الصلاة وصف مفصل للصلاة بمقدماتها مقرونة بالدليل من الكتاب والسنة، وبيان لأحكامها وآدابها وشروطها وسننها من التكبير حتى التسليم

عبد الله الطيار

مقدمة

المقدمة: الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان وكرمه، فأمره بعبادته، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1، وأرشده إلى طريق الفلاح، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} 2، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} 3. وأصلى وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، أنعم الله عليه بمعراج إلى السماء، فتلقى في هذا المقام الجليل تكليف الصلاة ... فكانت بعد العقيدة أولى الواجبات، وللمؤمنين أهم السمات، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " 4. أما بعد: فالصلاة من أهم العبادات التي يجب على كل مسلم أن يفقه أحكامها درسا وتطبيقا، لعظم قدرها، وسمو مكانتها في الإسلام، فإذا كان الإيمان قولا بلسان واعتقادا بالجنان، فالصلاة عمل بالأركان وطاعة للرحمان.

_ 1 سورة البقرة الآية [21] . 2 سورة المؤمنون، الآيتان [1، 2] 3 سورة الأعلى، الآيتان [14، 15] . 4 رواه مسلم 1/88 ح82.

ولما كانت الصلاة عبادة يتحقق فيها التجرد لله وحده، وتربية النفس على المعاني الإيمانية التي تعد المؤمن لحياة كريمة في الدنيا، وسعادة سرمدية في الآخرة، كانت سنة متتابعة عبر الرسالات، وصلة بخالق الأرض والسماوات، وزادا يعين النفس على التزام الطاعات، والبعد عن المحرمات. والصلاة عبادة يجب أن تؤدى على وجهها المشروع، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "..وصلوا كما رأيتمونى أصلى.." 1، فلابد للمسلم أن يتعلم كل ما يتعلق بأحكام الصلاة حتى يؤدى العبادة على الوجه الصحيح. ومن هنا تبدو أهمية هذه الرسالة في التعريف بالصلاة ومكانتها وأثارها في حياة المسلم، وكيف يؤدى الإنسان صلاة صحيحة تامة كما علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد اعتنى القرآن الكريم بالصلاة عناية كبيرة، فجاءت الآيات تأمر بإقامتها، والمحافظة عليها، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 2 وقال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ... } 3، وقال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ... } 4. وقد وصف القرآن الكريم أهل الأيمان بأنهم يقيمون الصلاة، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ..} 5، وتوعد

_ 1 رواه البخاري 1/155 كتاب الآذان، باب الأذان المسافر إذا كانوا جماعة والإقامة.. 2 سورة النور، الآية [56] . 3 سورة الإسراء، الآية [78] . 4 سورة هود، الآية [114] . 5 سورة البقرة، الآية [3] .

الساهين عنها، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} 1والمضيعين لها، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} 2. وتظهر مكانة الصلاة في القرآن فينادى لها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ... } 3، ويأمر القرآن بالتطهر لها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... } 4 ويشير القرآن إلى بناء المسجد لأدائها فيه، ويحث على عمارة المساجد، ويدعو ألى أخذ الزينة عندها. ولم تنفك السنة المطهرة تعلم الأمة فضل الصلاة ومكانتها، وأنواعها، وكيفيتها، ويكون من آخر كلام هادى الأمة محمد صلى الله عليه وسلم وصيته بها: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " 5. إنها آخر ما يفقد من الدين، فإن فقدت فقد الدين كله، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة..وكفى بها حدا فاصلا بين الإسلام والكفر.

_ 1 سورة الماعون، الآية [4، 5] . 2 سورة مريم، الآية [59] . 3 سورة الجمعة، الآية [9] . 4 سورة المائدة، الآية [6] . 5 رواه أحمد 1/290 حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفتح الرباني 2/207، 208 (جه) وإسناده جيد، وصحح الإسناد الألباني في الإرواء 7/237.

أخي القارئ: هذه هي الرسالة الثالثة من رسائل التعريف بالإسلام، أكتب فيها بعد أن من الله علي بالكتابة في الزكاة والصيام والحج، استكمالا لعقد أركان الإسلام، وقد راعيت فيها الإيجاز لتحصل الفائدة وتعم، والتزمت العبارة سليمة المبنى واضحة المعنى، وقد تعرضت لما تبدو الحاجة إليه من موضوع الصلاة، وبسطت القول في ما احتاج إلى البسط، مع ذكر الدليل، ورجحت ما ظهر لي من خلال استعراض كلام أهل العلم، واعتنيت بإبراز جانب كبير من الأخطاء التي ظن من يقع فيها الصواب ... ولا أضيف جديدا إن نوهت إلى الدور الرائد الذي تقوم به جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والتي تمتد في نشاطها كشريان يغذي الأمة ويروي ظمأها، وفق منهج إسلامي قويم وأتقدم بالشكر الجزيل والدعاء الصادق للقائمين عليها، وعلى رأسهم معالي مديرها الأستاذ الدكتور / محمد بن عبد الله العجلان، وأصحاب الفضيلة وكلاء الجامعة وسعادة عميد البحث العلمي فيها، لما يولونه من عناية فائقة لنشر وعي إسلامي صحيح، لا يدخرون في ذلك وسعا ... أسأل الله جل وعلا أن ينفع بهذه الكتابة، وأن يغفر لي ما كان فيها من زلل أو تقصير، وأن يوفقنا إلى صالح الأعمال، انه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وكتبه أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار في 8/10 /1415هـ الزلفي ص. ب188

الصلاة

الصلاة معنى الصلاة ... معنى الصلاة: أولا: معناها لغة: جاء في تاج العروس1: وأما معناها فقيل: الدعاء، وهو أصل معانيها، ومنه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} 2 أي ادع لهم. يقال: صلى على فلان إذا دعا له وزكاه، ومنه قول الأعشى: وصلى على دنها وارتسم3 - أي دعا لها أن لا تحمض ولا تفسد. وفي الحديث: "وان كان صائما فليصل" أي فليدع بالبركة والخير، وكل داع مصل. وقال ابن الأعرابي: الصلاة من الله الرحمة، ومنه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} 4 أي يرحم. وقيل: الصلاة من الملائكة الاستغفار والدعاء، ومنه: صلت عليه الملائكة عشرا، أي استغفرت، وقد يكون من غير الملائكة، ومنه حديث سودة: "إذا متنا صلى لنا عثمان ابن مظغون "، أي استغفر وكان قد مات يومئذ. وقيل: الصلاة حسن الثناء من الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} 5. وجاء في اللسان: الصلاة من الله رحمة، ومن المخلوقين الملائكة والإنس والجن: القيام والركوع والسجود والدعاء والتسبيح، والصلاة من الطير والهوام التسبيح.

_ 1 تاج العروس: الزبيدي 19/606، 607. 2 سورة التوبة، الآية [103] . 3 وصدره: وقابلها الريح في دنها. 4 سورة الأحزاب: الآية [43] . 5 سورة البقرة: الآية [157] .

ثانيا: معناها شرعا: عبادة لله تعالى، ذات أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم. والمراد بالأقوال: التكبير والقراءة والتسبيح والدعاء ونحوه. والمراد بالأفعال: القيام والركوع والسجود والجلوس ونحوه. وإذا تأملنا معنى الصلاة في اللغة والشرع، وجدنا الصلة الوثيقة بينهما، فالدعاء واللزوم والتعظيم كلها أجزاء ومعان موجودة في الصلاة بمعناها الشرعي، فهي من باب تسمية الشيء ببعض أجزائه. أما الدعاء فاشتمال الصلاة عليه حقيقة شرعية، واللزوم يبدو في أن الصلاة لزوم ما فرض الله تعالى، بل من أعظم الفرض الذي أمر بلزومه، وسميت الصلاة الشرعية صلاة لما فيها من تعظيم الرب تعالى وتقدس. وإذا كانت في اللغة مأخوذة من الصلوين، فهما موضعان في الإنسان يقوم عليهما الركوع والسجود، فلا ركوع ولا سجود بلا تحريك لهما، فأخذ اسم الصلاة منهما كما أخذ اسم البيع من الباعين اللذين يمدهما البائع والمشتري. أما صلوتا فهي موضع الصلاة، والصلة بين المعنيين ظاهرة وبهذا يتضح ارتباط المعنيين اللغوي والشرعي.

العبادات في الإسلام

العبادات في الإسلام ... العبادة في الإسلام: قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} 1 عندما نتأمل هذه الآيات الكريمات، التي تقف بنا في أسلوب قصر بليغ، على غاية خلق الخلق وترشدنا إلى الحقيقة الضخمة العظيمة وحجر الأساس الذي تقوم عليه الحياة. فهناك غاية محددة لوجود الجن والإنس، تتمثل في أداء مهمة سامية، من قام بها فقد حقق غاية وجوده، ومن قصر فيها، باتت حياته فارغة من القصد، خاوية من معناها الأصيل. هذه الغاية المحددة هي عبادة الله وحده، كما شرع لعباده أن يعبدوه، ولا تستقيم حياة العبد كلها الا على ضوء هذه المهمة والغاية. وإذا بحثنا في آيات الله لنستكشف معنى العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني، ورسالته في الحياة، قرأنا قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} 2، فيبدو عمل الإنسان في خلافته في الأرض، وقيامه بجميع الأنشطة الحيوية التي تحقق مفهوم الخلافة، من عمارة الأرض،

_ 1 سورة الذاريات: الآيات [56، 57، 58] . 2 سورة البقرة: الآية [30] .

والتعرف على أسرارها واستخدامها وتنميتها وفق شرع الله في الأرض ومنهجه. وحتى يؤدي الإنسان رسالته، ويقوم بدوره المكلف به في حياته محققا معنى العبادة التي من أجلها خلقه الله، يلزمه أمران: الأول: استقرار الشعور بمعنى العبودية لله وحده في النفس. والثاني: التوجه إلى الله بكل حركة في النفس، وكل حركة في الجوارح، بل وكل حركة في الحياة، والتجرد إليه سبحانه من كل شعور ومن كل معنى يخالف معنى العبودية لله وحده. وحتى لا يكون الحافز للمؤمن على العمل وبذل الجهد في الخلافة والقيام بالتكاليف هو الحرص على تحصيل الرزق فقد حرر الحق سبحانه الإنسان من الإنشغال بهمّ الرزق، حتى يتفرغ قلبه، ويتوجه جهده لتحقيق ما خلق من أجله. وكي يقوم الإنسان بدوره في خلافته في الأرض، لابد له من عقيدة وعمل وفق ما شرع الله من منهج التكليف "افعل ولا تفعل "، حتى يحقق الإنسان سعادته في الدنيا، بما يشعر به من طمأنينة في النفس وراحة في الضمير لقيامه بوظيفته، وسعادته في الآخرة لما يجده من التكريم والنعيم والفضل العظيم. والحقيقة التي ينبغي أن لا تغيب عن بالنا، هي أن الله سبحانه وتعالى ما أوجب علينا عبادته لحاجته إليها، ولكن لخيرنا نحن، حتى نكتسب التقوى، فنعتصم من الزلل والمعاصي، ونفوز برضوان الله ونعيمه وننجو من عذابه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ

وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1 وعبادتنا لله شرف عظيم يناله العابد، فقد وصف الحق سبحانه أكرم الخلق عنده بهذه الصفة في أكثر من موضع من القرآن، منها قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} 2، وعقيدة التوحيد وعبادة الله هي رسالة جميع الرسل. وقد التبس على كثير من المسلمين أن مفهوم العبادة يقتصر على أداء الصلاة، وأداء الزكاة، والصوم والحج، في حين تدخل الأركان السابقة فيها، ولكن معنى العبادة لا يقتصر عليها، بل يتسع ليشمل القيام بكل متطلبات الإسلام، من دعوة إلى الله، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وتحكيم شرع الله، والجهاد في سبيله، وكل عمل يقوم به الإنسان يمكن تحويله إلى عبادة إذا صرفنا النية إلى ذلك.

_ 1 سورة البقرة: الآية [21] . 2 سورة الإسراء: الآية [1] .

مكانة الصلاة في الإسلام

مكانة الصلاة في الإسلام: والصلاة صورة من الصور التي يقوم بها الإنسان لعبادة خالقه، وهي صلة بين العبد وربه، ومنزلتها من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد" 1. وهي الركن الثاني بعد الشهادتين، بها يفرق بين المسلم والكافر، فهي مظهر للإسلام، وعلامة للإيمان، وقرة العين وراحة الضمير، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وجعل قرة عيني في الصلاة " 2. ماذا يتحقق بالصلاة؟ فالصلاة عبادة تحقق دوام ذكر الله، ودوام الاتصال به، تمثل تمام الطاعة والاستسلام لله، والجرد له وحده بلا شريك، تربي النفس وتهذب الروح وتنير القلب، بما تغرس فيه من جلال الله وعظمته، وتحلي المرء وتجمله بمكارم الأخلاق.

_ 1 رواه الطبراني في الأوسط 3/154 ح2313، وقال لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا مندل، ولا عن مندل إلا حسن. تفرد به الحسين بن الحكم وفي الصغير 1/60، 61. 2 رواه النسائي 7/61، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء. قال ابن حجر في تلخيص الحبير 3/116 ح1435: رواه النسائي وإسناده حسن.

فهي عمل من صميم التدين، ولذلك كانت سنة مطردة على تعاقب الرسل بعد التوحيد، بها تتوثق أسباب الاتصال بالله، ويتزود العبد من خلالها بطاقة روحية تعينه على مشقة التكليف فرضها الله على المسلمين للثناء عليه بما يستحقه، وليذكرهم بأوامره، وليستعينوا بها على تخفيف ما يلقونه من أنواع المشقة والبلاء في الحياة الدنيا. فيها يقف الإنسان بين يدي ربه في خشوع وخضوع، مستشعرا بقلبه عظمة المعبود، مع الحب والخوف من جمال وجلال المعبود، طامعا فيما عنده من الخير، وراغبا في كشف الضر، وجلا من عقابه الشديد. منزلة الصلاة: وللصلاة منزلة كبيرة في الإسلام، لا تصل إليها أية عبادة أخرى، فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، وفي الحديث الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد ... " 1 وتأتي منزلتها بعد الشهادتين لتكون دليلا على صحة الاعتقاد وسلامته، وبرهانا على صدق ما وقر في القلب، وتصديقا له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم

_ 1 رواه الترمذي 5/11، 12 ح2616، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، وفيه قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح، تحفة الأشراف: المزي 8/399 ح 11311.

رمضان" 1. وإقام الصلاة: أدائها كاملة بأقوالها وأفعالها، في أوقاتها المعينة، كما جاء في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} .2 وتتقدم الصلاة على جميع الأركان بعد الشهادتين، لمكانتها وعظيم شأنها، فهي أول عبادة فرضها الله على عباده في مكة، وأول عبادة تكتمل بالمدينة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر" 3، وفي المدينة أتمت بعدها سائر شعائر العبادة، وفرضت معظم التكاليف. وتكتسب الصلاة مكانة خاصة لمكان فرضيتها، فلم ينزل بها ملك إلى الأرض، ولكن شاء الله أن ينعم على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بمعراج إلى السماء، وبين يدي ربه في أسمى منزلة وأعظم لقاء، يتلقى الرسول الكريم هذا التكليف العظيم. الصلاة تذكر بالله: ويقف المصلي في رحاب الله، ليس بينه وبين الله واسطة، فيشعر بالقرب من الله، ويشعر بمعية الله له، فتمتلئ جوارحه بالأمن والطمأنينة والثقة واليقين، فيخشع راكعا، ويخشع ساجدا، يستمد العون والتأييد، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ

_ 1 رواه البخاري 1/8 كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس، ومسلم 1/54 ح21. 2 سورة النساء: الآية [103] . 3 رواه البخاري 1/93 كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة.

خَاشِعُونَ} 1. ويتولى فرض الصلاة ونفلها على المسلم، لا يمنعه منها عذر من مرض ولا سفر، وحيثما انتقل لزمته فرضية الصلاة، يؤديها أينما تيسر له، قال صلى الله عليه وسلم: " ... وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجلا من أمتي أدركته الصلاة فليصل.." 2 فالأرض كلها مكان عبادة، إذ لا تختص العبادة بين جدران بيت الله، فكل الأرض واقعة في سلطان الله، وعلى المرء أن يتقي الله حيثما تقلب به المكان. وبين صلاة وصلاة، يشعر المسلم أنه منذ قليل كان بين يدي الله، يرفع يديه يستمد من هداه، وبعد قليل سيحين موعد الصلاة، ليقف من جديد بين يدي الله، ولا يليق بمن هذا حاله أن يغيب أو يغفل عن ذكر الله، فيظل العبد واقعا في مجال تأثير الصلاة، فيقوى الإيمان ويزداد، وتشتد العزائم فتنتزع صاحبها من مشاغل الحياة، وتنتصر النفس على المغريات، قال الله تعالى: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} 3. ودوام الصلاة واطرادها على اختلاف الأحوال والأزمنة صفة تميزها عن سائر التكاليف العملية، فعامة التكاليف – سوى أركان الإسلام الأساسية: الصلاة والزكاة والصوم والحج – منطوة بمصالح معينة تدور معها، فتثبت برجاء المصلحة وترتفع برتفاعها أونفاذها، أو رهينة بعلاقات الناس تجب في أوضاع معينة، وتسقط بإعفاء وغيره. وأما

_ 1 سورة المؤمنون: الآية [1، 2] . 2 رواه البخاري 1/113 كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، واللفظ له، ومسلم 1/370، 371 ح521 كتاب المساجد ومواضع الصلاة. 3 سورة النور: الآية [37] .

أركان الإسلام المتقدمة فهي واجبات عينية، وحقوق لله لا تتخلف، ولكن الصلاة من بين تلك الأركان تتميز بصفة الدوام، لأن الصوم لا يجب إلا للمستطيع، والحج لا يلزم إلا من وجد إليه سبيلا، والزكاة لا يخرجها إلا من ملك النصاب، أما الصلاة فلا تسقطها أعذار الطاقة، وإنما تخفف أركانها لرفع الحرج، ويبقى أصلها لألا تتخلف معانيها الجليلة1. الصلاة تجمع جميع أركان الإسلام: وتكاد الصلاة تكون جماعا لأركان الإسلام، وذلك لاشتمالها على الشهادتين في التشهد الأول والأخير، والصلاة ذاتها زكا يومية، فالمصلي يبذل من وقته لأداء الصلاة، في حين يحتاج إلى هذا الوقت لأداء عمل يستفيد منه في تحصيل مال الذي سيزكي عنه، فعندما يصلي، ينفق من وقته، الذي هو أصل المال، فكما2 أن الزكاة طهرة للمال، فكذا الصلاة طهرة للأوقات، وطهرة للإنسان مما يرتكبه من معاص في أوقاته، وفجوات الأزمان التي بين صلواته، وكفى على ذلك شهيدا قوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا، ما تقول ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيئا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحوا الله بها الخطايا" 3. بل تتعدى الصلاة لتكون تمهيدا للنفس وإعدادا لها

_ 1 الصلاة عماد الدين: د/حسن ص 54. 2 فصول مهمة في حصول التتمة: للإمام العلامة على بن محمد سلطان القاري المكي ص13. 3 رواه البخاري 1/134 كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة.

لتتلخص من البخل والأنانية، فالصلاة1 وما فيها من إقرار لله بالربوبية، وما تشتمل عليه من خضوع لله، وقيام وركوع وسجود، هي ترويض للنفس، وإذلال لكبريائها، وجعلها طيعة لقبول الأوامر الإلهية والعمل بها. ومن هنا نلمح اقتران ذكر الصلاة بالزكاة في أكثر الآيات التي أمرت بالزكاة، ويأتي الأمر بالزكاة بعد الأمر بالصلاة، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} 2، {أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} 3، {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} 4، {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ} 5، {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} 6. وبأساليب مختلفة يقترن ذكر الزكاة بذكر الصلاة، قال الله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} 7 والصلاة بعد ذلك أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، تصوم فيها نفس الإنسان وجوارحه عن جميع المخالفات التي

_ 1 الصلاة عماد الدين: د/ حسن الترابي ص 54. 2 وردت عدة مرات في سورة البقرة، الآيات [43] ، [83] ، [110] ، وسورة النساء الآية [77] ، وسورة النور الآية [56] ، وسورة المجادلة الآية [13] ، وسورة المزمل الآية [20] . 3 سورة البقرة، الآية [277] ، وسورة التوبة الآيتان [5] ، [11] ، وسورة الحج، الآية [41] . 4 سورة البقرة الآية [177] ، وسورة التوبة الآية [18] . 5 سورة الأحزاب الآية [33] . 6 سورة مريم الآية [31] . 7 سورة البقرة الآيتان [2، 3] .

تفسد تمامها وكمالها. ويتوجه المصلي شطر المسجد الحرام، قال الله تعالى {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ... } 1 ملتزما بركن الصلاة في التوجه ومشتركا مع ركن الإسلام الحج من طرف. الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: وتأتي الصلاة لتعالج النفس البشرية من نوازع الشر حتى تصفو من الرذائل، ويبتعد صاحبها عن كل منكر، فعندما يقف المسلم بين يدي ربه خاشعا، راكعا وساجدا، يرتبط بخالقه، فتسمو نفسه، ويشعر بعلو مكانته، فيبتعد عما يغضب خالقه، حيث استقر في نفسه مراقبة الله، فكلما حدثته نفسه بالسوء تذكر نعم الله عليه، فالله سبحانه هو الذي أحسن إليه بنعمة الوجود، فلا تطاوعه نفسه بفعل المعاصي. ويقرأ في الصلاة القرآن، ويتأمل الآيات، ويتدبر المعاني، فترد آيات العذاب، وأن الله شديد العقاب، فترتعد نفسه، وتلتفت عن غيها، فإذا تمكن من نفسه الخوف من الله، زجره ذلك عن كل فحشاء ومنكر ... وترد آيات الرحمة والنعيم والجنات، فتهفو نفسه إلى نيل الدرجات، والفوز بالجنات، فتزداد خشيته لله، فيتقي عذابه، ويسعى لنيل رضاه والفوز بنعيمه، بالتواضع لأوامره واجتناب نواهيه، قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} 2

_ 1 سورة البقرة الآية [144] . 2 سورة العنكبوت الآية [54] .

ولعل السر في كثرة المصلين، وضعف أثر الصلاة في سلوكهم، هو أنهم لم يؤدوها إلا بهيئتها فقط، من قيام وركوع وسجود، ودعاء وتسبيح، وتكبير وتحميد، ولم يبلغوا درجة إقامتها تامة بحضور، وهكذا يتفاوت المصلون في الأجر والثواب وفي مدى استقامتهم في تنفيذ منهج الله، مع أن الأعمال التي يؤدونها في الصلاة واحدة، مما يؤكد تفاوت المصلين في روح الصلاة ولبها، وبقدر حضور القلب تكون إقامتها، ويكون أثرها ومدى انعكاسه على سلوك صاحبها. جاء في الأثر: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له"1، انظر إلى حال المنافقين الذين يودون الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغم ذلك كانوا في الدرك الأسفل من النار. قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} 2. من آثار الصلاة: والصلاة مفتاح كل خير، تعطي القلب أنسا وسعادة، وتعطي الروح بشرا وطمأنينة، وتعطي الجسد نشاطا وحيوية، الإنسان لا يستمر على حال واحدة، فإن وجدته صافيا ساعة تعكر أخرى، وإن وجدته مسرورا من شيء، نكد عليه شيء آخر.

_ 1 روي هذا الأثر عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا، أما الموقوف فرواه الطبري، وأما المرفوع فرواه الطبراني، ورواه أيضا مرسلا عن الحسن، رواه البيهقي في شعب الإيمان، ووقفه الإمام أحمد في كتاب الزهد من حديث ابن مسعود. انظر تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري: الزيلعي 3/44، 45. 2 سورة النساء الآيتان [142، 143] .

وتتعدد أنواع الصلاة، فللحضر صلاة، وللسفر صلاة وللمرض صلاة، وللخوف صلاة وللجمعة صلاة، وللعيدين صلاة، وللجنازة صلاة، وللإستسقاء صلاة، وللقيام صلاة وللضحى صلاة، وكأنها بهذا التعدد تطبب الإنسان، تداوي أسقامه، وتعالج علله وهمومها المتنوعة المتغيرة. وتتكرر الصلوات المفروضة، لتكون بمثابة صيانة مستمرة للعبد، يعرض المسلم نفسه على خالقه، فيضل في رحاب الله، تحرسه مراقبته، يستمد منه سبحانه طاقات إيمانية تعينه على شواغل الحياة، فلا ينخدع بفتن الدنيا، وتشغله مادة، لأن قلبه يشحن من صلاة إلى صلاة، بزاد ينمي دوافع الخير، ويقضي على دوافع الشر، قال صلى الله عليه وسلم: " ... ولا يزال أحدكم في صلاة ما انظر الصلاة" 1. وللصلاة آثار تربوية، فهي تربي نفسها على طاعة الخالق، وتعلم العبد آداب العبودية، وواجبات الربوبية، بما تخرسه في قلب صاحبها من قدرة الله وعظمته، وبطشه وشدته، ورحمته ومغفرته، كما تحليه تجمله بمكارم الأخلاق، لسموها بنفسه عن صفات الخسة والدناءة، فإذا فتشت عن أثر الصلاة فيه، وجدته صادقا أمينا قانعا وفيا حليما متواضعا عدلا، ينأى عن الكذب والخيانة والطمع، والغدر والغضب والكبر والظلم ... وعندما يتجه المصلون في أنحاء الدنيا إلى القبلة، يشعر المسلم بالتآلف والوحدة، ونبذ الفرقة، فلا مكان للون أو جنس أو طبقية، فكلنا عبيد لله، إلهنا واحد، وديننا واحد، وقبلتنا واحدة، لا فرق بين غني وفقير، وعظيم وحقير، يتوخى المسلم الاستقامة في استقبال بيت

_ 1 رواه البخاري 1/158-159 كتاب الآذان، باب فضل صلاة الجماعة.

الله، فلا يحيد ولا يميل، فيتربى بذلك على العدل في جميع أمور حياته، والحكمة بوضع كل شيء في موضعه. يعيش آلام إخوانه المسلمين جماعة المسجد، وآمالهم، فيصبح عنصرا فعالا في جماعته ومجتمعه، تعوده الصلاة على الدقة في الموعد، والحرص على الوقت، تنظم له أوقاته، فيتعود النظام في جميع أمور حياته، ويتبع الإيمان فيتدرب على الطاعة والالتزام. الصلاة أهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين: ويصور القرآن الكريم حال أهل النار، عندما يسألون عن سبب ما هم فيه منم العذاب، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} 1، فصلاة أو عمل كفر به أولئك المكذبون، وأول ما يندمون على تضييعه يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وفسدت فسد سائر عمله" 2. ولما للصلاة من الفضل العظيم بعد الشهادتين كانت آخر وصية أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ما روي عن أم

_ 1 سورة المدثر، الآيات [38:48] . 2 مجمع الزوائد: الهيثمي 1/291، 292 وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه القيم بن عثمان، قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها، وذكر ابن حبان في الثقات وربما أخطأ.

سلمة رضي الله عنها قالت: كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" حتى جعل نبي الله صلى الله عليه وسلم تلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه1. والصلاة هي آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" 2.لذا ينبغ للمسلم أن يحرص على أداء الصلاة في أوقاتها، وألا يتكاسل عنها، فقد ذهب القرآن من حال الذين يلهون حتى يضيع الوقت وتفوت الصلاة، قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} 3، وتوعد من ضيع الصلاة، قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} 4، عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن صخرة وزنت عشر حلقات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا حتى ينتهي إلى غي وآثام؟ " قال: "بئران في أسفل جهنم يسيل منهما صديد أهل النار، وهما اللذان ذكرهما الله في كتابه {أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} 5، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} 6"7

_ 1 رواه أحمد 1/290 حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال في الفتح الرباني 2/207، 208 وجه وإسناده جيد، وصحح الألباني في الإرواء 7/238. 2 رواه مسلم 1/الآيتان 5،4 3 سورة الماعون، الآيتان [4، 5] . 4 سورة مريم، الآية [59] . 5 سورة مريم، الآية [59] . 6 سورة الفرقان، الآية [68] . 7 رواه الطبراني في الكبير 8/206، 207 ح7731، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: وفيه ضعفاء قد وثقهم ابن حبان وقال يخطئون 10/389.

بعد هذا العرض، لا يليق بمسلم يخشى ربه، ويرجو ثوابه، أن يضيع الصلاة بحال من الأحوال، بل ينبغي أن يسعى جاهدا لإقامتها تامة محققا ما فيها من الخضوع والخشوع لله، متجردا من كل مغريات الحياة وفتنها، ولا يأتي عملا ولا يقول قولا من شأن الصلاة إلا وهو مقبل على الله بقلبه وعقله وروحه وجسده، عندئذ هنيئا له الفلاح، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} 1.

_ 1 سورة المؤمنون، الآية [1، 2] .

الوضوء

الوضوء معنى الوضوء لغة وشرعا ... الوضوء: قبل أن يبدأ العبد في الصلاة، يجب عليه أن يكون طاهرا من الحدث الأكبر والحدث الأصغر، ويرتفع الحدث الأكبر بالغسل، ويرتفع الحدث الأصغر بالوضوء، وينوب التيمم عن الوضوء والغسل عند فقد الماء أو الضرر في استعماله. معنى الوضوء لغة وشرعا: والوضوء لغة: بضم الواو اسم للفعل الذي هو المصدر، وبفتحها اسم للماء الذي يتوضأ به1. وشرعا: طهارة بالماء تتعلق بأعضاء الوضوء: الوجه واليدين والرأس والرجلين وسمي غسل الأعضاء على الوجه المخصوص شرعا وضوءا لتنظيفه المتوضئ وتحسينه.

_ 1 لسان العرب: ابن منظور 1/194 مادة: وضأ.

دليل مشروعيته

دليل مشروعيته: وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} 1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" 2.

_ 1 سورة المائدة، الآية [6] . 2 رواه البخاري 1/43 كتاب الوضوء، باب لا تقبل صلاة بغير طهور، ومسلم 1/204 ح225.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقبل صلاة بغير طهور.." 1. وقد انعقد إجماع المسلمين على مشروعية الوضوء، فصار معلوما من الدين بالضرورة.

_ 1 رواه مسلم 1/204 ح224.

فضل الوضوء

فضل الوضوء: الوضوء طهارة يستعد بها العبد للقاء الله، فيطهر بها جوارحه، حتى يقف أمام ربه نقيا، فما أعظم لقاء الله في الصلاة، وأجمل بالعبد يصبغ وضوءه، موقظا مشاعره ووجدانه مستعدا للقاء خالقه. عن عبد الله الصنابجي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ العبد فمضمض، خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطأيا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة"1.

_ 1 أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب 1/153، 154 كتاب الطهارة (الترغيب في الوضوء وإصباغه) ح13، وقال: رواه مالك والنسائي، وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرطهما، ولا علة له، والصنابجي: صحابي مشهور.

لماذا يجب الوضوء؟

لماذا يجب الوضوء؟: والوضوء يجب لأمور ثلاثة: الصلاة، والطواف حول الكعبة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الطواف صلاة، إلا أن الله أحل فيه الكلام، فمن

تكلم فلا يتكلم إلا بخير" 1، ومس المصحف، لقول الله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 2، ولما روي عن حكيم بن حزام قال: لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: "لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر" 3.

_ 1 رواه النسائي 5/222 كتاب مناسك الحج، باب إباحة الكلام في الطواف، وقال في الفتح الرباني 12/68: رواه البيهقي والإمام الشافعي من حديث ابن عمر موقوفا عليه بسند صحيح. 2 سورة الواقعة، الآية [79] . 3 رواه الطبراني في الكبير 3/205 ح 3135، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/276، 277 كتاب الطهارة باب في مس القرآن: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه سويد أبو حاتم، ضعفه النسائي وابن معين ووثقه في رواية.

فرائض الوضوء ستة

فرائض الوضوء ستة: 1-غسل الوجه مرة واحدة، لقول الله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} 1 أي إسالة الماء عليه، لأن الغسل الإسالة، ويدخل معه المضمضة والاستنشاق، لدخول الفم والأنف في حد الوجه، ولا يسقطان عمدا ولا سهوا، حيث وردت السنة الصحيحة يهما، لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأت فمضمض" 2، ولما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر"3. ويجب الاستنثار عندما يتوضأ بعد الاستيقاظ من النوم، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم

_ 1 سورة المائدة، الآية [6] . 2 رواه أبو داود 1/100 ح 144 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/131 ح 237. 3 رواه مسلم 1/212 ح 237.

من منامه فليستنثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه" 1. 2-غسل اليدين مع المرفقين، لقول الله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} 2، و (إلى) هنا بمعنى (مع) ، ولمسلم عن أبي هريرة: "..ثم غسل يده اليمنى حتى شرع في العضد.."3 والمرفق هو المفصل الذي بين العضد والساعد، وأدلته كثيرة في السنة. 3- مسح جميع الرأس ومعه الأذنان، لقول الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 4، والباء هنا لصق الفعل بالمفعول، والمعنى: ألصقوا المسح برؤوسكم، وتدخل الأذنان مع الرأس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس" 5. 4- غسل الرجلين مع الكعبين، لقول الله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 6، بنصب اللام في (وأرجلكم) لتدخل في الأمر بالغسل، وهذا هو الثابت المتواتر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: تخلف النبي صلى الله عليه وسلم عنا في سفرة، فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: " ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثا7. ولا يجوز ترك جزء ولو صغير دون أن يصيبه الماء، لما رواه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ارجع فأحسن وضوءك" 8.

_ 1 رواه مسلم 1/212، 213 ح 238. 2 سورة المائدة، الآية [6] . 3 رواه مسلم1/ 216 ح 246. 4 سورة المائدة، الآية [6] . 5 رواه ابن ماجة 1/152 ح 443، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/74 ح 357. 6 سورة المائدة، الآية [6] . 7 رواه البخاري 1/49 كتاب الإيمان باب غسل الرجلين. 8 رواه مسلم 1/215 ح 243.

5- الترتيب بين الفرائض على الوجه الذي نص به القرآن الكريم حيث نلحظ أن الأمر بالمسح جاء بين المغسولات، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 1، ولما روي عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ابدؤوا بما بدأ الله به" وإن كان الأمر في السعي، فهو دليل على البدء في الوضوء بما بدأ الله به. فإذا بدأ المتوضىء بغسل شيء من الأعضاء قبل غسل الوجه لم يحسب له إلا الوجه فقط لفوات الترتيب، وكذا من غسل جميع أعضاء الوضوء دفعة واحدة لم يحسب له إلا الوجه. 6- الموالاة، وهي متابعة الغسل بين الأعضاء المذكورة، بحيث لا يؤخر غسل عضو زمنا حتى ينشف الذي قبله، فلا يؤخر غسل اليدين حتى يجف الوجه وهكذا.. فإن اشتغل المتوضىء بسنة كتخليل اللحية، أو إسباغ بإبلاغ كل ظاهر أعضائه، أوزمن وسوسة، كأن يتردد على غسل العضو مرتين أو ثلاثا، أو إزالة وسخ متعلق بأعضاء الوضوء فلا يضر، لأن كل ما سبق متعلق بأفعال الطهارة، بخلاف قطع المتابعة بين أعضاء الوضوء، باشتغال المتوضىء بإحضار ماء أو إزالة نجاسة أو وسخ في غير أعضاء الوضوء، فتفوت الموالات إن جف العضو. ولا يخفى على ذي لب أن ترك فرض من هذه الفرائض أو الإخلال به على الوجه المشروع يفسد الوضوء، ويلزم صاحبه الإعادة من جديد، بخلاف السنن.

_ 1 رواه النسائي 5/236 كتاب مناسك الحج، باب القول بعد ركعتي الطواف، واللفظ له، ورواه أحمد 3/394 في مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال في الفتح الرباني 12/73 ح274: وسند حديث الباب جيد.

صفة الوضوء

صفة الوضوء: 1 يجب على المتوضىء أن يستحضر النية لرفع الحدث، أو بقصد الطهارة، قبل الشروع في أفعال الوضوء، والنية: هي عزم القلب على فعل الوضوء، ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعال، وامتثالا لأمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 1، فإخلاص النية للمعبود هو أصل العبادة، والنية تميز العبادات عن العادات، فهناك فرق بين من يتوضأ للعبادة، ومن يبرد جسمه بالماء ولم ينوي الوضوء. فالنية هي سر العبودية. ولقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ مانوى.." 2. قال ابن حجر: "واستنبط بعض العلماء من قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} 3، إيجاب النية في الوضوء لأن التقدير: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لأجلها4. والنية محلها القلب، ولا يدخل للسان فيها، فلو تكلم المتوضئ بلسانه ولم تنعقد النية في قلبه لا يصح وضوءه، إذ الاعتذار بما نوى لا بما لفظ. 2- وتجب التسمية في أول الوضوء، قبل البدء في غسل الأعضاء،

_ 1 سورة البينة الآية [5] . 2 رواه البخاري 1/2 كتاب بدء الوحي، باب كيف جاء بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. 3 سورة المائدة، الآية [6] . 4 فتح الباري: ابن حجر 1/233 كتاب الوضوء، باب ما جاء في الوضوء.

بأن يقول المتوضئ "بسم الله"، والأكمل أن يقول: "بسم الله الرحمان الرحيم"، لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "..ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه.." 1، وتسقط التسمية مع الجهل والسهو، إلا إذا تذكرها أثناء وضوئه أعاد الوضوء وأتى بها للحديث السابق، ولما رواه الطبراني من حديث أبي هريرة بلفظ: "يا أبا هريرة إذا توضأت فقل: بسم الله، والحمد لله، فإن حفظتك لا تستريح تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء" 2. 3- غسل الكفين ثلاثا في أول الوضوء، لما رواه أوس بن أبي أوس عن جده رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استوكف ثلاثا"3، أي غسل كفيه ثلاث مرات ويسن تخليل أصابع اليدين لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك" 4، فيخلل إحدى يديه بالأخرى. ويستحب غسل الكفين ثلاثا في حالة الاستيقاظ من النوم ناقض لوضوء، لفعله عليه الصلاة والسلام كما ذكره من وصف وضوءه، ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم

_ 1 رواه أبو داود في سننه1/75 ح 101، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/21 ح 92. 2 رواه الطبراني في الصغير 1/73 باب الألف من اسمه أحمد، وقال: لم يروه عن علي ابن ثابت أخو (ابن أخي) عزرة ابن ثابت إلا إبراهيم بن محمد، تفرد به عمرو بن أبي سلمة. 3 رواه النسائي 1/64 كتاب الطهارة باب غسل الكفين وكم تغسلان، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي 1/19 ح 81: صحيح الإسناد. 4 رواه ابن ماجه 1/64 ح 447، والترمذي 1/57 ح 39 وقال: حسن، وقال الألباني سنن الترمذي 1/14 ح 36: حسن صحيح.

من نومه فلا يغمس يده حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده" 1. 4- المضمضة والاستنشاق، وتحصل المضمضة بإدخال الماء في الفم وتحريكه لغسل الفم، والاستنشاق جذب الماء بنفسه داخل الأنف. ويسن المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم، حتى لا يفسد صومه بدخول شيء إلى جوفه، لما رواه لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ قال: "أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون2 صائما". وتكون المضمضة والاستنشاق ثلاث مرات بثلاث غرفات، يتمضمض ويستنشق من كل غرفة، لما جاء من حديث عمرو بن يحي: "فمضمض واستنشق واستنثر من ثلاث غرفات"3.قال النووي: في هذا الحديث دلالة ظاهرة للمذهب الصحيح المختار، أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يكون بثلاث غرفات يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها. ويكون الاستنشاق باليمنى، والاستنثار باليسرى، بطرح الماء من الأنف بالنفس، مع وضع إصبعي اليسار على الأنف، عن عبد خير قال: " ... ونحن جلوس ننظر إليه [أي إلى علي رضي الله عنه حين توضأ] فأدخل يده اليمنى فملأ فمه، فمضمض واستنشق، ونثر بيده اليسرى، فعل هذا ثلاث مرات، ثم قال: من سره أن ينظر إلى طهور رسول الله

_ 1 رواه مسلم1/233 ح 278. 2 رواه أبو داود 1/99، 100 ح 142، والترمذي مختصا1/56 ح 38 وقال: حسن صحيح. 3 رواه مسلم 1/211 ح235.

صلى الله عليه وسلم فهذا طهوره"1. ويسن السواك في الوضوء عند المضمضة، وهو من السنن المؤكدة، وهو دلك الفم بالعود، وخير ما يستاك به عود من شجرة الأراك، وله فوائد كبيرة وعظيمة. عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" 2، والسواك مسنون كل وقت، لحديث أبي بكر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" 3. 5- غسل الوجه ثلاث مرات، من منابت شعر الرأس إلى أسفل اللحيين والذقن طولا، وما بين شحمتي الأذن عرضا، لقول الله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} 4، ولما أخبر به حمران مولى عثمان، "أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بوضوء فتوضأ" ثم ذكر صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال حمران: "ثم غسل وجهه ثلاث مرات ... "5. ويسن تخليل اللحية بتفريق شعرها، وإسالة الماء بينها، لحديث

_ 1 رواه الدارمي 1/178 كتاب الوضوء، باب في المضمضة، من طريق خالد بن علقمة الهمداني، وصحح سنده الألباني في مشكاة المصابيح1/129. 2 رواه البيهقي في السنن 1/35 كتاب الطهارة، باب الدليل على أن السواك سنة، قال ابن التركماني: وهو في الموطأ بهذا الإسناد موقوف دون ذكر الوضوء، ورواه الطبراني في الأوسط 2/138 ح 1260 عن علي رضي الله عنه، وقال فيه: لايروى هذا الحديث عن على إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن إسحاق. 3 رواه أحمد 1/3 مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال في الفتح الرباني1/ 290 ح 156: قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات، إلا أن عبد الله بن محمد لم يسمع من أبي بكر. 4 سورة المائدة، الآية [6] . 5 رواه مسلم 1/204، 205، ح226.

عثمان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته1، وعن أنس رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته، وقال: "هكذا أمرني ربي عز وجل" 2، وكذا تخليل شعور الوجه، ويجزء غسل ظاهرها. 6- غسل اليدين مع المرفقين ثلاث مرات، لما أخبر به حمران مولى عثمان، "أن عثمان دعا بوضوء ... " فذكر صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وقال حمران: "ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك"3. 7- مسح جميع الرأس مرة واحدة بيديه، مبتدأ بمقدمة الرأس إلى القفا، ثم يرد يداه ماسحا إلى الموضع الذي بدأ منه؟، لما روي عن عمرو بن يحي المازني عن أبيه، "أن رجلا قال لعبد الله بن زيد، وهو جد عمرو بن يحي: أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ ... ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدمة رأسه، حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه"4. ثم يمسح بسبابتيه صماخي أذنيه، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما، لما رواه عبد الله بن عمرو في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... ثم مسح برأسه، فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه،

_ 1 رواه ابن ماجه 1/148 ح430، والترمذي 1/46 ح31 واللفظ له، وقال: حسن صحيح. 2 رواه أبو داود 1/101 ح145، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/30 ح132. 3 رواه مسلم 1/204، 205 ح226. 4 رواه البخاري 1/54، 55 كتاب الوضوء باب مسح الرأس كله.

يدلك أصابع رجليه بخنصره1. ويعد الدلك من إسباغ الوضوء، وفي الحديث: "إسباغ الوضوء شطر الإيمان" 2، لأن الوضوء يطهر الظاهر، والإيمان يطهر الباطن. كما يسن التيامن، وهو البدء في الجهة اليمنى، ويعد من نوافل الخير عامة، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شانه كله"3. ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا لبستم، وإذا توضأتم، فابدؤوا بميامنكم" 4. ويسن الذكر بعد الوضوء بما ورد، لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" 5. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فقال:

_ =الفتح الرباني 2/31 ح260: أخرجه أبو يعلى الموصلي وابن حبان في صحيحه، وأخرجه أيضا ابن خزيمة في صحيحه بسنده عن شعبة عن حبيب بن زيد عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد، وحبيب وثقه النسائي وغيره وقال أبو هاشم: هو صالح. 1 رواه أبو داود 1/103 ح148، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/30 ح134. 2 رواه النسائي 5/5 كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2/11 ح2286. 3 رواه البخاري 1/50 كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل. 4 رواه البيهقي في سننه 1/86 كتاب الطهارة، باب السنة في البداءة باليمين، وابن ماجة في صحيحه 3/370 ح1090 واللفظ له، وأبو داود في سننه 4/379 ح4141، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/780 ح3488. 5 رواه مسلم 1/210 ح234.

سبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق ثم جعل في طابع فلم يكسر إلى يوم القيامة"1.

_ 1 أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب 1/172 كتاب الطهارة، الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء، وقال فيه: رواه الطبراني في الأوسط ورواته رواة الصحيح واللفظ له، ورواه النسائي، وقال في آخره: "ختم عليه بخاتم فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة". وصوب وقفه على أبي سعيد.

من آثار الوضوء

من آثار الوضوء: بعد أن عرضنا كيفية الوضوء ينبغي أن نقف الآثار التي يتركها الوضوء في نفس صاحبه، فالوضوء عبادة يمتثل العبد لأوامر خالقه، ابتغاء مرضاته، يطهر بها جوارحه، ويغذي بها إيمانه، إستعدادا للوقوف بين يدي الله ... فالوضوء ينشط الجسد، وينشط الذهن للقاء الله، ويهيء المسلم لتذوق لذة العبادة، بما يمنحه له من طهارة حسية في أعضاء الوضوء، وبما يزيل عنه من التوتر والغضب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" 1. وتتكرر عملية الوضوء في اليوم الواحد، وتستمر كل يوم، فيزداد الإنسان طمأنينة وسكينة، ويرتفع رصيده من الإيمان، وتتربى النفس على مراقبة الخالق، فلا يلبث العبد يقترف الذنب حتى يرجع عنه أو يتوب،

_ 1 رواه أحمد 4/226 من حديث عطية السعدي رضي الله عنه، قال في الفتح الرباني 19/71 كتاب الأخلاق الحسنة، باب ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم للإذهاب الغضب، وسكت عنه أبو داود والمنذر وحسنه الحافظ السيوطي.

لأنه على موعد مع الخالق، ولا يليق به أن يلقى ربه بحال لا يرضيه. وتدلل الأحاديث على أثر الوضوء الذي يتعدى الأثر الحسي إلى الطهارة المعنوية فيزيل الماء الذنوب، ويغسل الآثام، فيقف العبد في طهر ونقاء أمام ربه الرحمن. عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ الرجل المسلم خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه، فإن قعد قعد مغفورا له" 1.

_ 1 رواه أحمد 5/252 من حديث أب أمامة رضي الله عنه، قال في الفتح الرباني 1/301 ح185:قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير بنحوه وإسناده حسن.

المسح على الخفين

المسح على الخفين الخفان ... المسح على الخفين والخفان: ما يلبس على الرجل من الجلود، وما يلحق به من الكتان والصوف ونحوه، وقد ثبت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع. - قال الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 1 على قراءة الجر (وأرجلكم) .

_ 1 سورة المائدة، الآية [6] .

حكم المسح على الخفين

حكم المسح على الخفين ... - ومن السنة: فقد تواترت الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما روي عن الهمام رضي الله عنه قال: "بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل: تفعل هذا؟ قال: نعم. رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه"1. - وقد أجمع أهل السنة على جواز المسح على الخفين.

_ 1 رواه مسلم 1/228 ح272، وقال: قال الأعشى: قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.

ما يشترط للمسح

ما يشترط للمسح: ويشترط لجواز المسح أن يلبس الخف ونحوه من كل ساتر على وضوء، لما روي عن المغيرة عن أبيه قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين" فمسح عليهما"1.

_ 1 رواه البخاري 1/59 كتاب الوضوء، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان.

ويجوز للمتوضئ أن يلبس خفا وجوربا بعد إنتهائه من الوضوء، فإذا أحدث صح له المسح عليه كلما أراد الوضوء، بدلا من غسل رجليه، فيمسح ظاهر الخفين، لحديث على رضي الله عنه قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه"1.

_ 1 رواه أبو داود 1/114 ح162، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/160: إسناده صحيح.

زمن المسح

زمن المسح: وزمن المسح للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، ويبدأ حساب زمن المسح من وقت البدء في المسح على الصحيح. ولا ينزع الماسح الخفين خلال المدة المقررة شرعا إلا من جنابة، لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام وليالهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" 1. وعن علي رضي الله عنه قال: "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم" 2.

_ 1رواه النسائي 1/84 كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر، ورواه الترمذي واللفظ له 1/159 ح99، وقال: حسن صحيح. 2رواه مسلم 1/232 ح276.

نواقض الوضوء

نواقض الوضوء: للوضوء نواقض تبطله، ويلزم صاحبه الوضوء من جديد، وهي: 1- ما خرج من السبيلين، لقول لله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} 1، ولقول النبي صلى لله عليه وسلم: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح" 2، قال النووي: فالخارج من قبل الرجل أو المرأة، أو دبرهما ينقض الوضوء، سواء كان غائطا أو بولا أو ريحا أو دودا أو قيحا أو دما أو حصاة، أو غير ذلك، ولا فرق في ذلك بين النادر والمعتاد3. 2- النوم العميق، لما روي عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين وكاء السه4، فمن نام فليتوضأ" 5 فالنوم عينه ليس بحدث، ولكنه بسببه ينتقض الحدث، لأنه يخرج منه الخارج من غير

_ 1 سورة النساء الآية [43] . 2 رواه الترمذي 1/109 ح 74 وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/23 ح 64. المجموع: النووي 2/4 4 وكاء: بكسر الهاء: هو ما يشد به الرقبة ونحوها من الأوعية، السه: بفتح السين المهملة وكسر الهاء: من أسماء الدبر، والمعنى: اليقظة وكاء الدبر. 5 رواه أبو داود 1/140 ح 203، وابن ماجه، 1/ 161 ح 477 واللفظ له، وقال عنه النووي في المجموع 1/13: حديث حسن، وذكر ابن حجر في التلخيص 1/118 ح 159: أن حديث على وهو من رواية بقية، قال فيه الجوازني: واهي، وحديث معاوية رواه أحمد والدارقطني وفي إسناده بقية، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هذين الحديثين، قال: ليسا بقويين، وقال أحمد: حديث علي أثبت من حديث معاوية في هذا الباب، وحسن المنذري وابن الصلاح والنووي حديث علي.

شعوره، بينما يحس المستيقظ بما يخرج منه، وعليه فإن نام المتوضىء مضطجعا غير متمكن من مستوى القعود، فعليه الوضوء للحديث السابق، فإن نام قاعدا ممكنا مقعده من الأرض، غير مضطجع، فهو على وضوءه وطهارته، لأنه يأمن إستطلاق الوكاء على هذه الحالة، لما رواه أنس رضي الله عنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم قعودا ثم يصلون ولا يتوضؤون"1. 3-زوال العقل بغير النوم، كالإغماء والجنون والسكر والمرض المذهب للعقل، فينتقض الوضوء، لأنه لا يدري أخرج منه شيئ أم لا، فإذا انتقض الوضوء بالنوم فانتقاضه بجنون أو إغماء أو شرب دواء للحاجة أولى، قل أو كثر، وسواء مكن مقعدته من الأرض أم لا، لأن زوال العقل أبلغ من النوم، وهذا ما عليه جمهور العلماء. 4- ذهب بعض أهل العلم إلى أن مس الفرج من قبل أو دبر بدون حائل ينقض الوضوء، وهذا يشمل الذكر والأنثى، سواء مس ذكر نفسه أو ذكر غيره، أو مست المرأة فرجها أو فرج غيرها، لحديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ" 2، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة" 3.

_ 1 رواه مسلم 1/284 ح125، وأبو داود واللفظ له 1/136 ح200، والترمذي 1/113 ح78 وقال: حسن صحيح. 2 رواه الترمذي 1/126 ح82 وقال: حسن صحيح 1/129. 3 رواه البيهقي 1/133 كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من مس الفرج بظهر الكف، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/159 ح359 من طريق أبي هريرة.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل مس فرجه فاليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فالتتوضأ" 1، وروى طلق بن علي " ... جاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله، ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال: "وهل هو إلا بعضة منك؟ " 2. وذهب كثير منهم إلى أن مس الفرج بشهوة ينقض الوضوء، وقال بعضهم: إنه لا ينقض البته، وليس في المسألة دليل صحيح صريح، ولا شك أن الأحوط استحباب الوضوء. 5- أكل لحم الجزور، لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: "أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ"، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم. فتوضأ من لحوم الإبل ... " 3 وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: "فتوضؤوا منها"، وسئل عن لحوم الغنم فقال: "لا توضؤوا منها" ... "4. وذهب فريق إلى القول بأنه لا ينقض الوضوء مستدلين بحديث جابر رضي الله عنه قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما

_ 1 رواه البيهقي 1/133 كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس المرأة فرجها، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/397 ح2722. 2 رواه البيهقي 1/133 كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من مس الفرج بظهر الكف، واللفظ له، ورواه الترمذي 1/232 ح85 وقال: هذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/26 ح74. 3 رواه مسلم 2751 ح97. 4 رواه أبو داود 1/128 ح184، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/37 ح169.

غيرت النار"1، مما يشمل الإبل وغيره، وإذا كان هذا آخر الأمرين فيترتب الأخذ به لنسخه الأول، واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل"2. وأجيب عن حديث جابر بأنه عام، وما ورد في نقض الوضوء بلحم الإبل خاص، والعام يحمل على الخاص، ولا يقال بالنسخ بإمكان الجمع والنبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بأمر وفعل ضده دل فعله على أن الأمر ليس للوجوب. وأما حديث ابن عباس فضعيف، قال ابن حجر: "وفي إسناده الفضيل ابن المختار وهو ضعيف جدا، وفيه شعبة مولى ابن عباس، وهو ضعيف"3. وينقض الوضوء بأكل اللحم نيئا أو مطبوخا، ويدخل معه الكبد والشحم والكرش والكلية والأمعاء وما أشبه ذلك، ولا فرق بين أكل القليل أو الكثير من الجزور الكبير أو الصغير. ويستحب الوضوء من ألبان الإبل لما رواه أحمد في مسنده بسند حسن عن أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "توضؤوا من ألبان

_ 1 رواه أبو داو1/133 ح192، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/39 ح177. 2 رواه الدارقطني واللفظ له 1/151 باب في الوضوء من الخارج من البدن والبيهقي 1/159 كتاب الطهارة، باب التوضي من لحوم الإبل، قال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/117، 118 ح158: وفي إسناده الفضيل بن المختار وهو ضعيف جدا، وفيه شعبة مولى ابن عباس وهو ضعيف، وقال ابن عدي: موقوف، وقال البيهقي: لا يثبت مرفوعا، ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة وإسناده أضعف من الأول، ومن حديث ابن مسعود موقوفا. 3 تلخيص الحبير: ابن حجر 1/118.

الإبل" 1. 6- الردة: وهي الإتيان بما يخرج من الإسلام بقول أوعمل أو اعتقاد، فمن كفر بعد إسلامه انتقض وضوءه، قال الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 2، فالشرك يحبط العمل، والوضوء من العمل. 7-مس الرجل المرأة بشهوة والعكس، واختلف أهل العلم في هذا الناقض، فمنهم من ذهب إلى أن المس بشهوة ينقض مستدلا بقول الله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 3، والآية ليس فيها قيد الشهوة، ولكن الشهوة مظنة الحدث، ولو كان مجرد اللمس ناقضا لانتقض وضوء النبي صلى الله عليه وسلم عندما غمز عائشة رضي الله عنها وهو يصلي، فكفت رجليها واستأنف الصلاة. وإيجاب الوضوء بمجرد المس فيه مشقة عظيمة، وما كان فيه حرج ومشقة فهو منفي شرعا. وذهب غيرهم إلى أن المس ينقض الوضوء مطلقا، ولو بغير شهوة أو قصد، ودليلهم غير صريح، وذهب آخرون إلى أنه لا ينقض مطلقا ولو بشهوة، واستدلوا بتقبيل الرسول صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ثم خروجه إلى الصلاة ولم

_ 1 رواه أحمد4/352 من حديث أسيد ابن حضير رضي الله عنه، والطبراني في الكبير7/270 ح7106، قال في الفتح الرباني 1/94 ح383:قال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن إن شاء الله. 2 سورة الزمر، الآية [65] . 3 سورة المائدة، الآية [6] .

يتوضأ، وأخذوا بتفسير ابن عباس رضي الله عنها لقول الله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 1، بأنه موجب الطهارة الكبرى (الغسل) . والراجح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه شيء.

_ 1 سورة المائدة، الآية [6] .

مسائل حول نواقض الوضوء

مسائل حول نواقض الوضوء: ختلف أهل العلم في بعض النواقض، والصحيح أنها لا تنقض الوضوء، منها: 1- كثير القيء ونحوه مما خرج من غير السبيلين، واستدلوا على قولهم بما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ.."1 والأسوة الحسنة أن نفعل كفعله، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 2، ثم إنها فضلات خرجت من البدن فأشبهت البول والغائط، ونظرا لاختلاف المخرج، فالبول والغائط قليله وكثيره ينقض، أما القيء ونحوه فلا ينقض إلا الكثير. ورد على ذلك، بأن الأصل عدم النقض، ولا يوجد دليل شرعي صحيح صريح، والحديث الذي احتجوا به ضعفه كثير من أهل العلم، وهو مجرد فعل، وكذا لا يدل على الوجوب لخلوه من الأمر، وهو مقابل بحديث ضعيف، عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: "احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ولم يتوضأ ... " 3 .2- غسل الميت، واحتجوا بما روي عن ابن عمر وأبي هريرة وابن

_ 1 رواه الترمذي 1/142، 143 ح 87، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/27 ح 76. 2 سورة الأحزاب، الآية [21] . 3 رواه البيهقي1/141 كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من خروج الدم من غير مخرج الحدث، قال ابن الحجر في تلخيص الحبير1/152، رواه البيهقي، وفي إسناده صالح ابن مقاتل، وهو ضعيف، وادعي ابن العربي أن الدارقطني صححه، وليس كذلك، بل قال عقبة في السنن: صالح بن مقاتل ليس بالقوي.

عباس رضي الله عنهم: "أنهم أمروا غاسل الميت بالوضوء"1، والغاسل المباشر لأعمال الغسل، لا من يصب عليه الماء، وبأن غاسل الميت غالبا يمس فرجه، ومس الفرج من نواقض الوضوء. ورد عليهم بأنه لا دليل على هذا الناقض من الكتاب أو السنة أو الإجماع، وما جاء من هؤلاء الصحابة الثلاثة قد يؤخذ على الاستحباب. وأما قولهم في مس فرج الميت، فهو قياس غير صحيح، حيث لا يسلم أن يكون مس الفرج ناقضا، ولو سلمنا بأنه ناقض، فيبقى احتمال مس الفرج من عدمه، والاحتمال لا ينقض الوضوء، ثم إنه لا يجوز للغاسل أن يمس فرج الميت إلا من وراء حائل، ولو غسل حيا مع احتمال مس الفرج لا ينتقض الوضوء. وعليه، فالراجح أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء، وهذا اختيار الموفق، وشيخ الإسلام، وجماعة من أهل العلم. قال ابن قدامة: قال أبو الحسن: "لا وضوء فيه، وهذا قول أكثر الفقهاء، وهو الصحيح إن شاء الله، لأن الوجوب من الشرع، ولم يرد في هذا نص، ولا هو في معنى المنصوص عليه، فبقي على الأصل، ولأنه غسل آدمي، فأشبه غسل الحي".2. 3- القهقهة ولو في الصلاة، عده فريق من النواقض، والصحيح ما عليه جمهور من العلماء أنه غير ناقض.

_ 1 روى أثر ابن عمر وابن عباس والبيهقي1/305، 306 كتاب الطهارة، باب الغسل من غسل الميت، ونص أثر أبي هريرة الكافي: ابن قدامة1/47، وانظر المغني: ابن قدامة1/191، 192. 2 المغني: ابن قدامة1/192.

4- خلع الخفين لمن مسح عليهما، اختلفت الأقوال فيه، فمنهم من ذهب إلى وجوب الوضوء لبطلان الطهارة بزوال الممسوح في موضعه، والطهارة لا تتجزأ، فمتى بطلت في عضو بطلت في الجميع. ومنهم من يشترط الموالاة في الوضوء، وحيث أنها لم تفت لأن الأعضاء لم تنشف، فيبني على وضوئه الأول، ويغسل قدميه فقط. ومنهم من لا يشترط الموالاة، فيرى غسل قدميه فقط. والأصل بقاء الطهارة حتى يثبت العكس بدليل شرعي. 5- تمام المدة للماسح والمقيم والمسافر، ولا دليل على ذلك من الكتاب أو السنة أو إجماع أهل العلم، والنبي صلى الله عليه وسلم وقت لمدة المسح، وليس لانتهاء الطهارة فإن تمت المدة والإنسان على طهارة فهل تبطل طهارته؟ المسألة محل خلاف بين أهل العلم.

الغسل

الغسل تعريفه وحكمه ... الغسل: تعريفه: هو استعمال ماء طهور في جميع البدن على وجه مخصوص بشروط وأركان1. حكمه: الغسل مشروع بالكتاب والسنة. فمن الكتاب قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} 2. وقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 3 أي يغتسلن. أما دلالة السنة على مشروعيته، فلما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل" 4. والغسل قد يكون واجبا وقد يكون مسنونا كما سنبينه إن شاء الله تعالى.

_ 1 كشاف القناع: (1/139) . 2 سورة المائدة: الآية 6. 3 سورة البقرة: الآية 222. 4 رواه مسلم: (1/271) .

من موجبات الغسل أولا: خروج المني

من موجبات الغسل أولا: خروج المني ... موجبات الغسل: أعني بموجبات الغسل ما يكون سببا في وجوبه. الأول من موجباته: خروج المني: اتفق الفقهاء على وجوب الغسل في حالة خروج المني، بل قد نقل النووي الإجماع على ذلك1. ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة. والأصل في ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الماء من الماء" 2. ومعناه: أنه يجب الغسل بالماء من إنزال الماء وهو المني، وعن أم سليم رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم إذا رأت الماء" 3 أي المني. وهنا مسائل أربع يحسن التنبيه عليها حول هذا الموجب. المسألة الأولى: هل يشترط لخروج المني للغسل شهوة عند خروجه؟.

_ 1 انظر كلام النووي في المجموع: (2/130) . 2 رواه مسلم: (1/269) . 3 رواه مسلم: (1/250) .

هذا محل خلاف بين الفقهاء فالحنفية1 والمالكية2 والحنابلة3 يشترطون لإيجاب الغسل خروجه بشهوة. أما الشافعية فيرون وجوب الغسل بخروج المني مطلقا4. المسألة الثانية: إذا قبل الرجل المرأة فأحس بانتقال المني ونزوله فأمسك بذكره ولم يخرج منه في الحال شيء ولم يعلم بخروجه بعد ذلك. فالشافعية5 يرون أنه لا غسل عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الماء من الماء6". أما الحنابلة فلا يشترطون الخروج بل بمجرد الإحساس بالانتقال فهو موجب للغسل، فإذا أحس بانتقاله فحبسه؛ فقد وجب الغسل. والصواب في هذه المسألة قول الشافعية وهو إختيار شيخ الإسلام وبه قال شيخنا7. المسألة الثالثة: من رأى منيا من غير تذكر إحتلام فعليه الغسل، ومن احتلم فلم

_ 1 حاشية ابن عابدين على الدر المختار: (1/108) . 2 حاشية الدسوقي: (1/127-128) . 3 كشاف القناع: (1/139) . 4 المجموع للنووي: (2/129) . 5 المجموع: (2/140) . 6 سبق تخريجه. 7 إذا أطلقت ذلك فأعني به الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى.

