1). وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله إن أمّي ماتت وعليها صوم شهر فأقضيه عنها؟ قال: ((نعم))، ((فدين الله أحق أن يُقضى))، وفي رواية عن ابن عباس: قالت امرأة، للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أختي ماتت، وفي رواية عن ابن عباس قالت امرأة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أمي ماتت، وفي رواية، قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، وفي رواية، قالت امرأة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ماتت أمي وعليها صوم خمسة عشر يوماً))، هذه روايات البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولفظ مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: ((أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضينه؟)) ¬
قالت: نعم، قال: ((فدين الله أحق بالقضاء)) (¬1). وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: بينا أنا جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت، قال: فقال: ((وجب أجرك وردها عليك الميراث))، قالت: يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: ((صومي عنها))، قالت: إنها لم تحج قط، أفأحج عنها؟ قال: ((حجي عنها)) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول عن هذه الأحاديث (¬3): ((وهذا ¬
كلّه يدلنا على أن الصوم الواجب يُقضَى عن الميت، سواء كان قضاء رمضان، أو غيره من الصيام الواجب، كالنذر ... ))، ثم قال: ((والقضاء عن الميت لا يجب بل يُستحب؛ لأن الله يقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬1)، فإذا لم يصم ولي الميت عنه ما وجب عليه من الصيام الذي فرَّط في قضائه حتى مات أُطعم عنه عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من قوت البلد، ومقداره كيلو ونصف تقريباً، ويكون ذلك من تركته (¬2)، والله تعالى أعلم (¬3). ولابأس أن يصوم عن الميت جماعة عدد أيامه التي عليه في يوم واحد إذا لم يشترط فيها التتابع، فلو كان عليه ثلاثون يوماً من رمضان جاز أن يصوم عنه ثلاثون رجلاً في يوم واحد؛ ولهذا قال البخاري رحمه الله: ((قال الحسن: إن صام عنه ثلاثون رجلاً يوماً واحداً جاز)) (¬4)،والله أعلم (¬5). ¬
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((كلام الحسن هذا في قضاء رمضان، أما ما يشترط فيه التتابع فلا بُدَّ من التتابع، كالكفارات إلا في كفارة اليمين على الصحيح)) (¬1). وكان شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله يُسأل عن من مات وقد فرَّط في صيام رمضان سنة فأكثر فيفتي بأنه يكفي أن يصوم عنه وليُّه بلا إطعام، فإن لم يصم عنه أطعم عن كل يوم مسكيناً، وحتى لو فرط الميت في صيام رمضانات (¬2)، والله تعالى أعلم (¬3). ومن مات وعليه: نذرٌ: صومٌ، أو حجٌ، أو اعتكافٌ فعله عنه وليه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - استفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر، فقال: ((اقضه عنها)) (¬1)، وهذا الحديث عام في جميع النذور (¬2). ولا يجب على الولي فعل النذر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبهه بالدَّين ولا يجب على الولي قضاء دين الميت إذا لم يُخلِّف تركة، كذلك هذا، لكن يستحب له أن يؤدِّي النذر عنه؛ لتفريغ ذمته، وكذلك يستحب له قضاء الدين ¬
النوع التاسع: قضاء صيام الفرض قبل صيام التطوع:
عنه، ولا يختصّ ذلك بالولي، بل كل من قضى عنه ... أجزأ (¬1). النوع التاسع: قضاء صيام الفرض قبل صيام التطوع: الفرائض أحب إلى الله تعالى من النوافل، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تعالى قال: ((من عادى لي وليَّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبّ إليَّ ممّا افترضتُه عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه ... )). الحديث (¬2). وهذا الحديث القدسي يدلّ على أن الفرائض هي أحب إلى الله تعالى من النوافل، فظاهره أن محبة الله للعبد تقع بملازمة العبد للفرائض والمحافظة عليها، ودوامه والتزامه التقرب بالنوافل بعد الفرائض (¬3)، فالواجب على من عليه صيام فرضٍ: من رمضان أو غيره أن يبدأ به قبل صوم النافلة؛ فإن الفرض من الديون الواجبة لله تعالى، وهو في الذمة في الحياة وبعد الممات حتى يقضيه الإنسان في حياته، أو يُقضَى عنه بعد مماته، فعلى هذا يجب أن يقدم على النافلة (¬4). ¬
قال الإمام البخاري رحمه الله: ((وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر: لا يصلح حتى يبدأ برمضان)) (¬1). وهذا يشير إلى أنه رحمه الله يرشد إلى الابتداء بقضاء رمضان قبل ¬
صيام التطوع في العشر (¬1). وأما صيام الست من شوال قبل القضاء من رمضان فلا يُقدِّم صومها على صيام رمضان؛ فإنه لو قدَّم صيامها لم يحصل على ثوابها الذي قال عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)) (¬2) وذلك؛ لأن في الحديث ((من صام رمضان))، ومن كان عليه قضاء فإنه لا يصدق عليه أنه صام رمضان، فلا ستة إلا بعد قضاء رمضان (¬3). وقال شيخنا ابن باز رحمه الله: (( ... والصواب أن المشروع تقديم القضاء على صوم الستّ وغيرها من صيام النفل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من ¬
النوع العاشر: قضاء من أكل أو شرب يظنه ليلا فبان نهارا
صام رمضان ثم أتبعه ستّاً من شوال كان كصيام الدهر)) (¬1)، ومن قدم الست على القضاء لم يتبعها رمضان، وإنما أتبعها بعض رمضان؛ ولأن القضاء فرض وصيام الست تطوع، والفرض أولى بالاهتمام والعناية)) (¬2)، وكذلك قال رحمه الله في من عليه صيام شهرين متتابعين: ((الواجب البدار بصوم الكفارة، فلا يجوز تقديم الست عليها؛ لأنها نفل والكفارة فرض، وهي واجبة على الفور، فوجب تقديمها على صوم الست وغيرها من صوم النافلة)) (¬3). النوع العاشر: قضاء من أكل أو شرب يظنه ليلاً فبان نهاراً: قال الإمام الخرقي رحمه الله: ((وإن أكل يظنُّ أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع، أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب فعليه القضاء)) (¬4)، وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وإن أكل معتقداً أنه ليلٌ فبان نهاراً فعليه القضاء)) (¬5)، وقال العلامة ابن مفلح رحمه الله: ((وإن أكل يظنُّ أو يعتقد أنه ليل فبان نهاراً في أوله أو آخره فعليه القضاء؛ لأن الله أمر بإتمام ¬
الصيام ولم يتمّه، ... )) (¬1)، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وهذا قول أكثر أهل العلم من الفقهاء وغيرهم ... )) (¬2). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وهذه المسألة لها صورتان: إحداهما أن يأكل معتقداً بقاء الليل فتبين له أنه أكل بعد طلوع الفجر. والثانية: أن يأكل معتقداً غروب الشمس؛ لتغيُّمِ السماء ونحو ذلك، فتبين أنه أكل قبل مغيبها، وفي كِلا الموضعين يكون مفطراً، سواء في ذلك: صوم رمضان، وغيره، لكن إن كان في رمضان لزمه أن يصوم بقية يومه [حتى لو جامع فيه لزمته الكفارة وعليه القضاء هذا نصّه في غير موضع ومذهبه] (¬3) وذلك؛ لأنه أكل مختاراً، ذاكراً للصوم، فأفطر، كما لو أكل يوم الشك؛ ولأنه جهل بوقت الصيام فلم يعذر به، كالجهل بأول رمضان؛ ولأنه يمكن التحرُّز منه، فأشبه أكل العامد، وفارق النَّاسي؛ فإنه لا يمكن التحرز منه (¬4)، وقد روى الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن هشام بن عروة، عن فاطمة (¬5) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، ¬
قالت: ((أفطرنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ غيمٍ ثم طلعت الشمس)) قيل لهشام: فأُمروا بالقضاء؟ قال: بُدٌّ (¬1) من قضاء)) (¬2). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((والصواب أنه لابد من القضاء كما قال الجمهور؛ لأنه فاتهم جزء من النهار، ولكن لا إثم عليهم، ويقضون كالذي لم يثبت عنده [دخول الشهر] إلا بعد أن أصبح؛ فإنهم يمسكون ويقضون فكذلك من أفطر قبل غروب الشمس عليه القضاء، وكذلك من أكل بعد طلوع الفجر [ظناً منه عدم الطلوع ثم تبين له أنه قد طلع] عليه القضاء)) (¬3). وقد كان يفتي رحمه الله بذلك من يسأله عن الأكل والشرب والجماع ظانّاً غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر فبان له نهاراً، فيقول: ((الصواب أن عليه القضاء وكفارة الظهار عن الجماع، عند جمهور أهل العلم ... )) (¬4)، وقد كانت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء تفتي، بأنه يجب عليه الإمساك والقضاء، قالوا: ((وهشام المذكور: هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو من ثقات التابعين)) (¬5)،والله تعالى أعلم (¬6). ¬
النوع الحادي عشر: قضاء من أكل شاكا في غروب الشمس
النوع الحادي عشر: قضاء من أكل شاكّاً في غروب الشمس، لا إن أكل شاكّاً في طلوع الفجر: في هذا النوع مسألتان: المسألة الأولى: أن يأكل أو يشرب شاكّاً في غروب الشمس ودام شكُّه ولم يتبين فعليه القضاء؛ لأن الأصل بقاء النهار، قال المرداوي في الإنصاف: ((وهذا إجماع وكذا لو أكل يظنُّ بقاء النهار إجماعاً، فلو بان ليلاً فيهما لم يقضِ وعبارة بعضهم: صح صومه)).
المسألة الثانية: أن يأكل أو يشرب شاكا في طلوع الفجر
وإن أكل حين الأكل ظاناً أن الشمس قد غربت، ثم شكَّ بعد الأكل ودام شكه ولم يتبين، فلا قضاء عليه؛ لأنه لم يوجد يقين أزال ذلك الظنّ الذي بنى عليه، فأشبه ما لو صلَّى بالاجتهاد ثم شك في الإصابة بعد الصلاة (¬1). المسألة الثانية: أن يأكل أو يشرب شاكاً في طلوع الفجر، ودام شكه ولم يتبين له طلوعه، فلا قضاء عليه، وله الأكل حتى يتيقن طلوع الفجر، نص عليه الإمام أحمد (¬2). وإن أكل حين الأكل ظاناً أن الفجر لم يطلع، ثم شك بعد الأكل ولم يتبين فلا قضاء عليه؛ لأنه لم يوجد يقين أزال ذلك الظن الذي بنى عليه ... كما تقدم؛ ولأن الأصل بقاء الليل فيكون زمان الشك منه (¬3)،والله تعالى أعلم (¬4). ¬
النوع الثاني عشر: من دخل في قضاء فرض حرم قطعه:
النوع الثاني عشر: من دخل في قضاءِ فرضٍ حَرُم قطعه: إذا دخل المسلم في صوم واجب: كقضاء رمضان، أو نذر معين أو مطلق، أو صيام كفارة لم يجز له الخروج منه بغير عذر؛ لأن المتعين وجب الدخول فيه، وغير المتعيِّن تعيَّن بدخوله فيه، قال الإمام ابن قدامة رحمه
النوع الثالث عشر: قضاء المغمى عليه:
الله: ((وهذا لا خلاف فيه بحمد الله)) (¬1)، فإن خرج منه لم يلزمه أكثر مما كان عليه (¬2). ولكنه يأثم بقطعه للفريضة، ولا يلزمه كفارة، وإنما يقضي ما كان عليه مع التوبة والاستغفار. ويجوز الإفطار للصائم في السفر لقيام المبيح كالمرض (¬3)، وهكذا كل من دخل في فرضٍ موسع حرم قطعه، ولا يلزم في النفل، ولا قضاء فاسده إلا الحج والعمرة؛ فإنه يجب على من دخل في فعلهما الإتمام ولو كان نفلاً، ويجب قضاء فاسدهما ولو كانا نفلاً؛ لأن الله تعالى يقول: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله} (¬4). والأفضل للمسلم أن يتم النفل إذا دخل فيه، ولا يقطعه، ولكن لو قطعه أو أفسده فلا يلزمه قضاء (¬5) وإنما خالف الأفضل، فلا يقطع النافلة إلا لغرض صحيح)) (¬6)،وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم} (¬7). النوع الثالث عشر: قضاء المغمى عليه: من نوى الصيام قبل طلوع الفجر الثاني، ثم حصل له جنون، أو ¬
فحصل من هذا ثلاث مسائل:
أُغمي عليه جميع النهار لم يصحَّ صومه، وإن أفاق جزءاً من النهار صحَّ صومه، وإن نام جميع النهار صح صومه، ويلزم المغمى عليه القضاء دون المجنون. فحصل من هذا ثلاث مسائل: المسألة الأولى: الجنون: فإذا جُنَّ الإنسان جميع النهار في رمضان وقد نوى الصيام من الليل لم يصحَّ صومه؛ لأنه ليس أهلاً للعبادة؛ لأن من شروط الوجوب العقل، وعلى هذا فصومه غير صحيح، ولا يلزمه القضاء؛ لأنه ليس أهلاً للوجوب، لكن لو أفاق المجنون أثناء النهار لزمه الإمساك بقية يومه وصح صومه؛ لأنه نوى الصوم وهو عاقل بنية صحيحة. المسألة الثانية: النائم، فلو نوى الصوم وتسحر من الليل، فنام جميع النهار ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس، فصومه صحيح ولا قضاء عليه، قال الإمام ابن قدامة: ((وإن نام جميع النهار صح صومه، لا نعلم فيه خلافاً؛ لأنه عادة، ولا يزيل الإحساس بالكلية)) (¬1). المسألة الثالثة: المغمى عليه، فإذا نوى الصوم من الليل ثم أُغمي عليه بحادث أو مرض، واستمر الإغماء جميع النهار لم يصح صومه؛ لأن الصوم هو الإمساك مع النية وترك الطعام والشراب من أجل الله تعالى، فلا يضاف الصيام للمغمى عليه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ¬
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل عمل ابن آدم يضاعف له: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله - عز وجل -: إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته، وطعامه من أجلي))، وفي لفظ: ((يترك طعامه، وشرابه، وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها)) (¬1)، فإن أفاق المغمى عليه جزءاً من النهار صح صومه، سواء كان في أول النهار، أو في آخره قبل غروب الشمس. وإن استمر معه الإغماء جميع النهار حتى غربت الشمس لزمه القضاء. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ومتى فسد الصوم به فعلى المغمى عليه القضاء بغير خلاف علمناه؛ لأن مدته لا تتطاول غالباً، ولا تثبت الولاية على صاحبه فلم يزُل به التكليف وقضاء العبادات)) (¬2)، والله تعالى أعلم (¬3). ¬
المبحث الحادي والعشرون: صلاة التراويح
المبحث الحادي والعشرون: صلاة التراويح أولاً: مفهوم صلاة التروايح: سميت بذلك؛ لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات)) (¬1). والتراويح: هي قيام رمضان أول الليل، ويقال: الترويحة في شهر رمضان؛ لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين، بناءً على حديث عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت: كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟ قالت: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة: يصلي أربعاً فلا تسأل عن حُسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنّ، ثم يصلِّي ثلاثاً ... )) (¬2). ودل قولها رضي الله عنها: ((يصلَّي أربعاً ... ثم يصلِّي أربعاً ... )) على أن هناك فصلاً بين الأربع الأولى والأربع الثانية، والثلاث الأخيرة، ويسلم في الأربع من كل ركعتين (¬3)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة)). وفي لفظ: ((يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة)) (¬4). وهذا يُفسِّر الحديث الأول، وأنه - صلى الله عليه وسلم - يسلم من ¬
ثانيا: صلاة التراويح سنة مؤكدة، سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله وفعله
كل ركعتين، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) (¬1). ثانياً: صلاة التراويح سنة مؤكدة، سنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله، وفعله، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُرغِّبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)) (¬2)، قال الإمام النووي - رحمه الله -: ((اتفق العلماء على استحبابها)) (¬3)، ولا شك أن صلاة التراويح سنة مؤكدة أول من سنها بقوله وفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ثالثاً: فضل صلاة التراويح، ثبت من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)) (¬5). فإذا قام المسلم رمضان تصديقاً بأنه حقٌّ شرعه الله وتصديقاً بما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به، واحتساباً للثواب يرجو الله مخلصاً له القيام ابتغاء مرضاته وغفرانه حصل له هذا الثواب العظيم (¬6). ¬
رابعا: مشروعية الجماعة في صلاة التراويح وقيام رمضان
رابعاً: مشروعية الجماعة في صلاة التراويح وقيام رمضان وملازمة الإمام حتى ينصرف؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: صمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله، لو نفَّلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب الله له قيام ليلة))، وفي لفظ: ((كُتِبَ له قيام ليلة))،فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله، ونساءه، والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال، قلت: ما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر)) (¬1)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ليلة من جوف الليل فصلَّى في المسجد، فصلَّى رجالٌ بصلاته، فأصبح الناس يتحدَّثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الليلة الثانية فصلُّوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطفق (¬2) رجال منهم يقولون: الصلاةَ، فلم يخرج إليهم ¬
1 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحث على قيام رمضان، ورغب فيه
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهَّد، فقال: ((أما بعد، فإنه لم يخف عليَّ شأنكم، ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها))، وذلك في رمضان)) (¬1). وعن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلِّي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلِّي بصلاته الرهط، فقال عمر: ((إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل))، ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعبٍ، ثم خرج معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: ((نعم البدعةُ هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله)) (¬2). وهذه الأحاديث تدلّ على مشروعية صلاة التراويح وقيام رمضان جماعة بالمسجد، وأن من لازم الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة كاملة. وأما قول عمر - رضي الله عنه -: ((نعم البدعة هذه)) فهذا يعني به في اللغة، فمراده - رضي الله عنه - أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصول من الشريعة يرجع إليها، منها: 1 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحثّ على قيام رمضان، ورغَّب فيه، وقد صلى ¬
2 - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - باتباع خلفائه الراشدين
بأصحابه في رمضان غير ليلة ثم امتنع من ذلك مُعلِّلاً بأنه خشي أن يكتب عليهم فيعجزوا عن القيام، وهذا قد أُمِنَ من بعده - صلى الله عليه وسلم -. 2 - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - باتباع خلفائه الراشدين، وهذا قد صار من سنة خلفائه الراشدين - رضي الله عنهم - (¬1). وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول عن قول عمر - رضي الله عنه -: ((نعم البدعة هذه)): ((البدعة هنا يعني من حيث اللغة، والمعنى أنهم أحدثوها على غير مثال سابق بالمداومة عليها في رمضان كله، وهذا وجهُ قول عمر - رضي الله عنه - وإلا فهي سنة فعلها - صلى الله عليه وسلم - ليالي)) (¬2). خامساً: الاجتهاد في قيام عشر شهر رمضان الأواخر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدم من ذنبه)) (¬3). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر (¬4))) (¬5). ¬
سادسا: وقت صلاة التراويح: بعد صلاة العشاء مع سنتها الراتبة
وعنها رضي الله عنها - قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)) (¬1). وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: ((قمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح. وكانوا يُسَمُّونه السحور)) (¬2). وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كانت ليلة سبع وعشرين جمع أهله ونساءه والناس فقام بهم)) (¬3). سادساً: وقت صلاة التراويح: بعد صلاة العشاء مع سنتها الراتبة، ثم تصلى صلاة التراويح بعد ذلك (¬4). سابعاً: عدد صلاة التراويح: ليس له تحديد لا يجوز غيره، وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خَشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة تُوتِرُ له ما قد صلّى)) (¬5). فلو صلى عشرين ركعة وأوتر ¬
بثلاث، أو صلى ستاً وثلاثين وأوتر بثلاث، أو صلى إحدى وأربعين فلا حرج (¬1)، ولكن الأفضل ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى عشرة ركعة، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة)) (¬2)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة)) (¬3)، فهذا هو الأفضل والأكمل في الثواب (¬4)، ولو صلى بأكثر من ذلك فلا حرج لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة الليل مثنى منثى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) (¬5). والأمر واسع في ذلك، لكن الأفضل إحدى عشرة ركعة، والله الموفق سبحانه (¬6). ¬
المبحث الثاني والعشرون: أخطاء بعض الصائمين
المبحث الثاني والعشرون: أخطاء بعض الصائمين يقع بعض الصائمين في أخطاء ربما تؤثر على نقص ثوابهم، وتؤثر على كمال صومهم، أو يخالفون بها الأولى والأفضل للمسلم الذي يريد الثواب الأكمل، والأجر الأعظم عند الله تعالى، ومنها ما يأتي: أولاً: عدم التفقه في أحكام الصيام والقيام، فيقع في الخطأ لعدم الفقه، فينبغي للمسلم أن يتفقه في الدين؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) (¬1)،فينبغي للمسلم أن يتفقه في العبادة قبل الشروع فيها، ومن ذلك الصيام، فيتعلّم: أحكامه، وشروطه، وأركانه، وواجباته، ومفسدات الصوم، ومن يعذر في الصوم، ومستحباته، وآدابه، وغير ذلك من الأحكام، حتى يعبد الله تعالى بهذه العبادة على بصيرة. ثانياً: عدم الاستحياء من الله حق الحياء؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((استحيوا من الله حق الحياء)) قال: قلنا: يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله، قال: ((ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبِلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)) (¬2). ¬
وهذا الحديث فيه أن الاستحياء من الله حق الحياء هو حفظ جميع الجوارح عما لا يرضي الله تعالى: فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أن تحفظ الرأس)) أي عن استعماله في غير طاعة الله تعالى، بأن لا تسجد لغير الله، ولا تُصلِّي للرياء، ولا تخضع لغير الله، ولا ترفعه تكبراً. وقوله: ((وما وعى)) أي ما جمعه الرأس: من اللسان، والعينين، والأذنين، فيحفظ هذه الجوارح عما لا يحل استعماله: 1 - فَحِفْظُ اللسان: صيامه عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والبهتان، وقول الزور، واللغو، والرفث؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من يضمن لي ما بين لَحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) (¬1)، وقال - صلى الله عليه وسلم - حينما سُئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: ((تقوى الله وحسن الخلق))، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: ((الفم والفرج)) (¬2). 2 - وحفظ البصر: صيامه عن النظر إلى ما حرم الله تعالى، قال سبحانه: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (¬3). ¬
3 - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وتحفظ البطن)) أي عن أكل الحرام: كالرِّبا، وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك من أكل شيءٍ حرّمه الله، فلا يدخل فيه إلا الحلال. قوله: ((وما حوى)) أي ما اتصل اجتماعه بالبطن: من الفرج، والرجلين، واليدين، والقلب (¬1): 4 - فيحفظ الفرج عما حرَّم الله تعالى: من الزنا، واللواط، والاستمناء، وغيرها مما حرم الله تعالى. 5 - ويحفظ الرجلين فلا يمشي بهما إلى ما حرم الله تعالى، ولا يفعل بهما شيئاً حرمه الله - عز وجل -. 6 - ويحفظ اليدين فلا يبطش بهما فيما حرم الله، ولا يكتب بيده شيئاً حرمه الله تعالى. 7 - ويحفظ القلب عن: الحسد المحرم، وعن الحقد، والكِبْر. وهذه الجوارح السبع هي مراكب العطب لمن استخدمها في معصية الله - عز وجل -، ومراكب النجاة لمن استخدمها فيما يرضي الله تعالى، كما ذكر ابن القيم رحمه الله. ولا شك أنه: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) (¬2)، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث مهلكات)) الحديث، ثم قال: ((فأما المهلكات: ¬
ثالثا: الإسراف والتبذير
فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه)) (¬1). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وتذكر الموت والبلى)) أي تذكر صيرورتك في القبر عظاماً بالية. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا))؛ فإنهما لا يجتمعان على وجه الكمال، حتى للأقوياء؛ لأنهما ضرتان فمتى أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)) أي جميع ما ذكر آنفاً (¬2). فكثير من الصائمين لا يستحيون من الله تعالى حق الحياء، ويدل على ذلك قول الله - عز وجل -: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (¬3). ثالثاً: الإسراف والتبذير: الإسراف، والسرف: تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر (¬4). فالإسراف يكون: في تجاوز الحد في الإنفاق، وتضييع الأموال في غير فائدة، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (¬5). ويكون الإسراف: تارة في القدر، وتارة في الكيفية؛ ولهذا قال سفيان: ¬
((ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، قال الله تعالى: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين} (¬1). ويكون الإسراف في تجاوز الحد في الأمور: في الكبائر من الذنوب، وغيرها، قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّار} (¬2)،وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله} (¬3)، فالإسراف يتناول الزيادة في الحد من المال وغيره. وأما التبذير: فهو التفريق، وأصله: إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكل مضيع لماله؛ فتبذير البذر تضييع في الظاهر ممن لم يعرف مآل ما يُلقيه، قال الله تعالى: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (¬4). فكثير من الناس في رمضان خاصة يسرفون ويبذرون في الأطعمة والأشربة، ويُلْقُون ما زاد وما فاض في المزابل، والطرقات، ويزيدون ويتجاوزون الحد في ذلك، وهذا لا يجوز للمسلم؛ لقول الله - عز وجل -: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين} (¬5). ¬
وروى البخاري في صحيحه معلقاً مجزوماً به، فقال: وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلوا، واشربوا، والبسوا، وتصدقوا في غير إسرافٍ ولا مخيلة)) (¬1). وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ((كل ما شئت، والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة)) (¬2). وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلوا، واشربوا، وتصدقوا، والبسوا، ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة)) (¬3). وفي لفظٍ لأحمد: ((كلوا، واشربوا، وتصدقوا، والبسوا في غير مخيلة ولا سرفٍ إن الله يحب أن تُرى نعمته على عبده)) (¬4). ولفظ الترمذي مختصراً: ((إنَّ الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)) (¬5). والإسراف مذموم حتى في الطهارة من الحدث أو إزالة النجاسة؛ ولهذا ثبت من حديث عبد الله بن معقل، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ¬
((سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء)) (¬1). والله تعالى يكره الإسراف وإضاعة المال، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً (¬2)،ولا تفرقوا (¬3)، ويكره لكم: قيل وقال (¬4)، وكثرة السؤال (¬5)، وإضاعة المال (¬6))) (¬7). وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله - عز وجل - حرم عليكم عقوق الأمهات (¬8)، ووأد البنات (¬9)، ومنعاً وهات (¬10)، وكره لكم ¬
ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) (¬1). وكل هذه النصوص المذكورة تدل على تحريم الإسراف، والتبذير، وإضاعة المال، فلا يجوز للمسلم أن يفعل شيئاً من ذلك متعمِّداً، وقد رأى كثير من الناس إسراف أكثر الخلق في رمضان خاصة: فترى أنواع الأطعمة، وأنواع الأشربة، وأنواع الفواكه والخضراوات، ثم بعد الفراغ من الأكل تُلقى في الزبايل مع القاذورات. وقد روى أبو أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((سيكون رجال من أمتي: يأكلون ألوان الطعام، ويشربون ألوان الشراب، ويلبسون ألوان اللباس، ويتشدَّقون في الكلام، فأولئك شرار أمتي)) (¬2). وقد نَظَّم الإسلام أكل المسلم وشربه، فعن المقدام بن معدِيكَرِب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما ملأ آدميٌّ وِعَاءً شراً من بطنٍ، بحسب ابن آدم أُكلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإن كان لا محالةَ: فَثُلُثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثُلُثٌ لنَفَسِهِ)) (¬3). ¬
رابعا: الاعتداء في الدعاء
ولا شك أن فضول الطعام وزيادته على القدر المطلوب من مفسدات القلب والجسم. رابعاً: الاعتداء في الدعاء، سواء كان ذلك من الإمام في دعاء القنوت، أو من غيره في دعائه لنفسه، فينبغي للداعي أن يختار جوامع الدعاء ويترك التفصيل؛ فإن التفصيل في الدعاء من الاعتداء، فعن ابن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة، ونعيمها، وبهجتها، وكذا، وكذا، فقال: يا بني إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((سيكون قوم يعتدون في الدعاء))، فإياك أن تكون منهم: إنك إن اُعطيت الجنة أُعطيتها وما فيها من الخير، وإن أُعِذت من النار أُعِذت منها، وما فيها من الشر))، وهذا لفظ أبي داود. وفي لفظ لأحمد: ((أن سعداً سمع ابناً له يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك الجنة، ونعيمها، وإستبرقها، ونحواً من ذلك، وأعوذ بك من النار، وسلاسلها، وأغلالها، فقال: لقد سألت الله خيراً كثيراً، وتعوذت بالله من شرٍّ كثيرٍ، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء)) وقرأ هذه الآية: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} (¬1) (¬2)، وإنَّ حسبك أن تقول: ((اللهم إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول ¬
خامسا: تكليف الأهل بصنع كثير من الأطعمة والأشربة
أو عمل [وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل])) (¬1). فينبغي للمسلم أن يتقي الله تعالى في دعائه، وخاصة الأئمة عليهم بجوامع الدعاء، والأدعية المأثورة: من القرآن والسنة، ففيهما: الخير، والبركة. خامساً: تكليف الأهل بصنع كثير من الأطعمة والأشربة: وهذا فيه: أن الزوج أو صاحب البيت يَحْرِم زوجته أو خدمه من كثير من الخير؛ فإن كثيراً من النساء تطبخ من بعد صلاة الظهر، وتعدّ أنواع الأشربة والأطعمة، إلى صلاة المغرب، ثم بعد الانتهاء من الطعام تقوم بتنظيف الأواني إلى وقت متأخرٍ من الليل، وربما فاتتها أو فات الخدم والخادمات أداء الصلاة في وقتها، ثم بعد ذلك الاستعداد لوجبة السحور، فيكون أهل البيت عند كثيرٍ من الناس قد حُرِمُوا صلاة التراويح، أو فرَّطوا في صلاة الفريضة. سادساً: النوم وقت السحر، فيخسر غذاء روحه وهو الاستغفار، قال الله تعالى: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون} (¬2)، قال طاوس بن كيسان اليماني: ((ما كنت أظنُّ أحداً من أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - ينام وقت السحر)). وقد ألِف الصالحون إحياء سحرهم بالاستغفار رغبة في الثواب، ¬
سابعا: عدم صلاة الفجر، إما بالنوم عنها، أو صلاتها قبل وقتها
وطمعاً في الجنة، وعملاً بالسنة، واستجابة لأمر الله تعالى قبل ذلك كله. ومع خسارة غذاء الروح يخسر كذلك غذاء البدن، إذْ من السُّنة السحور، وهو الأكل في السحر، آخر الليل إلى طلوع الفجر الثاني؛ ولهذا يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((تسحَّروا فإن في السحور بركة)) (¬1)، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَّحَر)) (¬2)، وهذا يدل على أن ترك السحور تشبه بأهل الكتاب، وقد أُمرنا بمخالفتهم، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((السحور كله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء؛ فإن الله - عز وجل - وملائكته يصلون على المتسحرين)) (¬3)؛ فلماذا يحرم العاقل نفسه هذا الفضل وهو صلاة الله، وملائكته، مع المنافع الأخرى. سابعاً: عدم صلاة الفجر، إما بالنوم عنها، أو صلاتها قبل وقتها، أو صلاتها بنوم، أو عدم إكمالها أو صلاتها في المنزل، وصاحب هذا العمل نخشى أن يكون حظَّه من صومه الجوع والعطش، وصلاة الفجر من أعظم الصلوات، بل هي ميزان المؤمن، وعلامة استقامته وصلاحه، أقسم الله تعالى بها وقرنها بأفضل الأوقات، إذ قرنها بعشر ذي الحجة، وبالشفع والوتر، وبالليل إذا يسرِ، وهي حفظ للعبد في ليله إذ ¬
ثامنا: النوم معظم النهار
يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)) (¬1)، وحفظ للعبد نهاره، يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى الصبح فهو في ذمة الله)) (¬2) (¬3)، وفضائلها لا تُحصى، فمن صلاّها جماعة كان: عظيما، ً مؤمناً، قويّاً، نورانيّاً، مباركاً، منتصراً على نفسه، وعلى شيطانه، حافظاً لوقته، مستثمراً حياته، ومن ضيعها ضاع لُبّ عمره، وقلّت بركته، واتصف بصفة المنافقين، والواجب على المسلم أن يجتهد للاستيقاظ للفجر، ويبذل كل جهده، أخذاً بالأسباب المعينة له على ذلك. ثامناً: النوم معظم النهار، وهذا العمل مخالفة لسنة الله، إذ جعل الليل لباساً والنهار معاشاً، وفيه تفويت الخير على النفس، إذ العمل في الصيام أفضل من العمل في غيره؛ لشرف الزمان، وفيه ضياع الوقت وخسارة العمر، وفيه إظهار التضجر من العبادات والسآمة من الصالحات، والكآبة من الطاعات، وفيه تصوير مشقة التكاليف، وفيه الدعوة إلى الكسل، واتهام الإسلام بأنه دين الكسل والخمول، وكم من المفاسد في ذلك، وأحسن نوم النهار هو القيلولة لإراحة الجسد ولإعانته على قيام الليل. تاسعاً: ضياع الأوقات ما بين نوم، وقيل وقال، وكثرة سؤال فيما لا فائدة فيه، وأخبار لا مصلحة من ورائها، ومصاحبة أشرار وتمشيات، ¬
عاشرا: إهمال قراءة القرآن والانشغال عنه وحرمان أجره
وما شابه ذلك، ووقت المسلم نفيس، وهو في رمضان أنفس؛ لشرف الزمان وشرف المكان. والوقت يتميز بأمور، منها: أن ما مضى منه لا يعود، ومنها سرعة انقضائه، ومنها أنه أغلى من الذهب والفضة، ومنها أنه غنيمة، وأنه نعمة، وأنه عظيم أقسم الله به. عاشراً: إهمال قراءة القرآن والانشغال عنه وحرمان أجره، والصارف عن ذلك هو كثرة النوم، وكثرة اللهو، وكثرة اللعب، والغفلة بالدنيا، والاقتران بأهل السوء، وظلمة القلوب، وضيق الصدور، وتسلط الشيطان، وكثرة العصيان، وقلة الإيمان. والقرآن هو كلام الله الذي لو أنزله على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وهو الذي فتح الله به القلوب، وغفر به الذنوب، وستر به العيوب، ونال به العبد المطلوب، ونجا من المرهوب. ورمضان هو شهر القرآن، إذ أنزل الله القرآن في رمضان، وكان جبريل يعارض النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن في رمضان، وكان السلف يتركون كل شيء في رمضان ويتوجهون للقرآن، وسيأتي الكلام عنه في المبحث الثامن والعشرين إن شاء الله. الحادي عشر: ترك الدعاء عند الفطر وفي أثناء الصوم، والدعاء هو العبادة، والداعي يظهر ذُلّه لله وخضوعه له، وحاجته إليه، فيبقى دائم الصلة به، وقد جعل الله للدعاء أوقات إجابة، منها: دعوة
الثاني عشر: ترك صلاة المغرب في المسجد، والانشغال بالإفطار
الصائم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا تردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم))، وفي لفظ: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم)) (¬1). وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر أن يقول: ((ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله)) (¬2). الثاني عشر: ترك صلاة المغرب في المسجد، والانشغال بالإفطار والتعلل بمثل حديث: ((إذا حضر العَشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعَشاء)) (¬3)، وبمثل حديث: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)) (¬4). وقد كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - أنه يفطر على رطباتٍ، أو تمراتٍ، أو حسواتٍ من ماء، ثم يُصلِّي ولا يشغله الطعام عن الصلاة، فينبغي للمسلم الاقتداء بالسنة في الإفطار على تمرات، ثم صلاة الجماعة. الثالث عشر: ترك صلاة التراويح لا مع الإمام بعد العشاء ولا ¬
في البيت وحده، وصلاته مع الإمام أفضل من صلاته وحده؛ لأن السنة وردت بذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بأصحابه ثلاث ليالٍ ولم يخرج الرابعة خشية فرضها عليهم، وعدم استطاعتهم لها، وجمع عمر المسلمين على صلاة التراويح خلف أُبيّ بن كعب - رضي الله عنهم -، وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) (¬1)، وفي الحديث: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه)) (¬2). وقد مَدَحَ الله أهل القيام وجعل من صفات أهل الجنة أنهم كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، يقول تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِين * كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون} (¬3)، وعدم قيام الليل يضيِّع على الإنسان أجراً عظيماً، ويدعو العبد إلى الغفلة وإلى استحواذ الشيطان، فعلى العاقل اللبيب أن لا يضيع هذه الغنيمة الجليلة، وأن لا يخسر هذا الربح العظيم، ففي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله، ومنهاةٌ عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد)) (¬4). ¬
الرابع عشر: السهر الطويل إما كل الليل وإما معظم الليل
الرابع عشر: السهر الطويل إما كل الليل وإما معظم الليل، والسهر مرض عُضَالٌ نَخَرَ القلوب، وفوَّت الخيرات، ونوّع السيئات، وزهَّد في الصالحات، يحصل به مفاسد عظيمة، وأضرار جسيمة، ومخاطر وَبِيلَة، منها: 1 - مخالفة سنة الله تعالى، إذ سنته أن الليل لباسٌ والنهار معاشٌ، فالليل للسكن والراحة والنوم، والنهار للحركة والمعاش واليقظة؛ ولذا كان الليل مظلماً للسكون، والنهار مبصراً للتحرك. 2 - مخالفة هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذ كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها (¬1)، أي الحديث المباح، وأما المحرم فهو محرم على الدوام، وكان ينام أول الليل ويستيقظ بعد منتصف الليل إلى آخره، فيصلي إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة - صلى الله عليه وسلم -. 3 - الإضرار بالنفس؛ لأن من حق النفس النوم، وحرمانها من ذلك إضرار بها، والإضرار بها حرام، قال تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬2)، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((وإن لنفسك عليك حقاً)) (¬3)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ¬
4 - الإضرار بالغير
((لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (¬1). 4 - الإضرار بالغير، إذ يزعج غيره بأصواته وصياحه ولعبه ولهوه، والإضرار بالمسلم حرام، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أَمِنَهُ الناس على دمائهم وأموالهم)) (¬3)، ولفظ البخاري عن عبد الله بن عمرورضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) (¬4). 5 - حرمان قيام الليل، ومن حُرِمَه فقد حُرِمَ خيراً كثيراً، وقد كان السلف يرون حرمانه أثراً من آثار الذنوب. 6 - حرمان مغفرة الذنوب، وحرمان إجابة الدعاء، وحرمان إعطاء ¬
7 - حرمان صلاة الفجر
السؤال، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له، مَن يسألني فأعطيَه، مَن يستغفرني فأغفرَ له)) (¬1). 7 - حرمان صلاة الفجر، وصلاة الفجر هي سمة المؤمنين، والثقيلة على المنافقين، والحرب على الشياطين، فضائلها لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأضرار السهر كثيرة، وما ذُكِرَ هنا منها إلا القليل (¬2). الخامس عشر: الأكل والشرب أثناء أذان المؤذن لصلاة الفجر، حتى ينتهي المؤذِّن، والواجب الإمساك عند بدء الأذان، إذا كان المؤذن يؤذن على الوقت؛ لأن الأذان للفجر إعلام بطلوع الفجر الثاني الذي قال الله تعالى فيه: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (¬3). السادس عشر: التفريط في الجمع بين الجهاد بالليل والنهار؛ فإن المؤمن إذا صام نهار رمضان، وقام ليله بصلاة التراويح، فقد جمع بين جهادين عظيمين من جهاد النفس؛ ولهذا قال الإمام الحافظ ابن رجب رحمه الله: ((واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان: 1 - جهاد لنفسه بالنهار على الصيام. ¬
السابع عشر: نقر صلاة التراويح:
2 - جهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين ووفَّى بحقوقهما، وصبر عليهما وُفِّيَ أجره بغير حساب، وقال الفضيل: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم قد قيدتك خطيئتك)). وقيل لابن مسعود - رضي الله عنه -:ما نستطيع قيام الليل؟ قال: ((أقعدتكم ذنوبكم)). السابع عشر: نقر صلاة التراويح: من الأخطاء الظاهرة عند بعض المصلين، وخاصة الأئمة الذين يصلون بالناس؛ فإن بعضهم قد اعتاد التخفيف الذي يتعدَّى حده حتى يحصل الإخلال بالأركان، والواجبات، فيتركون الطمأنينة في الركوع والسجود، ويدمجون حروف تلاوة كتاب الله تعالى، وكل ذلك من الرغبة في العجلة: إما لأنه يريد التخلص من صلاة التراويح، أو أنه يريد الرياء والعياذ بالله؛ بحيث يجذب كثيراً من الجهلة الذين يرغبون أن يصلوا صلاة التراويح في دقائق معدودة، وهذا من مكائد الشيطان لأهل الإيمان؛ ليبطل العامل عمله، بل كثير ممن أطاعوا الشيطان صلاتهم أقرب إلى اللعب منها للطاعة، فيجب على المصلي إذا دخل في الصلاة أن يقيم الصلاة بصورتها الظاهرة: من القراءة، والقيام، والركوع، والسجود، ونحو ذلك، والباطنة: من الخشوع، وحضور القلب، وكمال الإخلاص، والتدبر والتفهم لمعاني كتاب الله تعالى، ونحو ذلك (¬1). وكثير من الأئمة في البلدان يفعل في صلاة التراويح فعل أهل ¬
الجاهلية، ويصلون صلاة لا يعقلونها، والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى، واتعاظه وتَدَبُّرِهِ لكلام الله - عز وجل -، وأما إذا حدث فرقة بين الإمام والجماعة، وصار هواهم التخفيف ولم يوافقوه على فعل السنة، فالذي ينبغي له الحرص على الطمأنينة، ولا يستعجل عجلة تخل بالطمأنينة، فعليه أن يقصِّر القراءة مع الخشوع في الركوع والسجود، وكذلك عشر ركعات مع الوتر أفضل من عشرين ركعة مع الوتر مع العجلة المكروهة؛ لأنَّ لُبّ الصلاة وروحها هو إقبال القلب على الله فيها، ورُبَّ قليلٍ خيرٌ من كثيرٍ (¬1). ¬
المبحث الثالث والعشرون: صيام التطوع
المبحث الثالث والعشرون: صيام التطوع أولاً: مفهوم التطوع: التطوع: النافلة، وكل متنفِّل خيرٍ متطوع (¬1)، قال الله تعالى: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّه} (¬2). والتطوع: ما تبرع به المسلم من ذات نفسه، مما لا يلزمه فرضه (¬3). ثانياً: فضائل صيام التطوع: صيام التطوع له فضائل كثيرة عظيمة، منها الفضائل الآتية: 1 - صيام التطوع تُكمَّل به فريضة الصيام يوم القيامة؛ لحديث تميم الداري - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((أوَّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمها كُتبت له تامة، وإن لم يكن أتمها قال الله - عز وجل - لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكمِّلون بها فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)) (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن أوَّل ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم: الصلاة، قال يقول ربنا - عز وجل - ¬
لملائكته - وهو أعلم -: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها، فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتمُّوا لعبدي فريضته من تطوعه، ثُمّ تؤخذ الأعمال على ذاكم))، ولفظ الترمذي: ((إن أوَّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب - عز وجل -: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك))، وفي لفظ ابن ماجه: (( ... فإن كان له تطوع أُكملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك))، وفي لفظٍ لأحمد: ((أوَّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن صلحت ... ))، وقال يزيد مرة: ((فإن أتمها وإلا زيد فيها من تطوعه، ثم يُفعل بسائر الأعمال المفروضة كذلك))، وفي لفظ لأحمد أيضاً: (( .. انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فأكملوا ما ضيَّع من فريضته، ثم الزكاة، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)) (¬1). ¬
2 - صيام التطوع جنة يقي صاحبه من النار
2 - صيام التطوع جُنُّةٌ يقي صاحبه من النار؛ لحديث كعب بن عجرة - رضي الله عنه -، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (( .. يا كعب بن عجرة الصلاة برهان، والصوم جُنّةٌ حصينةٌ ... )) (¬1)؛ ولحديث جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((قال ربنا - عز وجل -: الصيام جُنَّة (¬2) يستجن بها العبد من النار، وهو لي وأنا أجزي به)) (¬3)؛ ولحديث عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمعه يقول: ((الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال)) (¬4). 3 - الصيام حصن حصين من النار؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصيام جنة وحصن حصين من النار)) (¬5). 4 - صيام التطوع جُنّة من الشهوات؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ¬
5 - صيام يوم في سبيل الله يباعد الله النار عن وجه صاحبه سبعين سنة
فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) (¬1). 5 - صيام يوم في سبيل الله يباعد الله النار عن وجه صاحبه سبعين سنة؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من صام يوماً في سبيل الله بعّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) (¬2). 6 - الصوم وصية النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عِدْل له، ولا مثل له؛ لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، قال: ((قلت: يا رسول الله مُرني بأمر ينفعني الله به))، وفي لفظ: ((أي العمل أفضل؟ قال: ((عليك بالصوم فإنه لا مِثلَ له))، وفي لفظٍ: ((عليك بالصوم فإنه لا عِدل له)) (¬3). 7 - الصيام يُنادَى صاحبه لدخول الجنّة يوم القيامة من باب الريان؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله نُوديَ من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان، ومن كان من أهل ¬
8 - الصيام من أول الخصال التي تدخل الجنة
الصدقة دُعي من باب الصدقة))، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلِّها؟ قال: ((نعم، وأرجو أن تكون منهم)) (¬1). 8 - الصيام من أوَّل الخصال التي تدخل الجنة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أصبح منكم اليوم صائماً؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن اتبع منكم اليوم جنازة؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟))، قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة))، وفي لفظ للبخاري في الأدب المفرد: ((ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة)) (¬2). 9 - صيام التطوع كفارة للذنوب؛ لحديث حذيفة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فتنة الرجل في أهله، وماله، وولده، وجاره، تكفرها: الصلاة، والصوم، والصدقة، والأمر، والنهي))، وفي لفظ: ((والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (¬3). 10 - الصوم يزيل الأحقاد والضغائن والوسوسة من الصدور؛ لحديث ابن عباس والأعرابي - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((صوم شهر ¬
11 - أعد الله الغرف العاليات في الجنة لمن صام صيام التطوع
الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر: يُذْهِبْنَ وحَرَ (¬1) الصدر)) (¬2). 11 - أعدَّ الله الغرف العاليات في الجنة لمن صام صيام التطوع المشروع وتابعه؛ لحديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وأَلانَ الكلام وتابع الصيام، وأفشى السلام، وصلّى بالليل والناس نيام)) (¬3). 12 - صيام التطوع من الغنائم العظيمة؛ لحديث عامر بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء)) (¬4). 13 - الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربِّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فَشَفِّعْني فيه، ¬
14 - من ختم له بصيام يوم يريد به وجه الله أدخله الله الجنة
ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشَفِّعْنِي فيه)) (¬1). 14 - من خُتم له بصيام يوم يريد به وجه الله أدخله الله الجنة؛ لحديث حذيفة - رضي الله عنه -، قال أسندتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدري، فقال: ((من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله خُتِمَ له بها دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله خُتم له بها (¬2) دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله خُتِمَ له بها دخل الجنة)) (¬3). 15 - للصائم فرحتان يفرحهما؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: (( ... وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه)) (¬4). 16 - الصائم له دعوة لا ترد حتى يفطر، وحين يفطر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها ¬
ثالثا: فوائد صيام التطوع وحكمه
أبواب السماء، ويقول الربُّ: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)) (¬1)، وفي نسخة للترمذي بلفظ: (( ... حين يفطر)) (¬2). ثالثاً: فوائد صيام التطوع وحِكَمُه صيام التطوع له فوائد ومنافع، وحِكم منها ما يأتي: 1 - الصوم وسيلة إلى التقوى؛ لأن النفس إذا انقادت للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة الله، وخوفاً من عقابه، فمن باب أولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سبباً من أسباب التقوى. 2 - الصوم وسيلة إلى شكر النعم؛ لأن كفَّ النفس عن الأكل والشرب، وسائر المفطرات من أجلِّ النعم؛ لأن الامتناع عن هذه النعم زمناً معتبراً يُعرِّف قدرها؛ لأن النعم مجهولة فإذا فُقِدَتْ عُرِفَتْ، فيحمل ذلك على القيام بشكر الله تعالى؛ ولهذا إذا أفطر الصائم وجد لذةً عظيمة للطعام والشراب البارد على الظمأ، فيشكر الله تعالى. 3 - الصوم يكسر النفس ويحدّ من الشهوة؛ لأن النفس إذا شبعت رغبت في الشهوات؛ ولأن الشّبع، والرّيّ، ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والبطر، والغفلة، وإذا جاعت امتنعت عما تهوى. ¬
4 - الصوم يجعل القلب يتخلى للذكر والفكر
