الشيعة والتشيع - فرق وتاريخ

إحسان إلهي ظهير

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين وعلى أهل بيته أمهات المؤمنين وآله الغر الميامين وأصحابه البررة المقربين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: فإنني بدأت في جمع الكتب عن الإسماعيلية وللإسماعيلية بعد ما فرغت من كتابي ... (البريلوية ـ عقائد وتاريخ) واشتغلت في ترتيب وتصفيف ووضعت الخطة وخططت الخطوط والتخطيط للكتابة عنهم وبوبت الأبواب ورتبت الفصول وجاوزت النصف من العمل حتى وصلتني الدعوة من الاخوة المخلصين الغيورين لدين الله وحملته لزيارة أمريكا وإلقاء الخطب والمحاضرات في عديد من ولاياتها في مراكز الطلاب ومجامعهم وأنديتهم ومحافلهم أندية الطهارة ومحافل التقوى في تلك البلاد الكافرة المنحطة في حضيض النجاسة والرذالة كالبساتين الوردية والأشجار الوارفة الظل واليانعة الأثمار في صحراء عطشانة حامية فيحاء والتي هي كمنارة النور في ليلة ظلماء مطيرة حالكة سوداء.

الاخوة العرب المسلمون الذين ذهبوا إلى تلك البقاع لطلب العلم بدءوا يعلمونهم العلم، علم الأخلاق وعلم الآداب وعلم الحضارة والثقافة وعلم الروح علم القرآن وتعاليم الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه وإنني بعد ما رأيت وبعد ما شاهدت رأيت التحمس لدين الله والعمل به والغيرة لحملته أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلاف هذه الأمة وشاهدت العفاف والعفة والطهارة والتقوى والمحافظة على الصلوات والخضوع والخشوع فيها التشوق والاستماع إلى الأحاديث الدينية والكلمات العلمية والمحاضرات الإسلامية وبصرت أنديتهم ومحافلهم. أيقنت أن الله سيعلى كلمته ويرفع رايته ويظهر دينه على الأديان كلها، وينشر صيت نبيه واسمه وذكره في تلك البلاد النائية عن بلاد المسلمين المترامية الأطراف بهذا الجيل الميمون المبارك وتيقنت أنهم هم الذين قال فيهم وفي أنديتهم الشاعر العربي القديم وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم ... مجالس قد يشفي بأحلامها الجهل فلبيت دعوتهم وسافرت إليهم وشاركت مؤتمرهم وحاضرت في وسائل عديدة مختلفة والكلام ذو شجون وألوان والحديث ذو جوانب وأطراف وكان من بينه حول اختلاف الأمة وسبب الخلاف ومنشئه ومبناه وحول الفرق التي حدثت ونشأت بين المسلمين وتشتت وتفرقت وذهب بعضها بعيداً في التفرق والاختلاف كما قرب البعض منها ومن بين الفرق التي ذهبت إلى الشأو البعيد واختلفت مع الأمة اختلافاً جذرياً وفي الأصول والأساس الشيعة فكثر الكلام وكثرت

الأسئلة ثم الأجوبة عليها وكانت كتبي الثلاثة عن هذه النحلة في متناول الكثيرين من الطلاب والمستمعين والحاضرين في تلك المجالس ولذلك كان البحث جدياً والأسئلة في صميم الموضوع. والرحى كانت تدور على عقائد القوم ومعتقداتهم التي كشفت النقاب عنها وعن تاريخ هذه الطائفة ومنشئها والتطورات التي طرأت عليها والفرق التي تفرعت عنها واقتناع الاخوة بما ذكرته في كتبي من عقائد القوم والاكتفاء بها والاحتياج الشديد إلى معرفة تاريخ القوم ومنشئهم والتغيرات التي وقعت حتى جعلتهم يبعدون كل هذا البعد عن الجماعة والأمة وكان ينتهي الكلام والجلسات على مطالبات وضع الكتاب فورياً في ذلك الخصوص ليكمل البحث ويتم الموضوع ومادام يكتب الكتاب عن التاريخ والتطورات والمنشأ فلازم أن يشمل الفرق التي انبثقت من التشيع فرجعت من تلك البلاد وأنا مقتنع بقضاء ما طلبوا ومصمم على ما أظهروا الاحتياج إليه فلم أصل إلى بلادي في السادس والعشرين من سبتمبر إلا وقد اشتغلت في هذه الموضوع مؤجلاً كتابتي في الإسماعيلية مع شدة حرصي على إكمالها وإتمامها. ولكن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولكل شيء أجل. فصرفت فيه جدي وجهدي ولم أعمل شيئاً في هذه المدة كلها ليلها ونهارها إلا البحث والتنقيب والترتيب والتسويد والتبييض في هذا. اللهم إلا الخطب والمحاضرات في المدن المختلفة في باكستان المجاورة للاهور والبعيدة عنها والتي هي لازمتني ولاحقتني كل حين وكل آن وكل ظرف وكل مكان ولا ولم ولعلي لن أستطيع التخلص عنها رغم تهربي وفراري في الآونة الأخيرة لكثرة ملاحقتها لي وتسلطها علي ومطاردتها إياي ولزومها لي، ولكثرة العناء والأسفار والمشقة وقلة الراحة

والطمأنينة والسكون القلبي والذهني والفكري في سبيلها. فأحمد الله على إنعامه علي بأني استطعت حسب مقدوري وطاقتي وقدر استطاعتي وبضاعتي أن أكمل البحث في هذا ولعله يستفيد منه القارئ ويستمتع به الناظر ويسر به الباحث ويفرح به المؤرخ لأنه قلما كتب عن الشيعة والتشيع بالترتيب التاريخي والتسلسل الزمني بتنقية المطالب والمباحث من الأغراض والأهداف المشبوهة وبتصفيتها من القصص والأساطير ومن النسيج المدسوس المدخول. كما ندر من نبه على تطور التشيع الأول وتقلب الشيعة الأولى والأسباب والحوادث التي سببت هذا التغيير والتبديل. اللهم إلا بعض الإشارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فنحن بدأنا الكتاب ببيان بدء التشيع ونشأته وبيان الشيعة الأولى. ثم عقبنا ذلك الباب بالباب الثاني بيناً في السبئية ومؤسسها عبد الله بن سبأ وأفكاره وعقائده التي أراد ترويجها بين الشيعة الأولى وبيناً مع ذلك الفضائح والقبائح التي ارتكبها هو وأنصاره وأعوانه والمخدوعون به والواقعون في حبائله وبما قاموا من السعي بالفتنة والفساد والأحداث التي حدثت بسبب مؤامراتهم ومخططاتهم. كما بينا في الباب الثالث اندماج السبئية في صفوف الشيعة وإيقاع بعضهم في شراكهم وفخهم في خلافة علي ومحاربة علي رضي الله عنه أفكار هؤلاء ومحاولته منع شيعته من الركون إليهم وإلى عقائدهم كما يتضمن هذا الباب وقائع حرب الجمل وصفين خالية من الأباطيل

ومتضمنة الحقائق التي طالما خفيت على الكثيرين من الناس وحتى السنة ولعله أول مرة بهذا الوضوح والتفصيل. ثم ذكرنا في الباب الرابع تطور التشيع الأول وتبديل الشيعة الأولى وتسلط السبئيين على التشيع وغلبتهم على الشيعة ومقاومة الحسن أفكارهم وعقائدهم ثم حدوث بعض فرق الشيعة الأخرى المتطرفة عنهم ثم ذكرنا وقائع شهادة الحسين بالاختصار والنتائج التي نتجت بعد هذه الشهادة وتطور التشيع من الفكر السياسي إلى الفكر الديني وتغير الشيعة من الحزب السياسي إلى الحزب المذهبي. وفي الباب الخامس ذكرنا ببعض الاختصار وبعض التفصيل أهم فرق الشيعة التي حدثت في مختلف الأيام والعهود وزمن أولاد علي بن أبي طالب العشرة منهم ومعتقداتهم ومختصر عقائدهم. والجدير بالذكر أننا لم نذكر فرقة منهم لم تذكر في كتب القوم وذكرت في كتب السنة فمدارنا ومعولنا واعتمادنا لم يكن إلا على كتب القوم أنفسهم كي لا يقول قائل: قيل عنا ولم نقله، بل عكس ذلك نقول: قلتم فقلناه. وأما الباب السادس فخصصناه لذكر الفرقة الإثني عشرية أو الإمامية وهي الفرقة الموجودة حالياً في العالم الإسلامي بكثرة وهي التي يطلق عيها اسم الشيعة ولا يقصد عند إطلاقه أحد غيرهم ثم ذكرنا في ذلك الباب وجهة نظر الشيعة تجاه إمامهم الثاني عشر أمولود وغائب أو موهوم ومعدوم؟ وضمن ذلك بينا عقيدتهم في الإمامة وشروط الإمام التي تلزمه مع بيان فرق الإثني عشرية التي انبثقت منها مع ادعاء كل واحدة منها كونها من الإثني عشرية أو الإمامية أو الجعفرية.

والباب الأخير خصصناه لبيان الروابط العقائدية التي تربطها بالعقائد السبئية المنقولة من اليهودية والمأخوذة منها وبهذا لقد أوشكنا على الانتهاء من هذا الموضوع حيث تكمل (¬1) في الكتب التي ألفناها في الشيعة بهذا الكتاب ولعلنا لا نكون مخطئين ولا مبالغين عندما نقول إن هذه الكتب الأربعة تغني الكثير من الناس في معرفة الشيعة والتشيع ومن كتبهم أنفسهم ومعرفة عقائدهم وتاريخهم وفرقهم وحتى الشيعة أنفسهم يجدون فيها ما يدعوهم إلى التفكير والتعقل والتبصر ودقة النظر لتمييز الحق من الباطل والصواب من الخطاء. وألفت أنظار القراء والباحثين إلى أننا حاولنا في كتابنا هذا كدأبنا ¬

(¬1) هذا حسب ظنا وإلا فكشف الحقائق يحتاج كتب كثيرة لا كما كنا نتوقع سابقاً بأن المختصرين يكفيان لتعريف القوم وبيان حقائقهم وها نحن نتبع الكتاب الأول بعد الكتاب الثاني والثالث بالكتاب الرابع وعند اللحظات الأخيرة وصل إلينا كتاب جديد في اللغة الفارسية باسم (حجت اثنا عشري) من إيران حاول صاحبه الرد علينا في القسم الأخير الكبير من الكتاب ولكنه اختفى تحت الاسم المستعار وبدون الإشارة والنص على شخصيته وهويته خوفاً من الفضيحة وتهرباً من الخجل والندم لما يرى من تخاذله وعجزه عن القيام بالرد العلمي على المطالب التي أوردناها في كتابنا (الشيعة والسنة) المباحث التي طرحناها أمام القاري والباحث من السنة والشيعة. ومن الطرائف أن هذا المبرقع ببرقعه (حقكو ـ أي القائل بالحق) تحدانا مرات عديدة وقال: إنه سيعطينا جائزة إن خطأناه في رأيه فيما كتب وأثبتنا غلطه وعدم إصابته الصواب ثم ولا يكتب على الكتاب داخله ولا خارجه لا اسمه ولا رسمه، ومن وجله وتخوفه من بطشة الحق أنه لم يستطع ذكر المطبعة التي طبعت هذا الكتاب ولا الإدارة التي نشرته ولا الجهة التي صدرته فهذه هي جرأة القوم وهذه هي حقيقتهم. فهذه الحقيقة الواحدة هي التي تكفي لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ـ والتفريق بين التخاذل والثبات وبين الصدق والكذب. فالحاصل أننا لا ندري أيكون هذا الكتاب هو آخر كتاب في هذا الموضوع أم يجبرنا القوم على مواصلة التعقيب والتنقيب والبحث والتفتيش للاستطلاع والاستكشاف وكشف النقاب عن الحقائق الأخرى الخافية المخفية عن أعين الناس من السنة وحتى الشيعة أنفسهم. وإننا لنرى أيضاً في كل مرة نرجع إلى كتب القوم أنها على قسمين: الكتب التي كتبت فقط للدعاية وكتب متضمنة للعقائد الأصلية والمعتقدات الحقيقية. فالكتب الدعائية كثرت في العصور المتأخرة وما أكثر ما استعمل مصنفوها الكذب والخداع لتغطية الأمور أمام المسلمين السنة فما أحوج السنة إلى معرفة الزور والخداع من الصدق والحق فلكم فكرنا في إصدار كتاب يتضمن نقد هذه الكتب وما ورد فيها من المكر والخداع والنفاق والتعمية بعنوان (بين يدي الكتب) ولكن الكتابة في المواضيع الأخرى تحول بيننا وبين ذلك. ولا ندري ما في مغيبات الأمور والله يعلم الأسرار

في الكتب الأخرى أن لا نكرر شيئاً أوردناه في كتاب آخر وحتى عند الاحتياج نبحث عن شيء آخر مماثل لذلك الشيء الذي أوردناه فيما سبق تجنباً للتكرار وزيادة في الفائدة اللهم إلا ما لا بد منه لتشابك المواضيع وترادفها وبذلك صارت هذه الكتب خالية من التكرار المشين ولكل قيمته. وعلى تلك الأصول والقاعدة لم نذكر ترجمة من نقلنا عنه عبارة أو اقتبسنا من كتابه كلاماً وقد ذكرنا ترجمته في الكتب الثلاثة السابقة واكتفينا بذكر تعريف موجز مناسب للمقام بالرجال اللذين لم ترد تراجمهم قبل ذلك. وميزة هذا الكتاب أنه يشتمل مع تاريخ التشيع والشيعة وتغيير التشيع الأول وتبدل الشيعة الأولى والفرق التي حدثت ونشأت بهذا الاسم وانقرضت أو بقيت على مطاعن الشيعة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة عثمان ومعاوية وغيرهما رضوان الله عليهم أجمعين والرد عليها رداً علمياً ومنطقياً وإنني لأرجو الله العلي القدير أن ينفع به الخلائق الأحباء والأباعد وأن يتقبله خالصاً لوجهه الكريم ويجعله ذخيرة لي في الدين والدنيا وفي الحياة وبعد الممات وان يحشرني في زمرة أصحاب نبيه العظيم وان يوفقني للدفاع عن حوزة شريعته وكرامة نبيه صلى الله عليه وسلم وعظمة أصحابه ورفاقه وتلامذته وأزواجه أمهات المؤمنين وعن أسلاف هذه الأمة وعلمائها ومحسنيها وجعلنا منهم إنه سميع مجيب وأخيراً لا يسعني إلا أن أشكر جميع الأخوة والأحياء الذين ساندوني وساهموا في إخراج هذه الكتاب وناصروني في مواصلة الكتاب في مثل هذه المواضيع فبارك الله فيهم ويشكر مساعيهم وتقبل أعمالهم وجزاهم عنا وعن الإسلام خير الجزاء وصلى الله على رسوله وعلى آله

وصحبه وأصحابه ومن اهتدى بهديهم وسلك مسلكهم إلى يوم الدين. إحسان إلهي ظهير 30 محرم المحرم 1404هـ. 6 نوفمبر 1983م

الباب الأول التشيع الأول والشيعة الأولى

الباب الأول التشيع الأول والشيعة الأولى إن لفظة الشيعة لا تطلق إلا على اتباع الرجل وأنصاره فيقال: فلان من شيعة فلان أي ممن يهوون هواه كما قال الزبيدي: كل قوم اجتمعوا على أمر فهم الشيعة وكل من عاون إنساناً وتحزب له فهو شيعة له وأصله من المشايعة وهي المطاوعة والمتابعة. فلم يكن استعمال هذه اللفظة في العصر الأول من الإسلام إلا في معناه الأصلي والحقيقي هذا كما لم يكن استعمالها إلا لأحزاب سياسية وفئات متعارضة في بعض المسائل التي تتعلق بالحكم والحكام، وقد شاع استعمالها عند اختلاف معاوية مع علي رضي الله تعالى عنهما بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه فكان يقال عن أنصار رضي الله عنه الخليفة الراشد الرابع والأحق بالخلافة من معاوية وغيره وكانوا يشايعونه ويناصرونه في حروبه مع معاوية رضي الله عنه كما كان شيعة معاوية يرون الأمر بالعكس للجوء قتلة عثمان بن عفان إلى معسكر علي رضي الله عنه وتحت كنفه حسب زعمهم وما دام هؤلاء كذلك لم يكونوا معتقدين بثبوت الخلافة وأحقيتها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فإن قتل القتلة ونفذ فيهم

شروط معاوية للاعتراف بخلافة علي

حد السيف رجعوا إليه وإلى التسليم بخلافته والانقياد لأمره كما نقله المؤرخون أن معاوية رضي الله عنه قال لمن بعث إليه من قبل علي رضي الله عنه من عدي بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وشبيث بن ربعي وزياد بن حفصة يدعونه إلى الجماعة والطاعة: " أما بعد فإنكم دعوتموني إلى الجماعة والطاعة، فأما الجماعة فمعنا هي، وأما الطاعة فكيف أطيع رجلاً أعان على قتل عثمان وهو يزعم أنه لم يقتله؟ ونحن لا نرد ذلك عليه ولا نتهمه به (¬1) ولكنه آوى قتلة عثمان فيدفعهم إلينا حتى نقلتهم ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة " (¬2). وقال بمثل هذه المقولة لأبي الدرداء ولأبي أمامة المبعوثين أيضاً من قبل علي رضي الله عنه: " اذهبا إليه فقولا له: فليقدنا من قتلة عثمان ثم أنا أول من بايعه من أهل الشام " وقبل ذلك حينما أرسل علي رضي الله عنه جرير بن عبد الله إلى معاوية يدعوه إلى بيعته " طلب معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام فاستشارهم فأبوا أن يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان أو أن يسلم إليهم قتلة عثمان " وإن المؤرخين ذكروا أيضاً أن أبا الدرداء وأبا أمامة عندما رجعا إلى علي قالا له ذلك، فقال: هؤلاء الذين تريان فخرج خلق كثير فقالوا: كلنا قتلة عثمان ¬

(¬1) - انظر إلى القول العدل الذي صدر من رجل يصب عليه الشيعة ويلاتهم ودفائن حقدهم وبغضهم بدعوى أنه قال في علي كيت وكيت فانظر إليه كيف يصرح بأننا لا نتهمه بقتل عثمان بل نصدق قوله في براءته من دمه ولا نقول بما ينكره علي رضي الله عنه. (¬2) - البداية والنهاية ج 7ص257 ط بيروت الطبري ج5 ص6، الكامل ج3 ص290.

شيعة آل محمد وشيعة بنى معاوية

فمن شاء فليرمنا " (¬1) هذا ولسنا الآن بصدد بيان أسباب الحروب التي دارت بين علي رضي الله عنه وبين معاوية رضي الله عنه وغيره ولكننا نريد أن نبين هنا أن فئتين عظميتين من المسلمين ـ كما عبر عنها الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام في مدحه الحسن رضي الله عنه ـ انحاز كل واحدة منهما إلى جانب وشايعت وناصرت من رأوا الحق معه فسميت كل طائفة من هاتين الطائفتين شيعة علي وشيعة معاوية ولم يكن الخلاف بينهما إلا خلافاً سياسياً محضاً طائفة كانوا يرون علياً رضي الله عنه خليفة صاحب حق شرعي حيث انعقدت له الخلافة بمشورة أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار (¬2) وقوم رأوا أحق الناس بها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما حيث أنه يريد الثأر لدم الإمام المظلوم صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته للمسلمين الذي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة المشهورة لأخذ الثأر عنه يوم الحديبية وسميت فيما بعد هذه البيعة بيعة الرضوان حيث أنزل الله رضاه لكل من بايع لأجله (¬3). وكذلك أطلقت هذه اللفظة على حزب سياسي موحد لبني علي وبني العباس بتركيب شيعة آل محمد مقابل شيعة بني أمية ولم يكن إطلاقها إلا لبيان رأي سياسي في من تولى الحكم وفي من يحق أن يتولاه وقد صرح بذلك شيعي مشهور ناقلاً عن كتاب الزينة للسجستاني: ¬

(¬1) - البداية والنهاية ج 7ص 253 - 259 ط بيروت (¬2) - كما استشهد علي رضي الله عنه على أحقيتها له إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى فإن خرج منهم بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أتى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى (نهج البلاغة ص367) (¬3) - بقوله جل وعلا {لقد رضي الله عن المؤمنين إذا يبايعونك تحت الشجرة "".

العثمانية والعلوية

ثم بعد مقتل عثمان وقيام معاوية وأتباعه في وجه علي بن أبي طالب وإظهاره الطلب بدم عثمان واستمالته عدداً عظيماً من المسلمين إلى ذلك صار أتباعه يعرفون بالعثمانية وصار أبتاع علي يعرفون بالعلوية مع بقاء إطلاق اسم الشيعة عليهم واستمر ذلك مدة ملك بني أمية ". (¬1) ونقل أيضاً من نقيب الشيعة بحلب: كل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيعة وشيعة الرجل أتباعه وأنصاره ويقال: شايعه كما يقال والاه من الولي والمشايعة وكأن الشيعة لما اتبعوا هؤلاء القوم واعتقدوا فيهم ما اعتقدوا سموا بهذا الاسم لأنهم صاروا أعواناً لهم وأنصارا وأتباعا، فأما من قبل حين أفضت الخلافة من بني هاشم إلى بني أمية وتسلمها معاوية بن صخر من الحسن بن علي وتلقفها من بني أمية ومالوا إلى بني هاشم وكان بنو علي وبنو عباس يومئذ في هذا شرع فلما انضموا إليهم واعتقدوا أنهم أحق بالخلافة من بني أمية وبذلوا لهم النصرة والموالاة والمشايعة سمو شيعة آل محمد ولم يكن إذ ذاك بين بني علي وبني العباس افتراق في رأي ولا مذهب فلما ملك بنو العباس وتسلمها سفاحهم من بني أمية نزغ الشيطان بينهم وبين بني علي فبدا منهم في حق بني علي ما بدا فنفر منهم فرقة من الشيعة " (¬2) وقد كررنا لفظ السياسة حيث نقصد من ورائها أنه لم يكن بين القوم خلاف ديني يرجع إلى الكفر والإسلام كما أقر بذلك سيدنا علي رضي الله عنه حيث قال مخاطباً جنده عن معاوية وعساكره. ¬

(¬1) - أعيان الشيعة لمحسن الأمين / الجزء الأول القسم الأول ص 12. (¬2) - غاية الاختصار في أخبار بيوتات العلوية المحفوظة من الغبار لسيد تاج الدين بن حمزة الحسيني نقيب حلب.

الخلاف بين علي ومعاوية لم يكن خلاف الكفر والإسلام

أوصيكم عباد الله تقوى الله فإنها خير ما تواصى به العباد به وخير عواقب الأمور عند الله وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة (¬1) ". هذا وقد زاد علي رضي الله عنه المسألة وضوحاً وبياناً في كتاب له كتبه إلى أهل الأمصار يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين ويبين فيه حكم من ناضلوه وقاتلوه وموفقه منهم: وكان بدء أمرنا التقينا والقوم من أهل الشام والظاهر أن ربنا واحد وبنينا واحد ودعوتنا في الإسلام واحدة ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله صلى الله عليه وسلم الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء (¬2) ". ولأجل ذلك منع أصحابه من سب أهل الشام وأنصار معاوية وشتمهم إياهم أيام حربهم بصفين: إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتهم أعمالهم وذكرتهم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان سبكم إياهم " اللهم احقن دمائنا ودمائهم وأصلح ذات بيننا وبينهم (¬3) ". ويؤيد ذلك حديث شيعي مشهور رواه الكليني في صحيحه (الكافي) عن جعفر بن محمد الباقر ـ الإمام السادس المعصوم حسب زعم الشيعة ـ أنه قال: ينادي مناد من السماء أول النهار إلا إن علياً صلوات الله عليه وشيعته هم الفائزون قال: وينادي مناد آخر النهار ألا إن ¬

(¬1) - نهج البلاغة ص 367 ط بيروت. (¬2) المصدر السابق 448. (¬3) المصدر السابق 323.

عثمان وشيعته هم الفائزون " (¬1). ومن طريف ما ذكرنا أن أبا العالية وهو تابعي مشهور أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو شاب ولكنه لم يسلم إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإن روى عنه أبو خلدة أنه قال: قال أبو العالية: لما كان زمان علي ومعاوية وإني لشاب القتال أحب إلى من الطعام الطيب فجهزت بجهاز حسن حتى أتيتهم فإذا صفان ما يرى طرفاهما إذا كبر هؤلاء كبر هؤلاء وإذا هلل هؤلاء هلل هؤلاء فراجعت نفسي فقلت: أي الفريقين أنزله كافراً؟ ومن أكرهني على هذا؟ قال: فما أمسيت حتى رجعت وتركتهم (¬2) ". ولا ننكر أنه كان هناك أناس تأثروا بدسائس يهودية وأفكار مدسوسة وخرجوا عن الجادة المستقيمة وأعطوا هذا الخلاف صبغة دينية أمثال السبأيين وغيرهم ممن وقعوا في حبائل اليهودية المبغضة للإسلام وهم الذين كانوا يؤججون نار الحرب كما خبت نيرانها كما سنفصل القول فيما بعد إن شاء الله ولكن عامة الناس كانوا على منأى عنها. فهذه هي بداية استعمال هذه اللفظة ثم اختص بكل من يوالي علياً وأولاده ويعتقد الاعتقادات المخصوصة والمستقاة من دسائس عبد الله بن سبأ اليهودي وغيره من الذين أرادوا هدم عمارة الإسلام وكيانه وتشويه عقائده وتعليماته كما قال ابن الأثير في نهايته: وأصل الشيعة الفرقة من الناس وتقع على الواحد والاثنين والجمع والذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد وقد غلب هذا الاسم على كل من يزعم (؟). أنه يتولى علياً رضي الله عنه وأهل بيته حتى صار لهم اسماً خاصاً فإذا قيل من الشيعة عرف أنه منهم وفي مذهب ¬

(¬1) الكافي في الفروع ج 8 ص 209. (¬2) سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ج 4 ص 210 طبقات ابن سعد ج 7 ص 114.

متى وجد التشيع ومتى تكونت الشيعة

الشيعة كذا أي عندهم وتجمع الشيعة علي شيع وأصلها من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة " (¬1) ". وأما ادعاء من يدعي بأن هذه اللفظة كانت شائعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما كان التشيع موجوداً في عصره والشيعة موجودون في زمنه فلا ينهض به دليل ولا يقوم به برهان كما قال محمد الحسين في (أصل الشيعة وأصولها). إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام ـ هو نفس صاحب الشريعة ـ يعني أن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنباً إلى جنب وسواء بسواء ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والعناية حتى نمت وازدهرت في حياته (¬2) ثم أثمرت بعد وفاته (¬3) ". وبمثل ذلك القول قال الآخر " إن التشيع ظهر في أيام نبي الإسلام الأقدس الذي كان يغذى بأقواله عقيدة التشيع لعلي عليه السلام وأهل بيته ويمكنها في أذهان المسلمين ويأمر بها في مواطن كثيرة (¬4) ". ¬

(¬1) - النهاية لابن الأثير ج 2 ص 244. (¬2) - واستشهد على ذلك بروايات واهية موضوعة ومكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تصح منها ولا رواية واحدة مثل (أن علياً وشيعتهم لهم الفائزون) وعلى ذلك قال ابن الحديد الشيعي الغالي: أن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة فإنهم وضعوا في بدء الأمر أحاديث مختلفة في فضائل أئمتهم حملهم على وضعها عداوة خصومهم (شرح نهج البلاغة ج1ص 783). (¬3) ومن أعجب العجائب أن رجلاً كهذا يكذب بكل وقاحة ولا يستحي حيث ينسب رواية باطلة موضوعة ألا وهي رواية الطير في الصحيحين ولا وجود لها فيهما: " وكذلك من عد عدداً كبيراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وأطلق عليهم بأنهم كانوا شيعة علي مثل محسن الأمين ومحمد حسين الزين وآل كاشف الغطاء وغيرهم فلا ندري بماذا يجيبون عن أحاديث كثيرة مروية في صحاحهم التي تحكم على ارتداد جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الثلاثة سلمان وأبو ذر والمقداد "انظر تفصيل ذلك في كتابنا الشيعة والسنة " فهل هؤلاء كانوا كفرة مع كونهم شيعة علي ثم وكيف قبل سلمان إمارة من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ " حياة القلوب للمجلسي ج2ص780". وكان أحد القادة الذين أرسلهم الفاروق لفتح المدائن (ابن كثير ج7ص67). (¬4) - أصل الشيعة وأصولها ص 87. 3 - الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ص29.

ما قاله المظفرى

ولم يظن المظفري الشيعي هذا كافياً فقال: إن الدعوة إلى التشيع ابتدأت من اليوم الذي هتف فيه المنقذ الأعظم محمد صلوات الله عليه صارخاً بكلمة لا إله إلا الله في شعاب مكة وجبالها ... فكانت الدعوة للتشيع لأبي الحسن عليه السلام من صاحب الرسالة تمشي منه جنباً لجنب مع الدعوة للشهادتين (¬1) ". ولا يخفى ما فيه من المجازفة بالقول والغلو لأن معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع إلى الإسلام وإلى وحدانية الله عز وجل والإقرار برسالته وطاعته وإلى الاتحاد والاتفاق والتآلف والمحبة والمودة بل كان يدعو إلى التحزب والتفرق والتشيع لعلي دون غيره كما أنه حسب دعوى المظفري كان يجعل علياً شريكاً له في نبوته ورسالته مع أن كلام الله المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي أنزله الرحمن وضمن حفظه قرآنه وبيانه خال من كل هذا (¬2) بل ويعكس ذلك أنه مليء بالدعوة إلى طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والاعتصام بحبل الله وحده والتمسك بالقرآن والسنة والتجنب لما سواهما كما أمر المسلمين بالاتفاق والاتحاد والتسمي باسم الإسلام والمسلمين وكذلك الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬3) لا تشتمل ولا تصرح إلا بهذا ¬

(¬1) - تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري ص 8، 9 ط قم. (¬2) - ولعل هذا من أهم دواعي إنكار القرآن والاعتقاد فيه بالتغيير والتحريف والنقصان من قبل الشيعة لأنهم لا يجدونه مؤازراً لهم ومناصرا بل كل ما فيه يخالف التشيع وعقائدهم بأصولها وفروعها ويفند مزاعمهم ويسفه عقولهم وآراءهم وأفكارهم. فانظر لتفصيل ذلك ومعرفته كتبانا (الشيعة والسنة) و (الشيعة والقرآن) (¬3) - والعجب كل العجب أن الشيعة الذين ينكرون الأحاديث الصحاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه لأن رواة هذه الأحاديث وحملتها هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم ارتدوا ـ عياذا بالله حسب زعمهم ـ يثقون بروايات هؤلاء ومروياتهم. ولا ندري كيف أن الشيعة يتمسكون بالروايات الموضوعة الباطلة والأحاديث الواهية المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لأنه اختلق هذه الروايات واخترعها رجال منهم أو وضعها رواتهم والدعاة إلى أباطيلهم وأضاليلهم. وقلما تجد الشيعة يتمسكون بحديث صحيح أو يعتقدون بل كل بضاعتهم الموضوعات أو الأساطير والقصص.

كله لا غير فلقد قال الله عز وجل: {يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون} وقال {أطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} وقال {ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وقال {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الحق ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} وقال {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} وقال {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت} وقال جلا وعلا {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً} وقال {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} وقال {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}

وقال {ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً} وقال {إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم الحق بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب} وقال {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}. وأخيرا أخبر الكون ومن في الكون بأنه لم يرسل نبيه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين إلا بما أرسل به الرسل والأنبياء من قبل حيث أمره أن يقول {قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إليّ وما أنا إلا نذير مبين} وكما قال {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم موسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} ولقد بين جلا وعلا سبحانه وتعالى مجملاً بما أرسل الرسل من قبله حيث قال {وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}. كما فصل في مواضع عديدة من القرآن بذكر كل واحد منهم

تمسك القوم بالأحاديث الموضوعة

برسالته وبمثل ذلك تماماً وردت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة. وأما القوم فهم على خلاف ما بينه الرب جل وعلا وبينه رسوله العظيم عليه الصلاة والسلام حيث يزعمون أنه لم يرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا للدعوة إلى التشيع والتفرق وإلى الإشراك في ذات الله وصفاته وإشراكه علياً وأولاده في النبوة والرسالة والإطاعة ثم يسردون لإثبات ذلك روايات كلها باطلة وموضوعة رواية ودراية رواية حيث إن الرواة الذين رووا تلك الأحاديث شيعة ضالون ووضاعون كذابون ولم ترد هذه الروايات في كتب موثوقة معتمدة ودراية حيث تعارض القرآن ونصوصه كما تخالف العقل لأن العقل يقتضي أن لا يكون الشرائع مقصودها ومهمتها الدعوة إلى الحب لأشخاص والولاية لهم وبسبب هذه الولاية دخولهم في الجنة ونجاتهم من النار كما أن الآيات القرآنية تنفي ذلك نفي باتاً حيث لم يجعل الحب وحتى حب الله كافياً للفوز والنجاح في الآخرة حيث قال الله عز وجل {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}. وما الاتباع إلا الإيمان بالله والعمل الصالح حسب أوامر الله ونبيه صلى الله عليه وسلم والاجتناب عن نواهي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات عدن} وقال {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من

اضطراب آراء القوم وأقوالهم

تحتها الأنهار ذلك الفوز العظيم}. ولقد اضطربت أراء القوم أنفسهم في بد نشأة التشيع وتكوينه حيث قال إمام الشيعة في الفرق النوبختي أن نشأته لم تكن إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كتب: " قبض رسول الله صلى الله عليه وآله في شهر ربيع الأول سنة عشر من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة وكانت نبوته عليه السلام ثلاثاً وعشرين سنة وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، فافترقت الأمة ثلاث فرق (فرقة منها) سميت الشيعة وهم شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام ومنهم افترقت صنوف الشيعة كلها، " وفرقة منهم " ادعت الإمرة والسلطان وهم والأنصار ودعوا إلى عقد الأمر لسعد بن عبادة الخزرجي " وفرقة " مالت إلي بيعة أبي بكر بن أبي قحافة وتأولت فيه أن النبي صلى الله عليه وآله لم ينص على خليفة بعينة وأنه جعل الأمر إلى الأمة تختار لأنفسها من رضيته واعتقل قوم منهم برواية ذكروها أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره في ليلته التي توفي فيها بالصلاة بأصحابه فجعلوا ذلك الدليل على استحقاقه إياه وقالوا رضيه النبي صلى الله عليه وآله لأمر ديننا ورضيناه لأمر دنيانا وأوجبوا له الخلافة بذلك فاختصمت هذه الفرقة وفرقة الأنصار وصاروا إلى سقيفة بني ساعدة ومعهم أبو بكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة الثقفي وقد دعت الأنصار إلى العقد لسعد بن عبادة الخزرجي والاستحقاق للأمر والسلطان فتنازعوا هم والأنصار في ذلك حتى قالوا منا أمير ومنكم أمير فاحتجت هذه الفرقة عليهم بأن النبي عليه السلام قال: الأئمة من قريش: وقال بضعهم أنه قال:

الإمامة لا تصلح إلا في قريش: فرجعت الأنصار ومن تابعهم إلى أمر أبي بكر غير نفر يسير مع سعد بن عبادة ومن اتبعه من أهل بيته فإنه لم يدخل في بيعته حتى خرج إلى الشام مراغماً لأبي بكر وعمر فقتل هناك بحوران قتله الروم وقال آخرون: قتلته الجن فاحتجوا بالشعر المعروف وفي روايتهم أن الجن قالت: قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة **** ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده وهذا قول فيه بعض النظر لأنه ليس في التعارف أن الجن ترمي بني آدم بالسهام فتقتلهم فصار مع أبي بكر السواد الأعظم والجمهور الأكثر فلبثوا معه ومع عمر مجتمعين عليهما راضين بهما (¬1) " وأما ابن النديم الشيعي (¬2) فيرى أن تكوين الشيعة لم يكن إلا يوم وقعة الجمل حيث قال: ولما خالف طلحة والزبير (¬3) علي رضي الله عنه وأبيا إلا الطلب بدم عثمان وقصدهما علي عليه السلام ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله تسمى من اتبعه على ذلك باسم الشيعة ". ومنهم من قال: اشتهر اسم الشيعة يوم صفين (¬4) ". وبمثل ذلك القول قال ابن حمزة وأبو حاتم وغيرهما من الشيعة وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه وبمثل هذا القول قال ابن حزم في (الفصل) (¬5) من المتقدمين وأحمد أمين (¬6) وغيره الكثيرون الكثيرون ¬

(¬1) - فرق الشيعة النوبختي ص 23 - 24. (¬2) - هو ابن الفرج محمد بن إسحاق النديم الكاتب الفاضل الخير الماهر المتبحر الشيعي الإمامي مصنف كتاب الفهرست المولود سنة 297هـ المتوفى سنة 385هـ " الكنى والألقاب للقمي ج1ص 425 - 426" (¬3) - الفهرست لابن النديم ص 249 (¬4) - روضات الجنات للخوانساري ص88 (¬5) - الفصل في الممل والأهواء والنحل ج 4ص79 (¬6) - فجر الإسلام ص266 ط8

من المتأخرين. ويقول شيعي معاصر: إن استقلال الاصطلاح الدال على التشيع إنما كان بعد مقتل الحسين حيث إن التشيع أصبح كياناً مميزاً له طابع خاص (¬1). ولأجل ذلك اضطر محسن الأمين إلى أن يقول: سواء كان إطلاق هذا الاسم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعد الجمل فالقول بتفضيل علي عليه السلام وموالاته الذي هو معنى التشيع كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم واستمر بعده إلى اليوم (¬2) ". والمظفري أن يقول: فكان التجاهر بالتشيع أيام عثمان (¬3). وهو الصحيح [لأن الأسماء لا توجد قبل المسميات] ولا الأحزاب قبل الخلافات فلما وجد الخلاف تحزب لكل رأي حزب وتعصبوا جماعات وفرقاً فآنذاك وجدت الجماعات ووجدت لها الأسماء ولم يكن هناك خلاف بين المسلمين ولم يتعصب له أشخاص قبل مقتل عثمان ذي النورين رضي الله عنه وقبل النتائج التي نتجت من قتله وبعد تولية علي رضي الله عنه إمرة المؤمنين وخلافة المسلمين وعندئذ نشأ الخلاف فمنهم من رأى رأي علي رضي الله عنه وأنصاره ومنهم ومن رأى رأي طلحة والزبير ثم رأي معاوية وأتباعه وهناك تحزب حزبان سياسيان كبيران بين المسلمين شيعة علي وشيعة معاوية وكل واحد من هؤلاء يرى رأيه في تولية الحكم وتدبير الأمور ودينهما واحد وعقائدهم واحدة متفقة كما بيناه آنفاً. ¬

(¬1) - الصلة بين التصوف والتشيع لكامل مصطفى الشيبي ص 23. (¬2) - أعيان الشيعة القسم الأول الجزء الأول ص 13. (¬3) - تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري ص15

الخلاف قبل مقتل عثمان وبعد مقتله

نعم كان هناك خلاف قبل شهادة عثمان رضي الله عنه والذي جر إلى قتل عثمان ولكنه لم يكن إلا بين قادة اليهود والمخدوعين المغترين الواقعين في حبائل الدسائس اليهودية الأثيمة وبين المسلمين وإمامهم كما سيأتي بيانه في باب مستقل كما أنه وقعت الخلافات البسيطة الطفيفة ولكنها لم تبقى إلا للحظات لرجوع الفريق الثاني إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالاً لقول الله عز وجل {وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} كالخلاف الذي وقع بين الأنصار والمهاجرين يوم السقيفة حيث رجع الأنصار عن رأيهم إلى رأي المهاجرين وبايعوا أبا بكر اتفاقا واتحادا ولم يكن هناك فريق ثالث كما يزعمه الشيعة ولم يقدم اسم رجل ثالث للخلافة والإمارة غير سعد بن عبادة وأبي بكر وعلى ذلك لم يكن هناك خلاف ولا نزاع ولا [زعماء ولا قادة] لهذه الآراء والأحزاب كما شهد بذلك علي رضي الله عنه حينما دخل عليه عمرو بن الحمق وحجر بن عدي وحبة العرني والحارث الأعور وعبد الله بن سبأ بعد ما افتتحت مصر وهو مغموم حزين كما رواه عبد الرحمن بن جندب عن أبيه جندب فقالوا له: " بين لنا ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال لهم علي عليه السلام: وهل فزعتم لهذا؟ وهذه مصر قد افتتحت وشيعتي بها قد قتلت؟ أنا مخرج إليكم كتاباً أخبركم فيه عما سألتم وأسألكم أن تحفظوا من حقي ما ضيعتم فاقرؤوه على شيعتي وكونوا على الحق أعوانا وهذه نسخة الكتاب

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين: السلام عليكم فإني احمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وآله نذيراً للعالمين وأميناً على التنزيل وشهيداً على هذه الأمة وأنتم يا معشر العرب يومئذ على شر دين وفي شر دار منيخون على حجارة خشن وحيات صم وشوك مبثوث في البلاد تشربون الماء الخبيث وتأكلون الطعام الجشيب وتسفكون دماءكم وتقتلون أولادكم وتقطعون أرحامكم وتأكلون أموالكم [بينكم] بالباطل سبلكم خائفة والأصنام فيكم منصوبة ... [والآثام بكم معصوبة] ولا يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون فمن الله عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله فبعثه إليكم رسولاً من أنفسكم وقال فيما أنزله من كتابه: هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وقال: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم وقال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم وكنتم أول المؤمنين تعرفون وجهه وشيعته وعمارته فعلمكم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم وصلاح ذات البين وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأن توفوا بالعهد ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وأمركم أن تعاطفوا وتباروا وتباذلوا وتراحموا ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتقاذف وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان وتقدم إليكم فيما أنزل عليكم: ألا تزنوا ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلماً وأن

نوعية الخلاف

تؤدوا الأمانات إلى أهلها ولا تعثوا في الأرض مفسدين ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكل خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به وكل شر يباعد من الجنة ويدني من النار نهاكم عنه. فلما مضى لسبيله صلى الله عليه وآله تنازع المسلمون الأمر بعده فوا الله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد صلى الله عليه وآله عن أهل بيته ولا أنهم منحوه عني من بعدي، فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله في الناس ممن تولى الأمر من بعده فلبثت بذاك ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين الله وملة محمد صلى الله عليه وآله وإبراهيم عليه السلام فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً يكون مصيبته أعظم علىّ من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشع السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق وكانت " كلمة الله هي العليا " ولو كره الكافرون. فتولى أبو بكر تلك الأمور فسير وسدد وقارب واقتصد فصحبته مناصحا وأطعته فيما أطاع الله جاهدا (¬1) ". ومثل ذلك في (مقالات الإسلاميين) للأشعري: وأول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم اختلافهم في الإمامة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قبضه الله عز وجل ونقله ¬

(¬1) - الغارات للثقفي ج1ص302 - 307 وورد مثل ذلك في شرح نهج البلاغة لابن الحديد الشيعي والميثم البحراني الشيعي وفي ناسخ التواريخ وفي مجمع البحار للمجلسي وغيرها ومن أراد التفصيل في ذلك فليرجع إلى كتابنا ... (الشيعة وأهل البيت).

إلى جنته ودار كرامته اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وأردوا عقد الإمامة لسعد بن عبادة وبلغ ذلك أبا بكر وعمر رضوان الله عليهم [فـ]ـقصدا نحو مجتمع الأنصار في رجال من المهاجرين فأعلمهم أبو بكر أن الإمامة لا تكون إلا في قريش واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم الإمامة في قريش فأذعنوا لذلك منقادين، ورجعوا إلى الحق طائعين، بعد أن قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير وبعد أن جرد الحباب بن المنذر سيفه وقال أنا المحكك وعذيقها المرجب من يبارزني بعد أن قام قيس بن سعد بنصرة أبيه سعد بن عبادة حتى قال عمر بن الخطاب في شأنه ما قال، ثم بايعوا أبا بكر رضوان الله عليه واجتمعوا على إمامته واتفقوا على خلافته وانقادوا لطاعته فقاتل أهل الردة على ارتدادهم كما قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفرهم فأظهره الله عز وجل عليهم أجمعين وأوضح الله به الحق المبين وكان الاختلاف بعد الرسول صلى الله عليه وسلم في الإمامة ولم يحدث خلاف غيره في حياة أبي بكر رضوان الله عليه وأيام عمر إلى أن ولي عثمان بن عفان رضوان الله عليهم وأنكر قوم عليه في آخر أيامه أفعالاً كانوا فيما نقموا عليه من ذلك مخطئين، وعن سنن المحجة خارجين، فصار ما أنكروه عليه اختلافاً إلى اليوم، ثم قتل رضوان الله عليه وكانوا في قتله مختلفين، فأما أهل السنة والاستقامة فإنهم قالوا: كان رضوان الله عليه مصيباً في أفعاله قتله قاتلوه ظلماً وعدواناً، وقال قائلون بخلاف ذلك، وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم. ثم بويع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فاختلف الناس في أمره فمن بين منكر لإمامته ومن بين قاعد عنه ومن بين قائل بإمامته معتقد لخلافته، وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم.

ثم حدث الاختلاف في أيام علي في أمر طلحة والزبير رضوان الله عليهم وحربهما إياه وفي قتال معاوية إياه وصار علي ومعاوية إلى صفين (¬1) ". ومثل الخلافات الأخرى كالخلاف في موضع دفن الرسول وقتال مانعي الزكاة وغيرها، فلم تكد تظهر هذه الخلافات حتى تلاشت بعد عرض الأمور على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجوع إليهما. ولكن الخلاف الذي لم ينحل والنزاع الذي لم ينته كان هو ذلك الاختلاف الذي شتت شمل المسلمين وفرق جمعهم وجعلهم فريقين كبيرين يرأس الأول منهما علي رضي الله عنه والثاني معاوية رضي الله عنه، ونكرر القول بأن هذا الخلاف لم يجر واحداً منهما إلى تكوين مذهب جديد واعتناق عقائد جديدة ولا إلى إنكار ما ثبت في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الانحراف عن الجادة المستقيمة التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده أبو بكر وعمر وعثمان الخلفاء الراشدون المهديون من بعد كما لم يكن هناك مباغضة للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين قضوا نحبهم قبل كما اختلقها شيعة اليوم ن ولا إثارة إلى الضغائن القبلية والمبنية على الحسب والنسب، وخاصة لم يكن لأنصار علي رضي الله عنه، الخلص منهم، عقائد الشيعة اليوم، المنطوية على بغض السلف الصالح وعلى الأخص أبو بكر وعمر وعثمان وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، والمبنية على إنكار القرآن الموجود بأيدي الناس، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي أخذوها عن عبد الله بن سبأ وتوارثوها عن اليهودية البغيضة كما سنبرهن ذلك قريباً إن شاء الله بل، كانوا محبين لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وأزواج النبي الطاهرات ¬

(¬1) ـ مقالات الإسلاميين للأشعري ج1ص39.

تسمية علي أبناءه بأسماء الخلفاء الراشدين الثلاثة

المطهرات، والمقتفين آثارهم والمقتدين هداهم، وعلى رأسهم علي رضي الله عنه أمير المؤمنين وخليفة رسول الله الأمين الراشد الرابع حيث كان يحبهم حباً جماً ويظهر موالاته لهم ويعاند كل من يعارضهم، ويعاقب كل من يتكلم فيهم، كما كان يحارب بكل قوة وشدة تسرب أفكار السبئية واليهودية في أتباعه وأنصاره وشيعته، ويطرد كل من يشك فيه بتسممه من هذه العقائد المسمومة فلقد ذكر الشيعة أنفسهم بأن علياً رضي الله عنه سمى أبناءه بأسماء الخلفاء الراشدين السابقين الثلاثة، بأبي بكر وعمر وعثمان (¬1) وابنه الحسين كذلك سمى أبناءه بأي بكر وعمر (¬2) وكذلك الآخرون من أبناء علي وأبناء الحسين سمو أبناءهم بأسماء هؤلاء الأخيار البررة تحبباً إليهم وتبركاً بهم (¬3). وأما الاقتداء والاتباع فلقد ذكرنا عنه كثيراً في كتابنا (الشيعة وأهل البيت) ولا نريد تكرار ما قلناه هناك فليرجع إلى ذلك، ولكنا نثبت هاهنا عبارة عن ألد أعداء السنة وأكبر السبابين اللعانين الشيعة، عن الملا باقر المجلسي الشيعي الإيراني الذي يلقب بخاتمة المحدثين، والذي ألف أكبر مجموعة في الحديث باسم ... (بحار الأنوار) فهو يكتب في كتابه (جلاء العيون في حياة ومصائب أربعة عشر معصوماً) أن حسين بن علي بن أبي ¬

(¬1) - أعلام الورى للطبرسي ص 203، الإرشاد للمفيد ص 186، تاريخ اليعقوبي ج 2ص 119، مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصبهاني ص 142، كشف الغمة للأربلي ج 2ص64، جلاء العيون للمجلسي ص582. (¬2) - أعلام الورى للطبرسي ص 213، تاريخ اليعقوبي ج3ص228، مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصبهاني ص ص78ص119، منتهى الآمال ج1ص240. (¬3) - التنبيه والإشراف للمسعودي الشيعي ص263، جلاء العيون للمجلسي ص582.

صلح الحسن مع معاوية إحدى شروط الصلح

طالب صالح معاوية بن أبي سفيان على أنه يعمل بين الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم سيرة الخلفاء الراشدين (¬1) وأن لا يعين أحداً بعده وأن يؤمن الناس أينما كانوا في الشام والعراق والحجاز واليمن وأن يؤمن شيعة علي بن أبي طالب وأصحابه في أنفسهم وأموالهم وأزواجهم وأولادهم وأخذ على هذه الشروط العهود المغلظة باليمين (¬2) ". فجعل الحسن بن علي ـ وهو الإمام الثاني عند الشيعة ـ أحد شروط الصلح مع معاوية أن يكون متبعاً لسيرة الخلفاء الراشدين، ولم يكن هؤلاء إلا أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، كما أنه لم يجعل العمل بسيرة هؤلاء شرطاً من أهم الشروط إلا لأنه كان يحسن فيهم الظن ويعتقد فيهم الخير ويؤمن بتقواهم وطهارتهم زيادة على إيمانهم وإسلامهم الصحيح الخالص. هذا ومثل هذا كثير لمن تتبع أخبار علي وأولاده (¬3) رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين. ونريد أن نضيف إلى ذلك أن الخلاف الذي وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما لم يؤد إلى التكفير والتفسيق فيما بينهم ولا إلى المقاطعة الدائمة والمباغضة الأبدية والهجران والقطيعة كما تصوره القوم في العصور المتأخرة وكما وضعت الأساطير والقصص، بل كل واحد من الحزبين كان يعتقد بإيمان الآخر وإسلامه ويحب الإصلاح بينهما ويسعى إلى التوافق والتصالح، وعلى ذلك صالح الحسن بن علي معاوية رضي الله عنهم أجمعين وبايعه، ولم يكن يظنه كافراً خارجاً عن الإسلام لما اتفق معه ولم ¬

(¬1) - فليلاحظ لفظ الخلفاء الراشدين لأن الذين أعمى الله أبصارهم لا يستحيون من تأويلات سخيفة ركيكة كلما عرض عليهم دليل أو برهان مثبت في كتبهم وعن أعيانهم. (¬2) - جلاء العيون للمجلسي ج1 ص293 ط طهران 1398هـ، الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة ص163 ط طهران، منتهى الآمال للعباس القمي ص314. (¬3) - ونبذة غير يسيرة موجودة في كتابنا (الشيعة وأهل البيت) من أراد ذلك فليرجع إليه.

مبايعة الحسن والحسين معاوية أميرا وخليفة

يصالحه ولم يبايعه ولم يأمر ولم يأمر أخاه الحسين ولا قائد جيشه قيس بن سعد أن يبايعاه كما ثبت ذلك في كتب الشيعة وهذه هي ألفاظ الكشي: جبرائيل بن أحمد وأبو إسحاق حمدويه وإبراهيم ابنا نصير قالوا: حدثنا محمد بن عبد الحميد العطار الكوفي عن يونس بن يعقوب عن فضل غلام محمد بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن معاوية كتب إلى الحسن بن علي صلوات الله عليهما أن أقدم الأنصاري وقدموا الشام فأذن لهم معاوية وأعد لهم الخطباء فقال: يا قيس قم فبايع، فالتفت إلى الحسين عليه السلام ينظر ما يأمره فقال يا قيس إنه إمامي ـ يعني الحسن عليه السلام (¬1) ". وقبل ذلك أبوه علي بن أبي طالب ـ وهو الإمام المعصوم الأول عند الشيعة ـ خاطب معاوية بقوله في رسالته التي أرسلها جوابا له ـ حسب زعم القوم: " لم يمنعنا قديم عزنا وعادي طولنا على قومن أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء (¬2) ". وكذلك لو كان هناك مسألة الكفر والنفاق لما تزوجت رملة بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه من معاوية بن مروان بن الحكم (¬3) ". و (رملة) بنت علي كانت أم سعيد [بنت] عروة بن مسعود الثقفي (¬4) ¬

(¬1) - رجال الكشي ص102، أيضاً منتهى الآمال ص316، وجلاء العيون للمجلسي ج1ص395. (¬2) - نهج البلاغة تحقيق صبحي صالح ص 386، 387 ط بيروت. (¬3) - نسب قريش ص45، جمهرة أنساب العرب ص87. (¬4) - الإرشاد للمفيد ص186، إعلام الورى للطبرسي ص203.

