الصواعق الشديدة على اتباع الهيئة الجديدة

التويجري، حمود بن عبد الله

مقدمة

مقدمة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الحمد لله وحده. قرئ عليَّ هذا الكتاب الموسوم بالصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة فوجدت ما أبداه مؤلفه فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري من الرد على من زعم أن الأرض تدور وأن الشمس لا تجري هو عين الصواب. قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف مفتي الديار السعودية ورئيس القضاة وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. في 20/ 8 سنة 1387.

أول من قال بثبات الشمس ودوران الأرض عليها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين. والعاقبة للمتقين. ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد فقد رأيت مقالاً لمحمد محمود الصواف. نشر في ثلاثة أعداد من جريدة الدعوة. عدد 54 و 55 و 56 العدد الأول في 10 صفر سنة 1386 هـ والثاني في 17 منه. والثالث في 24 منه. وقد عارض الصواف بمقاله هذا ما قرره الشيخ الفاضل عبد العزيز بن عبد الله بن باز من جريان الشمس وسكون الأرض وثباتها. وما قاله الشيخ عبد العزيز بن باز هو الحق والصواب. وما قاله الصواف هو الباطل والضلال البعيد. وليس تعقب الصواف مقصوراً على الشيخ عبد العزيز بن باز فحسب. بل هو والعياذ بالله معارضة للآيات المحكمات والأحاديث الصحيحة الدالة على جريان الشمس وعدم استقرارها كما سأذكره إن شاء الله تعالى وقد رأيت أن أكتب على كلامه ما تيسر تحقيقاً للحق ونصحاً للخلق. سائلاً من المولى جلَّ جلاله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون. فصل وأول من قال إن الشمس هي المركز الثابت الذي تدور عليه السيارات من الكواكب وإن الأرض من جملة الكواكب السيارة التي تدور على الشمس هو فيثاغورس الفيلسوف

ابتداء الهيئة الجديدة وأول من قال بها

اليوناني وكان زمانه قبل زمان المسيح بنحو من خمسمائة سنة. وقيل ستمائة. وذهب كبير الفلاسفة ومقدمهم بطليموس - وكان زمانه قبل المسيح بنحو مائة وخمسين سنة - إلى أن الأرض هي المركز الثابت وإن الشمس والقمر وسائر الكواكب تدور على الأرض. وأهل الهيئة القديمة يقولون بهذا القول وهو الحق الذي تدل عليه الآيات والأحاديث الصحيحة وأقوال المفسرين من الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وأما قول فيثاغورس فكان مهجوراً نحو من ألف وثمانمائة سنة حتى ظهر الفلكي البولوني «كوبرنيك» في القرن العاشر من الهجرة فقرر رأي فيثاغورس وأيده بالأدلة الرياضية. ولما كان في أثناء القرن الثاني عشر من الهجرة ظهر هرشل الإنكليزي وأتباعه من فلاسفة الإفرنج أصحاب الرصد والزيج الجديد فنصروا قول فيثاغورس وردوا ما خالفه وشاع قولهم منذ زمانهم إلى زماننا هذا وتلقاه كثير من المسلمين بالقبول تقليداً لأعداء الله تعالى. وذلك بسبب سيطرة الإنجليز وبعض الدول الأوربية على كثير من بلاد الإسلام في آخر القرن الثالث عشر من الهجرة وأكثر القرن الرابع عشر. فامتزج أهل تلك البلاد بأعداء الله تعالى امتزاجاً تاماً. وظهر النشء منهم متثقفين بالثقافة الإفرنجية يحذون حذو أعداء الله تعالى في هيئاتهم وأنظمتهم وقوانينهم ويسارعون إلى قبول آرائهم وظنونهم وتخرصاتهم. ويتمسكون بها أعظم مما يتمسكون بنصوص الكتاب والسنة. وكثير منهم كانوا يسافرون إلى الجامعات الأوربية ويتروون من تعاليمها الآجنة المسمومة عللاً بعد نهل حتى فشت فيهم الزندقة والإلحاد والاستخفاف بشأن القرآن العظيم فكان كثير منهم يحملونه على ما يوافق آراء الإفرنج وأقوالهم الباطلة كما هو موجود في كثير من مصنفاتهم فأدخلوا بذلك على المسلمين شراً كثيراً فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهؤلاء الذين ذكرنا من فلاسفة الإفرنج وهم كوبرنيك وهرشل وأتباعهما يقال لهم أهل الهيئة الجديدة. قال محمود شكري الألوسي في مقدمة كتابه الذي سماه «ما دل عليه القرآن. مما يعضد الهيئة الجديدة» قد شاع في عصرنا قول فيثاغورس الفيلسوف الشهير في هيئة الأفلاك ونصره الفلاسفة المتأخرون بعد أن كان عاطلاً مهجوراً وهو القول بحركة الأرض اليومية والسنوية على الشمس وأنها هي مركز نظامها وأن الأرض إحدى الكواكب

السيارة وأنها سابحة في الجو معلقة بسلاسل الجاذبية وقائمة بها كسائر الكواكب. لا أنها كما ذهب إليه بطليموس في الأفلاك كالمسامير في الباب. قال وقد سماها الفلاسفة المتأخرون الهيئة الجديدة لكونها شاعت في العصر المتأخر وإلا فالقول بها متقدم جداً. وذكر الألوسي أيضاً في صفحة 23 أن المتأخرين ممن انتظم في سلك الفلاسفة كهرشل وأتباعه أصحاب الرصد والزيج الجديد تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة وقالوا بأن الشمس مركز. والأرض وكذا النجوم دائرة حولها. وذكر الألوسي أيضاً في صفحة 29 ما ذهب إليه أصحاب الزيج الجديد من أن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلاً وأنها مركز العالم وأن الأرض وكذا سائر السيارات والثوابت تتحرك عليها. وقال أيضاً في صفحة 33 والمنجمون يقسمون النجوم إلى ثوابت وسيارات والسيارات عند المتقدمين سبع بإجماعهم. وعند المنجمين اليوم وهم أهل الهيئة الجديدة أن الشمس في وسط الكواكب التي تدور حولها وأنها أعظم من الأرض بألف ألف مرة وثلثمائة وثمانية وعشرين ألف مرة وأن لها حركة على نفسها. وقد استنبط بعض علمائهم من تحول كلفها الذي يظهر على ظهرها ورجوعه في أزمنة مخصوصة أنها تدور على نفسها في خمسة وعشرين يوماً واثنتي عشرة ساعة. وجزموا بأن ليس لها حركة حول الأرض بل للأرض حركة حولها وأن الأرض إحدى السيارات وهي عندهم عطارد والزهرة والأرض والمريخ ووسنة وقد كشفها رجل منهم يقال له «اولبوس» في حدود سنة ثلاث وعشرين ومئتين وألف للهجرة (ونبتون) وقد كشفها رجل منهم يقال له «هاردنق» في حدود سنة عشرين ومئتين وألف للهجرة (وسيرس) وقد كشفها رجل منهم يقال له «بياظي» في حدود سنة ست عشرة ومئتين وألف للهجرة (وبلاس) وقد كشفها «اولبوس» أيضاً في حدود سنة سبع عشرة ومئتين وألف. والمشتري وزحل (وأورانوس) وقد كشفها رجل منهم يقال له «هرشل» في حدود سنة سبع وتسعين ومائة وألف للهجرة. ولم يعدوا القمر من السيارات بل من سيارات السيارات لأنه يدور حول الأرض ودورانها حول الشمس. وهو عندهم دون عظم الأرض بتسع وأربعين مرة. وزعموا أن بُعد الشمس عن الأرض أربعة وثلاثون ألف ألف فرسخ فرنسي وهو المقدر بمسافة ساعة وخمسمائة ألف فرسخ ومع هذا يصل نورها إلينا في مدة ثمان دقائق وثلاث عشرة ثانية. وأن البعد الأبعد للقمر عنها أحد وتسعون

الأدلة من القرآن على جريان الشمس

ألفاً وأربع مائة وخمسون فرسخاً. والبعد الأقرب له ثمانون ألفاً ومائة وخمسة فراسخ فيكون البعد الأوسط نحو ستة وثمانين ألف فرسخ. وكانوا يزعمون من قبل أن ليس للشمس حركة على كوكب آخر وإنما لها حركة على نفسها فقط ثم أدركوا أن لها حركة على كوكب من كواكب الثريا وجوزوا أن يكون لذلك الكوكب حركة على كوكب آخر أبعد منه وهكذا إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى فإن سعة الجو غير متناهية عندهم وفيه من الكواكب ما لا يتناهى أيضاً - إلى أن قال - ولهم تقسيمات أخر باعتبارات أُخر بنوا عليها ما بنوا ولا يكاد يسلم لهم إلا ما لم يلزم منه محذور في الدين انتهى. وإذا علم ما ذكرنا ههنا عن أهل الهيئة الجديدة الذين من أولهم كوبرنيك البولوني في القرن العاشر وهرشل الإنكليزي وأتباعه في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر من الهجرة وأن أصله مأخوذ عن فيثاغورس اليوناني فليعلم أيضاً أن قولهم في سكون الشمس ودوران الأرض عليها قول باطل معلوم البطلان عند كل من نور الله قلبه بنور العلم والإيمان. والأدلة على بطلانه كثيرة جداً. وأنا أذكر ههنا ما تيسر من ذلك وبالله المستعان. فأما الأدلة من القرآن ففي اثنين وعشرين موضعاً منه وقد قال الله تعالى (ولا ينبئك مثل خبير) قال قتادة يعني نفسه تبارك وتعالى: الدليل الأول قول الله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) قال الراغب الأصفهاني الجري المر السريع. وقال الجوهري الجارية الشمس والجارية السفينة. وقال ابن منظور في لسان العرب جرت الشمس وسائر النجوم سارت من المشرق إلى المغرب. والجارية الشمس سميت بذلك لجريها من القطر إلى القطر. ثم ذكر عن صاحب التهذيب أنه قال الجارية عين الشمس في السماء قال الله عزَّ وجلَّ (والشمس تجري لمستقر لها) والجارية الريح قال الشاعر: ... فيوماً تراني في الفريق معقلاً ... ويوماً أباري في الرياح الجواريا وقوله تعالى (فلا أقسم بالخنس. الجوار الكنس) يعني النجوم. وجرت السفينة جرياً كذلك. والجارية السفينة صفة غالبة. وفي التنزيل (حملناكم في الجارية) وفيه (وله الجوار المنشئات في البحر) وقوله عزَّ وجلَّ (بسم الله مجراها ومرساها)

ثم ذكر عن الليث أنه قال الخيل تجري والرياح تجري والشمس تجري جرياً إلا الماء فإنه يجري جريه أي بكسر الجيم والجراء للخيل خاصة وأنشد: غمر الجراء إذا قصرت عنانه ... . . . . . . . . . . . وفرس ذو أجاري أي ذو فنون في الجري انتهى وقد ذكر الله تعالى عن السفن والرياح نظير ما ذكره عن الشمس من المر السريع فقال تعالى (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره) وقال تعالى (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم. وهي تجري بهم في موج كالجبال) الآية. وقال تعالى (وحملناه على ذات ألواح ودسر. تجري بأعيننا) الآية. وقال تعالى (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) الآية وقال تعالى (فالجاريات يسراً) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا المعنى. وقرأ ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم (والشمس تجري لا مستقر لها) قال البغوي أي لا قرار لها ولا وقوف فهي جارية أبداً. وقال القرطبي أي أنها تجري في الليل والنهار لا وقوف لها ولا قرار إلى أن يكورها الله يوم القيامة. وقال ابن كثير أي لا قرار لها ولا سكون بل هي سائرة ليلاً ونهاراً لا تفتر ولا تقف كما قال تبارك وتعالى (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) أي لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة انتهى. وكفى بهذه الآية حجة على إبطال ما يزعمه كوبرنيك وهرشل وأتباعهما من أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم ويأخذ بأقوالهم من المسلمين. الدليل الثاني قوله تعالى في سورة الرعد (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) الآية. الدليل الثالث قوله تعالى في سورة لقمان (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير). الدليل الرابع قوله تعالى في سورة فاطر (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك) الآية.

الدليل الخامس قوله تعالى في سورة الزمر (خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار). ففي هذه الآيات كلها النص على جريان الشمس والقمر والرد على من قال أن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلاً وأنها مركز العالم. قال الراغب الأصفهاني قوله يكور الليل إشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما انتهى. الدليل السادس قوله تعالى (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون). الدليل السابع قوله تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون). قال الراغب الأصفهاني السبح المر السريع في الماء وفي الهواء يقال سبح سبحاً وسباحة واستعير لمر النجوم في الفلك نحو (وكل في فلك يسبحون) ولجري الفرس نحو (فالسابحات سبحا) ولسرعة الذهاب في العمل نحو (إن لك في النهار سبحاً طويلا) انتهى. وقال ابن كثير رحمه الله تعالى قوله (وكل في فلك يسبحون) يعني الليل والنهار والشمس والقمر كلهم يسبحون أي يدورون في فلك السماء. قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخراساني. قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد من السلف في فلكة كفلكة المغزل. وقال مجاهد الفلك كحديدة الرحى أو كفلكة المغزل لا يدور المغزل إلا بها ولا تدور إلا به انتهى. وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (وكل في فلك يسبحون) قال في فلكة مثل فلكة المغزل. وروى أيضاً من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (يسبحون) قال يدورون في أبواب السماء كما يدور المغزل في الفلكة.

وروى أيضاً من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله (في فلك) يقول دوران. وقوله يسبحون يعني يجرون. وروى أيضاً من طريق عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهداً يقول (وكل في فلك يسبحون) قال النجوم والشمس والقمر فلك كفلكة المغزل. وقال مثل ذلك الحسبان يعني حسبان الرحى وهو سفودها القائم الذي تدور عليه وكان مجاهد يفسر قوله تعالى (الشمس والقمر بحسبان) بهذا. قال مجاهد ولا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل ولا يدور الحسبان إلا بالرحى ولا تدور الرحى إلا بالحسبان. قال فكذلك النجوم والشمس والقمر هي في فلك لا يدمن إلا به ولا يدوم إلا بهن قال فنقر لي بإصبعه قال فقال مجاهد يد من كذلك كما نقر قال فالحسبان والفلك يصيران إلى شيء واحد غير أن الحسبان في الرحى والفلك في المغزل. قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى قوله لا تدوم إلا به أي لا تدور إلا به ومنه الدوامة بالضم والتشديد وهي فلكة يرميها الصبي بخيط فتدوم على الأرض أي تدور ومنه تدويم الطير وهو تحليقه ودورانه في طيرانه ليرتفع إلى السماء. وقوله نقر بإصبعه يعني نقر بها في الأرض وأدارها ليشبه بذلك دوران الفلك انتهى. وروى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري في قوله (وكل في فلك يسبحون) قال يعني استدارتهم. وروى أيضاً عن الضحاك في قوله (وكل في فلك يسبحون) قال يدور ويذهب. وروى أيضاً عنه قال الفلك السرعة والجري في الاستدارة ويسبحون يعملون. وقال البغوي في تفسيره (كل في فلك يسبحون) يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء. وإنما قال يسبحون ولم يقل تسبح على ما يقال لما لا يعقل لأنه ذكر عنها فعل العقلاء من الجري والسبح فذكر على ما يعقل. والفلك مدار النجوم الذي يضمها, والفلك في كلام العرب كل شيء مستدير وجمعه أفلاك ومنه فلكة المغزل. وقال الحسن الفلك طاحونة كهيئة فلكة المغزل. يريد أن الذي تجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة. قال الضحاك فلكها مجراها وسرعة سيرها. قال مجاهد كهيئة حديد الرحى. وقال بعضهم الفلك السماء الذي فيه

ذلك الكوكب فكل كوكب يجري في السماء الذي قدر فيه وهو معنى قول قتادة. وقال الكلبي الفلك استدارة السماء انتهى. وفي الآيتين اللتين ذكرنا من سورة الأنبياء وسورة يس رد على أهل الهيئة الجديدة الذين ينكرون جريان الشمس ويزعمون أنها ثابتة لا تتحرك. الدليل الثامن قوله تعالى (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار). قال الراغب الأصفهاني الدأب إدامة السير دأب في السير دأباً. قال (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين). وقال ابن منظور في لسان العرب الدؤب المبالغة في السير وأدأب الرجل الدابة إدآباً إذا أتعبها. وقال ابن كثير في تفسيره (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) أي يسيران لا يفتران ليلاً ولا نهاراً. وقال في موضع آخر أي لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة انتهى. وقال القرطبي: الدؤوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية. وقيل دائبين في السير امتثالاً لأمر الله والمعنى يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران انتهى؟ وكفى بهذه الآية حجة على من أنكر جريان الشمس من فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم من جهال المسلمين. وفي قوله تعالى (وسخر لكم) دليل على أن الشمس والقمر يجريان ويدوران على الأرض لقيام معايش العباد ومصالحهم ولهذا امتن الله عليهم بذلك في هذه الآية وفي غيرها من الآيات التي سيأتي ذكرها. وكذلك امتن عليهم بذلك في قوله تعالى (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون). الدليل التاسع قوله تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين).

ووجه الاستدلال بهذه الآية على سير الشمس أنه سبحانه وتعالى أخبر أن الليل يطلب النهار طلباً حثيثاً أي سريعاً. والنهار هو ضوء الشمس وهو تابع لها يسير بسيرها فدل على أنها تسير دائماً ولا تستقر. وفي الآية دليل آخر على سير الشمس وهو قوله تعالى (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) فإن التسخير المذكور ههنا هو تسخيرها تجري لمصالح العباد كما نص الله تبارك وتعالى على ذلك في قوله (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) وقوله تعالى في الآيات الأربع التي تقدم ذكرها (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى). الدليل العاشر قوله تعالى (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون). الدليل الحادي عشر قوله تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون) والمعنى في هذه الآيات الثلاث واحد وهو أن الله سبحانه وتعالى سخر الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار وجعلها تجري دائماً على الأرض لقيام معايش العباد ومصالحهم فتبارك الله رب العالمين الذي سخر لعباده ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه. الدليل الثاني عشر قوله تعالى (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين). وهذه الآية من أوضح الأدلة على سير الشمس ودورانها على الأرض وأن الله تعالى سخرها تأتي من المشرق كل يوم وتذهب نحو المغرب. ولو كانت قارة لا تزول عن مكانها كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكان الإخبار عن الإتيان بها من المشرق لغواً لا معنى له ولا فائدة في ذكره ولكان ينبغي أن يقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام لخصمه إن الله يأتي بالأرض من المغرب فأت بها من المشرق. فقاتل الله أهل الهيئة الجديدة الذين قلبوا الحقيقة وعكسوا القضية بلا برهان بل بمجرد الظن والحسبان. وإنه لينطبق عليهم قول الله تعالى في أشباههم من المتخرصين (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً. فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة

الدنيا. ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى). الدليل الثالث عشر قوله تعالى (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون) والبزوغ الطلوع والأفول الغيبوبة. وهذه الآية من أوضح الأدلة على سير الشمس ودورانها على الأرض. وقد ذكر الله تعالى عن القمر من البزوغ والأفول نظير ما ذكر عن الشمس. وذكر أيضاً عن الكوكب من الأفول نظير ما ذكره عن الشمس والقمر فأثبت المسلمون ما أثبته الله للكل من السير والدوران حول الأرض وأثبت ذلك أيضاً أهل الهيئة القديمة. وخالف في بعض ذلك كوبرنيك وهرشل وأتباعهما من فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من المسلمين فأثبتوا للقمر السير والدوران على الأرض وأثبتوا للكواكب السيارة السير والدوران على الشمس ونفوا عن الشمس السير بالكلية ولازم ذلك نفي ما أثبته الله تعالى لها من البزوغ والأفول وذلك كفر لا شك فيه لما فيه من تكذيب ما أخبر الله به في كتابه. ومن أثبت السير والبزوغ والأفول للقمر لزمه أن يثبت ذلك للشمس وإن لم يفعل فقد فرق بين متماثلين وآمن ببعض الكتاب وكفر ببعض. وقد قال الله تعالى (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون. أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون). الدليل الرابع عشر قوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) الآية. وقد فسر الدلوك بزوال الشمس عن وسط السماء وفسر بغروبها وكلاهما يدل على سير الشمس. قال البغوي أصل الدلوك الميل والشمس تميل إذا زالت وغربت انتهى. الدليل الخامس عشر قوله تعالى (وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) الآية. قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وقتادة وزيد بن أسلم تزاور أي تميل. الدليل السادس عشر قوله تعالى (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) الآية.

الدليل السابع عشر قوله تعالى (حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً). الدليل الثامن عشر قوله تعالى (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) الآية. الدليل التاسع عشر قوله تعالى (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب). ووجه الاستدلال بهذه الآية والآيات الست قبلها أن الله سبحانه وتعالى أضاف الطلوع والغروب والدلوك والتزاور إلى الشمس فدل على أنها هي التي تسير وتدور على الأرض فتطلع عليها من ناحية المشرق وتزول إذا توسطت السماء وتغرب من الناحية الأخرى. ولو كانت الشمس قارة ساكنة كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم ويحذو حذوهم لكانت إضافة هذه الأشياء إليها لغواً لا معنى له ولا فائدة في ذكره. ولا يخفى أن هذا من لوازم القول باستقرار الشمس وثباتها وهو قول وخيم لا يصدر من أحد يؤمن بالله وكتابه. الدليل العشرون قوله تعالى (والشمس وضحاها. والقمر إذا تلاها) وفي هذه الآية دليل على أن الشمس تسير والقمر يتلوها تابعاً لها. قال ابن عباس رضي الله عنهما تلاها تبعها رواه ابن أبي حاتم والحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وكذا قال مجاهد تلاها تبعها. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يتلو النهار. وقال قتادة إذا تلاها ليلة الهلال إذا سقطت الشمس رؤي الهلال. وقال ابن زيد هو يتلوها في النصف الأول من الشهر ثم هي تتلوه وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر. الدليل الحادي والعشرون قوله تعالى (الشمس والقمر بحسبان). الدليل الثاني والعشرون قوله تعالى (فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم) وقد تقدم قريباً قول مجاهد إن ذلك كحسبان الرحى وهو سفودها القائم الذي تدور عليه. قال ولا يدور الحسبان إلا بالرحى ولا تدور الرحى إلا بالحسبان. قال فكذلك النجوم والشمس والقمر هي في فلك لا يدمن إلا به ولا

الأدلة من السنة على جريان الشمس

يدوم إلا بهن. قال والحسبان والفلك يصيران إلى شيء واحد غير أن الحسبان في الرحى والفلك في المغزل رواه ابن أبي حاتم. وذكره البخاري في صحيحه مختصراً فقال وقال مجاهد بحسبان كحسبان الرحى. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري مراده أنهما يجريان على حسب الحركة الرحوية الدورية وعلى وضعها. وقيل الحسبان مصدر كالحساب أي جعل الشمس والقمر يجريان بحساب مقدر معلوم لا يجاوزانه في منازل لا يعدوانها. قال ابن عباس رضي الله عنهما (الشمس والقمر بحسبان) قال بحساب ومنازل رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. ولا منافاة بين القولين فإن الشمس والقمر يجريان بحساب ومنازل في فلك مستدير كاستدارة الرحى والله أعلم. وقد قرن الله تبارك وتعالى - وهو العليم الخبير - بين الشمس والقمر في أكثر هذه المواضع التي ذكرنا وأخبر أن كلاً منهما يجري ويسبح في الفلك فاعترف أهل الهيئة الجديدة بذلك في القمر وأنكروه في الشمس فكان مثلهم في ذلك مثل اليهود يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض, وليس لهم على التفريق دليل أبداً إلا أن يكون من التخرصات الكاذبة والتوهمات الفاسدة. ونقول لهم ما أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقوله لسلفهم (قل أأنتم أعلم أم الله). فصل وأما دلالة السنة على جريان الشمس ففي أحاديث كثيرة نذكر منها ما تيسر إن شاء الله تعالى. الحديث الأول عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس «تدري أين تذهب» قلت الله ورسوله أعلم قال «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها» فذلك قول الله تعالى (والشمس

تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) متفق عليه واللفظ للبخاري ورواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والترمذي بنحوه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. قال وفي الباب عن صفوان بن عسال وحذيفة بن أسيد وأنس وأبي موسى انتهى وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً «أتدرون أين تذهب هذه الشمس» قالوا الله ورسوله أعلم قال «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع تصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارجعي ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتدرون متى ذاكم. ذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً». وفي هذا الحديث الصحيح أوضح دليل على أن الشمس تجري وتدور على الأرض, وفيه رد على أهل الهيئة الجديدة الذين يزعمون أن الشمس ثابتة لا تجري ولا تتحرك. الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها ولا أحد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر ولادها فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه» الحديث رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس» رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح على شرط البخاري. وهذا الحديث والذي قبله من أقوى الأدلة على سير الشمس ولهذا قال لها يوشع بن

نون إنك مأمورة وأنا مأمور ثم دعا الله تعالى أن يحبسها عليه فحبست فهذا نص صريح في أن الشمس هي التي تسير وتدور على الأرض. ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكان ينبغي ليوشع بن نون أن يخاطب الأرض ويدعو الله تعالى أن يحبسها عليه. وعلى قولهم يكون خطاب يوشع للشمس خطأ ودعاؤه بأن تحبس عليه لغواً, وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مقرراً له خلاف الصواب. هذا مقتضى قولهم الباطل وهو مما ينزه عنه آحاد العقلاء فضلاً عن أنبياء الله المعصومين فقاتل الله أهل الهيئة الجديدة أنى يؤفكون. الحديث الرابع عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار». رواه الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي وإسناده حسن. وفيه دليل على جريان الشمس. وفيه أيضاً الرد على أهل الهيئة الجديدة الذين يزعمون أن الشمس لا تجري ولا تتحرك. الحديث الخامس عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صدق أمية في شيء من شعره فقال: رجل وثور تحت رجل يمينه ... والنسر للأخرى وليث مرصد فقال النبي صلى الله عليه وسلم «صدق» وقال: والشمس تطلع كل آخر ليلة ... حمراء يصبح لونها يتورد تأبى فما تطلع لنا في رسلها ... إلا معذبة وإلا تُجْلَد فقال النبي صلى الله عليه وسلم «صدق» رواه الإمام أحمد وابنه عبد الله في زوائد المسند وفي كتاب السنة وابن خزيمة في كتاب التوحيد وأبو يعلى والطبراني ورواته ثقات. وفي بعض طرقه عند ابن خزيمة تصريح محمد بن إسحاق أن شيخه حدثه بذلك فزال ما يخشى من تدليسه. قال ابن خزيمة قوله وإلا تجلد معناه اطلعي كما قال ابن عباس رضي الله عنهما. قلت قول ابن عباس رضي الله عنهما الذي أشار إليه ابن خزيمة هو ما رواه أبو بكر ابن الأنباري في كتاب المصاحف بإسناده عن عكرمة قال قلت لابن عباس رضي الله عنهما أرأيت ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمية بن أبي الصلت آمن شعره وكفر

قلبه فقال هو حق فما أنكرتم من ذلك قلت قوله في الشمس إلا معذبة وإلا تجلد فقال والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك فيقولون لها اطلعي فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله فيأتيها ملك عن الله عز وجل يأمرها بالطلوع فتشتعل لضياء بني آدم فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تحتها. وروى أبو نعيم في الحلية من طريق الأوزاعي عن عبدة - يعني ابن أبي لبابة - قال ما ظهرت الشمس قط حتى تضرب مرة أو مرتين حتى تجذب جذباً تقول إني أعبد من دون الله. الحديث السادس عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب» متفق عليه. الحديث السابع عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» متفق عليه. الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس» رواه أبو داود الطيالسي في مسنده وإسناده صحيح. الحديث التاسع عن عبد الله الصنابحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها» رواه مالك والشافعي وأحمد والنسائي بأسانيد صحيحة على شرط الشيخين. الحديث العاشر عن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الليل أسمع قال «جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيد رمح أو رمحين فإنها تطلع بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار ثم صل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل

دليل حسي مشاهد على سير الشمس

الرمح ظله ثم أقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي العصر ثم أقصر حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار» الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود وهذا لفظه والنسائي والترمذي مختصراً وقال هذا حديث حسن صحيح غريب. وفي إضافة الطلوع والارتفاع والزوال والدنو والغروب إلى الشمس دليل على أنها تجري وتدور على الأرض. ولو كانت ثابتة في موضعها كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكان ينبغي أن تجعل هذه الأفعال للأرض وهذا لا يقوله عاقل. والأحاديث التي فيها ذكر طلوع الشمس وزوالها وغروبها وطلوعها في آخر الزمان من مغربها كثيرة جداً وفيما ذكرته ههنا كفاية لمن أراد الله هدايته. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. وقد روى ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها قال وكذلك القمر. فصل وإذا علم أن جريان الشمس ثابت بالدلائل القطعية من نصوص الكتاب والسنة فليعلم أيضاً أنه ثابت بالمشاهدة من سيرها في البروج والمنازل كما يسير القمر وسائر الكواكب السيارة فيها ففي أول برج الحمل تكون الشمس سائرة في خط الاستواء وحينئذ يكون بينها وبين كل من القطبين تسعون درجة, ثم تميل بعد ذلك شيئاً فشيئاً إلى جهة القطب الشمالي وينتهي بعدها عن خط الاستواء في أول برج السرطان وذلك نحو من ثلاث وعشرين درجة وحينئذ يكون بينها وبين القطب الشمالي سبع وستون درجة وبينها وبين القطب الجنوبي مائة وثلاث عشرة درجة, ثم ترجع شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى خط الاستواء في أول برج الميزان وحينئذ يكون بينها وبين كل من القطبين تسعون درجة. ثم تميل بعد ذلك شيئاً فشيئاً إلى جهة القطب الجنوبي وينتهي بعدها عن خط الاستواء في

الأدلة من القرآن على ثبات الأرض واستقرارها

أول برج الجدي وذلك نحو من ثلاث وعشرين درجة وحينئذ يكون بينها وبين القطب الجنوبي سبع وستون درجة وبينها وبين القطب الشمالي مائة وثلاث عشرة درجة. ثم ترجع شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى خط الاستواء في أول برج الحمل. وهكذا هي سائرة على الدوام. ولها في كل ثلاثة عشر يوماً منزلة من المنازل الثمان والعشرين تقارنها في مسيرها ثم تتخلف عنها وتقارن التي تليها وهكذا هي على الدوام. وأما القمر فله في كل يوم وليلة منزلة من المنازل يقارنها في مسيره. ولو كانت الشمس ساكنة ثابتة كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما كانت تدور على البروج والمنازل وتكون في خط الاستواء تارة وتميل نحو الشمال تارة ونحو الجنوب تارة وتقرب من القطب الشمالي في الصيف وتبعد عنه في الشتاء وتقرب من القطب الجنوبي في الشتاء وتبعد عنه في الصيف وتتوسط بين القطبين في فصلي الربيع والخريف. وسيرها في البروج والمنازل وميلها نحو الجنوب في الشتاء ونحو الشمال في الصيف ورجوعها إلى خط الاستواء في فصلي الربيع والخريف معلوم عند كل عاقل ولا ينكره إلا من هو ذاهب العقل أو معاند يكابر في المحسوسات ويباهت في الضروريات. وقد تقدم قول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (بحسبان) قال بحساب ومنازل رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي في تلخيصه. فصل في ذكر الأدلة على ثبات الأرض واستقرارها. فأما الأدلة من القرآن ففي عدة آيات. الآية الأولى قوله تعالى (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا. ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً). وهذه الآية من أوضح الأدلة على ثبات الأرض واستقرارها ولو كانت تجري وتدور على الشمس كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت تزول من مكان إلى مكان وهذا خلاف نص الآية الكريمة. الآية الثانية قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره).

قال البغوي قال ابن مسعود رضي الله عنه قامتا على غير عمد بأمره. وقال ابن كثير على قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) كقوله تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقوله (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا اجتهد في اليمين قال والذي تقوم السماء والأرض بأمره. أي هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها. وقال ابن منظور في لسان العرب ويجيء القيام بمعنى الوقوف والثبات يقال للماشي قف لي أي تحبس مكانك حتى آتيك وكذلك قم لي بمعنى قف لي وعليه فسروا قوله سبحانه (وإذا أظلم عليهم قاموا) قال أهل اللغة والتفسير قاموا هنا بمعنى وقفوا وثبتوا في مكانهم غير متقدمين ولا متأخرين. ومنه التوقف في الأمر وهو الوقوف عنده من غير مجاوزة له, قال ومنه قامت الدابة إذا وقفت عن السير وقام عندهم الحق أي ثبت ولم يبرح ومنه قولهم أقام بالمكان هو بمعنى الثبات, ويقال قام الماء إذا ثبت متحيراً لا يجد منفذاً وإذا جمد أيضاً. قلت ومنه قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) فمعناه الوقوف والثبات وعدم الحركة والدوران والله أعلم. الآية الثالثة قوله تعالى في سورة المؤمن (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء) الآية. قال ابن كثير رحمه الله تعالى أي جعلها لكم مستقراً بساطاً مهاداً تعيشون عليها وتتصرفون فيها وتمشون في مناكبها وأرساها بالجبال لئلا تميد بكم (والسماء بناء) أي سقفاً للعالم محفوظاً. الآية الرابعة قوله تعالى في سورة النمل (أم من جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي) الآية. قال ابن كثير رحمه الله تعالى يقول (أم من جعل الأرض قراراً) أي قارة ساكنة ثابتة لا تميد ولا تتحرك بأهلها وترجف بهم فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة بل جعلها من فضله ورحمته مهاداً بساطاً ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك كما قال تعالى في الآية الأخرى (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء) وقال البغوي قراراً لا تميد بأهلها قلت والقرار معناه في لغة العرب الثبات والسكون قال في القاموس وشرحه قر بالمكان يقر بالكسر والفتح قراراً وقروراً وقرا وتقرة ثبت

وسكن فهو قار كاستقر وتقار وهو مستقر انتهى. ثم قال ابن كثير على قوله تعالى (وجعل لها رواسي) أي جبالا شامخة ترسي الأرض وتثبتها لئلا تميد بكم. وقال القرطبي على قوله تعالى (وجعل لها رواسي) يعني جبالاً ثوابت تمسكها وتمنعها من الحركة. الآية الخامسة قوله تعالى في سورة النحل (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلا لعلكم تهتدون). الآية السادسة قوله تعالى في سورة الأنبياء (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم الآية). الآية السابعة قوله تعالى في سورة لقمان (خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) الآية. وفي كل من هذه الآيات دليل على استقرار الأرض وسكونها. قال الراغب الأصفهاني الميد اضطراب الشيء العظيم كاضطراب الأرض قال (أن تميد بكم). وقال ابن الجوزي في تفسير سورة النحل. قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي) أي نصب فيها جبالاً ثوابت (أن تميد) أي لئلا تميد, وقال الزجاج كراهة أن تميد يقال ماد الرجل يميد ميداً إذا أدير به, وقال ابن قتيبة الميد الحركة والميل يقال فلان يميد في مشيته أي يتكفأ. وقال البغوي قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) أي لئلا تميد بكم أي تتحرك وتميل والميد هو الاضطراب والتكفؤ ومنه قيل للدوار الذي يعتري راكب البحر ميد. قال وهب لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة إن هذه غير مقرة أحداً على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال. قلت وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن نحوه. وروى سعيد عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد نحو ذلك أيضاً.

وروى ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال لما خلق الله الأرض قمصت وقالت تخلق علي آدم وذريته يلقون علي نتنهم ويعملون علي بالخطايا فأرساها الله بالجبال فمنها ما ترون ومنها ما لا ترون وكان أول قرار الأرض كلحم الجزور إذا نحر يختلج لحمه. ويشهد لهذه الآثار ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت». الحديث. وقال ابن كثير في تفسير سورة النحل. ذكر تعالى الأرض وما ألقى فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات لتقر الأرض ولا تميد أي تضطرب بما عليها من الحيوانات فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك. وقال أيضاً في تفسير سورة الأنبياء. قوله (وجعلنا في الأرض رواسي) أي جبالا أرسى الأرض بها وقررها وثقلها لئلا تميد بالناس أي تضطرب وتتحرك فلا يحصل لهم قرار عليها وقال أيضاً في تفسير سورة لقمان على قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي) يعني الجبال أرست الأرض وثقلتها لئلا تضطرب بأهلها على وجه الماء ولهذا قال (أن تميد بكم) أي لئلا تميد بكم. وقال القرطبي في تفسير سورة الأنبياء. وقوله تعالى (وجعلنا في الأرض رواسي) أي جبالا ثوابت (أن تميد بهم) أي لئلا تميد بهم ولا تتحرك ليتم القرار عليها قاله الكوفيون. وقال البصريون المعني كراهية أن تميد والميد التحرك والدوران يقال ماد رأسه أي دار. وقال الشوكاني في تفسير قوله تعالى (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم) الميد التحرك والدوران أي لئلا تتحرك وتدور بهم. الآية الثامنة قوله تعالى في سورة الرعد (وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً) الآية قال ابن كثير أي جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض وأرساها بجبال راسيات شامخات. وقال البغوي عند قوله تعالى (وجعل فيها رواسي) جبالا ثابتة واحدتها راسية. وقال القرطبي عند قوله تعالى (وجعل فيها رواسي) أي جبالا ثوابت واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها أي تثبت والإرساء الثبوت.

الآية التاسعة قوله تعالى في سورة الحجر (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي) الآية. قال البغوي على قوله (والأرض مددناها) بسطناها على وجه الماء (وألقينا فيها رواسي) جبالا ثوابت وقد كانت الأرض تميد إلى أن أرساها الله بالجبال. الآية العاشرة قوله تعالى في سورة فصلت (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها) الآية. قال البغوي (وجعل فيها) أي في الأرض (رواسي) جبالا ثوابت قال القرطبي واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها أي تثبت والإرساء الثبوت. الآية الحادية عشرة قوله تعالى في سورة ق (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي) الآية قال البغوي على قوله (والأرض مددناها) بسطناها على وجه الماء (وألقينا فيها رواسي) جبالا شوامخ. وقال ابن كثير على قوله (والأرض مددناها) أي وسعناها وفرشناها (وألقينا فيها رواسي) وهي الجبال لئلا تميد بأهلها وتضطرب فإنها مقرة على تيار الماء المحيط بها من جميع جوانبها. الآية الثانية عشرة قوله تعالى في سورة المرسلات (ألم نجعل الأرض كفاتا. أحياء وأمواتاً. وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا) قال ابن كثير على قوله تعالى (وجعلنا فيها رواسي شامخات) يعني الجبال رسَّى بها الأرض لئلا تميد وتضطرب. الآية الثالثة عشرة قوله تعالى في سورة النازعات (والأرض بعد ذلك دحاها. أخرج منها ماءها ومرعاها. والجبال أرساها. متاعاً لكم ولأنعامكم) قال ابن كثير على قوله (والجبال أرساها) أي قررها وأثبتها وأكدها في أماكنها وهو الحكيم العليم. وقوله (متاعا لكم ولأنعامكم) أي دحا الأرض فأنبع عيونها وأظهر مكنونها وأجرى أنهارها وأنبت زروعها وأشجارها وثمارها وثبت جبالها لتستقر بأهلها ويقر قرارها كل ذلك متاعاً لخلقه ولما يحتاجون إليه من الأنعام التي يأكلونها ويركبونها مدة احتياجهم إليها في هذه الدار إلى أن ينتهي الأمد وينقضي الأجل. الآية الرابعة عشرة قوله تعالى في سورة النبأ (ألم نجعل الأرض مهادا. والجبال أوتادا) قال ابن كثير رحمه الله تعالى على قوله (ألم نجعل الأرض مهادا) أي ممهدة للخلائق ذلولا لهم قارة ساكنة ثابتة (والجبال أوتادا) أي جعلها لها أوتادا أرساها

بها وثبتها وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها. وقال القرطبي على قوله (والجبال أوتاداً) أي لتسكن ولا تتكفأ بأهلها. وقال ابن منظور في لسان العرب وأوتاد الأرض الجبال لأنها تثبتها. الآية الخامسة عشرة قوله تعالى في سورة الزخرف (الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون) قال ابن كثير على قوله (الذي جعل لكم الأرض مهدا) أي فراشا قرارا ثابتة تسيرون عليها وتقومون وتنامون وتتصرفون مع أنها مخلوقة على تيار الماء لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد هكذا ولا هكذا. الآية السادسة عشرة قوله تعالى في سورة الذاريات (والأرض فرشناها فنعم الماهدون) قال ابن كثير أي جعلناها فراشاً للمخلوقات (فنعم الماهدون) أي وجعلناها مهداً لأهلها. وقال في البداية والنهاية. وقوله (والأرض فرشناها) أي بسطناها وجعلناها مهدا أي قارة ساكنة غير مضطربة ولا مائدة بكم وقال البغوي على قوله (والأرض فرشناها) بسطناها ومهدناها لكم (فنعم الماهدون) الباسطون نحن. قال ابن عباس رضي الله عنهما نعم ما وطأت لعبادي. الآية السابعة عشرة قوله تعالى في سورة البقرة (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون. الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء) الآية. قال ابن كثير رحمه الله تعالى شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته بأنه تعالى هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة بأن جعل لهم الأرض فراشاً أي مهدا كالفراش مقررة موطأة مثبتة بالرواسي الشامخات. والسماء بناء وهو السقف. قال ومن أشبه آية بهذه الآية قوله تعالى (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم) الآية. قال ومضمونه أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره ولهذا قال (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون). قلت وقد استدل الرازي بهذه الآية على سكون الأرض وثباتها وسيأتي كلامه مع الأدلة العقلية على ثبات الأرض إن شاء الله تعالى. الآية الثامنة عشرة قوله تعالى في سورة نوح (والله جعل لكم الأرض بساطاً.

لتسلكوا منها سبلا فجاجا) قال البغوي على قوله (والله جعل لكم الأرض بساطاً) فرشها وبسطها لكم وقال ابن كثير أي بسطها ومهدها وقررها وثبتها بالجبال الراسيات الشم الشامخات (لتسلكوا منها سبلا فجاجا) أي خلقها لكم لتستقروا عليها وتسلكوا فيها أين شئتم من نواحيها وأرجائها وأقطارها. الآية التاسعة عشرة قوله تعالى في سورة الملك (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) قال ابن كثير رحمه الله تعالى ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليله إياها لهم بأن جعلها قارة ساكنة لا تميد ولا تضطرب بما جعل فيها من الجبال. وقال القرطبي في تفسيره وقيل أي ثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها ولو كانت تتكفأ متمايلة لما كانت منقادة لنا. قلت قد زعم أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من المسلمين أن الأرض تسير في الثانية أكثر من ثلاثين كيلومتراً وأنها تقطع في اليوم الواحد أكثر من خمسمائة ألف فرسخ. ولو كان الأمر على ما زعموه من سير الأرض بهذه السرعة الهائلة لما كانت ذلولا للخلائق ولا فراشاً ولا مهداً ولما استقر على ظهرها شيء من البناء والشجر فضلا عن الحيوانات وذلك لشدة مخرها للهواء وشدة صدم الهواء لوجهها. واعتبر ذلك بالطائرة النفاثة التي لا تبلغ في سرعة سيرها عشر عشر العشر مما زعموه في سرعة سير الأرض. هل يقول عاقل أنه يمكن أن يستقر حيوان على ظهر الطائرة النفاثة وهي سائرة. كلّا لا يقول ذلك عاقل أبداً. وإذا كان استقرار الحيوانات على ظهر الطائرة في حال سيرها مستحيلا فكذلك الاستقرار على ظهر الأرض لو كانت تسير بالسرعة الهائلة التي زعموها بطريق الأولى ولما كانت الأرض ذلولا للخلائق وفراشاً ومهداً لهم دل ذلك على أنها ثابت ساكنة. فهذه الآية والآيات الخمس قبلها من أوضح الأدلة على سكون الأرض وثباتها. الآية العشرون قوله تعالى في سورة الملك (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) قال ابن كثير أي تذهب وتجيء وتضطرب. وقال البغوي قال الحسن تتحرك بأهلها وقيل تهوي بهم وقال الراغب الأصفهاني

المور الجريان السريع يقال مار يمور موراً. قال (يوم تمور السماء موراً) ومار الدم على وجهه. والمور التراب المتردد بالريح وناقة تمور في سيرها فهي موارة. وقال الجوهري والهروي وغيرهما من أئمة اللغة مار الشيء يمور موراً إذا جاء وذهب. وقال ابن الأثير وفي حديث قس ونجوم تمور أي تذهب وتجيء قلت والمعنى في قوله تعالى (فإذا هي تمور) كالمعنى في قوله تعالى (يوم تمور السماء موراً) قال مجاهد في تفسير هذه الآية تدور دورا. وقال الضحاك استدارتها وتحركها لأمر الله وموج بعضها في بعض. قال ابن كثير وهذا اختيار ابن جرير أنه التحرك في استدارة. قال وأنشد أبو عبيدة معمر بن المثنى بيت الأعشى فقال: ... كان مشيتها من بيت جارتها ... مور السحابة لا ريث ولا عجل قلت ومثل ذلك قول كعب بن زهير في الريح. عفته رياح الصيف بعدي بمورها ... وأبرته الجوزاء بالوبل والديم وقال البغوي في تفسيره (يوم تمور السماء موراً) أي تدور كدوران الرحى وتتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة. قال قتادة تتحرك. وقال عطاء الخراساني تختلف أجزاؤها بعضها في بعض وقيل تضطرب. والمور يجمع هذه المعاني فهو في اللغة الذهاب والمجيء والتردد والدوران والاضطراب انتهى. إذا علم هذا فآية سورة الملك دالة على أن الأرض قارة ساكنة لا تدور فتذهب وتجيء ولهذا امتن الله تبارك وتعالى على عباده بتذليلها لهم وحذرهم من عقوبته بأن يخسف بهم الأرض ويجعلها تمور بهم. ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم من العصريين لكانت الأرض تمور دائماً كما تمور النجوم والسحاب والريح ولم يبق للتخويف بمورها فائدة. الآية الحادية والعشرون قوله تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم). الآية الثانية والعشرون قوله تعالى (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء) الكسف القطع.