يجد منيا فلا غسل عليه1. وهذا بدليل حديث أم سلمة رضي الله عنها حين سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها غسل؟ قال: "نعم إذا هي رأت الماء" 2. فدل الحديث على وجوب الغسل إذا استيقظ الإنسان ووجد الماء، أحس بخروجه أم لم يحس، وسواء رأى أنه احتلم أم لم ير، وذلك لأن النائم قد ينسى. المسألة الرابعة: من خرج منه مني بعد الغسل هل يجب عليه إعادة الغسل. هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء، والصحيح عندي وهو قول شيخنا أنه لا إعادة عليه وذلك لأمرين: الأول: أن السبب هو مني واحد ولذا أوجب غسلا واحدا. والثاني: أن خروج المني هنا لغير شهوة ولا لذة فأشبه الخارج لبرد، وبهذا علل الإمام أحمد رحمه الله حيث قال: لأن الشهوة ماضية وإنما هو حدث أرجو أن يجزيه الوضوء3.

_ 1 الشرح الممتع على زاد المستقنع: (1/281) . 2 سبق تخريجه. 3 انظر ذلك في كشاف القناع: (1/142) ، والشرح الممتع: (1/281) .

من موجبات الغسل ثانيا: إلتقاء الختانين

من موجبات الغسل ثانيا: إلتقاء الختانين ... ثانيا: التقاء الختانين هذا هو الموجب الثاني للغسل دليل ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" وفي رواية لمسلم: "وإن لم ينزل" 1. ولهما من حديث عائشة رضي الله عنها: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان؛ فقد وجب الغسل" 2. والتقاء الختانين يحصل بتغييب الحشفة في الفرج وليس المراد بالتقاء الختانين هنا التصاقها وضم أحدهما إلى الآخر كما يتوهمه البعض فإنه لو وضع موضع ختانه على موضع ختانها ولم يدخله في مدخل الذكر لم يجب الغسل. وهنا مسألة تتعلق بهذا الموجب: وهي هل يجب الغسل في الإيلاج بحائل؟ فالمالكية يقولون بأنه لا يجب الغسل على من أولج حشفته بخرقة ملفوفة على ذكره وهذه الخرقة كثيفة تمنع الفرج فإن كانت رقيقة بحيث يجد معها لذة وحرارة الفرج فإنه يجب عليه الغسل3. والشافعية4 - في الصحيح عندهم – يرون وجوبه حتى في

_ 1 رواه البخاري، انظر فتح الباري: (1/395) ، ورواه مسلم: (1/271) . 2 رواه مسلم: (1/271) . 3 حاشية الدسوقي: (1/129) . 4 المجموع للنووي: (1/134) .

الخرقة الكثيفة؛ لأنه يسمى مولجا ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى الختانان أو مس الختان الختان فقد وجب الغسل" 1. أما الحنابلة فإنهم يقولون فإنه لا يجب على من أولج بحائل مطلقا سواء كان الحائل كثيفا أو رقيقا2. والأقرب في هذه المسألة هو قول المالكية والأحوط أن يغتسل وهذا هو قول شيخنا رحمه الله3.

_ 1 أخرجه الشافعي في مسنده: (1/38) من حديث عائشة وأصل الحديث في الصحيحين كما ذكرناه آنفا، والحديث صححه الألباني في الإرواء: (1/121) برقم (80) . 2 كشاف القناع: (1/143) ، الإنصاف: (1/232) . 3 انظر الشرح الممتع على زاد المستقنع: (1/283) ، وهذه المسألة الآن يكثر وقوعها حيث يستعمل بعض الناس – الكبوت وهو لباس على قدر ذكر الرجل يعاشر معه الرجل معاشرة طبيعية ويقذف وهذا يؤكد أنه لا يمنع اللذة لكن يستعمله بعض الناس لمنع الحمل.

من موجبات الغسل ثالثا: الحيض والنفاس

من موجبات الغسل ثالثا: الحيض والنفاس ... ثالثا: الحيض والنفاس هذا هو الموجب الثالث من موجبات الغسل وقد اتفق الفقهاء على أن الحيض والنفاس من موجبات الغسل ونقل غير واحد الإجماع على ذلك. ودليل ذلك الكتاب والسنة. فمن الكتاب قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} 4.

_ 4 سورة البقرة: الآية [222]

ومعنى قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي فإذا اغتسلن فمنع الله تعالى الزوج من وطئ زوجته قبل غسلها فدل على وجوبه عليها. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي جحش: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" 1. وسيأتي الكلام عن هذا الموجب أعني الحيض والنفاس قريبا إن شاء الله.

_ 1 أخرجه البخاري، انظر في الفتح: (1/409) ، ومسلم، (1/262) واللفظ لمسلم.

من موجبات الغسل رابعا: الموت

من موجبات الغسل رابعا: الموت ... رابعا: الموت فالموت موجب من موجبات الغسل وهذا هو مذهب الحنفية1 وبعض المالكية2 والشافعية3 والحنابلة4. دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم حين توفيت إحدى بناته "أغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك" 5. وذهب بعض المالكية إلى سنية غسل الميت وهذا غير صحيح.

_ 1 انظر حاشية ابن عابدين على الدر المختار: (1/111) . 2 انظر حاشية الدسوقي: (1/130) . 3 "المجموع": (1/148) . 4 كشاف القناع: (1/146) . 5 أخرجه البخاري، فتح الباري: (3/132) ، ومسلم: (2/646) .

من موجبات الغسل خامسا: إسلام الكافر

من موجبات الغسل خامسا: إسلام الكافر ... خامسا: إسلام الكافر المذهب1 وكذا مذهب المالكية2 أن إسلام الكافر موجب من موجبات الغسل فمتى أسلم الكافر وجب عليه أن يغتسل. وقال آخرون أنه لا يجب عليه الغسل إلا إذا أتى بما يوجب الغسل كالجنابة مثلا. وقال آخرون أنه لا يجب عليه الغسل مطلقا لأنه حال كفره غير مكلف وغير مأمور بشرائع الإسلام. والصحيح أنه لا يجب عليه الغسل ولكن الأحوط عليه أن يغتسل وبه قال شيخنا3.

_ 1 كشاف القناع: (1/145) . 2 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: (1/130-131) . 3 انظر الشرح الممتع: (1/285) .

فرائض الغسل أولا: النية

فرائض الغسل: أولا النية: النية في اللغة: القصد. وفي الاصطلاح: عزم القلب على فعل الشيء. عزما جازما سواء كان عبادة أو معاملة أو عادة. فالنية شرط في جميع العبادات، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"1. والنية في الغسل وغيرها من العبادات لها نوعان: الأول: نية العمل والمراد بها في الغسل نية الغسل فهذه هي المصححة للعمل فإذا فقدت في الغسل لم يصح. الثاني: نية المعمول له. أي ينوي بها التقرب إلى الله تعالى وطاعة له وهذه يغفل عنها الكثير فلا يستحضرون نية التقرب وإن كان نية العمل موجودة وهنا يحصل للإنسان نقص في الأجر بسبب الغفلة عن نية التقرب إلى الله بهذا الغسل، وإن كان الغسل صحيحا بفقدها لكن استحضارها أكمل وأحسن وزيادة في الأجر.

_ 1 سبق تخريجه.

وهنا مسألتان: المسألة الأولى: اختلف الفقهاء في حكم النية في الغسل فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة على أنها فرض في الغسل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" 1. وذهب الحنفية إلى أن النية سنة في الغسل وليست فرضا. المسالة الثانية: من اجتمع في حقه غسلان كأن يكون عليه غسل جنابة وغسل جمعة أو كمن عليها غسل حيض وغسل جنابة فإنه يجزءه غسل واحد عن جنابة وجمعة، أو عن حيض وجنابة على الصحيح من قول الفقهاء.

_ 1 سبق تخريجه.

فرائض الغسل ثانيا: تعميم البدن بالماء

فرائض الغسل ثانيا: تعميم البدن بالماء ... ثانيا: تعميم البدن بالماء اتفق الفقهاء على أن تعميم البدن (الشعر والبشرة) بالماء من فروض الغسل. قال النووي: "إفاضة الماء على جميع البدن شعره وبشرته واجب بلا خلاف ومن ثم يجب إيصال الماء إلى كل ظاهر الجسد ومنه ما تحت الشعر سواء كان الشعر الذي على البشرة خفيفا أو كثيفا يجب إيصال الماء إلى جميعه وجميع البشرة التي تحته بلا خلاف"1. قلت: وقد استدل الفقهاء على ذلك بما جاء في صفة غسل

_ (المجموع للنووي) : 2/180.

النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها وكذا ميمونة رضي الله عنها. فأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدء فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يصب على رأسه ثلاثة غرفات بيده ثم يفيض على جسده كله"1. أما حديث ميمونة رضي الله عنها: "توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه وغسل فرجه وما أصابه من الأذى، ثم أفاض عليها الماء ثم نحى رجليه فغسلها هذا غسله من الجنابة"2. وهنا مسألتان متعلقتان بتعميم البدن بالماء في الغسل: المسألة الأولى: في حكم المضمضة والإستنشاق في الغسل ذهب الحنفية3 والحنابلة4 إلى وجوبهما في الغسل وقالوا بأن الفم والأنف من الوجه لدخولهما في حده فتجب لهما المضمضة والإستنشاق في الطهارة الكبرى والصغرى. أما المالكية5 والشافعية6 قالو بأنهما ليستا بواجبتين، لأن

_ 1 أخرجه البخاري، انظر في الفتح 1/360 2 أخرجه البخاري، انظر في الفتح 1/361. 3 حاشية ابن عابدين: (1/102) . 4 كشاف القناع: (1/96-154) . 5 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: (1/126) . 6 مغني المحتاج: (1/73) .

الفم والأنف ليسا من ظاهر الجسد فلا يجب غسلها ومن هنا كانت المضمضة والإستنشاق من سنن الوضوء. والصواب أنهما واجبان في الغسل كوجوبهما في الوضوء وهو قول شيخنا رحمه الله1. المسألة الثانية: نقض شعر المرأة لضفائرها في الغسل؟ ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية2 والمالكية3 والشافعية4 إلى عدم وجوب نقض الضفائر في الغسل إذا كان الماء يصل إلى أصولها. استدل الجمهور بما رواه مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي، فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: " لا: إنما يكفيك أن تحثي على شعر رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين" 5. فمتى وصل الماء إلى أصول شعر المرأة فإنه لا يلزمها نقض ضفائرها أما إذا لم يصل إليه الماء فإنه يلزمها نقضها حينئذ. أما الحنابلة 6 ففرقوا بين غسل الجنابة والحيض والنفاس فوافقوا

_ 1 الشرح الممتع: (1/304) . 2 حاشية ابن عابدين: (1/304- 105) . 3 حاشية الدسوقي على الكبير: (1/134) . 4 المجموع شرح المهذب: (1/134) 5 أخرجه مسلم: (1/259-260) . 6 كشاف القناع: (1/154) .

الجمهور في عدم وجوب نقض الشعر المضفور في غسل الجنابة وقالوا بوجوبه في غسل الحيض والنفاس، واستدلوا على وجوبه في الحيض بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "انقضي شعرك وامتشطي" 1. فقالوا-: ولا يكون المشط إلا في شعر غير مضفور – ولأن الأصل وجوب نقض الشعر لتحقيق وصول الماء إلى ما يجب غسله فعفي عنه في غسل الجنابة لأنه يكثر فشق ذلك فيه والحيض بخلافه فيبقى على الأصل في الوجوب والنفاس في معنى الحيض. والصحيح عدم وجوب نقض ضفائر شعر المرأة مطلقا في الجنابة والحيض والنفاس لاسيما حديث أم سلمة السابق ذكره في مسلم في رواية أخرى حيث قالت: "لا: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين" 2. وهذه الزيادة يجب قبولها وهي صريحة في نفي الوجوب كما قال ذلك ابن قدامة رحمه الله في المغني3.

_ 1 أخرجه البخاري، انظر في فتح الباري: (1/317) ، ومسلم: (2/870) . 2 سبق تخريجه. 3 المغني: (1/226-227) .

فرائض الغسل ثالثا: الموالاة

فرائض الغسل ثالثا: الموالاة ... ثالثا: الموالاة. تعريفها: هي أن لا يؤخر غسل عضو من الأعضاء حتى ينشف الذي قبله. حكمها: ذهب الحنفية1 والشافعية2 إلى أنها سنة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم. أما المالكية3 فيرن فرضيتها في الغسل وبه قال شيخ الإسلام4 وهو الصحيح عندي.

_ 1 حاشية ابن عابدين: (1/103-105) . 2 المجموع: (1/453) . 3 حاشية الدسوقي: (1/133) . 4 مجموع الفتاوى: (21/135) .

سنن الغسل

سنن الغسل: 1- التسمية: ذهب جمهور أهل العلم إلى سنية التسمية وهو قول الحنفية1 والشافعية2 وخالف الحنابلة3 فقالوا بوجوبها، لقوله صلى الله عليه وسلم: " ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه"4. فقالوا: بأنه تقاس إحدى الطهارتين على الأخرى والصحيح عندي أنها ليست بواجبه بل هي سنة في الوضوء والغسل وبه قال شيخنا رحمه الله. 5. 2- غسل الكفين: اتفق الفقهاء على سنية غسل اليدين إلى الرسغين ثلاثا ابتداء قبل إدخالهما الإناء وذلك لحديث ميمونة رضي الله عنها حيث قالت: " وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء الغسل فغسل يديه مرتين أو ثلاثا" رواه البخاري ومسلم6.

_ 1 حاشية ابن عابدين: (1/105) 2 المجموع: (2/181) . 3 كشاف القناع: (1/90) ، المغني: (1/102) . 4 أخرجه ابن ماجه (1/140) ، والحديث حسنه الألباني في الإرواء: (1/122) . 5 الشرح الممتع: (1/300) . 6 انظر فتح الباري: (1/368) ، ومسلم: (1/254) .

3-إزالة الأذى: السنة البداءة بغسل النجاسة وأما نفس إزالتها فلا بد منه ولو قليلة لكن السنة أن يبدأ بإزالتها دليل ذلك حديث ميمونة رضي الله عنها وفيه: " ثم أفرغ على شماله فغسل مذاكيره"1. 4-الوضوء قبله: البدء بالوضوء قبل الغسل من سنن الغسل وذلك لفعله صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك كل من عائشة وميمونة رضي الله عنهما ففي حديث عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم توضأ وضوءه للصلاة"2. أما حديث ميمونة رضي الله عنها قالت: " وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء يغتسل به، فأفرغ على يديه فغسلها مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره، ثم دلك يديه بالأرض ثم تمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ويديه، ثم غسل رأسه ثلاثا، ثم أفرغ على جسده، ثم تنحى عن مقامه فغسل قدميه، قالت فأتيته بخرقة فلم يردها 3.وجعل ينفض الماء بيده"4. لكن اختلف الفقهاء هل يغسل قدميه مع باقي أعضاء الوضوء أم

_ 1 أخرجه البخاري، فتح الباري: (1/368) ، ومسلم: (543) . 2 أخرجه البخاري، فتح الباري: (1/360) ، ومسلم: (543) . 3 يردها: بضم الياء وكسر الراء من الإرادة، لا من الرد كما جاء ذلك مصرحا به في صحيح البخاري "ثم أتيته بالمنديل فرده". 4 سبق تخريجه.

يؤخرها حتى ينتهي من غسله. نقول: ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم غسلها مع أعضاء وضوئه أما حديث ميمونة فهو صريح في تأخيرها فالصحيح من المذهب1 وبه قال الحنفية2 والشافعية3 في الأصح أنه لا يؤخر غسل القدمين إلى آخر الغسل بل يغسلهما مع أعضاء الوضوء مباشرة. والمالكية4 يرون أنه يندب تأخير غسلها لحديث ميمونة، لأنه مقيد، أما حديث عائشة فهو مطلق، والمطلق يحمل على المقيد. والمختار عند شيخنا أنه يغسل قدميه في مكان آخر عند الحاجة كما لو كانت الأرض طينا، لأنه لو لم يغسلها لتلوثت رجلاه بالطين5. 5-البدء باليمين: يستحب للمغتسل أن يبدأ بالجانب الأيمن. دليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله".

_ 1 الإنصاف: (1/252) . 2 حاشية ابن العابدين: (1/106) . 3 المجموع: (2/182.) 4 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: (1/136) . 5 الشرح الممتع: (1/302) .

وفي حديث آخر لها رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعى بشيء نحو الحلاب1، فأخذ بكفه ثم بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر"2. وهنا مسألة هامة في تثليث الغسل: فقد ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية3 والشافعية4 والحنابلة5 إلى تثليث غسل الأعضاء في الغسل وعدوا ذلك من السنن وذلك لحديث ميمونة رضي الله عنها حيث قالت: " ... ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات"6 فقال الجمهور أنه مع أن هذه الثلاث وردت في غسل الرأس إلا أن أعضاء باقي الجسد تقاس على الوضوء. والصحيح أن تثليث غسل البدن لا يسن ولا يستحب تكرار الغسل للبدن وهو مذهب المالكية7 وبه قال شيخ الإسلام لحديث

_ 1 الحلاب إناء يسع قدر حلب ناقة، يستعمل للغسل. المصباح المنير: (1/146) . 2 أخرجه البخاري، فتح الباري: (1/369) ، ومسلم: (1/255) . 3 حاشية ابن العابدين: (1/108) 4 المجموع: (2/184) . 5 كشاف القناع: (1/152) . 6 رواه مسلم: (1/152) . 7 حاشية الدسوقي: (1/137)

ميمونة رضي الله عنها حيث قالت في نفس الحديث السابق: " ثم أفاض الماء على سائر جسده"1 فلم تذكر تثليثا رضي الله عنها. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولا يستحب تكرار الغسل على بدنه وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد" 2.

_ 1 سبق تخريجه. 2 الاختيارات لشيخ الإسلام: (ص 17) .

صفة الغسل

6-صفة الغسل: للغسل صفتان: صفة أجزاء، وصفة كمال. فصفة الأجزاء: أن ينوي بقلبه الغسل المراد ثم يسمي ثم يعم بدنه بالغسل مرة واحدة مع المضمضة والاستنشاق. أما صفة الكمال: فهي 1-أن ينوي بقلبه. 2-ثم يسمي ويغسل يديه ثلاثا ويغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءا كاملا ثم يحثي الماء على رأسه ثلاث مرات ويروي أصول شعره ثم يعم بدنه بالغسل ويدلك بدنه بيده ليصل الماء إليه ثم يغسل رجليه في مكان آخر إن احتاج لذلك.

7-الأغسال المستحبة: والمراد بها من يمدح فاعلها ويثاب عليها وإذا تركها لا لوم عليه ولا عقاب.

الأغسال المستحبة

فمن هذه الأغسال: 1-غسل الجمعة: لقوله صلى الله عليه وسلم: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" والمراد بالوجوب هنا تأكيد الاستحباب لا الوجوب المأمور به والاستحباب قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وبالوجوب قال شيخنا رحمه الله1: وقد اختلف الفقهاء في وقت الاغتسال للجمعة فمذهب الحنفية2 والشافعية3 والحنابلة4 قالوا بأن وقته من طلوع الفجر، لأن النهار لا يدخل إلا بطلوع الفجر. وفي رواية لأحمد أن أول وقته من آخر الليل. وقال آخرون بأن وقته يبدأ من طلوع الشمس؛ لأن ما بين الفجر وطلوع الشمس وقت لصلاة خاصة وهي الفجر ولا ينتهي وقتها إلا بعد طلوع الشمس. وعلى هذا فيكون الإبتداء بالإغتسال من طلوع الشمس، ويستحب قبيل ذهابه وهذا هو الأقرب وهو اختيار شيخنا5. 2- ومن الأغسال المستحبة: غسل الإحرام: فيستحب لمن أراد الحج أو العمرة أن يغتسل وذلك لفعله صلى الله عليه وسلم.

_ 1 انظر الشرح الممتع على زاد المستنقع: (2/108) 2 عمدة القاري: (6/166) . 3 المجموع: (1/157) . 4 الفروع لابن مفلح: (1/104) . 5 الممتع: (5/107) .

بعض المسائل المتعلقة بالغسل

بعض المسائل المتعلقة بالغسل المسألة الأولى: السنة أن يغتسل الجنب بالصاع إلى خمسة أمداد فإن نقص أو زاد لحاجة على ما سبق جاز لكن لا يجوز الإسراف في الماء. المسألة الثانية: إذا اغتسل من الجنابة ولم يكن قد توضأ فإنه يقوم الغسل مقام الوضوء. المسألة الثالثة: يجوز للرجل أن يغتسل من الجنابة مع زوجته من إناء واحد ولو رأى كل منهما عورة الآخر. المسألة الرابعة: السنة أن يغتسل من الإنسان بعد الجماع ويجوز للإنسان أن ينام وهو جنب. المسألة الخامسة: يجوز للرجل أن يغتسل ببقية الماء الذي اغتسلت منه المرأة والعكس. المسألة السادسة: النية لمن عليه أكثر من غسل لها أربع حالات:

الأولى: أن ينوي رفع الحدثين جميعا فيرتفعان. الثانية: أن ينوي رفع الحدث الأكبر فقط ويسكت عن الأصغر فيرتفعان على الصحيح من أقوال أهل العلم. الثالثة: أن ينوي ما لا يباح إلا بالوضوء أو باعتبار الحدثين جميعا كالصلاة، فإذا نوى الغسل للصلاة ولم ينو رفع الحدث ارتفع عنه الحدثان. الرابعة: أن ينوي ما يباح بالغسل فقط دون الوضوء كقراءة القرآن أو المكث في المسجد فيرتفع الحدثان. المسألة السابعة: إذا نوى غسلا مستحبا فهل يكفي عن الوضوء؟ نقول: نعم يكفي عن الوضوء بشرط أن يتمضمض ويستنشق.

التيمم

التيمم: معنى التيمم لغة واصطلاحا: التيمم لغة: القصد. واصطلاحا: التعبد لله تعالى بقصد الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين.

دليل مشروعيته ومتى يشرع

دليل مشروعيته ومتى يشرع ... دليل مشروعيته: وقد ثبتت مشروعيته في الكتاب والسنة والإجماع. قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} 1. -وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجدا وطهورا، فأينما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره" 2، وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل..".

_ 1 سورة النساء، الآية [43] . 2 رواه أحمد 5/248 من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال في الفتح الرباني 2/187،188 كتاب التيمم، باب اشتراط دخول الوقت للتيمم: لم أقف عليه، ورجاله كلهم ثقات إلا سيارا الأموي، وهو صدوق.

-وقد أجمع أهل العلم على مشروعية التيمم بدلا عن الوضوء والغسل في أحوال خاصة، ويرفع التيمم الحدث الأصغر والأكبر. متى يشرع التيمم؟: عند حاجة الإنسان إلى رفع الحدث في أي وقت، وعدم الماء، أو وجده بثمن يعجز عن دفعه فهو كالعادم للماء، لقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} 1، أو وجده وخاف إن استعمله أن يتضرر بدنه من مرض ونحوه، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} 2، أو خاف من ضرر ببدنه عند طلبه كشدة برودة أو وجود سبع في الطريق ونحوه، لقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} 3، وقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 4، أو خاف إن استعمل الماء ضرر رفقته، أو من له ولاية عليهم من النساء، أو دابته من العطش أو المرض الذي يحتاج لإزالته إلى الماء، أو الهلاك من شدة العطش.

_ 1 رواه البخاري 1/113كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا". 2 سورة المائدة، الآية [6] . 3 سورة النساء، الآية [39] . 4 سورة البقرة، الآية [195] .

بم نتيمم

بم نتيمم؟: ويجب طلب الماء، والجد بالبحث عنه في رحله، أو رفقته، أو بالقرب من مكانه، فلو كان لا يدل المكان طلب من غيره أن يدله ولو بأجر. ويحرص أن لا يفوته وقت الصلاة، فإن تيقن عدم وجود الماء تيمم، عن أبي ذر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الصعيد

الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ... " 1، ولا يختص التيمم بالتراب بل يصح بكل أجزاء الأرض لقول الله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} 2، والصعيد هو كل ما تصاعد على وجه الأرض، رطبا كان أو يابسا، والطيب هو الطهور.

_ 1 رواه الترمذي 1/212،213 ح124، وقال: حسن صحيح. 2 سورة المائدة، الآية [6] .

صفة التيمم

صفة التيمم: يجب على المتيمم أن يستحضر النية لرفع الحدث بقصد الطهارة وقبل الشروع في المسح، ومحلها القلب، لما روي عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ... " 1 ثم يسمي الله تعالى كتسميته في الوضوء، ويضرب بكفيه الصعيد الطاهر ضربة واحدة، ويمسح بهما وجهه، ثم يمسح الكفين بعضهما ببعض، لما روي عن عبد الرحمن ابن أبزى قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: إن أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه" 2. روي بلفظ آخر " ... أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا عمار، إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب، ثم تنفخ فيهما، ثم تمسح بهما وجهك

_ 1رواه البخاري 1/2كتاب الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2رواه البخاري 1/87 كتاب التيمم، باب المتيمم هل ينفخ فيهما؟.

وكفيك إلى الرسغين" 1. وأما قول بعض العلماء بأن التيمم إلى المرفقين، مستدلين بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين" 2، فهو حديث ضعيف، وقياسهم التيمم على الوضوء في ذلك مردود. ويباح للمتيمم ما يباح للمتوضئ من الصلاة والطواف ومس المصحف، وله أن يصلي ما شاء من النوافل والفرائض، فهو كالوضوء في رفع الحدث سواء بسواء.

_ 1 رواه الدارقطني 1/183 كتاب الطهارة باب التيمم ح33، وقال العظيم أبادي: لم يروه عن حصين مرفوعا غير ابراهيم بن طهمان، ووقفه شعبة وزائدة وغيرهما، وأبو مالك في سماعه عن عمار نظر، فإن سلمة ابن كهيل قال فيه عن أبي مالك عن ابن أبزى عن عمار قاله الثوري عنه. 2 رواه الدارقطني 1/180 كتاب الطهارة باب التيمم ح16، وقال يماني المدني: الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وسكت عنه، وقال: لا أعلم أحدا أسنده عن عبيد الله غير علي بن ضبيان وهو صدوق وقد وقفه يحي بن سعيد وهشيم وغيرهما، ومالك عن نافع، وقد ضعف بعضهم هذا الحديث بعلي بن ضبيان، قال في الإمام: قال ابن نمير: يخطئ في حديثه كله، وقال يحي بن سعيد وأبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي وأبو حاتم: متروك، وقال: أبو زرعة: واهي الحديث، وقال ابن حبان: يسقط الإحتجاج بأخباره. وكذلك رواه ابن عدي وقال: رفعه على بن ضبيان والثقات كالثوري ويحي القطان وقفوه، وضعف على بن ضبعان عن النسائي وابن معين، ووافقهما عليه.

نواقض التيمم

نواقض التيمم: كل ما ينقض الوضوء ينقض التيمم، وقد تقدمت نواقض الوضوء في مبحث الوضوء، لأن التيمم بدل من الوضوء، كما ينقضه وجود الماء

لمن تيمم لفقده، لقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} 1، فيعود الحدث بوجود الماء، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... فإذا وجد الماء، فليتقي الله وليمسه بشره فإن ذلك خير" 2. ولما كان التيمم بدلا عن الوضوء، فعند وجود الماء تزول البدلية. ويبطل التيمم عن الحدث الأكبر بموجبات الغسل.

_ 1 سورة المائدة، الآية [6] . 2 قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/261 باب في التيمم: رواه البزار وقال: "لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه". ورجاله رجال الصحيح.

فاقد الطهورين

فاقد الطهورين: ولو حبس الإنسان في مكان، ولم يجد ماء ولا تراب، ولا يستطيع الخروج ولم يجد من يجلب له الماء أو التراب، صلى على حسب حاله، ولا إعادة عليه، ولا يؤخر صلاته حتى يقدر على أحد الطهورين، لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 1، ولما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل" 2، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ... فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما ستطعتم ... " 3.

_ 1 سورة التغابن، الآية [16] . 2 رواه البخاري 1/113 كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا. 3 رواه مسلم 1/975 ح1137.

مقدمات الصلاة

مقدمات الصلاة مدخل ... مقدمات الصلاة: تتحقق العبودية الحقة لله خلال الصلاة، بما فيها من الإخلاص والخشوع والتذلل للخالق سبحانه، ويملأ العبد جوانبه بزاد روحي يكسبه قدرة على القيام بالواجبات، وترك المحذورات. وفي الصلاة يلتقي العبد بمولاه، به يستعين، وبه يستغيث، ومنه يطلب الهداية، يتحرك لسانه بالذكر، وينشغل عقله بالتأمل والفكر في معنى الذكر، وقلبه يخفق من عظمة اللقاء، فتشرق جنبات نفسه بالنور، فيرتفع عن الشهوات، ويبتعد عن الشبهات، ويقف عند حدود الله، يعظم ما عظم الله، وينأى عن ما حرم. إنها الرباط الروحي الذي يصل المسلم بمولاه، فيزداد ثباتا واستقرارا، فلا تتزعزع عقيدته، ولا تضعف عزيمته، لأنه دائم الاتصال بالله، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه، أو إن ربه بينه وبين القبلة.." 1. وحتى يقف المسلم بين يدي الله ليؤدي الصلاة، عليه أن يستعد بالطهارة، وستر العورة، وترديد الأذان، والتوجه إلى القبلة، ولا يؤدي صلاة الفريضة إلا عندما يحل وقتها، وفي الصفحات القادمة سنتحدث بشيء من التفصيل عن هذه المقدمات.

_ 1 رواه البخاري 1/106 كتاب الصلاة، باب حك البزاق باليد من المسجد.

الطهارة

1- الطهارة: لم يفرض الله سبحانه فرضا يستمر في حال الصحة والمرض، والغنى والفقر، والسفر والحضر، - غير الصلاة، وألزم عباده بخمس صلوات في كل يوم وليلة، يسعى إليها العبد لمناجاة ربه، فيتهيأ لهذا اللقاء بالتطهر، ومن حكمة الله سبحانه أن جعل الصلاة لا تقبل بغير طهور، فيغتسل العبد أو يتوضأ أو يتيمم، فيطهر جوارحه من ملوثات المادة، ويتجمل ليلقى ربه نظيفا نقيا، وقد تخلص من غفلته وكسله واستبدل ذلك بنشاط وانتباه. لقد عظم الله سبحانه قدر الصلاة فمنع الحائض منها حتى تطهر من حيضها، ومنع النفساء حتى تطهر من نفاسها، فانعكست آثار الطهارة على حياة المسلمين عامة حتى أصبحت النظافة ديدنهم. ويمتد معنى الطهارة إلى ما هو أعمق من النظافة الحسية الظاهرة، فيجوب النفس ويجليها من أصداء المعاصي وأدران الذنوب، فإذا كانت هذه الجوارح هي التي ترتكب المنكرات، فهو يغسل ظاهرها، وكله عزم ويقين على تطهيرها، بالتكفير عن الذنوب، والبعد عن الرذائل، والقرب من الله. وتتحقق الطهارة من الحدث الأصغر بالوضوء، ومن الحدث الأكبر بالغسل، وينوب التيمم عنهما بشروط خاصة سبق ذكرها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً

فَاطَّهَّرُوا} 1، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول " 2. ويجب على المسلم قبل الصلاة أن يتحرى طهارة بدنه وثوبه ومكان صلاته، فإذا علق بأحدها نجاسة مما خرج من السبيلين، أو النجاسات الأخرى فإنه يجب تطهيره بالماء لما روي عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذاء، وكنت أستحي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكانة ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: "يغسل ذكره ويتوضأ" 3. وعن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" 4. وعلى المرأة أن تزيل أثر الدم عنها، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها، فاغسلي عنك الدم وصلي" 5. ولا يليق مع جلال الوقوف بين يدي الله، أن يقف المسلم بثوب قد أصابته النجاسة، قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 6، ولذا يجب تطهير الثوب بغسله بالماء حتى تزول عنه النجاسة، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يأتي فيه

_ 1 سورة المائدة، الآية [6] . 2 رواه مسلم 1/204 ح244. 3 رواه مسلم 1/247 ح 303. 4 رواه الدارقطني 1/127 كتاب الطهارة، باب نجاسة البول، قال العظيم آبادي: المحفوظ مرسل، وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/310 ح 280. 5 رواه البخاري 1/79 كتاب الحيض، باب الاستحاضة. 6 سورة المدثر، الآية [4] .

أهله؟ قال: "نعم. إلا أن يرى فيه شيئا فيغسله" 1. فإن بقي بعد الغسل أثر يشق زواله كلون الدم، فهو معفو عنه، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم لتصلي فيه" 2. أما ذيل ثوب المرأة فالأرض تطهره، لما روي أن امرأة قالت لأم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يطهره ما بعده" 3. وعند إزالة النجاسة من الثوب يجب التأكد من تمام إزالتها وعدم بقاء جرم لها ولا لون أو رائحة أوطعم إلا ما تعذر، وتحصل الطهارة في الثوب الذي أصابه البول بغسله ولو مرة واحدة حتى تزول الرائحة ويذهب الأثر، ويفرك ما علق الثوب من المني يابسا ورطبا. ويجب على المسلم قبل الصلاة أن يتحرى المكان الطاهر يصلي فيه، وتطهر الأرض إذا أصابتها نجاسة بزوال عينها إن كانت النجاسة لها جرم، فإن كانت النجاسة مائعة تطهر بصب الماء عليها، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم

_ 1 رواه ابن ماجه 1/180 ح 542، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/89 ح 440. 2 رواه البخاري 1/79 كتاب الحيض، باب غسل دم الحيض. 3 رواه أبو داود 1/296 ح 383، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/77 ح 369.

النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" 1. والمداومة على الطهارة في الجسد والثوب والمكان، تجعل المسلم في جميع أوقاته طيب النفس، رفيع الذوق، سامي المشاعر، ولنتأمل ماذا كان حالنا لو لم يشترط الشرع هذه الطهارات؟ لذا ينبغي للمسلم أن يطهر باطنه كما طهر جسده وثوبه ومكان صلاته، حتى يقبل على الله وقد خلا قلبه من الحقد والحسد والرياء، فيسارع بالتوبة والاستغفار، والعزم الأكيد على عدم العودة إلى ما يدنس النفس ويغضب الله تعالى. إن مراجعة القلب قبل كل صلاة وتطهيره مما علق به، سيعيد للقلب طمأنينته، وللصدر سلامته، فيكون هذا هو حاله كل وقت، عندئذ يقف العبد أمام ربه لا يشغله شيء من الدنيا، فيخشع لله، ويشعر بلذة العبادة، قال الله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 2.

_ 1 رواه البخاري 1/61 كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد. 2 سورة المائدة، الآية [6] .

ستر العورة

2- ستر العورة: ويجدر بالمسلم قبل أن يدخل في الصلاة أن يلبس أجمل ثيابه، ويشترط فيها أن تستر العورة، قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 1. وأقل الزينة ما يستر العورة، والمسجد بيت الله الذي أنشىء للعبادة، واستجابة لأمر الله تعالى في الآية السابقة، ينبغي للمسلم أن يلبس أحسن ثيابه عندما يتجه إلى المسجد، لأنه سيناجي ربه، رب جميع المخلوقات، وهو سبحانه أجدر أن يزين للقائه، ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالتزين، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبه فإن الله أحق من يزين له" 2، قال ابن عبد البر: احتج من قال الستر من فرائض الصلاة، بإجماع على إفساد من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به، وصلى عريانا، قال: وهذا أجمعوا عليه كلهم3. ويشترط في الثوب أن يستر العورة، فإن كان خفيفا يبدو من تحته لون البشرة لم تجز الصلاة فيه، والشرع عندما يحدد اللباس الذي تصح به الصلاة إنما يلفت إلى تعظيم الله سبحانه وتعالى في الظاهر والباطن،

_ 1 سورة الأعراف، الآية [31] . 2 قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/51 باب الصلاة في الثوب الواحد أو أكثر منه: رواه أبو داود خلا قوله: "فإن الله أحق من يزين له"، رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 3 المغني: ابن قدامه 1/577.

بتغطية مساوىء البدن، فتكون درسا يتعلمه المسلم، فيتزين من الداخل كما تزين من الخارج، ويبتعد عن كل ما يفسد معاني الجمال في النفس. وعورة المرأة الحرة البالغة في الصلاة، تغطي جميع بدنها ما عدا وجهها، فلو كشفت رقبتها أو جميع شعر رأسها في الصلاة تعيد الصلاة، قال ابن عبد البر: وقد أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام1. بل نص بعض الفقهاء على كراهية تغطية المرأة وجهها في الصلاة، أما في غير الصلاة فالوجه أم العورات في النظر. واختلف في يد المرأة وقدمها، هل يجب سترهما في الصلاة؟ ولا يوجد أدلة صريحة على وجوب ستر الكفين والقدمين، والأحوط سترهما. وعورة الرجل البالغ في الصلاة، التي يجب عليه سترها، ما بين السرة والركبة، والسرة والركبة ليسا داخلين فيها. واختلف فيما بين السرة والركبة عدا السوأتين، بين كونها عورة يجب تغطيتها، وبين كونها ليست عورة لتعارض الآثار، لما رواه أنس رضي اله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر ... ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ... "2، ولما روي عن جرهد أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "غط فخذك فإنها من العورة" 3.

_ 1 المغني: ابن قدامه 1/602. 2 رواه البخاري 1/97، 98 كتاب الصلاة، باب ما يذكر في الفخذ. 3 رواه الترمذي 5/111 ح2798 وقال: حديث حسن.

وحديث أنس ضمن الأدلة التي استدل بها الفريق القائل أن الفخذ ليست عورة، ولو كانت عورة لما كشفها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن بن مالك ولا لغيره. وحديث جرهد مما استدل به على أنه عورة. قال البخاري رحمه الله: حديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط1. وجواب ذلك: أن ما رواه أنس خارج الصلاة، والصحيح أن العورة للرجل في الصلاة ما بين السرة والركبة، وكذلك عورة المرأة دون البلوغ، والرقيقة ما بين السرة والركبة، أما عورة الصبي من سبع إلى عشر فالسوأتان فقط، ومن دون السبع فليس له عورة مطلقا. وقد قسم الحنابلة العورة إلى ثلاثة أقسام: 1-مغلظة: للمرأة الحرة البالغة. 2-متوسطة: للرجل البالغ والمرأة دون البلوغ والرقيقة. 3-مخففة: لابن سبع إلى عشر سنين.

_ 1 صحيح البخاري 1/97 كتاب الصلاة، باب ما يذكر في الفخذ.

الأذان

3- الأذان: معنى الأذان والإقامة وحكمهما: والأذان لغة: الإعلام، وشرعا: الإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة بذكر مخصوص، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} 1، وعن مالك ابن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ... " 2. والإقامة: هي الإعلام بالقيام إلى الصلاة المفروضة بذكر مخصوص. وحكم الأذان والإقامة فرض كفاية على جماعة الرجال، إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، لما رواه مالك ابن الحويرث، فقول "أحدكم" دل على أنه فرض كفاية. نداء حبيب: والأذان نداء حبيب إلى كل نفس مؤمنة، يدعو إلى خير عمل، وأعظم لقاء، في أطهر مكان. فهو عبادة تتقدم الصلاة، يتردد صداها في الكون، الله أكبر، فكل ما نتصور أنه كبير، فالله أكبر، فكل شيء دون الله حقير، التجارة، الأموال، المتاع، الدنيا، ياله من نداء عظيم،

_ 1 سورة الجمعة الآية [9] . 2 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان، باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد.

يدعو إلى التوحيد ونفي الشرك، ويثبت الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، فيرتفع ذكره مع كل أذان مقترنا بذكر الله تعالى، يتردد عبر الأزمان. يدعو النداء أمة الإسلام أن تقبل على الله لأداء الصلاة، والفوز برضاه، وإلى الطاعة في صلاة الجماعة، في بيت الله، إلى الفلاح في الدنيا والآخرة. وينتهي الأذان معلنا لكل من شغلته الدنيا وألهته، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، حتى ينتبه، ويترك كل شيء، ويسعى إلى لقاء الله. مشروعية الأذان: شرع الأذان في السنة الأولى من الهجرة، ودليل مشروعيته، ما رواه عبد الله بن زيد رضي الله عنه، قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت له: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى. قال: فقال: تقول: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله "، قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا أقيمت الصلاة: "الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، لا إله إلا الله"، فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال: "إنها لرؤيا

حق إن شاء الله، فقم مع بلال، فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتا منك"، فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجر رداءه، ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلله الحمد" 1.

_ 1 رواه أبو داود 1/337، 338 ح 499 واللفظ له، وابن ماجه 1/233 ح706، والترمذي مختصرا 1/358، 359 ح 189 وقال: حسن صحيح، ومسلم ونحوه عن أبي محذورة 1/287 ح379.

صور الأذان: وقد ورد الأذان بعدة صور ثابتة المشروعية، لذا ينبغي عدم التزام صورة واحدة منها، حتى لا يترتب على ذلك هجر لوجوه صحيحة من السنة. مثل الآذان الإقامة، والأفضل الإتيان بكل وجه تارة، لما فيه من الشمول والنفع. لفظ الآذان ... عدد الجمل ... عدد الجمل ... عدد الجمل ... عدد الجمل الله أكبر ... 4 ... 4 ... 2 ... 2 أشهد أن لا إله إلا الله ... 2 ... 2 2ترجيعا يخفض بها صوته ... 2 2ترجيعا يخفض بها صوته ... 2 أشهد أن محمدا رسول الله ... 2 ... 2 2ترجيعا يخفض بها صوته ... 2 2ترجيعا يخفض بها صوته ... 2 حي على الصلاة حي على الفلاح ... 2 ... 2 ... 2 ... 2 الله أكبر لا إله إلا الله ... 1 ... 1 ... 1 ... 1 ... أذان بلال رضي الله عنه لحديث عبد الله بن زيد المتقدم ... عن أبي محذورة "أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة" [1] ... لما رواه الإمام مسلم عن أبي محذورة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم علمه هذا الأذان [2] ... عن مالك، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان الأذان على عهد رسول الله مثنى مثنى والإقامة مرة مرة.. [3] [1] رواه الترمذي 1/367 ح 192، وقال: حسن صحيح. [2] رواه مسلم 1/287 ح379. [3] رواه النسائي2/3 كتاب الأذان، باب تثنية الأذان، وحسنه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/135 ح610، قال ابن حجر في فتح الباري 2/83: وذلك يقتض أن تستوي جميع ألفاظه في ذلك ولكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة.

صور الإقامة: لفظ الإقامة ... عدد الجمل ... عدد الجمل ... عدد الجمل الله أكبر ... 2 ... 4 ... 2 أشهد أن لا إله إلا الله ... 1 ... 2 ... 1 أشهد أن محمدا رسول الله ... 1 ... 2 ... 1 حي على الصلاة ... 1 ... 2 ... 1 حي على الفلاح ... 1 ... 2 ... 1 قد قامت الصلاة ... 2 ... 2 ... 1 الله أكبر ... 2 ... 2 ... 2 لا إله إلا الله ... 1 ... 1 ... 1 ... إقامة بلال رضي الله عنه لحديث عبد الله بن زيد المتقدم ... لحديث أبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والإقامة سبع عشرة كلمة" [1] ... وبه أخذ مالك رحمه الله من الإقتصار على التكبير في الأذان مرتين، وعلى كلمة الإقامة مرة واحدة، لأن ذلك عمل أهل المدينة [2] . إلا أن ابن القيم رحمه الله ذكر أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إقرار كلمة "قد قامت الصلاة" البتة [3] . وقال ابن عبد البر: ذلك من الاختلاف المباح..فإن ثنى الإقامة أو أفردها كلها أو إلا "قد قامت الصلاة" فالجميع جائز [4] [1] رواه النسائي 2/4 كتاب الأذان، باب كم الأذان من كلمة؟ واللفظ له، والترمذي 1/367 ح192 وقال: حسن صحيح. [2] انظر زاد المعاد: ابن القيم الجوزية 2/390. [3] المصدر السابق.2/389. [4] فتح الباري: ابن حجر 2/84.

الحكمة في تثنية الأذان وإفراد الإقامة: قال ابن حجر: قيل: ... الأذان لإعلام الغائبين فيكرر ليكون أوصل إليهم، بخلاف الإقامة فإنها للحاضرين، ومن ثم استحب أن يكون الأذان في مكان عال بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة، وأن يكون الأذان مرتلا، والإقامة مسرعة. ويشرع للمؤذن في أذان الصبح فقط قول: "الصلاة خير من النوم" مرتين بعد الحيعلتين، لما قال أبو محذورة: يا رسول الله: علمني سنة الأذان.. وفيه".. فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله"1. ويشرع الأذان في الحضر والسفر، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره لمالك بن الحويرث وأصحابه ".. فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم." 2 وقد كانوا على أبهة سفر. ومن نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها بعد أن يؤذن لها ويقيم، لما روي عن عمرو بن أمية الضمري قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فنام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "تنحو عن هذا المكان" قال: ثم أمر بلالا فأذن، ثم توضؤوا وصلوا ركعتي الفجر، ثم أمر بلالا فأقام الصلاة، فصلى بهم

_ 1 رواه أبو داود 1/340ح500، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود1/100ح472، وأخرجه الترمذي مختصرا 1/366ح191 وقال: حديث أبي محذورة في االأذان حديث صحيح. 2 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة ...

صلاة الصبح"1. فإن تعددت الفوائت صلاها بأذان واحد، وإقامة لكل صلاة، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين شغله المشركون عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء، فأمر بلالا فأذن أذانا واحدا، ثم أقام للظهر، وأقام للعصر، وأقام للمغرب، وأقام للعشاء. شروط الأذان: ويشترط للأذان ما يلي: 1- دخول الوقت، لحديث " ... فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ... "، وحضور الصلاة معناها حضور وقتها، والأذان إعلام بدخول الوقت، ولا يكون ذلك قبله. قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن للصلوات بعد دخول وقتها إلا الفجر، ولأن الأذان شرع للإعلام بالوقت، فلا يشرع قبل الوقت، لئلا يذهب مقصوده"2. 2- الإسلام. 3- البلوغ والعقل، لأن غيرهما غير موثوق به. 4- الذكورية، قال ابن عمر رضي الله عنهما: "ليس على النساء أذان ولا إقامة"3 فليست المرأة من أهل الأذان.

_ 1 رواه أبو داود 1/308، 309 ح444، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/90 ح428. 2 المغني ابن قدامة 1/409. 3 رواه البيهقي 1/408 كتاب الصلاة، باب ليس على النساء أذان والإقامة.

قال ابن قدامة: "لا أعلم فيه خلاف.." وروي عن أحمد قال: إن فعلن فلا بأس، وإن لم يفعلن فجائز1. 1- عدم الزيادة أو النقص عما ورد به النص، لأن الأذان عبادة، ومدار العبادات على اتباع، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" 2. 2- رفع الصوت بالنداء، وإن كان منفردا في صحراء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فليؤذن لكم أحدكم" 3، وقوله "لكم" يشير إلى رفع الصوت ليسمع الآخرين، فمن خفت صوته كان آذانه لنفسه فقط، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه، أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال له: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء شهد له يوم القيامة"، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم4. 3- أن يؤتى بوجه لا يتغير به المعنى. ويستحب للمؤذن أن يبتغي بآذانه وجه الله وأن يكون طاهرا من الحدثين، وأن يؤذن قائما مستقبل القبلة، وأن يلتفت يمينا في (حي على الصلاة) ، وشمالا في (حي على الفلاح) وأن يدخل إصبعيه في أذنيه

_ 1 المغني: ابن قدامة 1/422. 2 رواه البخاري 8/156 كتاب الاعتصام بالسنة، باب إذا اجتهد العالم أو الحاكم خلاف الرسول من غير علم فحكمة مردود. ومسلم 2/1344 ح1718. 3 رواه البخاري1/ 155. كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة الإقامة.. 4 رواه البخاري 1/151 كتاب الأذان، باب رفع الصوت بالنداء.

لفعل بلال رضي الله عنه. عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة" 1، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا.." 2. ويسن أن يردد من يسمع الأذان فيقول مثل ما يقول المؤذن، لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن" 3، إلا في الحيعلتين فيقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "..ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله" 4. ويسن للمؤذن ولمن سمع الأذان وأجاب المؤذن، أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعده ثم يسأل الله له الوسيلة، لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" 5.

_ 1 رواه مسلم 1/190ح 387. 2 رواه البخاري 1/152 كتاب الأذان باب الإستهام. 3 رواه مسلم 1/288ح 383. 4 رواه مسلم1/289 ح385. 5 روام مسلم1/289 ح384.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة" 1.

_ 1 رواه البخاري 1/152 كتاب الأذان باب الدعاء عند الأذان.

استقبال القبلة

4- استقبال القبلة: معنى القبلة لغة وشرعا: والقبلة لغة: الجهة، وكل ما يستقبل من الشيء. وشرعا: يراد بها البيت الحرام، الكعبة. حكم استقبال القبلة: واستقبال البيت الحرام عند الصلاة واجب، لقول الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 1 فاستقبال القبلة شرط لصحة الصلاة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "..إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر ... " 2. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، ثم صرفنا نحو الكعبة"3. وقد جاءت بعض الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة قبل الهجرة بين الركنين، والكعبة بين يديه، ووجهه إلى بيت المقدس. ومن تمكن من رؤية الكعبة، وجب عليه استقبال عينها، فإن حال

_ 1 سورة البقرة لآية [144] . 2 رواه مسلم 1/298ح397. 3 رواه مسلم 1/374ح525.

بينه وبينها حائل استقبل جهتها، وتحرى لذلك قدر الإمكان، لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} 1 وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 2، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم.." 3. وقال أهل العلم: لا يضر الانحراف اليسير، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" 4، قاله لأهل المدينة لأن قبلتهم جنوب. بم تعرف القبلة؟ وتعرف القبلة بالمحاريب في المساجد، أوببيت الإبرة (البوصلة) ، فإن خفيت لغيم أو ظلمة سأل من يدله عليها، فإن عدم اجتهد وصلى إلى جهة اجتهاده، وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، حتى لو ظهر له خطؤه بعد فراغه من صلاته، فإن تبين خطؤه في جهة القبلة أثناء الصلاة، توجه إلى القبلة ولا يقطع صلاته، والدليل على ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "بينما الناس في صلاة الصبح بقباء، إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة"5، والشاهد في هذا الحديث أنهم لم يقطعوا صلاتهم عندما تغيرت القبلة واستداروا إلى الكعبة. فإن اختلف في جهة القبلة، صلى كل منهم إلى ما يعتقد، والجاهل

_ 1 سورة البقرة، آية [276] 2 سورة التغابن، آية [16] . 3 رواه مسلم 1/975ح1337. 4 رواه الترمذي في سننه 2/173ح342.وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/109 ح282. 5 رواه مسلم 1/375 ح526.

بعلامتها يتبع العارف. متى يسقط استقبال القبلة؟ ويسقط استقبال القبلة في المواضع التالية: 1- عند العجز عنه، كالأعمى الذي لا يجد من يوجهه، والمريض الذي ليس عنده من يوجهه، والمأسور المقيد إلى جهة غير القبلة، وقبلتهم هي الجهة التي يقدرون على استقبالها، لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} 1، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ".. فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ... " 2. 2- عند الخوف من آدمي أو غيره على النفس أو المال، فيستقبل الخائف الجهة التي يقدر على استقبالها، لقول الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} 3، ورجالا: أي مشاة على أرجلكم، وذلك قد لا يكون جهة القبلة، قال ابن عمر رضي الله عنهما: مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها، قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما، ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"4. 3- صلاة النفل للمسافر، لما ثبت في صحيح مسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته حيث توجهت به" 5.

_ 1 سورة البقرة، آية [286] . 2 رواه مسلم 1/907 ح1337. 3 سورة البقرة، آية [239] . 4 رواه البخاري 5/162،136 كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً.} . 5 رواه مسلم 1/486ح700.

وورد من حديث أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة، فكبر، ثم صلى حيث وجهه ركابه"1. يتنفل الراكب على دابته، ويستحب له أن يتجه إلى القبلة عند تكبيرة الإحرام، ويومئ بالركوع والسجود، وتكون إيماءة السجود أخفض من الركوع، ويصلي حيث اتجه به ركابه. ولا بد أن يستشعر المصلي وهو يتوجه إلى القبلة، أنه يعبد الله بهذا التوجه، لأنه ينفذ أمره، قال الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 2، وعليه أن يتوجه بقلبه في صلاته إلى خالقه. وما أجمل الشعور بالوحدة التي تجمع المسلمين في صلاتهم، يعبدون ربا واحدا، ويتجهون قبلة واحدة، يضمهم وحدة الدين عقيدة وسلوكا، إنه شعور يملأ النفس عزة وأمنا، قوة ويقينا وثباتا.

_ 1 رواه أبو داود 2/21ح1225، وقال الحافظ المنذري في مختصر سنن أبي داود 2/59ح1179: إسناده حسن. 2 سورة البقرة، آية [144] .

حلول الوقت للفريضة

5-حلول الوقت للفريضة: ومن مقدمات الصلاة، دخول الوقت، فلا صلاة قبله، لأن الصلاة لها أوقات محدودة لابد أن تؤدى فيها، وتتعين قبل خروجه، لقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} 1. وقد بين الإسلام عدد الصلوات المفروضة في اليوم والليلة، قال الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} 2، و (دلوك الشمس) زوالها عن كبد السماء، وهو بداية وقت الظهر، (إلى غسق الليل) وهو بداية ظلمة الليل، ويدخل فيه العصر والمغرب والعشاء، (وقرآن الفجر) أي وأقم صلاة الفجر، وفي هذه الآية إشارة مجملة إلى الأوقات. وعن أنس رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كم افترض الله عز وجل على عباده من صلوات؟ قال: "افترض الله على عباده صلوات خمسا" قال يارسول الله هل قبلهن أو بعدهن شيئاً قال: "افترض الله على عباده صلوات خمساً" فحلف الرجل لا يزيد عليه شيئا، ولا ينقص منه شيئا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صدق ليدخلن الجنة" 3. والوقت أهم شروط الصلاة، وأحقها بالمراعاة، وإن ترتب على

_ 1 سورة النساء، الآية [103] . 2 سورة الإسراء، الآية [78] . 3 رواه النسائي 1/228،229 كتاب الصلاة، باب كم فرضت في اليوم والليلة؟، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/100ح445.

ذلك فوات غيره من الشروط، كأن يتيمم خشية خروج الوقت، أو لا يستر عورته خشية فوات الوقت. أوقات الصلاة: ووقت الفجر: من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. ووقت الظهر: من زوال الشمس عن وسط السماء إلى أن يصير ظل كل شيء مثله. ووقت العصر: من خروج وقت الظهر إلى اصفرار الشمس، وقيل: حتى يكون ظل كل شيء مثليه. ووقت المغرب: من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر. ووقت العشاء: من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل، وقيل: إلى ثلثي الليل، وقيل: إلى طلوع الفجر. وقد حددت السنة مواقيت الصلاة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال: قم يا محمد فصل الظهر حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر، فقال: قم يا محمد فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال: قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح، فقال: قم يا محمد فصل فقام فصلى الصبح ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله، فقال: قم يا محمد فصل، فصلى الظهر، ثم جاءه جبريل عليه السلام حين كان فيء الرجل مثليه فقال: قم يا محمد فصل، فصلى العصر، ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحدا لم يزل عنه، فقال: قم فصل، فصلى المغرب، ثم جاءه

للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول فقال: قم فصل فصلى العشاء، ثم جاءه للصبح حين أسفر جدا، فقال: قم فصل، فصلى الصبح، فقال: ما بين هذين وقت كله" 1. بم تدرك الصلاة؟ ولا تجزئ الصلاة قبل الوقت جهلا كانت أو عمدا، ويحرم تأخيرها عن وقتها لغير عذر شرعي، ولا يدرك الوقت إلا بركعة كاملة، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" 2، وهذا لجميع الصلوات، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته" 3 والسجدة الركعة، وتقع الصلاة أداء. فمن أدرك أقل من ركعة لم يدرك الصلاة، ولا يجوز تعمد تأخير الصلاة إلى هذا الوقت. حكم تأخير الصلاة لغير عذر: -اختلف العلماء فيمن أخر الصلاة عن وقتها لغير عذر، هل يلزمه القضاء؟ وهل يلزمه تجزئة؟، على قولين: الأول: يرى الجمهور أنها تجزئ ويجب عليه القضاء، لما رواه أبو

_ 1 رواه النسائي 1/263 كتاب المواقيت، باب أول وقت العشاء، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/115ح512. 2 رواه البخاري 1/145 كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الصلاة ركعة. 3 رواه البخاري 1/139 كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب.

هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" 1، فإذا كان هذا حال المعذور، فالمتعمد من باب أولى، وعلى هذا الأئمة الأربعة. والثاني: ما ذهب إليه شيخ الإسلام، وهو مذهب الظاهرية أيضا، أنه لا يقضيها، ولو قضاها لا تجزئه، واستدلوا بقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} 2، فوقوع الصلاة قبل وقتها أو بعده أداء لها في غير موضعها الذي كتب الله. عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" 3. -وأجابوا عن حديث "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" 4، بأن المعذور صلاته في الحقيقة ليست قضاء بل أداء، وقولهم بعدم وجوب القضاء على من لا عذر له ليس بغرض التخفيف، وإنما تنكيل له وعقوبة من الله أن لا يقبل صلاته. لذا يجب أداء الصلاة المفروضة في وقتها، فمن أخرها لغير عذر أثم إثما عظيما، بخلاف من أخرها لعذر فلا إثم عليه، والعذر قد يكون مسقطا للصلاة كالحائض والنفساء، فلا قضاء عليهما لما فاتهما زمن الحيض والنفاس، وقد يكون العذر مباحا لتأخير الصلاة عن وقتها كالنوم والنسيان.

_ 1 رواه الترمذي 1/334ح177، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/57ح149، الإرواء 1/291ح263. 2 سورة النساء، الآية [103] . 3 رواه البخاري 8/156 كتاب الاعتصام بالسنة، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول من غير علم فحكمه مردود، ومسلم 2/1344ح1718. 4 4 رواه الترمذي 1/334ح177، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/57ح149، الإرواء 1/291ح263.

ويجب قضاء الفوائت مرتبة على الفور، لقول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} 1، ولما روي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك" 2، وينبغي مراعاة الترتيب في قضاء الفوائت، فعندما شغل الأحزاب النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، صلى رسول صلى الله عليه وسلم العصر أولا ثم المغرب، لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، قال: يا رسول الله، ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله ما صليتها" فقمنا إلى بطحان، فتوضأ للصلاة، وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب"3. وفي جمع النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة في سفره، كان يقدم الأولى على المتأخرة. فإن خشي المصلي إن بدأ بالفائتة خروج وقت الحاضرة، بدأ بالحاضرة، وعليه أن يقضي الصلاة على صفتها تبعا لحالها الذي فاتت عليه، من عدد ركعاتها وسريتها وجهريتها، فلو ذكر صلاة حضر في سفر أداها على صفتها في الحضر، والعكس، لحديث أبي قتادة لما ناموا عن صلاة الصبح ثم انتبهوا بعد طلوع الشمس، قال فيه: "..ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم صلى الغداة، فصنع كما كان

_ 1 سورة طه، الآية [14] . 2 رواه البخاري 1/148 كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها. 3 رواه البخاري 1/147،148 كتاب مواقيت الصلاة، بابمضن صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت.

يصنع كل يوم ... "1. قال الخطابي: وفيه دليل على أنه إن ذكر الفائتة في وقت من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، صلاها ولم يؤخرها2.

_ 1 رواه مسلم 1/472، 473ح681. 2 أعلام الحديث: الخطابي 1/ 453.

صفة الصلاة

صفة الصلاة صفة الصلاة ... صفة الصلاة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مالك بن الحويرث " ... وصلوا كما رأيتموني أصلي ... " 1، وقد أم الأمين جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عند باب الكعبة معلما إياه كيفية الصلاة وأوقاتها، وقد تعلمها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وتناقلها المسلمون من بعدهم، جيلا من بعد جيل حتى زمننا الحاضر. والصلاة عبادة يشترط لها الإخلاص لله سبحنه وتعالى، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن لم يخلص لله فقد أشرك ولا تصح عبادته، لقول الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 2، ومن لم يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبادته مردودة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 3. والصلاة هي أعظم أركان الإسلام، من تركها جحودا وإنكارا كفر وخرج من الإسلام، ومن تركها تكاسلا وتشاغلا عنها دون عذر شرعي كان كافرا، والسنة الصريحة في ذلك، عن جابر رضي الله عنه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" 4. والصلاة قيام فيه قراءة، وركوع فيه تسبيح، واعتدال منه فيه حمد،

_ 1 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة ... 2 سورة الزمر، الآية [65] . 3 رواه مسلم 2/1343ح1718. 4 رواه مسلم 1/88ح82.

وسجدتان بينهما جلسة فيهما تسبيح، وكل هذا يسمى ركعة، والصلاة تتكون من ركعات، والصلوات المفروضة خمس: الصبح فرضه ركعتان في الحضر والسفر، والظهر والعصر والعشاء فرض كل صلاة أربع ركعات في الحضر وركعتان في السفر، والمغرب فرضه ثلاث ركعات في الحضر والسفر. والصلاة يؤديها المسلم منفردا أو في جماعة، فإذا صلى في جماعة فما أحسن أن يتوضأ المسلم في بيته ويسبغ الوضوء، ثم يخرج بنية الصلاة مع الجماعة، فإن فعل ذلك فلم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد.." 1. وينبغي أن يمشي إلى الصلاة بسكينة ووقار، لأنه مقبل على مكان يقف فيه بين يدي الله عز وجل، ولا يسرع حتى لو خاف أن تفوته الصلاة، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" 2، فهذا أدب مع الله عز وجل. فإذا دخل المسلم المسجد صلى ما تيسر له ما لم يكن أذن، فإن كان قد أذن صلى الراتبة، وإن لم يكن للفريضة الراتبة قبلها صلى سنة ما بين الأذانين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " بين كل الأذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة".

_ 1 رواه مسلم 1/459ح649. 2 رواه البخاري 1/156 كتاب الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة، وليأت بالسكينة والوقار.

ثم قال في الثالثة: لمن شاء"1، وتجزىء هذه الصلاة أو الراتبة عن تحية المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" 2، ويتفق ذلك بصلاة الراتبة، أو سنة ما بين الأذانين، بعدها يجلس المسلم بنية انتظار الصلاة، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفرله، اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة" 3. ولا يضره تأخر الإمام، لأنه في صلاة ما انتظر الصلاة، والملائكة تصلي عليه وتستغفر له ما دام في مصلاه. فإذا أقيمت الصلاة قام، ولا بأس بالقيام في أول الإقامة أو في أثنائها أو عند انتهائها، فكل ذلك جائز، لأن السنة لم تحدد موضع القيام، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" 4، والغاية أن يتهيأ المسلم للدخول في الصلاة حتى لا تفوته تكبيرة الإحرام. وتجب تسوية الصف، لما روي عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" 5.

_ 1 رواه البخاري 1/154 كتاب الأذان، باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء. 2 رواه البخاري 1/114 كتاب الصلاة، باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين. 3 رواه البخاري 1/160 كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد. 4 رواه البخاري 1/ 156، 157 كتاب الأذان، باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة. 5 رواه البخاري 1/176 كتاب الأذان، باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها.