وابنته الثانية خديجة كانت متزوجة من عبد الرحمن بن عامر الأموي (¬1) ". وكان أبوه عامر بن كريز الأموي أميراً على البصرة من قبل معاوية وشريكاً في حرب الجمل مع طلحة والزبير ضد علي "رضوان الله عليهم جميعاً " وأن خديجة بنت علي كانت من أم ولد له كما ذكرها الطبرسي في الأعلام (¬2) والمفيد في الإرشاد (¬3) ". كما أن إحدى بناته تزوجت من عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي (¬4). وكما أن بنات الحسن وبنات الحسين زوجن من الأمويين وبنات الأمويين زوجن من أبناء الهاشميين ومن أولاد علي بالأخص. ولقد ذكرنا هذه المصاهرات بين بني أمية وبين بني هاشم في كتاب (الشيعة وأهل البيت) ومن أراد التفصيل فليرجع إلى ذلك ولكن نذكر هاهنا واحدة من بنات الحسن وواحدة من بنات الحسين. فلقد تزوجت سكينة بنت الحسين وحفيدة علي من حفيد عثمان بن عفان: زيد بن عمرو بن عثمان وزيد بن عمرو بن عثمان هذا هو الذي كانت عنده سكينة بنت الحسين فهلك عنها فورثت عنه (¬5) ". وكذلك نفيسة بنت زيد بن حسن بن علي تزوجت من الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان، قد ذكر هذا الزواج شيعي نسابة مشهور أيضاً في كتابه وما أقبحه في التعبير: ¬

(¬1) - جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص68. (¬2) - ص203 (¬3) - ص186 (¬4) - البداية والنهاية ج 9ص69 ط بيروت (¬5) - نسب قريش للزبيري ج4ص120، المعارف لابن قتيبة ص94، جمهرة أنساب العرب لابن حزم ج1ص86، طبقات ابن سعد ج6ص349.

" وكان لزيد بن الحسن بن علي ابنة اسمها نفيسة خرجت إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان فولدت له منه وماتت بمصر .... وكان زيد يفد إلى الوليد بن عبد الملك ويقعده على سريره ويكرمه لمكان ابنته ودفع له ثلاثين ألف دينار دفعة واحدة (¬1) ". والجدير بالذكر أن زيد بن الحسن هذا كان ممن حضر كربلاء مع عمه الحسين رضي الله عنه، كما أن حفيدة الحسن بن علي: زينب بنت الحسن المثنى أيضاً كان متزوجة من الوليد بن عبد الملك الأموي (¬2). وأبوها الحسن بن المثنى أيضاً ممن حضر كربلاء مع عمه وصهره الحسين وجرح جرحاً شديداً. ونلفت الأنظار إلى أن الستة من حفيدات الحسن من أبناء مختلفين كن متزوجات من الأمويين من قادتهم وزعمائهم، [وهذه المصاهرات عدد منها أصحاب الأنساب] أكثر من عشرين مصاهرة [وكلها حصلت بعد الخلاف الذي] وقع بين علي ومعاوية وبعد حروب الجمل وصفين (¬3) وكذلك تزوج كثير من الهاشميين من بنات الأمويين ومن الأسرة الحاكمة بالذات كما كان بينهم الصلات والهبات ولقاء وزيارات وخاصة بين أئمة الإثني عشرية وعوائلهم حيث لم يقم واحد منهم [بمحاربة الأمويين] ومنازعة ملكهم غير الحسين بن علي رضي الله عنهما. وأما حروب والده العظيم علي بن أبي طالب مع معاوية فمشهورة معروفة، كما أن مصالحة أخيه الأكبر مع معاوية أمر مشهور لا يستطيع إنكاره أحد، وأما ما روي عن ابن الحسين زين العابدين علي، والراوي هو بخاري القوم الكليني، [حيث] يروي في صحيحه الذي قال فيه محدث الشيعة النوري الطبرسي " هو أحد الكتب ¬

(¬1) - عمدة الطالب في أنساب أبي طالب ص70، طبقات ابن سعد ج5ص234. (¬2) - جمهرة أنساب العرب. (¬3) - ولا ندري من أين جاء الشيعة بهذه الاعتقادات أن محاربة علي كفر، والمحارب معه كافر، فهؤلاء أولاده وأهل بيته يكذبون هذه الأقاويل ويفندون هذه المزاعم.

رواية الكافى عن زين العابدين فى حق يزيد

الأربعة التي عليها تدور رحى الفرقة الإمامية. وكتاب الكافي بينها كالشمس بين نجوم السماء .... وإذا تأمل فيها المنصف يستغني عن ملاحظة حال آحاد رجال سند الأحاديث المودعة فيه وتورثه الوثوق ويحصل له الاطمئنان بصدورها وثبوتها وصحتها (¬1) ". أن علي بن الحسين قال ليزيد بن معاوية: " أنا عبد مكره، فإن شئت فأمسك وإن شئت فبع (¬2) ". وكذلك كان البقية ممن أدركوا بني أمية، وعلى منوالهم من أدركوا الدور العباسي اللهم إلا الذين حاربوا ونازعوا الملك فلم يكن حظهم حليفهم حيث حوربوا ممن حاربوا وقتلوا، كما لم يكن معاملة الشيعة وخاصة الإثني عشرية مع أئمتهم طيبة حيث رفضوهم وكفروهم، فقوتلوا وحوربوا من جانب (الأعداء) وكفروا ورفضوا من قبل (الأحياء) بدعوى: من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر (¬3). وعن الحسين بن المختار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك: ويوم ترى الذين كذبوا على الله؟ قال: كل من زعم أنه إمام وليس بإمام، قلت وإن كان فاطمياً علوياً 3 ". وحصيلة البحث أن التشيع الأول لم يكن مدلوله العقائد المخصوصة والأفكار المدسوسة، كما لم تكن الشيعة الأولى إلا حزباً سياسياً يرى رأي علي رضي الله عنه دون معاوية رضي الله عنه في عصر علي. وأما بعد استشهاده وتنازل الحسن عن الخلافة فكانوا مطاوعين لمعاوية أيضاً، مبايعين له، كما حصل مع إمامهم الحسن وأخيه الحسين ¬

(¬1) - مستدرك الوسائل للطبرسي ج3ص546 ط مكتبة دار الخلافة طهران 1321هـ. (¬2) - كتاب الروضة من الكافي ج8 ص 235. (¬3) - الكافي في الأصول ج1 ص373.

تردد الحسن والحسين على معاوية وقبولهما الهدايا منه

وقائد عساكره قيس بن سعد، ولم يكن بينهم خلاف ديني ولا نزاع قبلي ولا عصبية الحسب والنسب، وكانوا يفدون على الحكام ويصلون خلفهم ، كما كان الحسن والحسين هما ابنا علي وفاطمة وسبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدان على معاوية. " فلما استقرت الخلافة لمعاوية كان الحسين يتردد إليه مع أخيه الحسن فيكرمهما معاوية إكراماً زائداً، ويقول لهما: مرحباً وأهلاً، ويعطيهما عطاء جزيلا وقد أطلق لهما في يوم واحد مائتي ألف، وقال: خذاها وأنا بن هند، والله لا يعطيكماها أحد قبلي ولا بعدي، فقال الحسين: والله لن تعطي أنت لا وأحد قبلك ولا بعدك رجلا أفضل منا. ولما توفي الحسن كان الحسين يفد إلى معاوية في كل عام فيعطيه ويكرمه (¬1) ". وكذلك ذكر المجلسي عن جعفر بن الباقر ـ الإمام السادس عند الشيعة ـ أنه قال الإمام الحسن يوماً للإمام الحسين وعبد الله بن جعفر إن هدايا معاوية ستصل في أول يوم من الشهر القادم ولم يأت هذا اليوم إلا وقد وصلت الأموال من معاوية وكان الإمام الحسن بن علي [مديناً بديون كثيرة فأداها] من ذلك المال وقسم الباقي بين أهله وشيعته، وأما الإمام الحسين فبعد أداء الديون قسم ماله إلى ثلاث حصص قسماً لشيعته وخاصته وقسمين لأهله وعياله، وكذلك عبد الله بن جعفر (¬2) ". وكذلك ذكر الكليني أن مروان بن الحكم فرض لعلي بن الحسين مالاً كما فرض لشباب المدينة الآخرين: استعمال معاوية مروان بن الحكم على المدينة وأمره أن يفرض لشباب قريش، ففرض لهم فقال علي بن الحسين عليهما السلام: فأتيته ¬

(¬1) - البداية والنهاية ج 8ص150، 151 ط بيروت (¬2) - جلاء العيون للمجلسي ص 376.

قبول زين العابدين الهدايا من مروان

فقال: ما اسمك؟ فقلت: علي بن الحسين، ففرض لي (¬1) ". وكذلك عم الحسين والأخ الأكبر لعلي رضي الله عنه، عقيل بن أبي طالب كان يفد على معاوية رضي الله عنهما ويأخذ منه الهدايا والهبات ومرة "أعطاه مائة ألف درهم (¬2) ". وقد أقر بذلك ابن أبي الحديد الشيعي حيث كتب: ومعاوية أول رجل في الأرض وهب ألف ألف، وابنه يزيد أول من ضاعفه، كان يجيز الحسن والحسين بن علي في كل عام لكل واحد منهما بألف ألف درهم وكذلك كان يجيز عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر (¬3) ". وكذلك أبو مخنف الغالي: وكان معاوية يبعث إليه (أي إلى الحسين) في كل سنة ألف ألف دينار سوى الهدايا من كل صنف (¬4) ". كما كانوا يصلون خلف الحكام وأمراء معاوية، وقد ذكر جعفر بن محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين " أن الحسن والحسين كانا يصليان خلف مروان ولا يعيدانها، ويعتدان بها (¬5) ". وكان مروان أميراً آنذاك على المدينة كما أن أبان بن عثمان أمير المدينة من قبل عبد الملك بن مروان الأموي قدم إلى الصلاة من قبل علي بن محمد بن علي المشهور بمحمد بن الحنفية حيث قال له أبو هاشم بن محمد بن علي: نحن نعلم أن الإمام أولى بالصلاة ولولا ذاك ما قدمناك ¬

(¬1) - الكافي في الفروع، كتاب العقيقة باب الأسماء والكنى ج6 ص19. (¬2) - الآمالي للطوسي ج2 ص 334ط النجف (¬3) - شرح ابن أبي الحديد ج2 ص823. (¬4) - مقاتل أبي مخنف ص7. (¬5) - البداية والنهاية ج 8ص258 ط بيروت

تطور التشيع وتغيير الشيعة

فتقدم فصلى عليه (¬1) ". كما صلى على ابن أخي علي عبد الله بن جعفر الطيار (¬2) ". وكما صلى أبوه على جدهم عم النبي صلى الله عليه وسلم وعم علي رضي الله عنه ن علي عباس بن عبد المطلب: توفي العباس في يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب وقيل من رمضان سنة ثنتين وثلاثين، عن ثمان وثمانين سنة، وصلى عليه عثمان بن عفان ودفن بالبقيع (¬3) ". هذا ومثل هذا لكثير. وبعد هذا العصر تطور التشيع وتغيرت الشيعة، وتأثر وتأثروا من أفكار يهودية ومجوسية ونصراني، وبعقائد مدخولة مدسوسة، نقمة على الحكام ومخدوعين بالتزويرات اليهودية والدسائس المجوسية، ومتأثرين من الذين تظاهروا بالإسلام تستراً على مكايدهم الخبيثة وتدابيرهم الهدامة، ومن الاختلاط بالفرس والبابليين، ومن الموالي الكارهين للعرب، الحاكمين عليهم والفاتحين بلادهم، والآخذين زمام أمورهم. والذي تولى كبر هذه العقائد والأفكار كان عبد الله بن سبأ مبعوث اليهود المتستر وراء اسم الإسلام، والمؤجج نار الفتنة، والنافخ فيها ضد أمير المؤمنين وخليفة المسلمين المنتخب بالاتفاق، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنتيه وابن عمته، الجواد الكريم، السخي ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، كما سنتحدث عنه في الباب الآتي مفصلاً وبالأدلة والبراهين إن شاء الله تعالى ولا شك أن كثيراً من أتباعه ـ أي عبد الله بن سبأ ـ السبئيين ¬

(¬1) - طبقات ابن سعد ج 5 ص 86. (¬2) - الاستيعاب لابن عبد البر ج 2 ص 267، الإصابة لابن حجر ج 2 ص 281، أسد الغابة لابن الأثير ج 3 ص 135. (¬3) - البداية والنهاية ج 7ص 162، الاستيعاب ج 3 ص 100.

محاولة اليهود والمنافقين والمجوس القضاء على الإسلام وعلى الخلافة الإسلامية - مطاعنهم على أصحاب النبى - براءة الشيعة الأولى منهم. تخاذل الشيعة ومعاتبة علي إياهم

والمجوس واليهود والمنافقين دخلوا في معسكر علي رضي الله عنه تحت ستار شيعة علي، كما دخل بعض منهم في معسكر معاوية رضي الله عنه ولكنهم لم يكونوا لا من شيعة ولا من شيعة معاوية، بل هم كانوا كتلة مستقلة وفئة باغية، لها أفكارها وعقائدها، ولها أغراضها وأهدافها، وهم الذين كانوا يسعون بالفساد ويضرمون نار الحرب كلما أراد الطرفان لصلح والاتحاد بينهما، ومنهم نشأت فتنة الخوارج الذين كفروا علياً وعثمان ومعاوية معاً، لأنه لم يكن همهم إسقاط خلافة عثمان ولا تحريض الناس عليه، بل كان كل ما يقصدون هو القضاء على دولة الإسلام وسد باب فتوحاتهم وغزواتهم، ولذلك عندما نجحوا بإيقاع الفتنة بين المسلمين وتأليبهم على خليفة رسول الله الراشد الثالث وتفريق كلمة المؤمنين والتشتيت بينهم، تألبوا على عليّ كما تألبوا عليه وهذا مما لا ينكره إلا مكابر أو مجادل بلا حق وعلم وبصيرة. ومما لا شك فيه أن الشيعة الأولى المخلصين كانوا من هؤلاء براء، كما كان إمامهم وقائدهم يتبرأ منهم ويطردهم ويقتلهم. نعم ولكن الشيعة ـ أي شيعة علي كان يغلب عليهم التخاذل والتكاسل والجبن وعدم الاستقامة والعزيمة والنجدة والجلد والمروءة عكس ما كانوا عليه شيعة عثمان أو شيعة معاوية رضي الله عنهما، كما كان يغلب عليهم عدم الوفاء والإخلاص والأمانة والصدق عكس مخالفيهم، وعلى ذلك كان علي رضي الله عنه يشكو منهم ويواجه الصعاب والمتاعب مع شجاعته النادرة وجرأته المشهورة وإقدامه المعروف وتفوقه على الأقران، ولأجل ذلك كان يقول لهم: يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة ـ والله ـ جرت ندما

وأعقبت [سقما]، قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا، وشحنتم صدري غيضا، وجرعتموني نغب التهام أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان، حتى قالت قريش: إن ابن أبي طالب لا علم له بالحرب. لله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراسا، وأقدم فيها مقاما مني لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا ذا قد ذرفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع (¬1) ". ويقول مقارناً بينهم وبين شيعة معاوية: أما والذي نفسي بيده، ليظهرن هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنهم أولى بالحق منكم ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم، وإبطائكم عن حقي. ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحت أخف ظلم رعيتي، استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سرا وجهرا فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا: أشهود كغياب وعبيد كأرباب، أتلو عليكم الحكم فتنفرون منها، وأعظكم بالموعظة البالغة فتفرقون عنها، وأحثكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا، ترجعون إلى مجالسكم، وتتخادعون عن مواعظكم، أقومكم غدوة وترجعون إلى عشية، كظهر الحنين، عجز المقوم وأعضل المقوم. أيها القوم الشاهدة بأبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم المختلفة أهواءهم، المبتلى بهم أمراؤهم، صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه. لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم. ¬

(¬1) - نهج البلاغة ص67

يا أهل الكوفة منيت بكم بثلاث واثنتين، صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمى ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء ولا إخوان ثقة عند البلاء، تربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها، كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر، والله لكأني بكم فيما أخالكم أن لو حمس الوغى، وحمي الضراب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها (¬1) ". وأكبر دليل على خذلان الشيعة علياً أن أخاه الحقيقي وكبير شيعته وابن أبيه عقيل بن أبي طالب تركه والتحق بمعاوية رضي الله عنه وحارب تحت لوائه ضده كما أقر بذلك مؤرخ شيعي كبير: إن عقيلاً فارق أخاه علياً في أيام خلافته وهرب إلى معاوية وشهد صفين معه (¬2) ". وأما ما فعلوه بالحسن وبعده بالحسين فهذه ودائع في التاريخ لا يمكن التستر عليها، ولو سردنا كل ذلك لطال بنا الكلام. وأما عدم أمانتهم و [عدم] صدقهم وصفائهم فقد أقر بذلك جعفر بن الباقر الملقب بـ[الصادق] حيث ذكر أمامه أحد تلامذته عبد الله بن يعفور قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق. قال: فاستوى أبو عبد الله عليه السلام جالساً فأقبل علي كالغضبان، ثم قال: لا دين لمن دان الله بولاية إمام ليس من الله ولا عتب على من دان بولاية إمام من الله 2 ". ¬

(¬1) - عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 15 ط الهند. (¬2) - الأصول من الكافي ج 1 ص 237.

فهذا كل ما أردنا أن نثبته في هذا الباب. وأما النقاط على الحروف فسنضعها في الباب الثاني إن شاء الله تعالى.

الباب الثاني التشيع والسبأية

الباب الثاني التشيع والسبأية إن الشيعة الأولى مع ما كان فيهم من التخاذل عن الحق والتكاسل عن مناصرة قائدهم علي ـ رضي الله عنه ـ وجبنهم وغدرهم وخيانتهم وحبهم الدنيا وما فيها وإيثار الحياة على الموت في سبيل الحق كما وصفهم علي ـ رضي الله عنه ـ مخاطباً إياهم: وإني والله لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحق، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم، فلو ائتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته (¬1) ". كانوا مع ذلك كله لا يختلفون عن الآخرين في العقائد والأفكار كإنكار القرآن والاعتقاد بتحريفه وتغييره، وإنكار السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، كما لم يكونوا مكفرين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنكرين فضلهم، وبخاصة الخلفاء الراشدون الثلاثة، أبو بكر وعمر وعثمان، وأزواج النبي صلوات الله عليه وسلامه عليه أمهات المؤمنين ولم [يكن لهم] مذهباً خاصاً غير مذهب المسلمين، العامة ولا عبادات وشعائر وطقوسا مخصوصة، فكانوا يصلون بصلواتهم وخلفهم، ويحجون بحججهم وتحت إمرتهم، كما كانوا يصاهرونهم، يزوجونهم ويتزوجون منهم قبل الحروب وبعدها، وقبل الحوادث الأليمة وبعدها كما بيناه سابقاً وكما سنبينه مفصلاً إن شاء الله، إلا من تأثر بالأفكار المدخولة والدسائس ¬

(¬1) - نهج البلاغة ص 67 ط بيروت.

اليهودية والأفكار غير الإسلامية من السبئيين المتظاهرين بالإسلام، والمتسترين به، وخرج بذلك عن الجادة المستقيمة، وعن جماعة علي وشيعته، كالسبئيين والخوارج وغيرها من الفرق المنحرفة الضالة الباغية الذين ليس لهم علاقة لا بعلي ولا بأولاده، وهو والطيبون من أولاده منهم براء، وقد اخترعوا في الدين وباسم الدين ما لم ينزل به القرآن ولم يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان الأولون على ذل ولم ينقل عن واحد منهم خلاف هذا ولكنهم بعد ذلك بزمان وخصوصاً بعد شهادة الحسين ـ رضي الله عنه ـ تمسكوا بنفس الأفكار التي كانت تحملها السبئية وبث سمومها اليهودية والمجوسية وغيرها من الفرق الباطلة الهدامة المعاندة للأمة الإسلامية، فاعتنقوها وعلى قدر الإغراق والتمسك والاعتصام بهذه الأفكار زادوا في الضلالات والسفاهات، وافترقوا بفرق، فمنهم من غالى وجازف وتجاوز جميع الحدود، فسموا المغالين، ومنهم من توسط لا في الحق ولكنه في الأخذ عن الباطل فسموا المتوسطين، ومنهم من أخذ أشياء يسيرة واغترف غرفة أو غرفتين ولم ينزل في قعرها ولم يسبح في وسطها فسموا المعتدلين والمنصفين، ولكن كل هؤلاء يجمعهم التلمذة على اليهودية الأثيمة والتشبث بأذيال عبد الله بن سبأ، ابن سوداء اليهودي الخبيث الماكر، فكل أخذ بقدره واكتفى بحظه، اللهم إلا من تبرأ منهم علناً وجهراً ومن أفكارهم، فرفضوه على تبرئه الكامل (¬1)، وكانت هذه الأفكار والآراء التي دست بين المسلمين وخصوصا بين الموالين لعلي (¬2) وأولاده بعد مؤامرة دبرت واحكم نسيجها من قبل يهود اليمن باشتراك الآخرين على يد عبد الله بن سبأ، تتكون من تفريق كلمة المسلمين ¬

(¬1) - كأتباع زيد بن علي بن الحسين المنصفون منهم، ولو أن بعضاً منهم يدعي اتباعه بنهج نفيس المنهج ويسلك نفس المسلك كما سيأتي بيانه مفصلاً إن شاء الله. (¬2) - لأنهم استعملوا اسم علي وأهل بيته ـ كذباً وزوراً ـ لتستر على نواياهم الخفية ومقاصدهم الخبيثة، ولذلك اغتر بهم قوم يدعون موالاة علي وأهل بيته ـ رضوان الله عليهم أجمعين.

الشيعة الأولى مع تخاذلهم لم يكونوا مختلفين مع الآخرين فى العقائد، المؤمرات والدسائس لتطوير التشيع وتبديل الشيعة الأولى

وتشتيت شملهم وإيقاع الفتن وسل السيوف بينهم وإفساد الدين على المسلمين ونشر الإباحية والإلحاد، ولقصد تبديل الشريعة السماوية وتغييرها وتعطيلها، وعلى ذلك قال الإسفراييني (¬1) بعد ذكر جميع فرق الشيعة. وأعلم أن جميع من ذكرناهم من فرق الإمامية متفقون على تكفير الصحابة ويدعون أن القرآن قد غير عما كان ووقع فيه الزيادة والنقصان من قبل الصحابة ويزعمون أنه لا اعتماد على القرآن الأول ولا على شيء من الأخبار المروية عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أنه قد كان في القرآن النص على إمامة علي فأسقطه الصحابة عنه. ويزعمون أنه لا اعتماد على الشريعة التي في أيدي المسلمين، وينتظرون إماماً يسمونه المهدي يخرج ويعلمهم الشريعة وليسوا في الحال على شيء من الدين، وليس مقصودهم من هذا الكلام تحقيق الكلام في الإمامة، ولكن مقصودهم إسقاط كلمة تكليف الشريعة عن أنفسهم، حتى يتوسعوا في استحلال المحرمات الشريعة، ويعتذر عند العوام بما يعدونه من تحريف الشريعة، وتغيير القرآن من عند الصحابة، ولا مزيد على هذا النوع من الكفر، إذ لا بقاء فيه على شيء من الدين (¬2) ". هذا وبما أننا ذكرنا ونريد أن نذكر ونثبت أن تطور التشيع الأول وتغيير الشيعة الأولى لم يكن إلا لإدخال الأفكار اليهودية والمجوسية، والمتمثلة في عبد الله بن سبأ أو السبئية واعتناق الشيعة لها واعتقادها، فلا بد لنا أن نذكر عبد الله بن سبأ وجماعته السبئيين ومساعيهم لنشر الفتنة والفساد وبث سموم المعتقدات غير الإسلامية في نفوس الضعفاء والجهلة ¬

(¬1) - هو أبو المظفر شاهنور بن طاهر بن محمد الإسفراييني الشافعي المفسر، إمام بارع، صنف التفسير الكبير وصنف في الأصول وسافر في طلب العلم وحصل الكثير، ارتبطه نظام الملك بطوس، فأقام بها سنين ودرس بها العلوم وأفاد الكثير، واستفاد الناس منه، وله مؤلفات عديدة منها كتاب التبصير توفي سنة 471هـ. (¬2) - التبصير في الدين للأسفراييني ص 43 ط بغداد.

عبد الله بن سبأ والسبئية

من الناس لأن الكلام إلا على الكلام حولهم وحولها أي السبئيين وأفكارهم. عبد الله بن سبا والسبئية إن عبد الله بن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء. أمه سوداء " وقد كان عبد الله بن سبأ هذا يهودياً في قلبه حفيظة على الدين الجديد الذي أزال ما كان اليهود يتمتعون به من الهيمنة والسلطان على عرب المدينة والحجاز عامة، فأسلم في أيام عثمان، ثم تنقل في بلاد الحجاز، ثم ذهب إلى البصرة، ثم إلى الكوفة، ثم إلى الشام، وهو يحاول في كل بلد ينزل بها أن يضل ضعاف الأحلام، ولكنه لم يستطع السبيل إلى ذلك، فأتى مصر فأقام بين أهلها، وما فتئ يلفتهم/ عن أصول دينهم، ويزيد لهم بما يزخرفه من القول حتى وجد مرتعاً خصيباً، وكان مما قاله لهم: إني لأعجب كيف تصدقون أن عيسى بن مريم يرجع إلى هذه الدنيا وتكذبون أن محمداً يرجع إليها؟. وما زال بهم حتى انقادوا إلى القول بالرجعة وقبلوا ذلك منه، فكان هو أول من وضع لأهل هذه الملة القول بالرجعة وقبلوا ذلك منه، إنه قد كان لكل نبي وصي، وأن علي بن أبي طالب هو وصي محمد صلى الله عليه وسلم! وليس في الناس من هو أظلم ممن احتجر وصية رسول الله ولم يجزها، بل هو يتعدى ذلك فيثب على الوصي ويقتسره على حقه، وإن عثمان قد أخذ حق على وظلمة، فانهضوا في هذا الأمر، وليكن سبيلكم إلى إعادة الحق لأهله الطعن على أمرائكم وإظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنكم تستميلون بذلك قلوب الناس، واتخذ لهذه الدعوة وأنصار بثهم في الأمصار، وما زال يكاتبهم ويكاتبونه حتى نفذ قضاء الله، وكان الضحية الأولى لهذه المؤامرة ذلك الخليفة الذي قتل مظلوماً، وبين يديه كتاب الله واعتدى على منزله وحرمه، وكان قضاء الله قدراً مقدورا (¬1) ". ¬

(¬1) - مقالات الإسلاميين للأشعري ج 1 ص 50 الهامش ط مصر.

ما قاله الطبري وابن خلدون وابن حجر والإسفرائيني عن عبد الله بن سبأ

ولقد ذكره أقدم المؤرخين الطبري عنه بقوله:" كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمد يرجع وقد قال الله عز وجل {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} فمحمد أحق بالرجوع من عيسى قال فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال لهم بعد ذلك أنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي وكان علي وصي محمد ثم قال محمد خاتم الأنبياء وعلى خاتم الأوصياء ثم قال بعد ذلك من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة ثم قال لهم بعد ذلك إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهضوا في هذا الأمر فحركوه وابدءوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الأمر فبث دعاته وكاتب من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون فيقرأه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة يريدون غير ما يظهرون ويسرون غير ما يبدون فيقول أهل كل مصر إنا لفي عافية مما فيه الناس وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان قالوا فأتوا عثمان فقالوا يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس

الذي يأتينا قال لا والله ما جاءني إلا السلامة قالوا فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم قال فانتم شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي قالوا نشير عليك أن تبعث رجالاً ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام وفرق رجالاً سواهم فرجعوا جميعاً قبل عمار فقالوا أيها الناس ما أنكرنا شيئاً ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم وقالوا جميعاً الأمر أم المسلمين إلا أن أمرائهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم واستبطأ الناس عماراً حتى ظنوا أنه قد اغتيل فلم يفجأهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عمار قد استماله قوم مصر وقد انقطعوا إليه منهم عبد الله بن السوداء وخالد بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر (¬1) ". وبمثل ذلك قال ابن كثير وابن الأثير (¬2). وقال ابن خلدون في تاريخه عنه: " إن عبد الله بن سبأ يعرف بابن السوداء كان يهودياً فهاجر أيام عثمان فلم يحسن إسلامه، فأخرج من البصرة فلحق بالكوفة ثم بالشام وأخرجوه فلحق بمصر، وكان يكثر الطعن على عثمان ويدعو في السر إلى أهل البيت .... وكان يحرض الناس على القيام في ذلك والطعن على الأمراء فاستمال الناس بذلك في الأمصار وكاتب به بعضهم بعضاً، وكان معه خالد بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر، فثبطوا عماراً عن المسير إلى المدينة، (وكان مما أنكروه على عثمان) إخراج أبي ذر من ¬

(¬1) - الطبري ج5 ص98 - 99. (¬2) - البداية والنهاية ج 7 ص 167 ط بيروت

سعي ابن سبأ بالفتنة والفساد

الشام ومن المدينة إلى الربذة، وكان الذي دعا إلى ذلك شدة الورع من أبي ذر وحمله الناس على شدائد الأمور والزهد في الدنيا، وأنه لا ينبغي لأحد أن يكون عنده أكثر من قوت يومه، ويأخذ بالظاهر في ذم الادخار بكنز الذهب والفضة، وكان بن سبأ يأتيه فيغريه بمعاوية ويعيب قوله: المال مال الله، ويوهم أن في ذلك احتجانه للمال وصرفه على المسلمين حتى عاتب أبو ذر معاوية، فاستعتب له وقال: سأقول: مال المسلمين، واتى ابن سبأ إلى أبي الدرداء وعبادة بن الصامت بمثل ذلك، فدفعوه، وجاء به عبادة إلى معاوية وقال: هذا الذي بعث عليك أبا ذر (¬1) ". وقد ذكره الحافظ ابن حجر عن [ابن] عساكر في تاريخه: " كان أصله من اليمن، وكان يهودياً فأظهر الإسلام وطاف بلاد المسلمين ليلفتهم عن طاعة الأئمة ويدخل بينهم الشر، ودخل دمشق لذلك (¬2) ". ومثل ذلك قال الإسفراييني: " إن ابن سوداء كان رجلاً يهودياً ن وكان قد تستر بالإسلام، أراد أن يفسد الدين على المسلمين (¬3) ". وأما سعيه للفتنة والفساد فلقد ورد طرف من أخباره فيما ذكرناه وكما ذكره الطبري مفصلاً في تاريخه أنه كان يوماً في البصرة ويوماً في الكوفة ويوماً في مصر كما ذكر عن حكيم بن جبلة. لما مضى من إمارة ابن عامر ثلاث سنين بلغه أنه في عبد القيس رجلاً نازلاً على حكيم بن جبلة وكان حكيم بن جبلة رجلاً لصاً إذا قفل الجيش خنس عنهم، فسعى في أرض فارس يغير على أهل الذمة ¬

(¬1) - تاريخ ابن خلدون ج 2 ص 139 تحت عنوان بدا الانتقاص على عثمان. (¬2) - لسان الميزان ج 3 ص 289. (¬3) - التبصير في الدين لأبي المظفر الإسفراييني: ص 109.

ويتنكر لهم ويفسد في الأرض ويصيب ما شاء ن ثم يرجع فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان، فكتب إلى عبد الله بن عامر أن احبسه ومن كان مثله فلا يخرجن من البصرة حتى تأنسوا منه رشدا، فحبسه فكان لا يستطيع أن يخرج منها، فلما قدم ابن السوداء نزل عليه واجتمع إليه نفر فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح فقبلوا منه واستعظموه، وأرسل إليه ابن عامر فسأله من أنت؟. فأخبر أنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام ورغب في جوارك، فقال: ما يبلغني ذلك، فاخرج عني فخرج حتى أتى الكوفة فأخرج منها فاستقر بمصر وجعل يكاتبهم ويكاتبونه ويختلف الرجال بينهم (¬1) ". ثم كان في مصر، ومن مصر جاء مع قتلة عثمان إلى المدينة. خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء، المقلل يقول ستمائة والمكثر يقول ألف على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر الليثي وسودان بن حمران السكوني وقتيرة بن فلان السكوني وعلى القوم جميعاً الغافقي بن حرب العكي، ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب وإنما خرجوا ومعهم ابن سوداء (¬2) ". ولقد كتب أحمد أمين المصري عنه: " إن ابن السوداء أتى إلى أبي الدرداء وعبادة بن الصامت فلم يسمعا قوله وأخذه عبادة إلى معاوية وقال له: هذا والله الذي بعث عليك أبا ذر، ونحن نعلم أن ابن السوداء هذا لقب به عبد الله بن سبأ، وكان يهودياً من صنعاء أظهر الإسلام في عهد عثمان وأنه حاول أن يفسد على المسلمين دينهم، وبث في البلاد عقائد كثيرة: في الحجاز والبصرة ¬

(¬1) - الطبري ج5 ص90 (¬2) - الطبري ج5 ص 103، 104.

الأفكار اليهودية المدسوسة

- والكوفة والشام ومصر، فمن المحتمل القريب أن يكون قد تلقى هذه الفكرة من مزدكية العراق أو اليمن (¬1) ". وكتب أيضاً: " وهو الذي حرك أبا ذر الغفاري لدعوة الاشتراكية وهو الذي كان من أكبر من ألب على عثمان في الأمصار .... والذي يؤخذ من تاريخه أنه وضع تعاليم لهدم الإسلام وألف جمعية سرية لبث تعاليمه واتخذ الإسلام ستاراً يستر به نواياه، نزل البصرة بعد أن أسلم ونشر فيها دعوته، فطرده واليها، ثم أتى الكوفة فاخرج منها، ثم جاء مصر فالتف حوله أناس من أهلها " (¬2). وقبل أن نستطرد في الأسباب التي جعلوها وسيلة لتفريق كلمة المسلمين وتشتيت شملهم وتمزيق كلمتهم والتآمر على أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره ذي النورين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ نريد أن نذكر العقائد اليهودية التي نفث سمومها هذا الخبيث، الملعون على لسان علي ـ رضي الله عنه ـ وأتقنها القوم، وفرعت عليه الفروع، وعليها وبها افترقت فرقهم وذهب كل فريق منهم إلى ما يهوونه ويشتهونه. الأفكار اليهودية المدسوسة ولقد أخبرنا عن أفكار ابن السوداء هذا، والتي حملها من اليهود المبغضين لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين وأمته أشد البغض وما جاء به عن الله تبارك وتعالى، الناقمين عليه وعليهم، والمكايدين والماكرين له ولهم، من أول يوم دخلوا يثرب وحولوها إلى المدينة، وقضوا على يهود قينقاع وبني النضير ¬

(¬1) - فجر الإسلام ص 110، 111. (¬2) - نفس المصدر ص 269.

ما ذكره النوبختى والكشى والحلي والمامقاني والمرزا والاسترآبادي وابن أبى الحديد عن السبئية

وبني المصطلق ويهود خيبر وغيرهم، يخبرنا عن كل ذلك أقدم مؤرخ شيعي، وأول من كتب في الفرق من القوم ألا وهو النوبختي أبو محمد الحسن بن موسى من أعلام الشيعة في القرن الثالث للهجرة فقال: " السبئية: أصحاب عبد الله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال: إن علياً ـ عليه السلام ـ أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا، فأقربه، فأمر بقتله، فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟. فصيره إلى المدائن. وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي ـ عليه السلام ـ أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم وولى علياً ـ عليه السلام ـ وكان يقول وهو علي يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى ـ عليه السلام ـ بهذه المقالة، فقال بعد إسلامه في علي ـ عليه السلام ـ بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي ـ عليه السلام ـ وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه، فمن هناك قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية، ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعى علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض (¬1) ". ويذكر أبو عمرو بن عبد العزيز الكشي من علماء القرن الرابع للشيعة في أقدم كتاب شيعي في الرجال عديدا من الروايات عن عبد الله بن سبأ وعقائده وأفكاره نثبت بعضاً منها هاهنا: " حدثني محمد بن قولويه. قال: حدثني سعد بن عبد الله. قال حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة ¬

(¬1) - فرق الشيعة للنوبختي ص 41، 42 ط المطبعة الحيدرية نجف بتعليق آل بحر العلوم ط 1959م.

بن أيوب الأزدي عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وأن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم ". وبهذا الإسناد عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه والحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي حمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين ـ صلوات الله عليهما: لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادعى أمراً عظيماً ماله لعنه الله، كان علي ـ عليه السلام ـ والله عبداً صالحاً أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله صلى الله عليه وآله، وما نال رسول الله صلى الله عليه وآله الكرامة من الله إلا بطاعته لله. وبهذا الإسناد: عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبد الله [بن سنان] قال: قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ إنا أهل بيت صديقون لا نخلوا من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وآله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدق من برأ الله بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ. وذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً ـ عليه السلام ـ وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون (وصي موسى بالغلو) فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في علي ـ عليه السلام ـ مثل ذلك، وكان أول من أشهر بالقول

بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخاليفه وكفرهم فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية (¬1) ". وقال الحلي الشيعي الحسن بن علي في كتابه الرجالي المشهور: " عبد الله بن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو، كان يدعي النبوة وأن علياً ـ عليه السلام ـ هو الله، فاستتابه عليه السلام ثلاثة أيام فلم يرجع، فأحرقه في النار في جملة سبعين رجلاً ادعوا فيه ذلك (¬2) ". ومثل ذلك القول قام إمام متأخري الشيعة في الرجال المامقاني كتابه تنقيح المقال (¬3) " وذكر مؤرخ شيعي إيراني في تاريخه بالفارسية: إن عبد الله بن سبأ توجه إلى مصر حينما علم أن مخالفيه (أي عثمان بن عفان) كثيرون هناك، فتظاهر بالعلم والتقوى، حتى افتتن الناس به، وبعد رسوخه فيهم بدا يروج مذهبه ومسلكه، وإن لكل نبي وصياً وخليفة، فوصى رسول الله وخليفته ليس إلا علياً، المتحلي بالعلم والفتوى، والمتزين بالكرم والشجاعة، والمتصف بالأمانة والتقى، وقال: إن الأمة ظلمت علياً، وغصبت حقه، حق الخلافة والولاية، ويلزم الآن على الجميع مناصرته ومعاضدته وخلع طاعة عثمان وبيعته، فتأثر كثير من المصريين بأقواله وآرائه، وخرجوا على الخليفة عثمان (¬4) ". ومثل ذلك قال الرجالي الشيعي الإسترا آبادي: إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين "ع" هو الله تعالى، فبلغ أمير المؤمنين ذلك فدعاه وسأله، فأقر، وقال: نعم أنت هو. فقال له أمير المؤمنين قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا ¬

(¬1) - رجال الكشي ص 100، 101. (¬2) - كتاب الرجال للحلي ص 469 ط طهران ط 1383هـ. (¬3) - ج 2 ص 184 ط إيران. (¬4) - تاريخ شيعي: روضة الصفا في اللغة الفارسية [ج 2ص 292] ط طهران.

وتب ثكلتك أمك، فأبى، فحبسه ثلاثة أيام، فلم يتب، فأحرقه بالنار (¬1) ". ولكن ابن أبي الحديد الشيعي الغالي المعتزلي شارح النهج يخالف ذلك بأن علياً أحرقه فإنه يرى أن القول بتأليه علي لم يظهره عبد الله بن سبأ إلا بعد وفاة علي ـ رضي الله عنه ـ فأظهره واتبعه قوم فسموا السبئية (¬2) ". ويؤيده في ذلك من السنة عبد القادر البغدادي ولكنه يضيف إلى ذلك أن علياً لم يحرقه خوفاً من شماتة أهل الشام حيث يذكر ابن سبأ والسبئية: السبئية أتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا في علي ـ رضي الله عنه ـ وزعم أن كان نبياً، ثم غلا فيه حتى زعم أنه إله، ودعا إلى ذلك قوماً من غواة الكوفة، ورفع خبرهم إلى علي ـ رضي الله عنه ـ فأمر بإحراق قوم منهم في حفرتين، حتى قال بعض الشعراء في ذلك: لترم بي الحوادث حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين ثم إن علياً ـ رضي الله عنه ـ خاف من إحراق الباقين منهم شماتة أهل الشام، وخاف اختلاف أصحابه عليه، فنفى ابن سبأ إلى سباط المدائن، فلما قتل علي ـ رضي الله عنه ـ زعم ابن سبأ أن المقتول لم يكن علياً، وإنما كان شيطانا تصور للناس في صورة علي، وأن علياً صعد إلى السماء كما صعد إليها عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ وقال: كما كذبت اليهود والنصارى في دعواها قتل عيسى كذلك كذبت النواصب والخوارج في دعواها قتل علي، وإنما رأت اليهود والنصارى شخصاً مصلوباً شبهوه بعيسى، كذلك القائلون بقتل علي رأوا قتيلا يشبه علياً فظنوا أنه علي، وعلي قد صعد إلى السماء، وأنه سينزل إلى الدنيا وينتقم من أعدائه ¬

(¬1) - منهج المقال ص 203. (¬2) - شرج نهج البلاغة: ج2 ص 309.

وزعم بعض السبئية أن علياً في السحاب وأن الردع صوته والبرق صوته، ومن سمع من هؤلاء صوت الرعد قال: عليك السلام يا أمير المؤمنين. وقد روى عن عامر بن شراحيل الشعبي أن ابن سبأ قيل له: إن علياً قد قتل، فقال: إن جئتمونا بدماغه في صرة لم نصدق بموته، لا يموت حتى ينزل من السماء ويملك الأرض بحذافيرها. وهذه الطائفة تزعم أن المهدي المنتظر إنما هو علي دون غيره، وفي هذه الطائفة قال إسحاق بن سويد العدوي قصيدة بريء فيها من الخوارج والروافض والقدرية منها هذه الأبيات: برئت من الخوارج لست منهم من الغزال منهم وابن باب ولكني أحب بكل قلبي ... وأعلم أن ذاك من الصواب رسول الله والصديق حبا ... به أرجو غداً حسن الثواب وقد ذكر الشعبي أن عبد الله بن السوداء وكان يعين السبئية على قولها، وكان ابن السوداء في الأصل يهودياً من أهل الحيرة فأظهر الإسلام، وأراد أن يكون له عند أهل الكوفة سوق ورياسة، فذكر لهم أنه وجد في التوارة أن لكل نبي وصياً، وأن علياً ـ رضي الله عنه ـ وصي محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خير الأوصياء كما أن محمداً خير الأنبياء، فلما سمع ذلك منه شيعة علي قالوا لعلي: إنه مجيبك، فرفع علي قدره، وأجلسه تحت درجة منبره. ثم بلغه فيه فهم بقتله، فنهاه ابن عباس عن ذلك وقال له: إن قتلته اختلف عليك أصحابك، وأنت عازم على العود إلى قتال أهل الشام، وتحتاج إلى مداراة أصحابك، فلما خشي من قتله ومن قتل ابن سبأ الفتنة التي خافها ابن عباس نفاهما إلى المدائن فافتتن بهما الرعاع بعد قتل علي ـ رضي الله عنه ـ وقال لهم ابن السوداء: والله

ما قاله المحققون من أهل السنة عن السبئية

لينبعن لعلي في مسجد الكوفة عينان تفيض إحداهما عسلاً والأخرى سمناً، ويغترف منهما شيعته. وقال المحققون من أهل السنة: إن ابن السوداء كان على هوى دين اليهود، وأراد أن يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته في علي وأولاده لكي يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى في عيسى ـ عليه السلام ـ فانتسب إلى الرافضة السبئية حين وجدهم أعرق أهل الأهواء في الكفر ودلس ضلالته في تأويلاته (¬1) ". وذكر هذه وعقائده وجماعته من الشيعة كل من سعد القمي المتوفى 301هـ (¬2) ". والطوسي شيخ الطائفة (¬3) والتستري في قاموس الرجال (¬4) وعباس القمي في تحفة الأحباب (¬5) والخوانساري في روضات الجنات (¬6) والأصبهاني في ناسخ التواريخ وصاحب روضة الصفا في تاريخه (¬7) ". كما ذكر عقائده علماء من السنة كالبغدادي في الفرق بين الفرق كما مر آنفاً. وبمثل هذا قال الإسفراييني في كتابه التبصير (¬8) والرازي في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (¬9) وابن حزم في الفصل وغيرهم. وقال الشهرستاني تحت عنوان السبئية: السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ الذي قال لعلي ـ عليه السلام: ¬

(¬1) - الفرق بين الفرق ص 233 ـ 235 ط مصر. (¬2) - المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الشيعي القمي: ص 21 ط طهران 1963م. (¬3) - رجال الطوسي ص 51 ط نجف 1961 م. (¬4) - ج 5 ص 463. (¬5) -ص 184 (¬6) - روضات الجنات (¬7) - ج 3 ص 393 ط إيران. (¬8) - ص 108، 109 (¬9) - ص 57 ط دار الكتب العلمية

أنت أنت يعني أنت الإله، فنفاه إلى المدائن، وزعموا أنه كان يهودياً فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وصي موسى مثل ما قال في علي ـ عليه السلام ـ وهو أول من أظهر بالفرض بإمامة علي، ومنه انشعبت أصناف الغلاة، وزعموا أن علياً حي لم يقتل وفيه الجزء الإلهي، ولا يجوز أن يستولى عليه، وهو الذي يجيء في السحاب والرعد صوته والبرق سوطه، وإنه سينزل بعد ذلك إلى الأرض فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا، وإنما أظهر ابن سبأ هذه المقالة بعد انتقال علي ـ عليه السلام ـ (¬1) ". وقال ابن عساكر في تاريخه عن جابر قال: لما بويع علي ـ رضي الله عنه ـ خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: أنت دابة الأرض، فقال له: اتق الله، فقال له: أنت الملك، فقال اتق الله، فقال له: أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق، فأمر بقتله، فاجتمعت الرافضة فقالت: دعه وانفه إلى سابط المدائن (¬2) ". وذكر الآلوسي نقلاً عن ابن الحكيم الدهلوي: السبئية: وهم عبارة عن الذين يسبون الصحابة، إلا قليلاً منهم كسلمان الفارسي وأبي ذر والمقداد وعمار بن ياسر ـ رضي الله عنهم ـ وينسبونهم ـ وحاشاهم ـ إلى الكفر والنفاق، ويتبرأون منهم، ومنهم من يزعم والعياذ بالله تعالى ارتداد جميع من حضر غدير خم يوم قال عليه الصلاة والسلام:" من كنت مولاه فعلي مولاه ". الحديث، ولم يف بمقتضاه من بيعة الأمير كرم الله وجهه بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، بل بايع غيره، وهذه الفرقة حدثت في عهد الأمير رضي الله تعالى عنه ¬

(¬1) - الملل والنحل ج 2 ص 11: بهامش الفصل. (¬2) - تهذيب تاريخ ابن عساكر ج 7 ص 430.

بإغراء عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني (¬1) ". وأخيراً ننقل ما كتبه أحمد أمين عنه وعن جماعته: انتشرت الجماعة السرية في آخر عهد عثمان تدعو إلى خلعه وتولية غيره، ومن هذه الجمعيات من كانت تدعو إلى علي، ومن أشهر الدعاة له عبد الله بن سبأ ـ وكان من يهود اليمن فأسلم ـ فقد تنقل في البصرة والكوفة والشام ومصر يقول: إنه كان لكل نبي وصي، وعلي وصي محمد، فمن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ووثب على وصيه، وكان من أكبر الذين ألبوا على عثمان حتى قتل (¬2) ". " وأنه وضع تعاليم لهدم الإسلام، وألف جمعية سرية لبث تعاليمه، واتخذا الإسلام ستاراً يستر به نياته، نزل البصرة بعد أن أسلم ونشر فيها دعوته فطرده واليها، ثم أتى الكوفة فأخرج منها، ثم جاء مصر فالتف حوله ناس من أهلها، وأشهر تعاليمه: الوصاية والرجعة. فأما الوصاية فقد أبناها قبل، وكان قوله فيها أساس تأليب أهل مصر على عثمان، بدعوى أن عثمان أخذ الخلافة من علي بغير حق، وأيد رأيه بما نسب إلى عثمان من مثالب، وأما الرجعة فقد بدأ قوله بأن محمداً يرجع، وكان مما قاله: العجب ممن يصدق أن عيسى يرجع، ويكذب أن محمداً يرجع، ثم نراه تحول ـ ولا ندري لأي سبب ـ إلى القول بأن علياً يرجع. وقال ابن حزم: إن ابن سبأ قال ـ لما قتل علي ـ لو أتيتموني بدماغه ألف مرة ما صدقناه موته، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وفكرة الرجعة هذه أخذها ابن سبأ من اليهودية، فعندهم أن النبي الياس (عليه السلام) صعد إلى السماء، وسيعود فيعيد الدين والقانون، ووجدت الفكرة في ¬

(¬1) - مختصر التحفة الإثني عشرية ص 5 - 6 ط مصر 1383م (¬2) - فجر الإسلام4 35.

بعض المتأخرين من الشيعة أنكروا وجود ابن سبأ

النصرانية أيضاً في عصورها الأولى (¬1) ". فهذا هو عبد الله بن سبأ وهذه دعوته وأفكاره وعقائده، وهذه هي الأفكار التي حملها من اليهودية والمجوسية وغيرها بخطة مدبرة ومؤامرة محكمة من قبل أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام وأعداء الأمة وقادتها وأبطالها لبث سمومها بين المسلمين باسم الإسلام. وسوف نرى ونحقق كيف اعتنق الشيعة هذه الأفكار وتمسكوا بهذه العقائد، وكيف تطور التشيع الأول وتغيرت الشيعة الأولى وتسربت فيهم نفس الأفكار التي كان يرد عليها ويعارضها علي ـ رضي الله عنه ـ وكيف توغل في الشيعة من كان يطاردهم ويتبرأ منهم ويؤدبهم ويقتلهم علي، ويلعنهم أبناءه وأولاده. وقبل أن نضع النقاط على الحروف نريد أن نذكر أن بعض الرجال من مواليد القرن الرابع عشر من الهجرة ـ وأخص الشيعة منهم ـ أنكروا وجود هذا اليهودي الماكر، ولكن إنكارهم لا يستند إلى دليل وبرهان، وإنكارهم هذا ليس إلا كإنكار الشمس وهي طالعة، لأنه لم يذكر ابن السوداء هذا واحد ولا اثنان من المخاصمين والمعاندين، بل ذكر كل من ألف في الفرق والرجال، في التاريخ وفي السير كما أثبتناه من أئمة الشيعة في الفرق والرجال والتاريخ والنقد غير السنة ومن رجال السنة، وقد بحثنا هذه القضية بتحليل منطقي وواقعي وبغربلة الدعاوى التي أطلقت في هذا المضمار في كتاب: "الشيعة وأهل البيت " ولكن نقولها هاهنا كلمة قصيرة ألا وهي: هل يوجد واحد قبل القرن الرابع عشر وحتى من الشيعة من أنكر وجود هذا الرجل؟ ثم وماذا عن الكتب التي تتحدث عن هذا الرجل من كتب الفرق ¬

(¬1) - نفس المصدر ص 269 - 270.

الرد على من أنكر من الشيعة أنفسهم

والملل والرجال والتاريخ وهي متفقة لفظاً ومعنى تقريباً في ذكره وأوصافه ونعوته وعقائده وأفكاره؟ ثم ولماذا الخوف من الفضيحة والعار؟ وإن كان هناك عار فلماذا التستر. وهل لا يجر هذا الإنكار إلى أن ينكر شخص وجود علي ومعاوية ووقوع الحوادث إن كان هناك مجرد إنكار؟. وما أعدله ما قاله عالم شيعي معاصر قريب ـ مع تعصبه ـ وهو يذكر الغلو وتاريخه، فيقول: إنه بعد تولية أمير المؤمنين على منصب الخلافة ظهر في أيامه قوم وأرادوا إخراجها من قالب " الموالاة والتمسك " إلى قالب التأليه لعلي (ع) " ولما بلغه عنهم ذلك أنكره أشد الإنكار. وحرق بالنار جماعة ممن غلا فيه ". والظاهر أن عبد الله بن سبأ لم يكن (وقتئذ) على هذه المقالة الغالية ولا شمله الإحراق، وهذا ما يراه ابن أبي الحديد بقوله: استترت هذه المقالة سنة أو نحوها ثم ظهر عبد الله بن سبأ بعد وفاة علي أمير المؤمنين (ع) فأظهرها واتبعه قوم فسموا السبئية. ويوافقه الشهرستاني بقوله: وإنما أظهر ابن سبأ هذه المقالة بعد انتقال علي عليه السلام " ولكن الاسترا بادي يخالفهما بما رواه من أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين (ع) هو الله تعالى. فبلغ أمير المؤمنين: قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا وتب ثكلتك أمك. فأبى فحبسه ثلاثة أيام، فلم يتب، فأحرقه بالنار " ولا يبعد أن يكون الأرجح ما قاله ابن أبي الحديد من أن ابن سبأ لم يشمله الإحراق وأنه أظهر تلك المقالة بعد وفاة أمير المؤمنين (ع). ووافقه الشهرستاني على ذلك وأن قال قلبه: " إن ابن سبأ قال لعلي ـ عليه السلام

أنت، أنت، يعني أنت الإله، فنفاه إلى المدائن " ولا ينافي هذا القول قوله الآخر إذ من المحتمل قريباً أن يكون ابن سبأ قد قال لعلي (أنت، أنت) لكنه قد أخفاه في حياة علي (ع) أيام منفاه وبعدها إلى أن توفي علي (ع) فأظهره بعد ذلك بسنة أو بأقل. وعلى كل حال فإن الرجل ـ أي ابن سبأ ـ كان في عالم الوجود وأظهر الغلو. وإن شك بضعهم في وجوده وجعله شخصاً خيالياً شخصته الأغراض الشخصية، أما نحن بحسب الاستقراء الأخير فلا نشك بوجوده وغلوه ..... نعم غلا ابن سبأ في دينه وتسربت بدعته هذه إلى أفكار جماعة غير قليلة، قد سميت باسمه. وأخذت بعد ذلك بالتطور السريع حتى تجاوزت عن القول بإلهية فرد من المخلوقين إلى القول بإلهية اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو أكثر من أهل البيت عليهم السلام (¬1). وقد أقر بوجوده من أعلام الشيعة المتأخرين المظفري في كتابه تاريخ الشيعة (¬2). وكذلك كبير القوم السيد محسن الأمين في موسوعته (¬3). وغيرهم الكثيرون، الكثيرون. فهذا هو عبد الله بن سبأ، وهذه العقائد التي حملها إلى المسلمين وإلى الشيعة بالذات بتعبير صحيح ودقيق، لأنهم هم كانوا الحقل الصالح لبذر هذه البذور، ومنهم [من] كان يتوقع أن يجد آذانا صاغية وقلوباً واعية، وباسم قائدهم كان يتوقع إثارة الضغائن والأحقاد. ¬

(¬1) - الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين: ص 212 ـ 213 ط دار الآثار ـ بيروت الطبعة الثانية 1979م (¬2) - انظر تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري ص 10 ط. قم. (¬3) - انظر أعيان الشيعة وخاصة الجزء الأول من القسم الأول.