الآية الثالثة والعشرون قوله تعالى إخبارا عن مشركي قريش أنهم قالوا (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً). الآية الرابعة والعشرون قوله تعالى إخبارا عن قوم شعيب أنهم قالوا (فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين). الآية الخامسة والعشرون قوله تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم). ووجه الاستدلال بهذه الآيات الخمس على استقرار الأرض وسكونها أن الله سبحانه وتعالى جعل الأرض مركزاً للأثقال ومستقراً لما ينزل من السماء فلو سقطت السماء لوقعت على الأرض ولو سقط منها شيء لم يستقر إلا في الأرض. ولو كانت الأرض تجري وتدور على الشمس كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت الشمس هي المركز والمستقر للأثقال وهذا تكذيب للقرآن. وقد قال الله تعالى (إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت). وقال تعالى (إذا السماء انفطرت. وإذا الكواكب انتثرت). قال البغوي وغيره في قوله تعالى (وإذا النجوم انكدرت) أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض كما قال تعالى (وإذا الكواكب انتثرت). وروى ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال «يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث الله ريحاً دبورا فيضرمها ناراً». وكذا ذكر البغوي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن كثير وكذا قال عامر الشعبي قلت ويشهد لهذا الأثر ما رواه البخاري في صحيحه حدثنا مسدد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الداناج قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة». ورواه البزار عن إبراهيم بن زياد البغدادي عن يونس بن محمد عن عبد العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن زمن خالد بن عبد الله القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن فجلس إليه فحدث قال حدثنا

الأدلة من السنة على ثبات الأرض واستقرارها

أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة» فقال الحسن وما ذنبهما فقال أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول وما ذنبهما. إسناده صحيح على شرط مسلم. وروى الحافظ أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الشمس والقمر ثوران عقيران في النار» قال الهيثمي فيه ضعفاء قد وثقوا. قلت وحديث أبي هريرة رضي الله عنه يشهد له ويقويه. وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) (وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكور فيه الشمس والقمر ثم يوقد فيكون هو جهنم). وروى الإمام أحمد وابن جرير والحاكم في مستدركه عن يعلي بن أمية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البحر هو جهنم» قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي في تلخيصه. وفي الآيات من سورتي التكوير والانفطار مع هذه الأحاديث دليل على أن الأرض هي المركز والمستقر للأثقال وذلك يدل على سكونها وثباتها كما تقدم تقريره وفيها رد على أهل الهيئة الجديدة القائلين بحركة الأرض ودورانها وعلى من يقلدهم ويحذو حذوهم من المسلمين. فصل وأما الأحاديث الدالة على استقرار الأرض وسكونها. فالأول منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت» الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي. وهذا الحديث نص في استقرار الأرض وسكونها. الحديث الثاني عن صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "ذكر باباً من قبل المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين

أو سبعين عاماً خلقه الله يوم خلق السموات والأرض مفتوحاً يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه» رواه الإمام أحمد والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية لهما «إن الله عزَّ وجلَّ جعل بالمغرب باباً عرضه مسيرة سبعين عاماً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من قبله وذلك قول الله تبارك وتعالى (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها) الآية» قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وقد رواه ابن ماجه في سننه بإسناد صحيح ولفظه «إن من قبل مغرب الشمس باباً مفتوحاً عرضه سبعون سنة فلا يزال ذلك الباب مفتوحاً للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه فإذا طلعت من نحوه لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً». وهذا الحديث الصحيح من أقوى الأدلة على أن الأرض قارة ساكنة لا تدور ولا تفارق موضعها أبداً. وهذا مستفاد من النص على أن باب التوبة ثابت في ناحية المغرب لا يزايله ولا يغلق حتى تطلع الشمس من قبله. ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت وجهة ذلك الباب تختلف بحسب دوران الأرض فتكون من ناحية المغرب تارة ومن ناحية المشرق أخرى وعلى مسامتة الرأس تارة وفي الجهة المقابلة لذلك أخرى وفيما بين هذه الجهات تارات بحسب دوران الأرض وسيرها على حد زعمهم الكاذب وهذا إبطال للنص بغير دليل شرعي بل بمجرد الظنون الكاذبة والتوهمات الخاطئة. الحديث الثالث. قال أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي في أخبار مكة حدثني جدي عن سعيد بن سالم قال أخبرني ابن جريج عن صفوان بن سليم عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البيت الذي في السماء يقال له الضراح وهو مثل بناء هذا البيت الحرام ولو سقط لسقط عليه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبداً». ورواه الطبراني فقال أنبأنا الحسن بن علوية القطان حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار حدثنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة حدثنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البيت المعمور في السماء يقال له الضراح وهو على مثل البيت الحرام بحياله لو سقط لسقط عليه يدخله

كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يرونه قط وإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة. يعني في الأرض». قال ابن كثير وهكذا قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع بن أنس والسدي وغير واحد. وقال قتادة ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه «هل تدرون ما البيت المعمور» قالوا الله ورسوله أعلم قال «فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم». وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «في السماء السابعة بيت يقال له المعمور بحيال الكعبة». وقال ابن جرير حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة أن رجلا قال لعلي رضي الله عنه ما البيت المعمور قال بيت في السماء يقال له الضراح وهو بحيال الكعبة من فوقها حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون فيه أبداً. ثم رواه ابن جرير من حديث علي بن ربيعة وأبي الطفيل أن ابن الكواء سأل علياً رضي الله عنه عن البيت المعمور قال مسجد في السماء يقال له الضراح يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون فيه أبداً. ورواه أبو الوليد الأزرقي في أخبار مكة فقال حدثني جدي قال حدثني سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين عن أبي الطفيل قال سأل ابن الكواء علياً رضي الله عنه ما البيت المعمور قال هو الضراح وهو حذاء هذا البيت وهو في السماء السادسة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبداً وقال أيضاً حدثني أبو محمد قال حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال حدثنا سفيان بن عيينة بنحوه إلا أنه قال في السماء السابعة وقال لا يعودون إليه أبداً إلى يوم القيامة. وقال أيضاً حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه أنه وجد في التوراة بيتاً في السماء بحيال

الكعبة فوق قبتها اسمه الضراح وهو البيت المعمور يرده كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبداً. قال الجوهري الضراح بالضم بيت في السماء وهو البيت المعمور عن ابن عباس. وقال ابن الأثير الضراح بيت في السماء حيال الكعبة ويروى الضريح وهو البيت المعمور من المضارحة وهي المقابلة والمضارعة وقد جاء ذكره في حديث علي ومجاهد ومن رواه بالصاد فقد صحف. وقال ابن منظور في لسان العرب الضراح بالضم بيت في السماء مقابل الكعبة في الأرض قيل هو البيت المعمور عن ابن عباس وفي الحديث الضراح بيت في السماء حيال الكعبة. ويروى الضريح وهو البيت المعمور من المضارحة وهي المقابلة والمضارعة وقد جاء ذكره في حديث علي ومجاهد. وقال صاحب القاموس الضراح كغراب البيت المعمور في السماء الرابعة انتهى وقوله في السماء الرابعة غلط إما منه أو ممن دونه من النساخ أو الطابعين لأنه قد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن البيت المعمور في السماء السابعة والله أعلم. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما ذكرنا معه من الآثار المتعاضدة دليل على استقرار الأرض وسكونها. وهذا مستفاد من النص على أن الكعبة بحيال البيت المعمور في السماء وإن البيت المعمور لو سقط لسقط على الكعبة. ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما كان البيت المعمور بحيال الكعبة ولو خر لم يخر عليها بل يخر على الشمس لأنها هي المستقرة والمركز الذي تدور عليه الأفلاك على حد زعمهم الكاذب, ويلزم على هذا تكذيب الحديث والآثار المذكورة ههنا بغير مستند صحيح. الحديث الرابع عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله حرم هذا البلد يوم خلق السموات والأرض وصاغه يوم صاغ الشمس والقمر وما حياله من السماء حرام وأنه لم يحل لأحد قبلي وإنما أحل لي ساعة من نهار ثم عاد كما كان» رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية من طريقه ولبعضه شواهد في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس وأبي هريرة وأبي شريح الخزاعي رضي الله عنهم.

ذكر الاتفاق على كروية الأرض وأنها في وسط كرة السماء

وفيه دليل على استقرار الأرض وسكونها وهذا مستفاد من النص على تحريم ما حيال حرم مكة من السماء. ولو كانت الأرض تدور كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما كان حرم السماء بحيال حرم الأرض في كل وقت بل يكون بحياله تارة وبحيال غيره تارات وهذا تكذيب للحديث بلا برهان. الحديث الخامس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو أن رصاصة مثل هذه وأشار إلى مثل الجمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل» الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبيهقي وقال الترمذي هذا حديث إسناده حسن صحيح. ووجه الاستدلال بهذا الحديث على استقرار الأرض وثباتها أن الله تعالى جعل الأرض مركزاً للأثقال ومستقراً لما ينزل من السماء ولو كانت الأرض تجري وتدور على الشمس كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت الشمس هي المركز والمستقر للأثقال وهذا تكذيب لهذا الحديث الصحيح. وفي الحديث دليل آخر على استقرار الأرض وثباتها وذلك مستفاد من النص على أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة. والنص شامل لوجه الأرض من جميع الجهات لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ولم يخص جهة منها دون الجهة الأخرى فدل عموم النص على أن المسافة بين السماء والأرض خمسمائة سنة من كل جهة. وقد قرر الإمام أبو الحسين ابن المنادي أن بعد ما بين السماء والأرض من جميع الجهات بقدر واحد ووافقه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية وغيره على ذلك. وفي حديث عبد الله بن عمرو الذي ذكرنا دليل لما قالوه. وكذلك ما سيأتي من حديث أبي هريرة وابن مسعود والعباس وأبي سعيد رضي الله عنهم في تقدير المسافة بين السماء والأرض. وقد قرروا أيضاً أن السماء مستديرة وأنها على مثال الكرة وأنها محيطة بالأرض من جميع جهاتها وأن الأرض كروية الشكل وهي في وسط كرة السماء وحكى غير واحد الإجماع على ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وهذا مع النص على أن المسافة بين السماء والأرض خمسمائة سنة يدل على أن الأرض ثابتة لا تفارق موضعها. قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى اعلم أن الأرض قد اتفقوا

على أنها كروية الشكل وهي في الماء بأكثرها إذ اليابس السدس وزيادة بقليل. والماء أيضاً مقبب من كل جانب للأرض. والماء الذي فوقها بينه وبين السماء كما بيننا وبينها مما يلي رؤوسنا. وليس تحت وجه الأرض إلا وسطها ونهاية التحت المركز فلا يكون لنا جهة بينة إلا جهتان العلو والسفل وإنما تختلف الجهات باختلاف الإنسان. فعلو الأرض وجهها من كل جانب وأسفلها ما تحت وجهها. ونهاية المركز هو الذي يسمى محط الأثقال. فمن وجه الأرض والماء من كل وجهة إلى المركز يكون هبوطاً ومنه إلى وجهها صعودا. وإذا كانت سماء الدنيا فوق الأرض محيطة بها فالثانية كروية وكذا الباقي. والكرسي فوق الأفلاك كلها والعرش فوق الكرسي. ونسبة الأفلاك وما فيها بالنسبة إلى الكرسي كحلقة في فلاة والجملة بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة. والأفلاك مستديرة بالكتاب والسنة والإجماع فإن لفظ الفلك يدل على الاستدارة ومنه قوله تعالى (كل في فلك يسبحون) قال ابن عباس في فلكة كفلكة المغزل. ومنه قولهم تفلك ثدي الجارية إذا استدار. وأهل الهيئة والحساب متفقون على ذلك. وقال الشيخ أيضاً. السموات مستديرة عند علماء المسلمين وقد حكى إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من العلماء أئمة الإسلام مثل أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي أحد الأعيان الكبار من الطبقة الثانية من أصحاب الإمام أحمد وله نحو أربعمائة مصنف. وحكى الإجماع على ذلك الإمام أبو محمد بن حزم وأبو الفرج ابن الجوزي. وروى العلماء ذلك بالأسانيد المعروفة عن الصحابة والتابعين وذكروا ذلك من كتاب الله وسنة رسوله وبسطوا القول في ذلك بالدلائل السمعية وإن كان قد أقيم على ذلك أيضاً دلائل حسابية. ولا أعلم في علماء المسلمين المعروفين من أنكر ذلك إلا فرقة يسيرة من أهل الجدل لما ناظروا المنجمين فأفسدوا عليهم فاسد مذهبهم في الأحوال والتأثير خلطوا الكلام معهم بالمناظرة في الحساب وقالوا على سبيل التجويز يجوز أن تكون مربعة أو مسدسة أو غير ذلك ولم ينفوا أن تكون مستديرة لكن جوزوا ضد ذلك وما علمت من قال إنها غير مستديرة وجزم بذلك إلا من لا يؤبه له من الجهال. ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) وقال تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق

ذكر الإجماع على استدارة الأفلاك

النهار وكل في فلك يسبحون) قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من السلف في فلكة مثل فلكة المغزل. وهذا صريح بالاستدارة والدوران. وأصل ذلك أن الفلك في اللغة هو الشيء المستدير يقال تفلك ثدي الجارية إذا استدار ويقال لفلكة المغزل المستديرة فلكة لاستدارتها. فقد اتفق أهل التفسير واللغة على أن الفلك هو المستدير. والمعرفة لمعاني كتاب الله إنما تؤخذ من هذين الطريقين. من أهل التفسير الموثوق بهم من السلف. ومن اللغة التي نزل القرآن بها وهي لغة العرب. وقال تعالى (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) قالوا والتكوير التدوير يقال كورت العمامة إذا دورتها. ويقال للمستدير كارة وأصله كورة تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً. ويقال أيضاً كره وأصله كورة وإنما حذفت عين الكلمة كما قيل في ثبة وقله. والليل والنهار وسائر أحوال الزمان تابعة للحركة فإن الزمان مقدار الحركة والحركة قائمة بالجسم المتحرك. فإذا كان الزمان التابع للحركة التابعة للجسم موصوفاً بالاستدارة كان الجسم أولى بالاستدارة. ثم ذكر الشيخ ما يدل على استدارة الأفلاك إلى أن قال - والحس مع العقل يدل على ذلك فإنه مع تأمل دوران الكواكب القريبة من القطب في مدار ضيق حول القطب الشمالي ثم دوران الكواكب المتوسطة في السماء في مدار واسع وكيف يكون في أول الليل وفي آخره يعلم ذلك. وكذلك من رأى حال الشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها في الأوقات الثلاثة على بعد واحد وشكل واحد ممن يكون على ظهر الأرض علم أنها تجري في فلك مستدير وأنه لو كان مربعاً لكانت وقت الاستواء أقرب إلى من تحاذيه منها وقت الطلوع والغروب. وأما من ادعى ما يخالف الكتاب والسنة فهو مبطل في ذلك وإن زعم أن معه دليلا حسابياً. وقال الشيخ أيضاً: قد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة أن الأفلاك مستديرة - ثم ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وقد تقدم ذكر بعضها في كلامه الذي ذكرنا قبل هذا. إلى أن قال - وأما إجماع العلماء فقال إياس بن معاوية الإمام المشهور قاضي البصرة من التابعين, السماء على الأرض مثل القبة.

ذكر الإجماع على أن السموات مستديرة

وقال الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي من أعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتصانيف الكبار في فنون العلوم الدينية من الطبقة الثانية من أصحاب أحمد لا خلاف بين العلماء أن السماء على مثال الكرة قال وكذلك أجمعوا على أن الأرض بجميع أجزائها من البر والبحر مثل الكرة. قال ويدل عليه أن الشمس والقمر والكواكب لا يوجد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقت واحد بل على المشرق قبل المغرب. قال فكرة الأرض مثبتة في وسط كرة السماء كالنقطة في الدائرة. يدل على ذلك أن جرم كل كوكب يرى في جميع نواحي السماء على قدر واحد فيدل ذلك على بعد ما بين السماء والأرض من جميع الجهات بقدر واحد فاضطرار أن تكون الأرض وسط السماء انتهى. وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية: حكى ابن حزم وابن المنادي وأبو الفرج ابن الجوزي وغير واحد من العلماء الإجماع على أن السموات كرة مستديرة. وقال أيضاً في تفسير سورة الرعد عند قوله تعالى (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) الآية يخبر تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بإذنه وأمره رفع السموات بغير عمد بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعداً لا تنال ولا يدرك مداها. فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها مرتفعة عليها من كل جانب على السواء. وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام وسمكها في نفسها مسيرة خمسمائة عام. ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت وبينهما من بعد المسير خمسمائة عام وسمكها خمسمائة عام. وهكذا الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة انتهى. والمقصود ههنا ذكر الإجماع على أن السموات مستديرة وذكر الإجماع على أن الأرض مثل الكرة وبيان أنها مثبتة في وسط كرة السماء كالنقطة في الدائرة. وقد تقدم النص على أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة وهذا يدل على أن الأرض قارة ثابتة. ولو كانت الشمس هي القارة الثابتة وكانت الأرض تدور عليها كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لما كان بين الأرض وبين السماء مسيرة خمسمائة سنة من جميع الجهات بل تكون جهة منها أقرب إلى السماء من الجهة الأخرى بمسافة بعيدة على قدر سعة الفلك الذي تدور فيه على حد زعمهم. وهذا باطل قطعاً. ونص حديث عبد الله بن

السماء الدنيا محيطة بالأرض وكل سماء محيطة بما تحتها وما حوت

عمرو رضي الله عنهما مع نصوص الأحاديث التي تأتي ترد هذا الزعم الكاذب. وأيضاً فلو كانت الشمس قارة ساكنة والأرض تدور عليها لكانت الشمس هي المركز وكانت الأرض أقرب إلى السماء من الشمس وهذا باطل قطعاً لأن الشمس في السماء بنص القرآن قال الله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً) وقال تعالى مخبراً عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا. وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً). وأما الأرض فبعيدة من السماء كما يدل على ذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الذي ذكرنا وما يأتي من حديث أبي هريرة وابن مسعود والعباس بن عبد المطلب وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم في تقدير المسافة بين السماء والأرض بخمسمائة سنة وإذا كانت الشمس في السماء فمحال أن تدور الأرض عليها لأنها لو كانت تدور عليها لكانت تخترق السموات وهذا لا يقوله عاقل. الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا العنان هذه روايا الأرض يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ثم قال هل تدرون ما فوقكم قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف ثم قال هل تدرون كم بينكم وبينها قالوا الله ورسوله أعلم قال بينكم وبينها خمسمائة سنة ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك سمائين ما بينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عد سبع سموات ما بين كل سمائين كما بين السماء والأرض ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السمائين» الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن أبي حاتم والبزار وقال الترمذي هذا حديث غريب. الرقيع السماء قال ابن الأثير فيه أنه قال لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع أرقعة يعني سبع سموات وكل سماء يقال لها رقيع

والجمع أرقعة. وقيل الرقيع اسم سماء الدنيا فأعطى كل سماء اسمها انتهى. الحديث السابع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال «ما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام والعرش على الماء والله على العرش ويعلم أعمالكم» رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد بإسناد صحيح على شرط مسلم. ورواه أيضاً من وجه آخر ولفظه «ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وبصر كل سماء خمسمائة - يعني غلظها -» وذكر بقيته بنحوه. وقد رواه الطبراني في الكبير بنحو الرواية الأولى قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح. وهذا الحديث له حكم المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف. الحديث الثامن عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت سحابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتدرون ما هذا قال قلنا السحاب قال والمزن قلنا والمزن قال والعنان قال فسكتنا فقال هل تدرون كم بين السماء والأرض قال قلنا الله ورسوله أعلم قال بينهما مسيرة خمسمائة سنة ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تبارك وتعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء) رواه الإمام أحمد والبغوي بهذا اللفظ. وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في كتاب التوحيد والحاكم في مستدركه عن العباس رضي الله عنه قال كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال ما تسمون هذه قالوا السحاب قال والمزن قالوا والمزن قال والعنان قالوا والعنان. قال أبو داود لم أتقن العنان جيداً. قال صلى الله عليه وسلم «هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض قالوا لا ندري قال إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقها كذلك

حتى عد سبع سموات ثم فوق السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهم العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك». هذا لفظ أبي داود ونحوه رواية الترمذي وابن ماجه. ورواية ابن خزيمة والحاكم مختصرة. وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب. وهذه الرواية مخالفة لرواية الإمام أحمد والبغوي وما قبلها من حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهم وما سيأتي من حديث أبي سعيد رضي الله عنه في مقدار المسافة بين السماء والأرض. وقد جمع بين الروايتين غير واحد من العلماء منهم ابن خزيمة في كتاب التوحيد وابن القيم في تهذيب السنن والذهبي. قال ابن القيم رحمه الله تعالى وأما اختلاف مقدار المسافة في حديثي العباس وأبي هريرة رضي الله عنهما فهو مما يشهد بتصديق كل منهما للآخر فإن المسافة يختلف تقديرها بحسب اختلاف السير الواقع فيها. فسير البريد مثلا يقطع بقدر سير ركاب الإبل سبع مرات. وهذا معلوم بالواقع فما تسيره الإبل سيراً قاصداً في عشرين يوماً يقطعه البريد في ثلاثة فحيث قدر النبي صلى الله عليه وسلم بالسبعين أراد به السير السريع سير البريد وحيث قدر بالخمسمائة أراد به السير الذي يعرفونه سير الإبل والركاب فكل منهما يصدق الآخر ويشهد بصحته ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. وقال الذهبي لا منافاة بينهما لأن تقدير ذلك بخمسمائة عام هو على سير القافلة مثلا. ونيف وسبعون سنة على سير البريد لأنه يصح أن يقال بيننا وبين مصر عشرون يوماً باعتبار سير العادة وثلاثة أيام باعتبار سير البريد انتهى. الحديث التاسع عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (وفرش مرفوعة) قال «ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام» رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب. وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه والأحاديث الثلاثة قبله دليل على استقرار

الأرض وثباتها وقد تقدم إيضاح ذلك في الكلام على حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وهو الحديث الخامس فليراجع. الحديث العاشر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن» الحديث رواه البخاري. الحديث الحادي عشر عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل» الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. الحديث الثاني عشر عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل ويزاد في حرها» الحديث رواه الإمام أحمد والطبراني. قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح غير القاسم بن عبد الرحمن وقد وثقه غير واحد. الحديث الثالث عشر عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «تدنو الشمس من الأرض فيعرق الناس» الحديث رواه الإمام أحمد والطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وقال الهيثمي إسناد الطبراني جيد. الحديث الرابع عشر عن المقدام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تدنو الشمس يوم القيامة حتى تكون من الناس قدر ميل ويزاد في حرها» الحديث رواه الطبراني. الحديث الخامس عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس» الحديث رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي. الحديث السادس عشر عن سلمان رضي الله عنه قال «تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس» الحديث رواه الطبراني. قال المنذري وإسناده صحيح وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. قلت وله حكم المرفوع لأن مثله

لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف وهذه الأحاديث السبعة وإن كانت من أخبار يوم القيامة ففيها دليل على أن الأرض قارة ثابتة لا تفارق موضعها. ولو كانت الشمس هي القارة الثابتة لكانت الأرض هي التي تدنى منها وهذا خلاف نصوص هذه الأحاديث والله أعلم. فهذا ما يسره الله تعالى من الآيات والأحاديث الدالة على أن الشمس تسير وتدور على الأرض وإن الأرض قارة ثابتة بخلاف ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة من أن الشمس قارة ثابتة وأن الأرض تدور عليها. وحقيقة قولهم تكذيب الآيات والأحاديث التي ذكرنا واطراحها بالكلية وذلك هو الضلال البعيد. وقد قال الله تعالى (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين). وقول أهل الهيئة الجديدة في الشمس والأرض دائر بين افتراء الكذب والتكذيب بالحق. ومن أعجب العجب أنه قد جعل في زماننا من الفنون المهمة التي تدرس في كثير من المدارس ويعتنى بها في كثير من الأقطار الإسلامية أكثر مما يعتنى بالعلوم الشرعية. وهذا مصداق ما جاء في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل» الحديث متفق عليه. وفي رواية «من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل». ولهما عن عبد الله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما قالا قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم» الحديث. وقال الشعبي لا تقوم الساعة حتى يصير العلم جهلا والجهل علماً. رواه ابن أبي شيبة وله حكم المرفوع لأنه إخبار عن أمر غيبي ومثله لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف ومن أقبح الجهل وأظلم الظلم تكذيب الله تعالى وتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم ومعارضة الآيات والأحاديث الصحيحة بأقوال أعداء الله تعالى وتخرصاتهم الكاذبة وآرائهم الفاسدة وتوهماتهم الخاطئة وتعلم ذلك وتعليمه. وقد أخبرني غير واحد من الطلبة في بعض المعاهد أن بعض معلميهم من ذوي الجهل المركب صرح عنده بما يعتقده من استقرار الشمس ودوران الأرض حولها. فقال

التحذير من الإصغاء إلى دسائس أعداء الله

له الطلبة ما تقول في قول الله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها) وقوله تعالى (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) وأمثال هذه الآيات. فقال القرآن حق. فقالوا له يلزمك على هذا أن تعتقد جريان الشمس فأبى فطالبوه بالدليل على قوله فقال هكذا تلقينا من علمائنا. فانظر يا من نور الله قلبه بنور العلم والإيمان إلى جواب هذا المخدوع المغرور بزخارف أعداء الله وشبهاتهم. واحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به المنحرفين المكذبين لنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة تقليداً منهم لأعداء الله تعالى من الكفار والمنافقين الذين أسسوا بنيانهم على شفا جرف هارٍ ينهار بمن تمسك به في نار جهنم. وما أشبه هذا الذي ذكرنا جوابه ومن جرى مجراه بالذين قال الله تعالى فيهم (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا. أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً). فاحذروا أيها المسلمون من الإصغاء إلى دسائس أعداء الله تعالى والاغترار بزخارفهم وشبهاتهم فإنهم لا يألونكم خبالا وودوا لو تكفرون بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة قال الله تعالى (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) الآية. وقال تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين). ففي هذه الآيات أبلغ تحذير للمسلمين من طاعة الكفار والمنافقين وقبول آرائهم وظنونهم وتخرصاتهم فإنهم لا يألون المسلمين خبالا وودوا ما عنتهم وأضلهم عن الصراط السوي والهدي. وقد جعل الله سبحانه وتعالى للمسلمين في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كفاية وغنية عما سواهما من أقوال الناس وآرائهم وتخرصاتهم قال الله تعالى (أولم

يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) وقال تعالى (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) وقال تعالى (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) وقال تعالى (فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى, قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى). قال ابن عباس رضي الله عنهما «من تعلم كتاب الله ثم اتبع ما فيه هداه الله من الضلالة في الدنيا ووقاه يوم القيامة سوء الحساب» رواه رزين. وفي رواية قال «من اقتدى بكتاب الله لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم تلا هذه الآية (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى)» وقد ذكره البغوي في تفسيره بنحوه. وروى الإمام أحمد ومسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال «أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي». وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل». وفي رواية له أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عزَّ وجلَّ هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة». ورواه الترمذي مختصراً ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء

إلى الأرض وعترتي أهل بيتي» الحديث قال الترمذي حديث حسن غريب. وروى مسلم أيضاً وأبو داود وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفة «وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله» ورواه الترمذي بنحوه مختصراً. وروى مالك في الموطأ بلاغاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله». وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع - فذكر الحديث وفيه أنه قال «يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه» صححه الحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه. وروى الحاكم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنة نبيه ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض». وروى الطبراني في الكبير وابن حبان في صحيحه عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً». قال المنذري إسناد الطبراني جيد. وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. وروى الطبراني أيضاً في الكبير والصغير والبزار من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وروى أبو عبيد القاسم بن سلام وابن مردويه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين وهو الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه» ورواه الطبراني والبغوي بنحوه موقوفاً. وروى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ألا إنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ ما

النهي عن سؤال أهل الكتاب والاعتماد على ما عندهم

قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم» الحديث. قال الترمذي غريب. وقد رواه الإمام أحمد بإسناد ضعيف ولفظه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن أمتك مختلفة بعدك قال فقلت فأين المخرج يا جبريل قال فقال كتاب الله تعالى به يقصم الله كل جبار من اعتصم به نجا ومن تركه هلك مرتين قول فصل وليس بالهزل لا تختلقه الألسن ولا تفنى أعاجيبه فيه نبأ ما قبلكم وفصل ما بينكم وخبر ما هو كائن بعدكم». وروى الطبراني من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو رواية الترمذي وإسناده ضعيف. وروى ابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء» قال أبو الدرداء صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء. وروى الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم في مستدركه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة بنحوه قال المنذري وإسناده حسن. وإذا علم ما ذكرنا من الآيات والأحاديث في الحث على الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما فيها من النص على أن من تمسك بهما كان على الهدى ومن تركهما كان على الضلالة. فماذا يقال في الذين يعرضون عن أدلة الكتاب والسنة على جريان الشمس وثبات الأرض واستقرارها ويتمسكون بأقوال أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من ضعفاء البصيرة ويقدمونها على نصوص الكتاب والسنة. الجواب أن يقال: لا شك أن هذا ضلال عن الصراط المستقيم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤال أهل الكتاب كما سيأتي إيراده إن شاء الله تعالى. وغضب صلوات

الله وسلامه عليه على عمر رضي الله عنه غضباً شديداً لما رأى معه كتاباً استنسخه من بعض أهل الكتاب وكان فيه جوامع من التوراة. وكان عمر رضي الله عنه في خلافته يعاقب من يكتب مما عند أهل الكتاب أشد العقوبة. قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى حدثنا سريج بن النعمان أخبرنا هشيم أنبأنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم قال فغضب وقال «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني». فيه مجالد ضعفه ابن معين ويحيى بن سعيد والدارقطني وغيرهم ووثقه النسائي وغيره وروى له مسلم مقروناً بغيره وبقية رجاله رجال الصحيح. وروى البزار عن جابر رضي الله عنه قال نسخ عمر رضي الله عنه كتاباً من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير فقال رجل من الأنصار ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا وإنكم إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني». فيه جابر الجعفي تركه يحيى القطان وقال النسائي متروك ووثقه شعبة وسفيان الثوري وقال وكيع ما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابر الجعفي ثقة. وروى الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن زيد الذي أري الأذان أمسخ الله عقلك ألا ترى الذي بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال «والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم

اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالاً بعيداً أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين» قال الهيثمي فيه أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي ولم أر من ترجمه وبقية رجاله موثقون. وروى الإمام أحمد والطبراني عن عبد الله بن ثابت رضي الله عنه قال جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله يعني ابن ثابت فقلت ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا قال فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال «والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين». قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه جابر الجعفي وهو ضعيف. قلت قد تقدم عن شعبة والثوري ووكيع أنهم وثقوه. وروى البزار عن عبد الله بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه نسخ صحيفة من التوراة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء» قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا جابر الجعفي. وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي عن خالد بن عرفطة قال كنت جالساً عند عمر رضي الله عنه إذ أتي برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس فقال له عمر أنت فلان بن فلان العبدي قال نعم قال وأنت النازل بالسوس قال نعم فضربه بقناة معه قال فقال الرجل مالي يا أمير المؤمنين فقال له عمر اجلس فجلس فقرأ عليه (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ألر تلك آيات الكتاب المبين. إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون. نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) فقرأها عليه ثلاثاً وضربه ثلاثاً فقال له الرجل ما لي يا أمير المؤمنين فقال أنت الذي نسخت كتاب دانيال قال مرني بأمرك أتبعه قال انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض ثم لا تقرأه ولا تقرئه أحداً من الناس فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحداً من الناس لأنهكنك عقوبة ثم قال اجلس فجلس بين يديه فقال انطلقت فانتسخت كتاباً من أهل الكتاب ثم

جئت به في أديم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما هذا في يدك يا عمر» قلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علماً إلى علمنا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة فقالت الأنصار اغضب نبيكم صلى الله عليه وسلم السلاح السلاح فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصاراً ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون» قال عمر رضي الله عنه فقمت فقلت رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك رسولا ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الهيثمي فيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ضعفه أحمد وجماعة. قلت وقد روى له شاهد من وجه آخر عن سليم بن عامر أن جبير بن نفير حدثهم أن رجلين تحابا في الله بحمص في خلافة عمر رضي الله عنه وكانا قد اكتتبا من اليهود ملء صفنين فأخذاهما معهما يستفتيان فيهما أمير المؤمنين وكان أرسل إليهما عمر رضي الله عنه فيمن أرسل إليه من أهل حمص فقالا يا أمير المؤمنين إنا بأرض أهل الكتابين وإنا نسمع منهم كلاماً تقشعر منه جلودنا أفنأخذه منهم أم نترك قال لعلكما اكتتبتما منه شيئاً فقالا لا قال سأحدثكما إني انطلقت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتيت خيبر فوجدت يهودياً يقول قولا أعجبني فقلت هل أنت مكتبي مما تقول قال نعم قال فأتيته بأديم ثنية أو جذعة فأخذ يملي علي حتى كتبت في الأكرع رغبة في قوله فلما رجعت قلت يا رسول الله إني لقيت يهودياً يقول قولا لم أسمع مثله بعدك قال لعلك كتبت منه قلت نعم قال ائتني به فانطلقت ارغب عن المشي رجاء أن أكون جئت نبي الله صلى الله عليه وسلم ببعض ما يحبه فلما أتيت به قال اجلس فاقرأ علي فقرأت ساعة ثم نظرت إلى وجهه فإذا هو يتلون فتحيرت من الفرق فما استطعت أجيز منه حرفاً فلما رأى الذي بي رفعه ثم جعل يتتبعه رسماً رسماً فيمحوه بريقه وهو يقول «لا تتبعوا هؤلاء فإنهم قد هوكو وتهوكوا» حتى محا آخره حرفاً. قال عمر رضي الله عنه فلو أعلم أنكما اكتتبتما منهم شيئاً جعلتكما نكالا لهذه الأمة قالا والله لا نكتب منهم شيئاً أبداً فخرجا بصفنيهما فحفرا لهما من الأرض فلم يألوا أن يعمقا ودفناهما فكان آخر العهد منهما رواه الإسماعيلي

والطبراني وأبو نعيم في الحلية من طريقه. قال الجوهري الصفن خريطة الراعي فيها طعامه وزناده وكذا ذكر ابن منظور في لسان العرب عن أبي عمرو أنه قال الصفن بالضم خريطة تكون للراعي فيها طعامه وزناده وما يحتاج إليه. قال ابن منظور وقيل هي السفرة التي تجمع بالخيط وتضم صادها وتفتح. ونقل عن أبي عبيد أنه قال سمعت من يقول الصفن بفتح الصاد والصفنة أيضاً بالتأنيث. وعن ابن الأعرابي الصفنة بفتح الصاد هي السفرة التي تجمع بالخيط ومنه يقال صفن ثيابه في سرجه إذا جمعها. وقال أبو عبيد الصفنة كالعيبة يكون فيها متاع الرجل وأداته فإذا طرحت الهاء ضممت الصاد وقلت صفن. وأما التهوك فقال الجوهري هو التحير قال والتهوك أيضاً مثل التهور وهو الوقوع في الشيء بقلة مبالاة. وقال ابن الأثير التهوك كالتهور وهو الوقوع في الأمر بغير روية والمتهوك الذي يقع في كل أمر وقيل هو التحير. وقال ابن منظور التهوك السقوط في هوة الردى وإنه لمتهوك لما هو فيه أي يركب الذنوب والخطايا والمتهوك الذي يقع في كل أمر. وروى الإسماعيلي وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكتبون من التوراة فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أحمق الحمق وأضل الضلالة قوم رغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى نبي غير نبيهم وإلى أمة غير أمتهم» ثم أنزل الله تعالى (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون). وإذا كان هذا قوله صلى الله عليه وسلم للذين كتبوا جوامع من التوراة مع ما ذكرنا عنه صلى الله عليه وسلم من الغضب على عمر رضي الله عنه لما رأى معه الكتاب الذي استنسخه من بعض أهل الكتاب ليزداد به علماً فكيف لو رأى الذين يرغبون عن نصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بجريان الشمس وفيما يتعلق بغيرها من الأجرام العلوية وبالسموات والأرض ويقدمون عليها أقوال الفلاسفة الدهريين مثل كوبرنيك البولوني وهرشل الإنكليزي وأتباعهما من أهل الهيئة الجديدة الذين لا يعتمدون في أقوالهم على

ذكر الإجماع على وقوف الأرض وسكونها

كتاب من الكتب المنزلة من السماء وإنما يعتمدون على أرصادهم وآرائهم وتخرصاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان. وما أكثر الذين يميلون إلى أقوالهم الباطلة في زماننا ويتلقونها بالقبول والتسليم ويرون أنها هي العلم الصحيح وما خالفها فهو عندهم مردود ولو كان من نصوص الكتاب والسنة وكأنهم يرون أن القرآن إنما أنزل لمجرد التلاوة لا للعمل به واعتقاد ما جاء فيه. ولو أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى أمثال هؤلاء لما كان يكتفي في عقوبتهم بالضرب فقط بل كان يقتلهم كما قتل الذي لم يرض بالتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أين لنا الآن مثل عمر رضي الله عنه الذي كان لا تأخذه في الله لومة لائم. وخلاصة القول أنه يجب على المسلم أن يتمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويعض عليهما بالنواجذ ويقدمهما على ما سواهما ولا يقدم عليهما شيئاً البتة. وأن يكتفي بهما وبما عند المسلمين من العلوم النافعة المستفادة منهما, ومن لم يكتف بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عند المسلمين من العلوم المستفادة منهما بل ذهب يطلب غير ذلك من أقوال الكفار والمنافقين وآرائهم وتخرصاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان فأبعده الله وأسحقه. فصل في ذكر الإجماع على وقوف الأرض وسكونها ذكر الشيخ عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي الإسفراييني التميمي - وكان في آخر القرن الرابع من الهجرة وأول القرن الخامس - في آخر كتابه «الفرق بين الفِرق» جملة مما أجمع عليه أهل السنة قال فيها: وأجمعوا على وقوف الأرض وسكونها وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها خلاف قول من زعم من الدهرية أن الأرض تهوي أبداً لأن الخفيف لا يلحق ما هو أثقل منه في انحداره.

وأجمعوا على أن الأرض متناهية الأطراف من الجهات كلها وكذلك السماء متناهية الأقطار من الجهات الست خلاف قول من زعم من الدهرية أنه لا نهاية للأرض من أسفل ولا من اليمين واليسار ولا من خلف ولا من أمام وإنما نهايتها من الجهة التي تلاقي الهواء من فوقها. وزعموا أن السماء أيضاً متناهية من تحتها ولا نهاية لها من خمس جهات سوى جهة السفل. وبطلان قولهم ظاهر من جهة عود الشمس إلى مشرقها كل يوم وقطعها جرم السماء وما فوق الأرض في يوم وليلة. ولا يصح قطع ما لا نهاية لها من المسافة في الأمكنة في زمان متناه انتهى. وقال القرطبي في تفسيره عند قول الله تعالى في سورة الرعد (وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً) الآية ما نصه: والذي عليه المسلمون وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها ومدها وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها انتهى. وهذا صريح في حكاية الإجماع من المسلمين وأهل الكتاب على ثبات الأرض واستقرارها. وقد قرر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه «مفتاح دار السعادة» أن الأرض واقفة ساكنة. وقرر ذلك غيره من أكابر العلماء. ولا أعلم عن أحد من سلف الأمة وأئمتها خلافاً في ذلك. وإنما خالف في ذلك أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج مثل كوبرنيك البولوني وهرشل الإنكليزي وأتباعهم ومن نحا نحوهم من العصريين. فهؤلاء هم المخالفون في ثبوت الأرض واستقرارها من المتأخرين. وأما المخالفون في ذلك من المتقدمين فهم الدهرية وفيثاغورس وأتباعه من اليونان. ولا عبرة بخلاف هؤلاء الذين أشرنا إليهم من المتقدمين والمتأخرين. ولا ينبغي للمسلم أن يغتر بأقوال أعداء الله ولا يصغي إلى تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة ولا يعتد بأقوالهم الفاسدة وتوهماتهم الخاطئة. ولا ينبغي أيضاً أن يصغي إلى أقوال الذين يقلدونهم ويحذون حذوهم من المسلمين.

ذكر أدلة عقلية على ثبات الأرض واستقرارها

فصل في ذكر أدلة عقلية على ثبات الأرض واستقرارها فمن ذلك ما هو مشاهد من سير السحاب المسخر بين السماء والأرض فإنا نراه عندنا في البلاد النجدية في فصل الشتاء والربيع وأكثر فصل الخريف يأتي في الغالب من المغرب ويذهب نحو المشرق. وفي بعض الأحيان يأتي من جهة الشمال ويذهب نحو الجنوب ويأتي أيضاً من جهة الجنوب ويذهب نحو الشمال وربما أتى من ناحية المشرق وذهب نحو المغرب. وفي فصل الصيف وهو الذي تسميه العامة القيظ ليس له اتجاه معتاد بل يأتي من المشرق ومن المغرب ومن الجنوب ومن الشمال. وفي نواحي الحجاز يأتي في الغالب من جهة القطب الجنوبي ويذهب نحو القطب الشمالي وربما أتى من جهة المشرق وذهب نحو المغرب وبالعكس وربما أتى من جهة الجنوب وذهب نحو الشمال وبالعكس. وسيره من جميع الجهات متقارب لا يختلف بعضه عن بعض بالسرعة إلا بسبب ريح شديدة تسوقه, ولو كانت الأرض تسير كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لاختلف سير السحاب بسبب سير الأرض ولكان اتجاهه دائماً إلى جهة المغرب بعكس سير الأرض ولم يذهب إلى جهة المشرق أبداً لأن الأرض تفوته بسرعة سيرها. فقد زعم المتأخرون من أهل الهيئة الجديدة أنها تسير في الثانية أكثر من ثلاثين كيلومتراً وأنها تقطع في اليوم الواحد أكثر من خمسمائة ألف فرسخ. ولما كان سير السحاب من جميع الجهات مقارباً بعضه بعضاً دل ذلك على أن الأرض قارة ساكنة. ومن ذلك ما يسره الله تعالى في زماننا من وجود المراكب الجوية التي تخترق الهواء في جميع أرجاء الأرض فإن سيرها من المشرق إلى المغرب مثل سيرها من المغرب إلى المشرق وكذلك سيرها من الجنوب إلى الشمال مثل سيرها من الشمال إلى الجنوب كل ذلك لا يختلف.

الرد على من قال أن الهواء تابع للأرض

ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكان من في المشرق إذا أراد المغرب رفع طائرته في الهواء ثم أمسكها وقتاً يسيراً حتى تصل إليه أقطار المغرب فينزل فيها. وأما من في المغرب فلا يمكنه أن يسير إلى المشرق في مركب جوي أبداً لأنه إذا رفع طائرته عن الأرض فاتته الأرض بسرعة سيرها. هذا على حد زعمهم. وكذلك الذين في الجنوب والشمال لا بد أن تفوتهم الأرض بسرعة سيرها فلا يهتدون إلى موضع قصدوه في مراكبهم الجوية. ولما كانت هذه التقديرات منتفية وكان السير في الجو من الأقطار المتباينة مقارباً بعضه بعضاً دل ذلك على أن الأرض قارة ساكنة. ومن ذلك ما هو مشاهد من نهوض الطيور من أوكارها أو غيرها مما هي واقعة عليه وطيرانها في الهواء وذهابها يميناً وشمالا ورجوعها إلى أوكارها أو غيرها من الأشجار والمواضع التي تقع عليها كثيراً وهذا يدل على ثبات الأرض واستقرارها ولو كانت تسير كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما رجعت الطيور إلى أماكنها من الأرض لأن الأرض تفوتها بسرعة سيرها. ومثل ذلك الطائرات فإنها تطير من المطارات وتذهب نحو المشرق والمغرب والجنوب والشمال وربما عرض لها عارض يمنعها من مواصلة السير إلى المواضع التي يقصدها أهلها فترجع إلى المواضع التي طارت منها بعدما تنأى عنها بمسافة بعيدة, وهذا يدل على ثبات الأرض واستقرارها ولو كانت الأرض تسير كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما رجعت الطائرات إلى مطاراتها أبداً لأن الأرض تفوتها بسرعة سيرها. ومن ذلك ما هو مشاهد من رمي الصيد والأهداف وإصابتها ولو كانت الأرض تسير كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما أصاب الرامي صيداً ولا هدفاً ولاسيما إذا كان الصيد أو الهدف بعيداً عنه لأنه إذا أطلق السهم أو الرصاص فاتته الأرض بسرعة سيرها فلا يصيب السهم والرصاص ما وجهه الرامي نحوه. ولما كانت إصابة الصيد والأهداف تقع من كثير من الرماة دل ذلك على أن الأرض قارة ساكنة. فإن قيل إن الهواء تابع للأرض يسير بسيرها فلا تفوت الأرض إذا شيئاً مما يكون في الهواء فوقها. فالجواب أن يقال هذا من أبطل الباطل لأن الهواء مستقل بنفسه وليس تابعاً للأرض

قال الله تعالى في سورة الم تنزيل السجدة (الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش) الآية. وقال تعالى في سورة ق (ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام) الآية. وقال تعالى في سورة الدخان (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين) وقال تعالى في سورة الأنبياء (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) وقال تعالى في سورة ص (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلا) الآية. وقال تعالى في سورة الحجر (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق) الآية. وقال تعالى في سورة الأحقاف (ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى) الآية وقال تعالى في سورة ص (أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما) الآية. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الهواء مستقل بنفسه وليس تابعاً للأرض. وكما أن كلاً من السماء والأرض مستقلة بنفسها وليست تابعة للأخرى فكذلك الهواء مستقل بنفسه وليس تابعاً للسماء ولا للأرض ولا يتصور أن يكون الهواء تابعاً لغيره إلا فيما يكون محجوزاً بالسقوف والجدر ونحوها كالهواء الذي يكون في داخل الطائرات والسيارات والمراكب ونحوها فإنه يسير بسيرها بخلاف ما يكون فوق سطوحها فإنه لا يكون تابعاً لها ولا يسير بسيرها كما هو معلوم عند كل عاقل. وما على وجه الأرض من الهواء شبيه بما على ظهور الطائرات من الهواء فكما أن ما على ظهور الطائرات من الهواء لا يتبعها ولا يسير بسيرها فكذلك ما على ظهر الأرض من الهواء لا يكون تابعاً لها والله أعلم. وأيضاً فلو كان الهواء تابعاً للأرض وسائراً بالسرعة الهائلة التي زعموها في سير الأرض كما ذكرنا قولهم في ذلك قريباً فإنه لا يستطيع الطير ولا الطائرات أن تسبح فيه وتذهب شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً ثم ترجع إلى مواضعها من الأرض. ولما كان الطير يطير إلى حيث شاء من الجهات ثم يرجع إلى موضعه الذي طار منه وكانت الطائرات تسير على خطوط مستقيمة شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً ثم ترجع إلى المواضع التي طارت منها دل ذلك على أن الهواء ساكن لا يسير ولا يتحرك إلا أن تحركه ريح تهب فيه.

