الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فضلها ومعناها وكيفيتها ومواضعها والتحذير من تركها

شحاتة صقر

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. أما بعد: فإن خيرَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. فهذه رسالة في (الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -) جُمِعَتْ من كلام أهل العلم؛ نُوَفّي بها بعض حقه - صلى الله عليه وآله وسلم - علينا؛ فإن أعظم النعم التي تفضل الله بها علينا أن جعلنا من أمة الإسلام، ومن أمة هذه الحبيب - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهو - صلى الله عليه وآله وسلم - البشير النذير، والسراج المنير، والرءوف الرحيم بأمته، العطوف بهم، الحريص عليهم. والحديث عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - مفتاح القلوب وبهجة النفوس، وأسعدُ الناس من يُوَفَّق في عبادته لله بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإنها من أجَلّ العبادات التي يتقرب بها العبد إلى مولاه - عز وجل -، وينال بها مناه في الدنيا والآخرة. وإن أولى الناس بشفاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم القيامة أكثرهم صلاة عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعملًا بشريعته، وتمسكًا بسنته - صلى الله عليه وآله وسلم -. والمُكْثِرُ من الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يضرب البرهان الساطع والدليل القاطع على محبته لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يبشره بأنه مع من أحب. فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحبَّ قوماً، ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ». (رواه البخاري ومسلم) وليس لي من عمل في هذه الرسالة إلا الجمع والترتيب، والبحث عن صحة الأحاديث في كتب الشيخ الألباني - رحمه الله -. ومعظم هذه الرسالة من كتاب (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) للإمام ابن القيم - رحمه الله -، واللهَ نسأل أن ينفع المسلمين بهذه الورقات وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن. اللهم ارزقنا حُبَّك وحُبَّ رسولِك - صلى الله عليه وآله وسلم -، واللهم اجعل حُبَّك وحُبَّ رسولِك - صلى الله عليه وآله وسلم - أحبَّ إلينا من المال والأهل والولد، ووفقنا لنصرة دينه، وارزقنا مرافقته في الجنة تفضلاً منك وإحساناً. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وأمينِه على وحْيِه ـ سيدنا وإمامنا ونبينا محمد بن عبد الله ـ وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. شحاتة محمد صقر [email protected]

أمر الله - عز وجل - بالصلاة والسلام على نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -

أَمْرُ الله - عز وجل - بالصلاة والسلام على نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - قال الله - عز وجل -: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]. قال أبو العالية: صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء. وقال ابن عباس: يصلون: يبرِّكون. (رواه البخاري) يُبَرِّكُونَ عَلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: أَيْ يَدْعُونَ لَهُ بِالْبَرَكَةِ. وقال الإمام الترمذي - رحمه الله -: ورُوِيَ عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب: الرحمة، وصلاة الملائكة: الاستغفار. والمقصود من هذه الآية: أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه. ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعًا.

حكم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

فإذا كان مولانا - سبحانه وتعالى - في عظمته وكبريائه، وملائكته في أرضه وسمائه يصَلّون على النبي الأمي - صلى الله عليه وآله وسلم - إجلالاً لقدره، وتعظيماً لشأنه، وإظهاراً لفضله، وإشارة إلى قُربه من ربه، فما أحرانا نحن المؤمنين أن نُكثِر من الصلاة والسلام عليه امتثالاً لأمر الله - سبحانه وتعالى -، وقضاءً لبعض حقه - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فقد أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، وهدانا به إلى الصراط المستقيم، وجعلنا به من خير الأمم، وفضلنا به على سائر الناس أجمعين، وكتب لنا به الرحمة التي وسعت كل شيء {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف:156 - 157]. فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، والحمد لله أن جعلنا من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -. حكم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في مدى مشروعيّة هذه الصلاة أقوال: أحدها: تجب في العمر مرة، في الصلاة أو في غيرها، ككلمة التوحيد؛ لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكرارًا. والماهية تحصل بمرة. قال القاضي عياض وابن عبد البر: وهو قول جمهور الأمة. والثاني: أنه يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد. والثالث: تجب كلما ذُكر. والرابع: تجب في كل صلاة في تشهدها الأخير. والخامس: إنها مستحَبّة وليست واجبة. وهناك أقوال غيرها. مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - 1 - في الصلاة في آخر التشهد: وقد أجمع المسلمون على مشروعية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الموضع واختلفوا في وجوبها فيه. وقد استدل من قال بوجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «عَجِلَ هَذَا» ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ ـ جَلَّ وَعَزَّ ـ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ». (صحيح رواه أبو داود). وسمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رجلا يصلي فمجَّد الله وحمِدَه وصلى على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ادْعُ تُجَبْ وسَلْ تُعْطَ» (رواه النسائي بسند صحيح) 2 - في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية: لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - أنه أخبره رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أن السُّنَّة في الصَّلَاةِ علَى الجنَازةِ أنْ يُكَبِّر الإمَامُ، ثُمَّ يَقْرَأَ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبيرة الأولَى سِرًّا في نفْسِه، ثم يُصَلِّي على النَّبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ... » (صحيح رواه النسائي وغيره) 3 - يوم الجمعة: فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ؛ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟ ـ يَقُولُونَ: بَلِيتَ ـ فَقَالَ: «إِنَّ الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» (صحيح رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه). (فِيهِ النَّفْخَة): أَيْ النَّفْخَة الثَّانِيَة الَّتِي تُوصِل الْأَبْرَار إِلَى النِّعَم الْبَاقِيَة.

(وَفِيهِ الصَّعْقَة): أَيْ الصَّيْحَة وَالْمُرَاد بِهَا الصَّوْت الْهَائِل الَّذِي يَمُوت الْإِنْسَان مِنْ هَوْله وَهِيَ النَّفْخَة الْأُولَى. (فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاة فِيهِ): أَيْ فِي يَوْم الْجُمُعَة لِكَوْنِ إشْغَال الْوَقْت الْأَفْضَل بِالْعَمَلِ الْأَفْضَل هُوَ الْأَكْمَل وَالْأَجْمَل وَلِكَوْنِهِ سَيِّد الْأَيَّام فَيُصْرَف فِي الصلاة على سَيِّد الْأَنَام - صلى الله عليه وآله وسلم -. (فَإِنَّ صَلَاتكُمْ مَعْرُوضَة عَلَيَّ) أَيْ هِيَ مَعْرُوضَة عَلَىَّ كَعَرْضِ الْهَدَايَا عَلَى مَنْ أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ؛ فَهِيَ مِنْ الْأَعْمَال الْفَاضِلَة وَمُقَرِّبَة لَكُمْ إِلَيَّ كَمَا تُقَرِّبُ الْهَدِيَّة الْمُهْدِي إِلَى الْمُهْدَى إِلَيْهِ. (قَالَ): أَيْ أَوْس الرَّاوِي (يَقُولُونَ): أَيْ الصَّحَابَة. (حَرَّمَ عَلَى الْأَرْض أَجْسَاد الْأَنْبِيَاء): أَيْ مَنَعَهَا مِنْ أَنْ تَأْكُلهَا فَإِنَّ الْأَنْبِيَاء فِي قُبُورهمْ أَحْيَاء. قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الأنْبِيَاءُ أحْيَاءٌ في قُبُورِهِمْ يُصَلّونَ». (صحيح رواه أبو يعلى والبزار) والحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء - عليهم السلام - إنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء، ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا. هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الأمر: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - في قبره حياة حقيقية!! فقالوا: إنه يأكل ويشرب ويجامع نساءه!!! ويستقبل الزائرين ويصافحهم!!! ونحو ذلك. فحياة الأنبياء في قبورهم إنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله - سبحانه وتعالى -. وقد قال الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ _ (الزمر:30)، وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}. (الأنبياء:34) مع يقيننا الصادق أن روحه - صلى الله عليه وآله وسلم - في أعلى الجنان، وأن الله حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء، وأن الحياة البرزخية تختلف عن الحياة الدنيا وعن الحياة الآخرة. فإن بين الأحياء والأموات حاجز يمنع الاتصال فيما بينهم قطعيًا؛ وعلى هذا فيستحيل الاتصال بينهم لا ذاتًا ولا صفات، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (المؤمنون:100) والبرزخ معناه: الحاجز الذي يحول دون اتصال هؤلاء بهؤلاء.