وفعلاً استطاع جذب الكثير منهم إليه وإلى معتقداته خصوصاً بعد ما كان مظفراً منصوراً في إتاحة حكم الإمام المظلوم عثمان بن عفان له اختلاق قصص باطلة وأساطير كاذبة (¬1) وتكوينه جمعية سرية تعتقد في علي ـ رضي الله عنه ـ وصابة النبي صلى الله عليه وسلم ووراثته، وإيجاد رجال يقدسونه ويؤلهونه ويصفونه بأوصاف ونعوت هي لله خاصة، فدخل هؤلاء كلهم تحت رايته في شيعة علي ـ رضي الله عنه ـ واندمجوا معهم، وبدأوا ينفثون السموم إلى رفاقهم ومصاحبيهم ومجالسيهم، فتأثر من تأثر وكتم من كتم وظهر من ظهر، فنكل الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بمن اكتشف وأظهر عقيدته الأصلية الخافية وعذبهم أشد العذاب، وطرد بعضاً منهم وقتل البعض الآخرين سيفاً وحرقاً، وأعلن في ملأ من الناس أنه ليس إلا عبد الله طائعاً، وأن من يكتشف أنه من السبئيين يعمل به ما عمل بالمحرقين، ومن وجده متأثراً منهم وعلم أنه يفضله على الشيخين أو يتكلم فيهم فيجلده حد المفتري كما روى زيد بن وهب أن سويد بن غفلة. دخل على علي في إمارته فقال: إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر يرون أنك تضمر لهما مثل ذلك منهم، عبد الله بن سبأ، وكان عبد الله بن سبأ أول من أظهر ذلك، فقال علي: مالي ولهذا الخبيث الأسود، ثم قال: معاذ الله أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل، ثم أرسل إلى عبد الله بن سبأ فسيره إلى المدائن، وقال: لا يساكنني في بلدة أبدا، ثم نهض إلى المنبر حتى اجتمع الناس، فذكر القصة في ثنائه عليهما بطوله وفي آخره: ولا يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد ¬

(¬1) - نخصص لهذه القصص الباطلة والأساطير الموضوعة باباً مستقلاً في هذا الكتاب لما لها من علاقة وثيقة بشيعة اليوم، وأنهم لم يأخذوا هذه التهم إلا من عبد الله بن سبأ، كما أخذوا العقائد منه وسنبين هذا كله مفصلاً إن شاء الله بالبراهين والأدلة.

المفتري (¬1) ". وذكر الهمداني المعتزلي المتوفى 415هـ هذه الرواية أيضاً ولكن فيها من الفوائد ما ليست في غيرها، فنريد أن نثبتها هاهنا، فإنه يقول: وكان ابن سبأ هذا يقول لأصحابه: إن أمير المؤمنين قال لي: إنه يدخل دمشق ويهدم مسجدهم حجراً، حجراً، ويظهر على أهل الأرض ويكشف أسرارا ويعرفهم أنه ربهم، وليس لهذا كأبي بكر وعمر وعثمان. ولقد أتى أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ سويد بن غفلة، وكان من خاصته وكبار أصحابه، فقال له: يا أمير المؤمنين، مررت بنفر من الشيعة يتناولون أبا بكر وعمر بغير الذي هما من الأمة له أهل، ويرون أنك تضمر لهما على مثل ما أعلنوا، فقال: أعوذ بالله أعوذ بالله مرتين، أن أضمر لهما إلا الذي أتمنى المضي عليه، لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل، أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه ووزيراه ـ رحمة الله عليهما ـ ثم نهض دامع العينين يبكي، قابضاً على لحيته، وهي بيضاء، حتى اجتمع الناس. ثم قام فتشهد بخطبة موجزة بليغة، ثم قال: ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين بما أنا عليه متنزه، ومما قالوا برئ، وعلى ما قالوا معاقب، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا فاجر رديء، صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدق والوفاء يأمران وينهيان، ويقضيان ويعاقبان فما يجاوزان فيما يصنعان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يرى مثل رأيهما رأياً، ولا يحب كحبهما أحداً، مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهما راض، ومضيا والمؤمنين عنهما راضون، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على صلاة ¬

(¬1) - لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج3 ص 290 ط بيروت.

المؤمنين فصلى بهم تلك الأيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قبض الله نبيه عليه السلام واختار له ما عنده، مضى مفقودا صلى الله عليه وسلم، ولاه المؤمنين ذلك، وفوضوا إليه الزكاة لأنهما مقرونتان، ثم أعطوه البيعة طائعين غير مكرهين، أنا أول من سن له ذلك من بني عبد المطلب وهو لذلك كاره، يود لو أن بعضنا كفاه، فكان والله خير من بقي رأفة، وأرحمه رحمة، وأيبسه ورعاً، وأقدمه سلماً وإسلاما، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بميكائيل رأفة ورحمة، وبإبراهيم عفواً ووقارا، فسار فينا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبضه الله على ذلك، ثم ولى الأمر بعده عمر، واستأمر في ذلك المسلمين، فمنهم من رضي منهم ومنهم من كره، فلم يفارق الدنيا حتى رضي به من كان كرهه، وأقام الأمر على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم، يتبع أثرهما كاتباع الفصيل أثر أمه، وكان والله رفيقاً رحيماً لضعفاء المسلمين، وبالمؤمنين عوناً وناصراً على الظالمين، لا تأخذه في الله لومة لائم، ضرب الله بالحق على لسانه، وجعل الصدق من شانه، حتى إن كنا لنظن أن ملكاً ينطق على لسانه، أعز الله بإسلامه الإسلام وجعل هجرته للدين قواماً، ألقى الله له في قلوب المؤمنين المحبة وفي قلوب المشركين المنافقين الرهبة، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل فظاً غليظاً على الأعداء، وبنوح حنقاً مغتاضاً على الكفار، والضراء على طاعة الله آثر عنده من السراء على معصية الله فمن لكم بمثلهما ـ رحمة الله عليهما ـ ورزقنا المضي على سبيلهما، فإنه لا يبلغ مبلغهما إلا بالحب لهما ن واتباع آثارهما، فمن أحبني فليحبهما ن ومن لم يحبهما فقد أبغضني وأنا منه بريء، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا اشد العقوبة، فمن أوتيت به بعد هذا اليوم فإن عليه ما على المفتري، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ثم الله أعلم بالخير أين هو، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي

ولكم (¬1) ". وأورد هذه الخطبة كثير من الشيعة والسنة، ويؤيد ذلك ما ذكره النوبختي الشيعي من همه البطش بمن يتكلم في أبي بكر وعمر كما مر. فكتم السبئيون أمرهم وبدأوا يعملون في السر والخفاء وتقنعوا بقناع التقية (¬2) " وهكذا حاول واستطاع علي ـ رضي الله عنه ـ الحفاظ على شيعته، وحال بينهم وبين العقائد اليهودية المجوسية ولكنه لم يكد يقضي عليه ويستشهد بيد ابن ملجم المرادي الخارجي حتى ظهرت السبئية بكل قوة، وعبد الله بن سبأ بكل صراحة، حتى قال لمن نعاه بشهادته: كذبت عدو الله لو جئتنا ـ والله ـ بدماغه في صرة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض، ثم مضوا من يومهم حتى أناخوا بباب علي، فاستأذنوه عليه استئذان الواثق بحياته الطامع في الوصول إليه، فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده: سبحان الله، ما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد؟ قالوا: إنا نعلم أنه لم يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفه وسوطه كما قادهم بحجته وبرهانه، وإنه ليسمع النجوى ويعرف تحت الدثار الثقيل ويلمع في ظلام كما يلمع السيف الصقيل الحسام (¬3) ". ¬

(¬1) - تثبيت دلائل النبوة للهمذاني ج 2 ص 546 - 548 ط بيروت. (¬2) - ولعل عقيدة التقية أيضاً انتقلت إلى الشيعة من هؤلاء الناس لأنهم أول من استعملها خوفاً من عقوبة علي ـ رضي الله عنه ـ ومطاردته. (¬3) - المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الشيعي القمي، تثبت دلائل النبوة ج2 ص 549.

شهادة المستشرق (ولهوزن) بأن الشيعة لم تكن فرقة دينية فى الأصل

وادعت هذه الفئة الخبيثة وهذه الفرقة المارقة عن الدين وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ أن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ هو الذي لقنهم هذه التعاليم، وهم لم يتلقوا هذه الأفكار إلا منه كما أشار إلى ذلك الكثيرون من المؤرخين وأئمة الرجال والفرق. ويؤيد ذلك ما ذكره النوبختي أن عبد الله بن سبأ كان يقول في حياة علي ـ رضي الله عنه ـ أن علياً هو الذي أمره باللعن والطعن على أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما (¬1). فانخدع به كثير من الشيعة ومالوا إليه وإلى أقواله والعقائد التي اخترعها واختلقها، وبذلك تطور التشيع الأول وتغيرت الشيعة الأولى، فصار التشيع مذهباً دينياً بعد أن كان سياسياً محضاً، وصارت الشيعة حزباً دينيا بعد أن كانوا حزباً سياسياً خالصاً. ولقد قال بهذا القول المستشرق الألماني "ولهوزن" أيضاً حيث يذكر الشيعة الأولى بأنهم تمكنوا أولاً في العراق. ولم يكونوا في الأصل فرقة دينية، بل تعبيراً عن الرأي السياسي في هذا الإقليم كله. فكان جميع سكان العراق، خصوصاً أهل الكوفة، خصوصاً القبائل ورؤساء القبائل، ولا يلاحظ بينهم إلا درجات في التشيع. لقد كان علي في نظرهم رمزاً لسيادة بلدهم المفقود. ومن هنا نشأ تمجيد شخصه وآل بيته، تمجيداً لم يرتح له أثناء حياته، على أنه ما لبث أن تكونت في أحضان مذهب سري عبادة حقيقية لشخصه (¬2) ". وهذا هو القول الحق لأن علياً ـ رضي الله عنه ـ لم ينقل في الصحيح عنه أنه كان يعد نفسه أو أهل بيته مختلفين عن أبي بكر وعمر ¬

(¬1) - فرق الشيعة للنوبختي ص 44. (¬2) - الخوارج والشيعة ص 113 ..

إعلان علي بأنه لا يفضل نفسه على الخلفاء الراشدين - وإعلان براءته عن قتل عثمان -

وعثمان، بل كان يفضلهم عليه وعلى أولاده، وكان ينتهج منهجهم ويسلك سبيلهم، وكان يعد خلافته امتداداً لخلافتهم كما ذكر ذلك في خطبته المشهورة المنقولة عنه أنه قال مخاطباً معاوية في كتاب له إليه: إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار والغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى. ولعمري، يا معاوية، لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك. والسلام (¬1) ". وعلى ذلك قال ولهوزن: كان القدماء من أنصار علي يعدونه في مرتبة مساوية لسائر الخلفاء الراشدين. فكان يسلك مع أبي بكر وعمر وكذلك مع عثمان ـ طالما كان عادلاً في خلافته ـ في سلك واحد، وكان يوضع في مقابل الأمويين المغتصبين للخلافة بوصفه استمراراً للخلافة الشرعية. وحقه في الخلافة ناشئ عن أنه كان من أفاضل الصحابة وأنهم وضعوه في القمة وتلقى البيعة من أهل المدينة، ولم ينشأ هذا الحق ـ أو على الأقل لم ينشأ مباشرة ـ عن كونه من آل بيت الرسول (¬2) ". وهذه الحقيقة الثابتة الناصعة لا ينكرها إلا لجاهل أو المتجاهل المكابر المعاند. ثم ولم يجد التشيع هذا والسبئيون طريقاً للتقدم أمامهم إلا ¬

(¬1) - نهج البلاغة ص 366 - 367. (¬2) - الخوارج والشيعة ص 171

لضعف الحسين بن علي ـ رضي الله عنه ـ في لم الأمور وجمعها أو السيطرة الكاملة على جماعة أبيه، والمؤامرات الكامنة وراء الأستار من قبل اليهودية وانظمام المجوسية، إليها لاندحارها أمام زحف الإسلام والجيوش الإسلامية الظافرة المنصورة، وتكالب الموالي الفرس ضد العرب المسلمين الهازمين قوتهم وشوكتهم، والمدمرين حضارتهم، وأيضاً تكاتف المنتفعين الآخرين ومن أبناء الأمم المدحورة الأخرى الذين كانوا يتحينون الفرص المواتية للانتفاضة ضد الفاتحين والحكام الباعثين البعوث، والمرسلين العساكر، والمجندين الجنود للقضاء على بقيتهم الباقية وعلى الوثنيات والشركيات، وظلم الظلمة وغلبة الطغاة المستبدين. فلم يجد الحسن ـ رضي الله عنه وعن أبيه ـ قوة كافية لردع هؤلاء والحيلولة بينهم وبين تسرب أفكارهم إلى شيعته وشيعة أبيه المخلصين، خصوصا بعدما تسرب في قلوب شيعته الوهن والضعف، وازداد جبنهم وتخاذلهم، فكثر الكذب باسم أهل البيت، وفشت العقائد المدسوسة كما أقر بذلك الشيعي المشهور السيد محسن الأمين في موسوعته نقلاً عن واحد من أئمته أنه قال: " قال السيد علي خان في كتاب الدرجات الرفيعة في طبقات الإمامية من الشيعة: روى عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ـ عليهما السلام ـ أنه قال لبعض أصحابه: يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس أن رسول الله (ص) قبض وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس، فمالأت علينا قريش حتى أخرجت قريش الأمر عن معدنه واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت فنكثت بيعتنا

وضع الشيعة الأحاديث الموضوعة المكذوبة

ونصبت الحرب لنا ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قتل، فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غدر به وأسلم ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره وعوجلت خلاخل أمهات أولاده، فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته وهم وقليل حق قليل، ثم بايع الحسين أهل العراق عشرون ألفاً غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم فقتلوه ن ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ونقصى ونمتهن ونحرم، نقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أولياءنا، ووجد الكذابون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا إلى الناس (¬1) ". فكذب الكذابون ووضعوا أقوالاً وروايات مختلقة ومخترعة لترويج باطلهم ونشر ضلالاتهم، وعليّ وأولاده الطيبون منها براء، وعلى رأس الوضاعين الدجالين والسعاة السبئيون وقائدهم عبد الله بن سبأ، فنجح ونجحوا أيما نجاح حيث استطاعوا وبعد مدة طويلة وحوادث عديدة أن يفتنوا كثيراً من الناس وأن يخدعوهم ويخرجوهم عن الإسلام الصحيح الصريح، عن دين الله إلى المذهب الأجنبي الغريب، أن يخرجوهم عن العقائد الإسلامية الساذجة البسيطة، الخالية من شوائب الشرك والوثنية، وعن وحدانية الله عز وجل، وعن الحرية والجهاد والديمقراطية! والعدل وعن كرامة الإنسان بعدم التفريق بينه وبين الآخر في الحسب والنسب والجاه والحكومة والرئاسة، نعم أخرجهم عن هذا كله وألزمهم العقائد الفلسفية الكلامية المعقدة المأخوذة عن التفلسف اليهودي والوثنية المجوسية والغوامض المسيحية، وإلى الإشراك بالله ¬

(¬1) - أعيان الشيعة ج 1 ص 34.

والعبودية والاستغلال والتفرقة بين بني آدم بالحسب والنسب والجاه والحكم والرئاسة، وأن شخصاً أفضل لأنه ولد في بيئة فلانية، وليس له شرف سواه، وأن فلاناً أرذل لأنه لم يولد في تلك الأسرة الأرستقراطية ولو حاز جميع أوصاف الشرف والمكرمة وغير ذلك من السخافات والترهات، فصار السبئيون أصلاً لكل فرقة خرجت عن الشيعة، وصارت أفكار ابن السوداء عقائد لجميع تلك الفرق، فافترقوا حسب اختلافهم بالأخذ عنهم وعنها، فمن أخذها بحذافيرها سمي بذلك ومن أخذ بعضها وترك بعضاً منها سمي بأولئك، ومن أخذ الأكثر وترك القليل سمي بهذا الاسم، وهكذا ولكنها ولا واحدة منها سلكت مسلكاً غير مسلكهم، ولا انتهجت غير منهجهم، ولا مشت غير ممشاهم، وسوف ترى كل ذلك بعينيك وتشاهدها بنفسك بكتب موثوقة معتمدة وبالأدلة والبراهين كما سنبينه في باب الفرق في الباب المستقل من هذا الكتاب حول فرق الشيعة. وعلى ذلك قال الحكيم الدهلوي عند بحثه عن فرق الشيعة وبعد ذكر الصحابة.

انخداع بعض الشيعة من السبئية واعتناقهم عقائدهم

وهذه الفرقة هم رؤساء الروافض وأسلافهم ومسلمو الثبوت عندهم فإنهم وضعوا بناء دينهم وأيمانهم في تلك الطبقة على رواية هؤلاء الفساق المنافقين ومنقولاتهم، فلذا كثرت روايات هذه الفرقة عن الأمير ـ كرم الله تعالى وجهه ـ بواسطة هؤلاء الرجال. وقد ذكر المؤرخون سبب دخول أولئك المنافقين في هذا الباب، وقالوا إنهم قبل وقوع التحكيم كانوا مغلوبين لكثرة الشيعة الأولى في عسكر الأمير وتغلبهم ولما وقع التحكيم وحصل اليأس من انتظام أمور الخلافة وكادت المدة المعينة للخلافة تتم وتنقرض وتخلفها نوبة العضوض رجع الشيعة الأولى من دومة الجندل التي كانت محل التحكيم إلى أوطانهم لحصول اليأس من نصرة الدين وشرعوا بتأييده بترويج أحكام الشريعة والإرشاد ورواية الأحاديث وتفسير القرآن المجيد كما أن الأمير ـ كرم الله تعالى وجهه ـ دخل الكوفة واشتغل بمثل هذه الأمور، ولم يبق في ركاب الأمير إذ ذاك من الشيعة الأولى إلا القليل ممن كانت له دار في الكوفة فلما رأت هاتيك الفرقة الضالة المجال في إظهار ضلالتهم أظهروا ما كانوا يخفونه من إساءة الأدب في حق الأمير وسب أصحابه وأتباعه الأحياء منهم والأموات، ومع هذا كان لهم طمع في المناصب أيضاً لأن العراق وخراسان وفارس والبلاد الأخر الواقعة في تلك الأطراف كانت باقية بعد في تصرف الأمير وحكومته، والأمير ـ كرم الله تعالى وجهه ـ عاملهم كما عاملوه كما وقع ذلك لموسى عليه السلام مع اليهود ولنبينا محمد عليه الصلاة والسلام مع المنافقين (¬1) ". وقد أقر بذلك النوبختي حيث كتب: " فلما قتل علي ـ عليه السلام افترقت [الناس] التي تثبت على إمامته ¬

(¬1) - مختصر التحفة الإثني عشرية ص 56 - 58.

فصاروا فرقاً ثلاثا: فرقة منهم قالت إن علياً لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وهي أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي صلى الله عليه وآله من هذه الأمة، وأول من قال بالغلو، وهذه الفرقة تسمى السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال: إن علياً ـ عليه السلام ـ أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به، فأمر بقتله فصاح الناس إليه يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فصيره إلى المدائن، وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي ـ عليه السلام ـ أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً ـ عليه السلام ـ وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في علي ـ عليه السلام ـ بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي ـ عليه السلام ـ وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه، فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت، لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض (¬1) ". ومثل ذلك ذكره الكشي وغيره ممن تقدم ذكرهم. وقصداً أعدنا هذه العبارة لما لها من علاقة مباشرة بالموضوع، ولما لها أهمية كبيرة في فهم التشيع والشيعة، ولنعيد إلى ذهن القارئ ما لعله قد غاب عنه. ¬

(¬1) - فرق الشيعة للنوبختي ص 43 - 44.

فكان هذا أول حدث عقائدي في التشيع وتغيير جذري غير منهج الشيعة في الفكر والرأي عبر القرون، ومن هنا بدأت تتزعم اليهودية وتترأس أفكار التشيع والشيعة كما أقر بذلك النوبختي وبعده الكشي وقبله سعد القمي وغيرهم الكثيرون، الكثيرون، وإليه ذهب كل من حقق ودقق وغربل التاريخ من المسلمين وغير المسلمين من المؤرخين والرجاليين وأصحاب المقالات في الفرق والعقائد من السنة والشيعة والمستشرقين من اليهود والنصارى وغيرهم فيقول ولهوزن وهو يذكر السبئية: ومنشأ السبئية يرجع إلى زمان علي والحسن وتنسب إلى عبد الله بن سبأ. وكما يتضح من اسمه الغريب، فإنه أيضاً يمنياً، والواقع أنه من العاصمة صنعاء. ويقال أيضاً أنه كان يهودياً. وهذا يقود إلى القول بأصل يهودي لفرقة السبئية. والمسلمون يطلقون (اليهودي) على ما ليس في الواقع كذلك. بيد أنه يلوح أن مذهب الشيعة، الذي ينسب إلى عبد الله بن سبأ أنه مؤسسه، إنما يرجع إلى اليهود أقرب من أن يرجع إلى الإيرانيين (¬1) ". وسوف نتكلم عن السبئية وعقائدها التي سلحهم بها اليهود وغيرهم في باب آخر حيث نضطر إلى إعادة القول عن السبئية هناك، وقبل أن نأتي إلى آخر القول نريد أن نذكر هاهنا أن جماعة من الشيعة الأولى لا زالوا على عقائدهم الأصلية والتي ليس بينهما وبين عقائد المسلمين الأولين أي فرق إلى أن حصلت التغييرات الأخرى وعلى رأس هؤلاء كان أولاد علي ـ رضي الله عنه ـ من الحسن والحسين ومحمد وأبي بكر وعمر وعثمان والعباس وغيرهم من أبناء عليّ وبقية الهاشميين. ¬

(¬1) - الخوارج والشيعة ص 170 - 171.

من أبناء العباس وعقيل وجعفر وطالب وغيرهم من أبناء عمومة الحسنين وأبناء أعمام أبيهم. وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الباب، ومن ثم ننتقل إلى باب آخر. وهو يشتمل على التهم الباطلة والإيرادات الواهية والمطاعن المختلفة التي اخترعها السبئيون للقضاء على دولة الإسلام وأميرها خليفة المسلمين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ لأنه خلف بعد الشيعة الأولى خلف تبنوا هذه الأفكار وتركوا سبيل عليّ وأهل بيته، فسلطوا ألسنتهم وأقلامهم تبعاً لسلفهم غير الصالح على ذلك الإمام المظلوم الذي قتل ظلماً وبغياً وجوراً، كما أن له علاقة بالموضوع حيث إن قتلته أو من ساعد قاتليه على قتله هم الذين أيدوا السبئية، ومنهم تكونت وبآرائهم اعتنقوا وبأفكارهم تضللوا وانحرفوا عن جادة الحق والهدى، والضغائن، وثبت التفرقة والانشقاق، وتثير الآلام وتقشر الجراحات وتحيي الأوجاع، وبهذا نمشي أيضاً مع مجرى التاريخ وثمراته ونتائجه وبالله التوفيق ونسأله العدل في القول، والإصابة في الحق، وهو لي القبول.

الباب الثالث الشيعة ومطاعنهم على ذي النورين رضي الله عنه والسبأية وفتنهم أيامه

الباب الثالث الشيعة ومطاعنهم على ذي النورين رضي الله عنه والسبأية وفتنهم أيامه قبل أن نتكلم في هذا الموضوع نريد أن نكشف الحجاب عن بعض الحقائق الواقعة التي طالما خفيت على كثير من الناس وحتى على الخاصة منهم. ومنها أن الشيعة عامة جعلوا الكذب شعار لهم وأصبغوا عليه صبغة دينية باسم التقية حيث قالوا: لا إيمان لمن لا تقية له (¬1) ". ونسبوا هذه الرواية إلى محمد الباقر زوراً وبهتاناً. حتى اشتكى منهم ومن أكاذيبهم الكثيرة والجريئة، عليُ وأهل بيته الذين يعدونهم أئمة لهم، اشتكوا منهم كثيرا لهذا، فقد ذكر الكشي كبيرهم في الرجال عن ابن سنان: قال أبو عبد الله (ع) إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا، فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق البرية لهجة وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين (ع) أصدق من برأ الله من بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه عبد الله بن سبأ لعنه الله، وكان أبو عبد الله الحسين بن علي (ع) قد ابتلي بالمختار. ثم ذكر أبو عبد الله الحارث الشامي وبنان، فقال: كانا يكذبان على عليّ بن الحسين (ع)، ثم ذكر المغيرة بن سعيد وبزيغا والسري وأبا الخطاب ومعمراً وبشار الأشعري وحمزة اليزيدي وصائد النهدي فقال: ¬

(¬1) - الكافي في الأصول باب التقية ج 2 ص 19 ط إيران.

رواة المطاعن هم الشيعة

لعنهم الله، إنا لا نخلو من كذاب يكذب علينا، كفانا الله مؤنة كل كذاب وأذاقهم الله حر الحديد (¬1) ". ثانياً: أن أكثر الرواة الذين ذكروا تلك التهم والمطاعن التي جرت إلى قتل عثمان أمير المؤمنين، وفتح باب الفتنة بين المسلمين هم من الشيعة، وقد كبروا الصغير وفخموا الحقير ونفخوا في الكير، وعنهم نقل المؤرخون كل ما هب ودب بدون تنقية وتحقيق وبدون نقد وتدقيق، ولم يميزوا الصدق من التلفيق والباطل من الحق والغث من السمين، وأدرج المؤرخون والنقلة منهم كل ما اخترعوها واختلقوها دعاية لباطلهم وتأييداً لمذهبهم وتصديقاً لأهدافهم وأغراضهم. ثالثاً: ولم ينقلوا هذه الوقائع عمن شاهدوها، بل كان سمعاً، على سمع وكذباً على كذب، وباطلاً على باطل. وكثيرا ما يروي الراوي الحادثة والواقعة وبينه وبينها بعد عشرات السنين كما سنبين. رابعاً: الرواة مع كذبهم ودجلهم وكونهم دعاة إلى مذهبهم هم طرف في تلك الوقائع والحوادث حيث يتبعون تلك الشلة والطائفة التي نفخت في الرماد وسعرت نار الفتنة، فهم على شاكلتهم يعملون نفس العمل ويسعون بنفس الفساد بالقلم واللسان، الذي سعى به أسلافهم بالجسد والروح. فعلى ذلك يجب التحرز على كل منصف يريد أن يعرف الحقائق عن قبول رواياتهم ومروياتهم، مغمضا العينين، معرضا عن الشكوك والشبهات. فيحتاط في كل رواية لاتؤيده رواية أخرى من الثقات المعتمدين غير المنحازين الى طرف في الموضوع. ولذلك لايلفت الى ماتفرد به أبومخنف والواقدي والكلبيان للاستنباط والاستنتاج والحكم. ¬

(¬1) - رجال الكشي ص 257، 258.

أبو مخنف الأزدي من كتب الشيعة والسنة

ومن سوء الحظ أن هؤلاء هم العمدة للرواية عن هذه الوقائع والوقيعة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسادة هذه الأمة وقادتها، وهم خلف لسلفهم الذين كانوا قادة البغاة والطغاة وعملاء اليهودية العالمية التي كانوا يعتقدونها، وحاملين نفس الأفكار التي كانوا مسومين بها، سالكين نفس الأسلوب الذي عرف في الزمن الأخير بأسلوب "جوئبلز": أكثر الكذب قدر ما تستطيع حتى تظنه صدقاً بدون خجل ولا وجل ولا حياء، فما أكثر ما كذبوا وما أشنعه، وما أجراءهم على ذلك. ونحن تعودنا أن لا نتكلم إلا مستندين إلى الحقائق [متثبتين] بالأدلة الناصعة والبراهين القاطعة، ولا نتفوه بالظن والتخمين [بل] بالوثائق الموثوقة والمصادر المعتمدة. وهاهي الوثائق: أبو مخنف: فقد ذكره محسن الأمين في كتابه (أعيان الشيعة) تحت عنوان مؤلفي الشيعة في السير والتاريخ والمغازي، فيقول: أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الغامدي. قال النجاشي: من أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم وصنف كتباً كثيرة منها: فتوح الشام، العراق، خراسان، الجمل، صفين، النهر، الغارات، مقتل الحسين (ع) وغيرها، وقال ابن النديم في الفهرست: قرأت بخط أحمد بن الحارث الخزاز قالت العلماء: أبو مخنف بأمر العراق وأخبارها وفتوحها يزيد على غيره، والمدائني بأمر خراسان والهند وفارس والواقدي بالحجاز والسيرة. وقد اشتركوا في فتوح الشام واثنان من الثلاثة شيعة: أبو مخنف، والواقدي (¬1) ". ولقد ذكره النجاشي كما عرفت في مصنفي الشيعة، وزاد على ¬

(¬1) - أعيان الشيعة الجزء الأول من القسم الثاني ص 127.

كتبه التي ذكرها المحسن: كتاب السقيفة، وكتاب الشورى، وكتاب قتل عثمان، وكتاب الحكمين، ومقتل أمير المؤمنين، وقتل الحسين، ومقتل الحسين حجر بن عدي، وأخبار المختار، وأخبار الزيات، وأخبار محمد بن أبي بكر، ومقتل محمد ـ وغيره من الكتب ـ كما ذكر أنه شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم، وكان يسكن إلى ما يرويه، روى عن جعفر بن محمد عليهما السلام (¬1) ". وذكر الطوسي أن أباه كان من أصحاب عليّ كما ذكره في رجاله وقد ذكره الحلي في الثقات، أبوه كان من أصحاب الباقر وهو من أصحاب جعفر (¬2) ". وقد ذكره القمي في كتابه فقال: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي شيخ أصحاب الأخبار الكوفة ووجههم كما جش، وتوفي سنة 157 هـ يروى عن الصادق (ع) ويروى عنه هشام بن الكلبي وجده مخنف بن سليم صحابي شهد الجمل في أصحاب علي (ع) حاملاً راية الأزد، فاستشهد في تلك الوقعة سنة 36 هـ، وكان أبو مخنف من أعاظم مؤرخي الشيعة ومع اشتهار تشيعه اعتمد عليه علماء السنة في النقل عنه كالطبري وابن الأثير وغيرهما، وليعلم أن لأبي مخنف كتباً كثيرة في التاريخ والسير، منها كتاب مقتل الحسين (ع) الذي نقل منه أعاظم العلماء المتقدمين، واعتمدوا عليه (¬3) ". هذا ما صرح به علماء الشيعة بتشيعه وتنبئ أسماء كتبه عن مغالاته وإغراقه في التشيع كما عددناها من النجاشي. ¬

(¬1) - فهرست أسماء مصنفي الشيعة للنجاشي ص 224 - 225 ط قم. (¬2) - انظر رجال الحلي ص 282. (¬3) - الكنى والألقاب ج 1 ص 148 - 149.

وأما السنة فقد قالوا فيه كما نقل عنهم الإمام ابن حجر العسقلاني: لوط بن يحيى أبو مخنف: إخباري تالف، لا يوثق به، تركه أبو حاتم وغيره. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال يحيى بن معين: ليس بثقة. وقال مرة: ليس بشيء. وقال ابن عدي، شيعي محترق صاحب أخبارهم ـ قلت: روى عن الصعقي بن زهير وجابر الجعفي ومجالد. روى عن ابن المدائني وعبد الرحمن بن مغراء، ومات قبل السبعين ومائة ـ وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا حاتم عنه فنفض يده، وقال: أحد يسأل عن هذا؟. وذكره العقيلي في الضعفاء (¬1) ". ومثل ذلك ذكر الذهبي في ميزانه (¬2). كما ذكره الذهبي في (المنتقى) من منهاج السنة عن شيخ الإسلام ابن تيمية تحت المعروفين بالكذب وعقب ذكره بقول الأشهب بن عبد العزيز القيسي أنه قال: سئل مالك رضي الله عنه عن الرافضة؟ فقال: لا تكلمهم ولا ترو عنهم، فإنهم يكذبون، وعن حرملة بن يحي أنه قال: سمعت الشافعي رضي الله عنه ـ يقول: لم أر أحد أشهد بالزور من الرافضة، وعن مؤمل بن إهاب الربعي أنه قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: يكتب عن كل مبتدع ـ إذا لم يكن داعية ـ إلا الرافضة، فإنهم يكذبون، وعن محمد ¬

(¬1) - لسان الميزان ج 4 ص 492 - 493. (¬2) - انظر لذلك ميزان الاعتدال للذهبي ج 2 ص 360.

بن سعيد الأصفهاني أنه قال: سمعت شريك بن عبد الله النخعي يقول: أحمل العلم عن كل من لقيته إلا الرافضة، فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه حديثاً. وعن أبي معاوية أنه قال: سمعت الأعمش يقول: أدركت الناس وما يسمونهم إلا الكذابين (يعني الروافض) ثم قال نقلاً عن شيخ الإسلام: ومن تأمل كتب الجرح والتعديل رأي المعروف عن مصنفيها بالكذب في الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف. والرافضة يقرون بالكذب حيث يقولون بالتقية (¬1) ". فتلك هي آراء أئمة الجرح والتعديل ومهرة الفن في نقد الرجال في أبي مخنف، وهذه هي أقوال الأئمة والحفاظ والمحدثين في الاعتماد عليهم. وخلاصة ما ذكرنا أن أبا مخنف متفق على تشيعه عند الطرفين، الشيعة والسنة، غير معتمد وموثوق فيه. وأما قول القمي: ومع اشتهار تشيعه اعتمد عليه علماء النقل من السنة كالطبري، فليس إلا كذب عادة قومه وذويه، لأنه من المعروف عند كل من قرأ الطبري ونظر فيه بأنه لم يشترط إدراج كل ما صح عنده في تاريخه ولم يلتزم صحة ما نقل. وقد صرح في مقدمة كتابه حيث قال: فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ولا معنى في الحقيقة فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنما أدينا ذلك على نحو ما أدى علينا (¬2) ". ¬

(¬1) - المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ص 21، 22، 23 ط المطبعة السلفية القاهرة. (¬2) - تاريخ الأمم والملوك للطبري ج 1 ص 5 مقدمة الكتاب ط بيروت.

الواقدى

وأما ابن الأثير فإنه صرح أيضاً في مقدمة كتابه أنه ناقل عن الطبري ومعتمد عليه في نقله كما يقول: إني قد جمعت في كتابي هذا ما لم يجتمع في كتاب واحد، ومن تأمله علم صحة ذلك فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي صنفه الإمام أبو جعفر الطبري إذ هو الكتاب المعول عند الكافة عليه، والمرجوع عند الاختلاف إليه، فأخذت ما فيه من جميع تراجمه لم أخل بترجمة واحدة منها (¬1) ". فهذه هي حقيقة أبي مخنف والاعتماد عليه من الطبري وابن الأثير. وأما الواقدي فلقد قال فيه الحسن الشيعي: ومحمد بن عمر الواقدي، قال ابن النديم: كان يتشيع، حسن المذهب، يلزم التقية، وهو الذي روى أن علياً عليه السلام كان من معجزات النبي (ص) كالعصا لموسى (ص) وإحياء الموتى لعيسى بن مريم عليه السلام وغير ذلك من الأخبار. عالماً بالمغازي والسير والفتوح والأخبار خلف 600 قمطر كتباً كل حمل رجلين وقبل ذلك بيع له كتب بألفي دينار، وكان له غلامان مملوكان يكتبان الليل والنهار له التاريخ الكبير، المغازي، المبعث، أخبار مكة، فتوح الشام، فتوح العراق، الجمل، مقتل الحسين عليه السلام، السيرة، إلى غير ذلك من الكتب الكثيرة في السير والتاريخ (¬2) ". وذكره القمي: أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد المدني: كان إماماً عالماً، له التصانيف والمغازي وفتوح الأمصار، وله كتاب الردة وغير ذلك، كان من ¬

(¬1) - الكامل لابن الأثير ج 4 ص 5 مقدمة. (¬2) - أعيان الشيعة القسم الأول الجزء الأول ص 128.

أقدم مؤرخي الإسلام. وكتاب مغازيه له مقدمة وشروح باللغة الإنجليزية يروى عنه كتابه محمد بن سعد وجماعة من الأعيان ... وكان الواقدي مع ما ذكرناه من سعة علمه وكثرة حفظه لا يحفظ القرآن، ثم روى عن المأمون أنه قال للواقدي: أريد أن تصلي الجمعة غدا بالناس قال: فامتنع، قال: لا بد من ذلك، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين ما أحفظ سورة الجمعة حتى يبلغ النصف منها، فإذا حفظه ابتدأ بالنصف الثاني، فإذا حفظ النصف الثاني نسى الأول فاتعب المأمون وتعس، فقال لعلي بن صالح: يا علي احفظه أنت، فذكر أنه مثل المأمون لم يقدر على أن يحفظه، فقال المأمون: اذهب فصل بهم واقرأ أي سورة شئت، وروى عن غسان قال: صليت خلف الواقدي صلاة الجمعة فقرأ: إن هذا لفي الصحف الأولى صحف " عيسى " (¬1) وموسى .. كان يتشيع حسن المذهب يلزم التقية، وهو الذي روى أن علياً (ع) كان من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالعصا لموسى وإحياء الموتى لعيسى بن مريم (ع) وغير ذلك من الأخبار (¬2) ". وقد ذكره الخوانساري في كتابه (¬3) ولقبه بالإمام العلام. هذا ما أقر به الشيعة بأنه شيعي سيء الذاكرة، غير ضابط لم يكن القرآن يستقر في ذاكرته وقلبه. وأما ما ذكره أئمة الرجال وجهابذة الجرح والتعديل من السنة فإليك بيانه، قال ابن حبان: كان يروي عن الثقات مقلوباً وعن الأثبات ¬

(¬1) - ولا ندري كيف يعتقد القوم فيه الأمانة في التاريخ والأخبار ونقل الحوادث والوقائع وهو الذي لا يستطيع ضبط سورة قصيرة من القرآن، فهل مثل هذا يعتمد عليه أن يضبط الوقائع والحوادث بالتاريخ والتفصيل؟. أولم يكن يستطيع حفظ القرآن لأنه لم يكن من القوم الذين يعتقدون فيه؟ كما أثبتنا عقيدتهم في القرآن في كتابنا (الشيعة والسنة) ومن أراد معرفة ذلك فليراجع (¬2) - الكنى والألقاب ج 3 ص 230، 231، 232. (¬3) - روضات الجنات ج 7 ص 268.

الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة

معضلات ... وكان أحمد بن حنبل يكذبه ..... وكان يقول المديني: الواقدي يضع الحديث (¬1) ". وقال الذهبي: مجمع على تركه، وقال النسائي: كان يضع الحديث (¬2) ". وأما ابن حجر فجمع أقوال العلماء فيه، فذكر أن البخاري قال: الواقدي مدني سكن بغداد، متروك الحديث، تركه أحمد وابن المبارك وابن نمير وإسماعيل بن زكريا، وقال معاوية بن صالح: قال لي أحمد بن حنبل: الواقدي كذاب. وقال لي يحيى بن معين: ضعيف. وقال مرة ليس بشيء ... قال ابن المديني: الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي، وأرضاه في الحديث ... قال الشافعي كتب الواقدي كلها كذب. وقال النسائي في (الضعفاء): الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: الواقدي في المدينة، ومقاتل في الكوفة، ومحمد بن سعيد المصلوب بالشام، وذكر الرابع، وقال ابن عدي: أحاديثه غير موثوقة. قال ابن المديني: عندي عشرون ألف حديث ما لها أصل، وإبراهيم بن يحيى كذاب وهو عندي احسن حالاً من الواقدي. وقال أبو داود: لا أكتب حديثه ولا أحدث عنه، ما اشك أنه كان يفتعل الحديث ..... وقال بندار: ما رأيت أكذب منه. وقال إسحاق بن راهويه: هو عندي ممن يضع. وحكى ابن ¬

(¬1) - كتاب المجروحين لابن حبان ج 2 ص 284 ط دكن. (¬2) - المغني للذهبي ج 2 ص 619.

العربي عن الشافعي قال: كان بالمدينة سبعة رجال يضعون الأسانيد أحدهم الواقدي، وقال أبو زرعة وأبو بشر الدولابي والعقيلي: متروك الحديث. وقال أبو حاتم الرازي: وجدنا حديثه عن المدنيين عن شيوخ مجهولين مناكير ..... وحكى ابن الجوزي عن أبي حاتم أنه قال: كان يضع. ولقد حدث بعد ذلك ابن حجر قصة تنبئ عن جرأته على الكذب والدجل: حدثنا عمرو الناقد قال: قلت للواقدي: تحفظ عن الثوري عن ابن خيثم عن عبد الرحمن بن نبهان عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أبي في لعن زوارات القبور، فقال: حدثنا سفيان، فقلت أمله عليّ، فأملاه علي بالمسند، فقال نا عبد الرحمن بن ثوبان فقلت: الحمد لله الذي أوقعك، أنت تعرف أنساب الجن ومثل هذا يخفى عليك؟ قال الساجي: والحديث حديث قبيصة ما رواه عن سفيان غيره، وقال النووي: الواقدي ضعيف باتفاقهم، وقال الذهبي في الميزان: استقر الإجماع على وهن الواقدي، وتعقبه بعض مشايخنا بما لا يلاقي كلامه. وقال الدارقطني: الضعف يتبين على حديثه، وقال الجوزجاني: لم يكن مقنعاً (¬1) ". فهذا هو الواقدي، وهذا هو شأنه عند العلماء الأعلام من السنة، وهذا مع تشيعه باعتراف الشيعة أنفسهم بأنه شيعي وليس شيعياً فحسب، بل من الذين يلزمون التقية أي الكذب بتعبير صحيح. وأما محمد بن السائب وابنه هشام فلقد ذكرهما محسن الأمين في ¬

(¬1) - تهذيب التهذيب للإمام ابن حجر العسقلاني ج 9 ص 363 إلى 368 ملخصاً ومختصراً ومثله ذكر الذهبي في ميزان الاعتدال ج3 ص 110.

طبقات المؤرخين من الشيعة (¬1) ". كما ذكرهما ابن النديم الشيعي في فهرسته. وكما ذكر النجاشي هشام بن محمد بقوله: هشام بن محمد بن السائب بن بشير بن زيد بن عمرو بن الحارث بن عبد الحارث بن عزى بن امرئ القيس عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن عوف بن زيد اللات وقيده بن ثور بن كلب بن وبرة المنذر: الناسب العالم بالأيام، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختص بمذهبنا، وله الحديث المشهور، وقال: اعتللت علة عظيمة نسيت علمي، فجلست إلى جعفر بن محمد عليه السلام فسقاني العلم في كأس فعاد إليّ علمي، وكان أبو عبد الله عليه السلام يقربه ويدينه ويبسطه، وله كتب كثيرة منها: كتاب مثالب ثقيف، كتاب مثالب بني أمية، كتب مقتل عثمان، كتاب مقتل أمير المؤمنين، كتاب حجر بن عدي، كتاب الحكمين، كتاب مقتل الحسين عليه السلام، كتاب أخبار محمد بن الحنفية وغيرها (¬2) ". وكما ذكره أباه ابن داود الحلي في القسم الأول من رجاله، وذكر أنه من أصحاب الباقر (¬3) ". وذكر ابنه هشام وذكر أنه كان يقربه جعفر ويدنيه (¬4) ". وعد شيخ الطائفة الطوسي محمد بن السائب في رجاله من أصحاب الصادق (¬5) ". وأيضاً من أصحاب الباقر (¬6) ". ¬

(¬1) - أعيان الشيعة ج 1 ص 127 - 128. (¬2) - رجال النجاشي ص 305، 306. (¬3) - رجال ابن داود الحلي ص 312. (¬4) - أيضاً ص 368 - 369. (¬5) - رجال الطوسي ص 289 (¬6) - أيضاً ص 136.

وكان غالياً في التشيع، أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق (¬1) ". ولقد ذكرهما عالم الشيعة في الرجال العباس القمي بقوله: الكلبي النسابة، ويقال له ابن الكلبي أيضاً أبو المنذر هشام بن أبي النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي الكوفي، كان من أعلم الناس بعلم الأنساب، وقد أخذ بعض الأنساب عن أبيه أبي النضر محمد بن السائب الذي كان من أصحاب الباقر والصادق عليهم السلام، وأخذ أبو النصر نسب قريش عن أبي صالح عن عقيل بن أبي طالب، قال ابن قتيبة: وكان جده بشر وبنوه السائب وعبيد الرحمن شهدوا الجمل وصفين مع علي بن أبي طالب عليه السلام، وقتل السائب مع مصعب بن الزبير، وشهد محمد بن السائب الكلبي الجماجم مع ابن الأشعث، وكان نساباً عالماً بالتفسير، وتوفي بالكوفة وعن السمعاني أنه قال في ترجمة محمد بن السائب أنه صاحب التفسير، وكان من أهل الكوفة قائل بالرجعة، وانه هشام ذا نسب عال وفي التشيع غال، وفي (الرجال الكبير): هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر الناسب العالم، المشهور بالفضل والعلم، العارف بالأيام، كان مختصاً بمذهبنا، قال اعتللت علة عظيمة نسيت علمي، فجئت إلى جعفر بن محمد (ع) فسقاني العلم في كأس، فعاد إليّ علمي، وكان أبو عبد الله (ع) يقربه ويدنيه وينشطه، قلت: حكى المعاني وغيره، عن قوة حفظه أنه حفظ القرآن في ثلاثة أيام، وأنا أقول: لا بدع في ذلك، فإن من سقاه الصادق (ع) العلم في كأس يحفظ القرآن بأقل من ثلاثة أيام، توفي سنة 206 أو 204 (¬2) ". ¬

(¬1) - أعيان الشيعة ج 1 ص 59. (¬2) - الكنى والألقاب ج 3 ص 94 - 95 - 96.

وأنا أظن بأنه يكفي هذا لبيان حقيقة أحوال هشام وأبيه محمد حيث أنهما من أسرة شيعية بحتة من قديم الزمن. وأما ما قاله السنة فنقل عن معمر بن سليمان عن أبيه أنه قال: كان بالكوفة كذابان أحدهما الكلبي، وقال ليث بن أبي سليم كان بالكوفة كذابان أحدهما الكلبي، والآخر السدي. وقال الدوري عن يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال معاوية بن صالح عن يحيى: ضعيف وقال أبو موسى: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن سفيان عنه بشيء، وقال البخاري تركه يحيى وابن مهدي وقال الدوري عن يحيى بن يعلى المحاربي قال: قيل لزائدة: ثلاثة لا تروي عنهم ابن أبي ليلى وجابر الجعفي، والكلبي، قال أما ابن أبي ليلى فلست أذكره وأما جابر فكان والله كذابا يؤمن بالرجعة، وأما الكلبي وكنت أختلف إليه فسمعته يقول مرضت مرضة فنسيت ما كنت أحفظ فأتيت آل محمد فتفلوا في فيّ فحفظت ما كنت نسيت فتركته، وقال الأصمعي عن أبي عوانة: سمعت الكلبي يتكلم بشيء من تكلم به كفر فسألته عنه فجحده، وقال عبد الواحد بن غياث عن ابن مهدي: جلس إلينا أبو جزء على باب أبي عمرو بن العلاء، فقال أشهد أن الكلبي كافر قال فحدثت بذلك يزيد بن زريع فقال سمعته يقول: أشهد أنه كافر قال فماذا زعم؟ قال سمعته يقول: كان جبريل يوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام النبي لحاجته وجلس علي فأوحى إلى علي، فقال يزيد: أنا لم أسمعه يقول هذا ولكني رأيته يضرب صدره ويقول أنا سبئي أنا سبئي. قال العقيلي هم صنف من الرافضة أصحاب عبد الله بن سبأ، وقال ابن فضيل عن مغيرة عن إبراهيم أنه قال لمحمد بن السائب: ما دمت على

هذا الرأي لا تقربنا وكان مرجئاً وقال زيد بن الحباب سمعت الثوري يقول: عجباً لما يروى عن الكلبي، قال ابن أبي حاتم: فقلت لأبي: إن الثوري روى عنه، فقال: كان لا يقصد الرواية عنه ويحكي حكايته تعجباً فيعلقه من حضره ويجعلونه رواية، وقال علي بن مسهر عن أبي جناب الكلبي حلف أبو صالح: أني لم أقرأ على الكلبي من التفسير شيئاً، وقال أبو عاصم: زعم لي سفيان الثوري قال: قال الكلبي: ما حدثت عن أبي صالح عن ابن عباس فهو كذب فلا ترووه، وقال الأصمعي عن قرة بن خالد: كانوا يرون أن الكلبي يزخرف يعني يكذب، وقال يزيد بن هارون، كبر الكلبي وغلب عليه النسيان، وقال أبو حاتم: الناس مجمعون على ترك حديثه هو ذاهب الحديث لا يشتغل به، وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال ابن عدي، له غير ما ذكرت أحاديث صالحة وخالصة عن أبي صالح وهو معروف بالتفسير وليس لأحد أطول من تفسيره وحدث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير وأما في الحديث ففيه مناكير ولشهرته فيما بين الضعفاء يكتب حديثه وقال ابن أبي حاتم: كتب البخاري في موضع آخر محمد بن بشر سمع وعمرو بن عبد الله الحضرمي وعنه محمد بن إسحاق قال ابن أبي حاتم: هو الكلبي، قال محمد بن عبد الله الحضرمي مات: بالكوفة سنة ست وأربعين ومائة. قلت: ساق ابن سعد نسبه إلى كلب بن وبرة قال: وكان شهد جده بشر وبنوه السائب الجماجم مع ابن الأشعث وكان عالماً بالتفسير وأنساب العرب وأحاديثهم توفي بالكوفة سنة ست وأربعين أخبرني بذلك ابنه هشام، قالوا: ليس ذاك، في روايته ضعيف جداً، وقال علي بن الجنيد والحاكم أبو أحمد والدارقطني: متروك وقال الجوزجاني: كذاب

ساقط، وقال ابن حبان، وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه روى عن أبي صالح التفسير وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس لا يحل الاحتجاج به، وقال الساجي: متروك الحديث وكان ضعيفاً حداً لفرطه في التشيع، وقد اتفق ثقات أهل النقل على ذمه وترك الرواية عنه في الأحكام والفروع، قال الحاكم أبو عبد الله: روى عن أبي صالح أحاديث موضوعة (¬1) ". فهذا هو الرجل وهذا هو مقامه وشأنه، وهذه هي أقوال العلماء فيه، وهذا هو وضعه من التشيع والكذب إلى حد الكفر. وأما ابنه هشام فهو، يروي عنه وهو مثله، رافضي متروك كما ذكره الذهبي وغيره (¬2) ". وأما الكلبي هذا فلقد صنف كتاباً في مثالب الصحابة كما ذكره ابن المطهر الحلي في كتابه منهاج الكرامة (¬3) ". وقال الإمام ابن تيمية فيه وأيضاً نقل كلام الأئمة الأعلام في كتابه: هشام الكلبي: وهو من أكذب الناس وهو شيعي يروي عن أبيه وعن أبي مخنف لوط بن يحيى، وكلاهما متروك كذاب، وقال الإمام أحمد: ما ظننت أن أحداً يحدث عنه، إنما هو صاحب سمر ونسب، وقال الدارقطني: هو متروك، وقال ابن عدي: هشام الكلبي الغالب عليه الأسمار، ولا أعرف له في المسند شيئاً وأبوه أيضاً كذاب ساقط، وقال زائدة والليث وسليمان التميمي: هو كذاب، وقال يحيى: ليس بشيء كذاب ساقط، وقال ابن حبان: وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج ¬

(¬1) - تهذيب التهذيب لابن حجر ص 178 - 179 - 180181. (¬2) - انظر لذلك ميزان الاعتدال ص 304، 305. (¬3) - ص 58 الملحق بكتاب منهاج السنة لابن تيمية.