4 - الصوم يجعل القلب يتخلّى للذكر والفكر؛ لأن تناول الشهوات يسبب الغفلة، ورُبما يقسِّي القلب، ويعمي عن الحق، وتحول بين العبد وبين الذكر والفكر، وتستدعي الغفلة، وخلوّ البطن من الطعام والشراب ينوِّر القلب، ويوجب رقته، ويزيل قسوته. 5 - الصوم يعرِّف الغني قدر نعمة الله عليه، وقد حُرِمها كثير من الخلق؛ لأن الصائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ذكر من هذا حاله في جميع الأوقات، وغالبها، فتسارع إلى قلبه الرحمة لهؤلاء المساكين، فيحسن إليهم، فيحصل على الثواب العظيم من الله الغني الكريم. 6 - الصوم يضبط النفس، ويُقَلِّل من كبريائها؛ ولهذا يضبط الصائم نفسه، ويسيطر عليها، ويقودها لما فيه سعادتها، ويمرِّنها على الطاعة. 7 - الصوم يُضَيِّق مجاري الدم، فتضيق مجاري الشيطان، فيقهر بذلك الشيطان. 8 - الصوم عبادة لله يظهر بها من له الرغبة فيما عند الله تعالى من الثواب الكبير. 9 - الصوم يترتَّب عليه فوائد صِحيَّة تحصل بسبب تقليل الطعام، وإراحة جهاز الهضم فيدفع الله بذلك كثيراً من الأمراض الخطيرة على الإنسان (¬1). رابعاً: أقسام صوم التطوع: مطلق ومقيد: صوم التطوع ينقسم إلى قسمين: ¬
القسم الأول: صوم التطوع المطلق
القسم الأول: صوم التطوع المطلق: وهو ما جاء في النصوص غير مقيد بوقتٍ أو زمنٍ معين. القسم الثاني: صوم التطوع المعيَّن: وهو ما جاء في النصوص مقيد بزمن معيّن أو وقت معيّن، كصوم الست من شوال، ويوم الإثنين والخميس، وأيام البيض، ويوم عاشوراء، وصوم يوم عرفة، وصوم شهر شعبان، وصوم شهر الله المحرم، وغير ذلك، وسيأتي إن شاء الله تعالى التفصيل في الصوم المُعيَّن. وأما الصوم المطلق فقد جاءت الأحاديث الكثيرة في الترغيب فيه، ومنها ما يأتي: 1 - حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر من الشهر حتى نظن أنه لا يصوم منه، ويصوم حتى نظن أنه لا يفطر منه شيئاً، وكان لا تشاء تراه من الليل مصلياًّ إلا رأيته، ولا نائماً إلا رأيته))، وفي لفظ للبخاري: ((ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائماً إلا رأيته، ولا مفطراً إلا رأيته، ولا من الليل قائماً إلاّ رأيته، ولا نائماً إلا رأيته، ولا مَسِسْت خزةً (¬1) ولا حريرةً [ولا ديباجاً (¬2)] ألينَ من كفِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شممت عبيراً أطيب رائحةً من رائحة ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -))، وفي لفظ: ((ولا شممت ريحاً قط، أو عرفاً (¬1) قط أطيب من ريح أو عرفِ النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). 2 - حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: ((ما صام النبي - صلى الله عليه وسلم - شهراً كاملاً قط غير رمضان، ويصوم حتى يقول القائل: لا والله لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل: لا والله لا يصوم)) (¬3). 3 - حديث عائشة رضي الله عنها، قال عبد الله بن شقيق، قلت لعائشة رضي الله عنها: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهراً معلوماً سوى رمضان؟ قالت: والله إن صام شهراً معلوماً سوى رمضان حتى مضى لوجهه، ولا أفطره حتى يصيب منه))، وفي لفظ: ((ما علمته صام شهراً كله إلا رمضان، ولا أفطره كله حتى يصيب منه حتى مضى لسبيله))، وفي لفظ: ((كان يصوم حتى نقول: قد صام قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر قد أفطر، وما رأيته صام شهراً كاملاً منذ ¬
قدم المدينة إلا أن يكون رمضان)) (¬1). 4 - حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه -، ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان يسرد الصوم (¬2) فيقال: لا يفطر، ويفطر، فيقال: لا يصوم)) (¬3)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى على ما جاء في الأحاديث السابقة من أنه - صلى الله عليه وسلم - ما يحب أن يراه أحد صائماً إلا رآه صائماً، ولا مفطراً إلا رآه مفطراً قال: ((يعني أن حاله في التطوع بالصيام والقيام كان يختلف، فكان تارة يقوم من أول الليل، وتارة في وسطه، وتارة من آخره، كما كان يصوم تارة من أول الشهر، وتارة من وسطه، وتارة من آخره، فكان من أراد أن يراه في وقت من أوقات الليل قائماً، أو في وقت من أوقات الشهر صائماً فراقبه المرة بعد المرة فلا بد أن يصادفه قام أو صام على وفق ما أراد أن يراه، هذا معنى الخبر، وليس المراد أنه كان يسرد الصوم، ولا أنه كان يستوعب الليل قياماً)) (¬4). ¬
خامسا: صوم التطوع المقيد: أنواع:
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((قال العلماء: والسر في هذا والله أعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا كثرت المشاغل أخَّر الصيام واشتغل بالجهاد، والنظر في حل المشكلات، فإن الصوم يضعفه عن ذلك، فإذا جاء الفراغ وقلة المشاغل سرد الصوم، فيتعوَّض بسرد الصوم عن سرد الإفطار، ويتَحَرَّى الأوقات المناسبة للإفطار، وهكذا ينبغي للمسلم ... )) (¬1). خامساً: صوم التطوع المقيد: أنواع: صوم التطوع المقيد أفضل من صوم التطوع المطلق كالصلاة؛ فإن التطوع المقيد منها أفضل من التطوع المطلق (¬2)، وصوم التطوع المقيد أنواع على النحو الآتي: النوع الأول: صيام ستة أيام من شوال؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستّاً من شوال كان كصيام الدهر)) (¬3)؛ ولحديث ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)) (¬4)، قال الإمام النووي رحمه الله: ((والأفضل أن تُصامَ الستة متوالية، عقب يوم الفطر، فإن فرّقها، أو ¬
النوع الثاني: صيام تسع ذي الحجة؛ لحديث بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -
أخرها عن أوائل شوال إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة؛ لأنه يصدق أنه أتبعه ستاً من شوال، قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين ... )) (¬1)، ولا تصام الست من شوال قبل القضاء من رمضان لمن كان عليه قضاء؛ لأن من صام الست قبل القضاء لا يصدق عليه أنه صام رمضان، فلا يحصل على ثوابها الذي بيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد إكمال رمضان؛ ولأن من قدَّم صيام الست على القضاء لم يتبعها رمضان، وإنما أتبعها بعض رمضان؛ ولأن القضاء فرض وصيام الست تطوع، والفرض أولى بالاهتمام والعناية (¬2). واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن صيام الست يحصل ثوابه بالتتابع، والتفريق، فقال: ((وسواء صامها عقيب الفطر، أو فصل بينهما، وسواء تابعها أو فرقها)) (¬3). النوع الثاني: صيام تسع ذي الحجة؛ لحديث بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يصوم تسعاً من ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهرٍ: أول إثنين من الشهر، وخميسين)) (¬4). ¬
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) فقالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) (¬1)، ولا شك أن الصيام من جملة الأعمال الصالحة، بل الصيام لا عدل له ولا مثل له، وهو يدخل في أعظم الأعمال الصالحة التي حث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها في أيام عشر ذي الحجة، كما في هذا الحديث الصحيح. وأما حديث عائشة رضي الله عنها من قولها: ((ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائماً في العشر قط)) (¬2)،فقال الإمام النووي رحمه الله عن هذا الحديث: (( ... فيتأول قولها: لم يصم العشر: أنه لم يصمه لعارضِ مرضٍ أو سفر، أو غيرهما، أو أنها لم تره صائماً فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر)) (¬3). ¬
النوع الثالث: صيام يوم عرفة لغير الحاج
وقال الإمام النووي رحمه الله: (( .. فليس في صوم هذه التسعة كراهة بل هي مستحبة استحباباً شديداً، لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة .. )) (¬1). النوع الثالث: صيام يوم عرفة لغير الحاج؛ لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه -،وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ... صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده ... )) (¬2)،وهذا الحديث فيه البيان والترغيب في صوم يوم عرفة لغير الحاج، وأن من صامه يكفر ذنوبه في السنتين (¬3). أما الحاج فالمشروع له، أن يكون مفطراً يوم عرفة بعرفة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفطر في ذلك اليوم والناس ينظرون إليه؛ ولأنه أقوى للحاج على العبادة والدعاء في ذلك اليوم العظيم؛ لحديث أم الفضل: ((أن ناساً تماروا (¬4) عندها يوم عرفة في صوم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم ليس بصائم، فأرسلتْ إليه بقدح لبنٍ، وهو واقف على بعيره فشربه)) (¬5). وعن ميمونة رضي الله عنها أن الناس شكَّوا في صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة ¬
النوع الرابع: صيام شهر الله المحرم
فأرسلتُ إليه بحلابٍ (¬1) وهو واقف في الموقف، فشرب منه والناس ينظرون)) (¬2)، وهذان الحديثان يدلان على أن المشروع للحاج أن يكون مفطراً في يوم عرفة في عرفات. ويحتمل التعدد في كون كل واحدة أرسلت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أنهما معاً أرسلتا فنسب ذلك إلى كل منهما؛ لأنهما كانتا أختين)) (¬3) أم الفضل بنت الحارث، وميمونة بنت الحارث، والخلاصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مفطراً يوم عرفة في عرفة. النوع الرابع: صيام شهر الله المحرم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) (¬4). في هذا الحديث التصريح بأن شهر الله المحرم أفضل الشهور للصوم، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر من الصيام في شعبان دون المحرم، ولعله - صلى الله عليه وسلم - إنما علم فضل صيام المحرم في آخر حياته، أو لعله كان يعرض له فيه أعذار: من سفر، أو مرض، أو غيرهما (¬5). ¬
النوع الخامس: صيام يوم عاشوراء ويوم قبله أو بعده:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وهذا في أفضل الصيام لمن يصوم شهراً واحداً والأُولَى (¬1) من أفضل الصيام لمن يصوم صوماً دائماً)) (¬2). النوع الخامس: صيام يوم عاشوراء ويوم قبله أو بعده: صوم اليوم العاشر من شهر الله المحرم سنة مؤكدة، وصوم يوم عاشوراء يكفِّر ذنوب السنة التي قبله، وقد صامه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية والإسلام، وحث على صيامه ورغب فيه، وصامه موسى شكراً لله تعالى على أن نجَّاه وقومه فيه من الغرق، وأغرق عدوَّه فرعون وقومه، والسنة أن يُصام اليوم التاسع مع العاشر، فإن لم يصم التاسع صام معه الحادي عشر، وإن صام يوماً قبله ويوماً بعده كان أكمل وأعظم في الأجر، وقد ثبتت الأحاديث الكثيرة في مشروعية صوم يوم عاشوراء، ومنها الأحاديث الآتية: 1 - حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كانت قُريشٌ تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه [في الجاهلية]، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فُرِضَ شهر رمضان، قال: ((من شاء صامه، ومن شاء تركه)) (¬3). ¬
2 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن عاشوراء يومٌ من أيام الله، فمن شاء صامه ومن شاء تركه)) (¬1). 3 - حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وقد خطب الناس في المدينة في قدمةٍ قدمها في العام الذي حج فيه قال على المنبر: ((يا أهل المدينة أين علماؤُكم؟ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((هذا يومُ عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر)) (¬2). 4 - حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ((ما هذا [اليوم الذي تصومونه؟] قالوا: هذا يوم [عظيم] صالح [أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله فنحن ¬
نصومه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فنحن أحق وأولى بموسى منكم)) فصامه وأمر بصيامه])) (¬1). 5 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرَّى صيام يومٍ فضَّله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني شهر رمضان)) (¬2). 6 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((حين صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله إنه يوم تُعظِّمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا كان العام المقبل ـ إن شاء الله ـ صمنا اليوم التاسع))، فلم يأتِ العام المقبل حتى توفّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -))، وفي رواية: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع)) (¬3)، والمعنى يعني مع العاشر، ويفسره قول ابن عباس الآتي: ما ثبت من قول ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول: ((صوموا التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود)) (¬4). ¬
8 - حديث أبي موسى - رضي الله عنه -، قال: ((كان يوم عاشوراء [يوماً تعظِّمه اليهود تتخذه عيداً] فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فصوموه أنتم)) (¬1). 9 - حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -،وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ... وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)) (¬2). قال الإمام النووي رحمه الله: ((والحاصل من مجموع الأحاديث أن ¬
مراتب صوم يوم عاشوراء ثلاثة:
يوم عاشوراء كانت الجاهلية من كفار قريش وغيرهم، واليهود يصومونه، وجاء الإسلام بصيامه متأكداً، ثم بقي صومه أخف من ذلك التأكد والله أعلم))، وقال: ((وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم))، وقال رحمه الله: ((قال الشافعي، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام العاشر ونوى صيام التاسع)) (¬1). 10 - مراتب صوم يوم عاشوراء ثلاثة: أولاً: أكملها أن يُصام قبله يومٌ وبعده يومُ. ثانياً: أن يُصام التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث. ثالثاً: إفراد العاشر وحده بالصوم. [قاله ابن القيم رحمه الله] (¬2)، والله تعالى أعلم (¬3). ¬
النوع السادس: صوم شهر شعبان
وإذا عمل المسلم بالمرتبة الأولى: وهي صيام ثلاثة أيام: اليوم التاسع، والعاشر والحادي عشر، حصل على فوائد، منها: أولاً: أدرك صيام يوم عاشوراء يقيناً لا شك فيه، لأن شهر ذي الحجة قد يكون تسعة وعشرين وقد يكون ثلاثين، فإذا لم يُرَ الهلال فقد عمل باليقين: إما رؤية الهلال أو إكمال ذي الحجة ثلاثين يوماً، وقد يخطئ، فحينئذٍ يحصل بصيام الثلاثة على إدراك يوم عاشوراء الذي يكفر به ذنوب سنة ماضية. ثانياً: حصل على صيام ثلاثة أيام من الشهر فيكتب له صيام شهر كامل. ثالثاً: صام ثلاثة أيام من شهر الله المحرم الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله المحرم)) (¬1). رابعاً: خالف اليهود في صيامهم فلم يفرد عاشوراء بالصيام، بل صام معه غيره، والله تعالى أعلم (¬2). النوع السادس: صوم شهر شعبان من الصيام المستحب صيام شهر شعبان وقد جاء في فضل صيامه أحاديث كثيرة منها الأحاديث الآتية: ¬
1 - حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان))، وفي لفظٍ للبخاري: ((لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهراً أكثر من شعبان، [فإنه كان يصوم شعبان كله] وكان يقول: ((خذوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا))،وأحب الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دُووم عليه، وإن قلّت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها))،وفي لفظ: ((سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم -:أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((أدومها وإن قل))،وقال: ((اكلفوا من الأعمال ما تطيقون))، وفي لفظ لمسلم: (( ... ولم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً)) (¬1). 2 - حديث أم سلمة رضي الله عنها، قالت: ((ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان))، وهذا لفظ الترمذي، ولفظ أبي داود: ((أنه لم يكن يصوم من السَّنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان))، ولفظ ابن ماجه: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَصِلُ شعبان برمضان))، ولفظ النسائي: ((أنه لم يكن يصوم من السَّنة شهراً تاماً ¬
إلا شعبان وَيَصِلُ بِهِ رمضان)) (¬1). 3 - حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه -، قال: قلت: يا رسول الله لم أرَك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ((ذلك شهر يغفُلُ الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين، فأُحب أن يُرفع عملي وأنا صائم)) (¬2). وذكر شيخنا ابن باز رحمه الله الجمع بين حديث عائشة (( ... وما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل شهراً قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان)) وبين حديث أم سلمة رضي الله عنها: ((ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان))، قال شيخنا: ما ذكَرَتْه في هذه الرواية هو الأغلب وهو إفطاره بعض شعبان، وفي بعض الأحيان يتمه، كما قالت عائشة في رواية النسائي ... وكما دل على ذلك حديث أم سلمة المذكور، والله ولي التوفيق (¬3). ¬
النوع السابع: صوم الإثنين والخميس:
النوع السابع: صوم الإثنين والخميس: من الصيام المستحب الذي تُرفع به الدرجات وتُكَفَّر به السيئات، صيام الإثنين والخميس من كل أسبوع، للأحاديث الآتية: 1 - حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرَّى صوم الإثنين والخميس)) (¬1). 2 - حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قلت يا رسول الله: إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهم؟، قال: ((أيّ يومين)) قلت: يوم الإثنين والخميس))، قال: ((ذانك يومان تُعْرَضُ فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أن يُعرّض عملي وأنا صائم)) (¬2). 3 - حديث حفصة رضي الله عنها، قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يصوم ثلاثة أيام من الشهر: الإثنين والخميس، والإثنين من الجمعة الأخرى)) (¬3). ¬
4 - حديث أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل شهر ثلاثة أيام: الإثنين والخميس، من هذه الجمعة، والإثنين من المقبلة)) (¬1). 5 - حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: ((ذلك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه، وأنزل علي فيه)) (¬2). 6 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل مسلم لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا، هذين حتى يصطلحا))، وفي رواية: ((تُعْرَضُ الأعمال في كل يوم خميس وإثنين فيغفر الله - عز وجل - في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أركوا هذين (¬3) حتى يصطلحا، أركوا هذين ¬
النوع الثامن: صيام ثلاثة أيام من كل شهر: وأيام البيض أفضل
حتى يصطلحا)) (¬1). النوع الثامن: صيام ثلاثة أيام من كل شهر: وأيام البيض أفضل. وردت الأحاديث في الترغيب في صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وهي مع رمضان تعدل صيام الدهر، والأحاديث في صيام ثلاثة أيام من كل شهر جاءت على قسمين: القسم الأول: صيام ثلاثة أيام من كل شهر بدون تعيين: 1 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: ((أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث [لا أدعهن حتى أموت] صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام)) (¬2). 2 - حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه -، قال: ((أوصاني حبيبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث لن أدعهن ما عشت، بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وبأن لا أنام حتى أوتر)) (¬3). 3 - حديث أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - وفيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صيام ثلاثة من كل شهر، ورمضان إلى رمضان صومُ الدهر)) (¬4). ¬
4 - حديث عائشة رضي الله عنها، فعن معاذة العدوية رضي الله عنها أنها سألت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: ((نعم))، فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم)) (¬1). 5 - حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صام ثلاثة أيام من الشهر فقد صام الدهر كله))، ثم قال: ((صدق الله في كتابه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (¬2)) (¬3). 6 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر: صوم الدهر)) (¬4). 7 - حديث عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه -، قال سمعت رسول الله ¬
- صلى الله عليه وسلم - يقول: ((صيامٌ حَسَنٌ: ثلاثة أيام من كل شهر)) (¬1). 8 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر: يوم الإثنين من أوَّل الشهر، والخميس الذي يليه، ثم الخميس الذي يليه)) (¬2). 9 - حديث هنيدة الخزاعي، قال دخلت على أم المؤمنين أم سلمة فسمعتها تقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم ثلاثة أيام من كل شهر: يوم الإثنين من أول الشهر، ثم الخميس، ثم الخميس الذي يليه)) (¬3). 10 - حديث حفصة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم ثلاثة من الشهر: الإثنين والخميس، والإثنين من الجمعة الأخرى)) (¬4). 11 - حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل شهر ¬
ثلاثة أيام: الإثنين والخميس من هذه الجمعة، والإثنين من المقبلة)) (¬1). 12 - حديث بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم تسعاً من ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر، وخميسين)) (¬2). حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: أُخبِر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنِّي أقول: والله لأصومنَّ النهار ولأقومنَّ الليل ما عشت؟ فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي، قال: ((فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقُم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر ... )). الحديث (¬3). ¬
14 - حديث رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -،قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: رجل يصوم الدهر؟ قال: ((وددت أنه لم يطعم الدهرَ))، قالوا: فثلثيه؟ قال: ((أكثر))، قالوا: فنصفه؟ قال: ((أكثر))، ثم قال: ((ألا أخبركم بما يُذْهِبُ وحَرَ الصدر؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر)) (¬1). 15 - حديث عمرو بن شرحبيل، قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل صام الدهر كله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وددت أنه لم يطعم الدهر شيئاً))، قال: فثلثيه؟ قال: ((أكثر))، قال: فنصفه؟ قال: ((أكثر)) قال:: ((أفلا أخبركم بما يُذْهِبُ وحَرَ الصدر؟)) قالوا: بلى، قال: ((صيام ثلاثة أيام من كل شهر)) (¬2). 16 - حديث أبي عقرب البكري الكناني قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصوم ... الحديث وفيه: قال: ((صم ثلاثة أيام من كل شهر)) (¬3). 17 - حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم ثلاثة ¬
القسم الثاني: صيام ثلاثة أيام من كل شهر معينة: بأيام البيض
أيام من غرة (¬1) كل شهر وقلما يفطر يوم الجمعة (¬2) (¬3). القسم الثاني: صيام ثلاثة أيام من كل شهر معينة: بأيام البيض قد جاء في ذلك أحاديث، منها الأحاديث الآتية: 1 - حديث ملحان القيسي - رضي الله عنه -، قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يأمرنا أن نصوم البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة))، قال: وقال: ((هنَّ كهيئة الدهر)) (¬4)، قال الإمام ابن الأثير: ((أيام البيض: الأيام البيض من كل شهر: ثالث عشر، ورابع عشر، وخامس عشر، وسُميت بيضاً؛ لأن لياليها بيض؛ لطلوع القمر فيها من أولها إلى آخرها، ولابد من حذف مضاف، تقديره: أيام الليالي البيض)) (¬5). ¬
2 - حديث أبي ذر - رضي الله عنه -،قال قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا ذرٍ إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة))، وفي لفظ النسائي: ((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة)) (¬1). 3 - حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، وأيام البيض: صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة)) (¬2). وهذه الأحاديث تدل على أن صيام أيام الليالي البيض أفضل إن تيسر، وإن لم يتيسر كفى صيام ثلاثة أيام من الشهر في أي وقت منه، وإن تيسر أن تكون هذه الثلاثة من أيام: الإثنين والخميس كان أفضل، وإلا فإنه يحصل على صيام الدهر كله بصيام ثلاثة أيام من كل شهر والحمد لله. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذه الأحاديث تتعلق بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وإن تيسر صيام هذه الثلاثة أيام البيض ¬
النوع التاسع: صيام يوم وإفطار يوم: صيام داود أفضل الصيام
كان ذلك أفضل، وليست سنة مستقلة، بل إن صام هذه الثلاثة البيض، وإلا صام ثلاثة أيام مطلقاً من أي أيَّام الشهر)) (¬1). وإن صام يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع - كما تقدم - كان أفضل من ذلك كلِّه؛ لأنه بهذا الصيام صام أكثر من ثلاثة أيامٍ مضاعفة، فكان ثوابه أعظم. النوع التاسع: صيام يوم وإفطار يوم: صيام داود أفضل الصيام من كان له رغبة عظيمة في الصيام وبه قوة، وأراد الزيادة على صيام الأنواع السابقة وهي: صيام ست من شوال، ويوم عرفة وتسع ذي الحجة، وعاشوراء مع يومٍ قبله أو يومٍ بعده، أو يومٍ قبله ويومٍ بعده، وشهر الله المحرم، وصوم شهر شعبان، والإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر والأفضل أن تكون البيض، من أراد الزيادة على ذلك فإنه يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يصم أكثر من ذلك؛ لأن هذا هو أعلى درجات صيام التطوع لمن قدر عليه وله نفس قوية وقدرة على ذلك؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((أحب الصلاة إلى الله صلاة داود - عليه السلام -، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوماً [ولا يفرُّ إذا لاقى ... ))، وفي لفظٍ: ((يا عبد الله ألم أُخْبَرْ أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟))، فقلت: بلى يا رسول الله! قال: ((فلا تفعل، صم ¬
وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقّاً، وإن لعينيك عليك حقّاً، وإن لزوجك عليك حقّاً وإن لزورك عليك حقاً، وفي لفظٍ: [وإن لنفسك وأهلك عليك حظّاً]، وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله))، فشددت فَشُدِّدَ عليَّ، قلت: يا رسول الله إني أجد قوة [وفي لفظ: قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((فصم يوماً وأفطر يومين))، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((صم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود - عليه السلام -، وهو أفضل الصيام))، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا أفضل من ذلك))، [وفي لفظٍ: ((لا صام من صام الأبد)) مرتين، [وفي رواية: ((اقرأ القرآن في كل شهر:)) قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فما زال حتى قال: ((في ثلاثٍ))، وفي لفظٍ: ((أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام؟))، قلت: يا رسول الله! قال: ((خمساً))، قلت: يا رسول الله! قال: ((سبعاً))، قلت: يا رسول الله! قال: ((تسعاً))، قلت: يا رسول الله! قال: ((إحدى عشرة))، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا صوم فوق صوم داود - عليه السلام - شطر الدهر ... ))، وفي لفظ: ((وكيف تختم؟))، قال: كل ليلة، قال: (( ... واقرأ القرآن في كل شهر))، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: ((صم أفضل الصوم صوم داود، صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ القرآن في كل سبع ليال مرة))، فليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذاك أني كبرت وضعفت، فكان يقرأ على بعض أهله السُّبع من القرآن بالنهار، والذي قرأه يعرضه بالنهار ليكون أخفَّ عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوَّى أفطر أياماً وأحصى وصام مثلهنَّ كراهية أن يترك شيئاً فارق النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، قال البخاري
رحمه الله في مُدَّة ختم القرآن: ((وقال بعضهم في ثلاث أو في سبع، وأكثرهم على سبع. وفي لفظٍ: ((فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك))، وفي لفظٍ: (( ... وإنك عسى أن يطول بك عمر))، وهذه ألفاظ البخاري رحمه الله وفي لفظ لمسلم: قال عبد الله: كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة، فإما ذكرتُ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإما أرسل إليَّ فأتيته فقال لي: ((ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟))، فقلت: بلى يا نبي الله، ولم أرد بذلك إلا الخير، قال: ((فإن حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام))، قلت: يا نبي الله: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((فإن لزوجك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً))، قال: ((فصم صوم داود نبي الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه كان أعبد الناس ... ))، وفي لفظ لمسلمٍ أن عبد الله قال: ((لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إليّ من أهلي ومالي))، وفي لفظٍ لمسلم: كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (( ... واقرأ القرآن في كل شهر))، قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل عشرين))، قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل عشر))، قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقاً ... ))، وفي لفظِ لمسلم: (( ... وإن لولدك عليك حقاً))، فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عليَّ، وقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنك لا تدري لعلك يطول بك عُمُرٌ))، قال: فصرت إلى الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما كبرت
سادسا: أحب التطوع إلى الله ما دووم عليه وعدم الشدة في التطوع:
وددت أني كنت قبلت رخصة نبي الله - صلى الله عليه وسلم -)). وفي لفظٍ لمسلم: ((لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد)) (¬1)، وفي لفظ أبي داود: (( ... اقرأه في سبع))، قال: إني أقوى من ذلك، قال: ((لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث))، وفي لفظ لأبي داود: ((اقرأ القرآن في شهر))، قال: إنَّ بي قُوّة، قال: ((اقرأه في ثلاث)) (¬2)، وفي لفظ للنسائي: (( ... وإن لضيفك عليك حقاً، ... وإن لصديقك عليك حقاً ... )) (¬3). سادساً: أحب التطوع إلى الله ما دُووِمَ عليه وعدم الشِّدة في التطوع: أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قلّ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
فقال: ((من هذه؟)) قلت: فلانة، لا تنام الليل، تذكر من صلاتها، فقال: ((مه، عليكم ما تطيقون من الأعمال؛ فإن الله لا يملّ حتى تملُّوا)). [وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه] (¬1)؛ ولحديث أنس - رضي الله عنه - قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين فقال: ((ما هذا الحبل؟)) قالوا: لزينب تصلي فإذا كسلت أو فَتَرتْ أمسكت به، فقال: ((لا، حُلّوه، ليُصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقْعُدْ)) (¬2). وقال مسروق: سألت عائشة رضي الله عنها: أي العمل كان أحبّ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: الدائم، قلت: متى كان يقوم؟ قالت: كان يقوم إذا سمع الصارخ (¬3)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها ترفعه، وفيه: ((خذوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا)). وأحبُّ الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دُووِمَ عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها (¬4)؛ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن ¬
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الدين يسر، ولن يشادّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسدِّدوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة، وشيء من الدّلجة)). وفي رواية: ((لن يُدخل أحداً عملُه الجنة)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((لا، ولا أنا إلا أن يتغمَّدنيَ الله بفضلٍ ورحمة، فسدِّدوا وقاربوا، ولا يتمنَّى أحدكم الموت، إما محسناً فلعله أن يزداد، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتِب)). وفي رواية: ((سدِّدوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيئاً من الدّلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا)) (¬1)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: (( ... وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ)). وفي رواية: ((سدِّدوا وقاربوا، وأبشروا؛ فإنه لا يُدخِلُ أحداً الجنةَ عملُه)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة)) (¬2)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها أنها سُئِلت كيف كان عمل النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: ((كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطيع؟)) (¬3). وفي هذه الأحاديث الحثُّ على المداومة على العمل وإن قلّ، والاقتصاد في العبادة، واجتناب التعمق والتشدد، وأن أحب الأعمال إلى ¬
الله أدومها وإن قلَّ (¬1). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا)) هذا الملل لا يشابه ملل المخلوقين، وليس فيه نقص ولا عيب، بل كما يليق بالله - عز وجل -، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز-رحمه الله- يقول: ((هذا مثل بقية الصفات، ومن مقتضاه أنه لا يقطع الثواب حتى تقطعوا العمل)) (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فأنا أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني: أصوم وأفطر، وأُصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))، ولفظ مسلم: ((أن نفراً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله، وأثنى عليه فقال: ((ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني: أصلّي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (¬3). ¬
وفي الحديث من الفوائد: أنَّ أخشى الناس وأتقاهم لله هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهو مع كونه يبالغ في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشدِّدون، وإنما كان كذلك؛ لأن المشدد لا يأمن من الملل، بخلاف المقتصد، فإنه أمكن لاستمراره، وخير العمل ما داوم عليه صاحبه؛ فإن ((المنبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى))، والمراد بالسنة: الطريقة لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد: من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، وفيه إشارة إلى طريقة الرهبانية؛ فإنهم الذين ابتدعوا التشديد، أما طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهي الحنيفية السمحة: فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج النساء لتكثير النسل، وإعفاف النساء والنفس؛ ولكسر الشهوة، ويؤخذ منه أن الأخذ بالشدة في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها، وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلاً، وترك التنفّل يفضي إلى البطالة وإيثارها، وعدم النشاط إلى العبادة، وخير الأمور الوسط، وفيه: إشارة إلى أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه والعمل به أعظم قدراً من مجرد العبادة البدنية، وفيه البيان بأن الرغبة عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كانت بنوع من التأويل يعذر صاحبه فيه، فإن معنى ((فليس مني)) أي على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كانت إعراضاً عنها وتنطعاً يفضي إلى اعتقاد أفضلية عمله على عمل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمعنى ((فليس مني)) أي ليس
سابعا: وقت نية صوم التطوع، وجواز إفطار المتطوع
على ملتي؛ لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر (¬1). سابعاً: وقت نية صوم التطوع، وجواز إفطار المتطوع الصائم المتطوع يجوز له أن ينوي الصيام من النهار، قبل الزوال وبعده على الصحيح، إذا لم يأكل أو يشرب أو يأخذ شيئاً من المفطرات بعد الفجر، وللصائم المتطوع أن يفطر إذا أراد أثناء النهار، وأما صيام قضاء رمضان، أو النذر، أو الكفارات فلا يجوز للمسلم أن يفطر؛ لأن هذه الأنواع من الفرائض، بخلاف المتطوع؛ فإنه أمير نفسه، وفي ذلك أحاديث كثيرة، منها، الأحاديث الآتية: 1 - حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: أنها قالت: دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: ((هل عندكم شيء؟))، فقلت: لا، قال: ((فإني إذن صائم))، ثم أتانا يوم آخر، فقلنا: يا رسول الله أُهديَ لنا حيسٌ (¬2)، فقال: ((أرنيه، فلقد أصبحت صائماً))، فأكل (¬3). 2 - وحديث أمّ هانئ رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فدعا بشراب فشرب، ثم ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله، أما إني كنت صائمة، فقال: ((الصائم المتطوع أمين نفسه، إن شاء صام وإن ¬
ثامنا: آداب الصائم المتطوع:
شاء أفطر))، وفي لفظٍ للترمذي: (( ... أَمِنْ قَضَاءٍ كنتِ تقضينه؟))، قالت: لا، قال: ((فلا يضرك))، وفي لفظٍ: ((أكنت تقضين شيئاً؟))، قالت: لا، قال: ((فلا يضرك إن كان تطوعاً))، وفي لفظ للحاكم: ((الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر))، وفي لفظ له: ((المتطوع بالخيار: إن شاء صام وإن شاء أفطر)) (¬1). والمنصوص عن الإمام أحمد، وبعض الشافعية: أن الثواب من حين نية الصوم، فمن نوى التطوع من النهار كُتِبَ له صيام بقية يومه فقط، ومن نوى من قبل الفجر كُتِبَ له صيام يوم كامل، وهذا يؤكد على الصائم: أن يلحظ أن صيام ثلاثة أيام من الشهر والإثنين والخميس، والست من شوال، وعاشوراء وغيرها من الصيام المعين لا يُكْتَبُ له الصيام كاملاً إلا إذا نوى من الليل؛ لأن ثواب الصيام في التطوع من حين نية الصوم، والله تعالى أعلم (¬2). ثامناً: آداب الصائم المتطوع: صيام التطوع له آداب كثيرة منها، الآداب الآتية: ¬
1ـ الإخلاص لله ومتابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -
1ـ الإخلاص لله ومتابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يقبل الله الصيام ولا غيره من الأعمال، إلا إذا كان خالصاً يبتغي به العبد وجه الله والدار الآخرة، ويكون على السنة، ولهذا قال الله - عز وجل -: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ} (¬1). فإسلام الوجه لله: إخلاص القصد والعمل لله. والإحسان فيه: متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه وسنته (¬2). قال الله تعالى في الإخلاص: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (¬3)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬4)، وحديث عمر - رضي الله عنه - هذا: ميزان للأعمال الباطنة. وأما ميزان الأعمال الظاهرة فيدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (¬5)، فمن أخلص صيامه لله مُتَّبِعاً في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا الذي عمله مقبول؛ لأنه جمع بين الإخلاص والمتابعة، وهو داخل في قوله تعالى: {وَمَنْ ¬
2 - وجوب الابتعاد عن الرياء والسمعة؛ فإن الأعمال تبطل بذلك
أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ} (¬1). ومن فقد الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أحدهما، فعمله مردود، داخل في قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} (¬2). 2 - وجوب الابتعاد عن الرياء والسمعة؛ فإن الأعمال تبطل بذلك؛ لقول الله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (¬3)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيما يرويه عن ربه تعالى: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) (¬4)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به)) (¬5). وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة، ليوم لا ريب فيه، نادى منادٍ من كان أشرك في عمل عمله لله أحداً فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك)) (¬6). ¬
3 - إفطار الصائم المتطوع، لإكرام الضيف، إذا شق عليه صيامه
وعن محمد بن لبيد - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: ((الرياء يقول الله - عز وجل - لهم إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)) (¬1). فيجب على المسلم أن يجعل صيامه لله يرجو ثوابه ويخشى عقابه، ويطمع في رضاه. 3 - إفطار الصائم المتطوع، لإكرام الضيف، إذا شق عليه صيامه؛ لحديث أبي جحيفة قال: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدّرداء مُتَبَذِّلة (¬2)، فقال لها ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال له: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصلَّيا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعطِ كلّ ذي حق حقه، فأًتَى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صدق سلمان)) (¬3). ¬
4 - يجيب الدعوة ويقول: إني صائم ويدعو، وإذا شق عليهم أفطر معهم
وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟))، قال: فقلت: بلى يا رسول الله، قال: ((فلا تفعل: صم وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقاً وإن لعينيك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، [وإن لنفسك وأهلك عليك حظا] وإن لزورك عليك حقاً، وإن بحسبك أن تصوم من الشهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله ... )) (¬1). وفي لفظ للنسائي: (( ... وإن لضيفك عليك حقاً ... وإن لصديقك عليك حقاً)) (¬2). 4 - يُجيب الدعوة ويقول: إني صائم ويدعو، وإذا شق عليهم أفطر معهم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((إذا دُعي أحدكم إلى طعام وهو صائم، فليقل إني صائم)) (¬3). ولفظ أبي داود: ((إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصلّ))، قال هشام: ((والصلاة الدعاء)) (¬4)، ولفظ الترمذي: ((إذا دعي أحدكم إلى ¬
5 - لا تصوم المرأة صوم التطوع إلا بإذن زوجها
طعام فليجب، فإن كان صائماً فليصلِّ))،يعني الدعاء (¬1). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمِّ سُلَيْمٍ، فأتته بتمرٍ وسَمْنٍ، قال: ((أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه؛ فإني صائم)) (¬2). وقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما إذا دعي وهو صائم: ((فليقل إني صائم)) محمول على أن يقوله اعتذاراً، وإعلاماً بحاله، فإن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور، وإن لم يسمح له، وطالبه بالحضور لزمه الحضور، وليس الصوم عذراً في إجابة الدعوة، ولكن إذا حضر لا يلزمه الأكل، ويكون الصوم عذراً في ترك الأكل، بخلاف المفطر، فإنه يلزمه الأكل على الوجهين عند الشافعية إلا أن يمنعه مانع من مرضٍ أو حمية، والأفضل للصائم إذا كان يشقَّ على صاحب الطعام صومه أن يفطر وإذا لم يشق على صاحبه الطعام صومه فلا بأس بإتمام الصيام هذا إذا كان صومُ تطوعٍ فإن كان صوماً واجباً: من قضاءٍ، أو كفارةٍ، أو نذرٍ، حَرُمَ الفطر، وفي الحديث: أنه لا بأس بإظهار نوافل العبادة من الصوم وغيره إذا دعت إليه حاجة، والمستحب إخفاؤها إن لم تكن حاجة (¬3). 5 - لا تصوم المرأة صوم التطوع إلا بإذن زوجها؛ لحديث أبي ¬
هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه وما أنفقت من نفقة عن غير أمره، فإنه يؤدّى إليه شطره))، ولفظ مسلم: ((لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه، وما أنفقت من كسبه من غير أمره، فإن نصف أجره له))،وفي لفظ للبخاري: ((إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فلها نصف أجره)) (¬1)، ولفظ أبي داود: ((لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه غير رمضان، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه)) (¬2)، ولفظ الترمذي: ((لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوماً من شهر رمضان إلا بإذنه)) (¬3). قال ابن الملقن رحمه الله: ((اتفق العلماء على أن المرأة لا يحل لها صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه)) (¬4). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه))، قال الإمام ¬
النووي رحمه الله: ((وهذا محمول على صوم التطوع، والمندوب الذي ليس له زمن معين، وهذا النهي للتحريم، صرح به أصحابنا، وسببه أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل الأيام، وحقه فيه واجب على الفور، فلا يفوته بتطوُّعٍ ولا بواجبٍ على التراخي، فإن قيل: فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه: فإن أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها، فالجواب: أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة؛ لأنه يهاب انتهاك الصوم بالإفساد، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وزوجها شاهد)) أي مقيم في البلد، أما إذا كان مسافراً فلها الصوم؛ لأنه لا يتأتى منه الاستمتاع إذا لم تكن معه)) (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري: ((لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، أما صيام الفرض: الكفارات، والنذر فلا يلزمها استئذانه، ولكن تستأذن في قضاء رمضان، أو تؤخره إلى شعبان)) (¬2). ¬
المبحث الرابع والعشرون: الصيام المحرم والمكروه
المبحث الرابع والعشرون: الصيام المحرم والمكروه أولاً: الصيام المحرم أنواع: النوع الأول: تحريم صوم الفطر والأضحى؛ للأحاديث الآتية: 1 - حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فعن أبي عُبيد مولى ابن أزهر، قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: ((هذان يومان نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم)) (¬1). وفي لفظ للبخاري: أنه شهد العيد يوم الأضحى مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب الناس فقال: ((يا أيها الناس إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهاكم عن صيام هذين العيدين: أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم، وأما الآخر فيومٌ تأكلون من نُسُكِكُم)) (¬2). 2 - حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -،قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الفطر والنحر، وعن الصماء (¬3) وأن يحتبي (¬4) الرجل في الثوب الواحد ¬
[ليس على فرجه منه شيء]، ولفظ مسلم: ((لا يصلح الصيام في يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر من رمضان)) (¬1). 3 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: ((يُنْهَى عَنْ صِيَامَيْنِ وَبَيْعَتَيْنِ: الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَالْمُلاَمَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ))، ولفظ مسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نهى عن صيام يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر)) (¬2). 4 - حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: جاء رجلٌ إليه فقال: رجل نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا، [أَظُنُّهُ قَالَ: يوم الإِثْنَيْن]، فَوَافَقَ ذلك يَوْمَ عِيدٍ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَرَ الله بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ))، ولفظ مسلم: ((جاء رَجُلٌ إلى ابن عمر فقال: إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أصومَ يوماً فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحى أَوْ فِطْرٍ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِىَ الله عَنْهُمَا: أمر الله تعالَى بوفاءِ النَّذْر، ونَهَى رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن صَومِ هذا اليوم)) (¬3). ¬
النوع الثاني: تحريم صوم أيام التشريق الثلاثة
5 - حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: ((نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يومَيْن: يَوْم الْفِطْرِ وَيَوْم الأَضْحَى)) (¬1). قال النووي رحمه الله: ((وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال: سواء صامهما عن نَذْرٍ (¬2)، أو تطوَّعٍ، أو كفّارةٍ، أو غير ذلك ... )) (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز يقول: ((يُنهَى عن صيام هذين اليومين بإجماع المسلمين)) (¬4). 7 - حديث علي وعثمان رضي الله عنهما، عن أبي عبيد قال: ((شَهِدْتُ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما فِى يَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ يُصَلِّيَانِ ثُمَّ يَنْصَرِفَانِ، فَيُذَكِّرَانِ النَّاسَ، فَسَمِعْتُهُمَا يَقُولاَنِ نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ)) (¬5). النوع الثاني: تحريم صوم أيام التشريق الثلاثة؛ للأحاديث الآتية: ¬
1 - حديث أبي مُرَّةَ، مولى أمِّ هانئ أَنَّهُ دَخَلَ مع عَبْد الله بْن عَمْرٍو عَلَى أبيه عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما فقرَّب إِلَيْهِما طَعَامًا، فَقَالَ: كل، فقال: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عَمْرٌو: كُلْ هَذِهِ الْأَيَّامَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنَا بإِفطارِهَا، وَيَنْهَانَا عَنْ صِيَامِهَا، قال مالك: وهي أيام التشريق)) (¬1)، ولفظ مالك: عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ قال: ((أخبرني عَبْد الله بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ في أيام التشريقِ فَوَجَدَهُ يَأْكُلُ، قَالَ: فَدَعَانِي فَقُلْتُ لَهُ: لا آكل، إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ: كُلْ؛ فإن هَذِهِ الأَيَّام الَّتِي كان رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأَمرنَا بإِفطارِها وينَهَانَا عَنْ صِيَامِها)) (¬2). 2 - حديث نُبَيْشَةَ الهُذلي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، [وفي رواية: وَذِكْر الله]، [وفي نسخة: وَذِكْر لله])) (¬3). 3 - حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه وأوس بن الحدثانِ أيام التشريق، فنادى: ((أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منى أكل وشرب)) (¬4). ¬