تقرير الرازي لثبات الأرض بالدليل العقلي

فصل قال الرازي في تفسيره عند قول الله تعالى في سورة البقرة (الذي جعل لكم الأرض فراشاً) الآية ما نصه: اعلم أن الله سبحانه وتعالى ذكر ههنا أنه جعل الأرض فراشاً. ونظيره قوله (أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا) وقوله (الذي جعل لكم الأرض مهدا) واعلم أن كون الأرض فراشاً مشروط بأمور, الشرط الأول كونها ساكنة وذلك لأنها لو كانت متحركة لكانت حركتها إما بالاستقامة أو بالاستدارة. فإن كانت بالاستقامة لما كانت فراشاً لنا على الإطلاق لأن من طفر من موضع عال كان يجب أن لا يصل إلى الأرض لأن الأرض هاوية وذلك الإنسان هاوٍ والأرض أثقل من الإنسان والثقيلان إذا نزلا كان أثقلهما أسرعهما والأبطأ لا يلحق الأسرع فكان يجب أن لا يصل الإنسان إلى الأرض فثبت أنها لو كانت هاوية لما كانت فراشاً. أما لو كانت حركتها بالاستدارة لم يكمل انتفاعنا بها لأن حركة الأرض مثلا إذا كانت إلى المشرق والإنسان يريد أن يتحرك إلى جانب المغرب ولا شك أن حركة الأرض أسرع فكان يجب أن يبقى الإنسان على مكانه وأنه لا يمكنه الوصول إلى حيث يريد. فلما أمكنه ذلك علمنا أن الأرض غير متحركة لا بالاستدارة ولا بالاستقامة فهي ساكنة انتهى. فصل وقد ذكر الألوسي عن فيثاغورس وأتباعه أهل الهيئة الجديدة أنهم قالوا إن الأرض سابحة في الجو معلقة بسلاسل الجاذبية وقائمة بها. ونقول أما قولهم إن الأرض سابحة في الجو فهذا باطل ترده الآيات والأحاديث الدالة على سكون الأرض وثباتها. ويرده أيضاً إجماع المسلمين على ثبات الأرض وسكونها. وقد تقدم كل ذلك فليراجع وأما قولهم إنها معلقة بسلاسل الجاذبية فهذا باطل يرده قول الله تعالى (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا) وقوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) فالسماء قائمة بأمر الله تعالى وإمساكه لها من غير عمد والأرض قائمة بأمر الله تعالى وإمساكه لها من غير سلاسل.

المركز في وسط الأرض

وقد جعل الله تبارك وتعالى الأرض مركزاً ومستقراً للأثقال من جميع جهاتها. فلو سقط من السماء شيء ثقيل من أي جهة كانت لما استقر إلا في الأرض. وكذلك ما يسقط من الأثقال مما بين السماء والأرض فمقره الأرض. وقانون الجاذبية للأثقال ينتهي إلى المركز في جوف الأرض وهو وسط الأرض السابعة السفلى. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى بعد أن ساق عدة أحاديث في إثبات سبع أرضين قال فهذه الأحاديث كالمتواترة في إثبات سبع أرضين والمراد بذلك أن كل واحدة فوق الأخرى والتي تحتها في وسطها عند أهل الهيئة حتى ينتهي الأمر إلى السابعة وهي صماء لا جوف لها وفي وسطها المركز وهي نقطة مقدرة متوهمة وهو محط الأثقال إليه ينتهي ما يهبط من كل جانب إذا لم يعاوقه مانع. وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى إذا أهبط شيء إلى جهة الأرض وقف في المركز ولم يصعد إلى الجهة الأخرى. وقال أيضاً ما يهبط من أعلى الأرض إلى أسفلها وهو المركز لا يصعد من هناك إلى ذلك الوجه إلا برافع يرفعه يدافع به ما في قوته من الهبوط إلى المركز. وقال الشيخ أيضاً أهل الهيئة يقولون لو أن الأرض مخروقة إلى ناحية أرجلنا وألقي في الخرق شيء ثقيل كالحجر ونحوه لكان ينتهي إلى المركز حتى لو ألقي من تلك الناحية حجر آخر لالتقيا جميعاً في المركز ولو قدر أن إنسانين التقيا في المركز بدل الحجرين لالتقت رجلاهما ولم يكن أحدهما تحت صاحبه بل كلاهما فوق المركز انتهى. والدليل على أن الأرض هي المركز الذي ينتهي إليه ما يهبط من السماء قول الله تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقوله تعالى (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء) وقوله تعالى إخباراً عن مشركي قريش أنهم قالوا (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً) وقوله تعالى إخباراً عن قوم شعيب أنهم قالوا (فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين) والكسف القطع. وقوله تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم). وروى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبيهقي عن عبد الله بن عمرو رضي الله

تحدي الصواف وأمثاله على أن يأتوا بنص من الكتاب أو السنة على ثبات الشمس ودوران الأرض

عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو أن رصاصة مثل هذه وأشار إلى مثل الجمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل» الحديث. قال الترمذي هذا حديث إسناده حسن صحيح. وروى الطبراني والأزرقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البيت المعمور في السماء يقال له الضراح وهو على مثل البيت الحرام بحياله لو سقط سقط عليه» وإذا كانت الأرض مركزاً ومستقراً للأثقال من جميع جهاتها فمفارقتها لموضعها ممتنع فضلا عن دورانها على الشمس لأنها لو كانت تدور على الشمس لكانت تصعد في الجو مع عظم ثقلها وانتفى كونها مركزاً ومستقراً للأثقال. وهذا باطل ترده الآيات التي تقدم ذكرها مع حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وترده أيضاً المشاهدة والمحسوس الذي يعرفه كل عاقل من كون الأرض مستقراً للأثقال من جميع نواحيها. وهذا يدل على أنها قارة ثابتة لا تفارق موضعها والله أعلم. فصل وإذا علم ما ذكرنا من الآيات والأحاديث الدالة على جريان الشمس وسكون الأرض واستقرارها وما ذكرنا أيضاً من الإجماع على وقوف الأرض وسكونها فإنا نتحدى الصواف وأشباهه من العصريين المفتونين بأقوال أهل الهيئة الجديدة أن يأتوا بنص واحد من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يعارض ما ذكرنا من الأدلة. ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا البتة. وغاية ما يعتمدون عليه ما روجه أهل الهيئة الجديدة من تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة وأقوالهم الباطلة التي تخالف مدلول الكتاب والسنة وإجماع المسلمين. ومن نبذ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وإجماع المسلمين وراء ظهره واعتمد على ما خالفها من زخارف أعداء الله تعالى وظنونهم فهو مصاب في دينه وعقله. العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة هم أولو العرفان ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فلان

تكفير من يقول بحركة الأرض وسيرها

وقد قال الله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) وقال تعالى (إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين) وقال تعالى (إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين. كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز). فصل وقد صرح بعض المحققين بتكفير من يقول بحركة الأرض وسيرها. قال الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي في كتابه «المسائل الكافية. في بيان وجوب صدق خبر رب البرية» بعد الخطبة ما ملخصه: أما بعد فيقول أسير ذنبه المفتقر لعفو ربه محمد بن يوسف المعروف بالكافي إنه ضمنا مجلس في منزل الفاضل شيخ القراء الشيخ محمد سليم الحلواني يوم الأضحى من سنة 1351 المنصرمة فسألني بعض الحاضرين عن حكم من يقول بحركة الأرض وسيرها فأجبته بأنه كافر فقال لي وبماذا تكفره فقلت له لتكذيبه الله تعالى في خبره لأن الله سبحانه وتعالى أخبر في عدة آيات بعدم تحركها والله سبحانه وتعالى يستحيل عليه الكذب وما في معناه. فاستعظم الحاضرون مني ذلك وقالوا التكفير بعيد لأنه يلزم عليه تكفير كثير من الناس. وكان من جملة الحاضرين شيخ كبير فقال التكفير دونه خرط القتاد. والذي يظهر لي أنه تلفظ بهذه الجملة ولم يفقه معناها فخطر ببالي بعد انصرام المجلس أن أجمع مسائل رأيت بعضها منصوصاً وسمعت البعض الآخر وكلها على خلاف عقائد المسلمين من حيث إن فيها تكذيب خبر رب العالمين تعالى عن ذلك علواً كبيراً. وأن أبين الحق فيها الذي يجب اعتقاده. وذكرت قبل المسائل تتمات يحتاج إليها الناظر في المسائل. ثم قال: (التتمة الأولى) متعلقة بالقرآن العظيم من حيث إنه قرآن عربي غير ذي عوج فلا يعدل في بيان مفرداته وجمله عما يقتضيه لسان العرب فمن عدل به عن ذلك فقد ألحد في آيات ربه.

(التتمة الثانية) أن ما أكتبه هو نقل صريح بحت لا دخل للعقل فيه ولا للتخمين أيضاً فمن كان له ساعد قوي وأراد معارضتي في شيء مما أكتبه فليعارضني بنقل صريح من مادة ما أنقله. أعني إذا ذكرت آية أو حديثاً أو قول بعض العلماء. فليعارضني بآية أو حديث أو قول بعض العلماء على سبيل اللف والنشر المرتب. وأما إذا ذكرت آية أو حديثاً وعارضني بقول أحد العلماء مجرداً عما يعضده من آية أو حديث فمعارضته مردودة عليه لا يصغى إليها ولا ينظر فيها. (التتمة الثالثة) أن مرادي بما أكتبه هو تنبيه وإيقاظ من يكون في اعتقاده شك أو ريب فيما يعتقده المسلمون. والحال أن أصوله مسلمون ولكن لتربيته على يد غير المسلمين أو لمطالعته كتب غير المسلمين اكتسب هذا الاعتقاد المخرج له عن دائرة الإسلام فلعله إذا اطلع على ما أنقله وأسطره يرجع إلى حوزة الإسلام ويكون فرداً من أفراد المسلمين وما ذلك على الله بعزيز. (التتمة الرابعة) اتفق العلماء على أن من قال قولا أو اعتقد اعتقاداً يوجب تكذيب الله تعالى في خبره كحركة الأرض وسيرها المخبر الله تعالى بعدم حركتها أو قال أو اعتقد أن السماء جو وفضاء لا بناء المخبر الله تعالى بأنها بناء شديد وسقف محفوظ لا يحكم عليه بالكفر بمجرد ذلك بل يحكم عليه إذا وقف على عقيدة المسلمين في تلك العقيدة أو العقائد وعاند ولم يرجع إلى معتقد المسلمين. ثم شرع الشيخ الكافي في ذكر المسائل إلى أن قال: (المسألة الموفية عشرين) الأرض من حيث حركتها وسكونها عقيدة المسلمين الذين لم تشرب قلوبهم حب أهل الكفر أنها ساكنة وثابتة ومرساة بالجبال كإرساء البيت بالأوتاد وكإرساء السفن في مرساها لربطها بالحبال في الأوتاد أو إنزال المخاطيف الهائلة من الحديد فتنزل في الأرض فتكون لها كالأوتاد للبيت أو يجعل فيها الأجرام الثقيلة لتثقل بها حتى لا تميد في مرساها أي لا تتحرك يميناً ولا شمالاً ولا أماماً ولا خلفاً وهذا هو الذي أراد الله تعالى في إرساء الأرض بالجبال بحيث لا تتحرك أصلا أي لا حركة منتظمة ولا غير منتظمة. قال الله تعالى ممتنا على عباده (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم) ومعلوم أن القرآن نزل بلسان العرب. وتقدم في التتمات أن من أخرج مفرداته وجمله

عما يقتضيه لسانهم فقد ألحد في آيات ربه تعالى في مختار الصحاح ماد تحرك ومادت الأغصان تمايلت وماد الرجل تحرك. وفي القاموس ماد يميد ميداً وميداناً تحرك وزاغ وزكا والسراب اضطرب والرجل تبختر. أ. هـ محل الحاجة منه. في المختار مار من باب قال تحرك وجاء وذهب ومنه قوله تعالى (يوم تمور السماء موراً) قال الضحاك تموج موجاً. وقال أبو عبيدة والأخفش تكفأ. في القاموس والمور الموج والاضطراب والجريان على وجه الأرض والتحرك. في المختار ماج البحر من باب قال اضطربت أمواجه. في القاموس الموج اضطراب أمواج البحر. في القاموس واضطرب تحرك وماج. في المختار رسا الشيء ثبت وبابه عدا ومرسى أيضاً بفتح الميم ورست السفينة وقفت على الانجر وبابه عدا وسما. قلت قال الأزهري في نجر الأنجر مرساة السفينة وهو اسم عراقي وقوله تعالى (بسم الله مجراها ومرساها) سبق في جرى. والمرساة التي ترسي بها السفينة تسميه الفُرس لنكر. والرواسي من الجبال الثوابت الرواسخ واحدتها راسية. في القاموس رسا رَسُوا ورُسُوا ثبت كارسي والسفينة وقفت على الانجر وارسيته, وقال والمرساة أنجر السفينة, وقال وألقت السحاب مراسيها استقرت. وقال وقدور راسية لا تبرح مكانها لعظمها أ. هـ. وقال تعالى (ألم نجعل الأرض مهاداً. والجبال أوتادا) في القاموس الوتد وبالتحريك وككتف ما رز في الأرض أو الحائط من الخشب. وقال وأوتاد الأرض الجبال أ. هـ. فالسفينة إما جارية وإما راسية ولا واسطة بين الحالتين لها. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في تفسير قوله تعالى (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها) الآية. قال كان إذا أراد أن ترسى قال بسم الله فأرست وإذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت, في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى (يوم تمور السماء موراً) أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في

قوله تعالى (يوم تمور السماء موراً) قال تحرك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله (يوم تمور السماء موراً) قال تدور دوراً أ. هـ. وفي الدر المنثور على قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي) أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال إن الله لما خلق الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة ما هذه بمقرة أحداً على ظهرها فأصبحت صبحاً وفيها رواسيها فلم يدروا من أين خلقت أ. هـ محل الحاجة. وفيه أيضاً وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله تعالى في سورة لقمان (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) قال حتى لا تميد بكم كانوا على الأرض تمور بهم لا يستقر بها فأصبحوا صبحاً وقد جعل الله الجبال وهي الرواسي أوتاداً في الأرض أ. هـ. في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما في سورة والنازعات (والجبال أرساها) أوتدها. وفيه أيضاً في تفسير سورة النبأ (والجبال أوتاداً) لها لكي لا تميد بهم. وفيه أيضاً في تفسير سورة النحل على قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي) الجبال الثوابت (أن تميد) لكي لا تميد (بكم) الأرض أ. هـ. والعرب لا تفهم من الأوتاد إلا ثبوت ما ربط بها ولا من الإرساء إلا ثبوت المرسى بها. وسأذكر عقيدة داروين في الأرض وفي آدم عليه الصلاة والسلام. قال أبو السعود على قوله تعالى (وجعل فيها رواسي) أي جبالا ثوابت في أحيازها من الرسو وهو ثبات الأجسام الثقيلة. وقال في قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي) أي جبالا ثوابت (أن تميد بكم) كراهة أن تميد بكم وتضطرب أو لئلا تميد بكم فإن الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال كانت كرة خفيفة الطبع وكان من حقها أن تتحرك بالاستدارة كالأفلاك أو تتحرك بأدنى سبب محرك فلما خلقت الجبال تفاوتت حافاتها وتوجهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد, وقيل لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة ما هي بمقرة أحداً على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال أ. هـ.

قال الرازي على قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) أي جبالا راسية أن تميد بكم أي كراهة أن تميد بكم. وقيل المعنى أن لا تميد بكم. واعلم أن الأرض ثباتها بسبب ثقلها وإلا كانت تزول عن موضعها بسبب الماء والرياح ولو خلقها مثل الرمل لما كانت تثبت للزراعة كما ترى الأرض الرملية ينتقل الرمل الذي فيها من موضع إلى موضع. ثم قال تعالى (وبث فيها من كل دابة) أي فلكون الأرض فيها مصلحة حركة الدواب أسكنا الأرض وحركنا الدواب ولو كانت الأرض متزلزلة وبعض الأراضي لا يناسب بعض الحيوانات لكانت الدابة لا تعيش في موضع تقع في ذلك الموضع فيكون فيه هلاك الدواب. أما إذا كانت الأرض ساكنة والحيوانات متحركة تتحرك في المواضع التي تناسبها وترعى فيها وتعيش فيها فلا أ. هـ. وقال في سورة الأنبياء (المسألة الثانية) الرواسي الجبال والراسي هو الداخل في الأرض. «المسألة الثالثة» قال ابن عباس رضي الله عنهما أن الأرض بسطت على الماء فكانت تتكفأ بأهلها كما تتكفأ السفينة لأنها بسطت على الماء فأرساها الله بالجبال الثقال أ. هـ. قال مفتي الثقلين في سورة النبأ (ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً) لها أرساها بها كما يرسى البيت بالأوتاد أ. هـ. وقال في سورة والنازعات. والجبال منصوب بمضمر يفسره أرساها أي أثبتها وأثبت بها الأرض أن تميد بأهلها. وهذا تحقيق للحق وتنبيه على أن الرسو المنسوب إليها في مواضع كثيرة من التنزيل بالتعبير عنها بالرواسي ليس من مقتضيات ذواتها بل هو بإرسائه عز وجل ولولاه ما ثبتت في أنفسها فضلا عن إثباتها الأرض أ. هـ. قال البيضاوي في سورة الرعد (وهو الذي مد الأرض) بسطها طولا وعرضاً تثبت فيها الإقدام وينقلب عليها الحيوان (وجعل فيها رواسي) جبالا ثوابت من رسا الشيء إذا ثبت جمع راسية. وقال في سورة النحل (وألقى في الأرض رواسي) جبالا رواسي (أن تميد بكم) كراهة أن تميد بكم وتضطرب وذلك لأن الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال كانت كرة خفيفة بسيطة الطبع وكان من حقها أن تتحرك بالاستدارة كالأفلاك أو أن تتحرك بأدنى سبب للتحريك فلما خلقت الجبال على وجهها تفاوتت جوانبها

وتوجهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد التي تمنعها عن الحركة. وقيل لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة ما هي بمقرة أحداً على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال أ. هـ. فمن قال واعتقد أنها متحركة وسائرة بانتظام تقليداً لداروين ولمن كان على مذهبه وتاركاً لعقيدة المسلمين واستمر مصمماً على ذلك يكفر لتكذيبه الله تعالى في خبره (والجبال أرساها) (والجبال أوتاداً). ثم قال الشيخ الكافي. (المسألة الحادية والعشرون) أذكر فيها ما كتبته في «الأجوبة الكافية. على الأسئلة الشامية» ورددت به مقالة في منار رشيد رضا وأدرج فيها ما قاله داروين في شأن الأرض وفي شأن آدم عليه الصلاة والسلام. قال صاحب المنار في صفحة 577 من الجزء الرابع عشر «علم الفلك والقرآن. نظرة في السموات والأرض». وفي صفحة 558 «ما هي هذه الأرض التي نعيش عليها. هي كوكب من الكواكب التي تدور بمركز الشمس وتسمى بالسيارات. أقول يعتقد صاحب هذا الكلام أن الأرض متحركة طائفة بمركز الشمس وليست راسية. ومائدة وليست بثابتة. وسابحة وليست موثقة بالجبال. وهذا مذهب داروين الطبيعي ومن تبعه كأصحاب هذه المجلة. قال داروين في كتاب النشو والارتقاء في صفحة 238 أن الأوهام التي تقاضت الإنسان حياته زمناً طويلا وكانت أعظم أسباب شقائه ودواعي عنائه اثنان عظيمان وهما. أولا اعتقاده القديم في الأرض أنها مركز تدور حوله الأفلاك. وثانياً اعتقاده في نفسه أنه من أصل سماوي فأهبطه الخالق من فسيح جنانه ولم ذا, وأسكنه ضيق أرضه - إلى أن قال - ومنها أرضنا المتحركة حول مركز الشمس خلافاً لمن يظن أن الأرض ثابتة والشمس تدور حولها خدمة لها أ. هـ. واعتقاد المسلمين كافة بأن الأرض ثابتة تبعاً لما امتن الله به علينا بقوله سبحانه وتعالى في سورة لقمان (خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) أي لئلا تميد بكم.

وفي عم يتساءلون (ألم نجعل الأرض مهاداً. والجبال أوتاداً) وفي النازعات (والأرض بعد ذلك دحاها, أخرج منها دماءها ومرعاها. والجبال أرساها) وغير ذلك من الآيات الدالة على ثبوت الأرض وعدم تحركها. في مختار الصحاح ماد الشيء تحرك. وفي القاموس ماد يميد ميداً وميداناً تحرك وزاغ. وفيه رسا رسوا ثبت كارسي. فالله سبحانه وتعالى أخبر بثبوتها وعدم تحركها وطوافها حول مركز الشمس. وداروين ومن تبعه أخبروا بحركتها وطوافها حول مركز الشمس. فمن هو العالم بوصفها الحقيقي. الجواب. الله (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير). فمن الصادق في خبره, الجواب. الله الصادق (ومن أصدق من الله حديثاً). فإذا ثبت هذا فمن الواجب اتباعه في خبره. الجواب اتباع خبر الله تعالى لأن خبره صدق يستحيل عليه الكذب وما في معناه وطرح خبر الغير وراء الظهر. ومعتقد خلاف دين المسلمين كافر بلا ريب. ثم اتل قوله سبحانه وتعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا). ثم قال الشيخ الكافي: (المسألة الثانية والعشرون) في تحقيق أن من قال بحركة الأرض يعد مكذباً الله تعالى في خبره عقلا أيضاً وذلك أن الوصفين إما أن يكون بينهما التماثل كالبياض وبياض آخر. وإما أن يكون بينهما مطلق المغايرة كالقيام والضحك. وإما أن يكون بينهما التضاد. وإما أن يكون بينهما التناقض. فالمثلان لا يحتاجان إلى تعريف. وأما الخلافان فحقيقتهما هما اللذان يجتمعان كأن يكون الشخص قائماً يضحك. ويرتفعان كأن يكون جالساً يبكي, وأما الضدان فهما الأمران الوجوديان كالبياض والسواد لا يجتمعان كأن يكون الشيء أبيض أسود في آن واحد, وقد يرتفعان كأن يكون الشيء أصفر أو أخضر مثلاً. وأما النقيضان فهما الأمران الوجوديان اللذان بينهما غاية الخلاف لا يجتمعان ولا يرتفعان بل أحدهما ثابت ولا بد وذلك كزيد قائم, زيد ليس بقائم. أو الأرض ساكنة, الأرض ليست بساكنة. أو الأرض متحركة. الأرض ليست بمتحركة, فإذا صدق

الرد على ما استدل به بعض العصريين على حركة الأرض

أحد المتناقضين كذب الآخر ولا يمكن صدقهما معاً ولا كذبهما معاً. فإذا تقرر هذا فنقول إذا ثبت للأرض السكون انتفى عنها عدم السكون وهو مساوٍ للحركة وهو خبر الله تعالى. وإن ثبت للأرض الحركة انتفى عنها عدم الحركة وهو مساوٍ للسكون لأنه يلزم لزوماً بينا من انتفاء النقيض انتفاء المساوي له. وهذا الشق الأخير باطل قطعاً ومعتقده كافر كما تقدم انتهى كلام الكافي. فصل وقد استدل بعض العصريين على ما زعموه من حركة الأرض ودورانها على الشمس بقول الله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) الآية. وهذا من الإلحاد في آيات الله تعالى وتحريف الكلم عن مواضعه لأن الآية إنما سيقت في ذكر ما يكون يوم القيامة. وقد بين الله ذلك بقوله (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين) ثم قال تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون. من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون, ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون). فدلت هذه الآية على أن مرور الجبال مثل مر السحاب إنما يكون يوم القيامة لا في الدنيا. وقد أوضح الله ذلك في آيات كثيرة من القرآن كقوله تعالى (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً) وقوله تعالى (إن عذاب ربك لواقع. ماله من دافع. يوم تمور السماء موراً. وتسير الجبال سيراً. فويل يومئذ للمكذبين) قوله تعالى (إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت) الآيات إلى قوله تعالى (علمت نفس ما أحضرت). وقوله تعالى (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً. فيذرها قاعاً صفصفاً. لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا. يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً. يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا) وقوله تعالى (فإذا

النجوم طمست. وإذا السماء فرجت. وإذا الجبال نسفت. وإذا الرسل أقتت. لأي يوم أجلت. ليوم الفصل. وما أدراك ما يوم الفصل. ويل يومئذ للمكذبين) وقوله تعالى (القارعة ما القارعة. وما أدراك ما القارعة. يوم يكون الناس كالفراش المبثوث. وتكون الجبال كالعهن المنفوش) وقوله تعالى (إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة. خافضة رافعة. إذا رجت الأرض رجاً. وبست الجبال بساً. فكانت هباء منبثاً. وكنتم أزواجاً ثلاثة) وقوله تعالى (إن يوم الفصل كان ميقاتاً. يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً. وفتحت السماء فكانت أبواباً. وسيرت الجبال فكانت سراباً) فدلت هذه الآيات مع الآيات من سورة النمل على أن زوال الجبال من أماكنها ومرورها مثل مر السحاب وذهابها بعد ذلك بالكلية إنما يكون يوم القيامة لا في الدنيا. وبعد تحرير هذا الموضع رأيت فيه كلاماً حسناً لعالمين فاضلين أحدهما الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي. والآخر الشيخ محمد الحامد خطيب جامع السلطان بحماة رد كل منهما على من قال أن الآية من سورة النمل تدل على دوران الأرض وحركتها, وقد رأيت أن أسوق كلامهما ههنا لما فيه من بيان الحق ورد الباطل. فأما الشيخ محمد بن يوسف الكافي فقال في كتابه «المسائل الكافية. في بيان وجوب صدق خبر رب البرية» ما نصه: (المسألة الثالثة والعشرون) أقول رأيت في كلام بعضهم الاستدلال على حركة الأرض بقوله سبحانه وتعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) واغتر بكلامه كثير ممن لا اطلاع لهم وهو جهل منه بزمن مرورها مر السحاب. وذلك أن زمن مرورها مر السحاب وبسها حتى تكون كالهباء وتسييرها حتى تكون كالسراب هو زمن خراب العالم وزمن قيام الساعة. ولكن من لم يخش ربه يفسر القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار. قال حبر هذه الأمة في تفسير قوله تعالى (وترى الجبال) يا محمد في النفخة الأولى (تحسبها جامدة) ساكنة مستقرة (وهي تمر مر السحاب) في الهواء. وقال في تفسير قوله تعالى (إذا رجت الأرض رجاً) إذا زلزلت الأرض زلزلة حتى ينطمس كل بنيان وجبل عليها فيعود فيها (وبست الجبال بساً) سيرت الجبال على

وجه الأرض كسير السحاب. ويقال قلعت قلعاً. ويقال جثت جثاً. ويقال فتت فتا تبس كما يبس السويق أو علف البعير. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (إذا رجت الأرض رجاً) قال زلزلت (وبست الجبال بساً) قال فتت (فكانت هباء منبثاً) قال كشعاع الشمس انتهى. وأما الشيخ محمد الحامد فقال في كتابه المسمى «ردود على أباطيل وتمحيصات لحقائق دينية» بعد كلام سبق ما نصه أننا حين ننظر في الآية الكريمة التي ذكر الله فيها الأرض والشمس والقمر والنجوم نخرج بالفهم الصحيح الذي فهمه النبي الكريم وأصحابه صلوات الله تعالى وتسليماته عليه وعليهم أجمعين, ومعاذ الله أن يفهموا خطأ ويفهم غيرهم صواباً. لكن قد اقتحم بعض الجرءآء على الله هذه اللجة فزعم أن قوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) يدل على دوران الأرض وحركتها وهو استدلال غير صحيح وتفسير غير مقبول. وإليك البيان. أن الاستدلال بهذه الآية الكريمة على حركة الأرض متوقف على أن لا يكون سباق وسياق يفيدان غير ما يفهم المستدل. ومتوقف أيضاً على أن لا يوجد نص آخر يعترض. وكلا الأمرين موجود ههنا فالاستدلال إذا غير سليم والنظر ليس بسديد. أما الأول فإن السباق - وهو أول الكلام - والسياق - وهو آخره - يفيدان أن مرور الجبال مر السحاب إنما يكون يوم القيامة إذ أن الآية واردة في وصفه قال الله تعالى (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين. وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون. من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون. ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون). فالآيات في القيامة كما هو ظاهر لا في هذه الدنيا, وكم في الآي من سباق وسياق يتعين بهما معنى لا يمكن المحيد عنه على أن الله تعالى ذكر سير الجبال يوم القيامة في غير موضع من كتابه الكريم فقال سبحانه في سورة الكهف الشريفة (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً) وقال تعالى في سورة التكوير (وإذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت. وإذا الجبال سيرت. وإذا العشار عطلت)

الآيات الكريمات, وبهذا البيان يبطل الاستشهاد بالآية على حركة الأرض. وأما الثاني وهو أن لا يوجد نص معترض. فإنا لو نظرنا إلى الفكرة من حيث هي نظراً شرعياً صرفاً لما استطعنا إلا المصير إلى ما تقرره النصوص القرآنية المانعة منها. إن القرآن قائل بثبات الأرض. وما أصرح قوله سبحانه (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) وقوله في مكان آخر (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم) والميد هو التحرك كما تدل عليه نصوص اللغة. وقال الله تعالى (ألم نجعل الأرض مهاداً. والجبال أوتاداً) هؤلاء الآيات يدللن دلالة واضحة على تثبيت الله الأرض بالجبال لئلا تتحرك. والقول بأن تثبيتها بالجبال لا ينافي حركتها كالسفينة المثقلة بما يحفظ عليها توازنها مع سيرها في اللجة فيه من التكلف البارد ما يأباه الذوق الإسلامي وترفضه البلاغة القرآنية إذ هو دخول في مأزق من التأويل يصرف النص عن المتبادر منه من غير حاجة تدعو إليه فهو في الحقيقة تلاعب لا تأويل يقوم على أسس صحيحة. هذا وكما قرر القرآن ثبات الأرض قرر حركة الشمس والقمر وجريانهما حولها قال الله تعالى (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) والتنوين في «كل» تنوين عوض أي كل منهما الشمس والقمر ولا ذكر للأرض. وقال الله تبارك وتعالى (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم, والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم, لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون). فقد أثبت للشمس جريانا وهو الحركة الانتقالية. أما الحركة الرحوية - أي المحورية على حد تعبير الفلكيين - فلا تسمى جرياناً في لغة العرب بل دوراناً. والنص ناطق بالجريان ثم قال الشيخ محمد الحامد. ويتضح من مجموع ما ذكرنا في هذا الفصل أن البرهان العلمي لا يساعد على القول بحركة الأرض بل هو معين لثباتها وأن الحركة للشمس والقمر. وأن حمل بعض الآيات الشريفة على غير ما تدل مجموعة النصوص عليه مما هو يعد موضع أخذ ورد عند الفلكيين أنفسهم فيه من الجراءة على القول في القرآن بغير علم ما لا يخفى وقد قال

سيدنا رسول الله صلوات الله تعالى وسلامه عليه وعلى آله «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار». ولما سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن معنى الأب في قوله تبارك وتعالى (وفاكهة وأبا) لم يرد وجعل يقول «أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن قلت في كتاب الله برأيي» وكذلك يجب أن يكون المسلم هيابا لله تعالى وقافا عند حدوده سبحانه. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. فصل ومن أغرب الاستدلال على حركة الأرض وسيرها بل من أقبح التهور والجراءة على القول في كتاب الله بغير علم ما نقله الشيخ محمد بن يوسف الكافي عن محمد بخيت المطيعي الذي كان مفتيا لمصر فيما سبق. وقد تعقبه الشيخ الكافي ورد عليه ردا وافيا كافيا. وأنا أذكر ههنا كلام المطيعي والرد عليه. وقد زدت في بعض المواضع منه زيادات صدرتها بكلمة «قلت» ليعلم أنها ليست من كلام الكافي والله الموفق. قال الشيخ الكافي في كتابه «المسائل الكافيّة. في بيان وجوب صدق خبر رب البرية». (المسألة الخامسة والسبعون) اتصل بيدي منذ خمسة أيام رسالة تسمى «تنبيه العقول الإنسانية. لما في آيات القرآن من العلوم الكونية والعمرانية» تأليف محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية سابقا. اخترع فيها علوما لم يسبق بمثلها وادعى أن القرآن العظيم يدل على ما اخترعه. ولمز من تقدمه من عصر النبوة إلى قبل عصره بالقصور والجهل وتقليد علماء اليونان في سكون الأرض. فأردت تتبع بعض ما اخترعه فإن وجدت القرآن العظيم يدل عليه تصريحا أو تلويحا قبلته وكرامة. وإن وجدته أخذه من علوم الغربيين والقرآن بريء منه رددته ولا ندامة. ويوم القيامة يفصل بينه وبين من لمزهم وهم برءاء. وفي صحيح الأخبار «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار».

ثم إني أذكر المبحث الذي يتكلم فيه بتمامه ثم أكر عليه نقضاً والله المعين لي على ذلك. ثم قال الشيخ الكافي. (المسألة السادسة والسبعون) قال المفتي. (دوران الأرض وأخذه من القرآن) قال تعالى (الذي جعل لكم الأرض فراشا) وقال (أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا) وقال (جعل لكم الأرض مهدا) وقال (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا) وقال في سورة الأنبياء (كل في فلك يسبحون) وفي سورة يس (وكل في فلك يسبحون) وقال (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء). وكل هذه الآيات تدل بظاهرها على أن الأرض متحركة ودائرة كما هو قول فيثاغورس قديما وقول علماء الهيئة اليوم. وذلك أنه ثبت بالمشاهدات الصحيحة أن الأرض على شكل كرة مفرطحة نحو قطبيها منتفخة عند خط الاستواء. وقد أطبق المحققون من المفسرين وجميع علماء الكلام وفلاسفة الإسلام على أن الأرض كرة وعدوا إنكار ذلك مكابرة فمن أقام الدليل على خلاف ذلك فقد أراد التشكيك في اليقينيات وكابر نفسه وأنكر حسه فلا يعول عليه ولا يلتفت إليه. فكان انتفاخها نحو خط الاستواء وتفرطحها نحو القطبين دليلا حسيا يدل على أن الأرض كانت سائلة في مبدأ خلقها وأنها متحركة بحركة رحوية ودائرة على محورها وذلك لأن الكرة إذا كانت صلبة كالتي من العاج مثلا لا يتغير شكلها ولو دارت على محورها قرونا كثيرة. وأما إذا كانت سائلة أو عجينة انتفخت نحو وسطها وتفرطحت نحو قطبيها وبذلك جمدت قشرتها أيضا وبردت ولو كانت ساكنة لبقيت جرما غازيا سائلا فلا تصلح لأن تكون فراشا ولا مهدا ولا ذلولا فثبت بذلك حركتها على محورها التي بها يتعاقب الليل والنهار. وأما حركتها حول الشمس فسببها أن الشمس أكبر جرما من الأرض أضعافا مضاعفة وكلما كان الجرم أكبر كان أكثر وأقوى جاذبية من الأصغر. فالشمس هي التي تجذب الأرض إليها من كل الجوانب لما تقرر على وجه ما ذكر في علم رفع الأثقال بالتجربة العلمية الصحيحة وبذلك تبين أن هذه الآيات بظاهرها تدل على أن الأرض ليست

منقادة إلى حركة رحوية بها تدور على محورها ويتكون منها تعاقب الليل والنهار فقط بل تتحرك أيضا حركة أخرى حول الشمس تتكون منها السنة وفصولها. وأما قوله تعالى (كل في فلك يسبحون) فوجه دلالته أن القاعدة العربية في الضمير الذي يعود على المضاف إليه الذي ناب عنه التنوين في لفظ كل أنه يجوز فيه الإفراد والتثنية إن كان مرجع الحقيقي مثنى فالتثنية لمراعاة المعنى والإفراد لمراعاة اللفظ وقد جاء الضمير في قوله (يسبحون) جمعا فكان مرجعه جمعا وعلى هذا اتفق المفسرون غير أنهم أولوا ذلك بتآويل شتى ما دعاهم لارتكابها إلا اعتقاد ما قاله البطليموسية من اليونان من أن الأرض ساكنة مع أنه لم يقم دليل على سكون الأرض بل الدليل قائم على دورانها فلا داعي للتأويل بل يجب أن تبقى الآيتان على ظاهرهما ويعود الضمير على الأجرام الثلاثة التي هي الأرض والشمس والقمر. وممن استدل على دوران الأرض في تفسيره بهاتين الآيتين وبقوله تعالى (الذي جعل لكم الأرض فراشا) ونظائرها من الآيات صاحب كشف الأسرار النورانية القرآنية. وأما قوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة) الآية فوجه دلالتها على دوران الأرض أن معناها أنا نرى الجبال نظنها بحسب ما يتراآى لنا ساكنة وهي في الواقع ونفس الأمر تمر مر السحاب وتسير سيرا حثيثا وما ذلك إلا لأن الأرض متحركة بحركة سريعة جدا والجبال تسير وتتحرك تبعا لها لأنه لا جائز أن تكون الجبال متحركة هذه الحركة وحدها والأرض ساكنة لأنه لو كان الأمر كذلك لانفصلت الجبال عن الأرض وهو خلاف المشاهد فتبين أن حركتها إذاً هي بالتبعية لحركة الأرض ولا جائز أن يكون ما نراه على الوجه الذي جاءت به الآية وقت النفخة الأولى أو النفخة الثانية كما قيل بذلك لأنه في كل الوقتين لا يكون هناك بقاء ولا وجود للجبال على الأرض على الوجه الذي يلائمه قوله تعالى في الآية (صنع الله الذي أتقن كل شيء) لأن يوم النفختين هو اليوم الذي ترجف فيه الجبال وتكون كثيبا مهيلا وهو اليوم الذي ينسف الله فيه الجبال نسفا. فيذرها قاعا صفصفا. لا ترى فيها عوجا ولا أمتا. وهو اليوم الذي تكون فيه الجبال كالعهن المنفوش والناس كالفراش المبثوث. إلى غير ذلك من الأحوال والأهوال التي لا تناسب أن يقال ويخاطب كل من يصح منه الرؤية (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء) لأن مثل هذا القول إنما

يقال لحض الناس المخاطبين على النظر في ذلك الصنع المتقن والتفكير فيما اشتمل عليه من الحكم ليزدادوا إيماناً ويقينا وليس يوم النفختين صالحا لمثل هذا. إذا علمت كل ما قلناه في خلق السموات والأرض تعلم أن العاقل المنصف إذا نظر في هذه اللطائف التي اشتملت عليها تلك الآيات القرآنية وما دلت عليه من تدبير الصانع الحكيم نظر منصف مجردا عن التعصب علم علما يقينا واعتقد اعتقادا جازما أن القرآن قد اشتمل على كثير من مباحث العلوم العمرانية والكونية وأن كل ما قيل غير ذلك فرية بلا مرية كيف وقد دلت على أن الله تعالى حكيم مقتدر عليم حيث جعل الأرض كرة دائرة لتكون فراشا ومهدا وذلولا أ. هـ. قال الشيخ الكافي في الرد على المطيعي. (المسألة السابعة والسبعون). (قوله) دوران الأرض وأخذه من القرآن. (لا يصح) كما تقف عليه إن شاء الله تعالى. (قوله) قال الله تعالى (الذي جعل لكم الأرض فراشا) إلى قوله وكل هذه الآيات تدل بظاهرها على أن الأرض متحركة ودائرة. (لا يصح) لأن الآيات تدل دلالة صريحة على أن الأرض ثابتة غير دائرة ليتم الاستقرار عليها وتثبت عليها أرجل الحيوانات وتكون مهدا وفراشا وبساطا وذلولا وقرارا إذا كانت ثابتة غير متحركة وأما إذا كانت متحركة وحركتها في السرعة كحركة السحاب الذي تذروه الرياح فلا عاقل يقول إنها بهذه الصفة تكون مهدا وقرارا إلى آخر ما ذكر ثم ذكر الكافي كلام الرازي على قول الله تعالى (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) وقد تقدم ذكره قريبا في أول ما نقلنا من كلام الكافي فليراجع. وتقدم أيضا الاستدلال بالآيات من سورة البقرة وسورة النمل وسورة الزخرف وسورة الملك على ثبات الأرض واستقرارها والاستدلال بالآيتين من سورة الأنبياء وسورة يس على جريان الشمس في الفلك وكلام المفسرين في ذلك فليراجع فالعمدة عليه لا على كلام الملحدين في آيات الله تعالى المحرفين للكلم عن مواضعه كالمطيعي وأشباهه من تلامذة الإفرنج ومقلديهم.

ثم قال الكافي في الرد على المطيعي. (قوله) كما هو رأي فيثاغورس قديما وقول علماء الهيئة اليوم. (لا يكون) حجة في الموضوع لأن الموضوع الذي التزمه أن القرآن يؤخذ منه حركة الأرض. وقول فيثاغورس ومن معه ليس بقرآن. (قوله) وذلك أنه ثبت بالمشاهدات الصحيحة إلى قوله عند خط الاستواء. (لا ينجح) في الموضوع لأنه لم يؤخذ ذلك من القرآن. (قوله) وقد أطبق المحققون إلى قوله ولا يلتفت إليه. (خارج) عن موضوع البحث وهو دوران الأرض وأخذه من القرآن فلا فائدة فيه. (قوله) فكان انتفاخها نحو خط الاستواء وتفرطحها نحو القطبين دليلا حسيا على أن الأرض كانت سائلة في مبدأ خلقها. لا يؤخذ ذلك من القرآن (وهو غيب عنا فيحتاج إلى وحي يسفر على ما ادعاه ولا وحي. والذي تدل عليه الآيات والآثار أن الله تعالى خلق الأرض على الوصف الذي نشاهده لا أنها انتقلت من طور إلى طور كأطوار الجنين في بطن أمه). (قوله) وأنها متحركة إلى قوله وتفرطحت نحو قطبيها. (لا يؤخذ) من القرآن فلا يعول عليه كما تقدم. (قوله) وبذلك جمدت قشرتها أيضا وبردت (لا يؤخذ من القرآن أيضا كما هو موضوع كلامه فلا ينظر إليه). (قوله) ولو كانت ساكنة لبقيت جرماً غازياً سائلاً. (غير صحيح) بل هي ساكنة. ودعوى كون جرمها غازيا سائلا دون إثباته خرط القتاد لأن ذلك من الأمور الغيبية التي لا تعلم إلا من طريق الوحي ولا وحي. (قوله) فلا تصلح لأن تكون فراشا ولا مهدا ولا ذلولا. (غير صحيح) بل لا تصح لأن تكون مهدا وذلولا وفراشا إلا إذا كانت ساكنة كما هو المعقول والمنقول. (قوله) فثبت بذلك حركتها على محورها التي بها يتعاقب الليل والنهار. (لا يثبت) إلا عنده وعند من يتخيل تخيلاته. (قوله) وأما حركتها حول الشمس إلى قوله العملية الصحيحة. (لا يصح) لأن أصل الحركة لها غير ثابت فضلا عن حركتها حول الشمس لأنه

لا دليل على ما ذكره من القرآن المدعى أنه يثبت دوران الأرض من القرآن فلم يثبته لنا ثبوتا مسلما ولن يستطيع أن يثبته. قلت وزعم المطيعي تقليدا لأهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج أن جرم الشمس أكبر من الأرض بأضعاف مضاعفة لا دليل عليه من كتاب ولا سنة وإنما يعتمد أهل الهيئة الجديدة في ذلك على نظاراتهم وآرائهم وتخرصاتهم وظنونهم التي لا تغني من الحق شيئا. والظاهر من أدلة الكتاب والسنة أن جرم الأرض أكبر من الشمس والقمر والنجوم وسيأتي إيراد الأدلة على ذلك مع الكلام على بطلان الهيئة الجديدة إن شاء الله تعالى. وأما زعمه أن الشمس تجذب الأرض إليها من كل الجوانب. فهو قول لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح. وما ليس عليه دليل فليس عليه تعويل. وقد جاء في عدة أحاديث صحيحة أن الشمس تدني من الأرض يوم القيامة. وفي بعضها أنها تكون من الناس بقدر ميل. وقد تقدم ذكر هذه الأحاديث مع الأدلة على ثابت الأرض فلتراجع ففيها إبطال لما زعمه المطيعي وسلفه أهل الهيئة الجديدة من جاذبية الشمس للأرض. ولو فرضنا أن بين الأرض والشمس جاذبية لكانت للأرض لا للشمس لأن الشمس هي التي تجري وتدور على الأرض. وإذا كان يوم القيامة أدنيت من الأرض حتى تكون من الناس بقدر ميل ثم تكور هي والقمر ويرمى بهما في البحر كما تقدم ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنه والله أعلم. ثم قال الشيخ الكافي في الرد على المطيعي. (قوله) وبذلك تبين أن هذه الآيات بظاهرها تدل على أن الأرض ليست منقادة إلى حركة رحوية بها تدور على محورها ويتكون منها تعاقب الليل والنهار فقط بل تتحرك أيضا حركة أخرى حول الشمس تتكون منها السنة وفصولها. (غير صحيح) لأن الآيات التي ذكرها لم تدل بظاهرها ولا بباطنها ولم تشعر مطلق إشعار بأن الأرض تتحرك على محورها ويتعاقب الليل والنهار بسبب تلك الحركة.