قال النووي: معناه يوقع بينكم العدواة والبغضاء واختلاف القلوب1. ولا يخفى ما في ترك تسوية الصفوف من الإثم والمخالفة، ولهذا وجبت التسوية، ولا يجوز التفريط فيها لحرمة ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتسوية الصف، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة " 2. ولا تعني مخالفة التسوية بطلان الصلاة على الراجح، لأن التسوية واجب للصلاة، وليست واجباً فيها، والواجب للصلاة يأثم تاركه ولا تبطل به الصلاة كالأذن. والعبرة بالتسوية المحاذاة والموازاة، لما رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه" 3، وقال النعمان بن بشير: "رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه"4. هذا هو المعتبر. وينبغي مع المحاذاة التراص في الصف، بأن لا يترك فرجات للشياطين، لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله،

_ 1 فتح الباري: ابن حجر 2/207. 2 رواه البخاري 1/177 كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة. 3 رواه البخاري 1/177 كتاب الأذان، باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف. 4 رواه أبو داود 1/433 ح 666، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/131 ح 620.

ومن قطع صفاً قطعه الله" 1، وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف" 2"3. كما ينبغي إكمال الصف الأول قبل الشروع في الصف الثاني، وهكذا، مع مراعاة التقارب بين الصفوف والإمام، ويلزم أن تفرد صفوف النساء وحدها خلف الرجال، ويجب تأخيرها عن صفوف الرجال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها" 4. وبعد أن يسوي الصف مستقبلاً القبلة بجميع بدنه قاصداً بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة، ولا يتلفظ بالنية، لأن التلفظ بها غير مشروع وبدعة، ولم يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم أنه تلفظ بها. ويجعل له سترة يصلى إليها إن كان إماماً أو منفرداً، لما روي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود ... " 5.

_ 1 رواه أبو داود 1/133 ح 666، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود1/131 ح 620. 2 الحذف: غنم صغار سود تكون بأرض اليمن. 3 رواه أبو داود 1/434 ح 667، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/131 ح 621. 4 رواه مسلم 1/326 ح440. 5 رواه مسلم 1/365 ح510.

ويكبر تكبيرة الإحرام قائلاً: " الله أكبر" ناظراً ببصره إلى محل سجوده، ولا يجزئ غيرها، لأن ألفاظ الذكر توقيفية، يتوقف فيها على ماورد به النص، ولا يجوز إبدالها بغيرها، فإن عجز عن النطق بها لعدم معرفته باللغة العربية، كبر بلغته ولا حرج عليه، لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} 1، ولا تنعقد الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام، لحديث علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" 2. ويرفع يديه مضمومتي الأصابع ممدودة حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه، قبل التكبير أو بعده أو معه، فكل هذه الصفات فاعلها مصيب للسنة، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده، ولا يفعل ذلك في السجود " 3. وينبغي فعل العبادات الواردة على وجوه متنوعة في أوقات مختلفة لما في ذلك من حضور القلب واتباع السنة وإحيائها.

_ 1 سورة البقرة، الآية (286) . 2 رواه الترمذي 1/9 ح 3، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/4 ح 3:حسن صحيح. 3 رواه البخاري 1/180 كتاب الأذان باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع.

وبعد أن ينزل يديه من الرفع، يضعهما على صدره، اليمنى على ظهر كفه اليسرى، قابضاً بيمناه كوع 1 يسراه، أو واضعاً يده على الذراع من غير قبض، فكلاهما سنة. ويسن أن يقرأ دعاء الاستفتاح، لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ، فقلت: يارسول الله بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماتقول؟ قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد" 2، وإن شاء قال بدلاً عن ذلك: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" 3، أو يقول: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" 4، أو غير ذلك مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

_ 1 الكوع: هو العظم الذي يلي الإبهام (أي مفصل الكف من الذراع) ، ويقابله الكرسوع: وهو الذي يلي الخنصر، والرسغ هو الذي بينهما. 2 رواه البخاري 1/181 كتاب الأذان، باب مايقول بعد التكبير، ومسلم 1/419 ح 598 واللفظ له. 3 رواه مسلم بسند في انقطاع 1/299 ح 399، والدارقطني موصولاً وموقوفاً على عمر1/299 باب دعاء الاستفتاح بعد التكبير، وقد روي هذا الحديث من عدة طرق، قال ابن حجر في تلخيص الحبير 288/229 ح 340 رواه أبو داود والحاكم ورجال إسناده ثقات، لكن فيه انقطاع.... قال ابن خزيمة: هذا صحيح عن عمر لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الحاكم: وقد صح ذلك عن عمر. 4 رواه مسلم 1/534 ح 770.

وينبغي للإنسان أن يستفتح بهذا مرة، وهذا مرة، ليأتي بالسنن كلها، وليكون ذلك إحياء للسنة وإحضاراً للقلب، ولا يجمع بينها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجمع بينها في جوابه على سؤال أبي هريرة. ثم يقول: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم" ويقرأ: سورة الفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" 1. والفاتحة ركن من أركان الصلاة، وشرط لصحتها، فلا تصح الصلاة بدونها، يقولها المصلي في كل ركعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته حين وصف له الركعة الأولى قال: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" 2، فكما أن الركوع والسجود والقيام والقعود ركن في كل ركعة، فكذلك قراءة الفاتحة ولا فرق، وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم على قراءتها في كل ركعة، ولم يحفظ عنه أنه أخل بها في ركعة من الركعات. ولا تسقط إلا عن مسبوق أدرك الإمام راكعاً أو قائماً ثم شرع فيها وخاف أن يفوته الركوع قبل أن يتمها، لحديث أبي بكرة رضي الله عنه: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "زادك الله حرصاً ولا تعد" 3، ولم يأمره بقضاء الركعة التي أدرك ركوعها دون قراءتها، ولو كانت الركعة غير صحيحة لأمره بإعادتها كما أمر المسيء صلاته بإعادة الصلاة لعدم الإتيان بأركانها. والفاتحة ركن في القيام، والمسبوق سقط عنه القيام لمتابعة إمامه، فلما سقط عنه المحل سقط الحال. وتجب قراءة الفاتحة ركناً على الإمام والمأموم

_ 1 رواه مسلم 1/295 ح 394. 2 رواه البخاري 1/192 كتاب الأذان، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة. 3 رواه البخاري 1/190 كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف.

والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية، ولا تسقط إلا عن المسبوق الذي ذكرنا. وقد دلت السنة على وجوب قراءتها على المأموم في صلاة الفجر، وصلاة الفجر جهرية، ففي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: " لعلكم تقرؤون خلف إمامكم " قلنا: نعم. هذا يارسول الله، قال: "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" 1. وروى الإمام أحمد رحمه الله عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب محمد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلكم تقرءوون والإمام يقرأ"، قالها ثلاثاً، قالوا: إنا لنفعل ذاك، قال: "فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب" 2. ويقول بعد الفاتحة (آمين) للمنفرد والمأموم والإمام، جهراً في الصلاة الجهرية، وسراً في السرية، وينبغي للمأموم أن يوافق الإمام فلا يسبقه ولا يتأخر عنه، ويسن أن يقرأ بعدها ما تيسر من القرآن. ثم يركع مكبراً رافعاً يديه حذو منكبيه أو أذنيه، ثم يضعهما على ركبتيه معتمداً عليهما، مفرقاً أصابعه، جاعلاً رأسه مستوياً مع ظهره،

_ 1 رواه أبو داود 1/515 ح 823، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/231 ح 344: صححه أبو دود والترمذي والدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي من طريق ابن إسحاق ... ومن شواهده ما رواه أحمد من طريق خالد الحذاء. 2 رواه أحمد 5/410، حديث رجل م أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/231: إسناده حسن، ورواه ابن حبان من طريق أيوب عن أبي قلابة عن أنس.

ويطمئن في ركوعه ويقول: "سبحان ربي العظيم"، والأفضل أن يكررها ثلاثاً أو أكثر، فيجتمع بهذا الذكر التعظيم القولي، وبالركوع التعظيم الفعلي لله سبحانه وتعالى. ويستحب أن يزيد على"سبحان ربي العظيم" (وبحمده) ، لورود ذلك في السنة الصحيحة، كما يشرع له ما صح به الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" 1، ومما صحت به السنة أيضاً ماروي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" 2. ويسن أن يفرج عضديه عن جنبيه ما لم يؤذ جاره، فإن آذاه فلا ينتهك حرمة المسلم من أجل فعل سنة. ثم يرفع رأسه من الركوع رافعاً يديه إلى حذوا منكبيه أو أذنيه قائلاً: "سمع الله لمن حمده" 3 إن كان إماماً أو منفرداً، ويقول حال قيامه: "ربنا ولك الحمد"، وبعد رفعه: " حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه". ملء السماوات وملء الأرض وملء ماشئت من شيء بعد4 أما إن كان مأموماً فإنه يقول عند الرفع: " اللهم ربنا ولك الحمد"، فإذا اطمأن قائماً قال: "حمداً كثيراً طيباً ... " إلى آخر ما تقدم. والرفع من الركوع ركن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "ثم ارفع حتى تعتدل قائماً"5، أما رفع اليدين فإنه سنة، ويشرع أن يزاد بعد

_ 1 رواه البخاري 1/193 كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع. 2 رواه سلم 1/353 ح 487. 3 رواه البخاري 1/193 كتاب الأذان، باب فضل اللهم ربنا لك الحمد. 4 رواه مسلم 1/347 ح 477. 5 رواه البخاري 1/184 كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها....

القيام من الركوع: " ... أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"1. ويستحب أن يضع كل منهم يده اليمنى على اليسرى على صدره، كما فعل في قيامه قبل الركوع، لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل بن2 حجر وسهل3 بن سعد رضي الله عنهما. ولقد دلت السنة على مقدار الاعتدال بعد الركوع، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: " رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين، فسجدته، فجلسته ما بين التسليم والانصراف، قريباً من السواء"4. ثم يسجد مكبراً واضعاً ركبتيه قبل يديه إذا تيسر ذلك، فإن شق عليه قدم يديه قبل ركبتيه، مستقبلاً بأصابع رجليه ويديه القبلة، ضاماً أصابع يديه، ويكون على أعضاء السجود السبعة، الجبهة مع الأنف، واليدين والركبتين، وبطون أصابع الرجلين، ويقول: " سبحان ربي الأعلى"، ويكرر ذلك ثلاثاً أو أكثر. ويستحب أن يقول مع ذلك: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" ويقول" سبوح قدوس رب الملائكة والروح"، ويكثر من الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود

_ 1 رواه مسلم 1/347/477. 2 رواه ابن خزيمة 1/243 ح 479، قال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/224 ح 331: وأصله في صحيح مسلم. 3 رواه البخاري 1/180 كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى. 4 رواه مسلم 1/343 ح 471.

فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" 1، ويسأل ربه من خير الدنيا والآخرة سواء أكانت الصلاة فرضاً أم نفلاً، ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويرفع ذراعيه عن الأرض، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" 2. وللمصلي أن يضع يديه على الأرض حذاء المنكبين، وإن شاء قدمهما وجعلهما حذاء الجبهة أو فروع الأذنين، فكل هذا مما جاءت به السنة. والسجود من كمال التعبد لله والذل له سبحانه، فالإنسان يضع أشرف ما فيه وهو وجهه بحذاء أدنى ما فيه وأسفل ما فيه وهو قدمه، تعبداً لله تعالى وتقرباً إليه. ومن أجل ذلك يكون الإنسان أقرب إلى الله وهو ساجد، قال الله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} 3، لذا ينبغي أن تسجد قلوبنا قبل أن تسجد جوارحنا، حتى يدرك الإنسان في هذا الذل والتواضع لله عز وجل لذة السجود وحلاوته، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" 4. ثم يرفع رأسه مكبراً، ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها، ظهرها إلى الأرض وبطنها إلى أعلى، وينصب رجله اليمنى، ويضع يديه على

_ 1 رواه مسلم 1/348 ح 479. 2 رواه البخاري 1/200 كتاب الأذان باب لا يفترش ذراعيه في السجود، ومسلم 1/355 ح 493. 3 سورة العلق، الآية (19) . 4 رواه مسلم 1/350 ح 482.

فخذيه، وأطراف أصابعه عند ركبتيه، أو يضع اليد اليمنى على الركبة، واليد اليسرى يلقمها الركبة، صفتان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكلتاهما صحيح، ويقول: "اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني" 1، ويطمئن في هذا الجلوس. ثم يسجد السجدة الثانية مكبراً، ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى، ثم يرفع رأسه مكبراً ويجلس جلسة خفيفة، وتسمى جلسة الاستراحة، وهي مستحبة، وإن تركها فلا حرج، وليس فيها ذكر ولا دعاء. ثم ينهض قائماً إلى الركعة الثانية معتمداّ على ركبتيه إن تيسر ذلك، فإن شق عليه اعتمد على الأرض، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر له من القرآن بعد الفاتحة، ثم يفعل كما فعل في الركعة الأولى، ولا يأتي في الثانية بتكبيرة الإحرام ولا دعاء الاستفتاح ولا يتعوذ، لأن الصلاة عبادة واحدة من أولها إلى آخرها، والتعوذ في الركعة الأولى يكفي، فإن، نسي تعوذ في الثانية. ولهذا يكره مخالفة الترتيب فيما يقرأ بعد الفاتحة في الركعتين، لأن قراءة الصلاة واحدة، وجاز له التعوذ كل ركعة، ولا يأتي بنية جديدة. فإذا كانت الصلاة ثنائية، أي ركعتين كصلاة الفجر والجمعة والعيد، جلس بعد رفعه من السجدة الثانية ناصباً رجله اليمنى مفترشاً رجله اليسرى، واضعاً يده اليمنى على فخذه اليمنى قابضاً أصابعه كلها إلا السبابة فيشير بها إلى التوحيد.

_ 1 رواه أبو داود 1/531 ح 850، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/160 ح 756.

وإن قبض الخنصر والبنصر من يده وحلق إبهامها مع الوسطى وأشار بالسبابة فحسن، لثبوت الصفتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى مبسوطة الأصابع مضمومة ممدودة على الفخذ. ويجوز أن يلقم اليسرى ركبته، وأن يضع اليمنى على الركبة بإحدى الصورتين السابقتين في وصف الأصابع لورود السنة بذلك أيضاً. ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس، وهو: " التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله1، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"2. ويسن أن يستعيذ بالله من أربع، فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثم يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة، وإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس، سواء أكانت الصلاة فريضة أم نافلة، ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله.... السلام عليكم ورحمة الله، يقول بلسانه متدبراً ذلك بقلبه. ويشير بسبابته في تشهده عند الدعاء، فكلما دعا حرك، إشارة إلى علو المدعو سبحانه وتعالى.

_ 1 رواه مسلم 1/302 ح 402. 2 رواه مسلم 1/305 ح 406.

ففي قوله: " التحيات لله ... " (لا يشير) ، "السلام عليك أيها النبي" (فيه إشارة) ، "السلام علينا ... "، "اللهم صل على محمد...." (فيه إشارة) ، "اللهم بارك على محمد ... " (فيه إشارة) ، "أعوذ بالله من عذاب جهنم" (فيه إشارة) ، "ومن عذاب القبر" (فيه إشارة) "ومن فتنة المحيا والممات" (فيه إشارة) ، "ومن فتنة المسح الدجال" (فيه إشارة) . وقد وردت الأحاديث الصحيحة في التشهد على أكثر من وجه، لذا ينبغي أن نأتي بهذا مرة، وهذا مرة، إتباعا للسنة، وإحياء لها، وحضوراً للقلب. فإن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب، أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء، قرأ التشهد الأول، وهو المذكور آنفاً إلى قوله: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، وذكر بعض أهل العلم أنه يذكر ذلك مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ينهض قائماً معتمداً على ركبتيه، رافعاً يديه حذو منكبيه أو فروع أذنيه قائلاً" الله أكبر، ثم يضعهما على صدره كما تقدم، ويقرأ الفاتحة فقط، فإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض المرات، فلا بأس، لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث أبي سعيد1 رضي الله عنه، ثم يتشهد بعد الثالثة من المغرب، وبعد الرابعة من الظهر والعصر والعشاء، كما تقدم في الصلاة الثنائية، ثم يسلم عن يمينه بقوله: "السلام عليكم ورحمة الله"، وعن شماله بقوله: "السلام عليكم ورحمة الله".

_ 1 رواه مسلم 1/334 ح 452.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يزيد في التسليمة الأولى والثانية"وبركاته"، لحديث أخرجه أبو داود1، وقال الحافظ ابن حجر: "وقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة" وبركاته"، وهي عند ابن ماجه أيضاً، وهي عند أبي داود أيضاً في حديث وائل بن حجر، فيتعجب من ابن الصلاح حيث يقول: إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث"2. وتمتاز الركعة الثالثة في المغرب، والركعتان الأخيرتان من الظهر والعصر والعشاء، بأنه يقتصر فيهما على الحمد، ويسر فيهما بالقراءة حتى في الصلاة الجهرية. ويسن التورك في التشهد الأخير من الصلاة الثلاثية أو الرباعية، وله ثلاث صفات مشروعة: الأولى: أن يخرج المصلي رجله اليسرى من الجانب الأيمن مفروشة، ويجلس على مقعدته على الأرض، وتكون الرجل اليمنى منصورة. الثانية: أن يفرش القدمين جميعاً ويخرجهما من الجانب الأيمن. الثالثة: أن يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين فخذ وساق الرجل اليمنى وينبغي أن يفعل الإنسان هذا مرة وهذا مرة. والمرأة كالرجل في كل ما سبق من أحكام، غير أنها تخالفه في بعضها كمسألة سترة الثياب، والقراءة، فالرجل يجهر في القراءة في الصلاة الجهرية، والسنة في حق المرأة أن تسر.

_ 1 رواه أبو داود 1/607 ح 997. 2 تلخيص الحبير: ابن حجر 1/271 ح 420.

وينبغي بعد السلام أن يستغفر المسلم الله ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. ويسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمده مثل ذلك، ويكبره مثل ذلك، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله ووحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ويقرأ آية الكرسي، وسورة الإخلاص والفلق والناس بعد كل صلاة. ويستحب تكرار هذه السور الثلاث الثلاث مرات بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب، لورود الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكل هذه الأذكار سنة وليست بفريضة.

حديث المسيئ صلاته

حديث المسيئ صلاته ... حديث المسيء صلاته: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني، فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، وافعل ذلك في صلاتك كلها" 1. وفي رواية لمسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فأصبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر" 2. بعد أن عرضنا صفة الصلاة، بقي لنا أن نشير إلى الأركان والشروط والواجبات والسنن، وما يتعلق بهم من أحكام.

_ 1 رواه البخاري 1/184 كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها.. 2 رواه مسلم 1/298 ح397.

أركان الصلاة

أركان الصلاة: والركن ما كان جزءاً من الشيء، ولا يوجد ذلك الشيء إلا به، فالسجود في الصلاة ركن لأنه جزء منها، ولا توجد الصلاة إلا به. وأركان الصلاة لا تسقط عمداً، ولا سهواً، بل تبطل الصلاة بتركها، وهي على الصحيح أربعة عشر، بيانها كالتالي: 1-القيام مع القدرة، لقول الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 1، ولحديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: "صل قائما فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" 2. 2- تكبيرة الإحرام، لقوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} 3 ولحديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" 4 ويتعين لفظ "لله أكبر" لقوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} 5، وفي حديث المسيء صلاته عن الطبراني: " ... ثم يقول: الله أكبر ... "6، ولحديث أبي

_ 1 سورة البقرة، الآية [238] . 2 رواه البخاري 2/41 كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب. 3 سورة الأعلى، الآية [15] . 4 رواه أبو داود 1/49 ح61، وأخرجه الترمذي 1/9 ح3 وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن. 5 سورة المدثر الآية [3] . 6 رواه الطبراني في الكبير 5/38 ح4526 وذكر ابن حجر في تلخيص الحبير 1/217 ح326 لفظ أبي داود ومسلم وقال: أصله عند باقي أصحاب السنن، ورواه الطبراني ... ولفظه موافق للفظ الرافعي.

حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائماَ ورفع يديه حتى يحاذي منكبيه، ثم قال: "الله أكبر"1. 3- قراءة الفاتحة في كل ركعة، وقد دلت السنة الصحيحة الصريحة على ذلك، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" 2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" 3. والثابت عن أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ الفاتحة في كل ركعة من ركعات الفرض والنفل، ولم يثبت عنه خلاف ذلك، ومدار العبادات على الإتباع، وفي الحديث: " ... وصلوا كما رأيتموني أصلي ... " 4. 4- الركوع، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} 5، ولحديث المسيء صلاته حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "..ثم اركع حتى تطمئن راكعاً.." 6.

_ 1 رواه ابن ماجه 1/280 ح862، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/142، 143 ح702، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/217 ح324: أخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة، وأخرجه هو ابن خزيمة في صحيحيهما. 2 رواه مسلم 1/295 ح394. 3 رواه ابن حبان 5/91 ح1789، وابن خزيمة 1/248 ح490، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير: رواه الدارقطني بلفظ "لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأم القرآن" وصححه ابن قطان، ورواه ابن خزيمة وابن حبان بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة. 4 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة.. 5 سورة الحج الآية [77] . 6 رواه البخاري 1/184 كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها..

5-الاعتدال عن الركوع، لحديث المسيء صلاته، وفيه "..ثم ارفع حتى تعتدل قائماً.."، ولوصف أبي حميد صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه حتى يعود كل فقار مكانه"1، وتصف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: ".. وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً.."2، وعن أبي مسعود الأنصاري البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل – يعني - صلبه في الركوع والسجود" 3. 6- السجود على الأعضاء السبعة، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "..ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً.."، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين والركبتين، وأطراف القدمين.." 4. 7- الاعتدال عن السجود، لقوله النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "..ثم اعتدل حتى تطمئن جالساً..". 8-الجلوس بين السجدتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "..ثم ارفع حتى تطمئن جالساً" 5. 9-الطمأنينة في جميع الأركان، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ

_ 1 رواه البخاري 1/194 كتاب الأذان، باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع. 2 رواه مسلم 1/357 ح498. 3 رواه الترمذي 2/51 ح265 وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/84 ح217. 4 رواه البخاري 1/198 كتاب الأذان باب السجود على الأنف فغي الطين. 5 رواه البخاري 1/184 كتاب الأذان باب وجوب قراءة الإمام والمأموم في الصلوات كلها..

الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} 1 وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هل ترون ههنا؟ والله ما يخفى علي ركوعكم ولا خشوعكم، وأني لأراكم وراء ظهري". وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الركوع والسجود؛ فو الله أني لأراكم من بعدي، وربما قال: من بعد ظهري إذا ركعتم وسجدتم" 2. وقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته إلى الطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال والجلوس. 10-التشهد الأخير، وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على جبريل ميكائيل، السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله هو السلام، فإذا صلى أحدكم فليقل التحيات لله.." 3، وهذا يدل على أنه فرض بعد أن لم يكن مفروضاً. 11-الجلوس للتشهد الأخير، لما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم المتواتر، أنه كان يقعد القعود الأخير، يقرأ فيه التشهد، وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بإتباعه فقال: "..وصلوا كما رأيتموني أصلي.." 4.

_ 1 سورة المؤمنون الآيتان [1، 2] . 2 رواه البخاري 1/181 كتاب الأذان، باب الخشوع في الصلاة. 3 رواه البخاري 1/202 كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة. 4 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة..

12-الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 1. وعن أبي مسعود البدري قال: قال بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم" 2. 13-الترتيب في هذه الأركان حسب ما ورد في حديث المسيء صلاته، وقد تقدم. 14-التسليم، لما روى علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" 3. وعن عامر بن سعد عن أبيه قال: "كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده" 4، وعن علقمة بن وائل عن أبيه قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" 5.

_ 1 سورة الأحزاب الآية [56] . 2 رواه مسلم 1/305 ح405. 3 رواه أبو داود 1/49 ح61، وأخرجه الترمذي 1/9 ح3 وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن. 4 رواه مسلم 1/409 ح582. 5 رواه أبو داود 1/607 ح997، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/186 ح879.

حكم من ترك ركنا في الصلاة

حكم من ترك ركنا في الصلاة ... حكم من ترك الصلاة: والمتروك إما أن يكون تكبيرة الإحرام وإما غيرها، فمن ترك تكبيرة الإحرام عمداً أو سهوا لم تنعقد صلاته. ومن ترك ركناً غير تكبيرة الإحرام عمداً بطلت صلاته، وأما من تركه سهواً فتفصيله كما يلي: 1-إن وصل المصلي إلى موضع تركه من الركعة التالية، لغت الركعة التي نسي فيها الركن، وقامت التالية مقامها، ويسجد للسهو بعد السلام، ثم يسلم عقب سجوده. 2- وإن لم يصل إلى موضع المتروك سهواً، عاد إليه أتى به وبما بعده وجوباً، وسجد بعد السلام، وسلم عقب سجوده. 3- فإن تذكر بعد الصلاة فحاله لا يخلو من أمرين: أ-لم يفصل فاصل طويل، وكان قريب الوقت من الصلاة قام دون تكبير وأتى بركعة كاملة من التشهد الأخير والسلام، ثم يسجد للسهو ويسلم. ب-فصل فاصل زمني طويل، فإنه يعيد الصلاة كلها لبطلانها بترك ركن من أركانها.

شروط الصلاة

شروط الصلاة: والشرط: ما لا يوجد المشروط مع عدمه، وليس من أفعال الصلاة وأقوالها، وإنما هو إعداد يتم قبل الصلاة من حيث الوقت، ووجهة المكان، والطهارة ... وشروط الصلاة تسعة بيانها كالتالي: 1-الإسلام، فلا تجب على الكافر، قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} 1. ولا تصح منه حال كفره، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معاذاً قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم ... " 2. ولقد أوضح القرآن الكريم هذا الشرط في كثير من الآيات، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 3، وقال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} 4 وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} 5.

_ 1 سورة التوبة الآية [54] . 2 رواه مسلم 1/50 ح19. 3 سورة آل عمران الآية [85] . 4 سورة النساء الآية [103] . 5 سورة النساء الآية [43] .

2-العقل، لحديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق"1 وغير العاقل ليس أهلاً للتكليف. 3-التمييز، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع"2. وهذه الشروط الثلاث في سائر العبادات 4-دخول الوقت، لقوله الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} 3، وقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} 4. وفي هذه الآية إشارة إلى الأوقات الخمسة للصلاة 5-الطهارة من الحدث، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} 5.وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول" 6.

_ 1 رواه ابن ماجه 1/658 ح2041، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/347 ح1660. 2 رواه أبو داود 1/334 ح495، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/97 ح466 حسن صحيح. 3 سورة النساء الآية [103] . 4 سورة الإسراء الآية [78] . 5 سورة المائدة الآية [6] . 6 رواه مسلم 1/204 ح224.

6-اجتناب النجاسات، قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 1، وعن جابر بن سمرة قال سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب يأتي أهله؟ قال: "نعم. إلا أن يرى شيئاً فيغسله" 2. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" 3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" 4. 7-ستر العورة: لقول الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 5 وقول النبي صلى الله عليه وسلم لجابر: " ... فإن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً أتزر به" 6، وعن جرهد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "غط فخذك فإنها من العورة" 7، وعن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله

_ 1 سورة المدثر الآية [4] . 2 رواه ابن ماجه 1/180 ح542، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/89 ح440. 3 رواه الدارقطني 1/127 كتاب الطهارة، باب نجاسة البول، وقال العظيم أبادي: المحفوظ مرسل، وصححه الألباني في الإرواء 1/310 ح280. 4 رواه البخاري 1/61 كتاب الوضوء، باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي حتى فزع من بوله في المسجد. 5 سورة الأعراف الآية [31] . 6 رواه البخاري 1/95 كتاب الصلاة، باب إذا كان الثوب ضيقا. 7 رواه الترمذي 5/111 ح2798 وقال: هذا حديث حسن.

صلاة حائض إلا بخمار" 1. 8-استقبال القبلة، لقول الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 2، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فأصبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر" 3. 9-النية، لقول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 4 وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" 5. فإذا تخلف شرط من هذه الشروط بطلت الصلاة.

_ 1 رواه أ [وداود 1/421 ح641، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/126 ح596. 2 سورة البقرة الآية [149] . 3 رواه مسلم 1/298 ح397. 4 سورة البينة الآية [5] . 5 رواه البخاري 1/2 كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واجبات الصلاة

واجبات الصلاة: والواجب: ما أمر به الشارع على وجه الإلزام، وتبطل الصلاة بتركه عمداً، ويجبره حال السهو سجود السهو، والواجبات ثمان بيانها كالتالي: 1-التكبيرات عدا تكبيرة الإحرام فهي ركن كما سبق، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة، يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجداً، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس، ثم يقول أبو هريرة: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم "1. 2-التسميع، أي يقول: "سمع الله لمن حمده"، للإمام والمنفرد إذا رفعا من الركوع، لحديث أبي هريرة الذي ذكرنا أنفاً: "ثم يقول سمع الله لمن حمد، حين يرفع من الركوع" 3-التحميد، أي قول: "ربنا ولك الحمد"، للإمام والمأموم والمنفرد، لحديث أبي هريرة المذكور آنفاً: "ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد" 4-قول: "سبحان ربي العظيم" في الركوع، لما روي عن عقبة بن

_ 1 رواه مسلم 1/293، 294 ح392.

عامر رضي الله عنه قال: لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} 1 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" 2. 5-قول: " سبحان ربي الأعلى"في السجود، لما روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: فلما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} 3 قال: "اجعلوها في سجودكم" 4. 6-سؤال الله المغفرة، بقول: "رب اغفر لي في الجلسة بين السجدتين"، لما روي عن حذيفة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي، رب اغفر لي" 5. 7-التشهد الأول، لما روي عن عبد الله بن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قام في كل صلاة الظهر وعليه جلوس، فلما أتم صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس، قبل أن يسلم، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس"6. 8-الجلوس للتشهد الأول، لحديث عبد الله بن بحينة المذكور آنفاً، وقوله: "وعليه جلوس..".

_ 1 سورة الواقعة الآية [96] . 2 رواه أبو داود 1/542 ح869، وأحمد 4/155 من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص84 ح184، وقال الساعاتي في الفتح الرباني 3/261، 262 ح634 سنده جيد. 3 سورة الأعلى الآية [1] . 4 الحديث السابق نفسه. 5 رواه ابن ماجه 1/89 ح897، والنسائي 3/231 كتاب التطبيق، باب الدعاء بين السجدتين، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/247 ح1097. 6 رواه البخاري 1/202 كتاب الأذان، باب التشهد في الأولى، ومسلم 1/399 ح570 واللفظ له.

فمن ترك واجباً في صلاته من هذه الواجبات متعمداً بطلت صلاته، ومن تركه ناسياً فتفصيله كما يلي: أ-فإن ذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة أتى به ولا شيء عليه. ب- وإن ذكره بعد مفارقة محله، قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به ثم يكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم. ج-وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه سقط، فلا يرجع إليه، ويستمر في صلاته، ويسجد للسهو قبل السلام.

سنن الصلاة

سنن الصلاة وهي الأفعال التي لا تبطل الصلاة بتركها عمداًَ أو سهواً، واستحباب سجود السهو لها محل نظر عند أهل العلم. وسنن الصلاة هي ما عدا الأركان والواجبات والشروط، وقد أوصلها بعضهم إلى اثنتين وثلاثين سنة، وبيانها كالتالي: 1- رفع اليدين عند الإحرام. 2- رفع اليدين عند الركوع. 3- رفع اليدين عند الرفع من الركوع. لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذوا منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع.."1. 4- وضع اليمنى على اليسرى فوق الصدر، لحديث وائل بن حجر قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره"2. 5- النظر إلى موضع سجوده، لما روى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في

_ 1 رواه البخاري 1/180 كتاب الأذان، باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع. 2 رواه ابن خزيمة 1/243 ح479 وأبو داود 1/481 ح759 من طريق طاووس وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/224 ح331 وأصله في صحيح مسلم.

صلاتهم"، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: " لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم" 1. 6- الاستفتاح، وقد وردت أدعية كثيرة كان يستفتح بها النبي صلى الله عليه وسلم إذ كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد" 2. 7- التعوذ بقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لقول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} 3، أو بقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك ولا إله غيرك" ثم يقول: "لا إله إلا الله" ثلاثاً، ثم يقول: "الله أكبر كبيراً" ثلاثاً، "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه " ثم يقرأ4.

_ 1 رواه البخاري 1/183 كتاب الأذان باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة. 2 رواه البخاري 1/181 كتاب الأذان باب ما يقول بعد التكبير، ومسلم 1/419 ح598 واللفظ له. 3 سورة النحل الآية [98] . 4 رواه أبو داود 1/490 ح775 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/148 ح775.

8- قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم"، لحديث نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن.."وفي آخره قال: " ... والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن حجر وهو أصح حديث ورد في ذلك1، (أي الجهر بالبسملة) 9- قول: "آمين" بعد قراءة الفاتحة، يجهر بها في الجهرية ويسر بها في السرية، لما روي عن وائل بن حجر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {ولا الضالين} 2 " قال: "آمين"3 ورفع بها صوته"4. 10- قراءة السورة بعد الفاتحة، لما رواه أبو قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر، في الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الآخرتين بأم الكتاب، ويسمعنا الآية، ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح"5. 11- الجهر في الصلاة الجهرية، لما روي عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور"6، ولما روي عن البراء رضي الله عنه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ {وَالتِّينِ

_ 1 رواه ابن خزيمة 1/251 ح499، والنسائي 2/134 كتاب الإفتتاح، باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وضعف إسناده الألباني في ضعيف سنن النسائي ص28 ح36. 2 فتح الباري ابن حجر 2/267. 3 سورة الفاتحة الآية [7] . 4 آمين: دعاء بمعنى "اللهم استجب". 5 رواه أبو داود 1/574 ح932، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/176 ح824، وقال ابن حجر في التلخيص 1/236 ح353: سنده صحيح. 6 رواه البخاري 1/189 كتاب الأذان، باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب.

وَالزَّيْتُونِ} في العشاء، ما سمعت أحداً أحسن صوتاً منه أو قراءة"1. ولما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما " ... فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء.."2. 12- الإسرار في الصلاة السرية، عن أبي معمر قال: سألنا خباباً: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر، قال: نعم. فقلنا: بأي شيء كنتم تعرفون، قال: باضطراب لحيته3. 13- وضع اليدين مفرجتي الأصابع على الركبتين في الركوع، عن عقبة بن عمرو قال: ألا أصلي لكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي؟ فقلنا: بلى. فقام، فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه من وراء ركبتيه ... ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وهكذا كان يصلي بنا4. 14-مد الظهر والانحناء في الركوع والسجود5. قال أبو حميد في أصحابه: "ركع النبي صلى الله عليه وسلم ثم هصر ظهره"6، وعن علي رضي الله

_ 1 رواه البخاري 1/176 كتاب الأذان باب القراءة في العشاء. 2 رواه البخاري 1/187 كتاب الأذان باب الجهر بقراءة صلاة الفجر. 3 رواه البخاري 1/185 كتاب الأذان باب القراءة في الظهر. 4 رواه النسائي 2/186 كتاب التطبيق، باب مواضع أصابع اليدين في الركوع، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/223 ح992. 5 عدها بعضهم سنتين. 6 رواه البخاري 1/192 كتاب الأذان باب استواء الظهر في الركوع.

عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لو وضع قدح من ماء على ظهره لم يهراق"1. وعن أبي حميد الساعدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه"2. 15- ما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود، والذي عليه الجمهور أن أقل ما يجزئ في الركوع والسجود تسبيحة واحدة، لما روي عن أبن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "..فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" 3. 16- ما زاد على المرة في سؤال الله المغفرة في السجدتين، عن حذيفة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي، رب اغفر لي" 4، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وأهدني

_ 1 رواه أحمد 1/123 مسند علي رضي الله عنه، وقال ابن حجر في التلخيص 1/241 ح361 رواه أبو داود في مراسيله من حديث عبد الرحمن ابن أبي ليلى، ووصله أحمد في سنده عنه عن علي وذكر الدارقطني في العلل عنه عن البراء، ورجح أبو حاتم المرسل، ورواه الطبراني في الكبير من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو، ومن حديث أبي برزة الأسلمي، وإسناد كل منهما حسن. 2 رواه ابن خزيمة 1/322 ح637 والترمذي واللفظ له 2/59 ح270 وقال حسن صحيح. 3 رواه مسلم 1/348 ح479. 4 رواه ابن ماجه 1/289 ح897 والنسائي 3/321 كتاب التطبيق، باب الدعاء بين السجدتين، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/247 ح1097.

وارزقني" 1. 17- قول: "ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء.."وذلك بعد قول: "ربنا لك الحمد"، لما روى عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع من الركوع قال: "ربنا لك الحمد، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" 2. 18- البداية بوضع الركبتين قبل اليدين في السجود، ورفع اليدين قبل الركعتين في القيام، لما روي عن وائل بن حجر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه"3، ولم يرو في فعله ما يخالف ذلك. 19- التفريق بين ركبتيه في السجود. قال ابن حجر: نقل في بعض الأخبار: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرق في السجود بين ركبتيه، أبو داود في حديث أبي حميد، وإذا سجد فرج بين فخذيه، وفي البيهقي من حديث البراء: كان إذا سجد وجه أصابعه قبل القبلة فتفاج، يعني وسع بين رجليه4. 20-وضع اليدين وضع اليدين مضمومتي الأصابع حذو المنكبين أو الأذنين، عن ابن

_ 1 رواه الترمذي 2/86 ح284 وأبو داود 1/530، 531 ح850 وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/160 ح756. 2 رواه مسلم 1/347 ح477. 3 رواه الترمذي 2/56، 57 ح268 وقال: حديث حسن غريب، لا نعرف أحدا رواه مثل هذا عن شريك، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم. 4 تلخيص الحبير ابن حجر 1/255 ح381.

عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه.."1، وعن مالك بن الحويرث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي أذنيه.."2. 21-توجيه أصابع القدمين حال السجود للقبلة، لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ... فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة.."3. 12-الافتراش في التشهد الأول والجلوس بين السجدتين، لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال" ... فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى.."4، ولقوله: "..ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، ثم قعد حتى رجع كل عظم موضعه، ثم هوى ساجداً". 23-التورك في التشهد الثاني، لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ... وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى وجلس على مقعدته:. 24-وضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى، واليد اليسرى على الفخذ5 اليسرى، لما روي عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى،

_ 1 رواه مسلم 1/292 ح390. 2 رواه مسلم 1/293 ح391. 3 رواه البخاري 1/201 كتاب الأذان باب سنة الجلوس في التشهد. 4 رواه أبو داود 1/589، 590 ح964 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/181 ح851. 5 عدها بعضهم سنتين.

ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى، ويلقم كفه اليسرى ركبته"1. 25-الإشارة بالسبابة عند الذكر، لحديث عبد الله بن الزبير السابق، ولما روي عن وائل بن حجر في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: " ... ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقه، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها"2. 26-السجود على أنفه وتمكين الأعضاء السبعة من الأرض، لما روي عن أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه"3. 27-الالتفات عن اليمين والشمال في التسليمتين، لما روي عن عامر بن سعد عن أبيه قال: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده"4. 28-جلسة الاستراحة، لما روي عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر السجدتين: "..ثم قال: الله أكبر، ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه، ثم

_ 1 رواه مسلم 1/408 ح579. 2 رواه ابن خزيمة 1/354 ح714 وقال ابن حجر في التلخيص 1/262 ح401 ابن خزيمة والبيهقي بهذا اللفظ، وقال البيهقي: يحتمل أن يكون مراده بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها حتى لا يعارض. 3 رواه ابن خزيمة 1/322 ح637 والترمذي واللفظ له 2/59 ح270 وقال حسن صحيح. 4 رواه مسلم 1/409 ح582.

نهض صنع الركبة الثانية مثل ذلك.."1. 29-نية الخروج من الصلاة في سلامه2.

_ 1 رواه الترمذي 2/105، 106 ح304 وقال: حسن صحيح. 2 انظر الكافي: ابن قدامة 1/144.

ما يحرم في الصلاة

ما يحرم في الصلاة: والصلاة عبادة ويجب فيها إخلاص النية لله تعالى، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم "وصلوا كما رأيتموني أصلي "1 فمن لم يتبع الرسول في عبادته، فعبادته مردوده لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"2. لذا تبطل الصلاة ويفوت مقصودها، ويجب إعادتها بقول أو فعل ما يحرم فيها من الأمور الآتية: 1- أن يسلم في الصلاة قبل إتمامها عمدا، لأنه تكلم فيها أو سهوا وطال الفصل، لتعذر بناء الباقي عليها، ولا إثم عليه في السهو. 2- الكلام عمدا في غير مصلحة الصلاة، أثناء الصلاة يبطلها، لما روي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 3، فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام4. ولما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، فقلنا يارسول الله، كنا نسلم عليك في

_ 1 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة.. 2 رواه مسلم 2/1344 ح1718. 3 سورة البقرة، الآية (238) . 4 رواه مسلم 1/383 ح539.

الصلاة فترد علينا؟ فقال: "إن في الصلاة شغلا" 1 ولما روي من حديث معاوية بن الحكم السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن" 2. ولا تبطل الصلاة بكلام في غير مصلحتها جهلا من غير تعمد الخطأ، لقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} 3. ولما روي عن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم؟ تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبابي هو وأمي! ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو الله ما كهرني ولا ضربني وشتمني، قال: " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" 4. فلم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم معاوية بالإعادة رغم تعمده الكلام لأنه كان جاهلا ولا تبطل الصلاة بما يعرض للمصلي من عطاس وسعال وجشاء، لأنه مغلوب عليه، وتبطل بتشميت العاطس، لحديث معاوية، وكذا تبطل برد السلام أو بالمبادرة به عمدا من غير جهل

_ 1 رواه مسلم 1/382ح538. 2 رواه مسلم 1/381،382ح537. 3 سورة الأحزاب، الآية (5) . 4 رواه مسلم 1/381، 382ح 537.

قياسا على تشميت العاطس، وتبطل بنفخ أو تنحنح عمدا من غير حاجة، لأن العبث ينافي الصلاة، ولا تبطل للحاجة. قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: " كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان، مدخل بالليل ومدخل بالنهار، فكنت إذا أتيته وهو يصلي يتنحنح لي"1. 1- القهقة، بأن يضحك المصلي بصوت يسمعه هو أو غيره، تبطل به الصلاة، قل أو كثر، لمنافاته الصلاة تماما، لأنه أقرب للهزل واللعب، ما لم يغلبه الضحك فلم يملك معه نفسه، فالراجح أنه لا تبطل به، لعدم تعمد ذلك. أما التبسم بدون قهقهة فلا تبطل به الصلاة لعدم ظهور صوت، وقد روي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القهقهة تبطل الصلاة ولا تنقض الوضوء" 2. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة، وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا يفسدها3. 4، 5- الأكل والشرب الكثير عمدا أو سهوا، لخروجه عن هيئة الصلاة في الفرض والنافلة، ولا تبطل بالأكل اليسير سهوا في الفرض والنافلة، ولا تبطل بيسير شرب عمدا في النافلة، لما ثبت في الأثر أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان يطيل النفل وربما عطش

_ 1 رواه ابن ماجه 2/1222ح 3708، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص 299ح 809. 2 رواه الدارقطني 1/173ح58، وقال العظيم آبادي: خالفه إسحاق بن بهلول عن أبيه في لفظه. 3 المغني: ابن قدامه 2/51.

فشرب يسيرا. قال ابن قدامه: ويروي عن ابن الزبير وسعيد بن جبير، أنهما شربا في التطوع. وعن طاوس أنه لا بأٍس به1. والنفل أخف من الفرض، بدليل سقوط بعض الواجبات في النفل وثبوتها في الفرض، كالقيام واستقبال القبلة في صلاة النافلة في السفر، فلما كانت النافلة مظنة الطول الكثير، سمح بالشرب اليسير، وتعرف القلة والكثرة بالعرف. ويرى كثير من أهل العلم، أن يسير الشرب عمدا في النفل كالفرض لأن الأصل تساوي الفرض والنفل، وعليه يحرم الشرب قليله وكثيره في الفرض والنفل وهذا أحوط. العمل الكثير من غير جنس الصلاة متواليا لغير ضرورة، وتعرف الكثرة بالعرف، وهو ما يخيل لمن ينظر إليه أنه ليس في الصلاة، فإن قال الناس: هذا عمل ينافي الصلاة، والذي يشاهد حركات هذا الرجل يقول: أنه لا يصلي، فهذا كثير مبطل للصلاة، بخلاف اليسير، كحمل طفل، وفتح باب قريب يمينا أو شمالا أو أمام المصلي أثناء صلاته واستقباله القبلة، أو دفع حكة، فهذا كله يسير لا يبطل الصلاة شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها2.

_ 1 المغني: ابن قدامة2/61،62. 2 رواه البخاري 1/131كتاب الصلاة، باب إذا حمل جابية صغيرة على عنقه في الصلاة.

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه فتح الباب لعائشة وهو في الصلاة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "جئت ورسول الله يصلي في البيت والباب مغلق، فمشى حتى فتح لي ثم رجع إلى مكانه"1. ووصفت الباب في القبلة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب"2. فلو كان العمل الكثير من جنس الصلاة عمدا بطلت الصلاة، وإن لم يتعمد سجد للسهو، وإن كان من غير جنس الصلاة بضرورة، فلا تبطل الصلاة ولو كثر لقول الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} 3، والذين يمشون على أرجلهم لا شك عملهم كثير، وإن كان العمل الكثير من غير جنس الصلاة غير متوال، كأن يتحرك في الركعة الأولى حركة ليست كثيرة، وكذلك في كل ركعة، وعند جمع الحركات تكون كثيرة، لاتبطل لتفرق الفعل. وتبطل الصلاة للعمل الكثير من غير جنسها متواليا لغير ضرورة عمدا، ولا تبطل سهوا، ما لم يغير الصلاة عن هيئتها ويخرجها عن كونها صلاة، فالسهو كالعمد حينئذ تبطل به الصلاة، فلو سها بعمل كثير لا ينافي الصلاة منافاة بينة، فلا تبطل صلاته لأن فعل المحظور على وجه السهو لا يلحق فيه إثم ولا إفساد، ويعذر صاحبه بالجهل والنسيان.

_ 1 رواه الترمذي 1/497 ح601 وقال: حديث حسن غريب. 2 رواه الترمذي 2/233، 234 ح390 وقال: حديث حسن صحيح. 3 سورة البقرة، الآية (239) .

7- وإن سبح به ثقتان أو نبهه امرأتان بالتصفيق، لزيادة فعل أو نقص فعل من أفعال الصلاة، فلم يرجع وأصر ولم يجزم بصواب نفسه، بطلت صلاته لتركه الواجب عمدا، وليس للمأمومين اتباعه لبطلان صلاته، فإن اتبعوه بطلت صلاتهم ما لم يكونوا جاهلين. 8- زيادة فعل من جنس الصلاة عمدا يبطلها، قياما كان أو قعودا أو ركوعا أو سجودا، لأن هذه الأفعال تغير هيئة الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد"1، كأن يركع مرتين في الركعة الواحدة عمدا في غير صلاة الكسوف، ويسجد ثلاث مرات في الركعة الواحدة عمدا، أو يقعد محل القيام عمدا، أو يقوم محل القعود عمدا. ولا تبطل بما لايغير هيئة الصلاة، كما لو رفع المصلي يديه إلى حذو منكبيه في غير موضع الرفع. 9- سجود الشكر في الصلاة يبطلها، لأن سببه ليس منها، ومثله من سجد في الصلاة لسهو صلاة أخرى. 10- ترك ركن من أركان الصلاة أو شرط من شروطها عمدا من غير عذر شرعي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل" 2، فمن ترك الركوع أو السجود عمدا بلا عذر بطلت صلاته، وكذا من انصرف عن التوجه إلى القبلة، أو أحدث أثناء الصلاة فصلاته باطلة.

_ 1 رواه مسلم 2/1344 ح1718. 2 رواه البخاري 1/184 كتاب الأذان باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها..

ما يكره في الصلاة

ما يكره في الصلاة: والصلاة قرب للعبد من الله؛ فيها يناجي ربه، لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا قام في صلاته يناجي ربه، أو إن ربه بينه وبين القبلة.." 1. وفي لقاء الله خشوع ورهبة، وشوق ورغبة، لذا ينبغي التأدب في هذا الموقف، والبعد عما يتنافى مع جلال اللقاء، ولا تبطل الصلاة بفعل ما يكره فيها، ولكن كمال الأدب يقضي البعد عن ما يلي: 1- الالتفات يمينا وشمالا لغير حاجة، لأن الإنسان إذا قام يصلي، فالله تعالى قبل وجهه، وفي الالتفات سوء أدب بالإعراض عن الله سبحانه وتعالى، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد" 2. ولا يكره للحاجة، لما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يلحظ في الصلاة يمينا وشمالا، ويلوي عنقه خلف ظهره"3

_ 1 رواه البخاري 1/106 كتاب الصلاة، باب حك البزاق باليد من المسجد. 2 رواه البخاري 1/183 كتاب الأذان، باب الالتفات في الصلاة. 3 رواه الترمذي 2/483 ح587 وقال: حديث غريب، والحاكم 1/237 كتاب الصلاة، وقال: وهذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.

ولأن سهل بن الحنظلية قال: " ... فجعل النبي صلى الله عليه وسلم وآله يصلي ويلتفت إلى الشعب.."1 وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث أنس بن أبي مرثد الغنوي طليعة. والالتفات نوعان: حسي بالبدن، ومعنوي قلبي، ويستطيع المسلم أن يسيطر على بدنه أثناء الصلاة، ولمعالجة المعنوي كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتفل عن يسارك ثلاث مرات واستعذ بالله من الشيطان الرجيم. 1- رفع البصر إلى السماء سواء أكان حال القراءة أم حال الركوع أم حال الرفع من الركوع أم في أي حال من الصلاة، لما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهين عن ذلك أو ليخطفن أبصارهم" 2، ولا يخفى ما في رفع البصر من سوء الأدب مع الله، وينبغي أن يكون المصلي خاضعا. 2- تغميض العينين لغير ضرورة، لحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه" 3، وهو يشبه فعل المجوس عند عبادتهم النار، حيث يغمضون أعينهم، وقيل: إنه فعل اليهود في صلاتهم، والإسلام نسخ كل الديانات السابقة

_ 1 رواه الحاكم 1/237 كتاب الصلاة، الالتفات في الصلاة، شاهد الحديث ابن عباس السابق وقال: وله شاهد بإسناد صحيح. ووافقه الذهبي. 2 رواه البخاري 1/182،183 كتاب الأذان، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة. 3 رواه الطبراني في ا~لأوسط 3/116 ح2239، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/83، باب تغميض البصر في السماء: رواه الطبراني في الثلاثة وفيه ليث ابن أبي سليم وهو مدلس وقد عنعنه.

وشعائرها، ونحن منهون عن التشبه بالكفار من اليهود وغيرهم، ولا سيما في شعائرهم الدينية، فإذا كان أمام المصلي ما يشغله ويخل بخشوعه، كزخرفة أو تزويق في القبلة، فيستحب تغميضها بقدر الحاجة فقط، ولا يكون ذلك ديدنا لكراهته. 1- النظر إلى ما يلهي، لما روي عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة1 لها أعلام، فقال: "شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية" 23 2- الصلاة وبين يدي المصلي ما يلهي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: " ... أميطي عنا قرامك4 هذا، فإنه لا تزال تصاوير تعرض في صلاتي" 5، لذا ينبغي أن يزيل المصلي كل ما يشوش عليه في محل صلاته. 3- الإقعاء وافتراش الذراعين حال السجود، لما روي عن عائشة رضي الله عنها في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: " ... وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع.."6، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اعدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" 7.

_ 1 الخميصة: كساء من خزأ وصوف معلم. 2 أنبجانية: كساء غليظ له وبر ولا علم به. 3 رواه البخاري 1/183 كتاب الأذان، باب الالتفات في الصلاة. 4 القرم: ستر رقيق ذو ألوان. 5 رواه البخاري 1/99 كتاب الصلاة، باب إذا صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟ وما ينهى عن ذلك. 6 رواه مسلم 1/357،358 ح498. 7 رواه البخاري 1/199،200 كتاب الأذان، باب لا يفترش ذراعيه في السجود.

وللإقعاء صور منها: أن يفترش قدميه بأن يجعل ظهورهما نحو الأرض ثم يجلس على عقبه، أي بينهما وهو يشبه إقعاء الكلب، ولا يستقر الإنسان في حال جلوسه على هذا الوجه، ومنها: أن ينصب فخذيه وساقيه ويجلس على عقبيه لا سيما إن اعتمد بيديه على الأرض، وهي أقرب الصور ومطابقة لإقعاء الكلب، ومنها: أن ينصب قدميه ويجلس على عقبيه. وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقع بين السجدتين" 1. ويكره الإفتراش الذراعين، حتى لا يتشبه الإنسان بالحيوان، ويستحب مجافاتهما ورفعهما عن الأرض، ما لم يشق عليه ذلك لطول السجود، فإن شق عليه ذلك اعتمد بمرفقيه على ركبتيه. 1- عبث المصلي بجوارحه في ثوبه أو بدنه أو مكانه لغير حاجة، لما روي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه، فلا يمسح بالحصى" 2. وبالعبث يتحرك البدن، فينشغل القلب عن الرحمة الموجهة له، فيفوته حظه منها، وهو مناف للجدية المطلوبة حال الصلاة، فضلا عن إدخاله على الصلاة ما ليس منها من الحركات.

_ 1 رواه ابن ماجه 1/289 ح894، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع 6/74 ح6271. 2 رواه ابن ماجه 1/327،328 ح1027، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص76 ح213.

8- والتخصر في الصلاة، بوضع اليدين على الوسط، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى أن يصلي الرجل مختصرا"1. والخاصرة هي المستدق من البطن الذي فوق الورك، وعلة النهي ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أنه من فعل اليهود. 9- تحريك الهواء أثناء الصلاة بمروحة يمسكها المصلي في يده، ليجلب لنفسه الهواء، لما في ذلك من كثرة الحركة، وانشغال عن الصلاة، فإن دعت الحاجة إليها فلا كراهة، لأن المكروه يباح للحاجة. 10- تشبيك الأصابع وكذلك فرقعتها في الصلاة، لما روي عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد شبك بين أصابعه في الصلاة، ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه"2، ولما روي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تفقع أصابعك وأنت في الصلاة" 3. وتشبيك الأصابع، إدخال بعضها في بعض، والقعقعة تكون بغمز الأصابع حتى تفرقع، ويكون لها صوت، وهو من العبث والتشويش على من حوله من الجماعة، ومحل الكراهة في الصلاة، بل يكره تشبيك الأصابع عند الخروج إلى الصلاة، وعند انتظارها في المسجد، فيكون ذلك في الصلاة من باب أولى، لما روي عن كعب بن عجرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا على المسجد فلا يشبكن بين

_ 1 رواه البخاري 2/64 كتاب العمل في الصلاة، باب الخصر في الصلاة. 2 رواه ابن ماجه 1/310 ح967، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص72،73 ح202. 3 رواه ابن ماجه 1/310 ح965، وقال الألباني في الإرواء 2/99ح378: إسناده ضعيف جدا.

أصابعه فإنه في صلاة" 1 9- الصلاة بحضرة طعام، لما روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء" 2، وعنها قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان" 3. ويشترط لهذا النهي ثلاثة شروط: الأول: أن يكون الطعام حاضرا. الثاني: أن تكون نفس المصلي تتوق إليه، الثالث: أن يكون قادرا على تناوله حسا وشرعا. فإن لم يحضر الطعام وهو جائع لا يؤخر الصلاة، وإن حضر الطعام ولكنه شبعان لا يهتم به، فليصل ولا كراهة، وإن حضر الطعام ونفسه تتوق إليه لكنه ممنوع منه شرعا كالصائم يحضر له طعام الفطور عند صلاة العصر، فإنه يصلي بلا كراهة؛ إذ لا فائدة في انتظار. ومثله من قدم له طعام حار لا يستطيع تناوله، فإنه يصلي بلا كراهة، إذ لا فائدة في انتظار، وكذلك لو أحضر إليه طعام للغير، ونفسه تتوق إليه، فإنه يصلي بلا كراهة، لأنه ممنوع منه شرعا، فإن أحضر الطعام له وهو ملكه، ومنعه منه ظالم، فإنه

_ 1 رواه الترمذي 2/228 ح386، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/121 ح316. 2 رواه البخاري 1/163، 164 كتاب الأذان، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة. 3 رواه مسلم 1/393 ح560.

يصلي بلا كراهة؛ حيث لا فائدة من عدم الصلاة لأنه ممنوع حسا. 9- مدافعة الأخبثين في الصلاة، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان" 1. وفي ذلك حكمة بليغة، لما يتعلق بدفع ضرر بدني، ودفع ضرر يرتبط بالصلاة، فحبس البول أو الغائط أو الريح، يؤثر صحيا على أجهزة الجسم الخاصة بها، ولا يمكن للإنسان أن يحضر قلبه ويطمئن، لانشغاله بمدافعة البول أو حبس الغائط أو الريح. لذا ينبغي على الإنسان أ، يتأهب للصلاة بما يليق مع جلال الوقوف بين يدي الله عز وجل، حتى ولو لم يكن لديه ماء، وسيضطر للتيمم، لأن الصلاة بالتيمم لا تكره بالإجماع، في حين تكره الصلاة مع مدافعة الأخبثين، ونهي عنها. وينبغي أن يقضي حاجته ويتوضأ ولو فاتته الجماعة، لأن هذا عذر، بل إذا طرأ عليه في أثناء الصلاة فله أن يفارق الإمام. فإن خشي بقضاء حاجته ووضوءه خروج الوقت، فالصلاة إما أن تكون ظهرا أو مغربا مما تجمع، فليقض حاجته، وينو الجمع لجوازه والحال هذه، وإما أن تكون عصرا وعشاءا أو فجرا، فلأهل العلم قولان: الأول: أن يصلي ولو مع مدافعة الأخبثين حفاظا على الوقت. والثاني: يقضي حاجته ويصلي ولو خرج الوقت، وهذا القول أقرب، لما فيه اليسر، ودفع الضرر وحضور القلب في الصلاة.

_ 1 رواه مسلم 1/393 ح560.

13- الصلاة عند مغلبة النوم، لما روي عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نعس أحدكم فاليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فليسب نفسه" 1. وعن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث، منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام القرآن على لسانه فلم يدري ما يقول فليضطجع" 2. 14- تخصيص مكان من المسجد للصلاة فيه لغير الإمام، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن نقرة الغراب، وعن افتراش السبع، وأن يوطن الرجل مقامه في الصلاة كما يوطن البعير"3. 15- تكرار الفاتحة مرتين أو أكثر في الصلاة، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لو كان من الخير لفعله، لذلك يعد التكرار من البدع، ما لم يكن لاستدراك أمر مشروع فاته، فلا حرج، كمن نسي فقرأها سرا في موضع الجهر، فلا بأس بإعادتها لما فات من مشروعية الجهر، وكذا من قرأها من غير حضور قلبه، لأنه تكرار لمقصود شرعا. 16- تغطية الفم والسدل في الصلاة، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن السدل4 في الصلاة وأن يغطي

_ 1 رواه مسلم 1/543 ح786. 2 رواه مسلم 1/543 ح787. 3 رواه أحمد 5/446، 447 حديث أبي سلمة الأنصاري، وقال عنه الحاكم في المستدرك 1/229: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. 4 قال الخطابي في معالم السنن 1/326 ح614: السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض.

الرجل فاه"1 17- كف الشعر أو الثوب وتشمير الكمين عن الذراعين في الصلاة، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أسجد على سبعة، لا أكف شعرا ولا ثوبا" 2. 18- الرجل يصلي معقوصا أو مكتوفا، لما روي أن عبد الله ابن عباس رأى عبد الله ابن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه، فقام فجعل يحله، فلما انصرف، أقبل إلى ابن عباس، فقال: مالك ورأسي؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما مثل هذا، مثل الذي يصلي وهو مكتوف" 3. 19- الاعتماد على اليد في الجلوس، لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده.."4. 20- كثرة مسح الجبهة، لما رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته الفراغ من صلاته" 5. 21- كثرة التميل، لقول عطاء: إني لأحب أن يقل فيه التحريك، وأن

_ 1 رواه أبو داود 1/423 ح643، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/126 ح597. 2 رواه البخاري 1/199 كتاب الأذان، باب لا يكف ثوبه في الصلاة. 3 رواه مسلم 1/355 ح492. 4 رواه أبو داود 1/604،605 ح992، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/186 ح875. 5 رواه ابن ماجه 1/309، 310 ح964، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/265 ح873 وقال: "الشطر الأول من الحديث أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا". والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود.

يعتدل قائما على قدميه، إلا أن يكون إنسانا كبيرا لا يستطيع ذلك. فأما التطوع فإنه يطول على الإنسان، فلا بد من توكؤ على هذا مرة، وعلى هذا مرة، وكان ابن عمر لا يفرج بين قدميه، ولا يمس إحداهما بأخرى، ولكن بين ذلك. 17- الصلاة في المزبلة، والمجزرة وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبل والمقبرة، لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما "أن رسول الله نهى أن يصلي في سبعة مواطن: في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله"1. 18- التثاؤب في الصلاة، لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تثاوب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل" 2، ويندب وضع اليد على الفم لما روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تثاوب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل" 3. وأما ما اعتاده الناس من التعوذ من الشيطان عند التثاؤب فلا أصل له. 19- الصلاة خلف صف فيه فرجة، لما روي عن أبي بكرة رضي الله عنه، أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "زادك الله حرصا ولا تعد" 4.

_ 1 رواه الترمذي 2/177، 178، 346، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص36 ح53. 2 رواه مسلم 3/2293 ح2995 كتاب الزهد برقم 57. 3 رواه مسلم 3/2293 ح2995 كتاب الزهد برقم 59. 4 رواه البخاري 1/190 كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف.

17- عدم مراعات الترتيب في سور القرآن وآياته في أثناء القراءة في الصلاة، ويسمى التنكيس، لآن الصحابة رضوان الله عليهم وضعوا المصحف الإمام الذي يكادون يجمعون عليه في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وضعوه على هذا الترتيب، فلا ينبغي الخروج على إجماعهم، أو عن ما يكون كالإجماع منهم، لأنهم سلفنا وقدوتنا، والصلاة عبادة واحدة من أولها إلى آخرها، لذا كره مخالفة الترتيب. 18- اختصاص جبهته فقط بما يسجد عليه، لأنه يشبه فعل الرافضة، حيث يعتبرون هذا تدينا، يصلون على قطعة من المدر كالفخار، يصنعونها مما يسمونه النجف الأشرف. 19- الإشارة بالعين، أو بتحريك الحاجب أو اليد، أو نحو ذلك من غير حاجة، فإن كانت لحاجة كرد السلام فلا كراهة.