4 - حديث عائشة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالا: ((لم يُرخَّص في أيام التشريق أنْ يُصَمْنَ إِلا لمن لم يجدِ الهَدْيَ)) (¬1). 5 - وقول ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فإن لَمْ يَجِدْ هَدْيًا ولَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى))، وعن عائشة رضي الله عنها مثله (¬2). 6 - حديث بشر بن سُحيم، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمره أَن يناديَ أيام التشريق: ((أنَّهُ لا يدخل الجنة إِلا مؤمن، وهي أيام أكل وشُرْب)) (¬3). 7 - حديث عبد الله بن حذافة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يناديَ في أيام التشريق: أنَّها أيام أكل وشُرْب)) (¬4). وذكر الإمام النووي رحمه الله: ((أنَّ في الحديث الذي رواه مسلم [وغيره من الأحاديث] دليل لمن قال: لا يصح صوم أيام التشريق بحال، وهو أظهر القولين في مذهب الشافعي، وبه قال أبو حنيفة، وابن المنذر ¬
وغيرهما)) (¬1). وسمعت سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول: ((هذه الأحاديث تدل على أن أيام التشريق لا تُصَام إلا لمن لم يجد الهدي، والأفضل له أن يصوم قبل ذلك ... وأما يوم عرفة فيكون مفطراً اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يصوم صياماً غير صيام الهدي ... في أيام التشريق ... )) (¬2). 8 - حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَهيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ)) (¬3).وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول عن يوم عرفة: ((السُّنَّة أن يُصام لغير الحاج ولا يصومه الحاج)) (¬4)، فهو عيد لأهل الموقف بعرفة (¬5). ¬
وذكر ابن القيم رحمه الله عن شيخ الإسلام ابن تيمية: أَنَّ يَوْم عرفة يوم عِيدٍ لِأَهْلِ عَرَفَةَ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ، كَاجْتِمَاعِ النّاسِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَهَذَا الِاجْتِمَاعُ يَخْتَصّ بِمَنْ بِعَرَفَةَ دُونَ أَهْلِ الْآفَاقِ،. ثم ذكر حديث عقبة المشار إليه آنفاً، ثم قال: ((وَمَعْلُومٌ أَنّ كَوْنَهُ عِيدًا هُوَ لِأَهْلِ ذَلِكَ
النوع الثالث: صوم يوم الشك: وهو يوم الثلاثين من شعبان
الْجَمْعِ؛ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ وَاَلله أَعْلَمُ)) (¬1)،والله تعالى أعلم (¬2). النوع الثالث: صوم يوم الشك: وهو يوم الثلاثين من شعبان؛ للأحاديث الآتية: 1 - حديث عمار - رضي الله عنه -،فعن صلة بن زُفَر، قال: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ، فَقَالَ: كُلُوا، فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَال: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عَمَّارٌ: ((مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬3). 2 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: ((نهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَن تَعْجِيلِ صَوْمِ يَوْمٍ ¬
قَبْلَ الرُّؤْيَة)) (¬1). 3 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فعن سماك، قال: دَخَلْتُ عَلَى عِكْرِمَةَ فِي يَوْمٍ قَدْ أُشْكِلَ مِنْ رَمَضَانَ هُوَ أَمْ مِنْ شَعْبَانَ، وَهُوَ يَأْكُلُ خُبْزًا وَبَقْلًا وَلَبَنًا، فَقَالَ لِي: هَلُمَّ، فَقُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ، قَالَ وَحَلَفَ بِالله لَتُفْطِرَنَّ، قُلْتُ: سُبْحَانَ الله! - مَرَّتَيْنِ - فَلَمَّا رَأَيْتُهُ يَحْلِفُ لَا يَسْتَثْنِي تَقَدَّمْتُ، قُلْتُ: هَاتِ الْآنَ مَا عِنْدَكَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابَةٌ أَوْ ظُلْمَةٌ، فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ: عِدَّةَ شَعْبَانَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا، وَلَا تَصِلُوا رَمَضَانَ بِيَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ)) (¬2). 4 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، أوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبانَ ثَلاَثِينَ)) (¬3). وهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة فيها النهي عن صوم يوم الشك، وهو يوم الثلاثين من شعبان ما لم يُرَ الهلال، وفيها الأمر بإكمال ¬
شعبان ثلاثين يوماً إلا إذا رأوا الهلال، والأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف. قال شيخنا رحمه الله: ((لا يجوز صوم يوم الشك، ولو كانت السماء مغيِّمة، هذا هو الصواب ... ولا يجوز أن يُخالَفَ النص لقول أحدٍ من الناس ... ))، وذكر الأدلة على ذلك رحمه الله، وردّ على من خالف ذلك (¬1)، والحمد لله (¬2). ¬
ثانيا: الصيام المكروه أنواع:
ثانياً: الصيام المكروه أنواع: النوع الأول: صوم الدهر مكروه؛ للأحاديث الآتية: 1 - حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وفيه قال: قَالَ لي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟)). قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: ((إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ (¬1)، وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ (¬2)، لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ)). قَالَ فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: ((فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ - عليه السلام - كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى))،وفي لفظٍ: ((ألم أُخْبَرْ أنّك تصومُ النهارَ وتقومُ اللّيلَ؟))، فقلت: بلى يارسول الله، قال: ((فلا تفعلْ))، وفيه: ((صُمْ صِيامَ نبيِّ الله داود - عليه السلام - ولا تزد عليه))،وفي لفظٍ: ((لا صام من صام الأبد)) مرتين (¬3). 2 - حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن صيام الدهر؛ فقال: ((لا صام ولا أفطر))، أو: ((ما صام وما أفطر))، وفي لفظ: ((لم يصم، ولم يفطر)) (¬4). ¬
3 - حديث أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا))، وقبض كفه (¬1). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَضِيقُ عَلَيْهِ حَصْرًا لَهُ فِيهَا؛ لِتَشْدِيدِهِ عَلَى نَفْسه، وَحَمْلِهِ عَلَيْهَا، وَرَغْبَتِهِ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاعْتِقَادِهِ أَنَّ غَيْرَ سُنَّتِهِ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي الْوَعِيد الشَّدِيد فَيَكُون حَرَامًا))، ثم قال: ((وَإِلَى الْكَرَاهَة مُطْلَقًا ذَهَبَ اِبْن الْعَرَبِيِّ مِنْ المَالِكِيَّةِ، فَقَالَ: ((قَوْله: لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ: إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الدُّعَاء فَيَا وَيْحَ مَنْ أَصَابَهُ دُعَاءُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْخبرَ فَيَا وَيْحَ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ، وَإِذَا لَمْ يَصُمْ شَرْعًا لَمْ يُكْتَبْ لَهُ الثَّوَابُ؛ لِوُجُوبِ صِدْقِ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ لِأَنَّهُ نَفَى عَنْهُ الصَّوْمَ، وَقَدْ نَفَى عَنْهُ الْفَضْلَ كَمَا تَقَدَّمَ)) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول على قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا صام من صام الأبد)): هذا يحتمل أنه دعاء على من صام الأبد، ويحتمل أنه إخبار بأنه لا صوم له، وأنه ليس بصوم شرعي)) (¬3). ¬
النوع الثاني: صوم أواخر شعبان مكروه ما لم يكن له عادة
4 - حديث عمران - رضي الله عنه -، قال: قيل: يا رسول الله! إن فلاناً لا يفطر نهاراً، الدهر، قال: ((لا صام ولا أفطر)) (¬1). 5 - حديث عبد الله بن الشِّخير، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذُكِرَ عنده رَجُلٌ يَصُومُ الدَّهْرَ؟ َقَالَ: ((لاَ صَامَ وَلاَ أَفْطَرَ)) (¬2). 6 - حديث عمر - رضي الله عنه - قال: كُنَّا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمررنا برجلٍ فقالوا: يا نبيَّ الله هذا لا يُفطر مُنذ كذا وكذا؟ قَالَ: ((لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ)) (¬3). 7 - ضرب عمر - رضي الله عنه - رجلاً يصوم الدهر، فأتاه فَعَلاَهُ بالدّرّة، وجعل يقول: ((كُلْ يا دهري)) (¬4)، وسمعت شيخنا ابن باز يقول: ((صيام يوم وإفطار يوم أفضل الصيام، ولا يجوز صيام الدهر)) (¬5)، والله أعلم (¬6). النوع الثاني: صوم أواخر شعبان مكروه ما لم يكن له عادة؛ ¬
للأحاديث الآتية: 1 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا))، ولفظ الترمذي: ((إذا بَقِيَ نِصْفٌ من شعبان فلا تصوموا))، ولفظ ابن ماجه: ((إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَلاَ تصوموا حَتَّى يَجِيءَ رَمَضَانُ)) (¬1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وقال بعض أصحابنا: لا يستحب الصوم بعد منتصف شعبان إلا لمن قد صام قبله)) (¬2).وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا حديث صحيح، والمعنى أنه لا يبتدئ بعد النصف [بالصيام] فلا يتقدم رمضان بيوم أو يومين، ولا يبتدئ بعد النصف؛ لأنه متهم بالزيادة)) (¬3). وقال رحمه الله: ((والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر، أو الشهر كله فقد أصاب السنة)) (¬4). وقال الإمام الترمذي رحمه الله: ((ومعنى الحديث عند بعض أهل العلم أن يكون الرجل مفطراً، فإذا بقي من شعبان ¬
شيء أخذ في الصوم لحال رمضان)) (¬1). 2 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ))، ولفظ مسلم: ((لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ)) (¬2). فدل هذا الحديث وما في معناه على أن الكراهية على من يتعمَّد الصيام؛ لاستقبال رمضان على نية الاحتياط لرمضان، أما من كان له صوم يصومه، كمن يصوم الإثنين والخميس، أو يصوم يوماً ويفطر يوماً، فلا حرج في ذلك (¬3). 3 - حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له، أو قَالَ لِرَجُلٍ وهو يسمع: ((يَا أَبَا فُلَانٍ أَمَا صُمْتَ سَرَرَ هَذَا الشَّهْرِ؟))، وفي لفظ: ((مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ؟))، قَالَ الرَّجُلُ: لاَ يَا رَسُولَ الله. قَال: ((فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ))، ولفظ مسلم: ((يَا فُلَانُ أما َصُمْتَ مِنْ سُرَّةِ هَذَا الشَّهْرِ؟))، قَالَ: لَا، قَالَ: ((فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ))، وفي رواية لمسلم عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ¬
لَهُ، أَوْ لِآخَرَ: ((أَصُمْتَ مِنْ سُرَرِ (¬1) شَعْبَانَ؟))، قَالَ: لَا، قَالَ: ((فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ))، وفي رواية لمسلم أيضاً: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ: ((هَلْ صُمْتَ مِنْ سُرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا؟))، قَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ)) (¬2). السرر: المعروف عند اللغويين وغيرهم: أن سرار الشهر: آخره، وهو حين يستسر الهلال آخر الشهر، وعلى هذا المعنى فلا معارضة بين هذا الحديث وبين قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا أن يكون أحدكم يصوم صوماً فليصمه))،فيحمل النهي على من لم تكن له عادة بصومِ شيء من شعبان، فيصومه؛ لأجل رمضان، وأما من كانت له عادة أن يصوم فليستمر على عادته، كما جاء في آخر الحديث: ((إلا أن يكون أحدكم يصوم صوماً فليصمه))،وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فصم يومين مكانه)) هذا منه - صلى الله عليه وسلم - حملٌ على ملازمة عادة الخير، حتى لا تنقطع، وفيه حضٌّ على أن لا يمضي على المكلف مثل شعبان فلم يصم منه شيئاً، فلما فاته صومه أمره أن يصوم من شوال يومين ليحصل له أجرٌ من الجنس الذي فوَّته على نفسه (¬3). ¬
النوع الثالث: صوم يوم عرفة للحاج بعرفة مكروه
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وفي الحديث مشروعية قضاء التطوع، وقد يؤخذ منه قضاء الفرض بطريق الأولى خلافاً لمن منع ذلك)) (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((السرر: آخر الشهر، فإن كان له عادة يصومها: كأيَّام البيض، أو الإثنين والخميس، فلا بأس أن يصوم من آخر شعبان؛ لأن له عادة، ولا يقصد الاحتياط لرمضان)) (¬2). النوع الثالث: صوم يوم عرفة للحاج بعرفة مكروه؛ للأحاديث الآتية: 1 - حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ)) (¬3). فعرفة عيد لأهل الموقف الحجاج بعرفات؛ لاجتماعهم فيه كاجتماع الناس يوم العيد (¬4). ¬
2 - حديث أم الفضل رضي الله عنها، فيه: ((أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا (¬1) عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ)) (¬2). 3 - حديث ميمونة رضي الله عنها، إِنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِي صِيَامِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلَابٍ (¬3) وَهُوَ وَاقِفٌ فِي المَوْقِفِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ)) (¬4). 4 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقد سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: ((حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُمَرَ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَأَنَا لَا أَصُومُهُ وَلَا آمُرُ بِهِ، وَلَا أَنْهَى عَنْهُ)) (¬5). 5 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفطر بعرفة، وأرسلت إليه ¬
النوع الرابع: إفراد يوم الجمعة بالصوم مكروه
أم الفضل بلبن فشربه)) (¬1). وقال سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله: ((أما الحاج فلا يجوز له أن يصوم يوم عرفة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف في ذلك اليوم وهو مفطر ... وإن صامه يخشى عليه الإثم ... )) (¬2). النوع الرابع: إفراد يوم الجمعة بالصوم مكروه للأحاديث الآتية: 1 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ))، وفي وراية لمسلم: ((لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ)) (¬3). 2 - حديث جابر - رضي الله عنه -، وأنه سُئل: أنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الجمعة؟ قال: ((نعم))، زاد غير أبي عاصم: ((يعني أن يفرد بصوم))، ولفظ مسلم عن محمد بن عباد بن جعفر، قال: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهو يطوف بالبيت: أنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم ¬
الجمعة؟ فقال: ((نعم ورب هذا البيت)) (¬1). 3 - حديث جويرية رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: ((أصمت أمس؟))، قالت: لا، قال: ((تريدين أن تصومي غداً؟))، قالت: لا، قال: ((فأفطري))، وفي رواية عن أيوب: ((أن جويرية حدثته فأمرها فأفطرت)) (¬2). 4 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده)) (¬3). وسمعت سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((إذا صام قبله يوماً أو بعده يوماً زال المحذور، وصوم يوم الجمعة قضاء عن رمضان ترك إفراده أحوط، أو يصوم يوماً بعده أو قبله، أما صوم يوم عرفة يوم الجمعة فهو لم يصم من أجل الجمعة، وإنما صام من أجل يوم عرفة)) (¬4). ¬
النوع الخامس: إفراد يوم السبت بالصيام:
النوع الخامس: إفراد يوم السبت بالصيام: فعن الصماء رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلاَّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ لِحَاءَ (¬1) عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ)) (¬2). قال الإمام الترمذي رحمه الله: ((وَمَعْنَى كَرَاهَتِهِ فِى هَذَا أَنْ يَخُصَّ الرَّجُلُ يَوْمَ السَّبْتِ بِصِيَامٍ؛ لأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ)) (¬3) (¬4). ¬
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((ولأنه يوم عيد لأهل الكتاب فقصده بالصوم دون غيره يكون تعظيماً له، فكره ذلك كما كره إفراد عاشوراء بالتعظيم لمّا عظَّمه أهل الكتاب، وإفراد رجب لمّا عظَّمه المشركون، وعلل ابن عقيل؛ لأنه يوم يمسك فيه اليهود ويخصونه بالإمساك: وهو ترك العمل فيه، والصائم في مظنة ترك العمل، فصار صومه تشبهاً بهم)) (¬1). وأما صيام السبت مع الجمعة، أو مع الأحد فلا كراهة مطلقاً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأم المؤمنين جويرية وقد دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة: ((أصمت أمس؟))، قالت: لا، قال: ((تريدين أن تصومي غداً؟)) قالت: لا، قال: ((فأفطري)) (¬2). ¬
النوع السادس: إفراد شهر رجب بالصيام مكروه:
فالنهي عن صوم يوم السبت متوجه إلى إفراده، أما إذا ضُمّ ما قبله أو ما بعده إليه فلا كراهة (¬1). وممّا يدلُّ على أن صيام يوم السبت إذا ضُمَّ إليه ما بعده أو ما قبله، ما تقدّم، وحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر مما يصوم من الأيام، ويقول: ((إنهما يوما عيد المشركين، فأنا أحب أن أخالفهم)) (¬2). والخلاصة أن الأقرب عندي أن النهي عن صوم يوم السبت مفرداً، أما إذا ضُمّ إلى الجمعة قبله أو الأحد بعده فتزول الكراهة، والله تعالى أعلم. النوع السادس: إفراد شهر رجب بالصيام مكروه: يُكره تخصيص إفراد شهر رجب بالصيام؛ لأن ذلك من شعائر الجاهلية، فقد كانوا يُعَظِّمون شهر رجب، وإذا صام مع شهر رجب غيره زالت الكراهة، قال العلامة ابن مفلح رحمه الله: ((ولا يكره شهرٌ غير ¬
رجب، قال صاحب المحرر: لا نعلم فيه خلافاً ... )) (¬1). وقد روى خرشة بن الحرِّ قال: ((رأيت عمر يضرب أكفّ الناس حتى يضعوها في الجفان ويقول: كلوا فإنما هو شهر كان يُعَظِّمه أهل الجاهلية)) (¬2). وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا رأى الناس وما يعدُّون لرجب كره ذلك (¬3). وإذا أفطر من رجب ولو يوماً زالت الكراهة، أو يصوم شهراً آخر معه، فتزول الكراهة كذلك (¬4). ¬
المبحث الخامس والعشرون: ليلة القدر
المبحث الخامس والعشرون: ليلة القدر أولاً: مفهوم ليلة القدر: لغة وشرعاً: لغة: ليلة القدر تتركب من لفظين: اللفظ الأول: ليلة، وهي في اللغة من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي له عن المعنى اللغوي. اللفظ الثاني: القَدر، ولها معانٍ في اللغة: المعنى الأول: الشرف، والوقار، والعظمة، فالمراد بالقدر هنا: التشريف والتعظيم، ومن ذلك قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} (¬1) فهي ليلة ذات قَدْرٍ وشرف؛ لنزول القرآن فيها [فإنه نزل فيها جملة إلى السماء الدنيا، ثم نزل منجَّماً في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬2)؛ أولما يقع فيها مِن تَنَزُّلِ الملائكة؛ أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة، والمغفرة، أو أن الذي يُحييها يصير ذا قَدْرٍ وشَرَفٍ (¬3)، أو لأنه ينزل فيها من فضل الله، وخزائن مِنَنِهِ وجوده وكرمه ما لا يُقَدَّرُ قَدَرُه، أو لأن للطاعات فيها قدراً جزيلاً، أو لأن الله أنزل فيها كتاباً ذا قدرٍ على رسولٍ ذي قدرٍ على أمةٍ ذاتِ قدرٍ، أو لأن الأرض تضيق بالملائكة فيها؛ لقول الله تعالى: {وَمَن ¬
قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} (¬1)، وهذا معنى التضييق فيها (¬2)، أو معنى التضييق فيها إخفاؤها عن العلم بتعيينها (¬3)، وليلة خير من ألف شهر قدرها عظيم لا شك في ذلك (¬4) كما قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر} (¬5) قيل: معناه: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فهو خير من العمل في ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر (¬6)، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) (¬7). المعنى الثاني: القدر الذي هو مؤاخي القضاء، والمعنى أن الله يُقدِّر فيها أحكام تلك السنة، فسميت ليلة القدر؛ لما يُكتب للملائكة فيها: من الأقدار، والأرزاق، والآجال التي تكون في تلك السنة؛ لقول الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم} (¬8) يُفْرَقُ: أي يُفْصَلُ ويُبَيَّنُ كل أمر حكيم، وأمر الله كله حكيم (¬9)، وقول الله تعالى: ¬
ليلة القدر اصطلاحا
{تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْر} (¬1)، ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله به، وتقديره له (¬2)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عن هذا المعنى الثاني: وهو أن الله يقدر في ليلة القدر أحكام تلك السنة: ((ورواه عبد الرزاق وغيره من المفسرين بأسانيد صحيحة، عن مجاهد وعكرمة، وقتادة، وغيرهم، وقال التوربشتي: إنما جاء القدر بسكون الدال، وإن كان الشائع في القدر الذي هو مؤاخي القضاء فتح الدال، ليعلم أنه لم يرد به ذلك، وإنما أريد به تفصيل ما جرى به القضاء، وإظهاره وتحديده في تلك السنة؛ لتحصيل ما يُلقى إليهم فيها مقداراً بمقدار)) (¬3). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (( ... ليلة القدر: هي ليلة شريفة، مباركة، معظَّمة، مفضَّلة ... ))، ثم قال: (( ... وقيل: إنما سميت ليلة القدر؛ لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة: من خير، ومصيبة، ورزق، وبركة)) (¬4). ليلة القدر اصطلاحاً: قيل: ليلة من ليالي العشر الأخيرة من رمضان تنزل فيها مقادير الخلائق إلى سماء الدنيا، ويستجيب الله فيها الدعاء، ¬
وهي الليلة التي نزل فيها القرآن العظيم (¬1). وقيل: ليلة القدر: هي التي تقدر فيها الأرزاق وتُقضى (¬2). وقيل: ليلة القدر: الليلة التي أُنزل فيها القرآن الكريم من شهر رمضان (¬3)؛ لقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} (¬4). والتعريف المختار: أن يقال: [ليلة القدر ليلة مباركة من ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، أنزل الله فيها القرآن العظيم، فيها يفصل ما يكون في السنة من المقادير (¬5) العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ¬
ثانيا: ليلة القدر باقية إلى قيام الساعة، لا شك ولا ريب في ذلك
ليلة القدر]. ثانياً: ليلة القدر باقية إلى قيام الساعة، لا شك ولا ريب في ذلك، قال الإمام ابن الملقن رحمه الله: ((أجمع من يعتدّ به من العلماء على دوام ليلة القدر إلى آخر الدهر ... )) (¬1)،ومما يدل على أنها باقية حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى (¬2) رجلان من المسلمين فقال: ((خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فَرُفِعَتْ (¬3)، وعسى أن يكون خير لكم فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة)) (¬4)، فآخر الحديث يفسر أوله وأن ليلة القدر باقية إلى قيام الساعة، فإنه - صلى الله عليه وسلم - بعد أن قال: ((فرفعت)) قال: ((فالتمسوها ... ))، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة)) يحتمل أن يريد بالتاسعة تاسع ليلةٍ من العشر الأخير فتكون ¬
ثالثا: ليلة القدر في رمضان لا شك في ذلك
ليلة تسع وعشرين، ويحتمل أن يراد بها تاسع ليلةٍ تبقى فتكون ليلة إحدى [وعشرين] (¬1) أو اثنين، بحسب تمام الشهر ونقصانه))،ثم قال رحمه الله: ((ويرجح الأول ... قوله: ((التمسوها في التسع، والسبع، والخمس: أي في تسع وعشرين، وسبع وعشرين، وخمس وعشرين)) (¬2). قلت: وقد فسّر ذلك أبو سعيد راوي الحديث حينما سئل، فقيل له: ما التاسعة، والسابعة، والخامسة؟ فقال: ((إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها ثنتان وعشرون وهي التاسعة، فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة)) (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا يبين أن التلاحي قد يسبب شَرّاً على المتلاحين وغير المتلاحين، وهكذا التشاحن، والتهاجر، فينبغي للمؤمن أن يسلك الطرق الشرعية التي تكون بعيدة عن الشحناء والتلاحي)) (¬4). ثالثاً: ليلة القدر في رمضان لا شك في ذلك، لقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (¬5)، فالقرآن أُنزل في شهر ¬
رابعا: ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان بلا شك
رمضان، وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} (¬1)، فإذا ضُمَّت الآيتان بعضهما إلى بعض تعيّن أن تكون ليلة القدر في رمضان بِيَقينٍ لا شك فيه (¬2)، وقد ثبت من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يُبيِّن ذلك، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله - عز وجل - عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِم))، وفي لفظ أحمد: (( ... تفتح فيه أبواب الجنة)) بدلاً من ((أبواب السماء)) (¬3). وعن أنس - رضي الله عنه -، قال: دخل رمضان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمها فقد حُرِمَ الخير كُلَّه، ولا يُحرم خيرها إلا محروم)) (¬4). رابعاً: ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان بلا شك؛ للأحاديث الآتية: 1ـ حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تحرُّوا (¬5) ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان))،وفي رواية للبخاري: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
يُجاورُ (¬1) في العشر الأواخر من رمضان ويقول: ((تحرُّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان))،وفي رواية للبخاري: ((التمسوا ... )) (¬2). 2ـ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أُريتُ ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فَنُسِّيتُهَا فالتمسوها في العشر الغوابر)) (¬3)، وقال حرملة أحد رواة الحديث: ((فَنَسِيتُها)) (¬4). 3ـ حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)) (¬5). ولا شكّ أن هذا الاجتهاد في العبادة يتحرَّى فيه ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان. 4ـ حديثها رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر)) (¬6) (¬7). ¬
خامسا: ليلة القدر في السبع الأواخر أرجى العشر الأواخر:
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا يدل على الحزم، وفعل الخير، وعلى حرص النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، والعظماء أسرع إلى الخير من غيرهم)) (¬1). خامساً: ليلة القدر في السبع الأواخر أرجى العشر الأواخر: 1 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجالاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أرى رُؤياكم قد تواطأت (¬2) في السبع الأواخر فمن كان متحرِّيها فليتحرَّها في السبع الأواخر))، وفي لفظ للبخاري: أن أُناساً أُروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وأن 2 - أُناساً أُروها في العشر الأواخر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((التمسوها في السبع الأواخر)) (¬3). 3 - حديث عبد الرحمن بن عسيلة الصُّنَابِحي - رضي الله عنه -، قيل له: هل سمعت في ليلة القدر شيئاً؟ قال: نعم، أخبرني بلال مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنها في ¬
سادسا: ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر آكد من أشفاعها
السبع في العشر الأواخر)) (¬1). سادساً: ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر آكد من أشفاعها؛ للأحاديث الآتية: 1 - حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تحرُّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)) (¬2). 2 - حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم أُوتي وقيل له: إنها في العشر الأواخر، قال: ((فمن أحب منكم أن يعتكف فليعكتف)) فاعتكف الناس معه، قال: ((وإني أُريتها ليلة وترٍ، وأني أسجد صبيحتها في طين وماء))، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء، [فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الطين في جبهته] [وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر]))، وفي لفظ للبخاري: ((إني أُريت ليلة القدر ثم أُنْسيتها أو نُسِّيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر ... )) (¬3). ¬
3 - حديث عبد الله بن أُنيس - رضي الله عنه -:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أُريت ليلة القدر ثم أُنسيتها، وأراني صبحها أسجد في ماء وطين))،قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،فانصرف وإن أثر الماء على جبهته وأنفه)).وكان عبد الله بن أُنيس يقول: ثلاث وعشرين (¬1)، ولفظ أبي داود عن عبد الله بن أُنيس الجهني، قال: قلت: يا رسول الله: إن لي باديةً أكون فيها، وأنا أُصلي فيها بحمد الله، فَمُرْنِي بليلة أنزلها إلى هذا المسجد، فقال: ((أنزل ليلة ثلاث وعشرين))، فقلت لابنه: كيف كان أبوك يصنع؟ قال: كان يدخل المسجد إذا صلى العصر، فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلِّي الصبح، فإذا صلّى الصبح وجد دابته على باب المسجد فجلس عليها فلحق بباديته (¬2). 4 - حديث أُبي بن كعب - رضي الله عنه -، فعن زِرٍّ بن حُبيش قال: سألت أبيَّ بن كعب - رضي الله عنه -، فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر، فقال: رحمه الله أراد أن لا يتكل الناس، أَمَا إنَّهُ قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر، وأنها ليلة سبع وعشرين، ثم حلف لا يستثني: أنها ليلة سبعٍ وعشرين، فقلت: بأي شيء تقول ذلك، يا أبا المنذر!، قال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله ¬
سابعا: ليلة القدر قد تكون في أشفاع العشر الأواخر
- صلى الله عليه وسلم -: ((إنها تطلع يومئذٍ لا شُعاع لها)) (¬1)،ولفظ أبي داود: ((ياأبا المنذر أنَّى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت لزر: ما الآية؟ قال: ((تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست (¬2) ليس لها شعاع حتى ترتفع)) (¬3)، ولفظ الترمذي: ((أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها ليلةٌ صبيحتها تطلع الشمس ليس لها شعاع، فعددنا وحفظنا، والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا)) (¬4). 5 - حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -، في ليلة القدر، قال: ((ليلة القدر ليلة سبع وعشرين)) (¬5). سابعاً: ليلة القدر قد تكون في أشفاع العشر الأواخر؛ للأحاديث الآتية: 1 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((التمسوا في أربع وعشرين)) (¬6). ¬
2 - حديث عبد الله بن أُنيس - رضي الله عنه -، قال: كنت في مجلس بني سلمة وأنا أصغرهم، فقالوا: من يسأل لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة القدر؟ وذلك في صبيحة إحدى وعشرين من رمضان، فخرجت فوافيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة المغرب ثم قمت بباب بيته، فمرَّ بي فقال: ((ادخل)) فدخلت، فأُتي بعشائه، فرآني أكفُّ عنه من قِلَّته، فلما فرغ قال: ((ناولني نعلي)) فقام وقمت معه، فقال: ((كأنَّ لك حاجة؟))، قلت: أجل، أرسلني إليك رهطٌ من بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر؟ فقال: ((كم الليلة؟)) فقلت: اثنتان وعشرون، قال: ((هي الليلة))، ثم رجع فقال: ((أو القابلة)) يريد ليلة ثلاث وعشرين (¬1). 3 - حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -، فقد ذُكِرَتْ ليلة القدر عِنده فقال: ((ما أنا ملتمسها لشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في العشر الأواخر، فإني سمعته يقول: ((التمسوها في تسعٍ يبقين، أو في سبعٍ يبقين، أو في خمسٍ يبقين، أو ثلاث، أو آخر ليلة)) (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((في تسعٍ يبقين)) قيل: محمول على الليلة الثانية والعشرين، و ((في سبعٍ يبقين)) محمول على الليلة الرابعة والعشرين، أو ((في خمس يبقين)) محمول على الليلة السادسة والعشرين، أو ((في ثلاث)) محمول على الليلة ¬
ثامنا ليلة القدر متنقلة في كل سنة في العشر الأواخر من رمضان
الثامنة والعشرين، أو ((آخر ليلة)) محمول على الليلة التاسعة والعشرين، وقيل: على الثلاثين إذا كان الشهر ثلاثين يوماً، وأما إذا كان تسعاً وعشرين، فالأولى محمولة على الحادية والعشرين، والثانية على الثالثة والعشرين، والثالثة على الخامسة والعشرين، والرابعة على السابعة والعشرين (¬1). 4 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هي في العشر الأواخر، هي في تسعٍ يمضين، أو في سبعٍ يبقين)) يعني ليلة القدر، وفي رواية للبخاري أيضاً: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعةٍ تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى)) (¬2) (¬3). ثامناً ليلة القدر متنقلة في كل سنة في العشر الأواخر من رمضان، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((وأجمع من يعتدُّ به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر؛ للأحاديث الصحيحة، المشهورة، قال القاضي: واختلفوا في محلِّها، فقال جماعة: هي متنقلة: في سنة في ليلة، وفي سنة أخرى في ليلة أخرى، وهكذا، وبهذا يُجمع بين الأحاديث، ويُقال كل حديث جاء بأحد أوقاتها، ولا تعارض فيها، قال: ونحو هذا قول: ¬
تاسعا: علامات ليلة القدر، منها ما يأتي:
مالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور وغيرهم، قالوا: إنما تنتقل في العشر الأواخر من رمضان ... )) (¬1). وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في ليلة القدر ستة وأربعين قولاً لأهل العلم، ثم قال: ((وأرجحها كلها أنها في وترٍ من العشر الأواخر، وأنها تنتقل كما يفهم من أحاديث الباب، وأرجاها أوتار العشر ... )) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((والصواب في ليلة القدر أنها متنقلة في العشر الأواخر، والأوتار أقرب، وإذا اختلفت المطالع فهي في عشر كل بلد، لا تخرج عن العشر الأواخر)) (¬3) وقال: ((وأخفى الله ليلة القدر رحمة بعباده حتى يجتهدوا في العشر كلِّها، فيحصل لهم الثواب، والأجر العظيم، فلو علموا بها لاجتهدوا في ليلتها ثم يكسلون بعد ذلك)) (¬4)، والله تعالى أعلم (¬5). تاسعاً: علامات ليلة القدر، منها ما يأتي: 1 - حديث أبيٍّ بن كعب - رضي الله عنه - وفيه ذكر علامة ليلة القدر، عندما سُئِل: بأي شيءٍ يَعْرِف ليلة القدر؟ فقال: بالعلامة، أو بالآية التي أخبرنا ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها)) (¬1)، ولفظ أبي داود: يا أبا المنذر أنّى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فقيل لزرٍّ: ما الآية؟ قال: ((تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست لا شعاع لها حتى ترتفع)) (¬2)،ولفظ الترمذي: ((أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها ليلة صبيحتها تطلع الشمس ليس لها شعاع ... )) (¬3). 2 - حديث جابر - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني كنت أُريت ليلة القدر ثم نُسِّيتها، وهي في العشر الأواخر، وهي ليلة طلقة بلجةٌ (¬4)،لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمراً يفضح كواكبَها لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها)) (¬5). 3 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة القدر: ((ليلة طلقة: لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة)) (¬6). 4 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليلة القدر ليلة السابعة ¬
أو التاسعة والعشرين، وإن الملائكة، تلك الليلة أكثر من عدد الحصى)) (¬1). 5 - حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - الطويل، وفيه: ... وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أمارة ليلة القدر: أنها صافية بلجة، كأنَّ فيها قمراً ساطعاً، ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر، ولا يحلُّ لكوكب أن يُرمى به فيها حتى يصبح، وإن أمارَتَها أن الشمس صبيحتها تخرج مستويةً ليس لها شعاع، مثل القمر ليلة البدر، لا يحل لشيطان أن يخرج معها يومئذٍ)) (¬2) (¬3). ¬
عاشرا: الدعاء ليلة القدر:
عاشراً: الدعاء ليلة القدر: يُستحب للعبد أن يكثر من الدعاء وخاصة في الليلة التي تُرجَى فيها ليلة القدر، والأفضل أن يدعوَ بالمأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويدعو بالآيات التي فيها الدعاء؛ لأن الدعاء في ليلة القدر مستجاب، وليلة خير من ألف شهر حريٌّ أن يُستجاب فيها الدعاء، والأفضل أن يكثر ويكرر في خلوته وبينه وبين نفسه: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمتُ أيُّ ليلة ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: ((قولي اللهم إنك عفوٌّ كريمٌ تحبُّ العفو فاعف عني)) (¬1)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من دعوةٍ يدعو بها العبد أفضل من: اللهم إني أسألك المعافاة في الدنيا والآخرة)) (¬2). وعن أبي بكر- حين قُبِضَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقول: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مقامي ¬
الحادي عشر: خصائص وفضائل ليلة القدر:
هذا، عام الأول، ثم بكى أبو بكر، ثم قال: ((عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة، وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور، وهما في النار، وسلوا الله المعافاة؛ فإنه لم يؤتَ أحدٌ بعد اليقين خيراً من المعافاة ... )) (¬1). وعن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وكرر سؤاله: علمني شيئاً أسأل الله، فقال: ((يا عباس، ياعم رسول الله سل الله العافية في الدنيا والآخرة)) (¬2). الحادي عشر: خصائص وفضائل ليلة القدر: ليلة القدر لها فضائل وخصائص كثيرة عظيمة، منها ما يأتي: 1 - أنزل الله فيها القرآن العظيم، الذي به هداية الجن والإنس وسعادتهم في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} (¬3). 2 - ليلة القدر ليلة مباركة قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين * 3 - فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِين* رَحْمَةً مِّن ¬
رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} (¬1)،فيُفْصَلُ فيها من اللوح المحفوظ ما هو كائن في السنة: من الأرزاق والآجال، والخير والشر. 4 - ليلة القدر العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، كما قال الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر} (¬2) يعني في الفضل والشرف، وكثرة الثواب والأجر، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)) (¬3)، وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في رمضان: (( ... فيه ليلة خير من ألف شهر من حُرِمَ خيرها فقد حُرِم)) (¬4).وفي حديث أنس - رضي الله عنه -، قال: دخل رمضان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرمها فقد حُرِمَ الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم)) (¬5). 5 - تعظيم ليلة القدر عند الله تعالى، وقد دلّ عليه الاستفهام في قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر}؛ فإن ذلك يدل على التفخيم والتعظيم، قال ابن عيينة: ((ما كان في القرآن ((وما أدراك)) فقد ¬
أعلمه، وما قال: ((وما يدريك)) فإنه لم يعلم (¬1). 6 - تنزل الملائكة وجبريل في ليلة القدر وهم لا ينزلون إلا بالخير، والبركة والرحمة، قال الله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْر} (¬2) وقد جاء في الحديث: (( ... وإن الملائكة في تلك الليلة أكثر من عدد الحصى)) (¬3). 7 - ليلة القدر سلام، لكثرة السلامة فيها من العقاب، والعذاب، بما يقوم به العبد من طاعة الله - عز وجل -، قال الله تعالى: {سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر} (¬4). 8 - أنزل الله تعالى في ليلة القدر سورة تتلى إلى يوم القيامة، فقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْر * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر} (¬5). 9 - من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه كما تقدم في الحديث (¬6). ¬
10 - من حُرم خيرها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم (¬1). 11 - ليلة القدر أفضل ليالي السنة؛ لأن العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر: أي العمل في ليلة القدر خير من العمل في ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، وهذا فضل عظيم، وثواب كبير، أما ليلة الجمعة فهي أفضل ليالي الأسبوع، وأفضل أيام السنة يوم النحر ويوم عرفة، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان الأخيرة، وأما الليالي، فليالي عشر رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة؛ فإن أيام عشر ذي الحجة هي: * الأيام التي أقسم الله تعالى بها في كتابه بقوله: {وَالْفَجْر * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (¬2) وهي عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وابن كثير، وابن القيم، وغير واحد من السلف والخلف (¬3). * وهي الأيام التي يكون العمل فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا الجهاد في ¬
سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) (¬1). * وهي أيام عظيمة عند الله والأعمال فيها أحب إليه فيهن؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيام أعظم عندالله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن: من التهليل، والتكبير، والتحميد)) (¬2). * وهي أيامٌ أفضل من أيام عشر رمضان الأخيرة؛ فإن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى قال: (( ... ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان؛ وبهذا يزول الاشتباه، ويدلُّ عليه أن ليالي العشر من رمضان إنما فُضِّلت باعتبار ليلة القدر، وهي من الليالي، وعشر ذي الحجة فُضِّلت باعتبار أيامه؛ إذ فيه: يوم النحر، ويوم عرفة، ويوم التروية)) (¬3). * وهي الأيام التي فيهنَّ يومان هما أفضل أيام العام: يوم النحر ويوم عرفة؛ لحديث عبد الله بن قُرْطٍ الثَّمالي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أعظم ¬
الأيام عند الله تعالى: يوم النحر، ثم يوم القرِّ)) (¬1). ويوم القرِّ هو حادي عشر ذي الحجة؛ لأن الناس يقرُّون فيه بمنى؛ لأنهم قد فرغوا في الغالب: من طواف الإفاضة، والنحر، واستراحوا وقرُّوا. وأما يوم عرفة؛ فلحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)) (¬2). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة ... )) (¬3). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده ... )) (¬4). وهذا لغير الحاج، أما الحاج فالسُّنة في حقِّه الإفطار ليتقوَّى على الدعاء والذكر اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه كان مفطراً يوم عرفة. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة: ((خير يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ... )) (¬5). فقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ((والصواب أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة ¬
ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر، وليلة الجمعة ... )) (¬1). أي ليلة القدر أفضل ليالي السنة، وليلة الجمعة أفضل ليالي الأسبوع. وصوَّب ابن القيم رحمه الله تعالى أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، وكذلك صححه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شيء يقاومه، قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ الله بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (¬2). وثبت في الصحيحين: أن أبا بكر وعلياً أذَّنا بذلك يوم النحر، لا يوم عرفة (¬3). وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يوم الحج الأكبر يوم النحر)) (¬4). قال ابن القيم بأصح إسناد (¬5). وقال رحمه الله: ((ويوم عرفة: مقدمة ليوم النحر بين يديه؛ فإن فيه يكون الوقوف، والتضرُّع، والتوبة، والابتهال، والاستقالة، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة؛ ولهذا سُمِّي طوافه طواف الزيارة؛ لأنهم قد طُهِّروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أَذِنَ لهم ربهم ¬
الثاني عشر: كتمان ليلة القدر:
يوم النحر في زيارته، والدخول عليه إلى بيته)) (¬1). والله تعالى أعلم (¬2). الثاني عشر: كتمان ليلة القدر: ليلة القدر ليس بشرط أن تُرى، ولكن إذا اجتهد المسلم في طلبها في جميع ليال عشر رمضان الأخيرة فقد أدركها، وحصل على الفضل الذي بيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن إذا رآها العبد؛ فإن الأفضل أن يكتمها ولا يخبر بها، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله نقلاً عن الحاوي: أن الحكمة من استحباب كتمان ليلة القدر: أنها كرامة، والكرامة ينبغي كتمانها بلا خلاف بين أهل الطريق من جهة رؤية النفس، فلا يأمن السلب، ومن جهة أنه لا يأمن الرياء، ومن جهة الأدب فلا يتشاغل عن الشكر لله بالنظر إليها، وذِكْرها للناس، ومن جهة أنه لا يأمن الحسد، فيوقع غيره في المحذور، ¬
قال: ويستأنس له بقول يعقوب - عليه السلام -: {يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِين} (¬1) فالأفضل أن تكتم ولا يُخْبِرُ بها من رآها، ويسأل الله القبول (¬2) والله تعالى أعلم. ¬
المبحث السادس والعشرون: الاعتكاف
المبحث السادس والعشرون: الاعتكاف أولاً: مفهوم الاعتكاف: لغة، وشرعاً: الاعتكاف لغة: لزوم الشيء، والإقامة عليه، أوفيه، والإقبال عليه، وحبس النفس عليه، والمواظبة عليه، لا يصرف عنه وجهه على سبيل التعظم، خيراً كان أو شراً (¬1). يُقال: عَكَفَ على الشيء، يَعْكُفُ، ويعْكِف عَكْفاً، وعُكُوفاً: أقبل عليه مواظباً لا يصرف عنه وجهه، وقيل: أقام، ومنه قوله تعالى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ} (¬2) أي يقيمون، ومنه قوله تعالى: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} (¬3) أي مقيماً، وقوله تعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} (¬4)، وقوله: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬5)،وقوله: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} (¬6) أي محبوساً ممنوعاً، وقال تعالى: {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِين} (¬7) قال الإمام ابن الأثير رحمه الله: ((قد تكرر في الحديث: ¬
الاعتكاف شرعا
الاعتكاف والعكوف، وهو: الإقامة على الشيء والمكان ولزومهما، يقال: عَكف يَعكُف، ويعكِف عُكوفاً فهو عاكف، واعتكف يعتكِفُ اعتكافاً: فهو معتكِف، ومنه قيل: لمن لازم المسجد وأقام على العبادة فيه: عاكف، ومعتكف)) (¬1)، ويُقال: عكف على الشيء عكوفاً، وعكفاً من بابي: قعد، وضرب: لازمه وواظب عليه، وعكفتُ على الشيء، أعكفُهُ وأعكِفه حبسته، ومنه الاعتكاف، وهو افتعال؛ لأنه حبس النفس عن التصرفات العادية، وعكفته عن حاجته: منعته (¬2)، وعكفه: حبسه، ووقفه، وبابه: ضرب، ونصر (¬3)،والاعتكاف: المقام والاحتباس (¬4)، والمُعْتَكَفُ: موضع الاعتكاف (¬5)، والاعتكاف في اللغة: الحبس والمكث واللزم (¬6). والتعريف المختار لغة: لزوم الشيء، والإقامة عليه، أو فيه، والإقبال عليه، وحبس النفس عليه، والمواظبة عليه، على سبيل التعظيم خيراً كان أو شرّاً، لا يصرف عنه وجهه. الاعتكاف شرعاً: جاء فيه عدة تعريفات على النحو الآتي: ¬
1 - قيل: الإقامة في المسجد على صفة مخصوصة (¬1). 2 - وقيل: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى (¬2). 3 - وقيل: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى على صفة مخصوصة، من مسلم، طاهر مما يوجب غسلاً (¬3). 4 - وقيل: لبث صائم في مسجد جماعة، بنية (¬4). 5 - وقيل: لزوم المسجد بصفة مخصوصة (¬5). 6 - وقيل: الإقامة في المسجد، لا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان (¬6). 7 - وقيل: المكث في المسجد بنية القربة (¬7). 8 - وقيل: لزوم مسلم عاقل، ولو مميز لا غسل عليه مسجداً ولو ساعة (¬8). ¬
9 - وقيل: اللبث في مسجد على صفة مخصوصة بنية (¬1). 10 - وقيل: لزوم المسجد والمكث فيه لطاعة الله - عز وجل - بشروط مخصوصة (¬2). 11 - وقيل: المقام في المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة (¬3). 12 - وقيل: لزوم المسجد لطاعة الله فيه (¬4). 13 - وقيل: لزوم المسجد لعبادة الله فيه (¬5). 14 - وقيل: لزوم المسجد لطاعة الله على صفة مخصوصة من مسلم عاقلٍ ولو مميّز طاهرٍ مما يوجب غسلاً وأقله ساعة (¬6). 15 - وقيل: إقامة مخصوص، ويسمَّى جواراً (¬7). 16 - وقيل: اللبث في المسجد للعبادة معزوماً على دوامه يوماً وليلة، أو يوماً وبعض الليل مما يلي آخره فأكثر (¬8). 17 - وقيل: لزوم مسلم مميز مسجداً مباحاً، بصوم، كافّاً عن الجماع ومقدماته ¬
يوماً وليلة، فأكثر للعبادة بنية (¬1). 18 - وقيل: الإقامة في المسجد بنية التقرب إلى الله - عز وجل - ساعة فما فوقها ليلاً أو نهاراً (¬2). 19 - وقيل: المكث في المسجد، من شخص مخصوص، بصفة مخصوصة، ويسمى الاعتكاف جواراً. كما جاء في الأحاديث الصحيحة (¬3). قالت عائشة رضي الله عنها: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُصغي إليَّ رأسه وهو مُجَاوِرٌ في المسجد فأرجّله وأنا حائض)) (¬4). 20 - وقيل: ملازمة طاعةٍ مخصوصةٍ، على شرطٍ مخصوصٍ، في موضع مخصوص (¬5). 21 - وقيل: لزوم المسجد للطاعة، من مسلم، عاقلٍ، طاهرٍ مما يوجب غسلاً، وأقله أدنى لبثٍ إن لم يشترط الصوم (¬6). وبالتأمل في هذه التعريفات أرى أن التعريف المختار الذي يكون جامعاً مانعاً إن شاء الله تعالى هو: الاعتكاف شرعاً: لزوم مسجد جماعةٍ، بنيةٍ لعبادة الله فيه، من ¬
ثانيا: شروط الاعتكاف
شخص مخصوص، بشروط مخصوصة، على صفة مخصوصة، في زمن مخصوص. ثانياً: شروط الاعتكاف الاعتكاف في المساجد عبادة لله تعالى لها شروط لا تصحُّ إلا بها، وهي على النحو الآتي: الشرط الأول: الإسلام، وضده الكفر، فالكافر لا يصح منه الاعتكاف؛ لقول الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} (¬1) وقوله سبحانه: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِالله وَبِرَسُولِه} (¬2). الشرط الثاني: العقل، وضده الجنون، والمجنون مرفوع عنه القلم حتى يفيق، فلا يصح منه الاعتكاف؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رُفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يُفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم)) (¬3). الشرط الثالث: التمييز، وضده الصغر، وحد التمييز سبع سنين، فلا يصح الاعتكاف من الصبي غير المميز. ¬
الشرط الرابع: النية