ومن باب أولى في عدم دلالتها على حركة الأرض حول الشمس وإنما هي دعوى ادعاها على الآيات وهي بريئة من دعواه. قلت وذلك من الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه. وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله ملحد في آيات الله محرف للكلم. عن مواضعه. (قوله) وقد جاء الضمير في قوله (يسبحون) جمعا فكان مرجعه جمعا. (غير صحيح) بل المرجع مثنى لا غير وهو الشمس والقمر وإطلاق الجمع على المثنى والمثنى على الجمع والمفرد عليهما وهما على المفرد سائغ في لغة العرب. وبعضهم اعتبر المرجع جمعا بزيادة النجوم على الشمس والقمر ولا قائل برجوعه إلى الأرض. قلت وقد اعتبر بعضهم المرجع جمعا بزيادة الليل والنهار مع الشمس والقمر. قال ابن جرير في تفسير سورة يس وقوله (وكل في فلك يسبحون) يقول وكل ما ذكرنا من الشمس والقمر والليل والنهار في فلك يجرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ثم روى بإسناده عن مجاهد أنه قال يجري كل واحد منهما يعني الليل والنهار (في فلك يسبحون) يجرون. وقال ابن كثير في تفسير سورة يس. وقوله تبارك وتعالى (وكل في فلك يسبحون) يعني الليل والنهار والشمس والقمر كلهم يسبحون أي يدورون في فلك السماء قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخراساني انتهى. وهذا هو الظاهر من سياق الآيات من سورة الأنبياء وسورة يس حيث ذكر تبارك وتعالى الليل والنهار والشمس والقمر ثم قال (وكل في فلك يسبحون). وقد قرر هذا شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى فقال في جوابه له. وقوله (كل في فلك يسبحون) يتناول الليل والنهار والشمس والقمر كما بين ذلك في سورة الأنبياء وكذلك في سورة يس (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون. والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم. والقمر قدرناه منازل حتى عاد

كالعرجون القديم. لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) فتناول قوله (وكل في فلك يسبحون) ما تقدم الليل والنهار والشمس والقمر كما ذكر في سورة الأنبياء. وقال الشيخ أيضا في جواب آخر والله سبحانه قد أخبر بأن الشمس والقمر والليل والنهار كل ذلك يسبح في الفلك فقال تعالى (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) وقال تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) والفلك هو المستدير كما ذكر ذلك من ذكره من الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء المسلمين. والمستدير يظهر شيئا بعد شيء فيراه القريب منه قبل البعيد عنه انتهى. وأما إعادة الضمير في قوله تعالى (وكل في فلك يسبحون) إلى الأرض مع الشمس والقمر فهو من الإلحاد في آيات الله تعالى وتحريف الكلم عن مواضعه ولا يقول بذلك إلا المفتونون بزخارف الإفرنج وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة كالمطيعي وأشباهه من العصريين الذين يتمسكون بأقوال أعداء الله تعالى ويقدمونها على نصوص الكتاب والسنة ويتأولون القرآن على غير تأويله. ثم قال الشيخ الكافي في الرد على المطيعي. (قوله) وعلى هذا اتفق المفسرون غير أنهم أولوا ذلك بتآويل شتى. (صحيح) غير أنهم لم يخرجوا بتأويلهم عما يقتضيه لسان العرب والقرآن العظيم الذي نزل بلغتهم فهم سادة يمدحون. (قوله) ما دعاهم لارتكابها إلا اعتقاد ما قاله البطليموسية من اليونان من أن الأرض ساكنة. (غير صحيح) ودعواه عليهم تقليد البطليموسية فرية بلا مرية بل إنما اتبعوا القرآن وما ثبت من الأقوال عن السلف الصالح حسب ما تقدم وحسب ما يأتي إن شاء الله تعالى. (قوله) مع أنه لم يقم دليل على سكون الأرض. (غير صحيح) بل الدليل على سكونها قائم من القرآن وغيره كما تقدم في المسألة الموفية عشرين وكما يأتي إن شاء الله تعالى. قلت قد تقدم ذكر المسألة العشرين في أول ما نقلته من كلام الكافي فلتراجع.

(قوله) بل الدليل قائم على دورانها. (غير صحيح) لأنه لم يقم لنا دليلا من القرآن مسلما على دوران الأرض. وأما أنه ثابت عند فيثاغورس التابع له هو فذاك خارج عما ادعاه من إثبات دوران الأرض من القرآن. والمسلمون لم يسلموا دعوى فيثاغورس ومن كان على شاكلته. (قوله) فلا داعي للتأويل. (غير صحيح) بل التأويل واقع في محله. (قوله) بل الواجب أن تبقى الآيتان على ظاهرهما ويعود الضمير على الأجرام الثلاثة التي هي الأرض والشمس والقمر. (غير صحيح) بل يجب عوده على الشمس والقمر لا غير لأن عوده على الأرض بديه البطلان لأنه لا فلك لها تسبح فيه على فرض سبحها الباطل لأن الأفلاك من العلويات والأرض من العالم السفلي. قلت الصحيح أن الضمير عائد على الليل والنهار والشمس والقمر وقد تقدم تقرير هذا قريباً في كلام ابن جرير وأبي العباس ابن تيمية والعماد ابن كثير رحمهم الله تعالى. وقد حكاه ابن جرير عن أهل التأويل. يعني المفسرين. وحكاه ابن كثير عن ابن عباس وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخراساني وبذلك تبقى الآيتان على ظاهرهما ولا يحتاج مع ذلك إلى التأويل. وأما الزيادة على ما أخبر الله به في كتابه كما فعل المطيعي في إدخاله الأرض مع الشمس والقمر فيما أخبر الله به من السبح في الفلك وإعراضه عما أخبر الله به من سبح الليل والنهار فيه فذلك إلحاد في آيات الله تعالى وتحريف للكلم عن مواضعه وليس ذلك من التأويل الجائز في شيء. ثم قال الشيخ الكافي في الرد على المطيعي. (قوله) وممن استدل على دوران الأرض إلى قوله النورانية القرآنية. (لا يفيد شيئاً) لأنه يقال في استدلاله ما قيل في استدلال مفتي مصر سابقاً بلا فرق. (قوله) وأما قوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة) الآية فوجه دلالتها على دوران الأرض أن معناها أنا نرى الجبال نظنها بحسب ما يتراءى لنا ساكنة إلى قوله والجبال تسير وتتحرك تبعاً لها.

(غير صحيح) ما أراده من الآية بل المعنى الصحيح للجبال هو أن لها وصفين أحدهما في حال وجود الدنيا هو ثبوتها في نفسها وثبوت الأرض بها كما هو صريح القرآن العظيم. وثانيهما بعد أيام الدنيا وهو مرورها مر السحاب في الواقع ونفس الأمر وجامدة ساكنة بحسب ما يتراءى للناظر إليها. (وقوله) لأنه لا جائز أن تكون الجبال متحركة هذه الحركة وحدها والأرض ساكنة لأنه لو كان الأمر كذلك لانفصلت الجبال عن الأرض وهو خلاف المشاهد. (كلام قليل الجدوى) لأن الجبال في حال الدنيا لا تتحرك هذه الحركة لا بنفسها ولا تبعاً للأرض وإنما تتحرك هذه الحركة وحدها يوم القيامة وتنفصل عن الأرض وتبقى الأرض بارزة. (قوله) فتبين أن حركتها إنما هي بالتبعية لحركة الأرض (غير صحيح) لأنه لم يتبين شيء بل المتبين في نظر الناظر وفي الواقع ونفس الأمر سكونهما معاً في هذه الدار. (قوله) ولا جائز أن يكون ما نراه على الوجه الذي جاءت به الآية وقت النفخة الأولى أو النفخة الثانية كما قيل بذلك (يقال للمفتي) هو الجائز والواقع والقول بوقوع ذلك بعد النفخة الثانية أرجح في النظر وما تستند إليه مما يقوي قولك التابع فيه لفيثاغورس ويضعف قول من يقول بسيرها بعد وقوع النفخة الأولى أو النفخة الثانية سنرده إن شاء الله تعالى رداً يفقهه من له أدنى إلمام بالعلم. (قوله) لأنه في كل من الوقتين لا يكون هناك بقاء ولا وجود للجبال على الأرض على الوجه الذي يلائمه قوله تعالى في الآية (صنع الله الذي أتقن كل شيء). (حق وصدق) بالنسبة لعدم بقاء ووجود الجبال على وجه الأرض. (وغير حق وصدق) بالنسبة لعدم ملائمة ذلك للآية بل هو ملائم للآية تمام الملاءمة. وذلك أن تسيير الجبال الراسيات الشامخات تسييرا في الجو حثيثاً ويظن الناظر إليها أنها جامدة أي ثابتة في مكانها والحال أنها تمر مر السحاب هو صنع الله المتقن وكل أفعال الله متقنة فهو سبحانه وتعالى أرسى بها الأرض في الدار الأولى فأتقن إرساءها وسيرها في الدار الآخرة فأتقن تسييرها. (قوله) لأن يوم النفختين هو اليوم الذي ترجف فيه الجبال وتكون كثيباً مهيلاً وهو اليوم الذي ينسف الله فيه الجبال نسفاً - إلى قوله - من الأحوال والأهوال.

(صحيح) غير أنه ترك من أوصافها أن الناظر إليها يخيل لها أنها جامدة أي ثابتة في أماكنها والواقع أنها تمر مر السحاب (قوله) التي لا تناسب أن يقال ويخاطب كل من يصح منه الرؤية (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء). (غير صحيح) بل لا يناسب إلا هو لأن أصل الخطاب لبيان هول وشدة ذلك اليوم لا غير ومن ادعى خلاف هذا فلم يمعن النظر في سابق (وترى الجبال) وهو (وإذا وقع القول) (ويوم ينفخ في الصور) ولو أمعن لما تفوه بما قال إلا إذا رسخ في ذهنه مذهب فيثاغورس وأهل الهيئة الحديثة. (قوله) لأن مثل هذا القول إنما يقال لحض الناس المخاطبين على النظر في ذلك الصنع المتقن والتفكر فيما اشتمل عليه من الحكم ليزدادوا إيماناً ويقيناً. (غير صحيح) لأن الخطاب هنا ليس لحظ المخاطبين إلى آخر ما قال. بل هو لبيان هول ذلك اليوم كما تقدم وكما يأتي في كلام الراسخين في العلم. وإنما جاء الخطاب للناس ليتفكروا في نصب الجبال على الأرض المشاهد لهم في قوله تعالى في سورة الغاشية (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت). وأما أنهم يتذكرون ويزدادون إيماناً ويقيناً بشيء لم يشاهدوه ولم يخطر ببالهم فهذا مما لا يساعده عقل ولا نقل. (قوله) وليس يوم النفختين صالحاً لمثل هذا. (صحيح في حد ذاته) لأنه لبيان هول ذلك اليوم لا للتذكير والوعظ (قوله) إذا علمت ما قلنا في خلق السماوات والأرض تعلم أن العاقل المنصف إذا نظر في هذه اللطائف التي اشتملت عليها تلك الآيات القرآنية - إلى قوله العمرانية والكونية. (غير صحيح) بالنسبة لما قرره في دوران الأرض وإنه لم يأت بلطيفة واحدة تذكر إلا بلطيفة وهي مخالفته لصريح نص القرآن وهجرانه لما قرره علماء المسلمين من الصدر الأول إلى وقتنا هذا واعتناقه مذهب فيثاغورس ومن كان على شاكلته. والقرآن تنزه ساحته عن مثل هذا اللغو. (قوله) وأن كل ما قيل غير ذلك فرية بلا مرية.

(معكوس) أعني ما قرره هو فرية بلا مرية. (قوله) كيف وقد دلت على أن الله تعالى حكيم عليم حيث جعل الأرض كرة دائرة لتكون فراشاً ومهداً وذلولا. (غير صحيح) بالنسبة لكون الله تعالى جعل الأرض كرة دائرة لأنه لا شيء من القرآن يدل على ذلك البتة كما تقدم. وأما كونه سبحانه وتعالى حكيماً مقتدراً عليماً فهذا ثابت له بنص الكتاب بقطع النظر عن كون الأرض كرة دائرة أو غير كرة وغير دائرة. ذكر أقوال بعض علماء المسلمين الذين لمزهم مفتي مصر سابقاً بكونهم ما دعاهم لقولهم بسكون الأرض إلا تقليد البطليموسية من اليونان. وسيحاكمونه يوم القيامة عند الله تعالى. (قال الشربيني) (وترى الجبال) أي تبصرها وقت النفخة والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لكونه أنفذ الناس بصراً وأنورهم بصيرة أو لكل أحد (تحسبها) أي تظنها (جامدة) أي قائمة ثابتة في مكانها لا تتحرك لأن الأجرام الكبار إذا تحركت في سمت واحد لا تكاد تتبين حركتها (وهي تمر) أي تسير حتى تقع على الأرض فتستوي بها مبثوثة ثم تصير كالعهن ثم تصير هباء منثوراً, وأشار تعالى إلى أن سيرها خفي وإن كان حثيثاً بقوله تعالى (مر السحاب) أي مراً سريعاً لا يدرك على ما هو عليه أ. هـ. باختصار. (الرازي) قوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون). اعلم أن هذا هو العلامة الثالثة لقيام الساعة وهي تسيير الجبال والوجه في حسبانهم أنها جامدة فلأن الأجسام الكبار إذا تحركت حركة سريعة على نهج واحد في السمت والكيفية ظن الناظر إليها أنها واقفة مع أنها تمر مراً حثيثاً. أما قوله (صنع الله) فهو من المصادر المؤكدة كقوله تعالى (وعد الله) (وصبغة الله) إلا أن مؤكده محذوف وهو الناصب ليوم ينفخ. والمعنى أنه لما قدم ذكر هذه الأمور التي لا يقدر عليها سواه جعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب أ. هـ باختصار.

ثم قال الشيخ الكافي: (قال أبو السعود) على قوله تعالى (وترى الجبال) عطف على ينفخ داخل في حكم التذكير, وقوله عز وجل (تحسبها جامدة) أي ثابتة في أماكنها (وهي تمر مر السحاب) أي تراها رأي العين ساكنة والحال أنها تمر مر السحاب التي تسيرها الرياح سيراً حثيثاً - إلى أن قال - وهذا مما يقع بعد النفخة الثانية عند حشر الخلائق يبدل الله عز وجل الأرض غير الأرض ويغير هيئتها ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئة الهائلة ليشاهدها أهل المحشر. وهي وإن اندكت وتصدعت عند النفخة الأولى لكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية أ. هـ باختصار. (الرازي) عند قوله تعالى (وسيرت الجبال فكانت سراباً) قال اعلم أن الله تعالى ذكر في مواضع من كتابه أحوال هذه الجبال على وجوه مختلفة ويمكن الجمع بينها على الوجه الذي نقوله وهو أن أول أحوالها الاندكاك وهو قوله (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة). والحالة الثانية لها أن تصير كالعهن المنفوش. وذكر الله ذلك في قوله (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث. وتكون الجبال كالعهن المنفوش) وقوله (يوم تكون السماء كالمهل. وتكون الجبال كالعهن). والحالة الثالثة أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع وتتبدد بعد أن كانت كالعهن وهو قوله (إذا رجت الأرض رجاً. وبست الجبال بساً. فكانت هباء منبثاً). والحالة الرابعة أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها بإرسال الرياح عليها وهو المراد من قوله (فقل ينسفها ربي نسفاً). والحالة الخامسة أن الرياح ترفعها عن وجه الأرض فتطيرها شعاعاً في الهواء كأنها غبار فمن نظر إليها من بعد حسبها أجساماً جامدة لتكاثفها وهي في الحقيقة مارة إلا أن مرورها بسبب مرور الرياح بها مندكة متفتتة وهي قوله (وهي تمر مر السحاب). ثم بين أن تلك الحركة حصلت بقهره وتسخيره فقال (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة). والحالة السادسة أن تصير سراباً بمعنى لا شيء فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا كما أن من يرى السراب من بعد إذا أتى الموضع الذي كان يراه فيه لم يجده شيئاً والله

أعلم واعلم أن الأحوال المذكورة إلى ههنا هي أحوال عامة القيامة أ. هـ المراد منه. (أبو السعود) قال عند قوله تعالى (وسيرت الجبال) أي في الجو على هيئاتها بعد قلعها من مقارها كما يعرب عنه قوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) أي تراها رأي العين ساكنة في أماكنها والحال أنها تمر مر السحاب الذي تسيره الرياح سيراً حثيثاً وذلك أن الأجرام العظام إذا تحركت نحواً من الأنحاء لا تكاد تتبين حركتها وإن كانت في غاية السرعة لاسيما من بعيد. وقد أدمج في هذا التشبيه تشبيه حال الجبال بحال السحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها كما ينطق به قوله تعالى (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) يبدل الله تعالى الأرض ويغير هيئتها ويسير الجبال على تلك الهيئة الهائلة عند حشر الخلائق بعد النفخة الثانية ليشاهدوها ثم يفرقها في الهواء وذلك قوله تعالى (فكانت سراباً) أي فصارت بعد تسييرها مثل السراب كقوله تعالى (وبست الجبال بساً, فكانت هباء منبثاً) أي غباراً منتشراً. وهي وإن اندكت وانصدعت عند النفخة الأولى لكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية كما نطق به قوله تعالى (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً. فيذرها قاعاً صفصفاً. لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً, يومئذ يتبعون الداعي) وقوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار) فإن اتباع الداعي الذي هو إسرافيل وبروز الخلق لله تعالى لا يكون إلا بعد الثانية أ. هـ. قلت وقال ابن جرير في تفسير سورة النمل يقول تعالى ذكره (وترى الجبال) يا محمد (تحسبها جامدة وهي تمر) كالذي حدثني علي قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله (وترى الجبال تحسبها جامدة) يقول قائمة وإنما قيل وهي تمر مر السحاب لأنها تجمع ثم تسير فيحسب رائيها لكثرتها أنها واقفة وهي تسير سرياً حثيثاً كما قال النابغة الجعدي: بأرعن مثل الطود تحسب أنهم ... وقوف لحاجٍ والركاب تهملج وقال أبو الفرج ابن الجوزي في تفسيره. قوله تعالى (وترى الجبال) قال ابن قتيبة هذا يكون إذا نفخ في الصور تجمع الجبال وتسير فهي لكثرتها تحسب (جامدة) أي واقفة (وهي تمر) أي تسير سير السحاب. وكذلك كل جيش عظيم يحسبه الناظر من

بعيد واقفاً وهو يسير لكثرته - ثم ذكر قول النابغة الجعدي في وصف الجيش وقد تقدم ذكره في كلام ابن جرير - ثم قال وقوله تعالى (صنع الله) قال الزجاج هو منصوب على المصدر لأن قوله (وترى الجبال تحسبها جامدة) دليل على الصنعة فكأنه قال صنع الله ذلك صنعاً. ويجوز الرفع على معنى ذلك صنع الله, فأما الإتقان فهو في اللغة إحكام الشيء انتهى. وقال البغوي في تفسيره. قال الله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة) قائمة واقفة (وهي تمر مر السحاب) أي تسير سير السحاب حتى تقع على الأرض فتسوى بها وذلك أن كل شيء عظيم وكل جمع كثير يقصر عنه البصر لكثرته وبعد ما بين أطرافه فهو في حسبان الناظر واقف وهو سائر كذلك سير الجبال لا يرى يوم القيامة لعظمها كما أن سير السحاب لا يرى لعظمه وهو سائر انتهى. وقال القرطبي في تفسيره. قوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) قال ابن عباس أي قائمة وهي تسير سيراً حثيثاً. قال القتبي وذلك أن الجبال تجمع وتسير فهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير وكذلك كل شيء عظيم وجمع كثير يقصر عنه النظر لكثرته وبعد ما بين أطرافه وهو في حسبان الناظر كالواقف وهو يسير - ثم ذكر قول النابغة الجعدي في وصف الجيش العظيم وتقدم ذكره. ثم قال - قال القشيري وهذا يوم القيامة أي هي لكثرتها كأنها جامدة أي واقفة في مرأى العين وإن كانت في أنفسها تسير سير السحاب والسحاب المتراكم يظن أنها واقفة وهي تسير, أي تمر مر السحاب حتى لا يبقى منها شيء. قال الله تعالى (وسيرت الجبال فكانت سراباً). ويقال إن الله تعالى وصف الجبال بصفات مختلفة ترجع كلها إلى تفريغ الأرض منها وإبراز ما كانت تواريه. فأول الصفات الاندكاك وذلك قبل الزلزلة, ثم تصير كالعهن المنفوش وذلك إذا صارت السماء كالمهل وقد جمع الله بينهما فقال (يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن). والحالة الثالثة أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع بعد أن كانت كالعهن. والحالة الرابعة أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها لتبرز. فإذا نسفت فبإرسال الرياح عليها. والحالة الخامسة أن الرياح ترفعها على وجه الأرض فتطيرها شعاعاً في الهواء كأنها

غبار فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجساماً جامدة وهي في الحقيقة مارة إلا أن مرورها من وراء الرياح كأنها مندكة متفتتة. والحالة السادسة أن تكون سراباً فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئاً منها كالسراب قال مقاتل تقع على الأرض فتسوى بها انتهى. وقال ابن كثير في تفسيره, وقوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) أي تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه وهي تمر مر السحاب أي تزول عن أماكنها كما قال تعالى (يوم تمور السماء موراً. وتسير الجبال سيراً) وقال تعالى (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً. فيذرها قاعاً صفصفاً. لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً) وقال تعالى (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة). وقوله تعالى (صنع الله الذي أتقن كل شيء) أي يفعل ذلك بقدرته العظيمة (الذي أتقن كل شيء) أي أتقن كل ما خلق وأودع فيه من الحكمة ما أودع انتهى. وكلام المفسرين بنحو ما ذكرنا كثير جداً وكلهم على خلاف ما ذهب إليه المطيعي وأشباهه من تلامذة الإفرنج ومقلديهم من العصريين. ثم قال الشيخ الكافي: (المسألة الثامنة والسبعون) في بيان أن صنع الله تعالى كيف ما وقع لا يكون إلا متقناً سواء كان قبل النفختين أو بعدهما. وقَصْرُ مفتي مصر سابقاً ذلك على ما قبل النفختين وأن ما بعد النفختين لا ينبغي أن يخاطب به الناس لا ينظر إليه ولا يعول عليه. (الجلال المحلي) قال في تفسير قوله تعالى (صنع الله) مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله أضيف إلى فاعله بعد حذف عامله أي صنع الله ذلك صنعاً (الذي أتقن) أحكم (كل شيء) صنعه. (العلامة زاده) قوله (صنع الله) مؤكد لمضمون الجملة قبله فإن ما تقدم من نفخ الصور المؤدي إلى الفزع العام وحضور الكل الموقف وما فعل بالجبال إنما هو من صنع الله لا يحتمل غيره. (قال أبو السعود) على قوله تعالى (صنع الله) مصدر مؤكد لمضمون ما قبله أي صنع الله ذلك صنعاً على أنه عبارة عما ذكر من النفخ في الصور وما ترتب عليه جميعاً قصد به التنبيه على عظم شأن تلك الأفاعيل وتهويل أمرها والإيذان بأنها ليست بطريق

إخلال نظام العالم وإفساد أحوال الكائنات بالكلية من غير أن يدعو إليها داعية أو يكون لها عاقبة بل هي من قبيل بدائع صنع الله تعالى المبنية على أساس الحكمة المستتبعة للغايات الجميلة التي لأجلها رتب مقدمات الخلق ومبادئ الإبداع على الوجه المتين والنهج الرصين كما يعرب عنه قوله تعالى (الذي أتقن كل شيء أي أحكم خلقه وسواه على ما تقتضيه الحكمة). وقوله تعالى (إنه خبير بما تفعلون) تعليل لكون ما ذكر صنعاً محكماً له تعالى ببيان أن علمه تعالى بظواهر أفعال المكلفين وبواطنها مما يدعو إلى إظهارها وبيان كيفيتها على ما هي عليه من الحسن والسوء وترتيب جزائها عليها بعد بعثهم وحشرهم وجعل السموات والأرض والجبال على وفق ما نطق به التنزيل ليتحققوا بمشاهدة ذلك أن وعد الله حق لا ريب فيه أ. هـ. كتب الزمخشري على قوله تعالى (صنع الله) من المصادر المؤكدة كقوله وعد الله وصبغة الله إلا أن مؤكده محذوف وهو الناصب ليوم ينفخ. والمعنى ويوم ينفخ في الصور وكان كيت وكيت أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين. ثم قال صنع الله يريد به الإثابة والمعاقبة وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب حيث قال (صنع الله الذي أتقن كل شيء) يعني أن مقابلة الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها وإجرائه لها على قضايا الحكمة أنه عالم بما يفعل العباد وبما يستوجبون فيكافيهم على حسب ذلك, ثم لخص ذلك بقوله (من جاء بالحسنة) إلى آخر الآيتين. فانظر إلى بلاغة هذا الكلام وحسن نظمه وترتيبه ومكانة إضماده - أي جمعه - ورصانة تفسيره وأخذ بعضه بحجزة بعض كأنما أفرغ إفراغاً واحداً. ولا مر ما أعجز القوى وأخرس الشقاشق - يعني الخطباء - ونحو هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام جاء كالشاهد بصحته والمنادي على سداده وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان. ألا ترى إلى قوله صنع الله وصبغة الله ووعد الله وفطرة الله بعد ما وسمه بإضافتها إليه بسمة التعظيم كيف تلاها بقوله (الذي أتقن كل شيء) (ومن أحسن من الله صبغة) (لا يخلف الله الميعاد) (لا تبديل لخلق الله) أ. هـ محل الحاجة منه.

الرد على أخطاء الصواف

فصل قال الصواف في تعقيبه على الشيخ عبد العزيز بن باز. ما نصه. لقد قرأت بإمعان مقالك القيم (الشمس جارية والأرض ثابتة) ولمست الضجة الكبرى التي أحدثها في الأوساط العلمية والمجامع الثقافية وقد كان حديث المجالس وحديث الغادين والرائحين وكانوا ما بين موافق ومخالف ولم تكن الغرابة من موضوع المقال فالخلاف في هذا الأمر قديم وحديث, ولكن الضجة مما جاء في المقال من التكفير والتضليل والحكم بالردة حيث قلت بعد أن سقت بعض الأدلة «وهكذا علماء الإسلام المعروفون المعتمد عليهم في هذا الباب وغيره قد صرحوا بما دل عليه القرآن الكريم من كون الشمس والقمر جاريين في فلكهما على التنظيم الذي نظمه الله لهما وأن الأرض قارة ساكنة قد أرساها الله بالجبال وجعلها أوتاداً لها فمن زعم خلاف ذلك وقال إن الشمس ثابتة لا جارية فقد كذب الله وكذب كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد, ثم قلت حفظك الله وكل من قال هذا القول فقد قال كفراً وضلالا لأنه تكذيب لله وتكذيب للقرآن وتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم الخ». من هنا يا أخي انطلقت الضجة حتى أحدثت لها عجاجة في الأفق العلمي ما كان أغنانا عنها خاصة وقد صدمت هذه الفتوى الملايين من شباب ورجال يدينون بالإسلام في هذا العصر والذين أصبحوا يعتقدون أن مثل هذه الأمور أصبحت عندهم من المسلمات العلمية التي لا يجادل فيها اثنان فكيف تنفى نفياً قاطعاً ويكفر القائل بها ويحكم عليه بالردة ويستباح دمه وماله. نعم إن من كذب الله ورسوله وكذب كتابه فهو كافر مرتد ومجرم أثيم كما قلتم في مقالكم. وأنا أقول وعليه غضب الله ولعنته إلى يوم الدين. والجواب عن هذا من وجوه, أحدها أن يقال أن بيان الحق واجب على العلماء وكتمانه حرام عليهم لقول الله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) فدلت هذه الآية الكريمة على أنه لا يجوز للعلماء كتمان ما يعلمونه

من الحق بل يجب عليهم بيانه للناس سواء قبلوه منهم أو ردوه. وإذا حدث بسبب بيان الحق ضجة من الجهال لم يكن ذلك مانعاً من بيان الحق والدعاء إليه وإنكار الباطل والتحذير منه. وقد أحدثت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ضجة عظيمة عند المشركين ولم تكن ضجتهم مانعة له من بيان الحق والدعاء إليه وإنكار المنكر والتحذير منه. وكذلك أهل الردة قد أحدثوا ضجة عظيمة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال عمر رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فقال أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام. ولم تمنعه رضي الله عنه ضجتهم من قتالهم وردهم إلى الحق. وكذلك أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قد أحدث عليه الخوارج ضجة عظيمة ولم تكن ضجتهم مانعة له من دعوتهم إلى الحق وقتالهم عليه. وكذلك الإمام أحمد وغيره من أهل السنة قد أحدث عليهم الجهمية وغيرهم من أهل البدع ضجة عظيمة ولم تكن ضجتهم مانعة لأحمد وغيره من بيان الحق والدعوة إليه وتكفير الجهمية وغيرهم ممن يستحق التكفير من أهل البدع. وكذلك شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية وأصحابه قد أحدث عليهم القبوريون وأصناف أهل البدع ضجة عظيمة ولم تكن ضجتهم مانعة للشيخ وأصحابه من بيان الحق والدعوة إليه وإنكار الباطل والتحذير منه وتكفير من يستحق التكفير من القبوريين وأهل البدع. وكذلك شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأنصاره وأولاده وأحفاده ومن سار على منهاجهم في بيان الحق والدعوة إليه قد أحدث عليهم القبوريون وأصناف أهل البدع ضجة عظيمة ولم تكن ضجتهم مانعة للشيخ وأتباعه من بيان الحق والدعوة إليه وإنكار الباطل والتحذير منه وتكفير من يستحق التكفير من القبوريين وأهل البدع. وهكذا نقول فيما ذكره الصواف من ضجة أتباع أهل الهيئة الجديدة ومقلديهم من ضعفاء البصيرة أن ضجتهم ليست مانعة من بيان الحق وإنكار الباطل وتكفير من كذب الله وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم. الوجه الثاني أن يقال ما هذا اللوم يا صواف على بيان الحق وإنكار الباطل. أترضى

لنفسك أن تكون من الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف. ولو أنك وجهت لومك إلى الذين ينشرون المقالات في تأييد الباطل وأهله لكان خيراً لك من الجدال بالباطل لإدحاض الحق. الوجه الثالث أن يقال ما يدريك أن الملايين من المسلمين يعتقدون صحة ما روجه أهل الهيئة الجديدة في استقرار الشمس ودوران الأرض عليها هل أخبروك بذلك عن أنفسهم أو أخبرك الثقاة عنهم, وإذا لم يخبروك فهل أنت مطلع على الغيب وعالم بما يعتقده الناس وإذا لم يكن عندك علم الغيب فلا بد لك من الأمر الثالث وهو اتباع الظن وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «الظن أكذب الحديث» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. الوجه الرابع أن يقال على سبيل الفرض والتقدير إذا كان الملايين من ضعفاء البصيرة قد انخدعوا لما روجه أعداء الله تعالى مما هو مخالف لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولما كان عليه الصحابة والتابعون وأئمة العلم والهدى من بعدهم فهل يكون قبولهم لزخارف أعداء الله تعالى وتأثرهم من بيان الحق ونشره موجباً لكتمانه ومانعاً من بيانه ونشره. كلا. بل الواجب بيان الحق ونشره ولو صدم الملايين الكثيرة, وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمصيطر) وقال تعالى (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) وقال تعالى (إن عليك إلا البلاغ). وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بلغوا عني ولو آية» رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. وفي الصحيحين وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم» فالواجب على ورثة النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغوا عنه ويفرقوا بين الحق والباطل ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر سواء رضي الناس بذلك أو سخطوا.

الوجه الخامس أن يقال إذا كان الملايين من الناس يعتقدون صحة ما قاله أهل الهيئة الجديدة في استقرار الشمس ودوران الأرض عليها فهل يكون اعتقادهم ذلك دليلا على صحته في نفس الأمر حتى يتعين الأخذ به وتلغى لأجل ذلك النصوص الدالة على خلاف ما يعتقدون ويلغي أيضاً إجماع المسلمين على خلاف قولهم. كلا. بل الأخذ بالنصوص وإجماع المسلمين هو المتعين وما خالف ذلك فمضروب به عرض الحائط: لا عبرة بمخالف لهمُ ولو ... كانوا عديد الشاء والبعران وقد كان الجهمية وغيرهم من أهل البدع يعتقدون صحة ما ذهبوا إليه من البدع ولم يكن اعتقادهم ذلك دليلا على صحة مذاهبهم في نفس الأمر. وهكذا أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم فإن قولهم في استقرار الشمس ودوران الأرض عليها قول باطل واعتقاد مخالف لاعتقاد أهل السنة والجماعة فلا يعول عليه بل يرد على قائليه. الوجه السادس أن يقال ما أكثر المعارضين لأهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من العصريين وعلى هذا فقول الصواف إن مثل هذه الأمور أصبحت عندهم من المسلمات العلمية التي لا يجادل فيها اثنان إن أراد أنه لا يجادل فيها أحد من علماء المسلمين فهو كذب واضح لأن كل متمسك بالكتاب والسنة يخالفهم فيما زعموه من استقرار الشمس ودوران الأرض عليها. وقد ذكرنا إجماع المسلمين على وقوف الأرض وسكونها وإجماع أهل الكتاب على ذلك أيضاً. وإن أراد أنه لا يجادل فيها أحد من المقلدين لأهل الهيئة الجديدة والمتمسكين بآرائهم وتخرصاتهم فو محتمل ولكن لا عبرة بهؤلاء ولا يعتد بأقوالهم في شيء من المسائل العلمية. وأيضاً فهؤلاء المخدوعون بزخارف أعداء الله تعالى محجوجون بنصوص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على خلاف ما ذهبوا إليه كما تقدم إيضاحه. وكل قول خالف نصاً أو إجماعاً فمضروب به عرض الحائط ومردود على قائله كائناً من كان وقد قال الله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع

اختلاف المتأخرين من الفلكيين في حركة الأرض ودورانها

غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً). وإن أراد أنه لا يجادل فيها أحد من الفلكيين فهو كذب لأن الخلاف بين الفلكيين في هذه المسألة مشهور قديماً وحديثاً فأما الخلاف القديم فهو ما كان بين فيثاغورس وأتباعه وبين بطليموس وأتباعه, وقد ذكرت ذلك في أول الكتاب. وأما الخلاف الحديث فهو ما كان بين أهل الهيئة الجديدة وبين من يعارضهم ويقول بخلاف قولهم من متأخري الفلكيين وقد قال محمد فريد وجدي في كتابه «كنز العلوم واللغة» أما دوران الأرض فهذا موضع الخلاف أقول الخلاف لأنه رغماً عن شيوع فكرة دورانها وتغلبها على النظرية المضادة لها لم تزل بين الأعلام الرياضيين موضع الشك. وقال أيضاً في كتابه الذي سماه «الإسلام في عصر العلم» الأدلة على دوران الأرض حول الشمس غير حاصلة على صفة الأدلة المحسوسة حتى لا يمكن الخوض فيها كمسألة كرويتها ولذلك نرى نفراً من العلماء والرياضيين لا يزالون يتشككون في ذلك ويشككون غيرهم. كتب المسيو درومون في جريدة «ليبربارول» الباريسية يقول لم يقم الدليل إلى الآن على صحة دوران الأرض كما كان يزعم «غاليليه» وغاليليه هو ناشر تعاليم كوبرنيك ولا على أنها مركز العالم الشمسي. وهذا المسيو «بوانكاريه» أكبر علماء الهندسة والطبيعة الفرنساويين لم يجزم إلى الآن بدوران الأرض لأنه يقول, يقولون أن الأرض تدور وأنا لا أرى مانعاً من دورانها فإن فرض دورانها سهل القبول ويمكن به فهم كيفية تكوّن ونمو الدنيا وات ولكنه فرض لا يمكن إثباته ولا نفيه بالأدلة المحسوسة, وهذا الفضاء المطلق أي الحيز الذي يلزم نسبة الأرض إليه للتحقق من دورانها أو عدم دورانها ليس له وجود في ذاته. قال ومن هنا ترى أن قولهم الأرض دائرة لا معنى له البتة لأنه ليس في وسع أي تجربة إثباته لنا بالحس وجاء في جريدة «اكلبر» الفرنساوية تحت إمضاء بعض الكاتبين قوله ليس من المحقق الثابت أن الأرض دائرة. ونقل محمد فريد وجدي أيضاً عن الأستاذ الفلكي الطائر الصيت الذي يعد أول رياضي الآن في البلاد الفرنساوية كلاماً طويلا في الرد على القول بدوران الأرض وقال في آخره.

ومن هنا ترى تأكيدهم أن الأرض تدور لا معنى له لأنه لا يوجد ما يثبته بالتجربة. ثم قال محمد فريد وجدي بعد هذا. وأننا نرى من تضارب هذه الأفكار بين أكبر علماء الأرض أن أمر دوران الأرض غير حاصل على ما يجعله من العلوم البديهية فإن مثل العلامة «بوانكاريه» لم يكن يتجاسر على مثل هذا القول وهو أكبر رياضي فرنسي اليوم إن لم نقل أكبر رياضي فلكي في العالم إذ لم يكن على ثقة تامة مما يقول وعلى بينة مما يرمي إليه. ولو كان المعلمون في أثناء تدريسهم للعلوم الطبيعية يسلكون مسلك العلماء في الإقرار بالجهل فيورون تلامذتهم وجه الضعف في المعلومات الطبيعية لأدوا لتلامذتهم أكبر خدمة لأنهم بهذا يعودونهم على الأدب النفسي فتنشأ نفوسهم معتادة على التواضع أمام فخامة الكون وجلالته والسجود أما مبدعه ومصوره. ولكن أكثرهم يدرسون لهم العلوم المشكوك فيها والفروض الطبيعية الظنية بصفة حقائق ثابتة فيتذرع بها أولئك التلامذة الأغرار متى كبروا إلى الإلحاد ونفي الروح والخلود ولا يدرون أنهم يتمسكون بالظنون وأن الظن لا يغني من الحق شيئاً انتهى. وقال الشيخ محمد الحامد خطيب جامع السلطان بحماة في كتابه المسمى «ردود على أباطيل, وتمحيصات لحقائق دينية» تحت عنوان «موقف المسلمين من النظريات العلمية» ما نصه: كان الفلكيون القدماء قائلين بثبات الأرض واستقرارها وجريان الشمس حولها ثم طلع بعض الفلكيين بنظرية دوران الأرض وثبات الشمس وقد راجت هذه الفكرة رواجاً عظيماً واعتقدها كثير من الناس حقيقة لا ريب فيها ثم تسرب الشك فيها إلى بعض العقول بل تجددت فكرة الرجوع إلى القول الأول قطعاً عند بعض الفلكيين الجدد. ثم نقل ما ذكر محمد فريد وجدي عن المسيو «درومون» وعن المسيوبو انكاريه» وتقدم ذكره قريبا ثم قال وقد صدر سنة 1926 ميلادية كتاب بالفرنسية اسمه «الأرض لا تدور» تأليف ب رايوفيتش. ذكر فيه براهين علمية على ثبات الأرض وختمه بقوله فيبرهن ذلك على أن الشمس تدور حول الأرض وكذا القمر يدور حولها وعلى عدم حركة الأرض انتهى. ثم قال محمد الحامد. من هذا كله يتضح أن فكرة دوران الأرض ليست متفقاً عليها.

فمن الجراءة على الله تعالى محاولة تثبيت ما ليس بثابت بآياته الكريمة الحقة التي لا يتطرق إليها بطلان. وقال الشيخ محمد الحامد أيضاً في الكتاب المذكور. قرأت في العدد السادس من أعداد مجلة «الأخوة الإسلامية» مقالة بعنوان «عدد السموات السبع ورجوم الشياطين بمصابيحها وقد رأيت الكاتب نحا ف بكلمته نحو من يقول بحركة الأرض مدعيا أن القرآن الكريم لم يصدم معتقدات الناس وتصوراتهم وقت نزوله, وكان الاعتقاد السائد في ذلك الوقت أن الأرض مركز لحركة الكون وأن الشمس والقمر والنجوم تجري حولها أي على خلاف ما رآه المتأخرون من الفلكيين وادعى أيضاً أن القرآن الكريم أشار إلى حركتها وأومأ إليها تاركاً تفسيره للزمن. ثم نقل عن بعض الكاتبين تفسير السموات السبع بالطبقات الغازية التي تحيط بالأرض وتعلوها بل لقد عد المجرات المختلفة التي هي نجوم من السموات السبع بلا ريب, وفي هذا مخالفة واضحة لنصوص الشرع والقرآن. وقد كان من الخير أن لا يتعرض لهذا فإن التوفيق بين نصوص الدين التي لا ريب فيها والتي لا تتبدل وبين النظريات الفلكية التي تتبدل في الأحيان المتتالية ضرب من المحال ومن رامه اصطدم بعقبات وتورط في مشكلات ثم لا يجد خلاصاً منها بوجه مقبول. والفلكيون مختلفون في تحرك الأرض قديماً وحديثاً وإلى الآن لم يتفقوا على القول بأنها متحركة, وكل يؤيد ما ذهب إليه بما يلوح له من دليل. ولندعهم جانباً ولنقرأ آيات القرآن قراءة لا تكلف فيها ولا تعسف مؤمنين بأنها الحق لا ريب فيه وأن الله تعالى لا يخبر بخلاف الحقيقة وأن أولئك المختلفين لم يشهدوا خلق المكونات حتى تكون أقوالهم حججاً يحتج بها وبراهين يسار على ضوئها. قال الله تعالى (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً). إننا حين ننظر في الآيات التي ذكر الله فيها الأرض والشمس والقمر والنجوم نخرج بالفهم الصحيح الذي فهمه النبي الكريم وأصحابه صلوات الله تعالى عليه وعليهم وسلامه. ومعاذ الله أن يفهموا خطأ وأن يفهم غيرهم من بعدهم صواباً. قال الله تعالى في سورة النحل (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلا

لعلكم تهتدون) وقال في سورة الأنبياء (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلا لعلهم يهتدون) وقال في سورة لقمان (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) وقال في سورة النبأ (ألم نجعل الأرض مهاداً, والجبال أوتاداً) وقال في سورة النازعات (والجبال أرساها) آيات كلهن نص على أن الله ثبت الأرض بالجبال فلا تتحرك والميدان لغة هو التحرك. إذاً فلا حركة للأرض كما يزعم الزاعمون. ولئن قالوا أن تثبيتها بالجبال كتثبيت السفينة بما يثقلها ليحفظ عليها توازنها مع أنها سائرة. قلنا لهم هذا تكلف ينبو عنه الذوق ولسنا مضطرين إليه فلا ندخل مأزقه الحرج ولا نسير في طريقه اللجج. وإذا قستموها بالسفينة السائرة فأين أنتم من قول الله تعالى (والجبال أرساها) ورسو السفينة وقوفها وسكونها فلا يتم لكم ما تريدون من هذا القياس. وما أصرح قول الله تعالى, في حركة الشمس (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) وقوله تعالى (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون). وإن لاح لهم أن يتعلقوا بقوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) قلنا لهم لا متعلق لكم في هذه الآية لأنها في وصف يوم القيامة كما تدل عليه الآيات سباقاً وسياقاً (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين. وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون. من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون. ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون). وقد أخبرنا ربنا بسير الجبال يوم القيامة في غير آية (وإذا الجبال سيرت) (ويوم نسير الجبال) الآية (يوم تمور السماء موراً. وتسير الجبال سيراً) انتهى المقصود من كلامه. الوجه السابع أن يقال كيف لا ينفي قول أهل الهيئة الجديدة في استقرار الشمس ودوران الأرض عليها نفياً قاطعاً وما المانع من نفيه وقد نفاه القرآن والأحاديث الصحيحة وإجماع المسلمين كما تقدم بيانه. بل إن النفي لما قالوه واجب على كل المسلمين عالم بفساد قولهم ومعارضته لنصوص القرآن والسنة وإجماع المسلمين.

تكفير من قال باستقرار الشمس وتعليل ذلك

الوجه الثامن أنه لا مانع من تكفير من قال باستقرار الشمس لتكذيبه لنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة الدالة على جريانها ودؤبها في ذلك كما تقدم بيانه. وتكذيب النصوص تكذيب لله تعالى ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة. والدليل على كفر من كذب النصوص قول الله تعالى (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) وقوله تعالى (فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) وقوله تعالى (بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا المعنى. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» رواه مسلم والدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. فدل هذا الحديث الصحيح على أن من ترك الإيمان بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مباح الدم والمال. وقد تظافرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها». ومن أعظم حقوق لا إله إلا الله تصديق ما أخبر الله به في كتابه واعتقاد أن ذلك هو الحق وما خالفه فهو باطل. ومن حقوق الشهادة بأن محمداً رسول الله تصديق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم واعتقاد أن ذلك هو الحق وما خالفه من أقوال الناس فهو باطل. ومن رد شيئاً مما أخبر الله به في كتابه وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر لأنه لم يحقق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فيجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل.