مخطط السبئية لتفريق وحدة المسلمين

إلى الإغراق في وصفه (¬1) ". فهؤلاء الأربعة هم العمدة للمؤرخين في سرد الروايات والحكايات والخزعبلات عن الحوادث والكوارث التي وقعت أيام عثمان رضي الله عنه والحروب التي حلت بين علي وبين المطالبين بثأر عثمان وقصاصه إلى شهادة الحسين وما ترتب عليها من الأمور والنتائج، فصبغوها بصبغة خاصة واستغلوها لنشر السبئية وعقائدهم من مدخل التاريخ بعدما خدعوا كثيراً من الناس باسم العقائد وحب أهل البيت، ففتحوا مدخلاً جديداً للطعن والتشنيع في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، في الأخيار البررة، ولإدخال السذج الغفلة من الناس في دينهم الذي لم يأت به إلا عبد الله بن سبأ وأنصاره وأشياعه، ولم يؤسس قواعده وأصوله ولم يكون أسسه وضوابطه إلا هم ومن والاهم. ولذلك قدمنا الكلام في هؤلاء الناس قبل ذكر الوقائع والمطاعن لكي يعرف قيمة الروايات بقدر الرواة، ويعلم أن كل واقعة وحادثة يتفرد بروايتها هؤلاء السبئيون والشيعة لا يعتمد عليها ولا يكون لها اعتبار وبعد بيان هذه الأمور الهامة نقول: إن السبئيين خططوا خطة ودبروا مؤامرة للتفريق بين المسلمين وتمزيق كلمتهم وتشتيت شملهم وهدم كيان الإسلام والقضاء على الخلافة الإسلامية. فأولاً: بنشر العقائد اليهودية والمدخولة الأجنبية بين المسلمين، ثم بنشر الأكاذيب والأراجيف عن الحكام وولاة الأمور. فنعيد عبارة ابن جرير الطبري، التي ذكرناها في مبحث السبئية لتبيين الحقائق عن المطاعن التي اخترعوها على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشد الثالث عثمان بن ¬

(¬1) - منهاج السنة ج 3 ص 19.

إيرادات السبئيين على ذي النورين

عفان رضي الله عنه، وأن عثمان هو عثمان المعروف بالكريم الحليم، الجواد السخي، الشريف الحيي، ابن بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنتيه، والممدوح من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وعلي وأولاده (¬1) ". وليعرف كيف حكيت ضده المؤامرات وكيف أحكم نسيجها وكيف أثيرت ضده الفتن ومن كان وراءها. فيقول الطبري: كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء أمة سوداء فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول: لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمد يرجع وقد قال الله عز وجل: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، قال: فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال لهم بعد ذلك: إن كان ألف نبي ولكل نبي وصي وكان علي وصي محمد، ثم قال: محمد خاتم الأنبياء، وعلى خاتم الأوصياء، ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهضوا في هذا الأمر فحركوه وابدءوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الأمر، فبث دعاته وكانت من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى ¬

(¬1) - انظر لتفصيل ذلك كتابنا (الشيعة وأهل البيت).

رد عثمان عليهم

مصر آخر بما يصنعون فيقرأه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم حتى تنالوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة وهم يريدون غير ما يظهرون ويسرون غير ما يبدون، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار فقالوا إنا لفي عافية مما فيه الناس وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان قالوا فأتوا عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ قال: لا والله ما جاءني إلا السلامة، قالوا: فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا، إليهم: قال فأنتم شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي، قالوا نشير عليك أن تبعث رجالاً ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم، فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام وفرق رجالا سواهم فرجعوا جميعاً قبل عمار فقالوا: أيها الناس ما أنكرنا شيئاً ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم، وقالوا جميعاً: الأمر أمر المسلمين إلا أن أمرائهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم، واستبطأ الناس عمار حتى ظنوا أنه قد اغتيل فلم يفجأهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عماراً قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه منهم عبد الله بن السوداء وخالد بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر (¬1) ". وإتماماً للفائدة نذكر ما ذكره الطبري من رد فعل عثمان رضي الله عنه على ذلك: ثم كتب عثمان إلى أهل الأمصار أما بعد فأتى آخذ العمال بموافاتي في كل موسم وقد سلطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف ¬

(¬1) - الطبري ج 5 ص 98، 99.

والنهي عن المنكر فلا يرفع علي شيء ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواماً يشتمون وآخرون يضربون فيا من ضرب سراً وشتم سراً من ادعى شيئاً من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين، فلما قريء في الأمصار أبكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا: إن الأمة لتمخض بشر وبعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه، عبد الله بن عمار ومعاوية وعبد الله بن سعد وأدخل معهم في المشورة سعيداً وعمراً فقال: ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الإذاعة؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقاً عليكم وما يعصب هذا الأبي فقالوا: ألم تبعث ألم نرجع إليك الخبر عن القوم ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء؟ لا والله ما صدقوا ولا بروا ولا نعلم لهذا الأمر أصلاً وما كنت لتأخذ به أحداً فيقيمك على شيء وما هي إلا إذاعة لا يحل الأخذ بها ولا الانتهاء إليها، قال: فأشيروا علي؟ فقال سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السر فيلقى به غير ذي المعرفة فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم، وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم، قال معاوية: قد وليتني فوليت قوماً لا يأتيك عنهم إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتيهما قال: فالرأي؟ قال: حسن الأدب قال: فما ترى يا عمر وقال أرى أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم وزدتهم على ما كان يصنع عمر فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشد في موضع الشدة وتلين في موضع اللين إن الشدة تنبغي لمن لا يألوا الناس شرا واللين لمن يخلف الناس بالنصح وقد فرشتهما جميعاً اللين، وقام عثمان فحمد الله

خطبة ذي النورين لتفنيد مزاعمهم

وأثنى عليه وقال: كل ما أشرتم به عليّ قد سمعت ولكل أمر باب يؤتى منه إن هذا الأمر الذي على هذه الأمة كائن وأن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة إلا في حدود الله تعالى ذكره التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها فإن سده شيء فرفق فذاك والله ليفتحن وليست لأحد على حجة حق وقد علم الله أني لم آل الناس خيراً ولا نفسي ووالله إن رحى الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا بهم وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها (¬1) ". وأما الإيرادات التي أوردوها عليه والمطاعن التي اخترعوها لتمزيق دولة الإسلام، فهي التي ذكرها واحداً بعد واحد وردها عثمان ذو النورين في خطبته التي ذكرها جميع المؤرخين أنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هؤلاء ذكروا أموراً قد علموا منها مثل الذي علمتم إلا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبوها علىّ عند من لا يعلم وقالوا: أتم الصلاة في السفر وكانت لا تتم، ألا وإني قدمت بلداً فيه أهلي فأتممت لهذين الأمرين، أو كذلك قالوا: اللهم نعم، وقالوا؟ وحميت حمى؟ وإني والله ما حميت حمى قبلي والله ما حموا شيئاً لأحد ما حموا إلا ما غلب عليه أهل المدينة ثم لم يمنعوا من رعيه أحداً واقتصروا لصدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع ما منعوا ولا نحّوا منها أحد إلا من ساق درهماً ومالي من بعير غير راحلتين ومالي ناغية ولا راغية وأني قد وليت وإني أكثر العرب بعيراً وشاء فما اليوم شاة ولا بعير غير بعيرين لحجي، أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم، وقالوا كان القرآن كتباً ¬

(¬1) - الطبري ج 5 ص 99، 100.

فتركها إلا واحداً، ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد وإنما أنا في ذلك تابع لهؤلاء، أكذلك؟ قالوا: نعم، وسألوه أن يقتلهم، وقالوا أني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم والحكم مكي سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم سيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم رده أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم، وقالوا: استعملت الأحداث ولم أستعمل إلا مجتمعاً محتملاً مرضياً وهؤلاء أهل عملهم فسلوهم عنه وهؤلاء أهل بلده ولقد ولي من قبلي أحدث منهم وقيل في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قيل لي في استعماله أسامة، أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم، يعيبون للناس ما لا يفسرون، وقالوا: أني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه وأني إنما نفلته خمس ما أفاء الله عليه من الخمس فكان مائة ألف وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر وعمر "رضي الله عنهما" فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم وليس ذاك لهم، أكذلك؟ قالوا نعم، وقالوا: أني أحب أهل بيتي وأعطهم فأما حبي فإنه لم يمل معهم على جور بل أحمل الحقوق عليهم وأما إعطاؤهم فإني ما أعطيهم من مالي ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة والرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأنا يومئذ شحيح حريص أفحين أتيت على ما قالوا، وإني والله ما حملت على مصر من الأمصار فضلاً فيجوز ذلك لمن قاله، وإني والله ما حملت على مصر من الأمصار فضلاً فيجوز ذلك لمن قاله، ولقد رددته عليهم وما قدم علىّ إلا الأخماس ولا يحل لي منها شيء فولى المسلمين وضعها في أهلها دوني ولا يتلف من مال الله بفلس فما فوقه وما أتبلغ منه ما آكل إلا من مالي، وقالوا: أعطيت الأرض رجالاً وإن هذه الأرضين شاركهم فيها المهاجرون والأنصار أيام افتتحت فمن

حوادث وفتن

أقام بمكان من هذه الفتوح فهو أسوة أهله ومن رجع إلى أهله لم يذهب ذلك ما حوى الله فنظرت في الذي يصيبهم مما أفاء الله عليهم فبعته لهم بأمرهم من رجال أهل عقار ببلاد العرب فنقلت إليهم نصيبهم فهو في أيديهم دوني. وكان عثمان قد قسم ماله وأرشه في بني أمية وجعل ولده كبعض من يعطى فبدأ ببني أبي العاص فأعطى آل الحكم رجالهم عشرة آلاف فأخذوا مائة ألف وأعطى بني عثمان مثل ذلك وقسم في بني العاص وفي بني العيص وفي بني حرب، ولانت حاشية عثمان لأولئك الطوائف، وأبى المسلمون إلا قتلهم وأبى إلا تركهم، فذهبوا ورجعوا إلى بلادهم على أن يغزوهم مع الحُجاج كالحجاج، فتكاتبوا وقالوا موعدكم ضواحي المدينة في شوال (¬1) ". ولما كان شوال سنة 35هـ خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء، المقلل يقول ستمائة والمكثر يقول ألف، على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر والليثي وسودان بن حمران السكوني وقتيرة بن فلان السكوني وعلى القوم جميعاً الغافقي بن حرب العكي، ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب وإنما خرجوا كالحجاج ومعهم ابن السوداء وخرج أهل الكوفة في أربع رفاق، وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي والأشتر النخعي وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الأصم أحد بني عامر بن صعصعة وعددهم كعدد أهل مصر وعليهم جميعاً عمرو بن الأصم، وخرج أهل البصرة في أربع رفاق وعلى الرفاق حكيم بن جبلة العبدي وزريح بن عباد العبدي وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي وابن المحرش بن عبد عمر والحنفي وعددهم كعدد أهل مصر وأميرهم جميعاً حرقوص بن زهير السعدي سوى من تلاحق بهم من الناس، فأما أهل مصر فإنهم كانوا يشتهون ¬

(¬1) - نفس المصدر السابق ص 102، 103.

علياً، وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طلحة، وأما أهل الكوفة فإنهما كانوا يشتهون الزبير، فخرجوا وهم على الخروج جميع وفي الناس شتى لا يشك في كل فرقة إلا أن الفلج، معها وأن أمرها سيتم دون الآخرين، فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث تقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب، وناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم ناس من أهل مصر وتركوا عامتهم بذي المرؤة ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعبد الله بن الأصم وقالا: لا تعجلوا ولا تعجلونا حتى ندخل لكم المدينة ونرتاد فإنه بلغنا أنهم قد عسكروا لنا فوا الله إن كان أهل المدينة قد خافونا واستحلوا قتالنا ولم يعلموا علمنا فهم إذا علموا علمنا أشد وإن أمرنا هذا لباطل، وإن لم يستحلوا قتالنا ووجدنا الذي بلغنا باطلاً لنرجعن إليكم بالخبر قالوا اذهبا فدخل الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلياً وطلحة والزبير وقالا: إنما نأتم هذا البيت ونستعفي هذا الوالي من بعض عمالنا ما جئنا إلا لذلك بالدخول، واستأذناهم للناس بالدخول، فكلهم أبى ونهى وقال بيضُ ما يفرخن، فرجعا إليهم فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا علياً ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير وقال كل فريق منهم إن بايعوا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم، ثم كررنا حتى نبغتهم فأتى المصريون علياً وهو عسكر عند أحجار الزيت عليه حلة أفواف معتم بشقيقة حمراء يمانية متقلد السيف ليس عليه قميص وقد سرح الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فالحسن جالس عند عثمان وعليّ عند أحجار الزيت، فسلم عليه المصريون وعرضوا له، فصاح بهم واطردهم وقال: لقد علم الصالحون أن جيش ذي المرؤة وذي خشب ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا لا صحبكم الله قالوا: نعم

محاصرة عثمان

فانصرفوا من عنده على ذلك وأتى البصريون طلحة وهو في جماعة أخرى إلى جنب عليّ وقد أرسل ابنيه إلى عثمان فسلم البصريون عليه وعرّضوا له فصاح بهم واطّردهم وقال لقد علم المؤمنون أن جيش ذي المروة وذي خُشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وأتى الكوفيون الزبير وهو في جماعة أخرى وقد سرّح ابنه عبد الله إلى عثمان فسلموا عليه وعرضوا له فصاحبهم واطردهم وقال لقد علم المسلمون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فخرج القوم وأروهم إنهم يرجعون فانفشّوا عن ذي خشب والأعوص حتى انتهوا إلى عساكرهم وهي ثلاث مراحل كي يفترق أهل المدينة ثم يكرا راجعين، فافترق أهل المدينة لخروجهم فلما بلغ القوم عساكرهم كّروا بهم فبغتوهم فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير في نواحي المدينة فنزلوا في مواضع عساكرهم وأحاطوا بعثمان، وقالوا من كفّ يده فهو آمنٌ، وصلى عثمان بالناس أيامًا ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا أحدًا من كلام فأتاهم الناس فكلموهم وفيهم عليٌّ فقال ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم عن رأيكم، قالوا أخذنا مع بريد كتابًا بقتلنا، وأتاهم طلحة فقال البصريون، مثل ذلك وأتاهم الزبير فقال الكوفيون مثل ذلك وقال الكوفيون والبصريون فنحن ننصر إخواننا ونمنعهم جميعًا كأنما كانوا على ميعاد فقال لهم عليٌّ: كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا هذا والله أمرٌ أبرم بالمدينة، قالوا فضعوه على ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا" (¬1) " فحاصروا بيته محاصرة شديدة وجاء على " (¬2) "أهل بيته وطلحة ¬

(¬1) - الطبري ج5: ص103 - 105. (¬2) - ولقد أثبتنا كل هذا من كتب القوم أنفسهم في كتابنا (الشيعة وأهل البيت) من أراد فلينظر إلى ذلك.

قتل عثمان ظلما وعدوانا

والزبير مع أبنائهم للدفاع عنه فقال مخاطبًا إياهم: يا أهل المدينة إني أستودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي. إني والله لا أدخل على أحد بعد يومي هذا حتى يقضي الله فيّ قضاه ولأدعن هؤلاء وراء بابي غير معطيهم شيئًا يتخذونه عليكم دخلاً في دين الله أودنا حتى يكون الله عز وجل الصانع في ذلك ما أحب. وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم فرجعوا إلا الحسن ومحمد بن طلحة وابن الزبير وأشباهًا لهم، فجعلوا بالباب عن أمر آبائهم وثاب إليهم ناس كثير ولزم عثمان الدار" (¬1) ". حُصر عثمان اثنين وعشرين يومًا ثم أحرقوا الباب وفي الدار أناس كثير فيهم عبد الله بن الزبير ومروان فقالوا ائذن لنا، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليّ عهدًا فأنا صابرٌ عليه وإن القوم لم يحرقوا باب الدار إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه فأحرّج على رجل يستقتل ويقاتل وخرج الناس كلهم ودعا بالمصحف يقرأ فيه والحسن عنده فقال أن أباك الآن لفي أمر عظيم فأقسمت عليك لما خرجت وأمر عثمان أبا كرب رجلاً من همدان وآخر من الأنصار أن يقوما على باب بيت المال وليس فيه إلا غرارتان من ورق فلما أطفئت النار بعدما ناوشهم ابن الزبير ومروان وتوعّد محمد بن أبي بكر ابن الزبير ومروان فلما دخل على عثمان هربا ودخلوا عليه فمنهم من يجؤه بنعل سيفه وآخر يلكزه وجاءه رجل بمشاقص معه فوجأه في ترقوته فسال الدم على المصحف وهم في ذلك يهابون في قتله وكان كبيرًا وغُشي عليه ودخل آخرون فلما رأوه مغشيًا عليه جرّوا برجله فصاحت نائلة وبناته وجاء التُّجيبي مُخترطًا سيفه ليضعه في بطنه فوقّته نائلة فقطع يدها واتّكأ بالسيف عليه في صدره وقتل عثمان رضي الله عنه قبل غروب ¬

(¬1) - الطبري: ج5 ص126.

استشهاد عثمان

الشمس ونادى منادٍ ما يحلّ دمه ويحرج ماله فانتهبوا كل شيء ثم تبادروا بيت المال فألقى الرجلان المفاتيح ونجوا وقالوا الهرب هذا ما طلب القوم. وذكر محمد بن عمران عبد الرحمن بن عبد العزيز حدّثه عن عبد الرحمن بن محمد أن محمد بن أبي بكر تسوّر على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسُودان بن حمران وعمرو بن الحمق فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ المصحف في سورة البقرة فتقدّمهم محمد بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال قد أخزاك الله يا نَعثَلُ فقال عثمان لست بنعثل ولكني عبد الله وأمير المؤمنين قال محمد ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان وفلان فقال عثمان يا ابن أخي دع عنك لحيتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه فقال محمد لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك وما أريد بك أشد من قبضي على لحيتك قال عثمان أستنصر الله عليك وأستعين به ثم طعن جبينه بمشقص في يده ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان فضت حتى دخلت في حلقه ثم علاه بالسيف حتى قتله فقال عبد الرحمن سمعت أبا عون يقول ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدَّم رأسه بعمود حديد فخرّ لجبينه فضربه سودان بن حمران المرادي بعدما خرّ لجبينه فقتله. قال محمد بن عمر حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث قال الذي قتله كنانة بن بشر بن عتاب التُّجيبي وكانت امرأة منظور بن سيَّار الفزاري تقول خرجنا إلى الحج وما علمنا لعثمان بقتل حتى إذا كنا بالعرج سمعنا رجلاً يتغنّى تحت الليل: ألا إن خير الناس بعد ثلاثة ... قتيلُ التَّجيبي الذي جاء من مِصْر قال وأما عمر بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمَقَ فطعنه تسع طعنات قال عمرو فأما ثلاث منهن فإني طعنتهن إياه

مطاعن الشيعة على ذي النورين

لله وأما ستّ فإني طعنتهن إياه لما كان في صدري عليه" (¬1) ". فهذه هي القصة، اختصرناها من تاريخ الطبري ومروج الذهب للمسعودي الشيعي بدون تغيير لفظ وتحريفه. وهكذا فاز السبئيون في تفريق كلمة المسلمين وإيقاع الخلاف والشقاق بينهم الذي لا ينتهي إلى يوم القيامة كما تنبأ عن ذلك عثمان رضي الله عنه مخاطبًا الأشتر وغيره: فوالله إن قتلتموني لا تتحابون بعدي أبدًا ولا تصلون جميعًا بعدي أبدًا ولا تقاتلون بعدي جميعًا أبدًا" (¬2) ". فهذا هو الذي حصل. ولقد أطلنا النقل في هذا الخصوص لما أن له علاقة مباشرة بهذا الموضوع وهي المطاعن التي استغلها السبئيون لقلب نظام الحكم. فهي كما تلي، بلسان أحد أخلافهم. فيقول ابن المطهّر الحلي: وأما عثمان فإنه ولَّى أمور المسلمين من لا يصلح للولاية، حتى ظهر من بعضهم الفسوق ومن بعضهم الخيانة، وقسم الولايات بين أقاربه، وعوتب على ذلك مرارًا فلم يرجع. واستعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلَّى بالناس وهو سكران، واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة، فظهر منه ما أدى إلى أن أخرجه أهل الكوفة منها. وولَّى عبد الله بن أبي سرح مصر حتى تظلَّم منه أهلها، وكاتبه أن يستمر على ولايته سرًّا، خلاف ما كتب إليه جهرًا، وأمره بقتل محمد بن أبي بكر. وولَّى معاوية الشام، فأحدث من الفتن ما أحدث. وولى عبد الله بن عامر العراق، ففعل من المناكير ما فعل. وولى مروان أمره، وألقى إليه مقاليد أموره، ودفع إليه خاتمه، فحدث من ذلك قتل عثمان، وحدث الفتنة بين الأمة ما حدث. وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من ¬

(¬1) - الطبري: ج5 ص131 - 132 (¬2) - تاريخ الطبري: ج5 ص118

بيت مال المسلمين، حتى إنه دفع إلى أربعة نفر من قريش زوَّجهم بناته أربعمائة ألف دينار، ودفع إلى مروان ألف ألف دينار. وكان ابن مسعود يطعن عليه ويكفّره، ولما حكم ضربه حتى مات. وضرب عمًّارًا حتى صار [به] فتق، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: عمار جلدة بين عيني، تقتله الفئة الباغية، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة؛ وكان عمار يطعن عليه. وطرد رسول الله صلى الله عليه وآله الحكم بن أبي العاص عم عثمان عن المدينة، ومعه مروان، فلم يزل طريدًا هو وابنه في زمن النبي صلى الله عليه وآله. وأبي بكر وعمر، فلما ولي عثمان آواه ورده إلى المدينة، وجعل مروان كاتبه، وصاحب تدبيره؛ مع أن الله تعالى قال: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [سورة المجادلة: 22] الآية. ونفى أبا ذرّ إلى ربذة، وضربه ضربًا وجيعًا، مع أن النبي صلى الله عليه وآله قال في حقه: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ، وقال صلى الله عليه وآله: إن الله أوحى إليّ أنه يحب أربعة من أصحابي، وأمرني بهم، قيل له: من هم يا رسول الله؟ قال: علي عليه السلام سيدهم، وسلمان، ومقداد، وأبو ذر. وضيَّع حدود الله فلم يحد عبيد الله بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين عليه السلام بعد إسلامه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يطلب عبيد الله لإقامة القصاص عليه، فلحق بمعاوية. وأراد أن يعطل حد الضرب في الوليد بن عقبة، حتى حدّه أمير المؤمنين عليه السلام وقال: لا يبطل حد الله وأنا حاضر. وزاد الأذان يوم الجمعة وهو بدعة، وصار سنة الآن. وخالفه المسلمون كلهم حتى قتل" (¬1) ¬

(¬1) - منهاج الكرامة الملحق بمنهاج السنة ص66 - 67.

"فهذه هي تركة السبئيين تلقفها الشيعة منهم وتوارثها آباء آبائهم قبل، وهذه أحد الأدلة بأن شيعة اليوم لم يكوّنوا مذهبهم ولم يؤسسوا قواعده وأركانه إلا على الأسس التي وضعها السبئية، وليس لهم علاقة بالشيعة الأولى، شيعة عليّ وأولاده، لا من قريب ولا من بعيد وكما سنبينه قريبًا إن شاء الله في موضعه. فالإيرادات هذه التي اخترعها واختلق بعضها السبئيون ردّ عليها ذو النورين في حينها كما ذكرناه آنفًا من الطبري وغيره، ولم يكن لبعض منها وجود آنذاك، وقد تصدى للرد على جميع هذه الأكاذيب والأباطيل أعيان هذه الأمة وأسلافها، وأئمة السنة وأعلامها، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية حيث ذكر واحدًا واحدًا منها ثم ردّ عليها بالأصول الثابتة والبراهين الساطعة. وكذلك تلميذه الذهبي حيث لخص كتابه، والقاضي أبو بكر بن العربي وغيرهم من العلاء والمتكلمين والفقهاء. وفي شبه القارة الهندية الباكستانية انبرى لها الكثيرون وعلى رأسهم الحكيم الدهلوي وليّ الله صاحب (حجة الله البالغة) و (قرة العينين في تفضيل الشيخين) و (إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء) وابنه عبد العزيز الدهلوي الذي لخص كتابه الآلوسي الصغير وغيره الكثيرون الكثيرون، ولكن القوم تعوّدوا على الكذب والإصرار عليه، ويكثرون كيما ينطلي على السذج والمغفلين من الناس. ولكن لأننا بدأنا في البحث عن السبئية وأفكارهم والفرق التي تفرعت من الشيعة وتاريخها وتبنيها أفكارهم دون أفكار الشيعة الأولى أردنا ذكر هذه المطاعن، وعلاوة على ذلك نبتغي من الرد عليها بأسلوبنا الخاص وذكرنا الاستشهادات من كتب القوم ابتغاء مرضاة الله للدفاع عن حمى الإسلام والذود عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، الذين نحبهم لحب

الرد على طعن إيثار ذي القربى

نبينا إياهم ولحبهم إياه، ونرجو الله القبول والتوفيق. فأول إيراد أوردوه على سيدنا عثمان رضي الله عنه أنهم قالوا: إنه آثر القربى، وذكر أيضًا المؤرخ الشيعي المشهور اليعقوبي حيث قال: "ونقم الناس على عثمان بعد ولايته بست سنين وتكلم فيه من تكلم وقالوا: آثر القربى" (¬1) ". فلننظر ما حقيقة هذا الإيراد وهذا الطعن؟ هل حقيقة قسم الولاية بين أقاربه أم هذه من أكاذيب السبئية التي اخترعوها لتأليب الناس على عثمان، وتبنتها الشيعة وحتى اليوم لتأييد السبئيين في خروجهم وبغيهم وإظهارًا للولاء لهم والوفاء بهم. فها هو ذا المؤرخ الشيعي المشهور اليعقوبي بذكر عمال عثمان على الولايات، فيقول: "وكان لعثمان على اليمن يعلى بن أمية التميمي، وعلى مكة عبد الله بن عمرو الحضرمي، وعلى همذان جرير بن عبد الله البجلي، وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثقفي، وعلى الكوفة أبو موسى الأشعري، وعلى البصرة عبد الله بن عامر الكريز، وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان بن حرب" (¬2) ". وقد ذكر الطبري وابن الأثير أسماء بقية العمال الذين كانوا على الولايات وعلى المناصب العليا فذكر الطبري وابن الأثير: وعلى حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعلى قنسرين حبيب ابن مسلمة، وعلى الأردن أبو الأعور السلمي، وعلى فلسطين علقمة بن حكم الكنعاني، وعلى البحر عبد الله بن قيس الفزاري، وعلى القضاء (الشام) أبو الدرداء، وعلى الخراج جابر بن فلان المزني، وعلى حربها القعقاع بن عمرو، وعلى قرقيسياء جرير بن عبد الله ¬

(¬1) - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص173 - 174 (¬2) - تاريخ اليعقوبي: ج2 ص176.

البجلي، وعلى آذربيجان الأشعث بن قيس الكندي، وعلى حلوان عتيبة بن النهاس، وعلى ماه مالك بن حبيب، وعلى الري سعيد بن قيس، وعلى أصبهان السائب بن الأقرع، وعلى ما سبذان حبيش، وعلى بيت المال عقبة بن عامر، وعلى القضاء زيد بن ثابت" (¬1) ". ونائبه في الحج سنة كان عبد الرحمن بن عوف، وفي السنة الأخيرة كان عبد الله بن عباس كما ذكر اليعقوبي في تاريخه" (¬2) ". ومثل هذا ذكر كل من ابن سعد في طبقاته وابن كثير وابن الأثير في تاريخهما وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهم في غيرها. ويظهر من هذا الفهرست بداهة ولأول وهلة كذب السبئيين المعلنين لسبئيتهم والمفتخرين بها وكذب المتخلفين والوارثين في أفكارهم ومطاعنهم والمتسترين المتخفين تحت اسم التشيع خوفًا من افتضاح ما هو مفضوح. فهذه هي الولايات وهؤلاء هم العمال، وهذه هي المناصب وهؤلاء هم الحائزون عليها بثبت التاريخ وبشهادة القوم أنفسهم. فالمناصب العليا في الدولة كانت هي: أولاً: القضاء، ولم يكن يتولاها أحد من أقاربه، بل كان يتولاها زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. ثانيًا: وبيت المال كان عليه عقبة بن عامر. ثالثًا: وعلى إمارة الحج عبد الله بن عباس. رابعًا: وعلى الخراج جابر بن فلان المزني وسماك الأنصاري. خامسًا: وعلى الحرب القعقاع بن عمرو. ¬

(¬1) - تاريخ الطبري: ج5 ص148 - 149، ابن الأثير ج3 ص95، وورد بعض هذه الأسماء في البداية والنهاية ص322 (¬2) - ج2 ص176

سادسًا: وقد ذكر بعض المؤرخين أن رئيس الشرطة في أيامه عبد الله بن قنفذ من بني تيم" (¬1) ". فهذه هي المناصب الستة العليا في الدولة لم يكن واحد منها من بني أمية أو أقارب عثمان رضي الله عنه وعن باقي الصحابة أجمعين. سابعًا: وأما عمال الولايات وولاتها فلم يكن مع كثرتهم إلا الثلاثة من بني أمية، وواحد من هؤلاء الثلاثة لم يولّه عثمان على ولايته، بل كان قد ولّى من قبل أبي بكر ثم أثبته على تلك الولاية عمر مع كثرة عزله العمال والولاة ألا وهو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كما ذكر مؤرخ شيعي معاوية من عمال عمر" (¬2) ". ولم يكن أبو بكر ولاّه على تلك الولاية إلا نائبًا لأخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على تيماء " (¬3) "كما استعمل أباهم، أبا سفيان رضي الله عنه على نجران " (¬4) ". ولم يبق إلا الاثنان: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعبد الله بن عامر بن كريز. والجدير بالذكر أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أيضًا ليس من بني أمية، بل هو من بني عامر ولكن المرضعة التي أرضعت عثمان رضي الله عنه كان أم عبد الله هذا، فهذه حقيقة القرابة كلها. ثم فهل كان تولية عبد الله بن عامر بن كريز وأضف إليه عبد الله بن سعد من بين العمال الكثيرين فيها مأخذًا ومطعنًا في سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه؟. ¬

(¬1) - تاريخ خليفة ابن خياط: ج1 ص157 (¬2) - انظر تاريخ اليعقوبي: ج2 ص161 (¬3) - تاريخ الطبري: ج4 ص130، البداية ج7 ص24]. (¬4) - تاريخ خليفة ابن خياط تحت عنوان عمال رسول الله: ج1 ص62، نسب قريش لمصعب الزبيري، كتاب المحبر لأبي جعفر البغدادي: ص126 تحت عنوان أمراء رسول الله

فهل من المحرّم شرعًا أن يولى الخليفة والأمير أحدًا من أقاربه يستأهله فقط لأنه من أقاربه أو قبيلته وعشيرته. فهل ورد بذلك الكتاب أم السنة، وهل صرح بذلك أحد من الصحابة وأهل البيت وحتى عليّ وأولاده؟. وهل هذا من المطاعن؟. فإن كان هذا طعنًا فوقوعه في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه - أحق وأولى حيث ولّى أيام خلافته فثم بن عباس على مكة وعبد الله بن عباس على اليمن " (¬1) "وولّى عبد الله بن عباس على البصرة وولّى ربيبه محمد بن أبي بكر على مصر" (¬2) ". وولّى صهره وابن أخته جعد بن الهبيرة على خراسان، كما كان على عساكره محمد بن الحنفية" (¬3) " وقد ناب عنه في الحج سنة 36هـ عبد الله بن عباس، وسنة 37هـ فثم بن العباس، وسنة 38هـ عبيد الله بن العباس " (¬4) ". ثم من أين لقوم أن يعترضوا على عثمان لتوليته أقاربه وهو لم يولّ كما أثبتناه - وهم لم يجعلوا عليًّا رضي الله عنه وصى رسول الله إلا لقرابته منه، ولم يجعلوا الإمامة في أولاده إلا لأنهم من أولاده. وعار عليك إذا فعلت عظيم ثم ولولا أن يطول بنا الحديث لأثبتنا أن عمل عثمان رضي الله عنه كان أقرب لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن جاء بعده، ولم يعترض على عمله ¬

(¬1) - تاريخ اليعقوبي الشيعي: ج2 ص179 (¬2) - مروج الذهب. (¬3) - انظر لذلك مروج الذهب للمسعودي الشيعي ج2 ص351، ومنهاج السنة لابن تيمية والعواصم من القواصم (¬4) - تاريخ اليعقوبي: ص213

وعماله أحد من أصحاب رسول الله ولا عليّ والهاشميون الآخرون غيره، ولا أهل الأمصار والولايات الذين أمّر عيهم هؤلاء العمال كما هو ثابت في التاريخ. فهذا كل ما يدندن حوله القوم من السبئيين إلى شيعة عصرنا الحاضر. وهذه هي الحقيقة وهذه هي الحقائق، وهذه هي التهمة الكبيرة والمطعن الأكبر الذي استعمله السبئيون قديمًا، ويستعمله الشيعة حديثًا. وأخيرًا ننقل هاهنا ما ذكره الذهبي في (المنتقى) جوابًا على هؤلاء: إنّ نوّاب عليٍّ قد خانوه وعصوه أكثر مما خان عمال عثمان له وعصوه وذهب بعضهم إلى معاوية. وقد ولَّى علي رضي الله عنه زياد بن أبي سفيان أبا عبيد الله بن زياد قاتل الحسين وولَّى الأشتر، وولى محمد بن أبي بكر، ومعاويةُ خيرٌ من هؤلاء كلهم. ومن العجب أن الشيعة ينكرون على عثمان ما يدعون أن عليًّا كان أبلغ فيه من عثمان، فيقولون إن عثمان ولى أقاربه من بني أمية وعليّ ولَّى أقاربه من قبل أبيه وأمه كعبد الله وعبيد الله ابني عمه العباس وقُثَم بن العباس وثُمامة ابن العباس. وولى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر الذي رباه في حجره وولد أخته أم هانئ ثم إن الإمامية تدَّعي أن عليًّا نص على أولاده في الخلافة ... ومن المعلوم أنه إن كان تولية الأولاد أقرب إلى الإنكار من تولية بني العم ... وإذا ادُّعي لعلي العصمة ونحوها مما يقطع عنه ألسنة الطاعنين كان ما يُدَّعى لعثمان من الاجتهاد الذي يقطع ألسنة الطاعنين أقرب إلى المعقول والمنقول. وأما عثمان فله أسوة في استعمال بني أمية بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد استعمل عتّابَ بن أسيد الأموي على مكة، وأبا سفيان

تولية الوليد بن عقبة على الكوفة

على نجران، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص، حتى إنه استعمل الوليد بن عقبة ... فيقول عثمان: "أنا لم أستعمل إلا من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم ومن جنسهم ومن قبيلتهم، وكذلك أبو بكر وعمر بعده، فقد ولّى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان بن حرب في فتوح الشام، وأقرَّه عمر، ثم ولّى عمى بعده، أخاه معاوية. وهذا النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في استعمال هؤلاء ثابت مشهور عنه، بل متواتر عند أهل العلم، فكان الاحتجاج على جواز الاستعمال من بني أمية بالنص الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أظهرَ عند كل عاقل من عوى كون الخلافة في واحد معين من بني هاشم بالنص، لأن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالنقل، وذاك صدق باتفاق أهل العلم بالنقل. وأما بنو هاشم فلم يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم منهم إلا عليًّا على اليمن وجعفر على غزوة مؤتة مع مولاه زيد وابن رواحة" (¬1) ". وأما توليته الوليد بن عقبة على الكوفة فليس فيه شيء، لأن الوليد كان من أعيان قريش: وكان من رجال قريش ظرفًا وحلمًا وشجاعة وأدبًا، وكان شاعرًا شريفًا " (¬2) "ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أمّره على صدقات بني المصطلق: أسلم يوم الفتح وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق" (¬3) ". وأما سعيد بن العاص فنثبت هاهنا ما ذكره الخطيب محب الدين على هامش (المنتقى من منهاج السنة): ¬

(¬1) - المنتقى للذهبي: ص382 - 383 (¬2) - تهذيب التهذيب: ج11 ص143. (¬3) - تهذيب التهذيب: ج11 ص142، وكتاب المحبر: ص126

سعيد بن العاص

"كان سعيد بن العاص في الذروة العليا من فصحاء قريش، وندبه عثمان عند كتابة القرآن فأقيمت عربية القرآن على لسانه، لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ من صدق إيمانه أن قال له عمر يومًا أنا لم أقتل أباك، وإنما قتلت خالي العاص بن هشام فقال له سعيد: ولو قتلته لكنتَ على الحق وكان على الباطل. وسعيد بن العاص هو فاتح طبرستان وغزا جرجان وكان في عسكره حذيفة وغيره من كبار الصحابة. وحسبه شرفًا ما رواه عبد الله بن عمر بن الخطاب أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة فقال: إني نذرت أن أعطي هذه البردة لأكرم العرب، فقال لها صلى الله عليه وسلم: أعطيها لهذا الغلام. وهو واقف. " (¬1) " فإن لم تكن إقامة القرآن على لسان سعيد بن العاص مفخرة عند الرافضة فشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بأنه أكرم العرب من أعظم مفاخر الدنيا والدين، إلا أن له عيبًا وهو أنه أحد الذين أخرجوا إيران من المجوسية إلى الإسلام بتسجيل التاريخ له أنه فاتح طبرستان وقائد كبار الصحابة في غزو جرجان. وأحاديثه في صحيح مسلم وسنن النسائي وجامع الترمذي. ولكن الرافضة لا تعبأ بصحيح مسلم ولا بجميع دواوين السنة المحمدية مادامت مكتفية بأكاذيب كتابهم الذي يسمونه الكافي. ومن مفاخر سعيد بن العاص التي يموت الرافضة بسببها كمدًا وحنقًا ما أخرجه الطبراني من طريق محمد بن قانع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سعيد بن العاص، فرأيته يكمده بخرقة. وأراد بعضهم أن يصرف هذه المنقبة إلى جد سعيد بن العاص - وهو أيضًا يسمى سعيد بن العاص - لكن ذلك لا يمكن أن يكون إلا في مكة قبل الهجرة وجد سعيد بن العاص مشرك، فإن صحّ أن ¬

(¬1) - وكان هذا الغلام هو سعيد بن العاص المجاهد الفاتح الذي يعير الرافضي أمير المؤمنين عثمان بأنه ولاه الكوفة

قبول علي هدايا سعيد بن العاص

النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بجد سعيد بن العاص الأموي وهو مشرك فيكون ذلك من باب المودة في القربى لأنهما من بني عبد المناف، وسبُّ الرافضة للأمويين من بني عبد المناف في جاهليتهم وإسلامهم ينافي ما كان يحتج إليه النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب المودة في القربى التي تقدم الكلام عليها لمناسبة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبادل به أبا سفيان في الجاهلية من أسباب هذه المودة العائلية. وعلى ذكر حديث البردة التي نذرت إحدى الصحابيات أن تعطيها لأكرم العرب فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعطيها لسعيد بن العاص وكان غلامًا بعد، فإن هذا الحديث من أعلام النبوة، وقد اكتشف النبي صلى الله عليه وسلم بنور الوحي الإلهي أن سعيدًا سيكون أكرم العرب، روى ابن أبي خيثمة من طريق يحيى بن سعيد قال: قدم محمد بن عقيل بن أبي طالب على أبيه فقال له: من أشرف الناس؟ قال: أنا وابن أمي، وحسبك بسعيد بن العاص وقال معاوية: كريم قريش سعيد بن العاص. وكان مشهورًا بالكرم والبر، حتى كان إذا سأله السائل وليس عنده ما يعطيه كتب له بما يريد أن يعطيه مسطورًا، فلما مات كان عليه ثمانون ألف دينار فوفاها عنه ولده عمرو الأشدق .... وهذا هو الأموي الذي يعير الرافضيُّ أمير المؤمنين عثمان بأنه ولاه الكوفة، مات سعيد بن العاص في قصره بالعقيق سنة 53" (¬1) "ونضيف إلى ذلك أنه كان يهدي عليًّا رضي الله عنه وكان يقبل منه كما ذكره ابن سعد في طبقاته: إن سعيد بن العاص قدم المدينة وافدًا إلى عثمان، فبعث إلى وجوه المهاجرين والأنصار بصلات، وإلى علي بن أبي طالب فقبل منه" (¬2) ¬

(¬1) - المنتقى من منهاج السنة للذهبي: ص375 - 376 الهامش (¬2) - طبقات ابن سعد: ج5 ص21

خطبة سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي

"فإن كان كما يذكره السبئيون والشيعة فكيف يقبل منه صلات وهدايا؟. وأكثر من ذلك أن سعيد بن أبي العاص هذا: "خطب أم كلثوم بنت علي من فاطمة التي كانت زوجة عمر بن الخطاب فأجابت إلى ذلك" (¬1) ". فارجع البصر هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير. فانظر إلى شهامة عمال عثمان وكرم البيت الأموي كما يذكره الذهبي وغيره: "خطب سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر، وبعث لها بمائة ألف، فدخل عليها أخوها الحسين وقال: لا تزوجيه، فقال الحسن: أنا أزوّجه واتعدوا لذلك، فحضروا فقال سعيد: وأين أبو عبد الله؟ فقال الحسن: سأكفيك، قال: فلعل أبا عبد الله كره هذا، قال: نعم، قال: لا أدخل في شيء يكرهه ورجع ولم يأخذ من المال شيئًا" (¬2) ". وأما عبد الله بن عامر عامل عثمان على العراق فيكفيه شرفًا أنه: أتى به النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، فقال: يشبهنا وجعل يتفل عليه ويعوذه، وجعل عبد الله يبتلع ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه المستقى، فكان لا يعالج أرضًا إلا ظهر له الماء ... فكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " (¬3) " وزاد ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هذا ابننا وهو أشبهكم بنا" (¬4) " لأن جدته كانت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أم حكيم بنت عبد المطلب ¬

(¬1) - البداية والنهاية: ج8 ص86 (¬2) - سير أعلام النبلاء: ج3 ص195 (¬3) - الاستيعاب ج3 ص151، الإصابة ج3 ص160، أسد الغابة: ج3 ص191. (¬4) - طبقات ابن سعد: ج5 ص31].

بن هاشم " (¬1) " وكان سخيًّا شجاعًا، وصولاً لقرابته ولقومه، محببًا فيهم، رحيمًا " (¬2) ". وولاه بلاد فارس وكان عمره خمسًا وعشرين سنة، فافتتح خراسان كلها وأطراف فارس وسجستان وكرمان وزابلستان " (¬3) " كما أرسل العساكر إلى كل من قومس ونسّا وابرشهر وجام وطوس واسفرائين وسرخس ومرو وبوشنج وزرنج" (¬4) "وهو الذي قتل كسرى في ولايته " (¬5) ". وأرسل العساكر إلى الكاريان والفيشجان وناشب وبهراة وبيهق وطخارستان وجوزجان والفاريان والطالقان وبلخ وخوارزم وبادغيس وأصبهان وحلوان " (¬6) ". وافتتحت هذه البلدان كلها تحت إشرافه وبأيدي عساكره " (¬7) "وهو أول من اتخذ الحياض بعرفة، وأجرى إليه العين وسقى الناس الماء، فذاك جار إلى اليوم " (¬8) " وعلى ذلك قال شيخ الإسلام: "إن عبد الله بن عامر له من الحسنات والمحبة في قلوب الناس ما لا ينكر" (¬9) " ¬

(¬1) - انظر كتاب مصعب ابن الزبير: ص148 - 149. (¬2) - طبقات ابن سعد ج5 ص32، الاستيعاب لابن عبد البر: ج2 ص352، كتاب نسب قريش ص149 (¬3) - أسد الغابة: ج3 ص119، طبقات ابن سعد: ج5 ص33. (¬4) - كتاب البلدان لليعقوبي الشيعي: ص40 وما بعد. (¬5) - الاستيعاب لابن عبد البر: ج2 ص52 (¬6) - تاريخ خليفة ابن خياط: ج1 ص140، 158. (¬7) - تاريخ خليفة ابن خياط: ج1 ص140، 158. (¬8) - طبقات ابن سعد: ج5 ص34، أسد الغابة: ج3 ص191، البداية: ج8 ص88. (¬9) - منهاج السنة لابن تيمية: ج3 ص189 - 190.

مروان بن الحكم

وأنى للشيعة من أولهم إلى أخرهم أن يكون لهم وال مثله في الجهاد والغزوات وفي الفتوحات وتقديم الهبات والصلات والبر بالناس وعمل الخيرات. وأما مروان الذي طالما كثر الكلام حوله فتفصل فيه القول بعض التفصيل لأنه هو كان محور المطاعن ومركز التجريح، ولا زال من قبل السبئية ومن فرق الشيعة كلها. فإن أكثر ما روي عنه من المطاعن والتهم من قبيل شتمه وسبابه لعليّ، وأخذه خمس أفريقيا، ونفى والده وطرده هو معه، وكتابته الكتاب المزعوم لقتل محمد بن أبي بكر وغيرها من الروايات لم ترو إلا من طريق الواقدي ومحمد بن السائب الكلبي وابنه هشام أو أبي مخنف لوط بن يحيى، وقد ذكرنا أحوال جميع هؤلاء الرواة بأنهم من بقايا السبئيين ومن الشيعة مع الانقطاع في رواياتهم ومروياتهم لأنهم يروون ممن لم يسمعوا عنه ولم يلتقوا به، وعلى ذلك لا يلتفت إلى ما ورد بطرقهم وتفردوا بنقلها مثل الطبري وابن سعد فإنهم لم يروا إلا من الواقدي. وأما البلاذري في (أنساب الأشراف) فلم يروا إلا من هشام الكلبي وابن مخنف. وأما البقية من المؤرخين فلم يأخذوا إلا من هؤلاء. ولأجل ذلك قال القاضي أبو بكر بن العربي وابن حجر الهيتمي وابن تيمية والذهبي وغيرهم: إن أكثر الأخبار في ذلك مختلقة ولم يصح منه شيء " (¬1) "وبذلك صرح علماء الحديث تحت ذكر الروايات الموضوعة أن أكثر ما ورد في هذه الروايات من ذم معاوية وعمرو بن العاص وبني أمية وكذلك من ذم الوليد ومروان بن الحكم فهي موضوعة مكذوبة اختلقها الكذابون الدجالون من الشيعة الذين جعلوا دينهم الكذب، وجعلوا ¬

(¬1) - انظر العواصم من القواصم ص100، الصواعق المحرقة ص68، منهاج السنة: ج3 ص196، المنتقى: ص395، التحفة الاثنا عشرية: ص311. ط. الهند.

نقلة المطاعن السبئية

الكذب من أقدس المقدسات عندهم " (¬1) ". كما صرح بذلك الملا علي القاري في كتابه (الموضوعات) " (¬2) " وانظر أيضًا الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة " (¬3) " والمنار المنيف في الصحيح والسقيم لابن القيم وغيرهم. هذا قسم من المطاعن. وأما القسم الآخر فردّ عليه المؤرخون أنفسهم، كما ردّوا على الكتب المزوّرة التي نسبت إلى مروان بأنه هو الذي كتبها وختم عليها عثمان لأن الختم كان عنده فقالوا إن هذا كب على الصحابة: "إنما كتبت مزورة عليهم كما كتبوا من جهة علي وطلحة والزبير كتبًا مزوّرة عليهم" (¬4) ". وذكر ابن خلدون: فانصرفوا قليلاً ثم رجعوا وقد لبسوا بكتاب مدلس يزعمون أنهم لقوه في يد حامله إلى عامل مصر بأن يقتلهم، وحلف عثمان على ذلك، فقالوا مكنّا من مروان فإنه كاتبك فحلف مروان فقال: ليس في الحكم أكثر من هذا" (¬5) " وقبل ذلك قد أعلن باختلاق هذه الكتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه دراية وفراسة منه كما نقلنا كلامه في بداية الأمر بأنه قال: "كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا، هذا والله أمر أبرم بالمدينة، قالوا: فضعوه على ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل، ليعتزلنا" (¬6) ". ¬

(¬1) - انظر لذلك كتابنا (الشيعة والسنة). (¬2) - ص 106. (¬3) - ص377. ط. بيروت (¬4) - البداية والنهاية: ج7 ص175. (¬5) - مقدمة ابن خلدون الفصل الثلاثون في ولاية العهد: ص215. (¬6) - الطبري: ج5 ص105

شفاعة الحسن والحسين لمروان بن الحكم - وصلاتهما خلفه

هذا من ناحية الرواية. وأما دراية فهل يعقل أن شخصًا كهذا يكون كاتبًا لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ولا يعترض عليه أحد من كبار الصحابة بما فيهم علي بن أبي طالب حامل راية رسول الله يوم خيبر، وسعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة وفاتح إيران، والزبير ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، وطلحة الذي وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من سهام مشركي مكة وصار له كالترس، وغيرهم من أعيان الصحابة وأكابرهم؟ ولا يصدر هذا الكلام الذي يخترعونه ويختلقونه من أعيان الصحابة وأكابرهم. ثم وهل يمكن أن يشفع له الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى أبيهما أن يطلق سراحه يوم كان أسيرًا عنده؟ كما ذكره الشيعة أنفسهم، قالوا: "أخذ مروان بن الحكم أسيرًا فاستشفع له الحسن والحسين عليهما السلام إلى أمير المؤمنين عيه السلام فكلم فيه فخلّى سبيله" (¬1) " وهؤلاء الثلاثة أي علي وابناه الحسن والحسين معصومون عند الشيعة حسب زعمهم، وعند السبئيين كان عليّ هو هو - أي الله - فالإله يقبل الشفاعة ويطلق السراح لشخص يكون متصفًا بتلك الأوصاف التي وصفه بها القوم كذبًا ومينًا؟. وأكثر من ذلك. نعم أكثر من ذلك قد ذكر كبير القوم المجلسي حديثًا في كتابه عن موسى بن جعفر عن جعفر أنه قال: "كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان بن الحكم فقالوا: لأحدهما (أي لموسى أو جعفر): ما كان أبوك يصلي إذا رجع إلى ¬

(¬1) - نهج البلاغة: ص123 في خطبة له عليه السلام علم فيه الصلاة على النبي.

زواج ابنة علي من ابن مروان

البيت؟ فقال: والله لا، ما كان يزيد على صلاة" (¬1) ". ومثل ذلك ذكره ابن كثير في تاريخه" (¬2) ". كما ذكر الإمام البخاري في تاريخه عن شرحبيل بن سعد قال: "رأيت الحسن والحسين يصليان خلف مروان" (¬3) ". هل بعد هذا شك لشاك بأن هذه التهم كانت كلها باطلة ومختلقة، لا صحة لها على الإطلاق، ولو كان فيها شيء من الصحة لما كانت معاملة علي وأهل بيته له مثل ما ذكر في كتب الشيعة أنفسهم. هذا ولقد ذكر المؤرخون كثيرًا من الوقائع التي تنبئ وتثبت صراحة عكس ما ذكره السبئيون وما يعيده الشيعة في مختلف الأدوار. ومنها ما ذكروه أن علي بن الحسين الملقب بزين العابدين - وهو الإمام المعصوم الرابع عند القوم - استقرض من مروان ستة آلاف دينار ومائة ألف درهم، فلما حضرته الوفاة أوصى ابنه عبد الملك أن لا يسترجع من علي بن الحسين شيئًا مما كان أقرضه " (¬4) ". ثم إن ابنة علي رضي الله عنه ألا وهي رملة زوّجت من ابن مروان هذا، كما ذكر هذا الزواج عديد من النسابين: "كان رملة بنت علي عند أبي الهياج - الهاشمي - واسمه عبد الله بن سفيان بن أبي الحارث بن عبد المطلب ولدت له وقد انقرض ولد سفيان بن الحارث، ثم خلف عليها معاوية بن مروان بن الحكم" (¬5) ". وكذلك زينب بنت الحسن المثنى كانت متزوجة من حفيد مروان وليد بن عبد الملك، وكانت زينب هذه نجيبة الطرفين حيث أنها حسنية ¬

(¬1) - بحار الأنوار لمجلسي: ج10 ص139 (¬2) - ج8 ص258 (¬3) - التاريخ الصغير للبخاري (¬4) - البداية والنهاية: ج8 ص249 وج9 ص105. (¬5) - نسب قريش لمصعب الزبيري تحت ذكر أولاد علي بن أبي طالب: ص45، جمهرة أنساب العرب لابن حزم تحت ذكر ولد مروان: ص87.