أما البلوغ والذكورية فلا يشترطان لصحة الاعتكاف، فإنه يصح الاعتكاف من غير البالغ إذا كان مميزاً، وكذلك يصح من الأنثى. الشرط الرابع: النية، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)) (¬1)، فينوي المعتكف لزوم المسجد تعبداً لله - عز وجل - (¬2). الشرط الخامس: أن يكون الاعتكاف في مسجد؛ لقول الله تعالى: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬3)؛ولفعله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يعتكف في المسجد، ولم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه اعتكف في غيره (¬4) (¬5). الشرط السادس: أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجماعة، وذلك إذا كانت مدة الاعتكاف تتخللها صلاة مفروضة، وكان المعتكف ممن تجب عليه الجماعة؛ لأن الاعتكاف في مسجدٍ لا تقام فيه الجماعة يقتضي ترك صلاة الجماعة، وهي واجبة عليه، أو يقتضي تكرار خروج المعتكف من معتكفه كل وقت صلاة، وهذا ينافي المقصود من الاعتكاف، أما المرأة فيصح اعتكافها في كل مسجد سواء أقيمت فيه ¬
الشرط السابع: الطهارة من الحدث الأكبر
الجماعة أم لا، [إلاّ مسجدها في بيتها فلا يصح الاعتكاف فيه] هذا إذا لم يترتب على اعتكافها فتنة، فإن ترتب على ذلك فتنة مُنِعَتْ. والأفضل أن يكون المسجد الذي يُعتكف فيه تقام فيه صلاة الجُمُعة لكن ذلك ليس شرطاً للاعتكاف؛ لأن المعتكف إذا خرج مرة واحدة في الأسبوع لا يؤثر هذا الخروج على صحة اعتكافه؛ لأن صلاة الجمعة عليه فرض عين، والخروج إلى هذه الفريضة لا يستغرق وقتاً طويلاً (¬1). الشرط السابع: الطهارة من الحدث الأكبر: الحيض، والنفاس، والجنابة؛ ولهذا عرَّف بعضهم الاعتكاف، فقال: لزوم المسجد لعبادة الله من مسلم، عاقلٍ، طاهرٍ مما يوجب غسلاً، فلا يصح اعتكاف الجنب ولا الحائض، ولا النفساء؛ لعدم جواز مكث هؤلاء في المسجد، أما الجنب؛ فلقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} (¬2)؛ولحديث عائشة رضي الله عنها ترفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وجَّهوا هذه البيوت عن المسجد؛ فإني لا أحلُّ المسجد لحائض ولا جنب)) (¬3)، أما مرور الجنب واجتيازه ¬
المسجد فلا حرج فيه لنص الآية: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ}. وأما الدليل على عدم صحة اعتكاف الحائض والنفساء، وأن الطهارة من ذلك من شروط صحة الاعتكاف؛ فحديث عائشة رضي الله عنها المذكور آنفاً: (( ... فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب))،وأما المرور إذا تحفظت ولم تخشَ تلويث المسجد فلا حرج فيه؛ لعموم قوله تعالى: {إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} (¬1)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: ((إن حيضتك ليست في يدك)) (¬2). وأما الصيام فالصواب أنه ليس بشرطٍ في الاعتكاف، لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال: ((يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: ((أوفِ بنذرك)) (¬3)، فلو كان الصوم شرطاً لما صح اعتكافه في الليل؛ لأنه لا صيام فيه؛ ولأنهما عبادتان منفصلتان، فلا يشترط لأحدهما وجود الأخرى (¬4)، والله تعالى أعلم (¬5). ¬
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((والصواب أن الصوم ليس
ثالثا: حكم الاعتكاف: سنة لا يجب إلا بالنذر والاعتكاف قربة لله تعالى وطاعة
شرطاً في الاعتكاف، فإن صام المعتكف فهو أكمل وإن لم يصم فاعتكافه صحيح)) (¬1). ثالثاً: حكم الاعتكاف: سنة لا يجب إلا بالنذر والاعتكاف قربة لله تعالى وطاعة، والاعتكاف مشروع مسنون، بالكتاب، والسنة، والإجماع: أما الكتاب؛ فلقول الله تعالى لإبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود} (¬2)،وهذه الآية دليل على مشروعية الاعتكاف حتى في الأمم السابقة (¬3)؛ ولقول الله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬4). وأما السنة؛ فللأحاديث الكثيرة، ومنها ما يأتي: 1 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان)) (¬5). 2 - حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفَّاه الله تعالى، ثم اعتكف ¬
أزواجه من بعده)) (¬1). 3 - حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -،قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأَوَّل من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قُبَّة تركية (¬2) على سُدَّتها حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحَّاها في ناحية القبة، ثم أطْلَعَ رأسه فكلَّم الناس فدنوا منه، فقال: ((إني أعتكف العشر الأوَّل ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفتُ العشر الأوسط، ثُمَّ أُتيتُ فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحبَّ منكم أن يعتكف، فليعتكف))، فاعتكف الناس معه، قال: ((وإني أُريتها ليلة وتر، وإني أسجد في صبيحتها في طين وماء)) فأصبح من ليلة إحدى وعشرين، وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء، فوكف المسجد (¬3) فأبصرت الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه (¬4) فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر)) (¬5). ¬
وأما الإجماع
4 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كلِّ رمضان عشرة أيام فَلمّا كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً))، وفي لفظ: ((كان يعرض (¬1) على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف في كلِّ عامٍ عشراً، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه)) (¬2). وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تدل على سُنِّيَّة الاعتكاف. وأما الإجماع: فأجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضاً إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذراً فيجب عليه (¬3)، وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((الاعتكاف سنة بالإجماع، ولا يجب إلا بالنذر بالإجماع)) (¬4)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأجمع ¬
رابعا: الاعتكاف الواجب: بالنذر لا بالشرع
المسلمون على أنه قربة وعمل صالح)) (¬1)، والذي يظهر من الأحاديث السابقة أن اعتكاف العشر الأواخر من رمضان سنة مؤكدة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك، وداوم عليه وقضاه لمَّا فاته، واعتكف أزواجه من بعده، وكل ما واظب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من السنن المؤكدة، كقيام الليل (¬2). رابعاً: الاعتكاف الواجب: بالنذر لا بالشرع. الاعتكاف ليس بواجب بالشرع، إنما يجب بالنذر بالإجماع (¬3)،وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه)) (¬4)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقاله له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أوفِ بنذرك)) (¬5)، وفي لفظ: يا رسول الله إنه كان عليَّ اعتكاف يوم في الجاهلية)) (¬6)، وفي لفظ: ((قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((لمَّا قفلنا من حنينٍ سأل عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نذر كان نذره في الجاهلية، ¬
خامسا: حكمة الاعتكاف: عبادة الله تعالى والإقبال إليه
اعتكافٍ فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بوفائه)) (¬1). فَعُلِمَ من هذا أن الله تعالى لم يوجب الاعتكاف بشرعه للناس، وإنما الإنسان الذي يوجبه على نفسه بالنذر. خامساً: حكمة الاعتكاف: عبادة الله تعالى والإقبال إليه: الاعتكاف فيه تسليم المعتكف: نفسه، وروحه، وقلبه، وجسده بالكلية إلى عبادة الله تعالى، طلباً لرضاه، والفوز بجنته، وارتفاع الدرجات عنده تعالى، وإبعاد النفس من شغل الدنيا التي هي مانعة عما يطلبه العبد من التقرب إلى الله - عز وجل -، وفي الاعتكاف: استغراق المعتكف أوقاته في الصلاة، إما حقيقة أو حكماً؛ لأن المعتكف إن لم يكن في الصلاة حقيقة فهو في انتظار الصلاة بعد الصلاة، فهو في صلاة وفي رباط في طاعة الله تعالى، والمعتكف قد فرَّغ قلبه، ووقته لذكر الله، وقراءة القرآن، ونومه، ويقظته عبادة لله إن قصد بذلك التقوِّي على طاعته (¬2). قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((لما كان صلاحُ القلب، واستقامته، على طريق سيره إلى الله تعالى، متوقفاً على جمعيَّتهِ على الله، ولمِّ شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى؛ فإن شعث القلب لا يلمُّهُ إلا الإقبال على الله تعالى، وكان فضُولُ الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام مما يزيده شَعَثاً، ويشتِّتهُ في كلِّ وادٍ، ويقطعه عن ¬
سادسا: زمن الاعتكاف ووقته
سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه، أو يعوقه، ويوقفه: اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوِّقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه، ولا يضرُّه، ولا يقطعه من مصالحه العاجلة والآجلة، وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيَّتُه عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره، وحبه، والإقبال عليه، في محلِّ هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصيرُ الهمُّ كلُّه به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه، وما يقرِّب منه، فيصير أُنسه بالله بدلاً من أُنْسِهِ بالخلق، فيَعِده بذلك لأُنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم)) (¬1). سادساً: زمن الاعتكاف ووقته: مُدَّة الاعتكاف اللبث والمكث في المسجد مدة من الزمن بنيَّة العبادة لله هو ركن الاعتكاف (¬2)، فلو لم يقع اللبث في المسجد بنية العبادة لم ينعقد الاعتكاف، وفي أقل مدة الاعتكاف خلاف بين أهل العلم، والصواب أن وقت الاعتكاف ليس لأقلِّه حدٌّ، ¬
فيصحّ الاعتكاف مقداراً من الزمن وإن قلَّ، ولو لحظة أو ساعة (¬1)، لقول الله تعالى: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬2)، وهذا اللفظ عام يشمل القليل والكثير، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((والصواب في الاعتكاف أنه لا حدَّ لأكثره ولا لأقلِّه، وليس له حد محدود، فلو دخل المسجد ونوى الاعتكاف ساعة أو ساعتين فهو اعتكاف)) (¬3)، والله تعالى أعلم (¬4). ¬
سابعا: أفضل أوقات الاعتكاف: العشر الأواخر من رمضان:
والأفضل أن لا ينقص الاعتكاف عن يوم وليلة في غير رمضان، وأما في رمضان في العشر الأواخر فالأفضل أن لا ينقص عن العشر الأواخر من رمضان؛ لأن هذا أقلُّ ما ورد في الاعتكاف في رمضان وغيره، والله تعالى أعلم؛ فإن اعتكف زمناً يسمَّى به معتكفاً ولو ساعة من نهار أو ليل مع نية التعبّد لله تعالى صح اعتكافه، والحمد لله (¬1). سابعاً: أفضل أوقات الاعتكاف: العشر الأواخر من رمضان: ¬
الأمر الأول: مواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان
لا شك أن أفضل أوقات الاعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان، وأنه سنة مؤكدة للأمور الآتية: الأمر الأول: مواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة الكثيرة، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)) (¬1). الأمر الثاني: قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكاف العشر الأواخر إذا فاته؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ... )) الحديث، وفيه ذكر اعتكاف أزواجه - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فلما رأى أخبيتهن قد ضربت في المسجد، قال: ((البر يُرِدْنَ؟))، فأمر بخبائه فقوِّض وترك الاعتكاف ذلك الشهر حتى اعتكف عشراً من شوال)) (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاماً فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين))، وهذا لفظ الترمذي، أما لفظ الإمام أحمد عن أنس - رضي الله عنه - فقال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان مقيماً اعتكف العشر الأواخر من رمضان، وإذا سافر اعتكف من العام المقبل عشرين)) (¬3). ¬
الأمر الثالث: حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على اعتكاف العشر الأواخر من غير إيجاب:
وعن أُبيّ بن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاماً، فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين ليلة))، وهذا لفظ أبي داود، وأما لفظ ابن ماجه، فقال: ((كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسافر عاماً، فلما كان من العام المقبل اعتكف عشرين يوماً)) (¬1). الأمر الثالث: حثُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على اعتكاف العشر الأواخر من غير إيجاب: حثَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الاعتكاف بفعله في مواظبته على الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان كما جاء ذلك في الأحاديث المذكورة آنفاً، وهو أُسْوَةٌ كلِّ مسلم كما قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬2)، وكذلك حث بقوله من غير إيجاب فقال: ((إني اعتكفت العشر الأوَّل ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أُوتِيتُ فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحبَّ منكم أن يعتكف فليعتكف))، قال أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: ((فاعتكف الناس معه)) (¬3). الأمر الرابع: وقوع ليلة القدر في العشر الأواخر، والعبادة فيها خير ¬
الأمر الخامس: اعتكاف أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعده
من العبادة في ألف شهر، وألف شهر تقدر بأفضل من ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان: (( ... فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم)) (¬1). الأمر الخامس: اعتكاف أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعده، واعتكاف أصحابه، والعلماء والأخيار في القرون المفضلة ومن بعدهم يؤكد أفضليّة اعتكاف العشر الأواخر من رمضان. وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية: ((أنه يستحب أن لا يدع أحد الاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - داوم عليه وقضاه لمّا فاته، وكل ما واظب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من السُّنن المؤكدة، كقيام الليل)) (¬2). ثامناً: اعتكاف النساء في المسجد بإذن الأزواج: المرأة لا يصحُّ اعتكافها إلا في المسجد المتخذ للصلوات الذي يحرم مقام الجنب فيه، ويتناوله أحكام المساجد، فأما مسجد بيتها: وهو مكانٌ من البيت يتخذه الرجل أو المرأة للصلاة فيه مع بقاء حكم الملك عليه فلا يصحُّ الاعتكاف فيه؛ لأن هذا ليس مسجداً، ولا يُسَمَّى في الشرع مسجداً بدليل جواز مكث الحائض فيه، والاعتكاف إنما يكون في ¬
المساجد؛ ولأن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكفن في المسجد بعده (¬1)، بل اعتكفن معه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنتُ أضرب له خباءً (¬2) فيصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباءً فأذنت لها فضربت خباءً آخر، فلما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الأخبية فقال: ((ما هذا؟)) فأُخبِرَ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((البرَّ ترون بهنَّ؟)) فترك الاعتكاف ذلك الشهر، ثم اعتكف عشراً من شوال))، وفي لفظ للبخاري: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه إذا الأخبية: خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، فقال: ((البر تقولون بهنَّ؟))، ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشراً من شوال))،وفي لفظ للبخاري وفيه: ((فاستأذنته عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت فيه قبة (¬3)،فسمعت بها حفصة فضربت قبة، وسمعت زينب بها فضربت فيه أخرى))،وفي لفظ للبخاري (( ... وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى انصرف إلى نسائه، فأبصر الأبنية فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: بناءُ عائشة، وحفصة، وزينب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((البرّ أردن بهذا؟ ما أنا بمعتكف))، فرجع فلما أفطر اعتكف عشراً من ¬
تاسعا: دخول المعتكف والخروج منه:
شوال))، وفي لفظٍ لمسلم: ((فأمر بخبائه فقُوِّض (¬1)،وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف العشر الأول من شوالِ)) (¬2). وقد دلَّ هذا الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ لبعض نسائه بالاعتكاف، فدل على مشروعية الاعتكاف للنساء في المساجد بإذن الأزواج، وفيه: أنه لو كان اعتكافهن في غير المسجد العام ممكناً لاستغنين بذلك عن ضرب الأخبية في المسجد، كما استغنين بالصلاة في بيوتهنَّ عن الجماعة في المساجد، ولأمرهن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك (¬3)، وقد ذكر العلماء: أن المرأة يصح اعتكافها في كل مسجد ولو لم يكن فيه جماعة، ولا يصح اعتكافها في مسجد بيتها، أما الرجل فلا يصح منه إلا في مسجد فيه جماعة، والأفضل أن يكون فيه جمعة، فإن لم يكن فيه جمعة فلا حرج ويخرج لها في وقتها، والله تعالى أعلم (¬4). تاسعاً: دخول المُعتكف والخروج منه: إذا أراد المسلم أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان تطوعاً، فإنه يدخل معتكفه عند جمهور أهل العلم قبل غروب شمس يوم عشرين؛ ¬
ليستقبل ليلة إحدى وعشرين وهو في معتكفه، وهو رواية عن الإمام أحمد؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، قال: اعتكفنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشر الأوسط من رمضان فخرج صبيحة عشرين فخطبنا وقال: ((إني أُريت ليلة القدر ثم أُنسيتها أو نُسِّيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف معي فليرجع فرجعنا ... ))، ولفظ مسلم: (( ... فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء ... )) (¬1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الحديث: ((فقد بيَّن أن من اعتكف العشر الأواخر فإنه يعتكف ليلة إحدى وعشرين)) (¬2). وفي رواية عن الإمام أحمد أنه يدخل بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين، وبه قال الأوزاعي، والليث، وإسحاق، وابن المنذر، لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يعتكف صلَّى الفجر ثم دخل معتكفه)) (¬3)، ولكن حمل الجمهور هذا الحديث ((على أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل المعتكف وانقطع فيه، وتخلَّى بنفسه بعد صلاة الصبح، لا أنَّ ذلك وقت ابتداء الاعتكاف، بل كان من قبل المغرب معتكفاً لابثاً في جملة المسجد فلما صلَّى الصبح انفرد)) (¬4) ¬
أما اعتكاف النذر
والله أعلم (¬1). وأما وقت خروجه من المعتكف، فيجوز عند جمهور أهل العلم من بعد غروب شمس ليلة العيد، ورأى بعض أهل العلم أن الأفضل له أن يمكث في معتكفه إلى أن يخرج إلى صلاة العيد، والأمر في ذلك مبني على التيسير، والحمد لله؛ لأن المقصود قد حصل باستكمال ليالي عشر رمضان الأخيرة، والاعتكاف سنة، إلا أن يوجبه الإنسان على نفسه بالنذر (¬2). أما اعتكاف النذر، فإن من نذر اعتكاف يوم، أو أيام مُسمّاة، أو أراد ¬
عاشرا: من نذر الاعتكاف في مسجد فله فعل ذلك في غيره إلا الثلاثة:
ذلك تطوعاً، فإنه يدخل قبل أن يتبين له طلوع الفجر، ويخرج إذا غاب جميع قرص الشمس، سواء كان ذلك في رمضان أو في غيره، ومن نذر اعتكاف ليلة أو ليالي مُسمّاة، أو أراد ذلك تطوعاً، فإنه يدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس، ويخرج إذا تبيَّن له طلوع الفجر؛ لأن مبدأ الليل إثر غروب الشمس، وتمامه بطلوع الفجر، ومبدأ اليوم بطلوع الفجر، وتمامه بغروب الشمس كلها، وليس على أحد إلا ما التزم (¬1). عاشراً: من نذر الاعتكاف في مسجد فله فعل ذلك في غيره إلا الثلاثة: من نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجدٍ فله فعل ذلك في غيره من المساجد، إلا المساجد الثلاثة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام))، ولفظ مسلم: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)) (¬2)،وعن جابر - رضي الله عنه -،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)) (¬3)، والصواب أن الصلاة في المسجد الحرام تضاعف داخل حدود ¬
الحرم كلِّه (¬1). وقد جاء: ((والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة)) (¬2). أما إذا نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد معينٍ غير هذا الثلاثة لم يلزمه، وأجزأه في أي مسجد بدون شدِّ الرِّحال؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومسجد الأقصى)) (¬3). وأما إذا نذر الاعتكاف أو الصلاة في المسجد الحرام، فإنه يلزمه ذلك؛ لأنه أفضل المساجد الثلاثة التي يجوز شدّ الرحال والسفر إليها؛ للحديث المشار إليه آنفاً. وأما إذا نذره في مسجد المدينة؛ فإن له فعله في المسجد الحرام؛ لما تقدم، فإن فعله في مسجد المدينة فله ذلك، وأما إذا نذره في المسجد الأقصى، فإن له أن يوفي به في المسجد الحرام أو المسجد المدني، وإن فعله ¬
الحادي عشر: مستحبات الاعتكاف:
في المسجد الأقصى فله ذلك؛ لأنه من المساجد الثلاثة التي يجوز شد الرحال إليها؛ ولحديث جابر - رضي الله عنه -: أن رجلاً قام يوم الفتح فقال: يا رسول الله إني نذرت لله: إن فتح الله عليك مكة أن أُصلي في بيت المقدس ركعتين، قال: ((صلِّ ها هنا))، ثم أعاد عليه، فقال: ((صلِّ ها هنا))، ثم أعاد عليه فقال: ((شأنك إذن)) (¬1)، والله تعالى أعلم (¬2). الحادي عشر: مستحبات الاعتكاف: يستحب للمعتكف: أن يتفرَّغ لعبادة الله تعالى، فيكثر من الصلاة في غير أوقات النهي، ويكثر من ذكر الله - عز وجل -، والدعاء، وقراءة القرآن بالتدبر، والاستغفار، والتوبة، ونحو ذلك من الطاعات، ويجتنب ما لا يعنيه: من الأقوال، والأفعال؛ لأن من كثر كلامه كثرت أخطاؤه، وكثر سقطه، وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) (¬3)، فيجتنب ما لا يعنيه: من الجدال، والمراء، والسباب، والفحش؛ لأن هذا مكروه ومنهي عنه في غير الاعتكاف ففيه أولى (¬4). ¬
وأما الصمت عن جميع الكلام فليس بمشروع في دين الإسلام، بل هو من عمل الجاهلية، وقد: (( ... دخل أبو بكر - رضي الله عنه - على امرأة من أَحْمَسَ يقال لها زينب بنت المهاجر فرآها لا تتكلَّم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجت مُصمِتَةً، قال لها: تكلّمي؛ فإن هذا لا يحلُّ، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت ... )) (¬1)، وحتى لو نذر الصمت في اعتكافه لا يحل له الوفاء به؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مُرْه فليتكلم، ويستظل، وليقعد، وليتمَّ صومه)) (¬2)، وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يُتم بعد احتلام ولا صُماتَ يومٍ إلى الليل)) (¬3). وكذلك لا يجوز أن يستعمل القرآن بدلاً من الكلام؛ لأنه استعمال له في غير ما هو له، كأن يرى رجلاً قد جاء في وقته فيقول: {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} (¬4) ونحو ذلك (¬5). ¬
الثاني عشر: مباحات الاعتكاف:
الثاني عشر: مباحات الاعتكاف: يباح للمعتكف ويجوز له أمور، منها على سبيل المثال الأمور الآتية: 1 - يباح للمعتكف الخروج من المسجد لكل أمر لابد له منه: طبعاً، أو شرعاً. كقضاء حاجة الإنسان: من البول والغائط، والخروج للأكل والشرب إذا لم يكن له من يحضر ذلك في المسجد، والخروج للوضوء من الحدث، والاغتسال من الجنابة، والخروج لصلاة الجمعة، والشهادة الواجبة، والخوف من فتنة [تقع له في نفسه، أو أهله، أو ولده، أو ماله] أو مرض، وخروج الحائض والنفساء، وخروج المرأة التي لزمتها عدة الوفاة (¬1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وفي معنى ذلك كل ما يحتاج إلى الخروج له، وهو ما يخاف من تركه ضرراً في دينه أو دنياه، فيدخل في ذلك الخروج لفعل واجب وترك محرم، وإزالة ضرر، مثل الحيض والنفاس، وغسل الجنابة، وأداء شهادة تعيّنت عليه، وإطفاء حريق، ومرض شديد، وخوف على نفسه من فتنة وقعت، وجهاد تعيّن، وشهود جمعة، وسلطان أحضره، وحضور مجلس حُكْم، ... وغير ذلك؛ فإنه يجوز له الخروج لأجله ولا يبطل اعتكافه، لكن منه ما يكون في حكم المعتكف إذا خرج بحيث يحسب له من مدة الاعتكاف ولا يقضيه: وهو ¬
ما لا يطول زمانه، ومنه ما ليس كذلك: وهو ما يطول زمانه ... )) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها، في وصف اعتكاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: (( ... وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان))،وفي لفظ لمسلم: أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: ((إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارّة، وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَيُدْخِل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجةٍ إذا كان معتكفاً)) (¬2). والخلاصة أنه يجوز للمعتكف أن يخرج في كل أمر لابد له منه (¬3). ¬
والله تعالى أعلم (¬1). ¬
2 - يباح له الوضوء في مكان في المسجد؛ لحديث أبي العالية عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((حفظت لك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ في المسجد))، وهذا لفظ أحمد أما البيهقي فبلفظ: ((توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد وضوءاً خفيفاً)) (¬1). 3 - يتخذ خيمة صغيرة في مكانٍ في المسجد، وله النوم فيها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها، فضربت خباء، فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباءً آخر ... ))، وفي لفظ للبخاري: أن عائشة استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ((فأذن لها فضربت فيه قبة))، فسمعت بها حفصة فضربت قبة، وسمعت زينب بها فضربت قبة أخرى)) (¬2)، وقد ثبت من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأوَّل من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبةٍ تركية)) (¬3). 4 - لا بأس أن يلزم المعتكف مكاناً من المسجد؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان))، زاد ¬
مسلم، وأبو داود، وابن ماجه: ((قال نافع وقد أراني عبد الله بن عمر المكان الذي يعتكف فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد)) (¬1). 5 - محادثة الرجل أهله وزيارتهم له، وخروجه معهم يقلبهم إلى بيتهم عند الحاجة لذلك؛ لحديث صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدَّثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أمِّ سلمة مرّ رجلان من الأنصار فسلمَّا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي))، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكَبُرَ عليهما فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً))، وفي لفظ للبخاري: ((إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ... ))، وفي رواية: ((أن ذلك كان ليلاً))، وفي رواية: ((وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد))، وفي رواية: ((فتحدثت عنده ساعة من العشاء ثم قامت ... ))، وفي لفظ: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم))، وفي رواية لمسلم: ((فأتيته أزوره ليلاً))، وفيه: ((لما رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أسرعا))، وفي رواية لمسلم: ((وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما ¬
شراً))، أو قال: ((شيئاً)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وفي الحديث من الفوائد: جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة: من تشييع زائره، والقيام معه، والحديث مع غيره، وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة، وزيارة المرأة للمعتكف)) (¬2). 6 - يباح للمرأة المستحاضة أن تعتكف في المسجد، لحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكفت معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم، فرُبَّما وضعت الطست تحتها من الدم))، وفي لفظ: ((اعتكفت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من أزواجه، فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها))، وفي لفظ: (( .. فكانت ترى الحمرة، والصفرة، فرُبَّما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي)) (¬3)، ولكن لابد من المحافظة على نظافة المسجد، فتَتَّحَفَّظُ المرأةُ المستحاضة حتى لا تلوِّث المسجد. 7 - الأكل والشرب في المسجد؛ لحديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزُّبيدي قال: ((كُنّا نأكل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد: الخبز ¬
الثالث عشر: مبطلات الاعتكاف
واللحم)) (¬1)، وعليه أن يضع سفرة تحت الطعام؛ لئلا يلوِّث المسجد. 8 - المعتكف له أن يغسل رأسه ويُرَجِّلَه، ولزوجته أن تغسل رأسه وتُرَجِّلَه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصغي إليَّ رأسه وهو مجاورٌ (¬2) في المسجد، فأُرَجِّلُه وأنا حائضٌ))، وفي لفظ للبخاري: ((وكان يخرج رأسه إليَّ وهو معتكف فأغسله وأنا حائض))، وفي البخاري أيضاً: ((وكان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف وأغسله وأنا حائض))، وفي لفظٍ: ((أنها كانت ترجِّل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه))، وفي لفظٍ لمسلم قالت: ((إنْ كُنْتُ لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارَّةٌ، وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَيُدْخِلُ عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجِّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجةٍ إذا كان معتكفاً))، وفي لفظ له: (( ... وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان)) (¬3). الثالث عشر: مبطلات الاعتكاف ¬
1 - الخروج من المسجد لغير حاجة عمدا
يبطل الاعتكاف بالمبطلات الآتية: 1 - الخروج من المسجد لغير حاجة عمداً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: (( ... وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً))، وفي لفظ: (( ... وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان)) (¬1). قال الإمام ابن حزم رحمه الله: ((واتفقوا على أن من خرج من معتكفه في المسجد لغير حاجةٍ، ولا ضرورة، وبرٍّ أُمِرَ به ونُدِب إليه، فإنَّ اعتكافه قد بطل)) (¬2)؛ ولأن الخروج من غير حاجة، ولا ضرورة يُفوِّت المكث في المعتكف في المسجد وهو ركن الاعتكاف (¬3). 2 - الجماع، ولو كان ذلك ليلاً، أو كان خارج المسجد؛ لقول الله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا} (¬4)،قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه واستأنف)) (¬5)،وقال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن من جامع ¬
3 - السكر
امرأته وهو معتكف عامداً لذلك في فرجها أنه مفسد لاعتكافه)) (¬1). وكذلك إذا باشر فيما دون الفرج بشهوة فأنزل، فإنِّ اعتكافه يبطل بذلك، أما إذا كانت المباشرة لغير شهوة، فلا بأس بها مثل: أن تغسل رأسه، أو تُرَجِّله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُدني رأسه من عائشة وهو معتكف فتُرَجِّله، وتغسله. أما إذا كانت المباشرة بشهوة ولم ينزل فهي محرمة؛ لأنه لا يأمن الإنزال فيفسد اعتكافه؛ ولأن ما أفضى إلى الحرام كان حراماً (¬2)؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬3). والصواب أنه لا كفارة على من جامع في الاعتكاف، أو باشر بشهوة فأنزل، إلا أن يكون في نهار رمضان، فعليه كفارة الجماع إذا جامع في نهار رمضان كما تقدم (¬4). 3 - السُّكْر: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وإن شرب ما أسكره فسد ¬
4 - الردة عن الإسلام
اعتكافه؛ لخروجه عن كونه من أهل المسجد فصار كالخارج (¬1) منه)) (¬2). 4 - الردة عن الإسلام؛ لقول الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين} (¬3)؛ ولأنه خرج بالردة عن كونه من أهل الاعتكاف (¬4)، وكُلُّ من قطع الاعتكاف وهو تطوع فإنه لا يلزمه القضاء إذا شاء؛ ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله: ((كل عمل لك أن لا تدخل فيه فإذا دخلت فيه وخرجت منه فليس عليك أن تَقْضِيَ إلا الحج والعمرة))، ولم يقع الإجماع على لزوم نافلةٍ بالشروع فيها سوى الحج والعمرة (¬5)، ولكن إذا اشترط عند الإحرام فقال: ((لبيك اللهم لبيك، فإن حبسني حابسٌ فمحلِّي حيث حَبستني))، فلا شيء عليه إذا حبسه حابس ومنعه عن إتمام حجه أو عمرتِهِ النافلتين: والله تعالى أعلم. ¬
المبحث السابع والعشرون: فضائل وخصائص العشر الأواخر من رمضان
المبحث السابع والعشرون: فضائل وخصائص العشر الأواخرمن رمضان العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك لها فضائلها وخصائصها كثيرة وعظيمة، وجليلة، ومنها ما يأتي: أولاً: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجتهد فيها بالعمل الصالح ما لا يجتهد في غيرها، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)) (¬1). وعنها رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر)) (¬2). قال الإمام النووي رحمه الله: ((اختلف العلماء رحمهم الله في معنى شدِّ المئزر، فقيل: هو الاجتهاد في العبادات، يقال: شددت لهذا الأمر مئزري: أي تشمَّرت له وتفرَّغت، وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات، وقولها: ((أحيا الليل)) أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها، وقولها: ((وأيقظ أهله)):أي أيقظهم للصلاة في الليل، وجدّ في العبادة زيادة على العادة، ففي هذا الحديث: أنه يستحب أن يزاد من العبادات في العشر الأواخر من رمضان، واستحباب إحياء لياليه بالعبادات، وأما قول أصحابنا: يكره قيام الليل كله، فمعناه على الدوام، ولم يقولوا بكراهة ليلة أو ليلتين، والعشر)) (¬3). ¬
ففي هذين الحديثين دليل على فضيلة هذه العشر المباركة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد فيها أكثر مما يجتهد في غيرها، وهذا شامل للاجتهاد في جميع أنواع العبادة: من صلاةٍ، وقرآن، وذكر، وصدقة، وغيرها؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُحيي ليله بالقيام، والقراءة، والذكر: بقلبه، ولسانه، وجوارحه؛ لشرف هذه الليالي، وطلباً لليلة القدر، وظاهر الحديث أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يحيي الليل كله، في عبادة ربه: من الذكر، والقراءة، والصلاة، والاستعداد لذلك بالسحور، وغير ذلك، وبهذا يحصل الجمع بينه وبين ما في حديث عائشة رضي الله عنها الآخر، قالت: (( ... ولا أعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح ... )) (¬1)؛لأن إحياء الليل الثابت في العشر يكون بالقيام وغيره من أنواع العبادات، والذي نفت عائشة رضي الله عنها إحياء الليل بالقرآن فقط، والله أعلم. ومما يدل على فضيلة هذه العشر من هذا الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوقظ أهله فيه للصلاة، والذكر، حرصاً على اغتنام هذه الليالي المباركة، بما هي جديرة به من العبادة؛ ولأنها فرصة العمر، وغنيمة لمن وفقه الله تعالى، فلا ينبغي للمؤمن أن يُفوِّت هذه الفرصة العظيمة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليالٍ معدودة وربما يدرك فيها الإنسان نفحةً من نفحات المولى فتكون سعادةً له في الدنيا والآخرة (¬2). ¬
ثانيا: من خصائص وفضائل العشر الأواخر من رمضان:
ثانياً: من خصائص وفضائل العشر الأواخر من رمضان: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف فيها كما قالت عائشة رضي الله عنها: ((كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده)) (¬1)؛ ولحرصه العظيم على الخير اعتكف في العام الذي توفي فيه عشرين يوماً، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً))، وكذلك جاء في رواية لهذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعرض القرآن على جبريل كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين، ولفظ هذه الرواية: ((كان يعرض (¬2) على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبِض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشراً، فاعتكف عشرين في العام الذي قُبِضَ فيه)) (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا يدل على أن المؤمن كلما زاد في العمر زاد في العمل الصالح)) (¬4). ثالثاً: من خصائص وفضائل العشر الأواخر: أن فيها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، فالعمل الصالح فيها أفضل من العمل في ثلاثٍ وثمانين سنة وأربعة أشهر، فمن حُرم خير هذه الليلة فقد ¬
رابعا: من فضائل وخصائص العشر الأواخر من رمضان
حُرم الخير كله، ولا يُحرمها إلا محروم، ومن وُفِّق لقيام هذه الليلة غُفر له ما تقدم من ذنبه، وهذه فضائل عظيمة. رابعاً: من فضائل وخصائص العشر الأواخر من رمضان: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ أمْرَ استحبابٍ بتحرِّي ليلة القدر فيها، فقال: ((تحرُّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)) (¬1). خامساً: من أعظم خصائص وفضائل العشر الأواخر: أن الله تعالى أنزل القرآن فيها في ليلة القدر، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} (¬2)، وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} (¬3). سادساً: من خصائص وفضائل هذه العشر: أن الله أخفى ليلة القدر في هذه العشر رحمةً بعباده؛ ليَكْثُرَ عملهم في طلبها في هذه الليالي العشر، بالصلاة، والذكر، والدعاء، فيزدادوا قُربةً من الله وثواباً، وأخفاها اختباراً لهم أيضاً؛ لِيَتَبَيَّنَ بذلك من كان جاداًّ في طلبها، حريصاً عليها، ممن كان كسلان متهاوناً؛ فإنَّ من حرص على شيءٍ جَدَّ في طلبه، وهان عليه التعب في سبيل الوصول إليه، والظفر به، واللهُ المستعان (¬4). ¬
المبحث الثامن والعشرون: فضائل تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره وآدابها وأثرها
المبحث الثامن والعشرون: فضائل تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره وآدابها وأثرها القرآن أنزله الله تعالى في شهر رمضان، كما قال - عز وجل -: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (¬1) وكان هذا الإنزال في ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} (¬2)، وقال - عز وجل -: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين} (¬3). ولأهمية هذا القرآن العظيم والاهتمام به في رمضان وغيره، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرضه على جبريل في كل عام مرة في شهر رمضان، وعرضه في العام الذي توفي فيه مرتين (¬4) وهذا يؤكد الأهمية العظمى بالقرآن في رمضان وفي غيره، وسأذكر جملاً مختصرة في هذا المبحث تدل على أهمية هذا الكتاب المبين، وأثره على النفوس، والأرواح، على النحو الآتي: أولاً: مفهوم القرآن العظيم: القرآن كلام الله: حروفه، ومعانيه، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو المعجزة العُظمى، المتعبّد بتلاوته، المبدوء في المصحف بفاتحة الكتاب المختوم بسورة الناس، تكلم الله به، وسمعه جبريل من الله تعالى، وسمعه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جبريل، وسمعه الصحابة من ¬
ثانيا: صفات القرآن الكريم:
محمد - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِين * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِين *بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِين} (¬1). ثانياً: صفات القرآن الكريم: له صفات عظيمة يعجز البشر عن حصرها، ولكن من هذه الصفات الآتية: 1 - كتاب عام للعالمين: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (¬2). 2 - المعجزة العظمى، الذي تحدَّى الله به الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله أو بسورة واحدة، فعجزوا مجتمعين ومتفرقين عن الإتيان بشيء من ذلك، قال الله - عز وجل -: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (¬3)، وقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُون* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِين} (¬4)،وبعد هذا التحدّي عجزوا أن يأتوا بمثله، فمدَّ لهم في الحبل وتحدَّاهم بعشر سور مثله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِين} (¬5) فعجزوا، فأرخى لهم في الحبل، وتحدَّاهم ¬
بسورة مثله، قال الله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِين} (¬1). وقد سمع هذا التحدِّي من سمع القرآن وعرفه الخاص والعام، ولم يتقدم أحد على أن يأتي بسورة مثله من حين بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا اليوم (¬2) وإلى قيام الساعة، والقرآن يشتمل على آلاف المعجزات؛ لأنه مائة وأربع عشرة سورة، وقد وقع التحدي بسورة واحدة، وأقصر سورة في القرآن سورة الكوثر، وهي ثلاث آيات قصار، والقرآن يزيد بالاتفاق على ستة آلاف آية ومائتي آية، ومقدار سورة الكوثر من آيات أو آية طويلة على ترتيب كلماتها له حكم السورة الواحدة، ويقع بذلك التحدي والإعجاز؛ ولهذا كان القرآن يُغني عن جميع المعجزات الحسِّية والمعنوية؛ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وإعجازه في وجوه كثيرة: الإعجاز البلاغي والبياني كما تقدم والإخبار عن الغيوب بأنواعها، والإعجاز التشريعي، والإعجاز العلمي الحديث؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من الأنبياء نبي إلا أُعطي من الآيات على ما مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أُتيته وحياً أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة)) (¬3). ¬
3 - هدى للمتقين
3 - هدى للمتقين: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين} (¬1). 4 - هدى للناس جميعاً: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (¬2). 5 - يهدي للتي هي أقوم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (¬3). 6 - روحٌ وحياةٌ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ} (¬4). 7 - نور: يهدي به الله من يشاء من عباده: {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا} (¬5)، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا * فَأََمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِالله وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} (¬6). 8 - فرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (¬7). 9 - شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ ¬
10 - القرآن تبيان لكل شيء
جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين} (¬1)، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} (¬2)، {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيد} (¬3). 10 - القرآن تبيانٌ لكل شيء: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين} (¬4). 11 - لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد} (¬5). 12 - تكفَّل الله بحفظه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} (¬6). 13 - كتابٌ واضحٌ مبين: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين * يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} (¬7). 14 - أُحْكِمَتْ آياته: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ ¬
15 - فصلت آياته
خَبِير} (¬1). 15 - فُصِّلت آياته: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُون} (¬2). 16 - تذكرةٌ لمن يخشى: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى * تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى} (¬3). 17 - ما تَنَزَّلت به الشياطين: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِين * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُون * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُون} (¬4). 18 - آياتٌ بيِّناتٌ في صدور أهل العلم: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} (¬5). 19 - ذِكْرٌ وقرآنٌ مبين: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِين * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِين} (¬6). 20 - أحسن الحديث: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَاد} (¬7). ¬
21 - علي حكيم
21 - عليٌّ حكيم: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيم} (¬1). 22 - بصائرُ للناس: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُون} (¬2). 23 - قرآنٌ مجيدٌ: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد} (¬3). 24 - قرآنٌ كريمٌ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيم*فِي كِتَابٍ مَّكْنُون * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُون*تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِين} (¬4). 25 - لو أنزله الله على الجبال لخشعت، وتصدَّعت من خشيته تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} (¬5). 26 - يهدي إلى الحقِّ وإلى طريقٍ مستقيم، ومصدِّقٌ لما بين يديه: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيم} (¬6). 27 - يهدي إلى الرُّشد: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا*يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} (¬7). 28 - في لوحٍ محفوظ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيد * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظ} (¬8). 29 - القرآن وصيَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد أوصى به في عدة أحاديث منها ¬
الأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -،فقد سُئل: هل أوصى رسول لله - صلى الله عليه وسلم -؛قال: ((أوصى بكتاب الله - عز وجل -)) (¬1). والمراد بالوصية بكتاب الله: حفظه حِسَّاً ومعنىً، فيُكرم، ويُصان، ويُتّبع ما فيه، فَيُعمل بأوامره، ويجتنب نواهيه، ويداوم على تلاوته، وتعلُّمه، وتعليمه، ونحو ذلك (¬2). الحديث الثاني: حديث جابر - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته في عرفات: (( ... وقد تركت فيكم ما لن تضلُّوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسألون عني فماذا أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد ... )) (¬3). الحديث الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في حجة الوداع فقال: ((إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم، ولكن رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلُّوا أبداً: كتاب الله وسنة نبيه ... )) (¬4). ¬
30 - والقرآن العظيم: من ابتغى الهدى من غيره أضله الله
الحديث الرابع: حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم في غدير خم [بين مكة والمدينة] (¬1)، وفيه: (( ... وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور [هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة] فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به))، فحث على كتاب الله، ورغَّب فيه ... )) (¬2). الحديث الخامس: حديث أبي ذر - رضي الله عنه -، قال: قلت: يا رسول الله أوصني قال: ((أوصيك بتقوى الله؛ فإنه رأس الأمر كلِّه))، (قلت: يا رسول الله زدني، قال: ((عليك بتلاوة القرآن وذكر الله؛ فإنه نورٌ لك في الأرض وذخرٌ لك في السماء)) (¬3). فقد جاءت هذه الأحاديث تدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بكتاب الله تعالى في عِدَّةِ مواقف: في خطبة عرفات، وفي خطبة أيام منى، وفي خطبته في غدير خم بين مكة والمدينة، وعند موته - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يدل على أهمية كتاب الله - عز وجل -. 30 - والقرآن العظيم: من ابتغى الهُدى من غيره أضلّه الله، وهو حبل الله ¬
ثالثا: تأثير القرآن في النفوس والقلوب جاء على أنواع:
المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعَّب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الردِّ، ولا تنقضي عجائبه، من عَلِم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم (¬1). ثالثاً: تأثير القرآن في النفوس والقلوب جاء على أنواع: النوع الأول: تأثير القرآن في القلوب والنفوس كما جاء في القرآن الكريم القرآن العظيم مُؤثِّر في القلوب والنفوس والأرواح؛ لأنه كلام العليم الخبير بما يصلح هذه القلوب والنفوس في الدنيا والآخرة، ومن هذا التأثير ما يأتي: 1 - تأثيره على علماء أهل الكتاب وغيرهم من أهل العقول، قال الله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِين} (¬2). 2 - الذين أوتوا العلم من قبله يتأثَّرون به، قال الله تعالى: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا * ¬
3 - الذين أنعم الله عليهم
وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (¬1). 3 - الذين أنعم الله عليهم إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرُّوا سُجَّداً وبُكِيّاُ: قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (¬2). 4 - من علامات الإيمان التأثر بالقرآن وزيادة الإيمان، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون} (¬3). 5 - المُؤمنون الصادقون في إيمانهم، الخائفون من ربهم، تقشَعِرُّ جلودهم عند قراءة القرآن، قال سبحانه: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَاد} (¬4). 6 - الصادقون مع الله تخشع قلوبهم لذكر الله، قال - عز وجل -: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ¬
النوع الثاني: تأثير القرآن في القلوب والنفوس كما جاء ذلك في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -
وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُون} (¬1). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ((ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ... إلا أربع سنين)) (¬2)، وثبت أيضاً من حديث عامر بن عبد الله بن الزبير أن أباه أخبره أنه لم يكن بين إسلامهم وبين أن أنزلت هذه الآية يعاتبهم الله بها إلا أربع سنين (¬3). النوع الثاني: تأثير القرآن في القلوب والنفوس كما جاء ذلك في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -: وجاءت الأحاديث تدل على خشوع النبي - صلى الله عليه وسلم - وتأثُّره بقراءة القرآن الكريم ومن ذلك: 1 - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ عليه القرآن فبكى، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اقرأ عليَّ القرآن))،قال: فقلت: يا رسول الله أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال: ((إني أشتهي أن أسمعه من غيري))، وفي لفظ للبخاري: ((فإني أحب أن أسمعه من غيري))، فقرأت عليه النساء حتى إذا بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} (¬4)، وفي لفظ للبخاري: ((فقال حسبك الآن))، فرفعت رأسي، أو غمزني رجلٌ فرفعت رأسي، فرأيت دموعه تسيل))، ¬