4 - بعد سماع الأذان: فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا الله لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ؛ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» (رواه مسلم). (الْوَسِيلَة) قَدْ فَسَّرَهَا - صلى الله عليه وآله وسلم - بِأَنَّهَا مَنْزِلَة فِي الْجَنَّة. وَقَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَة) أَيْ وَجَبَتْ، وَقِيلَ: نَالَتْهُ. تنبيه: هذا أمر من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالصلاة عليه بعد الأذان، وهذا عام يشمل المؤذن وغيره؛ قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - «إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ» وكلمة (ثم) فيها دليل على أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليست من ألفاظ الأذان؛ لأن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تكون بعد ترديد ما يقوله المؤذن، فدل ذلك على أن المؤذن لا يرفع الصوت بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد الأذان. فهل كان بلال أو ابن أم مكتوم وكل من أذَّن للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - و - رضي الله عنهم - يفعلون ما يفعله بعض المؤذنين في هذا الزمان من رفع الصوت بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد الأذان؟ وهل فُعِل ذلك في

عهد الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - الذين أُمِرْنا بالاقتداء بسنتهم وكذلك في عهد الأئمة الأربعة وأتباع التابعين أو أحد القرون الثلاثة المفضَّلة؟ اللهم لا. ومن قال بخلاف هذا فقد افترى على الإسلام ودعاته الأوائل. وهل يوجد في صفة الأذان في أي كتاب من كتب الفقه والحديث المعتمدة ما أحدثه المؤذنون من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على المنائر بعد الأذان؟ اللهم إنه لا يوجد حتى في كتب الفقهاء المتأخرين. قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» (متفق عليه). وكل بدعة في الدين ضلالة في النار. فكل ما لم يَرِدْ فِعْلُه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا خلفائه الراشدين فهو مردود على صاحبه كائنًا من كان. ولا توجد بدعة حسنة وأخرى سيئة في الإسلام. فالجهر بالصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عقب الأذان غير مشروع. قال ابن حجر في (الفتاوى الكبرى): «الأصل سنة والكيفية بدعة».

وكذلك قول المؤذن حين الأذان أو الإقامة: أشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله. قال الحافظ ابن حجر: «إنه لا يزاد ذلك في الكلمات المأثورة». قال الشيخ سيد سابق في (فقه السنة): «الأذان عبادة ومدار الأمر في العبادات على الاتباع فلا يجوز لنا أن نزيد شيئا أو ننقص شيئًا في ديننا. وفي الحديث الصحيح: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» أي باطل. 5 - في كل مجلس: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً؛ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ» (صحيح رواه الترمذي) (إِلَّا كَانَ) أَيْ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ. (عَلَيْهِمْ تِرَةً) أَيْ تَبِعَةً وَمُعَاتَبَةً، أَوْ: نُقْصَانًا وَحَسْرَةً وَنَدَامَةً. (فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ) أَيْ بِذُنُوبِهِمْ السَّابِقَةِ وَتَقْصِيرَاتِهِمْ اللَّاحِقَةِ. (وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ) أَيْ فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً. 6 - عند ذِكْرِه - صلى الله عليه وآله وسلم -: فعن الحسين بن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «البَخِيلُ منَْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» (صحيح رواه النسائي وابن حبان والحاكم). وقد اختلف العلماء في وجوبها كلما ذكر اسمه - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال أبو جعفر الطحاوي، وأبو عبيد الله الحليمي: تجب الصلاة عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - كلما ذكر اسمه. وقال غيرهما: إن ذلك مستحب، وليس بفرض يأثم تاركه. 7 - عند دخول المسجد والخروج منه: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -.ثُمَّ لْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ». (صحيح رواه أبو داود) وعَنْ فَاطِمَةَ - رضي الله عنها - ـ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ: «بِسْمِ اللهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ الله، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ». وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ الله، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ» (صحيح رواه ابن ماجه)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -. وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» (صحيح رواه ابن ماجه). 8 - عند الدعاء: قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كُلّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلَّى على النَّبِي - صلى الله عليه وآله وسلم -» (حسنه الألباني في صحيح الجامع). وعن عبد الله بن أبي بكر قال: كنا بالخيف ومعنا عبد الله ابن أبي عتبة: فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ودعا بدعوات ثم قام فصلى بنا» (صحيح رواه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -) 9 - في القنوت: عن قتادة عن عبد الله بن الحارث: أن أبا حليمة معاذ - رضي الله عنه - كان يصلي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في القنوت» (صحيح رواه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -) 10 - في الصباح والمساء: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْراً، وحِينَ يُمْسِي عَشْراً أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَة». (حسن رواه الطبراني)

11 - بين تكبيرات العيد: عن علقمة، أن ابن مسعود وأبا موسى، وحذيفة - رضي الله عنهم -، خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوماً، فقال لهم: «إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟» قال عبد الله: «تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بالصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم تدعو أو تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ ثم تكبر وتركع، ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم تدعو وتكبر الله، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تركع. فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن». (صحيح رواه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -)

التحذير من ترك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

التحذير من ترك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صعد المنبر فقال: «آمِين، آمِين، آمِين». قيل: يا رسول الله، إنك صَعَدتَ المنبر فقلتَ: آمين، آمين، آمين؟ فقال: «إن جبريل - عليه السلام - أتاني فقال: مَنْ أدركَ شَهْرَ رمضانَ فلم يُغفَر له فدخلَ النارَ فأَبْعَدهُ الله، قُلْ: آمِين، فقلتُ: آمِين. ومَن أَدْرَكَ أبَويْه أو أحدَهُما فلم يبرّهُما فمات، فدخلَ النارَ فأَبْعَدهُ الله، قُلْ: آمِين، فقلتُ: آمِين. ومن ذُكِرْتَ عنده فلم يُصَلّ عليكَ فمات، فدخلَ النارَ فأَبْعَدهُ الله، قُلْ: آمِين، فقلتُ: آمِين». (حسن صحيح رواه ابن حبان) وتأمل: جبريل - عليه السلام - يدعو ونبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: آمين؛ فاحذر أخي المسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ

رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ» (حسن صحيح رواه الترمذي) وعن حسين بن علي - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من ذُكِرْتُ عنده فخَطِىءَ الصلاةَ عليَّ، خَطِىءَ طريقَ الجنّة» (صحيح رواه الطبراني) وعن حسين - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «البخيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلّ عَلَيَّ» (صحيح رواه النسائي وابن حبان) وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: «خرجت ذات يوم فأَتَيتْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «ألا أخبركم بأبخل الناس؟» قالوا: «بلى يا رسول الله». قال: «مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلّ عَلَيَّ فَذّلِكَ أبخَلُ النَّاسِ» (صحيح رواه ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة).

الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد جاءت الأحاديث مستفيضة توضح فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وتبين مكانة المكثر من الصلاة عليه، فمن ثمرات الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: 1 - امتثال أمر الله - عز وجل - وموافقته - سبحانه وتعالى - في الصلاة عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -: وإن اختلفت الصلاتان: فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف. وأيضًا موافقة الملائكة فيها؛ قال الله - عز وجل -: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]. 2 - حصول عشر صلوات من الله - عز وجل - ومن الملائكة على المصلي بالصلاة مرة واحدة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» (رواه مسلم).

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ فَقُلْنَا: إِنَّا لَنَرَى الْبُشْرَى فِي وَجْهِكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ أَتَانِي الْمَلَكُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا». (صحيح رواه النسائي وغيره). وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ نَخْلًا فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى خِفْتُ أَوْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ تَوَفَّاهُ أَوْ قَبَضَهُ، فَجِئْتُ أَنْظُرُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «مَا لَكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟» فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ - عليه السلام - قَالَ لِي أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ لَكَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ؛ فسَجَدْتُ للهِ شُكْرًا». (حسن رواه أحمد والحاكم). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَكْثِرُوا الصلاةَ عَليَّ يوَْمَ الجمعَة؛ فإنه أتاني جِبريلُ آنفًا عن ربِّه - عز وجل - فقال: «مَا عَلَى

الأرضِ مِن مُسلمٍ يُصَلِّي عليكَ مرَّةً واحدةً إلا صليتُ أنا وملائكَتي عليهِ عشرًا» (حسن رواه الطبراني) وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ؛ فَلْيُقِلَّ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ». (حسن رواه ابن ماجه) 3 - مَن صلّى على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلاة كتب الله له بهاً عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات: عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يَوْمًا طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِي وَجْهِهِ الْبِشْرُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، أَصْبَحْتَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِي وَجْهِكَ الْبِشْرُ؟ قَالَ: «أَجَلْ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي - عز وجل - فَقَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ صَلَاةً كَتَبَ اللهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا». (صحيح رواه أحمد والنسائي) 4 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب لعرض اسم المصلي على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكفى بالمرء نُبلاً أن يُذكر اسمه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ

فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ» (صحيح رواه النسائي وابن حبان) وعن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي». (صحيح رواه الطبراني). 5 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب لرد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة والسلام على المصلي والمُسَلّم عليه؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» (حسن رواه أحمد وأبو داود) 6 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب لزيادة محبته - صلى الله عليه وآله وسلم - والقرب منه: فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أكثِرُوا علَيَّ مِن الصلاةِ في كلِّ يومِ جمعة؛ فإن صلاةَ أمَّتي تُعرَضُ عليَّ في كلِّ يومِ جمعة؛ فمَن كانَ أكثرَهم عليَّ صلاةً كانَ أقربَهُم منِّي منزِلةً» (حسن رواه البيهقي) وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً». (حسن رواه الترمذي). (أَوْلَى النَّاسِ بِي) أَيْ أَقْرَبُهُمْ بِي أَوْ أَحَقُّهُمْ بِشَفَاعَتِي.

(أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً) لِأَنَّ كَثْرَةَ الصَّلَاةِ مُنْبِئَةٌ عَنْ التَّعْظِيمِ الْمُقْتَضِي لِلْمُتَابَعَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْمَحَبَّةِ الْكَامِلَةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَيْهَا مَحَبَّةُ الله تَعَالَى؛ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عمران:31). 7 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب لغفران الذنوب وسبب لكفاية العبد ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة: فعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللهَ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ». قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ». (حسن صحيح رواه والترمذي) قول أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه -: «أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟» معناه: أكثِرُ الدعاء فكم أجعلُ لك من دعائي صلاةً عليك. قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في (جلاء الأفهام): «وسُئِل شيخنا أبو العباس (ابن تيمية)، عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبَيِّ ابْنِ كَعْبٍ دعاءٌ يدعو به لنفسه، فسأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فقال: إن زِدتَ فهو خير لك. فقال له: النصف؟ فقال: إن زدت فهو خير، إلى أن قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ»؛ لأن من صلى على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلاةً صلى الله عليه بها عشراً، ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه، هذا معنى كلامه - رضي الله عنه -».اهـ. وفي رواية لأحمد عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ؟

قَالَ: «إِذَنْ يَكْفِيَكَ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ» (إسناد ها جيد) 8 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب لنَيْل شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم -: فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ صَلَّى عليَّ أو سألَ لِيَ الوسيلةَ حقَّتْ عليهِ شفَاعَتي يَومَ القِيَامَة» (رواه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصححه الألباني) 9 - يُرجَى إجابة الدعاء إذا قدَّم الداعي الصلاةَ على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمامه: قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كلُّ دعاءٌ محجوبٌ حتى يُصَلَّى على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -». (حسنه الألباني في صحيح الجامع). قال المناوي: (كلُّ دعاءٌ محجوبٌ) أي محجوب عن القبول (حتى يُصَلَّي) أي حتى يُصَلِّي الداعي (على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -) يعني أنه لا يرفع إلى الله حتى يستصحب الرافع معه الصلاة عليه؛ إذ هي الوسيلة إلى الإجابة». وعن علي - رضي الله عنه - قال: «كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -». (صحيح رواه الطبراني موقوفًا).

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: «إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ - صلى الله عليه وآله وسلم -» (صحيح رواه الترمذي) 10 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب لطِيبِ المجلس، وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة. وتنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه الله ويحمد ويثنى عليه فيه، ويصلى على رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -. 11 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلى عليه عند ذكره - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويخرج بها العبد عن الجفاء. 12 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ترمي صاحبها على طريق الجنة، وتخطئ بتاركها عن طريقها. 13 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض: لأن المصَلِّي طالبٌ من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل، فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك. 14 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره، وأسباب مصالحه: لأن المصلي داعٍ ربه أن يبارك علي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعلى آله، وهذا الدعاء مستجاب، والجزاء من جنسه.

15 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب لنَيْل رحمة الله - عز وجل - للمصلي؛ لأن الرحمة ـ كما قال ابن القيم - رحمه الله - ـ إما بمعنى الصلاة كما قاله طائفة، وإما من لوازمها وموجباتها على القول الصحيح، فلا بد للمصلي عليه من رحمة تناله. 16 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب لدوام محبته للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وزيادتها وتضاعفها: وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به، لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب، واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه، تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه. وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه بقلبه، نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، والحس شاهد بذلك. 17 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب لمحبته للعبد: فإنها إذا كانت سببًا لزيادة محبة المصَلِّى عليه له، فكذلك هي سبب لمحبته هو - صلى الله عليه وآله وسلم - للمصَلِّي عليه.