زواج حفيدات علي من أحفاد مروان

من قبل أب وحسينية من قبل الأم، فإن أمها كانت فاطمة بنت الحسين بن علي. ولقد ذكر هذا الزواج أيضًا عديد من أصحاب الأنساب: "وكانت زينب بنت الحسن بن الحسن بن علي عند الوليد بن عبد الملك بن مروان وهو خليفة" (¬1) ". وكذلك تزوج الوليد بن عبد الملك هاشمية علوية أخرى نجيبة الطرفين. ألا وهي نفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب سبط الرسول، وأم نفيسة كانت لبابة بنت عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. وقد ذكر هذا الزواج نسابة شيعي مشهور كما ذكرنا من قبل: "وكان لزيد ابنة أمها نفيسة خرجت إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان، فولدت منه" (¬2) ". وهناك مصاهرات أخرى ذكرها أصحاب الأنساب. فهذه هي شهادات التاريخ وشهادات الشيعة أنفسهم بأن الفاطميات والعلويات تزوجن من أبناء مروان وأحفاده، فإن كان مروان كما يصفه الواصفون، وكما يكذب عليه الكذابون فكيف كان هذا؟ وما الجواب عنه؟. والجواب يعلمه المنصفون لأول وهلة أنه لم يكن هناك شيء إلا ما اختلقه السبئيون أبناء اليهود ومن سلك مسلكهم، وإلا فهل يعقل من أولاد عليّ رضي الله عنه بأنهم يزوّجون بناتهم من أبناء مروان وأحفاده إن كان مروان كما قيل عنه وكما يقال؟. وأما اتهام السبئيين ومن خلفهم بأن عثمان كان يؤثر أهله بالأموال ¬

(¬1) - نسب قريش تحت أولاد الحسن المثنى: ص52، جمهرة أنساب العرب: ص108 (¬2) - عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب بجمال الدين بن عنبة الشيعي: ص70 تحت أولاد زيد بن الحسن، طبقات ابن سعد: ج5 ص34

الطعن بأن عثمان يؤثر أهله بالأموال والرد عليه

الكثيرة من بيت المال فلا يثبت في ذلك شيء لأن عثمان ردّ على السبئيين يوم ذاك كما نقلنا مقدمًا أنه قال: "وأما إعطاءهم فإني أعطيهم من مالي ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس، ولقد كنت أعطي العطية الثمينة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي وفني عمري وودعت الذي لي في أهلي" (¬1) ". وقد أقر المخالفون لعثمان حينما قال لهم: "وإني قد ولّيت وإني أكثر العرب شاة وبعيرًا ومالاً، فمالي اليوم شاة ولا بعير غير البعيرين لحجي، أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم" (¬2) ". ثم كل ما ورد بعد هذا ليس إلا من اختلاق السبئية الذين تعودوا على تكرار الكذب والإصرار عليه ليورثوا الضغائن والأحقاد ضد رحماء رسول الله وأصهاره وضد رفاق رسول الله وتلامذته وأحبائه. والجدير بالذكر أن رواة هذه الأشياء هم نفس الرواة الذين ينقلون الأكاذيب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفخمونها ويكبرونها، بل ويختلقونها ويخترعونها من الواقدي الرافضي، ولوط بن يحيى أبي مخنف الشيعي، لا عن واحد من الثقات ومن رواة السنة، ولقد قدمنا الكلام في هؤلاء في بداية البحث، فلا التفات إلى رواياتهم الكاذبة الموضوعة ولا اعتبار بها. فلم يأت عثمان بمنكر. لا في أول الأمر ولا في آخره، ولا جاء الصحابة بمنكر، وكل ما سمعت من خبر باطل إياك أن تلتفت إليه. ومثل ذلك قال أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري عن الحسن بن علي أنه قال: ¬

(¬1) - الطبري: ج5 ص103 (¬2) - أيضًا، ومثل ذلك في البداية والنهاية لابن كثير: ص169.

قتلة عثمان

"عمل أمير المؤمنين عثمان ثنتي عشرة سنة لا ينكرون من إمارته شيئًا حتى جاء فسقة فداهن والله في أمره أهل المدينة" (¬1) ". وبذلك شهد محمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر أنه لم يكن هناك شيء، بل كان ما كان هو مؤامرة دبّرها عبد الله بن سبأ بمؤامرة خالد بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر وغيرهم " (¬2) ". وجمعوا حولهم قومًا لأحقاد اعتقدوها ممن طلب أمرًا فلم يصل إليه، وحسد حساد أظهر داؤها، وحمله على ذلك قلة دين وضعف يقين، وإيثار العاجلة على الآجلة " (¬3) ". "والجدير بالذكر أن سودان بن حمران وخالد بن ملجم كانا من الذين نظر إليهم عمر بن الخطاب في إمرته فأعرض عنهم ثم أعرض ثم عرض حتى قيل: مالك ولهؤلاء؟ فقال: إني عنهم لمتردد، وما مرّ بي قوم من العرب أكره إلي منهم" (¬4) ". وأما ضربه ابن مسعود وعمارًا ونفيه أبا ذر إلى الربذة فلم يثبت شيء منه، كلها أباطيل وأكاذيب، اللهم إلا أنه اختلف مع ابن مسعود على حمله الناس على مصحف واحد حيث إن ابن مسعود كان يعارضه، والأمة قاطبة وعلى رأسهم أصحاب رسول الله كانوا مع عثمان، ولا زال مصحفه هو متداولاً بين الناس. فلم ينقل عن الثقات أنه ضرب ابن مسعود حتى مات، ولم يذكره السبئيون فيما ذكروا من تهمهم على عثمان. وأما قضية عمار فقد كان كل ما فيه كما ذكره المؤرخون أنه كان بينه ¬

(¬1) - التاريخ الصغير للإمام البخاري: ص32 تحت ذكر من مات في خلافة عثمان. (¬2) - تاريخ الطبري: ج5 ص99، تاريخ ابن خلدون تحت ذكر بدء الانتفاض على عثمان ص138 (¬3) - العواصم من القواصم لابن العربي: ص111 (¬4) - انظر لذلك الطبري: ج4 ص86.

ادعاء ضرب ابن مسعود وقضية عمار ونفي أبي ذر

وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب خلاف فأدبهما عثمان بالضرب ولم يكن بينهم شيء، ولأجل ذلك أرسل أمير المؤمنين عثمان عمارًا فيمن أرسل لاستخبار أحوال المسلمين واكتشاف أمورهم كما مرّ ذلك مقدمًا" (¬1) ". نعم استغل السبئيون وجوده في مصر والتفوا حوله وأثاروا حفيظته ليستميلوه إليهم، فلما وصل المدينة عاتبه عثمان على ممالأته السبئيين وقال له: "يا أبا اليقظان قذفت ابن أبي لهب قذفك ... وغضبت على أن أخذت لك بحقك وله بحقه، اللهم قد وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة، اللهم إني متقرب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي" (¬2) ". وأما أمر أبي ذر فنذكر لبيان الحقيقة عبارة من تاريخ ابن خلدون حيث يذكر مطعن السبئيين على سيدنا عثمان لقلب حكم المسلمين ويذكر حقيقة هذا الطعن بقوله: وكان مما أنكروه على عثمان إخراج أبي ذر من الشام ومن المدينة إلى الربذة وكان الذي دعا إلى ذلك شدّة الورع من أبي ذر وجعل الناس على شدائد الأمور والزهد في الدنيا وأنه لا ينبغي لأحد أن يكون عنده أكثر من قوت يومه ويأخذ بالظاهر في ذم الادخار بكنز الذهب والفضة وكان ابن سبأ يأتيه فيغريه بمعاوية ويعيب قوله المال مال الله ويوهم أنّ في ذلك احتجانه للمال وصرفه على المسلمين حتى عتب أبو ذر معاوية فاستعتب له وقال سأقول مال المسلمين، وأتى ابن سبأ إلى أبي الدرداء وعبادة بن الصامت بمثل ذلك فدفعوه وجاء به عبادة إلى معاوية وقال هذا الذي بعث عليك أبا ذر ولما كثر ذلك على معاوية شكاه إلى عثمان ¬

(¬1) - انظر تاريخ الطبري: ج5 ص. (¬2) - تاريخ دمشق لابن عساكر: ج7 ص429

فاستقدمه وقال له ما لأهل الشام يشكون منك؟ فأخبره، فقال يا أبا ذر لا يمكن حمل الناس على الزهد وإنما عليّ أن أقضي بينهم بحكم الله وأرغبهم في الاقتصاد، فقال أبو ذر لا نرضى من الأغنياء حتى يبذلوا المعروف ويحسنوا للجيران والإخوان ويصلوا القرابة، فقال له كعب الأحبار من أدّى الفريضة فقد قضى ما عليه فضربه أبو ذر فشجه، وقال يا ابن اليهودية ما أنت وهذا! فاستوهب عثمان من كعب شجته فوهبه، ثم استأذن أبو ذر عثمان في الخروج من المدينة وقال إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بالخروج منها إذا بلغ البناء سلعًا، فأذن له ونزل بالربذة وبنى بها مسجدًا وأقطعه عثمان صرمة من الإبل وأعطاه مملوكين وأجرى عليه رزقًا وكان يتعاهد المدينة فعدّ أولئك الرهط خروج أبي ذر فيما ينقمونه على عثمان" (¬1) ". وقد ثبت بذلك أشياء منها: أولاً: أن أبا ذر رضي الله عنه لشدة ورعه وزهده وسذاجته انطلى عليه أكاذيب عبد الله بن سبأ، وهو الذي كان يحرضه. ثانيًا: كان رضي الله عنه يقول بأقوال ويدعوا الناس إلى آراء لم يأخذ بها أحد من الصحابة ولم يعمل بها أحد من حكام المسلمين وحتى عليّ لم يعمل بها في إمرته. ثالثًا: كان معاملة عثمان معه معاملة الرفق والرفيق. رابعًا: شدة أبي ذر بآرائه وأفكاره، وضربه كعب الأحبار وجرحه إياه. خامسًا: شفاعة عثمان إلى كعب الأحبار لعدم الاقتصاص منه وطلبه العفو والسمح. ¬

(¬1) - ابن خلدون: ج2 ص139

عدم القصاص من ابن عمر

سادسًا: استيذان أبي ذر عثمان في الخروج من المدينة امتثالاً بقول رسول الله. سابعًا: نزوله الربذة برضاه، لا نفيًا ولا طردًا من عثمان. ثامنًا: لم يكن الربذة خلاء ولا صحراء كما يصورها الأعداء، بل كان فيها عمران حتى بني بها مسجدًا. تاسعًا: إقطاع عثمان إياه صرمة من الإبل وإعطاؤه إياه مملوكين للخدمة، وإجراء الأرزاق عليه. عاشرًا: لم يكن منفيًّا ومطرودًا حيث كان يتعاهد المدينة. فتلك عشرة كاملة والجدير بالذكر أن الربذة لم تكن بعيدة من المدينة لأن بنيهما ثلاثة أميال فقط، وقال ياقوت: وكانت في أحسن منزل في طريق المدينة" (¬1) ". وعلى ذلك قال أبو بكر ابن العربي: "وأما نفيه أبا ذر إلى الربذة فلم يفعل" (¬2) ". ونقل الذهبي عن الحسن البصري أنه قال: "معاذ الله أن يكون أخرجه عثمان" (¬3) ". ومثل هذا روي عن زوجة أبي ذر أنها قالت: "والله ما سير عثمان أبا ذر إلى ربذة" (¬4) ". وأما عدم أخذه القصاص من عبيد الله بن عمر على قتله هرمزان فالغريب أن الشيعة يقولون بهذا القول، الذي يدعون موالاة علي رضي الله عنه ¬

(¬1) - هوامش المنتقى: ص380 (¬2) - انظر العواصم من القواصم: ص73 (¬3) - المنتقى: ص396. ط. مصر (¬4) - نفس المصدر والصفحة.

ومشايعته، وأنّى لهم تلك وهم أنفسهم يذمون كل من طالب عليها قصاص عثمان ممن قتله؟. ثانيًا: ولقد ثبت أن الهرمزان كان واحدًا ممن دبروا اغتيال الفاروق الأعظم رضي الله عنه وقتله، وهاهو عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما يذكر غداة طعن عمر: مررت بأبي لؤلؤة عشي أمس، ومعه جفينة والهرمزان وهم نجيّ، فلما رهقتهم ثاروا وسقط منهم خنجر له رأسان، نصابه في وسطه، فانظروا بأي شيء قتل وقد تخلل أهل المسجد وخرج في طلبه رجل بني تميم، فرجع إليهم التميمي وقد كان ألظّ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر حتى أخذه فقتله وجاء بالخنجر الذي وصفه عبد الرحمن" (¬1) ". ثالثًا: إن القمازبان بن الهرمزان عفى عنه وغفر له قتل أبيه، وهاهو النص كما رواه أبو المنصور أنه قال: سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه قال: كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض، فمرّ فيروز بأبي ومعه خنجر له رأسان فتناوله منه وقال: ما تصنع بهذا في هذه البلاد؟. فقال: ابس به، فرآه رجل. فلما أصيب عمر قال: رأيت هذا مع الهرمزان دفعه إلى فيروز، فأقبل عبيد الله فقتله، فلما ولّى عثمان دعاني فأمكنني منه، ثم قال: يا بني هذا قاتل أبيك وأنت أولى به وما في الأرض أحد إلا معي إلا أنهم يطلبون إلي فيه، فقلت لهم: إلى قتله؟ قالوا: نعم، وسبوا عبيد الله، فقلت: أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا: لا وسبّوه، فتركته لله ولهم، فاحتملوني. فوالله ما بلغت المنزل إلا على رؤوس الرجال وأكفهم " (¬2) ". ¬

(¬1) - الطبري: ج5 ص42. (¬2) - الطبري: ج5 ص43 - 44

قضية الآذان الثانى فى الجمعة

رابعًا: أن عثمان دفع ديته من ماله: قال عثمان: أنا وليّه وقد جعلتها دية واحتملتها في مالي " (¬1) ". أو بعد هذا مجال لقائل أن يقول، وطاعن أن يطعن؟. وأما قضية الأذان الثاني في الجمعة فلم يكن مما اعترضه عليه السبئيون، وهذا من زيادات أسلافهم، وعلى ذلك نقول لهم: هل عليّ أزال هذا الأذان حينما تولّي الخلافة؟. والثابت أنه لم يزل طيلة خلافته، فلماذا سكت على هذا المنكر إن كان منكرًا؟. ولم الطعن على عثمان دون عليّ إن كان هذا من المطاعن؟. وبذلك قال الذهبي: وأما زيادات الأذان الثاني يوم الجمعة فعليّ ممن وافق على ذلك في خلافته ولم يزله وإبطال هذا كان أهون عليه من عزل معاوية وغيره من قتالهم. فإن قيل إن الناس لا يوافقونه على إزالة الأذان قلنا: فهذا دليل على أن الناس وافقوا عثمان على الاستحباب حتى مثل عمار وسهل بن حنيف والسابقين. وإن اختلفوا فهي من مسائل الاجتهاد " (¬2) ". هذا ما قاله السبئية وطعنوا له على عثمان المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين رضي الله عنه حتى ألّبوا الناس عليه وقتلوه خدعة ومكرًا، غدرًا وطغيانًا، بعدما أراد علي وسبطا رسول الله الحسن والحسين وطلحة والزبير وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وعبد الله بن الزبير الدفاع عنه والمقاتلة دونه، وغيرهم الكثيرون حتى جاءه زيد بن ثابت الأنصاري فقال له: إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله مرتين، فقال له عثمان: لا حاجة لي في ذلك، ¬

(¬1) - الطبري: ج5 ص41 (¬2) - المنتقى: ص399

كفّوا" (¬1) ". وقد ذكر ذلك ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي: ومانعهم الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان وسعيد بن العاص وجماعة معهم من أبناء الأنصار، فزجرهم عثمان وقال: أنتم في حل من نصرتي فأبوا" (¬2) ". وأيضًا نهى عليّ أهل مصر وغيرهم عن قتل عثمان قبل قتله مرارًا، نابذهم بيده وبلسانه وبأولاده " (¬3) ": وقد ذكر ذلك المؤرخ الشيعي المسعودي ببعض التفصيل وقد ذكرناه من قبل، ونعيد عبارته في آخر الكلام لأن فيه تذكرة لمن يتذكره وإن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد: فلما بلغ عليًّا أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين مع مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته، وأمرهم أن يمنعوه منهم، وبعث الزبير ابنه عبد الله، وبعث طلحة ابنه محمدًا، وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بمن ذكرنا، فصدُّوهم عن الدار، فرمى من وصفنا بالسهام، واشتبك القوم، وجرح الحسن، وشج قنبر، وجرح محمد بن طلحة، فخشي القوم أن يتعصب بنو هاشم وبنو أمية، فتركوا القوم في القتال على الباب، ومضى نفر منهم إلى دار قوم من الأنصار فتسوروا عليها، وكان ممن وصل إليه محمد بن أبي بكر ورجلان آخران، وعند عثمان زوجته، وأهلُه ومواليه مشاغيل بالقتال، فأخذ محمد بن أبي بكر بلحيته، فقال: يا محمد، والله لو رآك أبوك لساءه مكانك فتراخت يده، ¬

(¬1) - أنساب الأشراف للبلاذري: ج5 ص73 (¬2) - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص197 تحت محاصرة عثمان ومنعه الماء (¬3) - نفس المصدر ج3 ص449 تحت أنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر.

مقام عثمان وشأنه

وخرج عن الدار، ودخل رجلان فوجداه فقتلاه وكان المصحف بين يديه يقرأ فيه، فصعدت امرأته فصرخت وقالت: قد قتل أمير المؤمنين، فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما من بني أمية، فوجدوه قد فاضت نفسه رضي الله عنه، فبكوا، فبلغ ذلك عليًّا وطلحة والزبير وسعدًا وغيرهم من المهاجرين والأنصار، فاسترجع القوم، ودخل عليّ الدار، وهو كالواله الحزين، وقال لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟. ولَطَمَ الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة، ولعن عبد الله بن الزبير" (¬1) " فهل لهم أن ينتهوا؟. لقد أسمعت لو ناديت حيًّا ... ولكن لا حياة لمن تنادي ونختم هذا الباب على حديث رواه البخاري: عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فضربه برجله فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان " صحيح البخاري ". وعلى حديث آخر رواه البخاري ومسلم أيضًا: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشّره بالجنة، ففتحت له فإذا أبو بكر فبشرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشّره بالجنة ففتحت له فإذا عمر فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم استفتح رجل فقال لي: افتح له وبشّره بالجنة على بلوى تصيبه. فإذا ¬

(¬1) - مروج الذهب للمسعودي الشيعي: ج2 ص344 - 345.

عثمان فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم قال: الله المستعان "متفق عليه". وأخيرًا ما رواه الترمذي وابن ماجة عن مرة بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الفتن فقرّبهما، فمر رجل مقنع في ثوب فقال: هذا يومئذ على الهدى فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان، قال: فأقبلت عليه بوجهه - أي النبي صلى الله عليه وسلم - فقلت: هذا؟. فقال: نعم "رواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: هذا حديث صحيح". فهذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو شأنه، وهذا هو ما فعله السبئيون والمخدوعون بهم، وهذه هي المطاعن المزوّرة التي اخترعوها لقلب نظام الحكم الإسلامي الراشد " (¬1) " ولبثّ سموم الفتنة بين المسلمين وتزحزحهم عن العقائد الإسلامية الصحيحة وردّهم بالمرحلة الأولى بقتل أمير المؤمنين وخليفة المسلمين والتفريق بين الجماعة الواحدة والأمة المرحومة، ثم تخطوا بعد ذلك بخطوة أخرى ألا وهي الإيقاع بين المسلمين وإشعال نيران الحرب بينهم وإثارة الفتن والبغضاء، ثم إبعادهم عن العقائد الإسلامية الصحيحة وإدخالهم في العقائد اليهودية المدسوسة والفكر اللاإسلامي، وفعلاً نجحوا في المرحلة الثانية أيضًا ألا وهي إيقاع الفتن بين المسلمين والهرج والمرج حتى ينفلتوا عن الجهاد في سبيل الله ويرجعوا لضرب بعضهم بعضًا، وينحصر القتال فيما بينهم ويدور بين فئاتهم وأحزابهم ¬

(¬1) - ومن المؤسف جدًّا بأن كثيرًا ممن يدعون الانتساب إلى السنة تأثروا من دعايات السبائية الكثيرة المكررة فلم يفرقوا بين الحق والباطل وأطلقوا عنان أقلامهم لنقل هذه الخرافات والخزعبلات دون النظر إلى الأكاذيب السبائية وأباطيلها، ودون التمييز بين الغث والسمين فقالوا ما قالوا وكتبوا ما كتبوا - وما أكثرهم - وما أبعدهم عن الحق والصواب مع انتسابهم إلى العلم والزعامة الدينية

بعدما كانت تدور رحاها على ثغور الكفر وبلاد الشرك والوثنيات. وسنلخص القول في الباب القادم ما حصل فعلاً بأن الرقاع الإسلامية التي اتسعت في عهد عثمان امتدادًا لاتساع الفاروق والصديق انحصرت على ما كانت عليه في عهد علي رضي الله عنه، وبدأ علي رضي الله عنه يشكو ويقول متأسفًا: (أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإنها خير ما تواصى به العباد وخير عواقب الأمور عند الله، وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة) " (¬1) ". فبدل أن يتوجه المسلمون إلى أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء هذه الأمة بدأت سيوفهم تتفلل فيما بينهم. وهذا ما كانت تريده اليهودية البغيضة وهذا ما حصل كما نحن بصدد بيانه وذكره. ¬

(¬1) - نهج البلاغة ص367 ط. بيروت.

الباب الرابع تطور التشيع الأول والشيعة الأولى ودور السبأية بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وأيام علي رضي الله عنه

الباب الرابع تطوّر التشيع الأول والشيعة الأولى ودَور السبأية بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وأيام علي رضي الله عنه لم يكن قصدنا من كتابة هذا الكتاب أن نسرد وقائع تاريخية حدثت، بل ما قصدنا هو سرد تاريخ السبئية وما قاموا بها من شنائع واقترفوا من الجرائم والمآثم وارتكبوا من الفضائح والوقاحات ولكنه لما كنا نحتاج لسرد تاريخ هذه الفئة الباغية التي أسست في الإسلام عقائد خاصة، وكوّنت فرقًا مخصوصة، اضطررنا لسرد بعض الحوادث التاريخية التي حدثت وللسبئية فيها دخل كبير بل لم تكن لتقع لولا دسائسها ومؤامراتها، وليكون لنا بتوفيق الله وتقديره وتيسيره في هذه الحوادث والوقائع كتاب مستقل ومنزه عن الخرافات والسخافات، وخال من القصص والأساطير، ومجرد عن الأكاذيب والأباطيل التي طالما استعملها أعداء الإسلام وأعداء أمة محمد صلى الله عليه وسلم للنيل من أسلافها وأكابرها. وما ذلك على الله بعزيز. ويكون بحثنا مقتصرًا على الحوادث التي تتعلق بموضوعنا فقط، ونتجنب وقائع أخرى لعدم علاقتها بموضوعنا علاقة مباشرة قاصدين الاختصار دون الإطناب والتطويل، فنقول: لما قتل الإمام المظلوم عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بقيت المدينة خمسة أيام لا أمير لها. أو أميرها واحد من قتلة عثمان هو الغافقي

المدينة بعد مقتل عثمان

بن حرب وحوله السبئيون وقتلة عثمان، وأهواؤهم مختلفة فيمن يجعلونه خليفة بعد عثمان أمير المؤمنين، اللهم إلا السبئية منهم فإنهم لم ينادوا إلا باسم عليّ - رضي الله عنه - ولم يتستروا إلا وراءه وهو منهم بريء، ولقد مرّ مقدّمًا أن عبد الله بن سبأ اليهودي الماكر الخبيث الذي كان وراء كل هذه المؤامرات كان مع المصريين، فاختلفت آراء البغاة والطغاة والأوباش السفلة " (¬1) "، فقوم يريدون طلحة، وقوم يريدون الزبير، وقوم يريدون عليًّا، وكل واحد منهم يأبى وينكر لما يعرف منهم الخبث والطغيان والاشتراك في مؤامرة مدبرة لهدم كيان الإسلام والقضاء على الدولة الإسلامية، المترامية الأطراف، التي لم تتسع رقعتها إلا في عصر عثمان الذهبي، والعصر الذي يندر مثيله في تاريخ الإسلام في كثرة الغزوات والفتوحات، ثم ييئسون من هؤلاء الثلاثة ويذهبون إلى سعد بن أبي وقاص فاتح إيران. ومن ثم إلى ابن الخليفة الفاروق الأعظم عبد الله بن عمر، فلم يكن جوابهما إلا ما أجاب بهم الثلاثة من العشرة المبشّرة. وإليك ما ذكره أقدم المؤرخين الطبري ووافقه عليه كل من ابن كثير وابن الأثير وابن خلدون وغيرهم: حدثنا محمد بن عبد الله وطلحة بن الأعلم وأبو حارثة وأبو عثمان قالوا: بقيت المدينة بعد قتل عثمان - رضي الله عنه - خمسة أيام وأميرها الغافقي بن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر، فلا يجدونه. يأتي المصريون عليًّا فيختبئ منهم ويلوذ بحيطان المدينة، فإذا لقوه باعدهم وتبرأ منهم ومن مقالتهم مرة بعد مرة، ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه فأرسلوا إليه حيث هو رسلاً فتبرأ من مقالتهم، ويطلب البصريون طلحة فإذا لقيهم باعدهم وتبرأ من مقالتهم مرة بعد مرة وكانوا ¬

(¬1) - ولقد سماهم بهذه الأسماء كل من ابن العربي وابن تيمية وغيرهم.

امتناع الصحابة عن قبول الخلافة

مجتمعين على قتل عثمان، مختلفين فيمن يهوون، فلما لم يجدوا ممالئًا ولا مجيبًا جمعهم الشر على أول من أجابهم وقالوا: لا نولي أحدًا من هؤلاء الثلاثة، فبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص وقالوا: إنك من أهل الشورى فرأينا فيك مجتمع فأقدم نبايعك، فبعث إليهم أني وابن عمر خرجنا منها فلا حاجة لي فيها على حال، وتمثل: لا تخلطن خبيثات بطيبة ... واخلع ثيابك منها وانج عريانا ثم أنهم أتوا ابن عمر عبد الله فقالوا: أنت ابن عمر فقم بهذا الأمر، فقال: إن لهذا الأمر انتقامًا والله لا أتعرض له فالتمسوا غيري، فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون والأمر أمرهم " (¬1) ". ولم تكن حيرتهم إلا لمعرفتهم أنه لو قام قائم دون مشورتهم وبغير رأي منهم لحكّم فيهم السيف وأخذ منهم القصاص للإمام المظلوم وخليفة رسول الله وزوج ابنتيه وابن بنت عمته، القائم بالحق، ذي الجود والحياء عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ولقد صرح بذلك ابن كثير في روايته التي ساقها أن القوم لما يئسوا من الجميع وحاروا في أمرهم قالوا: "إن نحن رجعنا إلى أمصارنا بعد قتل عثمان بغير إمرة اختلف الناس في إمرتهم ولم نسلم" (¬2) ". ثم جاءوا إلى أهل المدينة وجمعوهم: "فوجدوا سعدًا والزبير خارجين ووجدوا طلحة في حائطه، ووجدوا بني أمية قد هربوا إلا من لم يطق الهرب، وهرب الوليد وسعيد إلى مكة في أول من خرج وتبعهم مروان وتتابع على ذلك من تتابع، فلما اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر: أنتم أهل الشورى وأنتم تعقدون ¬

(¬1) - الطبري: ج5 ص155، ابن الأثير: ج7 ص226، ابن الأثير: ج3 ص99، ابن خلدون: ج2 ص151 (¬2) - البداية والنهاية: ج7 ص226

الإمامة وأمركم عابر على الأمة فانظروا رجلاً تنصبونه ونحن لكم تبع ... فقد أجلناكم يومين فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلن غدًا عليًّا وطلحة والزبير وأناسًا كثيرًا، فغشي الناس عليًّا فقالوا: نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام وما ابتلينا به من ذي القرب" (¬1) "فردّ عليهم علي - رضي الله عنه - بقول: - وقد نقل هذا القول في أقدس كتاب شيعي حسب زعم القوم ألا وهو نهج البلاغة -: "دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمرًا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم، وأنا لكم وزيرًا خير لكم مني أميراً " (¬2)، (¬3) ". وذكر ذلك من مؤرخين السنة الطبري في تاريخه " (¬4). ¬

(¬1) - الطبري: ج5 ص156، الكامل: ج3 ص99، ابن خلدون: ج2 ص151. (¬2) - وفي هذا أكبر دليل رغم أنوف من يرى خلاف ذلك أن عليًّا رضي الله عنه لم يكن يعدّ نفسه إمامًا منصوبًا من قبل الله عز وجل ولا منصوصًا عليه لأنه لو كان كذلك لما كان له الخيار في ردّ الإمامة والخلافة عندما جاءت إليه تسعى بقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} [الأحزاب: 36]. فهذا الكلام الصادر عن علي رضي الله عنه المنقول في أقدس كتبهم لكلام فصل وقضاء مبرم واضح صريح بيننا وبين الذين يرون خلاف هذا، وعلى ذلك قال ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي مع تشيعه أن هذا الكلام يدل على: "أنه عليه السلام لم يكن منصوصًا عليه بالإمامة من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كان أولى الناس بها وأحقهم بمنزلتها، لأنه لو كان منصوصًا عليه بالإمامة من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاز له أن يقول: دعوني والتمسوا غيري، ولا أن يقول: وأنا لكم وزيرًا خير لكم مني أميرًا، ولا أن يقول: ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج7 ص33 - 34. كما أن مجرد امتناعه عن قبول الخلافة لكان من الحجة القاضية عليهم، والنصوص في هذا المعنى كثيرة وبعضها آتية مذكورة قريبًا. فهل منصف ينصف وعادل يعدل؟. وإن في ذلك لذكرى لأولي الأبصار (¬3) - نهج البلاغة: ص136 ط. بيروت (¬4) - ج5 ص156

امتناع علي عن قبول البيعة - إجباره على قبولها - امتناع الصحابة عن البيعة.

"وابن الأثير في الكامل" (¬1) ". ولكنهم أكرهوه على ذلك وأجبروه: وأخذ الأشتر بيده فبايعه وبايعه الناس - من بايعه -" (¬2) ". كما ذكر علي - رضي الله عنه - ذلك أيضًا فيما ينقله الشيعة عنه في رسالته التي أرسلها إلى أهل مصر أو خطبة ألقاها: حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه، ثم جئتموني لتبايعوني، فأبيت عليكم، وأمسكت يدي فنازعتموني ودافعتموني، وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، وازدحمتم عليّ حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعضكم أو أنكم قاتليّ. فقلتم: بايعنا لا نجد غيرك، ولا نرضى إلا بك، بايعنا لا نفترق ولا تختلف كلمتنا. فبايعتكم ودعوت الناس إلى بيعتي، فمن بايع طوعًا قبلته، ومن أبى لم أكرهه وتركته" (¬3) ". ومثل ذلك نقل الشريف الرضي في (نهج البلاغة) تحت عنوان أمر البيعة " (¬4) " فبايعه من بايعه ولم يبايعه من لم ير الجوّ والوقت مناسبًا. وممن امتنع عن بيعته من كبار الصحابة كما ذكر المؤرخين: " ثم بايعه الناس وجاءوا بسعد فقال لعليّ حتى يبايعك الناس، فقال: أخلوه. وجاءوا بابن عمر فقال كذلك، فقال: ائتني بكفيل قال: لا أجده، فقال الأشتر: دعني أقتله، فقال: دعني أنا كفيله، وبايعت الأنصار وتأخر منهم حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومسلمة بن خالد، وأبو سعيد الخدري، ومحمد بن مسلمة، والنعمان بن بشير، وزيد ¬

(¬1) - ج3 ص99 (¬2) - ابن كثير: ج5 ص226 (¬3) - الغارات للثقفي الكوفي الشيعي: ج1 ص310 - 311 ط. طهران، شرح النهج لابن أبي الحديد الشيعي: ج6 ص96 - 97، بحار الأنوار للمجلسي: ص51 - 52 (¬4) - نهج البلاغة: ص195 ط. بيروت.

استتار قتلة عثمان وراء المبايعين لعلي

بن ثابت، ورافع بن خديج، وفضالة بن عبيد، وكعب بن عجرة، وسلمة بن سلامة بن وقش. وتأخر من المهاجرين عبد الله بن سلام، وصهيب بن سنان، وأسامة بن زيد، وقدامة بن مظعون، والمغيرة بن شعبة. وأما النعمان بن بشير فأخذ أصابع نائلة امرأة عثمان وقميصه الذي قتل فيه ولحق بالشام صريخًا" (¬1) "وأما طلحة فقال: بايعت والسيف فوق رأسي " (¬2) ". وقال الزبير: "جاءني لص من لصوص عبد القيس فبايعت واللجة في عنقي" (¬3) "وفي رواية: "جاء القوم بطلحة فقالوا: بايع فقال: إني أبايع كرهًا ... ثم جيء بالزبير فقال مثل ذلك" (¬4) ". وقال قوم: إنما بايعا على شرط إقامة الحدود في قتلة عثمان " (¬5) ". وقيل: إنه قد بايع طلحة ولم يبايع الزبير ولا سلمة بن سلامة ولا أسامة بن زيد " (¬6) ". والمدائني نقل عن الزهري: هرب قوم من المدينة إلى الشام ولم يبايعوا عليًّا " (¬7) ". فهكذا انعقدت البيعة للإمام علي - رضي الله عنه - واستتر السبئيون والمخدوعون بهم من قتلة عثمان وراء المبايعين لعليّ - رضي الله عنه - ¬

(¬1) - ابن خلدون: ج2 ص151، ابن الأثير: ج3 ص98، ابن الكثير: ج7 ص226. (¬2) - الطبري: ج5 ص154 (¬3) - الطبري: ج5 ص154، الكامل: ص99. (¬4) - أيضًا: ص157، ابن خلدون: ج2 ص151 (¬5) - أيضًا: ص158 - (¬6) - الكامل لابن الأثير: ج3 ص98 (¬7) - البداية والنهاية: ص226 -

اجتماع الصحابة إلى علي ومطالبتهم إقامة الحد فى قتلة عثمان

واختلفوا خلف المشايعين له وأحاطوه من كل جانب كما ذكر الطبري أن عليًّا - رضي الله عنه - لما خطب بخطبته الأولى بعد بيعته ثم أراد الذهاب إلى بيته قالت السبئية: خذها إليك واحذرًا أبا الحسن ... إنما نمرُّ الأمر إمرار الرسن صَوْلَةَ أقوامٍ كأسداد السُّفُن ... بِمَشْرَفيّاتٍ كغُدرانِ اللبن ونَطعُنُ المُلكَ بِلَينٍ كالشَّطَن ... حتى يُمَرَّنَ على غيرِ عَنن فقال علي وذكر تركهم العسكر والكينونة على عدة ما مُنُّوا حين غمزوهم ورجعوا إليهم فلم يستطيعوا أن يمتنعوا حتى: إني عجزتُ عجزةً لا أعتذر ... سوف أكيسُ بعدها وأستمر أرفَعُ من ذَيليَ ما كنتُ أجُر ... وأجمَعُ الأمرَ الشّتيتَ المنتشر إن لم يُشاغبني العَجولُ المُنتَصِر ... أو يترُكوني والسلاحُ يُبْتَدَر "واجتمع إلى علي بعدما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة فقالوا يا علي إنا قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلاء القوم اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلوا بأنفسهم، فقال لهم: يا أخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم، هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم وهم خلالكم يسومونكم ما شاءوا، فهل ترون موضعًا لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا: لا، قال: فلا والله لا أرى إلا رأيًا ترونه إن شاء الله، إن هذا الأمر أمر جاهلية وإن لهؤلاء القوم مادة وذلك إن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبدًا إن اليأس من هذا الأمر إن حرك على أمور فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى ما لا ترون وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ الحقوق فاهدؤوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا، واشتد على قريش وحال بينهم وبين الخروج على حالها وإنما

منع ابن عباس عليا عن أخذ البيعة، ومنع الحسن أباه عن البقاء في المدينة

هيجه على ذلك هرب بني أمية، وتفرق القوم وبعضهم يقول: والله لئن ازداد الأمر لا قدرنا على انتصار من هؤلاء الأشرار لتركوا هذا إلى ما قال عليّ أمثل، وبعضهم يقول: نقضي الذي علينا ولا نؤخره، ووالله أن عليًّا لمستغن برأيه وأمره عنا" (¬1) ". ولأجل ذلك منعه ابن عمه عبد الله بن عباس عن أخذ البيعة، كما منعه ابنه الحسن من قبل عن بقائه في المدينة والسبئيون يفعلون ما يفعلون ويعملون ما يعملون: فقال ابن عباس: "أطعني وادخل دارك، والحق بمالك بينبع، وأغلق بابك عليك، فإن العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك، فإنك والله لأن نهضت مع هؤلاء اليوم ليحملنك الناس دم عثمان غدًا، فأبى عليّ" (¬2) ". وأما منع الحسن إياه عن بقائه في المدينة يوم استولت السبئية فذكرها المؤرخون " (¬3) " أيضًا. وبدأ السبئيون يتقوون ويجمعون حولهم الموالي والأعراب إلى أن فحل أمرهم، فأراد علي - رضي الله عنه - أن يضعف قوتهم ويكسر شوكتهم بالحيلولة بين السبئية والعبيد والأعراب والتفريق بينهم، فنادى في الناس: "برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه، فتذامرت السبائية والأعراب وقالوا: لنا غدًا مثلها" (¬4) ". وفي اليوم الثالث من بيعته خرج عليّ على الناس فقال: ¬

(¬1) - الطبري: ج5 ص158 (¬2) - الطبري: ج5 ص160، ابن الأثير: ج3 ص101، ابن خلدون: ج2 ص151. (¬3) - الطبري: ج5 ص (¬4) - الطبري: ج5 ص158. ابن الأثير: ج3 ص100

تجمعات السبئية ومطالبة الصحابة طردهم وإقامة الحد فيهم

"يا أيها الناس أخرجوا عنكم الأعراب، وقال: يا معشر الأعراب الحقوا بمياهكم، فأبت السبئية وأتاهم الأعراب" (¬1) ". ولما رأى الناس وفي مقدمتهم رؤوس الصحابة وأكابرهم أن السبئية يزدادون يومًا فيومًا في غلوائهم وطغيانهم، وأيديهم متلطخة بدم الإمام المظلوم، وهم زيادة على ذلك يريدون أن يلفّوا حولهم أوباشًا من الناس والفسقة والفجرة، كما أنهم بدءوا يبثون العقائد الأجنبية بينهم، طالبوا عليًّا - رضي الله عنه - أن يقتص منهم لعثمان بأن يحكّم فيهم بالسيف، ولكن أمير المؤمن عليًّا هاب من نفوذهم، وخاف من سلطتهم، فماطل الصحابة وطلب منهم المهلة لازدياد نفوذ السبئية وقوتهم، فلقد ذكر المؤرخون ألفاظًا عديدة منه - رضي الله عنه - تبريرًا لقصوره عن أخذ الثأر وإقامة الحد، فقد ذكر الحافظ ابن كثير في تاريخه: "ولما استقر أمر بيعة علي دخل عليه طلحة والزبير ورؤوس الصحابة - رضي الله عنهم - وطلبوا منه إقامة الحد والأخذ بدم عثمان، فاعتذر إليهم بأن هؤلاء لهم مدد وأعوان وأنه لا يمكنه ذلك يومه هذا، فطلب منه الزبير أن يواليه على إمرة الكوفة ليأتي له بالجنود، وطلب منه طلحة أن يواليه إمرة البصرة ليأتي له منه بالجنود ليقضي على شوكة هؤلاء الخوارج وجهلة الأعراب الذين كانوا معهم في قتل عثمان - رضي الله عنه - فقال لهما: مهلاً عليَّ حتى أنظر في هذا الأمر" (¬2) ". وعبارة الطبري: يا عليّ إنا قد شرطنا إقامة الحدود وإن هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلوا بأنفسهم، فقال لهم: يا إخوتاه إني لست أجهل ما ¬

(¬1) - الطبري: ج5 ص159. ابن الأثير: ص101، ابن خلدون: ج2 ص151. (¬2) - البداية والنهاية لابن كثير: ج7 ص227 - 228.

تعلمون ولكني كيف يملكوننا ولا نملكهم. هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاءوا، فهل ترون موضعًا لقدرة على شيء مما تريدون" (¬1) ". وأما ابن الأثير فنقل عنه أنه قال: كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم " (¬2) ". وأما ابن خلدون فذكر أنه قال في جوابهم: لا قدرة لي على شيء مما تريدون حتى يهدأ الناس وننظر الأمور فتؤخذ الحقوق" (¬3) ". فافترقوا عنه وأكثر بعضهم المقالة في قتلة عثمان " (¬4) ". ¬

(¬1) - الطبري: ج5 ص158 - (¬2) - ابن الأثير: ج3 ص100 (¬3) - ولا أدري أي شيء جعل أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه أن يستعجل في إقامة الحد على ابن أمير المؤمنين الفاروق، على عبيد الله الذي قتل الهرمزان مع أنه مضى على تلك الحادثة أكثر من عشر سنوات، وأن القضية كانت قضية مختلف فيها من عدة وجوه كما مرّ، مع تأجيله وتأخيره في أخذ القصاص عن عثمان أمير المؤمنين وإمام المسلمين وخليفة رسول الله وصهره وخال السبطين وعديله هو نفسه؟ وأين هرمزان من عثمان وأين عبيد الله بن عمر من عبد الله بن سبأ والسبئية؟ ثانيًا: ولا ندري ما الذي جعل الإمام عليًّا رضي الله عنه وهو في ذلك الضيق من الأمر أن يستعجل عزل عمال عثمان وأن يستبدل بهم عماله وأبناء عمه وأقاربه؟ ثالثًا: كما أننا لا نعلم لأي شيء استعجل عزل معاوية أمير الشام وقد عيّنه على ذلك المنصب خليفة رسول الله الصديق، ثم أقرّه على ذلك شديد في أمر الله الفاروق، ثم الخليفة الراشد الثالث عثمان. وفوق كل ذلك لم يرفع عنه شكوى واحدة مع كثرة الشكاوى على العمال والحكام والولاة، وهذا مع نصيحة ابن عمه وأقرب المقربين إليه عبد الله بن عباس وداهية العرب المغيرة بن شعبة إياه بالإعراض عن عزله وإثباته على عمله كما يرويه ابن عباس رضي الله عنه نفسه: يا أمير المؤمنين أخبرني عن شأن المغيرة ولم خلا بك قال جاءني بعد مقتل عثمان بيومين فقال لي أخلني ففعلت فقال إن النصح رخيص وأنت بقية الناس وإني لك ناصح وإني أشير عليك برد عمال عثمان عامك هذا فاكتب إليهم بإثباتهم على أعمالهم فإذا بايعوا لك واطمأن الأمر لك عزلت من أحببت وأقررت من أحببت، فقلتُ: والله لا أدهن في ديني ولا أعطي الدنيَّ في أمري قال: فإن كنتَ قد أبيت عليَّ فانزع من شئت واترك معاوية، فإن لمعاوية جُرأة وهو في أهل الشام يسمع منه ولك حجة في إثباته، كان عمر بن الخطاب قد ولاه الشام كلها، فقلتُ لا والله لا أستعمل معاوية يومين أبدًا فخرج من عندي على ما أشار به ثم عاد فقال لي: إني أشرت عليك بما أشرت به فأبيت = = = = عليَّ ثم نظرت في الأمر فإذا أنت مصيب لا ينبغي لك أن تأخذ أمرك بخدعة ولا يكون في أمرك دُلسة، قال فقال ابن عباس: فقلت لعلي: أما أول ما أشار به عيك فقد نصحك وأما الآخر فغشك وأنا أشير عليك بأن تثبت معاوية فإن بايع لك فعليّ أن أقلعه من منزله. قال علي: لا والله لا أعطيه إلا السيف قال ثم تمثل بهذا البيت: ما ميتةٌ إن مُتُّها غيرَ عاجِزٍ ... بعارٍ إذا ما غالت النفس غَولُها فقلت: يا أمير المؤمنين أنت رجل شجاع لست بأرَبٍ بالحرب" (الطبري). لا ندري هذا كله، ولا نستطيع أن نقول شيئًا اللهم إلا أنه لم يكن معصومًا، فلكل اجتهاد، وقد يخطئ وقد يصيب- (¬4) - ابن خلدون: ج2 ص151.

قنوط الزبير وطلحة من اقتصاص عثمان، وعزل علي معاوية

وهذا الذي جعل الزبير وطلحة يقنطان من اقتصاص الإمام المظلوم عثمان - رضي الله عنه - ويخرجان من المدينة، وهناك التقيا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ومن طرف آخر بدأت الرسائل تتبادل بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - لأن عليًّا عزل معاوية - رضي الله عنهما - عن الشام وأمّر عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - فقال ابن عباس: "ما هذا برأي، معاوية رجل من بني أمية وهو ابن عم عثمان وهو عامل الشام ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان" (¬1) ". فاعتذر إليه وأعفاه منها. وبينا هم في ذلك بدأت السبئية يشتغلون ويثيرون الفتن والقلاقل ويسعون فسادًا، ويثيرون الأحقاد والضغائن، وينفخون في الرماد، ويحاولون إسعار الحرب بين المسلمين، ويحرضون شيعة عليّ ضد كل من يطالب بثأر عثمان وقصاصه، وخاصة معاوية - رضي الله عنه - الذي بدأ يمتنع من الخضوع لخلافة عليّ - رضي الله عنه - والتسليم بإمارته بدعوى أن بيعة علي لم تنعقد، لأنه لم يحصل الشورى ولم يبايعه أهل الحل والعقل، ولم ينتخبه إلا رجال معدودون من المهاجرين والأنصار ومن أهل المدينة. وفوق ذلك كله قتلة عثمان والسبئية التجئوا في معسكره واكتنفوا بكنفه. ولقد أشرنا إلى تلك الأمور كلها في الباب الأول بثبت من عبارات التاريخ والمؤرخين. فبينا هم كذلك في الجواب وجواب الجواب إذ جاءه ¬

(¬1) - الطبري: ج5 ص160

سعي السبئية بالفتنة والفساد

رسول معاوية - رضي الله عنه - فقال: آمن أنا؟ قال علي - رضي الله عنه -: "نعم إن الرسول لا يقتل، فقال: إني تركت قومًا لا يرضون إلا بالقود، ثم بّلغ الرسالة، فاستأذن بالخروج، فقال له علي: اخرج، قال: وإني آمن؟. قال: وأنت آمن" (¬1) ". فاشتغل السبئية لزيادة التوتر والحدة وإخراج الحرب من الكلام إلى السيوف، وإليك النص ما ذكره المؤرخون: "وصاحت السبئية: هذا الكلب رسول الكلاب، اقتلوه، فنادى: يا لمضر، يا لقيس الخيل والنبل، إني أحلف بالله جل اسمه ليردنها عليكم أربعة آلاف خصيّ فانظروا كم الفحولة والركاب وتعاووا عليه ومنعته مضر وجعلوا يقولون له: اسكت، فيقول: لا والله لا يفلح هؤلاء أبدًا فلقد أتاهم ما يوعدون، فيقولون له: اسكت، فيقول: لقد حل بهم ما يحذرون انتهت والله أعمالهم وذهبت ريحهم، فوالله ما أمسوا حتى عرف الذل فيهم" (¬2) ". وهذه العبارة وهذه الألفاظ الصادرة عن السبئية تدل وتنبئ صريحًا عما كانوا يسعون لأجله، فبدءوا ينشرون الأراجيف ويشيعون الأكاذيب حتى يستل سيوف المسلمين ما بينهم ويقع الاصطدام ويحصل الحرب ويشتغلون بها ويضرب بعضهم رقاب بعض، وينسى هؤلاء ويعرض عنهم وعن فعلتهم، ويكثر الشقاق والاختلاف، ويزداد الابتعاد ويمتد بينهم الجدال والقتال. هذا كل ما كانوا يقصدونه، وهذا كل ما يرجونه. ولما سمعوا باجتماع طلحة والزبير - رضي الله عنهما - مع أم ¬

(¬1) - انظر الكامل لابن الأثير: ج3 ص104 (¬2) - ابن الأثير: ج3 ص104، الطبري: ج5 ص163

منع الحسن أباه من الخروج إلى محاربة أهل الشام وحرب الجمل

المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في مكة بدءوا يحرضون شيعة عليّ - رضي الله عنه - وعليًّا نفسه على محاربة أهل الشام، قبل أن يعظم الأمر ويستفحل الخطر، فأمر علي - رضي الله عنه - الناس بالمسير إلى أهل الشام، فتثاقل أهل المدينة، كما أن ابنه الحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم منعه عن ذلك قائلاً: "يا أبتِ دع هذا فإن فيه سفك دماء المسلمين ووقوع الاختلاف بينهم فلم يقبل منه ذلك بل صمم على القتال ورتّب الجيش، فدفع اللواء إلى محمد بن الحنفية" (¬1) " كما منعه عن ذلك زياد بن حنظلة التميمي: وكان منقطعًا إلى علي، فجلس إليه ساعة ثم قال له علي: يا زياد تيسّر، فقال لأي شيء؟. فقال: لغزو الشام، فقال زياد: الأناة والرفق أمثل، وقال: ومن لم يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم "فخرج زياد والناس ينتظرونه فقالوا: ما وراءك؟. فقال: السيف يا قوم، فعرفوا ما هو فاعل" (¬2) ". ولم يخرج إلى الشام حتى جاءه خبر خروج أم المؤمنين وطلحة والزبير إلى البصرة يطالبون بدم عثمان، فبادر إليهم بناس من المدينة ليمنع أولئك من دخولها: "فتثاقل عنه أكثر أهل المدينة، واستجاب له بعضهم، قال الشعبي: ما نهض معه في هذا الأمر غير ستة نفر من البدريين، ليس لهم سابع. وقال غيره أربعة. وذكر ابن جرير وغيره قال: كان ممن استجاب له من كبار الصحابة أبو الهيثم بن التيهان، وأبو قتادة الأنصاري، وزياد ¬

(¬1) - البداية والنهاية: ج5 ص163، ابن الأثير: ج3 ص104. (¬2) - الطبري: ج5 ص163، ابن الأثير: ج3 ص104

تثاقل أهل المدينة عن الخروج مع علي

بن حنظلة، وخزيمة بن ثابت. قالوا: ليس بذي الشهادتين، ذاك مات في زمن عثمان - رضي الله عنه - وسار علي من المدينة نحو البصرة على تعبئته المتقدم ذكرها، غير أنه استخلف على المدينة تمام بن عباس وعلى مكة قثم بن عباس وذلك في آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين، وخرج علي من المدينة في نحو من تسعمائة مقاتل، وقد لقي عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - عليًّا وهو بالزبدة، فأخذ بعنان فرسه وقال: يا أمير المؤمنين! لا تخرج منها، فوالله لئن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبدًا، فسبَّه بعض الناس، فقال علي: دعوه فنعم الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجاء الحسن بن علي إلى أبيه في الطريق فقال: لقد نهيتك فعصيتني تقتل غدًا بمضيعة لا ناصر لك، فقال له علي: إنك لا تزال تحن على حنين الجارية، ما الذي نهيتني عنه فعصيتك؟ فقال: ألم آمرك قبل مقتل عثمان أن تخرج منها لئلا يقتل وأنت بها، فيقول قائل أو يتحدث متحدث؟ ألم آمرك أن لا تبايع الناس بعد قتل عثمان حتى يبعث إليك أهل كل مصر ببيعتهم؟ وأمرتك حين خرجت هذه المرأة وهذان الرجلان أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فعصيتني في ذلك كله؟ فقال له علي: أما قولك أن أخرج قبل مقتل عثمان فلقد أحيط بنا كما أحيط به، وأما مبايعتي قبل مجيء بيعة الأمصار فكرهت أن يضيع هذا الأمر، وأما أن أجلس وقد ذهب هؤلاء إلى ما ذهبوا إليه. فتريد مني أن أكون كالضبع التي يحاط بها، ويقال ليست هاهنا، حتى يشق عرقوبها فتخرج، فإذا لم أنظر فيما يلزمني في هذا الأمر ويعنيني، فمن ينظر فيه؟. فكف عني يا بني، ولما انتهى إليه خبر ما صنع القوم بالبصرة من الأمر الذي قدمنا كتب إلى أهل الكوفة مع محمد بن أبي بكر، ومحمد بن جعفر، إني قد اخترتكم على أهل الأمصار، فرغبت إليكم وفرغت لما

حرب الجمل وسعي السبئية فى إشعال نارها

حدث، فكونوا لدين الله أعوانًا وأنصارًا، وانهضوا إلينا فالإصلاح نريد لتعود هذه الأمة إخوانا، فمضيا، وأرسل إلى المدينة فأخذ ما أراد من سلاح ودواب" (¬1) ". فاجتمع الناس حول الفريقين من المدينة ومكة والكوفة والبصرة، كما اعتزل أكثر أصحاب النبي الموجودون، الأحياء منهم آنذاك عن الطرفين، فنزلت أم المؤمنين مع من كان معها بالبصرة ونزل علي - رضي الله عنهما - بذي قار، ثم دعا علي - رضي الله عنه - القعقاع بن عمرو وبعثه رسولاً إلى طلحة والزبير بالبصرة يدعوهما إلى الألفة والجماعة ويعظم عليهما الفرقة والاختلاف فذهب القعقاع إلى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين. فقال: "أي أماه! ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بنيَّ! الإصلاح بين الناس، فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضروا عندها، فحضروا فقالا القعقاع: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها؟ فقالت إنما جئت للإصلاح بين الناس، فقالا: ونحن كذلك قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ وعلى أي شيء يكون؟ فوالله لئن عرفناه لنصطلحن، ولئن أنكرناه لا نصطلحن، قالا: قتلة عثمان، فإن هذا إن ترك كان تركًا للقرآن، فقال: قتلتما قتلته من أهل البصرة، وأنتما قبل قتلهم أقرب منكم إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة رجل، فغضب لهم ستة آلاف فاعتزلوكم، وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف، فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون، وإن قاتلتموهم فأديلوا عليكم كان الذي حذرتم وفرقتم من هذا الأمر أعظم مما أراكم تدفعون وتجمعون منه - يعني أن الذي تريدونه من قتل قتلة عثمان ¬

(¬1) - ابن كثير ج7 ص333 - 334، ابن الأثير ج2 ص113 - 114، الطبري ج5 ص169، ابن خلدون ج2 ص157

مصلحة، ولكنه يترتب عليه مفسدة هي أربى منها - وكما أنكم عجزتم عن الأخذ بثأر عثمان من حرقوص بن زهير، لقيام ستة آلاف في منعه ممن يريد قتله، فعلي أعذر في تركه الآن قتل قتلة عثمان، وإنما أخّر قتل قتلة عثمان إلى أن يتمكن منهم، فإن الكلمة في جميع الأمصار مختلفة، ثم أعلمهم أن خلقًا من ربيعة ومضر قد اجتمعوا لحربهم بسبب هذا الأمر الذي وقع. فقالت له عائشة أم المؤمنين: فماذا تقول أنت؟. قال: أقول إن هذا الأمر الذي وقع دواؤه التسكين، فإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة، وإدراك الثأر، وإن أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واثتنافه كانت علامة شر وذهاب هذا الملك، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولاً، ولا تعرضونا للبلاء فتتعرضوا له، فيصرعنا الله وإياكم، وأيم الله إني لأقول قولي هذا وأدعوكم إليه، وإني لخائف أن لا يتم حتى يأخذ الله حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها، ونزل بها ما نزل، فإن هذا الأمر الذي قد حدث أمر عظيم، وليس كقتل الرجل الرجل، ولا النفر الرجل، ولا القبيلة القبيلة. فقالوا: قد أصبت وأحسنت فارجع، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح الأمر، قال: فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء، وقام علي في الناس خطيبًا فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الأمة، أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي منّ الله بها، وأرادوا ردّ الإسلام على