وفي لفظ للبخاري: ((فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان)) (¬1). 2 - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبيّ بن كعب: ((إن الله - عز وجل - أمرني أن أقرأ عليك))، قال: آلله سمَّاني لك؟ قال: ((الله سمَّاك لي))، قال فجعل أُبيّ يبكي))، وفي رواية: ((إن الله أمرني أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬2) قال: وسمَّاني لك؟ قال: ((نعم)) قال: فبكى (¬3). 3 - وعن عائشة رضي الله عنها في حديث طويل ذكرت فيه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل وأنه بكى مرات، قالت: ((فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً؛ لقد نزلت عليَّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ... } (¬4) الآية كلها (¬5). ¬
4 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله - عز وجل - في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} (¬1) الآية، وقال عيسى - عليه السلام -: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} (¬2) الآية. فرفع يديه وقال: ((اللهم أمتي أمتي))، وبكى فقال الله - عز وجل -: ((يا جبريل اذهب إلى محمد وربُّك أعلم فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل - عليه السلام - فسأله، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل! اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك)) (¬3). 5 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه -، قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بآية حتى أصبح يردِّدها، والآية: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} (¬4) (¬5)، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يبكي بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه قهقهةً، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملان، ويسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه: تارة رحمة للميت، وتارة خوفاً على أمَّتِهِ وشفقة عليها، وتارة خشيةً لله تعالى، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاءُ اشتياقٍ ومحبةٍ ¬
النوع الثالث: تأثير القرآن الكريم على القلوب والأرواح والنفوس
وإجلالٍ (¬1) (¬2). النوع الثالث: تأثير القرآن الكريم على القلوب والأرواح والنفوس كما جاء في الآثار عن السلف الصالح: 1 - ثبت عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه -:أنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطُّور، فلمَّا بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون* أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُون * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُون} (¬3) كاد قلبي أن يطير [وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي])) (¬4).وهذا من أعظم البراهين على تأثير القرآن في القلوب. 2 - ذُكِر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه صلى بالجماعة صلاة الصبح، فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته، وفي رواية: أنه كان في صلاة العشاء، فيدل على تكريره منه، وفي رواية أنه بكى حتى سمع بكاؤه من وراء الصفوف (¬5). ¬
3 - وذُكِر أنه قدم أُناس من أهل اليمن على أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون فقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: ((هكذا كنَّا ثم قست القلوب)) (¬1). 4 - وذُكِرَ عن أبي رجاء قال: رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك (¬2) البالي من الدموع (¬3). والذي جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يبكي من خشية الله تعالى، هو علمه بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وعظمته، وعلمه بما أخبر الله به من أمور الآخرة؛ ولهذا كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً))،وفي لفظ: قال: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً)) (¬4). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)) (¬5). ¬
رابعا: تدبر القرآن العظيم: علاج لجميع أمراض القلوب والأرواح:
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - في حديث طويل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( ... والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفُرُشات، ولخرجتم إلى الصُّعُداتِ تجأرون إلى الله ... )) (¬1). وهكذا أصحابه - رضي الله عنهم - وأتباعهم بإحسان: علمهم بالله تعالى وبما أخبر به عن الدار الآخرة جعلهم يخشون الله تعالى ويتأثرون بكلامه - عز وجل -. رابعاً: تدبر القرآن العظيم: علاج لجميع أمراض القلوب والأرواح: لا شك أن تدبُّر القرآن الكريم هو العلاج الأعظم للقلوب، والحث على التدبر جاء على أنواع: النوع الأول: حض القرآن الكريم على التدبر: 1 - قال الله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (¬2)، فقد أمر الله تعالى بتدبر كتابه، وهو التأمُّل في معانيه، وتحديد الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك؛ فإن تدبر كتاب الله مفتاحٌ للعلوم والمعارف، وبه يُستنتج كل خير، وتُستخرج كل العلوم، وبه يزداد الإيمان في القلب، وترسخ شجرته؛ فإنه يُعرِّف بالرب المعبود وماله من صفات الكمال، وما ينزَّه عنه من صفات النقص، ويُعرِّف الطريق الموصل إليه، وصفة أهلها، ¬
وما لهم عند القدوم عليه، ويعرِّف العدو الذي هو العدو على الحقيقة والطريق الموصلة إلى العذاب، وصفة أهلها، وما لهم عند وجود أسباب العقاب، وكلما ازداد العبد تأملاً فيه ازداد: علماً، وعملاً, وبصيرة (¬1). 2 - قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب} (¬2)، فهذا الكتاب فيه خيرٌ كثيرٌ، وعِلْم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من كل داء، ونور يُستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلَّفون، وهذا كله من بركته والحكمة من إنزاله؛ ليتدبر الناس آياته، وفي هذه الآية: الحثُّ على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، ومن فضائل التدبر: أن العبد يصل به إلى درجة اليقين، والعلم بأن القرآن كلام الله تعالى؛ لأنه يراه يصدق بعضه بعضاً، ويوافق بعضه بعضاً (¬3). 3 - قال الله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (¬4)، فَهلاَّ يتدبر هؤلاء المعرضون لكتاب الله ويتأمَّلونه حق التأمُّل؛ فإنهم لو تَدَبَّروه لدلَّهم على كل خير ولحذَّرهم من كل شر، ولملأ قلوبهم من الإيمان، وأفئدتهم من الإيقان؛ ولأوصلهم إلى المطالب العالية، والمواهب الغالية ... {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} أي قد أُغْلِقَ على ما ¬
النوع الثاني: حض النبي - صلى الله عليه وسلم - على تدبر القرآن:
فيها من الشر، وأقفلت فلا يدخلها خير أبداً، هذا هو الواقع ... (¬1). النوع الثاني: حض النبي - صلى الله عليه وسلم - على تدبر القرآن: ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ترغيب في القرآن، وبيان فضائله، وبيان فضائل حافظ القرآن، يستفاد منه الحث على تدبر القرآن. وقد جاء تدبر القرآن من فعله - صلى الله عليه وسلم - أيضاً في أحاديث كثيرة ومنها: 1 - حديث حذيفة - رضي الله عنه -، قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى يصلي، فقلت: يُصلِّي بها في ركعة، فمضَى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسِّلاً، إذا مرَّ بآية تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤالٍ سأل، وإذا مرَّ بتعوّذ تعوّذ ... )) (¬2). 2 - حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه -،قال: قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فقرأ سورة البقرة، لا يَمُرُّ بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ ... )) (¬3). 3 - عن أبي جحيفة - رضي الله عنه -، قال: قالوا: يا رسول الله نراك قد شبت قال: ((قد شيَّبتني هود وأخواتها)) (¬4)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو ¬
النوع الثالث: حث الصحابة - رضي الله عنه - على تدبر القرآن:
بكر: يا رسول الله قد شبت قال: ((شيَّبتني: هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كوِّرت)) (¬1). وهذا يدل على كمال تدبره - صلى الله عليه وسلم - للقرآن حق التدبر. النوع الثالث: حث الصحابة - رضي الله عنه - على تدبر القرآن: 1 - قال أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه -: ((لو طَهُرَتْ قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم)) (¬2). 2 - وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله)) (¬3). 3 - وقال خبَّاب بن الأرتِّ - رضي الله عنه -: ((تقرَّبْ إلى الله ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب بشيء أحبّ إليه من كلامه)) (¬4). 4 - وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((من أراد العلم، فليقرأ القرآن؛ فإن فيه علم الأولّين والآخرين)) (¬5). 5 - وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما: ((إنَّ من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبَّرونها بالليل، ويتفقَّدونها في النهار)) (¬6). ¬
النوع الرابع: حث العلماء على تدبر القرآن وتعظيمهم لذلك
النوع الرابع: حث العلماء على تدبر القرآن وتعظيمهم لذلك: لا شك أن من أحبَّ القرآن تدبَّره، وأقبل على التلذّذ بتلاوته، وهذا دليل على محبته للمتكلِّم به سبحانه؛ ولهذا قال أبو عبيد رحمه الله: ((لا يسأل عبدٌ نفسه إلا بالقرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله)) (¬1). وقد تكلم العلماء رحمهم الله تعالى في الحث على تدبر القرآن العظيم، ومن أبرز من حث على ذلك من الأئمة ابن القيم رحمه الله في كتبه، فقد ذكر رحمه الله: أنّ تدبر القرآن مع الخشوع عند قراءته هو المقصود والمطلوب، فبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، قال رحمه الله: ((إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته، وسماعه، وألقِ سمعك، واحْضُر حضور من يخاطبه به من تكلم به، منه إليه، فتمام التأثير موقوف على: مؤثر مقتضٍ، ومحلٍ قابلٍ، وشرطٍ لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه، وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد})) (¬2). فقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى ها هنا، وهذا هو المؤثر. وقوله: {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} القلب الحي، وهذا هو المحل القابل، كما قال ¬
الله تعالى: {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} (¬1). وقوله تعالى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أي وجّه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له، وهذا شرط التأثر بالكلام. وقوله تعالى: {وَهُوَ شَهِيد} أي شاهد القلب حاضر غير غائب، واستمع كتاب الله، وشاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساهٍ، وهذا إشارة إلى المانع من حصول التأثير، وهو سهو القلب وغيبته عما يقال له، والنظر فيه، وتأمله. فإذا حصل المؤثر: وهو القرآن، والمحل القابل: وهو القلب الحي، ووجد الشرط: وهو الإصغاء، وانتفى المانع: وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء آخر حصل الأثر، وهو: الانتفاع، والتذكر (¬2). فلا بد من تدبر القرآن، وتعقّله، والتفكر في معانيه وقد أمر الله بذلك. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((القرآن حياة القلوب، وشفاء لما في الصدور ... فبا لجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر، والتفكر ... وهذا الذي يورث المحبة، والشوق، والخوف، والرجاء، والإنابة، والتوكل، والرضا، والتفويض، والشكر، والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله. وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه فلو علم الناس ما في قراءة ¬
القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها))، فإن العبد إذا قرأه بالتدبر حتى مرَّ بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمةٍ بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان، وذوق حلاوة الإيمان والقرآن، وهذه كانت عادة السلف يردِّد أحدهم الآية إلى الصباح، وقد تقدم أنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قام بآية يُردِّدُها إلى الصباح وهي قوله تعالى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} (¬1). وقد أخبر الله تعالى في القرآن: أن أهل العلم هم الذين ينتفعون بالقرآن، فقال تعالى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُون} (¬2) وفي القرآن الكريم بضعة وأربعون مثلاً (¬3)،وقد كان بعض السلف الصالح، وهو عمرو بن مرة: إذا مرَّ بِمَثَلٍ من أمثال القرآن ولم يفهمه يبكي ويقول: ((لست من العالمين)) (¬4)،ولابد لمن تدبر القرآن أن يجاهد بقلبه وفكره؛ لينال هذا العلم العظيم، وقد قال يحيى بن أبي كثير: ((لا يُنال العلم براحة الجسم)) (¬5)،ولا ينال العلم إلا بهجر اللذات وتطليق ¬
وليحذر المسلم من هجر القرآن؛ فإن هجره خمسة أنواع
الراحة، ولا ينال درجة وراثة النبوة مع الراحة (¬1)، ولا شك أن التأمل في القرآن هو: تحديد ناظر القلب إلى معانيه وجمع الفكر على تبصره، وتعقله، وهو المقصود بإنزاله، لا مجرد تلاوته بلا فهم، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب} (¬2)،وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} (¬3). وينبغي للإنسان أن يبتعد عن مفسدات القلب الخمسة التي تحول بينه وبين التدبر، وتحول بينه وبين كل خير، وهي: التمنِّي، وخلطة الناس، والتعلق بغير الله تعالى، وكثرة الطعام أو المحرمات، وكثرة النوم؛ فإنها مفسدات للقلوب (¬4). والتدبر للقرآن والعمل به هو المقصود من إنزاله. ولهذا قيل: ذهاب الإسلام على يدي أربعة أصناف من الناس: صنف لا يعملون بما يعلمون، وصنف يعملون بما لا يعلمون، وصنف لا يعملون ولا يعلمون، وصنف يمنعون الناس من التعلم (¬5). وليحذر المسلم من هجر القرآن؛ فإن هجرهُ خمسة أنواع: النوع الأول: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه. ¬
النوع الثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به
النوع الثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به. النوع الثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه. النوع الرابع: هجر تدبُّره وتفهّمه، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه. النوع الخامس: هجر الاستشفاء به والتداوي به من جميع أمراض القلوب، والأجساد ... وكل هذا داخل في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (¬1)، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض (¬2). خامساً: فضل تلاوة القرآن اللفظية: تلاوة كتاب الله تعالى على نوعين: تلاوة حكمية: وهي تصديق أخباره، وتنفيذ أحكامه بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، وهي العمل بالقرآن (¬3)، وتلاوة لفظية: وهي قراءته، وجاء في فضل هذا النوع فضائل كثيرة، منها: 1 - أمر الله النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلاوة القرآن: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ¬
2 - من قرأ حرفا فله به عشر حسنات
الْمُسْلِمِين * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} (¬1). 2 - من قرأ حرفاً فله به عشر حسنات؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) (¬2). وقد عدَّ بعض العلماء أحرف القرآن الموجودة في المصحف في القراءة الموجودة، فكان عدد حروفه ((ثلاثمائة ألف حرف وأحد عشر ألفاً ومئتان وخمسون حرفاً، وحرف (311251))) (¬3)، فانظر كم لمن قرأ هذه الأحرف من الأجر العظيم، والثواب الكثير. 3 - القرآن يشفع لأصحابه ويحاج عنهم يوم القيامة؛ لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين (¬4):البقرة وآل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان (¬5) أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقانٍ (¬6) من طير ¬
4 - درجات صاحب القرآن في الجنة
صواف (¬1) تُحاجَّان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة)) (¬2) (¬3). 4 - درجات صاحب القرآن في الجنة على حسب ما يعمل به من القرآن ويقرؤه؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأْ وارتَقِ، ورتِّل كما كنت تُرتِّل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأُها)) (¬4). 5 - الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربِّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه))، قال: ((فيشفعان)) (¬5). سادساً: فضل قراءة القرآن في الصلاة: 1 - قراءة آية واحدة في الصلاة خير من حمر النعم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيُحِبُّ أحَدُكُمْ إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ¬
2 - من قرأ في صلاته في ليلة مائة آية كتب من القانتين
ثلاثَ خَلِفَاتٍ (¬1) عظامٍ سمانٍ؟))،قلنا: نعم. قال: ((ثلاث آيات يقرأُ بهنَّ أحدكم في صلاته خير له من ثلاثِ خلفاتٍ عظامٍ سمان)) (¬2). وقد ذكر العلماء عدد آيات القرآن الكريم في المصحف الموجود المقروء بالألسنة: ستة آلاف آية، ومئتا آية، وآية (6201) (¬3)، وقد ذكروا الاتفاق على أن القرآن يزيد على ستة آلاف ومائتي آية (¬4). 2 - من قرأ في صلاته في ليلة مائة آية كتب من القانتين؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يُكتَبْ من الغافلين، ومن قرأ في ليلة مائة آية لم يُكتَب من الغافلين أو كُتب من القانتين)) (¬5). 3 - ومن قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين؛ لحديث عبد لله بن عمرو رضي الله عنهما، عن رسول الله ¬
4 - من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة
- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كُتِبَ من المقنطرين)) (¬1) (¬2). 4 - من قرأ بمائة آية في ليلة كُتب له قنوت ليلةٍ؛ لحديث تميم الداري - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ بمائة آية في ليلة كُتب له قنوت ليلة)) (¬3). 5 - لا غبطة أعظم وأكمل إلا في اثنتين؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((لا حسد (¬4) إلاّ في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار (¬5)، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) (¬6). 6 - من نام عن حزبه فقرأه قبل صلاة الظهر كُتب له من الليل؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نام عن حزبه أو شيء منه ¬
سابعا: فضل تعلم القرآن وتعليمه، ومدارسته:
فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتب له كأنما قرأه من الليل)) (¬1). سابعاً: فضل تعلُّم القرآن وتعليمه، ومدارسته: 1 - قراءة آيتين أو تعلم آيتين خيرٌ من ناقتينِ عظيمتينِ، ومن أعدادهنّ من الإبل؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الصُّفَّةِ (¬2) فقال: ((أيكم يحبُّ أن يغدوَ كل يوم إلى بُطحان (¬3) أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوينِ (¬4) في غير إثمٍ ولا قطيعةِ رحمٍ؟))، فقلنا: يا رسول الله نُحبُّ ذلك. قال: ((أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله - عز وجل - خير له من ناقتين، وثلاثٌ خير له ثلاثٍ، وأربعٌ خير له من أربعٍ، ومن أعدادهِنَّ من الإبل)) (¬5). 2 - خير الناس وأفضلهم من تعلَّم القرآن وعلّمه؛ لحديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وفي لفظ: ((إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)) (¬6). 3 - أربعُ نِعَمٍ عظيمة لمن وفقه الله لمدارسة القرآن في المساجد؛ لحديث ¬
4 - أربع فضائل لمن وفقه الله للقعود مع قوم يذكرون الله تعالى
أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث طويل وفيه: (( ... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتابه ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه)) (¬1) (¬2). 4 - أربعُ فضائل لمن وفقه الله للقعود مع قومٍ يذكرون الله تعالى؛ لحديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يقعد قوم يذكرون الله - عز وجل - إلا حفَّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)) (¬3). 5 - وجوب إخلاص قراءة القرآن وتعلُّمه لله - عز وجل -؛ لحديث عمران بن حصين - رضي الله عنه -: أنه مرَّ على قاصٍّ يقرأُ ثم سأل، فاسترجع، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سَيَجِيءُ أقوامٌ يقرؤون القرآن، يسألون به النَّاس)) (¬4). ثامناً: فضل حافظ القرآن العامل به: 1 - التالي لكتاب الله العامل به يُوفَّى أجره ويزيده الله من فضله؛ لقوله ¬
2 - مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة
تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور} (¬1). 2 - مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجّة؛ لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترُجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأُ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مرّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة (¬2) ليس لها ريح وطعمها مرّ)) (¬3). 3 - الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة (¬4) والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران))، ولفظ ¬
4 - درجات حافظ القرآن في الجنة
البخاري: ((مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ القرآن ويتعاهده وهو عليه شديد له أجران)) (¬1). والماهر أجره أكثر، وأفضل، وأما الذي يتتعتع فيه: فهو الذي يتردَّد فيه لضعف حفظه، فله أجران: أجر بالقراءة، وأجر بتعتعته في قراءته ومشقته)) (¬2). 4 - درجات حافظ القرآن في الجنة؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتِّل كما كنت تُرتِّل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرأُها)) (¬3). 5 - يُحلَّى صاحب القرآن بتاج وحُلَّة الكرامة ويرضى الله عنه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يَجِيءُ القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حلِّه فيُلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا ربِّ زده فيُلبس حلّة الكرامة، ثم يقول: يا ربّ ارضَ عنه فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارقَ وتُزاد بكل آية حسنة)) (¬4). ¬
6 - من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه
6 - من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه؛ لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) (¬1). 7 - حافظ القرآن العامل به من أولياء الله المختصين به؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ لله أهلين من الناس))، قالوا: يا رسول الله: من هم؟ قال: ((هم أهل القرآن (¬2) أهل الله وخاصته)) (¬3). 8 - حامل القرآن يُعطَى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويُوضَع على رأسه تاج الوَقار، ويُكسَى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيهما؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يَجِيءُ القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنت أسهر ليلك وأظمئ هواجرك وإنَّ كلّ تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر، فَيُعطَى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويُوضَع على رأسه تاج الوقار، ويُكسى والداه حلتان لا تقوم لهما الدنيا وما فيهما، فيقولان: ¬
9 - القرآن يشهد لصاحبه يوم القيامة
يا ربِّ أنَّى لنا هذا؟ فيُقال لهما: بتعليم ولدكما القرآن)) (¬1). 9 - القرآن يشهد لصاحبه يوم القيامة، ويدخل السرور عليه؛ لحديث بريدة عن أبيه - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب (¬2)،فيقول: أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك)) (¬3). ذكر السندي رحمه الله: أن القرآن: ((كأنه يجيء على هذه الهيئة؛ ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا، أو للتنبيه له على أنه كما تغيَّر لونه في الدنيا؛ لأجل القيام بالقرآن كذلك القرآن؛ لأجله في السعي يوم القيامة حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة)) (¬4). ¬
10 - يرفع الله بالقرآن العاملين به، ويضع به من أعرض عنه
10 - يرفع الله بالقرآن العاملين به، ويضع به من أعرض عنه؛ فعن نافع بن عبد الحارث أنه لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولىً من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله - عز وجل -، وإنه عالمٌ بالفرائض، قال عمر: أما إنَّ نبيكم - صلى الله عليه وسلم - قد قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)) (¬1). تاسعاً: فضائل سور معينة مخصصة: وردت السنة بفضائل سور معينة مخصصة من القرآن الكريم، ومنها ما يأتي: 1 - فضائل سورة الفاتحة: ثبت في فضائل سورة الفاتحة أحاديث، منها الأحاديث الآتية: الفضل الأول: أعظم سورة في القرآن العظيم؛ لحديث أبي سعيد بن المُعلَّى - رضي الله عنه - قال: كنت أُصلِّي في المسجد فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله إني كنت أُصلي في المسجد، فقال: ((ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم} (¬2) ثم قال: ((لأعلِّمَنَّك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد))، ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل: ((لأُعَلِّمَنَّكَ سورة هي أعظم سورة في القرآن))؛ قال: ((الحمد لله رب العالمين)) هي السبع المثاني ¬
الفضل الثاني: لا تصح الصلاة إلا بفاتحة الكتاب
والقرآن العظيم الذي أوتيته)) وفي لفظ: ((لأُعَلِّمَنَّكَ أعظم سورة في القرآن))، وفي لفظ: ((ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن؟)) (¬1). الفضل الثاني: لا تصح الصلاة إلا بفاتحة الكتاب، وهذا يدل على عظيم فضلها، فهي ركن من أركان الصلاة فعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) (¬2). الفضل الثالث: من صلى صلاةً لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداجٌ، وسمّاها الله صلاةً؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من صلَّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج)) ثلاثاً، غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال الله تعالى: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل)) فإذا قال العبد: ((الحمد لله رب العالمين))، قال الله تعالى: ((حَمِدَنِي عبدي))، فإذا قال: ((مالك يوم الدين))، قال الله: ((مجَّدني عبدي))، وقال مرة: ((فوَّض إليَّ عبدي)) فإذا قال: ((إياك نعبد وإياك نستعين))، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال: ((اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب ¬
الفضل الرابع: سورة الفاتحة هي الشافية بإذن الله تعالى
عليهم ولا الضالين))، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)) (¬1). الفضل الرابع: سورة الفاتحة هي الشافية بإذن الله تعالى؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرةٍ سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يُضيفوهم، فلُدِغَ سيِّد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لَعَلَّهُ أن يكون عند بعضهم شيء؟ فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لُدِغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهلِ عند أحد منكم من شيء؛ فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيِّفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين} فكأنما نشط من عقالٍ، فانطلق يمشي وما به قلبةٌ (¬2)،قال: فأوفوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان فننظر ماذا يأمرنا، فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له فقال: ((وما يدريك أنها رقية؟))، ثم قال: ((قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهماً))، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -))،وفي لفظ لمسلم: ((فتبسم))،وفي لفظ للبخاري، أنه قرأ بأم الكتاب، وقال: ((فأمر لنا بثلاثين شاة، وسقانا لبناً))،وفي لفظ للبخاري ¬
2 - فضل سورة البقرة وآل عمران:
من حديث ابن عباس: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) (¬1)،وفي لفظ لمسلم: ((فجعل يقرأ أم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ الرجل)) (¬2). 2 - فضل سورة البقرة وآل عمران: جاء في فضل سورة البقرة وآل عمران أحاديث على النحو الآتي: الفضل الأول: سورة البقرة وآل عمران تحاجّان عن أصحابهما؛ لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - وفيه: ((اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة، كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة)) (¬3). الفضل الثاني: الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة)) (¬4). الفضل الثالث: في سورة البقرة أعظم آية في كتاب الله تعالى، وهي آية الكرسي؛ لحديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا المنذر ¬
الفضل الرابع: آية الكرسي من قرأها عند النوم
أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟))، قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟)) قال: قلت: ((الله لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)) (¬1) قال: فضرب في صدري وقال: ((والله لِيَهنِكَ العلم (¬2) أبا المنذر)) (¬3). الفضل الرابع: آية الكرسي من قرأها عند النوم عندما يأوي إلى فراشه في الليل: ((لن يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح))، كما ثبت ذلك في قصة أبي هريرة مع الشيطان، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... أما إنه صدقك هو كذوبٌ)) (¬4). الفضل الخامس: خواتيم سورة البقرة: الآيتان من آخرها، من قرأهما في ليلة كفتاه؛ لحديث أبي مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلة كفتاه)) (¬5) (¬6). ¬
الفضل السادس: من قرأ بحرف من خواتيم البقرة، والفاتحة أعطيه
الفضل السادس: من قرأ بحرف من خواتيم البقرة، والفاتحة أُعطيه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريل قاعد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع نقيضاً (¬1) من فوقه فرفع رأسه، فقال: ((هذا باب من السماء فُتِح اليوم لم يُفتح قطُّ إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرضِ لم ينزل قطّ إلا اليوم، فسلّم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يُؤتَهما نبيُّ قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرفٍ منهما إلا أُعطيته)) (¬2). وقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في حديث طويل وفيه: (( ... فأنزل الله - عز وجل -: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا: ((قال: نعم)) رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ((قال: نعم)) رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ((قال: نعم)) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين} ((قال: نعم)) (¬3). وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما في هذه المواضع: ((قال: قد فعلت)) (¬4). الفضل السابع: الآيتان من آخر سورة البقرة لا تقرآن في بيتٍ ثلاث ليالٍ ¬
الفضل الثامن: آية الكرسي من سورة البقرة من قرأها في بيته لا يقربه شيطان
فيقربه شيطان؛ لحديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دارٍ ثلاث ليالٍ فيقربها شيطان)) (¬1). الفضل الثامن: آية الكرسي من سورة البقرة من قرأها في بيته لا يقربه شيطان؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -: أنه كان له سهوة فيها تمرٌ، فكانت تجيء الغول فتأخذ منه، فأخذها ليذهب بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحلفت أن لا تعود، فتركها وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، بأنها قالت: لا تعود، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كذبت وهي معاودة للكذب))، ثم عادت ثلاث مرات، فجزم أن يذهب بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المرة الآخرة، فقالت: ((إني ذاكرة لك شيئاً، آية الكرسي اقرأها في بيتك، فلا يقربك شيطان ولا غيره))، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((ما فعل أسيرك؟))، فأخبره بما قالت، قال: ((صدقت وهي كذوب)) (¬2). الفضل التاسع: من قرأ آية الكرسي من سورة البقرة في الصباح والمساء أجير من الجن؛ لحديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه -، أنه كان له جرين تمر فكان يجده ينقص فحرسه ليلة فإذا هو بمثل الغلام المحتلم فسلم عليه فردَّ عليه السلام، فقال: أجني أم أنسي؟ فقال: بل جني، فقال: أرني ¬
الفضل العاشر: قد ثبت في الحديث أن من قرأ آية الكرسي من سورة البقرة
يدك؟ فأراه، فإذا يد كلب وشعر كلب، فقال: هكذا خلق الجن؟ فقال: لقد علمت الجنّ أنه ليس فيهم رجل أشدَّ مني، قال: ما جاء بك؟ قال: أُنبئنا أنك تحب الصدقة، فجئنا نصيب من طعامك، قال: ما ينجينا منكم؟ قال: تقرأ آية الكرسي من سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: إذا قرأتها غُدوة أجرت منا حتى تمسي، وإذا قرأتها حين تمسي أجرت منا حتى تصبح، فغدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك، فقال: ((صدق الخبيث)) (¬1). الفضل العاشر: قد ثبت في الحديث أن من قرأ آية الكرسي من سورة البقرة دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت (¬2). 3 - فضل سورة الكهف جاء في فضل سورة الكهف أحاديث على النحو الآتي: الفضل الأول: من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عُصِم من الدجال؛ لحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال))،وذُكرَ في رواية ((من آخر الكهف)) (¬3). الفضل الثاني: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما ¬
الفضل الثالث: نزول السكينة بقراءة سورة الكهف
بين الجمعتين؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين)) (¬1). الفضل الثالث: نزول السكينة بقراءة سورة الكهف؛ لحديث البراء - رضي الله عنه -، قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين (¬2) فتغشاه سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك له، فقال: ((تلك السكينة (¬3) تنزّلت للقرآن)) (¬4)، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله: يقول: ((المراد بالسكينة خلق من خلق الله، من جنس الملائكة وهم نوع من الملائكة، وطائفة منهم)) (¬5). 4 - فضل سورة الفتح؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: ((لقد أُنزل عليَّ الليلة سورة لَهِيَ أحَبُّ إليَّ مما طلعت عليه ¬
5 - فضل سورة الملك:
الشمس))، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} (¬1). 5 - فضل سورة الملك: جاء في فضلها أحاديث منها ما يأتي: الفضل الأول: تشفع لصاحبها حتى يُغفر له؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غُفِر له، وهي سورة تبارك الذي بيده الملك)) (¬2). وعن جابر - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا ينام حتى يقرأ ((ألم تنزيل))، و ((تبارك الذي بيده الملك)) (¬3). الفضل الثاني: سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر؛ لحديث عبد الله - رضي الله عنه -: ((سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر))، هذا لفظ أبي الشيخ في طبقات الأصبهانيين (¬4)، ولفظ الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: ((هي المانعة، هي المنجية من عذاب القبر)) (¬5). ¬
6 - فضل سورة {قل يا أيها الكافرون} تعدل ربع القرآن
6 - فضل سورة ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) تعدل ربع القرآن؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: (( ... ومن قرأ ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) عُدِلت له بربع القرآن، ومن قرأ ((قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)) عُدِلت له بثلث القرآن)) (¬1). ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،وفيه: (( ... وقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)) تعدل ثلث القرآن، و ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) تعدل ربع القرآن)) (¬2). 7 - فضل سورة {قُلْ هُوَ الله أَحَد}: ثبت في فضل سورة الإخلاص أحاديث تدل على أنها: تعدل ثلث القرآن؛ منها ما يأتي: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: {قُلْ هُوَ الله أَحَد} يردِّدها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك، فقال ¬
8 - فضل المعوذات:
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن))،وفي لفظ للبخاري: ((أن رجلاً قام في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ من السحر {قُلْ هُوَ الله أَحَد} لا يزيد عليها فلما أصبح أتى الرجل النبي - صلى الله عليه وسلم -)).الحديث (¬1). وحديث أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟)) قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: ((قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن)) (¬2). 8 - فضل المعوذات: ثبت في فضل المعوذات أحاديث، منها ما يأتي: الفضل الأول: المعوذات شفاء ويستشفى بها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات، وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح بيديه رجاء بركتها)) (¬3). الفضل الثاني: يتحصن بها المسلم عند النوم؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما {قُلْ هُوَ الله أَحَد}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق}، و {قُلْ أَعُوذُ ¬
الفضل الثالث: مما يدل على فضلها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقراءتها دبر كل صلاة
بِرَبِّ النَّاس} ثم يمسح بها ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات)) (¬1). الفضل الثالث: مما يدل على فضلها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقراءتها دبر كل صلاة؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: ((أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة)) (¬2). الفضل الرابع: من قرأها في الصباح والمساء كفته من كل شيء؛ لحديث عبد الله بن خبيب - رضي الله عنه - قال: خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي لنا، قال: فأدركته فقال: ((قل))، فلم أقل شيئاً، ثم قال: ((قل))، فلم أقل شيئاً، قال: ((قل))، فقلت: ما أقول؟ قال: {قُلْ هُوَ الله أَحَد} والمعوِّذتين حين تمسي، وحين تصبح - ثلاث مرات - تكفيك من كل شيء)) (¬3). وهذه الأحاديث الثلاثة وترجمة البخاري رحمه الله بقوله: ((باب فضل المعوذات)) تدل على أنه يطلق اسم المعوذات على سورة الإخلاص ¬
9 - فضل المعوذتين:
والمعوذتين، كما أشار الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى ذلك في فتح الباري (¬1). 9 - فضل المعوّذتين: جاء في فضل المعوذتين أحاديث منها ما يأتي: الفضل الأول: المعوذتان لم يُرَ مثلهن؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألم تر آيات أُنزلت الليلة لم يُرَ مثلهن قط: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس} (¬2). الفضل الثاني: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بهن؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الجان وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا: أخذ بهما وترك ما سواهما)) (¬3). الفضل الثالث: ما تعوَّذ مُتعَوِّذٌ بمثلهما؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: بينا أنا أسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الجحفة وأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوّذ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق}، و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس}، ويقول: ((يا عقبة تعوذ بهما فما تعوّذ متعوذ ¬
عاشرا: وجوب العمل بالقرآن وبيان فضله
بمثلهما))، وقال: وسمعته يؤمُّنا بهما في الصلاة (¬1) (¬2). عاشراً: وجوب العمل بالقرآن وبيان فضله العمل بالقرآن هو الغاية الكبرى من إنزاله؛ لقول الله - عز وجل -: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب} (¬3)، وهذا العمل: هو التلاوة الحكمية للقرآن (¬4). فالعمل بالقرآن: هو تصديق أخباره، واتباع أحكامه: بفعل جميع ما أمر الله به فيه، وترك جميع ما نهى الله عنه: ابتغاء مرضاة الله، وخوفاً من عقابه، وطمعاً في ثوابه؛ ولهذا سار السلف الصالح على ذلك - رضي الله عنهم -. فكانوا يتعلمون القرآن، ويصدقون به، وبأخباره، بجميع ما جاء فيه، ويطبقون ¬
أحكامه تطبيقاً، عن عقيدةٍ راسخةٍ. قال أبو عبد الرحمن السُّلمي رحمه الله: ((حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن: عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما: أنهم كانوا إذا تعلَّموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قال ... وا: فتعلمنا: القرآن والعمل جميعاً)) (¬1). وهذا النوع هو الذي عليه مدار السعادة والشقاوة، قال الله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} (¬2)، وقال الله تعالى: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً} (¬3). وعن سمرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... يكثر أن يقول لأصحابه: ((هل رأى أحد منكم رؤيا؟))، قال: فَيُقَصُّ عليه ما شاء الله أن يُقصَّ، وإنه قال ذات غداة: ((إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: ¬
انطلق، وإني انطلقت معهما ... ))، الحديث وفيه (( ... فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بفهرٍ أو صخرة فيشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر))، وفي رواية: ((وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل مرة الأولى، قال قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق ... ))، الحديث وفي آخره (( ... أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة))، وفي لفظ: ((والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علَّمَهُ الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار ... )) (¬1). وعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((القرآن مشفَّعٌ، وماحلٌ (¬2) مصدَّق، من جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار)) (¬3). ¬
الحادي عشر: الأمر بتعاهد القرآن ومراجعته:
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: (( ... والقرآن حجة لك أو عليك)) (¬1)،فيجب العمل بالقرآن. الحادي عشر: الأمر بتعاهد القرآن ومراجعته: جاءت الأحاديث الصحيحة تأمر بتعاهد القرآن، ومنها الأحاديث الآتية: 1 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المُعَقَّلَةِ، إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت))، وفي لفظٍ لمسلم: ((وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذ لم يقم به نسيه)) (¬2). 2 - حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تعاهدوا هذا القرآن فو الذي نفس محمد بيده لهو أشدُّ تفلتاً من الإبل في عقلها)) (¬3). 3 - حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بئسما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت؛ بل نُسِّيَ، واستذكروا القرآن فإنه أشدُّ تفصِّياً من صدور الرجال من النعم [بعُقلها])) (¬4)، وفي لفظ ¬
لمسلم: ((بئسما للرجل أن يقول: نسيت سورة كيت وكيت، أو نسيت آية كيت وكيت، بل هو نُسِّيَ)) (¬1). 4 - حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقرأ من الليل فقال: ((يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا. آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا))، وفي لفظ: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمع قراءة رجل في المسجد، فقال: ((رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أُنسيتها)) (¬2). والصحابة - رضي الله عنهم - أتقنوا القرآن؛ لمراجعتهم له كثيراً، وقراءتهم له في الصلاة، وأكتفي بمثالين يدلان على عظيم عناية أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن على النحو الآتي: المثال الأول: قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((والله الذي لا إله غيره ما أُنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أُنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيما أُنزلت، ولو أعلمُ أحداً أعلمَ منِّي بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه)) (¬3). المثال الثاني: تذاكر معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما، فقال ¬
الثاني عشر: آداب تلاوة القرآن العظيم
معاذ: يا عبد الله (¬1) كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوّقه تفوُّقاً (¬2) قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي))،وفي رواية، فقال معاذ لأبي موسى: ((كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائماً، وقاعداً، وعلى راحلتي، وأتفوَّقه تفوَّقاً))،قال: ((أمَّا أنا فأقوم وأنام، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)) (¬3). الثاني عشر: آداب تلاوة القرآن العظيم آداب تلاوة القرآن كثيرة من أهمها الآداب الآتية: الأدب الأول: معرفة أوصاف هذا القرآن العظيم؛ فإنه كلام الله - عز وجل -، وهو حبله المتين، وصراطه المستقيم، والذكر المبارك، والنور المبين، وهو كلام الله: حروفه، ومعانيه، تَكَلَّم به على الوصف اللّائق بجلاله، وسمعه جبريل، وسمعه محمد - صلى الله عليه وسلم - من جبريل حينما نزل به على قلبه ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين، وسمعه الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، مُنَزَّلٌ من الله تعالى غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو كتاب عام للثقلين إلى يوم الدين، وهو المعجزة العظمى، هدىً للناس جميعاً، وهو روح وحياة، وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للعالمين، وتبيان ¬
الأدب الثاني: إخلاص النية لله تعالى؛ لأن تلاوة القرآن من أعظم العبادات لله - عز وجل -
لكل شيء، كتاب واضح مبين، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، تكفّل الله بحفظه وأحكم آياته، وفصَّلها، تذكرة لمن يخشى، أحسن الحديث، ذكرٌ وقرآنٌ مبين، يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين بالأجر العظيم، ويُحذِّر الكافرين من العذاب الأليم، يهدي إلى الحق وإلى الرشد، وهو القرآن الكريم المجيد العظيم، وفي أم الكتاب عليٌّ حكيم، وما تنَزَّلت به الشياطين، وهو في لوح محفوظ، وهو مُصَدِّقٌ لما بين يديه من الكتب ومهيمن عليها، لو أنزله الله على الجبال لتصدعت من خشية الله تعالى، وهو وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وغير ذلك من أوصاف هذا الكتاب المبارك، وهذه الأوصاف وغيرها مما لم يذكر تدل على وجوب تعظيم هذا القرآن، والتأدب عند تلاوته، والابتعاد عند قراءته عن اللعب، والغفلة (¬1). الأدب الثاني: إخلاص النية لله تعالى؛ لأن تلاوة القرآن من أعظم العبادات لله - عز وجل -، وقد قال الله - عز وجل -: {فَاعْبُدِ الله مُخْلِصًا لَّهُ الدِّين} (¬2)، وفي ذلك أحاديث منها الأحاديث الآتية: 1 - عن جابر - رضي الله عنه -، قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد فإذا فيه قوم يقرؤون القرآن، قال: ((اقرؤوا القرآن وابتغوا به وجه الله - عز وجل -، من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح (¬3) يتعجَّلونه (¬4)، ولا يتأجَّلونه)) (¬5)، وفي ¬
لفظ لأحمد وأبي داود: قال جابر - رضي الله عنه -:خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونحن نقرأُ القرآن وفينا الأعرابي والعجمي (¬1) فاستمع فقال: ((اقرَؤوا فكل حسنٌ (¬2)، وسيجيء أقوامٌ يُقيمونه كما يُقام القدح يتعجَّلونه ولا يتأجلونه)) (¬3)، وفي هذا الحديث رفع الحرج، وبناء الأمر على التيسير في الظاهر، وتحرِّي الحسبة والإخلاص في القراءة، والتفكر في معاني القرآن والغوص في عجائب أمره (¬4). 2 - حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه -، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً ونحن نقترِئُ، فقال: ((الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم ¬
الأحمر، وفيكم الأبيض، وفيكم الأسود، اقرؤوه قبل أن يقرأه أقوامٌ يقيمونه كما يُقوَّمُ السَّهْمُ، يُتَعَجَّلُ أَجْرُهُ وَلا يُتأجَّلُهُ)) (¬1). 3 - حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه -،أنه مرّ على قاصٍّ يقرأُ ثم سأل، فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من قرأ القرآن فليسأل الله به؛ فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس)) (¬2). 4 - حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، وفيه: (( ... وإن من شرِّ الناس رجلاً فاجراً جريئاً يقرأ كتاب الله ولا يرعوي (¬3) إلى شيء منه))، وفي لفظ: (( ... ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيَهم، ويقرَؤوا القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر))، وفُسِّر: المنافق كافر به، والفاجر يتآكل به، والمؤمن يؤمن به (¬4). 5 - حديث عبد الرحمن بن شبل - رضي الله عنه -،قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اقرؤوا القرآن ولا تغلوا فيه (¬5)، ولا تجفوا عنه (¬6)، ولا تأكلوا به (¬7)، ¬
الأدب الثالث: أن يقرأ بقلب حاضر، وبتدبر ما يقرأ ويتفهم معانيه
ولا تستكثروا به (¬1) (¬2))). 6 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثلاثة الذين أوّل من تُسعّر بهم النار وفيه: (( ... ورجل تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم، ليُقال عالم، وقرأت القرآن ليُقال: هو قارئ فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)) (¬3). 7 - حديث جندب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من سمّع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به)) (¬4). 8 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) (¬5). الأدب الثالث: أن يقرأ بقلب حاضر، وبتدبر ما يقرأ ويتفهّم معانيه، ويتخشَّع عند ذلك قلبه، ويستحضر بأن الله تعالى يخاطبه في هذا القرآن؛ ¬
الأدب الرابع: أن يقرأ على طهارة؛ لأن هذا من تعظيم كلام الله تعالى