ما يباح في الصلاة

ما يباح في الصلاة: 1- يباح للمصلي قراءة سورتين فأكثر مع الفاتحة، لحديث حذيفة قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها.."1. 2- ويباح للمصلي عد الآيات التي يقرأها، كمن لا يعرف الفاتحة، وأراد أن يقرأ بعددها من القرآن، أن عد التسبيح، أو عد الركعات خاصة لكثير النسيان، لأن هذه حاجة. ولا يعد باللفظ حتى لا تبطل الصلاة بالكلام، بل يعدها بأصابعه أو بقلبه، والصلاة لا تبطل بعمل القلب، ولا بعمل الجوارح إلا إذا كثر وتوالى لغير ضرورة. 3- ويباح للمأموم أن يفتح على الإمام فيما يفوت الكمال به كتنبيه الإمام لنسيانه قراءة سورة مع الفاتحة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني.." 2، فأمر بتذكيره، وقد يكون الفتح على الإمام واجبا فيما يبطل الصلاة تعمده، كزيادة ركعة، أو لحن في الفاتحة يحيل المعنى. 4- ويباح في الصلاة لبس ثوب لحاجة، كأن يشعر المصلي ببرودة بعد شروعه في الصلاة، والثوب حوله معلق في الجدار، فله أن يأخذه ويلبسه، ويشرع ذلك إذا كان لبس الثوب يؤدي إلى اطمئنان في

_ 1 رواه مسلم 1/536، 537 ح772. 2 رواه البخاري 1/104، 105 كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان.

صلاته والراحة فيها. وقد يكون لبس الثوب واجبا، كمن صلى عريانا لعدم وجود ثوب، وبعد شروعه في الصلاة جيء إليه بثوب، فلبسه للثوب واجب، فعندما أخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم أن في نعليه أذى، خلعهما واستمر في صلاته. 1- ويباح في الصلاة لف العمامة، وكف أحد طرفي الغترة إلى الخلف، أو حول الرقبة وسدل الآخر، لأنه من اللبس المعتاد، لحديث وائل بن حجر: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر (وصف همام حيال أذنيه) ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما.."1. 2- ويباح في الصلاة قتل حية وعقرب، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب"2. 3- ويباح في الصلاة قراءة أواخر السور وأوساطها وأوائلها، لعموم قول الله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر واقرأ بما تيسر معك من القرآن.." 3، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في النفل من أواسط السور، والأفضل والأكمل أن يقرأ الإنسان سورة كاملة في كل ركعة

_ 1 رواه مسلم 1/301 ح401. 2 رواه الترمذي 2/ 233، 234 ح390، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/12 ح319. 3 رواه البخاري 7/226 كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيا في الأيمان.

لأن هذا هو الأصل. 1- ويباح في الصلاة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، لأمر يتعلق بالصلاة، كتنبيه الإمام إذا أخطأ، أو لأمر يتعلق بغير الصلاة كالإذن للداخل، ونحو ذلك ويقول الرجل: "سبحان الله"، وهو ذكر مشروع لسبب، فيزول بزوال السبب، فإن لم يتنبه كرر حتى ينتبه، وتصفق المرأة، ونلحظ التفريق في الحكم، لأنه لا ينبغي للمرأة أن تظهر صوتها عند الرجال، لا سيما وهم في الصلاة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" 1. ويجوز التنبيه برفع الصوت بما يقول الإنسان في الصلاة ويجوز أن ينبه بالنحنحة وأفضل شيء التسبيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به. 2- ويباح في الصلاة إن بدر الإنسان البصاق أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه ما لم يكن في المسجد، فإن كان في مسجد بصق في ثوبه، وحك بعضه ببعض، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل على الناس، فقال: "ما بال أحدكم يقوم أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخم في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره تحت قدمه، فإن لم يجد ليتفل هكذا" ووصف القاسم: فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض" 2. 3- ويباح للمصلي أن يضع أمامه سترة كمؤخرة الرحل، لما روي عن

_ 1 رواه مسلم 1/318 ح422. 2 رواه مسلم 1/389 ح550.

موسى بن طلحة، عن أبيه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.: "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل، ولا يبال من مر وراء ذلك" 1، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركز (وقال أبو بكر: يغرز) 2 العنزة ويصلي إليها. زاد ابن أبي شيبة: قال عبيد الله: وهي الحربة 3. وتبدو الحكمة من السترة في كونها تحجب نقصان صلاة المرء إذا مر أحد من ورائها، وتحجب نظر المصلي لا سيما إذا كان لها جرم شاخص، فإنها تعين المصلي على حضور قلبه وحجب بصره، وقبل ذلك فيها امتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإتباع لهديه، وفي ذلك خير عظيم. فإن لم يجد شاخصا خط أثر في الأرض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "..فمن لم يجد فليخط خطا.." 4. والسترة تكون للمنفرد وللإمام دون المأموم، لأن المأموم سترته هي سترة إمامه، أو الإمام سترة للمأموم، لحديث ابن عباس أنه قال: "أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد"5.

_ 1 رواه مسلم 1/358 ح499. 2 العنزة: كنصف الرمح، لكن سنانها في أسفلها بخلاف الرمح، فإنه في أعلاه. 3 رواه مسلم 1/359 ح501. 4 رواه ابن ماجه 1/303 ح943، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص71 ح196، وقال ابن حجر في بلوغ المرام ص49 ح249: وأخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان، ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن. 5 رواه البخاري 1/126 كتاب الصلاة، باب ستر الإمام سترة من خلفه.

1- ويباح للإمام والمنفرد أن يعوذا عند آية الوعيد، وأن يسألا عند آية الرحمة، لحديث حذيفة يصف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل: " ... يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ.."1. أما المأمون فإن أدى تعوذه أو سؤاله عدم الإنصات للإمام فإنه ينهى عنه، وإن لم يؤدي إلى عدم الإنصات فإن له ذلك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ والإمام يقرأ إلا بأم القرآن. 2- ويباح في الصلاة السجود على ثياب المصلي أو عمامته لعذر، لما روي عنم أنس رضي الله عنه قال: ""2. 3- ويباح في الصلاة حمد الله عند العطاس أو عند حدوث نعمة، لما روي عن رفاعة بن رافع قال: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فقال: "من المتكلم في الصلاة؟ " فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية: "من المتكلم في الصلاة؟ " فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة: "من المتكلم في الصلاة؟ " فقال رفاعة بن رافع بن عفراء: أنا يا رسول الله قال: "كيف قلت؟ " قال: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لقد ابتدرتها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها" 3.

_ 1 رواه مسلم 1/536، 537 ح772. 2 رواه البخاري 1/101 كتاب الصلاة، باب السجود على الثوب في شدة الحر. 3 رواه الترمذي 2/254، 255 ح404 وقال: حديث رفاعة حديث حسن.

1- ويباح في الصلاة رد السلام بالإشارة، لما روى جابر رضي الله عنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني لحاجة ثم أدركته وهو يسير (قال قتيبة: يصلي) فسلمت عليه، فأشار إلي، فلما فرغ دعاني فقال: "إنك سلمت آنفا وأنا أصلي" وهو موجه حينئذ قبل المشرق1. وتكون الإشارة بالإصبع أو باليد جميعا أو بالإيماء بالرأس، فكل ذلك وارد في السنة. 2- ويباح في الصلاة أن يمشي المصلي ليقرب من سترة يتحاشى بها ما يمر بين يديه، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه، قال: "هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر، فحضرت الصلاة – يعني فصلى إلى جدار – فاتخذه قبلة ونحن خلفه، فجاءت بهمة تمر بين يديه، فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار ومرت من ورائه"2. ويباح له أن يدفع المار بين يديه، لما روي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبى فاليقاتله، فإنما هو شيطان" 3. 16- ويباح للمصلي أن يصلي في نعلين طاهرين، لما روي عن أبي سلمة سعيد بن زيد قال: "قلت لأنس بن مالك: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين؟ قال: نعم"4.

_ 1 رواه مسلم 1/383 ح540. 2 رواه أبو داود 1/455 ح708 وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/136 ح652: حسن صحيح. 3 رواه مسلم 1/362 ح505. 4 رواه مسلم 1/391 ح555.

17- ويباح في الصلاة لعن الشيطان والتعوذ منه، والعمل القليل، لما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: "أعوذ بالله منك" ثم قال: "ألعنك بلعنة الله" ثلاثا وبسط يده كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من الصلاة قلنا يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك قال: "إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة " 1.

_ 1 رواه مسلم 1/385 ح542.

وصف للصلوات الخمس

وصف للصلوات الخمس: فرض الله سبحانه وتعالى الصلاة على عباده في كتابه الكريم، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} 1، وبين كيفيتها نبيه الأمين عن تعليم الأمين جبريل عليه الصلاة والسلام، وأمرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم باتباعه، فقال فيما رواه مالك بن حويرث: " ... وصلو كما رأيتموني أصلي.." 2. والصلوات المفروضة على العباد خمس صلوات في اليوم والليلة، فعن أبي محيرز، " خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن لم لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له "3. وأوقات الصلاة خمسة، أشار إليها القرآن إجمالا، وجاءت بها السنة تفصيلا، قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} 4، {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي لزوالها، {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} أي

_ 1 سورة النساء، الآية [103] . 2 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة. 3 رواه أبو داود 2/130، 131 ح1420، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/86 ح425. 4 سورة الإسراء، الآية [78] .

إلى نصف الليل؛ لأن تمام الغسق وهو الظلمة يكون في وسط الليل، فهذا الوقت من نصف النهار إلى نصف الليل لا تخلوا لحظة منه من وقت لصلاة، وتفصيل ذلك جاءت به السنة. - وقت الظهر: من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله. - وقت العصر: من هذا الوقت إلى اصفرار الشمس اختيارا، وإلى الغروب اضطرارا. - وقت المغرب: من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، وهو الحمرة التي تعقب غروب الشمس. - ووقت العشاء: من مغيب الشفق إلى نصف الليل. وهذه الأوقات الأربعة المتصل بعضها ببعض قد دل عليها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الثابت في حديث مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان" 1. أما الوقت الخامس فقال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} فصله عما قبله، لأن وقت الفجر منفصل عما قبله، ومنفصل عما بعده، لأن من نصف الليل إلى طلوع الفجر فليس وقتا للصلاة المفروضة، ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وقت للفجر، ومن طلوع الشمس إلى زوالها ليس وقتا لصلاة مفروضة، ومن ثم جاء القرآن مفردا لصلاة الفجر،

_ 1 رواه مسلم 1/427 ح612، برقم173 في الباب.

فقال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} ، ولكن الله عز وجل عبر عن الفجر بقرآنه، لأن القراءة تطول في صلاة الفجر1. هذه الأوقات الخمسة، لو صلى الإنسان الصلاة قبل وقتها بقدر تكبيرة الإحرام فلا تصح صلاته، لأنه ابتدأها قبل دخول الوقت، ولو أن أحدا أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر شرعي، فلا تصح صلاته، كما لو تعمد رجل ألا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس وصلى الفجر، فإن الصلاة لا تقبل منه، ولا يشرع له قضاؤها، لأنه لا فائدة له من القضاء. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" 2، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بأن الإنسان إذا تعمد تأخير الصلاة عن وقتها لم تقبل منه، وإن صلاها ألف مرة، بخلاف من أخرها عن وقتها لعذر3، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" 4. وصلاة الظهر كما هو معلوم من السنة المطهرة أربع ركعات في الحضر، وركعتان في السفر، والعصر كالظهر، وأما المغرب فثلاث ركعات في الحضر والسفر، والعشاء أربع ركعات في الحضر، ركعتان في السفر، والفجر ركعتان في الحضر والسفر. يؤدي المسلم هذه الصلوات على الوجه الشرعي الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن ذكرنا وصفا تفصيليا للصلاة.

_ 1 من أحكام الصلاة: للعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص10، 11، 12. 2 رواه مسلم 2/1344 ح1718. 3 من أحكام الصلاة: للعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص13. 4 رواه مسلم 1/477 ح683.

الصلاة في البلدان التي يطول فيها النهار جدا أو يقصر جدا أو لا يرى فيها النهار أو الليل في بعض أيام السنة

الصلاة في البلدان التي يطول فيها النهار جداً أو يقصر جداً أو لا يرى فيها النهار أو الليل في بعض أيام السنة: اختلف أهل العلم في مسألة تقدير الوقت في البلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها، والبلاد التي يقصر نهارها ويطول ليلها، وكذلك في البلاد القطبية حيث يستمر الليل نصف سنة في القطب الشمالي بينما تكون هذه المدة الطويلة نهاراً في القطب الجنوبي، فمنهم من يرى التقدير، ومنهم من يرى إلحاق هذه البلاد بأقرب البلاد إليها. القول الأول: قال بعض أهل العلم: إن هؤلاء جميعاً لهم حكم واحد، وهو أن تقدر أوقات الصلاة والصيام لهم، لكنهم اختلفوا على أي البلاد يكون التقدير، على قولين. أ - أن يقوموا بتقدير أيامهم ولياليهم وأشهرهم بحساب أوقات أقرب البلاد المعتدلة إليهم، التي تتميز فيها الأوقات، ويتسع كل من نهارها وليلها لما فرض الله من صوم وصلاة. ب - وقال بعضهم: بل يقدرون أوقاتهم على حسب البلاد التي نزل فيه التشريع: مكة أو المدينة، لأن هذا أيسر لهم، خصوصاً أنهم يتوجهون إلى الكعبة في صلاتهم كل يوم وليلة. وقال محمد رشيد رضا في تفسير المنار: "واختلفوا في التقدير على أي البلاد يكون؟ فقيل على البلاد المعتدلة التي فيها التشريع كمكة والمدينة، وقيل على أقرب بلاد معتدلة إليهم، وكل منهما جائز، فإنه اجتهادي

لا نص فيه"1. القول الثاني: قال بعض أهل العلم: إذا كان يوجد في هذه البلاد نهار وليل، وجب عليهم الصلاة والصيام، مهما كان طول النهار وقصر الليل والعكس. والذي أراه راجحاً أن الحكم يختلف بين البلاد التي لها ليل ونهار، والبلاد التي لا يوجد فيها ليل أو نهار. فالبلاد التي يكون فيها ليل أو نهار يلزم أهلها الصلاة والصوم مهما طال النهار أو قصر، لأن الله أناط الحكم بالنهار والليل، قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} 2. أما البلاد التي لا يوجد فيها ليل أو نهار البتة، كالبلاد القطبية، فهؤلاء يقدرون أوقاتهم على حسب أقرب البلاد إليهم.، ولا بد أن لهم تقديراً في بعض شؤون حياتهم اليومية، فما كانوا يعملون به في أمور دنياهم ينبغي أن يعلموا به في أمور عبادتهم، وهذا أيسر عليهم وأسهل.3. وقد ورد إلى سماحة الشيخ/ عبد العزيز ابن باز – يحفظه الله - مفتي عام المملكة العربية السعودية السؤال التالي: قد يستمر الليل أو النهار في بعض الأماكن لمدة طويلة، وقد يقصر جداً بحيث لا يتسع لأوقات الصلوات الخمس، فكيف يؤدي ساكنوها صلاتهم؟

_ 1 تفسير القران الحكيم الشهير بتفسير المنار: محمد رشيد رضا 2/163. 2 سورة هود، الآية [114] . 3 انظر الصيام: للمؤلف ص35، 36.

وقد أجاب فضيلته بما يأتي: الواجب على سكان هذه المناطق التي يطول فيها النهار أو الليل أن يصلوا الصلوات الخمس بالتقدير إذا لم يكن لديهم زوال ولا غروب لمدة أربع وعشرين ساعة، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النواس بن سمعان المخرج في صحيح مسلم في يوم الدجال الذي كسنة، سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "أقدروا له قدره"، وهكذا حكم اليوم الثاني من أيام الدجال، وهو اليوم الذي كشهر، وهكذا اليوم الذي كأسبوع. أما المكان الذي يقصر فيه الليل ويطول فيه النهار أو العكس في أربع وعشرين ساعة، فحكمه واضح يصلون فيه كسائر الأيام.. ولو قصر الليل جدا أو النهار لعموم الأدلة1.

_ 1 فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة، من أجوبة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ص 5، 6.

الصلاة في السفر

الصلاة في السفر: من سماحة الإسلام ويسره، ما شرع من أحكام تتعلق بالصلاة في السفر، فكلما وجدت المشقة وجد التيسير، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} 1. وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} 2. والصلاة في السفر تختلف عنها في الحضر، لما يترتب على السفر من أحكام كقصر الصلاة إباحة الفطر في رمضان، وامتداد مدة المسح على الخفين، وسقوط الجمعة والنوافل ماعدا سنة الفجر، وسقوط العيدين والأضحية ... والسفر هو مفارقة محل الإقامة، ويسن للمسافر فيه قصر الصلاة الرباعية: الظهر والعصر والعشاء سواء كان في بر أو بحر أو جو ولا يجوز قصر الصبح والمغرب بالإجماع، لأنهما لو قصرا لفات المقصود منهما، فقصر صلاة الصبح يجحف بها لقتلها ويجعلها وتراً، وقصر المغرب يخرجها عن كونها وتراً، والأصل إتباع النص. وقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين لا يكون إلا في السفر فقط، وهو سنة مؤكدة، ويكره الإتمام لغير سبب، فلا يجوز لمريض ونحوه، بخلاف الجمع، والدليل على ذلك ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ

_ 1 سورة البقرة، الآية [185] . 2 سورة البقرة، الآية [286] .

تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 1 ولا يكون والآية كما تبدو مقيدة بخوف الفتنة من الكفار أي (أن يمنعوكم من إتمام صلاتكم) ، ولكن هذا القيد مرتفع بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي أخبر بها عن ربه، فعن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فقد آمن الناس! فقال: عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته" 2، فصارت إباحة القصر في الأمن صدقة تصدق الله بها علينا. وأما السنة 3 فقد تواترت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر في أسفاره حاجاً ومعتمراً وغازياً، وقال ابن عمر: إني صحبت4 رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 5. وقال عبد الله بن مسعود: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وصلت مع أبي بكر الصديق بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب

_ 1 سورة النساء، الآية [101] . 2 رواه مسلم 1/479، 480 ح689. 3 انظر المغني: ابن قدامة 2/255. 4 رواه مسلم 1/479، 480 ح689. 5 سورة الأحزاب، الآية [21] .

بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات، ركعات متقبلتان 1. وقال أنس بن مالك: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فصلى ركعتين ركعتين، حتى رجع، قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشراً2. وأما الإجماع: فقال ابن قدامة: وأجمع أهل العلم على أن من سافر سفراً تقصر في مثله الصلاة في حج أو عمرة أو جهاد أن له أن يقصر الرباعية فيصليها ركعتين3.

_ 1 رواه مسلم 1/483 ح695. 2 رواه مسلم 1/481 ح693. 3 المغني ابن قدامة 2/225.

شروط قصر الصلاة

شروط قصر الصلاة: والقصر جائز بشروط ستة: الأول: أن تكون1 مسافة السفر مبيحة للقصر. علَّق الشارع الحكيم قصر الصلاة وإباحة الفطر على مطلق السفر دون تحديد له، غير أنه لما كان السفر مظنة المشقة، والمشقة لا تحصل غالباً إلا مع السفر الطويل، اختلف الفقهاء - رحمهم الله - في تحديد مسافة السفر المبيحة للقصر والفطر. فمنهم: من ذهب إلى أن المسافة التي يجوز القصر والفطر فيها هي مسيرة يومين كاملين فأكثر، وهي تعادل ثمانين كيلو متراً تقريباً. ومنهم: من ذهب إلى أن المسافة المبيحة للقصر والفطر مسيرة ثلاثة أيام. ومنهم: من ذهب إلى أن المسافة المبيحة للقصر والفطر مسيرة يوم واحد. ومنهم: من ذهب إلى أنه لاحد للسفر الذي يباح القصر والفطر فيه، بل كل ما سمي سفراً عرفا جاز الفطر فيه. والراجح: هو القول الأول؛ لأن مسافة اليومين تحتاج إلى الاستعداد، وفيها مشقة ظاهرة وبهذا القول أخذ جماعة الصحابة والتابعين، وهو قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله.

_ 1 انظر الصيام: للمؤلف ص 83، 84

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ... وأما مقدار السفر الذي يقصر فيه ويفطر، فمذهب مالك والشافعي وأحمد أنه مسيرة يومين قاصدين بسير الإبل والأقدام هو ستة عشر فرسخاً1، كما بين مكة وعسفان ومكة وجدة، وقال أبو حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام، وقال طائفة من السلف والخلف: بل يقصر ويفطر في أقل من يومين، وهذا قول قوي.."2. قال ابن قدامة: وإن شك في قدر السفر لم يبح القصر، لأن الأصل الإتمام، فلا يزول بالشك، والاعتبار بالنية دون حقيقة السفر، فلو نوى سفراً طويلاً فقصر، ثم بدا له فأقام أو رجع، كانت صلاته صحيحة، ولو خرج طالباً لآبق أو منتجعاً غيثًا، متى وجده رجع أو أقام لم يقصر ولو سافر شهراً. ولو خرج مكرهاً كالأسير يقصد به بلداً بعينه فله القصر، لأنه تابع لمن يقصد مسافة القصر، فإذا وصل حصنهم أتم حينئذ نص عليه، وإن كان للبلد طريقان طويلة وقصيرة، فسلك البعيدة ليقصر، فله ذلك لأنه سفر يقصر في مثله، فجاز له القصر، كما لو لم يكن له طريق سواه3. الثاني: أن يكون السفر مباحاً؛ لأن الأسفار تنقسم إلى خمسة

_ 1 والفرسخ ثلاثة أميال، والميل (1609م) تقريباً، 16 × 3 = 48، 48× 1609= 77232 متراً، أي ما يزيد على سبعة وسبعين كيلو متراً، فأوصلناها ثمانين كيلو متراً تقريباً. 2 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/212، ويلاحظ أن الشيخ يرجح الرأي الأخير الذي لا يحدد المسافة، بل يربطها بالعرف. 3 انظر الكافي: ابن قدامة 1/196، والمغني: ابن قدامة 2/258، 259.

أقسام: 1- حرام كسفر لفعل محرم، كالسفر لبلاد الكفر بحثاً عن الدعارة والمخدرات والجريمة، وسفر قطاع الطريق واللصوص ومن في حكمهم، ممن ينشرون الفساد في الأرض ويؤذون المؤمنين، ومنه سفر المرأة بلا محرم. 2- مكروه كالسفر وحده. 3- مباح كالسفر للنزهة. 4- واجب كالسفر لفريضة الحج أو العمرة أو الجهاد. 5- مستحب كالسفر للحجة الثانية. والسفر المباح هو ما ليس بحرام ولا مكروه. قال ابن قدامة: فإن سافر لمعصية كالآبق، وقطع الطريق والتجارة في الخمر لم يقصر، ولم يترخص بشئ من رخص السفر، لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي، لما فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها، ولا يرد الشرع بذلك1. ويمنع المسافر إلى معصية من رخص السفر، فيمنع من قصر الصلاة والمسح على الخفين ثلاثة أيام، والفطر في رمضان، فإن انقلب السفر المحرم مباحاً كأن يعود من سفره تائباً مستغفر جاز له القصر بشروطه. الثالث: أن يشرع في السفر ويفارق عامر قريته، لقول الله تعالي: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} 2،

_ 1 انظر الكافي: ابن قدامة 1/197. 2 سورة النساء، الآية (101) .

لأنه لا يكون ضارباً في الأرض إلا إذا شرع في السفر، ولا يجوز له القصر ما دام في قريته ولو كان عازماً على السفر أو مرتحلاً أو راكباً يمشي بين البيوت. قال ابن قدامة: ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته ويجعلها وراء ظهره، وبهذا قال مالك والشافعي والأوزاعي وإسحق وأبو ثور، وحكي ذلك عن جماعة من التابعين1. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للذي يريد السفر: أن يقصر الصلاة إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها2. وروي عن أنس رضي الله عنه قال: "صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً وبذي الحليفة ركعتين"3. ويرى بعض السلف أن من نوى السفر يقصر ولو في بيته. والصحيح أن القصر مع نية الإحرام بالصلاة، لأنه إن أطلق النية، فستنصرف إلى الأصل وهو الإتمام، وإن نوى الإتمام لزمه. الخامس: أن لا تكون الصلاة وجبت في الحضر، فلو ترك صلاة حضر فقضاها في السفر لم يجز له قصرها، لأنه تعين فعلها أربعاً، فلم يجز النقصان فيها، كما لو نوى أربع ركعات، ولأن القضاء معتبر بالأداء،

_ 1 المغني: ابن قدامة 2/259. 2 المغني: ابن قدامة 2/260. 3 رواه البخاري 2/36 كتاب تقصير الصلاة، باب يقصر إذا خرج من موضعه.

والأداء أربع1. السادس: أن لا يأتم بمقيم، فإن ائتم بمقيم لزمه الإتمام، سواء ائتم به في الصلاة كلها أو جزء منها، فعن موسى بن سلمة أنه قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا ركعتين؟ قال: تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم2. وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم: ولأنها صلاة مردودة من أربع، فلا يصليها خلف من يصلي الأربع3. واشترط جماهير أهل العلم أن يكون واقعاً في مدته، وهي أربعة أيام فأقل لمن عزم على الإقامة.

_ 1 الكافي: ابن قدامة 1/197، 198. 2 رواه أحمد 1/216 مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وصحح إسناده أحمد شاكر في حاشيته على المسند 3/260. 3 الكافي: ابن قدامة 1/198.

مسائل تتعلق بالقصر

مسائل تتعلق بالقصر: 1- فمن أحرم بالصلاة في بلده ثم شرع في سفره، فإتمام الصلاة واجب في حقه لأنه ابتدأ الصلاة في حال يلزمه فيها الإتمام، ومثاله: رجل على ظهر سفينة راسية في نهر يشق البلد، فلما كبر للصلاة مشت السفينة وفارقت البلد وهو في أثناء الصلاة، فهذا أحرم في البلد ثم سافر فيلزمه الإتمام. 2- ومن أحرم بالصلاة مسافراً قبل أن يدخل بلده، ثم دخل البلد أثناء الصلاة، يلزمه الإتمام، ومثاله: رجل على ظهر سفينة أحرم بالصلاة قبل أن يدخل البلد، ثم دخل أثناء الصلاة البلد فيلزمه الإتمام. وهاتان المسألتان: الولي والثانية: يمنعه، فغلب جانب المنع؛ لما عليه الفقهاء إذا اجتمع مبيح وحاظر فالحكم للحاظر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"1، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " ... فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.." 2. قال ابن قدامة تعليقاً على المسألتين: لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر، ووجد أحد طرفيها في الحضر، فغلب حكمه كالمسح3. 3- من نسي صلاة الحضر فذكرها في سفر، لأن هذه الصلاة لزمته تامة،

_ 1 رواه الترمذي 4/668 ح 2518، وقال: حسن صحيح. 2 رواه مسلم 2/1219، 1220 ح 1599. 3 الكافي: ابن قدامة 1/198.

فوجب قضاؤها تامة، عن أبي قتادة قال: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة فقال: ".. إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها" 1 أي يصلي هذه الصلاة كما هي إذا ذكرها. 1- من نسي صلاة سفر فذكرها في الحضر، قال النووي: وإن فاتته صلاة في السفر فقضاها في الحضر، ففيه قولان: قال في القديم: له أن يقصر لأنها صلاة سفر، فكان قضاؤها كأدائها في العدد، كما لو فاتته في الحضر فقضاها في السفر، وقال في الجديد: لا يجوز له القصر، وهو الأصح لأنه تخفيف تعلق بعذر كالعقود في صلاة المريض. وإن فاتته في السفر فقضاها في السفر ففيه قولان: أحدهما: لا يقصر لأنها صلاة ردت من أربع إلى ركعتين، فكان من شرطها الوقت كصلاة الجمعة. والثاني: له أن يقصر، وهو الأصح، لأنه تخفيف تعلق بعذر كالعقود في صلاة المريض2. 2- مسافر ائتم بمقيم، فيجب أن يتم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" 3، فإن أدرك ركعة في الظهر أتى بثلاث، وإن أدرك التشهد أتى بأربع. ولو أدرك المسافر من الجمعة

_ 1 رواه الترمذي 1/334 ح 177، وقال حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح. 2 المجموع: النووي 4/366. 3 رواه البخاري 1/156 كتاب الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار.

أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعاً لائتمامه بالمقيم1، فإن أدرك ركعة أتمها جمعة. 1- مسافر ائتم بمن يظن أنه مقيم أو يشك في كونه مسافراً أو مقيماً، فيجب عليه الإتمام وإن قصر إمامه اعتباراً بالنية، لأن من شروط القصر أن ينويه بنية جازمة غير متردد. فإن علق نيته بقوله: إن أتم إمامي أتممت، وإن قصر قصرت، فله متابعة إمامه، إن قصر ففرضه القصر، وإن أنم ففرضه الإتمام، ولا يدخل هذا في الشك، لكنه من باب تعليق الفعل بأسبابه. فإن غلب على ظنه أنه مسافر لوجود ما يدل على ذلك، كمن يحمل أمتعة سفر في المطار، فله أن ينوي القصر، وعليه أن يتبع إمامه، فإن قصر تبعه، وإن أتم تبعه. 2- قال ابن قدامة في كلامه عن المسافر: ولو نوى الإتمام أو ائتم بمقيم ففسدت الصلاة وأراد إعادتها لزمه الإتمام أيضاً، لأنها وجبت عليه تامة بتلبسه بها خلف المقيم، ونية الإتمام، وهذا قول الشافعي. وقال الثوري وأبو حنيفة: إذا فسدت صلاة الإمام عاد المسافر إلى حاله2. والراجح أن المسافر يعود إلى حاله فله أن يقصر إذا صلى وحده أو مع جماعة يقصرون، وذلك لأن صلاته التى شرع فيها إنما يلزمه إتمامها تبعاً لإمامه لا من الأصل، وبعد أن فسدت زالت التبعية، فلا يلزمه إلا صلاة مقصورة.

_ 1 الكافي: ابن قدامة 1/198. 2 المغني: ابن قدامة 2/266.

وكذا مسافر ائتم بمقيم، وبعد شروع الصلاة، ذكر المسافر أنه على غير وضوء، فذهب وتوضأ، فلما رجع وجد الناس قد صلوا، فلا يلزمه الإتمام، لأن الصلاة لم تنعقد أصلاً. 1- مسافر دخل وقت الصلاة وهو في السفر، ثم دخل البلد، فإنه يتم اعتباراً بحال فعل الصلاة، أما لو دخل وقت الصلاة وهو في البلد ثم سافر فإنه يقصر. قال ابن قدامة: قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن له قصرها، وهذا قول مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، لأنه سافر قبل خروج وقتها، أشبه ما لو سافر قبل وجوبها. 2- مسافر شرع في صلاة رباعية ولم ينو القصر ولا الإتمام. قال ابن قدامة: ولنا أن الأصل الإتمام، فإطلاق النية ينصرف إليه1. وهناك من يرى أنه يقصر لأنه الأصل، والأحوط الإتمام، أما من نوى فعلى حسب نيته، فمن نوى القصر قصر، ومن نوى الإتمام أتم. 3- مسافر شرع في الصلاة ثم شك في نيته، أنوى القصر أم لم ينو؟ قال ابن قدامة: فإن شك في نية القصر لزمه الإتمام. وهناك من يرى أنه يقصر ولا يلزمه الإتمام، لأن الأصل في صلاة المسافر القصر، ولأن من شك في وجود شئ أو عدمه فالأصل العدم، فأشبه هنا من لا نية له، والأحوط الإتمام.

_ 1 الكافي: ابن قدامة 1/197.

1- مسافر نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام فيلزمه الإتمام، والدليل على ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، عندما قدم إلى مكة في حجة الوداع يوم الحد الرابع من ذي الحجة، وأقام فيها، الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء وخرج يوم الخميس إلى منى، فأقام في مكة أربعة أيام يقصر الصلاة. اختلف أهل العلم في هذه المسألة خلافًا واسعا، والصحيح أنه إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام لزمه إتمام الصلاة والصوم كغيره من المقيمين، لانقطاع أحكام السفر في حقه، سواء كانت إقامته لدراسة أو لتجارة أو غير ذلك من الأمور المباحة. وأن نوى إقامة أربعة أيام فأقل، أو أقام لقضاء حاجة لا يدري متى تنقضي، فله القصر لعدم انقطاع أحكام السفر في حقه1. 2- والملاح الذي يسير في سفينة وليس له بيت سوى سفينته، فيها أهله وتنوره وحاجته لا يباح له الترخيص، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الملاح أيقصر ويفطر في السفينة؟ قال: أما إذا كانت السفينة بيته فإنه يتم ويصوم، قيل له: وكيف تكون بيته؟ قال: لا يكون له بيت غيرها، معه فيها أهله، وهو فيها مقيم، وهذا قول عطاء، وقال الشافعي: يقصر ويفطر لعموم النصوص وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن الشخير: "أتدري ما وضع الله عن المسافر؟ " قلت: وما وضع الله عن المسافر؟ قال: "الصوم وشطر الصلاة" 2، ولأن

_ 1 انظر بدائع الصنائع: الكاساني 1/97، وبداية المجتهد: ابن رشد 1/287، والمجموع: النووي 6/263، ومغني المحتاج: محمد الشربيني 1/437، والروض المربع: البهوتي 3/372. 2 رواه النسائي: 4/182 كتاب الصيام، باب فضل الإفطار في السفر على الصيام، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2/486 ح 2151.

كون أهله معه لا يمنع الترخيص كالجمال1. والصحيح أن الملاح معه أهله لا ينوي الإقامة ببلد المغادرة ولا ببلد الوصول، فهذا يجب عليه أن يتم؛ لأن بلده سفينته. فلو كان له نية الإقامة في بلد فإنه يقصر لكونه مسافراً وفق ما ذكرناه آنفًا من قيد المسافة والزمن. قال أبو داود: سمعت أحمد يقول في المكاري الذي هو دهره في السفر: لابد من أن يقدم فيقيم اليوم، قيل: فيقيم اليوم واليومين والثلاثة في تهيئة للسفر. قال: هذا يقصر. وذكر القاضي وأبو الخطاب انه ليس له القصر كالملاح، وهذا غير صحيح لأنه مسافر مشفوق عليه، فكان له القصر كغيره، ولا يصح قياسه على الملاح، فإن الملاح في منزله سفراً وحضراً، ومعه مصالحه وتنوره وأهله، وهذا لا يوجد في غيره، وإن سافر هذا بأهله كان أشق عليه وأبلغ في استحقاق الترخيص2. والفيج: وهو المسرع في سيره الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد أشبه برجل البريد، وهو كالمكاري في حكم القصر. 1- مسافر إلى بلد آخر، ولمقصده طريقان، أحدهما بعيد يبلغ مسافة القصر، والآخر قريب لا يبلغ حد القصر، فسلك أبعدهما، فله القصر، لأنه يصدق عليه أنه مسافر سفر قصر، بينما لو تعمد الأبعد ليتحايل على الفطر في رمضان، فالفطر عليه حرام، والصيام واجب عليه حينئذ. 2- مسافر منع من السفر ولم ينو إقامة كمن حبسه سلطان بحق أو بظلم،

_ 1 المغني: ابن قدامة 2/266. 2 المغني: ابن قدامة 2/265.

أو حبس بعدو أو مرض أو خوف، فإنه يقصر إن كان حبسه أربعة أيام فأقل، فإن كان أكثر من أربعة أيام لم يقصر إلا إذا كان لا يعلم مدة حبسه، فإنه يقصر على كل حال. 1- مسافر لم يجمع على إقامة أكثر من أربعة أيام، فله القصر. قال ابن قدامة: وإن قال: إن لقيت فلانًا أقمت، وإلا لم أقم، لم يبطل حكم سفره، لأنه لم يعزم على الإقامة1. وكذا من أقام لقضاء حاجة ولم ينو إقامة مطلقة، فإنه يقصر أبداً، لأنه لا يعد مستوطناً، والإقامة تقيد بزمن وتقيد بعمل، فإن نوى أكثر من أربعة أيام أتم، ودونها يقصر وإن قيد إقامته بعمل يقصر فيها أبداً ولو طالت المدة، كمن سافر للعلاج ولا يدري متى ينتهي. 2- إذا كان السفر مباحاً، فغير نيته إلى المعصية، انقطع الترخيص لزوال سببه. ولو سافر لمعصية فغير نيته إلى مباح، صار سفراً مباحاً، وأبيح له ما يباح في السفر المباح، وتعتبر مسافة السفر من حيث غير النية، ولو كان سفره مباحاً فنوى المعصية بسفره، ثم رجع إلى نية المباح، اعتبرت مسافة القصر من حين رجوعه إلى نية المباح، لأن حكم سفره انقطع بنية المعصية، فأشبه ما لو نوى الإقامة، ثم عاد فنوى السفر، فأما إن كان السفر مباحاً لكنه يعصي فيه، لم يمنع ذلك الترخيص لأن السبب هو السفر المباح، وقد وجد فثبت حكمه، ولم يمنعه وجود معصية، كما أن معصيته في الحضر لا تمنع الترخيص فيه2.

_ 1 الكافي: ابن قدامة 1/201. 2 المغني: ابن قدامة 2/263، 264.

1- مسافر قلب نيته إلى سفر قصير، لزمه إتمام الصلاة، ولزم من خلفه متابعته. 2- ومن قصر معتقداً تحريم القصر فصلاته فاسدة، لأنه فعل ما يعتقد تحريمه1 (1) . وقصر الصلاة رخصة، تدل في جوهرها على سماحة الإسلام، ومراعاته لأحوال المسلمين وظروفهم، فكم من التعب يلقاه المسافر! وكم من المشقة يمر بها! ولكن يجب أن لا ينقطع عن العبادة المفروضة، وينبغي أن لا يتخلى عن التحلي بالسنن والواجبات، حتى يستمر المؤمن في صلته بربه أينما حل وارتحل، فيعيش تملأ حياته الطاعة، ويستقر في نفسه الإيمان. إنها سماحة الإسلام التي تراعي أحوال المسلم في سفره وفي مرضه وفي خوفه، ويأتي تشريع الحكيم العليم وافياً بما يناسب حال الإنسان في كل زمان ومكان. إنها عدالة الله تراعي ظروف الخلف، حاملة في طياتها الرأفة والرحمة واليسر، قال الله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 2. قال ابن عبد البر: وفي إجماع الجمهور من الفقهاء على أن المسافر

_ 1 الكافي: ابن قدامة 1/197. 2 سورة المائدة، الآية (6) .

إذا دخل في صلاة المقيمين فأدرك منها ركعة أن يلزمه أربع، دليل واضح على أن القصر رخصة، إذ لو كان فرضه ركعتين لم يلزمه أربع بحال1.

_ 1 المغني: ابن قدامة 2/268.

جمع الصلاة في السفر

جمع الصلاة في السفر ... جمع الصلاة في المسافر: تعريف الجمع وبيان حكمه: والجمع: هو ضم إحدى الصلاتين للأخرى، ويكون الجمع بين الظهر والعصر، كما يكون بين المغرب والعشاء، ولا يكون في غيرهما، وهو سنة إذا وجد سببه لوجهين: الأول: أنه رخصة، والله عز وجل يحب أن تؤتى رخصه. الثاني: أن فيه اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان يجمع عند وجود السبب المبيح للجمع، ويدخل هذا في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " ... صلوا كما رأيتموني أصلي.." 1. وقت الجمع وصفته: إذا جاز الجمع لوجود السبب المبيح له، صار الوقتان وقتا واحدا، فأنت مخير بالجمع في وقت الأولى، أو في الوقت الذي بينهما، لما روى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك، إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل

_ (1) رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة..

العشاء، ثم نزل فجمع بينهما"1. الأسباب المبيحة للجمع: 1- يجوز الجمع للمسافر سفرا تقصر فيه الصلاة، قال النووي: وفي السفر الذي لا يقصر فيه الصلاة قولان: أحدهما: يجوز لأنه سفر يجوز فيه التنقل على الراحلة، فجاز فيه الجمع كالسفر الطويل، والثاني: لا يجوز، وهو الصحيح لأنه إخراج عبادة عن وقتها، فلم يجز في السفر القصير كالفطر في الصوم2 والسفر الذي يجوز للمسافر أن يجمع فيه هو السفر المباح، ولا يجوز في غيره. واختلف أهل العلم حول جواز الجمع للمسافر نازلاً أو سائراً على قولين: الأول: لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائراً لا إذا كان نازلاً لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء "3 يعني إذا كان سائراً، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين الصلاتين في حجة الوداع لأنه كان نازلاً، ولا شك أنه في سفر لأنه يقصر الصلاة. واحتج عليهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهرين في عرفة وهو نازل، وأجابوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ليدرك الناس صلاة الجماعة، لأنهم بعد الصلاة سوف يتفرقون في موقفهم في عرفة ويشق

_ 1رواه أبو داود 2/12ح1208، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/223، 224ح1607 2 المجموع: النووي 4/370. 3 رواه مسلم 1/488ح 703

جمعهم. ونظير ذلك أن الناس يجمعون بين المغرب والعشاء في المطر من أجل تحصيل الجماعة، وإلا فبإمكانهم أن يصلوا الصلاة بوقتها في بيوتهم لأنهم معذورون بالوحل. الثاني: أنه يجوز الجمع للمسافر سواء أكان نازلاً أم سائراً، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك وهو نازل، وبأن المسافر في الغالب يشق عليه أن يفرد كل صلاة في وقتها، إما للمشقة والعناء، وإما لقلة الماء، وإما لغير ذلك، وبأنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه فجوازه في السفر من باب أولى، ولعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر"1. والصحيح أن الجمع للمسافر مستحب في حق السائر، وجائز في حق النازل، إن جمع فلا بأس، وإن ترك فهو أفضل. ولا تشترط النية للجمع، قال النووي: وقال المزني وبعض الأصحاب لا تشترط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، ولم ينقل أنه نوى الجمع ولا أمر إلى بنيته، وكان يجمع معه من تخفي عليه هذه النية، فلو وجبت لبينها2. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وتنازع العلماء في الجمع والقصر: هل يفتقر إلى نية؟ فقال جمهورهم: لا يفتقر إلى نية، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة، وأحد القولين في مذهب أحمد ... وقال

_ 1 رواه مسلم 1/490،491ح705 2 المجموع: النووي 4/374.

الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد: إنه يفتقر إلى نية، وقول الجمهور هو الذي تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم1. فالنية ليست شرطا عند إحرام الأولى، وإنما يشترط وجود سبب الجمع عند الجمع، لذا للمصلي أن ينوي الجمع ولو بعد سلامه من الأولى، أو عند إحرامه في الثانية عند وجود السبب. إذا حدث فصل بين الصلاتين يمنع الموالاة: قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز: الواجب في جمع التقديم الموالاة بين الصلاتين، ولا بأس بالفصل اليسير عرفاً، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ... ، أما جمع التأخير فالأمر فيه واسع، لأن الثانية تفعل في وقتها، ولكن الأفضل هو المولاة بينهما تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك " 2. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال، لا في الوقت الأولى، ولا في وقت الثانية، فإنه ليس لذلك حد في الشرع، ولأن مراعاة ذلك يسقط مقصود الرخصة 3 لأن معنى الجمع عنده: هو ضم وقت الثانية للأولى، بحيث يكون الوقتان وقتا واحدا. وليس ضم الفعل. 2- ويجوز الجمع في الحضر للمريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة وضعف، ويشمل ذلك المريض بأي مرض يجد من الأفراد في الصلاة مشقة، لعموم قول الله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا

_ 1مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/28. 2فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة من أجوبة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ص93، 94. 3مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24 / 54

يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 1 وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} 2، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر"3، وقيل لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته. فدل ذلك على انتفاء الخوف والمطر، وعلى انتفاء السفر أيضا لكونه في المدينة، ومن هنا نأخذ أنه متى لحق المكلف حرج في ترك الجمع جاز له أن يجمع، فيجمع المريض متى لحقه بالإفراد مشقة، سواء أكان صداعا في الرأس أم وجعا في الظهر أم في البطن أم في الجلد أم غير ذلك. قال ابن قدامة: وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر، فلم يبق إلا المرض، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سلهة بنت سهيل وحمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين لأجل الإستحاضة، وهو نوع مرض، ثم هو مخير بين التقديم والتأخير، أي ذلك كان أسهل عليه فعله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم إذا ارتحل بعد دخول الوقت، ويؤخر إذا ارتحل قبله طلبا للأسهل، فكذلك المريض، وإن كان الجمع عنده واحدا فالأفضل التأخير4. 3- ويجوز الجمع لمطر يبل الثياب لوجود المشقة من بلل أو برد، وتزداد المشقة مع هذا بوجود ريح شديدة مع هذا بوجود ريح شديدة. ويجوز الجمع لوحل يشق على

_ 1سورة البقرة، الآية (185) . 2سورة الحج، الآية (78) 3رواه مسلم 1/490، 491ح 705. 4سورة البقرة، الآية (185) .

الناس أن يمشوا عليه، ويجوز الجمع للريح إذا كانت شديدة باردة أو كانت شديدة تحمل تراباً يتأثر به الإنسان ويشق عليه. روى البيهقي عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة"1 وكون النبي صلى الله عليه وسلم جمع في ليلة مطيرة لا يمنع أن يجمع في يوم مطير، لأن العلة هي المشقة، لذا يجوز الجمع بين الظهرين لهذه الأعذار، كما يجوز الجمع بين العشاءين لوجود المشقة. ولا تنحصر أسباب الجمع فيما ذكرنا من أسباب، ولكن2 إذا دعت الحاجة وشق على الإنسان أن يصلي كل صلاة في وقتها فلا حرج عليه أن يجمع حينئذ. ومثال ذلك: المستحاضة بين الظهرين، وبين العشاءين يجوز لها الجمع لمشقة التوضؤ عليها كل صلاة، وكذا مرافق المريض الذي لا يستطيع أن يغيب عن مراقبته ومتابعته قليلاً من الوقت خشية هلاك المريض أو تأخر برئه.. فإنه يجمع ولا حرج عليه، والمرضع والشيخ الضعيف وأشباههما ممن يشق عليه ترك الجمع. ولا يجوز الجمع لغير عذر شرعي، لأن كل صلاة لها وقتها الذي لا تصح ولا تقبل إلا بدخوله، قال الله تعالى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ

_ 1رواه البيهقي موقوفا على ابن عمر 3/168كتاب الصلاة، باب الجمع في المطر ين الصلاتين، وضعفه الألباني في الإرواء 3/39ح 581، وقال: ضعيف جدا وسنده واه جدا. 2فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (103)

عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} 1.، وتقديم الصلاة أو تأخيرها عن وقتها المشروع أداؤها فيه دون عذر، ظلم للنفس، وتعد لحدود الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 2، وقال تعالى {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} 3، وهكذا كله لأن فعل الصلاة في وقتها فرض.4. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر5.

_ 1سورة النساء، الآية (103) 2سورة البقرة، الآية (229) 3سورة الطلاق الآية (1) 4مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 22/30. 5المصدر السابق 22/31

هل هناك تلازم بين الجمع والقصر

هل هناك تلازم بين الجمع والقصر؟ قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز: ليس بينهما تلازم، فللمسافر أن يقصر ولا يجمع، وترك الجمع أفضل إذا كان المسافر نازلاً غير ظاعن، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في منى في حجة الوداع، فإنه قصر ولم يجمع، وقد جمع بين القصر والجمع في غزوة تبوك، فدل على التوسع في ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم يقصر ويجمع إذا كان على ظهر سير غير مستقر في مكان. أما الجمع فأمره أوسع، فإنه يجوز للمريض، ويجوز أيضا للمسلمين في مساجدهم عند وجود المطر بين المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر، ولا يجوز لهم القصر، لأن القصر مختص بالسفر فقط1. وإن2 أتم الصلاتين في وقت الأولى، ثم زال العذر بعد فراغه منهما، قبل دخول وقت الثانية، أجزأته، ولم تلزمه الثانية في وقتها، لأن الصلاة وقعت صحيحة مجزية عن ما في ذمته، وبرئت ذمته منها، فلم تشتغل الذمة بها بعد ذلك، ولأنه أدى فرضه حال العذر، فلم يبطل بزواله بعد ذلك، كالتيمم إذا وجد الماء بعد فراغه من الصلاة.

_ 1فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة: ابن باز ص88، 89 بتصرف يسير. 2المغني: ابن قدامة 2/281.

رخص السفر

ما هي رخص السفر؟ رخص السفر أربعة: 1- صلاة الرباعية ركعتين. 2- الفطر في رمضان، ويقضيه عدة أيام أخر. 3- المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها ابتداء من أول مرة مسح. 4- سقوط المطالبة براتبة الظهر والمغرب والعشاء. أما راتبة الفجر وبقية النوافل فإنها باقية على مشروعيتها واستحبابها، فيصلي المسافر صلاة الليل وسنة الفجر وركعتي الضحى وسنة الوضوء وركعتي دخول المسجد وركعتي القدوم من السفر.. فإن من السنة إذا قدم الإنسان من سفر أن يبدأ قبل دخول بيته بدخول بيت الله (المسجد) فيصلي فيه ركعتين. وهكذا بقية التطوع بالصلاة فإنه لا يزال مشروعا بالنسبة للمسافر ما عدا ما قلت سابقاً، وهي: راتبة الظهر وراتبة المغرب وراتبة العشاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الرواتب الثلاث1. هل تسقط مشروعية السنن الرواتب في السفر؟ المشروع ترك الرواتب في السفر ما عدا الوتر سنة الفجر، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث ابن عمر وغيره، أنه كان يدع الرواتب في السفر ماعدا الوتر وسنة الفجر، أما النوافل المطلقة فمشروعة في السفر

_ 1فتاوى إسلامية: مجموعة من العلماء1/404

والحضر، وهكذا ذوات الأسباب، كسنة الوضوء وسنة الطواف وصلاة الضحى والتهجد في الليل لأحاديث وردت في ذلك 1.

_ 1فتاوى إسلامية: مجموعة من العلماء 1/403

صلاة الراكب

صلاة الراكب: والراكب على الدابة من أهل الأعذار إذا كان نزوله عنها للصلاة يؤذيه. قال ابن عابدين: واعلم أن ماعدا النوافل من الفرض والواجب بأنواعه لا يصح على الدابة إلا لضرورة، كخوف لص على نفسه أو دابته أو ثيابه لو نزل، وخوف سبع وطين ونحوه1. ومنها خشية فوات رفقة بنزوله، أو يعجز عن الركوب بعد النزول، أو يعجز عن النزول خلال وقت الصلاة ولا يستطيعه إلا بعد فوات وقتها، فمن لحقه عذر شرعي بنزوله صلى على دابته، لحديث يعلي بن مرة، أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة، فانتهوا إلى مضيق، وحضرت الصلاة، فمطروا، السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته، وأقام أو أقام، فتقدم على راحلته فصلى بهم، يومئ إيماء: يجعل السجود أخفض من الركوع"2. ويجب استقبال القبلة إن استطاع، لقوله تعالى: {حَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 3، ويركع ويسجد، فإن لم يستطع الاستقبال صلى على حسب حاله، وإن عجز عن الركوع أو السجود أومأ بما عجز عنه، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} 4.

_ 1حاشية رد المختار: ابن عابدين 2/40 2رواه الترمذي 2/266، 267، وقال: هنا حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البدخي، لا يعرف إلا من حديثه. 3سورة البقرة، الآية (144) 4سورة البقرة، الآية (286)

الصلاة في السفينة

الصلاة في السفينة: ويجوز لراكب السفينة أن يصلي الفرض فيها لعذر شرعي، لما ذكرنا من الأدلة السابقة، ويصلي على قدر الاستطاعة، فإن تمكن من الصلاة قائماً، وإلا صلى جالسا، وإن تمكن من الركوع ركع، وإلا أومأ برأسه، وإن تمكن من السجود سجد، وإلا أومأ بأسه، فإن أومأ بالركوع والسجود جعل السجود أخفض من الركوع. ويجب استقبال القبلة عند الافتتاح وكلما دارت، إن تمكن، فإن عجز، صلى على حسب حاله حرصاً على أداء الصلاة في وقتها. وما يقال في السفينة، يقال في القطار ونحوه من وسائل المواصلات. واختلف أهل العلم فيمن يصلي في السفينة قاعداً وهو قادر على القيام على قولين: الأول: أجازه أبو حنيفة، لما روي عن سويد بن غفلة أنه قال: سألت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما عن الصلاة في السفينة فقالا: إن كانت جارية يصلي قاعداً، وإن كانت راسية يصلي قائماً، وعلل الكاساني جواز القعود مع القدرة على القيام: بأن سير السفينة سبب لدوران الرأس غالباً1. الثاني: لا يجوز وإن فعله لا يصح، وإليه ذهب أبو يوسف

_ 1 بدائع الصنائع: الكاساني 1/109، 110.

ومحمد بن الحسن، وقال زفر والشافعي: لا يجزئه إلا أن يصلي قائمً1. واستدلوا بحديث عمران بن الحصين أنه قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" 2، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمران أن يصلي قائماً، فإن عجز صلى قاعداً، فلا ينتقل من القيام إلى القعود إلا عند عدم الاستطاعة التي تمنعه من القيام، والمصلي في السفينة هنا قادر على القيام، فلا يجوز له الانتقال إلى حالة أخرى. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الحبشة، أمر أن يصلي في السفينة قائماً، إلا أن يخاف الغرق، ولأن القيام ركن من الصلاة، فلا يسقط إلا بعذر ولم يوجد3. والراجح: القول الثاني؛ لإسناده على أدلة صحيحة صريحة، وما استدل به أبو حنيفة من قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيحتمل أن يكون ذلك لأن سير السفينة سبب لدوران الرأس غالباً، أو لغير عذر، وإذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستلال. وتجوز الصلاة في السفينة قياماً جماعة إذا أمكنهم ذلك، فإذا لم يستطيعوا الصلاة في السفينة قياماً جماعة، وأمكنهم الصلاة فرادى قياماً، فهل يصلي كل واحد منفرداً أم يصلون جلوساً جماعة؟ على ثلاثة أقوال:

_ 1 المصدر السابق 1/107 2 رواه البخاري 2/41 كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب. 3 بدائع الصنائع: الكساني 1/109 (بتصرف يسير)

قال في الإنصاف1: خير بينهما على الصحيح من المذهب ... وقيل: صلاته في الجماعة أولى، وقيل: تلزمه الصلاة قائماً. ورجع صاحب الإنصاف القول الثالث، وعلل بقوله: لأن القيام ركن لا تصح الصلاة إلا به مع القدرة عليه، وهذا قادر، والجماعة واجبة تصح الصلاة بدونها.

_ 1 الإنصاف في معرفة الراجع من الخلاف: المرداوي 2/309.

الصلاة في الطائرة حكمها وكيفيتها

الصلاة في الطائرة، حكمها وكيفيتها: والصلاة في الطائرة جائزة إذا خيف خروج الوقت، كطلوع الشمس قبل صلاة الصبح أو غروبها قبل صلاة العصر، وذلك قبل أن تهبط الطائرة في المطار، فإنه يصلي فيها ولا يؤخر الصلاة عن وقتها، ويصلي على الحالة التي تطاق بها، ولا ينتقل إلى غيرها إلا مع العجز. فإن وجد موضوع يؤدي فيه الصلاة قائماً فعل، فإن لم يجد صلى على كرسيه ولو بالإيماء، فإن كانت جمعاً كالظهر والمغرب أخرها، ولو دخل وقت الثانية، حتى ينزل فيصليهما جمعاً، فإن خشي خروج الوقتين صلاهما على حسب حاله. وقد ورد هذا السؤال إلى اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية: إذا كنت مسافراً في طائرة وحان وقت الصلاة، هل يجوز أن نصلي في الطائرة أم لا؟ فأجابت اللجنة بما يلي: إذا حان وقت الصلاة، والطائرة مستمرة في طيرانها، ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها في وقتها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجود واستقبالاً للقبلة، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 1، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم ... " 2.

_ 1سورة التغابن، الآية (16) 2رواه مسلم 1/975 ح 1337.

أما إذا علم أنه ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيرها، كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، وعلم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائها، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة كما تقدم وهو الصواب.

صلاة الخوف

صلاة الخوف: تجوز صلاة الخوف في كل قتال مباح ... ، ولا تجوز في محرم؛ لأنها رخصة؛ فلا تستباح بالمحرم كالقصر1. والقتال المباح أنواع: منه قتال الكفار، لقول الله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 2، وقتال من تركوا صلاة العيد أو الأذان وإقامة شعائر الإسلام الظاهرة قياساً على النص السابق، وقتال الطائفة المعتدية فيما إذا اقتتل طائفتان من المؤمنين، لقول الله تعالى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} 3. أدلة مشروعيتها: من الكتاب، قول الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} 4. فهي5 مشروعة في زمنه عليه الصلاة والسلام، وتستمر مشروعيتها إلى آخر الدهر، وأجمع على ذلك الصحابة وسائر الأئمة ما عدا خلافا إلى آخر الدهر، وأجمع على ذلك الصحابة وسائر الأئمة ما عدا خلافا قليلا لا يعتد به.

_ 1الكافي: ابن قدامة 1/207 2سورة النساء، الآية (101) 3سورة الحجرات ن الآية (9) 4سورة النساء، الآية (102) 5مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/30. 31

وتشرع صلاة الخوف في الحضر والسفر عند الخوف من العدو، إنسان أو سبع أو حرق، بشرط أن يكون مما يجوز قتاله، ويخاف أن يهجم على المسلمين وقت أداء الصلاة، قال الله تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ففقهاء الحديث كأحمد وغيره متبعون لعامة الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذا الباب، فيجوزون في صلاة الخوف جميع الأنواع المحفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

صفات صلاة الخوف

صفات صلاة الخوف: 1- إذا كان العدو في غير جهة القبلة، والإمام يصلي الثنائية، وفيها يقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين، 1 طائفة تصلي معه، وأخرى أمام العدو لئلا يهجم، فيصلي بالطائفة الأولى ركعة، ثم إذا أقام الثانية نووا الإنفراد، وأتمو لأنفسهم، ثم يذهبون ويقفون مكان الطائفة الثانية أمام العدو، والإمام لا يزال قائما، وتأتي الطائفة الثانية وتدخل مع الإمام في الركعة الثانية، ويطيل الإمام الركعة الثانية أكثر من الأولى، فيصلي بهم الركعة التي بقيت، ثم يجلس للتشهد، فإذا جلس للتشهد وقبل أن يسلم، تقوم الطائفة الثانية من السجود وتكمل الركعة التي بقيت وتدرك الإمام في التشهد، فيسلم بهم. وهذه الصفة توافق ظاهر القرآن، قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} أي إذا أتموا الصلاة، {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى} وهي التي أمام العدو {لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} 2 ولما كان موقف الطائفة الثانية من العدو أكثر خطرا، أمر الله بأخذ الحذر والأسلحة. وهذه الصلاة فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة

_ 1الطائفة: الفرقة والقطعة من الشيء، تطلق على الكثير والقليل حتى الواحد. 2سورة النساء، الآية (102)

ذات الرقاع1، روى صالح بن خوات، عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم ذات الرقاع، صلاة الخوف، أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسا، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم"2. 1- إذا كان العدو في غير جهة القبلة، ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، وجاء أولئك، ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قضى هؤلاء ركعة، وهؤلاء ركعة"3.، والظاهر من هذا الحديث أن الطائفة الثانية لا تسلم إلا إذا أتمت الركعة الثانية، فتكون صلاتها متصلة، فإذا انصرفت واجهت العدو، وقضت الطائفة الأولى الركعة الثانية. 2- إذا كان العدو جهة القبلة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: " شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصفنا صفين: صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا، ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود، وقام الصف الذي يليه، انحدر

_ 1ذات الرقاع: هي غزوة معروفة، كانت سنة خمس من الهجرة بأرض غطفان من نجد، سميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء، فلفوا عليها الخرق. 2رواه مسلم 1/576575ح842 3رواه مسلم 1/574،ح839

الصف المؤخر بالسجود، وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذين يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا، قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم 1. 1- أن يصلي الإمام بكل طائفة ركعتين، فتكون الصلاة منه أربع، ومن الطائفة ركعتان، عن جابر قال: " أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بذات الرقاع ... ، قال: فنودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان"2. ويفهم من الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسلم إلا في آخر الأربع. 2- أن يصلي بكل طائفة من الطائفتين صلاة كاملة ركعتين ويسلم، لما روي عن أبي بكر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم في الخوف ركعتين ثم سلم، ثم صلى بالقوم الآخرين ركعتين ثم سلم، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم أربعا"3. 3- أن تصلي كل طائفة ركعة واحدة فقط مع الإمام، فيصلي الإمام ركعتين، وكل طائفة ركعة من غير قضاء، لما رواه ابن عباس رضي الله

_ 1رواه مسلم 1/574ح-48 2رواه مسلم 1/576ح843 3رواه النسائي 3/178كتاب صلاة الخوف، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/33

عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد، وصف الناس خلفه صفين: صفا خلفه، وصفا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا "1. وما ذكر من صفات للصلاة في الخوف يفعل ما لم يشتد الخوف، فإن حان وقت الصلاة، والمعركة حامية والطعن متواصل، ولم يمكن تفريق القوم ليؤدوا الصلاة على صفة مما تقدم، فلا تؤخر الصلاة، بل يصلون على حسب أحوالهم، إلى القبلة وإلى غيرها، يؤمنون بالركوع والسجود قدر طاقتهم، ويوجهون الضرب والطعن ويكرون ويفرون، وصلاتهم صحيحة، لقول الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} 2.، والرجال: جمع راجل، والركبان: جمع راكب، أي فصلوا على أي حال كنتم من المشي أو الوقوف أو الركوب. وكذا من خاف من عدو أو سيل أو سبع أو نار فهرب، أو من كان أسيرا لدى كفار يخاف على نفسه إن رأوه يصلي، أو كان مختفيا يخاف على نفسه إن ظهر، صلى على قدر استطاعته، واقفا أو ماشيا أو قاعدا أو مستلقيا إلى القبلة أو غيرها سفرا أو حضرا يومئ بالركوع والسجود. وذهب فريق من أهل العلم إلى جواز تأخير الصلاة عن وقتها والحالة هذه إذا اشتد الخوف، بحيث لا يمكن أن يتدبر الإنسان ما يقول أو يفعل، واستدلوا بتأخير النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في غزوة الأحزاب.

_ 1رواه النسائي 3/169كتاب صلاة الخوف، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/334،335ح14442 2سورة البقرة، الآية (239)

كيفية صلاة المغرب عند الخوف

كيفية صلاة المغرب عند الخوف: قال الحافظ ابن حجر: لم يقع في شيء من الأحاديث المروية في صلاة الخوف تعرض لكيفية الصلاة المغرب1. وذكر بعض أهل العلم أن الإمام يصلي بالطائفة الأولى ركعتين، وتتم لأنفسها ركعة، تقرأ فيها بالحمد لله، وبالثانية ركعة، وتتم لأنفسها ركعتين تقرأ فيها بالحمد لله وسورة. فإذا جلس الإمام للتشهد، أطال الجلوس حتى تجيء الطائفة الثانية فينهض، وتقوم الطائفة الأولى بعد تقصير التشهد لتؤدي الركعة الثالثة وتسلم، فينهض الإمام وتكبر الطائفة الثانية وتدخل معه، وعندما ينتهي من الركعة ويجلس للتشهد تنهض لقضاء ما فاتها ولا تشهد معه، ويحتمل أن تتشهد معه إذا قلنا: إنها تقضي ركعتين متواليتين، لئلا يفضي إلى وقوع جميع الصلاة بتشهد واحد. وإن صلى المغرب بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين، جاز لأنه لم يزد على انتظارين ورد الشرع بهما2.