18 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبب لهداية العبد وحياة قلبه: فإنه كلما أكثر الصلاة عليه وذكره، استولت محبته على قلبه، حتى لا يبقى في قلبه معارضةٌ لشيء من أوامره، ولا شكٌ في شيءٍ مما جاء به، بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه، لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه، وكلما ازداد في ذلك بصيرةً وقوةً ومعرفةً، ازدادَتْ صلاتُه عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -. 19 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أداء لأقل القليل من حقه. 20 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - متضمنة لذكر الله وشكره، ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله: فالمصَلِّي عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - قد تضمنتْ صلاتُه عليه ذكر الله وذكر رسوله، وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله، كما عرفنا ربنا وأسماءه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته، وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه، والقدوم عليه. فهي متضمنة لكل الإيمان، بل هي متضمنة للإقرار بوجود الرب المدعو وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وصفاته وكلامه، وإرسال رسوله، وتصديقه في أخباره كلها، وكمال محبته، ولا ريب أن هذه هي أصول الإيمان، فالصلاة عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - متضمنة لعلم العبد ذلك، وتصديقه به، ومحبته له فكانت من أفضل الأعمال.

كيفية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

كيفية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذه الصلاة تؤدَّى بأية صيغة كانت، وأفضلها ـ كما قال كثير من العلماء ـ هي الصلاة الإبراهيميّة التي تُقال بعد التشهد الأخير في الصلاة؛ لأن الأحاديث الصحيحة وردت في أنها هي التي علَّمها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه. بعض الأحاديث الواردة في كيفية الصلاة عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -: 1 - عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ؛ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه مسلم). ورواه الترمذي ولفظه: ... قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ

إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (صحيح). 2 - عن أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ - رضي الله عنه - أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه البخاري). 3 - عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي. فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». (رواه البخاري).

وقد ذكر الشيخ الألباني - رحمه الله - ما ثبت من صيغ الصلاة عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وذلك في كتابه (صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -):

قَوْلهم: (كَيْف نُسَلِّم عَلَيْك) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِيهِ إِشَارَة إِلَى السَّلَام الَّذِي فِي التَّشَهُّد وَهُوَ قَوْل: «السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا النَّبِيّ وَرَحْمَة اللهِ وَبَرَكَاته»؛ فَيَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِمْ: «فَكَيْف نُصَلِّي عَلَيْك» أَيْ بَعْد التَّشَهُّد. 4 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، هَذَا التَّسْلِيمُ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ» (رواه البخاري). 5 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ» (رواه البخاري). 6 - عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه البخاري ومسلم). وقد ذكر الشيخ الألباني - رحمه الله - ما ثبت من صيغ الصلاة عليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وذلك في كتابه (صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -): 1 - «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه أحمد والطحاوي بسند صحيح) قال الشيخ الألباني: وهذا كان يدعو به هو نفسه - صلى الله عليه وآله وسلم -. 2 - «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه البخاري ومسلم) 3 - «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ

مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه أحمد والنسائي وأبو يعلى) 4 - «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه مسلم وأبو عوانة) 5 - «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى ِإبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ» (رواه البخاري والنسائي والطحاوي وأحمد) 6 - «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه البخاري ومسلم) 7 - «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه النسائي والطحاوي)

حكم كتابة (ص) و (صلعم (إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، بدلا من كتابتها كاملة:

حكم كتابة (ص) و (صلعم (إذا ذُكِرَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، بدلاً من كتابتها كاملة: الذي ينبغي أن نعمله هو أن نصلي عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - لفظاً كاملاً ونكتب ذلك كاملاً. قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: « ... وبما أن الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشروعة في الصلوات في التشهد، ومشروعة في الخطب والأدعية والاستغفار، وبعد الأذان، وعند دخول المسجد، والخروج منه، وعند ذكره، وفي مواضع أخرى، فهي تتأكد عند كتابة اسمه في كتاب، أو مؤلَّف، أو رسالة، أو مقال، أو نحو ذلك. والمشروع أن تكتب كاملةً تحقيقاً لما أمرنا الله تعالى به، ولِيَتَذَكَّرها القارئ عند مروره عليها، ولا ينبغي عند الكتابة الاقتصار في الصلاة على رسول الله على كلمة (ص) أو (صلعم) وما أشبهها من الرموز التي قد يستعملها بعض الكتبة والمؤلفين؛ لما في ذلك من مخالفة أمر الله - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز بقوله: {صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:56). مع أنه لا يتم بها المقصود وتنعدم الأفضلية الموجودة في كتابة (صلى الله عليه وسلم) كاملة. وقد لا ينتبه لها القارئ أو لا يفهم المراد بها، علمًا بأن الرمز لها قد كرهه أهل العلم وحذروا منه». [مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (2/ 397 - 399] معنى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - معنى (اللهم): لا خلاف أن لفظة (اللهم) معناها: يا الله؛ ولهذا لا تستعمل إلا في الطلب، فلا يقال: اللهم غفور رحيم؛ بل يقال: اللهم اغفر لي وارحمني. معنى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: مَعْنَى صَلَاة اللهِ عَلَى نَبِيّه: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمه. وَصَلَاة الْمَلَائِكَة وَغَيْرهمْ عَلَيْهِ: طَلَب ذَلِكَ لَهُ مِنْ اللهِ تَعَالَى، وَالْمُرَاد طَلَب الزِّيَادَة لَا طَلَب أَصْل الصَّلَاة. وَقِيلَ: صَلَاة اللهِ عَلَى خَلْقه تَكُون خَاصَّة وَتَكُون عَامَّة فَصَلَاتُه عَلَى أَنْبِيَائِهِ: هِيَ الثَّنَاء وَالتَّعْظِيم. وَصَلَاتُه عَلَى غَيْرهمْ: الرَّحْمَة؛ فَهِيَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء.

معنى (آل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -):