لأن القرآن كلام الله - عز وجل -. قال الله تعالى في الأمر والحث على التدبر: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (¬1)، ويجعل فكره مع القرآن، ويمنعه من الشرود، والمتأثر بالقرآن: يفرح إذا تلا آيات الترغيب، ويبكي ويحزن عند تلاوة آيات العذاب والإنذار، ويقف؛ ليعرف ما المراد مما يقرأ، ويطهِّر أدوات التلاوة مما عَلِقَ بها من الذنوب بالتوبة: وهي السمع، والبصر، واللسان، والقلب من الشهوات، والشبهات. وقد تقدم الكلام عن التدبر. الأدب الرابع: أن يقرأ على طهارة؛ لأن هذا من تعظيم كلام الله تعالى، فالمستحب لقارئ القرآن أن يقرأه على طهارة من الحدث الأصغر؛ لأنه يجوز له القراءة عن ظهر قلب في الحدث الأصغر، أما الحدث الأكبر فلا ولا آية؛ لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً))، وفي لفظ: ((كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه - أو قال - يحجزه عن القرآن شيء سوى الجنابة)) (¬2)؛ ولحديثه - رضي الله عنه -، أنه توضأ ثم قال: هكذا ¬
رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثم قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال: ((هذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا، ولا آية)) (¬1). وإذا قرأ من عليه حدث أصغر فلا يمس القرآن، وإنما يقرأ عن ظهر قلب؛ لحديث عمرو بن حزم، وحكيم بن حزام، وابن عمر - رضي الله عنهم -: ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) (¬2)، وأما قراءة القرآن للحائض والنفساء فالصواب من قولي أهل العلم: أنه يجوز للحائض والنفساء أن تقرأ القرآن بدون مسٍّ للمصحف؛ لأن الحديث في منعها من قراءة القرآن ضعيف (¬3)؛ ولأن قياس الحائض والنفساء على الجنب ليس بظاهر؛ ولأن الجنب وقته قصير، وبإمكانه أن يغتسل في الحال؛ لأن مدته لا تطول، وإن عجز عن الماء تيمَّم، وصلَّى وقرأ، أما الحائض والنفساء فيحتاج ذلك إلى وقت طويل ربما نسيت فيه ما حفظت من القرآن، وربما احتاجت إلى تدريس القرآن للنساء؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة ¬
الأدب الخامس: يستاك عند قراءة القرآن؛ لحديث علي - رضي الله عنه -
رضي الله عنها: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري))،ومن أفضل أعمال الحج قراءة القرآن، ولم يقل لها: لا تقرئي القرآن، وقد أباح لها أعمال الحاج كلها، فدل ذلك كله على أن الصواب جواز قراءة الحائض والنفساء القرآن عن ظهر قلب بدون مس للمصحف (¬1). الأدب الخامس: يستاك عند قراءة القرآن؛ لحديث علي - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن العبد إذا تسوَّك ثم قام يصلي قام الملك خلفه فيستمع لقراءته، فيدنو منه - أو كلمة نحوها - حتى يضع فاه على فيه، فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك، فطهِّروا أفواهكم للقرآن)) (¬2)، وعن علي - رضي الله عنه - قال: ((إن أفواهكم طرق القرآن فطيِّبوها بالسواك)) (¬3). الأدب السادس: لا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذرة، أو في مَجْمَعٍ لا يُنصت فيه للقراءة؛ لأن قراءته في مثل ذلك إهانة للقرآن وهو كلام الله - عز وجل -، ولا يجوز أن يقرأ القرآن في بيت الخلاء، ونحوه مما أُعِدَّ للتبوُّل، أو التغوُّط؛ لأنه لا يليق بالقرآن الكريم. ¬
الأدب السابع: يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند إرادة التلاوة
الأدب السابع: يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند إرادة التلاوة؛ لقول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم} (¬1). وأما البسملة: فإن كان ابتدأ قراءته من أثناء السورة اكتفى بالاستعاذة بدون بسملة، وإن كان من أول السورة فيبسمل في بداية كل سورة إلا سورة التوبة؛ فإنه ليس في أولها بسملة. الأدب الثامن: يُحسِّن صوته بقراءة القرآن الكريم، ويترنَّم به، للأحاديث الآتية: 1ـ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أَذِنَ (¬2) الله لشيءٍ ما أذِنَ لنبيِّ أن يتغنَّى (¬3) بالقرآن))، ولفظ مسلم: ((ما أذِنَ الله لشيء ما أذِنَ لنبيِّ حَسَن الصوت يتغنّى بالقرآن))، وفي لفظ لمسلم: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ ما أذِنَ لنبيٍّ يتغنَّى بالقرآن يجهر به)) (¬4). 2 - حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال له: ((يا ¬
أبا موسى لقد أوتيت مزماراً من مزامير (¬1) آل داود))، وفي لفظٍ لمسلم: ((لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة؟ لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)) (¬2). 3 - حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((زيّنوا القرآن بأصواتكم)) (¬3). قال الإمام النووي رحمه الله: ((قال القاضي: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة، وترتيلها، قال أبو عبيد: والأحاديث في ذلك محمولة على التحزين والتشويق)) (¬4) (¬5). ¬
4 - حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن)) (¬1). 5 - حديث أبي لبابة، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن))، فقيل لابن أبي مليكة: يا أبا محمد أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسِّن ما استطاع (¬2). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((والتغني بالقرآن: يجهر به ويُحسّن به صوته حتى يستفيد هو ويستفيد الناس، فالمؤمن يجاهد نفسه يخشع ويُخشِّع من حوله، ((ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن))،وهذا يدل على الوعيد لمن لم يتغن بالقرآن، وهو مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من غشنا فليس منّا)) فيه الوعيد الشديد لمن لم يتغنَّ بالقرآن؛ لأن الله أنزل القرآن للتدبر والعمل {ليدّبروا آياته} ولم يقل: ليقرؤوا، فقليل بتدبر خير من كثير بلا تدبر)) (¬3). 6 - حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون} في العشاء، وما سمعت أحداً أحسن صوتاً منه، أو قراءةً))، وفي لفظ عن عدي، قال: سمعت البراء يُحدِّث عن النبي ¬
الأدب التاسع: يرتل القرآن ترتيلا
- صلى الله عليه وسلم - أنه كان في سفر فصلَّى العشاء الآخرة فقرأ في إحدى الركعتين: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون})) (¬1) (¬2). الأدب التاسع: يُرتِّل القرآن ترتيلاً؛ لقول الله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} (¬3). والترتيل مصدر رتّل الكلام: أحسن تأليفه. وهو في الاصطلاح: قراءة القرآن على مُكثٍ وتفهّمٍ من غير عجلةٍ، وهو الذي نزل به القرآن. فيقرأ القرآن: بِتَلَبُّثٍ في قراءتِهِ، وتمهّلٍ فيها، ويفصل الحرف عن الحرف الذي بعده، وفي ذلك عون على تدبُّرِ القرآن وتفهُّمِهِ، ومرتبة الترتيل أفضل مراتب القراءة. وعن أنس - رضي الله عنه -، قال قتادة: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يمدُّ مداًّ: ثم قرأ: {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} يمدّ ((بسم الله))، ويمد بالرحمن، ويمد ¬
بالرحيم (¬1) ((¬2). وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها ذكرت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين * الرَّحْمنِ الرَّحِيم * مَلِكِ يَوْمِ الدِّين. يُقطِّع قراءته آية آية. قال أبو داود: ((سمعت أحمد يقول: ((القراءة القديمة مالك يوم الدين))، ولفظ الترمذي: ((الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين))، ثم يقف ((الرَّحْمنِ الرَّحِيم)) ثم يقف ... )) (¬3). وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يُرجِّع)) (¬4)، وقال: لولا أن يجتمع الناس ¬
حولي لرجَّعت كما رجَّع))، وفي لفظ للبخاري: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ وهو على ناقته أو جمله، وهي تسير به وهو يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح قراءة ليّنة يقرأ وهو يرجع))، وفي رواية: (( ... ثم قرأ معاوية [بن قرة] يحكي قراءة ابن مغفل، وقال: لولا أن يجتمع الناس عليكم، لرجَّعت كما رجع ابن مغفل يحكي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت لمعاوية كيف كان ترجيعه؟ قال: آآ آثلاث مرات)) (¬1)، وفي الحديث ملازمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬
للعبادة؛ لأنه حالة ركوبه الناقة وهو يسير لم يترك العبادة بالتلاوة، وفي جهره بذلك إرشاد إلى أن الجهر بالعبادة قد يكون في بعض المواضع أفضل من الإسرار، وهو عند التعليم وإيقاظ الغافل ونحو ذلك (¬1). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلاً قرأ المفصل في ركعة، فقال له: ((هذّاً كهذّ الشعر؟ لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل: سورتين من آل حم في كل ركعة (¬2)، وفي لفظ: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأهن اثنتين اثنتين في كل ركعة))، وقال: ((عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الحواميم ((حم)) الدخان، و ((عم يتساءلون)) (¬3)،وفي لفظ لمسلم: ((عشرون سورة في عشر ركعات من المفصل في تأليف عبد الله)) (¬4)، وفي لفظ لمسلم: (( ... هذاً كهذ الشعر، إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع، وإنَّ أفضل الصلاة: الركوع والسجود، إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن ¬
الأدب العاشر: إذا مر القارئ بآية رحمة سأل الله من فضله
بينهن)) (¬1). فيستحب للقارئ التالي لكتاب الله تعالى أن يرتل وهذا هو الأفضل أن يرتِّل، ولا بأس بالسرعة التي ليس فيها إخلال باللفظ: بإسقاط بعض الحروف، أو إدغام ما لا يصح إدغامه، وهذه قراءة الحدر: وهو إدراج القراءة وسرعتها، ولابد فيه من مراعاة أحكام التجويد، ومن المدّ والتشديد، والقطع، والوصل؛ وليحذر فيه من بتر حرف المد وذهاب الغنة. فإن حصل إخلال باللفظ في هذه القراءة فهي حرام؛ لأنها تغيير للقرآن (¬2). الأدب العاشر: إذا مرَّ القارئ بآية رحمة سأل الله من فضله، وإذا مر بآية عذاب استعاذ بالله تعالى، وإذا مرّ بآية فيها سؤال سأل؛ لحديث حذيفة - رضي الله عنه -، قال صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت يركع عند المائة، ثم مضى يصلي، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذا مرَّ بآية تسبيح سبح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوذ تعوّذ ... )) (¬3). الأدب الحادي عشر: يقرأ القرآن على ترتيب المصحف، فيقرأ الفاتحة، ثم البقرة، ثم آل عمران، ثم ما بعدها على الترتيب، إلا فيما ورد الشرع باستثنائه، كصلاة الصبح يوم الجمعة؛ فإن الأفضل أن يقرأ في الأولى ¬
سورة السجدة، وفي الثانية سورة الإنسان، وفي صلاة العيد: في الأولى (ق)، والثانية (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)، وركعتي سنة الفجر، في الأولى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وفي الثانية (قُلْ هُوَ الله أَحَد)، وكذلك من السنة قراءة هاتين السورتين في ركعتي الطواف، وفي السنة الراتبة لصلاة المغرب بعدها، وكذلك ركعات الوتر: في الأولى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، وفي الثانية: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وفي الثالثة: (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)، ولو خالف الترتيب فقرأ سورة لا تلي الأولى، أو قرأ سورة قبلها جاز، ولكن الأفضل القراءة على ترتيب المصحف، أما في الصلوات الخمس فيلتزم بالسنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فممنوع منعاً مؤكداً؛ فإنه يذهب بعض ضروب الإعجاز، ويزيل حكمة ترتيب الآيات. قال الإمام النووي رحمه الله: ((وروى ابن أبي داود عن الحسن: أنه كان يكره مخالفة ترتيب المصحف، وبإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أنه قيل له: ((إن فلاناً يقرأ القرآن منكوساً؟ فقال: ((ذلك منكوس القلب)) (¬2). وأما تعليم الصبيان من آخر المصحف إلى أوله فحسن ليس من هذا الباب؛ فإن ذلك قراءة متفاصلة في أيام متعددة، مع ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم، والله أعلم (¬3). ¬
الأدب الثاني عشر: يجهر بالقرآن ما لم يتأذ أحد بصوته:
الأدب الثاني عشر: يجهر بالقرآن ما لم يتأذَّ أحد بصوته: دلت الأحاديث في تحسين الصوت بالقرآن، وفي الترتيل والترنيم بالقرآن، والتغني به على استحباب رفع الصوت والجهر بالقرآن، كما دلت أحاديث أخرى على الحث على الإسرار بالقرآن؛ فكانت الأحاديث في ذلك على نوعين: النوع الأول: استحباب الجهر برفع الصوت بالقرآن: جاء في هذا النوع من الأحاديث المذكورة آنفاً في الأمر بتزيين الصوت بالقرآن وتحسينه، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)) (¬1)، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسى: ((لقد رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة؟ لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)) (¬2)،وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((زينوا القرآن بأصواتكم)) (¬3).وغير ذلك مما تقدم في الترغيب في تحسين الصوت بالقراءة، وعن أبي موسى - رضي الله عنه -،قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعرف أصوات رُفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل وإن كنت لم أرَ منازلهم حين نزلوا بالنهار ... )) (¬4). وسمعت شيخنا ابن باز ¬
النوع الثاني: الجهر بالقراءة وإخفاؤها
رحمه الله يقول: ((كان لهم أصوات حسنة بالقرآن - رضي الله عنهم -)) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أبطأتُ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بعد العشاء، ثم جئتُ فقال: ((أين كنتِ؟))، قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحدٍ، قالت: فقام وقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إليَّ فقال: ((هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا)) (¬2). وعن جابر - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله)) (¬3). وفي إثبات الجهر بالقرآن أحاديث كثيرة. النوع الثاني: الجهر بالقراءة وإخفاؤها: جاء في ذلك أحاديث منها حديث عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)) (¬4). ¬
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه -، قال: اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: ((ألا إن كُلَّكم مناجٍ ربَّه فلا يؤذينَّ بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة))، أو قال: ((في الصلاة)) (¬1). فعلى هذا دلت الأحاديث على النوعين: فجاءت الأحاديث في النوع الأول باستحباب رفع الصوت بالقراءة، والآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين: من أقوالهم، وأفعالهم فأكثر من أن تُحصر، وأشهر من أن تُذكر (¬2). وجاء في النوع الثاني أحاديث وآثار تدل على استحباب الإسرار وخفض الصوت بالقراءة. والجمع بين هذين النوعين أن القارئ إذا خاف الرياء، أو السمعة، أو يتأذَّى مصلون، أو نيام بجهره، أو خاف إعجاباً، أو يلبَّس على من يقرأ أو غير ذلك من أنواع القبائح فالإسرار بالقراءة والإخفاء بها أفضل. أما من لم يخفْ شيئاً من ذلك فالجهر بالقراءة له أفضل، ويستحب له ذلك؛ لأن العمل في الجهر أكثر؛ ولأن فائدته تتعدَّى للسامعين؛ ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إلى التدبر، ويطرد النوم ويزيد في النشاط، ويطرد الشيطان، فإن كانت القراءة ¬
بحضور من يستمع إليه، تأكد استحباب الجهر (¬1). قلت: ويدل على هذا الجمع حديث عبد الله بن أبي قيس رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها أنه سألها في حديث طويل، وفيه أنه سألها عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فقلت: كيف كانت قراءته: أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ قالت: ((كل ذلك قد كان يفعل: قد كان ربما أسر، وربما جهر))، قال: فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعةً ... )) (¬2). وعن أبي قتادة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: ((يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلّي تخفض صوتك؟))، قال: قد أسمعت من ناجيتُ يا رسول الله!، قال: ((ارفع قليلاً))، وقال لعمر: ((مررت بك وأنت تصلِّي رافعاً صوتك؟))، قال: يا رسول الله أُوقظ الوسنان (¬3)، وأطرد الشيطان! قال: ((اخفض قليلاً)) (¬4). ¬
الأدب الثالث عشر: يستحب للقارئ في غير الصلاة استقبال القبلة
الأدب الثالث عشر: يُستحب للقارئ في غير الصلاة استقبال القبلة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لكل شيء سيداً، وإن سيد المجالس قبالة القبلة)) (¬1). ولو قرأ قائماً، أو جالساً، أو راكباً، أو مضطجعاً، أو في فراشه جاز له ذلك ولا حرج (¬2)،قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ... } الآيات (¬3). وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ القرآن في حجر عائشة، قالت رضي الله عنها: ((كان يتكئ في حجري (¬4) وأنا حائض، ثم يقرأ القرآن)) (¬5). وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ القرآن على راحلته؛ لحديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول ¬
الأدب الرابع عشر: حسن الاستماع من المستمع للقرآن
الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يُرجِّع، وقال: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجَّعت كما يرجِّع)) (¬1). وقد قال معاذ - رضي الله عنه - لأبي موسى: ((كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائماً، وقاعداً، وعلى راحلتي، وأتفوّقه تفوَّقاً)) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول في تقريره على حديث عبد الله بن مغفل في قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة الفتح على راحلته، قال: ((وهذا يدل على أن المسلم يقرأ القرآن أينما كان إلا في الحمام: فيقرأ على دابته، وعلى سيارته، وفي فراشه)) (¬3). الأدب الرابع عشر: حسن الاستماع من المستمع للقرآن، ينبغي للمستمع لتلاوة القرآن من غيره: أن يُنْصِت، ويحسن الاستماع: سواء كان ذلك من القارئ المُشَاهَد، أو من الإذاعة، أو غير ذلك، ويتأدَّب كذلك بالآداب السابقة، وقد نُقل عن الليث بن سعد رحمه الله، أنه قال: ((يقال: ما الرحمة إلى أحدٍ بأسرع منها إلى مستمع القرآن؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} (¬4) ¬
الأدب الخامس عشر: سجود تلاوة القرآن الكريم للقارئ والمستمع:
ولعلَّ من الله واجبة)) (¬1). فإذا كان هذا الثواب لمستمع القرآن، فكيف بتاليه؟ (¬2). الأدب الخامس عشر: سجود تلاوة القرآن الكريم للقارئ والمستمع: 1 - فضل سجود التلاوة عظيم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله [وفي رواية يا ويلي] أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيت فلي النار)) (¬3)، وهذا الحديث فيه الحث على سجود التلاوة والترغيب فيه. 2 - سجود التلاوة سنة مؤكدة على الصحيح للتالي والمستمع (¬4)؛ ¬
لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - النجم بمكة فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلا سجد، غير شيخ أخذ كفَّاً من حصى أو تراب ورفعه إلى جبهته [فسجد عليه] وقال يكفيني هذا، فرأيته بعد ذلك قُتِلَ كافراً [وهو أمية بن خلف]))، وفي رواية: ((أول سورة أنزلت فيها سجدة {وَالنَّجْمِ}، فسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسجد من خلفه ... )) الحديث (¬1). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((سجد النبي - صلى الله عليه وسلم -[بالنجم]، وسجد معه المسلمون، والمشركون، والجن، والإنس)) (¬2). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه، فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعاً يسجد عليه)) ولفظ مسلم: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ القرآن، فيقرأ سورة فيها سجدة ونسجد معه ... )) الحديث (¬3). ¬
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سجدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ}، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (¬1). وهذه الأحاديث تدل على أهمية سجود التلاوة ومشروعيته المؤكدة وعناية النبي - صلى الله عليه وسلم - به، ولكن دلت الأدلة الأخرى على عدم الوجوب، فقد ثبت أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: ((يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه)) ولم يسجد عمر - رضي الله عنه - وفي لفظ: ((إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء)) (¬2). ومن أوضح الأدلة على أن سجود التلاوة سنة مؤكدة وليس بواجب حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: ((قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - {وَالنَّجْمِ} فلم يسجد فيها)) (¬3). ورجّح الإمام النووي والحافظ ابن حجر، وابن قدامة - رحمهم الله ¬
3 - سجود المستمع إذا سجد القارئ، وإذا لم يسجد لم يسجد
- أن حديث زيد بن ثابت هذا محمول على بيان جواز عدم السجود، وأنه سنة مؤكدة وليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لأمره بالسجود ولو بعد ذلك (¬1)، وقال الحافظ ابن حجر: ((وأقوى الأدلة على نفي الوجوب حديث عمر المذكور في هذا الباب)) (¬2)، وتعقبه الإمام عبد العزيز ابن باز - رحمه الله -فبين ((أن أقوى منه وأوضح في الدلالة على عدم وجوب سجود التلاوة: قراءة زيد بن ثابت على النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة النجم فلم يسجد فيها، ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسجود، ولو كان واجباً لأمره به)) (¬3). 3 - سجود المستمع إذا سجد القارئ، وإذا لم يسجد لم يسجد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعاً يسجد عليه)) (¬4)، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - لتميم بن حَذْلم - وهو غلام - فقرأ عليه سجدة فقال: ((اسجد فأنت إمامنا فيها)) (¬5)، فالمستمع الذي ينصت للقارئ ويتابعه في الاستماع يسجد مع القارئ إذا سجد وإذا لم ¬
يسجد فلا (¬1). أما السامع الذي لا يقصد سماع القرآن وإنما مرَّ فسمع القراءة وسجد القارئ، فإنه لا يلزمه السجود، قيل لعمران بن حصين - رضي الله عنه -: الرجل يسمع السجدة ولم يجلس لها، قال: ((أرأيت لو قعد لها؟)) كأنه لا يوجبه عليه (¬2). وقال سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: ((ما لهذا غدونا)) (¬3)، وقال عثمان - رضي الله عنه -: ((إنما السجدة على من استمعها)) (¬4)، وأما المستمع بقصدٍ فقال ابن بطال: ((وأجمعوا على أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد)) (¬5). فقد فرَّق بعض العلماء بين السامع والمستمع بما دلت عليه هذه الآثار (¬6). ¬
4 - عدد سجدات القرآن ومواضعها، خمس عشرة سجدة
4 - عدد سجدات القرآن ومواضعها، خمس عشرة سجدة (¬1) في المواضع الآتية: الموضع الأول: آخر سورة الأعراف، عند قوله تعالى: {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (¬2). الموضع الثاني: في الرعد عند قوله تعالى: {وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} (¬3). الموضع الثالث: في النحل عند قوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬4). الموضع الرابع: في الإسراء عند قوله تعالى: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (¬5). الموضع الخامس: في سورة مريم عند قوله: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (¬6). الموضع السادس: في سورة الحج عند قوله تعالى: {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬7). ¬
الموضع السابع: في سورة الحج عند قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬1). الموضع الثامن: في سورة الفرقان عند قوله تعالى: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (¬2). الموضع التاسع: في سورة النمل، عند قوله تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (¬3). الموضع العاشر: في سورة {الم} السجدة، عند قوله تعالى: {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} (¬4). الموضع الحادي عشر: في سورة ص، عند قوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (¬5). الموضع الثاني عشر: في سورة فصلت، عند قوله تعالى: {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} (¬6). ¬
وهذا قول الجمهور من العلماء، وقال الإمام مالك - رحمه الله - وطائفة من السلف، بل عند قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬1). الموضع الثالث عشر: في آخر سورة النجم، عند قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لله وَاعْبُدُوا} (¬2). الموضع الرابع عشر: في سورة الانشقاق عند قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} (¬3). الموضع الخامس عشر: في آخر سورة العلق عند قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (¬4). وسجدتا سورة الحج جاء فيهما خبر خالد بن معدان - رضي الله عنه - قال: ((فضلت سورة الحج بسجدتين)) (¬5)، وجاء في خبر عقبة بن عامر، وزاد: ((فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما)) (¬6). ¬
5 - سجود التلاوة في الصلاة الجهرية ثابت
5 - سجود التلاوة في الصلاة الجهرية ثابت؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} فسجد، فقيل له: ما هذه؟ قال: ((سجدت فيها خلف أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه)) (¬1). 6 - صفة سجود التلاوة، من قرأ آية سجدة أو كان يستمع لها، فإنه يستحب له أن يستقبل القبلة ويكبر، ويسجد ثم يقول دعاء السجود، ثم يرفع من السجود بدون تكبير، ولا تشهد، ولا سلام (¬2)؛لحديث عبد الله بن ¬
عمر رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا القرآن، فإذا مرَّ بالسجدة كبَّر وسجد وسجدنا معه)) (¬1). وإذا كان سجود التلاوة في الصلاة، فإنه يكبر حين يسجد وحين ينهض من السجود؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في الصلاة في كل خفض ورفع (¬2)، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) (¬3)، وإذا قرأ السجدة في الصلاة في آخر السورة، فإن شاء ركع، وإن شاء سجد ثم قام فقرأ شيئاً من القرآن ثم ركع، وإن شاء ¬
7 - الدعاء في سجود التلاوة
سجد ثم قام فركع من غير قراءة)) (¬1). 7 - الدعاء في سجود التلاوة، يدعو بمثل دعائه في سجود الصلاة، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجود القرآن بالليل [يقول في السجدة مراراً] (¬2): ((سجد وجهي للذي خلقه [وصوَّره] (¬3) وشقَّ سمعَه وبصرَه، بحوله وقوته [فتبارك الله أحسن الخالقين] (¬4)) (¬5). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني رأيت البارحة فيما يرى النائم كأني أصلي إلى أصل شجرة، فقرأت السجدة فسجدْتُ، فسَجَدَتِ الشجرةُ لسجودي، فسمعتها تقول: ((اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، [وتقبَّلْها مني كما تقبَّلْتها من عبدك داود])). قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ سجدة ثم سجد، فسمعته يقول في ¬
الأدب السادس عشر: معرفة الابتداء والوقف:
سجوده مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة)) (¬1). ويشرع في سجود التلاوة ما يشرع في سجود الصلاة (¬2). والصواب أن سجود التلاوة يجوز في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها؛ لأنه من ذوات الأسباب (¬3). الأدب السادس عشر: معرفة الابتداء والوقف: ينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أو وقف على غير آخرها أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض وأن يقف على الكلام المرتبط ولا يتقيَّد بالأعشار والأجزاء؛ فإنها قد تكون في وسط الكلام المرتبط كالجزء الذي في قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} (¬4)، وفي قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} (¬5)،وفي قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} (¬6)، ¬
وقوله تعالى: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لله وَرَسُولِهِ} (¬1)، وفي قوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء} (¬2)، وفي قوله تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} (¬3)، وفي قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} (¬4)، وفي قوله: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُون} (¬5)، كقوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ الله فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} (¬6)، وقوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ} (¬7)؛ فكل هذا وشبهه ينبغي أن لا يبتدأ به ولا يوقف عليه؛ فإنه متعلق بما قبله، ولا يغترنَّ بكثرة الغافلين له من القراء الذين لا يراعون هذه الآداب، ولا يفكرون في هذه المعاني، وليمتثل ما روى الحاكم أبو عبد الله بإسناده عن الفضيل بن عياض - رضي الله عنه - قال: ((لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها، ولا تغترنَّ بكثرة الهالكين، ولا يضرك قلة السالكين))؛ ولهذا المعنى قال العلماء: قراءة سورة قصيرة بكاملها أفضل من قراءة بعض سورة طويلة بقدر القصيرة؛ فإنه قد يخفى ¬
الأدب السابع عشر: إلزام النفس بالآداب الجميلة
الارتباط على بعض الناس في بعض الأحوال. وقد روى ابن أبي داود بإسناده عن عبد الله بن أبي الهذيل التابعي المعروف - رضي الله عنه - قال: كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويتركوا بعضها)) (¬1). الأدب السابع عشر: إلزام النفس بالآداب الجميلة فأول ذلك أن يخلص في طلبه لله - عز وجل - كما ذكرنا، وأن يأخذ نفسه بقراءة القرآن في ليله ونهاره، في الصلاة وغيرها، وينبغي له أن يكون حامداً لله، ولنعمه شاكراً، وله ذاكراً، وعليه متوكلاً، وبه مستعيناً، وإليه راغباً، وبه معتصماً، وللموت ذاكراً، وله مستعداً، وينبغي له أن يكون خائفاً من ذنبه، راجياً عفو ربه، ويكون الخوف في صحته أغلب عليه، إذ لا يعلم بما يختم له، ويكون الرجاء عند حضور أجله أقوى في نفسه لحسن الظن بالله تعالى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يموتن أحدكم إلاّ وهو يُحسن الظن بالله تعالى)) (¬2)، أي أنه يرحمه ويغفر له. وينبغي له أن يكون عالماً بأهل زمانه، متحفظاً من سلطانه، ساعياً في خلاص نفسه، [ونجاته]، مقدماً بين يديه ما يقدر عليه من عرض دنياه، مجاهداً لنفسه في ذلك ما استطاع. وينبغي له أن يكون أهم أموره عنده: الورع في دينه، واستعمال تقوى الله ¬
تعالى ومراقبته فيما أمر به ونهاه عنه، وقال ابن مسعود: ((ينبغي لقارئ القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون)) (¬1). وقال عبد الله بن عمرو: ((لا ينبغي لحامل القرآن أن يخوض مع من يخوض، ولا يجهل مع من جهل، ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن؛ لأن في جوفه كلام الله تعالى)) (¬2). وينبغي له أن يأخذ نفسه بالتصاون عن طرق الشبهات، ويقلل الضحك والكلام في مجالس القرآن وغيرها بما لا فائدة فيه، ويأخذ نفسه بالحلم والوقار. وينبغي له أن يتواضع للفقراء، ويتجنب التكبر والإعجاب، ويتجافى عن الدنيا وأبنائها إن خاف على نفسه الفتنة، ويترك الجدال والمراء، ويأخذ نفسه بالرفق والأدب. وينبغي له أن يكون ممن يُؤمن شره، ويٌرجى خيره، ويسلم من ضره، وأن لا يسمع ممن نمَّ عنده، ويصاحب من يعاونه على الخير، ويدله على ¬
الأدب الثامن عشر: مدة ختم القرآن
الصدق ومكارم الأخلاق، ويزينه ولا يشينه (¬1). الأدب الثامن عشر: مدة ختم القرآن ختم القرآن نعمة عظيمة كُبرى لمن ابتغى بذلك وجه الله تعالى؛ لأن قراءة الحرف الواحد بحسنة والحسنة بعشر أمثالها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) (¬2). وقد عدَّ بعض العلماء حروف القرآن الموجودة في المصحف في القراءة الموجودة، فبلغ عدد حروفه: ((ثلاثمائة ألف حرف وأحد عشر ألف ومئتان وخمسون حرفاً وحرف (311251))) (¬3)، فإذا كان على كل حرف واحد حسنة والحسنة بعشر أمثالها فكم يكون لتالي القرآن من الحسنات؟ وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ((أيكم يحبُّ أن يغدوَ كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحمٍ؟))، فقال أصحابه: يا رسول الله نحب ذلك!، قال: ((أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله - عز وجل - خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن ¬
أعدادهن من الإبل)) (¬1). وقد ذُكر الاتفاق بين أهل العلم على أن القرآن الموجود بيننا يزيد على ستة آلاف آية ومئتي آية (¬2). وقد ذكر بعض علماء أهل الإسلام عدد آيات القرآن الكريم في المصحف الموجود المقروء بالألسنة: أنها ستة آلاف آية ومئتي آية وآية (¬3) (6201)، فإذا كانت القراءة لكل آية خير من ناقة عظيمة، فكم يكون لتالي القرآن كله من الأجر العظيم؟ ولا شك أن الإبل هي حمْر النعم، التي هي أغلى الأموال عند العرب وقد ثبت عندي أن هناك من الجمال ما يسام باثني عشر مليون [أي اثنا عشر ألف ألف] وبلغني أن هناك أيضاً من الإبل ما سيم بسبعة عشر مليون [أي سبعة عشر ألف ألف] وقراءة آية واحدة خير من واحدة من هذه الإبل العظيمة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقد جاءت الأحاديث الصحيحة تبين أكثر وقتٍ يُختم فيه القرآن، وأقل وقت يُختم فيه كذلك، فحدد النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عندما سأله في كم يختم القرآن؛ وكان كل ما حدَّدَ له وقتاً وزمناً قال: يا رسول الله إني أقوى من ذلك، وفي بعض الألفاظ: إني أطيق أكثر من ¬
ذلك، ففي صحيح البخاري ومسلم أنه قال له: ((اقرأ القرآن في كل شهر))، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فما زال يراجع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قال له: ((في ثلاث))، وفي بعض الألفاظ: ((اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك))، هذا من ألفاظ البخاري، وفي لفظ لمسلم: ((اقرأ القرآن في كل شهر))، ثم راجعه فقال: ((فاقرأه في عشر))،قال: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك ... ))، قال عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -: ((بعد ذلك فليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذاك أني كبرت سني، فكان يقرأ على بعض أهله السُّبع من القرآن بالنهار، والذي قرأه يعرضه بالنهار ليكون أخف عليه بالليل)) (¬1). وثبت في سنن أبي داود أن عبد الله بن عمرو سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: في كم يقرأ القرآن؟ قال: ((في أربعين يوماً))، ثم قال: ((في شهر))، ثم قال: ((عشرين))، ثم قال: ((في خمس عشرة))، ثم قال: ((في عشرٍ))، ثم قال: ((في سبع)) (¬2)، وفي لفظٍ لأبي داود: إني أقوى من ذلك؟ قال: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث))، وفي لفظ لأبي داود أيضاً: ((إقرأه في ثلاث)) (¬3). ¬
فهذه الروايات تدل المسلم على أنه لا ينبغي له أن يترك ختم القرآن أكثر من أربعين يوماً، وفي ألفاظ البخاري ومسلم: ((شهر))، ولا يختم في أقل من ثلاث))، هذا هو الأفضل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث))، وكونه يختم في كل أسبوع ختمة خيرٌ كثير وثوابٌ عظيم مع التدبر لما يقرأ وهذا هو أغلب فعل الصحابة - رضي الله عنهم -، فإن قوي، وازدادت رغبته ختم في كل ثلاثة أيام (¬1)، والله تعالى المعين منزل الرغبة للخير في قلوب من يشاء من عباده، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} (¬2)،وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (¬3) (¬4). ¬
الثالث عشر: أخلاق العامل لله بالقرآن:
وقد ثبت عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا (¬1). الثالث عشر: أخلاق العامل لله بالقرآن: حامل القرآن ينبغي له أن يستعمل تقوى الله في السر والعلانية، باستعمال الورع في مطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه، بصيراً بزمانه ¬
وفساد أهله، فهو يحذرهم على دينه، مقبلاً على شأنه، مهموماً بإصلاح ما فسد من أمره، حافظاً للسانه، مميزاً لكلامه، إن تكلَّم تكلَّم بعلمٍ إذا رأى الكلام صواباً، وإن سكت سكت بعلم إذا كان السكوت صواباً، قليل الخوض فيما لا يعنيه، يخاف من لسانه أشد مما يخاف عدوه، يحبس لسانه كحبسه لعدوه؛ ليأمن شره وشر عاقبته، قليل الضحك مما يضحك منه الناس لسوء عاقبة الضحك، إن سُرَّ بشيء مما يوافق الحق تبسم، يكره المزاح خوفاً من اللعب، فإن مزح قال حقاً، باسط الوجه، طيب الكلام، لا يمدح نفسه بما فيه، فكيف بما ليس فيه؟ يحذر نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يسخط مولاه، لا يغتاب أحداً، ولا يحقر أحداً، ولا يسب أحداً، ولا يَشْمَتُ بمصيبته، ولا يبغي على أحد، ولا يحسده، ولا يسيء الظن بأحد إلا لمن يستحق، يحسد بعلمٍ، ويظن بعلمٍ، ويتكلم بما في الإنسان من عيب بعلمٍ، ويسكت عن حقيقة ما فيه بعلمٍ، وقد جعل القرآن والسنة والفقه دليله إلى كل خلق حسن جميل، حافظاً لجميع جوارحه عما نهي عنه، إن مشى مشى بعلمٍ، وإن قعد قعد بعلم، يجتهد ليسلم الناس من لسانه ويده، لا يجهل؛ فإن جُهِلَ عليه حَلِمَ، لا يظلم، وإن ظُلِمَ عفا، لا يبغي، وإن بُغِيَ عليه صبر، يكظم غيظه ليرضي ربه ويغيظ عدوه، متواضع في نفسه، إذا قيل له الحق قبله من صغير أو كبير، يطلب الرفعة من الله، لا من المخلوقين، ماقتاً للكبر، خائفاً على نفسه منه، لا يتآكل بالقرآن، ولا يحب أن يقضي به الحوائج، ولا يسعى به إلى أبناء الملوك، ولا يجالس به الأغنياء ليكرموه، إن كسب الناس من الدنيا
الكثير بلا فقه ولا بصيرة، كسب هو القليل بفقه وعلم، إن لبس الناس الليِّن الفاخر، لبس هو من الحلال ما يستر به عورته، إن وُسِّع عليه وسع، وإن أُمْسِكَ عليه أمسك، يقنع بالقليل فيكفيه، ويحذر على نفسه من الدنيا ما يطغيه، يتَّبع واجبات القرآن والسنة، يأكل الطعام بعلم، ويشرب بعلم، ويلبس بعلم، وينام بعلم، ويجامع أهله بعلم، ويصطحب الإخوان بعلم، ويزورهم بعلم، ويستأذن عليهم بعلم، ويُسلِّم عليهم بعلم، ويجاور جاره بعلم، يلزم نفسه برَّ والديه: فيخفض لهما جناحه، ويخفض لصوتهما صوته، ويبذل لهما ماله، وينظر إليهما بعين الوقار والرحمة، يدعو لهما بالبقاء، ويشكر لهما عند الكبر، لا يضجر بهما، ولا يحقرهما، إن استعانا به على طاعة أعانهما، وإن استعانا به على معصية لم يعنهما عليها، ورفق بهما في معصيته إياهما بحسن الأدب؛ ليرجعا عن قبيح ما أرادا مما لا يحسن بهما فعله، يصل الرحم، ويكره القطيعة، من قطعه لم يقطعه، ومن عصى الله فيه أطاع الله فيه، يصحب المؤمنين بعلم، ويجالسهم بعلم، من صحبه، نفعه حسن المجالسة لمن جالس، إن علَّم غيره رفق به، لا يُعنِّف من أخطأ ولا يخجِّله، رفيق في أموره، صبور على تعليم الخير، يأنس به المتعلم، ويفرح به المجالس، مجالسته تفيد خيراً، مؤدب لمن جالسه بأدب القرآن والسنة، وإذا أصيب بمصيبة، فالقرآن والسنة له مؤدِّبان؛ يحزن بعلم، ويبكي بعلم، ويصبر بعلم، يتطهر بعلم، ويصلي بعلم، ويزكي بعلم ويتصدق بعلم، ويصوم بعلم، ويحج بعلم، ويجاهد بعلم، ويكتسب بعلم، وينفق بعلم، وينبسط في الأمور بعلم، وينقبض عنها بعلم، قد أدبه القرآنُ والسنةُ، يَتصفَّح القرآن؛ ليؤدِّب به
نفسه، لا يرضى من نفسه أن يؤدي ما فرض الله عليه بجهل، قد جعل العلم والفقه دليله إلى كل خير. إذا درس القرآن فبحضور فهم وعقل، همته إيقاع الفهم لما ألزمه الله: من اتباع ما أمر، والانتهاء عما نهى، ليس همته متى أختم السورة؟ همته متى أستغني بالله عن غيره؟ متى أكون من المتقين؟ متى أكون من المحسنين؟ متى أكون من المتوكلين؟ متى أكون من الخاشعين؟ متى أكون من الصابرين؟ متى أكون من الصادقين؟ متى أكون من الخائفين؟ متى أكون من الراجين؟ متى أزهد في الدنيا؟ متى أرغب في الآخرة متى أتوب من الذنوب؟ متى أعرف النعم المتواترة؟ متى أشكره عليها؟ متى أعقل عن الله الخطاب؟ متى أفقه ما أتلو؟ متى أغلب نفسي على ما تهوى؟ متى أجاهد في الله حق الجهاد؟ متى أحفظ لساني؟ متى أغض طرفي؟ متى أحفظ فرجي؟ متى أستحي من الله حق الحياء؟ متى أشتغل بعيبي؟ متى أصلح ما فسد من أمري؟ متى أحاسب نفسي؟ متى أتزود ليوم معادي؟ متى أكون عن الله راضيا؟ متى أكون بالله واثقا؟ متى أكون بزجر القرآن متعظا؟ متى أكون بذكره عن ذكر غيره مشتغلا؟ متى أحب ما أحب؟ متى أبغض ما أبغض؟ متى أنصح لله؟ متى أخلص له عملي؟ متى أقصر أملي؟ متى أتأهب ليوم موتي وقد غيب عني أجلي؟ متى أعمر قبري، متى أفكر في الموقف وشدته؟ متى أفكر في خلوتي مع ربي؟ متى أفكر في المنقلب؟ متى أحذر مما حذرني منه ربي. فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن، فكان كالمرآة، يرى بها ما حسن من فعله، وما قبح منه، فما حذَّره مولاه حَذِرَه، وما خوَّفه به من عقابه خافه، وما رغَّبه فيه مولاه رغب فيه ورجاه،
الرابع عشر: أخلاق العامل للدنيا بالقرآن:
فمن كانت هذه صفته، أو ما قارب هذه الصفة، فقد تلاه حق تلاوته، ورعاه حق رعايته، وكان له القرآن شاهداً وشفيعاً وأنيساً وحرزاً، ومن كان هذا وصفه، نفع نفسه ونفع أهله، وعاد على والديه، وعلى ولده كل خير في الدنيا وفي الآخرة (¬1). الرابع عشر: أخلاق العامل للدنيا بالقرآن: من قرأ القرآن للدنيا ولأبناء الدنيا، فإن من أخلاقه أن يكون حافظاً لحروف القرآن، مضيِّعاًلحدوده، متعظِّماً في نفسه، متكبِّراً على غيره، قد اتخذ القرآن بضاعة، يتآكل به الأغنياء، ويستقضي به الحوائج، يُعظِّم أبناء الدنيا ويحقر الفقراء، إن علَّم الغني رفق به طمعاً في دنياه، وإن علم الفقير زجره وعنَّفه؛ لأنه لا دنيا له يطمع فيها، يستخدم به الفقراء، ويتيه به على الأغنياء، إن كان حسن الصوت، أحب أن يقرأ للملوك، ويصلِّي بهم؛ طمعاً في دنياهم، وإن سأله الفقراء الصلاة بهم، ثقل ذلك عليه؛ لقلة الدنيا في أيديهم، إنما طلبه الدنيا حيث كانت، ربض عندها، يفخر على الناس بالقرآن، ويحتج على من دونه في الحفظ بفضل ما معه من القراءات، وزيادة المعرفة بالغرائب من القراءات، التي لو عقل لعلم أنه يجب عليه أن لا يقرأ بها، فتراه تائهاً متكبِّراً، كثير الكلام بغير تمييز، يعيب كل من لم يحفظ كحفظه، ومن علم أنه يحفظ كحفظه طلب عيبه متكبراً ¬
في جلسته، متعاظماً في تعليمه لغيره، ليس للخشوع في قلبه موضع، كثير الضحك والخوض فيما لا يعنيه، يشتغل عمن يأخذ عليه بحديث من جالسه، هو إلى استماع حديث جليسه أصغى منه إلى استماع من يجب عليه أن يستمع له، فهو إلى كلام الناس أشهى منه إلى كلام الرب - عز وجل -، لا يخشع عند استماع القرآن ولا يبكي، ولا يحزن، ولا يأخذ نفسه بالفكر فيما يتلى عليه، وقد ندب إلى ذلك، راغب في الدنيا وما قرب منها، لها يغضب ويرضى، إن قصَّر رجل في حقه، قال: أهل القرآن لا يُقَصَّر في حقوقهم، وأهل القرآن تُقضَى حوائجهم، يستقضي من الناس حق نفسه، ولا يستقضي من نفسه ما لله عليها، يغضب على غيره، زعم لله، ولا يغضب على نفسه لله لا يبالي من أين اكتسب، من حرام أو من حلال، قد عظمت الدنيا في قلبه، إن فاته منها شيء لا يحل له أخذه، حزن على فوته لا يتأدب بأدب القرآن، ولا يزجر نفسه عن الوعد والوعيد، لاهٍ غافل عما يتلو أو يتلى عليه، همته حفظ الحروف، إن أخطأ في حرف ساءه ذلك؛ لئلا ينقص جاهه عند المخلوقين، فتنقص رتبته عندهم، فتراه محزوناً مغموماً بذلك، وما قد ضيعه فيما بينه وبين الله مما أمر به القرآن أو نهى عنه، غير مكترثٍ به، أخلاقه في كثير من أموره أخلاق الجهال، الذين لا يعلمون، لا يأخذ نفسه بالعمل بما أوجب عليه القرآن إذ سمع الله - عز وجل - قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (¬1)، فكان من ¬
الواجب عليه أن يلزم نفسه طلب العلم لمعرفة ما نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فينتهي عنه، قليل النظر في العلم الذي هو واجب عليه فيما بينه وبين الله - عز وجل -، كثير النظر في العلم الذي يتزين به عند أهل الدنيا ليكرموه بذلك، قليل المعرفة بالحلال والحرام الذي ندبه الله إليه، ثم رسوله ليأخذ الحلال بعلم، ويترك الحرام بعلم، لا يرغب بمعرفة علم النعم، ولا في علم شكر المنعم، تلاوته للقرآن تدل على كبره في نفسه، وتزين عند السامعين منه، ليس له خشوع، فيظهر على جوارحه، إذا درس القرآن، أو درسه عليه غيره، همته متى يقطع، ليس همته متى يفهم، لا يتفكر عند التلاوة بضروب أمثال القرآن، ولا يقف عند الوعد والوعيد، يأخذ نفسه برضا المخلوقين، ولا يبالي بسخط رب العالمين، يحب أن يعرف بكثرة الدرس، ويظهر ختمه للقرآن ليحظى عندهم، قد فتنه حسن ثناء من جهله يفرح بمدح الباطل، وأعماله أعمال أهل الجهل، يتبع هواه فيما تحب نفسه، غير متصفِّح لما زجره القرآن عنه، إن كان ممن يقرئ، غضب على من قرأ على غيره، إن ذكر عنده رجل من أهل القرآن بالصلاح كره ذلك، وإن ذكر عنده بمكروه سره ذلك، يسخر بمن دونه، ويهمز بمن فوقه يتتبع عيوب أهل القرآن؛ ليضع منهم، ويرفع من نفسه، يتمنى أن يخطئ غيره ويكون هو المصيب، ومن كانت هذه صفته فقد تعرض لسخط مولاه الكريم، وأعظم من ذلك، أن أظهر على نفسه شعار الصالحين بتلاوة القرآن، وقد ضيع في الباطن ما يجب لله، وركب ما نهاه عنه مولاه، كل ذلك بحب الرياسة والميل إلى الدنيا قد فتنه العجب بحفظ القرآن، والإشارة إليه
الخامس عشر: أخلاق معلم القرآن:
بالأصابع، إن مرض أحد من أبناء الدنيا أو ملوكها، فسأله أن يختم عليه سارع إليه وسر بذلك، وإن مرض الفقير المستور، فسأله أن يختم عليه ثقل ذلك عليه يحفظ القرآن ويتلوه بلسانه، وقد ضيع الكثير من أحكامه، أخلاقه أخلاق الجهال، إن أكل فبغير علم، وإن شرب فبغير علم، وإن لبس فبغير علم، وإن جامع أهله فبغير علم، وإن نام فبغير علم، وإن صحب أقواماً أو زارهم، أو سلم عليهم، أو استأذن عليهم، فجميع ذلك يجري بغير علم من كتابٍ أو سنةٍ، وغيره ممن يحفظ جزءاً من القرآن مطالب لنفسه بما أوجب الله عليه من علم أداء فرائضه، واجتناب محارمه، وإن كان لا يؤبه له ولا يشار إليه بالأصابع، قال محمد بن الحسين: ((فمن كانت هذه أخلاقه صار فتنة لكل مفتون؛ لأنه إذا عمل بالأخلاق التي لا تحسن بمثله، اقتدى به الجهال، فإذا عيب الجاهل، قال: فلان الحامل لكتاب الله فعل هذا، فنحن أولى أن نفعله، ومن كانت هذه حاله، فقد تعرض لعظيم، وثبتت عليه الحجة، ولا عذر له إلا أن يتوب، وإنما حداني على ما بيَّنتُ من قبيح هذه الأخلاق؛ نصيحة مني لأهل القرآن ليتخلَّقوا بالأخلاق الشريفة، ويتجانبوا الأخلاق الدنيئة، والله يوفقنا وإياهم للرشاد (¬1). الخامس عشر: أخلاق معلم القرآن: ينبغي لمن علمه الله كتابه، فأحب أن يجلس في المسجد، أو في غيره من ¬
الأماكن الطاهرة، يقرئ القرآن لله، يغتنم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" (¬1)، فينبغي له أن يستعمل من الأخلاق الشريفة ما يدل على فضله وصدقه، وهو أن يتواضع في نفسه إذا جلس في مجلسه، ولا يتعاظم في نفسه، والأفضل أن يستقبل القبلة في مجلسه. ويتواضع لمن يلقنه القرآن، ويقبل عليه إقبالاً جميلاً. وينبغي له أن يستعمل مع كل إنسان يلقنه ما يصلح لمثله، إذا كان يتلقن عليه الصغير والكبير والحدث، والغني والفقير، فينبغي له أن يوفي كل ذي حق حقه، ويعتقد الإنصاف إن كان يريد الله بتلقينه القرآن: فلا ينبغي له أن يقرب الغني ويبعد الفقير، فإن فعل هذا فقد جار في فعله، فحكمه أن يعدل بينهما، ثم ينبغي له أن يحذر على نفسه التواضع للغني والتكبر على الفقير، بل يكون متواضعاً للفقير، مقرباً لمجلسه متعطفاً عليه، يتحبب إلى الله بذلك. وقد قال الله تعالى للنبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (¬2)، وأحق الناس باستعمال هذا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل القرآن إذا جلسوا لتعليم القرآن يريدون به الله - عز وجل -. وينبغي لمن يُلَقِّن إذا قُرئ عليه أن يحسن الاستماع إلى من يقرأ عليه، ولا ¬
يشتغل عنه بحديث ولا غيره، فبالحري أن ينتفع به من يقرأ عليه، وكذلك ينتفع هو أيضاً، ويتدبر ما يسمع من غيره، وربما كان سماعه للقرآن من غيره له فيه زيادة منفعة وأجر عظيم، ويتناول قول الله - عز وجل -: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} (¬1)، فإذا لم يتحدث مع غيره وأنصت إليه أدركته الرحمة من الله، وكان أنفع للقارئ عليه. وينبغي لمن قرأ عليه القرآن فأخطأ عليه أو غلط، أن لا يُعنِّفه وأن يرفق به، ولا يجفو عليه، ويصبر عليه. فمن كانت هذه أخلاقه انتفع به من يقرأ عليه، وينبغي لمن كان يقرئ القرآن لله أن يصون نفسه عن استقضاء الحوائج ممن يقرأ عليه القرآن، وأن لا يستخدمه ولا يكلفه حاجة يقوم بها، والأفضل له إذا عرضت له حاجة أن يكلفها لمن لا يقرأ عليه ويصون القرآن عن أن يقضى له به الحوائج، فإن عرضت له حاجة سأل مولاه الكريم قضاءها، فإذا ابتدأه أحد من إخوانه من غير مسألة منه فقضاها، شكر الله؛ إذ صانه عن المسألة والتذلل لأهل الدنيا، وإذ سهّل الله له قضاءها، ثم يشكر من أجرى ذلك على يديه؛ فإن هذا واجب عليه. وهذه نصيحة لأهل القرآن؛ لئلا يبطل سعيهم، إن هم طلبوا به شرف الدنيا حرموا شرف الآخرة، إذ يتلونه لأهل الدنيا طمعاً في دنياهم، أعاذ الله حملة القرآن من ذلك، فينبغي لمن يجلس يقرئ المسلمين أن يتأدب بأدب القرآن يقتضي ثوابه من الله - عز وجل -، يستغني بالقرآن عن كل ¬
أحد من الخلق، متواضع في نفسه ليكون رفيعاً عند الله (¬1). ويحذر كل الحذر من قصده الكثرة بكثرة المشتغلين عليه، والمختلفين إليه. ويحذر من كراهيتِهِ قراءة أصحابه على غيره، ممن يُنتفع به، وهذه مصيبة ابتلي بها بعض المُعَلِّمين الجاهلين، وهي تدل على سوء النية، وعلى عدم إرادته بتعليمه وجه الله تعالى. وينبغي أن يتخلق بالمحاسن التي وردت في الشرع والخصال الحميدة، والشِّيم المرضيَّة. وينبغي أن يلازم ذكر الله تعالى في الصباح، والمساء، والأحوال والأوقات التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويذكر الله ذكراً كثيراً. وينبغي له أن يراقب الله تعالى في سرِّه وعلانيته، ويرفق بمن يقرأ عليه، ويبذل النصيحة له، ويذكر له فضيلة ذلك؛ ليكون سبباً في نشاطه، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، ويؤدِّب المتعلِّم على التدرّج بالآداب المرضيَّة، ويكون حريصاً على تعليمه، ويقدِّم في تعليم المتعلمين إذا ازدحموا: الأوَّل، فالأوَّل، ولا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية. وينبغي له: أن يصون يديه في حال تعليمه عن العبث، وعينيه عن تفريق نظرهما من غير حاجة، وأن يكون مجلسه واسعاً (¬2). ¬
المبحث التاسع والعشرون: زكاة الفطر من رمضان