_ 1نقله الحافظ جلال الدين السيوطي في شرحه لسنن النسائي 3/168، 169 2انظر الكافي: ابن قدامة ص210، 211

مسائل تتعلق بصلاة الخوف

مسائل تتعلق بصلاة الخوف: حمل السلاح في صلاة الخوف: ذهب كثير من أهل العلم إلى استحباب حمل السلاح في صلاة الخوف، والصحيح أن حمل السلاح واجب لأمر الله به، قال تعالى: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} 1 ولما كان ترك السلاح يمثل خطراً على المسلمين يجب تلافيه والحذر منه، أمر به الله سبحانه الطائفة الأولى، وأمر الطائفة الثانية بالحذر وحمل السلاح، وقال تعالى: {لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} ، والسلاح المراد حمله هو السلاح الدفاعي، لأن المصلي مشغول في صلاته عن مهاجمة العدو، وينبغي أن لا يشغله بحجمه أو ثقله عن الخشوع في الصلاة. صلاة الخوف حال الأمن: ولا يجوز أن تصلى صلاة الخوف حال الأمن، فإن صلاها لا تصح، لاختلافها عنها في أمور، منه: 1- ترك الاستقبال. 2- انفراد الطائفة الأولى عن الإمام قبل السلام. 3- تقضي الطائفة الثانية ما فاتها من الصلاة قبل سلام الإمام. 4- ترك المأموم متابعة الإمام.

_ 1 سورة النساء، الآية [102] .

1- مفارقة الإمام. 2- العمل الكثير أثناء الصلاة مع تغير في هيئتها. وكل هذه الأمور تبطل الصلاة في الأمن بغير عذر. فإن غلب على ظنه إغارة عدو فصلى صلاة الخوف، ثم تبين له أنه غير عدو أو تبين له أنه عدو لا يمكنه الوصول إليه لوجود حاجز يمنعه، فيلزمه إعادة الصلاة لعدم وجود ما يبيحها، كمن صلى ظاناً أنه متطهر ثم علم بحدثه. يسر الإسلام وسماحته: والمتأمل صفاي صلاة الخوف وكيفياتها المختلفة، يقف على كثير من الأمور الهامة، وفي مقدمتها: مكانة الصلاة في الإسلام، والتي تجب على العبد مهما كان حاله من الأمن والخوف، أو الصحة والمرض، أو الحضر والسفر، ويكلفه المشرع الحكيم بها بصورة تتناسب مع حاله، فللأمن صلاة وللخوف صلاة، وللصحة صلاة وللمرض صلاة ... مما يشير إلى كمال الشريعة، ومناسبتها لكل زمان ومكان. والإسلام ما بني إلا على اليسر ورفع الحرج ودفع المشقة، وقد أخذ بمبدأ الرخص في العبادات، من أجل التخفيف على الإنسان إذا استحق ذلك وفق معايير دقيقة. وتبدو سماحة الإسلام، فيما يلحق الصلاة من التخفيف لأصحاب

الأعذار، ويكشف بوضوح عظم شأن الصلاة في الإسلام، وأهمية صلاة الجماعة، حيث لم يسقطا في أحرج الظروف. انظر إلى المعركة، وقد علت أصوات النيران، وتناثرت الشهب، وطارت القلوب، والمسلمون يصفون ليؤدوا الصلاة في جماعة على صفة مما ذكرنا آنفاً، فإذا كانت صلاة الجماعة في الخوف واجبة ففي حالة الأمن أولى وأوجب. حتى إن الناس في المطر يجمعون بين صلاتين من أجل تحصيل الجماعة، وبإمكانهم أن يصلوا فرادى في بيوتهم كل صلاة في وقتها.

صلاة المريض ومن في حكمه

صلاة المريض ومن في حكمه: عن أنس بن مالك، قال: "كانت آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يغرغر بها في صدره، فلا يكاد يفيض بها لسانه: "الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم" 1. فلا عجب إذا كانت الصلاة لا تترك أبداً، والمصطفى صلى الله عليه وسلم المحب لأمته، والحريص عليها، يحثها على التمسك بها عبادة من أجل العبادات لله، وقربة من أعظم القربات، فتكون آخر وصاياه من أهم الوصايا وأعظمها. وتيسير العبادات منهج التزم به الإسلام ليعالج شتى ظروف الإنسان، فالمرض عارض للإنسان يحد من قوته ونشاطه، وقدرته وحركاته، وحتى لا ينقطع المريض عن خالقه، بما يقترب به إليه من عبادة مفروضة، وليستطيع القيام بتكاليف الحياة، يلزم الإسلام بأداء الصلاة، لأنها لا تسقط عنه ما دام يتمتع بعقل ثابت، مهما كان مرضه. ولكن صلاة المريض تكون على حسب حاله؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 2. - يجب على المريض أن يتطهر بالماء لرفع الحدث الأصغر أو الأكبر، لأن الطهارة شرط للصلاة فإن لم يستطع تيمم.

_ 1 رواه أحمد 1/290 حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفتح الرباني 2/207،208 (جه) وإسناده جيد، وصحح إسناده الألباني في الإرواء 7/238. 2 سورة التغابن، الآية [16] .

- ويجب عليه أن يطهر ثوبه وبدنه من النجاسات، فإن عجز صلى على حاله، وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه. - ويجب عليه أن يصلي على شيء طاهر، فإن عجز صلى على ما هو عليه، وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه. - ويلزم المريض أن يؤدي الفريضة قائماً ولو منحنياً، ولا بأس إن اعتمد على جدار أو عصا، فإن عجز عن القيام، أو كان في قيامه مشقة ظاهرة، أو تأخر برء، أو زيادة مرض، صلى قاعداً، بأن يجلس متربعاً، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً"1، أو يجلس كجلوس التشهد، وله أن يجلس على الهيئة التي تسهل عليه، ولا ينقص ذلك من ثوابه شيئاً، لما روي عن أبي بردة قال: سمعت أبا موسى مراراً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" 2، وصلاته صحيحة لا يعيدها، قال تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} 3. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرا نبن الحصين، فقال: "صل قائماً، فأن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" 4. - فإن عجز عن القعود، أو كان فيه مشقة ظاهرة، صلى على جنبه

_ 1 رواه النسائي 3/224 كتاب قيام الليل، باب كيف صلاة القاعد، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/365 ح 1567 2 رواه البخاري 4/17 كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة. 3 سورة النساء، الآية [103] . 4 رواه البخاري 2/41 كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب.

متجهاً إلى القبلة، يومئ بالركوع والسجود، ويكون أخفض من ركوعه، يقرب وجهه من الأرض قدر طاقته، والأفضل أن يكون على جنبه الأيمن، فإن عجز عن استقبال القبلة صلى إلى أي جهة تسهل عليه. - وإن عجز عن أن يصلي على جنبه، قال بعض أهل العلم: / يصلي مستلقياً على قفاه ورجلاه إلى القبلة1، ويومئ بالركوع والسجود برأسه، فإن عجز فبطرفه2، أي بعينه، فيغمض قليلاً للركوع، ويغمض أكثر لسجود، وأما الإشارة بالإصبع كما يفعله بعض المرضى، فليس بصحيح، ولا أعلم له أصلاً من الكتاب والسنة، ولا من أقوال أهل العلم3، فإن عجز عن الإيماء أو الإشارة بالعين نوى بقلبه القيام والركوع والسجود. - وإن استطاع المريض أن يصلي قائماً، وعجز عن الركوع والسجود، صلى قائما ًوأومأ بالركوع، ثم يجلس ويومئ بالسجود، ولا بأس إن وضعت له وسادة بين يديه ليسجد عليها، ويجعل الوسادة منخفضة قدر طاقته، لما روي أن أم سلمة كانت تسجد على مرفقة موضوعة بين يديها لرمد بها، ولم يمنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم4. فإن كان الظهر مقوساً، رفع المصلي قدر طاقته حال القيام، وينحني عند الركوع قليلاً، فإن قدر على الركوع دون السجود، ركع عند الركوع، وأومأ بالسجود، وإن قدر على السجود دون الركوع، سجد عند السجود وأومأ بالركوع.

_ 1 سنن الترمذي 2/210. 2 انظر الكافي: ابن قدامة 1/206. 3 مجموعة رسائل مفيدة لفضبلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ض36. 4 بدائع الصنائع: الكاساني 1/108.

- وإذا صلى المريض قاعداً، ويمكنه السجود على الأرض، وجب عليه، ولا يكفيه الإيماء، وإن بدأ المسلم الصلاة قائماً وعجز في أثنائها، أتم الصلاة على قدر استطاعته، قال الكاساني: الصحيح إذا شرع في الصلاة، ثم عرض له مرض، بنى على صلاته على حسب إمكانه قاعداً أو مستلقياً1. وكذا من بدأ الصلاة على جنب أو قاعداً وقدر القيام أثنائها أتم صلاته قائماً. ومن كان في ماء أو طين لا يمكنه السجود إلا التلوث والبلل، فله الصلاة بالإيماء، والصلاة على دابته2، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلةٌ باردةٌ ذات مطر يقول: ألا صلوا في الرحال"3. وروى يعلى بن مرة أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير، فانتهوا إلى مضيق، وحضرت الصلاة فمطروا، السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته، وأقام، أو أقام، فتقدم على راحلته، يومئ إيماء: يجعل السجود أخفض من الركوع"4. فإن كان البلل يسيراً لا أذى فيه لزمه السجود، لما روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" ... انصرف من الصبح وجهه ممتلئٌ طيناً وماءً"5.

_ 1 الكافي: ابن قدامة 1/206. 2 رواه مسلم 1/484 ح 697. 3 رواه البخاري انظر: الفتح 2/184 كتاب الآذان. مسلم، انظر النووي 4/173 كتاب الصلاة. 4 رواه الترمذي 2/266، 267 ح411، وقال: هذا حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخي، لا يعرف إلا من حديثه. 5 رواه البخاري 2/254 كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر.

ولا يجوز للمريض أن يؤخر الصلاة عن وقتها، مالم شق عليه جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير، على ما يتيسر له قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 6.

_ 6 سورة البقرة، الآية [185] .

صلاة الجمعة

صلاة الجمعة حكم صلاة الجمعة ... صلاة الجمعة: وسميت بذلك لجمعها الخلق الكثير، أو من أجتماع الناس لها، أو لأن آدم خلقه الله فيها أو لما جمع فيها من الخير.. وهي من أوكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين1. حكم صلاة الجمعة: وهي واجبة وفرضها ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، يصليها المسلمون ركعتين جماعة، وهي فرض عين، والظهر عوض عنها إن فاتت لعذر. من القرآن: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 2. فأمر بالسعي، ويقتضي الأمر الوجوب، ولايجب السعي إلى واجب، ونهي عن البيع لئلا يشتغل به عنها، فلو لم تكن واجبة، لما نهى عن البيع من أجلها3. ومن السنة: عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رواح الجمعة واجب على كل محتلم" 4، وعن ابن عمر وأبي هريرة، أنهما

_ 1 الإحكام شرح أصول الأحكام: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 1/432، 433. 2 سورة الجمعة، الآية (9) . 3 المغني: ابن قدامة 2/295. 4 رواه النسائي، 3/89 كتاب الجمعة، باب التشديد في التخلف عن الجمعة وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/297 ح 1299.

سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" 1، وعن أبي الجعد الضمري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه" 2. والإجماع: حكى ابن المنذر العربي الإجماع على أنها فرض عين3. على من تجب الجمعة؟ ولا تجب إلا على من اجتمعت فيه شرائط ثمانية: الإسلام، والبلوغ، والعقل، لأنها من شرائط التكاليف بالفروع، والذكورية، والحرية، والاستيطان، لما روى طارق بن شهاب قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة، عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض " 4 ولأن المرأة ليست من أهل الجماعات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة يوم جمعة، فلم يصل جمعة ... ، ولأن العبد مملوك المنفعة محبوس على سيده، أشبه المحبوس بدين، السابع: انتفاء الأعذار المسقطة للجماعة، الثامن: أن يكون مقيما بمكان الجمعة، الثامن: أن يكون مقيما بمكان الجمعة أو قريب منه5. فلا تصح الجمعة من الكافر ولا المجنون، ولو أدياها لم تنعقد بهما، لكونهما ليسا من أهل العبادات، وتجب وتنعقد بالبالغ الذكر الحر

_ 1 رواه مسلم 1/591 ح 865. 2 رواه أبو داود1/ 638ح 1052، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/196 ح928: حسن صحيح. 3 الإحكام شرح أصول الأحكام: عبدا لرحمن بن محمد بن قاسم ص/ 433. 4 رواه أبو داود 1/644 ح 1067، وصححه الإلباني في صحيح سنن أبي داود 1/199 ح942. 5 الكافي: ابن قدامة 1/213.

المستوطن، ولا يؤم من أخل بشرط منها لسقوط الوجوب عنه، وكذا لا تنعقد بمن أخل بشرط منها، لأن سقوطها رخصه في حقهم كالصبي والمرأة والعبد والأمة والمسافر، فإن أدوها أجزتهم. وإنما تجب عند انتفا الأعذار، فلو تكلف المريض الحضور وجبت عليه وانعقدت به، لأن الرخصة لرفع المشقة ‘ وبحضوره زالت المشقة وارتفعت الرخصة. والاستيطان شرط للانعقاد، فأهل البادية الذين يطلبون المرعى تصح منهم ولا تنعقد بهم. قال السيوطي: الناس في الجمعة أقسام: الأول: من تلزمه وتنعقد به، وهو كل ذكر صحيح، مقيم مستوطن مسلم بالغ عاقل حر، لاعذر له. الثاني: من لا تلزمه ولا تنعقد به، ولكن تصح منه، وهم: العبد والمرأة والخنثى والصبي والمسافر. الثالث: من تلزمه ولا تنعقد به، وذلك اثنان: من داره خارج البلد، وسمع النداء، ومن زادت إقامته على أربعة أيام وهو على نية السفر. الرابع: من لاتلزمه وتنعقدبه: وهو المعذور بالأعذار السابقة1. حكمة مشروعية صلاة الجمعة: شرع اجتماع المسلمين فيه لتنبيههم على عظم نعمة الله عليهم،

_ 1 الأشباه والنظائر للسيوطي ص242.

وشرعت فيه الخطبة لتذكيرهم بتلك النعمة، وحثهم على شكرها، وشرعت فيه صلاة الجمعة في وسط النهار؛ ليتم الاجتماع في مسجد واحد1. وفي هذا الاجتماع الأسبوعي تعليم وتوجيه وموعظة وتذكير، وتجديد للبيعة، وإحياء لعاطفة الأخوة، وتركيز للوحدة، وإظهار للقوة2. وفي يوم الجمعة خلق الله آدم، عن عبد الرحمن الأعرج، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق ادم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها" 3. والإنسان ما خلق إلا للعبادة، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 4، فناسب أن يتفرغ الإنسان فيه من هموم الدنيا وشواغلها، ويشتغل بالعبادة والشكر للخالق، وليكون وقفة مع النفس يتذكر فيها المبدأ والمعاد.

_ 1 الملخص الفقهي: صالح بن فوزان 1/170 2 العبادة في الإسلام: يوسف القرضاوي ص223 3 رواه مسلم 1/585 ح854. 4 سورة الذاريات، الآية (56)

فضل يوم الجمعة

فضل يوم الجمعة: قال ابن القيم: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه، وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، وقد اختلف العلماء: هل هو أفضل أم يوم عرفة؟ على قولين: هما وجهان لأصحاب الشافعي1. وجوب اجتماع المسلمين فيه وأداء صلاة الجمعة، ومن تركها من غير عذر ختم الله على قلبه بالجهل والجفاء والقسوة والإقفال، وكان من الغافلين. وفيه ساعة إجابة، وهو يوم عيد يتكرر كل أسبوع، عن أبي لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، وفيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لايسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه، ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض، ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة" 2. قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي [ألم تنزيل] 3 و [هل أتى على الإنسان] 4......، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنما

_ 1 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/375. 2 رواه ابن ماجه 1/345،344ح 1084، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/179،1178ح 888. 3 سورة السجدة، الآيتان (1،2) . 4 سورة الإنسان، الآية (1) .

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة، لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون. وقد استحب بعض أهل العلم قراءة سورة الكهف في يومه، مستدلين بما روي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين"1. يستحب فيه وفي ليلته كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لما روي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا الصلاة على يوم الجمعة وليلة الجمعة" 2. الأمر بالاغتسال فيه، وهو سنة مؤكدة، وللناس3 في وجوبه ثلاثة أقوال: النفي والإثبات، والتفصي بين من به رائحة يحتلج إلى إزالتها، فيجب عليه، ومن هو مستغن عنه، فيستحب له، والثلاثة لأصحاب أحمد. ويستحب التطيب فيه وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع، والتجمل والسواك، لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك،

_ 1 رواه الحاكم 2/368 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. 2 رواه البيهقي 3/249 كتاب الجمعة، باب ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها، وروي ذلك من أوجه عن أنس بألفاظ مختلفة ترجع كلها إلى التحريض على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة، ويوم الجمعة، وفي بعض إسنادها ضعيف. 3 زاد المعاد: ابن القيم الجوزية 1/377.

ويمس من الطيب ما قدر عليه"1، قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} 2. وروي عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال: "حق على كل مسلم الغسل والطيب والسواك يوم الجمعة" 3. ويستحب التبكير إلى المسجد فيه لصلاة الجمعة لغير الإمام، والاشتغال بالصلاة النافلة، والذكر، وقراءة القرآن، حتى يخرج الإمام للخطبة. ويجب الإنصات للخطبة إذا سمعها، فإن ترك الإنصات كان لاغيا، ومن لغا فلا جمعة له، لما رواه علقمة قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس يجلسون من الله يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات، الأول والثاني والثالث، ثم قال: رابع أربعة، وما رابع أربعة ببعيد" 4. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في

_ 1 رواه مسلم 1/581ح846، وقال: إلا أن بكير لم يذكر: عبد الرحمن، وقال في الطيب: ولو من طيب المرأة. 2 سورة الأعراف، الآية (31) . 3 رواه احمد 5/348، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/172: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 4 رواه ابن ماجه 1/348، وقال: ضعفه ابن أبي حاتم، وباقي رجال الإسناد ثقات، فالإسناد حسن. وقد ضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص81ح 226.

الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" 1. وعن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فإذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت" 2. وقد بسط القول في فضل الجمعة وخصائصها، العلامة ابن القيم في زاد المعاد3.

_ 1 رواه مسلم 1/582ح850. 2 رواه مسلم 1/583ح 851. 3 انظر زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/375: 425.

آداب المشي إلى صلاة الجمعة

آداب المشي إلى صلاة الجمعة: إذا كان يوم الجمعة قد خص بكل هذه الخصائص، فلله در من تنبه إلى عظيم الفضل، فسعى لينال الأجر، ولم يغلبه الكسل والغفلة فسارع إلى التوبة. 1ـ وينبغي لمن أم المسجد ليصلى الجمعة أن يتطهر، لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} 1، وأن يكون على أحسن حال وأبهى صورة من النظافة والتزين والتطيب، وأن يلبس من ثيابه أحسنها، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} 2، ثم يخرج وعليه السكنية والوقار، ولا يشبكن بين أصابعه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة " 3. ولما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان له، ويلبس من أحسن ثيابه، ثم يخرج وعليه السكنية، حتى يأتي المسجد ثم يركع إن بدا له، ولم يؤذ أحدا، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى

_ 1 سورة البقرة: الآية [222] . 2 سورة لأعراف: الآية [31] . 3 رواه أبو داود 1/380 ح562، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/112 ح526.

يصلى، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى" 1. وينبغي أن يسعى الإنسان إلى الصلاة للأمر به، وقد اختلف العلماء في معنى السعي في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 2 على ثلاثة أقوال: الأول: أن المراد به النية، أي سعي القلوب، وهي أول السعي ومقصوده الأكبر. والثاني: أنه العمل، أي فاعملوا ما تستعدون به للمضي إلى ذكر الله من اغتسال وتمشط وادهان وتطيب وتزين باللباس. والثالث: أن المراد به السعي على الأقدام، وهو الأفضل، لكنه ليس بشرط، قال ابن العربي: "وظاهر الآية وجوب الجميع، لكن أدلة الاستحباب ظهرت على أدلة الوجوب"3. 2ـ ويجب أن يتجنب الإنسان الروائح الخبيثة قبل ذهابه إلى المسجد، لما روى عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته" 4 ومن المشابه للثوم والبصل الكراث والفجل، ونحو ذلك مما له رائحة كريهة تؤذي الملائكة والمصلين، ويدخل في ذلك دخولا أولياء ما حرمه الله من الخبائث كالدخان وغيره.

_ 1 رواه أحمد 5/420، 421 من حديث أبي أيوب الأنصاري، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/171: رواه كله أحمد والطبراني في الكبير، ورجال ثقات. 2 سورة الجمعة: الآية [9] . 3 أحكام القرآن: ابن العربي 4/1792، 1793 (بتصرف يسير) . 4 رواه مسلم 1/394 ح564.

3ـ ويشرع له تنظيف الفم، وتخليل الأسنان حتى تكون رائحة فمه طيبة ولما روي عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تسوكوا، فإن السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب، ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك، حتى خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي، ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم، وإني لأستاك حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي" 1. وينبغي أن يقول ما ورد من الدعاء، عند الخروج من بيته، ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت" فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفى ووقي؟ " 2. وعن أم سلمة قالت: "ما خرج النبي صلى الله علية وسلم من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو اجهل أو يجهل علي" 3. فإذا بلغ المسجد قدم اليمنى ودعاء بالمأثور، عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" قال: قط؟

_ 1 رواه ابن ماجه1/106 ح289، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص 23 ح58. 2 رواه أبو داود 5/328 ح5095، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/959 ح4249. 3 رواه أبو داود 5/327 ح5094، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/959 ح4248.

قلت: نعم قال: فإذا قال ذلك، قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم"1. وإذا أراد الخروج قدم اليسرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك فإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك" 2 فإذا دخل لا يتخطى رقاب الناس ولا يضيق على أحد في الصف أو ينازعه مكانه فإذا بلغ موضع جلوسه ألقى السلام على قريب منه ولا يجلس حتى يصلى ركعتين تحية المسجد لما روي عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال: "إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" 3. ويجلس في الصف الأول بلا مزاحمة فإن لم يجد فالذي يليه، وميامن الصفوف أفضل عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف" 4 فإذا جلس كره تشبيك أصابعه لأنه في صلاة وفرقعتها، ولا يتنخم، ولا يبصق، وينبغي أن ينشغل بذكر الله.

_ 1 رواه أبو داود 1/318 ح466، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/93 ح441. 2 روا أبو مسلم 1/494 ح713. 3 روا أبو مسلم 1/495 ح714. 4 رواه أبو داود 1/437 ح676، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/132 ح628: حسن بلفظ "على الذين يصلون الصفوف".

شروط صحة الجمعة

شروط صحة الجمعة: 1ــ الوقت: قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتا} 1 فلا تصح الجمعة قبل وقتها ولا بعده بالإجماع، وآخر وقتها آخر وقت الظهر بغير خلاف2. وأداؤها بعد الزوال أفضل وأحوط لما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى الجمعة حين تميل الشمس" 3. وهذا هو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر الأوقات أما أداؤها قبل الزوال فمحل خلاف بين أهل العلم 2ـ الجماعة: فلا تصح من منفرد لما روي عن طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في الجماعة...." 4. وفي العدد الذي تنعقد به الجمعة خلاف كثير بين أهل العلم وأصح ما قيل في ذلك ثلاثة: الإمام واثنان معه فإذا وجد في القرية ثلاثة رجال مكلفون أحرار مستوطنون أقاموا الجمعة ولم يصلوا ظهرا لأن الأدلة الدالة على شرعية صلاة الجمعة وفريضتها تعمهم. واشتراط الأربعين لإقامة صلاة الجمعة قال به جماعة من أهل العلم،

_ 1 سورة النساء: الآية [103] . 2 الكافي: ابن قدامة 1/215. 3 رواه البخاري 1/217 كتاب الجمعة، باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس. 4 رواه أبو داود 1/644 ح1067، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/199 ح942.

منهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله والقول الأرجح جواز إقامتها بأقل من أربعين وأقل شيء ثلاثة كما تقدم ... والحديث الوارد في اشتراط الأربعين ضعيف كما أوضح ذلك الحافظ بن حجر في بلوغ المرام1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "تنعقد الجمعة بثلاثة: واحد يخطب واثنان يستمعان وهو إحدى الروايات عن أحمد وقول طائفة من العلماء"2. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ... " 3 وأما ما روي من قول جابر "مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق جمعة" فلم يصح ولأن الأصل وجوب الجمعة على الجماعة المقيمين فالثلاثة جماعة تجب عليهم الجمعة ولا دليل على إسقاطها عنهم، وإسقاطها عنهم تحكم بالرأي الذي لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا جماع ولا قول صاحب ولا قياس صحيح4. 3ـ الاستيطان: قال شيخ الإسلام: كل قوم كانوا مستوطنين ببناء متقارب لا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا تقام فيه الجمعة إذا كان مبينا بما جرت به عادتهم: من مدر أو خشب أو قصب أو جريد أو سعف أو غير ذلك فإن أجزاء البناء ومادته لا تأثير لها في ذلك إنما الأصل أن يكونوا مستوطنين ليسوا كأهل الخيام والحلل الذين ينتجعون في الغالب مواقع

_ 1 كتاب الدعوة: سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز 1/66، 67. 2 الإختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: البعلي ص145، 146. 3 رواه مسلم 1/464 ح672. 4 الإحكام شرح أصول الأحكام: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 1/442، 443.

القطر ويتنقلون في البقاع وينقلون بيوتهم معهم إذا انتقلوا وهذا مذهب جمهور العلماء1. والإمام أحمد علل سقوطها عن البادية لأنهم ينتقلون2. ولذلك كانت قبائل العرب حول المدينة فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بجمعة3. 4ـ أن يتقدم صلاة الجمعة خطبتان وقد واظب النبي صلى الله عليه مسلم عليهما وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يقعد ثم يقوم كما تفعلون الآن"4 وقالت عائشة رضي الله عنها: "إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة"5.

_ 1 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/166. 2 الإحكام شرح أصول الأحكام: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 1/445. 3 الكافي: ابن قدامة 1/216. 4 رواه البخاري 1/221 كتاب الجمعة، باب الخطبة قائما. 5 الكافي: ابن قدامة 1/219.

شروط الخطبة

شروط الخطبة: قال ابن القيم: خصائص الجمعة الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة وتذكير العباد بأيامه وتحذيرهم من بأسه ونقمته ووصيتهم بما يقربهم إليه وإلى جناته ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها1. ولخطبة الجمعة شروط لا تصح بدونها: 1ـ أن تتقدم على الصلاة وهذا هو الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأجمع عليه المسلمون. 2ـ النية: لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات.." 2. 3ـ حمد الله لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" 3 وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبة كلها بالحمد لله4. 4ـ ذكر الشهادتين وأوجب شيخ الإسلام وغيره حمد الله والثناء عليه والشهادتين والموعظة في الخطبة.

_ 1 الإحكام شرح أصول الأحكام: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 1/448. 2 رواه البخاري 1/2 كتاب بدئ الوحي، باب كيف كان بدئ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3 رواه أبو داود 5/172 ح4840، وقال: رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص477 ح1031. 4 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/447.

5ـ الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم لأن كل عبادة تحتاج إلى ذكر الله تعالى تحتاج إلى ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم. 6ـ قراءة شيء من القرآن ولو آية لقول جابر بن سمرة: "كانت للنبي على الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهم يقرأ القرآن ويذكر الناس"1 ويستحب أن يقرأ آيات لما ذكر عنه صلى الله عليه وسلم وللإجماع على مشروعيتها2 فمما حفظ3 من خطبته صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر أن يخطب بالقرآن وسورة (ق) عن بنت لحارثة بن النعمان قالت: "ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة...."4. 7ـ الوصية بتقوى الله عز وجل، وذكر ابن القيم أن خطبته صلى الله عليه وسلم إنما هي تقرير لأصول الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وذكر الجنة والنار وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته وما أعد لأعدائه أهل معصيته ودعوة إلى الله وتذكير بآلائه التي تحببه إلى خلقه وأيامه التي تخوفهم من بأسه، أمرا بذكره وشكره الذي يحببهم إليه فيملا القلوب من خطبته إيمانا وتوحيدا ومعرفة بالله وآياته وآلائه وأيامه ومحبة لذكره وشكره فينصرف السامعون وقد أحبوا الله وأحبهم5. 8ـ حضور العدد المشروط للجمعة لسماع القدر الواجب من الخطبتين

_ 1 رواه مسلم 1/985 ح862. 2 حاشية الروض المربع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 2/446. 3 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/424. 4 رواه مسلم 1/595 ح873. 5 انظر زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/423 (بتصرف) .

من حمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله عز وجل وقراءة شيء من القران فإن كان هناك مانع من السماع من نوم أو غفلة أو صمم أو بعد صحت. 9ـ الموالاة بين الخطبتين ولا بأس إن فرق بين الخطبتين، بين أجزاء الخطبة الواحدة أو بينهما وبين الصلاة بيسير فإن طال الفصل بطلت، والمرجع في معرفة طول الفصل وقصره إلى العرف والعادة. 10ـ دخول الوقت فلو خطب قبل الوقت وصلى فيه لم تصح لأنهما بدل ركعتين قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} 1 قال ابن العربي: "دليل على أن الجمعة لا تجب إلا بالنداء والنداء لا يكون إلا بعد دخول الوقت"2. 11ـ أن يكون الخطيب ممن تجب عليه الجمعة بنفسه كأن يكون حرا مستوطنا ويشترط للخطابة ما يشترط للإمامة. 12ـ الجهر بالخطبتين بحيث يسمع العدد المشروط للجمعة فإن جهر الإمام ولم يسمع العدد الذي تجب عليه الجمعة لعذر كغفلة أو نوم أو صمم صحت عن جابر بن عبد لله رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش ... "3.

_ 1 سورة الجمعة: الآية [9] . 2 أحكام القرآن: ابن العربي 4/1795. 3 رواه مسلم 1/592 ح867.

13ـ الاستيطان فتصح الجمعة في المصر والقرية إذا كان العدد المشروط لها مستوطنين بالمكان، ولا تصح ممن فعل شيئا من الأركان في سفينة مثلا قبل قدوم بلده لعدم الاستيطان. 14ـ وأن تكون الخطبة باللغة العربية فإن عجز عنها يكفي أن تكون الآية فيها بالعربية، وأسقط المالكية الجمعة إن عدم من يحسن اللغة العربية، وأجاز الحنيفة الخطبة بغير العربية، والصحيح أنه إن كان يستطيع الخطبة بالعربية وجب عليه أداؤها بالعربية، فإن عجز أدها بلغته إذ لا تصح بغير العربية مع القدرة.

أركان الخطبة

أركان الخطبة ... أركان الخطبتين: لابد من توفير أربعة أركان في الإسلام في كلا الخطبتين الأولى والثانية: 1. حمد الله بصيغة (الحمد لله) ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله1. 2. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً 2} . 3. الوصية بتقوى الله عز وجل، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والحث على الطاعة، والزجر عن المعصية، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 3. ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وخطب أصحابه، وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم. ثم طال العهد وخفي نور النبوة، وصارت الشرائع والأوامر

_ 1 زاد المعاد: ابن القيم 1/186. 2 سورة الأحزاب، الآية [56] . 3 سورة آل عمران، الآية [102] .

رسوما تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها، فأعطوها صورها، وزينوها بما به، فجعلوا الرسوم والأوضاع سننا، لا ينبغي الإخلال بها، وأخلو بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها، فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر، وعلم البديع فنقص بل عدم حظ القلوب منها، وفات المقصود بها. 1. قراءة شئ من القرآن، فمما1 حفظ من خطبه صلى الله عليه وسلم، أنه كان يكثر أن يخطب بالقرآن وسورة ق. عن بنت لحارثة بن النعمان؛ قالت: "ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة ... "2.

_ 1 زاد المعاد: ابن القيم 1/423، 424. 2 رواه مسلم 1/595، ح873.

سنن الخطبة

سنن الخطبة: 1- أن يخطب على منبر أو نحوه، عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر.."1، وذكر ابن القيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ منبر، وكان في الحرب يعتمد على قوس، وفي الجمعة يعتمد على عصا، وكان منبره ثلاث درجات2. قال النووي: استحباب اتخاذ المنبر وهو سنة مجمع عليها3. 2- أن يسلم الخطيب على المأمومين إذا صعد المنبر، لما روي عن جابر رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد المنبر سلم"4. 3- أن يجلس الخطيب قبل الخطبة على المنبر إلى فراغ الأذان، لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين: كان يجلس إذا صعد المنبر، حتى يفرغ، أراه قال: "المؤذن"، ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب"5.

_ 1 رواه البخاري 1/220 كتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر. 2 زاد المعاد: ابن القيم 1/429. 3 صحيح مسلم بشرح النووي 6/152. 4 رواه ابن ماجه 1/352 ح 1109، وقال الألباني: "حسن صحيح" في صحيح سنن ابن ماجه 1/183 ح 910. 5 رواه أبو داود 1/657 ح 1092، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/303،204 ح 967.

4 - أن يستقبل الناس بوجهه، لما رواه عدي بن ثابت عن أبيه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم"1. قال ابن حجر: ومن لازم الاستقبال، استدبار الإمام للقبلة، واغتفر لئلا يصير مستدبر القوم الذي يعظهم، ومن حكمة استقبالهم للإمام، التهيؤ لسماع كلامه وسلوك الأدب معه في استماع كلامه، فإذا استقبله بوجهه، وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه، كان أدعى لتفهم موعظته وموافقته فيما شرع له القيام لأجله2. 5 - أن يعتمد الخطيب3 على قوس أو عصا، لأن ذلك من السنن الفعلية، لما صح عن الحكم بن حزن قال: "وفدت إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم.. فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئاً على عصا أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات.."4. 6 - أن يجلس الخطيب بين الخطبتين جلسة خفيفة، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين يقعد بينهما " 5. 7 - أن يخطب قائماً، لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي

_ 1 رواه ابن ماجه 1/-360 ح 1146، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/187. 2 فتح الباري: ابن حجر 2/402. 3 انظر: تحفة الأريب بما جاء في العصا للخطيب: محمد العبلي. 4 رواه أبو داود 1/658،659 ح 1096، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/204 ح 972. 5 رواه البخاري 1/223 كتاب الجمعة، باب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة.

صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يقعد ثم يقوم كما تفعلون الآن"1، ولقول الله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} 2. 8- أن يقصر الخطبة، لما روى مسلم في صحيحه عن عمار قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وإن من البيان سحراً" 3 9- أن تكون الخطبة الثانية أقصر من الأولى كالإقامة مع الأذان. 10- أن يرفع صوته بالخطبة فوق القدر الواجب حسب إمكانه، لما روي عن جابر بن عبد الله قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم.."4. 11- أن يدعوا للمسلمين والمسلمات ولنفسه والحاضرين، لجوازه في صلاة الجنازة وغيرها، ففي الخطبة أولى. 12- أن يكون في خطبته مسترسلاً معرباً، مبيناً من غير عجلة ولا تمطيط، لأنه أبلغ وأحسن5. 13- أن يؤذن عند الخطبة إذا جلس الإمام على المنبر، لما روي عن السائب ابن يزيد قال: "كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر

_ 1 رواه البخاري 1/221 كتاب الجمعة، باب الخطبة قائماً. 2 سورة الجمعة، الآية (11) . 3 رواه مسلم 1/549 ح 867. 4 رواه مسلم 1/592 ح 867. 5 الكافي: ابن قدامة 1/222.

على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء"12. 14- إقامة الصلاة مباشرة بعد الفراغ من الخطبتين من غير فصل طويل.

_ 1 جاء في تفسير غريب الحديث لابن حجر ص13، الزوراء: موضع بسوق المدينة. 2 رواه البخاري 1/219 كتاب الجمعة، باب الأذان يوم الجمعة.

الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها من يستمع إلى خطبة الجمعة

الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها من يستمع إلى خطبة الجمعة: 1. إذا قدم المصلي إلى المسجد، لا ينبغي له أن يفرق بين اثنين، لما روي عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع من طهر، ثم ادهن أو مس من طيب ثم راح، فلم يفرق بين اثنين فصلى ماكتب له، ثم إذا خرج الإمام أنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" 1. 2. وينبغي له أن ينصت وينتبه ويتهيأ لسماع الخطبة للحديث السابق. 3. فإذا هم بالجلوس، لا ينبغي له أن يقيم الجالس ويقعد في مكانه، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه"2. 4. ويكره أن يتخطى الرقاب في المسجد كراهية شديدة، لما روي عن عبد الله بن بسر قال: كنت جالسا إلى جانبه يوم الجمعة، فقال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي اجلس فقد آذيت" 3، وروى سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال: قال

_ 1 رواه البخاري 1/218 كتاب الجمعة، باب لا يفرق بين اثنين. 2 رواه البخاري 1/218، 219 كتاب الجمعة، باب يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه. 3 رواه النسائي 3/103 كتاب الجمعة، باب النهي عن تخطي رقاب الناس والإمام على المنبر يوم الجمعة، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/302، 303 ح1326.

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسر إلى جهنم" 1. 5. وينبغي أن يدنو من الإمام، ويتوجه إليه ويحرص على الصف الأول فالأول، لما ورد في ذلك من الفضل، والأحقية في المكان للسابق في الحضور. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس لأحد أن يفترش شيئا ويختص به مع غيبته، ويمنع به غيره. هذا غصب لتك البقعة، ومنع للمسلمين مما أمره الله تعالى به من الصلاة. والسنة أن يتقدم الرجل بنفسه، وأما من يتقدم بسجادة فهو ظالم، ينهى عنه، ويجب رفع تلك السجاجيد، ويمكن الناس من مكانها2. 6. ولا يجوز الكلام والإمام يخطب، لما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" 3. وأنصت: أمر بمعروف، ولكنه في هذا المقام: لغو، أي إثم. فغير ذلك من الكلام أبلغ في الإثم إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فيسن له ذلك إذا سمعها من الخطيب، بحيث لا يرفع بها صوته، حتى لا يشغل غيره، وكذا يسن لسامع الخطبة أن يؤمن على دعاء الخطيب من غير رفع الصوت. فإن

_ 1 رواه الترمذي 2/389 ح513 وقال: حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، وقد تكلم بعض أهل العلم في رشدين بن سعد، وضعف من قبل حفظه. 2 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/216. 3 رواه البخاري 1/224 كتاب الجمعة، باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب.

غلبه العطس حمد الله سرا، بينه وبين نفسه. ولا يشرع1 تشميته لوجوب الإنصات، فكما لا يشمت العاطس في الصلاة، كذلك لا يشمت العاطس في الخطبة. 1. ويكره إذا جلس والإمام يخطب أن يضيق على من قاربه، بأن يتكئ أو يمد رجليه أو يلقي يديه خلفه، فيأخذ أكثر مما يأخذ الجالس، إلا أن يكون به علة فلا بأس. فإن تنحى بعيدا عن موضع الزحام كان أفضل، لما في ذلك من راحة بدنه من غير تضييق على الناس. 2. ولا يجوز إلقاء السلام لمن دخل والإمام يخطب، بل ينتهي إلى الصف بسكينة ووقار، ويصلي ركعتين خفيفتين، ثم يجلس منصتا للخطبة، ولا يجوز له مصافحة من بجواره، فإن سلم بقوله "السلام عليكم"، فقد لغت جمعته وحرم أجرها، ولا يجوز رد السلام عليه، فإن صافح من غير كلام كره لتنافيه مع التهيؤ والإنصات للخطيب، ولا تلغو جمعته. 3. ولا يجوز لمن يسمع الخطبة أن يمس الحصا، ونحوه، من العبث بلحيته أو ثوبه أو غير ذلك لتنافيه مع الخشوع، لما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "..ومن مس الحصا فقد لغا " 2. 4. ولا ينبغي لمستمع الخطبة أن يلتفت يمينا وشمالا، ويشتغل بالنظر إلى ما حوله، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتجهون إلى النبي صلى الله عليه وسلم حال الخطبة، لما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " كان

_ 1 كتب الدعوة: سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز 2/ 2 رواه مسلم 1/588 ح857.

النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم"1 11- ولا بأس بالكلام قبل الخطبة وبعدها وبين الخطبتين لمصلحة، فإذا كان الكلام في حق من يسمع خطبة الجمعة لغو، فهو جائز في حق الخطيب، وقد ذكر2 ابن القيم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه، ويأمرهم وينهاهم إذا عرض له أمر أو نهي، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين، لما روي عن جابر بن عبد الله قال: "دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: "أصليت " قال: لا، قال: " فصل ركعتين "3. ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك وأمره بالجلوس، لما روي عن عبد الله بن بسر قال: كنت جالسا إلى جانبه يوم الجمعة، فقال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي اجلس فقد آذيت" 4. وكان يقطع خطبته للحاجة تعرض أو السؤال من أحد أصحابه،

_ 1 رواه ابن ماجه 1/360 ح1136، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/187. 2 زاد المعاد: ابن القيم الجوزية 1/427، 428. 3 رواه البخاري 1/223 كتاب الجمعة، باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين. 4 رواه النسائي 3/103 كتاب الجمعة، باب النهي عن تخطي رقاب الناس والإمام على المنبر يوم الجمعة، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/302، 303 ح1326.

فيجيبه، ثم يعود إلى خطبته فيتمها، وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة، ثم يعود فيتمها، كما نزل لأخذ الحسن والحسين رضي الله عنهما، فأخذهما، ثم رقي بهما المنبر، فأتم خطبته. وكان يدعو الرجل في خطبته: تعال يا فلان، اجلس يا فلان، صل يافلان.

أحكام تتعلق بصلاة الجمعة

أحكام تتعلق بصلاة الجمعة: فإذا فرغ الإمام من خطبة الثانية نزل، فتقام صلاة الجمعة ركعتين إجماعاً، وهي صلاة مستقلة، ينوب عنها الظهر لمن فاتته لعذر. فإذا أذن لها بين يدي الخطيب حرم البيع استجابة لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} 1. قال الشوكاني: "ويلحق به سائر المعاملات"2. وقال ابن العربي: "كل أمر يشغل عن الجمعة من العقود كلها فهو حرام شرعاً مفسوخ ردعاً"3. ولا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها، وأما قبلها فللعلماء فيه ثلاثة أقوال، وهي روايات منصوصات عند أحمد، وأحدها: لا يجوز، والثاني: يجوز، والثالث: يجوز للجهاد خاصة4. ويجهر الإمام في ركعتي الجمعة بالقراءة، ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسورة (الجمعة) ، وفي الثانية بعد الفاتحة بسورة (المنافقون) ، لما رواه مسلم عن ابن أبي رافع قال: استخلف مروان أبا

_ 1 سورة الجمعة: الآية [9] . 2 فتح القدير: الشوكاني 5/227. 3 أحكام القرآن: ابن العربي 4/1794. 4 زاد المعاد: ابن القيم الجوزية 1/382.

هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة، فصلى لنا أبو هريرة الجمعة، فقرأ بعد سورة (الجمعة) في الركعة الآخرة: {إذا جاءك المنافقون} ، قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الكوفة، فقال أبو هريرة: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة1. ويسن أن يقرأ في الأولى بسورة (الأعلى) ، وفي الثانية بسورة (الغاشية) بعد الفاتحة، لا يقسم السورة بين الركعتين لأنه خلاف السنة. عن النعمان بن بشير قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية. قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد، يقرأ بهما في الصلاتين"2. بم تدرك الجمعة؟ وتدرك صلاة الجمعة مع الإمام، بإدراك ركوع وسجود من الركعة الثانية لمن فاتته الركعة الأولى، فإن دخل في الصلاة ولم يلحق ركوع الثانية أتمها ظهراً، لما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" 3. وقاله صلى الله عليه وسلم: "إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة" 4.

_ 1 رواه مسلم 1/597، 598 ح 877. 2 رواه مسلم 1/598 ح 878. 3 رواه البخاري 1/145 كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة. 4 رواه ابن خزيمة 2/58 ح 1622، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، والمستدرك 1/273، 274 كتاب الصلاة، الذي يدرك الإمام في الركوع أو السجود.

راتبه الجمعة: اختلف أهل العلم في التنفل قبل صلاة الجمعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكن يصلي قبل الجمعة بعد الأذان شيئاً، ولا نقل هذا عنه أحد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يؤذن على عهده إلا إذا قعد على المنبر، ويؤذن بلال ثم يخطب النبي صلى الله عليه وسلم الخطبتين، ثم يقيم بلال فيصلي النبي صلى الله عليه وسلم بالناس، فما كان يمكن أن يصلي بعد الأذان، لا هو، ولا أحد من المسلمين الذين يصلون معه صلى الله عليه وسلم، ولا نقل عنه أحد أنه صلي في بيته قبل الخروج يوم الجمعة، ولا وقت بقوله صلاة مقدرة قبل الجمعة، بل ألفاظه صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيت، كقوله: "من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت ... "1، وهذا هو المأثور عن الصحابة، كانوا إذا أتوا المسجد من يوم الجمعة يصلون من حين ما يدخلون ما تيسر، فمنهم من يصلى عشر ركعات، ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعة، ومنهم من يصلي ثماني ركعات، ومنهم من يصلي أقل من ذلك. ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت، مقدرة بعدد، لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله، وهو لم يبين في ذلك شيئاً، لا بقوله ولا بفعله، وهذا مذهب مالك ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه؛ وهو المشهور في مذهب أحمد، وذهب طائفة من العلماء إلى أن قبلها سنة2. والصواب: أن لا يقال أن قبل الجمعة سنة راتبه مقدرة3.

_ 1 رواه مسلم 1/587 ح 857. 2 سنة الجمعة: ابن تيمية ص 6: 9. 3 سنة الجمعة: ابن تيمية ص 22.

فإذا دخل المصلي المسجد قبل خروج الإمام للخطبة صلى ما شاء الله له، فإن كان دخوله والأمام يخطب ركع ركعتين خفيفتين قبل جلوسه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" 1. أما بعد صلاة الجمعة، فإن صلى في المسجد صلى أربع ركعات، وإن صلى في بيته صلى ركعتين لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه وصف تطوع صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين في بيته ... "2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً" 3.

_ 1 رواه مسلم 1/597 ح 875. 2 رواه مسلم 1/600 ح 882. 3 رواه مسلم 1/600 ح 881.

الأعذار المرخصة في عدم حضور الجمعة

الأعذار المرخصة في عدم حضور الجمعة: صلاة الجمعة لا يرخص في عدم حضورها إلا عذر عام أو خاص، وهي أوكد من صلاة الجماعة بإجماع المسلمين على أنها فرض عين، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 4. أما الجماعة: فالقول الراجح أنها فرض عين.

_ 1 سورة (الجمعة:9) .

وتسقط الجمعة والجماعة لعذر مما يأتي: أولا: من الأعذار العامة: المطر الشديد، والثلج الذي يبل الثياب، والبرد والوحل الذي يشق على الناس المشي فيه، وكل عذر يشق معه أداء الصلاة في المسجد..، لما روي عن نافع أن ابن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح فقال: "ألا صلوا في الرحال، ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: ألا صلوا في الرحال "1. قال ابن بطال: "أجمع العلماء أن التخلف عن الجماعة شدة المطر والظلمة والريح، وما أشبه ذلك مباح"2. ثانياً: من الأعذار الخاصة: 1- المرض الذي يشق على صاحبه لو ذهب يصلي، لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 3 وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: "مروا أبا بكر يصل بالناس" 4. قال ابن المنذر: "لا أعلم خلافاً بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض"5. 2- مدافعة أحد الأخبثين، البول والغائط، ويلحق بهما الريح، لقول

_ 1 رواه مسلم 1/484 ح 697. 2 طرح التثريب في شرح التقريب: الحافظ العراقي 2/318. 3 سورة (التغابن:16) . 4 رواه البخاري 1/176 كتاب الأذان باب إذا بكى الإمام في الصلاة. 5 الإحكام شرح أصول الأحكام: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 1/397.

النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان" 1، والنفي بمعني النهي، لأن المدافعة تقتضي انشغال القلب عن الصلاة بما يحدث خللا في العبادة، بينما ترك الجماعة خلل في أمر خارج عن العبادة، والمحافظة على ذات العبادة أولى، إضافة إلى أن الاحتباس يضر البدن. 3- من يحضره طعام محتاج إليه متمكن من تناوله، للحديث السابق: "لا صلاة بحضرة طعام" 2. 4- الخوف من وقوع ضرر في النفس أو المال أو العرض، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سمع المنادي، فلم يمنعه من إتباعه عذر " قالوا: وما العذر؟ قال: "خوف أو مرض، لم تقبل منه الصلاة التي صلى" 3، ومن ذلك مرافق المريض أو من يحتضر، يعذر بترك الجمعة ان خشي أن يموت وهو غير حاضر، وأحب أن يبقى عنده ليلقنه الشهادة. 5- ملازمة غريم له يطالبه ويؤذيه ولا شيء معه. 6- فوات رفقة في سفر طاعة أو سفر مباح، كمن يخشى أن يفوته موعد السيارة أو موعد إقلاع الطائرة، وهذا عذر من وجهين: الأول: فوات مقصده إذا انتظر صلاة الجمعة، الثاني: انشغال القلب كثيراً. 7- غلبة النعاس، كمن انهمك في عمل أو عاد من سفر فأخذه النعاس،

_ 1 رواه مسلم 1/393 ح 560. 2 رواه مسلم 1/393 ح 560. 3 رواه أبو داود 1/374 ح 551، وقال الألباني: صحيح، دون جملة العذر وبلفظ ولا صلاة له في صحيح سنن أبي داود 1/110 ح 515.

فإن صلى على حاله لم يدر ما يقول، فهو معذور، لحديث أبي قتادة مرفوعاً: "إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها"1. 8- تطويل الإمام في الخطبة والصلاة طولاً زائداً عن السنة، ودليل ذلك ما روى النسائي عن جابر قال: " مر رجل من الأنصار بنا ضحين على معاذ وهو يصلى المغرب، فافتتح بسورة البقرة، فصلى الرجل ثم ذهب، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أفتانٌ يا معاذ؟ ألا قرأت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ونحوهما"2. 9- سرعة الإمام بحيث تمنع المأموم من فعل ما يجب، فإن وجد مسجد آخر تقام فيه الجمعة وجبت عليه لزوال العذر. 10- أكل ما ينتن الفم، من الثوم والبصل والكراث، ونحو ذلك، مما يؤذي المخاطبين وينفر من آكلها. والنهى عن حضور المسجد ليس لعذر، ولكنه دفع أذيته. لأنه يؤذي الملائكة، ويؤذي بني آدم، عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "..فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" 3، أما الأكل فهو حلال بالإجماع. فإن أمكنه إزالة الرائحة من الفم، فيحضر لزوال الأذى، فإن أكل ما ينتن فمه تحايلاً لترك الجمعة، فلا تسقط، ويحرم، لما روي عن أنس أنه سئل عن الثوم، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل

_ 1 رواه الترمذي 1/334 ح 177 وقال: حديث حسن صحيح. 2 رواه النسائي 2/268 كتاب الافتتاح، باب القراءة في المغرب بسبح اسم ربك، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/213 ح 941. 3 رواه مسلم 1/395 ح 564.

من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلي معنا" 1. وكذا من ببدنه أو ثوبه ريح خبيثة لا يسهل عليه إزالته، والمراد بالعذر سقوط الإثم، مع أخذه الأجر كاملاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" 2. أما آكل البصل والثوم، فلا يكتب له أجر الجماعة لأن سقوط الجماعة في حقه لدفع أذاه. 11- أن يكون عارياً لا لباس له3. قال السيوطي: "كل عذر أسقط الجماعة أسقط الجمعة إلا الريح العاصف، فإن شرطها الليل، والجمعة لا تقام ليلاً"4. وقال: "الأعذار المرخصة في ترك الجماعة نحو أربعين"5. وإذا طرأ بعض الأعذار أثناء الصلاة، أتمها المصلي خفيفة، وإلا خرج منها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عاتب معاذاً حين أطال صلاته، ولم يعاتب الرجل الذي انصرف من صلاته حين شرع معاذ في سورة البقرة.

_ 1 رواه مسلم 1/394 ح 562. 2 رواه البخاري 4/17 كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة. 3 روضة الطالبين: النووي 1/345،346. 4 الأشباه والنظائر: السيوطي ص 441. 5 المصدر السابق ص 439.

حكم صلاة الجمعة خلف المذياع والتلفاز

حكم صلاة الجمعة خلف المذياع والتلفاز: دلت النصوص من القرآن والسنة على وجوب أداء الصلاة جماعة، وصلاة الجمعة فرض عين، تجب جماعة في المسجد على كل ذكر صحيح مقيم مستوطن مسلم بالغ عاقل حر لا عذر له، وهي أوكد من الجماعة بإجماع المسلمين، ولا تسقط صلاتها في المسجد إلا لعذر شرعي. ولكن بعض الناس يقتدون بالمذياع أو التلفاز ظنا منهم أنهم قد أدوا الصلاة الواجبة عليهم شرعا جماعة، في صلاة الجمعة وغيرها، ويفعلون ذلك جهلا، أو تهاوناً وكسلاً. والصحيح: عدم جواز الصلاة بهذه الصورة، ومن صلى في بيته مقتد بالإمام، يسمع صوتهن طريق المذياع أو التلفاز فصلاته غير صحيحة، فضلاً عن كونه مبتدعاً في الدين، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 1 مع فساد صلاته، فقد استهان بشعيرة من شعائر الله، ولم يلتزم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القائل: " ... وصلوا كما رأيتموني أصلى ... " 2 وفوت على نفسه ما وعد به من الأجر العظيم للسعي إلى الصلاة وشهود الجماعة. وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية في هذا الأمر واشتملت على ما يلي:

_ 1 رواه مسلم 1/1343ح 1718. 2 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة ...

"ولا يجوز للرجال ولا للنساء، ضعفاء أو أقوياء، أن يصلوا في بيتهم واحداً أو أكثر، جماعة بصلاة الإمام، ضابطين صلاتهم معه بصوت الكبر فقط، سواء كانت الصلاة فريضة أم نافلة، جمعة أو جماعة في المساجد على الرجال الأقوياء، وسقوط ذلك عن النساء والضعفاء"1.

_ 1 فتوى رقم (2437) بتاريخ 25/5/1399هـ.

الصلاة وحكم تاركها

الصلاة وحكم تاركها: خلق الله الإنسان لعبادته، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون} 1، وكلفه بخمس صلوات في اليوم والليلة، وقد خص الله سبحانه هذه العبادة بخصائص ليست لغيرها، فهي أول ما يحاسب عليه العبد من عمله فرضها الله في السماء ليلة المعراج، لا يسقط فرضها عن العبد بحال ما دام عاقلا، وهي عمود الإسلام، يؤديها الحر والعبد، والذكر والأنثى، والمقيم والمسافر، والغني والفقير، والصحيح والمريض والحاكم والمحكوم. وهي أكثر الواجبات ذكراً في القران. قال أبو عبد الله: وحكي عن الكفار أنهم لما سئلوا بعد دخولهم النار، فقيل لهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} 2، فلم يذكروا شيئاً من الأعمال عذبوا عليها قبل تركهم الصلاة3. ويتوقف قبول سائر الأعمال من صوم وحج وصدقة على فعلها، لما روى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة..4

_ 1 سورة الذاريات، الآية (56) . 2 سورة المدثر، الآيتان (43.42) 3 تعظيم قدر الصلاة: المروزي 1/127. 4 رواه البخاري 1/12.11 كتاب الإيمان، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم..

وبالجملة فهي أهم العبادات، ولا يجوز تأخيرها إلا لعذر. وتجب الصلاة على المسلم العاقل البالغ، لما روته عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل" 1. وتجب على غير حائض ونفساء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومعلوم أنه لو بلغ صبي، أو أسلم كافر، أو طهرت حائض، أو أفاق مجنون، والوقت باق لزمتهم الصلاة أداء لا قضاء، وإذا كان بعد خروج الوقت فلا إثم عليهم"2. ولا تجب عليهم إلا ببلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم لقول الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} 3 وقوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} 4.

_ 1 رواه أبو داود 4/561.560 ح 4403, وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/833 ح 3703. 2 مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 22/44. 3 سورة الإسراء، الآية (15) .

الصلاة وحكم تاركها

الصلاة وحكم تاركها تارك الصلاة ... تارك الصلاة: تهاون كثير من المسلمين في الصلاة، فغفلوا عنها وأضاعوها، بل ربما هانت على بعضهم فتركها مطلقاً، قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} 1 إنه وعيد الله بالويل للذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وإن صلوها بعد ذلك، قال الله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً 59) 2، روى الحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله عز وجل {فسوف يلقون غياً} ، قال: نهر في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم 3. وعن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن صخرة زنة عشر عشروات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفاً، ثم تنتهي إلى غي وأثام. فقلت: ما غي وأثام؟ قال: بئران في أسفل جهنم، يسيل فيهما صديد أهل جهنم، فهذا الذي ذكر الله في كتابه {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} 4 {أَثَاماً} 5 " 6.

_ 1 سورة الماعون، الآيات ح 7:4. 2 سورة مريم، الآية 59. 3 رواه الحاكم في المستدرك 2/374 , وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. 4 سورة مريم، الآية (59) . 5 سورة الفرقان، الآية ح 68. 6 رواه الطبراني في الكبير 8/206، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/389: وفيه ضعفاء قد وثقهم ابن حبان، وقال: يخطئون.

وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" 1 قال الشوكاني: "الحديث يدل على أن ترك الصلاة من موجبات الكفر، ولا خلاف بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكراً لوجوبها، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة، وإن كان تركه لها تكاسلاً مع اعتقاده لوجوبها، كما هو حال كثير من الناس، فقد اختلف الناس في ذلك"2. قال ابن القيم: "لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس، وأخذ الأموال، ومن إثم الزنى والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة"3. وتارك كالصلاة المكتوبة الكلف بها، إن كان منكراً لوجوبها غير معذور كفر لجحده، ولو فعلها، لإنكاره ما علم من الدين بالضرورة، وتكذيبه الله ورسوله، ويقتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" 4، وتطبق عليه أحكام المرتد. وإن كان معتقداً وجوبها وتركها كسلاً حتى خرج الوقت، ففي ذلك خلاف بين أهل العلم، قيل: كافر كفراً مخرجاً من الملة، يقتل إذا لم يتب ويصل، وقيل: لا يكفر، بل يفسق، فإن تاب، وإلا قتل حداً. وقيل لا يكفر ولا يقتل، بل يعزر ويحبس حتى يصلي أو يموت.

_ 1 رواه مسلم 1/88 ح 82. 2 نيل الأوطار: الشوكاني 1/340 , 341. 3 كتاب الصلاة وحكم تاركها: ابن قيم الجوزية ص 16. 4 رواه البخاري 8/50 كتاب استتابة المرتدين، باب حكم المرتد والمرتدة.

وذهب إلى القول الأول جماعة من السلف، وهو مروي عن على بن أبي طالب، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل، وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي وذهب إلى القول الثاني مالك والشافعي، وذهب إلى القول الثالث أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي1. واحتج الموجبون للقتل بقول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} 2، فجعلت الآية شرط تخلية سبيلهم التوبة، وأول عمل إقامة الصلاة، فإن لم يتحقق الشرط يجب القتل، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" 3 والأحاديث في ذلك كثيرة. واحتج أصحاب القول الثاني على عدم الكفر بقول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يشاء} 4، وبما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل الذي رواه أنس بن مالك: "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار.." 5، وورد نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره.

_ 1 نيل الأوطار: الشوكاني 1/341. 2 سورة التوبة، الآية (5) . 3 رواه البخاري 1/11، 12 كتاب الإيمان، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم. 4 سورة النساء، الآيتان (48) ، (116) . 5 رواه مسلم 1/61 ح 32.

واحتج أصحاب القول الثالث على عدم الكفر بأدلة أصحاب القول الثاني، وعلى عدم القتل بما روي عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امريء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة" 1، وليس فيه الصلاة. قال الشوكاني: "والحق أنه كافر يقتل، أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم، وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة، فتركها، مقتض لجواز الإطلاق، ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون، لأنا نقول: لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة، ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفراً، فلا ملجئ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها"2 وقد علل الشوكاني القول بوجوب القتل، بما شرطه الله في القرآن من التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فلا يخلى من لم يقم الصلاة، وبما صح من السنة التي تقضي صراحة بوجوب القتل. وذكر أن دليل مانعي القتل: "لا يحل دم امرئ مسلم"، لا يعارض مفهومه المنطوقات الصحيحة الصريحة 3. وما سيق من الأدلة التي ترى عدم كفر تارك الصلاة وعدم قتله، وتأويلها لم صرحت به الأحاديث بكفر تارك الصلاة إلى أنه كفر نعمة لا كفر ملة، أو كفر دون الكفر الأكبر، فيرد على هذا من وجوه:

_ 1 رواه البخاري 8/38 كتاب الديات، باب النفس بالنفس والعين بالعين.... 2 نيل الأوطار: الشوكاني 1/341، 342. 3 المصدر السابق 1/341.341.

أولا: تارك الصلاة هدم ركناً من أركان الإسلام، وهذا يقتضي تقويض البناء الإسلامي في داخله، وخروجه من دائرة الإسلام إلى الكفر، خاصة وأن الصلاة هي الحد الفاصل بين متضادين فلا وجه للتداخل بينهما.. والنصوص الدالة على الكفر المخرج من الملة صحيحة صريحة لا تحتاج إلى تأويل، ومن ذلك ما روي عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك" 1 وقوله صلى الله عليه وسلم: "عرى الإسلام، وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر، حلال الدم، شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان" 2، وهل يستحل الدم إلا لمن خرج عن الإسلام؟ أما ما سيق من الأدلة على أن تارك الصلاة لا يكفر، عندما نتأمله نجد عدم تعارضه مع القائلين بالكفر 3، وقد دل الإجماع على كفر تارك الصلاة 4. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن كان مقراً للصلاة في الباطن معتقداً لوجوبها، يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل، وهو لا يصلي، هذا لا

_ 1 رواه ابن ماجه 1/342 ح 1080 , وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/177 ح 885. 2 أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 1/48 وقال: رواه أبو يعلى بتمامه، ورواه الطبراني في الكبير بلفظ بني الإسلام على خمس. وقال في الترغيب والترهيب 1/382: رواه أبو يعلي بإسناد حسن. 3 أنظر رسالة في حكم تارك الصلاة لسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين. 4 كتاب الصلاة وحكم تاركها: ابن قيم الجوزية ص 51.50.