معنى (آل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -):ذكر الإمام ابن القيم في (جلاء الأفهام) أن الناس اختلفوا في آل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أربعة أقوال: القول الأول: هم الذين حرمت عليهم الصدقة، وفيهم ثلاثة أقوال للعلماء:1 - أنهم بنو هاشم، وبنو المطلب. 2 - أنهم بنو هاشم خاصة. 3 - أنهم بنو هاشم ومَن فوقَهم إلى بني غالب. القول الثاني: أن آل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هم ذريته وأزواجه خاصة. القول الثالث: أن آله - صلى الله عليه وآله وسلم - أتباعه إلى يوم القيامة. القول الرابع: أن آله - صلى الله عليه وآله وسلم - هم الأتقياء من أمته. ثم ذكر حجج هذه الأقوال، ثم قال: «والصحيح القول الأول ويليه القول الثاني. وأما الثالث والرابع فضعيفان». معنى اسم النبي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - واشتقاقه: هذا الاسم هو أشهر أسمائه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو في الأصل اسم مفعول من الحمد، وهو يتضمن الثناء على المحمود ومحبته وإجلاله وتعظيمه. هذا هو حقيقة الحمد وبُني على زنة مُفَعَّل مثل مُعَظَّم، ومُحَبَّب، ومبجَّل، ونظائرها؛ لأن هذا البناء موضوع للتكثير. فإن اشتق منه اسم فاعل، فمعناه من كثر صدور الفعل منه مرة بعد مرة، كمعلِّم، ومفهِّم، ومبيِّن، ومخلِّص، ونحوها، وإن اشتُقَّ منه اسم مفعول فمعناه من كثر تكرر وقوع الفعل عليه مرة بعد أخرى إما استحقاقاً أو وقوعاً. فـ (محمَّد) هو الذي كثر حمد الحامدين له مرةً بعد أخرى، أوالذي يستحق أن يحمد مرة بعد أخرى. فتسميته - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مسماه وهو الحمد، فإنه - صلى الله عليه وآله وسلم - محمودٌ عند الله، ومحمودٌ عند ملائكته، ومحمودٌ عند إخوانه من المرسلين، ومحمودٌ عند أهل الأرض كلهم، وإن كفر به بعضهم. فإن ما فيه من صفات الكمال محمودٌ عند كل عاقل، وإن كابَرَ عقله جُحُوداً، أو عِنَاداً، أو جَهْلاً باتصافه بها، ولو عَلِمَ اتصافه بها لَحَمِدَهُ؛ فإنه يحمد من اتصف بصفات الكمال، ويجهل وجودها فيه، فهو في الحقيقة حامدٌ له. وهو - صلى الله عليه وآله وسلم - اختُصَّ من مُسَمَّى الحمْد بما لم يجتمع لغيره؛ فإنه اسمه محمَّد وأحمد، وأمته الحمَّادون، يحمدون الله في السراء والضراء، وصلاتُه وصلاةُ أمَّتِه مفتَتَحة بالحمد، وخطبته مفتَتَحة

بالحمد، وكتابه ـ أي القرآن الكريم ـ مفتَتَح بالحمد، هكذا عند الله في اللوح المحفوظ أن خلفاءه وأصحابه يكتبون المصحف مفتتحًا بالحمد. وبيده - صلى الله عليه وآله وسلم - لواء الحمد (¬1) يوم القيامة، ولما يسجد بين يدي ربه - عز وجل - للشفاعة، ويُؤْذَنُ له فيها، يحمد ربه بمحامد يفتحها عليه ¬

_ (¬1) ((1) عن أَبِي سَعِيدٍ الخدري - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ». (صحيح رواه الترمذي) قَوْلُهُ - صلى الله عليه وآله وسلم -: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ) قَالَهُ إِخْبَارًا عَمَّا أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ الْفَضْلِ وَالسُّؤْدُدِ، وَتَحَدُّثًا بِنِعْمَةِ الله تَعَالَى عِنْدَهُ وَإِعْلَامًا مِنْهُ لِأُمَّتِهِ لِيَكُونَ إِيمَانُهُمْ بِهِ عَلَى حَسْبِهِ وَمُوجِبِهِ، وَلِهَذَا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا فَخْرَ) أَيْ أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ الَّتِي نِلْتُهَا كَرَامَةً مِنْ اللهِ لَمْ أَنَلْهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِي وَلَا بَلَغْتُهَا بِقُوَّتِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أَفْتَخِرَ بِهَا، قَالَهُ الْجَزَرِيُّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: قَالَهُ اِمْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فَحَدِّثْ} وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ مِنْ الْبَيَانِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغُهُ إِلَى أُمَّتِهِ لِيَعْرِفُوهُ وَيَعْتَقِدُوهُ وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ فِي تَوْقيرِهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَمَا أَمَرَهُمْ اللهُ تَعَالَى بِهِ» اِنْتَهَى. «لِوَاءُ الْحَمْدِ»:اللواء: الرَّايَةُ، وَلَا يُمْسِكُهَا إِلَّا صَاحِبُ الْجَيْشِ. ولِوَاءُ الْحَمْدِ عِبَارَةٌ عَنْ الشُّهْرَةِ وَانْفِرَادُهُ بِالْحَمْدِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِحَمْدِهِ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَقِيقَةً يُسَمَّى لِوَاءَ الْحَمْدِ. قُلْت (أي المباركفوري ـ صاحب تحفة الأحوذي): حَمْلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ هُوَ الظَّاهِرُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إِلَى الْمَجَازِ مَعَ إِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ. «وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» أَيْ لِلْبَعْثِ فَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَيْهِ بَعْثًا، فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -» اهـ بتصرف من (تحفة الأحوذي).

حينئذ، وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].وإذا قام في ذلك المقام حَمِدَه حينئذ أهل الموقف كلهم مسلمُهم وكافرُهم أولهم وآخرهم. وهو محمود - صلى الله عليه وآله وسلم - بما ملأ الأرض من الهدى والإيمان والعلم النافع والعمل الصالح، وفتح به القلوب، وكشف به الظلمة عن أهل الأرض، واستنقذهم من أسر الشياطين، ومن الشرك بالله والكفر به والجهل به، حتى نال به أتباعه شرف الدنيا والآخرة، فإن رسالته وافت أهل الأرض أحوج ما كانوا إليها، فإنهم كانوا بين عُبَّادِ أوْثان وعُبَّادِ صُلْبَان وعُبَّادِ نيران وعُبَّاد الكواكب، ومغضوبٍ عليهم قد باؤوا بغضب، وحَيران لا يعرف ربًا يعبده، ولا بماذا يعبده، والناس يأكلُ بعضُهم بعضاً، مَنْ استحسن شيئاً دعا إليه، وقاتل مَن خالَفه، وليس في الأرض موضع قدم مُشرقٌ بنورِ الرسالة. وقد نظر الله سبحانه حينئذٍ إلى أهل الأرض، فمقَتَهم عرَبَهم وعَجَمَهم إلا بقايا على آثار مِن دينٍ صحيح، فأغاث الله به البلاد والعباد، وكشف به تلك الظُلَم، وأحيا به من الجهالة، وكثر بعد

قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}

القلة، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العَيْلة، وفتح به أعيناً عُمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فعرف الناس ربهم ومعبودهم. وعرَّفهم الطريق الموصل لهم إلى ربهم ورضوانه ودار كرامته، ولم يدَعْ حسناً إلا أمرهم به، ولا قبيحاً إلا نهى عنه، كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنَّه لَيْسَ شَيْءٌ يقرِّبُكُمْ إلى الجنَّة إلا قَدْ أمَرْتُكُمْ بِهِ، ولَيْسَ شيءٌ يقرِّبُكُمْ إلى النَّارِ إلا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْه» (حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة). وعرَّفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم تعريف، فكشف الأمر وأوضحه، ولم يدَعْ باباً من العلمِ النافع للعباد المقرِّبِ لهم إلى ربهم إلا فتحه، ولا مشكلاً إلا بينه وشرحه، حتى هدى الله به القلوب من ضلالها وشفاها به من أسقامها، وأغاثها به من جهلها، فأي بشر أحق بأن يحمد منه - صلى الله عليه وآله وسلم - وجزاه عن أمته أفضل الجزاء. * وأصح القولين في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، أنه على عمومه، وفيه على هذا التقدير وجهان: أحدهما: أن عمومَ العالمينَ حصل لهم النفعُ برسالتِه: أما أتباعُه فنالوا بها كرامةَ الدنيا والآخرة. وأما أعداؤُه المحاربون له: فالذين عُجِّل قتْلُهم موتُهم خيرٌ لهم من حياتهم؛ لأن حياتَهم زيادةٌ لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كُتِب عليهم الشقاء، فتعجيل موتهم خيرٌ لهم من طُولِ أعمارهم في الكفر. وأما المعاهِدُون له فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته، وهم أقل شرًا بذلك العهْد من المحاربين له. وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقنُ دمائهم وأموالهم وأهلهم واحترامها وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيرها. الوجه الثاني: أنه رحمة لكل أحد، لكن المؤمنون قبلوا هذه الرحمة فانتفعوا بها دنيا وأخرى، والكفار ردوها؛ فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمةً لهم، لكن لم يقبلوها، كما يقال: هذا دواء لهذا المرض، فإذا لم يستعمله لم يخرج عن أن يكون دواء لذلك المرض. ومما يحمد عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه - صلى الله عليه وآله وسلم - علم أنها خيرُ أخلاق، فإنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان أعلم الخلق، وأعظمهم أمانة، وأصدقهم حديثًا، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالاً، وأعظمهم عفوًا ومغفرةً، وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا. كما روى البخاري في (صحيحه): عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما - قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي التَّوْرَاةِ. قَالَ: «أَجَلْ، وَالله إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ؛ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا». (شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا):أَيْ شَاهِدًا عَلَى الْأُمَّة وَمُبَشِّرًا لِلْمُطِيعِينَ بِالْجَنَّةِ وَلِلْعُصَاةِ بِالنَّارِ، أَوْ شَاهِدًا لِلرُّسُلِ قَبْلَهُ بِالْإِبْلَاغِ. (وَحِرْزًا) أَيْ حِصْنًا، وَالْأُمِّيِّينَ هُمْ الْعَرَب. (سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّل) أَيْ عَلَى اللهِ؛ لِقَنَاعَتِهِ بِالْيَسِيرِ، وَالصَّبْر عَلَى مَا كَانَ يَكْرَه. (لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظ) هُوَ مُوَافِق لِقَوْلِه تَعَالَى (فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) وَلَا يُعَارِض قَوْله تَعَالَى: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}؛ لِأَنَّ النَّفْي بِالنِّسْبَةِ

لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْأَمْر بِالنِّسْبَةِ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ كَمَا هُوَ مُصَرَّح بِهِ فِي نَفْس الْآيَة. (وَلَا سَخَّاب) السَّخَب وَيُقَال فِيهِ الصَّخَبُ بِالصَّادِ بَدَلَ السِّينِ: هُوَ رَفْع الصَّوْتِ بِالْخِصَامِ. (وَلَا يَدْفَع السَّيِّئَة بِالسَّيِّئَةِ) هُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن}. (وَلَنْ يَقْبِضه) أَيْ يُمِيته. (حَتَّى يُقِيم بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ) أَيْ مِلَّةَ الْعَرَبِ، وَوَصَفَهَا بِالْعِوَجِ لِمَا دَخَلَ فِيهَا مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَالْمُرَاد بِإِقَامَتِهَا أَنْ يَخْرُجَ أَهْلُهَا مِنْ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ ويَنْفِيَ الشِّرْك وَيُثْبِت التَّوْحِيد. قَوْله: (فَيَفْتَح بِهَا) أَيْ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيد (أَعْيُنًا عُمْيًا) أَيْ عَنْ الْحَقّ. وَقَوْله: (وَقُلُوبًا غُلْفًا) أَي مُغَشَّاة مغطاة. وقيل: لا تفقه. وقيل: عليها غشاوة. وقيل: عليها غلاف، وهو الغطاء.

الفرق بين محمد وأحمد من وجهين:

* قال الحسن البصري - رحمه الله -: «إن المؤمنَ رُزِقَ حلاوةً ومهابة». يعني يُحَب ويُهَاب ويُجَلّ بها، ألبسه الله - سبحانه وتعالى - من ثوب الإيمان المقتضي لذلك، ولهذا لم يكن بشرٌ أحبَّ إلى بشرٍ ولا أهيب وأجَلَّ في صدره من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في صدر الصحابة - رضي الله عنهم -. قَالَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ - رضي الله عنه -: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ؛ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقُلْتُ: «ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ»، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، فَقَبَضْتُ يَدِي. قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قُلْتُ: «أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ». قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قُلْتُ: «أَنْ يُغْفَرَ لِي». قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ». وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ» (رواه مسلم). فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مشتملاً على ما يقتضي أن يحمد مرة بعد مرة سمي محمداً، وهو اسم موافق لمسماه، ولفظ مطابق لمعناه. الفرق بين محمد وأحمد من وجهين: أحدهما: أن (محمداً) هو المحمود حمداً بعد حمد، فهو دالّ على كثرة حمْد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه. و (أحمد) أفعل تفضيل من الحمد يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، فـ (محمد) زيادة حمد في الكمية، و (أحمد) زيادة في الكيفية، فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر. الوجه الثاني: أن (محمداً) هو المحمود حمداً متكرراً كما تقدم، وأحمد هو الذي حَمْدُه لربه أفضل من حمد الحامدين غيره. فدل أحد الاسمين ـ وهو محمد ـ على كونه محموداً، ودل الاسم الثاني ـ وهو أحمد ـ على كونه أحمد الحامدين لربه.

ذكر إبراهيم خليل الرحمن - عليه السلام -:

ذكر إبراهيم خليل الرحمن - عليه السلام -: جعل الله - سبحانه وتعالى - إبراهيم الأب الثالث للعالم، فإن أبانا الأول آدم، والأب الثاني نوح، وأهل الأرض كلهم من ذريته، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات:77].والأب الثالث إمام الحنفاء الذي اتخذه الله خليلاً، وجعل النبوة والكتاب في ذريته، ذاك خليل الرحمن. ولم يأمر الله رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يتبع ملة أحد الأنبياء غيره، فقال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} [النحل:123]، وأمر أمَّتَه بذلك فقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78]. وكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوصي أصحابه - رضي الله عنهم - إذا أصبحوا أن يقولوا: «أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ». (صحيح رواه الدارمي وغيره).