المبحث التاسع والعشرون: زكاة الفطر من رمضان أولاًَ: مفهوم زكاة الفطر: الزكاة لغة: النماء، والزيادة، والطهارة، والبركة، يقال: زكى الزرع: إذا نما وزاد (¬1). الفطر: اسم مصدر، من قولك: أفطر الصائم، يفطر إفطاراً؛ لأن المصدر منه: الإفطار، وهذه يراد بها الصدقة عن البدن، والنفس، وإضافة الزكاة إلى الفطر، من إضافة الشيء إلى سببه؛ لأن الفطر من رمضان سبب وجوبها، فأضيفت إليه؛ لوجوبها به، فيقال: ((زكاة الفطر)). وقيل لها: فطرةٌ؛ لأن الفطرة: الخلقة، قال الله تعالى: {فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (¬2). أي جبلته التي جبل الناس عليها، وهذه يراد بها الصدقة عن: البدن، والنفس، كما كانت الأولى صدقة عن المال (¬3)، ويقال: ((زكاة الفطر، وصدقة الفطر، ويقال للمُخْرَج: فطرة, وهي اصطلاحية للفقهاء، كأنها من الفطرة التي هي الخلقة: أي زكاة الخلقة)) (¬4). ¬
زكاة الفطر في الاصطلاح
زكاة الفطر في الاصطلاح: ((هي الصدقة تجب بالفطر من رمضان، طهرة للصائم: من اللغو، والرفث)) (¬1). وقيل: ((إنفاق مقدار معلوم، عن كل فرد مسلم يُعيله، قبل صلاة عيد الفطر، في مصارف مخصوصة)) (¬2). وقيل: ((صدقة واجبة بالفطر من رمضان، وتسمى فرضاً، ومصرفها كزكاةٍ)) (¬3). والحدُّ الذي يشمل التعريفات المتقدمة كلها، وهو: أن يقال: زكاة الفطر: صدقة معلومة بمقدار معلوم، من شخص مخصوص، بشروط مخصوصة، عن طائفة مخصوصة، لطائفة مخصوصة، تجب بالفطر من رمضان، طهرة للصائم: من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين، والله تعالى أعلم. ثانياً: الأصل في وجوب زكاة الفطر: عموم الكتاب وصريح السنة والإجماع: أما عموم الكتاب، فقيل: قول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (¬4) (¬5). وعموم قول الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ ¬
وأما السنة
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (¬1). وأما السنة؛ فلأحاديث كثيرة، ومنها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وفيه: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين ... )) (¬2). وأما الإجماع، فأجمع أهل العلم: على أن صدقة الفطر فرض، قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض، وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء، إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال، الذين لا أموال لهم، وأجمعوا على أن على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر)) (¬3). ثالثاً: شروط وجوب زكاة الفطر ثلاثة شروط: الشرط الأول: الإسلام، فتجب على كل مسلم: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجل أو امرأة، صغيرٍ أو كبيرٍ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه: ((فرض ¬
الشرط الثاني: الغنى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان، على كل نفس من المسلمين: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ أو امرأةٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ)) (¬1). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملته أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم، مع الصغر والكبر، والذكورية والأنوثية, في قول أهل العلم عامة، وتجب على اليتيم, ويخرج عنه وليه من ماله، وعلى الرقيق)) (¬2). الشرط الثاني: الغنى، وهو أن يكون عنده يوم العيد وليلته صاع، زائد عن قوته وقوت عياله، وحوائجه الأصلية (¬3). الشرط الثالث: دخول وقت الوجوب، وهو غروب الشمس من ليلة الفطر؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان)) (¬4) وذلك يكون بغروب الشمس، من آخر يوم من أيام شهر رمضان، فمن أسلم أو تزوج، أو وُلِدَ له ولد، أو مات قبل الغروب لم تلزمه فطرتهم، وإن غربت وهم عنده ثم ماتوا فعليه فطرتهم؛ لأنها تجب في الذمة، فلم تسقط بالموت ككفارة الظهار (¬5). رابعاً: الحكمة من وجوب زكاة الفطر: لا شك أن مشروعية زكاة الفطر لها حِكم كثيرة من أبرزها وأهمها ¬
1 - طهرة للصائم، من اللغو والرفث
الحكم الآتية: 1 - طُهرةٌ للصائم، من اللغو والرفث، فترفع خلل الصوم، فيكون بذلك تمام السرور. 2 - طعمةٌ للمساكين، وإغناء لهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم؛ ليكون العيد يوم فرح وسرور لجميع فئات المجتمع. 3 - مواساةٌ للمسلمين: أغنيائهم، وفقرائهم ذلك اليوم، فيتفرغ الجميع لعبادة الله تعالى، والسرور والاغتباط بنعمه سبحانه وتعالى، وهذه الأمور تدخل في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين ... )) (¬1). 4 - حصول الثواب والأجر العظيم بدفعها لمستحقيها في وقتها المحدد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس المشار إليه آنفاً: ((فمن أدَّاها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) (¬2). 5 - زكاةٌ للبدن حيث أبقاه الله تعالى عاماً من الأعوام، وأنعم عليه سبحانه بالبقاء؛ ولأجله استوى فيه الكبير والصغير، والذكر ¬
6 - شكر نعم الله تعالى على الصائمين بإتمام الصيام
والأنثى، والغني والفقير، والحر والعبد، والكامل والناقص في مقدار الواجب: وهو الصاع. 6 - شكر نعم الله تعالى على الصائمين بإتمام الصيام، ولله حكم، وأسرار لا تصل إليها عقول العالمين (¬1). خامساً: زكاة الفطر فرض على كل مسلم فَضُل عنده يوم العيد وليلته صاع من طعام، عن قوته وقوت أهل بيته الذين تجب نفقتهم عليه؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر في رمضان على كل نفسٍ من المسلمين: حرٍّ أو عبدٍ، رجلٍ أو امرأةٍ، صغيرٍ، أو كبيرٍ، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير)) وهذا لفظ مسلم في رواية, ولفظ البخاري: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد، والحر، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)). وفي لفظٍ للبخاري عن نافع عن ابن عمر: ((فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر - أو قال: رمضان - على الذكر، والأنثى، والحر، والمملوك: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، فعدل الناس به نصف صاع من برٍّ، فكان ابن عمر يعطي التمر, فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيراً، فكان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير، حتى إن كان يعطي بنيَّ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها للذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو ¬
سادسا: وقت إخراج زكاة الفطر:
يومين)) (¬1). ويستحب إخراج زكاة الفطر عن الحمل؛ لفعل عثمان - رضي الله عنه - (¬2). وتخرج عن المملوك يخرجها سيده عنه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس على المسلم في فرسه، ولا في عبده صدقة إلا صدقة الفطر)) (¬3). سادساً: وقت إخراج زكاة الفطر: وقَّت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت إخراج زكاة الفطر في حديث ابن عمر السابق بقول ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)) (¬4). أي صلاة العيد. وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((وكانوا ¬
يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين)) (¬1)؛ ولكن الأفضل أن تخرج يوم العيد قبل الصلاة؛ لسد حاجة الفقراء يوم العيد، وإغنائهم يوم العيد عن المسألة. ولا يجوز تأخيرها بعد الصلاة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرةً للصائم: من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) (¬2). ولكن زكاة الفطر لا تجب إلا بغروب شمس آخر يوم من رمضان: فمن أسلم بعد الغروب، أو تزوج، أو وُلِد له وَلدٌ، أو مات قبل الغروب لم تلزم فطرتهم (¬3). ¬
سابعا: درجات إخراج زكاة الفطر على النحو الآتي:
سابعاً: درجات إخراج زكاة الفطر على النحو الآتي: الدرجة الأولى: جواز تقديم زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه: (( ... وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين)) (¬1)، وفي لفظ للإمام مالك: ((أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة)) (¬2). قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((ووقتها ليلة عيد الفطر إلى ما قبل صلاة العيد؛ ويجوز تقديمها يومين أو ثلاثة)) (¬3). وقال شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله: ((ولا مانع من إخراجه قبله بيوم أو يومين, أو ثلاثة، ولكن لاتؤجل بعد العيد)) (¬4) (¬5). ¬
الدرجة الثانية: وقت الوجوب: هو غروب الشمس من آخر يوم من رمضان
الدرجة الثانية: وقت الوجوب: هو غروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛ فإنها تجب بغروب الشمس من آخر شهر رمضان، فمن تزوج، أو ملك عبداً، أو وُلِد له ولد، أو أسلم قبل غروب الشمس، فعليه الفطرة، وإن كان ذلك بعد الغروب لم تلزمه، ومن مات بعد غروب الشمس ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر، نص عليه الإمام أحمد، وبه قال الثوري، وإسحاق، ومالك في إحدى الروايتين عنه، والشافعي في أحد قوليه (¬1). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في أول وقت الوجوب لزكاة الفطر: ((إنما يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، وهو أول ليلة من شهر شوال، وينتهي بصلاة العيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإخراجها قبل الصلاة)) (¬2) (¬3). ¬
الدرجة الثالثة: المستحب إخراج زكاة الفطر يوم الفطر قبل صلاة العيد
الدرجة الثالثة: المستحب إخراج زكاة الفطر يوم الفطر قبل صلاة العيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما (¬1)، وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما ((فمن أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) (¬2). الدرجة الرابعة: لا يجوز تأخيرها بعد صلاة العيد على القول الصحيح، فمن أخَّرها بعد الصلاة بدون عذر، فعليه التوبة، وعليه أن يخرجها على الفور، قال العلامة ابن مفلح رحمه الله: ((وفي الكراهة بعدها وجهان، والقول بها أظهر؛ لمخالفة الأمر، وقيل: تحرم بعد الصلاة، وذكر صاحب المحرر أن أحمد رحمه الله: أومأ إليه، وتكون قضاءً، وجزم به ابن الجوزي)) (¬3).وقال الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((الواجب ... إخراجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد)) (¬4). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله، في تعمد إخراجها بعد صلاة العيد: ((والصحيح أن إخراجها في هذا الوقت محرم، وأنها لا ¬
تجزئ، والدليل على ذلك حديث ابن عمر [رضي الله عنهما: أن النبي] ((أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة)) (¬1) فإذا أخرها حتى يخرج الناس من الصلاة، فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (¬2) بل إن حديث ابن عباس رضي الله عنهما صريح في هذا، حيث قال: ((من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) (¬3). وهذا نص في أنها لا تجزئ ... )) (¬4). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عندما سئلت عن وقت زكاة الفطر هل يمتد الوقت إلى آخر يوم العيد؟ فبينوا وقتها ثم قالوا: (( ... فمن أخرها عن وقتها فقد أثم، وعليه أن يتوب من تأخيره، وأن يخرجها للفقراء)) (¬5). وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله تعالى (¬6) (¬7). ¬
ثامنا: مقدار زكاة الفطر وأنواعها:
ثامناً: مقدار زكاة الفطر وأنواعها: هو صاع من قوت البلد الذي يأكله الناس، وقد ثبت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي ذكرته آنفاً أنه قال: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير ... )). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه كان يقول: ((كنا نخرج زكاة الفطر: صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب)). وفي لفظ للبخاري: ((كنا نعطيها في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ... )). وفي لفظ لمسلم: ((كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر: عن كل صغير، وكبير، حرٍّ أو مملوك: صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجًّا أو معتمراً, فكلَّم الناس على المنبر فكان فيما كلَّم به الناس أن قال: إني أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبداً ما عشت)) (¬1). وفي لفظ ابن ماجه قال أبو سعيد: ((لا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبداً ما عشت)) (¬2). وفي حديث أبي سعيد زيادات لم ¬
أذكرها؛ لأن فيها نظراً (¬1)، أما رأي معاوية - رضي الله عنه - في أن البر يعدل المد منه المدين من غيره فيجزئ نصف صاع، فقال عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((حديث أبي سعيد دال على أنه لم يُوافق على ذلك، وكذلك ابن عمر، فلا إجماع في المسألة خلافاً للطحاوي، وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان، ولا فرق بين الحنطة وغيرها، وهذه حجة الشافعي ومن تبعه. وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد)) (¬2). وقد قال الإمام النووي رحمه الله: ((قوله: عن معاوية أنه كلم الناس على المنبر فقال: إني أرى أن مدين من سمراء الشام يعدل صاعاً من تمر فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجها كما كنت أخرجها أبداً ما عشت، فقوله: سمراء الشام: هي الحنطة, وهذا الحديث هو الذي يعتمده أبو حنيفة وموافقوه في جواز نصف صاع حنطة، والجمهور يجيبون عنه: بأنه قول صحابي, وقد خالفه أبو سعيد وغيره ممن ¬
تاسعا: مقدار الصاع الذي تؤدى به زكاة الفطر هو صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -
هو أطول صحبة، وأعلم بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم بأولى من بعض، فنرجع إلى دليل آخر. وجدنا ظاهر الأحاديث، والقياس متفقاً على اشتراط الصاع من الحنطة كغيرها، فوجب اعتماده، وقد صرح معاوية بأنه رأيٌ رآه, لا أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان عند أحد من حاضري مجلسه مع كثرتهم في تلك اللحظة علم في موافقة معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لذكره)) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول فيمن جعل مُدين من الحنطة تقوم مقام الصاع من غيرها: ((اجتهد معاوية فجعل عدله مدين، والصواب أنه لا بد من صاع أخذاً بالنص؛ ولهذا قال أبو سعيد: أما أنا فلا أخرج إلا صاعاً وهو الصواب كما تقدم)) (¬2)، والله تعالى أعلم (¬3). تاسعاً: مقدار الصاع الذي تؤدى به زكاة الفطر هو صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو خمسة أرطال وثلث بالعراقي (¬4)، وهو أربعة أمداد، والمد ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومدّ يديه بهما، وبه سمي مدّاً، قال ¬
الفيروزآبادي: ((وقد جربت ذلك فوجدته صحيحاً)) (¬1)، والصاع أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما، إذ ليس كل مكان يوجد فيه صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، قاله الداوودي (¬2). قال الفيروزآبادي: ((وجربت ذلك فوجدته صحيحاً)) (¬3). قال شيخنا ابن باز رحمه الله في تحديد مقدارالصاع: ((ومقداره أربع حفنات بملء اليدين المعتدلتين من الطعام اليابس، كالتمر، والحنطة، ونحو ذلك، أما من جهة الوزن فمقداره أربعمائة وثمانون مثقالاً، وبالريال الفرنسي ثمانون ريالاً فرانسه؛ لأن زنة الريال الواحد ستة مثاقيل، ومقداره بالريال العربي السعودي [الفضي] مائة واثنان وتسعون ريالاً، أما بالكيلو فيقارب ثلاثة كيلو، وإذا أخرج المسلم من الطعام اليابس: كالتمر اليابس، والحنطة الجيد، والأرز، والزبيب اليابس، والأقط بالكيل، فهو أحوط من الوزن)) (¬4). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((المقدار الواجب في زكاة الفطر عن كل فرد صاع واحد بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومقداره بالكيلو ثلاثة كيلو تقريباً)) (¬5). ¬
عاشرا: أهل زكاة الفطر الذين تدفع لهم: الفقراء والمساكين
عاشراً: أهل زكاة الفطر الذين تدفع لهم: الفقراء والمساكين قيل: تعطى صدقة الفطر لمن يجوز أن يعطى صدقة الأموال؛ لأن صدقة الفطر زكاة فكان مصرفها مصرف سائر الزكوات؛ ولأنها صدقة فتدخل في عموم قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيم} (¬1) (¬2). وقيل: لا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة، فتجري مجرى كفارة اليمين، والظهار، والقتل، والجماع في نهار رمضان، ومجرى كفارة الحج، فتدفع لهؤلاء الآخذين لحاجة أنفسهم، وهم الفقراء والمساكين، ولا يُعطى المؤلفة قلوبهم، ولا الرقاب ولا غير ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وهذا القول أقوى في الدليل)) (¬3). وقال رحمه الله: ((ولا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة، وهو من يأخذ لحاجته لا في الرقاب، والمؤلفة قلوبهم وغير ذلك)) (¬4). وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - تخصيص المساكين بهذه الصدقة, ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم، بل أحد القولين عندنا: أنه ¬
لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة, وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية)) (¬1). وقال الشوكاني رحمه الله عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: ((وطعمة للمساكين ... )) (¬2). ((وفيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة)) (¬3). وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ذكر القولين: ((هناك قولان لأهل العلم: الأول أنها تصرف مصرف بقية الزكوات، حتى المؤلفة قلوبهم والغارمين ... والثاني أن زكاة الفطر مصرفها للفقراء فقط، وهو الصحيح)) (¬4). وقال الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((زكاة الفطر شرعها الله مواساةً للفقراء والمحاويج، وطعمة للمساكين)) (¬5). وقال في موضع آخر: ((ومصرفها الفقراء والمساكين)) (¬6). ويجوز دفع زكاة الفطر عن النفر الواحد لشخص واحد، كما يجوز توزيعها على عدة أشخاص)) (¬7). ¬
الحادي عشر: حكم دفع القيمة في زكاة الفطر:
الحادي عشر: حكم دفع القيمة في زكاة الفطر: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا تجزئ القيمة؛ لأنه عدول عن المنصوص)) (¬1) (¬2). قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم، وهو أصح دليلاً، بل الواجب إخراجها من الطعام، كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -)) (¬3). وقال رحمه الله: (( ... زكاة الفطر عبادة بإجماع المسلمين، والعبادات الأصل فيها التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بأي عبادة إلا بما ثبت عن المشرِّع الحكيم عليه صلوات الله وسلامه)) (¬4). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((ولا يجوز إخراج زكاة الفطر نقوداً؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على وجوب إخراجها طعاماً، ولا يجوز العدول عن الأدلة الشرعية؛ لقول أحد من الناس)) (¬5). قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (¬6). ¬
الثاني عشر: الفطرة تلزم المسلم عن نفسه وعن من يعول ممن تلزمه نفقته:
الثاني عشر: الفطرة تلزم المسلم عن نفسه وعن من يعول ممن تلزمه نفقته: قال الإمام الخرقي رحمه الله: ((ويلزمه أن يخرج عن نفسه وعن عياله، إذا كان عنده فضل عن قوتِ يومه وليلته)) (¬1)، قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال الذين لا أموال لهم، وأجمعوا على أن على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر)) (¬2). فظهر أن الفطرة تلزم الإنسان القادر عن نفسه، وعن من يعوله، أي يمونه، فتلزمه فطرتهم، كما تلزمه مؤنتهم، إذ وجد ما يؤدي عنهم (¬3)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر، عن الصغير، والكبير، والحر، والعبد، ممن تمونون)) (¬4). قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه، وعن كلِّ من تجب عليه نفقته، ومنهم الزوجة؛ لوجوب نفقتها عليه)) (¬5).ويبدأ بنفسه إذا لم يجد لجميع من ينفق عليهم, ثم من يليه في وجوب النفقة (¬6)؛لحديث جابر - رضي الله عنه -، وفيه: ((ابدأ بنفسك ¬
فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا)) يقول: فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك (¬1). وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفضل الصدقة، أو خير الصدقة عن ظهر غنىً، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)) (¬2). وعن بهز بن حكيم قال: حدثني أبي عن جدي قال: قلت: يا رسول الله، من أبرُّ؟ قال: ((أمك)) قال: قلت: ثم من؟ قال: ((أمك)) قال: قلت: ثم من؟ قال: ((أمك)) قال: قلت: ثم من؟ قال: ((ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب)) (¬3)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك)) (¬4). وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تصدقوا)) فقال رجل يا رسول الله عندي دينار، فقال: ((تصدق به على نفسك)) قال عندي آخر، قال: ¬
الثالث عشر: مكان زكاة الفطر وحكم نقلها:
((تصدق به على زوجتك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على ولدك)) قال: عندي آخر: قال: ((تصدق به على خادمك)) قال: عندي آخر؟ قال: ((أنت أبصر به)) (¬1). الثالث عشر: مكان زكاة الفطر وحكم نقلها: الأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن: (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) (¬2). قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى: ((والسنة توزيعها بين الفقراء في بلد المزكي، وعدم نقلها إلى بلد آخر؛ لإغناء فقراء بلده وسد حاجتهم ... )) (¬3). وقال رحمه الله عندما سئل عن حكم نقل زكاة الفطر: ((لا بأس بذلك, ويجزئ إن شاءالله في أصح قولي العلماء، لكن إخراجها في محلك الذي تقيم فيه أفضل وأحوط، وإذا بعثتها لأهلك؛ ليخرجوها على الفقراء في بلدك فلا بأس)) (¬4). ¬
المبحث الثلاثون: آداب العيد
المبحث الثلاثون: آداب العيد شرع الله تعالى لعباده في ختام شهر رمضان عبادات تزيدهم قُرْباً إلى الله تعالى، وتزيد في إيمانهم قوة، وفي موازين أعمالهم حسنات، وهي على النحو الآتي: أولاً: زكاة الفطر: فقد فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كل مسلم: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ، أو امرأةٍ، أو صغير، أوكبير، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تؤدَّى إلى الفقراء والمساكين قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، فتدفع إلى أهلها: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أي أنواع الطعام الذي يأكله أهل البلد، ومن أداها قبل صلاة العيد فهي صدقة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. وقد تقدم الكلام عن زكاة الفطر في المبحث الذي قبل هذا تفصيلاً ولله الحمد. ثانياً: التكبير عند إكمال العدة من غروب شمس آخر يوم من رمضان ليلة عيد الفطر إلى صلاة العيد؛ لقول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} (¬1). وصفة التكبير أن يقول: ((الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)) (¬2)، وإن قال بالأنواع الأخرى الثابتة من أنواع ¬
ثالثا: صلاة عيد الفطر: شرعها الله تعالى لعباده، وهي من تمام ذكر الله تعالى
التكبير كما ثبت عن الصحابة - رضي الله عنهم - فلا بأس (¬1). ويستمر في التكبير من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى أن يفرغ الإمام من الخطبة (¬2). ثالثاً: صلاة عيد الفطر: شرعها الله تعالى لعباده، وهي من تمام ذكر الله تعالى، وقد أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته، وهذه العبادة ينبغي أن يعلم المسلم فيها أموراً على النحو الآتي: الأمر الأول: الأصل في صلاة العيدين: الكتاب، والسنة، والإجماع: 1 - أما الكتاب فقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (¬3). والمشهور في التفسير أن المراد بذلك صلاة العيد (¬4). 2 - وأما السنة، فثبت بالتواتر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُصلِّي صلاة العيدين (¬5)، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((شهدت العيد مع رسول الله ¬
أما الإجماع
- صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، وعثمان - رضي الله عنهم -، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة)) (¬1). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمر رضي الله عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة)) (¬2). 3 - وأما الإجماع، فأجمع المسلمون على صلاة العيدين (¬3). الأمر الثاني: حكم صلاة العيدين: قيل: صلاة العيد فرض كفاية، والصواب أن صلاة العيد فرض عين (¬4)؛ لقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر ْ} (¬5)؛ ولحديث أم عطية قالت: أمرنا - تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نُخرج في العيدين: العواتق (¬6)، وذوات ¬
الخدور (¬1)، وأمر الحيَّض أن يعتزلن مصلى المسلمين (¬2)، ومما يؤكد فرضيتها، وأنها واجبة على الأعيان: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واظب عليها، وقد اشتهر في السِّير أن أول صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عيد الفطر في السنة الثانية للهجرة، ولم يزل يواظب عليها حتى فارق الدنيا، صلوات الله وسلامه عليه، وواظب عليها الخلفاء بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي من أعلام الدين وشعائره الظاهرة، وهذا كله يؤيد الوجوب (¬3). قال العلامة السعدي رحمه الله: ((والصحيح أن صلاة العيد فرض عين، والدليل الذي استدلوا به على فرض الكفاية هو دليل على أنها فرض عين؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُحرِّض عليها حتى يأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور، وأمر الحيَّض أن يعتزلن المصلى، ولولا رجحان مصلحتها على كثير من الواجبات لم يحضَّ أمته هذا الحضّ عليها، فدل ¬
على أنها من آكد فروض الأعيان)) (¬1). وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((صلاة العيد فرض كفاية عند كثير من أهل العلم ويجوز التخلف من بعض الأفراد عنها، لكن حضوره لها ومشاركته لإخوانه المسلمين سنة مؤكدة لا ينبغي تركها إلا لعذر شرعي. وذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة العيد فرض عين: كصلاة الجمعة، فلا يجوز لأي مكلف من الرجال الأحرار المستوطنين أن يتخلف عنها، وهذا القول أظهر في الأدلة وأقرب إلى الصواب، ويسن للنساء حضورها مع العناية بالحجاب والستر، وعدم التطيُّب)) (¬2)، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في القول: إن صلاة العيد فرض عين: ((وهذا عندي أقرب الأقوال)) (¬3)، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى القول بأن صلاة العيد فرض عين (¬4)، وقال رحمه الله: (( ... ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان كقول أبي حنيفة وغيره، وهو أحد أقوال الشافعي وأحد القولين في مذهب أحمد)) (¬5)، واختاره تلميذه الإمام ابن ¬
الأمر الثالث: آداب صلاة العيد على النحو الآتي:
القيم رحمه الله (¬1). الأمر الثالث: آداب صلاة العيد على النحو الآتي: 1 - الغسل يوم العيد، ثبت من فعل الصحابة - رضي الله عنهم -، فعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى (¬2). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -))، وقال العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله: ((وأحسن ما يستدل به على استحباب الاغتسال للعيدين، ما روى البيهقي من طريق الشافعي عن زاذان، قال: سأل رجل عليَّاً عن الغسل؟ قال: ((اغتسل كل يوم إن شئت)) فقال: لا، الغسل الذي هو الغسل؟ قال: ((يوم الجمعة، ويوم عرفة (¬3)، ويوم النحر، ويوم الفطر)) (¬4). وعن سعيد بن المسيب أنه قال: ((سنة الفطر ثلاث: المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال)) (¬5). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((يستحب أن يتطهر بالغسل للعيد، وكان ابن عمر يغتسل يوم الفطر، وروي ذلك عن علي - رضي الله عنه -، وبه قال: ¬
2 - يستحب أن يتنظف، ويتطيب، ويتسوك، كما ذكر في الجمعة
علقمة، وعروة، وعطاء، والنخعي، والشعبي، وقتادة، وأبو الزناد، ومالك، والشافعي، وابن المنذر ... )) (¬1)، وقال ابن قدامة أيضاً: ((وروي أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع: ((إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان طيبٌ فليمسَّ منه، وعليكم بالسواك)) (¬2)، فلعل هذه الأشياء بكون الجمعة عيداً؛ ولأنه يوم يجتمع الناس فيه للصلاة فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة، وإن اقتصر على الوضوء أجزأه؛ لأنه إذا لم يجب الغسل للجمعة مع الأمر به فيها فغيرها أولى)) (¬3). 2 - يستحب أن يتنظف، ويتطيب، ويتسوك، كما ذكر في الجمعة؛ لحديث ابن عباس المذكور آنفاً، وفيه: ((وإن كان طيب فليمسَّ منه وعليكم بالسواك)) (¬4). 3 - يلبس أحسن ما يجد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة (¬5) من إستبرق (¬6) تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ¬
4 - يستحب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى في عيد الفطر تمرات
يا رسول الله ابتع هذه فتجمَّل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما هذه لباس من لا خَلاقَ (¬1) له)) (¬2)، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وهذا يدل على أن التجمُّل عندهم في هذه المواضع كان مشهوراً ... وقال مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد، والإمام بذلك أحق؛ لأنه المنظور إليه من بينهم)) (¬3). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين)) (¬4)، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، ومرة كان يلبس بُردين أخضرين (¬5)، ومرة بُرداً أحمر، وليس هو أحمر مُصمتاً (¬6) كما يظنه بعض الناس، فإنه لو كان كذلك لم يكن برداً، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية فسُمِّي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك ... )) (¬7). 4 - يستحب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى في عيد الفطر تمرات، ¬
والأفضل أن تكون وتراً، أما عيد الأضحى فالأفضل أن لا يأكل حتى يرجع من المصلى، فيأكل من أضحيته (¬1)، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً)) (¬2). وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي)) (¬3)، وقد قيل: الحكمة في الأكل قبل صلاة الفطر: أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد، فكأنه أراد سد هذه الذريعة، وقيل: لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى، ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك، ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع، وقيل: لأن الشيطان الذي يُحبس في رمضان لا يطلق إلا بعد صلاة العيد، فاستحب تعجيل الفطر بِداراً إلى السلامة من وسوسته، وقيل: وقع أكله - صلى الله عليه وسلم - في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما، فإخراج صدقة الفطر قبل الغدوِّ إلى المصلى، وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها، فاجتمعا من جهة وافترقا من جهة أخرى (¬4)، وذكر ابن قدامة رحمه الله أن الحكمة من الإفطار يوم الفطر؛ لأن يوم الفطر ¬
5 - يخرج إلى العيد ماشيا وعليه السكينة والوقار
حرم فيه الصيام عقب وجوبه فاستحب تعجيل الفطر؛ لإظهار المبادرة إلى طاعة الله تعالى، وامتثال أمره في الفطر على خلاف العادة، والأضحى بخلافه؛ ولأن في الأضحى شرع الأضحية، والأكل منها، فاستحب أن يكون فطره على شيء منها (¬1). 5 - يخرج إلى العيد ماشياً وعليه السكينة والوقار، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وممن استحب المشي: عمر بن عبد العزيز، والنخعي، والثوري، والشافعي وغيرهم)) (¬2)، وقد جاء في ذلك أخبار: فعن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يخرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً)) (¬3). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً)) (¬4). وعن علي - رضي الله عنه - قال: ((من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً ... )) (¬5)، قال الإمام ¬
6 - السنة أن تصلى صلاة العيدين في المصلى
الترمذي رحمه الله: ((والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم: يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً، وأن يأكل شيئاً قبل أن يخرج لصلاة الفطر، ويستحب أن لا يركب إلا من عذر)) (¬1). وعن أبي رافع - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي العيد ماشياً)) (¬2). وعن سعيد بن المسيب أنه قال: ((سنة الفطر ثلاث: المشي إلى الصلاة، والأكل قبل الخروج، والاغتسال)) (¬3). 6 - السنة أن تُصلَّى صلاة العيدين في المصلى، ولا يُصلى في المسجد إلا لحاجة؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة)) (¬4)، والمصلى بالمدينة قال عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((هو موضع بالمدينة معروف بينه وبين باب المسجد ألف ذراع، قاله عمر بن شبة في أخبار المدينة، عن ¬
أبي غسان الكناني صاحب مالك)) (¬1). وقال الإمام النووي رحمه الله عن حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: ((هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى وأنه أفضل من فعلها في المسجد، وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار، وأما أهل مكة فلا يصلونها إلا في المسجد من الزمن الأول)) (¬2). قال العلامة ابن الحاج المالكي: ((والسنة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)) (¬3)، ثم هو مع هذه الفضيلة العظيمة خرج - صلى الله عليه وسلم - وتركه (¬4)، وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((السنة أن يُصلَّى العيد في المصلَّى، أمر بذلك علي - رضي الله عنه -، واستحسنه الأوزاعي، وأصحاب الرأي، وهو قول ابن المنذر)) (¬5)، وقال رحمه الله بعد أن ذكر بعض الأقوال المخالفة: ((ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى المصلَّى ويدع مسجده، وكذلك الخلفاء بعده ولا يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الأفضل مع قربه، ويتكلف الناقص مع بعده، ولا يشرع لأمته ترك ¬
7 - السنة أن يذهب إلى المصلى من طريق ويرجع من طريق آخر
الفضائل؛ ولأننا قد أُمرنا باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء به، ولا يجوز أن يكون المأمور به هو الناقص والمنهي عنه هو الكامل، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلّى العيد بمسجده إلا من عذر؛ ولأن هذا إجماع المسلمين)) (¬1). وإن حصل عذر يمنع الخروج إلى المصلى: من مطر، أو خوف، أو ضعف، أو مرض، أو غير ذلك صلى في المسجد ولا حرج عليه إن شاء الله تعالى (¬2).وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((فإذا أصاب الأرض دحض صلّوا في المسجد، أما مكة فَيُصلَّى العيد في المسجد مطلقاً، ومن صلى في المسجد صلى تحية المسجد)) (¬3). 7 - السنة أن يذهب إلى المُصلَّى من طريق ويرجع من طريق آخر؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد خالف الطريق)) (¬4). وأعظم الحكم التي يعتمدها المسلم: متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الحكمة أعلى حكمة يقنع بها المؤمن: أن يُقال: هذا أمر الله ورسوله، ودليل ذلك قول الله تعالى (¬5): {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} (¬6)، وقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ ¬
لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا} (¬1)، وقول عائشة رضي الله عنها وقد سُئلت: لماذا تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: ((كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)) (¬2)، ولم تذكر سوى ذلك من الحكم؛ لأن المؤمن لسانه وحاله يقول: سمعنا وأطعنا (¬3). ولا مانع من وجود الحكم الأخرى؛ فإن الله تعالى لا يشرع شيئاً إلا لحكمة: علمناها أو لم نعلمها. ومما قيل في حكمة مخالفة الطريق يوم العيد، ما يأتي: 1 - قيل: يفعل ذلك؛ ليشهد له الطريقان. 2 - وقيل: ليشهد له سكانهما من الجن والإنس. 3 - وقيل: لإظهار شعار الإسلام في الطريقين. 4 - وقيل: لإظهار ذكر الله تعالى. 5 - وقيل: ليغيظ أعداء الإسلام. 6 - وقيل: ليدخل السرور على أهل الطريقين، أو لينتفع به أهل ¬
8 - يستحب للمأموم التبكير إلى مصلى العيد بعد صلاة الصبح
الطريقين في الاستفتاء أو التعلم والاقتداء والاسترشاد، أو الصدقة والسلام عليهم. 7 - وقيل: لزيارة الأقرباء وصلة الأرحام. 8 - وقيل: ليتفاءل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضا. 9 - وقيل: لتخفيف الزحام. 10 - وقيل: لأن الملائكة تقف في الطرقات، فأراد أن يشهد له فريقان منهم (¬1)، قال الإمام ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر كثيراً من هذه الحكم: ((وقيل وهو الأصح: إنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله [- صلى الله عليه وسلم -] عنها (¬2). 8 - يستحب للمأموم التبكير إلى مصلى العيد بعد صلاة الصبح، أما الإمام فيستحب له أن يتأخر إلى وقت الصلاة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة ... )) (¬3)، ولأن الإمام يُنتظر ولا يَنتظر، ولو جاء إلى المصلى وقعد في مكان مستتر عن الناس فلا بأس. قال الإمام مالك: مضت السنّة أن يخرج الإمام من منزله قدر ما يبلغ مصلاّه، وقد حلّت الصلاة، فأما غيره فيستحب له التبكير، والدنوُّ من الإمام، ليحصل له: أجر التبكير، وانتظار الصلاة، والدنوِّ من الإمام ¬
9 - يكبر في طريقه إلى مصلى العيد ويرفع صوته بالتكبير
من غير تخطي رقاب الناس، ولا أذى لأحد، قال عطاء بن السائب: كان عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن معقل، يصليان الفجر يوم العيد وعليهما ثيابهما ثم يندفعان إلى الجبَّانة أحدهما يُكبّر والآخر يُهلّل)) (¬1). قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ((والدليل على سنية الخروج بعد صلاة الصبح ما يلي: أ - عمل الصحابة - رضي الله عنهم -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى المصلى إذا طلعت الشمس ويجد الناس قد حضروا، وهذا يستلزم أن يكونوا قد تقدموا. ب - ولأن ذلك أسبق إلى الخير. ج - ولأنه إذا وصل المسجد وانتظر الصلاة؛ فإنه لا يزال في صلاة. د - ولأنه إذا تقدم يحصل له الدنوّ من الإمام، كل هذه العلل مقصودة في الشرع)) (¬2). 9 - يُكبّر في طريقه إلى مُصلّى العيد ويرفع صوته بالتكبير؛ لقول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬3)،وقد جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج يوم الفطر فيكبّر حتى يأتي المصلى، وحتى يقضي صلاته فإذا قضى الصلاة قطع التكبير)) (¬4).وقد صحّ عن ابن عمر موقوفاً ¬
أنه ((كان يجهر بالتكبير يوم الفطر [ويوم الأضحى] إذا غدا إلى المصلى حتى يخرج الإمام فيكبر بتكبيره)) (¬1)، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويكبر في طريق العيد ويرفع صوته بالتكبير، وهو معنى قول الخرقي: ((مظهرين للتكبير)) قال أحمد: يكبر جهراً إذا خرج من بيته حتى يأتي المصلى، روي ذلك عن علي، وابن عمر، وأبي أمامة، وأبي رهم [كلثوم بن الحصين الصحابي] وناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وهو قول عمر بن عبد العزيز، وأبان بن عثمان، وأبي بكر بن محمد، وفعله النخعي، وسعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وبه قال الحكم، وحماد، ومالك، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر وإذا ثبت هذا فإنه يكبر حتى يأتي المصلى ... وقال القاضي [في رواية عن الإمام أحمد] حتى يخرج الإمام)).وقال ابن أبي موسى: ((يكبر الناس في خروجهم من منازلهم لصلاتي العيدين جهراً، حتى يأتي الإمام المصلى، ويكبر الناس بتكبير الإمام في خطبته، وينصتون فيما سوى ذلك)) (¬2). وقال العلامة الألباني عن حديث الزهري وابن عمر: ((وفي الحديث دليل ¬
10 - السنة أن لا يصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها
على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهراً في الطريق إلى المصلى، وإن كان كثير منهم بدأوا يتساهلون بهذه السنة حتى كادت أن تصبح في خبر كان، وذلك لضعف الوازع الديني منهم، وخجلهم من الصدع بالسنة والجهر بها، ومن المؤسف أن فيهم من يتولى إرشاد الناس وتعليمهم، فكان الإرشاد عندهم محصوراً بتعليم الناس ما يعلمون، وأما ما هم بأمسّ الحاجة إلى معرفته فذلك مما لا يلتفتون إليه ... ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة أن الجهر بالتكبير هنا لا يشرع فيه الاجتماع بصوت واحد، كما يفعله البعض، وكذلك كل ذكر يشرع فيه رفع الصوت أو لا يشرع، فلا يشرع فيه الاجتماع المذكور ... فلتكن على حذر من ذلك، ولتذكر دائماً قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1). 10 - السنة أن لا يُصلَّى قبل صلاة العيد ولا بعدها؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلها ولا بعدها، ومعه بلال)) (¬2)، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((ولم يكن هو [- صلى الله عليه وسلم -] ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاً قبل الصلاة ¬
11 - السنة: أنه لا أذان ولا إقامة لصلاة العيدين
ولا بعدها)) (¬1)، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ((والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافاً لمن قاسها على الجمعة)) (¬2). وأما حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي قبل العيد شيئاً فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين)) (¬3)،فقال عنه العلامة الألباني رحمه الله: ((والتوفيق بين هذا الحديث والأحاديث المتقدمة النافية للصلاة بعد العيد بأن النفي إنما وقع على الصلاة في المصلى، كما أفاد الحافظ في التلخيص)) (¬4). ولكن إذا احتاج الناس إلى الصلاة في المسجد؛ لخوف، أو مطر، أو برد شديد، أو ريح شديدة، أو غير ذلك من الأعذار فلا يجلس المسلم حتى يصلي ركعتين، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) (¬5). 11 - السنة: أنه لا أذان ولا إقامة لصلاة العيدين؛ لحديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه -، قال: ((صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العيدين غير مرة ولا مرتين ¬
12 - لا يحمل السلاح يوم العيد إلا لحاجة لابد منها
بغير أذان ولا إقامة)) (¬1)؛ ولحديث ابن عباس وجابر بن عبد الله - رضي الله عنهم -، قالا: ((لم يكن يؤذن يوم الفطر، ولا يوم الأضحى)) (¬2)؛ ولمسلم عن عطاء قال: أخبرني جابر بن عبد الله الأنصاري، أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعدما يخرج، ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء، لا نداء يومئذٍ ولا إقامة)) (¬3). قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة، من غير أذان، ولا إقامة، ولا قول: الصلاة جامعة، والسنة أن لا يُفعل شيء من ذلك)) (¬4). وقال الإمام الصنعاني رحمه الله في تعليقه على أحاديث نفي الأذان والإقامة لصلاة العيد: ((وهو دليل على عدم شرعيتهما في صلاة العيد فإنهما بدعة)) (¬5). 12 - لا يحمل السلاح يوم العيد إلا لحاجة لابد منها؛ لحديث سعيد بن جبير - رضي الله عنه - قال: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه فلزقت قدمه بالركاب فنزلتُ فنزعتها - وذلك بمنى - فبلغ ¬
الحجاج فجعل يعوده، فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك؟ فقال ابن عمر: أنت أصبتني، قال: وكيف؟ قال: حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه، وأدخلت السلاح الحرم، ولم يكن السلاح يدخل الحرم)) (¬1). وفي رواية إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه قال: ((دخل الحجاج على ابن عمر وأنا عنده فقال: كيف هو؟ فقال: صالح، فقال: من أصابك؟ قال: أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله)) يعني الحجاج (¬2). وقال الحسن: ((نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدواً)) (¬3). وقد جمع الحافظ ابن حجر بين هذا النهي وبين لعب الحبشة في المسجد بالحراب: بأن قصة الحبشة دائرة بين الإباحة والندب على ما دل عليه حديثها، وهذا دائر بين الكراهة والتحريم؛ لقول ابن عمر: ((في يوم لا يحل فيه حمل السلاح))، ويجمع بينهما بحمل الأولى على وقوعها ممن حملها بالدربة وعهدت منه السلامة من إيذاء أحد من الناس بها، وحمل الحالة الثانية على وقوعها ممن حملها: بطراً، وأشراً، أو لم يتحفظ حال حملها وتجريدها من إصابتها أحداً من الناس، ولا سيما عند المزاحمة وفي ¬
13 - لا بأس باللعب بالدف للجواري، واللعب المباح في يوم العيد
المسالك الضيقة (¬1)، وقد سبق أن ذكرت في مبحث المساجد الأمر بإمساك نصال السلاح في المساجد والأسواق، وتحريم حمل السلاح على المسلمين، والمزح به. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول عن حمل السلاح في يوم العيد: ((لا ينبغي أن يحمل السلاح فيه إلا أن يكون هناك خوف، وهكذا في الحرمين لا يحمل السلاح إلا إذا دعت الحاجة كما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2) يعني يوم الفتح. 13 - لا بأس باللعب بالدف للجواري، واللعب المباح في يوم العيد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان (¬3) تغنيان بغناء (¬4) بُعاث (¬5) فاضطجع على الفراش، وحوَّل ¬
وجهه، وجاء أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان (¬1) عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((دعهما)) فلما غفل غمزتهما فخرجتا)). وفي رواية قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان مما تقاولت الأنصار (¬2) يوم بُعاث، قالت: وليستا ¬
بمغنيتين (¬1)،فقال أبو بكر: أبمزامير الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا)). وفي لفظ: أن ذلك في منى وأنهما تدقان وتضربان فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهه وقال: ((دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد)) وتلك الأيام أيام منى، وفي رواية لمسلم: ((جاريتان تلعبان بدف)) (¬2)، ولفظ النسائي: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها جاريتان تضربان بدفين، فانتهرهما أبو بكر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((دعهن فإن لكل قوم عيداً)) (¬3). ¬
قال الإمام البغوي رحمه الله: ((وكان الشعر الذي تغنيان في وصف الحرب، والشجاعة، وفي ذكره معونة في أمر الدين، فأما الغناء بذكر الفواحش، والابتهار بالحرام (¬1) والمجاهرة بالمنكر من القول فهو المحظور من الغناء، وحاشاه [- صلى الله عليه وسلم -] أن يجري شيء من ذلك بحضرته عليه الصلاة والسلام، فيغفل النكير له، وكل من رفع صوته بشيء جاهراً به، ومصرحاً باسمه لا يستره ولا يكني عنه فقد غنَّى، بدليل قولها: ((وليستا بمغنيتين)) (¬2)، وقال الإمام القرطبي رحمه الله: ((وقولها: وليستا بمغنيتين)) أي ليستا ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرّز من الغناء المعتاد عند المشهورين به الذي يحرك النفوس، ويبعثها على الهوى والغزل، والمجون، الذي يحرك الساكن، ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر يُشَبَّب فيه بذكر النساء، ووصف محاسنهن، وذكر الخمور، والمحرمات لا يُختلف في تحريمه؛ لأنه اللهو واللعب المذموم بالاتفاق، أما ما يسلم من تلك المحرمات فيجوز القليل منه، وفي أوقات الفرح: كالعرس، والعيد، وعند التنشيط على الأعمال ¬
الشاقة، ويدل على جواز هذا النوع هذا الحديث وما في معناه على ما يأتي في أبوابه، مثل: ما جاء في الوليمة، وفي حفر الخندق، وفي حَدْو الحبشة، وسلمة بن الأكوع، فأما ما أبدعه الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية، والأغراض الشيطانية قد غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير، وشهر بذكره حتى عموا عن تحريم ذلك، وعن فحشه، حتى قد ظهرت من كثير منهم عورات المُجَّان والمخانيث، والصبيان، فيرقصون، ويَزْفِنون بحركات مطابقة وتقطيعات متلاحقة، كما يفعل أهل السَّفَه والمجون، وقد انتهى التوقح بأقوام منهم إلى أن يقولوا: إن تلك الأمور من أبواب القرب وصالحات الأعمال، وأن ذلك يثمر صفاء الأوقات، وسيئات الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل البطالة، والمخرقة، نعوذ بالله من البدع، والفتن، ونسأله التوبة والمشي على السنن)) (¬1). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يُحصِّل لهم بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى، وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين)) (¬2). ¬
ومما يؤيد ذلك حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر)) ولفظ النسائي: ((كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة قال: ((كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الضحى)) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا يدل على أن الله جعل يوم العيد يوم سرور، ويجوز فيه اللعب فيما لا محذور فيه للنساء والجواري، وفيه التعلم على الآلات كما فعل الحبشة)) (¬2). وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((دعهما)) فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدَّرق (¬3) والحراب، فإما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإما قال: ¬
((تشتهين تنظرين))؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: ((دونكم يا بني أرفدة)) (¬1)، حتى إذا مللت قال: ((حسبك))؟ قلت: نعم، قال: ((اذهبي)). وفي لفظ لمسلم: ((جاء الحبشة يزفنون (¬2) في يوم عيد في المسجد)) (¬3). قال الإمام القرطبي رحمه الله: ((وأما لعب الحبشة في المسجد فكان لعباً بالحراب والدرق تواثباً، ورقصاً بهما، وهو من باب التدريب على الحرب والتمرين والتنشيط عليه، وهو من قبيل المندوب، ولذلك أباحه النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد)) (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((بينما الحبشة يلعبون بحرابهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ دخل عمر بن الخطاب فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دعهم يا عمر)) (¬5). قال القرطبي رحمه الله: ((وإنكار عمر عليهم تمسكٌ منه بالصورة الظاهرة، كما قلنا في حق أبي بكر رضي الله عنهما)) (¬6). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((واللعب بالحراب ليس لعباً مجرداً، بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو)) (¬7). وقال رحمه الله في موضع آخر: ((واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه)) (¬8). ويشرع لعب النساء بالدف في العرس دون الرجال؛ لحديث الربيع بنت معوذ، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد عندها غداة بُنِيَ عليها جويريات يضربن بالدف، قالت أم الربيع: ((يندُبن (¬9) من قتل من آبائي يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي الله يعلم ما في غد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقولي هذا وقولي ما كنت تقولين)) (¬10). وعن محمد بن حاطب الجمحي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح)) (¬11). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ¬