يعرف من بني آدم وعادتهم، ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام ... ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل، لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها، ولا ملتزماً بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين1. واختلف2 أهل العلم القائلين بقتله، أيقتل حداً أم يقتل كفراً؟ ويترتب على ذلك، أيستتاب أم لا؟ - فمن ذهب إلى قتله حداً جعل حد ترك الصلاة القتل، والحدود تجب بأسبابها المتقدمة كالزنى، ولا تسقطها التوبة بعد الرفع إلى الإمام. ومن ذلك إلى قتله كفراً، يرون الاستتابة، لأن هذا قتل لترك واجب، شرعت له الاستتابة كقتل الردة، لأن هذا قتل لترك واجب، شرعت له الاستتابة كقتل الردة، بل الاستتابة هنا أولى لأن احتمال رجوعه أقرب، حيث أن التزامه للإسلام يحمله على التوبة مما يخلصه من العقوبة في الدنيا والآخرة، وهذا القول هو الصحيح. لأن أسوأ أحواله أن يكون كالمرتد، وقد اتفق الصحابة على قبول توبة المرتدين ومانعي الزكاة، وقد قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} 3، وهذا يعم المرتد وغيره، فالمشهور أنه يستتاب، فإن تاب ترك وإلا قتل. ــ واختلف أهل العلم فيما يقتل لتركه. قال الشوكاني: "هل يجب القتل لترك صلاة واحدة أو أكثر؟ فالجمهور أنه يقتل لترك صلاة واحدة، والأحاديث قاضية بذلك، والتقييد بالزيادة لا دليل عليه، قال أحمد بن حنبل: إذا دعي إلى الصلاة فامتنع، وقال: لا أصلي حتى خرج وقتها

_ 1 مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 22/48. 2 انظر كتاب الصلاة وحكم تاركها ابن قيم الجوزية ص24.23. 3 سورة الأنفال، الآية (38) .

وجب قتله"1. وعن معاذ قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات، قال: " ... ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمداً ـ فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ... " 2. واختلف أهل العلم القائلون بوجوب قتل تارك الصلاة في كيفية قتله، فقيل: يقتل بالسيف ضرباً في عنقه وقيل: يضرب بالخشب إلى أن يصلي أو يموت، وقيل ينخص بالسيف حتى يموت لأنه أبلغ في زجره وأرجى لرجوعه. واختار الجمهور ضرب العنق بالسيف لأنه أسرع لإزهاق النفس.

_ 1 نيل الأوطار: الشوكاني 1/342. 2 رواه أحمد 5/238، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/295: رواه الطبراني في الكبير، وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس وقد عنعنه.

ما يترتب على الردة بترك الصلاة

ما يترتب على الردة بترك الصلاة: أولا: في الدنيا: 1- تسقط ولايته على ما يشترط في ولايته الإسلام، فلا يولى على أبنائه القاصرين، ولا يزوج مولياته. 2- ويسقط إرثه من أقاربه لما رواه أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم"3.

قال في المغني: أجمع أهل العلم على أن الكافر لا يرث المسلم، وقال جمهور الصحابة والفقهاء: لا يرث المسلم الكافر1. 1- ويحرم دخول مكة، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} 2. 2- ولا تؤكل ذبيحته، لأنه غير مسلم وغير كتابي. 3- لا يصلى عليه بعد موته، ويحرم الدعاء له بالمغفرة والرحمة، لقول الله تعلى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} 3. 4- ويحرم نكاحه المرأة المسلمة، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 4. قال في المغني: والمرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت، لأنه لم يثبت لها حكم أهل الدين الذي انتقلت إليه في إقرارها عليه نفي حلها أولى 5. وقال: إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، ولم يرث أحدهما الآخر، وإن كانت ردته بعد الدخول، ففيه روايتان: إحداهما يتعجل الفرقة، والأخرى: يقف على انقضاء العدة، وأيهما

_ 1 المغني: ابن قدامة 6/294. 2 سورة التوبة، (التوبة: من الآية28) . 3 سورة التوبة، (التوبة: من الآية (84) . 4 سورة الممتحنة: من الآية10) . 5 المغني: ابن قدامة 6/592.

مات لم يرثه الآخر1. 1- فإن تزوج تارك الصلاة مسلمة، فلا يلحق به أولاده إن كان يعلم أن نكاحه باطل ويعتقد، لأن جماعه بامرأة لا تحل له محرم. ثانياً في الآخرة: 1- قال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} 2. يقول سيد قطب: "ما أن هاتين الآيتين قد تعنيان حالة دائمة كلما توفت الملائكة الذين كفروا، في يوم بدر وفي غيره ... ، فالتعبير القرآني يرسم صورة منكرة للذين كفروا، والملائكة تستل منهم أرواحهم في مشهد مهين، يضيف المهانة والخزي إلى العذاب والموت.. ثم يتحول السياق من صيغة الخطاب: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} ، ليرد المشهد حاضراً كأنه اللحظة مشهود، وكأنما جهنم بنارها وحريقها في المشهد، وهم يدفعون إليها دفعاً مع التأنيب والتهديد، {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} ، وأنتم إنما تلاقون جزاء عادلاً، تستحقونه بما قدمت أيديكم"3. 2- قال الله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} 4، فيحشر المرتد مع الظالمين من أهل الكفر والشرك، فهم أصناف متشابهة، وتأمل التهكم:

_ 1 المصدر السابق 6/298. 2 سورة الأنفال، الآيتان (51.50) . 3 في ظلال القرآن: سيد قطب 33/1534. 4 سورة الصافات، الآيتان (23.22) .

صلاة الجنازة وما يتعلق بها

صلاة الجنازة وما يتعلق بها مدخل ... صلاة الجنازة وما يتعلق بها: قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} 1 لقد كرم الله الإنسان وفضله على كثير من خلقه، ومظاهر التكريم في الحياة واضحة جلية، منها الهيئة التي خلقه الله عليها، وما أودعه الله فيه من استعدادات فطرية تتناسب مع استخلافه في الأرض، وسخر له الكون من حوله بما يساعده على أداء مهمته في هذه الحياة، وكرمه بسجود الملائكة له، وخلد تكريمه بذكره في القرآن الكريم. وكما كرم الله الإنسان حال حياته، كرمه بعد موته، بما شرع من تغسيله وتطهيره لإعداده للمرحلة الجديدة، وحمله في موكب يفوح بالسكينة والوقار، ودفنه بطريقة تليق بتكريم الله له.

_ 1 سورة الإسراء الآية [70] .

ذكر الموت والاستعداد للقاء الله

ذكر الموت والاستعداد للقاء الله: قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} 1 وقال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} 2 وقال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} 3. كثير من الناس يقبلون على الدنيا، ويغترون بمباهجها ومفاتنها، ويظنون أنهم فيها خالدون، فينكبون على الشهوات، ويزهدون في الطاعات، فوافاهم الأجل، وليس لهم إلا ما قدموا من العمل.. ولما عرف السلف الصالح حقيقتها، فلم يركنوا إليها، وعموا للآخرة، وقدموا توبتهم، واتقوا ربهم.. قال الإمام الشافعي4 رحمه الله: إن لله عباداً فطناً ... تركوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا ... أنها ليست لحي وطناً جعلوها لجة واتخذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكثروا ذكر هادم اللذات"، فالموت يأتي فجأة، لا يقرع الأبواب، ولا يمنعه

_ 1 سورة الرحمن الآيتان [26، 27] . 2 سورة البقرة الآية [197] . 3 سورة الشعراء الآيتان 88، 89] . 4 ديوان الشافعي ص 84، 85.

حجاب، يقبل على الصغير والكبير، ولا يقبل البديل، قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} 1. لذا يجب أن يستعد الإنسان الذي أيقن بأن الموت قادم لا محالة، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} 2، بالمبادرة بالتوبة النصوح، والعودة إلى الله، والالتزام بالطاعة، والبعد عن المعاصي، ورد المظالم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكمن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" 3. والموت يفاجيء الصحيح والمريض، لذا يجب التزود لما بعد الحياة، حيث نودع في القبور، إلى يوم البعث والنشور، ثم ننتقل إلى دار القرار في الجنة أو النار.

_ 1 رواه النسائي 4/4 كتاب الجنائز، باب كثرة ذكر الموت، وقال الألباني: حسن صحيح، في صحيح سنن النسائي 2/393 ح1720. 2 سورة الأعراف الآية [34] . 3 رواه البخاري 3/99 كتاب المظالم، باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له، هل يبين مظلمته؟

كيف يستعد المريض

كيف يستعد المريض: المرض ابتلاء من الله وامتحان، به تنكشف حقيقة العبودية للواحد الديان، لذا يجب على المريض أن يرضى بقضاء الله، وأن يعبد ربه بالصبر فيما قدر له من ضر، وعليه أن يحسن الظن بالله وأن يتذكر نعم الله السابقة والحاضرة، وأن يطهر قلبه بالإيمان. ولا حرج على المريض في التداوي بمباح، ولا يجوز بمحرم، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أنزل الله داء إلا انزل له شفاء" 1، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام" 2. ولا يجوز التداوي بما يفسد العقيدة، بالذهاب إلى السحرة والمشعوذين والكهان والمنجمين، أو بالذبح لغير الله، أو بتعليق التمائم ... وينبغي أن يدرك المريض أن المرض لا يدني من الموت، كما أن الصحة لا تباعد منه، ومرد ذلك كله إلى الأجل الذي قدره الله للإنسان، فما هي إلا أنفاس معدودة في أماكن محددة، فإذا انقضت الأنفاس حل الموت بالإنسان صحيحاً كان أو مريضاً. ولكن إذا كانت التوبة إلى الله واجبة على الإنسان في كل حال، ففي حالة المرض أوجب.

_ 1 أخرجه البخاري 7/12 كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء. 2 أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 5/86، وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

فإذا اشتد المرض، لا يجوز للمريض أن يتمنى الموت، ولا يدعو لذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت، إما محسناً فلعله زاد، وإما مسيئاً فلعله يستعتب" 1، أي يسترضي الله بالإقلاع الاستغفار2. وروى مسلم في صحيحه: "لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً" 3. وينبغي أن يكون المريض بين الخوف والرجاء، لما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت، فقال: "كيف تجدك؟ " قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسم: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف" 4. ويجب عليه أن يرد الحقوق والودائع إلى أهلها، وأن يسترد حقوقه، فإن لم يتيسر له ذلك، أوصى بوفاء ما عليه من حقوق للعباد كالديون ونحوه، ألله كالكفارات والزكاة ونحوهما، وينبغي أن يبادر المسلم بالوصية، وألا يؤخرها إلى حضور أمارات الموت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ماحق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة

_ 1 رواه البخاري 8/130 كتاب التمني، باب ما يكره من التمني. 2 فتح الباري: ابن حجر 13/222. 3 رواه مسلم 3/2065 ح2682. 4 رواه الترمذي 3/311 ح983، وقال: حسن غريب، وقد روى هذا الحديث بعضهم عن ثابت عن الرسول مرسلا.

عنده" 1. فإذا أوصى بمال جاز له الثلث في غير محرم، لا ما زاد عليه، والثلث كثير، ولا تجوز الوصية لوارث، ولا يجوز الإضرار في الوصية، كأن يحرم بعض الورثة، أو يفضل أحدهم على الآخر. ويجب أن يوصي المسلم بأن يجهز ويدفن على السنة، وأن يجتنبوا البدع في ذلك، وأن يتولى هذا الأمر أهل الخير والصلاح.

_ 1 رواه البخاري 3/186 كتاب الوصايا، باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم وصيته الرجل مكتوبة عنده.

ما يسن عند الاحتضار: ويسن تلقين المحتضر قول (لا إله إلا الله) ، لما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" 1، وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" 2، فإذا تكلم بكلام بعدها، أعيد تلقينه، ليكون آخر كلامه في الدنيا كلمة التوحيد. ويسن توجيه المحتضر إلى القبلة، بأن يوضع على ظهره، ورجلاه إلى القبلة، ورأسه مرفوعاً قليلاً مواجهاً القبلة، لما رواه البيهقي في سنته، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، سأل عن البراء بن معرور، فقالوا: "توفي، وأوصى بثلثه لك يا رسول الله صلى الله عيه وسلم: "أصاب الفطرة، وقد رددت ثلثه على ولده.." 3. علامات الموت: فإذا بدت علامات الموت، يستحب أن يكون حوله أهل التقى والصلاح، من أهله وأصحابه، ويكثرون الدعاء له وللحاضرين، ويعرف موته بما يلي: 1-بانخساف صدغيه.

_ 1 رواه مسلم 1/631 ح917. 2 رواه البخاري 2/70 كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه. 3 انظر حاشية الروض المربع ابن قاسم العاصمي 3/24، 25.

2-غيبوبة سواد عينيه في البالغين. 3-ميل الأنف. 4-انفصال كفيه، بأن تسترخي عصبة اليد فتبقى كأنها منفصلة في جلدتها عن عظم الزند. 5-استرخاء رجليه، أي لينها واسترسالها بعد خروج الروح لصلابتها قبله. 6-امتداد جلدة وجهه، وجلدة خصيته، لا نشمارهما بالموت. 7-وأوضح علامات موته، تغير رائحته.

ما بغعل بعد الموت وقبل الغسل

ما بغعل بعد الموت وقبل الغسل ... ما يفعل بعد الموت وقبل الغسلِ: فإذا ثبت موته، سن تغميض عينيه، لحديث أم سلمة، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة، وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: "إن الروح إذا قبض تبعه البصر.." 1. ويسن لمن يغمضه أن يقول: بسم الله، وعلى ملة رسول الله، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وضعتم موتاكم في قبورهم، فقولوا: بسم الله، وعلى ملة رسول الله"2، وأن يدعو له، وألا يتكلم من حوله إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون". ثم قال: "اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه" 3. ويسن تغطيته بثوب يستر جميع بدنه بعد نزع ثيابه التي قبض فيها، صوناً عن الانكشاف، خاصة وقد أصبح في صورة جديدة لم تألفها الأعين، لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: سجي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات بثوب حبرة"، ما لم يكن الميت محرماً فلا يغطى رأسه. ويندب شد لحييه بعصابة عريضة، تربط فوق رأسه حتى لا يقبح

_ 1 رواه مسلم 1/634 ح920. 2 رواه الحاكم 1/366 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. 3 رواه مسلم 1/651 ح942.

منظره، أو يدخل فيه الماء، ويندب تليين المفاصل برفق قبل أن يبرد الجسم، فتثبت على وضعها، ويوضع على بطنه شيء حتى لا تعلو. ويجوز كشف وجه الميت وتقبيله، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "رأيت رسول الله صلى الله ليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون، وهو ميت، حتى رأيت الدموع تسيل"1، ولما أخبرت رضي الله عنها قالت: "أقبل أبو بكر رضي الله عنه على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس، حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة، فكشف وجهه، ثم أكب عليه فقبله ثم بكى.."2. ولا بأس بإعلام الناس بموته ليشهدوا جنازته ويصلوا عليه، بأسلوب شرعي.. وينتظر في تجهيزه حتى يتحقق موته، فإن بان عجلوا به، وتجب المبادرة بقضاء دينه وتنفيذ وصيته، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عته، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" 3.

_ 1 رواه أبو داود 3/513 ح3163، والترمذي 1/306 ح976 وقال: حسن غريب صحيح. 2 رواه البخاري 2/70 كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه. 3 رواه الترمذي 3/390 ح1079، وقال: حديث حسن.

تغسيل الميت وتكفينه

تغسيل الميت وتكفينه: حكم تغسيل الميت وتكفينه: وتغسيل الميت وتكفينه فرض كفاية، إذا قام به بعض المسلمين سقط الإثم عن الباقين، ويحصل الغرض بغسله واحدة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقع عن راحلته فوقصته: "اغسله بماء وسدر.." 1. أولى الناس بالغسل: وأولى الناس بغسله، من أوصى إليه بذلك، لأن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، فقدمت بذلك، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين، ففعل، ولأنه حق للميت فقدم فيه على غيره كتفريق ثلثه، فإن لم يكن له وصي فأولاهم بغسل الرجل أبوه ثم جده ثم ابنه وإن نزل، ثم الأقرب فالأقرب من عصابته، ثم الرجال من ذوي الأرحام ثم الأجانب، لأنهم أولى الناس بالصلاة عليه، وأولاهم بغسل المرأة، أمها، ثم جدتها، ثم ابنتها، ثم الأقرب فالأقرب، ثم الأجنبيات2. ما يشترط في مباشرة التغسيل: ويشترط في من يباشر التغسيل، أن يكون مسلماً عاقلاً مميزاً، وينبغي أن يباشره ثقة أمين عالم بأحكام الغسل، ولا يجوز للرجال تغسيل النساء،

_ 1 رواه البخاري 2/217 كتاب جزاء الصيد، باب المحرم يموت بعرفة. 2 انظر الكافي: ابن قدامة 1/247.

ولا يجوز للنساء تغسيل الرجال إلا الزوجة، فلها أن تغسل زوجها، والزوج يغسلها، فإن كان الميت صغيراً دون سبع سنين، جاز أن يغسله الرجل أو المرأة ذكراً كان أو أنثى، لأنه لا عورة له. ولا يحضر التغسيل سوى الغاسل، ومن يعينه، ويكره حضور غيرهم، ولا ينبغي أن يدخل على الميت جنب أو حائض أو نفساء، لأن ذلك يمنع دخول الملائكة. شروط تغسيل الميت: ويشترط لتغسيل الميت: 1-أن يكون مسلماً، فلا يفترض تغسيل الكافر، بل يحرم، وعله جمهور أهل العلم. وقال الشافعية: "إنه ليس بحرام، لأنه للنظافة لا للتعبد". 2-أن لا يكون سقطاً، لأنه لا يفترض غسل السقط. 2-أن يوجد من جسد الميت مقدار ولو كان قليلاً. 4-أن لا يكون شهيداً قتل في إعلاء كلمة الله1. ويغسل الميت بالماء الطهور المباح، ويندب أن يكون بارداً، ولا بأس بتسخينه للحاجة، كإزالة وسخ عالق بالميت أشدة برد. ويكون التغسيل في مكان مستور عن الأعين، تحت سقف أو خيمة، ويضعه على سرير الغسل متوجهاً للقبلة منحدراً جهة رجليه.

_ 1 انظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: عبد الرحمن الجزيري 1/503، 504.

كيفية تغسيل الميت: فإذا شرع الغاسل في غسله، ستر مابين سرته وركبته وجوباً، ثم يجرده من ثيابه، وينبغي أن يرفع الغاسل رأس الميت برفق إلى قرب جلوسه، ثم يعصر بطنه بيده، ليخرج الأذى، ولا تعصر بطن الحامل، ويصب الماء مع عصره برفق حتى يزيل الخارج، ثم يلف خرقة على يده، أو يلبس قفازاً، وينجيه ليطهر السبيلين، ثم ينوي التغسيل، ويسمي، ويشرع في وضوئه، دون إدخال الماء إلى فمه ومنخريه، فيكفي مسح الأسنان والمنخرين، ويستحب أن يلف خرقة على يده، لئلا يمس جسد الميت، أو يلبس قفازاً، وهذه الخرقة غير التي أزال بها الأذى من السبيلين. ثم يغسل رأسه ولحيته برغوة سدر، ونحوه، من أشنان أو صابون، ثم يغسل شقه الأيمن من الأمام، من صفحة العنق اليمنى، ثم يده اليمنى من المنكب إلى الكف، ثم شق صدره وجنبه الأيمن وفخذه وساقه وقدمه، ثم يقلبه على جنبه الأيسر، ليتمكن من غسل شق ظهره الأيمن، ولا يقلبه على وجهه، ثم يغسل جانبه الأيسر من الأيسر من الأمام، ثم من جهة الظهر، ثم يفيض الماء على جميع بدنه. ويكره النظر إلى الميت إلا لحاجة، ويستحب للحاضرين غض أبصارهم عنه إلا من حاجة1. ويستحب غسله ثلاث غسلات، فإن لم يحصل الإنقاء غسل خمساً أو سبعاً أو أكثر، ويراعى أن تكون الغسلات وتراً، لما روى عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنهما، قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 1 المغني ابن قدامة 2/455.

حين توفيت ابنته، فقال: "اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ... " 1. ويستحب أن يجعل في آخر غسله كافوراً لغير محرم، لأنه يطيب بدن الميت ويبرده ويصلبه، ويطرد الهوام عنه برائحته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطية السابق" ... واجعلن في لآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور ... ". وتنقض ضفائر المرأة حين الغسل لتغسل جيداً، ثم تجعل ضفائر، وتلقى خلفها، ويندب تبخير مكان الغسل إلى أن يفرغ منه. فإذا كانت بعض أعضاء الجسد مفصولة لحادث ونحوه، غسلت ووضعت في مكانها من الجسد ويجفف البدن بثوب نظيف بعد الفراغ من الغسل، لئلا تبتل أكفانه. فإن تعذر تغسيل الميت بالماء لانعدامه، أو خيف تقطع اللحم بالغسل، يمم الميت، وكذا لو كان الميت رجلاً مع نساء، ليس فيهن زوجته، أو أمرأة مع رجال ليس فيهم زوجها، ويكون التيمم بمسح وجهه وكفيه بالصفة المشروعة، من وراء حائل.

_ 1 رواه البخاري 2/73 كتاب الجنائز، باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر.

التكفين

التكفين: وبعد الفراغ من غسيل الميت يكفن، وتكفينه فرض كفاية، ويجب أن يكون الثوب ساتراً لجميع البدن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيا روي عن جابر: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" 1، ويستحب أن يكون أبيض نظيفاً جديداً أو مغسولاً. ويسن تكفين الرجل في ثلاث لفائف، والمرأة في خمسة أثواب: إزار وخمار وقميص ولفافتين. قال ابن المنذر: "أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب"2. ويكفن الصبي في ثوب واحد، ويباح في ثلاثة أثواب، والصبية في قميص ولفافتين، وتبسط اللفائف بعضها فوق بعض، ثم تبخر بعود ونحوه، ويوضع الميت مستوراً مستلقياً، ويجعل اللفافة لظاهرة أحسن الثلاث، ويجعل بينها الحنوط، وهو أخلاط من طيب، ثم يجعل بين إليتيه قطن مطيب، ويشد فوقه خرقة، ثم يشد طرف اللفافة العليا الأيمن على شق الميت الأيسر، وطرفها الأيسر على شقه الأيمن، ثم يفعل باللفافة الثانية والثالثة كذلك، ويجعل الفاضل عند رأسه مما عند رجليه، ويرد ما زاد عند رأسه على وجهه، وما زاد عند رجليه يرده على رجليه، ثم تربط هذه اللفائف، لئلا تنتشر، وتحل في القبر.

_ 1 رواه مسلم 1/651 ح943. 2 المغني ابن قدامة 2/470.

وتكفن المرأة في لفافتين كما تقدم، ويجعل الخمار على الرأس، والإزار في الوسط، والقميص يلبس لها1. ويحسن تطيب الميت ثلاثاً، لما روي عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جمرتم الميت فجمروه ثلاثاً" 2. واختلف أهل العلم في المحرم، أيغطي رأسه أم لا؟ على قولين، والصحيح أن المحرم إذا مات يغسل ويدفن بإحرامه من غير أن يغطى رأسه، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال فأقعصته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبينأو قال ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه، فإن الله يبعثه يوم القيامة يلبي" 3. والمحرمة لا يغطي وجهها، ما لم يكن عندها أجانب، لأن الرأس محل الإحرام للرجل، والوجه محله للمرأة. والشهيد الذي قتل في إعلاء كلمة الله، لا يغسل ولا يصلى عليه، لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ... وقال: أنا شهيد على هؤلاء، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم ولم يغسلهم"4.

_ 1 انظر المعتمد في فقه الإمام أحمد 1/239، وكتاب الفقه على المذاهب الأربعة: عبد الرحمن الجزيري 1/516. 2 رواه أحمد 3/331، وقال النووي في المجموع 5/196: رواه أحمد بن حنبل في مسنده، والحاكم في المستدرك، والبيهقي، وإسناده صحيح، وقال: قال الحاكم: هو صحيح على شرط مسلم. 3 رواه البخاري 2/217 كتاب جزاء الصيد، باب المحرم يموت بعرفة. 4 رواه البخاري 2/94 كتاب الجنائز، باب من يقدم في اللحد.

فمن مات شهيداً، ولم يقتل في معركة على أيدي الكفار، فإنه يغسل ويصلى عليه. وذكر ابن القيم رحمه الله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المغالاة في الكفن، وكان إذا قصر الكفن عن ستر جميع البدن، غطى رأسه، وجعل على رجليه من العشب1.

_ 1 زاد المعاد ابن القيم الجوزية 1/504.

صلاة الجنازة

صلاة الجنازة: والصلاة على الميت المسلم فرض كفاية، وقد فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر بها، قال صلى الله عليه وسلم في الغال: "صلوا على صاحبكم" 1.، وحافظ عليها المسلمون من بعده. وصلاة الجنازة تكريم للمسلم الذي أسلم روحه لله، وانتقل من دار الحساب، حيث يدو المسلمون الله تعالى أن يغفر له ويعفو عنه ويحسن إليه بمنه وكرمه فهي شفاعة للمسلم، ولا تجوز لكافر، لأنه لا يستجاب فيه دعاء. ولم يكن2 من هديه صلى الله عليه وسلم الراتب الصلاة عليه في المسجد، وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد، وربما كان يصلي أحياناً على الميت في المسجد، كما صلى على سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد، ولكن لم يكن ذلك سنته وعادته، وكلا الأمرين جائز، والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد. ولا بأس3 بالصلاة على الميت في المسجد إذا لم يخف تلويثه، وبهذا قال الشافعي وإسحق وأبو ثور وداود، وكره ذلك مالك وأبو

_ 1 رواه أبو داود 3/155 ح2710، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص264 ح579. 2 زاد المعاد ابن قيم الجوزية 1/500، 502. 3 المغني ابن قدامة 2/493.

حنيفة. وتجوز في1 المقبرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر في المقبرة ويجوز فعلها فرادى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه فرادى، والسنة فعلها في جماعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بأصحابه، ولا يشترط لها عدد. شروطها: ويشترط لها ما يشترط للصلاة المكتوبة، من النية والتكليف واستقبال القبلة وستر العورة، وطهارة الثوب والبدن والمكان، وإسلام المصلي، ويشترط لصلاة الجنازة إسلام الميت وطهارته وحضوره بين يدي المصلي إن كان بالبلد. ولا يشترط لها وقت، فتؤدى في جميع الأوقات، وتكره في أوقات النهي الثلاثة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب"2. أركانها: القيام مع القدرة، والتكبيرات الأربع، وقراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية، والدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة، وترتيب الأركان، والتسليم.

_ 1 الكافي ابن قدامة 1/258، 259. 2 رواه أبو داود 3/531، 532 ح3192، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/614 ح2733.

سنتها: رفع اليدين مع كل تكبيرة، والاستعاذة قبل القراءة، والإسرار بالقراءة، وأن يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين، وأن يقف قليلاً بعد التكبيرة الرابعة وقل أن يسلم، وأن يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، وأن يلتفت على يمينه في التسليم. صفتها: ويسن قيام الإمام والمنفرد عند رأس الرجل ووسط المرأة، وكان1 من هديه صلى الله عليه وسلم، أنه يقوم عند رأس الرجل ووسط المرأة. ويقف المأمومون خلف الإمام، ومن السنة أن يصطفوا في ثلاثة صفوف على الأقل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب" 2.، ثم يكبر الأولى للإحرام، ولا يستفتح، بل يستعيذ بعد التكبير يسمي ويقرأ الفاتحة، ولا يقرأ بعدها شيئاً، لأن صلاة الجنازة مبنية على التخفيف، ثم يكبر الثانية ويصلى النبي صلى الله عليه وسلم بما ورد، كما في التشهيد، ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت ولنفسه ولوالديه وللمسلمين، ويسن بالمأثور، ثم يكبر الرابعة ويقف بعدها قليلاً، ثم يسلم تسليمه واحدة. ويدعو بعد التكبيرة الثالثة بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يخلص فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" 3، وأفضل الدعاء: "اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا

_ 1 زاد المعاد ابن قيم الجوزية 1/512. 2 رواه الترمذي 3/347 ح1028، وقال: حديث مالك بن هبيرة حديث حسن. 3 رواه أبو داود 3/538 ح3199، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/616 ح2740.

وأنثانا" 1، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد: "اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده" 2. وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللهم أنت ربها وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضتها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئناك شفعاء فاغفر له" 3. وعن عوف بن مالك قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: "اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعده من عذاب القبر أو من عذاب النار". قال: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت4. فإن كان الميت أنثى أنث الضمير فيقول: اللهم اغفر لها ... ونحوه.

_ 1 رواه الترمذي 3/344 ح1024 وقال: حديث حسن صحيح. 2 رواه أبو داود 3/539 ح3201، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/617 ح2741. 3 رواه أبو داود 3/539 ح3200، وقال: أخطأ شعبة في اسم علي بن شماخ، قال فيه عثمان بن شماس، وسمعت أحمد بن حنبل وابراهيم الموصلي يحدث أحمد بن حنبل، قال: ما أعلم أني جلست من حماد بن زيد مجلسا إلا نهى فيه عن عبد الوارث وجعفر بن سليمان، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص 325 ح703. 4 رواه مسلم 1/662، 663 ح963.

من أحكام صلاة الجنازة

من أحكام صلاة الجنازة: - يجوز للنساء الصلاة على الجنازة جماعة، ولا بأس إن صلين فرادى، لأن عائشة رضي الله عنها صلت على سعد بن أبي وقاص. وأولى الناس بالصلاة على الميت من أوصي له بذلك، لإجماع الصحابة على الوصية بها، لأنها حق للميت، ثم الأب وإن علا، ثم الابن وإن نزل، ثم أقرب العصبة، ثم الرجال من ذوي أرحامه، ثم الأجانب، وفي تقديم الزوج على العصبة روايتان، فإن استووا فأولاهم بالإمامة في المكتوبات، والحر أولى من العبد القريب، لعدم لولايته، فإن استووا وتشاحنوا أقرع بينهم1. -إذا اجتمعت أكثر من جنازة فيجوز الصلاة عليها جميعاً صلاة واحدة، ويجعل أفضلهم مما يلي الإمام، ويضعون بحيث تتساوى رؤوسهم. فإن اجتمع رجال ونساء وصبيان، قدم الرجال ثم الصبيان ثم النساء، ويكون وسط المرأة محاذياً رأس الرجل. - ويستحب أن يصف في صلاة الجنازة جمع كثير من المسلمين، لما روي عن عائشة رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه" 2. وعن عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من

_ 1 الكافي ابن قدامة 1/259، 260 (بتصرف) . 2 رواه مسلم 1/654 ح947.

رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً، لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه" 1. - ويستحب تسوية الصف في الصلاة على الجنازة، نص عليه أحمد ... ، وروي عن أبي المليح أنه صلى على جنازة فالتفت، فقال: استووا لتحسن شفاعتكم.2 - فإن كبر الإمام على جنازة فجيء بأخرى، كبر الثانية عليهما، ثم إن جيء بثالثة كبر الثالثة عليهم، ثم إن جيء برابعة كبر الرابعة عليهم، ثم يتمم بسبع تكبيرات ليحصل للرابعة أربع تكبيرات، فإن جيء بأخرى لم يكبر عليها لئلا يفضي إلى زيادة التكبير على سبع، أو نقصان الخامسة من أربع، وكلاهما غير جائز، وإن أراد أهل الأولى رفعها قبل سلام الإمام لم يجز، لأن السلام ركن لم يأت به، ويقرأ في التكبيرة الرابعة الفاتحة، وفي الخامسة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو لهم في السادسة لتكمل الأركان لجميع الجنائز3. - ويدخل المسبوق مع الإمام، فإذا سلم الإمام قضى ما فاته على صفته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة: "صل ما أدركت واقض ما سبقك" 4، فإن خشي رفع الجنازة قبل انتهائه، تابع التكبير من غير فصل، ثم سلم. قال في المغني: وإن سلم ولم يقض فلا بأس، لأن ابن عمر رضي الله

_ 1 رواه مسلم 1/655 ح 948. 2 المغني: ابن قدامة 2 / 493. 3 الكافي: ابن قدامة 1/263. 4 رواه مسلم 1/421 ح 602.

عنه قال: لا يقضي، ولأنها تكبيرات متوالية حال القيام. - ومن فاتته الصلاة على الجنازة، فله أن يصلي عليها ما لم تدفن، فإن دفنت، فله أن يصلي على إلى شهر، هذا قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم1. وذكر ابن القيم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مرة على قبر بعد ليلة، ومرة بعد ثلاث، ومرة بعد شهر ولم يوقت في ذلك وقتاً2. والصحيح أن الصلاة على القبر سنة، وليس لها حد في الوقت، بشرط أن يكون الميت قد مات في حياة المصلي. - وذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على كل ميت غائب، فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غيب، فلم يصل عليهم. وصح عنه أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت، فاختلف الناس في ذلك على ثلاثة طرق: 1- أن هذا تشريع وسنة للأمة الصلاة على كل غائب، وهذا قول الشافعي وأحمد. 2- وقال أبو حنيفة ومالك: هذا خاص به، وليس ذلك لغيره. 3- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه، صلى عليه صلاة الغائب، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، لأنه مات بين الكفار، ولم يصل عليه، وإن صلي عليه حيث مات، لم يصل عليه صلاة الغائب، لأن الفرض قد سقط

_ 1 المغني: ابن قدامة 2/511 2 زاد المعاد: ابن القيم الجوزية 1/512.

بصلاة المسلمين عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب، وتركه، وفعله وتركه سنة، وهذا له موضع، وهذا له موضع، والله أعلم. والأقوال ثلاثة في مذهب أحمد، وأصحها هذا التفصيل1. - ويجوز الصلاة على الطفل، لما روي عن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الطفل يصلى عليه" 2. قال ابن القيم: قال أحمد بن أبي عبدة: سألت أحمد: متى يجب أن يصلى على السقط؟ قال: إذا أتى عليه أربعة أشهر، لأنه ينفخ فيه الروح3. وعن المغيرة ابن شعبة مرفوعاً قال: "و.. السقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة"4 ولا يستغفر للطفل الصغير لأنه لم يجر عليه قلم ولأنه شافع غير مشفوع فيه. - وتحرم الصلاة على المرتد والمنافق والكافر الأصلي، لقوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُون} 5. - ولا يصلى على شهيد المعركة، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد أنه

_ 1 زاد المعاد: ابن القيم الجوزية 1/520، 521. 2 رواه ابن ماجه 1/483 ح 1507، وصححه الألباني في صحيح سند ابن ماجه 1/252 ح 1224. 3 زاد المعاد: ابن القيم الجوزية 1/513 4 رواه أبو داود 3/522،522،523 ح 3180،وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/612 ح 2723. 5 سورة التوبة، الآية (84) .

" ... أمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلهم"1. - وتجوز الصلاة على من قتل في حد. قال الشوكاني: ومن المرجحات أيضاً الإجماع على الصلاة على المرجوم2، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على الغال، وأمر بها أصحابه، فقال: "صلوا على صاحبكم" 3 فلعله للزجر على الغلول4. ولم يصل النبي صلى الله عليه ولم على قاتل نفسه، لما روي عن جابر بن سمرة قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص5 فلم يصل عليه" 6.

_ 1 رواه البخاري 2/94 كتاب الجنائز، باب من يقدم في اللحد. 2 نيل الأوطار: الشوكاني 4/55. 3 رواه أبو داود 3/155 ح 2710، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص 264 ح 579. 4: نيل الأوطار: الشوكاني 4/53. 5 المشاقص: جمع مشقص، نصله عريض أو سهم فيه ذلك". 6 رواه مسلم 1/672 ح 978.

اتباع الجنازة فضله وكيفيته

إتباع الجنازة فضله وكيفيته: فإذا تم تغسيل الميت وتكفينه، وجب حمله وإتباعه، وفي ذلك فضل عظيم، لما رو ي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان" قيل: وما القيراطان؟ قال: "مثل الجبلين العظيمين" 1. وحمل الجنازة واتباعها من حق الميت على المسلمين، ويسن حمل الجنازة من جميع جوانب السرير، لما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "من اتبع جنازة، فليحمل بجوانب السرير كلها، فإنه من السنة، ثم إن شاء فليتطوع، وإن شاء فليدع" 2. ويسن الإسراع بالجنازة، لما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " أسرعوا بالجنازة فإن كانت صالحة قربتموها إلى الخير، وإن كانت غير ذلك، كان شرا تضعونه عن رقابكم" 3. وحمل الجنازة خاص بالرجال، وهو مفهوم من هذا الحديث، ولا يجوز للنساء اتباع الجنازة، لحديث أم عطية: "نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا" 4.

_ 1 رواه مسلم 1/652 ح 945. 2 رواه ابن ماجه 1/474 ح 1478، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص12 ح 321. 3 رواه مسلم 1/652 ح 944. 4 رواه البخاري 2/78 كتاب الجنائز، باب اتباع النساء الجنائز.

ويجوز المشي خلف الجنازة وأمامها، لثبوت فعل ذلك عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والأفضل المشي خلفها وهو مفهوم من الحديث الذي رواه عوف بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عودوا المريض واتبعوا الجنازة" 1. ويسير الراكب خلف الجنازة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم – "الركب يسير خلف الجنازة" 2، والأفضل المشي، لما روى ثوبان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أتي بدابة وهو مع الجنازة، فأبي أن يركبها، فلما انصرف أتي بدابة فركب، فقيل له؟ فقال: "إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبت" 3، وفي الحديث جواز الركوب بعد الانصراف دون الكراهة. وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى على ميت، تبعه إلى المقابر ماشيا أمامه، وهذه كانت سنة خلفائه الراشدين من بعده، وسن لمن تبعها أن يكون وراءها، وإن كان ماشيا أن يكون قريبا منها، إما خلفها أو أمامها أو عن يمينها أو عن شمالها، وكان يأمر بالإسراع بها، حتى إن كانوا ليرملون بها رملا، وأما دبيب الناس اليوم خطوة خطوة فبدعة مكروهة مخالفة للسنة، ومتضمنة للتشبه بأهل الكتاب اليهود 4. ولا يجوز اتباع الجنازة بما يخالف السنة من رفع الصوت بالبكاء والذكر والتكبير والترحم، ولا يجوز أن تتبع بالبخور، لما روي عن

_ 1 أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 2/299 وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه يزيد بن عياض وهو ضعيف. 2 رواه أبو داود 3/523 ح 3181، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/612 ح 2723. 3 رواه أبو داود 3/521 ح 3177، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/612 ح 2720. 4 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/517.

أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار" 1، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا يستحب رفع الصوت مع الجنازة، لا بقراءة ولا ذكر، ولا غير ذلك، هذا مذهب الأئمة الأربعة، وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين، ولا أعلم فيه مخالفا" 2. ويحرم اتباعها بمنكر، كالطبل والعزف الحزين على الآلة، والنياحة والتصفيق. ولا بأس بحمل الجنازة على سيارة ونحوها، إذا كانت المقبرة بعيدة. ويستحب 3 لمتبع الجنازة أن يكون متخشعا متفكرا في مآله متعظا بالموت، وبما يصير إليه الميت، ولا يتحدث بأحاديث الدنيا. ومن البدع ما يقوله بعض الناس أثناء تشييع الجنازة مثل: وَحِّدُوه، فيرد عليه السامعون: لا إله إلا الله، وكقول بعضهم: اذكروا الله، فليس لهذا العمل أصل في السنة، ولا عند السلف رحمهم الله.

_ 1 رواه أبو داود 3/517، 518، ح 3171، وقال: زاد هارون: "ولا يُمشَى بين يديها"، قال المنذري في مختصر سنن أبي داود 4/311 ح 3041، 3042: في إسناده رجلان مجهولان. 2 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/293،294. 3 المغني: ابن قدامة 2/474.

دفن الميت

دفن الميت: وحمل الميت ودفنه تكريم للميت، وهو من فروض الكفاية، قال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} 1، ومعنى الكفت: الضم والجمع، وقال الفراء: يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتا في بطنها أي: تحوزهم2. وقال تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} 3، جعل له قبرا يواري فيه، قال الفراء: جعله مقبورا ولم يجعله ممن يلقى كالسباع والطيور4. ويتولى إنزال5 الميت ولو كان أنثى - الرجال دون النساء لأمور: الأول: أنه المعهود في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم. الثاني: أن الرجال أقوى على ذلك. الثالث: لو تولته النساء أفضى ذلك إلى انكشاف شيء من أبدانهن أمام الأجانب، وهو غير جائز، وأولياء الميت أحق بإنزاله لعموم قول الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} 6.

_ 1 سورة المرسلات، الآيتان [25،26] . 2 تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل: البغوي 4/434. 3 سورة عبس، الآية [21] 4 تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل: البغوي 4/448. 5 أحكام الجنائز وبدعها: الألباني ص 147. 6 سورة الأنفال الآية [75] .

ويسن الدفن في المقبرة، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يدفن أصحابه في البقيع، والشهيد يدفن في موطن استشهاده، لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رد شهداء أحد ليدفنوا في مصارعهم، وكان بعض الشهداء قد حمل إلى المدينة. ويسن تعميق القبر وتوسيعه، لما روي عن هشام بن عامر قال: شُكيَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجراحات يوم أحد فقال: "احفروا وأوسعوا وأحسنوا ... " 1 وذلك أستر للميت وأحوط أن لا ينبش أو تناله السباع، وفيه قطع للراحة التي تؤذي الأحياء. ويجوز الجلوس عند القبر وقت الدفن لتذكير الحاضرين بالموت وما بعده، ويجوز الدفن في جميع الأوقات، ويكره في أوقات النهي الثلاثة لغير ضرورة. وينبغي ستر قبر المرأة عند وضعها فيه، حتى يصف اللبن عليها، لأنها عورة، ويكره ذلك للرجل إلا لعذر كمطر. ويسن لمن يدخل الميت القبر أن يقول: بسم الله، وعلى ملة رسول الله، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وضعتم موتاكم في قبورهم فقولوا بسم الله وعلى ملة رسول الله" 2. ويسن وضع الميت في لحده على شقه الأيمن مستقبل القبلة كسُنَّة النوم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ما سئل: ما الكبائر؟ فذكر منها: ".. واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا" 3، ويفك عقد الكفن من قبل رأسه ورجليه،

_ 1 رواه الترمذي 4/213 ح 1713 وقال: حسن صحيح. 2 رواه الحاكم 1/366 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. 3 رواه أبو داود 3/295 ح 2875 وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/555، 556 ح 2499.

ولا يكشف وجهه، لأنه لم يرد، ويوضع تحت رأسه لبنة، فإن لم يوجد فحجر، فإن لم يوجد فتراب إن احتاج إلى ذلك، وإلا فلا. وينبغي أن يدني الميت من حائط القبر الأمامي، ويسند خلف ظهره بالتراب حتى لا ينكفئ على وجهه، أو ينقلب على ظهره، ويزال الكفن عن خده حتى يلصق بالأرض، ثم تسد فتحة اللحد باللبن والطين حتى لا ينزل التراب على الميت. ويسن حثو التراب عليه باليد ثلاثا، ثم يهال عليه تراب قبره لا غيرهن ويسن رفع القبر عن الأرض قدر شبر ليتميز فيصان ولا يهان، وليترحم على صاحبه، لحديث جابر - رضي الله عنه - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألحد له لحدا، ونصب عليه اللبن نصبا، ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر"1، ويكون محدبا كهيئة السنام أفضل من تسطيحه، لحديث سفيان التمار قال: "رأيت قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسنما"2. وذكر بعض أهل العلم الحكمة من ذلك؛ في أن التسنيم تنزل عنه مياه الأمطار والسيول، والتسطيح يشبه أبنية أهل الدنيا. ولا يسطح قبر من دفن بدار حرب وتعذر نقله حتى لا ينبش ويمثل به. ويسن وضع حصباء على القبر ثم رشه بالماء ليثبت التراب، لما روى جعفر بن محمد عن أبيه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رش على قبر ابنه إبراهيم ماء، ووضع عليه الحصباء"3.

_ 1 رواه البيهقي في سننه 3م410 كتاب الجنائز، باب لا يزاد في القبر على أكثر من ترابه لئلا يرتفع جدا، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 2/132 ك رواه البيهقي فمن وجه آخر مرسلا ليس فيه جابر، وهو عند سعيد بن منصور عن الدراوردي عن جعفر. 2 رواه البخاري 2/107 كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. 3 رواه البيهقي 3/411 كتاب الجنائز، وقال ابن التركماني: إنه مرسل.

ولا بأس بتعليم القبر بوضع النصائب على طرفيه، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات عثمان بن مظعون أنه أمر بحجر فوضعه عند رأسه وقال: "أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي"1، ولا تجوز الكتابة عليها، لما روي عن جابر قال: " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ"2. فإذا فرغ من دفنه، استحب الدعاء له عند القبر، لما روي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه فقال: " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل" 3، ويدعو كل واحد بمفرده وليس جماعة.

_ 1 رواه أبو داود 2/543 ح 3206، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/618 ح 2745. 2 رواه الترمذي 3/368 ح 1052 وقال: حسن صحيح. 3 رواه أبو داود 3/550 ح 3221، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/620 ح 2758.

من أحكام الدفن

من أحكام الدفن: - لا يجوز دفن الكفار في مقابر المسلمين، ولا يجوز دفن المسلمين في مقابر الكفار. - وينبغي أن تتولى الدفن عدل عالم بأحكام الدفن. ولا يجوز زيادة تراب القبر أو البناء عليه لحديث جابر مرفوعا قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبنى على قبر أو يزاد عليه.." 1. - ويكره رفع القبر فوق شبر، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدع ثمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته" 2. - ويكره تزويق القبر ودهنه لأنه بدعة ولا يليق بالقبور، ويكره تجصيصه واتكاء عليه، ويكره عنده المبيت والتحدث في أمور الدنيا، والتبسم، والضحك أشد كراهة، وتكره الكتابة على القبر والجلوس عليه، ووطؤه، وبناء قبة عليه، لحديث جابر: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه"3، وزاد الترمذي: "وأن يكتب عليها"4، ولما روي عن عمارة بن حزم قال: "رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا على قبر فقال: "لا تؤذ صاحب القبر ... " 5.

_ 1 رواه النسائي 4/86 كتاب الجنائز، باب الزيادة على القبر، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2/435 ح 1916. 2 رواه مسلم 1/666 ح 969. 3 رواه الترمذي 1/667 ح 970. 4 رواه الترمذي 3/368 ح 1052 وقال: حسن صحيح. 5 أخرجه البيهقي في مجمع الزوائد 3/61 باب البناء على القبور وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام وقد وثق.

- ولا يليق التحدث في أمور الدنيا أو التبسم والضحك في مكان يذكِّر بالآخرة، عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة" 1. - ويكره المشي في المقابر بالنعال لغير عذر، فإن كانت الأرض شديدة الحرارة، أو بها شوك ونحوه، فلا بأس بالمشي بالنعال، لما جاء في حديث بشير بن نهيك مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينما أنا أماشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان فقال: "يا صاحب السبتيتين، ويحك! ألق سبتيتيك" فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلعهما فرمى بهما"2. - ويحرم إسراج القبور لما روي عن ابن عباس قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج"3. - ويحرم قضاء الحاجة على القبور أو بينها. - ويحرم بناء المساجد على القبور أو بينها للحديث السابق، وكذا يحرم الدفن في المساجد، لأنها لم تبن لهذا. - ويحرم دفن ميت على آخر حتى يظن أن الأول صار ترابا. - ويستحب جمع الموتى الأقارب في مقبرة واحدة، ويحرم في لحد واحد إلا لضرورة.

_ 1 رواه ابن ماجه 1/501 ح 1571، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص 119 ح 343. 2 رواه أبو داود 3/554، 555 ح 3230، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/622 ح 2767. 3 رواه أبو داود 3/558 ح 3236، والترمذي 2/136 ح 320، وقال: حديث حسن.

- ولا يجوز وضع قماشة خضراء على النعش مكتوب عليها آية الكرسي، لما فيه من امتهان كلام الله - عز وجل -، ولأنه لم يرد في السنة، ولم يفعله أحد من الصحابة أو التابعين، ولو كان فيه خيرا لسبقونا إليه، فضلا عن ما في ذلك من الاعتقاد الفاسد بأن ذلك ينفع الميت، والصحيح أنه لا ينفعه. - ويحرم 1 الذبح عند القبور والأكل منه، قال شيخ الإسلام: يحرم الذبح والتضحية عند القبر، ولو نذره، ولو شرطه واقف، فشرطه باطل، لحديث أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا عقر في الإسلام" 2. - ولا يجوز التلقين بعد الدفن، وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - أنه لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلقن الميت كما يفعله الناس اليوم، وعلق على الحديث الذي رواه الطبراني في معجمه من حديث أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا مات أحد من إخوانكم، فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على قبره ثم ليقل: يا فلان ... " 3 فقال: "فهذا حديث لا يصح رفعه" 4. ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن التلقين بعد الموت ليس واجبا بالإجماع، ولو كان من عمل المسلمين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه، ولكنه

_ 1 الإحكام شرح أصول الأحكام: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 2/101. 2 رواه أبو داود 3/550،551 ح 3222، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/620 ح 2759. 3 رواه الطبراني في الكبير 8/298 ح 7979، وقال الهيثمي في الزوائد 2م324: فيه جماعة لا أعرفهم. 4 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/522، 523.

مأثور عن طائفة من الصحابة كأبي أمامة، وواثلة بن الأسقع، وقد رخص فيه الإمام أحمد، واستحبه طائفة من أصحابه وأصحاب الشافعي، ومن العلماء من يكرهه لأنه بدعة، فالأقوال فيه ثلاثة: الاستحباب، والكراهة، والإباحة1. والصحيح أن ذلك لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمشروع الدعاء للميت لأنه السنة. - ولا يجوز قراءة القرآن عند القبر، لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه، ففاعله مبتدع في الدين، لأنه أحدث فيه ما ليس منه، وهذا غير جائز، لما روي عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ... كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" 2. - ولا يجوز للنساء زيارة القبور، لما روي عن ابن عباس قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج"3، ولا يكون اللعن على فعل مباح أو مكروه، بل يكون على فعل محرم، وزيارة النساء للقبور من كبائر الذنوب، لذا ترتب عليه اللعن. - ولا يجوز وضع الجريدة ونحوها على القبر، لأنه بدعة، وسوء ظن بالميت، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضع الجريدة على القبرين إلا حين علم أنهما يعذبان، ونحن لا علم لنا، فيكون وضعنا سوء ظن، ولا ندري هل يقبل الله شفاعتنا إذا فعلنا ذلك كما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم4.

_ 1 مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 24/297، 298. 2 رواه ابن ماجه 1/18 ح 46، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص 4 ح 3. 3 رواه أبو داود 3/558 ح 3236، والترمذي 2/136 ح 320، وقال: حديث حسن. 4 أحكام الجنائز: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 33، 34 (بتصرف) .

التعزية

التعزية: قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 1 فإذا أيقن العبد أن ما أصابه من فقد زوج أو ولد أو والد أو قريب إنما هو بإذن الله، يوفق الله قلبه إلى التسليم والرضا بالقضاء. لذا ينبغي له أن يصبر ويحمد الله ويسترجع، حتى ينال الأجر العظيم، قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} 2. وينبغي للمسلم أن يعلم أن الدنيا دار بلاء وامتحان، لذا يجب عليه أن يتحلى بالصبر عند الشدائد، فيمسك نفسه عن الجزع والسخط بالقضاء، ويحبس لسانه عن قول السوء، ويضبط جوارحه عن المعاصي، فلا يشق جيبا، ولا يلطم خدا، ولا يقول إلا ما يرضي ربه، فتتحول بذلك محنته إلى منحة. عن أم سلمة - رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرا

_ 1 سورة التغابن، الآية [11] . 2 سورة البقرة، الآيات [155، 156، 157] .

منها" 1. قال ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله: يجري القضاء وفيه الخير نافلة ... لمؤمن واثق بالله لا لاهي إن جاءه فرج أو نابه ترح ... في الحالتين يقول الحمد لله2. وكيف يسخط من كانت مصيبته ليست في دينه؟، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه: " ... ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ... " 3، وكيف يسخط من يذكر المصائب وينسى النعم؟. وإذا كان من حق الميت تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وسداد دينه، وتنفيذ وصيته الشرعية، والدعاء له والاستغفار، فمن حق أهله أن يخفف عنهم بالقول والعمل. وتعزية أهل الميت سنة من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله: "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة" 4، وعن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عزى مصابا فله مثل أجره" 5. والتعزية فيها تسلية لأهل الميت وحث على الصبر والرضا بالقضاء، وتقوية لهم على تحمل هذه المصيبة واحتساب الأجر، ووقتها من وقت حلول المصيبة قبل الدفن وبعده حتى يزول أثرها عن النفس وتنسى.

_ 1 رواه مسلم 1/633 ح 918. 2 برد الأكباد عند فقد الأولاد لابن ناصر الدين الدمشقي ص9. 3 رواه الترمذي 5/528 ح 3502 وقال: حسن غريب. 4 رواه ابن ماجه 1/511 ح 1601 وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/267 ح 1301. 5 رواه الترمذي 3/ 385 ح 1073 وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث علي بن عاصم.

وتجوز التعزية في كل مكان، في السوق أو المسجد أو العمل، إذ لا يجوز قصد أهل الميت لتعزيتهم، أو يسافر لهم لهذا الغرض، فليس ذلك من السنة، ما لم يخش قطع رحم فلا حرج. وخير ما يعزى به ما عزى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب، حين أرسلت إليه رسولا يخبره أنه صبيا لها في الموت، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب" 1. واختار بعض أهل العلم ألفاظا مثل: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك، ومثل ذلك جائز، والأولى ما جاءت به السنة. ويستحب أن يرد المعزى بقوله: استجاب الله دعاءك ورحمنا وإياك. رد به أحمد 2 ولا يجوز التعزية بألفاظ بدعية مثل البقية في حياتك، وما ماثل ذلك. ويسن صنع الطعام لأهل الميت لانشغالهم بمصابهم عن الاهتمام بأنفسهم، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، عندما استشهد جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال: "اصنعوا لأهل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم" 3. ولا يجوز الاجتماع للعزاء في البيت، أو في أي مكان، ولا الإعلان عن ذلك، إذ لا أصل له، وقد عده بعض السلف من النياحة.

_ 1 رواه البخاري 2/80 كتاب الجنائز، باب قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه ... ". 2 شرح منتهى الإرادات: البيهوتي 1/359. 3 رواه أبو داود 3/497 ح 3132، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/605، 606 ح 2686.

ولا يجوز قراءة القرآن، وهو ما يحدث في بعض البلاد الإسلامية من استئجار المقرئين في المآتم، لأنه بدعة، وإنفاق للمال في وجه غير مشروع. ولا يجوز تخصيص لباس معين للتعزية، كالأسود في بعض البلاد الإسلامية: لما في ذلك من التسخط على قدر الله، ولم يفعله السلف. ولا يجوز تعزية غير المسلمين، لأن التعزية تخفيف على المصاب، وتثبيت وحث على الصبر، والإيمان والرضا، والكفار أعداء للمسلمين، فلا ينبغي مواساتهم، ولا تشييع جنائزهم، ولا الاستغفار لهم، قال الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 1، وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} 2، ولا حرج أن نقبل تعزيتهم إن عزونا، وندعو لهم بالهداية. ولا يجوز أن يتخذ الناس المصافحة والتقبيل للمعزى سنة، فإن ظُن ذلك فتركها أولى، ولكن لملاقاة المعزى وغيره فلا حرج. ولا يجوز لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية" 3. وعن أبي موسى قال: "أنا بريء ممن بريء منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن

_ 1 سورة المجادلة، الآية [22] . 2 سورة التوبة، الآية [113] . 3 رواه مسلم 1/99 ح 103.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برىء من الصالقة1 والحالقة2 والشاقة3"4. ويجوز البكاء على الميت إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ... " 5. قال في الإحكام: وأجمع أهل العلم على تحريم النياحة، إلا ما روي عن بعض المالكية لحديث أم عطية، والحديث حجة عليهم6. ويكون ذلك بتعداد محاسن الميت مع رفع الصوت بالبكاء، لما في ذلك من الجزع والجاهلية، والاعتراض على قضاء الله وقدره، قال - صلى الله عليه وسلم - "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب" 7. وعن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الميت يعذب في قبره بما نيح عليه" 8، وعن عبد الله أن حفصة بكت على عمر، فقال مهلا يا بنية! ألم تعلمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " 9. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: والصواب أنه يتأذى بالبكاء

_ 1 الصالقة: التي ترفع صوتها بالبكاء. 2 الحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة. 3 الشاقة: التي تشق ثوبها. 4 رواه البخاري 2/83 كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة. 5 رواه مسلم 1/636 ح 923. 6 الإحكام شرح أصول الأحكام: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 2/123. 7 رواه مسلم 1/644 ح 934. 8 رواه مسلم 1/639 ح 927. 9 رواه مسلم 1/638 ح 927.

عليه، كما نطقت به الأحاديث الصحيحة1. قال محمد المنبجي الحنبلي - رحمه الله -: وأما صنع أهل الميت طعاما للناس فمكروه، لأن فيه زيادة على مصيبتهم، وشغلا لهم إلى شغلهم، وتشبيها بصنع أهل الجاهلية، فإنهم يتكلفون طبخ الطعام كما يفعله أهل البر في زماننا، فهذا من النياحة التي نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت، وصنعة الطعام من النياحة2. ولا يجوز سب الأموات، لما روي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" 3.

_ 1 مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 24/369، 370. 2 رواه ابن ماجه 1/514 ح 1612، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/269 ح 1308. وانظر تسلية أهل المصائب ص155، 156. 3 رواه البخاري 2/108 كتاب الجنائز، باب ما ينهى من سب الأموات.

النوافل

النوافل الرواتب ... النوافل: 1-الراتبة: مشروعية صلاة التطوع: من حكمة الله سبحانه وتعالى، ورحمته بعباده أن شرع التطوع، وجعل لكل عبادة واجبة تطوعا من جنسها، ليكون جبرا لما قد يقع في الفرائض من نقص. فالصلاة منها الواجب ومنها التطوع، والصيام منه الواجب ومنه التطوع، والحج منه الواجب ومنه التطوع ... وصلاة التطوع ليست واجبة، يطالب المكلف بفعلها طلبا غير جازم، زيادة على المكتوبة. عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا جل وعز لملائكته، وهو أعلم: "أنظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ " فإن كانت تامة، كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئا، قال: "انظروا هل لعبدي من تطوع؟ "، فإن كان له تطوع، قال: "أتموا لعبدي فريضته من تطوعه"، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم"1 وصلاة التطوع منها ما هو غير تابع للصلاة المكتوبة، كصلاة الكسوف

_ 1-رواه أبو داود 1/540، 541 ح 864، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/163 ح770.

والخسوف والتراويح والاستسقاء، ومنها ما هو تابع للصلاة المكتوبة، كالنوافل القبلية والبعدية، ومنها ما هو مقيد بسبب، ومنها ما هو موقت، ومنها ما هو غير موقت. السنن الراتبة: والنوافل التابعة للصلاة المكتوبة، تنقسم إلى قسمين: راتبة، وغير راتبة. والسنن الراتبة دائمة مستمرة تابعة للفرائض، واختلف أهل العلم في عددها، فمنهم من ذهب إلى أنها عشر ركعات، ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح ... "1. وذهب آخرون إلى أنها اثنتا عشرة ركعة، لحديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعا قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة"2، وعن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا إلا بنى الله له بيتا في الجنة أو إلا بني له بيت في الجنة.." 3. قال الحافظ في الفتح: والأولى أن يحمل على حالين: فكان تارة

_ 1- رواه البخاري 2/54 كتاب التهجد، باب الركعتين قبل الظهر. 2- رواه البخاري 2/54 كتاب التهجد، باب الركعتين قبل الظهر.. 3- رواه مسلم 1/503 ح728، برقم101 في الباب.

يصلي ثنتين، وتارة يصلي أربعا، وقيل: هو محمول على أنه كان في المسجد يقتصر على ركعتين، في بيته يصلي أربعا، ويحتمل أن يكون يصلي إذا كان في بيته ركعتين، ثم يخرج إلى المسجد فيصلي ركعتين، فرأى ابن عمر ما في المسجد، دون ما في بيته، واطلعت عائشة على الأمرين، ويقوي الأول ما رواه أحمد وأبو داود في حديث عائشة: "كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج1" قال أبو جعفر الطبري: الأربع في كثير أحواله، والركعتان في قليلها2. والصحيح أن الرواتب اثنتا عشرة ركعة، أربع قبل الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. وهذه الرواتب ترفع ما يحصل في الصلوات المفروضة من خلل. والسنن الرواتب تنقسم إلى قسمين: مؤكدة وغير مؤكدة، المؤكدة منها اثنتا عشرة ركعة، وهي التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصليها كثيرا ويتركها قليلا، وأما غيرها، فهو سنة مستحبة، وهي التي رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها قليلا ويتركها كثيرا. فضل سنة الفجر: وأشد السنن الرواتب تأكيدا، ركعتا سنة الفجر، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد منه

_ 1-روى هذا الحديث في صحيح مسلم 1/504 ح730، برقم 105 في الباب، عن عبد الله بن شقيق، قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه، فقالت: "كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ثم يخرج ... ". 2- فتح الباري: ابن حجر 3/58، 59.

تعاهدا على ركعتي الفجر"1 وعنهما عن النبي صلى لله عليه وسلم قال: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" 2 ومما يدل على تأكدهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدعهما في الحضر أو السفر، وعن أببي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدعوا ركعتي الفجر وإن طردتكم الخيل" 3، رغم الشدة ومطاردة العدو، والرسول صلى الله عليه وسلم ينهى عن ترك سنة الفجر. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت رسول الله في شيء من النوافل أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر"4. ما تختص به ركعتا الفجر: وتختص سنة الفجر بأمور: 1-كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفهما، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني لأقول: هل قرأ بأم الكتاب؟ "5. 2-وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بعد الفاتحة قراءة خاصة، عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 6.

_ 1- رواه البخاري 2/52 كتاب التهجد، باب تعاهد ركعتي الفجر ومن سماهما تطوعا. 2- رواه مسلم 1/501 ح 725 برقم 96 في الباب. 3- رواه أحمد 2/ 405 مسند أبي هريرة، وأبو داود 2/46 ح 1258، واللفظ لأحمد، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص 123 برقم 272. 4- رواه مسلم 1/501 ح 724 برقم 950 في الباب. 5- رواه البخاري 2/52، 53 كتاب التهجد، باب ما يقرأ في ركعتي الفجر. 6- رواه مسلم 1/502 ح726.

وعن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} 1، والتي في آل عمران: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} 2 "3. وفي رواية لمسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآية في البقرة، وفي الآخرة منهما: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} 4"5. ويجوز أن يقرأ الفاتحة فقط، من غير قراءة بعدها، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين قبل صلاة الفجر قدر ما يقرأ فاتحة الكتاب"6. 3-ويسن الاضطجاع بعدهما على الجنب الأيمن لمن يقوم الليل، لحاجته إلى الراحة، على الراجح، ما لم يخش استغراقه في النوم، وضياع صلاة الفجر، فلا يسن له ذلك. الفصل بين السنة الراتبة والمفروضة: ويسن الفصل بين الفرض وراتبته القبلية أو البعدية بانتقال أو كلام، لما روي عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: " ... إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك. أن

_ 1- سورة البقرة، الآية 136. 2- سورة آل عمران، الآية 64. 3- رواه مسلم 1/502 ح727 برقم 100 في الباب. 4- سورة آل عمران، الآية 52. 5- رواه مسلم 1/502 ح727 برقم 99 في الباب. 6- رواه أحمد 6/217، مسند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقال في الفتح الرباني 4/224: لم أقف عليه وسنده جيد.

لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج"1. وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر، فقام رجل يصلي فرآه عمر، فقال له: اجلس، فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسن ابن الخطاب" 2. مكان صلاة النافلة: تصلى النافلة في المسجد وفي البيت، ولكن صلاتهما في البيت أفضل، باستثناء ما شرعت له الجماعة كالتراويح، ففعلها في المسجد أفضل، لما روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة" 3. وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا" 4. حكم قضاء الراتبة: كل سنة قبل الصلاة، فوقتها من دخول وقتها إلى فعل الصلاة، وكل سنة بعدها فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها5. وإذا فات الإنسان صلاة الراتبة، فإن كان لعذر فلا حرج عليه أن يقضيها وتجزئه، وإن كان لغير عذر فإنها لا تجزئه، ولا إثم عليه،

_ 1-رواه مسلم 1/601 ح 883 برقم 83 في الباب. 2- رواه أحمد 5/368، مسند أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/234: ورجال أحمد رجال صحيح. 3- رواه مسلم 1/539، 540 ح781، برقم 213 في الباب. 4- رواه البخاري 2/ 56 كتاب التهجد، باب التطوع في البيت. 5- المغني: ابن قدامة 2/128.

وتقضي سنة الفجر، ويتأكد قضاؤها، إذا لم تصل في وقتها لعذر، من حل النافلة إلى الزوال. عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بنت أبي أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان" 1. وما ثبت في صحيح مسلم، من حديث أبي هريرة وأبي قتادة2، في قصة نوم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم في السفر عن صلاة الفجر، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم راتبة الفجر أولا ثم الفريضة بعدها. الجلوس في تأديتها: ويجوز في صلاة التطوع الجلوس مع القدرة على القيام، بخلاف الفريضة، فالقيام فيها ركن، ومن تركه مع القدرة عليه فصلاته باطلة. قال في المغني: لا نعلم خلافا في إباحة التطوع جالسا، وأنه في القيام أفضل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم.." 3.. ويستحب للمتطوع جالسا أن يكون في حال القيام متربعا4. ويجوز أداء بعض التطوع قائما، وبعضه جالسا، من غير كراهة، حتى ولو كان ذلك في ركعة واحدة، لما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن علقمة بن وقاص قال: "قلت لعائشة: كيف كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في

_ 1- رواه مسلم 1/572 ح 834. 2- رواه مسلم 1/471: 473 ح 680، 681. 3- رواه البخاري 2/ 41 كتاب تقصير الصلاة، باب صلاة القاعد بالإيماء. 4- المغني: ابن قدامة 2/142.

الركعتين وهو جالس؟ قالت: "كان يقرأ فيهما، فإذا أراد أن يركع قام فركع"1. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسا حتى إذا كبر قرأ جالسا، حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع"2. الراتبة في السفر: المشروع ترك الرواتب في السفر، ما عدا الوتر وسنة الفجر، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وغيره، أنه كان يدع الرواتب في السفر ما عدا الوتر وسنة الفجر، أما النوافل المطلقة فمشروعة في السفر والحضر، وهكذا ذوات الأسباب، كسنة الوضوء، وصلاة الضحى والتهجد في الليل، لأحاديث وردت في ذلك3.

_ 1- رواه مسلم 1/506 ح731 برقم 114 في الباب. 2- رواه مسلم 1/505 ح 731 برقم 111 في الباب. 3- كتاب الدعوة: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز 2/122.

التراويح

2_التراويح: حكمها وسبب تسميتها: وصلاة التراويح من النوافل التي يسن لها الجماعة في رمضان. وهي سنة مؤكدة، وسميت تراويح لأن الناس كانوا يجلسون للاستراحة بين كل أربعة ركعات، لأنهم كانوا يطيلون القراءة. وسئلت عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا، ... "1. و"ثم" حرف عطف يفيد الترتيب والتراخي. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي أربع ركعات بتسليمتين، ثم يستريح، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا قال: يا رسول الله، كيف صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة" 2 ولحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء (وهي التي يدعو الناس العتمة) إلى الفجر، إحدى عشر ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة ... "3.

_ 1- رواه البخاري 2/47، 48 كتاب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره. 2- رواه البخاري 2/45 كتاب التهجد، باب كيف كان صلاة النبي صلى لله عليه وسلم وكم كان يصلي من الليل. 3- رواه مسلم 1/508 ح 736 برقم 122 في الباب.

فضلها ووقتها: وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه1..". وهي سنة للرجال والنساء تؤدى بعد صلاة العشاء وسنتها، وقبل الوتر، ركعتين ركعتين، ويجوز بعده على خلاف الأفضل. ويمتد وقتها إلى طلوع الفجر الثاني، أو إلى آخر الليل، لقول الله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} 2. وروي عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة والرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم، إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان3. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم العذر في ترك المواظبة عليها. عدد ركعاتها: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما كان رسول الله صلى لله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة ... "4، وعن جابر رضي الله

_ 1-رواه البخاري 2/251، 252 كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان. 2- سورة المزمل، الآية 6. 3- رواه البخاري 2/44 كتاب التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب. 4- رواه البخاري 2/47، 48 كتاب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره.

عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ثمان ركعات، والوتر، فلما كان من القابلة اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن يخرج إلينا، فلما نزل في المسجد حتى أصبحنا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا له: يا رسول الله رجونا أن تخرج إلينا فتصلي بنا، فلما: "كرهت أن يكتب عليكم الوتر" 1. هذا هو الثابت المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جمع من بعده عمر بن الخطاب الناس على أبي بن كعب، فصاروا يصلون جماعة إلى يومنا هذا، وكانوا يصلون عشرين ركعة، ويوترون بثلاث، ووافقهم الصحابة، ولم يكن لهم مخالف ممن بعدهم من الخلفاء الراشدين. قال في المغني: والمختار عند أبي عبد الله رحمه الله فيها: عشرون ركعة، وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: ستة وثلاثون، وزعم أنه الأمر القديم، وتعلق بفعل أهل المدينة، فإن صالحا مولى التوأمة قال: أدركت الناس يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس2. والصحيح أن السنة في صلاة التراويح إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشر ركعة، وهذا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، وهو الأفضل، ولو زاد المصلون على هذا، فلا حرج، لما روي عن السلف من الأنواع المتعددة في الزيادة والنقص، ولم ينكر بعضهم على بعض، ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم عددا

_ 1- رواه ابن خزيمة 2/138 ح 1070، وقال الأعظمي: إسناده حسن وعيسى بن جارية فيه لين، ورواه ابن حبان 6/169، 170 ح 2409، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف، وعيسى بن جارية ضعيف، وقال الهيثمي في المجمع 3/172: فيه عيسى بن جارية، وثقة ابن حبان وضعفه ابن معين. 2-المغني: ابن قدامة 2/167.

معينا يقتصر عليه، ولكن يجب أن تكون هذه الركعات على الوجه المشروع، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا قال: يا رسول الله، كيف صلاة الليل، قال: "مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة" 1. والأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف، سواء صلى الإمام إحدى عشر ركعة أو ثلاثة عشرة ركعة أو ثلاثا وعشرين، حتى يكتب له أجر قيام ليلته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلته ... " 2. وتسن صلاة التراويح جماعة في المسجد، ويجوز أن يصليها الإنسان منفردا في بيته، ولا يدرك السنة، ولكنها جماعة في المسجد أفضل، وقد تقدم ما يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى جماعة بالمسلمين في المسجد، ولم يداوم على ذلك خشية أن تفرض عليهم، لأن زمانه صلى الله عليه وسلم زمان وحي وتشريع، فلما زالت علة التشريع بموت الرسول صلى الله عليه سلم، رجع الأمر إلى أصله، وقد ثبتت سنة صلاتها في المسجد جماعة في رمضان. وفي عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر بقي المسلمون على حالهم أوزاعا متفرقين، ثم جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس على إمام. عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع

_ 1-رواه البخاري 2/45 كتاب التهجد، باب كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكم كان يصلي من الليل. 2- رواه أبو داود 1/105 ح 1375، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/258 برقم 1227.

متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقام عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: "نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله"1. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن مبتدعا في الدين، لأن ما فعله له أصل في الشرع. ويكره التنفل أثناء صلاة التراويح لخروج المصلي عن الجماعة، فإن فاتته الفريضة، صلى خلف الإمام ونوى العشاء، وأتم ركعتين بعد سلام الإمام، وله أن ينوي راتبة العشاء، ويدخل مع الإمام في الجماعة، ولا يضر اختلاف نية الإمام والمأموم على الصحيح من كلام أهل العلم، ويكره التنفل بين التراويح أثناء الاستراحة. ويكره التعقيب بعد التراويح والوتر منفردا أو في جماعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا" 2. ولا كراهة إن جاء التعقيب بعد التراويح وقبل الوتر، وهذا ما عليه الناس اليوم في العشر الأواخر من رمضان. قراءة القرآن في التراويح: وقراءة القرآن سنة، باتفاق أئمة المسلمين، بل من جل مقصود التراويح قراءة القرآن فيها، ليسمعوا كلام الله، وينبغي أن يحسن القارئ

_ 1- رواه البخاري 2/252 كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان. 2- رواه البخاري 2/13 كتاب الوتر، باب ساعات الوتر.

صوته بالقرآن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" 1. والتغني التحسين والترنم بخشوع وحضور قلب، وتدبر وتفهم، لكونه أنفع للقلب، وأدعى لحصول الإيمان، وذوق حلاوة القرآن ... من غير تكلف ولا تمرين ... ويتحرى أن يختم القرآن آخر التراويح قبل ركوعه، ويدعو. نص عليه أحمد وغيره2. ويجوز للإمام إذا لم يكن حافظا أن يقرأ من المصحف، لما ثبت عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم "أنها كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف في رمضان"3، ويقرأ الإمام بالناس في رمضان بما لا يشق عليهم، ولا بأس بأن يتفق جماعة يفضلون الإطالة. الوتر والقنوت في التراويح: والوتر سنة مؤكدة داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم في حضره وسفره، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل" 4. ويبدأ وقته من صلاة العشاء إلى الصبح، وأفضل وقت له السحر، لقول عائشة رضي الله عنها: " كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهى وتره

_ 1- رواه أبو داود 2/155، 156 ح1479، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/275، 276 ح1304. 2- الإحكام شرح أصول الأحكام: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 1/309، 310. 3- رواه البيهقي في السنن 2/253 كتاب الصلاة، باب من تصفح في صلاته كتابا ففهمه أو قرره، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص 2/42: علقه البخاري. 4 رواه أبو داود 2/132 ح 1422،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/267 ح 1260.

إلى السحر"1. يصليه بعد القيام أو التهجد، فإن خاف أن لا يقوم أوتر قبل نومه، لما روي عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل، فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره، فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل" 2. ولا يجوز أن يوتر مرتين في ليلة، مرة مع الإمام في التراويح، ومرة بعد تهجده من نفس الليلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة" 3. ويجوز لمن يصلي مع الإمام التراويح أن يؤخر الوتر، فإذا سلم الإمام قام وضم ركعة أخرى. وأقل الوتر ركعة، وأكثره إحدى عشرة، يصلي مثنى مثنى ويوتر بواحدة، وأدنى الكمال ثلاث بسلامين أو سرداً. ويستحب أن يقرأ في الركعة الأولى سورة "الأعلى"، وفي الثانية سورة "الكافرون"، وفي الثالثة سورة "الإخلاص"، لما روى أبي بن كعب، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بـ و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} "4.

_ 1 رواه البخاري 2/13كتاب الوتر، باب ساعات الوتر. 2 رواه مسلم 1/520 ح 755 برقم (162) في الباب. 3 رواه أبو داود 2/141.140 ح 1439، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/270.269 ح 1276. 4 رواه ابن ماجه 1/370 ح 1171، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/193 ح 961.

ويجوز للمصلى أن يوتر بخمس أو سبع أو تسع سرداً، كل هذا مما جاءت به السنة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما قنوت الوتر فللعلماء فيه ثلاثة أقوال: قيل: لا يستحب بحال، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر، وقيل: بل يستحب في جميع السنة، كما ينقل عن ابن مسعود وغيره، ولأن في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن بن علي - رضي الله عنهما - دعاء يدعو به في قنوت الوتر، وقيل: بل يقنت في النصف الأخير من رمضان كما كان أبي بن كعب يفعل. وحقيقة الأمر أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة، من شاء فعله، ومن شاء تركه ... وإذا صلى بهم قيام رمضان، فإن قنت في جميع الشهر، فقد أحسن، وإن قنت في النصف الأخير، فقد أحسن، وإن لم يقنت بحال، فقد أحسن1. وإذا قنت الإمام أمن من خلفه، فإن لم يسمع قنوت الإمام، دعا هو2. القيام المشروع: بعض الأئمة يحرصون على تخفيف صلاة التراويح، فيصلونها بسرعة، فيصلونها بسرعة، تمنع المصلين من فعل ما يسن، بل ربما تمنعهم من فعل ما يجب، وفي المقابل يطيل بعضهم إطالة تشق عليهم. والواجب على الإمام أن يتقي الله تعالى، فلا يخفف بما يخل بواجب

_ 1 مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 22/271. 2 الكافي: ابن قدامه 1/153.

أو مسنون، ولا يطيل بما يشق على المأمومين وينفرهم، وعليه أن يلتزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤدي الصلاة علي الوجه المشروع. ومن الغلط، أن يقوم الإمام في صلاة التراويح ويأتي بركعة ثالثة، وعندما ينبهه المأموم يصر ويأتي بالرابعة، فهذا مخالف للسنة، ومفسدة للصلاة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن كيفية صلاة الليل: "مثنى مثنى ... " 1، وعن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" 2، والواجب عليه عندما يتذكر أو ينتبه في الثالثة أن يجلس للتشهد ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام. ولا بأس بأن يحسن الإمام صوته أثناء قراءة القرآن، ويأتي به على صفة ترقق القلوب دون غلو. وأن يراعي أحكام القراءة، فلا يفرط في المد أو يمطط الحروف أو يشبع الحركات حتى تصير حروفاً، بما يعد لحناً وتطريباً، وحتى لا يخرج به عن المقصود من فهم معانيه من أمر ونهي ووعد ووعيد ووعظ وتخويف....، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} 3. وقد استمع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى قراءة أبي موسى الأشعري، وأعجبته قراءته حتى قال له: "لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود" 4 فتحسين الصوت في القراءة والقنوت ينشط المصلين، ويجذب قلوبهم وأسماعهم، ما دام في الحدود الشرعية.

_ 1 رواه البخاري 2/45 كتاب التهجد، باب كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكم كان يصلي من الليل. 2 رواه مسلم 2/1344 ح 1718 برقم (18) في الباب. 3 سورة ص، الآية (29) . 4 رواه مسلم 1/546 ح 793، برقم (236) في الباب.

وبعض الناس يتتبع أصوات الأئمة التي تؤثر في نفسه، وهذا لا بأس به، ولكن الأفضل أن يصلي الناس في مساجدهم وخلف إمامهم. عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليصل أحدكم في مسجده ولا يتتبع المساجد" 1، حتى لا تخلو بعض المساجد من الناس، وتزدحم مساجد أخرى، ويحصل ارتباك في الشوارع، وضياع للوقت من أجل الوصول إلى المسجد وتخطي الزحام، وربما فوات بعض الركعات..... وفي بعض الأقطار الإسلامية تنتشر أقوال بدعية، كقولهم بعد التسليمة الأولى: "الصلاة والسلام على أول خلق الله"، وبعد التسليمة الثانية "سبحان الواحد الأحد، سبحان الفرد الصمد، سبحان الذي لم يلد ولم يكن له كفواً أحد"، وبعد التسليمة الرابعة يكررون ما قالوه بعد التسليمة الثانية، ثم يقولون: "أشفعوا وأوتروا واستقبلوا شهر الصيام أثابكم الله ". وما أكثر ما يقال بين صلاة وصلاة من أقوال بدعية لا أصل لها في الشرع.

_ 1رواه الطبراني في الكبير 12/370 ح13373، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/24.23: رجاله موثقون، إلا شيخ الطبراني محمد بن أحمد بن النضر الترمذي، ولم أجد من ترجمه، قلت: ذكر ابن حبان في الثقات في الطبقة الرابعة محمد بن أحمد بن النضر ابن ابنة معاوية بن عمرو، فلا أدري هو هذا أم لا.

التهجد

التهجد: حكمه وفضله: وقيام الليل من النوافل المطلقة، وهو سنة مؤكدة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ... ولقد أمر الله سبحانه نبيه به، قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} 1، قال مجاهد: إنما كان نافلة للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكانت طاعته نافلة، أي زيادة في الثواب، ولغيره كفارة لذنوبه" 2. وإن خص النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر، فنحن مأمورون باتباعه. وذكر الله سبحانه من صفات المتقين، الذين يقومون الليل، وبين جزاءهم، قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ، كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} 3، وشرفهم وكرمهم بنسبتهم إليه، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} 4. وشهد لهم بالإيمان بآياته، قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى

_ 1 سورة الإسراء، الاية (79) . 2 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/322. 3 سورة الذاريات، الآيات (15: 18) . 4 سورة الفرقان، الآيتان (64.63) .

جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1 ووصفهم بالعلم، ورفع مكانتهم على غيرهم، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} 2. وقيام الليل من أفضل الأعمال، وهو أفضل من تطوع النهار، لما في سريته من الإخلاص لله تعالى والبعد عن الرياء، ولما فيه من المشقة واللذة التي تحصل للعبد من مفارقة الدعة والراحة من أجل الفوز بلقاء الله، في وقت نامت فيه العيون. وفي آخر الليل ينزل الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " 3. وعن عمرو بن عبسة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر....." 4، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" 5.

_ 1 سورة السجدة، الآيات (15 - 17) . 2 سورة الزمر، الآية (9) . 3 رواه البخاري 2/47 كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل. 4 رواه الترمذي 5/570.569 ح 3579، وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/183 ح 2833. 5 رواه سلم 1/821 ح 1163 برقم (202) في الباب.

وهي سبب لدخول الجنة بسلام، قال صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلون الجنة بسلام" 1. والنبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على قيام الليل، عن عائشة رضي الله عنها، " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً ... " 2. ويبدأ قيام الليل من الغروب إلى طلوع الفجر، وصلاة آخر الليل أفضل، قال الله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} 3، والناشئة القيام بعد النوم، ومن لم يرقد فلا ناشئة له.

_ 1 رواه الترمذي 4/652 ح 2485، وقال: حديث صحيح. 2 رواه البخاري 6/44 كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ....} . 3 سورة المزمل، الآية (6) .

آداب التهجد: 1- ينبغي أن ينوي الإنسان قيام الليل عند نومه، والتهجد إنما يكون بعد النوم، لما روي عن أبي الدرداء، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح، كتب له ما نوى صدقة عليه من ربه ... " 1. 2- فإذا استيقظ مسح النوم عن وجهه وتسوك، لما روي عن حذيفة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام للتهجد من الليل يشوص فاه بالسواك"2، ثم يدعوا بما ورد، فعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: "لا إله إلا أنت سبحانك، اللهم أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" 3. 3- وعن عبد الله بن عباس أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} 4، فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة، ثم

_ 1 رواه النسائي 3/258 كتاب قيام الليل، باب من أتى فراشه وهو ينوي القيام فنام، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/386ح1686. 2 رواه البخاري 2/45 كتاب التهجد، باب طول القيام في صلاة الليل. 3 رواه أبو داود 5/306 ح5061، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبو داود ص497. 4 سورة آل عمران الآية [19] .

قام فصلى ركعتين، فأطال فيهما الركوع والسجود ... "1. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: "اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيين حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك" 2 ونحو ذلك مما ورد. 3- ويستحب أن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين"3، ثم يصلي مثنى مثنى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن كيفية صلاة الليل فقال: "مثنى مثنى" 4، أي يسلم من كل ركعتين لا يزيد عن ركعتين5

_ 1 رواه مسلم 1/530 ح763 برقم (191) في الباب. 2 رواه البخاري 2/41، 42 كتاب التهجد، باب التهجد بالليل. 3 رواه مسلم 1/532 ح 767. 4 رواه مسلم 1/532 ح768. 5 رواه البخاري 2/45 كتاب التهجد، باب كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكم كان يصلي من الليل.

4- ويستحب أن يكون له ركعات معلومة، فإذا نشط طولها، إلا خففها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روت عائشة رضي الله عنها: "أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه، وإن قل" 1، والأفضل المواظبة فإن فاته فعلها لعذر، قضاها، لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل" 2. وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان إذا فاتته الصلاة من الليل، من وجع أو غيره، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة"3. 5- وينبغي أن يكون تهجده في بيته، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتهجد في بيته ن وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته، إلا الصلاة المكتوبة" 4. 6- وينبغي أن يوقظ أهله، لما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله رجلا قام من الليل، فصلى ثم أيقظ امرأته، فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة، قامت من الليل فصلت، ثم أيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء" 5 وعن أبي سعيد

_ 1 رواه مسلم 1/811 ح1156 برقم (177) في الباب. 2 رواه مسلم 1/515ح 747. 3 رواه مسلم 1/515 ح746، برقم (140) في الباب. 4 رواه البخاري 7/99 كتاب الأدب، باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله عز وجل. 5 رواه النسائي 3/205 كتاب قيام الليل، باب الترغيب في قيام الليل، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي 1/354 ح1519: حسن صحيح.

وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ الرجل من الليل امرأته فصليا ركعتين، كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات" 1. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة فقال: ألا تصلون؟ فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله، فإن شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (2) . 7- فإذا غلبه النعاس، ينبغي له أن يترك الصلاة ويرقد حتى يذهب عنه النوم، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نعس أحدكم في الصلاة، فليرقد حتى يذهب عنه النوم،، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس، لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه" 3. 8- ويختم تهجده بالوتر؛ لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا" 4. 9- ويستحب5 أن يقرأ المجتهد جزءا من القرآن في تهجده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، إلا أنه إن كان الجهر أنشط له في القراءة، أو كان بحضرته من يستمع قراءته، ينتفع بها، فالجهر أفضل، وإن كان قريبا منه من يتهجد أو من يتضرر برفع

_ 1 رواه ابن ماجه 1/423، 424 ح1335، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/223ح1098. 2 رواه مسلم 1/537، 538ح775. 3 رواه مسلم 1/542، 543 ح786. 4 رواه مسلم 1/517، 518 ح751، برقم (151) في الباب. 5 المغني ابن قدامة 2/139.

صوته، فالإسرار أولى، وإن لم يكن لا هذا ولا هذا، فليفعل ما يشاء، عن عبد الله بن أبي قيس - هو رجل بصري - قال: سألت عائشة.... كيف كانت قراءته؟ أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، قد كان ربما أسر بما جهر...."1. وتجوز الجماعة أحيانا في قيام الليل في غير رمضان، من غير أن تتخذ سنة راتبة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقوم الليل وحده، وكان يتطوع ليلا في جماعة قليلة أحيانا. وصلاة الليل قائما أفضل من صلاتها قاعدا بلا عذر، فإن كان القعود لعذر فأجره كأجر القائم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمران: "من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ... " 2 وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا مرض العبد أو سافر، كتبت له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا" 3.

_ 1 رواه الترمذي 5/183 ح2924،وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/11ح 2334. 2 رواه البخاري 2/41 كتاب تقصير الصلاة، باب صلاة القاعد بالإيماء. 3 رواه البخاري 4/16، 17 كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة.

الأسباب المعينة على قيام الليل: إذا كان الإنسان بحاجة إلى طعام وشراب ليقيم صلبه، ويقوي بدنه، فهو بحاجة إلى ما يغذي روحه وعبادة الله هي التي توفر للروح غذاءها ونماءها، فتستقيم النفس البشرية وتقوى، بقدر ما تستمد من هذا الغذاء، وتستطيع مواجهة عواصف الغرور، وظلم النفس، وغياهب الغفلة. فما أجمل الليل في صمته وسكونه، والنفس تناجي ربها، في إخلاص ويقين، والجو يعطره آيات الله، والقلب يهتز خوفا ورجاء، فتخشع النفس لربها، وتشعر بسعادة روحية، لا تدانيها سعادة، تتذوق فيها حلاوة الإيمان، لأنها وجدت نفسها، عندما أخلصت عبرديتها لله، ويزداد الشعور بالراحة والطمأنينة، كلما ازدادت النفس قربا من ربها، وأنسا بلقائه. وقيام الليل عبادة، ليست مجرد ركوع وسجود وخضوع فحسب، بل تلذذ بمناجاة الله وطاعته، وسعي في مرضاته، انشراح للصدر، وسكينة للنفس، وانتقال من عالم الغرور إلى عالم السرور. وقيام الليل يحتاج إلى استعداد ومجاهدة، لأن النفس تميل إلى الكسل والخمول وقلة الحركة، وكثرة النوم بعد أن ثقلت الأجسام، وتراكمت الشحوم.... ومن الأسباب المعينة عليه ما يلي: 1- معرفة فضل قيام الليل، ومنزلة أهله، وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على

قيام الليل فقال: "عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات ومنهاة للإثم" 1. وقال الحسن البصري رحمه الله: "لم أجد من العبادة شيئا أشد من الصلاة في جوف الليل، فقيل له: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها؟ فقال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره"2. 2-الحرص على النوم مبكرا، عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها"3، وسبب كراهته الحديث بعدها، لأن ذلك يؤدي إلى السهر الذي يرهق الجسم فيغلبه النوم عن قيام الليل وصلاة الفجر في وقتها المختار. 3- الحرص على آداب النوم، بأن يتوضأ ويصلي ركعتي الوضوء، ويدعو بما ورد قبل النوم، ويجمع كفيه وينفث فيهما، وعليه أن يأخذ بالأسباب، بأن يضع ساعة عند رأسه تنبهه، وأن يوصي من حوله من أهله ووالديه وأقاربه وجيرانه بالاستيقاظ، فإذا أيقظوه دفع الكسل والتثاقل وبادر إلى القيام. 4- وقد ذكر4 ابن قدامة جملة من الأسباب التي تعين على قيام الليل، ومنها أن لا يكثر الأكل، وأن لا يتعب نفسه بالنهار بالأعمال الشاقة، وأن لا يترك القيلولة بالنهار، وأن يتجنب الأوزار قال الثوري:

_ 1 رواه الترمذي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 5/553 ح3549، وقال: وهذا أصح من حديث أبي إدريس عن بلال. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/178ح2814. 2 مختصر منهاج القاصدين: ابن قدامة ص59. 3 رواه البخاري 1/142 كتاب مواقيت الصلاة، باب ما يكره من النوم قبل العشاء. 4 انظر مختصر منهاج القاصدين: ابن قدامة ص59، 60.

حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته. ومنها سلامة القلب للمسلمين وخلوه من البدع، وإعراضه عن فضول الدنيا، ومنها خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل ... ومن أشرف البواعث على ذلك، الحب لله تعالى، وقوة الإيمان بأنه إذا قام ناجى ربه، وأنه حاضره ومشاهده، فتحمله المناجاة على طول القيام. في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في الليل لساعة، لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة" 1. من تعود قيام الليل، وذاق حلاوته، فليحذر أن يتركه. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. قال: قال رسول الله صلى الله عليه: "يا عبد الله لا تكن بمثل فلان، كان يقوم الليل، فترك قيام الليل" 2، وعن عبد الله قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح، قال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه - أو قال: في أذنه"3. فتأمل حال رجل بال الشيطان في أذنيه. والشيطان حريص على أن تنام عن الصلاة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم، إذا هو نام، ثلاث عقد، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فأرقد فإن أستيقظ فذكر الله تعالى انحلت - عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى أنحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" 4

_ 1 رواه مسلم 1/521 ح757، برقم (166) في الباب. 2 رواه مسلم 1/814 ح159، برقم (185) في الباب. 3 رواه مسلم 1/537 ح774. 4 رواه البخاري 2/46 كتاب التهجد، باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل.

صلاة العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى

4- صلاة العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى: تشرع صلاة العيدين في المصلى، وتختلف في بعض أحكامها عن الصلاة المفروضة، وهذا ما سنبينه فيما يأتي: الأصل في مشروعية صلاة العيد: الأصل في مشروعيتها الكتاب، والسنة، والإجماع. أما الكتاب فقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 1، وقد ذكر عامة المفسرين أن المراد بها صلاة العيد. وأما السنة فقد ثبت بالتواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة العيدين قال ابن عباس: "شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة"2. وأما الإجماع فقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على مشروعيتها. يقول ابن قدامة: وأجمع المسلمون على صلاة العيدين3.

_ 1 سورة الكوثر، الآية [2] . 2 رواه البخاري 2/5 كتاب العيدين باب الخطبة بعد العيد، اللفظ له، ومسلم1/602 ح. 3 المغني: ابن قدامة 3/253.

حكم صلاة العيد: اختلف أهل العلم في حكم صلاة العيد بعد اتفاقهم على مشروعيتها. فذهب بعضهم إلى أنها فرض عين، وذهب آخرون إلى أنها فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقطت عن الباقين. وذهب آخرون إلى أنها سنة مؤكدة، وأدلة كل فريق مبسوطة في كتب الفقه المطولة1. قال في المغني: وصلاة العيد فرض على الكفاية في ظاهر المذهب، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين. وإن اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الإمام. وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقال أبو حنيفة: هي واجبة على الأعيان، وليست فرضاً لأنها صلاة شرعت لها الخطبة فكانت واجبة على الأعيان وليست فرضاً كالجمعة. وقال ابن موسى: قيل: إنها سنة مؤكدة، غير واجبة، وبه قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي2. وقد رجح شيخ الإسلام وغيره من المحققين أنها فرض عين على كل مسلم. حيث قال: ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان، وقول من قال: لا تجب في غاية البعد، فإنها من أعظم شعائر الإسلام، والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة، وقد شرع فيها التكبير. وقول من قال: هي فرض على الكفاية، لا ينضبط3.

_ 1 انظر المغني: ابن قدامة 3/253، وفتح الباري: ابن حجر2/439، وأحكام العيدين: الفريابي ص123، وصحيح مسلم بشرح النووي 6/171، والمحلي: ابن حزم 5/120. 2 المغني: ابن قدامة 3/253. 3 مجموع الفتاوى: ابن تيمية 23/161.

وقت صلاة العيد: ذهب عامة أهل العلم إلى أن وقت صلاة العيد هو ما بعد طلوع الشمس قدر رمح، إلى زوال الشمس. وهو وقت الضحى، للنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، حيث تحرم الصلاة وقت الشروق، وتكره بعده، إلى أن ترتفع قدر رمح. ويسن تعجيل صلاة الأضحى في أول وقتها، بحيث يوافق الحجاج بمنى في ذبحهم، وليتمكن الناس من ذبح أضاحيهم. كما يسن تأخير صلاة الفطر، ليتمكن الناس من إخراج صدقاتهم. قال ابن القيم: وكان ابن عمر مع شدة إتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس1. وقال صديق حسن خان: وقتهما بعد ارتفاع الشمس، قيد رمح، إلى الزوال، وقد وقع الإجماع على ما أفادته الأحاديث وإن كانت لا تقوم بمثلها الحجة - وأما آخر وقتها فزوال الشمس2.

_ 1 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/442. 2 المواعظ الحسنة: صديق حسن خان ص43، 44.

مكان أداء صلاة العيد: من السنة صلاة العيد في المصلى خارج البلد، لفعله صلى الله عليه وسلم، وهذا إذا لم يكن هناك عذر يمنع من صلاتها في المصلى. فإن كان هناك عذر من مطر، أو ريح، أو غير ذلك، فلا بأس بصلاتها في المسجد، وإن كان في البلد ضعفاء وعجزة، استخلف الإمام في مسجد البلد من يصلي بهم، لفعل علي رضي الله عنه. قال ابن قدامة: السنة أن يصلي العبد في المصلى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى المصلى ويدع مسجده، وكذلك الخلفاء من بعده، ولأن هذا إجماع المسلمين، فإن الناس في كل عصر ومصر يخرجون إلى المصلى فيصلون العيد1. وقال ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى، وهديه كان فعلهما في المصلى دائماً2.

_ 1 المغني: ابن قدامة 3/260. 2 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/441.

صفة صلاة العيد: صلاة العيد ركعتان، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم، تبدأ الركعة الأولى بتكبيرة الإحرام - كسائر الصلوات - ثم يكبر بعدها ست تكبيرات، وقيل سبع. وفي الركعة الثانية يكبر خمس تكبيرات سوى تكبيرة الانتقال. ويشرع رفع اليدين مع التكبير لصلاة العيد، وقال بعض أهل العلم: لا يشرع ذلك. ويشرع أن يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه، بين التكبيرات. فيقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم، تسليماً كثيراً. وقال بعض أهل العلم: لا يشرع الذكر بين التكبيرات، ثم بعد أن يتم التكبير، يأخذ في القراءة بفاتحة الكتاب، ثم يقرأ بعدها في الأولى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} 1، وفي الثانية: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} 2، أو يقرأ في الأولى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} 3، وفي الثانية: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} 4.

_ 1 سورة الأعلى، الآية [1] . 2 سورة الغاشية، الآية [1] . 3 سورة ق، الآية [1] . 4 سورة القمر، الآية [1] .

ثم يكمل الركعتين كغيرها من الصلوات المعتادة، لا تختلف عنها شيئاً. قال ابن قدامة: لا خلاف بين أهل العلم في أن صلاة العيد مع الإمام ركعتان1. وقال ابن القيم في معرض سياقه لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد وكيفيتها: وكان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، فيصلي ركعتين يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح، يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة، ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات ولكن ذكر عن ابن مسعود أنه قال: يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر الخلال، وكان ابن عمر مع تحريه للإتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتم التكبير أخذ في القراءة، فقرأ فاتحة الكتاب، ثم قرأ بعدها: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} 2، في إحدى الركعتين، وفي الأخرى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} 3، وربما قرأ فيهما: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} 4، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} 5، صح عنه هذا وهذا ولم يصح عنه غير ذلك. فإذا فرغ من القراءة كبر وركع، ثم إذا أكمل الركعة وقام وقام من السجود كبر خمساً متوالية. فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة، فيكون التكبير أول مابدأ في الركعتين، والقراءة يليها الركوع6.

_ 1 المغني: ابن قدامة3/265. 2 سورة ق، الآية [1] . 3 سورة القمر، الآية [1] . 4 سورة الأعلى، الآية [1] 5 سورة الغاشية، الآية [1] . 6 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/442، 444.

لا أذان ولا إقامة للعيدين: ليس لصلاة العيد أذان ولا إقامة، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، أنه صلاها من غير أذان ولا إقامة. عن ابن عباس وجابر - رضي الله عنهما - قالا: "لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى"1، وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين، غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة"2. قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم، إذا انتهى إلى المصلى، أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة، ولا قول: الصلاة جامعة، والسنة أنه لا يفعل شيء من ذلك3. وقال ابن حزم: ويأتي الإمام فيتقدم بلا أذان ولا إقامة، فيصلي بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة4.

_ 1 رواه البخاري2/5 كتاب العيدين، باب المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة وبغير أذان ولا إقامة، ومسلم1/604 ح886. 2 رواه مسلم1/604 ح886. 3 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/442 4 المحلى: ابن حزم 5/120.

هل يصلي قبل صلاة العيد أو بعدها؟ لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم، أنه صلى قبل صلاة العيد، ولا بعدها. عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها، ولا بعدها ومعه بلال"1. قال ابن القيم: ولم يكن هو ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها2. وقال ابن حجر: والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها، خلافاً لمن قاسها على الجمعة. وأما مطلق النفل، فلم يثبت فيه منع، بدليل خاص، إلا أن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام3. وهذا إذا صلاها المسلم في المصلى، أما إن صليت بالمسجد لعذر من الأعذار كالمطر والريح وغير ذلك، فالصحيح من كلام أهل العلم أن المسلم يصلي ركعتين تحية المسجد، لأن حكمه حكم من دخل المسجد لغير صلاة العيد. والله أعلم.

_ 1 رواه البخاري 2/12 كتاب العيدين، باب الصلاة قبل العيد وبعدها. 2 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/442. 3 فتح الباري 2/476.

هل تقضى صلاة العيد؟ ذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة العيد إذا فاتت لا تقضى لفوات وقتها، ولأن النوافل لا تقضى، ولأنها تصلى جماعة. وقال البعض الآخر: من فاتته صلاة العيد سن له قضاؤها على صفتها، لفعل أنس، ولأنه قضاء صلاة كسائر الصلوات. وهؤلاء قالوا: إن أدرك الإمام قبل السلام قضاها على صفتها، وإن أدرك الخطبة فقط، وجاء بعد سلام الإمام من الصلاة، فقضاها ركعتين على صفتها، ومنهم من قال: يقضيها أربعاً. والله أعلم. قال في المغني: من فاتته صلاة العيد فلا قضاء عليه، لأنها فرض كفاية، وقد قام بها من حصلت الكفاية به، فإن أحب قضاءها فهو مخير، إن شاء صلاها أربعاً، إما بسلام واحد وإما بسلامين. وإن شاء أن يصلي ركعتين كصلاة التطوع. وإن شاء صلاها على صفة صلاة العيد بتكبير وهو مخير إن شاء صلاها وحده، وإن شاء في جماعة1. وقال ابن حجر: معلقاً على تبويب البخاري: " باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين". في هذه الترجمات حكمان: مشروعية استدراك صلاة العيد، إذا فاتت مع الجماعة، سواء كانت بالاضطرار أو بالاختيار، وكونها تقضي ركعتين كأصلها2.

_ 1 المغني: ابن قدامة 2 فتح الباري ابن حجر 2/474، 475.

خطبة صلاة العيد: بعد أن يسلم الإمام من الصلاة يخطب في الحاضرين خطبتين، يستقبلهم بوجهه، وهم جلوس في أماكنهم، يستفتح الخطبتين بالحمد لله، وإن افتتحهما بالتكبير فلا حرج، ويخطب وهو قائم، ويجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة. فإن كان في الفطر أمرهم بصدقة الفطر، وبين لهم وجوبها وثوابها، وقدر المخرج وجنسه، وعلى من تجب، والوقت الذي يخرج فيه. وفي الأضحى يذكر الأضحية، وفضلها وما يجزئ فيها، ووقت ذبحها، والعيوب التي تمنع منها، وكيفية تفرقتها، وما يقوله عند ذبحها. ولا يلزم حضور الخطبتين، بل من شاء من الحاضرين حضرها ــ وهو أفضل ــ ومن شاء انصرف. ويستحب للإمام وعظ النساء، وتذكيرهن بما يجب عليهن اقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم: " كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس - والناس جلوس على صفوفهم - فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم...."1. قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم، إذا أكمل الصلاة انصرف، فقام مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم، ويأمرهم

_ 1 رواه البخاري 2/4 كتاب العيدين، باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، ومسلم 1/605 ح889.

وينهاهم، وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير. ورخص صلى الله عليه وسلم، لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة، وأن يذهب1. وقال ابن قدامه: وجملته أن خطبتي العيدين بعد الصلاة لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين، إلا عن بني أمية. والخطبتان سنة، لا يجب حضورهما، ولا استماعهما، ويستحب أن يخطب قائماً2.

_ 1 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/445، 447، 448. 2 المغني: ابن قدامة 3/276، 279، 280.

الخروج إلى المصلى والرجوع منه: يستحب التكبير إلى العيد بعد صلاة الصبح، والدنو من الإمام ليحصل له أجر التكبير، وانتظار الصلاة، والدنو من الإمام من غير تخطي رقاب الناس، ولا أذى لأحد. ويستحب أن يخرج ماشياً، وعليه السكينة والوقار، وأن يخالف الطريق، فيذهب من طريق ويرجع من طريق. قال ابن القيم في سياق هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد والخروج إليها: وكان صلى الله عليه وسلم يخرج ماشياًن وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب من طريق ويرجع من آخر. فقيل ليسلم على أهل الطريقين، وقيل لينال بركته الفريقان، وقيل ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله وقيام شعائره. وقيل لتكثر شهادة البقاع، فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه ترفع درجة، والأخرى تحط خطيئة، حتى يرجع إلى منزله. وقيل وهو الأصح إنه لذلك كله، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله منها"1. وقال: وكان ابن عمر مع شدة إتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس ويكبر من بيته إلى المصلى2.

_ 1 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/449. 2 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/442.

اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد: إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد سقطت الجمعة، عمن صلى العيد ــ لكن ينبغي للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد. وتجب على الصحيح صلاة الظهر على من تخلف عن الجمعة لحضوره العيد، والأولى بكل حال أن يصلي العيد والجمعة طلباً للفضيلة، وتحصيلاً لأجريهما. والله أعلم. قال ابن القيم: ورخص لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة1.

_ 1 زاد المعاد: ابن قيم الجوزية 1/448.

صلاةا الكسوف

صلاةا الكسوف ... صلاة الكسوف: الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى، ومن مظاهر قدرته. سبحانه، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} 1. ويحدث كسوف الشمس وخسوف القمر، فتنتبه النفوس الغافلة إلى عظمة الخالق، وكيف يتصرف في الكون بقدرته كيفما يشاء. وكسوف الشمس ذهاب شعاعها أو نقصانه، تغيره إلى سواد في المرأى، وخسوف القمر، ذهاب ضوئه كله أو بعضه. والكسوف 2 آية من آيات الله، يخوف الله به عباده، ويعتبرهم، فينظر من يحدث منهم توبة، قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} 3، ولما كسفت الشمس، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد مسرعاً فزعاً، يجر رداءه، فصلى بالناس، وأخبرهم أن الكسوف آية من آيات الله، يخوف الله به عباده، وأنه قد يكون سبب نزول عذاب بالناس، وأمر بما يزيله، فأمر بالصلاة عند حصوله، والدعاء والاستغفار، والصدقة والعتق، وغير ذلك، مما يدفعه من الأعمال الصالحة. حتى يكشف ما بالناس، وفيه الاستعداد بالمراقبة لله،

_ 1 سورة فصلت، الآية [37] . 2 انظر حاشية الروض الربع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 2/524. 3 سورة الإسراء، الآية [59] .

والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال، وحدوث ما يخاف بسببه. حكم صلاة الكسوف ودليله: لقد أدبنا الإسلام بآداب سامية وعلمنا أن نلجأ إلى الله كلما حزبنا أمر، نستغيث به ونستنجده، والكسوف والخسوف ظاهرتان عظيمتان تدلان على قدرة الله تعالى، تهلع النفوس عند رؤيتهما خوفاً من وقوع الضرر. لذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بما يزيل الخوف، أمر بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق، وهي سنة مؤكدة في حق الرجال والنساء باتفاق أهل العلم. قال في المغنى: صلاة الكسوف سنة مؤكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها ولا نعلم بين أهل العلم في مشروعيتها لكسوف الشمس خلافاً1. عن المغيرة بن شعبة قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينكشف" 2. حكمة مشروعيتها: الشمس نعمة من أكبر نعم الله تعالى، التي تتوقف عليها حياة الكائنات، وظاهر أن كسوفها فيه إشعار بأنها قابلة للزوال، بل فيه إشعار بأن العالم كله في قبضة إله قدير، يمكنه أن يذهبه في لحظة، فالصلاة في هذه الحالة معناها إظهار التذلل والخضوع لذلك الإله القوي المتين. وذلك

_ 1 انظر المغني: ابن قدامة 2/420، 426. 2 رواه مسلم 1/630 ح915.

من محاسن الإسلام، الذي جاء بالتوحيد الخالص، ترك عبادة الأوثان، ومنها الشمس والقمر وغيرهما من العوالم1. صفة صلاة الكسوف: وهي ركعتان يجهر فيهما بالقراءة على الصحيح من قولي العلماء. في كل ركعة قيامان وركوعان وسجدتان. يقرأ في الركعة الأولى الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع رأسه ويقول: "سمع الله لمن حمده. ربنا ولك الحمد" بعد اعتداله، ثم يقرأ الفاتحة، وسورة طويلة دون الأولى، ثم يركع فيطيل الركوع، وهو دون الأول، ثم يرفع رأسه ويقول: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ولا يطيل الجلوس بينهما، ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى، ثم يتشهد ويسلم. عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام وكبر، وصف الناس وراءه، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي ادني من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، ثم سجد (ولم يذكر أبو الطاهر: ثم سجد) ، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فخطب الناس،

_ 1 كتاب الفقه على المذهب الأربعة: عبد الرحمن الجزيري 1/363.

فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فافزعوا للصلاة...." 1. وروى الإمام مسلم، عن جابر قال: "انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: إنما انكسفت لموت إبراهيم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس ست ركعات بأربع سجدات...."2 ومن حديث ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين كسفت الشمس ثماني ركعات في أربع سجدات3. قال البخاري وغيره من أهل العلم بالحديث: لا مساغ لحمل هذه الأحاديث على بيان الجواز، إلا إذا تعددت الواقعة، وهي لم تتعدد، لأن مرجعها كله إلى صلاته صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس يوم مات ابنه إبراهيم، وحينئذ يجب ترجيح أخبار الركوعين فقط لأنها أصح وأشهر4. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: روي في صفة صلاة الكسوف أنواع، ولكن الذي استفاض عند أهل العلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه البخاري ومسلم من غير وجه، وهو الذي استحبه أكثر أهل العلم: كمالك والشافعي وأحمد: أنه صلى بهم ركعتين، في كل ركعة ركوعان، يقرأ قراءة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، دون القراءة، ثم يقوم فيقرأ قراءة

_ 1 رواه مسلم 1/619 ج901 برقم (3) في الباب. 2 رواه مسلم 1/623 ج904 برقم (10) في الباب. 3 رواه مسلم 1/627 ج908. 4 انظر حاشية الروض المربع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 2/535.

طويلة دون القراءة الأولى، ثم يركع ركوعاً دون الركوع الأول، ثم يسجد سجدتين طويلتين. وثبت عنه في الصحيح: أنه جهر بالقراءة فيها1.

_ 1 مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 24/259، 260.

من أحكام صلاة الكسوف: - تسن صلاة الكسوف في جماعة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن تصلى فرادى، لأنها نافلة، ولكنها في جماعة أفضل. قال في المغني: وتشرع في الحضر والسفر بإذن الإمام وغير إذنه1. - ويشرع النداء لها (بالصلاة جامعة) ، لما روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: "لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي أن الصلاة جامعة"2، ولا يشرع لها أذان ولا إقامة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بغير أذان ولا إقامة، ولأنها من غير الصلوات الخمس، فأشبهت سائر النوافل. وتشرع في حق النساء لما روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: أتيت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس، فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها إلى السماء وقالت: سبحان الله، فقلت: آية، فأشارت أي نعم ... "3. - ويسن فعلها في المسجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها فيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خسفت الشمس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه ... "4.

_ 1 المغني: ابن قدامة 2/421. 2 رواه البخاري 2/25 كتاب الكسوف، باب النداء بالصلاة جامعة في الكسوف 3 رواه البخاري 2/28 كتاب الكسوف، باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف 4 رواه البخاري2/25 كتاب الكسوف، باب خطبة الإمام في الكسوف

ويبدأ وقت صلاة الكسوف من ابتدأ كسوف الشمس أو القمر إلى التجلي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه جابر: " ... إذا رأيتم شيئا من ذلك فصلو حتى تنجلي ... " 1. - ولا تقضي صلاة الكسوف بعد التجلي، لفوات محلها، لأن المقصود منها زوال العارض، وعود النعمة، وقد حصل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... فصلوا وادعوا الله حتى ينكشف ما بكم" 2. فإن تجلى الكسوف أثناء الصلاة، أتمها خفيفة، ولا يقطعها، لقول الله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 3، وأن سلم قبل انجلاء الكسوف لم يصل أخرى، وعليه الانشغال بالذكر والدعاء، لأن النبي صل الله وسلم لم يزد على ركعتين. وإن علم الكسوف ثم حصل غيم صلى، لأن الأصل بقاء الكسوف، فإن كان شاكا في وجود كسوف مع غيم أو نحوه، لم يصل لأن الأصل عدمه. - وإن غابت الشمس كاسفة، أو طلعت الشمس والقمر خاسف، لا يصلي، لانعدام العلة التي لأجلها شرعت الصلاة، بذهاب وقت الانتفاع بهما. - ويجوز فعل الصلاة في أوقات النهي، للأمر المطلق بالصلاة إذا حصل الكسوف.

_ 1 رواه مسلم 1/ 623 ج 904، برقم (10) في الباب. 2 رواه مسلم 1/628ج911، برقم921 في الباب. 3 سورة، محمد الآية (33) .

- ويسن أن يطيل القراءة في القيام، ويسن أن يطيل الركوع والسجود، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. - ولا يسن لها الغسل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يغتسلوا لها، وبادروا إلى فعلها، والغسل يتنافى مع تأكد سنية المبادرة إلى فعلها من حين العلم بالكسوف. - ويسن أن يعض الإمام الناس بعد الصلاة، ويحذرهم من الغفلة والاغترار، ويأمرهم بالإكثار من الدعاء والاستغفار، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. - وإذا اجتمع الكسوف والجنازة، بدئ بالجنازة، لأنه يخاف عليها، وإن اجتمع مع المكتوبة في آخر وقتها بدئ بها، لأنها آكد. وإن كان في أول وقتها، بدئ بصلاة الكسوف، لأنه يخشى فواتها. وإن اجتمع هو والوتر وخيف فواتهما، بدئ بالكسوف لأنه آكد1. - ولا يصلي لغير الكسوف من الآيات، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من خلفائه. إلا أن أحمد قال: يصلى للزلزلة الدائمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، علل الكسوف بأنه آية يخوف الله بها عباده، والزلزلة أشد تخويفا، فأما الرجفة فلا تبقى مدة تتسع لصلاة2. - ويستحب ذكر الله تعالى، والدعاء والتكبير، والاستغفار والصدقة والعتق، والتقرب إلى الله تعالى بما يستطاع، لما روي عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... فإذا رأيتموهما فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا...." 3.

_ 1 الكافي: ابن قدامة 1/239. 2 الكافي: ابن قدامة 1/239. 3 رواه مسلم 1/618 ح901 برقم (1) في الباب.

وعن أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته. ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره واستغفاره"1. وعن أسماء رضي الله عنها قالت: "لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في كسوف الشمس"2، ولأنه تخويف من الله تعالى، فينبغي أن يبادر إلى طاعة الله تعالى ليكشفه عن عباده. حكم المسبوق في صلاة الكسوف: قال النووي: المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع الأول من الركعة الأولى، فقد أدرك الصلاة، وإن أدركه في الركوع الأول من الركعة الثانية فقد أدرك الركعة، فإذا سلم الإمام، قام فصلى ركعة بركوعين. ولو أدركه في الركوع الثاني من إحدى الركعتين، فالمذهب الذي نص عليه البويطي، واتفق الأصحاب على تصحيحه، أنه لا يكون مدركا لشيء من الركعة. وحكى صاحب "التقريب" قولا آخر، أنه بإدراك الركوع الثاني يكون مدركا للقومة التي قبله، فعلى هذا، لو أدرك الركوع الثاني من الأول، وسلم الإمام، قام وقرا وركع واعتدل وجلس وتشهد وسلم، ولا يسجد، لأن إدراك الركوع، إذا حصل القيام الذي قبله، كان السجود بعده محسوبا لا محالة. وعلى المذهب: لو أدركه في القيام الثاني، لا يكون مدركا لشيء من الركعة أيضا3.

_ 1 رواه مسلم 1/628،629برقم (24) في الباب 2 رواه البخاري 2/29 كتاب الكسوف، باب من أحب العتاقة في كسوف الشمس 3 روضة الطالبين: الإمام النووي2/86.

عقائد فاسدة صححها الإسلام: كان اعتقاد السائد في الجاهلية أن الكسوف إنما يحدث لموت عظيم أو ميلاد عظيم، واعتقد المنجمون أن لذلك تأثيرا في العالم. وكان كثير من الكفرة يعظمون الشمس والقمر، لكونهما أعظم الأنوار، حتى بلغ الأمر إلى عبادتهما. ولقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الخرافة، وبين الحق في هذا الأمر. عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي" 1. هذا الموقف الشجاع الذي إن دل على شيء، فإنما يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وطهارة نفسه، فلو كان مدعيا في دعوته، لاستغل الموقف، وأحاط نفسه بهالة من التعظيم ولكن رسالته وصدق عبوديته لله، وأمانته في دعوته، كل ذلك رفع منزلته، فنطق بالخير المبين، مصححا عقائد باطلة، ومبينا أن الشمس والقمر من دلائل قدرة الله، ولا دخل لهما فيما يحدث من متغيرا للناس.. وعلم الأمة، ماذا عليها أن تفعل أمام هذه الظواهر، حتى يزول العارض، وتعود النعمة بالتجلي. والمتأمل في ظاهرة الكسوف، يقف على حقائق ثابتة، تدفع النفس إلى التوحيد الخالص من كل شبهة، والعمل على طاعة الله، والبعد عن

_ 1 رواه البخاري 2/30 كتاب الكسوف، باب الدعاء في الخسوف.

المعاصي والذنوب ... تعود الناس رؤية الشمس كل صباح حتى المساء.. ولما غلبت عليهم العادة، غفلوا عن كونها من آيات الله، فتأتي ظاهرة الكسوف، لتخرج الناس من غفلتهم، ولتبين لهم أن الله موجود، وأنه وحده سبحانه هو المتصرف في الكون، وأنه على كل شيء قدير.. فتعود العقول الضالة إلى رشدها، والقلوب الغافلة إلى انتباهها، فتراقب الله، وتتقرب إليه.

صلاة الاستسقاء

صلاة الاستسقاء: الاستسقاء لغة وشرعاً: - الاستسقاء لغة: طلب السقي، قال في اللسان1: "استقى الرجل واستسقاه: طلب منه السقي، وهو استفعال من طلب السقيا، أي إنزال الغيث على البلاد والعباد". - شرعاً: هو الدعاء بطلب السقيا من الله تعالى، على صفة مخصوصة، عند حصول الجدب وانقطاع المطر. وكان في الأمم الماضية، قال الله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ} 2، وأخرج الحاكم في المستدرك، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خرج نبي من الأنبياء يستسق، فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء، فقال: ارجعوا، فقد استجيب لكم من أجل شأن النملة" 3. حكم الاستسقاء: وهو سنة مؤكدة ثابتة بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم، عن عباد بن تميم عن عمه قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجه إلى

_ 1 لسان العرب: ابن منظور 14/393. 2 سورة البقرة، الآية: (60) . 3 رواه الحاكم في المستدرك 1/325، 326 كتاب الاستسقاء؛ باب استجابة دعاء النملة في الاستسقاء، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة"1. واجمع المسلمون على مشروعيته. قال الترمذي والعمل عليه عند أهل العلم2. متى يشرع الاستسقاء: ويشرع الاستسقاء إذا أجدبت الأرض – أي: أمحلت، وانحبس المطر، الذي هو حياة كل كائن حي، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ} 3، والماء من أجل نعم الله على الخلق. لذا كانت المصيبة بفقده من أعظم المصائب، التي لا يقدر على إزالتها إلا الله وحده جل وعلا. ومثل جدب الأرض وقحط المطر، ما يصيب الناس من الضرر بغور العيون والأنهار أو نقص مائها أو تغير بملوحة.. فيفزع الناس إلى ربهم يتضرعون إليه، يستسقونه ويستغيثون به بصفة من الصفات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. يدعو الخطيب ويؤمن المسلمون على دعائه من غير صلاة للاستسقاء، أو بالدعاء عقب الصلوات، وفي الخلوات من غير صلاة ولا خطبة.

_ 1 رواه البخاري 2/20 كتاب الاستسقاء، باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء. 2 انظر سنن الترمذي 2/443 ح 556. 3 سورة الأنبياء الأية: (30) .

صفة صلاة الاستسقاء: وصلاة الاستسقاء ركعتان. قال في المغني: لا نعلم بين القائلين بصلاة الاستسقاء خلافاً في أنها ركعتان1. وصفتها في موضعها وأحكامها كصفة وأحكام صلاة العيد، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج متبذلاً ... وصلى ركعتين، كما كان يصلي في العيد"2. قال الترمذي: قال الشافعي: يصلي الاستسقاء نحو صلاة العيدين، يكبر في الركعة الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً، واحتج بحديث ابن عباس3. ويستحب فعلها في المصلى، وهي كصلاة العيد في عدد الركعات والجهر بالقراءة، وفي كونها تصلى قبل الخطبة، وفي التكبيرات الزوائد في الركعتين قبل القراءة، إلا أنه ليس لصلاتها وقت معين، ولا تصلى في أوقات النهي، لأن وقتها متسع، فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي. والأولى فعلها في وقت صلاة العيد لشبهها في الموضع والصفة، ولحديث عائشة رضي الله عنها: " ... فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس.."4.

_ 1 المغني: ابن قدامة 2/431. 2 رواه الترمذي 2/445 ح 558 وقال: حديث حسن صحيح. 3 انظر سنن الترمذي: 2/445 ح 559. 4 رواه أبو داود 1/692ح1173، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/217ح1040.

وروي في صفتها أنها تصلي ركعتين كصلاة التطوع، قال في المغني: يصلي ركعتين كصلاة التطوع، وهو مذهب مالك والأوزاعي وأبي ثور وإسحق. عن عباد بن تميم عن عمه "أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فصلى ركعتين وقلب رداءه"1، وروى أبو هريرة2 نحوه، ولم يذكر التكبير، وظاهره أنه لم يكبر، وهذا ظاهر كلام الخرقي، وكيفما فعل كان جائزاً حسناً3.

_ 1 رواه البخاري 2/20 كتاب الاستسقاء، باب صلاة الاستسقاء ركعتين. 2 انظر سنن الترمذي 2/442ح556. 3 المغني: ابن قدامة 2/431.

ذلك من كمال الزينة، وهذا يوم تواضع واستكانة، يظهرون فيه الافتقار إلى الله تعالى. قال في المغني: ويستحب التنظيف بالماء، واستعمال السواك وما يقطع الرائحة، ويستحب الخروج لكافة الناس، وخروج من كان ذا دين وستر وصلاح، والشيوخ أشد استحباباً، لأنه أسرع للإجابة. فأما النساء فلا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة لها، فأما الشواب وذوات الهيئة، فلا يستحب لهن الخروج، لأن الضرر في خروجهن أكثر من النفع، ولا يستحب إخراج البهائم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله1. ويصلي بهم الإمام ركعتين كما ذكرنا آنفاً، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة بسورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} 2 وفي الثانية بسورة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} 3 لقول ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج متبذلاً ... وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد"4. قال في المغني: ولا يسن لها أذان ولا إقامة، لا نعلم فيه خلافاً ... ولأنها صلاة نافلة، فلم يؤذن لها كسائر النوافل، قال أصحابنا: وينادى لها: "الصلاة جامعة" كقولهم في صلاة العيد والكسوف5. ثم يخطب خطبة واحدة، قال في الكافي: لأنه لم ينقل أحد من الرواة خطبتين6. وقال بعض أهل العلم خطبتين، والأمر واسع،

_ 1 المغني: ابن قدامة 2/430. 2 سورة الأعلى، الآية (1) . 3 سورة الغاشية، الآية (1) . 4 رواه الترمذي 2/445ح558، وقال: حديث حسن صحيح. 5 المغني: ابن قدامة 1/32. 6 الكافي: ابن قدامة 1/242.

أحكام تتعلق بصلاة الاستسقاء: - تسن صلاة الاستسقاء قبل الخطبة في الصحراء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا في الصحراء، ولأن ذلك أبلغ في إظهار الافتقار إلى الله تعالى. - وإذا أراد الإمام الخروج لصلاة الاستسقاء. فينبغي بداية أن يعظ الناس، ويذكرهم بما يلين قلوبهم، من ذكر ثواب الله وعقابه، ويأمرهم بتقوى الله عز وجل، والتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم بردها إلى مستحقيها، وتحليل بعضهم بعضاً، لأن المعاصي سبب القحط، والتقوى سبب للخير والبركات، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 1. ويأمرهم بالصدقة على الفقراء والمساكين، لأنها سبب إلى رحمتهم بنزول الغيث، ثم يعين لهم يوماً يخرجون فيه، ليتهيؤوا ويستعدوا لهذه المناسبة، بما يليق من الصفة المسنونة، لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: " ... ووعد الناس يوماً يخرجون فيه ... "2، ثم يخرجون في الموعد إلى المصلى، في تواضع وخشوع وتذلل وتضرع، لقول ابن عباس رضي الله عنهما "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مبتذلاً متواضعاً متضرعاً حتى أتى المصلى ... "3 فلا يلبسون ثياب الزينة، ولا يتطيبون، لأن

_ 1 سورة الأعراف، الآية: (96) . 2 رواه أبو داود 1/692ح1173، وحسنه الألباني في صحيح سند أبي داود 1/217ح1040. 3 رواه الترمذي 2/445ح558.

والإتباع أولى، وتكون الخطبة بعد الصلاة، لما روي عن أبي هريرة أنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا يستسقي، فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ... "1، ولقول ابن عباس: " ... فصنع فيه كما يصنع في الفطر والأضحى"2. وهذا أكثر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، واستمر عمل المسلمين عليه. وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب قبل الصلاة، وبه قال بعض أهل العلم، لما روي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: " ... فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال ... ونزل فصلى ركعتين ... "3. وعن عبد الله بن زيد قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو، ثم حول رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة"4. - وينبغي أن يكثر في خطبة الاستسقاء، من الاستغفار، وقراءة الآيات التي تأمر به، كقول الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} 5 وقوله سبحانه: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ

_ 1 رواه ابن ماجه 1/403، 404ح1268، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص 93ح261. 2 رواه الحاكم في المستدرك 1/326 باب تقليب الرداء والتكبيرات والقراءة في صلاة الاستسقاء، وقال: هذا حديث رواته مصريون ومدنيون، ولا أعلم أحداً منهم منسوباً إلى نوع من الجرح، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وقال: لا أعلم في رواته مجروحاً. 3 رواه أبو داود 1/692ح1173، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/217ح1040. 4 رواه البخاري 2/20 كتاب الاستسقاء، باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء. 5 سورة نوح، الآيات (10،11،12) .

وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} 1، وقوله سبحانه: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} 2. وغيرها من الآيات، لأن ذلك سبب لنزول الغيث، والمعاصي سبب لانقطاعه، والاستغفار والتوبة يمحوان المعاصي. ويكثر من الدعاء، لقول الله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 3، وقوله سبحانه: {وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 4، ويرفع يديه عند الدعاء قائماً لقول أنس: " كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شئ من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه"5. ويؤمن الناس جلوساً رافعين أيديهم، لحديث أنس: "فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون ... "6، ويلح في الدعاء، لما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل"، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: "يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي فيستحسر 7 عند ذلك ويدع الدعاء " 8.

_ 1 سورة هود، الآية (3) . 2 سورة هود، الآية (90) . 3 سورة غافر، الآية (60) . 4 سورة الأعراف، الآية (46) . 5 رواه البخاري 6/76 كتاب الاستسقاء، باب رفع الإمام يده في الاستسقاء. 6 رواه البخاري 2/21 كتاب الاستسقاء، باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء. 7 يستحسر: ينقطع عن الدعاء، ومنه قوله تعالى: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} سورة الأنبياء، الآية (19) ، أي لا ينقطعون. 8 رواه مسلم 3/2096ح2735 برقيم (92) في الباب.

ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك من أسباب إجابة الدعاء. ويدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام تأسياً به، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} 1. ومن ذلك، ما روي عن جابر بن عبد الله قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي فقال: "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل ... " 2، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك، وأحي ِ بلدك الميت"3، وغير ذلك مما ورد. ويسن أن يستقبل القبلة أثناء الخطبة يدعو، ويحول رداءه، فيجعل ما على اليمين على اليسار، وما على اليسار على اليمين، لما روي عن عباد بن تميم عن عمه، قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، يوم خرج يستسقي، قال: فحول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه، ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة"4 والحكمة من ذلك والله أعلم، أنه للتفاؤل بتغيير الحال من القحط والضيق إلى نزول الغيث والخصب والسعة. ويحول الناس أرديتهم كإمامهم، اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ما لم يقم دليل على اختصاص فإن سقى الله المسلمين، وإلا أعادوا الاستسقاء ثانياً وثالثاً لبقاء علته، والحاجة الداعية إليه، وهي الحاجة إلى الغيث.