وسماه الله - سبحانه وتعالى - إبراهيم: إماماً وأمة، وقانتاً، وحنيفاً. وقال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]، فأخبر سبحانه أنه جعله إماماً للناس، وأن الظالم من ذريته لا ينال رتبة الإمامة، والظالم هو المشرك، وأخبر سبحانه أن عهده بالإمامة لا ينال من أشرك به. وقال تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النحل:120 - 121]. فالأمَّة: هو القدوة المعلم للخير، والقانت: المطيع لله الملازم لطاعته، والحنيف المقبل على الله، المعرض عما سواه. وكان خير بَنِيه ـ سيد ولد آدم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ يُجِلّه ويعظمه ويبجله ويحترمه؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ ـ عَلَيْهِ السَّلَام ـ». (رواه مسلم). وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ثُمَّ قَرَأَ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ» (رواه البخاري). (غُرْلًا):غَيْر مَخْتُونِينَ. وكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أشبه الخلق بإبراهيم - عليه السلام -، كما في الصحيحين عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ ـ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ ـ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ» (رواه البخاري). وكان - صلى الله عليه وآله وسلم - يُعَوِّذ أولاد ابنته: حَسَنًا وحُسَيْنًا - رضي الله عنهما - بتعويذ إبراهيم لإسماعيل وإسحاق - عليهم السلام -؛ ففي صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ» (إِنَّ أَبَاكُمَا) يُرِيد إِبْرَاهِيم - عليه السلام -. (بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ) الْمُرَاد بِالتَّامَّةِ: الْكَامِلَة، وَقِيلَ: النَّافِعَة، وَقِيلَ: الشَّافِيَة، وَقِيلَ: الْمُبَارَكَة، وَقِيلَ: الْقَاضِيَة الَّتِي تَمْضِي وَتَسْتَمِرّ وَلَا يَرُدّهَا شَيْء وَلَا يَدْخُلهَا نَقْص وَلَا عَيْب.

مسألة: النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل من إبراهيم، فكيف طلب له من الصلاة ما لإبراهيم، مع أن المشبه به أصله أن يكون فوق المشبه؟ فكيف الجمع بين هذه الأمرين؟

وكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد - رحمه الله - يَسْتَدِلّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ كَلَام اللهِ غَيْر مَخْلُوق، وَيَحْتَجّ بِأَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَا يَسْتَعِيذ بِمَخْلُوقٍ. (مِنْ كُلّ شَيْطَان) يَدْخُل تَحْته شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ. (وَهَامَّة) وَاحِدَة الْهَوَامّ ذَوَات السَّمُوم، وَقِيلَ: كُلّ مَا لَهُ سُمٌّ يَقْتُل، وَقِيلَ: الْمُرَاد كُلّ نَسَمَة تَهُمُّ بِسُوءٍ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ كُلّ عَيْن لَامَّة) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَاد بِهِ كُلّ دَاء وَآفَة تُلِمّ بِالْإِنْسَانِ مِنْ جُنُون وَخَبَل. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قال: {حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ - عليه السلام - حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وآله وسلم - حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (رواه البخاري). مسألة: النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل من إبراهيم، فكيف طلب له من الصلاة ما لإبراهيم، مع أن المشبَّه به أصله أن يكون فوق المشبَّه؟ فكيف الجمع بين هذه الأمرين؟ أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة كثيرة، وقد بلغت نحو عشرة أقوال، منها:1 - أن التشبيه المذكور إنما هو في أصل الصلاة، لا في قدرها، ولا في كيفيتها، فالمسئول إنما هو راجع إلى الهيئة، لا إلى

قدر الموهوب، وهذا كما تقول للرجل: أحسن إلى ابنك كما أحسنت إلى فلان، وأنت لا تريد بذلك قدر الإحسان، وإنما تريد به أصل الإحسان. وقد يُحْتَجّ لذلك بقوله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ} (القصص:77)، ولا ريب أنه لا يقدر أحد أن يحسن بقدر ما أحسن الله إليه، وإنما أريد به أصل الإحسان لا قدره، فالتشبيه في الآية لا يتعلق بمقدار الإحسان؛ بل بأصله؛ فكأن معنى الآية: كما وقع الإحسان من الله إليك أيها العبد الفقير إلى الله - سبحانه وتعالى -، فأحسن بالصدقة وبالعبادة وغيرها من الطاعات. ومنها قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (النساء:163)، وهذا التشبيه في أصل الوحي لا في قدره وفضل الموحَى به. 2 - قول قوَّاه واستحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم: وهو قول من قال عن آل إبراهيم - عليه السلام -: «فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد مثلهم، فإذا طُلب للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولآله مثل ما لإبراهيم وآله ـ وفيهم الأنبياء ـ حصل لآل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - من ذلك ما يليق بهم، فإنهم لا يبلغون مراتب الأنبياء، وتبقى الزيادة التي

للأنبياء ـ وفيهم إبراهيم ـ لمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فيحصل له من المزية ما لا يحصل لغيره» 3 - قال الإمام ابن القيم في (جلاء الأفهام): « ... وأحسن منه (أي من القول السابق) أن يقال: «محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - هو من آل إبراهيم، بل هو خير آل إبراهيم، كما روى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 33)، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: «محمد من آل إبراهيم». وهذا نص، فإنه إذا دخل غيره من الأنبياء الذين هم من ذرية إبراهيم في آله، فدخول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أوْلَى. فيكون قولنا: «كما صليت على آل إبراهيم» متناولاً للصلاة عليه، وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم. ثم قد أمرنا الله - عز وجل - أن نصلي عليه وعلى آله خصوصاً بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموماً، وهو فيهم، ويحصل لآله من ذلك ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له - صلى الله عليه وآله وسلم -. وتقرير هذا أنه يكون قد صُلِى عليه خصوصاً، وطُلِب له من الصلاة ما لآل إبراهيم وهو داخل معهم، ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم ـ ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - معهم ـ أكمل من الصلاة

معنى قول: اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد:

الحاصلة له دونهم، فيطلب له من الصلاة هذا الأمر العظيم الذي هو أفضل مما لإبراهيم قطعاً». (اهـ بتصرف). معنى قول: اللَّهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد: البركة: النماء والزيادة. والتبريك: الدعاء بذلك. ويقال: باركه الله وبارك فيه، وبارك عليه، وبارك له. وفي القرآن الكريم: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاق} (الصافات:113)، وفيه: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} (الأنبياء:71). وقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رضي الله عنهما -:عَلَّمَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ». (صحيح رواه أصحاب السنن). والْمُبَارَك: الذي قد بارَكه الله سبحانه، كما قال المسيح - عليه السلام -: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي

مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم:30 - 31]. وكتاب الله مبارَك، قال تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [الأنبياء:50]، وقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]، وهو أحق أن يسمى مباركا من كل شيء؛ لكثرة خيره ومنافعه، ووجوه البركة فيه. والرب تعالي يقال في حقه: «تبارك»، ولا يقال: مبارك. وقال الحسن: «تبارك»:تجيء البركة من قِبَله. وقال الضحاك: تبارك: تعاظم. وقال الخليل بن أحمد: تمجد. وقال الحسين بن الفضل: تبارك في ذاته، وبارك فيمن شاء من خلقه. قال الإمام ابن القيم: وهذا أحسن الأقوال. ولا يوصف بهذه اللفظة إلا الله - سبحانه وتعالى -، ولا تتصرف هذه اللفظة في لغة العرب، لا يستعمل منها مضارع ولا أمر.

وقول: «وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ»: هذا الدعاء يتضمن إعطاءه من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم، وإدامته وثبوته له، ومضاعفته له وزيادته، هذا حقيقة البركة. وقد قال تعالى في إبراهيم وآله: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات:112 - 113]، وقال تعالى فيه وفي أهل بيته: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود:73]. وتأمل كيف جاء في القرآن: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} [الصافات: 113] ولم يذكر إسماعيل؛ إيذاناً بما حصل لبَنِيهِ من الخير والبركة، لا سيما خاتمة بركتهم وأعظمها وأجلها برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فنبهَهُم بذلك على ما يكون في بنيه من هذه البركة العظيمة الموافية على لسان المبارك - صلى الله عليه وآله وسلم -.