رحمه الله يقول: ((وهذا يدل على مشروعية الدف والصوت للنساء: الغناء العادي، أما المزامير والغناء المحرم فلا، والدف هو ذو الوجه الواحد، ويقال له الطار)) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها أنها زفَّت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عائشة ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو))؟ (¬2)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وفي رواية شريك، فقال: ((بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني))؟ قلت تقول: ماذا؟ قال تقول: أتيناكم أتيناكم ... فحيَّانا وحيَّاكم ولولا الذهب الأحمر ... ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمراء ... ما سمنت عذاريكم (¬3) فظهر مما تقدم من الأحاديث في اللعب ما يأتي: 1 - جواز اللعب للنساء والجواري والضرب بالدف أيام العيد بشرط أن لا يكون شعراً محرماً أو شعراً بآلات الطرب المحرمة. 2 - مشروعية الضرب بالدف في النكاح ويكون ذلك للنساء خاصة بشرط أن لا يقلن الألفاظ المحرمة كما تقدم. ¬
14 - خروج النساء إلى مصلى العيد متحجبات غير متطيبات
3 - جواز اللعب للرجال الذي فيه تدريب على الحرب والقتال، وتعلم الكرّ والفرّ في الجهاد في سبيل الله تعالى. 4 - لا يجوز لعب الرجال بالدف ولا بغيره، أما اللعب الذي فيه تدريب على الجهاد بدون دف فلا بأس به كما تقدم. قال المباركفوري رحمه الله: ((الإذن في ذلك للنساء فلا يلحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن، وكذلك الغناء المباح في العرس مختص بالنساء، فلا يجوز للرجال)) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((أما ضرب الدف فهو من باب إعلان النكاح للنساء خاصة)) (¬2) والله الموفق (¬3). 14 - خروج النساء إلى مصلى العيد متحجبات غير متطيّبات؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعته يقول: ((تخرج العواتق وذوات الخدور، أو العواتق ذوات الخدور، والحيّض، وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيّض المصلى)). وفي لفظ: ((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق، والحيض، وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، ¬
15 - خروج الصبيان إلى المصلى؛ ليشهدوا دعوة المسلمين
قلت: يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: ((لتلبسْها أختُها من جلبابها)) (¬1). وصلاة العيد ليست واجبة على المرأة ولكنها سنة في حقها وتصليها في المصلى مع المسلمين؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك (¬2)، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((وخروج النساء في صلاة العيد سنة وليس بواجب)) (¬3). 15 - خروج الصبيان إلى المصلى؛ ليشهدوا دعوة المسلمين، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((باب خروج الصبيان إلى المصلى)) ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر أو أضحى فصلى العيد ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن، وذكرهن، وأمرهن بالصدقة)) (¬4). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((قوله باب خروج الصبيان إلى المصلى)) أي في الأعياد، وإن لم يصلوا. قال الزين بن المنير: آثر المصنف في الترجمة قوله: إلى المصلى على قوله: صلاة العيد؛ ليعم من يتأتى منه الصلاة ومن لا يتأتى)) (¬5). وفي لفظ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما حينما ¬
16 - التهنئة بالعيد من فعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
سئل: أشهدت العيد مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته ... )) (¬1). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال ابن بطال: خروج الصبيان إلى المصلى إنما هو إذا كان الصبي ممن يضبط نفسه عن اللعب ويعقل الصلاة ويتحفظ مما يفسدها، ألا ترى إلى ضبط ابن عباس القصة. اهـ[قال الحافظ]: وفيه نظر؛ لأن مشروعية إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك وإظهار شعار الإسلام بكثرة من يحضر منهم، ولذلك شرع للحيَّض كما سيأتي، فهو شامل لمن تقع منهم الصلاة أو لا، وعلى هذا إنما يحتاج أن يكون مع الصبيان من يضبطهم عما ذكر من اللعب ونحوه سواء صلوا أم لا، وأما ضبط ابن عباس القصة فلعله كان لفرط ذكائه، والله أعلم)) (¬2). 16 - التهنئة بالعيد من فعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ورُوِّينا في ((المحامليات)) بإسناد حسن عن جبير بن نُفير قال: ((كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منَّا ومنك)) (¬3). ونقل ابن قدامة رحمه الله عن ابن عقيل في تهنئة العيد أن محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: ((تقبل الله منا ومنك)). وقال ¬
17 - يقضي صلاة العيد من فاتته مع الإمام
أحمد: إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد، وقال علي بن ثابت: ((سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين سنة وقال: لم نزل نعرف هذا بالمدينة)) (¬1). ((وقال أحمد رحمه الله: ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبل الله منا ومنك، وقال حرب: سئل أحمد عن قول الناس في العيدين: تقبَّل الله منا ومنكم، قال: لا بأس به يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، قيل: وواثلة بن الأسقع؟ قال: نعم، قيل فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد؟ قال: لا)) (¬2)، ((وروي عن أحمد أنه قال: لا أبتدي به أحداً، وإن قاله أحد رددت عليه)) (¬3)، وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن التهنئة في العيد، فأجاب: ((أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: تقبل الله منا ومنكم، وأحاله الله عليك، ونحو ذلك فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره، لكن قال أحمد: أنا لا أبتدئ أحداً، فإن ابتدأني أحد أجبته، وذلك لأن جواب التحية واجب، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأموراً بها، ولا هو أيضاً مما نهي عنه، فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة، والله أعلم)) (¬4). 17 - يقضي صلاة العيد من فاتته مع الإمام، قال الإمام البخاري رحمه ¬
الله: ((بابٌ إذا فاتته العيد يصلي ركعتين. وكذلك النساء ومن كان في البيوت، والقرى، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هذا عيدنا أهل الإسلام))،وأمر أنس بن مالك مولاهم ابن أبي عتبة بالزاوية (¬1) فجمع أهله وبنيه وصلى صلاة أهل المصر وتكبيرهم، وقال عكرمة: أهل السواد (¬2) يجتمعون في العيد يصلون ركعتين كما يصنع الإمام، وقال عطاء: إذا فاته العيد صلى ركعتين)) (¬3)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((في هذه الترجمة حكمان: مشروعية استدراك صلاة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كانت بالاضطرار أو بالاختيار، وكونها تقضى ركعتين كأصلها)) (¬4) (¬5). ¬
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملة القول أن من فاتته صلاة العيد
الأمر الرابع: وجوب ترك منكرات العيد:
فلا قضاء عليه)) (¬1)، ثم يبين رحمه الله أنه إن أحب قضاءها استحب له أن يقضيها، ثم ذكر الأقوال التي أشير إليها آنفاً (¬2). ثم قال رحمه الله: ((وإن أدرك الإمام في التشهد جلس معه فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين يأتي فيهما بالتكبير؛ لأنه أدرك بعض الصلاة التي ليست مبدلة من أربع فقضاها على صفتها كسائر الصلوات. وإن أدركه في الخطبة: فإن كان في المسجد صلى تحية المسجد؛ لأنها إذا صليت في خطبة الجمعة التي يجب الإنصات لها ففي خطبة العيد أولى ... فأما إن لم يكن في المسجد؛ فإنه يجلس فيستمع ثم إن أحب قضى صلاة العيد على ما ذكرناه)) (¬3). الأمر الرابع: وجوب ترك منكرات العيد: المنكرات في العيد التي يفعلها كثير من الناس كثيرة لا يمكن حصرها، ولكن منها ما يأتي: 1 - الشرك بالله تعالى بالتقرب لأصحاب القبور ودعائهم من دون الله في بعض الأمصار والبلدان، وقد قال الله - عز وجل -: {وَلا تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ * وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن ¬
2 - إسبال الثياب، والمشالح، والسراويل
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (¬1). وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (¬2). وحد الشرك الأكبر الذي يجمع أنواعه وأفراده: أن يصرف العبد نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله، فكل اعتقاد أو قول، أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع فصرفه لله وحده: توحيد، وإيمان، وإخلاص، وصرفه لغير الله: شرك وكفر، وهذا ضابط للشرك الأكبر لا يشذ عنه شيء، وأما حد الشرك الأصغر فهو: كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر: من الإرادات، والأقوال، والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة (¬3). 2 - إسبال الثياب، والمشالح، والسراويل، وغير ذلك من أنواع ألبسة الرجال التي تنزل تحت الكعبين، فكثير من الناس يوم العيد يلبس الملابس وقد خطت على الأرض تكنس الشوارع والأرصفة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم)). فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات - قال أبو ذر: ((خابوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله؟ قال: ((المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) (¬4). ¬
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار)) (¬1). وعن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا ينظر الله يوم القيامة إلى مَن جرَّ إزاره بطراً)) (¬3). وعن سالم بن عبد الله أن أباه حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بينما رجل يجرّ إزاره خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة)) (¬4). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((مررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي إزاري استرخاء، فقال: ((يا عبد الله، ارفع إزارك)) فرفعته، ثم قال: ((زد)) فزدت، فما زلت أتحراها بعد، فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: ((إلى أنصاف الساقين)) (¬5). ¬
وعن أبي جريٍّ جابر بن سُليم يرفعه وفيه: ((وارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة)) (¬1). وعن عبد الرحمن بن الحلاج، قال: سألت أبا سعيد الخدري عن الإزار؟ فقال: على الخبير سقطت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج - أو لا جُناح - فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، من جرَّ إزاره لم ينظر الله إليه)) (¬2). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة، من جرَّ منها شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) (¬3). وعن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر الإزار: فالمرأة يا رسول الله؟ قال: ((ترخي شبراً)) قالت أم سلمة: إذاً ينكشف عنها! قال: ((فذراعاً لا تزيد عليه)) (¬4). ¬
3 - الكبر: بعض الناس أيام العيد يحتقر الناس ويتكبر عليهم
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: رخَّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمهات المؤمنين في الذيل شبراً ثم استأذننه فزادهن شبراً، فكن يرسلن إلينا فنذرع لهنَّ ذراعاً (¬1). وهذه الأحاديث تدل على أن إسبال الثياب والعمائم، والمشالح، والسراويل من كبائر الذنوب. وأن المسبل من الرجال إن كان متكبراً فقد ارتكب كبيرتين: الكبر، والإسبال، وإن لم يكن متكبراً فقد ارتكب كبيرة الإسبال. وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - آخذاً بحجزة سفيان بن أبي سهل وهو يقول: ((يا سفيان بن أبي سهل لا تسبل إزارك فإن الله لا يحب المسبلين)) (¬2). 3 - الكبر: بعض الناس أيام العيد يحتقر الناس ويتكبر عليهم، ويعجب بنفسه، ويختال في مشيته، وهذا محرم في جميع الأوقات، قال الله - عز وجل -: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} (¬3). وقال تعالى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ الله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (¬4).وقال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ ¬
الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (¬1). وقال سبحانه: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} (¬2). وقال - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} (¬3). وقال - عز وجل -: {إنهُ لا يُحبُّ الْمُستكبرينَ} (¬4). وقال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (¬5). وقال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (¬6). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((بينما رجل يمشي في حُلَّةٍ تعجبه نفسه، مرجِّلٌ جُمَّته، إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة)) (¬7). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل الجنة من ¬
كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: ((إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس)) (¬1). وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - ((أن رجلاً أكل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشماله، فقال: ((كل بيمينك))،قال: لا أستطيع، قال: ((لا استطعت ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله - عز وجل -: ((الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار)) (¬3). ولفظ مسلم: ((العزّ إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته)) (¬4). وعن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تعالى أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد)) (¬5). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ¬
تعالى)) (¬1). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كانت ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - تسمى العضباء، وكانت لا تُسْبَق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سُبقت العضباء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن حقّاً على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه)) (¬2). وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، وثلاث كفارات، وثلاث درجات: فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية، وأما الكفارات: فانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في السبرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام)) (¬3). وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من تَعظَّم في نفسه، أو اختال ¬
4 - الغناء، والمزامير، والمعازف
في مشيته لقي الله - عز وجل - وهو عليه غضبان)) (¬1). وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بُولَس، تعلوهم نار الأنيار، ويسقون من عصارة أهل النار، طينة الخبال)) (¬2). 4 - الغناء، والمزامير، والمعازف: بعض الناس يُضيِّعون أوقات العيد المبارك في الاجتماع على مزامير الشيطان، وآلات اللهو المحرمة، قال الله - عز وجل - للشيطان: {اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} (¬3). قال مجاهد في تفسير الصوت هنا: باللهو، والغناء: أي استشغفهم بذلك (¬4). وقال - عز وجل -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى ¬
مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (¬1). قال ابن مسعود - رضي الله عنه - في تفسير ذلك: ((الغناء والله الذي لا إله إلا هو)) يرددها ثلاث مرات، وتبع ابن مسعود عبد الله بن عباس، وجابر، ومجاهد - رضي الله عنهم - ورحمهم. وقال الله - عز وجل -: {أَفَمِنْ هَذَا الحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ} (¬2). قال ابن عباس في السمود: هو الغناء، ويقال: اسمدي لنا: أي غني لنا، والسمد أيضاً: الغفلة واللهو عن الشيء. وقال - عز وجل -: {الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (¬3). واللهو كل ما ألهى عن طاعة الله، واللعب كل ما لا فائدة فيه. وقال - عز وجل -: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (¬4). والمكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق. وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - يرفعه: ((ليشربن أناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير)) (¬5). وعنه - رضي الله عنه - يرفعه: ¬
((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير، والخمر، والمعازف)) (¬1). وعن أنس مرفوعاً: ((صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة)) (¬2). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله حرَّم عليكم: الخمر، والميسر، والكوبة (¬3)، وقال: كل مسكر حرام)) (¬4). وجاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: ((الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل)). وفي رواية: ((الزرع)). وقال الإمام مالك رحمه الله: ((إنما يفعله عندنا الفساق)). وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ((بدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن)). وقال الضحاك رحمه الله: ((الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب)). وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: ((الغناء رائد الفجور)). ¬
5 - حلق اللحى يكثر عند أمة من البشر يوم العيد
وقال الوليد بن عبد الملك رحمه الله: ((الغناء داعية الزنا)) (¬1). 5 - حلق اللحى يكثر عند أمة من البشر يوم العيد، وهو محرم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خالفوا المشركين وفِّروا اللحى وأحفّوا الشوارب)). وفي لفظ: ((أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((جزُّوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس)) (¬3). وفي حديث زيد بن أرقم: ((من لم يأخذ من شاربه فليس منا)) (¬4). فلا يجوز لمسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقاً بعد سماعه لهذه الأحاديث أن يأخذ من لحيته شيئاً، والله المستعان. 6 - مصافحة النساء من غير المحارم محرمة في كل وقت، وقد وقع بعض ضعفاء الإيمان في هذا المُحرَّم، وخاصة أيام الأعياد والأفراح، ومما يؤكد تحريم مصافحة النساء الأجنبيات حديث معقل بن يسار - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لَأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحلُّ له)) (¬5). وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها كيفية بيعة ¬
7 - التشبه بالكفار والمشركين، في الملابس وغيرها
النبي - صلى الله عليه وسلم - للنساء، ثم قالت: ((وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((انطلقن فقد بايعتكن)) ولا والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام)) (¬1). 7 - التشبه بالكفار والمشركين، في الملابس وغيرها، سواء كان التشبه من الرجال أو النساء، فلا يجوز لمسلم أن يتشبه بأعداء الله ورسوله؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذلّ والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)) (¬2). 8 - تشبه الرجال بالنساء في الملابس أو الحركات، أو الزينة أو مما هو من خصائص النساء، وتشبه النساء بالرجال كذلك، وهذا يحصل في الأعياد وفي غيرها، وهو محرم لا يجوز؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)) وفي لفظ: ((لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المخنثين (¬3) من الرجال، والمترجلات ¬
9 - الخلوة بالنساء أيام الأعياد، أو الأفراح أو غير ذلك محرمة
من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم)) فأخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلاناً، وأخرج عمر فلاناً)) (¬1). 9 - الخلوة بالنساء أيام الأعياد، أو الأفراح أو غير ذلك محرمة، ومن خلا بامرأة فالشيطان ثالثهما؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إياكم والدخول على النساء)) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحموَ؟ قال: ((الحموُ الموت)) (¬2) (¬3). ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)) (¬4). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان)) (¬5). قال الترمذي رحمه الله: ((وإنما معنى كراهية الدخول على النساء: على نحو ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)). ومعنى قوله: ((الحمو)) يقال: هو أخو الزوج، كأنه كره له أن يخلو بها)) (¬6). 10 - تبرج النساء وخروجهن من البيوت إلى الأسواق، يكثر أيام العيد خروج النساء متبرجات إلا من عصم الله - عز وجل -، وهذا حرام؛ لقول ¬
11 - التبذير والإسراف
الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات (¬2) مميلات (¬3) مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت (¬4) المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا)). وفي لفظ: ((وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) (¬5). 11 - التبذير والإسراف، يقول الله - عز وجل -: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (¬6). وقال الله تعالى: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ ¬
12 - عدم العناية بالفقراء والمساكين
إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلوا واشربوا والبسوا، وتصدقوا، في غير إسراف ولا مخيلة)) (¬2).وعن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم)) (¬3). وعن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه)) (¬4). 12 - عدم العناية بالفقراء والمساكين، وكثيراً ما يُظهر أبناء الأغنياء السرور والفرح، ويأكلون المأكولات المتنوعة، يفعلون ذلك أمام الفقراء وأبنائهم، دون رحمة أو شفقة، ولا تعاون، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (¬5). ¬
13 - عدم صلة الأرحام بما يحتاجونه من مساعدات، أو زيارات
13 - عدم صلة الأرحام بما يحتاجونه من مساعدات، أو زيارات، أو إحسان، أو إدخال سرور، أو غير ذلك من أنواع الإحسان؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقول: ((من سره أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه)). وفي لفظ: ((من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه)) (¬1)؛ ولحديث جبير بن مطعم أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يدخل الجنة قاطع)) (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة؟ قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك)). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فاقرأوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا})) (¬3).وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: ((لئن كنت كما قلت فكأنما ¬
تسفّهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)) (¬1). والله - سبحانه وتعالى - ولي التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ¬
المصادر والمراجع
المصادر والمراجع 1 - آداب تلاوة القرآن، تأليف الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى 911هـ، المطبوع مع أخلاق حملة القرآن لمحمد بن الحسين الآجري، المتوفى، 360هـ، الطبعة الأولى 1407هـ - دار الكتاب العربي بيروت لبنان. 2 - أبحاث هيئة كبار العلماء، إعداد الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، الطبعة الثالثة، 1426هـ، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء. 3 - الإجماع، لأبي بكر بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري المتوفى سنة (318) هـ، تحقيق: د. أبي حماد صغير أحمد بن محمد حنيف، مكتبة الفرقان، عجمان، ومكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة، الطبعة الثانية، 1420هـ. 4 - الإجماع، لابن عبد البر، جمع فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب وعبد الوهاب الشهري. 5 - أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان، لعبد الله يوسف الجديع، الطبعة الأولى 1406هـ مكتبة دار الأخص الكويت. 6 - أحكام العيدين في السنة المطهرة، للشيخ علي بن حسن عبد الحميد الحلبي الأثري. 7 - الإحكام شرح أصول الأحكام، لعبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى، 1406هـ، توزيع ونشر ورثة المؤلف. 8 - إحياء علوم الدين، للإمام الغزالي، دار الندوة الجديدة، بيروت. 9 - الاختيارات العلمية من الاختيارات الفقهية، لشيخ الإسلام ابن تيمية. 10 - أخلاق حملة القرآن، للحافظ أبي بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري المتوفى، 360هـ، الطبعة 1407هـ - دار الكتاب العربي بيروت لبنان.
11 - الأدب المفرد، للإمام أبي عبد الله محمد إسماعيل البخاري، تحقيق محمود فؤاد عبد الباقي، الطبعة الثالثة 1409هـ، دار البشائر الإسلامية. 12 - الأذكار، للنووي، تحقيق عبد القادر الأرنلؤوط - الطبعة الثانية 1409هـ، دار الهدى للنشر والتوزيع - الرياض المملكة العربية السعودية. 13 - إرشاد أولي الأبصار والألباب إلى نيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق محمد أشرف عبد المقصود، الطبعة الأولى 1420هـ، مكتبة أضواء السلف. 14 - إرواء الغليل، محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى 1399هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 15 - استخراج الجدال من القرآن الكريم، لابن نجم، تحقيق الدكتور زاهر بن عواض الألمعي، الطبعة الثانية 1401هـ، الناشر المحقق. 16 - إصلاح المساجد من البدع والعوائد، للعلامة محمد جمال الدين القاسمي، الطبعة الرابعة 1399هـ، المكتب الإسلامي، دمشق - بيروت. 17 - أطراف المسند، لابن حجر العسقلاني. 18 - أعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم محمد بن أبي بكر بن القيم الجوزية، ت 751، تحقق محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الأولى 1407هـ، المكتبة العصرية، صيدا - بيروت. 19 - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لعمر بن علي بن أحمد المعروف بابن الملقن، تحقيق عبد العزيز بن أحمد المشيقح، الطبعة الأولى، 1412هـ دار العاصمة الرياض، الممكة العربية السعودية. 20 - إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لابن القيم، تحقيق محمد عفيفي، الطبعة الأولى 407هـ، المكتب الإسلامي، بيروت.
21 - الإقناع لطالب الانتفاع، لموسى بن أحمد الحجَّاوي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1418هـ، للطباعة والتوزيع. 22 - الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف، لعلي بن سليمان المرداوي ت: 885هـ، مطبوع مع المقنع والشرح الكبير، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر. 23 - أوائل الشور العربية، ابن عابدين مع الدر المختار. 24 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1982م. 25 - البداية والنهاية، للحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير، ت: 747هـ، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر. 26 - بلوغ المرام، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني مع حاشية سماحه الشيخ ابن باز رحمه الله، مراجعة عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، الطبعة الثانية، دار الامتياز للنشر. 27 - التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الأولى 1403هـ، مكتبة دار البيان. 28 - تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، إشراف ومراجعة عبد الوهاب بن عبد اللطيف، نشر مكتبه ابن تيمية، القاهرة. 29 - تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام، لسماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، الطبعة الأولى، 1415هـ، جمع محمد بن شايع الشايع دار الفائزين، الرياض، المملكة العربية السعودية.
30 - التذكار في أفضل الأذكار، للإمام محمد بن أحمد القرطبي، الأندلسي، تحقيق بشير محمد عيون، الطبعة الثالثة 1407هـ، مكتبة البيان، دمشق، ومكتبة المؤيد، الطائف، المملكة العربية السعودية. 31 - الترغيب والترهيب، للإمام عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، ت 656 تحقيق محيي الدين ديب مستو، دار ابن كثير ودار الكلم الطيب، دمشق بيروت. 32 - التعريفات، لعلي بن محمد بن علي الجرجاني ت 816، تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة، عالم الكتب. 33 - تعليق ابن باز على نسخته من بلوغ المرام. 34 - تفسير البغوي، للإمام الحسين بن مسعود البغوي الشافعي، ت516هـ، تحقيق خالد بن عبد الرحمن ومروان سوار، الطبعة الأولى، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 35 - تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للعلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي، الطبعة الأولى ت 1376هـ، تحقيق عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة. 36 - تفسير القرآن العظيم، للإمام إسماعيل بن عمر بن كثير ت 747هـ، الطبعة الأولى 1419هـ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية. 37 - تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تقديم ودراسة محمد عوامة، دار الرشيد، حلب، ط1، 1406هـ-1986م. 38 - التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل، للشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، الطبعة الأولى، 1417هـ، دار العاصمة، الرياض المملكة العربية السعودية. 39 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، 773هـ، توزيع رياسة إدارات البحوث العلمية.
40 - التمهيد، للإمام أبي عمر يوسف بن عبد الله القرطبي ابن عبد البر، ت 465هـ. 41 - تهذيب السنن، لابن القيم المطبوع مع معالم السنن للخطابي، بتحقيق أحمد محمد شاكر، ومحمد حامد الفقي بدون تاريخ، دار المعرفة، بيروت. 42 - جامع الأصول، لابن الأثير المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، ت 606هـ، تحقيق عبد القادر الأرنؤوط، الطبعة الثانية 1403هـ، دار الفكر للطباعة والنشر، لبنان، بيروت. 43 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ت 310هـ، تحقيق محمود محمد شاكر، توزيع دار التربية والتراث، مكة المكرمة. 44 - الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، تحقيق أحمدمحمد شاكر، وأتمه إبراهيم عطوة عوض، المكتبة الإسلامية. 45 - جامع العلوم والحكم، لابن رجب، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى 1411هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. 46 - الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله بن أحمد الأنصاري القرطبي، الطبعة الأولى عام 1414 هـ، تحقيق الدكتور محمد بن إبراهيم الحفناوي، نشر دار الحديث، القاهرة. 47 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لابن تيمية، تحقيق علي بن حسن بن ناصر، الطبعة الأولى، 1414هـ، دار العاصمة، الرياض، المملكة العربية السعودية. 48 - حاشية ابن قاسم على الروض المربع، الطبعة الثالثة، نشر ورثة المؤلف. 49 - حاشية الإمام عبد العزيز ابن باز على فتح الباري لابن حجر، المطبوع من فتح الباري، الطبعة سلفية.
50 - حاشية السندي على سنن النسائي، الطبعة الأولى سنة 1406هـ، دار البشائر الإسلامية. 51 - الدرر السنية في الأجوبة النجدية. 52 - الذكر والدعاء والعلاج بالرقى من الكتاب والسنة، لسعيد بن علي بن وهف القحطاني، مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الطبعة الثالثة، شعبان 1422هـ. 53 - رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار المعروفة بـ (حاشية ابن عابدين)، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز المشهور بابن عابدين، طبعة دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1386 هـ. 54 - رسالتان لابن باز في الزكاة والصيام، الطبعة الثالثة 1407هـ، توزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. 55 - الرعاية، لمكي بن أبي طالب القيسي، ص52، دار الكتب العربية بدمشق. 56 - الروض المربع شرح زاد المستقنع بحاشية وتعليق المشايخ: عبد الله الطيار، والغصن، والمشيقح. 57 - الروض المربع شرح زاد المستقنع، تحقيق عبد الله الطيار، الطبعة الثانية، 1422هـ دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية. 58 - الروض المربع شرح زاد المستنقع، مع حاشية عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الثالثة 1405هـ، نشر ورثة المؤلف. 59 - زاد المعاد، في هدي خير العباد، للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي، ابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 60 - الزهد، للإمام أحمد بن حنبل، مطبعة أم القرى بمكة المكرمة، عام 1357هـ.
61 - سبل السلام الموصل إلى بلوغ المرام، للإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق محمد صبحي حسن حلاق، الطبعة الأولى عام 1418هـ، دار ابن الجوزي، الدمام، المملكة العربية السعودية. 62 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة 1498هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 63 - سلسلة الأحاديث الضعيفة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة 1498هـ، المكتب الإسلامي بيروت. 64 - سنن أبي داود، الطبعة الأولى عام 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية. 65 - سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، الطبعة الأولى عام 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية. 66 - سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة، الطبعة الأولى عام 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية. 67 - سنن الدارقطني، للإمام علي بن عمر الدارقطني، ت 385هـ، دار المحاسن للطباعة، القاهرة. 68 - سنن الدارمي، للإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ت 255هـ، الطبعة 1404هـ، الباكستان. توزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء. 69 - السنن الكبرى، لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: د. عبدالغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ.
70 - السنن الكبرى، للبيهقي، أحمد بن الحسين، ت 458هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 71 - سنن النسائي، للإمام أحمد بن شعيب النسائي، الطبعة الأولى عام 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع الرياض المملكة العربية السعودية. 72 - شرح الخرشي على مختصر خليل، وبهامشه شرح الشيخ علي العدوي، دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة. 73 - شرح الزركشي على مختصر الخرقي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين. 74 - شرح السنة، للإمام الحسين بن مسعود البغوي ت 516هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد زهير الشاويش، الطبعة الأولى 1390هـ، توزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء. 75 - شرح السندي على سنن ابن ماجه، المطبوع مع سنن ابن ماجه، الطبعة الأولى، 1416هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 76 - شرح العقيدة الطحاوية، للحنفي ابن أبي العز علي بن علي (792هـ). تحقيق: ناصر الدين الألباني، ط1، بيروت، المكتب الإسلامي. 77 - شرح العمدة، لابن تيمية، قسم كتاب الصيام، تحقيق زيد بن أحمد النثيري، الطبعة الأولى 1417هـ، دار الأنصاري للنشر والتوزيع، ت 5586245. 78 - الشرح الكبير، لأبي الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي 682هـ، مطبوع معه الإنصاف والمقنع، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر. 79 - شرح المسند، لأحمد شاكر، الطبعة الثانية، دار المعارف بمصر. 80 - الشرح الممتع، لابن عثيمين: الطبعة الثالثة، 1415هـ، مؤسسة آسام للنشر، المملكة العربية السعودية.
81 - شرح النووي على صحيح مسلم، مراجعة خليل الميس، دار القلم، بيروت، لبنان. 82 - شرح معاني الآثار، لأبي جعفر الطحاوي ت 321هـ، تحقيق إبراهيم شمس الدين، الطبعة الثانية 1427هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 83 - شرح منتهى الإرادات، لمنصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، دار الفكر، بيروت (بدون تاريخ). 84 - شعب الإيمان، للبيهقي، تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول، الطبعة الأولى 1410هـ، دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 85 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، ت 730هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثانية 1424هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. 86 - صحيح ابن خزيمة، لمحمد بن إسحاق بن خزيمة، ت 311هـ، تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، الطبعة الأولى 1391هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 87 - صحيح ابن ماجه، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 88 - صحيح الأدب المفرد، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثانية 1415هـ، دار الصديق الجبيل المملكة العربية السعودية. 89 - صحيح البخاري، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت: 256هـ، الطبعة الثانية 1419هـ، مكتبة دار السلام، الرياض، المملكة العربية السعودية. 90 - صحيح الترغيب والترهيب، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى 1412هـ، مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية.
91 - صحيح الجامع الصغير، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى 1388هـ، المكتب الإسلامي. 92 - صحيح الكلم الطيب، لشيخ الإسلام ابن تيمية، للألباني، مكتبة المعارف الرياض، المملكة العربية السعودية. 93 - صحيح سنن أبي داود، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 94 - صحيح سنن الترمذي، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية. 95 - صحيح سنن النسائي، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 96 - صحيح مسلم، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت: 256هـ، الطبعة الثانية 1419هـ، مكتبة دار السلام، الرياض المملكة العربية السعودية. 97 - الصلاة، لابن القيم، مؤسسة مكة للطباعة والإعلام، توزيع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. 98 - ضعيف الجامع الصغير، للعلامة الألباني ناصر الدين، الطبعة الأولى 1388هـ، المكتب الإسلامي. 99 - ضعيف سنن أبي داود، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض- والمكتب الإسلامي، بيروت - لبنان، ط1، 1412هـ - 1991م. 100 - ضعيف سنن ابن ماجه، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط1، 1408هـ- 1988م. 101 - عدة الباحث في أحكام التوارث، لعبد العزيز بن ناصر الرشيد، للنشر والتوزيع، الرياض.
102 - عمل اليوم والليلة، أحمد بن شعيب النسائي، دراسة وتحقيق: د. فاروق حمادة، الرئاسة العامة للإفتاء، الرياض، 1406هـ، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة بيروت. 103 - عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، الطبعة الثالثة 1399هـ، دار الفكر. 104 - فتاوى إسلامية، جمع عبد العزيز المسند، الطبعة الأولى 1415هـ، دار الوطن، الرياض المملكة العربية السعودية. 105 - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع أحمد بن عبد الرزاق الدويش، الطبعة الأولى، 1419هـ، نشر إدارة البحوث العلمية والإفتاء، المملكة العربية السعودية. 106 - فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم، الطبعة الأولى، 1399، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة (وقف لله تعالى). 107 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 852هـ، أشرف على مقابلة نسخه المطبوعة والمخطوطة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، نشر مكتبة الرياض الحديثة. 108 - الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، لأحمد بن عبدالرحمن البنا، دار الشهاب، القاهرة. 109 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للشوكاني، مكتبة ومطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، ط2، 1383هـ. 110 - الفروع، لمحمد بن مفلح المقدسي، ت763هـ، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبدالمحسن التركي، الطبعة الأولى 1424هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.
111 - فقه الدعوة في صحيح البخاري، لسعيد بن علي بن وهف القحطاني، الطبعة الأولى 1420هـ، توزيع مؤسسة الجريسي، الرياض، المملكة العربية السعودية. 112 - فقه السنة، لسيد سابق، الطبعة الثانية 1392هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 113 - الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، إعداد نخبة من العلماء، مجمع الملك فهد بإشراف وزارة الشؤون الإسلامية، الطبعة الأولى، 1424هـ، مجمع الملك فهد. 114 - الفواكه الدواني. 115 - القاموس الفقهي: لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، الطبعة الأولى، 1402هـ، دار الفكر، دمشق، سورية. 116 - القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيروزأبادي، ت817هـ، الطبعة الأولى، 1406هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. 117 - قيام الليل، لابن نصر. 118 - الكافي، لابن قدامة: عبد الله بن أحمد بن محمد، ت 620هـ تحقيق الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي، دار هجر. 119 - الكامل في التاريخ، لابن الأثير:، علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبدالكريم، ت 630هـ، الطبعة السادسة 1406هـ، دار الكتاب العربي. 120 - لسان العرب، لابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، الطبعة الأولى، 1410هـ، دار صادر، بيروت، لبنان. 121 - لطائف المعارف، لابن رجب، تحقيق، يس محمد السواس، الطبعة الثالثة، 1416هـ، دار ابن كثير دمشق.
122 - مجالس شهر رمضان، للعلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، تحقيق أشرف عبد المقصود، الطبعة الأولى 1416هـ، مكتبة أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية. 123 - مجلة المجمع الفقهي، العدد 10، ج 2/ 381،387 124 - مجلة المجمع الفقهي، العدد 10، ج2، ص289. 125 - مجلة المجمع الفقهي، الدكتور وهبة الزحيلي، عدد 10، ج2، ص378. 126 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ت 807هـ، الطبعة الثالثة 1402هـ، منشورات دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 127 - مجموع الفتاوى للإمام ابن باز، جمع الشويعر، الطبعة الثانية 1423هـ، توزيع مكتب الدعوة والإرشاد، الرياض. 128 - مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن القاسم، أشرف على طباعته المكتب السعودي بالمغرب. 129 - مجموع فتاوى ابن باز، جمع عبد الله الطيار، وأحمد الباز، الطبعة الأولى 1416هـ، دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية. 130 - مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الطبعة الأولى 1423هـ، جمع فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، دار الثريا للنشر. 131 - المجموع، ليحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي. 132 - المحلى بالآثار، لمحمد بن علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، تحقيق أحمد شاكر، مكتبة دار التراث، القاهرة، بدون تاريخ.
133 - مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، إخراج دائرة المعارف في مكتبة لبنان، بيروت، 1985م. 134 - المختارات الجلية من المسائل الفقهية، للسعدي ت 1376هـ، المؤسسة السعيدية بالرياض، المملكة العربية السعودية. 135 - مختصر الخرقي المطبوع مع المغني، تحقيق عبد الله بن عبدالمحسن التركي، الطبعة الأولى 1410هـ، دار هجر للطباعة والنشر. 136 - مختصر الشمائل المحمدية، للألباني. 137 - مختصر الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، تحقيق محمد بن حامد فقي، دار نشر الكتب الإسلامية، الباكستان. 138 - مدارج السالكين، لابن قيم الجوزية، تحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة السنة المحمدية ومكتبة ابن تيمية، القاهرة. 139 - المدخل لفقه الإمام أحمد، لابن بدران. 140 - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، دار زاهد القدسي، الطبعة الثالثة. (ت 456هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت. 141 - المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 142 - مسند البزار. 143 - مسند أبي داود الطيالسي، لأبي داود سليمان بن داود الطيالسي (204 هـ)، تحقيق: د. محمد بن عبد المحسن التركي، طبع دار هجر بالقاهرة، الطبعة الأولى 1419 هـ. 144 - مسند ابن الجعد، علي بن الجعد بن عبيد أبو الحسن الجوهري (ت 230 هـ)، تحقيق عامر أحمد حيدر، مؤسسة نادر، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م.
145 - مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، النسخة المحققة، تحقيق مجموعة من أهل العلم أشرف على التحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان. 146 - مشكاة المصابيح، لمحمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثالثة 1405هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 147 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، لشهاب الدين البوصيري (ت 840هـ)،ط1، بيروت، دار الجنان، 1406هـ. 148 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، تأليف أحمد بن محمد بن علي الفيومي، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان. 149 - مصنف ابن أبي شيبة، توزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء. 150 - مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الثانية 1403 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 151 - معارج القبول، لحافظ الحكمي. 152 - معالم السنن، لحمد بن محمد الخطابي (388 هـ)، المطبوع مع مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري، تحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 153 - المعجم الأوسط، للطبراني، المجموع في مجمع البحرين في زوائد المعجمين، مكتبة الرشد، الرياض. 154 - معجم البلدان، لياقوت بن عبد الله الحموي، الطبعة الثانية 1995م دار صادر صادر، بيروت.
155 - المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ت 360هـ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الجمهورية العراقية، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، إحياء التراث. 156 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 157 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا،. 158 - معجم لغة الفقهاء، للأستاذ الدكتور، محمد رواس الطبعة الأولى 1416هـ، دار النفائس، بيروت، لبنان. 159 - المغني، لعبد الله أحمد بن محمد بن قدامة ت 620، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، هجر للطباعة، القاهرة. 160 - مفتاح دار السعادة، لابن القيم، تحقيق علي بن حسن الحلبي، الطبعة الأولى، 1416هـ، دار عفان الخبر المملكة العربية السعودية. 161 - مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، تحقيق عدنان داوودي، الطبعة الأولى 1412هـ، دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت. 162 - مفطرات الصيام المعاصرة، للدكتور أحمد بن محمد الخليل، وزعت عن طريق مكتب الدعوة ودعوة الجاليات، بمدينة الدوادمي، المملكة العربية السعودية. 163 - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، تحقيق محيي الدين ديب مستو ويوسف علي بدوي، الطبعة الأولى 1417هـ، دار ابن كثير ودار الكلم الطيب، بيروت، لبنان. 164 - المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1416هـ، دار الهجر. 165 - منار السبيل، تأليف إبراهيم محمد بن سالم بن ضويان، تحقيق زهير الشاويش، الطبعة الخامسة 1402هـ، المكتب الإسلامي، بيروت.
166 - مناهل العرفان، للزرقاني، بدون تاريخ، دار إحياء الكتب العلابية في علوم القرآن. 167 - المنتقى من أخبار المصطفى ?، لمجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن تيمية، تصحيح محمد حامد الفقي، 1402هـ، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض، المملكة العربية السعودية. 168 - منتهى الإرادات، لمحمد بن أحمد الفتوحي، تقي الدين ت 972هـ، مع حاشية المنتهى لعثمان أحمد سعيد النجدي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة. 169 - المنهل العذب المورود في شرح سنن أبي داود، للسبكي، مكتبة طبريّة، بدون تاريخ. 170 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، لعلي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق محمد عبدالرزاق حمزة، دار الكتب العلمية. 171 - الموسوعة الفقهية الكويتية، الطبعة الأولى 1414هـ، مطابع دار صفوة للنشر والتوزيع، توزيع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت. 172 - الموسوعة الفقهية الميسرة، للعوائشة، الطبعة الأولى 1423هـ، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن. 173 - الموطأ، للإمام مالك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية. 174 - الناسخ والمنسوخ، لأبي عبيد. 175 - النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير: أبي السعادات المبارك بن محمد، ت 606هـ، تحقيق محمود محمد الطناحي وطاهر أحمد الزاوي، المكتبة العلمية، بيروت.
176 - نيل الأوطار، للشوكاني، تحقيق أحمد محمد السيد ومحمود إبراهيم بزّال، الطبعة الأولى 1419هـ، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت. 177 - نيل المآرب بشرح دليل الطالب، لعبدالقادر بن عمر التغلبي، الطبعة الثانية 1420هـ دار النفائس، عمان الأردن. 178 - هدي الساري مقدمة فتح الباري، لابن حجر، مكتبة الرياض الحديثة بدون تاريخ.