وجوب القتال على التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين

وإن كانوا طائفة ممتنعة وجب قتالهم حتى يرجعوا إلى الحق. قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت بالشهادتين, ثم ذكر رحمه الله تعالى أن التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين مما يجب القتال عليه. ولا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة أن القول بجريان الشمس في الفلك وإتيانها من المشرق وذهابها نحو المغرب هو الذي كان عليه جماعة المسلمين منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا ولا يعرف عن أحد من المسلمين المتمسكين بالكتاب والسنة خلاف في ذلك. وقد تقدمت الأحاديث في ذلك وكذا أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم. ولما ظهر أهل الهيئة الجديدة في آخر القرن العاشر من الهجرة وما بعده وهم كوبرنيك البولوني وهرشل الإنكليزي وأتباعهما من فلاسفة الإفرنج أصحاب الرصد والزيج الجديد أظهروا خلاف ما كان عليه المسلمون فقالوا إن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلا وإنها مركز العالم وأن الأرض والنجوم تدور عليها وقد قلدهم في ذلك كثير من ضعفاء البصيرة من العصريين فخالفوا ما كان عليه جماعة المسلمين منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا. وهؤلاء ينبغي أن يوضح لهم الحق الذي جاء به القرآن والسنة فمن أصر منهم بعد ذلك على المخالفة فهو كافر حلال الدم والمال لأنه قد عاند الحق على بصيرة وأصر على تكذيب الله تعالى وتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً). قال الفضل بن زياد القطان سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة. وقال الفضل أيضاً عن أحمد بن حنبل قال بلغ ابن أبي ذئب أن مالكاً لم يأخذ بحديث «البيعان بالخيار» فقال يستتاب في الخيار فإن تاب وإلا ضربت عنقه.

قال مالك لم يرد الحديث ولكن تأوله على غير ذلك. وكذا قال إبراهيم بن هانئ النيسابوري سمعت أبا عبد الله يقول بلغ ابن أبي ذئب أن مالك بن أنس قال ليس البيعان بالخيار فقال ابن أبي ذئب يستتاب مالك فإن تاب وإلا ضربت عنقه. وإذا كان هذا قول ابن أبي ذئب في الإمام مالك من أجل حديث واحد تأوله على غير تأويله فكيف بالذين يردون النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة ويعارضونها بأقوال أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج وأتباعهم من الأغبياء فهؤلاء أولى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم. الوجه التاسع أن الصواف قد اعترف أن من كذب الله وكتابه ورسوله فهو كافر مرتد ومجرم أثيم. قال وعليه غضب الله ولعنته إلى يوم الدين. فيقال له التكذيب يكون تارة بالمقال وتارة بالفعل ولسان الحال. ومن التكذيب بالفعل ولسان الحال رد النصوص الدالة على جريان الشمس ودؤبها في ذلك واعتقاد أن الحق ما قاله أهل الهيئة الجديدة من ثباتها واستقرارها. فمن فعل ذلك فقد كذب الله تعالى وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم شآء أم أبى. وحينئذ فما يؤمن الصواف أن تكون لعنته ودعاؤه بالغضب راجعاً عليه وهو لا يشعر. الوجه العاشر ما ذكره الصواف في أول كلامه من الخلاف القديم والحديث في جريان الشمس وثبات الأرض فيه إيهام وتمويه على الجهال. فإن أراد أن الخلاف القديم كان بين المسلمين وهو الظاهر من كلامه فليس ذلك بصحيح فإنه لا خلاف بين المسلمين في جريان الشمس وثبات الأرض. وقد تقدم ما حكاه الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي من إجماع أهل السنة على وقوف الأرض وسكونها وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها. وتقدم أيضاً ما حكاه القرطبي من إجماع المسلمين وأهل الكتاب على ذلك. وإن أراد بالخلاف القديم ما كان بين بطليموس وفيثاغورس فهو صحيح ولكن لا ينبغي ذكر مثل هذا الخلاف بدون ذكر الطرفين المختلفين لأن ذكر الخلاف مع الإطلاق يوهم أنه بين المسلمين وليس الأمر كذلك.

وأما الخلاف الحديث فهو ما كان بين المتمسكين بالكتاب والسنة وبين أهل الهيئة الجديدة ومقلديهم من العصريين. ولا ينبغي أن يلتفت إلى خلاف أعداء الله ومقلديهم لأنه خلاف في مقابلة النصوص والإجماع فلا يعتد به. فصل قال الصواف. ولكن هل من قال بحركة الأرض ودورانها حول الشمس بقدرة الله وبثبوت الشمس حول محورها وحركتها حول نفسها بأمر الله هل يعتبر هذا مكذبا لله ولرسوله ومكذبا لكتاب الله حتى يحكم عليه بالردة والكفر. إنني هنا أتوقف ولا أود أن أتعجل بمثل هذا الحكم في أمور أقل ما يقال فيها أنها ظنية وليست قطعية الدلالة. والتوقف فيها أو تفويض الأمر فيها إلى الله العلي القدير أسلم وأحكم وأراكم قد تعجلتم في أمر كانت لكم فيه أناة وفي التأويل مندوحة. والجواب عن هذا من وجوه, أحدها أن يقال من قال بحركة الأرض ودورانها على الشمس فقد خالف الأدلة الكثيرة الدالة على سكونها وثباتها, وخالف أيضا إجماع المسلمين على ذلك. وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث الدالة على سكون الأرض وثباتها فلتراجع. وتقدم أيضا ذكر الإجماع على ذلك وقد قال الله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً). ومن قال بثبات الشمس فهو مكذب لله تعالى ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم شاء أم أبى ولو قال مع ذلك أن لها حركة على نفسها فإن ذلك لا يفيده شيئا لأن الله تعالى أثبت لها الجريان في عدة آيات من كتابه وقد تقدم ذكرها في أول الكتاب فلتراجع. والجريان ضد الثبات والاستقرار كما قال تعالى عن سفينة نوح عليه السلام (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها) الآية ففرق تعالى بين جري السفينة في الماء وبين رسوها وهو ثباتها واستقرارها على جبل الجودي. وعلى هذا فمن نفى عن الشمس الجريان في الفلك وأثبت لها السكون والاستقرار

فقد قلب الحقيقة التي أخبر الله بها في كتابه وأخبر بها رسوله صلى الله عليه وسلم فيكون مكذبا لله تعالى ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم شاء أم أبى. والقول بأن الشمس ثابتة حول محورها وأن لها حركة حول نفسها ينافي جريانها في الفلك كما لا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة وأيضا فقد قال الله تعالى (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) وقال تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون). وقد تقدم تفسير السبح في لغة العرب وأنه المر السريع في الماء وفي الهواء. وعلى هذا فمن زعم أن الشمس ثابتة فقد نفى عنها السبح الذي أثبته الله لها فيكون مكذبا لله تعالى ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم شاء أم أبى. وأيضا فقد قال الله تعالى (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) الآية, والدأب في لغة العرب إدامة السير والمبالغة فيه. وعلى هذا فمن زعم أن الشمس ثابتة لا تسير على الدوام فقد نفى عنها ما أثبته الله لها من الدأب في السير فيكون مكذبا لله تعالى ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم شاء أم أبى. وأيضا فقد قال الله تعالى (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) الآية. وهذا نص صريح في أن الشمس تسير فتأتي من المشرق وتذهب نحو المغرب, فمن زعم أنها ثابتة لا تفارق موضعها فهو مكذب لما أخبر الله به في هذه الآية الكريمة, ومكذب لكتاب الله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شاء أم أبى. وأيضا فإن الله تعالى قد أثبت للشمس البزوغ في آية من كتابه والطلوع في آيات أخر وأثبت لها الأفول في آية والغروب في آيات أخر. وأثبت لها أيضا الدلوك والتزاور. وفي كل من هذه الأمور دليل على سيرها. فمن زعم أنها ثابتة فقد نفى عنها ما أثبته الله لها من هذه الأمور فيكون مكذبا لله تعالى ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم شاء أم أبى. وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه «أتدرون أين تذهب هذه الشمس قالوا الله ورسوله أعلم قال إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها

تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارجعي ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون متى ذاكم. ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً» متفق عليه وهذا لفظ مسلم. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن يوشع بن نون عليه السلام أنه قال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه. رواه الإمام أحمد والشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وعنه أيضاً رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس» رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط البخاري. وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار رواه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي وإسناده حسن. وروى الإمام أحمد وابنه عبد الله وابن خزيمة وأبو يعلى والطبراني بأسانيد جيدة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صدق أمية بن أبي الصلت في قوله: والشمس تطلع كل آخر ليلة ... حمراء يصبح لونها يتورد تأبى فما تطلع لنا في رسلها ... إلا معذبة وإلا تجلد فقال النبي صلى الله عليه وسلم «صدق»: وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب». وفي الصحيحين أيضا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه رواه أبو داود الطيالسي بإسناد صحيح. وروى مالك والشافعي وأحمد والنسائي بأسانيد صحيحة عن عبد الله الصنابحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم استوت قارنها فإذا زالت فراقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها». وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الليل أسمع قال جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيس رمح أو رمحين فإنها تطلع بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار ثم صل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل الرمح ظله ثم أقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي العصر ثم أقصر حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار» وقد رواه الترمذي مختصراً وقال هذا حديث حسن صحيح غريب. وفي هذه الأحاديث الصحيحة أوضح دليل على جريان الشمس في الفلك ودورانها على الأرض. فمن نفى ذلك عنها وزعم أنها ثابتة لا تفارق موضعها فهو مكذب لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث شاء أم أبى. ومن كذب الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مكذب لله تعالى ولكتابه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان مبلغاً عن الله تعالى. وقد قال الله تعالى (وما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى) وقال تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون). وإذا علم ما ذكرنا فلا مانع من إطلاق الردة على من علم بهذه الأدلة أو بشيء منها ثم نبذها وراء ظهره وتمسك بما خالفها من أقوال أهل الهيئة الجديدة التي ما أنزل الله بها من سلطان وإنما هي من وحي الشيطان وتضليله. الوجه الثاني أن القول بثبات الشمس وحركتها على نفسها هو مما تخيله أهل الهيئة

الجديدة وتخرصوه ذكره الألوسي عنهم. وهؤلاء كما قال الله تعالى في أشباههم (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغن من الحق شيئاً. فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا. ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) وقال تعالى (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون. إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين). وقد تقدم أن هذا القول ينافي ما أخبر الله به من جريان الشمس في الفلك ودؤبها في السير فيه. وأهل الهيئة الجديدة هم سلف الصواف وأشباهه من العصريين وعلى أقوالهم الباطلة بنى الصواف تعقيبه على الشيخ ابن باز وبها يجادل ليدحض الحق. وقد قال الله تعالى (والعاقبة للمتقين) وقال تعالى (والعاقبة للتقوى) وقال تعالى (وإن جندنا لهم الغالبون) وقال تعالى (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز). وروى الإمام أحمد وأبو داود والطبراني والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع». الوجه الثالث أن الحق في هذا هو ما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع المسلمين من جريان الشمس في الفلك بقدرة الله تعالى وثبات الأرض واستقرارها بأمر الله تعالى. لا ما زعمه الصواف مما هو قلب للحقيقة. الوجه الرابع من أوابد الصواف وعظيم جراءته زعمه أن النصوص الدالة على جريان الشمس ظنية وليست قطعية الدلالة. والجواب عن هذا الإفك المبين أن نقول. سبحانك هذا بهتان عظيم. وفي هذا القول الوخيم دليل على فساد تصور قائله. وكيف لا يكون كذلك وهو يرى أن نصوص الكتاب والسنة على إثبات جريان الشمس ظنية وليست قطعية الدلالة. وأن الحق فيما تخيله كوبرنيك البولوني وهرشل الإنكليزي وأتباعهم من أهل الهيئة الجديدة وما تخرصوه من ثبات الشمس واستقرارها

وأن هذا من المسلمات العلمية التي لا يجادل فيها اثنان. يا سبحان الله العظيم, أيكون وحي الرحمن إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ظنياً وليس قطعي الدلالة, ويكون وحي الشيطان إلى أوليائه من المسلمات العلمية التي لا يجادل فيها اثنان. هذا قول باطل ورعونة وسفه لا يقوله إلا من هو مصاب في دينه وعقله, وقد قيل. يقضي على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن وأبلغ من هذا قول الله تعالى (ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين. وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) وقوله تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) وقوله تعالى (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) وقوله تعالى (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم). قال ابن القيم رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد. حذار حذار من أمرين لهما عواقب سوء. أحدهما رد الحق لمخالفته هواك فإنك تعاقب بتقليب القلب ورد ما يرد عليك من الحق رأساً ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك قال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) فعاقبهم على رد الحق أول مرة بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك. والثاني التهاون بالأمر إذا حضر وقته فإنك إن تهاونت به ثبطك الله وأقعدك عن مراضيه وأوامره عقوبة لك. قال تعالى (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين) فمن سلم من هاتين الآفتين والبليتين العظيمتين فلتهنه السلامة انتهى. الوجه الخامس أن الله تعالى قرن بين الشمس والقمر في مواضع كثيرة من القرآن وذكر عن القمر من الجري والسبح في الفلك والبزوغ والأفول نظير ما ذكره عن الشمس فهل يقول الصواف بثبات القمر حول محوره وحركته حول نفسه وأن الأدلة على جريه

ظنية وليست قطعية الدلالة كما قد قال بذلك في الشمس أم لا. وإن لم يقل بذلك فإنا نطالبه بإبراز نص عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم يثبت للقمر الجري والسبح في الفلك والبزوغ والأفول دون الشمس ولن يجد إلى ذلك سبيلا البتة. ومن أثبت الجري والسبح في الفلك والبزوغ والأفول للقمر لزمه أن يثبت ذلك للشمس وإن يفعل فقد فرق بين متماثلين وآمن ببعض الكتاب وكفر ببعض. الوجه السادس أن التوقف إنما يكون في الأمور التي لم يتبين وجهها. وكذلك التفويض إنما يكون في الأمور التي لا تعلم كيفيتها وجريان الشمس في الفلك ودؤبها في السير ليس من هذا الباب لأن الله تعالى قد نص على جريانها في عدة آيات من كتابه. ونص أيضاً على أنها تسبح في الفلك. ونص أيضاً على أنها بحسبان. ونص أيضاً على دؤبها في السير. ونص أيضاً على أنه يأتي بها من المشرق. ونص أيضاً على طلوعها ودلوكها وغروبها. ونص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث صحيحة فيجب على المسلم أن يعتقد ما جاء في كتاب الله تعالى وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ولا يتوقف فيه. ويجب على العلماء أن يبينوا للناس ما خفي عليهم من ذلك ويبينوا حكم من رد النصوص الثابتة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يتوقفوا عن البيان فيلحقهم الوعيد على الكتمان. والمبادرة إلى البيان أسلم للعلماء وأحكم؛ وتأخير البيان إنما يكون من تثبيط الشيطان وصده عن إظهار الحق. الوجه السابع أن الصواف قد عاب على الشيخ ابن باز لما بادر إلى بيان الحق الذي يجب عليه وعلى أمثاله أن يبينوه ولا يكتموه. ولم ير هو عيب نفسه في مبادرته إلى نشر الباطل والذب عنه والمجادلة به لإدحاض الحق ولو أنه اشتغل بإصلاح عيبه ولم يشتغل بلوم علماء المسلمين لكان خيراً له. أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا الوجه الثامن أن قول الصواف ولكن هل من قال بحركة الأرض إلى آخره. وتوقفه فيما توقف فيه وزعمه أن الأدلة على حركة الشمس وسيرها ظنية وليست قطعية الدلالة.

ذكر ابتداء الهيئة الجديدة وبيان أن أهلها من فلاسفة الإفرنج

كل ذلك يدل دلالة واضحة على كثافة جهله بما أخبر الله به في كتابه وما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه المسلمون فيما يتعلق بجريان الشمس وثبات الأرض وإذا كان الصواف بهذه المثابة من الجهل فالأولى له السكوت وعدم الخوض فيما لا علم له به وترك الاعتراض على علماء المسلمين. ولكن حب الشهرة حمل الرجل على أن يهرف بما لا يعرف وأن يخالف من هو أعلم منه فكان الأمر فيه كما قيل. خلافاً لقولي من فيالة رأيه ... كما قيل قبل اليوم خالف لتذكرا فصل قال الصواف ومع هذا فإني أود أن أقول لسماحتكم إن هذا القول (حركة الأرض وثبوت الشمس) لم يقل به كفار الغرب من الأمريكان وملحدو الشرق من الروس فقط. بل الذي سبق إليه علماء مسلمون لهم قدرهم ووزنهم في تاريخ الحضارة الإسلامية فهل نحكم بكفرهم وردتهم ونجردهم من الإسلام وهم قد أفضوا إلى ما قدموا وقالوا في السماء والأفلاك ما لم يصل إليه حتى الآن علماء الغرب ولا الشرق وقالوا عن سطح القمر والجبال التي فيه قبل مئات السنين ما لم تقله لوناً (9) التي قيل إنها حطت على سطح القمر وأرسلت صورا تلفزيونية إلى الكوكب الأرضي. ولقد دهشت حقاً وأنا أنظر إلى هذه الصور في الصحف وأقرأ ما قاله علماؤنا الأجلاء قبل ما يقارب الألف عام كيف وصل علماؤنا إلى ذلك كله مع قلة الوسائل وحداثة العلم الذي اشتغلوا فيه ونبغوا فيه نبوغاً حير الألباب واستخرج حتى من أعدائهم الإعجاب. إن العلماء المسلمين أول من اشتغل بعلم الفلك بعد اليونانيين الأقدمين وأول من ألف فيه الكتب والمصنفات وأول من أنشأ المراصد الفلكية في العالم وخصص لها المخصصات الطائلة من بيت مال المسلمين. ولقد أدت مراصد بغداد الفلكية في عهد هارون الرشيد وعهد المأمون في العصر العباسي الأول خدمات لعلم الفلك ذكرها وشكرها كثير من العلماء الفلكيين في القديم والحديث. وكذلك فعلت مراصد دمشق والقاهرة والرقة وسنجار ومراغة وسمرقند وطليطلة وقرطبة. بل إن هذه المراصد أضافت إلى علم الفلك إضافات مهمة

بعد أن أدمجت فيها مجموعة ما رصد في هذه المراصد إذ عينت انحراف سمت الشمس بثلاث وعشرين دقيقة واثنتين وخمسين ثانية وهو ما يعادل الرقم الحاضر اليوم ثم رصد الاعتدال الشمسي فمكنهم من تعيين السنة بالضبط. قال ابن قتيبة عن علماء الفلك المسلمين الأقدمين إنهم أعلم الأمم بالكواكب ومطالعها ومساقطها. وفي عصر المأمون العباسي وضع أبناء شاكر قياساً للدرجة على الأرض ووضعوا التقاويم للأمكنة وقاسوا عرض بغداد وكان مقداره ثلاثاً وثلاثين درجة وعشرين دقيقة. لقد مكث العالم المسلم محمد بن جابر بن سنان واحداً وأربعين سنة يرصد النجوم والكواكب في مرصد الرقة في أرض الشام حتى تمكن من تصحيح بعض نتائج بطليموس اليوناني وجاءت نتائج أرصاد هذا العالم المسلم غاية في الدقة والضبط والإحكام والإتقان. وأبو الحسن المراكشي وهو من علماء القرن الثامن الهجري قام بجهود كبيرة في خدمة علم الفلك ولقد عني بضبط خطوط الطول والعرض لإحدى وأربعين مدينة إفريقية واقعة ما بين مراكش والقاهرة. وسجل العالم البتاني وهو أحد عشرين عالماً فلكياً سبقاً لم يتقدمه أحد إليه حتى قال المسعودي عنه إنه أول من كشف السمت والنظير وحدد نقطتيهما من السماء. لا أريد أن أتوسع في بيان ما صنعه علماء الإسلام من عجائب وغرائب في علم الفلك وهي كثيرة لا تحصى إذ أنني أريد أن أنتقل إلى صلب الموضوع وهو حركة الأرض والشمس. والجواب أن يقال لو توسع الصواف فيما ذكره عن الفلكيين وأطال الكلام بما لا فائدة فيه وما هو خارج عن الموضوع الذي قرره الشيخ ابن باز فكلامه ههنا في واد وكلام الشيخ في واد آخر. والكلام على ما تضمنه كلام الصواف من الأخطاء من وجوه: أحدها أن ما زعمه من سبق العلماء إلى القول بحركة الأرض وثبات الشمس ليس بصحيح. وإنما كان السابق إلى ذلك فيثاغورس اليوناني فهو أول من قال بحركة الأرض وثبات الشمس وكان زمانه قبل زمان المسيح بنحو خمسمائة سنة وقيل ستمائة سنة. وقد خالفه أهل الهيئة القديمة وكان قوله مهجوراً عندهم إلى أن جاء فلاسفة الإفرنج المتأخرون ومنهم كوبرنيك

البولوني في القرن العاشر من الهجرة. ومنهم أيضاً هرشل الإنكليزي وأتباعه أصحاب الرصد والزيج الجديد وكانوا في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر من الهجرة فنصروا قول فيثاغورس وردوا ما خالفه وسموا ما ذهبوا إليه الهيئة الجديدة. وكان ابتداء هذه الهيئة الجديدة من نحو أربعمائة سنة. وإنما شاعت بين الناس منذ زمن قريب. قال محمود شكري الألوسي في صفحة (3) من كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) قد شاع في عصرنا قول فيثاغورس الفيلسوف الشهير في هيئة الأفلاك ونصره الفلاسفة المتأخرون بعد أن كان عاطلا مهجوراً وهو القول بحركة الأرض اليومية والسنوية على الشمس وأنها مركز نظامها وأن الأرض إحدى الكواكب السيارة وأنها سابحة في الجو معلقة بسلاسل الجاذبية وقائمة بها كسائر الكواكب لا أنها كما ذهب إليه بطليموس في الأفلاك كالمسامير في الباب .. قال وقد سماها الفلاسفة المتأخرون الهيئة الجديدة لكونها شاعت في العصر المتأخر وإلا فالقول بها متقدم جداً. وذكر الألوسي أيضاً في صفحة 23 أن المتأخرين ممن انتظم في سلك الفلاسفة كهرشل وأتباعه أصحاب الرصد والزيج الجديد تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة وقالوا بأن الشمس مركز الأرض وكذا النجوم دائرة حولها. وذكر الألوسي أيضاً في صفحة 29 ما ذهب إليه أصحاب الزيج الجدد من أن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلا وأنها مركز العالم وأن الأرض وكذا سائر السيارات والثوابت تتحرك عليها. وقال أيضاً في صفحة 33 ما ملخصه, والمنجمون يقسمون النجوم إلى ثوابت وسيارات والسيارات عند المتقدمين سبع بإجماعهم وعند المنجمين اليوم وهم أهل الهيئة الجديدة أن الشمس في وسط الكواكب التي تدور حولها وأن لها حركة على نفسها وجزموا بأن ليس لها حركة حول الأرض بل للأرض حركة حولها وأن الأرض إحدى السيارات وهي عندهم عطارد والزهرة والأرض والمريخ ووسنة وقد كشفها رجل منهم يقال له «أولبوس» في حدود سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف للهجرة (ونبتون) وقد كشفها رجل منهم يقال له «هاردنق» في حدود سنة عشرين ومائتين وألف للهجرة

(وسيرس) وقد كشفها رجل منهم يقال له «بياظي» في حدود سنة ست عشرة ومائتين وألف للهجرة (وبلاس) وقد كشفها «أولبوس» أيضاً في حدود سنة سبع عشرة ومائتين وألف. والمشتري وزحل (وأورانوس) وقد كشفها رجل منهم يقال له «هرشل» في حدود سنة سبع وتسعين ومائة وألف للهجرة. وذكر الألوسي أيضاً في هامش صفحة 46 أن المتأخرين من الفلاسفة الإفرنج ذهبوا إلى أن الكواكب تتحرك بأنفسها من غير أن تكون مركوزة في جسم آخر. وقال أيضاً في صفحة 59 ما نصه: ثم قال تعالى (إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون) في هذه الآية تنبيه إجمالي على قدرة الله تعالى. أي في تعاقب الليل والنهار وكون كل منها خلفة للآخر بحسب طلوع الشمس وغروبها التابعين عند أكثر الفلاسفة لحركة الفلك الأعظم حول مركزه على خلاف التوالي فإنه يلزمها حركة سائر الأفلاك وما فيها من الكواكب مع سكون الأرض على ما زعموا. وهذا في أكثر المواضع, وأما في عرض تسعين فلا يطلع شيء ولا يغرب بتلك الحركة أصلا بل بحركات أخرى وكذا فيما يقرب منه قد يقع طلوع وغروب بغير ذلك وتسمى تلك الحركة «الحركة اليومية» وجعلها بعضهم وهم فلاسفة الإفرنج بتمامها للأرض وجعل آخرون بعضها للأرض وبعضها للفلك الأعظم. والقرآن العظيم ساكت عن المذهبين وذلك من براهين إعجازه. قلت ليس الأمر كما زعمه الألوسي فإن الله تعالى قد نص على جريان الشمس في عدة آيات من القرآن. ونص أيضاً على أنها تسبح في الفلك والسبح المر السريع, ونص أيضاً على أنها بحسبان. ونص أيضاً على دؤبها في السير, ونص أيضاً على إتيانها من المشرق وعلى طلوعها وغروبها ودلوكها أي زوالها, وجاء في القرآن عدة آيات تدل على سكون الأرض واستقرارها. فكيف يقال إن القرآن ساكت عن المذهبين وهو قد أيد قول من قال بجريان الشمس وسكون الأرض ورد قول من قال بخلاف ذلك. وقال الألوسي أيضاً في صفحة 67 و 68 ما ملخصه قال أهل الهيئة الجديدة الأرض جرم من الأجرام السماوية. يعني أنها جرم من الأجرام التابعة للشمس وهي السيارات الدائرة حولها على أبعاد متفاوتة وسميت (النظام الشمسي) وشكلوا لذلك شكلا في وسطه

الشمس ثم عطارد وهو أقرب إلى الشمس من سائر السيارات المعروفة وبعده الزهرة ثم الأرض ثم قمرها ثم المريخ ثم فسحة واسعة فيها مئتان واثنان وسبعون جرماً صغيراً تسمى النجميات أو الشبيهة بالسيارات ثم المشتري ثم زحل ثم أورانوس ثم نبتون - إلى أن قال - وقالوا في شأن الأرض وحركتها. السيار التابع للنظام الشمسي الذي نحن ساكنون عليه هو الأرض وأنها كروية الشكل - إلى أن قال - وذهبوا إلى أن حركتها وكذا سائر الأجرام السماوية من الغرب إلى الشرق وذهبوا إلى أن لها حركة أخرى غير الحركة اليومية وهي الحركة السنوية فللأرض عندهم حركتان حركة يومية وهي دورانها على محورها مرة من الغرب إلى الشرق ومنها اختلاف الليل والنهار وحركة من الغرب إلى الشرق حول الشمس مرة واحدة كل سنة. هذا ما ذكره علماء الهيئة الجديدة في شأن الأرض. وقد تصفحت القرآن العظيم الشأن فوجدت عدة آيات نطقت بما يتعلق بالأرض من جهة الاستدلال بها على وجود خالقها وعظمة باريها ولم يذكر فيها شيء مما يخالف ما عليه أهل الهيئة اليوم. قلت ليس الأمر على ما قاله الألوسي بل في القرآن آيات كثيرة تدل على سكون الأرض واستقرارها. وفيه نصوص كثيرة تدل على جريان الشمس ودؤبها في السير وقد ذكرت ذلك مستقصى في أول الكتاب فليراجع. وقال الألوسي أيضاً في صفحة 95 وأما قوله (وكل في فلك يسبحون) فالفلك في الأصل كل شيء دائر ومنه فلكة المغزل والمراد به هنا على قول كثير هو موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر. وعن الضحاك هو ليس بجسم وإنما هو مدار هذه النجوم. وفيه القول باستدارة السماء. قال وغاية ما نقول أن الفلاسفة اليوم من الإفرنج وأهل الأرصاد القلبية والمعارج المعنوية خالفوا قول بعض الفلاسفة المتقدمين المخالف لقولهم انتهى المقصود مما ذكره الألوسي. وفيه رد لما زعمه الصواف من سبق العلماء المسلمين إلى القول بحركة الأرض وسكون الشمس. وبيان أن أول من تخيل حركة الأرض وثبات الشمس بعد فيثاغورس وأصحابه هم فلاسفة الإفرنج المتأخرون مثل كوبرنيك البولوني وهرشل الإنكليزي وأتباعهما أصحاب الرصد والزيج الجديد وقد تلقى ذلك عنهم كثير من ضعفاء البصيرة من المسلمين ولاسيما في هذا القرن وهو

القرن الرابع عشر من الهجرة. وقبل ظهور أهل الهيئة الجديدة من الإفرنج لا نعلم عن أحد من المسلمين خلافاً في سكون الأرض وجريان الشمس. وقد تقدم ما حكاه الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي من إجماع أهل السنة على وقوف الأرض وسكونها وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها. وتقدم أيضاً ما حكاه القرطبي من إجماع المسلمين وأهل الكتاب على ذلك. وتقدم أيضاً ذكر النصوص من الكتاب والسنة على جريان الشمس ودؤبها في السير وذلك ما لا خلاف فيه بين المسلمين منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن ظهر المقلدون لكوبرنيك البولوني وهرشل الإنكليزي وأتباعهما من أهل الهيئة الجديدة منذ زمن قريب فأحدثوا بين المسلمين خلافاً لم يكن معروفاً بينهم من قبل. ولا عبرة بخلاف هؤلاء المخدوعين بزخارف أعداء الله تعالى وتخرصاتهم الكاذبة. وقد ذكرنا فيما تقدم أنهم محجوجون بنصوص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على خلاف ما ذهبوا إليه. الوجه الثاني أن يقال من هم العلماء المسلمون الذين لهم قدرهم ووزنهم في تاريخ الحضارة الإسلامية وقد قالوا بحركة الأرض وثبات الشمس وقالوا عن سطح القمر والجبال التي فيه ما لم يقله أهل هذه الأزمان. إننا نتحدى الصواف أن يسمي علماء المسلمين الأجلاء الذين قالوا هذه الأقوال قبل ما يقارب الألف عام وأن يذكر كتبهم التي أثبتوا فيها ذلك إن كان صادقاً. وما أبعده من الصدق. الوجه الثالث أن يقال إن أعظم هذه الأمة قدراً وأرجحهم وزناً في تاريخ الحضارة الإسلامية هم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولم يقل أحد منهم بحركة الأرض وثبات الشمس بل المأثور عنهم خلاف ذلك. وكذلك لم يتهجموا على الغيب ويرجموا بالظن عن سطح القمر وما فيه. ثم التابعون وتابعوهم بإحسان وأئمة العلم والهدى من بعدهم ولاسيما الأئمة الأربعة وأقرانهم من أكابر العلماء وكذلك من كان بعدهم من الأئمة الأعلام فكل هؤلاء لم

يقل أحد منهم بحركة الأرض وثبات الشمس ولم يتهجموا على الغيب ويرجموا بالظن عن سطح القمر وما فيه. فمن حاد عن منهاج الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم وقال بخلاف قولهم فقوله مردود عليه. وقد قال الله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً). الوجه الرابع أن يقال إن كوبرنيك البولوني وأتباعه في آخر القرن العاشر من الهجرة والقرن الحادي عشر وكذلك هرشل الإنكليزي وأتباعه من الإفرنج مثل أولبوس وهاردنق وبياظي وغيرهم من فلاسفة الإفرنج في آخر القرن الثاني عشر من الهجرة وأول القرن الثالث عشر هم الذين سبقوا إلى القول بحركة الأرض وثبات الشمس وقد كان القول به مهجوراً منذ ذهب فيثاغورس اليوناني وأصحابه إلى أن جاء هؤلاء الإفرنج أصحاب الهيئة الجديدة فنصروه وردوا ما خالفه. فهل يقول الصواف إن هؤلاء علماء مسلمون لهم قدرهم ووزنهم في تاريخ الحضارة الإسلامية. الوجه الخامس لو فرضنا صحة ما زعمه الصواف من سبق بعض علماء المسلمين إلى القول بحركة الأرض وثبات الشمس فهو قول باطل مردود لمخالفته للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة ومخالفته أيضاً لأقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان وأئمة العلم والهدى من بعدهم. ومخالفته أيضاً لإجماع المسلمين على ثبات الأرض ووقوفها. وكل قول خالف نصاً من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو خالف إجماع المسلمين فمضروب به عرض الحائط ومردود على قائله كائناً من كان. وقد ذكرت آنفاً أن الذين سبقوا إلى القول بحركة الأرض وثبات الشمس هم فيثاغورس اليوناني وأصحابه وبعدهم أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج. وكان ابتداء الهيئة الجديدة من نحو أربعمائة سنة. ولا يعرف عن أحد من علماء المسلمين قبل ظهور الهيئة الجديدة أنه قال بحركة الأرض وثبات الشمس .... بعد ظهور الهيئة الجديدة فقد كان بعض المنتسبين إلى العلم يقلدون أهلها ويحسنون الظن بهم. وكما أنه لا يعتد بأقوال أعداء الله تعالى في شيء من المسائل العلمية فكذلك لا يعتد بأقوال مقلديهم بطريق الأولى والله أعلم.

الرد على من زعم وصول السفن الفضائية إلى القمر

الوجه السادس أن ما زعمه أعداء الله تعالى من وصول لونا (9) إلى القمر ورسوها على سطحه وإرسالها الصور التلفزيونية إلى الأرض كله كذب وتمويه على الأغبياء, والأمر في هؤلاء الكذابين كما قيل في أسلافهم: سلاحهم في وجوه الخصم مكرهمُ ... وخير جندهمُ التدليس والكذب ومن أين لأعداء الله تعالى أن يصلوا إلى القمر أو تصل مصنوعاتهم إليه وهو في السماء بنص القرآن. وبين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام كما دلت على ذلك النصوص الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقدرة البشر تعجز عن الوصول إلى السماء والصعود في الجو مسيرة خمسمائة سنة. ولعل أعداء الله تعالى إذا سقطت لهم سفينة فضائية في البحر أو في مكان مجهول من البر ولم يدروا أين ذهبت قالوا إنها ذهبت إلى القمر ورست على سطحه. وقد وجد لهم غير ما سفينة فضائية ساقطة. والصور التي يزعمون أنها أرسلت إليهم من القمر لا شك أنها من مخرقتهم وصنع أيديهم فإنهم معروفون بالمخرقة والتدجيل قديماً وحديثاً. وقد ذكر العلماء عنهم من ذلك شيئاً كثيراً. ولا يغتر بأباطيل أعداء الله تعالى ويصدق بها ويندهش لمخرقتهم وتدجيلهم إلا من هو ناقص العقل. ومن أين للصور التلفزيونية أن تصل إلى الأرض من مسيرة خمسمائة سنة وهي لا تتجاوز في الأرض مسيرة عشرة أيام أو نحوها إذا كانت قوية. فوصولها من القمر محال. ومن زعم وصولها منه فهو من أكذب الكاذبين. ومن مخرقة أعداء الله تعالى وتدجيلهم فيما يتعلق بالقمر زعمهم أن فيه أرضاً صالحة للنبات والسكنى فهم لذلك يرومون الانتقال إليه والبناء فيه والسكنى. وكثير من الجهال يصدقونهم في هذه المزاعم الكاذبة. وليس لأعداء الله تعالى ذهاب ولا محيص عن هذه الأرض التي خلقوا منها ولو بلغوا في قوة الصناعة ما بلغوا فمردهم إلى الأرض لا محالة. قال الله تعالى (قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون). وقال تعالى (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) وقال تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه (والله أنبتكم من

الرد على من زعم أن السكنى في القمر ممكنة

الأرض نباتاً. ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً). وفي هذه الآيات رد على من زعم أن السكنى في القمر أو في غيره من الأجرام العلوية ممكنة لبني آدم. وأيضاً فإن الله تعالى قد حرس السماء من الشياطين كما جاء ذلك في آيات كثيرة من القرآن. والقمر في السماء بنص القرآن فهو محروس من وصول الشياطين إليه والاستقرار على سطحه, وسواء في ذلك شياطين الجن وشياطين الإنس. بل إن شياطين الإنس شر من شياطين الجن كما جاء ذلك فيما رواه ابن جرير عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شر شياطين الجن والإنس قال قلت وهل للإنس من شياطين قال نعم هم شر من شياطين الجن». فإن قيل إن الشياطين إنما منعوا من استراق السمع وليس ذلك مراد الذين يرومون الوصول إلى القمر. فالجواب أن يقال إن المنع من استراق السمع يدل على المنع مما هو أعظم منه كالبناء والسكنى والمجاورة لأهل الملأ الأعلى. فالذين يرومون هذه الأمور من شياطين الإنس أولى بالطرد والإبعاد من الذين يسترقون السمع فقط. وقد نشرت جريدة المدينة في عددها 587 الصادر بتاريخ 21 - 11 - 1385 هـ كلاماً لبعض علماء الأمريكان وهو «برنارد لوفيل. مدير مرصد جدويل بانك» يندد فيه بالأمريكان والروس على السواء لتنافسهم في السباق إلى القمر. وقال إن التنافس نابع من صميم غباوة الإنسان. ومضى يقول إن الطبيعة الإنسانية تواجه فشلا كبيراً إذ تعالج هذه المهمة ليس فقط بصورة منفصلة بنفقات باهظة. بل وبإخفاق الشعبين اللذين يقومان بها في تبادل المعلومات وعلى الأخص في وجه المشكلات الفنية الهندسية والعلمية والإنسانية التي تجابهها حضارة العالم. هذه خلاصة كلامه الذي توخى فيه بيان الأمر على الحقيقة وهذا الكاتب وإن كان غير مسلم فهو في الحقيقة أعقل من أغبياء المسلمين الذين يصدقون أعداء الله في كل ما قالوه ويندهشون لمخرقتهم وتدجيلهم.

الرد على من سمى الأرض بالكوكب

الوجه السابع أن إطلاق اسم الكوكب على الأرض خطأ وضلال. والذين أطلقوا عليها اسم الكوكب هم الذين زعموا أنها تسير كما تسير الكواكب وتدور على الشمس وهم أهل الهيئة الجديدة من الإفرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من جهال المسلمين. وهذا خلاف ما سماها الله بها في كتابه وما سماها به رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع المسلمين سوى الأغبياء المقلدين لأهل الهيئة الجديدة. ولازم هذا القول أن تكون الأرض من جملة الزينة التي زين الله بها السماء الدنيا وجعلها رجوماً للشياطين. لأن الله تعالى قال في كتابه العزيز (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظاً من كل شيطان مارد) وقال تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين) وقال تعالى (وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم). وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» وقد تقدم ذكر هذه الأحاديث. وإذا كان بين السماء والأرض هذا البعد الشاسع فكيف يقال إن الأرض كوكب من جملة الكواكب التي جعلها الله زينة للسماء الدنيا. هذا من أبطل الباطل ولا يقوله من له أدنى مسكة من العقل. وأيضاً فقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز أنه جعل الأرض فراشاً والسماء بناء. وأخبر في آية أخرى أنه جعل السماء سقفاً محفوظاً. وقال تعالى في آية أخرى (والسقف المرفوع) فدل القرآن على أن الأرض هي أسفل البناء والسماء سقفه. وما كان أساس البناء وأسفله كيف يقال إنه كوكب من جملة زينة سقفه المرفوع. هذا تخبيط لا يقوله من يعلم ما يقول. وقد قال الراغب الأصفهاني الأرض الجرم المقابل للسماء ويعبر بها عن أسفل الشيء كما يعبر بالسماء عن أعلاه. وقال أبو الفرج ابن الجوزي في تفسيره إنما سميت الأرض أرضاً لسعتها. وقيل لانحطاطها عن السماء وكل ما سفل فهو أرض وسميت السماء سماء لعلوها. وقال القرطبي في تفسيره السماء للأرض كالسقف للبناء. ولهذا قال تعالى وقوله

الحق (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً) وكل ما علا وأظل قيل سماء. وقيل أيضاً والسماء ما علا والأرض ما سفل. وقال الجوهري وغيره من أئمة اللغة كل ما سفل فهو أرض. وروى ابن جرير في تفسيره من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (والسماء بناء) فبناء السماء على الأرض كهيئة القبة وهي سقف على الأرض وإذا كانت الأرض سافلة والسماء عالية عليها وسقفاً فوقها فلا يقول إن الأرض كوكب من جملة الكواكب التي قد جعلت زينة للسماء إلا من هو من أجهل الناس. وبعد تحرير هذا الموضع وقفت على كلام للشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي رد به على من زعم أن الأرض كوكب من جملة الكواكب التي تدور حول الشمس, وقد رأيت أن أسوقه ههنا لما فيه من تحقيق الحق وإبطال الباطل. قال في كتابه «المسائل الكافية, في بيان وجوب صدق خبر رب البرية» ما نصه: (المسألة التاسعة والتسعون) في الجزء المذكور يعني الجزء الرابع عشر من مجموعة مجلة المنار - صفحة 578 قال بعض أشياع محمد عبده مع مشاركة الشيخ رشيد رضا في بعض كلامه. ما هذه الأرض التي نعيش عليها. هي كوكب من الكواكب التي تدور بمركز الشمس وتسمى بالسيارات. قال الشيخ الكافي في الرد عليه. (قوله) هي كوكب. كذَب وافترى على الله تعالى من سماها كوكباً لأن الله تعالى الذي خلقها سماها أرضاً. والكوكب هو النجم ومحله العلو. والكوكب من وصفه الإضاءة والإشراق والطلوع والأفول والأرض بخلاف ذلك. وقوله من الكواكب التي تدور بمركز الشمس ممنوع لأنه تقدم أن الأرض ساكنة لا متحركة فارجع إليه إن شئت انتهى. وكلامه الذي أشار إليه هنا وأنه قد تقدم قد ذكرته مستوفي مع الكلام على تكفير من يقول بحركة الأرض وسرها فليراجع هناك.

أول ما أنشئت المراصد عند المسلمين. وكلام حسن للذهبي في ذلك

الوجه الثامن أن علماء المسلمين الذين هم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم كالخلفاء الراشدين وسائر علماء الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة العلم والهدى من بعدهم لم يكن أحد منهم يشتغل بعلم الفلك ولم يؤلفوا فيه شيئاً ولم ينشئوا شيئاً من المراصد الفلكية كما قد يوهمه قول الصواف إن العلماء المسلمين أول من اشتغل بعلم الفلك إلى آخره. وإنما الذين كانوا يشتغلون بعلم الفلك والتأليف فيه وإنشاء المراصد الفلكية صنفان من الناس وهم الفلاسفة والمنجمون. وكثير من المنتسبين منهم إلى الإسلام كانوا متهمين في دينهم. بل منهم من هو شر على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى وسائر المشركين مثل نصير الكفر الطوسي وابن سينا القرمطي الباطني وغيرهم من الفلاسفة الذين كانوا ينتسبون إلى الإسلام وهم في غاية البعد منه بل هم الأعداء الألداء للإسلام وأهله على الحقيقة. ثم لو سلمنا تسليماً جدلياً أن أحدا من علماء المسلمين اشتغل بعلم الفلك وألف فيه شيئاً من المؤلفات فهم لم يقولوا بثبات الشمس وحركة الأرض ودورانها على الشمس. الوجه التاسع أن إنشاء المراصد الفلكية عند المسلمين إنما كان في زمن المأمون حين عربت كتب الأوائل ومنطق اليونان. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة شجاع بن الوليد بن قيس. لما قتل الأمين واستخلف المأمون على رأس المائتين نجم التشيع وأبدى صفحته وبزغ فجر الكلام وعربت كتب الأوائل ومنطق اليونان وعمل رصد الكواكب ونشأ للناس علم جديد مرد مهلك لا يلائم علم النبوة ولا يوافق توحيد المؤمنين قد كانت الأمة منه في عافية - إلى أن قال - إن من البلاء أن تعرف ما كنت تنكر وتنكر ما كنت تعرف وتقدم عقول الفلاسفة ويعزل منقول أتباع الرسل ويماري في القرآن ويتبرم بالسنن والآثار وتقع في الحيرة. فالقرار قبل حلول الدمار. وإياك ومضلات الأهواء ومحارات العقول. ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم انتهى كلامه رحمه الله تعالى. فذكر أنه بسبب تعريب كتب الأوائل ومنطق اليونان وإنشاء المراصد الفلكية نشأ للناس علم جديد مرد مهلك لا يلائم علم النبوة ولا يوافق توحيد المؤمنين.