أدبارها، والله بالغ أمره" (¬1) ". وكان مع أم المؤمنين ثلاثون ألف، كما كان مع عليّ - رضي الله عنهما - عشرون ألف " (¬2) ". هذا والسبئية وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ وقتلة عثمان مترقبون كل صغيرة وكبيرة بكل دقة وما يجري بين الفريقين من السعي إلى الصلح والإصلاح والوفاق والاتحاد، وينظرون كيف تفشل خطتهم ومؤامرتهم للفتنة والفساد وإقامة الحروب بين المسلمين إلى أن وصل الأمر حدًّا لم يكن في تصورهم أن يصل إليه، وخاصة عندما قام أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - خطيبًا في معسكره وقال: "ألا إني مرتحل غدًا فارتحلوا، ولا يرتحلن أحد معي أعان على قتل عثمان بشيء من أمر الناس" (¬3) ". فما أن سمعت السبئية بهذا القول إلا وعرفوا مصيرهم. وهنا نرجع إلى ما سطر في التاريخ، والألفاظ لابن كثير: "فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم - أي قتلة عثمان - جماعة كالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء، وسالم بن ثعلبة، وغلاب بن الهيثم، وغيرهم في ألفين وخمسمائة، وليس فيهم صحابي ولله الحمد، فقالوا: ما هذا الرأي وعلي والله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان، وأقرب العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غدًا يجمع عليكم الناس، وإنما يريد القوم كلهم أنتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم؟ فقال الأشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلى اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم فإنما اصطلحوا على ¬

(¬1) - ابن كثير: ج7 ص237 - 238. الطبري: ج5 ص191 - 192، ابن خلدون: ج2 ص162. (¬2) - الطبري: ج5 ص202 - (¬3) - البداية والنهاية: ج7 ص238، الطبري: ج5 ص194، ابن الأثير: ج3 ص120

دمائنا، فإن كان الأمر هكذا أحلقنا عليًّا بعثمان، فرضي القوم منا بالسكوت، فقال ابن السوداء: بئس ما رأيت، لو قتلناه قتلنا، فإنا يا معشر قتلة عثمان في ألفين وخمسمائة، وطلحة والزبير وأصحابهما في خمسة آلاف، لا طاقة لكم بهم، وهم إنما يريدونكم، فقال غلاب بن الهيثم: دعوهم وارجعوا بنا حتى نتعلق ببعض البلاد فنمتنع بها، فقال ابن السوداء: بئس ما قلت، إذًا والله يتخطفكم الناس، ثم قال ابن السوداء قبحه الله: يا قوم إن عيركم في خلطة لناس فإذا اتقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون فمن أنتم معه لا يجد بدًّا من أن يمتنع، ويشغل الله طلحة والزبير ومن معهما عما يحبون، ويأتيهم ما يكرهون، فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه، وأصبح علي مرتحلاً ومر بعبد القيس فسار ومن معه حتى نزلوا بالزاوية، وسار منها يريد البصرة، وسار طلحة والزبير ومن معهما للقائه، فاجتمعوا عند قصر عبيد الله بن زياد، ونزل الناس كل في ناحية. وقد سبق علي جيشه وهم يتلاحقون به، فمكثوا ثلاثة أيام والرسل بينهم، فكان ذلك للنصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، فأشار بعض الناس على طلحة والزبير بانتهاز الفرصة، من قتلة عثمان، فقالا: إن عليًّا أشار بتسكين هذا الأمر، وقد بعثنا إليه بالمصالحة على ذلك، وقام علي في الناس خطيبًا، فقام إليه الأعور بن نيار المنقري، فسأله عن إقدامه على أهل البصرة، فقال: الإصلاح وإطفاء الثائرة ليجتمع الناس على الخير، ويلتئم شمل هذه الأمة، قال: فإن لم يجيبونا؟ قال: تركناهم ما تركونا، قال فإن لم يتركونا؟. قال: دفعناهم عن أنفسنا، قال فهل لهم في هذا الأمر مثل الذي لنا، قال: نعم! وقام إليه أبو سلام الدالاني فقال: هل لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم، إن كانوا أرادوا الله في ذلك؟ قال:

محاولة الصلح

نعم! قال: فهل لك من حجة فيما طلبوا من هذا الدم، إن كانوا أرادوا الله في ذلك؟ قال: نعم! قال: فهل لك من حجة في تأخيرك ذلك؟ قال: نعم! قال فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدًا؟ قال: إني لأرجو أن لا يقتل منا ومنهم أحد نقي قلبه لله أدخله الجنة" (¬1) " فهكذا جرت الأمور، وهكذا تقدم كل من الطرفين إلى الإصلاح وتخطى إلى الصلح بخطوات سريعة، وكذلك بدأ عبد الله بن سبأ وأعوانه يخططون خطوط المؤامرة ويحكمون نسيجها وإن المؤمنين المخلصين من شيعة عثمان ومن شيعة علي كانوا في الخفاء عما يجري وراء الأستار، وكان المتآمرون في يقظة تامة عما يجري أمامهم مكشوفًا ظاهرًا، فنزل الفريقان وتراسلوا ما بينهم، فبعث عليّ إلى طلحة والزبير يقول: "إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا حتى ننزل فننظر في هذا الأمر، فأرسلا إليه في جواب رسالته: إنا على ما فارقنا القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس، فاطمأنت النفوس وسكنت. واجتمع كل فريق بأصحاب من الجيش" (¬2) " فلم يجدوا أمرًا هو أمثل من الصلح، ووضع الحرب حين رأوا الأمر أخذ في الانقشاع " (¬3) ". وبات الناس على الصلح كما قال الطبري: "فباتوا على الصلح وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه والنزوع عما اشتهى الذين اشتهوا وركبوا ما ركبوا، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة باتوها قط قد أشرفوا على الهلكة وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها" (¬4) ". ¬

(¬1) - ابن كثير: ج7 ص238، الطبري: ج5 ص195، ابن الأثير: ج3 ص130، ابن خلدون: ج3 ص160 - 161. (¬2) - ابن كثير: ج7 ص241. (¬3) - الطبري: ج5 ص203 (¬4) الطبري: ج5 ص202، الكامل: ج3 ص123 -

سعي السبئية لنسف محاولة الصلح

وقال ابن كثير: وبات الناس بخير ليلة وبات قتلة عثمان بشر ليلة " (¬1) " فكانت الليلة هذه حاسمة لم ينم فيها عيون اليهودية البغضاء وعيون أبنائها الحاقدين على الإسلام وعلى الملة الإسلامية، والمخدوعين بهم، لم تنم ولا للحظة، وإليك ألفاظ التاريخ: "وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر وهم قريب من ألفي رجل فانصرف كل فريق إلى قراباتهم فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم يمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح، فقالوا طرقتنا أهل الكوفة ليلاً، وبيّتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب عليّ فبلغ الأمر عليًّا فقال: ما للناس؟ فقالوا، بيتنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه ولبسوا للأمة وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر الله قدرًا مقدورًا وقامت الحرب على ساق وقدم، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان، فنشبت الحرب، وتواقف الفريقان وقد اجتمع مع علي عشرون ألفًا، والتف على عائشة ومن معها نحو من ثلاثين ألفًا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والسبئية أصحاب ابن السوداء قبحها الله لا يفترون عن القتل، ومنادي علي ينادي: ألا كفوا ألا كفوا، فلا يسمع أحد، وجاء كعب بن سوار قاضي البصرة فقال: يا أم المؤمنين أدركي الناس لعل الله يصلح بك بين الناس، فجلست في هودجها فوق بعيرها وستروا الهودج بالدروع، وجاءت فوقفت بحيث تنظر إلى الناس عند حركتهم، فتصاولوا وتجاولوا. وقد كان من سنتهم في هذا اليوم أنه لا ¬

(¬1) - البداية والنهاية: ج7 ص239، ابن خلدون: ج2 ص162.

يـ[جهز] على جريح، ولا يتبع مدبر، وقد قتل مع هذا خلق كثير جدًّا" (¬1) ". وقد زاد الطبري وابن الأثير في روايتهما: "وقد وضع السبئية رجلاً قريبًا من عليّ يخبرهم بما يريد، فقال علي: ما هذا؟. قال ذلك الرجل: ما فجئنا إلا وقوم منهم بيّتونا، فرددناهم فركبونا وثار الناس" (¬2) " فهكذا وقعت تلك الكارثة التي ذهب ضحيتها آلاف من الناس حتى جعل علي - رضي الله عنه - يقول لابنه الحسن: "يا بنيّ ليت أباك مات قبل هذا اليوم بعشرين عامًا، فقال له: يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا. قال سعيد بن أبي عجرة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عبادة قال: قال علي يوم الجمل: يا حسن ليت أباك مات منذ عشرين سنة، فقال له: يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بنيّ إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا" (¬3) " وانتهى الحرب بسقوط الجمل الذي كان عليه هودج أم المؤمنين بعدما قتل ممن أخذ خطامه سبعون رجلاً. ونسرد آخر ما في هذا من (الكامل لابن الأثير): "لما سقط الجمل أقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه عمار فاحتملا الهودج فنحياه فأدخل محمد يده فيه فقالت: من هذا؟. فقال: أخوك البر. قالت: عقق، قال: يا أخية هل أصابك شيء؟ قالت: ما أنت وذاك. قال: فمن إذا الضلال. قالت: بل الهداة، وقال لها عمار: كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أمه؟. قالت: لست لك بأم. قال: بلى وإن كرهت. قالت: فخرتم أن ظفرتم وأتيتم مثل الذي نقمتم هيهات والله لن يظفر من كان هذا دأبه فأبرزوا هودجها فوضعوها ليس قربها أحد، ¬

(¬1) - البداية والنهاية: ج7 ص239 - 240، الطبري: ج5 ص202 - 203، الكامل: ج3 ص123 - 124 (¬2) - ابن الأثير: ج3 ص124، الطبري: ج5 ص203. (¬3) - البداية والنهاية: ج3 ص240.

وقوع الكارثة - صلاة علي على قتلى الجمل من الطرفين

وأتاها علي فقال: كيف أنت يا أمه؟. قالت: بخير. قال: يغفر الله لك. قالت: ولك، وجاء أعين بن ضبيعة بن أعين المجاشعي حتى اطلع في الهودج فقالت: إليك لعنك الله. فقال: والله ما أرى إلا حميراء. فقالت له: هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمي عريانًا في خربة من خرابات الأزد، ثم أتى وجوه الناس عائشة وفيهم القعقاع بن عمرو فسلم عليها فقالت: إني رأيت بالأمس رجلين اجتلدا وارتجزا بكذا فهل تعرف كوفيك؟ قال: نعم ذاك الذي قال: أعقُ أمٍ نعلم، وكذب، إنك لأبر أم نعلما ولكن لم تطاعي. قالت: والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة ... فأقام علي بظاهر البصرة ثلاثًا وأذن للناس في دفن موتاهم فخرجوا إليهم فدفنوهم وطاف علي في القتلى فلما أتى علي كعب بن سور قال: أزعمتم أنه خرج معهم السفهاء وهذا الخبر قد ترون، وأتى على عبد الرحمن بن عتاب فقال: هذا يعسوب القوم - يعني أنهم كانوا يطيفون به - واجتمعوا على الرصافة لصلاتهم، ومرّ على طلحة بن عبيد الله وهو صريع فقال: لهفي عليك يا أبا محمد! إنا لله وإنا إليه راجعون، والله لقد كنت أكره أن أرى قريشًا صرعى، أنت والله كما قال الشاعر: فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر وجعل كلما مرّ برجل فيه خير قال: زعم من زعم أنه لم يخرج إلينا إلا الغوغاء وهذا العابد المجتهد فيهم، وصلى عليٌّ على القتلى من أهل البصرة والكوفة، وصلى على قريش من هؤلاء وهؤلاء، وأمر فدفنت الأطراف في قبر عظيم، وجمع ما كان في العسكر شيء وبعث به إلى مسجد البصرة" (¬1) ". ¬

(¬1) - ابن الأثير: ج3 ص130 - 131

علي لا يزى مخالفيه كفارا

"ثم جهز علي عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع وأخرج معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات وقال: تجهز يا محمد فبلغها، فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس فخرجت على الناس وودّعوها وودّعتهم، وقالت: يا بني تعتب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة فلا يعتدين أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك، إنه والله ما كان بيني وبين عليّ في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه عندي على معتبتي من الأخيار. وقال عليّ: يا أيها الناس صدقت والله وبرّت، ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة. وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة 36 وشيعها عليّ أميالاً وسرح بنيه معها يومًا" (¬1) " هذا آخر ما أردنا ذكره من مؤامرات السبئية ومن مخططاتها ولأجل ذلك دخل اليهودي الملعون في الإسلام وتستر بالكفر وتظاهر بالحب لعليّ وآل بيته، وفعل هو وجماعته السبئيون هذه الشناعات المنكرة التي جرّت إلى أن تتمنى أم المؤمنين حبيبة رسول الله عائشة وأمير المؤمنين ربيب رسول الله عليّ أن كانا أمواتًا قبل وقوع هذه الحوادث. وقبل أن نأتي إلى خاتمة هذا الكلام في الحرب نريد أن نذكر أن عليًّا - رضي الله عنه - لم يكن يعد محاربيه كفارًا كما نقلنا الكلام عن جميع المؤرخين آنفًا، ولقد أقرّ بذلك الشيعة أنفسهم حيث أوردوا نفس الرواية التي أوردها أهل السنة في كتبهم: "عن جعفر عن أبيه أن عليًّا عليه السلام كان يقول لأهل حربه: إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم ولم يقاتلونا على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنّا على حق ورأوا أنهم على حق" (¬2) ". ¬

(¬1) - الطبري: ج5 ص225، تحت تجهيز علي عائشة من البصرة. (¬2) - قرب الإسناد للحميري الشيعي: ص45 ط. إيران

خبث السبئيين

وروى الحيري الشيعي رواية أخرى عن جعفر عن أبيه محمد الباقر: "إن عليًا عليه السلام لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ولكن يقول: هم إخواننا بغوا علينا" [قرب الإسناد للحميري الشيعي: ص45 ط. إيران]. وهذه نفس الرواية التي رواها شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي وابن عساكر وغيرهم عن جعفر بن محمد عن أبيه الباقر قال: "سمع عليّ يوم الجمل ويوم صفين رجلاً يغلو في القول فقال: لا تقولوا إلا خيرًا، إنما هم قوم زعموا أنا بغينا عليهم وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم" (¬1) ". وأخيرًا: فلما انتهى عليّ - رضي الله عنه - من حرب الجمل لم تمتنع السبئية عن إظهار خبثهم وسريرتهم وما يكنّونه في صدورهم، فلقد نقل الإمام ابن كثير بعد ذكر مجموع من قتل يوم الجمل: "وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلاف، خمسة من هؤلاء وخمسة من هؤلاء، رحمهم الله ورضي عن الصحابة منهم، وقد سأل بعض أصحاب عليّ عليًّا أن يقسم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير، فأبى عليهم، فطعن فيه السبئية وقالوا: كيف يحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم؟. فبلغ ذلك عليًّا فقال: أيكم يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه؟ فسكت القوم، ولهذا لما دخل البصرة فض في أصحابه أموال بيت المال، فنال كل رجل منهم خمسمائة، وقال: لكم مثلها من الشام، فتكلم فيه السبئية أيضًا ونالوا منه وراء وراء" (¬2) " وأما حرب صفين فلم يكن سعي السبئية فيها أقل من حرب ¬

(¬1) - انظر منهاج السنة لابن تيمية: ج3 ص61، المنتقى: ص135، تهذيب ابن عساكر: ج1 ص73، ومثله في السنن الكبرى: ج8 ص173 - (¬2) - البداية والنهاية لابن كثير: ج7 ص244، الطبري: ج5 ص223.

حرب الصفين

الجمل لإثارة الفتن والقلاقل والاضطرابات، ولا زالوا على دأبهم هذا طيلة أيام عليّ - رضي الله عنه - يؤذونه بآرائهم الشاذة وأفكارهم الغريبة وعقائدهم الأجنبية، وبتجميعهم المجرمين وتحزبهم وتكتلهم وتجمعهم وإيقاع الفرقة بين المسلمين حتى لم يمتنعوا من إيقاعها بين علي وأصحابه، وإبعاد المخلصين عنه، لأنهم لم يكن قصدهم من إظهار الولاء لعليّ والبراءة من أصحاب رسول الله حب عليّ وأولاده، بل جعلوا هذا التظاهر بالحب والولاء سترًا على مقاصدهم الخبيثة ومطامعهم الحقيقية للنيل في الإسلام والمسلمين حتى حالوا بين علي - رضي الله عنه - وبين أخلص المخلصين له كرئيس عساكره وكبير مستشاريه وابن عمه عبد الله بن عباس لاتهامهم إياه بغصب الأموال وأخذها بغير حق" (¬1) ". وكذلك زياد أمير فارس وغيرهم الكثيرين الكثيرين. فهذه كانت أحوال السبئية في أيام علي - رضي الله عنه - وهذه مساعيهم غير المحمودة. وقبل ذلك ذكرنا سعيهم بالفتنة والفساد أيام عثمان - رضي الله عنه - مزحزحة أركان الإسلام والدولة الإسلامية ببعض الإيجاز والاختصار من كتب التاريخ اعتمادًا على أصح الروايات وموقفنا من الشيعة أنفسهم أيضًا. ونريد أن نلفت الأنظار أن شيعة عليّ - رضي الله عنه - العامة منهم كانوا على جانب عن هؤلاء كما يلاحظ من خلال الروايات التي سردناها لذكر هذه الوقائع، وعلى ذلك كانوا دائمًا يسعون إلى الصلح واجتناب القتال والجدال، قدر الاستطاعة وحسب المقدور، ولو أن قليلاً منهم تأثروا بأفكار هؤلاء المخبثين، وانخدعوا بأباطيلهم وأكاذيبهم ¬

(¬1) - انظر لذلك كتب التاريخ ابن خلدون: ج2 ص183 - 184، وغيره

الشيعة الأولى

ووقعوا في شراكهم وحبائلهم. ولذلك لم يكن شيعة عليّ الأولى يطعنون في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا يسبونهم ولا يشتمونهم سواء نازعوا عليًّا في خلافته أو حاربوه في مطالبة القصاص للإمام المظلوم عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بل أكثر من ذلك كانوا يقدمون أبا بكر وعمر على عليّ - رضي الله عنه - كما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية: "كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عليًّا أو كانوا في ذلك الزمان لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر، وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان، وهذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر" (¬1) " ثم نقل عن واحد من الشيعة الأولى شريك بن عبد الله أنه سأله سائل: "أيها أفضل؟. أبو بكر أم علي؟ فقال له: أبو بكر، فقال له السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟ فقال له: نعم، من لم يقل هذا فليس شيعيًّا، والله لقد رقي هذه الأعواد عليّ، فقال: ألا خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، فكيف نردّ قوله وكيف نكذبه؟. والله ما كان كذابًا" (¬2) ". ثم يقول: "وكيف لا تقدم الشيعة الأولى أبا بكر وعمر وقد تواتر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، وقد روي هذا عنه من طرق كثيرة قيل إنها تبلغ ثمانين طريقًا" [منهاج السنة لابن تيمية: ج1 ص3 - 4]. وكذلك كان أولاد علي وأهل بيته وكانوا على نفس هذا ¬

(¬1) - منهاج السنة لابن تيمية: ج1 ص3 - 4. (¬2) - منهاج السنة لابن تيمية: ج1 ص3 - 4

الاعتقاد، وهذه وجهة كانوا يحملونها تجاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين الثلاثة، وأكثر من ذلك لم يكونوا يعتقدون محاربة معاوية وأصحابه خروجًا عن الإسلام وطغيانًا وظلمًا وعدوانًا، ولأجل ذلك بايع معاوية أكبر أبناء علي سبط رسول الله - الإمام المعصوم حسب زعم الشيعة - ووافقه على ذلك أبناؤه الآخرون مع ما فيهم الحسين ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وغيرهم كما سيأتي بيانه، وصاهروه وأسرته وعاونوه على أمور الخير والبر، وقبلوا منه الهدايا والصلات كما ذكرنا قريبًا، إلا من تأثر من السبئية أو دخل في ذلك الحزب الملعون على لسان عليّ - رضي الله عنه - وأبنائه. ثم ولم يكن الشيعة عامة آنذاك يشتمون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدين الثلاثة ولا يطعنون فيهم ولا ينقصونهم، فلقد ذكر ابن خلكان في ترجمة يحيى بن معمر: كان شيعيًّا من القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لغيرهم" (¬1) ". ولقد أقر بذلك شيعي معاصر حيث قال: "إني خلال مراجعتي تب التاريخ لم أر في الفترة التي تمتد من بعد وفاة النبي حتى نهاية خلافة الخلفاء من عمد إلى الشتم من أصحاب الإمام، وإنما هناك من قيّم الخلفاء وقيّم الإمام وحتى في أشد جمحات عاطفة الولاء لم نجد من يشتم أحدًا ممن تقدم الإمام بالخلافة ... يضاف لذلك أنه حتى في الفترة الثانية أي في عهود الأمويين كان معظم الشيعة يتورعون عن شتم أحد من الصحابة أو التابعين" (¬2) " ¬

(¬1) - وفيات الأعيان: ج2 ص269 (¬2) - هوية التشيع لأحمد الوائلي: ص41.

الباب الخامس فرق الشيعة، تاريخها وعقائدها

الباب الخامس فرق الشيعة، تاريخها وعقائدها اجتمع شيعة علي رضي الله عنه بعد استشهاده حول ابنه الحسن رضي الله عنه، وجعلوه إمامًا لهم في اليوم الثالث بعد انتقال أبيه من دار الدنيا إلى دار الآخرة " (¬1) ". وأول من بايعه كان قيس بن سعد بن عبادة" (¬2) ". وعند ذاك ظهرت السبئية من جديد بكل قوة وأظهروا العقائد التي طالما أخفوها خوفًا من بطش عليّ رضي الله عنه، وحذرًا من يقظته ومراقبته الأفكار الهدامة ومن يريد بثها في صفوف شيعته، ومعاقبتهم معاقبة شديدة، ولقد ذكر مؤرخ شيعي حيث قال: إن بدعة السبئية في الغلو ظهرت على عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طاب -رضي الله عنه- عندما مرّ بقوم يأكلون في شهر رمضان نهارًا، فقال لهم: أسفر أنتم أم مرضى؟ قالوا لا ولا واحدة منهما، قال: فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية؟ قالوا: لا. قال: فما بال الأكل نهارًا في رمضان؟ فقالوا له: أنت أنت، يومئون إلى ربوبيته. فاستتابهم واستأنى ووعّدهم فأقاموا على قولهم. فحفر لهم حفرًا دخن عليهم فيها طمعًا في رجوعهم، فأبوا فحرقهم وقال: ألا تروني قد حفرت لهم حفرًا: ¬

(¬1) - مروج الذهب للمسعودي الشيعي ج2 ص426 (¬2) - الطبري: ج6 ص91 -

افتراق الشيعة بعد علي

إني إذا رأيت شيئًا منكرًا ... أوقدت ناري ودعوت قنبرا فلم يبرح عليه السلام من مكانه حتى صاروا حممًا. ثم استترت عنهم المقالة سنة أو نحوها، ثم ظهر عبد الله بن سبأ وكان يهوديًّا يتستر بالإسلام بعد وفاة أمير المؤمنين - رضي الله عنه - فأظهرها واتبعه قوم فسموا السبئية، وقالوا: "إن عليًّا لم يمت" (¬1) ". وبمثل ذك القول قال أقدم من كتب عن الفرق من الشيعة النوبختي حيث قال: فلما قتل علي عليه السلام افترقت التي ثبتت على إمامته وأنها فرض من الله عز وجل ورسوله عليه السلام فصاروا فرقًا ثلاثة، فرقة منهم قالت: إن عليًّا لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلاً وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا وهي أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة وأول من قال منها بالغلو وهذه الفرقة تسمى (السبأية) أصحاب "عبد الله بن سبأ" وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال إن عليًّا عليه السلام أمره بذلك فأخذه عليّ فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين! أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فصيره إلى المدائن، وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهوديًّا فأسلم ووالى عليًّا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي ¬

(¬1) - الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين الشيعي ص54 - 55، ابن أبي الحديد ج2 ص309

مجاهرة ابن سبأ بأفكاره بعد قتل علي

عليه السلام بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض ولاية علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه،؟؟ وهناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية، وقد بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض" (¬1) ". وأورد مثل هذا كل من ألمّ بتاريخ التشيع وفرقه سواء كان من الشيعة أم من السنة. كما ذكرناه فيما قبل من مؤلفي الشيعة وكتبهم. ولقد ذكر ظهور السبئية من جديد والمجاهرة بعقائدهم الخبيثة بعد مقتل علي رضي الله عنه من كتب علماء السنة في الفرق من عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق " (¬2) " والأشعري في مقالات الإسلاميين " (¬3) " والرازي في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" (¬4) " والأسفرائيني في التبصير " (¬5) "والشهرستاني في الملل والنحل " (¬6) " وابن حزم الظاهري في الفصل " (¬7) " وأبو الحسن البلطي في التنبيه" (¬8) " والجرجاني في التعريفات " (¬9) " والمقريزي في الخطط. فذكر كل واحد منهم أن عبد الله بن سبأ رجع بعد شهادة علي رضي الله عنه من منفاه وأظهر عقائده في عليّ آنذاك، فيقول ¬

(¬1) - فرق الشيعة للنوبختي ص43 - 44 ط. النجف (¬2) - ص225 و233 (¬3) - ج1 ص85 (¬4) - ص57 (¬5) - ص108 - 109 (¬6) - ج2 ص11 الهوامش (¬7) - ج4 ص180 (¬8) - ص25 و148 (¬9) - ص79

محاربة الحسن لابن سبأ وأفكاره

الأسفرائيني: "ثم إن عليًّا رضي الله عنه خاف من إحراق الباقين منهم شماتة أهل الشام، وخاف اختلاف أصحابه عليه، فنفى ابن سبأ إلى سباط المدائن، فلما قتل علي رضي الله عنه زعم ابن سبأ أن المقتول لم يكن عليًّا" (¬1) ". وكذلك قال الشهرستاني: "إنما أظهر عبد الله بن سبأ بعد انتقال علي - رضي الله عنه - واجتمعت عليه جماعته" (¬2) ". فحاربه الحسن رضي الله عنه وحارب أفكاره وعقائده دأب أبيه كما ذكر ابن أبي الحديد الشيعي: "ثم ظهر عبد الله بن سبأ وكان يهوديًّا يتستر بالإسلام بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام فأظهرها، واتبعه قوم فسموا السبئية، وقالوا: إن عليًّا عليه السلام لم يمت، وإنه في السماء، والرعد صوته والبرق ضوئه؛ وإذا سمعوا صوت الرعد، قالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين! وقالوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أغلظ قول، وافتروا عليه أعظم فرية، فقالوا كتم تسعة أعشار الوحي، فنقض عليهم قولهم الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية رضي الله عنه في رسالته، التي يذكر فيها الإرجاء، رواها عنه سليمان بن أبي شيخ، عن الهيثم بن معاوية، عن عبد العزيز بن أبان، عن عبد الواحد بن أيمن المكي، قال: شهدت الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية يملي هذه الرسالة، فذكرها وقال فيها: ومن قول هذه السبئية: هدينا لوحي ضل عنه الناس، وعلم خفي عنهم؛ وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم تسعة أعشار الوحي؛ ولو كتم ¬

(¬1) - الفرق بين الفرق ص233 (¬2) - الفصل ج2 ص11 الهوامش

فتن السبئية أيام الحسن

صلى الله عليه وسلم شيئًا مما أنزل الله عليه لكتم شأن امرأة زيد، وقوله تعالى: {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} " (¬1) " ولكن لم يكن محاربته إياهم مثل محاربة أبيه، فبدأ السبئية يزرعون بذور الفتنة والفساد ويبثون سموم الخلاف والشقاق والفرقة بكل حرية وانطلاقة، وخاصة بعد أن تخاذل الشيعة عن الحسن وبعد تفرقهم عنه ودخول بعضهم في السبئية وميول بعضهم إلى معاوية والتحاق البعض الآخرين بالخوارج وغيرهم، ولقد صوّر هذه الأحوال شيخ الشيعة المفيد والأربلي الشيعي والمجلسي في كتبهم وهم يذكرون تحرك معاوية إلى العراق: "وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن عليه السلام وبعث حجر بن عدي يأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفوا ومعه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولبيه، وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة، وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم، وبعضهم شكاك، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين، فسار حتى أتى حمام عمر ثم أخذ إلى دير كعب فنزل ساباط دون القنطرة وبات هناك فلما أصبح أراد - رضي الله عنه - أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة له ليتميز بذلك أولياءه من أعداءه ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام فأمر بهم أن ينادى بالصلاة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فقال: الحمد لله كلما حمده حامد وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالحق وائتمنه على الوحي ¬

(¬1) - شرح النهج لابن أبي الحديد ج8 ص120 ط. دار إحياء الكتب.

خذلان الشيعة للحسن

صلى الله عليه وسلم. "أما بعد: فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملاً على مسلم ضغينة ولا مريدًا له بسوء ولا غائلة، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيرًا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أميّ ولا تردوا علي رأيي غفر الله لي ولكم وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا. قال: فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا ما ترونه يريد بما قال؟ قالوا: نظنه والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إيه، فقالوا: كفر والله الرجل، ثم شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه عن عانقه، فبقي جالسًا متقلدًا السيف بغير رداء، ثم دعا بفرسه فركبه وأحدث به طوائف من خاصته وشيعته ومنعوا منه من أراده فقال: ادعوا إليّ ربيعة وهمدان فدعوا فطافوا به ودفعوا الناس عنه رضي الله عنه وسار ومعه شوب من غيرهم، فلما مر في مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجام بغلته وبيده مغول وقال الله أكبر أشركت يا حسن! كما أشرك أبوك من قبل، ثم طعنه في فخذه فشقه حتى بلغ العظم ثم اعتنقه الحسن عليه السلام وخرّا جميعًا إلى الأرض، فوثب إليه رجل من شيعة الحسن - رضي الله عنه - يقال له عبد الله بن خطل الطائي فانتزع المغول من يده وخضخض به جوفه فأكب عليه آخر يقال له ظبيان بن عمارة فقطع أنفه فهلك من ذلك، وأخذ آخر كان معه فقتل، وحمل الحسن عليه السلام على سرير إلى المدائن فأنزل به على سعد بن مسعود الثقفي وكان عامل أمير المؤمنين عليه السلام بها فأقره الحسن عليه السلام على ذلك، واشتغل الحسن عليه السلام

بنفسه يعالج جرحه، وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع والطاعة له في السر واستحثوه على المسير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن رضي الله عنه إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به، وبلغ الحسن رضي الله عنه ذلك وورد عليه كتاب قيس بن سعد رضي الله عنه وكان قد أنقذه مع عبيد الله بن العباس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية ويرده عن العراق وجعله أميرًا على الجماعة، وقال: إن أصبت فالأمير قيس بن سعد، فوصل كتاب قيس بن سعد يخبره أنهم نازلوا معاوية بقرية يقال لها الحبوبية بإزاء مسكن وإن معاوية أرسل إلى عبيد الله بن العباس يرغبه في المسير إليه وضمن له ألف ألف درهم يعجل له منها النصف ويعطيه النصف الآخر عند دخوله إلى الكوفة، فانسل عبيد الله في الليل إلى معسكر معاوية في خاصته، وأصبح الناس قد فقدوا أميرهم، فصلى بهم قيس بن سعد رضي الله عنه ونظر في أمورهم فازدادت بصيرة الحسن عليه السلام بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب والتكفير له واستحلال دمه ونهب أمواله، ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصته من شيعة أبيه وشيعته، وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام، فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلح، وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه، فاشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطًا كثيرة وعقد له عقودًا كان الوفاء بها مصالح شاملة، فلم يثق به الحسن - رضي الله عنه - وعلم باحتياله بذلك واغتياله غير أنه لم يجد بدًّا من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له، وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه، وما كان من خذلان ابن عمه له ومصيره إلى

إمارة معاوية ونصيحة علي

عدوه وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة. فتوثق - رضي الله عنه - لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه والأعذار فيما بينه وبينه عند الله تعالى وعند كافة المسلمين واشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين - رضي الله عنه - والعدول عن القنوت عليه في الصلاة وأن يؤمن شيعته رضي الله عنهم ولا يتعرض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كل ذي حق منهم حقه فأجابه معاوية إلى ذلك كله وعاهد عليه وحلف له بالوفاء" (¬1) ". وزاد على ذلك ابن أبي الحديد الشيعي: لما أراد الحسن أن يرتحل إلى المدائن قام فخطب الناس فقال: أيها الناس؛ إنكم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، وإني والله ما أصبحت محتملاً على أحد من هذه الأمة ضغينة في شرق ولا غرب، ولما تكرهون في الجماعة والألفة والأمن وصلاح ذات البين خير مما تحبون في الفرقة، والخوف والتباغض والعداوة، وإن عليًّا أبي كان يقول: لا تكرهوا إمارة معاوية؛ فإنكم لو فارقتموه لرأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كالحنظل. ثم نزل. فقال الناس: ما قال هذا القول إلا وهو خالع نفسه ومسلم الأمر لمعاوية، فثاروا به فقطعوا كلامه، وانتهبوا متاعه، وانتزعوا مطرفًا عليه، وأخذوا جارية كانت معه، واختلف الناس فصارت طائفة معه؛ وأكثرهم عليه، فقال: اللهم أنت المستعان، وأمر بالرحيل، فارتحل الناس، وأتاه رجل بفرس، فركبه وأطاف به بعض أصحابه، فمنعوا الناس عنه وساروا، فقدمه سنان بن الجراح الأسدي إلى مظلم ساباط، فأقام به فلما دنا منه تقدم إليه يكلمه، وطعنه في فخذه بالمعول طعنة كادت تصل إلى ¬

(¬1) - الإرشاد للمفيد ص189 - 191، جلاء العيون للمجلسي ص90 وما بعد، كشف الغمة للأربلي ج2 ص65 ط. بيروت، ومثل ذلك في تاريخ اليعقوبي الشيعي ص214 - 215، مروج الذهب ص431

شيعة ساباط المدائن - جرحهم للحسن - صلح الحسن مع معاوية

العظم، فغشي عليه وابتدره أصحابه" (¬1) ". ولقد صرح المؤرخون والكتّاب من الشيعة بأن الذين غصبوا الحسن وانتهبوا مضاربه وما فيها وجرحوه كانوا من ساباط المدائن، وهي المحل الذي نفي إليه عبد الله بن سبأ من قبل علي رضي الله عنه، وكانوا متأثرين بأفكاره وعقائده والساعين في الفرقة والاختلاف، ومن بينهم كان فريسة السبئية المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي كان له شأن فيما بعد والذي أظهر نفس العقائد التي تلقنها من عبد الله بن سبأ اليهودي الماكر الخبيث ومن السبئية الماكرة الخبيثة، ولقد ذكر المؤرخون أن السن بن علي رضي الله عنه دخل المدائن ونزلها وهو جريح على علم المختار: "فقال له المختار وهو شاب: هل لك في الغنى والشرف؟ قال: وما ذاك؟ قال: تأخذ الحسين بن علي وتقيده وتبعثه إلى معاوية، فقال له عمه: قبحك الله وقبح ما جئت به، أأغدر بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم" (¬2) " ولما رأى الحسن ذلك ومعاملة السبئية من جانب، وتخاذل الشيعة من جانب، وإراقة الدماء من ناحية أخرى رأى الصلح خيرًا، ولقد ذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي: وحمل الحسن إلى مدائن وقد نزف نزفًا شديدًا، واشتدت به العلة، فافترق الناس عنه، وقدم معاوية إلى العراق، فغلب على الأمر، والحسن عليل شديد العلة، فلما رأى الحسن أن لا قوة به، وأن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له، صالح معاوية، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيها الناس إن الله هداكم بأولنا وحقن ¬

(¬1) - شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص36 (¬2) - الطبري ج6 ص92، ابن الأثير ج3 ص203، ابن كثير ج8 ص14، واللفظ له.

افتراق الشيعة

دماءكم بآخرنا، وقد سالمت معاوية، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين" (¬1) ". ولم يكتف الحسن بصلحه مع معاوية وتسليمه الأمر له، بل وأكثر من ذلك بايعه على رؤوس الأشهاد وبمن معه من إخوانه وقادة جيشه كما ذكر الرجالي الشيعي المشهور، الكشي عن جعفر بن الباقر أنه قال: "إن معاوية كتب إلى الحسن رضي الله عنه أن اقدم أنت والحسين وأصحاب علي، فخرج معه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وقدموا إلى الشام فأذن لهم معاوية وأعد لهم الخطباء فقال: يا حسن قم فبايع، ثم قال للحسين رضي الله عنه: قم فبايع، فقام فبايع، ثم قال: يا قيس قم فبايع، فالتفت إلى الحسين رضي الله عنه ينظر ما يأمره فقال: يا قيس إنه إمامي - يعني الحسن رضي الله عنه" (¬2) " وذكر مثل هذا شيعي متعصب المجلسي في كتابه (جلاء العيون) الفارسي" (¬3) " وثقة محدثي الشيعة العباس القمي في تاريخه الفارسي الكبير منتهى الآمال" (¬4) " وكذلك ابن أبي الحديد الشيعي في كتابه شرح نهج البلاغة" (¬5) ". وعندئذ افترق الشيعة بفرق أخرى: "لما وادع الحسن معاوية وأخذ منه المال الذي بعث به إليه وصالح معاوية الحسن طعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته فدخلوا في مقالة جمهور الناس وبقي سائر أصحابه على إمامته إلى أن قتل، فلما تنحى عن محاربة معاوية وانتهى إلى مظلم ساباط وثب عليه رجل من هناك يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجان دابته ثم قال الله أكبر أشركت كما ¬

(¬1) - تاريخ اليعقوبي ج2 ص215 (¬2) - رجال الكشي ص102. (¬3) - ج1 ص395 (¬4) - ص316 (¬5) شرح النهج ج16 ص38 -

أشرك أبوك من قبل وطعنه بمعول في أصل فخذه فقطع الفخذ إلى العظم، فاعتنقه الحسن وخرا جميعًا فاجتمع الناس على الجراح فوطئوه حتى قتلوه ثم حمل الحسن على سرير فأتي به المدائن، فلم يزل يعالج بها في منزل سعد بن مسعود الثقفي حتى صلحت جراحته ثم انصرف إلى المدينة فلم يزل جريحًا من طعنته كاظمًا لغيظه متجرد طريقه على الشجا والأذى من أهل دعوته حتى توفي رضي الله عنه في آخر صفر سنة سبع وأربعين وهو ابن خمس وأربعين سنة وستة أشهر، وقال بعضهم أنه ولد سنة ثلاث من الهجرة من شهر رمضان وإمامته ست سنين وخمسة أشهر" (¬1) ". ففرقة ثبتوا مع الحسن بعد هذا الصلح وبايعوا معاوية رضي الله عنه معه، وأطاعوا وأخلصوا له الوفاء طيلة حياتهم من سنة إحدى وأربعين إلى سنة ستين من الهجرة، وكان على رأس هؤلاء أولاد علي رضي الله عنه وأهل بيته من الحسين ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن العباس وأبناء عقيل وجعفر وغيرهم من الهاشميين الكبار من أسرة النبي صلى الله عليه وسلم يعتقدون نفس الاعتقادات التي كان يعتقدها المسلمون عامة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بدون تكفير أحد وتفسيق أحد من المسلمين، متحدين متفقين، ناسين الخلافات التي حدثت، ومعرضين عن الوقائع التي وقعت، متآخين متزوجين فيما بينهم كما ذكرنا ذلك مفصلاً فيما سبق، وفرقة مالت عن الحسن والحسين وقالت بإمامة محمد بن الحنفية وعرفت بعد ذلك بالكيسانية وقويت بعدما صالح الحسن معاوية وازدادت قوتها وشوكتها وحملت نفس الأفكار التي كانت تحملها السبئية، وتطورت فيما بعد تطورًا سريعًا، وتشعبت منها فرق شيعية كثيرة أخرى ¬

(¬1) - النوبختي ص46

الكيسانية

كما سنذكرها فيما بعد، ولقد ذكرها النوبتي الشيعي في الفرق التي نشأت بعد قتل علي رضي الله عنه وعدها من إحدى الثلاث التي كانت في عهد الحسن، فإنه قال: "فلما قتل علي رضي الله عنه افترقت التي ثبتت على إمامته ... فصاروا فرقًا ثلاثًا، أولاً: السبئية، وثانيًا: فرقة قالت بإمامة محمد بن الحنفية لأنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة دون أخويه فسموا الكيسانية، وإنما سموا بذلك لأن المختار بن أبي عبيد الثقفي كان رئيسهم وكان يلقب كيسان وهو الذي طلب بدم الحسين بن علي رضي الله عنهما وثأره حتى قتل من قتلته وغيرهم من قتل وادعى أن محمد بن الحنفية أمره بذلك وأنه الإمام بعد أبيه، وإنما لقب المختار كيسان لأن صاحب شرطته المكنى بأبي عمرة كان اسمه وكان أفرط في القول والفعل والقتل من المختار جدًّا، وكان يقول أن محمد بن الحنفية وصي علي بن أبي طالب وأنه الإمام وأن المختار قيمه وعامله، ويكفر من تقدم عليًّا ويكفر أهل صفين والجمل، وكان يزعم أن جبرائيل عليه السلام يأتي بالوحي من عند الله عز وجل فيخبره ولا يراه، وروى بعضهم أنه سمي بكيسان مولى علي بن أبي طالب عليه السلام وهو الذي حمله على الطلب بدم الحسين بن علي عليه السلام ودله على قتلته وكان صاحب سره ومؤامرته والغالب على أمره" (¬1) " وبذلك صرح الشهرستاني: ومن قالوا إن الإمام تثبت بالنص اختلفوا بعد علي عليه السلام فمنهم من قال: إنما نص على ابنه محمد بن الحنفية وهؤلاء هم الكيسانية ... وأما من لم يقل بالنص على محمد بن الحنفية فقال بالنص ¬

(¬1) - فرق الشيعة للنوبختي ص44 - 45، ومثل ذلك ورد في رجال الكشي ص117.

على الحسن والحسين وقال: الإمامة في الأخوين الحسن والحسين" (¬1) ". وبذلك القول قال القاضي النعمان " (¬2) " (الشيعي الفاطمي أو الاثنا عشري على اختلاف الأقوال) واختلفوا وكثر الكلام، فقال قوم: وأسقطوا الحسن والحسينا ... إنه الإمام بعد علي والوصي بنا ثم غلوا فيه فقالوا: لم يمت ... بل هو في شعب برضوى قد ثبت بين أسود فيه وكلوا به ... يأتيه قالوا رزق من ربه" (¬3) " وقد ذكر الكيسانية من السنة كل من البغدادي في الفرق بين الفرق " (¬4) " والأشعري في مقالات الإسلاميين " (¬5) " والملطي في التنبيه " (¬6) " والرازي في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين " (¬7) " والإسفرائيني في التبصير " (¬8) " وابن خلدون " (¬9) " وابن حزم في الفصل " (¬10) " والمقريزي وغيرهم. وفرقة تركت التشيع مطلقًا بعد صلح الحسن مع معاوية رضي الله عنه ولم يعدوا أنفسهم من الشيعة فيما بعد: ¬

(¬1) - الملل والنحل ج1 ص28 - 29 الهوامش (¬2) - هو أبو حنيفة النعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن أحمد بن الحيوان التميمي المغربي، عاش في النصف الأول من القرن الرابع من الهجرة، وتوفي بالقاهرة سنة 634هـ، وصلى عليه الإمام الفاطمي المعز لدين الله، وهو من الأعلام الثلاثة من الدعاة الفاطميين، وهو علمهم وأسبقهم وقدوتهم، عاصر أربعة من الخلفاء الفاطميين من المهدي مؤسس الدولة الفاطمية في المغرب إلى المعز لدين الله في مصر (مقدمة تأويل الدعائم ص12، 13). وينسبه الشيعة الاثنا عشرية إلى طائفتهم (انظر مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي وغيره) (¬3) - الأرجوزة المختارة للقاضي النعمان ص224 - 225 ط (¬4) - ص38 (¬5) - ج1 ص89 (¬6) - ص29 و148 (¬7) - ص62 (¬8) - ص35 (¬9) - ص198 (¬10) - ج4 ص179

الشيعة أيام الحسين

"لما واعد الحسن معاوية وأخذ المال الذي بعث به إليه وصالح معاوية الحسن طعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته، فدخلوا في مقولة جمهور الناس" (¬1) " وأما السبئية فلقد انتشرت انتشارًا فظيعًا في هذا العصر، كما أقر بذلك مؤرخ شيعي بقوله: "فقد ظهرت هذه البدعة الضالة وسرت سريان الوباء إلى نفر من أهل العراق - ثم ذكر أسباب انتشارها فيهم نقلاً عن ابن أبي الحديد لأنهم - كانوا من ركاكة البصائر وضعفها على حال مشهور فلا عجب من مثلهم أن تستخفهم المعجزات - التي رأوها من علي - رضي الله عنه -، فيعتقدوا في صاحبها أن الجوهر الإلهي قد حل فيه. وقد قيل إن جماعة من هؤلاء من نسل النصارى واليهود، وقد كانوا سمعوا من آبائهم وسلفهم القول بالحلول في أنبيائهم، فاعتقدوا فيه رضي الله عنه مثل ذلك. ويجوز أن يكون أصل هذه المقالة من قوم ملحدين أرادوا إدخال الإلحاد في دين الإسلام" (¬2) ". الشيعة أيام الحسين رضي الله عنه ولما توفي الحسن رضي الله عنه واجتمع الشيعة حول أخيه الحسين رضي الله عنه حدثت حادثة كبيرة، ووقعت كارثة عظيمة، ألا وهي خروج الحسين على يزيد بن معاوية بعد وفاة أبيه وقتله في كربلاء. ونقف برهة يسيرة قبل أن نذكر تفرق الشيعة بعد هذه الكارثة لسرد وبيان تخاذل الشيعة وغدرهم عن الحسين، فلقد ذكر اليعقوبي المؤرخ الشيعي ¬

(¬1) - فرق الشيعة للنوبختي ص46. (¬2) - الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ص105

مكاتبة الكوفيين الحسين

الغالي أن يزيد بن معاوية لما تولى الخلافة بعد أبيه كتب إلى عامله بالمدينة الوليد بن عقبة بن أبي سفيان أن يأخذ البيعة من الحسين بن علي رضي الله عنهما ولما طلب الوليد منه ذلك: فخرج الحسين إلى مكة، فأقام بها أيامًا، وكتب أهل العراق إليه، ووجهوا بالرسل على أثر الرسل، فكان آخر كتاب ورد عليه منهم كتاب هانئ بن أبي هانئ، وسعيد بن عبد الله الخثعمي: "بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين، أما بعد فحيّ هلا، فإن الناس ينتظرونك، لا إمام لهم غيرك، فالعجل ثم العجل والسلام" (¬1) ". والمؤرخ الشيعي الآخر المسعودي يكتب: "ولما مات معاوية راسل أهل الكوفة " (¬2) " إلى الحسين بن علي: "أن قد حبسنا أنفسنا على بيعتك، ونحن نموت دونك، ولسنا نحضر جمعة ولا جماعة" (¬3) ". ¬

(¬1) - تاريخ اليعقوبي ج2 ص241، 242، ومثلُ ذلك في الإرشاد للمفيد ص203 وكشف الغمة للأربلي ج2 ص32 (¬2) - نعم الكوفة التي كانت مركزًا للشيعة ومرتعًا خصبًا حتى قالوا فيها: وأما الكوفة وسوادها فهناك شيعة علي بن أبي طالب. وأما البصرة فعثمانية تدين بالكف. وأما الجزيرة فحرورية مارقة. وأما أهل الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان .... وأما أهل مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر (عيون الأخبار للرضا - نقلاً عن الشيعة في التاريخ). ورووا عن جعفر أنه قال: إن الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلا أهل الكوفة (بصائر الدرجات ج2 الباب العاشر). وأيضًا ما رواه الكليني في كافيه عن عبد الله الوليد الكندي: قال: دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام في زمن مروان، فقال: من أنتم؟ فقلنا: من أهل الكوفة، فقال: ما بلدة من البلدان أكثر محبًا لنا من أهل الكوفة، ولا سيما هذه العصابة، إن الله جل ذكره هداكم لأمر جهله الناس وأحببتمونا وأبغضنا الناس واتبعتمونا وخالفنا الناس، وصدقتمونا وكذبنا الناس، فأحياكم الله محيانا وأماتكم مماتنا (الروضة من الكافي)] (¬3) - مروج الذهب ج3 ص54

خروج الحسين إلى الكوفة

وكتبًا أخرى: فقد اخضرت الجنات، وأينعت الثمار، فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة" (¬1) ". ولما تواترت الرسائل وكثرت، واشتد طلب الكوفيين: وجه إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب وكتب إليهم، وأعلمهم أنه إثر كتابه، فلما قدم مسلم الكوفة اجتمعوا إليه، فبايعوه وعاهدوه وعاقدوه، وأعطوه المواثيق على النصرة والمشايعة والوفاء " (¬2) ". وزاد المفيد: "فبايعوه وهم يبكون، وتجاوز عددهم ثمانية عشر ألفًا" (¬3) " وبعد أيام وصل إليه من مسلم بن عقيل: "أن لك مائة أله، ولا تتأخر" (¬4) ". فتحرك نحو الكوفة، فأتاه ابن العباس من بني هاشم وقائد جيوش علي رضي الله عنه ومستشاره الخاص والرجل المجرب المحنك الذي كان يعرف شيعة زمانه حق المعرفة فقال له - كما نقل المسعود الشيعي -: "يا ابن عم، قد بلغني أنك تريد العراق، وإنهم أهل غدر، وإنما يدعونك للحرب، فلا تعجل، وإن أبيت إلا محاربة هذا الجبار وكرهت المقام بمكة فاشخص إلى اليمن، فإنها في عزلة، ولك فيها أنصار وإخوان، فأقم بها وبث دعاتك: واكتب إلى أهل الكوفة وأنصارك بالعراق أن يخرجوا أميرهم، فإن قووا على ذلك ونفوه عنها، ولم يكن بها أحد يعاديك أتيتهم، وما أنا لغدرهم بآمن، وإن لم يفعلوا أقمت بمكانك إلى أن يأتي الله بأمره، فإن فيها حصونًا وشعوبًا، فقال الحسين: يا ابن عم، ¬

(¬1) - إعلام الورى للطبرسي ص223، 1 الإرشاد للمفيد ص220 (¬2) - تاريخ اليعقوبي ج2 ص242 (¬3) - الإرشاد ص220 (¬4) - الإرشاد للمفيد ص220

إني لأعلم أنك لي ناصح وعلي شفيق، ولكن مسلم بن عقيل كتب إلي باجتماع أهل المصر على بيعتي ونصرتي، وقد أجمعت على المسير إليهم، قال: إنهم من خبرت وجربت، وهم أصحاب أبيك وأخيك وقتلتك غدًا مع أميرهم - ما أصدقه وما أحنك به وأخبر بهم - إنك لو قد خرجت فبلغ ابن زياد خروجك استنفرهم إليك، وكان الذين كتبوا إليك أشد من عدوك، فإن عصيتني وأبيت إلى الخروج إلى الكوفة فلا تخرجن نساءك وولدك معك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه" (¬1) " هذا ما قاله عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما، وله من المنزلة والمقام عند علي رضي الله عنه ما لا يخفى على أحد حتى كتب مفيد الشيعة: "كان أمير المؤمنين يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن العباس" (¬2) ". وهذا ما كان يحمل من الشيعة، وكيف لا وقد قال فيهم علي رضي الله عنه نفسه: لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم" (¬3) ". ثم أيد ابن عباس أبو بكر بن هشام في وصف الشيعة بالغدر والخيانة وعدم الخروج إليهم كما نقله الشيعي المسعودي: دخل أبو بكر بن الحارث بن هشام على الحسين فقال: يا ابن عم، إن الرحم يظائرني عليك، ولا أدري كيف أنا في النصيحة لك، فقال: يا أبا بكر ما أنت ممن يستغش ولا يتهم، فقل، فقال أبو بكر: كان أبوك أقدم سابقة، وأحسن في الإسلام أثرًا، وأشد بأسًا، والناس له أرجى، ومنه أسمع ¬

(¬1) - مروج الذهب ج3 ص55 (¬2) - الإرشاد للمفيد ص14 (¬3) - نهج البلاغة

خبر مسلم بن عقيل

وعليه أجمع، فسار إلى معاوية والناس مجتمعون عليه إلا أهل الشام وهو أعز منه، فخذلوه، وتثاقلوا عنه، حرصًا على الدنيا، وضنًّا بها، فجرعوه الغيظ، وخالفوه حتى صار إلى ما صار إليه من كرامة الله ورضوانه، ثم صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا، وقد شهدت ذلك كله ورأيته، ثم أنت تريد أن تسير إلى الذي عدوا على أبيك وأخيك تقاتل بهم أهل الشام وأهل العراق ومن هو أعد منك وأقوى، والناس منه أخوف، وله أرجى، فلو بلغهم مسيرك إليهم لاستطغوا الناس بالأموال، وهم عبيد الدنيا، فيقاتلك من وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره، فاذكر الله في نفسك، فقال الحسين: جزاك الله خيرًا يا ابن عم، فقد أجهدك رأيك، ومهما يقض الله يكن، فقال: إنا لله وعند الله نحتسب يا أبا عبد الله، ثم دخل على الحارث بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي والي مكة وهو يقول: كم نرى ناصحًا فيعصى ... وظنين المغيب يلفي نصيحًا "فقال: وما ذاك؟ فأخبره بما قال للحسين، فقال: نصحت له ورب الكعبة" (¬1) " ثم وننقل القصة بكاملها من الشيعة أنفسهم كي يعرف ويدرك خيانة القوم وجبنهم. فيذكر المسعودي: "واتصل خبر مجيء مسلم الكوفة بيزيد فكتب إلى عبيد الله بن زياد بتولية الكوفة؛ فخرج من البصرة مسرعًا حتى قدم الكوفة على الظهر، فدخلها في أهله وحشمه وعليه عمامة سوداء قد تلثم بها، وهو راكب بغلة والناس يتوقعون قدوم الحسين فجعل بن زياد يسلم على الناس فيقولون؛ وعليك السلام يا ابن رسول الله! قدمت خير مقدم، ¬

(¬1) - مروج الذهب ج3 ص56.