اختتام الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - باسمين من أسماء الرب - سبحانه وتعالى - وهما: الحميد والمجيد:

اختتام الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - باسْمَيْن من أسماء الرب - سبحانه وتعالى - وهما: الحميد والمجيد: وذكر هذين الاسمين: الحميد والمجيد عقب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مطابق لقوله تعالى: {رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73]. ولما كانت الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ وهي ثناء الله تعالى عليه وتكريمه والتنويه به، ورفع ذكره، وزيادة حبه وتقريبه ـ كانت مشتملة على الحمد والمجد، فكأن المصلي طلب من الله تعالى أن يزيد في حمده ومجده، فإن الصلاة عليه هي نوع حمد له وتمجيد، هذا حقيقتها، فذكر في هذا المطلوب الاسمين المناسبين له، وهما اسما الحميد والمجيد. والداعي يُشرَع له أن يختم دعاءه باسم من الأسماء الحسنى مناسب لمطلوبه، أو يفتتح دعاءه به، وهذا من قوله - عز وجل -: {وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]، وقال سليمان - عليه السلام - في دعائه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35]، وقال الخليل وابنه إسماعيل سدد خطاكم في دعائهما: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً

لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 128]. وعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ يُعَدُّ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةُ مَرَّةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُومَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ» (صحيح رواه الترمذي) وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (صحيح رواه الترمذي). ولما كان المطلوب للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حمداً ومجداً بصلاة الله عليه، ختم هذا السؤال باسمي الحميد والمجيد. وأيضاً فإنه لما كان المطلوب للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حمداً ومجداً، وكان ذلك حاصلاً له، ختم ذلك بالإخبار عن ثبوت هذين الوصفين للرب - سبحانه وتعالى - بطريق الأولى، وكل كمال في العبد غير مستلزم للنقص، فالرب أحق به. وأيضاً فإنه لما طلب للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حمداً ومجداً بالصلاة عليه ـ وذلك يستلزم الثناء عليه ـ خُتم هذا المطلوب بالثناء على مُرسِله - عز وجل -

الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

بالحمد والمجد، فيكون هذا الدعاء متضمناً لطلب الحمد والمجد للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، والإخبار عن ثبوته للرب - سبحانه وتعالى -. الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أما سائر الأنبياء والمرسلين فيصلى عليه ويسلم؛ قال تعالى عن نوح - عليه السلام -: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 78 - 80]، وقال عن إبراهيم خليله - عليه السلام -: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 108 - 109]، وقال تعالى في موسى وهارون سدد خطاكم: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} [الصافات: 119 - 120]، فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين هو السلام عليهم المذكور. وأما من سوى الأنبياء، فإن آل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يُصَلَّى عليهم بغير خلاف بين الأمة.

هل يصلي على آل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - منفردين عنه؟

هل يصلي على آل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - منفردين عنه؟ قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في (جلاء الأفهام):هذه المسألة على نوعين: أحدهما: أن يقال: «اللهم صل على آل محمد» فهذا يجوز، ويكون - صلى الله عليه وآله وسلم - داخلاً في آله، فالإفراد عنه وقع في اللفظ لا في المعنى. الثاني: أن يفرد واحد منهم بالذكر، فيقال: اللهم صل على عَلِيٍّ، أو على حسن، أو حسين، أو فاطمة، ونحو ذلك. فاختلف في ذلك وفي الصلاة على غير آله - صلى الله عليه وآله وسلم - من الصحابة ومن بعدهم ... (وذكر الإمام ابن القيم الخلاف في ذلك وناقش الأدلة ثم قال): «وفصل الخطاب في هذه المسألة: أن الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إما أن يكون آله وأزواجه وذريته أو غيرهم، فإن كان الأول فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وجائزة مفردة (¬1). وأما الثاني: فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عموماً الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم، جاز ذلك أيضاً، فيقال: اللهم صل على ملائكتك المقربين وأهل طاعتك أجمعين. وإن كان شخصاً معيناً أو طائفة معينة كُرِهَ أن يتخذ الصلاة عليه شعاراً (¬2) لا يخلّ به، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه، ولا سيما إذا جعلها شعاراً له، ومنع منها نظيره، أو من هو خير منه، وهذا كما تفعل الرافضة (¬3) بعلي - رضي الله عنه -، فإنه حيث ذكروه قالوا: عليه الصلاة والسلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه، فهذا ممنوع، لا سيما إذا اتخذ شعاراً لا يخل به، فتركه حينئذ متعين. وأما إن صلى عليه أحياناً بحيث لا يجعل ذلك شعارًا كما يصلي على دافع الزكاة (¬4)، وكما قال ابن عمر - رضي الله عنه - للميت: صلى الله عليه (¬5). ¬

_ (¬1) أي يقال: اللهم صل على آل محمد. (¬2) ذكر الإمام النووي في (الأذكار) أن الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وآله قد صارت شعار أهل البدع، وقد نُهينا عن شعارهم. قال الإمام ابن القيم في (جلاء الأفهام) ـ موضحًا كلام الإمام النووي ـ: «ومعنى ذلك: أن الرافضة إذا ذكروا أثمنهم يصلون عليهم بأسمائهم ولا يصلون على غيرهم ممن هو خير منهم، وأحب إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، فينبغي أن يخالَفوا في هذا الشعار». اهـ (¬3) الرافضة: الشيعة. (¬4) 3 (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ» فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى». (رواه البخاري ومسلم). (¬5) عن ابن عمر - رضي الله عنه -: أنه يكبر على الجنازة ويصلي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم يقول: «اللهم بارك فيه وصل عليه واغفر له وأورده حوض نبيك - صلى الله عليه وآله وسلم -» [رواه الجهضمي في (فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -) وصححه الألباني].

اتباع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دليل محبة الله - عز وجل -

وكما صلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على المرأة وزوجها (¬1)، فهذا لا بأس به. وبهذا التفصيل تتفق الأدلة وينكشف وجه الصواب والله والموفق. (انتهى كلام الإمام ابن القيم بتصرف يسير) اتباع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دليل محبة الله - عز وجل - محبة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - تكون باتباع سنته، والامتثال لأوامره، قال الله - عز وجل -: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (آل عمران 31 - 32) دلت هذه الآية الكريمة على أن كل من ادعى محبة الله - عز وجل -، وليس متبعًا لهدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فإنه كاذب في دعواه، حتى يتبع سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم)؛ ولهذا قال - عز وجل -:قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه ¬

_ (¬1) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -:صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «صَلَّى اللهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ» (صحيح رواه أبو داود).

وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبّ، إنما الشأن أن تُحَبّ. وقال الحسن البصري وغيره من السلف: «زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}». ثم قال - عز وجل -: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: باتباعكم للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يحصل لكم هذا كله. ثم قال آمرًا لكل أحد من خاص وعام: {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي: خالفوا عن أمره {فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب لله ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل، ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس الذي لو كان الأنبياء ـ بل المرسلون، بل أولو العزم منهم ـ في زمانه لما وَسِعَهم إلا اتباعه، والدخول في طاعته، واتباع شريعته - صلى الله عليه وآله وسلم -.

§1/1