وهذا العلم المردي المهلك هو الذي نجم عنه القول بسكون الشمس ودوران الأرض والكلام في السموات والأجرام العلوية بمجرد الآراء والظنون الكاذبة. وقد كان الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان في عافية من هذا العلم المردي المهلك وإنما شغف به المتأخرون في زماننا لبعدهم عن منهاج الصحابة والتابعين وشدة ميلهم إلى أقوال الإفرنج وتمسكهم بآرائهم وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الوجه العاشر أن الظاهر من صنيع الصواف حيث ذكر الفلكيين ههنا وأطنب في ذكرهم وذكر مراصدهم والثناء عليهم مع أن ذلك خارج عن موضوع البحث الذي هو بصدده أنه أراد إيهام من لا علم عنده أنهم كانوا يقولون بحركة الأرض وثبات الشمس. وليس الأمر كذلك فإن الفلكيين الذين ينتسبون إلى الإسلام من قبل ظهور أهل الهيئة الجديدة كانوا على مذهب أهل الهيئة القديمة في القول بجريان الشمس وثبات الأرض, وإذاً فأي فائدة في ذكرهم ههنا وذكر مراصدهم لولا قصد الإيهام الذي أشرنا إليه. الوجه الحادي عشر أن الصواف صرح أن محمد بن جابر مسلم ثم ذكر بعده البتاني وجعله من جملة علماء المسلمين الذين أثنى عليهم. ويظهر من كلامه أنه يرى أن البتاني غير محمد بن جابر. وهذا بخلاف ما ذكره محمد فريد وجدي في كتابه دائرة المعارف فإنه ذكر أن محمد بن جابر هو البتاني وأنه ليس بمسلم وإنما هو من الصابئين وذكر عنه أنه رصد النجوم نحواً من إحدى وأربعين سنة. وأنه كان يرصد في الرقة وفي أنطاكية ومحمد فريد وجدي أعلم بالفلكيين من الصواف فكلامه ههنا هو المعتمد لا ما توهمه الصواف. فصل قال الصواف (حركة الأرض) يؤسفني أنه ليس لدي الآن من المصادر الإسلامية الكثيرة لعلم الفلك سوى كتاب واحد وفيه البركة بإذن الله وفيه ما يغني ويسد في

موضوعنا هذا. والكتاب لمؤلفه السيد (محمود شكري الألوسي) العالم العراقي السلفي المعروف. وقد فرغ من تأليفه في 24 شوال سنة 1339 أي قبل سبعة وأربعين سنة. واسم الكتاب (ما دل عليه القرآن الكريم مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان) وأود هنا أن أنقل ما قاله هذا العالم السلفي قبل ما يقرب من خمسين سنة حول حركة الأرض وجريانها وما نقله هو عن علماء الهيئة وهم مسلمون عرف أكثرهم بالتقوى والصلاح. ورأيه هو فيما سأنقله الكفاية فيما أحسب في رد الأمر إلى نصابه وبيان الحق الصراح وصوابه الذي نطق به علماء الإسلام قبل أن يكون للكفار والمشركين علم فلك ولا نظر في النجوم. فقد قال رحمه الله في صفحة 67 و 68 و 69 من كتابه. ومن آيات سورة الرعد قوله تعالى (وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) هذه الآية متصلة بالآية التي قبلها وهي قوله تعالى (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش) الآية فإنه سبحانه لما ذكر من الشواهد العلوية ما ذكر أردفها بذكر الدلائل السفلية فقال (وهو الذي مد الأرض) قال علماء الهيئة الجديدة الأرض جرم من الأجرام السماوية يعني أنها جرم من الأجرام التابعة للشمس وهي السيارات الدائرة حولها على أبعاد متفاوتة وسميت (النظام الشمسي) وشكلوا لذلك شكلا في وسطه الشمس ثم عطارد وهو أقرب إلى الشمس من سائر السيارات المعروفة وبعده الزهرة ثم الأرض ثم قمرها ثم المريخ ثم فسحة واسعة فيها مئتان واثنان وسبعون جرماً صغيراً تسمى النجيمات أو الشبيهة بالسيارات ثم المشتري ثم زحل ثم أورانوس ثم نبتون ثم بُعد مهول وخلاء مجهول حتى ينتهي إلى أقرب النجوم الثوابت التي يعد كل واحد منها شمساً لا يرى توابعها للبعد الشاسع والنظام الشمسي ينتهي عند نبتون أعني لا يعرف سيار أبعد من نبتون. بل إنه إلى الآن لم يكشف عن وجود جرم تابع للنظام الشمسي أبعد من المذكور, والنجوم الثوابت ليست من النظام الشمسي بل هي أنظمة مستقلة ترى منها شمسنا كما ترى هي من عندنا أي نقطاً لامعة نيرة في الطبقة الزرقاء, ثم قال الألوسي رحمه الله: وقالوا أي علماء الهيئة في شأن الأرض أيضاً وحركتها: السيار التابع للنظام الشمسي الذي نحن

ساكنون عليه هو الأرض وإنها كروية الشكل وأقاموا على ذلك دلائلهم المعلومة في كتبهم (وممن قال بكرويتها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله) وأنها أي الأرض على عظمها سابحة في الفضاء وليست لها حافة ينتهي إليها من يجوب سطحها كما إذا مشت ذبابة على بطيخة معلقة فهي لا تنتهي إلى حافة كذلك الأرض الكروية الشكل السابحة في الفضاء ليس لها حافة ينتهي إليها من يجوب سطحها وهي عائمة في الفضاء, وذهبوا إلى أن حركتها وكذا سائر الأجرام السماوية من الغرب إلى الشرق لا كما يتراءى أن حركة هذه الأجرام من الشرق إلى الغرب (وهذا ما يقوله علماء الفلك اليوم) وذهبوا إلى أن لها أي الأرض حركة أخرى غير الحركة اليومية وهي الحركة السنوية, فللأرض عندهم حركتان حركة يومية وهي دورانها على محورها مرة من الغرب إلى الشرق ومنها اختلاف الليل والنهار وحركة من الغرب إلى الشرق حول الشمس مرة واحدة كل سنة. ثم قال الألوسي العالم السلفي المنصف رحمه الله: هذا ما ذكره علماء الهيئة الجديدة في شأن الأرض. وقد تصفحت القرآن, العظيم الشأن فوجدت عدة آيات نطقت بما يتعلق بالأرض من جهة الاستدلال بها على وجود خالقها وعظمة باريها ولم يذكر فيها شيء مما يخالف ما عليه علماء أهل الهيئة اليوم ولا ينافي كرويتها ما يدل ظاهرها على المد والبسط والفرش فإن هذا كله لا ينافي الكروية لأن المراد من بسطها وتوسعتها ومدها ما يحصل به الانتفاع لمن حلها ولا يلزم من ذلك نفي كرويتها كما أن الكرة العظيمة لعظمها ترى كالسطح المستوي وكان كل قطعة منها سطح مفروش يصح القعود والنوم عليه, والكرة كلما عظمت قربت أقواس سطحها إلى الخط المستقيم. وفي الشريعة دلائل كثيرة تدل على كروية الأرض والسماء منها اعتراف الأئمة باختلاف المطالع فإن الصبح في بعض البلاد يوافق المساء في بلاد أخرى. وطلوع الهلال في بعض الآفاق يوافق غيبوبته في بلاد أخرى. وهكذا الشمس وسائر الكواكب ففي بعض الآفاق يرى القطب الشمالي فوق رءوس أهله والقطب الجنوبي لا يرى أصلا. وسكنة خط الاستواء يرون القطبين على الأفق. وفي بعض البلاد تكون الحركة فيه دولابية وفي البعض حمائلية وفي البعض رحوية كل ذلك مبني على كروية الأرض ولولاها لما كان شيء من ذلك. وقوله تعالى (وهو الذي مد الأرض) لا ينافي الكروية وما على الأرض من الجبال والأودية والبحار لا يخرج الأرض عن

نقد كتاب الألوسي وذكر أمثلة من أخطائه

الكروية فإن أعظم جبل بالنسبة إليها كنسبة سبع عرض شعيرة إلى كرة قطرها ذراع وقوله تعالى (وجعل فيها رواسي) معناه جعل فيها جبالا ثوابت في احيازها من الرسو وهو ثبات الأجسام الثقيلة, وفي الخبر «لما خلق الله تعالى الأرض جعلت تميد فخلق الله الجبال عليها فاستقرت فقالت الملائكة ربنا خلقت خلقاً أعظم من الجبال قال نعم الحديد فقالوا ربنا خلقت خلقا أعظم من الحديد قال نعم النار فقالوا ربنا خلقت خلقا أعظم من النار قال نعم الماء فقالوا ربنا خلقت أعظم من الماء قال نعم الهواء فقالوا ربنا خلقت خلقاً أعظم من الهواء قال نعم ابن آدم يتصدق الصدقة بيمينه فيخفيها عن شماله» فقال الألوسي رحمه الله بعد هذا. وهذا أيضاً لا ينافي حركة الأرض اليومية والسنوية التي قال بها أهل الهيئة فإن الله تعالى لو لم يخلق في الأرض الجبال لمادت أي اضطربت والميد اضطراب الشيء العظيم. فلما ألقى فيها الرواسي وهي الجبال الثوابت انتفى ذلك ووجه كون الإلقاء مانعاً من اضطراب الأرض أنها كسفينة على وجه الماء والسفينة إذا لم يكن فيها أجرام ثقيلة تضطرب وتميل من جانب إلى جانب بأدنى حركة شيء وإن وضعت فيها أجرام ثقيلة تستقر فكذا الأرض لو لم يكن عليها هذه الجبال لاضطربت فالجبال بالنسبة إليها كالأجرام الثقيلة الموضوعة في السفينة بالنسبة إليها, والمقصود أن جعل الرواسي فيها لا يعارض حركتها بوجه من الوجوه كما أن السفينة إذا كان فيها أجرام ثقيلة تمنع اضطرابها وميلها من جانب إلى جانب لا ينافي حركتها. وسنزيد ذلك بياناً فيما يناسب من الآيات الآتية إن شاء الله تعالى انتهى كلام الألوسي. فهل رأيتم كلاماً أصرح من هذا الكلام في كروية الأرض وحركتها أليس هذا من مفاخر علمائنا وتوفيق الله لهم في معرفة العلوم الكونية, إن هذا الكتاب (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان) انتهى صاحبه من تأليفه كما قلت منذ قرابة خمسين عاماً ومع هذا ففيه من الكلام الواضح الذي يدل على ما بلغوه من الدرجات العليا في العلوم الكونية وحركات الأفلاك رحمهم الله وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء. والجواب عما في هذا الفصل يتلخص في عشرة أمور: الأول منها مدحه لكتاب الألوسي المسمى (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) وزعمه أن فيه البركة.

والجواب أن نقول إن البركة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وما خالفهما أو لم يكن له مستند منهما فهو قليل البركة أو عديمها. وكتاب الألوسي فيه أشياء كثيرة ليس لها مستند صحيح وفيها ما هو مخالف للكتاب والسنة فلهذا لا خير فيه ولا يستحق المدح. والأمثلة على ذلك كثيرة. وأقول قبل ذكر الأمثلة إن في نفسي شكاً من صحة نسبة الكتاب إلى محمود الألوسي لأمرين, أحدهما ما عرف عنه من حسن العقيدة والرد على عباد القبور وأهل البدع ولاسيما في كتابه «غاية الأماني في الرد على النبهاني» ومن كان هكذا فبعيد أن يصدر منه الكتاب المسمى (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة). والثاني أن الذي أبرز هذا الكتاب من أهل العراق قد قيل عنه ما قيل مما يقدح في عقيدته. وعلى هذا فلا يؤمن أن يكون قد نسب الكتاب إلى الألوسي وهو لم يتحقق نسبته إليه والله أعلم وقد نسبت النقل من الكتاب إلى الألوسي جرياً على نسبة الكتاب إليه, والمقصود من ذلك رد الكلام الباطل سواء كان للألوسي أو مفترى عليه. فمن الأمثلة على نقصان الكتاب المشار إليه وقلة بركته أن المصنف قرر في صفحة 15 و 16 أن خلق السماء مقدم على خلق الأرض وتعسف في توجيه ذلك بما لا حاصل تحته وأجاب عن قول الله تعالى (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) بأن الخلق في الآية الكريمة بمعنى التقدير لا الإيجاد. أو على تقدير الإرادة والمعنى أراد خلق الأرض, وكذا قوله تعالى (وجعل فيها رواسي) الآية معناه أراد أن يجعل. وكذا قوله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) معناه قدره أو أراد إيجاده أو أوجد مواده. وكل هذا تخبيط مخالف لنص الآية من سورة البقرة ولنصوص الآيات من سورة حم السجدة وهو مردود لأنه من تحريف الكلم عن مواضعه. وقد تقدم قول شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله ملحد في آيات الله محرف للكلم عن مواضعه. وقد قرر ابن كثير وغيره من المفسرين أن الأرض خلقت قبل السماء. وذكر ابن

كثير أقوال السلف في ذلك واستدل على ذلك بالآية من سورة البقرة وبالآيات من سورة حم السجدة. ثم قال فهذه وهذه دالتان على أن الأرض خلقت قبل السماء وهذا ما لا أعلم فيه نزاعاً بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض. وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالى (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها. رفع سمكها فسواها. وأغطش ليلها واخرج ضحاها. والأرض بعد ذلك دحاها. أخرج منها ماءها ومرعاها. والجبال أرساها) قال فذكر خلق السماء قبل الأرض. وفي صحيح البخاري أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن هذا بعينه فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء. وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديماً وحديثاً انتهى. ومنها قوله في صفحة 19 عن هذا الفضاء إنه ليس له مبدأ ولا انتهاء. وهذا خطأ ظاهر وفيه موافقة لما ذكره في صفحة 34 عن أهل الهيئة الجديدة أن سعة الجو غير متناهية عندهم. ومعنى هذا نفي وجود السموات السبع وما فوقهن من الكرسي والعرش العظيم. وقد رد عليه المصنف في نفيهم وجود السموات ثم وافقهم من حيث لا يشعر. والحق الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة أن هذا الفضاء الذي نحن فيه يبتدئ من الأرض وينتهي إلى السماء الدنيا ومسافته من كل جانب خمسمائة سنة. ثم بين كل سمائين فضاء مسافته من كل جانب خمسمائة سنة, وبين السماء السابعة والكرسي مسيرة خمسمائة سنة, وبين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة سنة, والعرش فوق ذلك. والله تعالى فوق العرش. والأدلة على هذا قد تقدم ذكرها مع الأدلة على ثبات الأرض واستقرارها فلتراجع, وحسبنا أن نعتمد على ما صحت به الأحاديث ولا نتعداه ففي ذلك الكفاية والعصمة من الخطأ والزلل. ومنها أنه ذكر في صفحة 21 أن الحكمة الباطنة في اختلاف تشكلات القمر النورية أن ذلك لاختلاف أحوال المواليد العنصرية. وهذا تخرص لا دليل عليه من كتاب ولا سنة. وقد بين الله تعالى الحكمة في تقدير القمر منازل فقال تعالى (لتعلموا عدد السنين

والحساب) وقال تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج). واختلاف تشكلات القمر النورية تابع لتنقله في المنازل فلا يقال في ذلك بشيء لم يخبر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها أنه أتى في صفحة 25 و 26 بجملة من أقوال أهل البدع وهذيان الصوفية في الكرسي, وقد تعقب ذلك بكلام بارد لا يشفي في ردها, وهذا خلاف ما كان عليه أهل السنة فإنهم كانوا لا يعبأون بأقوال أهل البدع ولا يذكرونها مع أقوال أهل السنة ولا يعدون خلافهم خلافاً في الحقيقة, وإذا ذكروا شيئاً من أقوالهم ذكروه مقروناً بالرد البليغ والإنكار الشديد والتحذير من الاغترار به لا بالتمليس والرد الضعيف كما فعله الألوسي. ومنها أنه ذكر في صفحة 29 ما ذهب إليه أصحاب الزيج الجديد من أن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلا وأنها مركز العالم وأن الأرض وكذا سائر السيارات والثوابت تتحرك عليها وأقاموا على ذلك الأدلة والبراهين بزعمهم وبنوا له الكسوف والخسوف ونحوهما ولم يتخلف شيء من ذلك. قلت هذا القول معارض بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة ..... جريان الشمس وسكون الأرض. وقد تقدم ذكرها في أول الكتاب فلتراجع. وليس من أهل الزيج الجديدة برهان على ما زعموه سوى التخرصات الكاذبة. ومنها ما ذكره في صفحة 33 عن أهل الهيئة الجديدة أن الشمس في وسط الكواكب التي تدور حولها وأن لها حركة على نفسها وأن ليس لها حركة حول الأرض بل للأرض حركة حولها وأن الأرض إحدى السيارات. وكل هذا تخرص لا دليل عليه. وقد تقدم رده وبيان بطلانه بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع. ومنها قوله في صفحة 42 في الخبر أن الأرض بالنسبة إلى السماء الدنيا كحلقة في فلاة وهو بالنسبة إلى العرش كذلك. قلت هذا غلط. ولفظ الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سأل النبي

صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة رواه ابن مردويه. ومنها أنه قال في صفحة 61 الكثير على أن الأرض كرة واحدة منقسمة إلى سبعة أقاليم وحملوا الآية على ذلك - يعني قوله تعالى (ومن الأرض مثلهن). وهذا خطأ ينبغي للألوسي أن ينبه عليه لئلا يغتر به. وقد قال ابن كثير في قوله تعالى (ومن الأرض مثلهن) أي سبعاً أيضاً كما في الصحيحين «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين» وفي صحيح البخاري «خسف به إلى سبع أرضين» ومن حمل ذلك على سبعة أقاليم فقد أبعد النجعة وأغرق في النزغ وخالف القرآن والحديث بلا مستند انتهى. ومنها أنه في صفحة 63 قال في الله تعالى إنه ليس بجسم ولا جسماني. وهذا من أقوال أهل البدع. وأما السلف الصالح فإنهم لم يتكلموا في الجسم بنفي ولا إثبات. قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى لفظ الجسم في أسماء الله تعالى وصفاته بدعة لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولا قالها أحد من سلف الأمة وأئمتها فلم يقل أحد منهم إن الله تعالى جسم ولا أن الله تعالى ليس بجسم. وقال الشيخ أيضاً في موضع آخر لم ينقل عن أحد من الأنبياء ولا الصحابة ولا التابعين ولا سلف الأمة أن الله جسم أو أن الله ليس بجسم بل النفي والإثبات بدعة في الشرع انتهى وإذا علم هذا فليس بسلفي على الحقيقة من لم يسعه ما وسع السلف الصالح من السكوت عن الكلام في الجسم وعدم التعرض له بالنفي أو الإثبات. ومنها أنه ذكر في صفحة 66 قول الفلاسفة المتأخرين أن للشمس حركة مركزها. قال وهو معنى (تجري لمستقر لها). وهذا خطأ مردود من وجهين. أحدهما أن الذي يجري لا يستقر في موضعه بل يفارقه بالانتقال إلى غيره. ومعنى قولهم حركة مركزها أنها تتحرك على نفسها كما صرح به الألوسي عنهم في

عدة مواضع من كتابه. وتطبيق الآية على هذا القول من تحريف الكلم عن مواضعه. ودؤبها في السير وأنها تأتي من المشرق وتذهب نحو المغرب. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه حين غربت الشمس «تدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم)» رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والشيخان والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً «أتدرون أين تذهب هذه الشمس قالوا الله ورسوله أعلم قال إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارجعي ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها». وهذا الحديث الصحيح صريح في رد ما زعمه الفلاسفة المتأخرون من حركة الشمس على مركزها أو على نفسها. وصريح أيضاً في رد ما حاوله الألوسي من تطبيق الآية على زعمهم الباطل. ومنها أنه في صفحة 67 و 68 ذكر قول أهل الهيئة الجديدة في سكون الشمس ودوران الأرض عليها, ثم قال وقد تصفحت القرآن العظيم الشأن فوجدت عدة آيات نطقت بما يتعلق بالأرض من جهة الاستدلال بها على وجود خالقها وعظمة باريها ولم يذكر فيها شيء مما يخالف ما عليه أهل الهيئة اليوم. قلت هذا مردود وقد تقدم التنبيه عليه. ومنها أنه في صفحة 85 ذكر قول الله تعالى (وترى الشمس إذا طلعت) الآية. وقوله تعالى (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) ثم قال فقد أثبت

للشمس حركة الطلوع والغروب ولعل ذلك باعتبار نظر الناظر كما في راكب السفينة فإنه يرى ما على الساحل متحركاً وليس بمتحرك قلت هذا الكلام من تحريف الكلم عن مواضعه وفيه موافقة لأهل الهيئة الجديدة فيما زعموه من سكون الشمس واستقرارها وذلك مردود بالنصوص الكثيرة الدالة على جريان الشمس وسبحها في الفلك ودؤبها في السير وأن الله يأتي بها من المشرق فتطلع من مطلعها وتدلك أي تزول إذا كان نصف النهار وتغرب من مغربها. والله تبارك وتعالى لا يخبر بخلاف الحقيقة. وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم إيراد الأدلة على جريان الشمس في أول الكتاب فلتراجع ففيها إبطال تأويل المتأولين وتحريف المحرفين. ومنها أنه في صفحة 99 ذكر قول الله تعالى (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) قال والطرائق جمع طريقة بمعنى مطرقة وهي السموات السبع. قال وسميت السموات بذلك لأنها طرائق الكواكب في مسيرها. وهذا عين مذهب الفلاسفة المتأخرين القائلين بالجاذبية ودوران الكواكب على الشمس - إلى أن قال - ففي هذه الآية دليل وأي دليل لأهل فن الهيئة الجديدة. قلت ليس الأمر كما زعمه الألوسي فليس في هذه الآية دليل لأهل الهيئة الجديدة بوجه من الوجوه. وإنما فيها الرد عليهم في نفيهم وجود السموات السبع. وفيها أيضاً الرد على الألوسي فيما زعمه في صفحة 19 أن هذا الفضاء ليس لها مبدأ ولا انتهاء. وفيها أيضاً الرد عليه فيما زعمه في صفحة 130 أنه يمكن أن تكون السموات أكثر من سبع. وقد قال مجاهد في قوله (سبع طرائق) يعني السموات السبع. وقال البغوي أي سبع سموات سميت طرائق لتطارقها وهو أن بعضها فوق بعض يقال طارقت النعل إذا جعلت بعضه فوق بعض. وكذا قال الخليل والفراء والزجاج وغيرهم. وذكر ابن الجوزي في تفسيره عن ابن قتيبة نحو ذلك. وهذه الآية كقوله تعالى (الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن

من تفاوت) الآية. وقوله تعالى مخبراً عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً). والقول بأن السموات إنما سميت طرائق لأنها طرائق الكواكب في مسيرها قول ضعيف لم يذكر عن أحد الصحابة ولا التابعين وإنما ذكره بعض المتأخرين بصيغة التمريض ولم يذكر قائله وليس في الآية على هذا القول دليل على ما يزعمونه من الجاذبية ودوران الكواكب على الشمس بوجه من الوجوه. والاستدلال بها على هذا القول الباطل إلحاد في آيات الله تعالى. وقد تقدم قول شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله ملحد في آيات الله محرف للكلم عن مواضعه. وأيضاً فإن الله تعالى قد جعل الكواكب زينة للسماء الدنيا ورجوماً للشياطين كما قال تعالى (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظاً من كل شيطان مارد) وقال تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين) وقال تعالى (وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم). وإذا كانت الكواكب زينة للسماء الدنيا ورجوماً للشياطين فكيف يقال إن السموات السبع طرائق للكواكب في مسيرها. لا شك أن هذا قول باطل مردود بالآيات التي ذكرنا والله أعلم. ومنها أنه في صفحة 101 و 102 ذكر قول الله تعالى (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) ثم ذكر أن أهل الأرصاد اليوم كشفوا في القمر جبالا ووهاداً وأودية وهكذا الشمس وسائر السيارات وظنوا أن فيها مخلوقات نحو سكنة الأرض وزعموا أن فيها بحاراً وأنهاراً. قال فلعل جبال البرد المذكورة في الآية من تلك الجبال التي في هاتيك الأجرام فيوصله الله إلى الأرض بكيفية لا ندركها وهو على كل شيء قدير. قلت هذا كله تخرص وهذيان. ومن أين لهم اكتشاف الشمس والقمر هما في السماء بنص القرآن. والكواكب من زينة السماء الدنيا بنص القرآن, وبين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام بنص الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فمن أين

لبني آدم أن يكتشفوا الأجرام العلوية من هذا البعد المفرط. والبرد إنما ينزل من السحاب كما هو مشاهد. والسحاب إذا تراكم كان أمثال الجبال الشاهقة. وقد قال بعض المفسرين إن الجبال ههنا كناية عن السحاب وهذا هو الصحيح لأن الله تعالى ذكر نزول المطر من السماء في آيات كثيرة من القرآن كقوله تعالى (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) وقوله تعالى (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض) وقوله تعالى (وأنزلنا من السماء ماء مباركاً) وقوله تعالى (وأنزلنا من السماء ماء طهوراً. لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً) وقوله تعالى (هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون. ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون). إلى غير ذلك من الآيات التي يذكر الله فيها نزول الماء من السماء والمراد بذلك السحاب كما هو منصوص عليه في مواضع من القرآن كقوله تعالى (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون) وقوله تعالى (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله) الآية. والودق هو المطر. وقوله تعالى (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) وقوله تعالى (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور) وقوله تعالى (أفرأيتم الماء الذي تشربون. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون. لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون). وقد قال ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) كثير لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب فتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم فالتقى الماءان على أمر قد قدر. وإذا علم هذا فالبرد مطر منعقد من شدة البرد الذي يكون في السحاب. ولفظ السماء يطلق ويراد به السموات السبع ويطلق ويراد به الدنيا فقط. ويطلق ويراد به ما علا

على الأرض من سحاب وسقوف كما في الآيات التي تقدم ذكرها وكما في قوله تعالى (فليمدد بسبب إلى السماء) يعني سماء بيته وهو السقف. وأيضاً فإن الله تعالى ختم الآية بقوله (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) وهذا أوضح دليل على أن المراد بالجبال المذكورة في الآية ما تراكم من السحاب وصار أمثال الجبال الشاهقة والضمير في برقه عائد إلى السماء الذي هو السحاب المتراكم فإن سنا برقه يكاد يذهب بأبصار الناظرين إليه من شدة ضوئه في الغالب. فأما الأجرام العلوية فليس يرى أهل الأرض منها شيئاً من البرق لا ضعيفاً ولا قوياً يكاد سناه يذهب بالأبصار. والله تبارك وتعالى إنما خاطب الناس بما يعرفونه وأخبرهم بما يشاهدونه بأبصارهم في كثير من الأوقات. وأيضاً فلو كان البرد ينزل إلى الأرض من جبال في الأجرام العلوية لكان ينزل في الصحو وعدم السحاب كما ينزل في حال الغيم وتراكم السحاب وهذا لا يقوله عاقل. ومنها أنه في صفحة 106 ذكر قول الله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) ثم قال ربما استدل علماء الهيئة المتأخرون على ما ادعوه من حركة الأرض اليومية والسنوية فإنهم يقولون إن الرائي يرى الجبال ساكنة وهي متحركة أشد الحركة. ثم ذكر عن المفسرين أنهم يرون غير هذا الرأي وأن ذلك إنما يكون يوم القيامة وخراب العالم لأنها تمر مر السحاب اليوم. قلت والحق ما ذهب إليه المفسرون. وقد بين الله تعالى ذلك بقوله (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين. وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون. من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون. ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون). وأما حمل الآية على ما ذهب إليه أهل الهيئة المتأخرون فهو من الإلحاد في آيات الله تعالى وتحريف الكلم عن مواضعه. والعجب من الألوسي كيف ذكر هذا القول الباطل ولم ينبه على بطلانه وهذا مما يعاب عليه.

ومنها أنه في صفحة 109 و 110 ذكر عن أهل الهيئة المتأخرين أن قيام العالم العلوي والسفلي بالجاذبية. وهذا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة فلا ينبغي أن يثبت أو ينفى إلا بدليل يدل على ذلك. وقد قال الله تعالى (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا. ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) وقال تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقال تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره). فالسماء والأرض قائمتان بأمر الله تعالى وهو الذي يمسكهما أن تزولا ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه. وحسب المسلم أن يعتقد ما أخبر الله به في كتابه ولا يتعداه. ومنها ما في صفحة 116 نقلا عن صاحب روح المعاني أنه قال في الشمس لا يبعد أن تكون لها نفس ناطقة كنفس الإنسان. بل صرح بعض الصوفية بكونها ذات نفس ناطقة كاملة جداً. قال والحكماء المتقدمون أثبتوا النفس للفلك, وصرح بعضهم بإثباتها للكواكب أيضاً وقالوا كل ما في العالم العلوي من الكواكب والأفلاك الكلية والجزئية والتداوير حي ناطق - ثم ذكر هذياناً كثيراً إلى أن قال في صفحة 117 - فيمكن أن يقال للشمس نفساً مثل تلك الأنفس القدسية إلى آخر ما قاله من الهذيان. قلت أما وصفه للفلاسفة بالحكماء فهو خطأ ظاهر. والصواب أن يقال إنهم هم السفهاء الأغبياء الجاهلون لأنهم قد أشركوا بالله وخالفوا ما جاءت به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, وزعموا أن النبوة مكتسبة وأنها فيض يفيض على روح النبي إذا استعدت نفسه لذلك فمن راض نفسه حتى استعدت فاض ذلك عليه, والنبي عندهم من جنس غيره من الأذكياء الزهاد لكنه قد يكون أفضل. والملائكة عندهم هي ما يتخيل في نفسه من الخيالات النورانية, وكلام الله هو ما يسمع في نفسه من الأصوات بمنزلة ما يراه النائم في منامه. ويجوزون على الأنبياء الكذب في خطاب الجمهور للمصلحة والفيلسوف عند بعضهم أعظم من النبي. وعند بعضهم أن الرسالة إنما هي للعامة دون الخاصة. والعبادات كلها عندهم مقصودها تهذيب الأخلاق. والشريعة عندهم سياسة مدنية. إلى غير ذلك من أقاويلهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة, وقد كان معلمهم الأول

أرسطو وزيراً للأسكندر بن فيلبس المقدوني ملك اليونان. وكان هو والملك وأصحابهما مشركين يعبدون الكواكب والأصنام ويعانون السحر. ومن كانت هذه حالهم فهم السفهاء الجهلة الأغبياء على كل حال. وأما ما ذكره عنهم من إثبات النفس للفلك وإثباتها للكواكب والأفلاك الكلية والجزئية والتداوير فكله باطل وضلال. وقد رد عليهم شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في مواضع كثيرة من كتبه, ولا يتسع هذا الموضع لذكر شيء من الرد عليهم, وإنما المقصود ههنا التنبيه على بطلان ما نقله عنهم صاحب روح المعاني. والتنبيه أيضاً على بطلان ما زعمه من إمكان أن يكون للشمس نفس ناطقة كنفس الإنسان فإن هذا لم يدل عليه كتاب ولا سنة ولا قاله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم بإحسان. وإنما هو مأخوذ عن الفلاسفة الذين كانوا يعبدون الكواكب ويعظمونها غاية التعظيم ويتقربون إليها بأنواع التقربات. ومنها أنه في صفحة 118 و 119 ذكر عن الفلاسفة المتأخرين أن الشمس تدور على مركز آخر قالوا وهذا هو المراد بقوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها) فإنه يدل على دوران الشمس على مركز آخر ويقال إنه كوكب من كواكب الثريا أو يقال معنى جريانها لمستقر أنها تجري على مركزها ومحورها. قلت وحمل الآية على ما ذكر ههنا من الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه فأما القول بدوران الشمس على الثريا فهو ظاهر البطلان لأن الثريا من جملة الكواكب التي قد جعلها الله تعالى زينة للسماء الدنيا وما كان كذلك فإنه لا يكون مركزاً تدور عليه الأفلاك وأما القول بأنها تدور على محورها فإنه ينافي ما أخبر الله به من جريانها وسبحها في الفلك ودؤبها في ذلك. وما أخبر به من طلوعها وغروبها ودلوكها وأنه يأتي بها من المشرق. وما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من جريانها وذهابها إلى مستقرها تحت العرش إذا غربت ورجوعها إلى مطلعها وطلوعها وارتفاعها واستوائها وزوالها ودنوها للغروب وغروبها وحبسها ليوشع بن نون حين حاصر القرية حتى فتحها الله عليه. وقد ذكرت الآيات والأحاديث الدالة على جريان الشمس في أول الكتاب فلتراجع.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه حين غربت الشمس «تدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والشيخان والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً «أتدرون أين تذهب هذه الشمس قالوا الله ورسوله أعلم قال إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك حتى العرش فيقال لها ارجعي ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها». وهذا الحديث صحيح في بيان المراد من قول الله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها). وفيه الرد على من تأول الآية على غير تأويلها. وأما قول الألوسي أو يقال معنى جريانها لمستقر أنها تجري على مركزها ومحورها. فهو خطأ مردود من وجهين. أحدهما أن الذي يجري لا يثبت في موضعه بل يفارقه بالانتقال إلى غيره كما قال الله تعالى (ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام. إن يشاء يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره). ففرق سبحانه وتعالى بين جري السفن في الماء وبين ركودها على ظهر البحر وهو وقوفها وسكونها عليه. وقال تعالى عن سفينة نوح عليه الصلاة والسلام (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم, وهي تجري بهم في موج كالجبال) الآيات إلى قوله تعالى (واستوت على الجودي). ففرق تبارك وتعالى بين جري السفينة في الماء وبين رسوها واستوائها على جبل الجودي

وقال تعالى (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) الآية. والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً. وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود وابن ماجه والدارمي عن جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من مزدلفة - مرت به ظعن يجرين. الحديث. الوجه الثاني أن الذي يدور على محوره مع ثباته في موضعه لا يوصف بالجريان وإنما يوصف بالدوران. والله تبارك وتعالى قد وصف الشمس بالجريان ولم يصفها بالدوران وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قد وصفها بالجريان ولم يصفها بالدوران, فتبين بطلان ما حاوله المقلدون لأهل الهيئة الجديدة من حمل الآية الكريمة على زعمهم الباطل. ومنها أنه في صفحة 119 ذكر قول الله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها) الآيات إلى قوله تعالى (وكل في فلك يسبحون) ثم قال في صفحة 120 وهذه الآية من أعظم ما يتمسك به المتشرعون من علماء الهيئة الجديدة. قلت ليس كذلك بل في هذه الآيات رد عليهم لأن فيها النص على جريان الشمس وهم قد أنكروه. وليس فيها ما يدل على جريان الأرض كما زعموه. ومنها ما ذكره في صفحة 122 عن الفلاسفة أن أصغر الثوابت عندهم أعظم من الأرض. وهذا من التخرص والقول بغير علم. وقد ذكرت في آخر الأدلة القرآنية على ثبات الأرض ما يدل على انتثار الكواكب في البحر يوم القيامة وتكوير الشمس والقمر فيه فليراجع ففيه دليل على أن الأرض أعظم من الكواكب كلها والله أعلم. ومنها أنه قال في صفحة 129 وقد غلب على ظن أكثر أهل الحكمة الجديدة أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار ويزعمون أنهم يحسون بها بواسطة أرصادهم وهم مهتمون بالسعي في تحقيق الأمر فيه. قلت هذا تخرص ورجم بالغيب وقد قال الله تعالى (وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً). ومن أين لهم الوصول إلى القمر وتحقيق الأمر فيه وهو في السماء بنص القرآن, وبين

تفسير الحكمة

السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة فقدرتهم عاجزة عن اكتشاف القمر وتحقيق الأمر فيه. وقد أخطأ الألوسي في إطلاقه وصف الحكمة على الهيئة الجديدة ههنا وفي صفحة 130 والصواب أنها الجهل الكثيف وعين المحادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وقد اختلف العلماء في تفسير الحكمة. فقال السدي هي النبوة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة هي علم القرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله. وقال الضحاك القرآن والفهم فيه. وقال مجاهد هي القرآن والعلم والفقه. وعنه أيضاً أنه قال هي الإصابة في القول والفعل, وقال أبو العالية الحكمة خشية الله. وعنه أيضاً الحكمة الكتاب والفهم, وقال إبراهيم النخعي الحكمة الفهم. وقال أبو مالك الحكمة السنة. وقال مالك الحكمة الفقه في دين الله. قال ابن كثير والصحيح أن الحكمة كما قاله الجمهور لا تختص بالنبوة بل هي أعم منها وأعلاها النبوة والرسالة أخص ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع كما جاء في بعض الأحاديث «من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه غير أنه لا يوحى إليه» رواه وكيع بن الجراح في تفسيره. وقال النووي في تفسير الحكمة أقوال كثيرة مضطربة صفا لنا منها أن الحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق للعمل به والكف عن ضده والحكيم من حاز ذلك. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بعد ما ذكر كلام النووي: وقد تطلق الحكمة على القرآن وهو مشتمل على ذلك كله وعلى النبوة كذلك. وقد تطلق على العلم فقط وعلى المعرفة فقط ونحو ذلك. وقال أيضاً وأصح ما قيل في الحكمة أنها وضع الشيء في محله أو الفهم في كتاب الله فعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الإيمان وقد لا توجد. وعلى الأول فقد يتلازمان لأن الإيمان يدل على الحكمة انتهى. ومما ذكرنا من أقوال العلماء في الحكمة يتضح لطالب العلم أنه لا حظ لأهل الهيئة الجديدة في الحكمة وأنهم بعيدون منها غاية البعد فهم منها كما قيل:

سارت مشرِّقة وسرت مغرّباً ... شتان بين مشرّق ومغرّب وقد كان مشركو قريش يكنون أبا جهل بأبي الحكم فغيّر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وكناه بأبي جهل. وهكذا يقال في أعداء الله تعالى من أهل الهيئة الجديدة وأشباههم من الفلاسفة المشركين أنهم أهل الجهل لا أهل الحكمة لأن صفة الجهل هي المطابقة لحالهم على الحقيقة فوصفهم بذلك هو الذي يليق بهم كأبي جهل. وقد قال الله تعالى (ويؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً). والحكمة هي ما أنزله الله على أنبيائه الكرام من العلم النافع. قال الله تعالى مخاطبا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم). وقال تعالى بعد ذكر الأوامر والنواهي في أول سورة الإسراء: (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة) قال البغوي وكل ما أمر الله به أو نهى عنه فهو حكمة. وقال تعالى (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة) وآل إبراهيم هم الأنبياء بعده. وقال تعالى في ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل). وإذا كانت الحكمة منزلة على الأنبياء فلورثتهم وهم العلماء العاملون حظ منها كل بحسبه. قال الله تعالى (ولقد آتينا لقمان الحكمة). وفي الحديث الصحيح عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها» رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والشيخان والنسائي وابن ماجه. فأما الفلاسفة المشركون فهم أعداء الأنبياء وليس لهم من الحكمة الموروثة عن الأنبياء حظ ولا نصيب البتة وبسبب كفرهم وعنادهم فقد أوتوا شراً كثيراً وجهلاً عظيماً, ومع هذا يزعمون ويزعم المقلدون لهم أنهم من أهل الحكمة ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون.

ذكر الإجماع على أن السموات سبع طباق

ومنها أنه قرر في صفحة 129 أن كل أرض من الأرضين السبع محمولة بيد القدرة بين كل سمائين وهناك ما يستضيء به أهلها سابحاً في فلك بحر قدرة الله عز وجل. ونسبة كل أرض إلى سمائها نسبة الحلقة إلى الفلاة وكذا نسبة السماء إلى السماء التي فوقها. قلت هذا كله تخبيط وهذيان لا دليل عليه وسيأتي بيان بطلانه إن شاء الله تعالى. ومن هذا القبيل ما ذكره في صفحة 30 عن ابن عربي أنه قال إن الله تعالى خلق الأرض سبع طبقات وجعل كل أرض أصغر من الأخرى ليكون على كل أرض قبة سماء وأن السموات على الأرضين كالقباب على كل أرض سماء أطرافها عليها نصف كرة وكرة الأرض لها كالبساط فهي مدحية دحاها من أجل السماء أن تكون عليها انتهى تخبيطه وهذيانه. ومنها قوله في صفحة 130 ويمكن أن تكون الأرضون وكذا السموات أكثر من سبع والاقتصار على العدد المذكور الذي هو عدد تام لا يستدعي نفي الزائد. قلت هذا باطل مردود لمخالفته لنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة الدالة على أن السموات سبع فقط وأن الأرضين سبع فقط. ومخالفته أيضاً لإجماع أهل السنة والحديث فقد ذكر الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي في كتابه «الفرق بين الفرق» إجماع أهل السنة على أن السموات سبع طباق خلاف قول من زعم من الفلاسفة والمنجمين أنها تسع. وذكر شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى عن أبي بكر الأنباري أنه ذكر إجماع أهل الحديث والسنة على أن الأرضين سبع بعضهن فوق بعض. وقال الشيخ محمد بن يوسف الكافي في كتابه «المسائل الكافية. في بيان وجوب صدق خبر رب البرية». (المسألة التاسعة عشرة) الأرض عقيدة المسلمين فيها أنها سبع أرضين واحدة تحت واحدة كما أن السماء سبع واحدة فوق واحدة. فمن قال واعتقد أنها واحدة لا تعدد فيها يكفر لتكذيبه الله تعالى في خبره (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن). ولتكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبره أيضاً ثم ذكر ما رواه الإمام أحمد والشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن رسول

الله صلى الله عليه وسلم قال «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين». وما رواه الإمام أحمد والبخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من أخذ من الأرض شيئاً بغير حق خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين». ومنها أنه في صفحة 130 أشار إلى ما قرره في صفحة 129 من أن كل أرض من الأرضين السبع محمولة بيد القدرة بين كل سمائين إلى آخر كلامه. ثم قال وليس ذلك مما يصادم ضرورياً من الدين أو يخالف قطعياً من أدلة المسلمين. قلت هذا قول باطل مردود بالنص والإجماع. أما النص فقول النبي صلى الله عليه وسلم «من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين» رواه الإمام أحمد والبخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. والأحاديث بنحوه كثيرة وليس هذا موضع ذكرها. والخسف إنما يكون من تحت ولا يكون من جهة العلو فإن ذلك يسمى عروجاً وصعوداً ورقياً كما قال تعالى (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون) وقال تعالى (كأنما يصعد في السماء) وقال تعالى مخبراً عن كفار قريش أنهم قالوا (أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرأه) وقال تعالى (وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية). وفي قوله صلى الله عليه وسلم «خسف به إلى سبع أرضين» دليل على أن الأرضين بعضهن فوق بعض وأعلاهن ما نحن عليه. قال ابن كثير في كتابه البداية والنهاية بعد أن ساق عدة أحاديث في إثبات سبع أرضين. قال فهذه الأحاديث كالمتواترة في إثبات سبع أرضين. والمراد بذلك أن كل واحدة فوق الأخرى والتي تحتها في وسطها عند أهل الهيئة حتى ينتهي الأمر إلى السابعة وهي صماء لا جوف لها وفي وسطها المركز وهي نقطة مقدرة متوهمة وهو محط الأثقال إليه ينتهي ما يهبط من كل جانب إذا لم يعاوقه مانع انتهى. وأما الإجماع فقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى, قد خلق الله سبع أرضين بعضهن فوق بعض كما ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من ظلم شبراً من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة».

تكفير ابن عربي الطائي وأشباهه

وقد ذكر أبو بكر الأنباري الإجماع على ذلك وأراد به أهل الحديث والسنة انتهى. ولو كان الأمر على ما ذهب إليه الألوسي من كون الأرضين بين السموات وكل أرض منها بين سمائين لكان المخسوف به إلى سبع أرضين يخسف به على هذه الأرض التي نحن عليها ثم يرفع فوق السماء الدنيا فيخسف به في الأرض الثانية ثم يرفع فوق السماء الثانية فيخسف به في الأرض الثالثة وهكذا إلى الأرض السابعة التي هي على قول الألوسي بين السماء السادسة والسماء السابعة. وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل. ومجرد تصوره يكفي في معرفة فساده ومصادمته لما هو معلوم بالضرورة من الدين ومخالفته لما هو قطعي من أدلة المسلمين وهو ما ذكرناه آنفاً من النص والإجماع. وستأتي بقية الأمثلة على نقصان كتاب الألوسي وقلة بركته مع الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة إن شاء الله تعالى. ومما ذكرته من هذه الأمثلة التي تقدم ذكرها والأمثلة التي ستأتي يتضح أن كتاب الألوسي لا خير فيه وأنه لا يستحق المدح. وأيضاً فقد اشتمل على تعظيم ابن عربي الطائي إمام القائلين بوحدة الوجود وتلقيبه بمحي الدين والترحم عليه والنقل من هذيانه وما كان كذلك فليس فيه بركة ولا يستحق المدح وإنما يستحق الذم والتحذير منه. وقد ثبت عند المحققين أن ابن عربي من أكفر أهل الأرض وممن سعى في إماتة دين الإسلام وإبداله بنحلته الخبيثة التي هي شر مما كان عليه اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل. وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية فيه وفي أشباهه أنهم أكفر من اليهود والنصارى. وكلام العلماء في تكفير ابن عربي كثير جداً. وقد صنف العلامة برهان الدين البقاعي كتاباً في تكفيره وتكفير أشباهه من الاتحادية سماه (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) قال في أوله وينبغي أن يعلم أولا أن كلامه دائر على الوحدة المطلقة وهي أنه لا شيء سوى هذا العالم. وأن الله أمر كلي لا وجود له

نقد الهيئة الجديدة وذكر الأمثلة على بطلانها

إلا في ضمن جزئياته. ثم إنه يسعى في إبطال الدين من أصله بما يحل به عقائد أهله بأن كل أحد على صراط مستقيم, وأن الوعيد لا يقع منه شيء. وعلى تقدير وقوعه فالعذاب المتوعد به إنما هو نعيم ونحو ذلك. ثم ذكر البقاعي شيئاً كثيراً من شطحات ابن عربي وأقواله الباطلة وذكر أقوال العلماء في تكفيره وتكفير أشباهه فأجاد وأفاد وصنف أيضاً كتاباً آخر في تكفيره وتكفير ابن الفارض ومن كان على طريقتهما سماه (تحذير العباد. من أهل العناد) وقد طبع الكتابان معاً في مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة في سنة 1372 هـ وسماهما الناشر مصرع التصوف فليراجعهما من لا يعرف حال ابن عربي ليرى كلام العلماء فيه. وإذا كان الأمر في ابن عربي ما ذكرنا فليس بسلفي من يعظمه ويترحم عليه ويعتمد على هذيانه, ولا خير في كتاب يشتمل على تعظيمه وتعظيم أشباهه والله المستعان. الأمر الثاني من الأخطاء زعم الألوسي أن الهيئة الجديدة قويمة البرهان وأن القرآن الكريم يعضدها. والجواب أن يقال ليس الأمر كذلك بل الهيئة الجديدة عديمة البرهان. والقرآن العظيم يعارضها ويشهد ببطلانها. وكذلك السنة وإجماع المسلمين. والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها ما تيسر وبالله المستعان. المثال الأول قولهم إن الشمس ثابتة وأنها مركز العالم وأن الأرض وسائر السيارات والثوابت تتحرك عليها. وهذا قول باطل ترده نصوص القرآن والسنة. وقد تقدم ذكرها في أول الكتاب فلتراجع. المثال الثاني قولهم إن الأرض تدور على الشمس. وهذا قول باطل ترده الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة. ويرده أيضاً إجماع المسلمين على وقوف الأرض وسكونها وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها وقد تقدم ذلك فليراجع. وقد اضطرب قول الألوسي في هذه المسألة والتي قبلها. فمرة يوافق أهل الهيئة الجديدة

تكفير من أنكر وجود السموات السبع

على قولهم ويحتج لهم. ومرة يذكر قولهم ويسكت, ومرة يخالفهم ويقول إنه يجب الرجوع في هذا إلى ما دل عليه الكتاب والسنة, وهذا القول هو الحق لو كان الألوسي يثبت عليه. المثال الثالث إنكارهم وجود السموات السبع. وذلك هو الكفر الصريح والضلال البعيد لمخالفته لنصوص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وكثير من جهال المسلمين يوافقونهم على هذا المذهب الباطل وذلك ردة وخروج من دين الإسلام. قال الألوسي في صفحة 19 من كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن. مما يعضد الهيئة الجديدة). وأما ما ذهب إليه متأخرو الفلاسفة فلا سماء عندهم بل الأجرام العلوية قائمة بالجاذبية فإن الشمس وسائر الكواكب السيارات عليها بل وجميع الثوابت ليست مركوزة في جسم من الأجسام - إلى أن قال - غير أن المتأخرين لم يثبتوا من السموات سبعاً ولا أكثر من ذلك ولا أنقص. والمتشرعون منهم قالوا المراد من السموات السبع أصناف أجرام الكواكب فإنهم جعلوها على سبعة أصناف في المقدار. وذلك هو الضلال البعيد. فلا يلزم أن يكون كل ما لم تصل إليه أيدي أفكارهم هو في حيز العدم (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله). فإن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كلهم أخبروا بوجود السموات في هذا الفضاء الذي ليس له مبدأ ولا انتهاء. وهذا خاتمهم صلوات الله عليه قد ذكر ما ذكر مما رأى في معراجه في السموات واستفتاحه لها بواسطة جبريل. كل ذلك يبطل تأويل من أوَّل. قلت قد أجاد الألوسي في رده على أهل الهيئة الجديدة في زعمهم عدم السموات السبع ولكنه اخطأ في قوله في الفضاء إنه ليس له مبدأ ولا انتهاء, وقد تقدم رد ذلك مع الأمثلة التي تقدم ذكرها. وذكر الألوسي أيضاً في صفحة 34 عن أهل الهيئة الجديدة أن سعة الجو غير متناهية عندهم, ومعنى هذا إنكار وجود السموات السبع.