حتى انتهى إلى القصر وفيه النعمان بن بشير، فتحصن فيه، ثم أشرف عليه، فقال: يا ابن رسول الله مالي وما لك؟ وما حملك على قصد بليد من بين البلدان؟ فقال ابن زياد: لقد طال نومك يا نعيم، وحسر اللثام عن فيه، فعرفه، ففتح له، وتنادى الناس: ابن مرجانة، وحصبوه بالحصباء، ففاتهم ودخل القصر، ولما اتصل خبر ابن زياد بمسلم تحول إلى هانئ بن عروة المرادي، ووضع ابن زياد الرصد على مسلم حتى علم بموضعه، فوجه محمد بن الأشعث ابن قيس إلى هانئ، فجاءه فسأله عن مسلم، فأنكره فأغلظ له ابن زياد القول، فقال هانئ: إن لزياد أبيك عندي بلاء حسنًا، وأنا أحب مكافأته به، فهل لك في خير؟ قال ابن زياد: وما هو؟ قال تشخص إلى أهل الشام أنت وأهل بيتك سالمين بأموالكم، فإنه قد جاء حق من هو أحق من حقك وحق صاحبك، فقال ابن زياد: أدنوه مني، فأدنوه منه، فضرب وجهه بقضيب كان في يده حتى كسر أنفه وشق حاجبه، ونثر لحم وجنته، وكسر القضيب على وجهه ورأسه، وضرب هانئ بيده إلى قائم سيف شرطي من تلك الشرط، فجاذبه الرجل، ومنعه السيف، وصاح أصحاب هانئ بالباب: قتل صاحبنا، فخافهم ابن زياد، وأمر بحبسه في بيت إلى جانب مجلسه، وأخرج إليهم ابن زياد شريحًا القاضي، فشهد عندهم أنه حي لم يقتل، فانصرفوا، ولما بلغ مسلمًا ما فعل ابن زياد بهانئ، أمر مناديًا فنادى "يا منصور" وكانت شعارهم، فتنادى أهل الكوفة بها، فاجتمع إليه في وقت واحد ثمانية عشر ألف رجل، فسار إلى ابن زياد، فتحصن منه، فحصروه في القصر فلم يمس مسلم ومعه غير مائة رجل، فلما نظر إلى الناس يتفرقون عنه سار نحو أبواب كندة، فما بلغ الباب إلا ومعه منهم ثلاثة، ثم خرج من الباب فإذا ليس معه منهم أحد، فبقي

حائرًا لا يدري أين يذهب، ولا يجد أحدًا يدله على الطريق فنزل عن فرسه ومشى متلددًا في أزقة الكوفة لا يدري أين يتوجه، حتى انتهى إلى باب مولاة للأشعث بن قيس، فاستسقاها ماء فسقته، ثم سألته عن حاله، فأعلمها بقضيته، فرقت له وآوته، وجاء ابنها فعلم بموضعه، فلما أصبح غدا إلى محمد بن الأشعث فأعلمه، فمضى ابن الأشعث إلى ابن زياد فأعلمه" (¬1) " فقتله وقتل هانئ بن عروة وهو يصيح: "يا آل مراد، وهو شيخها وزعيمها، وهو يومئذ يركب في أربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل، وإذا أجابتها أحلافها من كندة وغيرها كان في ثلاثين ألف دارع، فلم يجد زعيمهم منهم أحدًا فشلاً وخذلانًا" (¬2) ". فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له: أين تريد يا ابن رسول الله؟ قال: أريد هذا المصر، فعرفه بقتل مسلم وما كان من خبره، ثم قال: ارجع، فإني لم أدع خلفي خيرًا أرجوه لك، فهم بالرجوع فقال له أخوة مسلم: والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل كلنا، فقال الحسين: لا خير في الحياة بعدكم" (¬3) ". ثم قال للناس: "أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه ذمام فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينًا وشمالاً حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه وإنما فعل ذلك لأنه - رضي الله عنه - علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما ¬

(¬1) - مروج الذهب للمسعودي ج3 ص57، 58 (¬2) - مروج الذهب ص59 (¬3) - مروج الذهب ص60، 61

الكوفيون

اتبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلدًا قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون، فلما كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا ثم ساروا حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمرو بن لوذان فسأله أين يريد فقال له الحسين - رضي الله عنه - الكوفة فقال الشيخ أنشدك لما انصرفت فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيًا فأما على هذه الحالة التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل فقال له يا عبد اله ليس يخفى علي الرأي وإن الله تعالى لا يغلب على أمره" (¬1) ". ثم ارتحل إلى الكوفة فلقي في الطريق واحدًا من أهل الكوفة وأخبره عن غدرهم وتخاذلهم وجبنهم قائلاً: "ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك" (¬2) ". ولما عارضه ورفاقه جيش الكوفة ورأى منهم عكس ما كتبوا وقالت رسلهم، وتنكروا ما كتبوا إليه قال لبعض أصحابه: اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي، فأخرج خرجين مملوئين كتبًا فنشرت بين يديه" (¬3) ". فأنكروا عليه هذه الكتب والرسائل، ثم سار حتى وصل كربلاء: "فلما كثرت العساكر على الحسين أيقن أنه لا محيص له فال: اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا ثم هم يقتلوننا، فلم يزل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه ... وكان جميع من حضر مقتل الحسين ¬

(¬1) - الإرشاد للمفيد ص223، إعلام الورى للطبرسي ص231، 232، جلاء العيون للمجلسي ج2 ص540 (¬2) - الإرشاد ص222 (¬3) - إعلام الورى ص232، الإرشاد ص225، جلاء العيون ص541 - 542

الكوفيون هم الذين قتلوا الحسين

من العساكر وحاربه وتولى قتله من أهل الكوفة خاصة، فلم يحضرهم شامي" (¬1) ". ثم يذكر اليعقوبي الشيعي المتحمس - كما يسميه ولهوزن - "إن أهل الكوفة لما قتلوه، انتهبوا مضاربه وابتزوا حرمه، وحملوهن إلى الكوفة، فلما دخلن إليها خرجت نساء الكوفة يصرخن ويبكين، فقال علي بن الحسين: هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا؟." (¬2) ". وهنا نريد أن نثبت ما ذكره ولهوزن المستشرق الألماني المتعاطف على الشيعة: ولم يكن جمهور أهل الكوفة حريصًا على مساعدة الحكومة، ولكنه مع ذلك لم ينضم إلى صف أعدائها. وحتى أولئك الذين بعثوا بالكتب إلى الحسين وأقسموا على الإخلاص له تخلوا عنه في المحنة ولم يقدموا له يد المعونة، وقصارى ما فعلوه أنهم راقبوا المعركة من بعيد ومصرعه الأخير ثم بكوا. وقليلون جدًّا هم أولئك الذين تجاسروا على اللحاق به ومشاركته في مصيره، مثل أبي ثمامة الصائدي خازن بيت المال، وابن عوسجة. وعدا هذا فإن بعض الذين شاركوه في مصرعه إما أنهم كانوا من أولئك الذين التقطهم عرضًا في الطريق أو من أولئك الذين دفعتهم الحمية الإنسانية في اللحظة الأخيرة إلى الانضمام إليه وإن لم يكن لهم من قبل شأن به أو لم يكونوا من شيعته. وقد أبرز المؤرخون هذا التعارض بين المكلفين، الذين لم يعملوا شيئًا، وبين غير المكلفين الذين أخجلوا الأولين، أبرزوه وعرضوه أحيانًا عرضًا دراميًّا. ومما هو جدير بالاعتبار أن الأنصار أيضًا، لا القرشيون وحدهم، قد تخلوا عن الحسين، فلم يخرج من المدينة واحد منهم معه ولم يكن منهم بين شيعة الكوفة إلا أفراد قلائل ¬

(¬1) - مروج الذهب ج3 ص61 (¬2) - تاريخ اليعقوبي ج1 ص235

عدد شيعة الكوفة

جدًّا. والثورة التي قامت في المدينة سنة 63هـ لم تكن من أجل آل علي، كما أن علي بن الحسين نفض يديه منها. "وفي مقابل الجبناء وغير المخلصين كان أعداء الشيعة الصرحاء وهم أتباع حكومة بني أمية وموظفوها. ولم يكن الجدال يدور حول أمور دينية إيمانية" (¬1) " وعلى ذلك قال البغدادي: روافض الكوفة موصوفون بالغدر، والبخل، وقد سار المثل بهم فيهما، حتى قيل: أبخل من كوفي، وأغدر من كوفي، والمشهور من غدرهم ثلاثة أشياء: "أحدهما: أنهم بعد قتل علي رضي الله عنه بايعوا ابنه الحسن، فلما توجه لقتال معاوية غدروا به في ساباط المدائن، فطعنه سنان الجعفي في جنبه فصرعه عن فرسه، وكان ذلك أحد أسباب مصالحته معاوية. والثاني: أنهم كاتبوا الحسين بن علي رضي الله عنه، ودعوه إلى الكوفة لينصروه على يزيد بن معاوية فاغتر بهم، وخرج إليهم، فلما بلغ كربلاء غدروا به، وصاروا مع عبيد الله بن زياد يدًا واحدة عليه، حتى قتل الحسين وأكثر عشيرته بكربلاء. والثالث: غدرهم بزيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب بعد أن خرجوا معه على يوسف بن عمر، ثم نكثوا بيعته وأسلموا عند اشتداد القتال حتى قتل وكان من أمره ما كان" (¬2) ". فهؤلاء كانوا الشيعة، شيعة علي والحسن والحسين، وهذه هي كانت معاملتهم لأئمتهم وقادتهم. ¬

(¬1) - الخوارج والشيعة ص134. (¬2) - الفرق بين الفرق ص37

تطور التشيع

ولقد فصلنا في ذلك القول لأنه بعد هذه الحادثة حصل في التشيع تطور كبير، وبدأ يتجه إلى اتجاه ديني ويصبغ بصبغة مذهبية بعد أن كان سياسيًّا بحتًا، يرى رأي علي وأولاده مقابل معاوية وبني أمية. وبذلك صرح ولهوزن بكل وضوح حيث يذكر مقتل الحسين وبعده قيام المختار باسم الثأر، فيقول: "كان التشيع في الكوفة آنذاك قد لبس ثوبًا جديدًا. وقد عرفنا من قبل المعنى الذي كان يدل عليه في الأصل. لقد كان تعبيرًا عن الاتجاه السياسي العام لمعارضة العراق لسلطان الشام. وفي بادئ الأمر كان الأشراف صفًّا واحدًا مع سائر الناس ويتولون قيادتهم. ولكن حينما أحدث الخطر تراجعوا واستلانوا لإغراء الحكومة (حكومة الأمويين في الشام) ثم استخدموا للقضاء على الثورات الشيعية. وبهذا انفصلوا عن الشيعة، فتحدد نطاق التشيع واتخذ شيئًا فشيئًا صورة فرقة دينية في تعارض مع الأرستقراطية ونظام العشائر، وأصبح بفضل استشهاد زعمائه وأوليائه ذا طابع مثالي خيالي. وكان أنصار سليمان بن صرد يرمون إلى الثورة على أرستقراطية العشائر في الكوفة. ولكن المختار كان أول من نفذ هذا الغرض وحققه عمليًّا. وإلى هذه الحركة اجتذب الموالي أيضًا. وهؤلاء كان اجتذابهم سهلاً لأنهم كانوا ذوي نزعة واضحة إلى الحكم الديني، لا القومي الشعوبي، وإن كان العرب هم الذين كانوا يتولونه حتى ذلك الحين، كما كانوا - أعني الموالي - يكرهون المتعصبين لسيادة العرب. فلما ارتبطت الشيعة بالعناصر المضطهدة تخلت عن تربية القومية العربية وكانت حلقة الارتباط هي الإسلام. ولكنه لم يكن ذلك الإسلام القديم، بل نوعًا جديدًا من الدين" (¬1) ". ¬

(¬1) - الخوارج والشيعة ص167 - 168

الفرس

وبدأ التشيع يحمل الأفكار الأجنبية المدسوسة، كما بدأ يحصل فيه التفرق الكثير، "وصار مأوى وملجأ لكل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد، ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية، ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته، كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستارًا يضعون وراءه كل ما شاءت أهواؤهم، فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة، وقال الشيعة: إن النار محرمة على كل شيعي إلا قليلاً، كما قال اليهود: لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودات، والنصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم: إن نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح إليه، وقالوا: إن اللاهوت اتحد بالناسوت في الإمام، وإن النبوة والرسالة لا تنقطع أبدًا، فمن اتحد به اللاهوت فهو نبي، وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأراوح وتجسيم الله والحلو، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس من قبل الإسلام، وتستر بعض الفرس بالتشيع وحاربوا الدولة الأموية، وما في نفوسهم إلا الكره للعرب ودولتهم، واسعي لاستقلالهم" (¬1) ". كما نقل عن المقريزي أنه قال: إن الفرس كانوا ذوي سعة وعلو يد على جميع الأمم وجلالة الخطر في أنفسها بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد، وكانوا يعدون سائر الناس عبيدًا لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، وكان العرب عند الفرس أقل الأمم خطرًا، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، وفي كل ذلك يظهر الله الحق ... فرأوا أن كيده على ¬

(¬1) - فجر الإسلام لأحمد أمين ص276 - 277

الكيسانية

الحيلة أنجع، فأظهر قوماًَ منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم علي، ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن طريق الهدى" (¬1) ". ونرجع الآن إلى تفرقهم واختلافهم بعد ذكرنا إياهم وخذلانهم مناصرة زعمائهم ومن كانوا يدعون حبهم وموالاتهم، فبعد قتل الحسين رضي الله عنه افترقت الشيعة ثلاث فرق كما يذكر النوبختي: الكيسانية فلما قتل الحسين حارت فرقة من أصحابه وقالت: قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين لأنه إن كان الذي فعل الحسن حقًّا واجبًا صوابًا من موادعته معاوية وتسليمه له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوتهم فما فعله الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم. وكثرة أصحاب يزيد لعنة الله عليه حتى قتل وقتل أصحابه جميعًا باطل غير واجب لأن الحسين كان أعذر في القعود عن محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية. وإن كان ما فعله الحسين حقًّا واجبًا صوابًا من مجاهدته يزيد بن معاوية حتى قتل وقتل ولده وأصحابه فقعود الحسن وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه الكثير باطل فشكوا لذلك في إمامتهما ورجعوا فدخلوا في مقالة العوام وبقي سائر أصحاب الحسين على القول الأول بإمامته حتى مضى. ثم افترقوا بعده ثلاث فرق: (ففرقة) قالت بإمامة محمد بن الحنفية وزعمت أنه لم يبق بعد الحسن والحسين أحد أقرب إلى أمير المؤمنين عليه السلام من محمد بن الحنفية فهو أوى الناس بالإمامة كما ¬

(¬1) - الخطط للمقريزي - نقلاً عن فجر الإسلام ص77

كان الحسين أولى بها بعد الحسن من ولد الحسن فمحمد هو الإمام بعد الحسين. " (وفرقة) قالت إن محمد بن الحنفية رحمه الله تعالى هو الإمام المهدي وهو وصي علي بن أبي طالب عليه السلام ليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه ولا يخرج عن إمامته ولا يشهر سيفه إلا بإذنه وإنما خرج الحسن بن علي إلى معاوية محاربًا له بإذن محمد ووادعه وصالحه بإذنه وإن الحسين إنما خرج لقتال يزيد بإذنه ولو خرجا بغير إذنه هلكا وضلا وإن من خالف محمد بن الحنفية كافر مشرك وأن محمدًا استعمل المختار بن أبي عبيد على العراقين بعد قتل الحسين وأمره بالطلب بدم الحسين وثأره وقتل قاتليه وطلبهم حيث كانوا وسماه كيسان لكيسه ولما عرف من قيامه ومذهبه فيهم فهم يسمون (المختارية) ويدعون: الكيسانية" (¬1) " ولقد ذكرنا قبل ذلك أن الكيسانية وجدت بعد قتل علي رضي الله عنه ولكن غلب هذا الاسم على المختارية، ومن الكيسانية تفرعت فروع كثيرة، وتفرقت فرق متعددة مثل الكرابية والحربية والرزارمية والبيانية والرواندية وأبو المسلمية والهاشمية والحارثية وغيرها الكثيرة الكثيرة " (¬2) ". ويجمع هذه الفرق كلها القول بإمامة محمد بن الحنفية والاعتقاد بالعقائد التي زرع بذورها السبئية وعبد الله بن سبأ، الغيبة والرجعة والتناسخ وغيرها، وفي ذلك قال شاعرهم: ألا إن الأئمة من قريش ... ولاة الحق أربعة سواء علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء ¬

(¬1) - فرق الشيعة للنوبختي ص47 - 48. (¬2) -انظر لمعرفة ذلك فرق الشيعة للنوبختي ص48 وما بعد ومقالات الإسلاميين ص89 والفرق بين الفرق ص38 وما بعد، والحور العين ص157 وما بعد، والملل والنحل للشهرستاني ج1 ص، والتبصير للإسفرائيني، مقدمة ابن خلدون ص199 وما بعد ط. مصر

فسبط سبط إيمان وبر ... وسبط غيبته كربلاء يقود الخيل يقدمها اللواء ... وسبط لا يذق الموت حتى تغيب لا يرى فيهم زمانًا ... برضوى عنده عسل وماء" (¬1) " وقد أجاب على هذه الأبيات البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق) " (¬2) ". وقال أحد الكيسانين أيضًا: ألا حي المقيم بشعب رضوى ... وأهد له بمنزله السلاما أضر بمعشر والوك منا ... وسموك الخليفة والإماما وعادوا فيك أهل الأرض طرا ... مقامك عنهم سبعين عاما لقد أمسى بجانب شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكلاما وما ذاق ابن خولة طعم موت ... لا وارث له أرض عظاما وإن له به لمقيل صدق ... وأندية تحدثه كراما" (¬3) " وأجابه البغدادي أيضًا بقوله: لقد أفنيت عمرك بانتظار ... لمن وارى التراب له عظاما فليس بشعب رضوى من إمام ... تراجعه الملائكة الكلاما وأشربة يعل بها الطعاما ... ولا من عنده عسل وماء وقد ذاق ابن خولة طعم موت ... كما قد ذاق والده الحماما ولو خلد امرؤ لعلو مجد ... لعاض المصطفى أبدًا وداما" (¬4) " والجدير بالذكر أن من الكيسانية انتقلت الإمامة إلى بني العباس لأن بعض فرقها اعتقدت انتقال الإمامة من أبي هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن العباس، ومنه إلى ابنه إبراهيم، ومن ¬

(¬1) - الفرق بين الفرق ص41 (¬2) - انظر ص42 (¬3) - فرق الشيعة ص51 (¬4) - الفرق بين الفرق ص43

المختار الثقفي

إبراهيم إلى أبي العباس، ومن أبي العباس إلى أبي جعفر المنصور المؤسس للدولة العباسية" (¬1) " ومن بين هذه الفرق كلها اشتهرت فرقة المختار بن أبي عبيد الثقفي لما كان له من صولة وجولة باسم القصاص بدم الحسين رضي الله عنه، وقد ذكر المختار هذا، الكشي في (رجاله) عن محمد بن مسعود قال: حدثني ابن أبي علي الخزاعي قال: [حدثني] خالد بن يزيد العمري عن الحسن بن زيد عن عمر بن علي: أن المختار أرسل إلى علي بن الحسين - رضي الله عنه - بعشرين ألف دينار فقبلها وبنى بها دار عقيل بن أبي طالب ودارهم التي هدمت. قال: ثم إنه بعث إليه بأربعين ألف دينار بعدما أظهر الكلام الذي أظهره فردها ولم يقبلها، والمختار هو الذي دعا الناس إلى محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية وسمو الكيسانية، وهم المختارية، وكان لقبه كيسان ولقب بكيسان لصاحب شرطته المكنى أبا عمرة وكان اسمه كيسان. وقيل إنه سمي كيسان بكيسان مولى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو الذي حمله على الطلب بدم الحسين ودله على قتلته، وكان صاحب سره والغالب على أمره، وكان لا يبلغه عن رجل من أعداء الحسين - رضي الله عنه - أنه في دار أو موضع إلا قصده وهدم الدار بأسرها وقتل كل من فيها من ذي روح، وكل دار بالكوفة خراب فهي مما هدمها، وأهل الكوفة يضربون به المثل فإذا افتقر إنسان قالوا "دخل أبو عمرة بيته" حتى قال فيه الشاعر: إبليس بما فيه خير من أبي عمرة ... يغويك ويطغيك ولا يعطيك كسرة" (¬2) " كما ذكره النوبختي الذي نقلنا عنه آنفًا: ¬

(¬1) - انظر فرق الشيعة ص69، مقدمة ابن خلدون ص199. (¬2) - رجال الكشي ص117

ولقد ذكره ولهوزن أيضًا بالتفصيل، ولعل الحديث عنه أطول حديث في كتابه نقطع منه هذا الجزء لتصوير الرجل وتحليله الذي حلل به شخصيته: كان المختار ينعت بأنه سحار " (¬1) "، وأنه "الدجال"1"ويوصف عادة بـ"الكذاب". وهذا الوصف لا لأنه زعم أنه مكلف من قبل ابن الحنفية، بل لأنه تبدى على أنه نبي. حقًّا إنه لم يسم نفسه بهذا الاسم، ولكنه أتى أفعالاً من شأنها أن تعطي عنه هذه الفكرة، فكرة أنه نبي. وكان يتكلم وكأنه جالس في الحضرة الإلهية، يعلم الغيب، ويسجع سجع الكهان بطلاقة ومهارة. ويريد أن يفرض شخصيته على الناس، وأفلح في هذا أيضًا وإن كان نجاحه لدى الخاصة والعقلاء أقل منه لدى العامة والدهماء. وطالما حالفه النصر اتسعت دوائر المؤمنين به. فلما مني بالهزيمة أدبرت عنه الدنيا. وراحت الروايات تطلق سهامها على ذكراه بعد مقتله. في البدء كانت تذمه دون أن تشوه صورته. ولكنها راحت بعد ذلك في مرحلة متأخرة تنعته بنعوت أملاها الحقد. وهذه النعوت نفسها هي التي تسود الصورة التي كونتها عنه الأجيال التالية. و "دوزي" لا يستخدم غيرها لرسم الصورة التي عملها للمختار في كتابه "مقالة في تاريخ الإسلام": فيقول عنه إنه هو الذي أمر بإطلاق الحمام البيض، وأنه كان خارجيًّا ثم زبيريًّا ثم شيعيًّا، وأنه ابتدع القول بالبداء في الله كيما يبرر تقلبه هو من مذهب إلى مذهب. ولكن لا يحق للمرء أن يجعله معرضًا للسخرية من أجل أن يفهمه على حقيقته. ولحسن الحظ كان لنشر "تاريخ" الطبري الفضل في وضع حد لهذا النحو من تصوير الرجل. ¬

(¬1) - الطبري ج2 ص730 س13، ص686 س7

فإن كان لابد من الإجابة عن السؤال: هل كان المختار نبيًّا صادقًا أو متنبئًا كاذبًا؟ - فلا مناص من تعديله إلى هذه الصيغة: أكان المختار مخلصًا أم غير مخلص؟ قد يأخذ عليه المرء أنه استعان بالتنبؤ للوصول إلى الحكم. ولكن هذا المأخذ عينه قد يؤخذ على محمد، وعلى المرء أن يلاحظ أن الإسلام دين سياسي وأن أي نبي مسلم لابد أن يسعى إلى الحكم. ولكن ما هو أشد من ذلك المأخذ خطرًا وأكبر وزنًا هو أنه تستر وراء شبح وناطور خيالي (هو محمد بن الحنفية) لم يعرف عن أمره شيئًا ولم يشأ أيضًا أن يعلم عن أمره شيئًا. فلم يكن ضميره نقيًّا من هذه الناحية، ولكن الظروف في ذلك الحين لم تسمح له - بوصفه مسلمًا وشيعيًّا - أن يظهر باسمه هو الخاص، بل كان عليه أن يخلق لنفسه مركز "أمين" للمهدي المستتر ... وإن المختار اتخذ نقطة ابتدائه من بدعة غريبة غامضة اختط بها المختار وهي "السبئية". والسبئية كانت قد اتخذت اتجاهًا أنشأ يسيطر على طبقات واسعة بحيث اضطرت الشيعة بوجه عام إلى اتخاذ موقف أشد حدة بإزاء الإسلام السني وازداد إبراز الخلافات بين الشيعة والسنة. والسبئية يسمون أيضًا "الكيسانية" وكان كيسان زعيمًا للموالي، فإن كان في نفس الوقت زعيمًا للسبئية، فيستنتج من هذا أن السبئية والموالي كانوا شيئًا واحدًا تقريبًا " (¬1) ". واعتمادًا على هذا الاستنتاج مضى البعض فزعم أن التشيع كمذهب ديني إيراني الأصل، لأن غالبية موالي الكوفة كانوا إيرانيين. قال دوزي" (¬2) ": "كانت الشيعة في حقيقتها فرقة فارسية، وفيها يظهر أجلى ما يظهر ذلك الفارق بين الجنس العربي، الذي يحب الحرية، وبين الجنس الفارسي الذي اعتاد الخضوع كالعبيد. لقد كان مبدأ انتخاب خليفة للنبي أمرًا ¬

(¬1) - ص623 س14، ص651 س2 (¬2) - في كتابه المذكور آنفًا، ص220 وما يليها

غير معهود ولا مفهوم، لأنهم لم يعرفوا غير مبدأ الوراثة في الحكم، لهذا اعتقدوا أنه مادام محمد لم يترك ولدًا يرثه، فإن عليًّا هو الذي كان يجب أن يخلفه وأن الخلافة يجب أن تكون وراثية في آل علي. ومن هنا فإن جميع الخلفاء - ما عدا عليًّا - كانوا في نظرهم مغتصبين للحكم لا تجب لهم طاعة. وقوي هذا الاعتقاد عندهم كراهيتهم للحكومة وللسيطرة العربية، فكانوا في الوقت نفسه يلقون بأنظارهم النهمة إلى ثروات سادتهم. وهم قد اعتادوا أيضًا أن يروا في ملوكهم أحفادًا منحدرين من أصلاب الآلهة الدنيا، فنقلوا هذا التوقير الوثني إلى علي وذريته. فالطاعة المطلقة "للإمام" الذي من نسل علي - كانت في نظرهم الواجب الأعلى، حتى إذا ما أدى المرء هذا الواجب، استطاع بعد ذلك بغير لائمة ضمير أن يفسر سائر الواجبات والتكاليف تفسيرًا رمزيًّا وأن يتجاوزها ويتعداها. لقد كان "الإمام" عندهم هو كل شيء، إنه الله قد صار بشرًا. فالخضوع الأعمى المقرون بانتهاك الحرمات - ذلك هو الأساس في مذهبهم" وعلى نحو مشابه يتحدث أ. ملر في كتابه المذكور سابقًا ج1 ص327، ويضيف إلى هذا أن الفرس كانوا - تحت تأثير الأفكار الهندية قبل الإسلام بعهد طويل - يميلون إلى القول بأن الشاهنشاه هو تجسد لروح الله التي تنتقل في أصلاب الملوك من الآباء إلى الأبناء. أما أن آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين - فهذا أمر لا سبيل إلى الشك فيه، أما كون هذه الآراء قد انبعثت من الإيرانيين، فليست تلك الملاءمة دليلاً عليه" (¬1) " وأما عقائدهم الباقية فإنها لمبسوطة موجودة في كتب الفرق، ولقد ذكرنا ما فيها الكفاية وتفي بالمطلوب. ولقد طولنا الكلام في هذه الفئة من ¬

(¬1) - الخوارج والشيعة ص165 إلى 169.

تغير الشيعة الأولى

الشيعة وهذا الرجل لأنه هو وطائفته هم تركة السبئية الحقيقية، ومنهم أخذ بالأفكار وتمسك بالآراء من جاء من الشيعة بعدهم، وعندئذ بدأ التشيع الأصلي يذوب، والشيعة الأولى ينقرضون إلا القليل القليل. وعلى رأسهم أولاد علي وبنو هاشم، وبدأت أفكار السبئية تتسرب إليهم وتتغلب عليهم، خصوصًا شهادة حسين رضي الله عنه جعلت الموالين لعلي وأولاده، وحتى بعض الطالبيين أيضًا يحسون بالحرمان الكبير واليأس الكثير، ويجدون أنفسهم تواقة إلى الانتقام وخصوصًا قلب نظام الحكم القائم المتهم بقتل الحسين وأهله في كربلاء، وبدأ بعض الجهلة والمغفلين ينقمون كل ما يتصل بالحكام ويبغضون كل ما يرى برأيهم وحتى العقائد والمعتقدات، فلما رأى هؤلاء أن ولاة الأمر يعظمون أبا بكر وعمر وعثمان وبقية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه أمهات المؤمنين بدءوا يتبرؤون منهم ويتكلمون فيهم. لا لأنهم يجدون عليهم شيئًا، بل كرهًا لكل ما يسمعونه على المنابر وفي المحاريب. وعلى ذلك نقل الذهبي عن شيخ الإسلام ابن تيمية: كان السلف متفقين على تقديم أبي بكر وعمر حتى شيعة علي رضي الله عنه. وروى ابن بطة عن شيخه المعروف بأبي العباس بن مسروق: حدثنا محمد بن حميد حدثنا جرير عن سفيان عن عبد الله بن زياد بن حدير قال: قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفة، قال لنا شمر بن عطية: قوموا إليه، فجلسنا إليه، فتحدثوا. فقال أبو إسحاق: خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما، وقدمت الآن وهم يقولون ويقولون، ولا والله ما أدري ما يقولون ... وعن ضمرة عن سعيد بن حسن قال: سمعت ليث بن أبي سليم يقول: أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحدًا. وقال أحمد بن

حنبل حدثنا سفيان بن عيينة عن خالد بن سلمة عن مسروق قال: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة. ومسروق من أجلّ تابعي الكوفة وكذلك قال طاووس ... وقد روى ذلك عن ابن مسعود. وكيف لا تقدم الشيعة الأولى أبا بكر وعمر وقد تواتر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر. وقد روي هذا عنه من طرق كثيرة قيل إنها تبلغ ثمانين طريقًا. وقد روى البخاري عنه في صحيحه من حديث الهمدانيين - الذين هم أخص الناس بعلي حتى كان يقول: ولو كنت بوابًا على باب جنة ... لقلت لهمدان ادخلي بسلام فقد رواه البخاري من حديث سفيان الثوري وهو همداني، عن منذر وهو همداني عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يا بني أو ما تعرف؟ فقلت: لا. قال: أبو بكر. فقلت: ثم من؟ قال: عمر. وهذا يقوله لابنه بينه وبينه، ليس هو مما يجوز أن يقوله تقية. ويرويه عن أبيه خاصة. وقاله على المنبر. وعنه أنه كان يقول: لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري" (¬1) " "وكتب محب الدين الخطيب في الهامش هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور التشيع، فإن أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها، ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان قبل شهادته بثلاث سنين، وعمّر حتى توفي سنة 127، وكان طفلاً في خلافة أمير المؤمنين علي. وهو يقول عن نفسه: رفعني أبي حتى رأيت علي بن أبي طالب يخطب أبيض الرأس واللحية. ولو عرفنا متى فارق الكوفة ثم عاد فزارها لتوصلنا إلى معرفة ¬

(¬1) - المنتقى للذهبي ص360، 361 ط. القاهرة بتحقيق السيد محي الدين الخطيب.

المختار الثقفي وحروبه

الزمن الذي كان فيه شيعة الكوفة علويين يرون ما يراه إمامهم من تفضيل أبي بكر وعمر، ومتى أخذوا يفارقون عليًّا ويخالفونه فيما كان يؤمن به ويعلنه على منبر الكوفة من أفضلية أخويه صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وخليفتيه على أمته في أتقى وأطهر أزمانها. ومن العجيب أن الخوارج والإباضية ثبتوا على عقيدتهم الأولى في أبي بكر وعمر كما كانوا عليه مع علي إلى مدة الحكم، والشيعة نقضوا هذه العقيدة وعصوا فيها إمامهم بعد القرن الأول، أي في أواخر حياة أبي إسحاق السبيعي" (¬1) ". هذا وبلغ الأمر بعد تطور الشيعة إلى حد أنهم بدءوا ينكرون المسلمات والأسس التي عليها يقوم المذهب الإسلامي الحنيف والشريعة السماوية السمحاء. فقط لأن الحكام يتمسكون بها ويعتقدونها، مثل القرآن، الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة رسول الله التي جعلها الله بيانًا لهذا القرآن" (¬2) " ثم وبعد شهادة الحسين رضي الله عنه كثرت الخزعبلات والخرافات في الشيعة حتى إن المخلصين من الأشراف ومن الشيعة الأولى حاولوا إقامة السد في طريق هذه السخافات ومنع الناس عن اعتناقها ولكنهم فشلوا في ذلك، ثم اضطروا إلى التباعد عنها وعن التشيع بعدما قنطوا ويئسوا من رجوع القوم إلى الحق وانتهائهم عن الغي والضلالات، فهذا هو ابن الأشتر إبراهيم يذكره ولهوزن ضمن تسلط المختار على الشيعة وامتناع إبراهيم عن الانضمام إليه حيث يقول: فكان على المختار أن يكسب رجلاً آخر في الكوفة نفسها لا يستطيع من دونه أن يلقى رؤساء الشيعة نجاحًا ضد الأشراف والوالي. ¬

(¬1) - المنتقى للذهبي الهامش ص360، 361 (¬2) - ولقد فصلنا القول في هذا في كتابنا (الشيعة والقرآن) و (الشيعة والسنة) من أراد معرفة ذلك فليرجع إليهما.

هذا الرجل هو إبراهيم بن الأشتر زعيم قبلة النخع من مذحج. وكان بارعًا ماكرًا مستقل الرأي، وكان كأبيه مخلصًا لعلي، وكان على اتصال بابن الحنفية. ولكنه لم يكن يؤمن بالتشيع على الصورة التي استحال إليها في ذلك العهد. لم يشأ الانضمام إلى سليمان بن صرد كما لم يرغب في أن يعرف شيئًا عن المختار. ولم تفلح المحاولات في اكتسابه. وأخيرًا وصله كتاب يطلب فيه ابن الحنفية نفسه منه أن يعترف بالمختار بن أبي عبيد. ولكنه تضايق من كون ابن الحنفية يلقب نفسه في هذا الكتاب بلقب "المهدي" وهو أمر لم يعهد منه، فحاك في صدره الشك في صحته. ولكن الذين قدموا بالكتاب، والمختار نفسه أكدوا صحة الكتاب، إلا اثنين لفتا نظره بتحفظهم، وهما: عامر بن شراحيل الشعبي الراوي الفقيه المحدث الكبير. وأبوه شراحيل. فانتحى بعامر ناحية وسأله هل يشك في أمانة هؤلاء الشهود على صحة الكتاب. فقال عامر الشعبي: معاذ الله فإنهم "سادة القراء ومشيخة المصر وفرسان العرب ولا أرى مثل هؤلاء يقولون إلا حقًّا! " (¬1) ". فسأله ابن الأشتر أن يكتب له أسماءهم وكتب محضرًا صوريًّا بما وقع. فلما اطمأن قلبه بهذا امتثل لما ورد في الكتاب ووضع نفسه في خدمة المختار بن أبي عبيد" (¬2) ". ولما تقلب المختار وبدأ يظهر ما كان يكنه من الأفكار السبئية من عداوة السلف الصالح والطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخذوا يعتبون على المختار أنه تأمر عليهم بغير رضى منهم ولا بإذن من ابن الحنفية وأنه أظهر هو وسبئيته (ببدع ابتدعها في الإسلام) البراءة من أسلافهم الصالحين" (¬3) ". "واحتل هؤلاء الأشراف المراكز الرئيسية في الكوفة وحصروا ¬

(¬1) - الطبري 2/ 612 (¬2) - الخوارج والشيعة ص147، 148 (¬3) - الخوارج والشيعة ص155

افتراق الشيعة بعد مقتل الحسين

المختار في القصر والمسجد وقطعوا الاتصال بينه وبين الخارج. وحتى يفسد عليهم تدبيرهم اقترح عليهم أن يبعثوا من قبلهم وفدًا إلى ابن الحنفية ويرسل هو من قبله وفدًا إليه لسؤاله في تأييد ابن الحنفية له، ولكن لم ينجح في هذا التدبير" (¬1) ". ويقول: "كان المختار في الذروة، وكان أيضًا أمام الهاوية. فالشيعة العرب من الجيل القديم كانوا لا يثقون به حتى اعتزلوه جانبًا" (¬2) ". وهذا القدر يكفي لبيان الصراع الذي حدث بين الشيعة في التطور والتغير من المنهج الأول القديم، وبدأ الشيعة أكثرهم يعتقدون بمثل هذه الخرافات والسخافات عن الحمامات البيض بأنها ملائكة، وعن الكرسي المقدس والنبوءات وأخبار الغيب. ثم حصلت التفرقة في الشيعة مرة ثانية بعد قتل المختار: ففرقة قالت بإمامة علي بن الحسين، وكان يكنى بأبي محمد ويكنى بأبي بكر وهي كنيته الغالبة عليه فلم تزل مقيمة على إمامته حتى توفي بالمدينة في المحرم في أول سنة أربع وتسعين وهو ابن خمس وخمسين سنة، وكان مولده في سنة ثمان وثلاثين وأمه أم ولد يقال لها سلافة وكانت تسمى قبل أن تسبى جهانشاه وهي ابنة يزدجرد بن شهريار بن كسرى ابرويز بن هرمز وكان يزدجرد آخر ملوك فارس. (وفرقة) قالت انقطعت الإمامة بعد الحسين إنما كانوا ثلاثة أئمة مسمين بأسمائهم استخلفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصى إليهم وجعلهم حججًا على الناس وقومًا بعده واحدًا بعد واحد فلم يثبتوا إمامة لأحد بعدهم. ¬

(¬1) - الخوارج والشيعة ص156. (¬2) - الخوارج والشيعة ص159

الغرابية

(وفرقة) "قالت إن الإمامة صارت بعد مضي الحسين في ولد الحسن والحسين فهي فيهم خاصة دون سائر ولد علي بن أبي طالب وهم كلهم فيها شرع سواء من قام منهم ودعا لنفسه فهو الإمام المفروض الطاعة بمنزلة علي بن أبي طالب واجبة إمامته من الله عز وجل على أهل بيته وسائر الناس كلهم فمن تخلف عنه في قيامه ودعائه إلى نفسه من جميع الخلق فهو هالك كافر ومن ادعى منهم الإمامة وهو قاعد في بيته مرخى عليه ستره فهو كافر مشرك وكل من اتبعه على ذلك وكل من قال بإمامته" (¬1) ". وفرق أخرى كثيرة، منها من قالت بإمامة أبناء الحسن ومن قالت بغيره. ومنهم من ذهب إلى إثبات النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لغيره، ومنهم من أوجب الإلهية لغير الله عز وجل كما ذكرهم ابن حزم في فصله: فالطائفة التي أوجبت النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرق، فمنهم الغرابية وقولهم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أشبه بعلي من الغراب بالغراب، وأن الله عز وجل بعث جبريل عليه السلام بالوحي إلى علي، فغلط جبريل بمحمد .. وفرقة قالت بنبوة علي، وفرقة قالت بأن علي بن أبي طالب والحسن والحسين رضي الله عنهم وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي والحسن بن محمد والمنتظر ابن الحسن أنبياء كلهم. وفرقة قالت بنبوة محمد بن إسماعيل بن جعفر فقط وهم طائفة من القرامطة. وفرقة قالت بنبوة علي وبنيه الثلاثة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية ¬

(¬1) - فرق الشيعة للنوبختي الشيعي ص74

المعتقدون بألوهية العباد

فقط. وهم طائفة من الكيسانية وقد حام المختار حول [ادعاء] النبوة لنفسه وسجع أسجاعًا وأنذر بالغيوب عن الله تعالى واتبعه على ذلك طوائف من الشيعة الملعونة وقال بإمامة محمد بن الحنفية. وفرقة قالت بنبوة المغيرة بن سعيد ... وقالت فرقة منهم بنبوة منصور العجلي وهو الملقب بالكسف، وكان يقال إنه المراد بقول الله عز وجل: {وإن يروا كسفًا من السماء ساقطًا ... } والقسم الثاني الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري لعنه الله أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا مشافهة أنت هو فقال لهم ومن هو قالوا أنت الله فاستعظم الأمر وأمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار فجعلوا يقولون وهم يرمون في النار الآن صح عندنا أنه الله لأنه لا يعذب بالنار إلا الله وفي ذلك يقول رضي الله عنه: لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا ... أججت نارًا ودعوت قنبرا يريد قنبرًا مولاه وهو الذي تولى طرحهم في النار نعوذ بالله من أن نفتتن بمخلوق أو يفتتن بنا مخلوق فيما جل أو دقّ فإن محنة أبي الحسن رضي الله عنه من بين أصحابه رضي الله عنهم كمحنة عيسى صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من الرسل عليهم السلام وهذه الفرقة باقية إلى اليوم فاشية عظيمة العدد يسمون العليانية منهم كان إسحاق بن محمد النخعي الأحمر الكوفي وكان من متكلميهم وله في ذلك كتاب سماه الصراط نقض عليه البهنكي والفياض لما ذكرنا، ويقولون أن محمدًا رسول علي، وقالت طائفة من الشيعة يعرفون بالمحمدية أن محمدًا عليه السلام هو الله، تعالى الله عن كفرهم ... وفرقة قالت بإلاهية آدم عليه السلام والنبيين بعده نبيًّا نبيًّا إلى محمد عليه السلام ثم بإلاهية علي ثم بإلاهية الحسن ثم الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ووقفوا هاهنا وأعلنت

الخطابية بذلك نهارًا بالكوفة في ولاية عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فخرجوا صدر النهار في جموع عظيمة في ازرواردية محرمين ينادون بأعلى أصواتهم لبيك جعفر! لبيك جعفر قال ابن عياش وغيره كأني أنظر إليهم يومئذ فخرج إليهم عيسى بن موسى فقاتلوه فقتلهم واصطلمهم، ثم زادت فرقة على ما ذكرنا فقالت بإلاهية محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد وهم القرامطة وفيهم من قال بإلاهية أبي سعيد الحسن بن بهرام الجبائي وأبنائه بعده، ومنهم من قال بإلاهية أبي القاسم النجار القائم باليمن في بلاد همدان المسمى بالمنصور، وقالت طائفة منهم بإلاهية عبيد الله ثم الولاة من ولده إلى يومنا هذا، وقالت طائفة بإلاهية أبي الخطاب محمد بن أبي زينب مولى بني أسد بالكوفة وكثر عددهم بها حتى تجاوزوا الألوف وقالوا هو إله وجعفر بن محمد إله إلا أن أبا الخطاب أكبر منه وكانوا يقولون جميع أولاد الحسن أبناء الله وأحباؤه وكانوا يقولون أنهم لا يموتون ولكنهم يرفعون إلى السماء وأشبه على الناس بهذا الشيخ الذي ترون، ثم قالت طائفة منهم بإلاهية معمر بائع الحنطة بالكوفة وعبدوه كان من أصحاب أبي الخطاب لعنهم الله أجمعين، وقالت طائفة بإلاهية الحسن بن منصور حلاج القطن المصلوب ببغداد بسعي الوزير ابن حامد بن العباس رحمه الله أيام المقتدر، وقالت طائفة بإلاهية محمد بن علي ابن الشلمغاني الكاتب المقتول ببغداد أيام الراضي وكان أمر أصحابه أن يفسق الأرفع قدرًا منهم به ليولج فيه النور كل هذه الفرق ترى الاشتراك في النساء، وقالت طائفة منهم بإلاهية شباش المغيم في وقتنا هذا حيًّا بالبصرة، وقالت طائفة منهم بإلاهية أبي مسلم السراج ثم قالت طائفة من هؤلاء بإلاهية المقنع الأعور القصار القائم بثار أبي مسلم واسم هذا القصار هاشم وقتل لعنه الله أيام المنصور

وأعلنوا بذلك فخرج المنصور فقتلهم وأفناهم إلى لعنة الله، وقالت الرنودية بإلاهية أبي جعفر المنصور، وقالت طائفة منهم بإلاهية عبد الله بن الخرب الكندي الكوفي وعبدوه وكان يقول بتناسخ الأرواح وفرض عليهم تسعة عشر صلاة في اليوم والليلة في كل صلاة خمسة عشر ركعة إلى أن ناظره رجل من متكلمي الصفرية وأوضح له براهين الدين فأسلم وصح إسلامه وتبرأ من كل ما كان عليه وأعلم أصحابه بذلك وأظهر التوبة فتبرأ منه جميع أصحابه الذين كانوا يعبدونه ويقولون بإلاهيته ولعنوه وفارقوه ورجعوا كلهم إلى القول بإمامة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وبقي عبد الله بن الخرب على الإسلام وعلى مذهب الصفرية إلى أن مات وطائفته إلى اليوم تعرف بالحزبية ومن السبابية القائلين بإلهية علي، وطائفة تدعي النصرية وقد غلبوا في وقتنا هذا على جند الأردن والشام وعلى مدينة طبرية خاصة ومن قولهم لعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن الحسن والحسين ابني علي رضي الله عنهم وسبهم بأقذع السب وقذفهم بكل بلية والقطع بأنها وابنيها رضي الله عنهم ولعن مبغضيهم شياطين تصوروا في صورة الإنسان وقولهم في عبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل علي رضي الله عنه عن علي ولعنة الله على ابن ملجم فيقول هؤلاء أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي أفضل أهل الأرض وأكرمهم في الآخرة لأنه خلص روح اللاهوت مما كان يتشبث فيه من ظلمة الجسد وكدرة فأعجبوا لهذا الجنون واسألوا الله العافية من بلاء الدنيا والآخرة فهي بيده لا بيد أحد سواه جعل الله حظنا منها الأوفى، واعلموا أن كل من كفر هذه الكفرات الفاحشة ممن ينتمي إلى الإسلام فإنما عنصرهم الشيعة والصوفية فإن من الصوفية من يقول إن من عرف الله تعالى سقطت عنه الشرائع، وزاد بعضهم واتصل بالله

الشيعة بعد علي بن الحسين - الزيدية

تعالى، وبلغنا أن بنيسابور اليوم في عصرنا هذا رجلاً يكنى أبا سعيد أبا الخير هكذا معًا من الصوفية مرة يلبس الصوف ومرة يلبس الحرير المحرم على الرجال ومرة يصلي في اليوم ألف ركعة ومرة لا يصلي لا فريضة ولا نافلة وهذا كفر محض ونعوذ بالله من الضلال" (¬1) ". وقد ذكر هذه الفرق جلها كل من الأشعري والبغدادي والملطي والإسفرائيني وغيرهم من الأعلام. وجلّ هذه الفرق حدثت بعد قتل الحسين رضي الله عنه وفي أيام علي بن الحسين الملقب بزين العابدين. الشيعة بعد علي بن الحسين توفي علي بن الحسين وهو على ولاء كامل ووفاء تام لحكام بني أمية وخلفائه حتى إنه تجنب مساعدة ومناصرة كل من قام ضدهم في المدينة أو في مكة " (¬2) " الزيدية وخلف علي بن الحسين أولادأً كثيرين، منهم محمد المكنى بأبي جعغر الباقر وزيد وعمر وغيرهم، فاختلف الشيعة في أمر محمد بن علي وزيد بن علي، فقوم إتبعوا محمداً، وقوم منهم زيداً كما ذكر المؤرخ الشيعي: إن الزيدية قالوا بإمامة علي ثم ابنه الحسن ثم أخيه الحسين ثم ابنه زين العابدين، ثم ابنه زيد بن علي، وهو صاحب هذا المذهب، وخرج بالكوفة داعياً إلى الإمامة، فُقتل وصُلب بالكناسة. وقال الزبدية بإمامة ¬

(¬1) - الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ص183 وما بعد. (¬2) - انظر لذلك كتب التاريخ للشيعة والسنة.

ابنه يحيى من بعده، فمضى إلى خراسان وُقتل بالجوزجان بعد أن أوصى إلى محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن السبط. فخرج بالحجاز فُقتل، وعهد إلى أخيه إبراهيم، فقام بالبصرة ومعه عيسى بن زيد، فوجه إليهم المنصور عساكره، فقتل إبراهيم وعيسى .... وذهب آخرون من الزيدية، إلى أن الإمام بعد يحيى هو أخوه عيسى، ونقلوا الإمامة في عقبه، وقال آخرون منهم أن الإمام بعد محمد بن عبد الله هو أخوه إدريس الذي فر إلى المغرب ومات هناك، وقام بأمره ابنه إدريس واختط مدينة فاس. وكان عقبه ملوك المغرب، وكان منهم الداعي الذي ملك طبرستان، وأخوه محمد. ثم قام بهذه الدعوة في الديلم، الناصر الأطروش منهم، وأسلموا على يده (¬1). وأما النوبختي فكتب: الزيدية، الأقوياء منهم والضعفاء. فأما الضعفاء منهم فسموا العجلية، وهم أصحاب هارون سعيد العجلي، وفرقة منهم يسمون البترية، وهم أصحاب كثير النواء والحسن بن صالح بن حي وسالم بن أبي حفصة والحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وأبي المقدام ثابت الحداد، وهم الذين دعوا الناس إلى ولاية علي عليه السلام، ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر، فهم عند العامة أفضل هذه الأصناف، وذلك أنهم يفضلون علياً، ويثبتون إمامة أبي بكر، وينتقصون عثمان وطلحة والزبير، ويرون الخروج مع كل ولد علي عليه السلام، يذهبون في ذلك إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويثبتون لمن خرج من ولد علي الإمامة عند خروجه، ولا يقصدون في الإمامة قصد رجل بعينه حتى يخرج، كل ولد علي عندهم على السواء، من أي بطن كان. ¬

(¬1) الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين ص70،71،72، ومثل ذلك في شيعة دار سلام فارسي لمحمد حسين الطباطبائي ط قم. ص 34.