_ 1 سورة الأحزاب، الآية (21) . 2 رواه أبو داود 1/691، 692ح1169، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/216ح1036. 3 رواه أبو داود 1/695ح1176، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/218ح1043. 4 رواه البخاري 2/20 كتاب الاستسقاء، باب كيف حول النبي صلى الله عليه وسلم ظهره إلى الناس.

- قال في المغني: وإن تأهبوا للخروج فسقوا قبل خروجهم، لم يخرجوا، وشكروا الله على نعمته، وسألوه المزيد من فضله، وإن خرجوا فسقوا قبل أن يصلوا، صلوا شكراً لله تعالى وحمدوه ودعوه"1. - ويسن إذا نزل المطر أن يقف الإنسان في أوله ليصيبه منه، ويقول: "اللهم صيبا نافعاً"، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: "اللهم صيبا نافعاً" 2، ويقول: "مطرنا بفضل الله ورحمته" 3، لثبوت ذلك في صحيح البخاري. - وإذا كثر المطر وخيف الضرر، دعوا الله تعالى، أن يخففه ويمنع ضرره، لما جاء في حديث أنس: "فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: تهدمت البيوت، وتقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم على ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، فانجابت عن المدينة انجياب الثوب" 4. وفي الحديث أدب نبوي رفيع، حيث لم يتسخط النبي صلى الله عليه وسلم بما قارن النعمة من ضر، فسأل الله رفعه وبقاءها، ولم يدع برفع الغيث مطلقاً، للحاجة إليه في أماكن أخرى ...

_ 1 المغني: ابن قدامة 2/439. 2 رواه البخاري 2/21 كتاب الاستسقاء، باب ما يقال إذا أمطرت. 3 رواه البخاري 2/23 كتاب الاستسقاء، باب قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} . 4 رواه البخاري 2/19 كتاب الاستسقاء، باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستقي لهم لم يردهم.

صلاة الجماعة

صلاة الجماعة فضل صلاة الجماعة ... صلاة الجماعة: الأصل في العبادات أن يؤديها الإنسان امتثالاً لأمر الله سبحانه، وأداء لحقه، وشكراً لنعمه، والعبادات هي البيان العملي لما استقر في النفس من عقيدة، وعلى قدر سلامة الاعتقاد وصحته تكون استقامة الإنسان على منهج الله فيما يؤدي من عبادات. ولقد عني الإسلام بالصلاة أعظم عناية، فأمر بها وحذر من تركها، وشرع لها الاجتماع في أوقات معلومة، ففي كل يوم وليلة، يجتمع المسلمون لأدائها خمس مرات، وفي كل أسبوع يجتمعون لصلاة الجمعة، والاجتماع فيها أكبر من الاجتماع اليومي، وفي كل سنة، يتكرر مرتين، وهو الاجتماع للعيدين لجماعة كل بلد، وهو أكبر من الاجتماع الأسبوعي. فضل صلاة الجماعة: لم يكتف الإسلام من المسلم أن يؤدي الصلاة وحده في عزلة عن المجتمع الذي يعيش فيه، وإنما رغبه، وأوجب عليه أن يؤديها مع الجماعة في المسجد. عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " 1 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى النبي رجل أعمى، فقال: يارسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة؟ " فقال: نعم. قال: " فأجب " 2.

_ 1 رواه مسلم 1/450 ح 650 برقم (249) في الباب. 2 رواه مسلم 1/452 ح 653.

فالإسلام يدعو إلى الوحدة ونبذ الفرقة، وينادي بالتوحيد، والاعتصام بحبل الله المتين. وتنطلق حناجر المؤذنين مدوية في وقت واحد، تجهر بنداء الحق، فيجتمع المسلمون خمس مرات كل يوم وليلة في مسجد حيهم. ثم يلزمهم الله سبحانه بالاجتماع في لقاء أسبوعي، يجنون من ثماره العلم والتوجيه والموعظة والتذكير، فتتركز وحدتهم، وتظهر قوتهم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1، ولم يبح ترك هذا الاجتماع لغير عذر، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه " 2، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" 3. ثم يأتي الاجتماع السنوي، ليكون مؤتمراً جامعاً، ومهرجاناً كبيراً، يقام في مكان واحد في الخلاء، ويجتمع له أهل البلد جميعاً، بما في ذلك الأطفال والرجال والنساء، حتى ذوات العذر منهن، عن أم عطية قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يارسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: "لتلبسها أختها من

_ 1 سورة الجمعة، الآية (9) . 2 رواه ابو داود 1/638 ح 1052، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/196 ح 928:حسن صحيح. 3 رواه مسلم 1/591 ح 865.

جلبابها" 1. إنها تربية اجتماعية رشيدة، تهدف إلى تحقيق مصالح ومنافع للمسلمين، بما يحصل من التعارف والتواد بين الناس، لأن ملاقاة الناس ومصافحتهم تبعث المودة والمحبة في النفس، وتكون سبباً في التواصل بما يحقق الإحسان والعطف والرعاية، ومعرفة بعضهم أحوال بعض، فيقومون بعيادة المرضى والتخفيف عنهم، وتشييع الموتى، وإغاثة الملهوفين. وفي صلاة الجماعة إظهار لشعيرة من شعائر الإسلام، بل من أعظم شعائره، وهي الصلاة وفيها إظهار عز المسلمين وترابطهم بدخولهم المساجد جميعاً ثم خروجهم جميعاً، فيكون ذلك سبباً في غيظ الأعداء من الكفار والمنافقين. ومن فوائد صلاة الجماعة، حصول الألفة بين المسلمين، واجتماع القلوب على الخير، وإزالة الحقد والغل، وهدم الفوارق الاجتماعية والتعصب للجنس واللون، مما يشيع روح الإخاء والمساواة. وهي وسيلة فعالة لغرس الخير، ونشر العلم والفضيلة، فيتعلم الجاهل من العالم، عندما يشاهد المسلم إمامه أو إخوانه المسلمين، يقومون بالأعمال الصالحة، فيقتفي أثرهم ويقتدي بهم. ويقف المصلون في المسجد في نظام يتبعون إمامهم، فتتربى الأمة على الاجتماع وعدم التفرق، وطاعة ولي الأمر، وتتعود ضبط النفس، من متابعة الإمام فلا يسبقه المأموم، ولا يساويه ويستشعر الناس بالوقوف خلف إمامهم في

_ 1 رواه مسلم 1/606 ح 890 برقم (12) في الباب.

صفوف منتظمة، إئتمامهم بقائدهم في صف الجهاد. ومن فوائد صلاة الجماعة، مضاعفة الثواب ومحو الذنوب ورفع الدرجات، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلى عليه مادام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة" 1. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل كله" 2. والأحاديث في فضل صلاة الجماعة كثيرة. ووجود الجماعة يدفع كل فرد إلى التنافس في طاعة الله، بزيادة العمل الصالح، والإقبال على الله بصدق واجتهاد، والحرص على أداء الصلاة في وقتها في خشوع وطمأنينة، إلى غير ذلك من الفضائل والأجور التي لا تحصل لمن تخلف عنها.

_ 1 رواه البخاري 1/158 كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة. 2 رواه مسلم 1/454 ح 656, برقم (260) في الباب.

حكم صلاة الجماعة

حكم صلاة الجماعة: اختلف أهل العلم في حكم صلاة الجماعة، فمنهم من قال: إنها فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، ومنهم من قال: إنها سنة مؤكدة، ومنهم من قال: إنها شرط لصحة الصلاة. والصحيح ماذهب إليه القاتلون بالوجوب، لقوة أدلتهم وصراحتها من القرآن والسنة النبوية وأقوال الصحابة. وصلاة الجماعة واجبة على الرجال وجوباً عينياً حضراً وسفراً للصلوات الخمس، قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} 1. فلو كانت صلاة الجماعة سنة، لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية لسقط فرضها بفعل الطائفة الأولى، فدل ذلك على وجوبها على الأعيان. قال ابن كثير رحمه الله: "وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة، حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة، فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك"2.فإذا كان الأمر بالجماعة في وقت الخوف، والعدو ينازل المسلمين، والمعركة ساخنة، فبديهي أن تكون الجماعة في السلم أولى وأوجب.

_ 1 سورة النساء، الآية (102) . 2 تفسير ابن كثير 1/547.

وجمع الصلاة في المطر، لا يكون إلا لأجل تحصيل الجماعة، وفيه تنضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى، فيؤديها المصلون خارج وقتها المعتاد، والوقت واجب للصلاة، فلو لم تكن الجماعة واجبة لما ترك لها الوقت الواجب. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أثقل صلاة على النافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" 1. وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن صلاة الجماعة بالنفاق، وهم بتحريق بيوتهم عليهم بالنار، والمتخلف عن السنة لا يعد منافقاً، ولو كانت صلاة الجماعة سنة، لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت الجماعة فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه وهذا غير حاصل، فدل الحديث على وجوبها على الأعيان. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي رجل أعمى، فقال: يارسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يرخص له، فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة؟ " فقال: نعم. قال: "فأجب" 2. بالرغم من المشقة التي يلاقيها هذا الصحابي، أمره الرسول صلى الله عليه وسلم

_ 1 رواه مسلم 1/452.451 ح 651 برقم (252) في الباب. 2 رواه أبو داود 1/695 ح 1176، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/218 ح 1043.

بإجابة النداء، فدل ذلك على وجوب صلاة الجماعة. قال في المغني: "وإذا لم يرخص للأعمى الذي لم يجد قائداً فغيره أولى"1. ولقد استقر أمر وجوبها عند الرعيل الأول من صدر هذه الأمة. وعن أبي الأحوص عن عبد الله قال: " ... وقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف"2.وعن أم الدرداء رضي الله عنها، قالت: دخل على أبو الدرداء، وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً، إلا أنهم يصلون جميعاً"3. وسئل ابن عباس - رضي الله عنهما - عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل، لا يشهد جمعة ولا جماعة. قال: هو في النار"4. واحتج بعض أهل العلم، على عدم وجوب الجماعة، بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" 5. فقالوا: ورد في الحديث لفظ

_ 1 المغني: ابن قدامة 2/177. 2 رواه مسلم 1/453 ح 654 برقيم (257) في الباب. 3 رواه البخاري1/159 كتاب الأذان، باب فضل صلاة الفجر في جماعة. 4 رواه الترمذي 1/424.423 ح 218، وصححه أحمد شاكر وقال: له حكم المرفوع 1/424 سنن الترمذي، وقال الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص 26 برقم (36) : ضعيف الإسناد، والحديث صحيح وإن ضعفه الألباني ــ والله أعلم. 5 رواه مسلم 1/450 ح 650 برقم (249) في الباب.

(أفضل) ، والأفضل ليس بواجب، ولكن استدلالهم مردود، لأنه لا يراد به حكم صلاة الجماعة، والمراد به بيان ثواب صلاة الجماعة، لأننا لو فهمنا عدم الوجوب من المفاضلة، لفهمنا عدم وجوب صلاة الجمعة في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1 ولفظ (خير) يفيد المفاضلة، ولم يفهم منه سقوط وجوب الجمعة.

_ 1 سورة الجمعة، الآية (9) .

ما تنعقد به صلاة الجماعة وحكم من تخلف عنها

ما تنعقد به صلاة الجماعة وحكم من تخلف عنها: وتنعقد الجماعة باثنين فصاعداً، لا نعلم فيه خلافاً، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثنان فما فوقهما جماعة" 1. وعن مالك بن الحويرث قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي، فلما أردنا الإقفال من عنده، قال لنا: إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما وليؤمكما أكبركما"2. وأم النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة مرة، وابن مسعود مرة، وابن عباس مرة3. والمتخلف عن الجماعة لا يخلو حاله من أمرين: إما أن يكون معذوراً في تخلفه عن الجماعة، وصلاته منفرداً، كمن تخلف لمرض أو خوف أو غير ذلك مما يعذر به، فهذا يكتب له أجر من صلى في جماعة، لما صبح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا مرض العبد أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" 4. وإما أن يكون تخلفه عن صلاة الجماعة لغير عذر، فصلاته صحيحة، ولكنه آثم لترك الواجب. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الجماعة شرط لصحة الصلاة،

_ 1 رواه ابن ماجه 1/312 ح972، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه ص 74 ح207. 2 رواه مسلم 1/466 ح 674، برقم (293) في الباب. 3 انظر المغني: ابن قدامة 2/177. 4 رواه البخاري 4/17.16 كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة.

ويترتب على قولهم أن من صلى منفرداً لغير عذر شرعي فصلاته باطلة. ولكن هذا القول ضعيف، لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" 1. والمفاضلة تدل على أن الفضل عليه فيه فضل، ويلزم من وجود الفضل فيه أن يكون صحيحاً، وغير الصحيح لا فضل فيه. فأجابوا على هذا الرد، بأن هذا الحديث في حق المعذور. ولكن يرد على قولهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر، كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً". وإذا كانت الجماعة في حق الرجال واجبة، فهي مباحة في حق النساء، بإذن أزواجهن، يخرجن لها متسترات، غير متبرجات بزينة، ولا متطيبات، يبتعدن عن مخالطة الرجال، ويكن وراء صفوف الرجال. ويسن للنساء أن يصلين مع بعضهن جماعة منفردات عن الرجال، سواء كانت إمامتهن منهن، أو يؤمهن رجل، لأنهن من أهل الفرض، فيدخلن في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" 2 وعن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ... كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها. قال عبد الرحمن: فأنا رأيت مؤذنه3اشيخاً كبيراً. ولفعل غيرها من الصحابيات.

_ 1 رواه مسلم 1/450ح 650، برقم (249) في الباب. 2 رواه البخاري 1/158 كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة. 3 رواه أبو داود 1/397 ح 592، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/118 ح 553.

مكان تأدية الصلاة

مكان تأدية الصلاة: خص الله سبحانه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بأن جعل لها الأرض كلها مسجداً وطهوراً، بخلاف غيرها، فإنها لا تصلى إلا في الكنائس والصوامع والبيع. عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ... " 1. والمراد الأرض الطاهرة المباحة، لأن المتنجسة ليست بطيبة لغة، والمغصوبة ليست بطيبة شرعاًً2. واستدل فريق من أهل العلم بهذا الحديث، على جواز الصلاة في البيت جماعة، وترك المسجد ولو كان قريباً، وإن كانت في المسجد أفضل، وذهب آخرون إلى أن الصلاة في المسجد من فروض الكفايات، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، وجاز لمن سواهم أن يصلي في بيته في جماعة. والصحيح أن صلاة الجماعة في المسجد واجبة، ولو أقيمت الصلاة في غير المسجد، فهي صحيحة، وهم آثمون لترك المسجد، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ... ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي

_ 1 رواه مسلم 1/371.370 ح 521 برقم (3) في الباب. 2 نيل الأوطار: الشوكاني 2/147.

بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" 1 والحديث لم يستثن من يصلون في البيوت، فعلم من ذلك وجوب الصلاة في المسجد. والصلاة من شعائر الإسلام الظاهرة، ولا ينبغي ترك أدائها في المسجد إلا لعذر، وأما من ذهب إلى أنها في المسجد من فروض الكفاية، فإنه يترتب على قوله هجران المساجد، وربما تركها بالكلية، لاعتماد كل واحد على الآخر في الذهاب إلى المسجد، ثم إن ذلك يتعارض مع النصوص الصريحة، قال الله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} 2 وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 3. وأما من استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر: " ... جعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً ... " 4 على جواز الصلاة في كل مكان، والمسجد أفضل، فهذا علم مخصص بالأدلة على وجوب صلاة الجماعة في المساجد. والأفضل للمسلم أن يصلي في المسجد الذي لا تقام فيه صلاة الجماعة إلا بحضوره، لحصول ثواب عمارة المسجد بإقامة الجماعة فيه، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ} 5. كمسجد

_ 1 رواه مسلم 1/451 , 42 ح 651 برقم (252) في الباب. 2 سورة البقرة، الآية (144) . 3 سورة الأعراف، الآية (29) . 4 رواه مسلم 1/371.370 ح 521، برقم (3) في الباب. 5 سورة التوبة، الآية (18) .

يصلي فيه الناس، فيه رجل إن حضر وصار إماماً، أقيمت الجماعة، وإن لم يحضر تفرق الناس، فلأولى لهذا الرجل أن يصلي في هذا المسجد من أجل عمارته. ثم الأفضل بعد ذلك صلاة الجماعة في المسجد الذي تكثر جماعته، كأن يكون هناك مسجدان، أحدهما أكثر جماعة من الآخر، فالأولى أن يذهب إليه، لما في الاجتماع من نزول الرحمة والسكينة، وشمول الدعاء، ورجاء الإجابة، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب: " ... صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل"1 والصلاة مع أهل العلم والصلاة مع المحافظين على الطهارة فيه فضل عظيم، قال الله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} 2. ثم الأفضل بعد ذلك الصلاة في المسجد القديم، فهو أولى من الجديد مع الاستواء في الكثرة، لأنه معمور بطاعة الله قبل أن يعمر الجديد. فإذا استويا فيما سبق، فالمسجد الأبعد أولى من الأقرب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى" 3. ويرى بعض أهل العلم أن الأفضل عمارة المسجد القريب، إلا أن

_ 1 رواه النسائي 2/105.104 كتاب الإمامة، باب الجماعة إذا كانوا اثنين، إلا أن الألباني في صحيح سنن النسائي 1/183 ح 813. 2 سورة التوبة، الآية (108) . 3 رواه البخاري 1/159 كتاب الأذان، باب فضل صلاة الفجر في جماعة.

يمتاز غيره بخاصية فيه، فيقدم، كأهل مكة، فإن صلاتهم في المسجد الحرام أفضل مم حولهم من المساجد، والمسجد النبوي لأهل المدينة أفضل مما حولهم من المساجد، والمسجد النبوي لأهل المدينة أفضل مما حولهم من المساجد. ويحمل الحديث السابق على المسجد الذي ليس هناك أقرب منه، سواء أكان أكثر جماعة أم أقل، لما يترتب على ذلك من المصالح، ثم يليه الأكثر جماعة، ثم يليه الأبعد ثم يليه العتيق، لأن تفضيل المكان بتقديم الطاعة فيه ليس له دليل بين. صلاة الجماعة في دائرة العمل: في كثير من الدوائر الحكومية يكون لهم مصلى خاص تقام فيهم الجماعة، والمساجد حولهم، فما حكم صلاتهم في المصلى؟ فإذا كان المسجد قريباً، فالواجب عليهم أداء الصلاة فيه، أما إذا كان بعيداً، أو قريباً وخيف تعطل العمل، لكثرة المراجعين، أو حيف عدم انضباط العاملين إذا خرجوا للصلاة بأن يذهبوا إلى بيوتهم أو لا يرجعوا، فلا حرج في الصلاة حينذ في مصلى العمل. ولعلاج هذه المسألة، ينبغي أن يجعل في الدوائر الكبيرة مسجداً لعموم الناس، له باب على الشارع، تقام فيه الصلوات الخمس.

أحكام تتعلق بصلاة الجماعة

أحكام تتعلق بصلاة الجماعة: لا يجوز للإنسان أن يؤم في مسجد له إمام راتب، إلا بإذن الإمام أو عذره - عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه" 1، لما يؤدي ذلك إلى إشاعة الفوضى والتنازع والفرقة، والإساءة إلى الإمام الراتب والتنفير عنه. ولكن يبقى حكم صلاة من صلى بدون إذن الإمام أو عذره، وفي ذلك قولان لأهل العلم: الأول: أنهم آثمون ولا تصح صلاتهم وعليهم إعادتها. والثاني: صحة الصلاة مع الإثم وهذا هو الصواب. لأن تحريم الإمامة في مسجد له إمام راتب بلا إذنه أو عذره، لا يستلزم عدم صحة الصلاة لأن هذا التحريم يعود إلى معنى خارج عن الصلاة، يعود إلى الافتيات على الإمام، والتقدم على حقه، فلا ينبغي أن تبطل الصلاة، لأنها وقعت في جماعة وعلى الوجه المشروع، فالأصل الصحة لكن مع التحريم. - ويسن لمن سبق له أن صلى، ثم حضر إقامة الصلاة نفسها في مسجد أو مصلى آخر، يسن أن يصلي مع الجماعة. وتكون الأولى في حقه هي الفريضة، والثانية نافلة، لما روي عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

_ 1 رواه مسلم 1/465 ح 673 برقم (290) في الباب.

"صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتك الصلاة معهم فصل، ولا تقل إ، ي قد صليت فلا أصلي" 1. ولا يلزمه إتمامها إذا أدرك منها ركعتين، وذلك إذا كانت ثلاثية أو رباعية فإن كانت ثنائية فإن، أدرك منها ركعة أتمها ركعتين، وإن أتم فهو أفضل، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" 2 ولا يستثنى من ذلك صلاة دون صلاة، ولا يسن قصد المساجد للإعادة، لأن هذا ليس من عادة السلف، ولو كان من أمور الخير لسبقنا إليه الصحابة رضوان الله عليهم. وهكذا يحرص الإسلام على وحدة المسلمين في المظهر والمخبر، لما في ذلك من الخير والفضل. وإذا شرع المؤذن في إقامة الصلاة، فلا يجوز الشروع في نفل مطلقاً، لما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة"3 والحكمة من ذلك، هو أن لا يتشاغل الإنسان بنافلة يقيمها وحده والناس في فريضة، يؤدونها جماعة. والمراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة " على الصحيح، ابتداء صلاة والشروع فيها، لأن، الوقت بالإقامة للفريضة، والنهي للتحريم، فإن أقيمت الصلاة والمصلى في نافلة قد أحرم بها من قبل، أتمها خفيفة من أجل المبادرة إلى الدخول في الفريضة، ما لم يخش فوات الجماعة، لقول الله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 4، فإن خشي فوات الجماعة، قطع النافلة من أجل اللحاق بالفرض.

_ 1 رواه مسلم 1/449 ح 648 برقم (242) في الباب. 2 رواه مسلم 1/421 ح602 برقم (153) في الباب. 3 رواه مسلم 1/493 ح 710 برقم (63) في الباب. 4 سورة محمد، الآية (33) .

وتدرك صلاة الجماعة، بإدراك ركعة من الصلاة، على الراجح من قولي العلماء، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" 1. أما دون الركعة، فلا تدرك به الجماعة للنص في هذا الحديث، وللقياس على من أدرك دون الركعة من صلاة الجمعة، فإنه يلزمه أن يتمها ظهراً لكونه غير مدرك لها.

_ 1 رواه مسلم 1/423 ح 607 برقم (161) في الباب.

رسالة المسجد

رسالة المسجد: فضل بناء المساجد: المساجد بيوت الله، وهي خير بقاع الأرض، وأحبها إليه. وبناؤها عبادة من أعظم العبادات، وقربة من أعظم القربات إلى الله تعالى، وقد جعلها الحق سبحانه من علامات الإيمان، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} 1، وقد أضافها الله سبحانه إلى نفسه لشرفها وفضلها. عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بنى مسجدا لله تعالى (قال بكير: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله) بنى الله له بيتا في الجنة ". قال في نيل الأوطار: قول (من بنى لله مسجداً) ، يدل على أن الأجر المذكور يحصل ببناء المسجد، لا يجعل الأرض مسجداً من غير بناء، وأنه لا يكفي في ذلك تحويطة من غير حصول مسمى البناء، والتنكير في (مسجد) للشيوع، فيدخل فيه الكبير والصغير2. وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة لبيضها، بنى الله له بيتاً في الجنة" 3. قال في نيل الأوطار: حمل ذلك العلماء على المبالغة، لأن المكان الذي تفحصه القطاة

_ 1 سورة التوبة الآية (18) . 2 رواه مسلم1/378 ح533. 3 نيل الأوطار: الشوكاني 2/165.

لتضع فيه بيضها وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة. وقيل هي على ظاهرها، والمعنى أنه يزيد في مسجد قدراً يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر، أو يشترك جماعة في بناء مسجد، فيقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر1. ومما يجب أن يراعى، إخلاص النية لله تعالى، فمن بنى للرياء والسمعة والمباهاة، فليس بانياً لله.

_ 1 رواه أحمد 1/241 مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وقال الساعاتي في الفتح الرباني 3/47: سنده جيد.

المسجد في الماضي

المسجد في الماضي: لقد حدد القرآن الكريم الغاية من خلق الإنسان، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 1، وبهذا المعنى يصبح مفهوم العبادة أعم وأشمل من أن يقتصر على الشعائر الخاصة كالصلاة والصوم والزكاة والحج، ويتعداه حتى يتناول حياة الإنسان كلها، بما فيها من حركات وسكنات، من فعل وكف عن فعل....... فالآية الكريمة قصرت الخلق على صفة العبادة وحدها ... ومتى استطاع الإنسان أن يجعل حياته كلها خالصة لله، كان عبداً ربانياً، ينال خير الجزاء، قال الله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} 2. وقد وجه القرآن الكريم المسلمين إلى الأسس التي عليها تقوم الحضارة، قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} 3، فجعل الصلاة أول تطبيق متى تم التمكن. وكان المسجد هو أول ثمار تمكين الله للمسلمين في الأرض، ومنه بدأ تاريخهم الحضاري ... فبعد أن مكن الله للإسلام والمسلمين بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واتخاذه منها قاعدة لبناء دولة الإسلام وحضارته،

_ 1 سورة الذاريات، الآية (56) . 2 سورة النساء، الآية (173) . 3 سورة الحج، الآية (41) .

كان أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم بناء مسجد قباء، ليكون ذلك تعبيراً عملياً عن الالتزام بإقامة الصلاة بعد توحيد الخالق، وعزماً على تنفيذ ما ألزمهم به ربهم. والمسجد هو مكان العبادة، مشتق من السجود، الذي فيه يكون العبد في غاية الخضوع بين يدي الله، ولا توجد جماعة عبر تاريخ الإنسانية الطويل، إلا وقد اتخذت لنفسها مكاناً للعبادة، عند القدماء أطلقوا عليها لفظ (معبد) و (البيعة) عند النصارى، و (الصلوة) عند اليهود...... بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم حياة الإسلام في المدينة بإقامة المسجد، ليكون شرياناً يغذي دولة الإسلام في أطوار نموها المختلفة، وليكون ذلك سنة للمسلمين من بعده، تحمل في طياتها مكانة المسجد، ودوره في بناء وتطور المجتمع المسلم. لقد كان المسجد في عهد النبوة وعصور الإسلام الأولى، هو منطلق الدعوة إلى التوحيد، ومصدر إشعاع فكري وأخلاقي وتربوي وأدبي واجتماعي. تلقى فيه المسلمون تعاليم دينهم، بعد أ، صاغهم القرآن، وتتلمذوا على يد خير الأنام صلى الله عليه وسلم. وفي المسجد يلتقي المسلمون كل يوم خمس مرات، فتتوثق بينهم الصلة، وفي اجتماعهم فرصة عظيمة لنشر العلم والفقه في الدين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيراً أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله، ومن دخل لغير ذلك،

كان كالناظر إلى ما ليس له" 1. ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على حضور مجالس العلم في المسجد فقال: ".... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت علهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.... " 2. والمسجد مركز إعلام للدفاع عن الإسلام، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة، أنشدك الله، هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يا حسان أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم أيده بروح القدس"، قال أبو هريرة: نعم3. والمسجد ساحة للتدريب على فنون القتال، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وهي خلفه، في رؤية الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد، قالت عائشة رضي الله عنها: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على باب حجرتي، والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم"4، واللعب بالحراب فيه تدريب على الشجاعة والمهارة عند لقاء العدو. والمسجد مستشفى يستقبل الجرحى والمصابين، عن عائشة رضي الله

_ 1 رواه أحمد 2/350 مسند أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الحاكم في المستدرك 1/91: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بجميع رواته ثم لم يخرجاه، ولا أعلم له علة. 2 رواه مسلم 3/2074 ح 2699، برقم (38) في الباب. 3 رواه البخاري 1/116 كتاب الصلاة، باب الشعر في المسجد. 4 رواه البخاري 1/117 كتاب الصلاة، باب أصحاب الحراب في المسجد.

عنها قالت: "أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلم يرعهم، وفي المسجد خيمة من بني غفار، إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، ماهذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات فيها"1. وقد كان في المسجد النبوي خيمة للسيدة (رفيدة) الصحابية، التي كانت تمرض الجرحى وتضمد جراحهم. وفي المسجد تقام مجالس الشورى، كما حدث قبيل غزوة أحد والأحزاب وغيرهما، وفيه تشاور الخلفاء الراشدون في شؤون السلم والحرب، وتكون مجالسهم من كبار المهاجرين والأنصار. وفي المسجد جلس الرسول صلى الله عليه وسلم ليقضي بين الخصوم، ويصلح بين الناس، ويفض منازعاتهم. والمسجد دار من لا دار له، يأوي إليه الغريب وابن السبيل، فيجد فيه المبيت والطعام والشراب والكساء، واستخدم كمعسكر لربط الأسرى حتى يقضى فيهم. عن أبي هريرة قال: " بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"22. واستخدم المسجد بأمر النبي صلى الله عليه وسلم داراً للضيافة، عن سفيان بن عطية

_ 1 رواه البخاري 1/119 كتاب الصلاة، باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم. 2 رواه البخاري 1/119.118 كتاب الصلاة، باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضاً في المسجد.

ابن ربيعة الثقفي، قال: قدم وفدنا من ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم، فضرب لهم قبة، وأسلموا في النصف من رمضان، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصاموا منه ما ستقبلوا منه، ولم يأمرهم بقضاء ما فاتهم"1. وهكذا كانت رسالة المسجد في الصدر الأول من الإسلام، رسالة شاملة تسعى في دأب إلى صنع المسلم المتكامل البناء، صحيح الاعتقاد، نقي السلوك. قال الدكتور القرضاوي2: "فكان المسجد النبوي مدرسة الدعوة الإسلامية الأولى، ودار الدولة الإسلامية الكبرى. تلك المدرسة التي فتحت أبوابها لمختلفي الأجناس من عرب وعجم، ومختلف الألوان من بيض وسود، ومختلفي الطبقات من أغنياء وفقراء، ومختلفي الأسنان من شيوخ وشباب وغلمان". وفسحت صدرها للمرأة تحضر الجماعة، وتشهد دروس العلم، في عصر كانت المرأة مخلوقاً لا حق له في العلم، ولا في مشاركة الرجل الحياة. مدرسة تلقن العلم والعمل، وتطهر الروح والبدن، وتبصر بالغاية والوسيلة، وتعرف الحق والواجب، وتعنى بالتربية قبل التعليم، وبالتطبيق قبل النظريات، وبتهذيب النفوس قبل حشو الرؤوس. فلا غرو أن تخرج من الخلفاء أمثال أبي بكر وعمر وعلي، ومن

_ 1 رواه البيهقي 4/269 كتاب الصيام، باب الرجل يسلم في خلال شهر رمضان، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/28: رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن إسحق وهو مدلس وقد عنعنه. 2 العبادة في الإسلام: يوسف القرضاوي ص 233.

القواد أمثال أبي عبيدة، خالد وعمرو، ومن القراء أمثال ابن مسعود وأبي ابن كعب، ومن العلماء أمثال زيد بن ثابت وابن عباس، ومن فضليات النساء، أمثال فاطمة وعائشة وحفصة وأم عمارة وأم سليم. كان المسجد المحمدي مدرسة الدعوة، وكان كذلك دار الدولة، فيه يهيئ النبي صلى الله عليه وسلم العمل للعاطل، والعلم للجاهل، والمعونة للفقير، ويرشد إلى الأمور الصحية والاجتماعية، ويذيع الأنباء التي تهم الأمة، ويلتقي بسفراء الدول، ويرتب جنود المعارك في الحرب، ويبعث الدعاة والمندوبين في السلم. هكذا كان المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وظل كذلك في عهد أصحابه ومن تبعهم بإحسان.

ما يمكن أن يؤديه المسجد في هذا العصر من وظائف

ما يمكن أن يؤديه المسجد في هذا العصر من وظائف: لا يزال المسجد قائماً يستقبل المصلين، يؤدي دوره في حياة المسلمين بما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم. ولكن نظرة متأملة في واقع المسجد اليوم مقارناً بمكانة المسجد ودوره الذي رسم منهجه سلفنا الصالح، نرى هوة كبيرة بين ماكان، وما هو عليه اليوم. وليس ذلك إلا لما حدث للمسجد من تجريده من الطاقات التي تمكنه من العمل في بناء الفكر الصحيح والقلب الواعي، وتصحيح ما انتشر من مفهومات خاطئة. ولا عجب أن نرى المحاكم في أنحاء العالم الإسلامي، وقد اكتظت بالقضايا والمنازعات، وتفشي الظلم في كل مكان، وليس غريباً أن نرى شباباً يدمرهم الانحراف، ومجتمعات كاملة تموت جوعاً وفقراً.... إن كل ذلك وأكثر منه حدث، عندما سلبت حقوق المسجد، واقتصر دوره على جزء من كل، فبات العالم مهدداً بالخراب والدمار.... إن مسجد الأمس، قد بنى دولة للإسلام، امتدت جذورها ضاربة في المشرق والمغرب، ومسجد اليوم نرجو أن يقوم بأعبائه كاملة، كما كان عليه المسجد في الماضي، حتى لا يفقد سلطانه على النفوس، وحتى يستطيع أن يبلغ رسالة الله، وأن يحكم نظام الإسلام في كل شيء، وليجمع أشلاء مامزقته التجارب البشرية المقطوعة عن طريق الوحي بعيداً عن التيارات الدخيلة التي نكبت العالم بما نشرت من سموم. ولن يستطيع المسجد أن يستعيد مكانته ويحقق رسالته التي أنشئ لها

من أول يوم أول مسجد أسس على التقوى، إلا إذا خلصت النية لله تعالى، وتضافرت الجهود، وأزيلت المعوقات التي تعطل المسجد عن القيام بمهمته.... وينبغي أن تكون قاعة الصلاة، بحيث تتسع للمصلين، مفروشة بفراش يتناسب مع جلال المسجد، مزودة بمكبرات للصوت، ثم مكتبة عامرة بأمهات الكتب الإسلامية في مختلف العلوم والفنون مزودة بهاتف، ليسهل تبادل الاتصال بين المسجد والحي. وينبغي أن يخصص في المسجد مكان للسيدات لأداء الصلاة، والاستفادة من المحاضرات والدروس، بحيث لا يختلطن فيه مع الرجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله "1. ثم تلحق بالمسجد قاعة ثالثة يجتمع فيها أهل الفكر والرأي لمناقشة حاجات المسجد ومشاكل الحي، فيها تفض الخصومات، ويعقد النكاح، فيكون ذلك مدعاة للترابط بين أفراد المجتمع، ودفعاً للسرف والبدع التي تصاحب النكاح. ولا بأس أن يلحق بالمسجد وحدة علاجية لعلاج الحالات العاجلة..... إن الإسلام عندما يؤكد على عمران المساجد حسياً ومعنوياً، إنما يهدف إلى توفير وسائل التوعية الدائمة لإقامة المجتمع الصالح. ولكي يتحقق ذلك، فلا بد من إعداد الأئمة ومساعديهم ورفع كفاياتهم علمياً وثقافياً، وتعميق فكرهم بروح الشريعة الإسلامية ليتمكنوا من معالجة ما يطرح من قضايا تتجدد مع تطور الحياة التبشرية يوماً بعد يومٍ.

_ 1 رواه مسلم 1/327 ح 442 برقم (136) في الباب.

وينبغي أن يكون الداعية في المسجد على قناعة تامة بما يزاول من عمل، وأن يكون لديه دوافع للعطاء لخدمة دينه وأمته، مع وضوح الفكر وطلاقة اللسان، وإجادة الحوار والمناظرة، وأن تتسم نفسه بالسماحة وسعة الأفق وحسن العشرة، وأن يكون دائماً قدوة حسنة للناس، لذا ينبغي اختيار من غرف فيهم التدين الصادق. وحتى يتفرغ القائمون على الدعوة في المساجد لإصلاح المجتمع وتربيته، فمن الضروري النهوض بهم اجتماعياً واقتصادياً، فينبغي أن يعلى شأنهم في كل وسائل الإعلام، وأن تعالج أوضاعهم الاقتصادية، حتى لا ينشغلوا بأمور حياتهم المادية عن تحقيق أهدافهم الكبرى. وينبغي أن تعقد لهم الدورات واللقاءات والمؤتمرات، مع كبار العلماء، ليتبادلوا فيها الفكر، وليسيروا وفق منهج شرعي مدروس يخدم الإسلام والمسلمين. والعمل المنظم الذي يسبقه التخطيط، ويتابع في التنفيذ، يكتب له النجاح بإذن الله، ولقد زاحم المسجد كثير من المؤسسات الاجتماعية، ونافسته في دوره الذي كان يستقل به، حيث توافرت لها الإمكانات المادية والبشرية والفنية، مما ساعدها على وضع البرامج والخطط، وصياغة الحياة بأساليب جديدة. فقامت المدرسة إلى جانب المسجد، وأصبحت هي المسؤولة عن تربية النشء وتعليمه، إلى غير ذلك من المؤسسات التي تجاوزت حد المزاحمة والمنافسة، إلى المناهضة والمقاومة لدور المسجد، فبدأ واقع الناس يتغير شيئاً فشيئاً.....

لذا كان من الضروري لعمل المسجد أن يسبقه تخطيط، ثم تنفيذ ومتابعة، بما يتناسب مع حاجة المجتمع والعصر، فهناك مجتمع تنتشر فيه الخرافات والمعتقدات الفاسدة، ومجتمع تنتشر فيه الفوضى والإباحية.... فعلى المسجد دراسة هذه الظواهر، وعلاجها، وفق منهج علمي مدروس.

السبل التي تربط المجتمع بالمسجد

السبل التي تربط المجتمع بالمسجد: يعتبر المسجد أساساً من أسس بناء المجتمع والجماعة المسلمة، ولهذا كان أول عمل عمله الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، بناء مسجد قباء، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يغير على قوم وجد فيهم مسجداً، أو سمع منهم أذاناً. عن عصام المزني - وكانت له صحبة - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا بعث جيشاً أو سرية يقول لهم: "إذا رأيتم مسجداً وسمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً" 1. فللمسجد مكانته الاجتماعية التي توجب على المسلمين في كل عصر الحرص على وجوده والعناية به، فينبغي العناية ببناء المساجد وتعميرها، وبذل الجهد والمال في سبيل ذلك. وينبغي أن يشتمل نشاط المسجد على نشر العلم والفقه في الدين، من خلال المحاضرات العامة، والدروس، وإقامة حلق تحفيظ القرآن الكريم.... وينبغي الحرص على الترابط والتآلف من خلال تفقد المصلين، ودراسة أحوالهم، وعلاج مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية، بتحقيق التكافل الاجتماعي من خلال إنشاء صندوق للتبرعات والهبات، وجمع الزكاة وإعطائها لمستحقيها، وإصلاح ذات البين، والعمل على بناء أسرة مسلمة، ومجتمع صالح.

_ 1 رواه الترمذي 4/120 ح 1549، وقال: حديث غريب، وهو حديث ابن عيينة.

لهذا كان من الضروري أن تكون الرابطة بين البيت والمسجد رابطة وثيقة، يسعى فيها أبناء البيت إلى المسجد خمس مرات في اليوم والليلة، يتخلل هذا اللقاء المتجدد روح التعاون والتفاهم والوقوف صفاً واحداً، ويتلقى فيه المسلمون العلم النافع، من خلال سماع الموعظة والخطبة، وحضور مجالس العلم والذكر، ومجالسة أهل الصلاح والخير، ويتعرفون على واقعهم، وما استجد من أمور، ويتبادلون الرأي والمشورة، ويعرضون الحلول، وفق منهج صحيح، يستمد أسسه وقواعده من القرآن الكريم والسنة المطهرة.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع: - أحكام الجنائز - الأمين الحاج محمد أحمد - ط1- 1406 هـ - دار المطبوعات الحديثة - جدة - أحكام الجنائز - عبدا لله بن جار الله بن إبراهيم - ط 3 - 1412 هـ - مكتبة دار السلام - الرياض. - أحكام الجنائز وبدعها - محمد ناصر الدين الألباني - ط 1 -1388 هـ ـالمكتب الإسلامي - بيروت. - أحكام السفر في الإسلام - علي يحي معمر - ط 2 - 1397 هـ مكتبة وهبة - بعابدين القاهرة. - أحكام العيدين في السنة المطهرة - علي حسن علي عبد الحميد - ط 1 - 1405 هـ - المكتبة الإسلامية - عمان الأردن. - أحكام العيدين وعشر ذي الحجة - د/ عبد الله بن محمد الطيار - ط 1 - 1413 هـ - دار العاصمة - الرياض. - أحكام القرآن لابن العربي - تحقيق علي محمد البجاوي - ط 2 - 1388 هـ - عيسى البابي الحلبي. - أحكام القنوت - عدنان العرعور - ط 1 - 1413 هـ - دار الراية. - أحكام المساجد في الإسلام - محمود بن حسين الحريري - ط 1 ـ 1411 هـ - دار الرفاعي - الرياض.

- إحياء علوم الدين – أبي حامد الغزالي – عالم الكتب – مكتبة عبد الوكيل الدوربي – دمشق. - أخي الكريم يا من فقدناه في صلاة الجماعة – د/ عبد الله السكاكر – ط1 – 1412هـ دار الوطن – الرياض. - أربح البضاعة في صلاة الجماعة – نبيل بن منصور بن يعقوب البهارة – دار الدعوة (13) . - أربع مسائل في صلاة المسافر - غسان بن يوسف البرقاوي – ط1، ط2 – 1403هـ - دار الخلفاء للكتاب الإسلامي – الكويت. - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري وبهامشه صحيح مسلم بشرح النووي – القسطلاني – دار إحياء التراث العربي – بيروت. - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل – محمد ناصر الدين الألباني إشراف / زهير الشويش. - أسئلة وأجوبة في صلاة العيدين – للشيخ محمد بن صالح العثيمين – ط1 1412هـ - دار الوطن – الرياض. - إسعاف الملهوف في بيان أحكام صلاة الكسوف – أبي عمر حادي بن سالم الحاي – ط1 – 1408هـ - الدار السلفية – الكويت. - إسعاف أهل العصر بما ورد في أحكام الوتر – د/ فيحان بن شالي المطيري – ط1 – 1405هـ دار المدني – جدة. - إعلام العابد في حكم تكرار الجماعة في المسجد الواحد – مشهور حسن محمود سلمان – 1409هـ.

- إعلام الحديث في شرح صحيح البخاري – تحقيق محمد بن سعد آل سعود – ط1 – 1409هـ جامعة أم القرى. - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان – تأليف أبي حاتم بن حبان البتي ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي تحقيق شعيب الأرنؤوط – ط1 – 1408هـ - مؤسسة الرسالة – بيروت. - الإحكام شرح أصول الأحكام – عبد الرحمن بن محمد قاسم الحنبلي النجدي – ط1 – 1375هـ - ط2 – 1406هـ. - الأذكار النووية – تحقيق محي الدين مستو – ط1 – 1407هـ دار ابن كثير – دمشق. - الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية – جلال الدين السيوطي – ط1 – 1399هـ - بيروت لبنان – دار الكتب العلمية. - الأم – محمد بن إدريس الشافعي – ط2 – 1393هـ دار المعرفة – بيروت – لبنان. - الإنباه إلى حكم تارك الصلاة – أبي محمد عبد الله بن مانع – ط1 – 1412هـ دار ابن خزيمة. - الإنصاف للمرداوي – تحقيق محمد حامد الفقي – ط2 – 1406هـ دار إحياء التراث العربي – بيروت. - التحقيقات العلي في إثبات فرضية الجمعة في القرى – محمد شمس الحق العظيم أبادي – ط1 – 1408هـ - مؤسسة المجمع العلمي – باكستان. - التغيب والترهيب – الحافظ المنذري – ط3 – 1388هـ - مطبعة مصطفى

البابي الحلبي – مصر. - التقريب لعلوم ابن القيم – بكر بن عبد الله أبو زيد – ط1 – 1411هـ - دار الراية – الرياض. - الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح – لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – ط1 – 1411هـ دار الأفق – الرياض. - الحياة في محراب الصلاة – عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي – ط1- 1400هـ - مكتبة الحرمين الرياض. - الذيل على موسوعة أطراف الحديث النبيوي الشريف – أبو هاجر محمد زغلول –ط1 1414هـ - مكتبة الغرباء الأثرية المدينة. - الشرح الممتع على زاد المستقنع – الشيخ محمد بن صالح العثيمين – ط1 1414هـ - مؤسسة أسام الرياض. - الصلاة – عبد الملك على الكليب – ط6 1404هـ مكتبة المعارف الرياض. - الصلاة عماد الدين – د/ حسن الترابي – ط1 1391هـ. - الصلاة فقهها – أسرارها – تعلم كيفياتها – محي الدين مستو – ط4 – دار القلم دمشق بيروت. - الصلاة في القرآن مفهومها وفقهها – د/ فهد بن عبد الرحمن الرومي – ط1 1409هـ - الرياض.

- الصيام – د/ عبد الله بن محمد الطيار – ط1 1412هـ - مكتبة التوبة الرياض. - العبادة في الإسلام – د/ يوسف القرضاوي – ط3 1393هـ - مؤسسة الرسالة بيروت. - الغسل والكفن – أبو عبد الله مصطفى العدوي – 1413هـ - دار أهل الحديث الرياض. - الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل مع شرحه بلوغ الأماني أسرار فتح الرباني – أحمد عبد الرحمن البنا (الساعاتي) – دار الشهاب القاهرة. - الفقه على المذاهب الأربعة – عبد الرحمن للجزيري – ط3- دار إحياء التراث العربي بيروت. - القول المبين في أخطاء المصلين – مشهور حسن سلمان – ط1 1412هـ - دار ابن القيم الدمام. - الكافي في فقة الإمام أحمد بن حنبل – ابن قدامة المقدسي، تحقيق زهير الشويش – ط2 – 1399هـ المكتب الإسلامي – دمشق بيروت. - الكامل في ضعفاء الرجال – عبد الله بن عدي الجرجاني – تحقيق لجنة من المتخصصين بإشراف الناشر دار الفكر بيروت – 1405هـ. - المجموع شرح المهذب – النووي. - المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي – 1411هـ - مركز صالح بن صالح الثقافي – عنيزة.

- المسافر وما يختص به من أحكام العبادات - د/ أحمد الكبيسي - 1409هـ. - المستدرك علي الصحيحين في الحديث - محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم - مكتبة المعارف - الرياض. - المسجد ونشاطه الاجتماعي علي مدار التاريخ - عبد الله قاسم الوشيلي - ط1 - 1410هـ - مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت. - المسند للإمام أحمد بن حنبل - أحمد محمد شاكر - ط4 - 1373هـ - دار المعارف - مصر. - المصابيح في صلاة التراويح للسيوطي - ت/ علي حسين علي عبد الحميد - ط1 - 1406هـ - دار القبس، دار عمار - عمان. - المعتمد في فقه الإمام أحمد - ت/ علي عبد الحميد بلطة جي و/ محمد وهبي سليمان - ط1 - 1412هـ - دار الخير - بيروت. - المعجم الأوسط للطبراني ت/ د/ محمود الطحان - ط1 - 1405هـ -مكتبة المعارف مصر. - المعجم الصغير للطبراني ويليه رسالة غنية الألمعي - لأبي الطيب شمس الحق العظيم آبادي - 1403هـ - دار الكتب العلمية - بيروت. - المعجم الكبير للطبراني - ت/ حمدي عبد المجيد السلفي. - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي - تأليف لفيف من المستشرقين - نشره د/ أ. ي. و - مكتبة بريل - مدينة ليدن. - المغني - ابن قدامة المقدسي - مكتبة الجمهورية العربية - القاهرة. - المفيد في تقريب أحكام المسافر - من فتاوي الشيخ عبد الله بن الجبرين،

جمعها/ محمد بن عبد الرحمن العريفي - ط1 - 1415÷ت دار الوطن - الرياض. - الملخص الفقهي - صالح بن فوزان آل فوزان - ط1 - 1415هـ- دار ابن الجوزي - الدمام. - الممنوع والجائز من أحكام الجنائز - عبد العزيز المسيند - ط1 - 1413هـ. - المنهج الأسعد في ترتيب أحاديث مسند الإمام أحمد - إعداد عبد الله ناصر عبد الرشيد - ط1- 1411هـ - طيبة - الرياض. - الموطأ للإمام مالك - الإمام مالك - 1401هـ - دار الدعوة - استانبول - طبعة الكتب الستة. - الوسيط في رسالة المسجد العسكرية - محمود شيت خطاب - ط7 - 1401هـ - دار القرآن الكريم - بيروت. - بدائع الصنائع - علاء الدين بن مسعود الكاساني - ط2 - 1402هـ دار الكتاب العربي - بيروت. - بدائع الفوائد - ابن قيم الجوزية - دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - محمد بن أحمد رشد القرطبي - 1386هـ - بن شيبة الحمد - 1400هـ. - بلوغ المرام من أدلة الأحكام لابن حجر - علق عليه محمد حامد الفقي. - تبيين المسالك - عبد العزيز حمد الإحسائي - ط1 - 1407هـ دار الغرب

الإسلامي - بيروت. - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي - محمد عبد الرحمن المباكفوري، صححه/ عبد الوهاب عبد اللطيف - ط3 - 1399هـ - دار الفكر- بيروت. - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي مع النكت الظراف علي الأطراف لابن حجر - إشراف/ زهير الشاويش - ط2 - 1403هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - تحفة الراكع والساجد في أحكام المساجد - أبي بكر بن زيد الجراعي الحنبلي ت/ الشيخ طه الولي - ط1 - 1401هـ المكتب الإسلامي - بيروت. - تحفة المريض - عبد الله بن علي الجعثين - ط1 - 1415هـ - دار الوطن - الرياض. - تذكرة الغافل ب-: فضل النوافل - عبد الله بن جار الله - ط1 - 1411هـ دار الكتاب والسنة - باكستان. - تسلية أهل المصائب - محمد بن محمد المنبجي الحنبلي ت/ بشير محمد عيون - ط1 - 1403هـ - مكتبة دار البيان - دمشق. - تعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي، ت: د/ عبد الرحمن الفريوائي - ط1 - 1406هـ - مكتبة الدار - المدينة المنورة. - تعليم الصلاة - محمد محمود الصواف - ط20 - 1397هـ - دار الاعتصام - القاهرة. - تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل - محمد بن مسعود الفراء البغوي

ت/ خالد العك، مروان سوار - ط1-1406هـ - دار المعرفة - بيروت - لبنان. - تفسير غريب الحديث - لابن حجر - دار المعرفة - بيروت - لبنان. - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر - علق عليه / السيد عبد الله اليماني المدني - 1384هـ - المدينة المنورة - الحجاز. - جمع الصلاتين للبرد - فريح بن صالح البهلال ط1-1414هـ. - حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع - عبد الرحمن بن قاسم النجدي - ط2- 1403هـ. - حاشية رد المحتار- لابن عابدين - ط2-1399هـ - دار الفكر- بيروت. - حكم تارك الصلاة وكيف تصلي - أحمد عيسى عاشور - ط7- 1397هـ - دار الاعتصام - القاهرة. - حكمة وجوب الصلاة - مكتبة الفلاح - الاحساء الهفوف. - رسالة الصلاة - الإمام أحمد بن حنبل - ط5 -1400هـ - المطبعة السلفية ومكتبتها - القاهرة. - رسالة الصلاة أوقاتها. كيفيتها. أنواعها. الشيخ محمد عبد الرازق حمزة - دار الاعتصام - القاهرة. - رسالة الصلاة في بيان حكم تاركها والمتهاون بها - عبد الله بن علي الحضرمي. رسالة في حكم تارك الصلاة - الشيخ/ محمد الصالح العثيمين - إصدار الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالقصيم.

- روح الصلاة في الإسلام - عفيف عبد الفتاح طبارة - ط8 -1978م - دار العلم للملايين - بيروت. - روضة الطالبين وعمدة المفتين - النووي - ط2 - 1405هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - زاد المسافر- سالم فهد المفتاح - الدار السلفية - الكويت - ط2 - 1404هـ. - زاد المعاد في هدى خير العباد - لابن القيم الجوزية ت/ شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط - ط7 - 1405هـ - مؤسسة الرسالة - بيروت. - سبعون سؤالا في أحكام الجنائز- الشيخ/ محمد صالح العثيمين - ط1 - 1413هـ دار المسلم. سلسلة الأحاديث الصحيحة - محمد ناصر الدين الألباني - ط11 - 1392هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - سلسلة الأحاديث الضعيفة - محمد ناصر الدين الألباني - ط11 - 1399هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - سلسلة كتاب الدعوة فتاوى - الشيخ/ محمد صالح العثيمين - ط1 - 1414هـ السعودية - الرياض. - سنة الجمعة - تصنيف/ ابن تيمية، تحقيق/ أبي عبد الله سعد المزعل - دار الخلفاء للكتاب الإسلامي. - سنن ابن ماجة - ابن ماجة - 1401هـ دار الدعوة - طبعة الكتب الستة. - سنن أبي داود - أبي داود - 1401هـ دار الدعوة - طبعة الكتب الستة. - سنن الترمذي - الترمذي - 1401هـ دار الدعوة - طبعة الكتب الستة. - سنن الدارقطني - تحقيق/ السيد عبد الله يماني المدني.

- وبذيله التعليق المغني على الدارقطني - لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي - 1386هـ - طبع بالمدينة المنورة - الحجاز. - سنن الدارمي - الدارمي - 1401هـ - دار الدعوة - طبعة الكتب الستة. - سنن النسائي - النسائي - 1401هـ - دار الدعوة - طبعة الكتب الستة. - شرح منتهى الإرادات - منصور بن يونس البهوتي - دار الفكر. - صحيح ابن خزيمة - محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي، تحقيق: د/ محمد مصطفى ألأعظمي - ط1 - 1395هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - صحيح البخاري - الإمام البخاري - دار الدعوة. - صحيح الجامع الصغير وزيادة (الفتح الكبير) - محمد ناصر الدين الألباني - ط2 1399هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - صحيح البخاري - الإمام البخاري - دار الدعوة. - صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - محمد ناصر الدين الألباني - ط2 - 1399هـ- المكتب الإسلامي - بيروت. - صحيح سنن ابن ماجة - محمد ناصر الدين الألباني - بتكليف من مكتب التربية العربي لدول الخليج ط1 - 1407هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - صحيح سنن أبي داود باختصار السند - محمد ناصر الدين الألباني - ط1 - 1409هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - صحيح سنن الترمذي باختصار السند - محمد ناصر الدين الألباني - ط1 - 1408هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - صحيح سنن النسائي باختصار السند - محمد ناصر الدين الألباني ط1 - 1409هـ- المكتب الإسلامي - بيروت. - صحيح مسلم - الإمام مسلم - دار الدعوة.

- صحيح مسلم بشرح النووي - الرحمن علم القرآن المطبعة المصرية ومكتبتها. - صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز والشيخ/ محمد صالح العثيمين - ط1 1412هـ دار العاصمة - الرياض. - صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم - فهد بن عبد الرحمن الشويب - ط2 - 1402هـ مكتبة ابن تيمية - الكويت. - صلاة التراويح - محمد ناصر الدين الألباني - ط2 - 1405هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - صلاة الجماعة - عبد الله السبت - ط3 - 1403هـ - الدار السلفية ـ الكويت. - صلاة الجماعة حكمها وأحكامها - أ. د. صالح بن غانم السدلان - ط2 - 1414هـ - دار الوطن - الرياض. - صلاة الضحى فضلها - وقتها - عدد ركعاتها - حمد بن إبراهيم الحريقي - ط1 - 1412هـ - دار الصميعي - الرياض. - صلاة العيدين في المصلى هي السنة - محمد ناصر الدين الألباني - ط2 - 1404هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - ضعيف الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) محمد ناصر الدين الألباني - ط2 - 1399هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - ضعيف سنن ابن ماجة - ضعف أحاديثه محمد ناصر الدين الألباني بتكليف مكتب التربية العربي ط1 ـ 1408هـ.

- ضعيف سنن أبي داود - ضعف أحاديثه محمد ناصر الدين الألباني بتكليف مكتب التربية العربي - ط1 - 1412هـ. - ضعيف سنن النسائي - ضعف أحاديثه محمد ناصر الدين الألباني - بتكليف مكتب التربية العربي - ط1 - 1411هـ. ضعيف سنن الترمذي - ضعف أحاديثه الألباني تعليق/ زهير الشاويش - ط1 - 1412هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - طرح التثريب في شرح التقريب - زين الدين أبي الفضل - دار إحياء التراث العربي. - عون المعبود شرح سنن أبي داود مع شرح الحافظ ابن قيم الجوزية - لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي - ط3 - 1399هـ - دار الفكر - لبنان - بيروت. - فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء - سماحة الشيخ/ عبد العزيز ابن باز، والشيخ/ محمد العثيمين، والشيخ/ عبد الله الجبرين، جمع وترتيب/ محمد بن عبد العزيز المسند - ط1 - 1412هـ - دار الوطن - الرياض. - فتاوى التعزية - الشيخ/ محمد صالح العثيمين - ط1 - 1413هـ - دار المجد. - فتاوى هيئة كبار العلماء - سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز، سماحة الشيخ محمد العثيمين وفتاوى اللجنة الدائمة وغيرهم، مكتبة التراث الإسلامي - بعابدين القاهرة.

- فتاوى ورسائل سماحة الشيخ/ محمد بن إبراهيم - ت/ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم - ط1 - 1399هـ - مطبعة الحكومة - مكة المكرمة. - فتح الباري بشرح صحيح البخاري - لابن حجر العسقلاني - المكتبة السلفية. - فتح القدير - محمد بن علي الشوكاني - بيروت. - فصول مهمة في حصول المتمة - على بن سلطان القاري، ت/ أحمد عبد الرازق الكبيسي. - فقه السنة- السيد سابق - ط8 - 1407هـ - دار الكتاب العربي - بيروت. - فقه العبادات - د/ عبد الجليل شلبي - ط1 - 1401هـ دار الشروق - القاهرة. - فهارس أحاديث الموطأ - جمع وترتيب/ خالد الخراز وفيصل بن فارس الشامي - ط1 - 1408هـ - دار طيبة - الرياض. - فهارس الفتح الرباني شرح وترتيب مسند الإمام أحمد - أبو هاجر محمد زغلول - 1410هـ - دار الجيل - بيروت. - فهارس تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي - جمع/ محمد عبد القادر عطا - ط1 1410هـ - مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.

- فهارس تلخيص الحبير- إعداد/ يوسف عبد الرحمن المرعشلي - ط1 - 1406هـ - دار المعرفة - بيروت. - فهارس سنن ابن ماجة - تحقيق/ محمد فؤاد عبد الباقي - ط1 - 1407هـ - دار الكتب العلمية - بيروت. - فهارس سنن الترمذي - تحقيق/ أحمد محمد شاكر - ط1 - 1406هـ - دار البشائر الإسلامية - بيروت. - فهرس أحاديث مسند الإمام أحمد - أبو هاجر محمد زغلول - دار الكتب العلمية - بيروت - ط1 - 1405هـ. - في ظلال القرآن - سيد قطب - ط10 - 1401هـ - دار الشروق - القاهرة. - فيض القدير شرح الجامع الصغير على الجامع الصغير للسيوطي - المناوي - ط2 - 1391هـ - دار المعرفة - بيروت. - قبل أن تصلي - أنس بن عبد الحميد القوز - ط1 - 1412هـ - مكتبة دار السلام - الرياض. - كتاب الأصل المعروف بالمبسوط - محمد بن الحسن الشيباني - تعليق/ أبو الوفا الأفغاني - إدارة القرآن والعلوم الإسلامية - باكستان. - كتاب الجمعة للنسائي - ت/ أبو هاجر السعيد زغلول - مكتبة التراث الإسلامي - القاهرة. - كتاب الجنائز - محمد بن محمد البشري - دار الضياء - الرياض.

- كتاب الدعوة - الفتاوى - لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز - ط1- 1408هـ - مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية السعودية. - كتاب السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي لابن التركماني - ط1 - 1344هـ - دار المعرفة - بيروت. - كتاب الصلاة وحكم تاركها - لابن القيم الجوزية - ط1 - 1401هـ - المكتب الإسلامي - دمشق - بيروت. - كتاب الضعفاء الكبير للعقيلي - حققه د/ عبد المعطي أمين قلعجي - ط1 - 1404هـ - دار الكتب العلمية - بيروت. - كيف يتطهر المؤمن ويصلي – أبو بكر الجزائري. - لذة المناجاة - طابيس ألجميلي - ط1 - 1399هـ - مطابع مقهوى - الكويت. - لماذا أصلى – عبد الرؤوف الحناوي - ط2 - جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي - الإمارات. - مجلة البحوث الإسلامية - إشراف الشيخ/ عبد العزيز بن باز - 1396هـ - السعودية - الرياض. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - للهيثمي - ط2 - 1402هـ - دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - جمع/ عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم النجدي - طبع تحت إشراف الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين.

- مجموعة دروس وفتاوى الحرم المكي - للشيخ/ محمد بن صالح العثيمين - إعداد/ رزق السيد حسين، مسعد شعير وحسين إبراهيم زهران - دار اليقين - المنصورة - مصر. - مجموعة رسائل مفيدة في مواقيت الصلاة وغيرها - للشيخ/ محمد العثيمين - 1403هـ. مختصر أحكام الجنائز/ الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان - ط2 - 1413هـ - دار العاصمة - الرياض. - مختصر سنن أبي داود للمنذري ومعالم السنن للخطابي وتهذيب الإمام ابن قيم الجوزية - تحقيق/ أحمد شاكر، محمد ألفقي - دار المعرفة - بيروت. - مختصر منهاج القاصدين - لابن قدامة المقدسي - ط3 - 1389هـ - المكتب الإسلامي - دمشق. - مشكاة المصابيح للتبريزي - تحقيق/ محمد ناصر الدين الألباني - ط1- 1381 هـ - ط2 - 1399هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. - مفتاح الصحيحين بخاري ومسلم - محمد الشريف بن مصطفى التوقادي - ط2 - 1395هـ - دار الكتب العلمية - بيروت. - من أحكام الصلاة - الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين - ط1 1413هـ - دار المسلم - الرياض. - من أحكام المريض وآدابه والوصايا الطبية النافعة - عبد الله بن جار الله الجار الله - لجنة أصدقاء المرضى.

- من محاسن الدين الإسلامي - عبد العزيز ألمحمد السلمان - 1406هـ - مطابع الأمن العام - السعودية. - من مخالفات الطهارة والصلاة وبعض مخالفات المساجد - عبد العزيز ابن محمد السدحان - ط4 - 1412هـ - دار الرياض. - موارد الظمآن لدروس الزمان - عبد العزيز ألمحمد السلمان - ط20 - 1413هـ. - مواقيت الصلاة - الشيخ/ محمد صالح العثيمين - 1412هـ - مكتبة الطرفين - الطائف. - موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف - أبو هاجر محمد زغلول - ط1 - 1410هـ - عالم التراث - بيروت. - نيل الأوطار - محمد بن علي الشوكاني - مطبعة مصطفى الحلبي - مصر. وأقيموا الصلاة - المطبعة السلفية ومكتبتها - القاهرة.

§1/1