ذكر الأدلة على إثبات السموات السبع

وذكر أيضاً في صفحة 38 عن أهل الهيئة الجديدة أنهم لا يعترفون بوجود السموات السبع على الوجه الذي نطقت به النصوص وذكر أيضاً في صفحة 86 أن أهل الفن اليوم لا يعترفون بأجرام علوية غير الكواكب. قلت وهذا من مزيد كفرهم وعنادهم. وقد اعترف فرعون بوجود السموات مع شدة كفره بالله, واعترف بذلك قوم شعيب ومشركو قريش فهم إذاً أخف كفراً من أهل الهيئة الجديدة. قال الله تعالى مخبراً عن فرعون (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً) الآية. وقال تعالى عن قوم شعيب (فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين) والكسف القطع وقال تعالى عن مشركي قريش (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً). والقول بنفي وجود السموات السبع معلوم البطلان بالضرورة من الدين. والأدلة على إثبات السموات السبع من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يشق استقصاؤها لكثرتها. وحسبنا أن نذكر ههنا طرفاً منها. فمن ذلك قول الله تعالى مخبراً عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً. وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً). وقوله تعالى (الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور, ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير). وقوله تعالى (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ما كنا عن الخلق غافلين). وقوله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم). وقوله تعالى (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم). وقوله تعالى (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن) الآية وقوله تعالى (قل

من رب السموات السبع ورب العرش العظيم, سيقولون الله قل أفلا تتقون). وقوله تعالى (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن) الآية. وقوله تعالى (وبنينا فوقكم سبعاً شدادا). ففي هذه الآيات كلها النص على وجود السموات والنص على أنهن سبع. ففي هذا رد على أهل الهيئة الجديدة الذين أنكروا وجود السموات. وفيها أيضاً رد على الألوسي حيث زعم أنه يمكن أن تكون السموات أكثر من سبع. وفي الآية من سورة الطلاق رد عليه أيضاً في زعمه أنه يمكن أن تكون الأرضون أكثر من سبع. وقد تقدم كلامه في ذلك قريباً. وفي الآية من سورة عمّ النص على أن السموات مبنية وأنها شداد أي في غاية الإحكام والشدة والكثافة. وقد جاء في الأخبار عن بنائها عدة آيات من القرآن كقوله تعالى (الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء) وقوله تعالى (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء) وقوله تعالى (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج) وقوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) وقوله تعالى (والسماء وما بناها) وقوله تعالى (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها, رفع سمكها فسواها). وقد أخبر تبارك وتعالى أنه جعل السماء سقفاً لما تحتها من المخلوقات فقال تعالى (الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء) قال تعالى (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء) وقال تعالى (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً) وقال تعالى (والسقف المرفوع) وأخبر تبارك وتعالى أيضاً عن ارتفاعها بقوله (تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى) وقوله تعالى (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) وقوله تعالى (والسماء رفعها ووضع الميزان) وقوله تعالى (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها, رفع سمكها فسواها) وقوله تعالى (والسقف المرفوع). وأخبر تعالى أن للسماء أبواباً فقال تعالى (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) الآية, وقال تعالى (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون. لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون).

وأخبر تعالى أن في السموات سكاناً فقال تعالى (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن) وقال تعالى (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) وقال تعالى (سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) وقال تعالى (ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض) الآية. وقال تعالى (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال). وقال تعالى (وله من في السموات والأرض كل له قانتون) وقال تعالى (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً. لقد أحصاهم وعدهم عداً. وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) وقال تعالى (ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون) وقال تعالى (ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) وقال تعالى (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين) وقال تعالى (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) وقال تعالى (يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن). وأخبر تعالى عن السموات أنهن يكدن يتفطرن من سماع دعوى الولد لله تبارك وتعالى إعظاماً للرب وإجلالا له فقال تعالى (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً. لقد جئتم شيئاً إدّاً, تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً. أن دعوا للرحمن ولداً. وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً) وقال تعالى (تكاد السموات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم). وأخبر تعالى أنها تنشق يوم القيامة وأنه يطويها ويجعلها في يمينه فقال تعالى (إذا السماء انشقت. وأذنت لربها وحقت) وقال تعالى (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية) وقال تعالى (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) وقال تعالى (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا) وقال تعالى (إذا السماء انفطرت) أي انشقت. وقال تعالى (السماء منفطر به) وقال تعالى (إذا السماء فرجت) أي شقت. وقال تعالى (وإذا السماء كشطت) أي نزعت فطويت. وقال الزجاج قلعت كما يقلع السقف, قال

البغوي ومعنى الكشط رفعك شيئاً عن شيء قد غطاه كما يكشط الجلد عن السنام. وقال تعالى (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب) وقال تعالى (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون). وأخبر تعالى أن السماء والأرض قائمتان بأمره, وأنه يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه. وأنه يمسك السموات والأرض أن تزولا. والآيات الدالة على وجود السموات كثير جداً وفيما ذكرته كفاية لطالب الحق. أما الأدلة على ذلك من السنة فكثيرة أيضاً. ونذكر ههنا طرفاً من ذلك. فمنها ما رواه الإمام أحمد ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أتيت بالبراق - فذكر الحديث وفيه - قال ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل له من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل له من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى فرحبا بي ودعوا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل له من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلام وإذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل فقيل ومن معك قال محمد فقيل وقد أرسل إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير قال الله عز وجل (ورفعناه مكاناً علياً) ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل فقيل ومن معك قال محمد فقيل قد أرسل إليه قال بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد فقيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى عليه السلام فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد فقيل وقد بعث إليه

قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام وإذا هو مستند إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه» الحديث. وقد رواه البخاري والنسائي وابن أبي حاتم بنحوه. وفي رواية ابن أبي حاتم «قال ثم أخذ بيدي جبريل فصعد بي إلى السماء فلما انتهينا إلى الباب استفتح فقالوا من أنت قال أنا جبريل قالوا ومن معك قال محمد قالوا وقد بعث إليه قال نعم قال ففتحوا له وقالوا مرحباً بك وبمن معك قال فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم» فذكر الحديث بنحو ما تقدم. ومنها ما رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن مالك بن صعصعة رضي الله عنه حدثه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به فذكر الحديث بنحو ما تقدم. ومنها ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر الحديث بنحو ما تقدم. ومنها ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان أبي بن كعب رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر الحديث بنحو ما تقدم. ومنها ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في دلائل النبوة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له أصحابه يا رسول الله أخبرنا عن ليلة أسري بك قال فأخبرهم فذكر الحديث بنحو ما تقدم وفيه زيادات كثيرة. ومنها ما رواه ابن جرير والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما تقدم. ومنها ما رواه الإمام أحمد والبغوي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت سحابة فقال رسول الله

صلى الله عليه وسلم «أتدرون ما هذا قال قلنا السحاب قال والمزن قلنا والمزن قال والعنان قال فسكتنا فقال هل تدرون كم بين السماء والأرض قال قلنا الله ورسوله أعلم قال بينهما مسيرة خمسمائة سنة ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تبارك وتعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء». وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في كتاب التوحيد والحاكم في مستدركه. وفي روايتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «هل تدرون ما بعد بين السماء والأرض قالوا لا ندري قال إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقها كذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهم العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله تبارك وتعال فوق ذلك» قال الترمذي هذا حديث حسن غريب. ومنها ما رواه الإمام أحمد والترمذي وابن أبي حاتم والبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا العنان هذه روايا الأرض يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ثم قال هل تدرون ما فوقكم قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف ثم قال هل تدرون كم بينكم وبينها قالوا الله ورسوله أعلم قال بينكم وبينها خمسمائة سنة ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك سمائين ما بينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عد سبع سموات ما بين كل سمائين كما بين السماء والأرض ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السمائين». ومنها ما رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه

قال «ما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام وبين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام والعرش على الماء والله على العرش ويعلم أعمالكم» إسناده صحيح على شرط مسلم. ورواه من وجه آخر ولفظه «ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وبصر كل سماء خمسمائة - يعني غلظها - وذكر بقيته بنحو ما تقدم. وهذا الحديث له حكم المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف ومنها ما رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «قال موسى عليه السلام يا رب علمني شيئاً أذكرك وادعوك به قال قل يا موسى لا إله إلا الله قال كل عبادك يقولون هذا قال يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله. قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. ومنها ما رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد والطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن نبي الله نوحا صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قال لابنه إني قاص عليك الوصية آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين آمرك بلا إله إلا الله فإن السموات السبع والأضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله» وذكر تمام الحديث. ومنها ما رواه ابن مردويه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة». ومنها ما رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند النوم «اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء» الحديث قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح

ورواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ومنها ما رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوات عند الكرب «لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات والأرض رب العرش الكريم». ورواه ابن ماجه بإسناد صحيح وعنده في آخره «سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم». ومنها ما رواه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها «اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها» قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وقد رواه الطبراني بنحوه قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح غير عطاء بن أبي مروان وأبيه وكلاهما ثقة. وروى الطبراني أيضاً في الأوسط من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه نحوه. قال الهيثمي وإسناده حسن. وروى الطبراني أيضاً من حديث أبي معتب بن عمرو رضي الله عنه نحوه. قال الهيثمي وفيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات. ومنها ما رواه الترمذي عن بريده رضي الله عنه قال شكى خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق فقال النبي الله صلى الله عليه وسلم «إذا أويت إلى فراشك فقل اللهم رب السموات السبع وما أظلت ورب الأرضين وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو أن يبغي عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك لا إله إلا أنت» قال الترمذي ليس إسناده بالقوي.

تكفير من اعتقد أن السماء جو وفضاء وليست بناء

ومنها ما رواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا تخوف أحدكم سلطانا فليقل اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم كن لي جارا من شر فلان ابن فلان» الحديث. قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير جنادة بن سلم وقد وثقه ابن حبان وضعفه غيره. والأحاديث الدالة على وجود السموات كثيرة جدا وفيما ذكرته كفاية إن شاء الله تعالى. ولو لم يكن منها إلا حديث واحد من أحاديث الإسراء لكان كافيا في الرد على أهل الهيئة الجديدة الذين ينكرون وجود السموات. وقد اشتملت هذه الأحاديث على إثبات السموات. وأن لهن أبوابا. وأن للأبواب حجابا وخزنة. وأنه لا يدخل أحد من أبوابها إلا من بعد أن يؤذن له ويفتح له الباب وأن فيهن سكانا. وفيها النص على أن السموات سبع. ودل حديث العباس وحديث ابن مسعود رضي الله عنهما على أن كثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة. وفيهما أيضا وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن بعد ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة. وأن كل سمائين مسيرة خمسمائة سنة. وفي الأحاديث عن أبي سعيد وعبد الله بن عمرو وأبي ذر وصهيب وأبي لبابة وأبي معتب بن عمرو رضي الله عنهم النص على أن الأرضين سبع كالسموات ففي ذلك رد على الألوسي في زعمه أنه يمكن أن تكون السموات أكثر من سبع وأن تكون الأرضون أكثر من سبع. وإذا علم ما ذكرنا من الآيات والأحاديث الدالة على إثبات السموات السبع فليعلم أيضا أن الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي ذكر في آخر كتابه «الفرق بين الفرق» عن أهل السنة أنهم أجمعوا على أن السموات سبع طباق خلاف قول من زعم من الفلاسفة والمنجمين أنها تسع. وفي هذا رد على من أنكر وجود السموات. ورد على الألوسي أيضاً في قوله أنه يمكن أن تكون السموات أكثر من سبع. وقد قال الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي في كتابه «المسائل الكافية. في بيان وجوب صدق خبر رب البرية».

(المسألة الخامسة عشر) السماء عقيدة المسلمين فيها أنها بناء عظيم وسقف لما تحتها بلا عمد ترى. ووصفها الله تعالى في كتابه العزيز. بما ينطق بأنها بناء بالغ الغاية في الإتقان مثل قوله تعالى (الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير. ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين). فمن قال واعتقد أنها جو وفضاء لا بناء واستمر مصمما على ذلك يكفر لتكذيبه الله تعالى في خبره (والسماء بناء) وفي خبره (وجعلنا السماء سقفا محفوظا) وفي خبره (والسماء بناها) وفي قوله (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها. رفع سمكها) وغير ذلك من الآيات الدالة على أنها بناء محكم انتهى. المثال الرابع زعمهم أن سعة الجو غير متناهية ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34 وهذا قول باطل. والحق أن هذا الجو الذي نحن فيه ينتهي إلى السماء الدنيا ومسافته من كل جانب من جوانب الأرض خمسمائة سنة. ثم بين كل سمائين فضاء مسيرته من كل جانب خمسمائة سنة. وقد تقدم التنبيه على ذلك مع الأمثلة على نقصان كتاب الألوسي وقلة بركته وخطأ الصواف في مدحه. المثال الخامس زعمهم أن الشمس أعظم من الأرض بألف ألف مرة وثلثمائة وثمانية وعشرون ألف مرة ذكره الألوسي عنهم في صفحة 33. والجواب أن يقال قد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى عن أهل الهيئة القديمة أنهم اتفقوا على أن الشمس بقدر الأرض مائة مرة ونيفا وستين مرة. وكل من الطرفين لا دليل لهم على ما قالوه سوى الظنون الكاذبة والرجم بالغيب وإثبات مثل هذه الأمور يحتاج إلى دليل قاطع من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وما لم يكن عليه دليل فليس عليه تعويل. ولو قال قائل إن الأرض أعظم من الشمس بكثير لكان قوله أقرب إلى الصواب من قول أهل الهيئة القديمة ومن قول أهل الهيئة الجديدة لأن الله تعالى قال (إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت) وقال تعالى (إذا السماء انفطرت, وإذا الكواكب انتثرت) قال البغوي وغيره في قوله تعالى (وإذا النجوم انكدرت) أي تناثرت من السماء

وتساقطت على الأرض كما قال تعالى (وإذا الكواكب انتثرت). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال «يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث ريحاً دبوراً فيضرمها ناراً» رواه ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف, وكذا ذكر البغوي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن كثير وكذا قال عامر الشعبي. قلت ويشهد لهذا الأثر ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله الداناج قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة». ورواه البزار من حديث عبد الله الداناج قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن زمن خالد بن عبد الله القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن فجلس إليه فحدث قال حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة» فقال الحسن وما ذنبهما فقال أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول وما ذنبهما. إسناده صحيح على شرط مسلم. وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الشمس والقمر ثوران عقيران في النار» قال الهيثمي فيه ضعفاء قد وثقوا. قلت وما تقدم عن أبي هريرة رضي الله عنه يشهد له ويقويه وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين). وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكور فيه الشمس والقمر ثم يوقد فيكون هو جهنم. وروى الإمام أحمد وابن جرير والحاكم عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البحر هو جهنم» قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي في تلخيصه. وفيما ذكرنا دليل على أن الأرض أعظم من الشمس والقمر والكواكب لأن الجميع ينتثر يوم القيامة في البحر فيسعها كلها, ولو كانت الشمس بقدر الأرض أو أعظم منها لملأت الأرض كلها وزادت عليها بكثير.

وعلى قول أهل الهيئة الجديدة تكون الشمس أعظم مما بين السماء والأرض, وهذا لا يشبه كلام العقلاء وإنما هو هذيان يشبه كلام المجانين. ونقول أيضاً من الذي ذهب من أهل الهيئة الجديدة أو غيرهم إلى الشمس وقاسها وعلم مقدارها وما بينها وبين الأرض من التفاوت العظيم في الكبر, وإذا كان هذا ممتنعاً في حق البشر فمن أين لهم العلم بقدرها على الوجه الذي حددوه تحديد من ذهب إليها وقاسها أو من كان معه نص عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم يطابق ما قاله. وأيضاً فهذه الأرض التي خلقوا منها وعاشوا عليها لم يطلعوا عليها كلها مع كثرة طوافهم فيها وكثرة ما لديهم من وسائل الاكتشاف. وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن ياجوج وماجوج. وعن سد ذي القرنين الذي بناه دونهم وأخبر أنهم يخرجون في آخر الزمان. وكذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم في عدة أحاديث وأخبر أنهم يخرجون في آخر الزمان فيحصرون المسلمين فيدعو عليهم نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام وأصحابه فيهلكهم الله تعالى وهم من بني آدم بلا خلاف. ومع هذا لم يطلع عليهم ولا على سد ذي القرنين أحد من هؤلاء الكذابين الذين يزعمون مقدار الشمس والقمر وغيرهما من الأجرام العلوية ويعلمون ما فيها من المواد. وكذلك قد جاء في حديث تميم الداري رضي الله عنه أن الدجال موثق بالحديد في بعض جزائر البحر. وقد حدث تميم رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر الناس بذلك. ومع هذا لم يطلع على الدجال أحد بعد أهل السفينة الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. فيقال للذين يزعمون أنهم اكتشفوا على الأجرام العلوية وعلموا موادها ومقاديرها إنكم قد عجزتم عن اكتشاف جميع الأرض التي خلقتم منها وعشتم فيها فأنتم عن اكتشاف الأجرام العلوية أعجز وأعجز ولقد أحسن الشاعر حيث يقول: أطلاب النجوم احلتمونا ... على خبر أدق من الهباء علوم الأرض لم تصلوا إليها ... فكيف وصلتم خبر السماء والكلام في مقادير الأجرام العلوية وأبعادها وموادها وما جعل الله فيها يحتاج إلى

نص قاطع عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك من أمور الغيب التي لا تعلم إلا من طريق الوحي, ولا نص في ذلك البتة. وما لم يخبر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب فالواجب الإعراض عنه وعدم الخوض فيه لقول الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا). فأما الاعتماد على الأرصاد في معرفة مقادير الأجرام العلوية وأبعادها وموادها وما جعل الله فيها كما هو شأن أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم فذلك من التخرص واتباع الظن والرجم بالغيب وقد قال الله تعالى (قتل الخراصون) وقال تعالى (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً. فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا, ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) وقال تعالى (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون. إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهم أعلم بالمهتدين). وأيضا فإن الله تعالى قد عظم شأن الأرض في كتابه ونوه بذكرها أكثر مما عظم من شأن الشمس والقمر والكواكب وقرن خلقها مع خلق السموات في عدة آيات من القرآن. وأخبر أنه خلقها وما فيها في أربعة أيام وأنه خلق السموات وما فيهن في يومين وذلك يدل على عظم الأرض وأنها أكبر من الشمس والقمر وسائر الكواكب. وقد قال الله تعالى (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وقال تعالى (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين). وقال تعالى (ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة) الآية. وقال تعالى (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) الآية وقال تعالى (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه) الآية وقال (وسع كرسيه السموات والأرض) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على عظم الأرض وسعتها. وقد جاء في تعظيم خلق الأرض أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. منها حديث أبي سعيد رضي الله عنه الذي تقدم ذكره وفيه أن الله تعالى قال «لو أن

السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله» ونحوه ما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في ذكر وصية نوح عليه الصلاة والسلام لابنه. وقد تقدم أيضاً. وكذلك حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة» الحديث وقد تقدم ذكره. وروى الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع فيقول أنا الملك فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما قدروا الله حق قدره) الآية. وروى الإمام أحمد والترمذي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس قال كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذه وأشار بالسبابة والأرض على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه كل ذلك يشير بأصبعه فأنزل الله عز وجل (وما قدروا الله حق قدره) قال الترمذي هذا حديث حسن غريب صحيح. والأحاديث الدالة على عظم الأرض كثيرة جداً وفيما ذكرته ههنا كفاية إن شاء الله تعالى. المثال السادس زعمهم أن القمر دون عظم الأرض بتسع وأربعين مرة. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34. وهذا من نمط ما قبله من التخرص والرجم بالغيب. المثال السابع زعمهم أن بعد الشمس عن الأرض أربعة وثلاثون ألف ألف فرسخ فرنسي وهو المقدر بمسافة ساعة وخمسمائة ألف فرسخ, ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34.

وهذا من نمط ما قبله من الهذيان فإن هذه المسافة التي ذكروها تطابق اثني عشر ألف سنة أو قريباً من ذلك, وهذا يقتضي أن تكون الشمس فوق السماء السابعة بمقدار خمسة آلاف وأن تكون فوق الكرسي أيضاً, وهذا باطل قطعاً فإن الشمس في السماء بنص القرآن وليست فوق السموات السبع. والصواب في هذا أن يقال الله أعلم بمقدار بعد الشمس عن الأرض. ولم يخبرنا الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم عن بعدها بشيء نعتمد عليه, ولو كان في ذلك فائدة تعود على المكلفين في أمر دينهم أو دنياهم لبينه الله تعالى لهم ولم يهمله قال الله تعالى (وما كان ربك نسياً) وقال تعالى مخبراً عن موسى عليه الصلاة والسلام (قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى). فالواجب على المسلم أن يتمسك بما جاء عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ويسكت عما سكت الله ورسوله عنه ولا يتكلف ما لا علم له به فإن ذلك مما نهى الله عنه قال تعالى (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) وقال تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا). المثال الثامن زعمهم أن القمر من سيارات السيارات لأنه يدور حول الأرض ودورانها حول الشمس. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34. والجواب أن يقال أما قولهم بدوران القمر على الأرض فهو صحيح يجري في الفلك ويدور على الأرض وكذلك الشمس وسائر الكواكب فكلها تجري وتدور على الأرض هي المركز للجميع كما تقدم في أول الكتاب. وأما قولهم إن القمر من سيارات السيارات وإن الأرض تدور حول الشمس فهو من نمط ما قبله من التخرص والقول بغير علم وقد تقدم رده في أول الكتاب. وقد تناقض قول أهل الهيئة الجديدة في مدار القمر وذلك أنهم زعموا أن الشمس هي المركز الثابت وأن الأرض وجميع السيارات تدور عليها وأقربها إلى الشمس عطارد ثم الزهرة ثم الأرض ثم القمر ثم المريخ. وعلى هذا القول ينتفي الكسوف عن الشمس لأن القمر إنما يدور عليها من وراء مدار

الأرض فلا يتوسط بين الأرض وبين الشمس. وكسوف الشمس إنما يكون بسبب حيلولة القمر بينها وبين الأرض. ولما علم أهل الهيئة الجديدة بما في هذا القول من الفساد قالوا إن القمر من سيارات السيارات وإنه يدور على الأرض والأرض تدور هي وقمرها على الشمس. وهذا باطل قطعاً لأنها لو كانت تدور على الشمس مع ما زعموه من البعد المفرط بينها وبين الأرض لكان مدار الأرض وقمرها من فوق الكرسي بمسافة بعيدة جداً وكانا يخترقان السموات السبع في حال دورانهما وهذا من أبطل الباطل. وأيضاً فالدوران إنما يكون على مركز ثابت. وما ليس بثابت كالسيارات فليس بمركز يدار عليه. المثال التاسع زعمهم أن البعد الأبعد للقمر عنها - أي عن الأرض - أحد وتسعون ألفاً وأربعمائة وخمسون فرسخاً. والبعد الأقرب له ثمانون ألفاً ومائة وخمسة فراسخ. فيكون البعد الأوسط نحو ستة وثمانين ألف فرسخ. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34. وهذا من نمط ما قبله من الهذيان والتخرص. وذلك أن مسافة البعد الأبعد تطابق إحدى وثلاثين سنة وتسعة أشهر تقريباً. ومسافة البعد الأوسط تطابق تسعاً وعشرين سنة وعشرة أشهر تقريباً. ومسافة البعد الأقرب تطابق سبعاً وعشرين سنة وعشرة أشهر تقريباً. والقرآن العظيم يرد هذا القول ويبطله قال الله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً) وقال تعالى مخبراً عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً, وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً). ففي هذه الآيات النص على أن القمر في السماء. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام» وقد تقدمت الأحاديث بذلك في أول الكتاب. وفيها مع الآيات التي ذكرنا رد لما تخرصه أهل الهيئة الجديدة في بعد القمر عن الأرض.

الرد على الذين يدعون تعدد الشموس والأقمار

المثال العاشر تسميتهم الأرض كوكباً. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 3. وهذا خطأ وضلال. وإنما أطلقوا عليها اسم الكوكب لأنهم زعموا أنها تسير كما تسير الكواكب وتدور على الشمس, وقد تقدم رد هذا وبيان بطلانه في أثناء الكتاب فليراجع. المثال الحادي عشر زعمهم أن في النجوم الثوابت شموساً مثل هذه الشمس أو أكبر منها. وذكر الألوسي عنهم في صفحة 68 أن النجوم الثوابت يعد كل واحد منها شمساً لا يرى توابعها للبعد الشاسع. وقال محمد رشيد رضا في صفحة 637 من الجزء السابع من تفسيره. وإننا نقتبس مما نقل عن علماء الهيئة كلمة في أبعاد بعض النجوم الثوابت التي هي شموس من جنس شمسنا. وقال أيضاً في صفحة 638 ومن الاعتبار قول صاحب المقتطف لما انتهى من الكلام على النظام الشمسي ورجح أنه لا يصلح شيء من سياراته لحياة البشر غير الأرض وأنه يحتمل أن تكون سيارات سائر الشموس كذلك وكلها أكبر من هذه الشمس. والجواب أن يقال هذا كله تخرص ورجم بالغيب. والقرآن يرد هذا الزعم الكاذب وكذلك السنة. قال الله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً) وقال تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين) قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة البروج هي الكواكب العظام. وقال البغوي هي النجوم الكبار مأخوذ من الظهور يقال تبرجت المرأة أي ظهرت. وقال أيضاً وسميت بروجاً لظهورها. وقال تعالى مخبراً عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً. وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً) وقال تعالى (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظاً من كل شيطان مارد) وقال تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين) وقال تعالى (وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم). ففي هذه الآيات النص على أن الشمس والقمر في السماء. والنص على أن الله تعالى

جعل الكواكب زينة للسماء الدنيا ورجوماً للشياطين. وإذا كان كل من الشمس والقمر والنجوم في السماء فلِمَ ظهرت هذه الشمس وحدها واختفت شموس أهل الهيئة الجديدة مع أنهم يزعمون أن كلا منها أكبر من هذه الشمس. فهذا مما يدل على بطلان قولهم. وروى الإمام أحمد والشيخان والدارمي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة» الحديث وقد رواه الترمذي مختصراً وقال هذا حديث صحيح. وروى مسلم أيضاً من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما نحوه موقوفاً. ورواه الإمام أحمد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده إسناد مسلم. وروى الإمام أحمد أيضاً والترمذي والطبراني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه أيضاً وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وروى الطبراني أيضاً في الأوسط عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. قال الهيثمي وإسناده صحيح وفي هذه الأحاديث دليل على أن أعظم كوكب في السماء لا يبلغ نوره مثل نور القمر فضلا عن ضوء الشمس ولهذا تكون الزمرة الأولى من أهل الجنة على صورة القمر وتكون الزمرة الثانية على أشد كوكب في السماء إضاءة. ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة من كون النجوم الثوابت شموساً مثل هذه الشمس أو أكبر منها لكانت الزمرة الثانية من أهل الجنة أفضل من الزمرة الأولى وأعظم نوراً منهم بكثير. وهذا باطل قطعاً والأحاديث الصحيحة ترده. وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا كان يوم القيامة قامت ثلة من الناس يسدون الأفق نورهم كالشمس فيقال النبي الأمي فيتحشحش لها كل نبي فيقال محمد وأمته ثم تقوم ثلة أخرى تسد ما بين الأفق نورهم مثل كل كوكب في السماء فيقال النبي الأمي فيتحشحش لها كل نبي» الحديث قال الهيثمي رجاله وثقوا.

وفي رواية له أخرى عن أبي أمامة رضي الله عنه قال «تخرج يوم القيامة ثلة غر محجلون فتسد الأفق نورهم مثل نور الشمس فينادي مناد النبي الأمي فيتحشحش لها كل نبي أمي فيقال محمد وأمته فيدخلون الجنة ليس عليهم حساب ولا عذاب ثم تخرج ثلة أخرى غراً محجلين نورهم مثل نور القمر ليلة البدر فتسد الأفق فينادي مناد النبي الأمي فيتحشحش لها كل نبي أمي فيقال محمد وأمته فيدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم تخرج ثلة أخرى نورهم مثل أعظم كوكب في السماء يسد الأفق نورهم فينادي مناد النبي الأمي فيتحشحش لها كل نبي أمي فيقال محمد وأمته فيدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب» الحديث قال الهيثمي رجاله وثقوا على ضعف فيهم. وهذا الحديث كالأحاديث قبله يدل على أن أعظم الكواكب لا يبلغ نوره مثل نور القمر فضلا عن نور ضوء الشمس. وروى الإمام أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا سواره لطمس ضوءه الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم» وهذا الحديث يدل على أن ضوء الكواكب كلها لا تقاوم ضوء الشمس فضلا عن أن يكون فيها ما هو أكبر من الشمس وأعظم منها ضوءاً بكثير. وفي هذا الحديث والأحاديث قبله رد على الذين يتخرصون في الكواكب ويدعون فيها بأشياء لا مستند لها سوى الظنون الكاذبة. وقد قال الله تعالى (وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً) ثم قال تعالى (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا. ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) وقال تعالى (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون. إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين). وأيضاً فإن الله تعالى لم يذكر في كتابه سوى شمس واحدة. وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر سوى شمس واحدة, ولو كان هناك شموس غيرها لبينها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء). وقال أبو ذر رضي الله عنه «لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر

جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما» رواه ابن جرير. ومن هذا القبيل من التخرص والرجم بالغيب زعمهم أن الأقمار عشرون قمراً واحد منها للأرض واثنان للمريخ وأربعة للمشتري وثمانية لزحل وأربعة لأورانوس وواحد لنبتون. ذكر ذلك محمد فريد وجدي في كتابه دائرة المعارف. وهذا قول باطل مردود بقول الله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً). فذكر تعالى أنه جعل في السماء بروجاً وهي الكواكب الكبار من السيارات وغير السيارات وأنه جعل فيها سراجاً وهو الشمس وقمراً منيراً وهو القمر المعروف. وفي هذه الآية دليل على أنه ليس في السماء سوى شمس واحدة وقمر واحد, ولو كان فيها شموس وأقمار سوى هذه الشمس وهذا القمر لذكرها الله تعالى في كتابه, قال الله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء). وأيضاً فقد قال الله تعالى مخبراً عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً. وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً). وفي هاتين الآيتين أوضح دليل على أنه ليس في السموات السبع سوى شمس واحدة وقمر واحد. وفيهما أبلغ رد على ما يهذو به طواغيت الإفرنج من الشموس والأقمار التي لا وجود لها. وأيضاً فقد قال الله تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) الآية. فذكر تعالى أنه خلق الشمس والقمر والنجوم وسخرها بأمره. وفي هذا أوضح دليل على أنه ليس في السماء سوى شمس واحدة وقمر واحد وما سواهما من اللامعات فكلها نجوم. وأيضاً فقد قال الله تعالى (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون).

فذكر تعالى أن الليل والنهار والشمس والقمر آيات من آياته الدالة على كمال قدرته وعظيم شأنه وأنه الإله الذي لا تنبغي العبادة إلا له دون من سواه. وفي هذه الآية دليل على أنه ليس في الوجود سوى شمس واحدة وقمر واحد, ولو كان فيه شموس وأقمار سوى هذه الشموس وهذا القمر لذكرها الله تعالى مع هذه الآيات العظام. وأيضاً فقد قال الله تعالى (فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم. وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون). فذكر تعالى في الآية الأولى الليل والنهار والشمس والقمر وذكر في الآية الثانية النجوم وهي ما عدا الشمس والقمر من الأجرام السماوية. وهذه النجوم التي نص الله عليها في كتابه وذكر أنه جعلها لعباده ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر هي التي يزعم طواغيت الإفرنج أن منها شموساً أكبر من هذه الشمس بكثير وأن منها أقماراً سوى هذا القمر, وفي هذه الآية الكريمة أبلغ رد عليهم. وأيضاً فقد قال الله تعالى (فإذا برق البصر. وخسف القمر. وجمع الشمس والقمر. يقول الإنسان يومئذ أين المفر). فذكر تبارك وتعالى أن القمر يخسف يوم القيامة وأنه يجمع بينه وبين الشمس. وفي الحديث الصحيح أنهما يكوران يوم القيامة وأنهما ثوران في النار عقيران رواه البخاري والبزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وتقدم ذكره قريباً. وفي هذا دليل على أنه ليس في السماء سوى شمس واحدة وقمر واحد ولو كان في السماء شموس وأقمار متعددة كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لقال وجمعت الشموس والأقمار. ولقال النبي صلى الله عليه وسلم الشموس والأقمار مكورات يوم القيامة وإنها ثيران عقيرة في النار. وأيضاً فقد قال الله تعالى (إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت) فذكر تبارك وتعالى الشمس بلفظ المفرد لأنها واحدة وذكر النجوم بلفظ الجمع لأنها متعددة ولو كان في السماء شموس متعددة لذكرها بلفظ الجمع كما ذكر النجوم بلفظ الجمع في الآية التي ذكرنا وفي آيات كثيرة سواها.

وأيضاً فقد قال الله تعالى (والشمس وضحاها. والقمر إذا تلاها) فذكر كلا من الشمس والقمر بلفظ المفرد لأن كلا منهما مفرد لا نظير له. ولو كان في السماء شموس وأقمار متعددة لذكرها بلفظ الجمع. وأيضاً فقد قال الله تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) الآية فذكر تبارك وتعالى كلا من الشمس والقمر بلفظ المفرد لاتحاد كل منهما. ولو كان في الوجود شموس وأقمار متعددة لذكرها بلفظ الجمع. وأيضاً فقد قال الله تعالى (ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب) الآية. فذكر تبارك وتعالى الشمس والقمر بلفظ المفرد لأن كلا منهما لا نظير له وذكر ما سواها بلفظ الجمع لأن كل جنس منها متعدد. والآيات الدالة على بطلان قول أهل الهيئة الجديدة في تعدد الشموس والأقمار أكثر مما ذكرنا. وفيما ذكرنا كفاية لمن أراد الله هدايته. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث صحيحة أنه قال «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته» فذكر كلا من الشمس والقمر بلفظ المفرد لأنه لا نظير لواحد منهما. ولو كان هناك شموس وأقمار متعددة لعبر عنها بلفظ الجمع. والأحاديث التي ذكرت فيها الشمس أو القمر بلفظ المفرد كثيرة جداً وفيما ذكرنا كفاية لمن أراد الله هدايته. المثال الثاني عشر زعمهم أن صغار الكواكب الثوابت أعظم من الأرض ذكره الألوسي عنهم في صفحة 122. وهذا من جنس ما قبله من التخرص والرجم بالغيب, وقد قدمنا ذكر الآيات والآثار الدالة على تكوير الشمس والقمر والنجوم في البحر يوم القيامة. وهذا يدل على أن الأرض أعظم من الشمس والقمر وسائر الكواكب. وقد تقدم إيراد ذلك قريباً بما أغنى عن إعادته.

المثال الثالث عشر هذيانهم في بعد النجوم الثوابت عن الأرض. قال الألوسي في صفحة 68 والنجوم الثوابت ليست من النظام الشمسي بل هي أنظمة مستقلة ترى منها شمسنا كما ترى هي من عندنا أي نقطاً لامعة نيرة في القبة الزرقاء. وذكر محمد رشيد رضا في تفسيره سورة الأنعام عن أهل الهيئة الجديدة أن النسر الطائر يبعد عن الأرض سبعة وثمانين ألف ألف ألف ألف ميل يعني قريباً من أحد عشر ألف ألف ألف سنة. وأن النسر الواقع يبعد عن الأرض مائة وثمانين ألف ألف ألف ألف ميل يعني قريباً من إحدى وعشرين ألف ألف ألف ألف سنة. وأن السماك الرامح يبعد عن الأرض ثلثمائة ألف ألف ألف ألفا ميل يعني قريباً من خمسة وثلاثين ألف ألف ألف ألف سنة. قال وأول من قاس أبعاد النجوم بالضبط الفلكي (ستروف) فإنه قاس بُعد النسر الواقع سنة 1835 إلى سنة 1838 ميلادية فجاءت نتيجة قياسه مطابقة لنتيجة القياسات الحديثة مع أن الفلكيين يستخدمون الآن من الوسائل ما لم يكن معروفاً في عصره انتهى. قلت وهذا كله باطل وضلال وهذيان يشبه هذيان المجانين والدليل على بطلانه قول الله تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين) الآية. وقوله تعالى (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظا من كل شيطان مارد). وقوله تعالى (وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم) وقوله تعالى (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج) وقوله تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين) وقوله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً) والبروج هي الكواكب العظام. فدلت هذه الآيات بالنص على أن الكواكب كلها قد جعلت زينة للسماء. ودلت الآيات الثلاث الأول على أنها قد جعلت زينة للسماء الدنيا. والنسر الطائر والنسر الواقع والسماك الرامح والسماك الأعزل من جملة الكواكب التي قد جعلت زينة للسماء الدنيا. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة من الصحابة وهم عبد الله بن عمرو وأبو هريرة والعباس وأبو سعيد رضي الله عنهم. وروي أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً

وله حكم الرفع كنظائره, وقد تقدمت هذه الأحاديث مع الأدلة على سكون الأرض وثباتها فلتراجع. وروى الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي وأبو يعلى والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ويل للأمراء ويل للأمناء ويل للعرفاء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض وأنهم لم يلوا عملا» قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وفي رواية لأحمد والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ليوشكن رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا ولم يل من أمر الناس شيئاً» قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وفي هذا الحديث دليل على أن النجوم الثوابت في السماء الدنيا فإن الثريا من جملة الثوابت ولو علق فيها شيء كان متدلياً بين السماء والأرض ولو خر منها شيء خر على الأرض. وفي هذا الحديث مع ما تقدم من الآيات والأحاديث أبلغ رد على ما يهذو به طواغيت الإفرنج في أبعاد النجوم الثوابت وقد قال الله تعالى (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) وقال تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) وقال تعالى (قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي) وقال تعالى (وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى). ومما ذكرنا من الآيات والأحاديث يعلم أنه ليس بيننا وبين النجوم الثوابت إلا مسيرة خمسمائة سنة. وأين هذه المسافة مما يهذو به طواغيت الإفرنج من ملايين الملايين من السنين. وقد قال بعض السلف إن ارتفاع العرش عن الأرض السابعة خمسون ألف سنة, ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما, ولو كان الأمر في النجوم الثوابت على ما يزعمه طواغيت الإفرنج ومن يصدقهم ويحذو حذوهم من جهال المسلمين لكانت الثوابت فوق العرش. وهذا من أبطل الباطل فإنه ليس فوق العرش شيء سوى الله

تبارك وتعالى. وأما قولهم إن هذه الشمس ترى من الثوابت نقطة لامعة كما ترى الثوابت من عندنا نقطاً لامعة, فهو من جنس ما قبله من الهذيان والتخرص, ومن هو الذي ذهب إلى النجوم الثوابت فرأى الشمس منها نقطة لامعة, وإذا كان الذهاب إليها ليس في مقدرة أحد من البشر فهل كان عندهم خبر ثابت عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك, وإذا كان ذلك معدوماً فليس لهم دليل سوى آرائهم الفاسدة وظنونهم الكاذبة وتوهماتهم الخاطئة, وقد قدمنا من الآيات والأحاديث ما يكفي في ردها والنداء على بطلانها. المثال الرابع عشر هذيانهم في وصول نور الشمس والكواكب إلينا. فأما الشمس فزعموا أن نورها يصل إلينا في مدة ثمان دقائق وثلاث عشرة ثانية. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34. وأما الكواكب الثوابت فزعموا أن منها ما لا يصل نوره إلى الأرض في مائة سنة بل أكثر مع شدة سرعة الضوء. ذكره الألوسي أيضاً في صفحة 34. وقال محمد رشيد رضا في صفحة 637 من الجزء السابع من تفسيره وقد وجد بالرصد أن أقرب النجوم منا لا يصل نوره إلينا إلا في أربع سنوات ونحو نصف سنة ومن النجوم ما لا يصل النور منه إلينا إلا في ألف سنة أو أكثر فالنجم المسمى بالنسر الطائر يصل النور منه إلينا في أربع عشرة سنة ونصف سنة. والنجم المسمى بالنسر الواقع يصل النور منه إلينا في نحو ثلاثين سنة, والنجم المسمى بالسماك الرامح يصل النور منه إلينا في نحو خمسين سنة. قلت هذه الأقوال كلها تخرصات وظنون كاذبة. وقد رأينا نور الشمس ينتشر على ما قابله من حين يبدو طرف قرصها علينا إذا لم يكن هناك حائل من غيم أو قتر. وكذلك النسر الطائر والنسر الواقع والسماك الرامح وغيرها من الكواكب النيرة كلها يرى نورها من حين تبدو من الأفق إذا لم يكن هناك حائل يمنع من رؤيتها. وهذه الكواكب من زينة السماء الدنيا كما نص الله على ذلك في كتابه. فالتفريق بين أبعادها ووصول نورها إلى الأرض تفريق بين أشياء متماثلة وذلك باطل مردود.

المثال الخامس عشر قال الألوسي في صفحة 94 وذهب المتأخرون من الفلاسفة إلى أن العالم كله كان قطعة واحدة فأصابته صدمة فتفرق إلى ما يرى من الأجرام وكثر منهم في ذلك القيل والقال. قلت وهذا من نمط ما قبله من الهذيان الذي يشبه هذيان المجانين, وهل يكون في إمكان الصدمة أن تضع الأرض والسموات والشمس والقمر والنجوم على هذا الوضع العجيب وأن تنسقها هذا التنسيق المحكم الذي لا يقدر عليه إلا الله الذي يقول للشيء كن فيكون. فهو الذي خلقها ورتبها على هذا الترتيب الباهر الذي هو الغاية في الإتقان. قال الله تعالى (صنع الله الذي أتقن كل شيء). فالأجرام السفلية والأجرام العلوية لم تصب بصدمة أبداً كما يزعمه أعداء الله تعالى وإنما قيل لها كوني فكانت كما أراد فاطرها وموجدها من العدم لا إله إلا هو ولا رب سواه (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). وقد قال الله تعالى (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين. ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم). وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال صلى الله عليه وسلم «خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب فهذه أربعة (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) لمن سأله قال وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة».

وروى ابن جرير أيضاً عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه قال «إن الله بدأ الخلق يوم الأحد فخلق الأرضين في الأحد والاثنين وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء وخلق السموات في الخميس والجمعة وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم على عجل فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة». وروى ابن جرير أيضاً من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات). قال إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئاً غير ما خلق قبل الماء فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخاناً فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضاً واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين وخلق الجبال فيه وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء وذلك حين يقول (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها) يقول أنبت شجرها (وقدر فيها أقواتها) يقول أقواتها لأهلها (في أربعة أيام سواء للسائلين) يقول قل لمن يسألك هكذا الأمر (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض (وأوحى في كل سماء أمرها) قال خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه غيره ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظاً تحفظ من الشياطين فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش فذلك حين يقول (خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) ويقول (كانت رتقاً ففتقناهما)». وقال البغوي في تفسيره عند قوله تعالى (وأوحى في كل سماء أمرها) قال قتادة والسدي يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها, وقال مقاتل وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي وذلك يوم الخميس والجمعة وانتهى.

وفي الآيات التي ذكرنا مع حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما ذكر بعده من الآثار عن الصحابة والتابعين دليل على أن كل شيء من العالم قد خلق على حدته وأن الأرض خلقت قبل السماء وما فيها من الشمس والقمر والنجوم. بل في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن الشمس والقمر والنجوم خلقت يوم الجمعة وهو آخر الأيام الستة التي خلق الله فيها الخليقة. وفي هذا أبلغ رد على ما زعمه أعداء الله من أن العالم كله كان قطعة واحدة فأصابته صدمة فتفرق إلى ما يرى من الأجرام. المثال السادس عشر زعمهم أن الأجرام العلوية ممسكة بالجاذبية. ذكره الألوسي عنهم في مواضع كثيرة من كتابه وهذا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة. وما لم يكن عليه دليل فليس عليه تعويل. وقد قال الله تعالى (وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً) وقال تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا). المثال السابع عشر زعمهم أن في القمر جبالا ووهادا وأودية وهكذا الشمس وسائر السيارات وظنوا أن فيها مخلوقات نحو سكنة الأرض وزعموا أن فيها بحاراً وأنهاراً. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 101 و 102 و 129. وهذا من التخرص والرجم بالغيب. وقد تقدم التنبيه على ذلك مع الأمثلة على نقصان كتاب الألوسي فليراجع. المثال الثامن عشر ما في تخرصاتهم في الشمس والقمر من التناقض والتخبيط. فمن ذلك أنهم قالوا إن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلاً وأنها مركز العالم وأن الأرض وكذا سائر السيارات والثوابت تتحرك عليها ذكره الألوسي عنهم في صفحة 23, 29 ثم نقضوا قولهم هذا فزعموا أن للشمس حركة على نفسها. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 33 و 66, ثم نقضوا ذلك فزعموا أن للشمس حركة على كوكب من كواكب الثريا. وجوزوا أن يكون لذلك الكوكب حركة على كوكب آخر أبعد منه وهكذا إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34 و 119 و 129. ثم نقضوا ذلك فزعموا أن النجوم الثوابت أنظمة مستقلة. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 68.

قلت أما قولهم إن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلا وأنها مركز العالم فهو مردود بما تقدم في أول الكتاب من النصوص الدالة على جريانها ودورانها على الأرض. وأما قولهم إن الأرض تتحرك على الشمس فهو مردود بما تقدم في أول الكتاب من الأدلة الكثيرة على سكون الأرض وثباتها ... وأما قولهم إن للشمس حركة على نفسها أو على كوكب من كواكب الثريا فقد تقدم التنبيه على بطلانه مع الأمثلة على نقصان كتاب الألوسي. وأما قولهم إن النجوم الثوابت أنظمة مستقلة فمعناه أن كل واحد منها يعد مركزاً ثابتاً كالأرض وله توابع من النجوم تدور عليه كما تدور الشمس والقمر والنجوم على الأرض. وقد ذكر الألوسي في صفحة 68 عن أهل الهيئة الجديدة أنهم قالوا في النجوم الثوابت إن كل واحد منها يعد شمساً لا يرى توابعها للبعد الشاسع. قلت وإنما قالوا يعد شمساً لأن عندهم أن الشمس هي المركز الثابت الذي تدور عليه الأرض والسيارات من النجوم. بخلاف ما عليه المسلمون من القول بثبات الأرض وأنها هي المركز التي تدور عليه الشمس والقمر والنجوم. وقد ذكرت في المثال الثالث عشر نموذجا من هذيان أهل الهيئة الجديدة في بعد النجوم الثوابت عن الأرض واختلاف بعضها عن بعض في البعد وذكرت الأدلة على بطلان قولهم وفيها النص على أن الكواكب كلها من زينة السماء الدنيا. وإذا كانت النجوم الثوابت من زينة السماء الدنيا فليس لشيء منها نظام يتبعه ويدور عليه لأنها لو كانت لها توابع تدور عليها لكانت توابعها تخترق السماء في حال دورانها وهذا باطل. وإنما قالوا بدوران الشمس على الثريا وأن النجوم الثوابت لكل واحد منها نظام يتبعه ويدور عليه لأنهم يرون أن سعة الجو غير متناهية وأنه ليس فوقنا سموات مبنية شداد. وقد تقدم رد هذا في المثال الثالث والمثال الرابع. وقد قال الله تعالى (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) وقال تعالى (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) وفي هاتين الآيتين إشارة إلى أن الشمس والقمر والنجوم كلها تجري وتدور

على الأرض لقيام مصالح العباد ومعايشهم ولهذا امتن الله تبارك وتعالى عليهم بذلك في هذه الآية الأخيرة وفي قوله تعالى (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار) وقوله تعالى (فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم. وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون). قال قتادة خلق الله النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به ذكره البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به ووصله عبد بن حميد وابن أبي حاتم وغيرهما ... وإذا علم هذا فالنجوم الثوابت كلها في فلك واحد تدور فيه جميعا على ترتيب واحد لا يتقدم شيء منها عن موضعه ولا يتأخر عنه كما هو مشاهد. وقد قرر ذلك الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي وذكر أنه لا خلاف بين العلماء في ذلك - ونقله عنه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى - ومن تناقضهم أيضا أنهم شكلوا للنظام الشمسي شكلا في وسطه الشمس ثم عطارد وبعده الزهرة ثم الأرض ثم القمر ثم المريخ إلى آخر ما زعموه من السيارات. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 67. ثم نقضوا ذلك فزعموا أن القمر من سيارات السيارات وليس من السيارات. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34 وقد تقدم الكلام على هذا التناقض في المثال الثامن فليراجع. المثال التاسع عشر زعمهم أن الأرض جرم من الأجرام السماوية ذكره الألوسي عنهم في صفحة 67. وعلى هذا الزعم الكاذب والرأي الفاسد اعتمد كثير من جهال المسلمين فكانوا لذلك يسمون الأرض الكوكب الأرضي. ولازم هذا القول أن تكون الأرض من جملة الزينة التي زين الله بها السماء الدنيا وجعلها رجوما للشياطين. وهذا من أبطل الباطل. وكيف تكون الأرض جرما من الأجرام السماوية وبينها وبين السماء مسيرة خمسمائة عام. هذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل.

الرد على مزاعم الصواف

وقد تقدم التنبيه على هذا الخطأ الكبير عند قول الصواف أن لونا (9) أرسلت صورا تلفزيونية إلى الكوكب الأرضي فليراجع. وإذا كان حاصل الهيئة الجديدة ما ذكرنا من هذه الأمثلة فكيف يقال إنها قويمة البرهان وإن القرآن يعضدها. هذا قول باطل مردود. والصواب أنها عديمة البرهان. والقرآن شاهد ببطلانها. الأمر الثالث من أخطاء الصواف زعمه أن أهل الهيئة الجديدة مسلمون عرف أكثرهم بالتقوى والصلاح. والجواب أن يقال هذا تمويه وتلبيس على الجهلة الأغبياء وليس الأمر كما زعمه الصواف. فإن أهل الهيئة الجديدة ليسوا من المسلمين وإنما هم من فلاسفة الإفرنج. وقد صرح الألوسي في صفحة 23 من كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) أنهم هرشل الإنكليزي وأتباعه أصحاب الرصد والزيج الجديد وأنهم هم الذين تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة وقالوا بأن الشمس مركز وأن الأرض والنجوم دائرة حولها. وذكرهم أيضاً في صفحة 33 و 46 و 59 و 95 وأشار إليهم في مواضع كثيرة سوى هذا الموضع وسمى منهم هرشل في صفحة 23 و 34 و 45 وسمى منهم أيضا في صفحة 33 و 34 أولبوس وهاردنق وبياظي وسمى منهم محمد رشيد رضا وستروف. وقد ذكر محمد فريد وجدي في دائرة المعارف منهم كوبرنيك البولوني وتيخو براهي الدانماركي وكبلر وغاليليه ونيوتين الإنجليزي وهرشل الإنجليزي. ومنهم أيضا داروين الإنجليزي. فهولآء الفلاسفة كلهم من الإفرنج وهم أساطين الهيئة الجديدة. وأقوالهم هي التي أودعها الألوسي في كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) فهل يقول الصواف إنهم مسلمون معروفون بالتقوى والصلاح. أما ذا يجيب به عن قوله الذي لم يتبين فيه وفيما يترتب عليه من الحكم لأعداء الله تعالى بالإسلام والتقوى والصلاح. فإن ادعى أنهم غير هؤلاء الذين سماهم الألوسي وغيره فالجواب أن يقال أنت إنما اعتمدت على كتاب الألوسي وما نقله عن علماء الهيئة الجديدة. والألوسي لم

ينقل عن أحد من علماء المسلمين في أمر الهيئة الجديدة شيئا ولا ادعى أن علماء الهيئة الجديدة مسلمون. وقد صرح في صفحة 23 أن هرشل الفيلسوف وأتباعه هم أصحاب الرصد والزيج الجديدة وأنهم هم الذين تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة وقالوا بأن الشمس مركز وأن الأرض والنجوم دائرة حولها. وهذا صريح في تعيين أهل الهيئة الجديدة وأنهم من الإفرنج لا من المسلمين. وفيه إبطال لما يدعي به الصواف في غيرهم إن ادعى ذلك. ولو فرضنا أن أهل الهيئة الجديدة مسلمون ومعروفون بالتقوى والصلاح كما زعمه الصواف لما كانت ظنونهم وتخرصاتهم في السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم مقبولة من أجل إسلامهم وتقواهم وصلاحهم. وإنما هي مردودة عليهم لمخالفتها لمدلول الكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وقد ذكرت تسعة عشر مثالا مما نقله الألوسي من الأقوال الباطلة ونبهت على بطلانها فليراجع. الأمر الرابع قوله إن رأي الألوسي هو الكفاية في رد الأمر إلى نصابه وبيان الحق الصراح وصوابه. والجواب أن يقال ليست الكفاية في أقوال الرجال وآرائهم وإنما الكافية في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهما الميزان العدل الذي توزن به أقوال الرجال وآرائهم فما وافقهما فهو حق مقبول وما خالفهما فهو باطل مردود. وقد اضطرب قول الألوسي فيما نقله عن أهل الهيئة الجديدة. ففي بعض المواضع يوافقهم ويتعسف في تطبيق الآيات على ما يوافق أقوالهم. وفي بعض المواضع يذكر أقوالهم ويسكت وفي بعض المواضع يخالفهم ويقول إنه يجب الرجوع في هذا إلى ما دل عليه الكتاب والسنة وأنه لا يسلم لهم إلا ما لم يلزم منه محذور في الدين. وهذه المواضع التي خالفهم فيها وقال إنه يجب الرجوع إلى ما دل عليه الكتاب والسنة هي التي رد الأمر فيها إلى نصابه وأتى ببيان الحق وصوابه. وما سواها فهو باطل مردود لمخالفته لمدلول الكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وقد ذكرت كثيرا من أخطائه في أول هذا الفصل ونبهت على بطلانها فلتراجع.

الأمر الخامس قوله إن علماء الإسلام قد نطقوا بما نقله الألوسي عن أهل الهيئة الجديدة قبل أن يكون للكفار والمشركين علم فلك ولا نظر في النجوم. والجواب أن يقال ليس هذا بصحيح وإنما هو في الحقيقة مكابرة وتمويه على ضعفاء البصيرة. إذ من المعلوم أن أول من تكلم في علم الهيئة والنجوم هم فلاسفة اليونان وكانوا قبل زمان المسيح بدهر طويل وكانوا مشركين يعبدون الكواكب والأصنام ولم ينقل عن أحد من سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان أنهم تكلموا في علم الهيئة بشيء حتى عربت كتب اليونان في زمن المأمون فظهر الكلام في علم الفلك والنجوم منذ ذلك الزمان ولم يكن يعاينه ويشتغل به إلا الفلاسفة والمنجمون الذين هم من أقل الناس حظا في الإسلام. وكثير منهم يظهرون الإسلام نفاقا وتقية. ومنهم من هو أضر الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى كنصير الشرك الطوسي وابن سينا وأمثالهما من رؤساء الفلاسفة الذين ينتسبون إلى الإسلام وهم في غاية البعد عنه. ولم يذكر عن أحد من علماء المسلمين ولا الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام أنهم قالوا بشيء من أقوال أهل الهيئة الجديدة سوى القول بكروية الأرض. وليس أهل الهيئة الجديدة أول من قال بذلك حتى ينسب القول به إليهم. وإنما هو مأثور عن علماء المسلمين. وقد تقدم كلام شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في ذلك. وما ذكره من الاتفاق على ذلك في أول الكتاب مع الأدلة على سكون الأرض واستقرارها وكذلك ما نقله عن أبي الحسين بن المنادي أنه حكى الإجماع على ذلك فليراجع. وقد كان القول بسكون الأرض واستقرارها وجريان الشمس والقمر والنجوم هو المعروف عند المسلمين. وقد حكى القرطبي إجماع المسلمين وأهل الكتاب على ذلك. وأول من قال بخلاف هذا هو كوبرنيك البولوني وأتباعه من الإفرنج. ذكره عنهم محمد فريد وجدي في كتابه دائرة المعارف. ثم قال به هرشل الإنكليزي وأتباعه من الإفرنج كما صرح بذلك الألوسي في صفحة 23 من كتابه الذي كان الصواف ينقل منه ويعتمد عليه. وكان كوبرنيك في آخر القرن العاشر من الهجرة وكان مولد هرشل في سنة 1738 ميلادية ومات في سنة 1822.

وهرشل وأتباعه هم الذين كان الألوسي ينقل عنهم ويتعسف في تطبيق الآيات على ما يوافق أقوالهم. وليسوا من علماء الإسلام كما قد زعمه الصواف وإنما هم من أعداء الإسلام. ولا يخلو الصواف في زعمه فيهم من أحد أمرين: إما إرادة التمويه والتلبيس على الجهلة الأغبياء بما لا حقيقة له في نفس الأمر. وإما شدة الغباوة فيه حيث نبا فهمه عما صرح به الألوسي في صفحة 23 و 33 و 34 و 36 و 59 و 95 من كون أهل الهيئة الجديدة من الإفرنج. الأمر السادس ما نقله الصواف عن الألوسي بما ذكره عن أهل الهيئة الجديدة أنهم قالوا إن الأرض جرم من الأجرام السماوية وإنها تابعة للشمس ودائرة حولها وأن النجوم الثوابت أنظمة مستقلة ترى منها شمسنا كما ترى هي من عندنا أي نقطا لامعة نيرة في القبة الزرقاء. وأن الأرض كروية الشكل وأنها سابحة في الفضاء وأن لها حركة يومية على محورها وحركة سنوية على الشمس. وأن القرآن لم يذكر فيه شيء مما يخالف ما عليه أهل الهيئة اليوم. والجواب أن يقال كل ما ذكره ههنا باطل سوى القول بكروية الأرض. وقد تقدم الرد عليه في مواضع كثيرة فأغنى عن إعادته ههنا. الأمر السابع ما نقله الصواف عن الألوسي أنه قال: وفي الخبر «لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت» الحديث قال الألوسي وهذا لا ينافي حركة الأرض اليومية والسنوية التي قال بها أهل الهيئة فإن الله تعالى لو لم يخلق في الأرض الجبال لمادت فما ألقى فيها الرواسي وهي الجبال انتفى ذلك. ووجه كون الإلقاء مانعاً من اضطراب الأرض أنها كسفينة على وجه الماء والسفينة إذا لم يكن فيها أجرام ثقيلة تضطرب وتميل من جانب إلى جانب, وإن وضعت فيها أجرام ثقيلة تستقر فكذا الأرض لو لم يكن عليها هذه الجبال لاضطربت فالجبال بالنسبة إليها كالأجرام الثقيلة الموضوعة في السفينة بالنسبة إليها, والمقصود أن جعل الرواسي فيها لا يعارض حركتها بوجه من الوجوه كما أن السفينة إذا كان فيها أجرام ثقيلة تمنع اضطرابها وميلها من جانب إلى جانب لا ينافي حركتها. والجواب أن يقال إن الخبر الذي ذكره الألوسي حجة عليه فإن فيه أن الأرض

كانت تميد فلما ألقيت الجبال عليها استقرت. وهذا نص في سكون الأرض وثباتها. والاستقرار ينافي السير والحركة كما لا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة. وأما تشبيه الأرض بالسفينة على وجه الماء وأنها إذا وضعت فيها أجرام ثقيلة لم تمنع حركتها وسيرها فهو تشبيه غير مطابق لأن الأرض قد أرسيت بالجبال من جميع نواحيها والجبال متوجهة بثقلها نحو المركز الذي هو وسط الأرض فصارت للأرض كالأوتاد التي تمنعها من الحركة ولهذا قال الله تعالى (ألم نجعل الأرض مهادا. والجبال أوتادا) قال ابن منظور في لسان العرب وأوتاد الأرض الجبال لأنها تثبتها انتهى. وإذا كانت الجبال أوتاداً للأرض فالتشبيه المطابق هو تشبيهها بالسفينة التي قد وضع فيها ما يثقلها وأوتدت بالأوتاد في مرساها فوقفت فيه ولم تتحرك. وأما قول الألوسي إن السفينة إذا وضعت فيها أجرام ثقيلة تستقر فكذا الأرض لو لم يكن عليها هذه الجبال لاضطربت - إلى أن قال - إن جعل الرواسي فيها لا يعارض حركتها بوجه من الوجوه فجوابه أن يقال إن الاستقرار ينافي السير والحركة كما هو معروف في لغة العرب. قال في القاموس وشرحه قرّ بالمكان يقر بالكسر والفتح قراراً وقروراً وقراً وتقره ثبت وسكن فهو قار كاستقر وتقار وهو مستقر انتهى. وإذا كان الاستقرار معناه الثبات والسكون فاستقرار الأرض المذكور في الخبر المتقدم معناه سكونها وثباتها وذلك ينافي حركتها وسيرها. وكذلك استقرار السفينة معناه وقوفها وثباتها في مرساها وذلك ينافي حركتها وسيرها. وأما أن يقال في السفينة السائرة إذا وضعت فيها الأجرام الثقيلة التي تمنع اضطرابها وميلها من جانب إلى جانب أنها مستقرة في حال سيرها وجريانها في الماء فهذا لا يعرف في لغة العرب. وقد حاول الألوسي الجمع بين استقرار الأرض وحركتها واستقرار السفينة وحركتها وذلك خطأ مردود من وجهين. أحدهما مخالفته لغة العرب. والثاني جمعه بين النقيضين. الأمر الثامن قوله فهل رأيتم كلاماً أصرح من هذا الكلام في كروية الأرض وحركتها.

والجواب أن يقال أما كروية الأرض فقد تقدم ما هو أصرح منه في كلام شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى وما نقله عن أبي الحسين ابن المنادي في ذلك. وأما حركتها فقد تقدم رده وبيان بطلانه وذكرت هناك الأدلة من الكتاب والسنة على ثبات الأرض واستقرارها. وما حكاه الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي من إجماع أهل السنة على ذلك. وكذلك ما حكاه القرطبي من إجماع المسلمين وأهل الكتاب على ذلك. فهذا أصرح وأوضح مما ذهب إليه الصواف وجادل به من القول الباطل ليدحض به الحق. الأمر التاسع قوله أليس هذا من مفاخر علمائنا وتوفيق الله لهم في معرفة العلوم الكونية. والجواب أن يقال كل ما نقله الصواف عن الألوسي فهو مما نقله الألوسي عن أهل الهيئة الجديدة وهم كوبرنيك البولوني وهرشل الإنكليزي وأتباعهما من فلاسفة الإفرنج. فهؤلاء هم علماء الصواف الذين يفتخر بهم ويثني عليهم وبئس العلماء هؤلاء. وهم في الحقيقة مخذولون وليسوا موفقين. ويقال أيضاً ليس ما قاله أهل الهيئة الجديدة في العلوم الكونية صوابا وقولا سديدا حتى يفتخر بهم الصواف ويثني عليهم. وإنما هي تخرصات وظنون كاذبة أوحاها الشيطان إليهم وخدعهم بها وخدع بها على أيديهم وأيدي أتباعهم بشراً كثيراً فخالفوا لأجلها نصوص الكتاب والسنة على جريان الشمس ووجود السموات السبع. وخالفوا أيضاً الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على ثبات الأرض واستقرارها. إلى غير ذلك من أقوالهم المخالفة لما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع. وقد تقدم التنبيه على ذلك في مواضعه. ولو فرضنا أن أحداً من علماء المسلمين سبق أهل الهيئة الجديدة إلى ما قالوه من التخرصات في الأرض والسموات والشمس والقمر والنجوم لكان ذلك عيباً ونقصاً على من قاله واستحق بذلك الذم والتجدير من قوله. ولم يكن ذلك منقبة وفضيلة يفتخر بها ويثني على صاحبها كما ذهب إليه الصواف. الأمر العاشر قوله إن في كتاب الألوسي من الكلام الواضح الذي يدل على ما بلغوه من الدرجات العليا في العلوم الكونية وحركات الأفلاك رحمهم الله وجزاهم عن

الإسلام خير الجزاء. والجواب أن يقال إن غالب ما ينقله الألوسي عن أهل الهيئة الجديدة مخالفٌ للكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وقد تقدم إيضاح ذلك في مواضع كثيرة, وما كان مخالفاً للكتاب والسنة وإجماع المسلمين فهو بعيد من الوضوح غاية البعد وقد بلغ الدركات السفلى في السقوط والتخبيط. فأبعد الله أعداءه من أهل الهيئة الجديد وجزاهم عما أدخلوه على أهل الإسلام من التخرصات والظنون الكاذبة شر الجزاء فقد كانوا كما قال الله تعالى في أسلافهم (قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل). وبعد فهل تدري أيها الصواف على من تترحم وتسأل الله أن يجزيهم عن الإسلام خير الجزاء إنهم أعداء الله من فلاسفة الفرنج. وأولهم كوبرنيك البولوني ثم أتباعه من الإفرنج ومن أعيانهم تيخو براهي الدانمركي وكبلر وغاليليه ونيوتن الإنجليزي وهرشل الإنجليز وداروين الإنجليزي وأولبوس الإنجليزي» وهارذنق» وبياظي وستروف فهؤلاء كلهم من الإفرنج وهم أساطين الهيئة الجديدة وأقوالهم هي التي أودعها الألوسي في كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك قريبا في الأمر الثالث والأمر الخامس (فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم). فصل قال الصواف: إحاطة السماء بالأرض والقول بالجاذبية. ثم نقل عن الألوسي ما ذكره في صفحة 109 في تفسير قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره): وما ذهب إليه أهل الهيئة المتأخرون من أن قيام العالم العلوي والسفلي بالجاذبية لا يخالف الآية الكريمة فالله سبحانه هو الذي أودع تلك الجاذبية وبأمره كانت. وفي الخبر إن الأرض بالنسبة إلى السماء الدنيا كحلقة في فلاة وهما بالنسبة إلى العرش كذلك. ثم قال الصواف فسبحان من لا يحيط بشيء من علمه أحد.

والجواب أن يقال أما ما ذكره الألوسي عن أهل الهيئة المتأخرين من أن قيام العالم العلوي والسفلي بالجاذبية فهذا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة, وما لم يكن عليه دليل فليس عليه تعويل. وقد تقدم التنبيه على ذلك قريباً. وأما ما ذكره من الخبر في عظم السماء الدنيا بالنسبة إلى الأرض فهو غلط. ولفظ الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة» رواه ابن مردويه. وقد تقدم التنبيه على ذلك في أول الفصل الذي قبل هذا الفصل. وأما قوله فسبحان من لا يحيط بشيء من علمه أحد فهو خطأ ظاهر ويلزم على هذا الإطلاق أن يكون بنو آدم كلهم جهالًا الأنبياء فمن دونهم. وكذلك الملائكة ومؤمنو الجن. والصواب إثبات ما أثبته الله تعالى من إحاطتهم من علمه بما شاء أن يعلموه. قال تعالى (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) فكل ما يعلمه العباد من العلم الصحيح فهو مما أطلعهم الله تعالى عليه من علمه وشاء أن يعلموه. قال الله تعالى (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه) قال ابن كثير أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان وما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويأباه وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل وما فيه من ذكر صفاته تعالى المقدسة التي لا يعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا أن يعلمه الله به انتهى. وقد قال الله تعالى (ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم) وقال تعالى مخبراً عن الملائكة (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم). وروى الإمام أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت أبا القاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن الله عز وجل يقول يا عيسى إني باعث بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا ولا حلم ولا علم قال يا رب كيف هذا لهم ولا حلم

ولا علم قال أعطيهم من حلمي وعلمي» قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن شوار وأبي حلبس يزيد بن ميسرة وهما ثقتان. وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة موسى والخضر عليهما السلام قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين فقال الخضر ما علمي وعلمك في علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر. فصل ونقل الصواف عن الألوسي أنه قال وأما الأرضون السبع فقد حارت فيها عقول المفسرين وذكروا فيها أقوالا كثيرة وقد جعلها الله تعالى مثل السموات والمثلية تصدق بالاشتراك في بعض الأوصاف. فقال الجمهور المثلية هنا في كونها سبعا وكونها طباقا بعضها فوق بعض بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض وفي كل أرض سكان من خلق الله عز وجل لا يعلم حقيقتهم إلا الله تعالى. وورد في بعض الأخبار: في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى. والمراد أن في كل أرض خلقاً يرجعون إلى أصل واحد رجوع بني آدم في أرضنا إلى آدم وفيهم أفراد ممتازون على سائرهم كنوح وإبراهيم وغيرهما فينا. وقول الجمهور هذا أصح سائر الأقوال وهو أن بين كل أرض وأرض من السبع مسافة عظيمة وفي كل أرض خلق لا يعلم حقيقتهم إلا الله عز وجل ولهم ضياء يستضيئون به. ويجوز أن يكون عندهم ليل ونهار ولا يتعين أن يكون ضياؤهم من هذه الشمس ولا من هذا القمر. والجواب أن يقال أما كون الأرضين سبعا مثل السموات فقد دل عليه قول الله تعالى (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن). ودلت على ذلك أيضاً الأحاديث الكثيرة التي فيها إثبات سبع أرضين. ودل قوله صلى الله عليه وسلم «من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خسف به

يوم القيامة إلى سبع أرضين» على أن الأرضين بعضهن فوق بعض. وذكر أبو بكر الأنباري الإجماع على ذلك. وأما تقدير المسافة بين كل أرضين فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد من حديث قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بين كل أرضين سبعمائة عام, ورواه الترمذي وعنده أن بين كل أرضين خمسمائة سنة. وقال الترمذي حديث غريب. قال ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زايد أنهم قالوا لم يسمع الحسن من أبي هريرة. ورواه ابن جرير من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلا. قال ابن كثير ولعل هذا هو المحفوظ. قلت وهذا الخبر لم يصح إسناده فلا يعتمد عليه في تقدير المسافة بين كل أرضين. وأما ما فيه من تقدير المسافة بين السماء والأرض بخمسمائة عام فهو ثابت من حديث عبد الله بن عمرو وابن مسعود والعباس وأبي سعيد رضي الله عنهم وقد تقدمت أحاديثهم في أول الكتاب. وأما قوله وفي كل أرض سكان من خلق الله عز وجل لا يعلم حقيقتهم إلا الله تعالى فجوابه أن يقال إثبات السكان في كل أرض غير الأرض العليا يحتاج إلى دليل من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا دليل على ذلك. وأما الأثر المروي في ذلك من طريق أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في كل أرض نبي كنبيكم إلى آخره. فهو أثر منكر جدا. قال البيهقي هو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا. وقد ذكره ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية وقال إنه محمول إن صح نقله عن ابن عباس رضي الله عنهما على أنه أخذه من الإسرائيليات. قلت ومثله لا يثبت به شيء والله أعلم. وأما قوله ولهم ضياء يستضيئون به ويجوز أن يكون عندهم ليل ونهار ولا يتعين أن يكون ضياؤهم من هذه الشمس ولا من هذا القمر. فجوابه أن يقال كل هذه تخرصات لا دليل عليها من كتاب ولا سنة وما لم يكن عليه

دليل فليس عليه تعويل. وقد قال الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا). فصل قال الصواف لقد رصد أسلافنا القمر قبل أهل الشرق والغرب واهتموا اهتماما عجيبا بتحقيق الأمر فيه. ويظهر لي أنه لو كانت لهم من الوسائل ما لعلماء الفلك في هذا العصر لحاولوا الصعود إليه لكشف أمره وتحقيق الحكم فيه. وقد جاء في كتاب (مادل عليه القرآن) صفحة 129 وقد غلب على ظن أكثر أهل الحكمة الجديدة أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار ويزعمون أنهم يحسون بها بواسطة أرصادهم وهم مهتمون بالسعي في تحقيق الأمر فيه. هذا ما قاله مؤلف الكتاب قبل ما يقرب من خمسين سنة ونقله عن علماء مسلمين قالوه قبل مئات السنين. وأرجو أن يلفت القارئ إلى عبارتين وردتا في هذه الفقرة التي نقلتها من الكتاب. الأولى أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار وأنهم أحسوا بها في مراصدهم. والثانية قوله وهم مهتمون بالسعي في تحقيق الأمر فيه. ألا تدل هاتان العبارتان على العجب العجاب الذي وصل إليه علماء المسلمين منذ قرون. أما كان الواجب علينا أن نتمم ما بدأوه من بحوثهم العلمية المستفيضة في علوم الكون والفلك وغيرهما. وهل سار علماؤنا في هذا الطريق إلا بأمر من الله ووحي من فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والله تبارك وتعالى حينما يقول وهو يخاطب رسوله ليخاطب الناس (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) فهل المراد مجرد النظر للتفرج والتفكه والتسلي أم هو النظر للبحث والعلم والتحقيق والاعتبار والادكار. والجواب أن يقال لم يكن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم بإحسان ولا أئمة العلم والهدى من بعدهم يرصدون القمر ويرجمون بالغيب عما فيه وحاشاهم من التخرصات واتباع الظنون الكاذبة .. ولو كان رصد القمر والبحث عما فيه

خيراً لكان الصحابة رضوان الله عليهم أسبق إلى ذلك من غيرهم. وكذلك التابعون وأئمة العلم والهدي من بعدهم. وقد غلب على ظن أكثر أهل الحكمة الجديدة إلى آخر كلامه. وذكر الألوسي أيضا في صفحة 101 و 102 أن أهل الأرصاد اليوم كشفوا في القمر جبالا ووهادا وأودية وهكذا الشمس وسائر السيارات وظنوا أن فيها مخلوقات نحو سكنة الأرض وزعموا أن فيها بحاراً وأنهاراً. وصرح الألوسي أيضاً في عدة مواضع من كتابه أن أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج. وصرح في صفحة 23 أنهم هرشل وأتباعه. وذكر محمد فريد وجدي في دائرة المعارف أن غاليليه هو الذي اخترع المنظار الفلكي فرصد به القمر فرأى فيه الجبال والأودية والظلال الكثيفة الممتدة على سهوله. قلت وكان غاليليه في القرن الحادي عشر من الهجرة وهو الذي نشر أقوال كوبرنيك البولوني. فهؤلآء هم أسلاف الصواف الذين رصدوا القمر واهتموا بتحقيق الأمر فيه. وبئس ما رضي الصواف لنفسه حيث جعل كوبرنيك وغاليليه وهرشل وأتباعهم من فلاسفة الإفرنج سلفاً له. وأما قوله وقد غلب على ظن أكثر أهل الحكمة الجديدة أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار ويزعمون أنهم يحسون بها بواسطة أرصادهم وهم مهتمون بالسعي في تحقيق الأمر فيه. فجوابه أن يقال ما ذكره الألوسي عن أهل الهيئة الجديدة كله تخرص ورجم بالغيب. ومن أين لهم اكتشاف القمر وتحقيق الأمر فيه وهو في السماء بنص القرآن وبين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة فقدرتهم عاجزة عن اكتشافه من هذا البعد الشاسع وتحقيق الأمر فيه. وقد أنفق بعض كبار الدول في زماننا أموالا كثيرة وبذلوا غاية الجهد في محاولة الوصول إلى القمر وتحقيق الأمر فيه فما استطاعوا ذلك ولن يستطيعوه أبداً. وقد صرح بعض الأذكياء من علمائهم المختصين بمعرفة الأرصاد أنهم لن يستطيعوا الوصول إلى القمر.

وأما إطلاقه وصف الحكمة على فلاسفة الإفرنج فهو خطأ ظاهر ... والصواب أنهم أهل الغباوة والجهل الكثيف, وقد تقدم التنبيه على هذا مع ذكر أخطاء الألوسي. وأما قوله ونقله عن علماء مسلمين قالوه قبل مئات السنين. فجوابه أن يقال هذا غلط فاحش لأن الذين نقل عنهم الألوسي في شأن القمر ما نقل ليسوا بمسلمين وإنما هم أهل الهيئة الجديدة, وقد ذكرت مراراً أن الألوسي صرح في عدة مواضع من كتابه أن أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج. وصرح في صفحة 23 أنهم هرشل وأتباعه. وقول الصواف أنهم قالوه قبل مئات السنين ليس بصحيح لأن هرشل وأتباعه إنما كان زمانهم من نحو مائتي سنة فأقل. وإنا نتحدى الصواف أن يسمي لنا علماء المسلمين الذين نقل عنهم الألوسي في شأن القمر ما نقل. وأن يذكر كتبهم التي ذكروا فيها ذلك إن كان صادقاً. وما أبعده من الصدق. وأما قوله وأرجو أن يلفت القارئ إلى عبارتين: الأولى أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار وأنهم أحسوا بها في مراصدهم. والثانية قوله وهم مهتمون بالسعي في تحقيق الأمر فيه. فجوابه أن يقال وهل ظننت أيها الصواف أن هاتين العبارتين من كتاب الله تعالى أو مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترجو من القراء أن يلفتوا نظرهم إليهما. وأي فائدة للقراء في تخرصات أعداء الله وظنونهم الكاذبة وما أوحاه الشيطان إليهم حتى يلفتوا نظرهم إلى ذلك بل الحق أنه ينبغي للقراء الذين عافاهم الله تعالى من اتباع الظنون الكاذبة إذا وقفوا على مثل هاتين العبارتين أن يحمدوا الله الذي عافاهم مما ابتلى به المتخرصين المتكلفين ما لا علم لهم به وما ابتلى به أتباعهم من جهال المسلمين المفتونين بزخارفهم وهذيانهم. وأما قوله ألا تدل هاتان العبارتان على العجب العجاب الذي وصل إليه علماء المسلمين منذ قرون. فجوابه أن يقال قد ذكرنا أن الذين تخرصوا في القمر وزعموا فيه ما زعموا ليسوا بمسلمين وإنما هم من فلاسفة الإفرنج وهم أهل الهيئة الجديدة ومن أولهم كوبرنيك البولوني وكان في القرن العاشر من الهجرة. ثم كان بعده كبلر وغاليليه وكانا في

القرن الحادي عشر من الهجرة ثم هرشل الإنكليزي وأتباعه وكانوا في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر من الهجرة. ولو فرضنا أن أحداً من المسلمين تخرص في القمر منذ قرون وقال فيه بما قاله أهل الهيئة الجديدة فيه لما كان تخرصه فيه مقبولا من أجل إسلامه بل ذلك مردود لما فيه من الرجم بالغيب واتباع الظن. وأي فائدة للمسلمين في التخرصات والظنون التي ما أنزل الله بها من سلطان. ويقال أيضاً ليس العجب العجاب من كفار يتخرصون في القمر ويرجمون بالغيب عما فيه فما هم عليه من الكفر بالله تعالى أعظم من تخرصاتهم وظنونهم في القمر. وإنما العجب العجاب من رجل مسلم ينتسب إلى العلم ويتصدر للتدريس والإرشاد وهو مع هذا يصدق أعداء الله في تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة ولا يتورع عن الافتراء لتأييد القول الباطل الذي هو مفتون به. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. يقضى على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن وأما قوله أما كان الواجب علينا أن نتمم ما بدأوه من بحوثهم العلمية في علوم الكون والفلك. فجوابه أن يقال إذا كنت ترى ذلك واجباً عليك فاذهب إلى القمر وغيره من الأجرام العلوية وتمم ما بدأه أسلافك أهل الهيئة الجديدة من المزاعم الباطلة والظنون الكاذبة فيها. ولا يخفى عليك أن من ترك الواجب عليه فهو آثم أما غيرك فإنهم قد وقفوا حيث وُقِفَ بهم فما جاءهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم تلقوه بالقبول والتسليم وما سكت الله ورسوله عنه سكتوا عنه ولم يتكلفوا ما لا علم لهم به لعلمهم أن الله تعالى قد نهى عن ذلك في قوله (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا). وأما قوله وهل سار علماؤنا في هذا الطريق إلا بأمر من الله ووحي من فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فجوابه أن يقال علماؤك من أهل الهيئة الجديدة لم يسيروا فيما زعموه عن القمر وغيره من الأجرام العلوية على أمر من الله تعالى ووحي من فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وإنما ساروا على مجرد ظنونهم وأرصادهم التي لا تغني من الحق شيئاً.

وقد صرح الألوسي بذلك في قوله: وقد غلب على ظن أكثر أهل الحكمة الجديدة أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار ويزعمون أنهم يحسون بها بواسطة أرصادهم فذكر أنهم ساروا على مجرد الظن وما تقتضيه الأرصاد لا على أمر من الله تعالى ووحي من فهم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وذكر الألوسي أيضاً في صفحة 23 أن هرشل الفيلسوف وأتباعه أصحاب الرصد والزيج الجديد تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة وقالوا بأن الشمس مركز والأرض وكذا النجوم دائرة حولها. وهذا صريح في أن أهل الهيئة الجديدة إنما ساروا على مجرد التخيلات وهي التخرصات والظنون الكاذبة. لا على أمر من الله تعالى ووحي من فهم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ويلزم على قول الصواف أن يكون الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان قد تركوا العمل بأمر أمر الله به ولم يفهموا ما جاء في الكتاب والسنة عنه. وأن الذين عربوا كتاب اليونان وعملوا رصد الكواكب في زمن المأمون وما بعده هم الذين عملوا بما أهمله الصحابة والتابعون وتابعوهم, وفهموا من الكتاب والسنة ما لم يفهمه الصحابة والتابعون وتابعوهم. هذا ما يقتضيه كلام الصواف كما لا يخفى على من له أدنى علم وفهم ولا يخفى أيضاً ما يقتضيه كلام الصواف من الإزراء بالصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان. وما يقتضيه أيضاً من الثناء على الذين عملوا رصد الكوكب وتخرصوا في الأجرام العلوية وزعموا فيها المزاعم الباطلة. وما كان مقتضياً لما ذكرنا فهو قول سيء ينبغي التحذير منه لئلا يغتر به. وقد ذكرت في أثناء الكتاب كلاماً حسناً للحافظ أبي عبد الله الذهبي قال فيه إنه لما عربت كتب الأوائل ومنطق اليونان وعمل رصد الكواكب نشأ للناس علم جديد مرد مهلك لا يلائم علم النبوة. ولا يوافق توحيد المؤمنين قد كانت الأمة منه في عافية. قلت وعن هذا العلم المردي المهلك نجم الكلام في القمر وغيره من الأجرام العلوية والإخبار عما فيها بمجرد التخرصات والظنون الكاذبة. وعلى هذا العلم المردي المهلك سار علماء الصواف لا على ما زعمه من الأمر والوحي اللذين لا وجود لهما.

وأما قوله: والله تبارك وتعالى حينما يقول وهو يخاطب رسوله ليخاطب الناس (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) فهل المراد مجرد النظر للتفرج والتفكه والتسلي أم هو النظر للبحث والعلم والتحقيق والاعتبار والادكار. فجوابه أن يقال ليس المراد من الأمر بالنظر في ملكوت السموات والأرض مجرد النظر للتفرج والتفكه والتسلي ولا النظر للبحث والكشف عما في الأجرام العلوية من جبال وبحار وغير ذلك مما لم يخبر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فإن هذا من الرجم بالغيب والقول بغير علم. وإنما الأمر بالنظر للتفكر والاعتبار والاستدلال على عظمة الخالق جل جلاله وكمال قدرته وأنه الإله الواحد الأحد الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده دون من سواه. والآية إنما سيقت في مخاطبة المشركين ودعائهم إلى الإيمان بالله تعالى. قال البغوي في قوله تعالى (قل انظروا) أي قل للمشركين الذين يسألونك الآيات انظروا ماذا في السموات والأرض من الآيات والدلائل والعبر ففي السموات الشمس والقمر والنجوم وغيرها وفي الأرض الجبال والبحار والأنهار والأشجار وغيرها. قلت وتمام الآية دال على أن الخطاب للمشركين ولهذا قال تعالى (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) ونظير هذه الآية قوله تعالى (أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء) الآية, وقوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت). وقوله تعالى (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون) قال القرطبي في تفسيره (وهم) يعني الكفار (عن آياتها معرضون) بين أن المشركين غفلوا عن النظر في السموات وآياتها من ليلها ونهارها وشمسها وقمرها وأفلاكها ورياحها وسحابها وما فيها من قدرة الله تعالى إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعاً قادراً واحداً فيستحيل أن يكون له شريك انتهى. وأما حمل الآية على ما قاله الصواف من البحث والعلم والتحقيق - يعني البحث عما في الأجرام العلوية من جبال وبحار وسكان وتحقيق ما غلب على ظنون أهل المراصد من ذلك والعلم به - فهو من الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه.

فصل ثم ذكر الصواف ما نقله الألوسي في صفحة 46 و 47 عن ابن الهيثم أنه قال في القمر يحتمل أن يكون كرة نصفها مضيء ونصفها مظلم ويتحرك على نفسه فيرى هلالا ثم بدراً ثم ينمحق وهكذا دائماً. والجواب أن يقال هذا الاحتمال بعيد من الصواب, ومن أمعن النظر في القمر ولا سيما من الليلة التاسعة إلى ليلة إحدى وعشرين لم يشك أن وجهه الذي يقابل الأرض لا يزال مقابلا لها وإنما يزداد نوره وينقص بحسب مقابلته للشمس. وقد روى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما (وجعل القمر فيهن نوراً) (قال وجهه إلى العرش وقفاه إلى الأرض قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, وقال الذهبي في تلخيصه على شرط مسلم. وهذا يرد ما قاله ابن الهيثم والله أعلم. فصل ثم ذكر الصواف ما نقله الألوسي في صفحة 48 عن ابن قتيبة في ذكر منازل القمر الثمان والعشرين. وعد منها السماك الرامح وليس هو من المنازل. وأسقط سعد السعود وهو من المنازل. وهذا غلط إما من الألوسي أو ممن قبله من النساخ ويبعد أن يكون ذلك من ابن قتيبة. فصل وهنا أود أن أتم ما بدأت بنقله حول ما قالوه عن عدد الأرضين حيث قال المؤلف, وقد قالوا أيضاً أن هذه الشمس في عالم هي مركز دائرته وبلقيس مملكته بمعنى أن جميع ما فيه من كواكبه السيارة تدور عليها فيه على وجه مخصوص ونمط مضبوط وقد يقرب إليها فيه ويبعد عنها إلى غاية لا يعلمها إلا الله تعالى كواكب ذوات الأذناب وهي عندهم كثيرة جداً تتحرك على شكل بيضي. وأن الشمس بعالمها من توابع كوكب آخر

تدور عليه دوران توابعها من السيارات وهو فيما نسمع أحد كواكب النجم ولهم ظن في أن ذلك أيضاً من توابع كوكب آخر وهكذا. وسماء كل عالم كالقمر عندهم ما انتهى إليه هواؤه حتى صار ذلك الجرم في نحو خلاء فيه لا يعارض ولا يضعف حركته شيء. والجسم متى تحرك في خلاء لا يسكن لعدم المعارض فلتكن كل أرض من هذه الأرضين السبع محمولة بيد القدرة بين كل سمائين وهناك ما يستضيء به أهلها سابحاً في فلك بحر قدرة الله عز وجل, ونسبة كل أرض إلى سمائها نسبة الحلقة إلى الفلاة وكذا نسبة السماء إلى السماء التي فوقها كما ذكرنا سابقاً. قال ولقد ختم الألوسي قوله في الأرضين بما يأتي وفي الجملة من صدق بسعة ملك الله تعالى وعظيم قدرته لا ينبغي أن يتوقف في وجود سبع أرضين على الوجه الذي قدمناه ويحمل السبع على الأقاليم أو على الطبقات المعدنية والطينية ونحوهما وليس ذلك مما يصادم ضرورياً من الدين أو يخالف قطعياً من أدلة المسلمين. والجواب أن يقال كل ما نقله الصواف ههنا عن الألوسي فهو باطل. وقد نبهت على بطلان كل جملة منه في موضعها فأغنى ذلك عن إعادته ههنا. فأما ما ذكره عن أهل الهيئة الجديدة أن الشمس هي مركز العالم وأن جميع الكواكب السيارة تدور عليها فقد تقدم بيان بطلانه في أول الكتاب وفي مواضع كثيرة في أثنائه. وأما قولهم إن الشمس بعالمها من توابع كوكب آخر تدور عليه إلى آخره. فقد تقدم رده مع الأمثلة على نقصان كتاب الألوسي وفي المثال الثامن عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة. وأما قوله إن كل أرض من الأرضين السبع محمولة بيد القدرة بين كل سمائين إلى آخر كلامه. فقد تقدم رد كل جملة منه على حدة مع الأمثلة على نقصان كتاب الألوسي وهذا آخر ما تيسر إيراده, والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً. وقد وقع الفراغ من تسويد هذه النبذة في يوم الأربعاء الموافق لست مضين من جمادى الثانية سنة 1386 هـ على يد جامعها الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله التويجري غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

§1/1