وأما الأقوياء منهم فمنهم أصحاب (أبي الجارود) وأصحاب (أبي خالد الواسطي) وأصحاب (فضيل الرسان) و"منصور بن أبي الأسود ". وأما (الزيدية) الذين يدعون (الحسينية) فإنهم يقولون: من دعا إلى الله عز وجل من آل محمد، فهو مفترض الطاعة. وكان (علي بن أبي طالب) إماماً في وقت ما دعا الناس وأظهر أمره، ثم كان بعد " الحسين " إماماً عند خروجه وقبل ذلك إذا كان مجانباً لمعاوية ويزيد بن معاوية حتى ُقتل، ثم زيد بن علي بن الحسين المقتول في الكوفة، أمه أم ولد. ثم يحيى بن زيد بن علي المقتول بخراسان وأمه ريطة بنت أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، ثم ابنه الآخر عيسى بن زيد بن علي، وأمه أم ولد، ثم محمد بن عبد الله بن الحسن وأمه هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن العزي بن قصي، ثم من دعا إلى طاعة الله من آل محمد صلى الله عليه وآله فهو إمام " (¬1). ولقد ذكر الشهرستاني عند ذكر فرق الشيعة واختلافهم في الآراء: الزيدية، أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي عليه السلام، ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة عليها السلام ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم، إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة يكون إماماً واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين، وعن هذا قالت طائفة منهم بإمامة محمد وإبراهيم الإمامين ابني عبد الله بن الحسن بن الحسين الذين خرجا في أيام المنصور، وُقتلا على ذلك. وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال، ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة. وزيد بن علي لما كان مذهبه هذا المذهب، أراد أن يحصل على الأصول والفروع حتى يتحلى بالعلم، ¬

(¬1) فرق الشيعة للنوبختي ص77 إلى 80

فتتلمذ في الأصول واصل بن عطاء الغزال رأس المعتزلة، مع اعتقاد واصل بأن جده علي بن أبي طالب في حروبه التي جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأصحاب الشام، ما كان على يقين من الصواب، وأن أحد الفريقين منهما كان على خطأ لا بعينه. فاقتبس منه الاعتزال، وصارت أصحابه كلها معتزلة. وكان من مذهبه جواز إمامه المفضول مع قيام الأفضل، فقال: كان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة، إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها، وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثائرة الفتنة، وتطييب قلوب العامة، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريبا، وسيف أمير المؤمنين علي عليه السلام عن دماء المشركين من قريش لم يجف بعد، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي، فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد، وكانت المصلحة أن يكون القيام بهذا الشأن من عرفوه باللين والتودد، والتقدم بالسن، والسبق في الإسلام، والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ألا ترى أنه لما أراد في مرضه الذي مات فيه تقليد الأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، زعق الناس وقالوا: لقد وليت علينا فظاً غليظاً، فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر لشدة وصلابة وغلظة له في الدين، وفظاظة على الأعداء، حتى سكنهم أبو بكر رضي الله عنه. وكذلك يجوز أن يكون المفضول إماماً والأفضل قائم، فيرجع إليه في الأحكام، ويحكم بحكمه في القضايا. ولما سمعت شيعة أهل الكوفة هذه المقالة منه، وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين، رفضوه، حتى أتى قدره عليه، فسميت رافضة. وجرت بينه وبين أخيه محمد الباقر مناظرة لا من هذا الوجه، بل من حيث كان يتلمذ لواصل بن عطاء، ويقتبس العلم ممن يجوّز الخطاء على جده في قتال الناكثين والقاسطين، ومن يتكلم في القدر على

الجارودية

غير ما ذهب إليه أهل البيت. ومن حيث إنه يشترط الخروج شرطاً في كون الأمام إماما. حتى قال له يوماً: على قضية مذهبك والدك ليس بإمام، لأنه لم يخرج قط، ولا تعرض للخروج. ولما قتل زيد بن علي، قام بالإمامة بعده يحيى بن زيد، ومضى إلى خراسان ... فزيد بن علي قتل بكناسة الكوفة، قتله هشام بن عبد الملك، ويحيى بن زيد قتل في خراسان، قتله أميرها، ومحمد الأمام قتله بالمدينة عيسى بن ماهان، وإبراهيم الإمام قتل بالبصرة، أمر بقتلهما المنصور. ولم ينتظم أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان ناصر الأطروش، فطلب مكانه ليقتل، فاختفى واعتزل إلى بلاد الديلم، والجبل لم يتحلوا بدين الإسلام بعد، فدعى الناس دعوة الإسلام على مذهب زيد بن علي، فدانوا بذلك، ونشأوا عليه. وبقيت الزيدية في تلك البلاد ظاهرين، وكان يخرج واحد بعد واحد من الأئمة، ويلي أمرهم، وخالفوا بني أعمامهم من الموسوية في مسائل الأصول، ومالت أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول، وطعنت في الصحابة طعن الإمامية، وهم أصناف ثلاثة: جارودية وسليمانية وبترية، والصالحية منهم والبترية على مذهب واحد. الجارودية، أصحاب أبي الجارود، زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على عليّ عليه السلام بالوصف دون التسمية، والإمام بعده علي، والناس قصروا، لم يتعرفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف، وإنما نصبوا أبا بكر باختيارهم، فكفروا بذلك. وقد خالف أبو الجارود في هذه المقالة، إمامه زيد ين علي، فإنه لم يعتقد بهذا الاعتقاد. واختلف الجارودية في التوقف والسوق، فساق بعضهم الإمامة من علي إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم إلى علي بن الحسين زين

معتقدات الزيدية

العابدين، ثم إلى زيد بن علي، ثم منه إلى الإمام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين ... والذين قالوا بإمامة محمد الإمام إختلفوا، فمنهم من قال: إنه لم يُقتل وهو بعد حي، وسيخرج فيملأ الأرض عدلاً، ومنهم من أقر بموته وساق الإمامة إلى محمد بن القاسم بن علي بن الحسين بن علي بن صاحب الطالقان. وقد أسر في أيام المعتصم، وحُمل إليه، فحبسه في داره حتى مات. ومنهم من قال بإمامة يحيى بن عمر صاحب الكوفة، فخرج ودعا الناس، واجتمع عليه خلق كثير، وُقتل في أيام المستعين، وُحمل رأسه إلى محمد بن عبد الله بن ظاهر، حتى قال فيه بعض العلوية: قتلت أعز من ركب المطايا ... وجئتك استلينك في الكلام وعزّ عليّ أن ألقاك إلا ... وفيما بيننا حد الحسام وهو يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين زيد بن علي. وأما أبو الجارود، فكان ُيسمى سرحوب. سماه بذلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر رضي الله عنه. وسرحوب، شيطان أعمى يسكن البحر " (¬1). وذكر القاضي النعمان الزيدية في أرجوزته بقوله: وقالت الطائفة الزيدية ... مقالة لم تكُ بالمرضية بأن كل قائم يقوم من ... نسل الحسين بن علي والحسن بسيفه يدعو إلى التقدم ... فهو الإمام دون من لم يقم منهم ومن كل إمرئ في وقته ... مستتراً قد انزوى في بيته واتبعوا زيداً على ما رتبوا ... من الدعاوي، وإليه نسبوا حتى إذا ُقتل قاموا بعده ... مع الحسين، حين قام وحده ¬

(¬1) الملل والنحل ج 1 ص207 ومابعد، ومثل ذلك في مقالات الاسلاميين ج1 ص28 ومابعد، ومقدمة إبن خلدون ص179، الفرق بين الفرق ص 29، والتبصير ص 32، الفصل ج 4 ص179، ومقاتل الطالبيين للأصفهاني الشيعي ص127 ومابعد.

واتبعوا يحيى بن زيد إذ بدا ... ثم تولوا بعده محمدا أعني ابن عبد الله من نسل حسن ... وكلهم ظل قتيلاً مرتهن فهؤلاء عندهم أئمة ... ومن يقوم بعدهم للأمة وكل من سواهم الرعية ... كسائر الأمة بالسوية (¬1). وقبل أن ننتهي من الكلام فيهم، نريد أن نذكر شيعة الكوفة، وجبنهم وتخاذلهم القديم. الكوفة التي وضعوا فيها روايات مختلقة كثيرة عن علي رضي الله عنه أنه قال: " كأني بك يا كوفة تمدين مد الأديم العكاظي، تعركين بالنوازل، وتركبين بالزلازل، وإني لأعلم أنه ما أراد بك جبار سوء إلا ابتلاه الله بشاغل، أو رماه بقاتل " (¬2). وقال: أنه ُيحشر من ظهورها يوم القيامة سبعون ألفاً، وجوههم على صورة القمر. وقوله عليه السلام: هذه مدينتنا ومحلتنا، ومقر شيعتنا. وقول جعفر بن محمد عليه السلام: اللهم ارم من رماها، وعاد من عاداها. وقوله عليه السلام: تربة تحبنا ونحبها " (¬3). نذكر في هذه الكوفة، عبارتين عن إمامي الشيعة الكبار، فإن المسعودي روى أن زيد بن علي بن الحسين الذي استشهد في سنة إحدى وعشرين ومائة، أو إثنتين وعشرين ومائة: " شاور أخاه أبا جعفر بن علي إبن الحسين بن علي، فأشار عليه بأن لا يركن إلى أهل الكوفة، إذ كانوا أهل غدر ومكر، وقال له: بها ُقتل ¬

(¬1) الأرجوزة المختارة للقاضي النعمان ص214 ط مونتريال - كندا. (¬2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص197. (¬3) أيضا ص198.

جدك علي، وبها ُطعن عمك الحسن، وبها ُقتل أبوك الحسين، وأعمالها شتمنا أهل البيت " (¬1). وأما الثاني، فهو المفيد يكتب وهو يذكر زيد بن علي: إنه لم يكره قوم قط حد السيف إلا ذلوا. فلما وصل إلى الكوفة، إجتمع إليه أهلها، فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب، ثم نقضوا وأسلموه فقتل، وصلب بينهم أربع سنين لا ينكر أحد منهم ولا يعينوه بيد ولسان " (¬2) هذا كان أمر الزيدية (¬3) وهؤلاء كانوا هم. وهناك فرق أخرى افترقوا وتفرعوا إلى فرق وفروع أخرى غير الزيدية، مثل الذين قالوا بإمامة عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حسن المثنى بن علي بن أبي طالب المقتول بها، " وزعموا أنه القائم وأنه الإمام المهدي وأنه ُقتل، وقالوا إنه حي لم يمت مقيم بجبل يقال له العلمية، وهو الجبل الذي في طريق مكة ونجد، الحاجز عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة، وهو الجبل الكبير، وهو عنده مقيم فيه حتى يخرج، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: القائم المهدي إسمه إسمي، واسم أبيه إسم أبي. وكان أخوه (إبراهيم بن عبد الله بن الحسن) خرج بالبصرة، ودعا إلى إمامة أخيه (محمد بن عبد الله) واشتدت شوكته، فبعث إليه المنصور بالخيل، فُقتل بعد حروب كانت بينهم. وكان (المغيرة بن سعد) قال بهذا القول لما توفي أبو جعفر محمد بن علي، وأظهر المقالة بذلك، فبرئت منه الشيعة أصحاب (أبي عبد الله جعفر بن محمد) عليهما السلام، ورفضوه، فزعم أنهم رافضة وأنه هو الذي سماهم بهذا الاسم، ونصب ¬

(¬1) مروج الذهب ج3 ص206. (¬2) الإرشاد المفيد ص269. (¬3) ولقد اختصرنا القول في الزيدية لقصدنا اصدار كتاب مستقل إن شاء الله.

أصحاب المغيرة إماماً، وزعم أن الحسين بن علي أوصى إليه ثم أوصى إليه علي بن الحسين، ثم زعم أن أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام وعلى آبائه السلام أوصى إليه، فهو الإمام إلى أن يخرج المهدي. وأنكروا إمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام، وقالوا لا إمامة في بني علي بن أبي طالب بعد أبي جعفر محمد بن علي، وأن الإمامة في (المغيرة بن سعيد) إلى خروج المهدي، وهو عندهم (محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن) وهو حي لم يمت ولم يُقتل، فسموا هؤلاء (المغيرية)، بإسم المغيرة بن سعيد، مولى خالد بن عبد الله القسري. ثم ترقى الأمر بالمغيرة، إلى أن زعم أنه رسول نبي، وأن جبرئيل يأتيه بالوحي من عند الله. فأخذه خالد بن عبد الله القسري فسأله عن ذلك، فأقر به، ودعا خالداً إليه، فاستتابه خالد، فأبى أن يرجع عن قوله، فقتله وصلبه، وكان يدّعي أنه يحيي الموتى، وقال بالتناسخ، وكذلك قول أصحابه إلى اليوم " (¬1). وطائفة إعتقدت الإمامة لمحمد الباقر بن علي زين العابدين، وقالوا إنه هو الإمام بعد أبيه بنص منه (¬2). وبعد وفاة محمد الباقر سنة أربعة عشرة بعد المائة، إجتمعت الشيعة حول إبنه جعفر، البقية الذين بقوا على إمامته لأن البعض منهم رجعوا ومالوا عن إمامته كما ذكر النوبختي: " وأما الذين ثبتوا على إمامة علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين، ثم لعلي بن الحسين عليه السلام، ثم نزلوا إلى القول بإمامة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين باقر العلم عليه السلام، فأقاموا على إمامته إلى أن توفى، غير نفر يسير منهم، فإنهم سمعوا رجلاً منهم ُيقال له (عمر بن رياح) زعم أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن مسألة، ¬

(¬1) فرق الشيعة للنوبختي ص82، 83، 84. (¬2) الكافي للكليني ج1 ص304.

الشيعة أيام جعفر بن الباقر

فأجابه فيها بجواب، ثم عاد إليه في عام آخر فسأله عن تلك المسألة بعينها فأجابه فيها بخلاف الجواب الأول، فقال لأبي جعفر: هذا خلاف ما أجبتني في هذه المسألة العام الماضي، فقال له: إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية. فشك في أمره وإمامته. فلقي رجلاً من أصحاب أبي جعفر ُيقال له (محمد بن قيس) فقال له: إني سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني فيها بجواب، ثم سألته عنها في عام آخر فأجابني فيها بخلاف جوابه الأول، فقلت له لم فعلت ذلك فقال فعلته للتقية، وقد علم الله أني ما سألته عنها إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به، فلا وجه لاتقائه إياي وهذه حالي. فقال له محمد بن قيس: فلعله حضرك من اتقاه. فقال له: ما حضر مجلسه في واحدة من المسألتين غيري، لا، ولكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التبكيت، ولم يحفظ ما أجاب به في العام الماضي فيجيب مثله. فرجع عن إمامته وقال: لا يكون إماماً من يفتي بالباطل على شيئ بوجه من الوجوه، ولا في حال من الأحوال، ولا يكون إماماً من يفتي تقية بغير ما يجب عند الله، ولا من يرخي ستره ويغلق بابه، ولا يسع الإمام إلا الخروج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فمال بسببه إلى قول البترية، ومال معه نفر يسير" (¬1). الشيعة أيام جعفر بن الباقر وفي أيامه كمل التطور في التشيع والتغير الجذري والتبدل التام الذي شمل عامة الشيعة، والذي كان بدؤه بعد مقتل الحسين رضي الله عنه وعلى أيدي السبئية، فإنهم استطاعوا بعد ستين سنة من قتله وبعد تسعين سنة من نشأتهم، فصل طائفة من الناس عن المسلمين في معظم ¬

(¬1) فرق الشيعة للنوبختي ص80، 81.

التطور التام والتغيير الجذري

المعتقدات وجل العقائد. الطائفة الكاملة التي تنسب إلى التشيع لعلي وأولاده رضي الله عنهم بجميع فرقها وطوائفها مع اختلاف القادة والزعماء واتجاهاتهم ومطامعهم، أغراضهم وأهدافهم، من حيث استغلوا النقمة المتوارثة والغضب الشديد المتنقل من الآباء إلى الأبناء من المحن والآلام والأوجاع نتيجة معارضة الحكام ومخالفة ولاة الأمور، والمقاتلة ضدهم والخروج عليهم والتشريد والتقتيل، زيادة على ذلك الدسائس والمؤامرات التي تدبر ويحكم نسيجها من وراء الأستار والتسميم الذهني والفكري، والاختلاط مع الشعوب الأجنبية بأفكارها وآرائها، المقهورة والمهزومة والمتغلب عليها وعلى بلادها وأمورها، والموتورة على الولاة وعساكرها الغازية المنصورة وجيوشها المظفرة المتغلبة، ثم واجتماع الفرس والموالي من البابليين والعاشوريين والكلدانيين وغيرهم من أصحاب الحضارات القديمة والثقافات الراقية - حسب زعمهم - واحتياجهم إلى منظمة ثائرة على الحكم والحكام، والناقمة على كل ما صدر منهم أو يصدر من الآراء والأفكار وحتى العقائد والمعتقدات. هذه الأشياء كلها جعلت التشيع يتقلب في قالب جديد، والشيعة تكون كتلة مختلفة عن الحكام والآخذين في زمام الأمور، إختلافا كاملا في جميع ما يذهبون إليه ويعتقدون به، وتشهد على ذلك رواية مروية عن جعفر أنه قال: إن كل حكم يخالف العامة يؤخذ به ويترك ما يوافقهم. فسأله سائل: جعلت فداك، أرأيت إن كان فقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفاً لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: ماخالف العامة ففيه الرشاد. فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً؟

قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل، حكامهم وقضاتهم، فيترك ويؤخذ بالآخر" (¬1). فيجب أن يكون هناك خلافاً، ويجب أن تكون مخالفة ولو على حساب القرآن والسنة، ولو على حساب الدين والمذهب. ولما كانت الأفكار السبئية والعقائد المختلقة منهم تناوئ الإسلام وتعاليمه، وكانت تلك العقائد والأفكار المختلقة المخترعة صادرة من الذين ادعوا التشيع لعلي، فكان الأجدر والأليق أن تتبنى و ُيتمسك بها، لأنها تخالف معتقدات العامة وصدرت من الذين انتحلوا حب علي ومودته. وبدأ الشيعة يتجاهرون، وبدأت الشيعة تصوغ وتصنع في ضوء العقائد السبئية المسائل والفتاوى في العبادات والمعاملات، وتشرع في العقائد والمعاملات، وتنسبها إلى أئمة أهل بيت علي رضي الله عنه، لتأسيس مذهب جديد وتكوين دين مستقل، له تشريعه وفقهه، وأصوله وأسسه، وقواعده وقوانينه، منفصلة عن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وقدمه للبشر كافة، واعتنقه أول ما اعتنق به أصحابه الأخيار ورفاقه الكرام البررة، ونقلوه عنه وتعاليمه التي أعطاها إياهم من القرآن وإرشادات الرسول الناطق بالوحي. وصار التشيع قائماً على أقاويل الرجال وأفعالهم سواء صدرت هذه الأقوال منهم أم لا ولكنها تكفي بأنها نسبت إليهم. وإن عارضها أو ناقضها أي هذه الأقوال والأفعال قول وفعل ثابت عنهم قالوا: لم يكن هذا إلا تقية. وإن خالفها الكتاب المنزل من السماء قالوا: إن الكتاب حصل فيه التغيير والتبديل. وإن عارضتها السنة الثابتة قالوا: إنها لم تنقل إلا عن المرتدين - عياذاً بالله - لأن أصحاب الرسول كلهم ارتدوا بعده إلا ثلاثة (¬2) فالقرآن مغيّر ومبدّل، ¬

(¬1) الأصول من الكافي، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث ج1 ص68. (¬2) انظر لتفصيل ذلك كتابنا (الشيعة والسنة) و (الشيعة أهل البيت) و (الشيعة والقرآن).

والحديث رواته كفرة مرتدون، فلا عبرة بهما. لأن القرآن والحديث يناصران العامة ونحن على خلاف ما يقوله العامة. ولأجل ذلك نبه أولاد علي رضي الله عنه، الطيبون منهم، على كذب وافتراء هؤلاء المنتحلين المدعين حبهم. كما روي عن جعفر بن الباقر - الإمام السادس المعصوم عند الشيعة - أنه قال: " لقد أمسينا وما أحد أعدى لنا ممن ينتحل مودتنا " (¬1). عنه أيضا أنه قال: " إنا أهل بيت صادقون، لا نخلوا من كذاب يكذب علينا، فيسقط صدقنا بكذبه عند الناس، كان رسول الله أصدق الله لهجة وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين (ع) أصدق من برأ الله من بعد رسول الله، وكان الذي يكذب عليه من الكذب عبد الله بن سبأ لعنه الله، وكان أبو عبد الله الحسين بن علي (ع) قد ابتلي بالمختار، ثم ذكر أبو عبد الله الحارث الشامي والبنان فقال: كانا يكذبان على علي بن الحسين (ع)، ثم ذكر المغيرة بن سعيد وبزيعا والسري وأبا الخطاب ومعمراًُ وبشار الأشعري وحمزة اليزيدي وصائب النهدي - أي أصحابه - فقال: لعنهم الله، إنا لا نخلوا من كذاب يكذب علينا، كفانا الله مؤنة كل كذاب وأذاقهم الله حر الحديد " (¬2). وعن حفيده علي الرضا - الإمام الثامن المعصوم حسب زعمهم - أنه قال: كان بنان يكذب على علي بن الحسين (ع) فأذاقه الله حر الحديد، وكان المغيرة بن سعيد يكذب على إبن جعفر (ع) فأذاقه الله حر الحديد، وكان محمد بن بشر يكذب على إبن الحسن علي بن موسى ¬

(¬1) رجال الكشي ص259 تحت ترجمة أبي الخطاب. (¬2) أيضا ص257، 258.

الرضى (ع) فأذاقه الله حر الحديد، وكان أبو الخطاب يكذب على أبي عبد الله (ع) فأذاقه الله حر الحديد، والذي يكذب علي، محمد بن الفرات (¬1). وعن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال: " لعن الله بنان البيان، وإن بنان لعنه الله كان يكذب على أبي، أشهد أن أبي كان عبداً صالحاً " (¬2). وبدءوا يتبرءون منهم، ويمنعون متبعيهم من الوقوع في شراكهم وحبائلهم، كما نقل الكشي عن جعفر أنه ذكر عنده جعفر بن واقد ونفر من أصحاب أبي الخطاب فقيل: أنه صار إليهم يتردد وقال فيهم: وهو الذي في السماء إله، وفي الأرض إله، قال هو الإمام، فقال أبو عبد الله (ع): لا والله لا يأويني وإياه سقف بيت أبدا، هم شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا، والله ما صغر عظمة الله تصغيرهم شيئاً قط، وإن عزيراً جال في صدره ما قالت اليهود، فمحى الله إسمه من النبوة. والله لو أن عيسى أقّر بما قالت فيه النصارى، لأورثه الله صمماً إلى يوم القيامة، والله لو أقررت بما يقول فيّ أهل الكوفة لأخذتني الأرض، وما أنا إلا عبد مملوك لا أقدر على ضر شيئ ولا نفع شيئ. محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن محمد قال: حدثني محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن زكريا عن ابن مسكان عن قاسم الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: " قوم يزعمون أني لهم إمام، والله ما أنا لهم بإمام، مالهم لعنهم الله كلما سترت ستراً هتكوه، هتك الله سترهم، أقول كذا، يقولون إنما يعني كذا، أنا إمام من أطاعني " (¬3). ¬

(¬1) أيضا ص256. (¬2) رجال الكشي ص255. (¬3) رجال الكشي ص254، 255.

افتراق الشيعة أيام الجعفر

ولكن باءت الجهود المخلصة بالفشل، وزادت الشيعة في غلوائهم وغيهم لكثرة ما وجد في ذلك الزمان من الكذابين ومن المنتحلين مودة أهل البيت، والمدعين موالاتهم ومشايعتهم من أبي الخطاب وأبي البصير المرادي وزرارة بن أعين وجابر الجعفي ومغيرة بن سعيد والهشامين وأبي الجارود وغيرهم. فكثرت الآراء وتشعبت، وزادت الفرق وتفرقت، ذهب بعضها إلى المذاهب البعيدة، وزاد حتى على السبئية مؤسسي بنيانها وواضعي نواتها، وقربت البعض منها، وأحصرت على تلقي ما لقنته السبئية وألقته إليهم، وقلل الأخذ بعض منها وأكثر البعض، ولقد أقر بذلك مؤرخ شيعي حيث قال: " ولم يتمكن الصادق - في تلك الظروف القاسية التي ظهرت فيها الزيدية - على أن يناظرهم غالباً في شيئ من أمر الإمامة، لأنه كان يتكتم فيها، ويتقي ملوك عصره، ويحذر من وشاتهم وجواسيسهم الكثيرة، ومع تكتمه الشديد قد أحضره المنصور وقال له: قتلني الله إن لم أقتلك، أتلحد في سلطاني؟ فقال له الصادق (ع): والله ما فعلت ولا أردت، وإن كان بلغك، فمن كاذب " (¬1). فمن الذين اختلفوا أول الأمر على جعفر وأخذوا عليه في حياته، من ذكرهم النوبختي: " وأما الفرقة الأخرى من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام، فنزلت إلى القول بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام، فلم تزل ثابتة على إمامته أيام حياته غير نفر منهم يسير، فإنهم لما أشار جعفر بن محمد إلى إمامة إبنه إسماعيل، ثم مات إسماعيل في حياة أبيه، ¬

(¬1) الشيعة في االتاريخ ص107، 108.

رجعوا عن إمامة جعفر، وقالوا كذبنا ولم يكن إماماً، لأن الإمام لا يكذب ولا يقول مالا يكون، وحكموا على جعفر أنه قال: إن الله عز وجل بداله في إمامة إسماعيل، فأنكروا "البداء " والمشيئة من الله، وقالوا هذا باطل لا يجوز، ومالوا إلى مقالة (البترية) ومقالة سليمان بن جرير، وهو الذي قال لأصحابه بهذا السبب أن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبداُ، وهما القول بالبداء وإجازة التقية. فأما البداء فإن أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون، والإخبار بما يكون في غد، وقالوا لشيعتهم أنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا، فإن جاء ذلك الشيئ على ما قالوه، قالوا لهم: ألم نعلمكم أن هذا يكون، فنحن نعلم من قِبَل الله عز وجل ما علمته الأنبياء، وبيننا وبين الله عز وجل مثل تلك الأسباب التي علمت بها الأنبياء عن الله ما علمت. وإن لم يكن ذلك الشيئ الذي قالوا إنه يكون على ما قالوا لشيعتهم، بدا لله في ذلك بكونه. وأما التقية، فإنه لما كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلال والحرام وغير ذلك من صنوف أبواب الدين، فأجابوا فيها، وحفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوهم وكتبوه ودونوه، ولم يحفظ أئمتهم تلك الأجوبة لتقادم العهد، وتفاوت الأوقات، لأن مسائلهم لم ترد في يوم واحد ولا في شهر واحد، بل في سنين متباعدة، وأشهر متباينة، وأوقات متفرقة. فوقع في أيديهم في المسألة الواحدة عدة أجوبة مختلفة متضادة، وفي مسائل مختلفة أجوبة متفقة. فلما وقفوا على ذلك منهم، ردوا إليهم هذا الإختلاف والتخليط في جواباتهم، وسألوهم عنه، وأنكروا عليهم فقالوا: من أين هذا الإختلاف؟ وكيف جاز ذلك؟ قالت لهم أئمتهم: إنما أجبنا بهذا للتقية، ولنا أن نجيب بما أجبنا، وكيف شئنا، لأن ذلك إلينا، ونحن نعلم بما يصلحكم وما فيه

مدعي الإمامة من أهل البيت في حياة جعفر

بقاؤكم، وكف عدوكم عنا وعنكم. فمتى يظهر من هؤلاء على كذب؟ ومتى يعرف لهم حق من باطل؟. فمال إلى سليمان بن جرير هذا لهذا القول، جماعة من أصحاب أبي جعفر، وتركوا القول بإمامة جعفر عليه السلام " (¬1). وهنا آخران من أهل البيت إدعيا الإمامة في حياة جعفر، وهما عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي، وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي. وهو الذي كان يقول: ولدني رسول الله صلى الله عليه وآله مرتين " (¬2). والذي قال عنه الأصفهاني الشيعي: " كان عبد الله بن الحسن بن الحسن شيخ بني هاشم والمقدم فيهم، وذا الكثير منهم فضلاً وعلماً وكرماً" (¬3). والثاني إبنه محمد بن عبد الله بن الحسن الملقب بالنفس الزكية، هو الذي كتب فيه الأصفهاني الشيعي: " وكان محمد بن عبد الله الحسن، من أفضل أهل بيته، وأكبر أهل زمانه في زمانه في علمه بكتاب الله، وحفظه له، وفقهه في الدين، وشجاعته، وجوده، وبأسه، وكل أمر يجمل بمثله، حتى لم يشك أحد أنه المهدي، وشاع ذلك له في العامة، وبايعه رجال من بني هاشم جميعاً، من آل أبي طالب، وآل العباس، وسائر بني هاشم " (¬4). وقد ذكر الكليني في (كافيه) إدعاءهما الإمامة زمن جعفر ودعوتهما إياه إليهما، حيث ذكر أن عبد الله بن الحسن دخل على جعفر بن الباقر وقال: ¬

(¬1) فرق الشيعة للنوبختي ص84إلى 87. (¬2) مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص181. (¬3) الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ج1 ص205، مقاتل ص180. (¬4) مقاتل ص233.

" قد علمت جُعلت فداك أن السن لي عليك، وأن في قومك من هو أسن منك، ولكن الله عز وجل قد قدم لك فضلاً ليس هو لأحد من قومك، وقد جئتك معتمداً لما أعلم من برّك، واعلم - فديتك - إنك إذا أجبتني لم يتخلف عني أحد من أصحابك، ولم يختلف علي إثنان من قريش ولا غيرهم. فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إنك تجد غيري أطوع لك مني ولا حاجة لك فيّ، فوالله إنك لتعلم أني أريد البادية أو أهم بها فأثقل عنها، وأريد الحج فما أدركه إلا بعد كد وتعب ومشقة على نفسي، فاطلب غيري وسله ذلك ولا تعلمهم أنك جئتني. فقال له: إن الناس مادون أعناقهم إليك، وإن أجبتني لم يتخلف عني أحد، ولك أن لا تكلف قتالاً ولا مكروهاً. قال: وهجم علينا ناس فدخلوا وقطعوا كلامنا، فقال أبي: جعلت فداك ما تقول؟. فقال: نلتقي إن شاء الله. فقال: أليس على ما أحب؟. فقال: على ما تحب إن شاء الله من إصلاحك ... فقال له أبوعبد الله عليه السلام: يا ابن عم، إني أعيذك بالله من التعرض لهذا الأمر الذي أمسيت فيه، وإني لخائف عليك أن يكسبك شرا. فجرى الكلام بينهما، حتى أفضى إلى ما لم يكن يريد. وكان من قوله: بأي شيئ كان الحسين أحق بها من الحسن؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: رحم الله الحسن، ورحم الحسين، وكيف ذكرت هذا؟ قال: لأن الحسين عليه السلام، كان ينبغي له إذا عدل أن يجعلها في الأسن من ولد الحسن ... فقام أبي يجر ثوبه مغضباً، فلحقه أبو عبد الله عليه السلام، فقال له: أخبرك أني سمعت عمك وهو خالك يذكر أنك وبني أبيك ستقتلون، فإن أطعتني ورأيت أن تدفع بالتي هي أحسن فافعل، فوالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الكبير المتعال على خلقه، لوددت أني فديتك بولدي وبأحبهم إلي بأحب أهل بيتي

إلي، وما يعدلك عندي شيئ، فلا ترى أني غششتك. فخرج أبي من عنده مغضباً أسفا ... ثم أتى محمد بن عبد الله بن حسن، فأخبر أن أباه وعمومته قتلوا - قتلهم أبو جعفر- إلا حسن بن جعفر وطباطبا وعلي بن ابراهيم وسليمان بن داوود بن حسن وعبد الله بن داود، قال: فظهر محمد بن عبد الله عند ذلك، ودعى الناس لبيعته، قال: فكنت ثالث ثلاثة بايعوه واستوثق الناس لبيعته، ولم يختلف عليه قرشي ولا أنصاري ولا عربي، قال: وشاور عيسى بن زيد وكان من ثقاته وكان على شرطه، فشاوره في البعثة إلى وجوه قومه، فقال له عيسى بن زيد: إن دعوتهم دعاء يسيراً لم يجيبوك، أو تغلظ عليهم، فخلني وإياهم، فقال له محمد: إمض إلى من أردت منهم، فقال: إبعث إلى رئيسهم وكبيرهم - يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام - فإنك إذا أغلظت عليه علموا جميعاً أنك ستمرهم على الطريق التي أمررت عليها أبا عبد الله عليه السلام، قال: فوالله ما لبثنا أن أتى بأبي عبد الله عليه السلام حتى أوقف بين يديه، فقال له عيسى بن زيد: أسلم تسلم، فقال له عبد الله عليه السلام: أحدثت نبوة بعد محمد صلى الله عليه وآله؟ فقال له محمد: لا، ولكن بايع تأمن على نفسك ومالك وولدك ولا تكلفن حرباً، فقال له أبوعبد الله عليه السلام: ما فيّ حرب ولا قتال، ولقد تقدمت إلى أبيك وحذرته الذي حاق به، ولكن لا ينفع حذر من قدر، يابن أخي عليك بالشباب، ودع عندك الشيوخ. فقال له محمد: ما أقرب ما بيني وبينك في السن، فقال له أبوعبد الله عليه السلام: إني لم أعازّك ولم أجيئ لأتقدم عليك في الذي أنت فيه. فقال له محمد: لا والله لابد من أن تبايع. فقال له أبوعبد الله عليه السلام: ما فيّ ياابن أخي طلب ولا حرب، وإني لأريد الخروج الى البادية

فيصدني ذلك ويثقل علي حتى تكلمني في ذلك الأهل غير مرة، ولا يمنعني منه إلا الضعف، والله والرحم أن تدبر عنّا ونشقى بك. فقال له: يا أبا عبد الله قد والله مات أبو الدوانيق - يعني أبا جعفر - فقال له أبو عبد الله عليه السلام: وما تصنع بي وقد مات؟ قال: أريد الحمال بك، قال: ما إلى ما تريد السبيل، لا والله ما مات أبو الدوانيق إلا أن يكون مات موت النوم. قال: والله لتبايعني طائعا ً أو مكرها ولا تحمد في بيعتك. فأبى عليه إباء شديداً، وأمر به إلى الحبس. فقال له عيسى بن زيد: أما إن طرحناه في السجن وقد خرب السجن وليس عليه اليوم غلق، خفنا أن يهرب منه. فضحك أبو عبد الله عليه السلام، ثم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أوتراك تسجنني؟ قال: نعم والذي أكرم محمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، لأسجننك ولأشددّن عليك. فقال عيسى بن زيد: إحبسوه في المخبأ - وذلك دار ريطة اليوم - فقال له أبو عبد الله عليه السلام: أما والله إني سأقول ثم أصدق. فقال له عيسى بن زيد: لو تكلمت لكسرت فمك. فقال له أبوعبد الله عليه السلام: أما والله يا أكشف يا أزرق، لكأني بك تطلب لنفسك جحراً تدخل فيه، وما أنت في المذكورين عند اللقاء، وإني لأظنك إذا صفق خلفك، طرت مثل الهيق النافر. فنفر عليه محمد بانتهار: إحبسه وشدد عليه وأغلظ عليه. فقال له أبو عبد الله عليه السلام: أما والله لكأني بك خارجاً من سدة أشجع إلى بطن الوادي وقد حمل عليك فارس معلم في يده طرّادة نصفها أبيض ونصفها أسود، على فرس كميت أقرح، فطعنك فلم يصنع فيك شيئاً وضربت خيشوم فرسه فطرحته، وحمل عليك آخر خارج من زقاق آل أبي عمار الدئليين عليه غديرتان مضفورتان، وقد خرجتا من تحت بيضة، كثير شعر الشاربين، فهو والله صاحبه، فلا رحم الله رمته. فقال له محمد:

الشيعة بعد وفاة جعفر

يا أبا عبد الله، حسبت فأخطأت. وقام إليه السراقي بن سلخ الحوت، فدفع في ظهره حتى أدخل السجن واصطفى ما كان له من مال وما كان لقومه ممن لم يخرج مع محمد " (¬1). هذا ما حصل في حياة جعفر بن الباقر من افتراق الشيعة وتحزبهم بأحزاب مختلفة، وتشعبهم بفرق متعددة. الشيعة بعد وفاة جعفر وأما بعد وفاته سنة ثمان وأربعين ومائة، حصل الإختلاف العظيم، وافترق الشيعة إلى فرق عديدة، ولقد عدها الكاتب الشيعي المشهور النوبختي، وهو الأوائل من كتب في الفرق من القوم، ست فرق فقال: " فلما توفي أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، إفترقت الشيعة بعده ست فرق ... ودفن في القبر الذي دفن فيه أبوه وجده في البقيع ... وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمهما أسماء (¬2). بنت عبد الرحمن بن أبي بكر " (¬3). والفرق الستة التي عدّها، الأولى منها: " الناووسية: وهي التي قالت إن جعفر بن محمد حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس، وأنه هو المهدي. وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال: إن رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدقوه، فإني صاحبكم. وإنه قال لهم: إن جاءكم من يخبركم عني أنه مرضني وغسلني وكفنني، فلا تصدقوه، فإني صاحبكم صاحب السيف. وهذه الفرقة ¬

(¬1) الأصول من الكافي، كتاب الحجة ج1 ص358 ومابعد. (¬2) وعلى ذلك كان يقول: لقد ولدني أبو بكر مرتين (كشف الغمة للأربلي الشيعي ج2ص161) (¬3) فرق الشيعة للنوبختي ص78

الناووسية السمطية

تسمى الناووسية. وُسميت بذلك لرئيس لهم من أهل البصرة يُقال له فلان بن فلان الناووس " (¬1). " وزعم قوم أن الذي يتبدى للناس لم يكن جعفرا، وإنما تصور لناس في تلك الصورة. وانظم إلى هذه الفرقة قوم من السبئية، فزعموا جميعاً أن جعفراً كان عالماً بجميع معالم الدين من العقليات والشرعيات، فإذا قيل للواحد منهم: ماتقول في القرآن أو في الرؤية أو في غير ذلك من أصول الدين أو في فروعه؟ يقول: أقول فيها ما كان يقوله جعفر الصادق، يقلدونه " (¬2). هذا ما حصل في حياة جعفر بن الباقر من افتراق الشيعة وتحزبهم بأحزاب مختلفة وتشعبهم في فرق متعددة. والفرقة الثانية: السمطية أو الشميطية: وهم القائلون إن الإمام بعد جعفر بن محمد إبنه محمد بن جعفر، وذلك لأن أباه جعفر وصي له في صباه، وكان يقول: إنه يشبه أبي محمد الباقر وجدي رسول الله، فجعل هؤلاء الإمامة في محمد بن جعفر وولده من بعده. وهذه الفرقة تسمى السمطية وتنسب إلى يحيى بن أبي السميط أو أبي الشميط " (¬3). والجدير بالذكر أن محمد بن جعفر هذا خرج أيام المأمون، ودعا الناس إلى نفسه: وبايع له أهل المدينة بإمرة المؤمنين " (¬4). ¬

(¬1) أيضاً ص87 - 88 (¬2) الفرق بين الفرق ص61، مقالات الإسلاميين ج1ص97، إعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص53، الملل والنحل للشهرستاني ج2ص3،2 الحور العين ص162، التبصير للإسفرائيني ص40، الفصل في الملل والأهواء والنحل لإبن حزم ج4ص 180، الخطط للمقريزي ج 4ص 174. (¬3) أنظر فرق الشيعة ص98، مقالات الإسلاميين ج1 ص99، الفرق بين الفرق ص 61، 62، إعتقادات للرازي ص54، التبصير ص41، الحور العين ص163، الملل لإبن حزم ج2 ص3. (¬4) مقاتل للأصفهاني ص357، الإرشاد ص 286، تاريخ بغداد ج2 ص114.

الفطحية

فحصلت بينه وبين جيوش المأمون بقيادة هارون بن المسيب معارك عديدة. ثم وجه إليه هارون خيلا فحاصرته في موضعه، لأنه كان موضعا حصينا لا يوصل إليه، فلما بقوا في الموضع ثلاثا ونفد زادهم وماؤهم، جعل أصحابه يتفرقون ويتسللون يمينا وشمالا، فلما رأى ذلك لبس بردا ونعلا، وصار إلى مضرب هارون فدخل إليه وسأله الأمان لأصحابه، ففعل هارون ذلك " (¬1). وذكر المفيد بأنه كان يرى رأى الزيدية في الخروج بالسيف، ولذلك اتبعه كثير من الزيدية الجارودية (¬2). والفرقة الثالثة: الفطحية: فلقد ذكرها الكشى تحت عنوان الفطحية بقوله: " هم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد، وسموا بذلك لأنه قيل أنه كان أفطح الرأس، وقال بعضهم: كان أفطح الرجلين، وقال بعضهم: إنهم نسبوا إلى رئيس من أهل الكوفة يقال له: عبد الله بن فطيح، والذين قالوا بإمامته عامة مشائخ العصابة وفقهائها، مالوا إلى هذه المقالة فدخلت عليهم الشبهة لما روى عنهم عليهم السلام أنهم قالوا: الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى إمام ... ثم إن عبد الله مات بعد أبيه بسبعين يوما، فرجع الباقون إلا شاذا منهم عن القول بإمامته إلى القول بإمامة أبي الحسن (ع) ورجعوا إلى الخبر الذي روى: إن الإمامة لا يكون في الآخوين بعد الحسن والحسين (ع) " (¬3). وذكر مثل هذا النوبختي الشيعي وزاد: " ومال إلى هذه الفرقة جل مشائخ الشيعة وفقهائها، ولم يشكوا في ¬

(¬1) مقاتل ص540، الإرشاد ص 286. (¬2) الإرشاد للمفيد ص286. (¬3) رجال الكشى ص219

أن الإمامة في محمد بن جعفر وفي ولده من بعده، فمات عبد الله ولم يخلف ذكرا " (¬1). وأما المفيد فقال: " وكان عبد الله بن جعفر أكبر إخوته بعد إسماعيل، ولم تكن منزلته عند أبيه كمنزلة غيره من ولده في الإكرام، وكان متهما بالخلاف على أبيه في الإعتقاد، ويقال أنه كان يخالط الحشوية، ويميل إلى مذهب المرجئة. وادعى بعد أبيه الإمامة، واحتج بأنه أكبر إخوته الباقين، فاتبعه ¬

(¬1) فرق الشيعة للنوبختي ص99.

الإسماعيلية

على قوله جماعة من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام. ثم رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة أخيه موسى عليه السلام، لما تبينوا ضعف دعواه وقوة أمر أبي الحسن (ع)، ودلالة حقه وبراهين إمامته. وأقام نفر يسير منهم على أمرهم، ودانوا بإمامة عبد الله بن جعفر، الطائفة الملقبة بالفطحية " (¬1). وقد ذكرهم الأربلي أيضاً في كشف الغمة (¬2). وُيسمون العمارية أيضاً كما ذكره الأشعري في (مقالات الإسلاميين) نسبة إلى رئيس لهم يُعرف بعمار (¬3). والجدير بالذكر أن الشيعة يروون روايات عن أئمتهم المعصومين حسب زعمهم بأن الإمامة في أكبر الأبناء كما روى الكليني: " عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن الأمر في الكبير ما لم تكن به عاهة " (¬4). وبذلك استدل على إمامته " واحتج بأنه أكبر الإخوة الباقين، فاتبعه جماعة من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام " (¬5). ثم ومع هذا كيف يعدلون عنه ولم يكن به عاهة؟ اللهم إلا أنهم يذكرون أنه كان يخالف أباه في العقائد (¬6). ونريد أن نلفت الأنظار، إلى أن ابن جعفر الآخر وهومحمد أيضاً، كان منكِراً لإمامة أبيه جعفر ومخالفاً لأفكاره وآرائه، كما ذكره الطوسي والمفيد (¬7). والفرقة الرابعة: الذين قالوا بإمامة موسى بن جعفر، وأنكروا إمامة عبد الله، وخطؤوه في فعله وجلوسه مجلس أبيه، وادعائه الإمامة (¬8). فسنذكر تفاصيل واختلافات هؤلاء فيما بعد، تحت أيام موسى الملقب بالكاظم. الإسماعيلية وأما الفرقة الخامسة والسادسة التي حدثت ونشأت من بين الشيعة، فهي الإسماعيلية. فأولاً نذكرهم من الشيعة أنفسهم، فيقول النوبختي: "وفرقة زعمت أن الإمام بعد جعفر بن محمد إبنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه، وقالوا: كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس لأنه خاف فغيبه عنهم، وزعموا أن إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض يقوم بأمر الناس، وأنه هو القائم، لأن أباه أشار إليه بالإمامة من بعده، وقلدهم ذلك له، وأخبرهم أنه صاحبه، والإمام لا يقول إلا الحق. فلما ظهر موته، علمنا أنه قد صدق، وأنه القائم، وأنه لم يمت. ¬

(¬1) الإرشاد ص285، 286. (¬2) ج2 ص393. (¬3) ج1ص99. (¬4) كتاب الحجة من الكافي في الأصول ج1ص357. (¬5) الإرشاد للمفيد ص285. (¬6) كشف الغمة للأربلي ج2ص393. (¬7) أظر أعلام الورى ص291، الإرشاد للمفيد ص286. (¬8) فرق الشيعة للنوبختي ص100.

وهذه الفرقة هي الإسماعيلية الخالصة " (¬1). ثم لهم فرق كثيرة، نذكر بعضها بالإختصار. فذكر المفيد تحت عنوان: أولاد أبي عبد الله وعددهم وأسماؤهم وطرف أخبارهم: " وكان إسماعيل أكبر الأخوة، وكان أبو عبد الله عليه السلام شديد المحبة له والإشفاق عليه، وكان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه والخليفة له من بعده، إذ كان أكبر إخوته سناً، ولميل أبيه إليه، وإكرامه له. فمات في حياة أبيه عليه السلام بالعريض، وحُمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة حتى دفن بالبقيع. وروي أن أبا عبد الله عليه السلام جزع عليه جزعاً شديداً، وحزن عليه حزناً عظيماً، وتقدم سريره بغير حذاء ولا رداء، وأمر بوضع سريره على الأرض قبل دفنه مراراً كثيرة، وكان يكشف وجهه وينظر إليه، يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانين خلافته له من بعده، وإزالة الشبهة عنهم في حياته. ولما مات إسماعيل (رحمه الله)، إنصرف عن القول بإمامته من بعد أبيه من كان يظن ذلك فيعتقده من أصحاب أبيه، وأقام على حياته شرذمة لم تكن من خاصة أبيه، ولا من الرواة عنه، وكانوا من الأباعد والأطراف. فلما مات الصادق عليه السلام انتقل فريق منهم إلى القول بإمامة موسى بن جعفر عليه السلام، وافترق الباقون فريقين، فريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل وقالوا بإمامة إبنه محمد بن إسماعيل، لظنهم أن الإمامة كانت في أبيه، وأن الإبن أحق بمقام الإمامة من الأخ. وفريق ثبتوا على حياة إسماعيل، وهم اليوم شذاذ لا يُعرف منهم ¬

(¬1) أيضاً ص89،88.

أحد يومى إليه. وهذان الفريقان يسميان بالإسماعيلية. والمعروف منهم الآن من يزعم أن الإمامة بعد إسماعيل في ولده وولد ولده إلى آخر الزمان " (¬1). وذكر مثل ذلك في كتب الشيعة الأخرى مثل (شرح إبن أبي الحديد) و (أعيان الشيعة) و (الشيعة في التاريخ). ولقد ذكر الإسماعيلية من السنة، كل من الأشعري والبغدادي والأسفرائيني والرازي والشهرستاني وغيرهم من المتقدمين، كما ذكرهم كثير من المتأخرين السنة، ولكن نذكر ما ذكره ابن خلدون، فيقول: " فأما الإسماعيلية فقالوا بإمامة إسماعيل الإمام بالنص من أبيه جعفر، وفائدة النص عليه عندهم وإن كان قد مات قبل أبيه، إنما هو بقاء الإمامة في عقبه، كقصة هارون مع موسى صلوات الله عليهما، قالوا: ثم انتقلت الإمامة من إسماعيل إلى إبنه محمد المكتوم، وهو أول الأئمة المستورين، لأن الإمام عندهم قد لا يكون له شوكة فيستتر، وتكون دعاته ظاهرين إقامة للحجة على الخلق، وإذا كانت له شوكة، ظهر وأظهر دعوته، قالوا: وبعد محمد المكتوم إبنه جعفر الصادق وبعده إبنه محمد الحبيب، وهو آخر المستورين، وبعده إبنه عبد الله المهدي الذي أظهر دعوته أبو عبد الله الشيعي في كتامة، وتتابع الناس على دعوته، ثم أخرجه من معتقله بسجلماسة، وملك القيروان والمغرب، وملك بنوه من بعد مصر، كما هو معروف في أخبارهم. ويسمى هؤلاء نسبة إلى القول بإمامة إسماعيل، ويسمون أيضاً بالباطنية، نسبة إلى قولهم بالإمام الباطن، أي المستور. ويسمون أيضاً الملحدة، لما في ضمن مقالاتهم من الإلحاد. ولهم مقالات قديمة، ومقالات جديدة دعا إليها الحسن بن محمد الصباح ¬

(¬1) الإرشاد للمفيد ص285،284.

موقف الإسماعيلية وأدلتهم

في آخر المائة الخامسة، وملك حصوناً بالشام والعراق، ولم تزل دعوته فيها إلى أن توزعها الهلاك بين ملوك الترك بمصر، وملوك التتر في العراق " (¬1). وذكرهم الشهرستاني بقوله: " الإسماعيلية قالوا: إن الإمام بعد جعفر إسماعيل نصاً عليه باتفاق من أولاده، إلا أنهم اختلفوا في موته في حال حياة أبيه، فمنهم من قال: لم يمت إلا أنه أظهر موته تقية من خلفاء بني العباس، وعقد محضراً وأشهد عليه عامل المنصور بالمدينة. ومنهم من قال: الموت صحيح، والنص لا يرجع القهقري، والفائدة في النص بقاء الإمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيره، فالإمام بعد إسماعيل محمد بن إسماعيل، وهؤلاء يقال لهم: المباركية. ثم منهم من وقف على محمد بن إسماعيل، وقال برجعته بعد غيبته. ومنهم من ساق الإمامة في المستورين منهم، ثم في الظاهرين القائمين من بعدهم " (¬2). ثم ساق أدلتهم لإثباتهم إمامة إسماعيل بن جعفر بقوله: "إسماعيل بن جعفر وهو إبنه الأكبر المنصوص في بدء الأمر، وقالوا: لم يتزوج الصادق على أمه بواحدة من النساء، ولا اشترى جارية، كسنة رسول الله في حق خديجة، وكسنة علي في حق فاطمة. وذكرنا اختلافهم في موته في حال حياة أبيه، فمنهم من قال: إنه مات، وإنما فائد النص عليه، انتقال الإمامة منه إلى أولاده خاصة، كما نص موسى إلى هارون عليهما السلام، ثم مات هارون في حال حياة أخيه، وإنما فائدة النص انتقال الإمامة منه إلى أولاده، فإن النص لا يرجع القهقري، والقول بالبدأ محال، ولا ينص الإمام على واحد من ولده إلا بعد السماع من آبائه، والتعيين لا يجوز على الإبهام والجهالة. ¬

(¬1) مقدمة إبن خلدون ص201 (¬2) الملل والنحل للشهرستاني ج2 ص5

ومنهم من قال: إنه لم يمت، لكن أظهر موته تقية عليه، حتى لا يقصد بالقتل. ولهذا القول دلالات: منها أن محمد كان صغيراً، وهو أخوه لأمه، مضى إلى السرير الذي كان إسماعيل نائماً عليه، ورفع الملاءة، فأبصره وهو قد فتح عينه، وعاد إلى أبيه مفزعاً وقال: عاش أخي، عاش أخي. قال والده: إن أولاد الرسول كذا يكون حالهم في الآخرة. قالوا: وما السبب في الإشهاد على موته؟. وعن هذا لما رفع إلى المنصور أن إسماعيل بن جعفر رؤي بالبصرة على مقعد فدعى فبرئ بإذن الله، بعث المنصور إلى الصادق أن إسماعيل في الأحياء، وأنه رؤي بالبصرة، أنفذ السجل إليه وعليه شهادة عامله بالمدينة. قالوا: وبعد إسماعيل، محمد بن إسماعيل السابع التام، وإنما تم دور السبعة به. ثم ابتدى منه بالأئمة المستورين الذين كانوا يسيرون في البلاد، ويظهرون الدعاة جهراً، قالوا: ولن تخلوا الأرض قط من إمام حيّ، إما ظاهر مكشوف، وإما باطن مستور. فإذا كان الإمام ظاهراً، يجوز أن يكون حجته مستورة، وإذا كان الإمام مستوراً فلابد أن يكون حجته ودعاته ظاهرين، وقالوا: إنما الأئمة تدور أحكامهم على سبعة كأيام الأسبوع والسموات السبع والكواكب السبع. والنقباء تدور أحكامهم على أثنى عشر، قالوا: وعن هذا وقعت الشبهة للإمامية القطعية حيث قرروا عدد النقباء للأئمة، ثم بعد الأئمة المستورين كان ظاهر المهدي والقائم بأمر الله وأولادهم نصاً بعد نص على إمام بعد إمام. ومذهبهم أن من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية، وكذلك من مات ولم يكن في عنقه بيعة إمام، مات ميتة جاهلية ... وأشهر ألقابهم الباطنية، وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنا، ولكل تنزيلاً تأويلا. ولهم ألقاب غير هذا من القرامطة والمزدكية والملحدة. وهم

القرامطة

يقولون: نحن إسماعيلية لأنا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا الإسم .. ثم أصحاب الدعوة الجديدة تنكبوا هذه الطريقة، حين أظهر الحسن بن الصباح دعوته وقصر عن الإلزامات كلمته واستظهر بالرجال وتحصن بالقلاع. وكان بدؤ صعوده إلى قلعة الموت في شعبان سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، وذلك بعد أن هاجر إلى بلاد إمامه، وتلقى منه كيفية الدعوة لأبناء زمانه. فعاد ودعا الناس أول دعوة إلى تعيين إمام صادق قائم في كل زمان، وتمييز الفرقة الناجية من سائر الفرق بهذه النكتة، وهو أن لهم إماماً وليس لغيرهم إمام " (¬1). القرامطة وتفرعت على الإسماعيلية فرق عديدة، والمشهور منها: القرامطة المنسوبون إلى حمدان الأشعث المعروف بقرمط لقصر قامته ورجليه وتقارب خطوه، في سنة أربع وستين ومائتين 264هـ. وكان ظهوره بسواد الكوفة، فاشتهر مذهبه بالعراق، وقام ببلاد الشام صاحب الحال، والمدثرالمطوق. وقام أبو سعيد الجنابي بالبحرين، وعظمت دولته ودولة بنيه، حتى أوقعوا بعساكر الخلفاء العباسيين، وغزوا بغداد والشام ومصر والحجاز، وانتشرت دعاتهم بأقطار الأرض. فدخل جماعة من الناس في دعوتهم، ومالوا إلى قولهم الذي سموه علم الباطن، وهو تأويل شرائع الإسلام، وصرفها عن ظواهرها إلى أمور زعموها من عند أنفسهم، فضلوا وأضلوا عالماً كثيرا. وقيل غير ذلك في تاريخ ظهور حمدان هذا في تسمية بقرمط، يقول الوطواط " ظهر في أيام خلافة المعتمد سنة 278هـ من سواد الكوفة، ¬

(¬1) الملل والنحل ج2 ص33،32.

رجل أحمر العينين يسمى كرميته، فاستثقلوا هذه اللفظة، فخففوها وقالوا قرمط. ثم ذكر أنواع تعاليمه وبدعه الفاسدة، وذكر أن المعز الفاطمي وقائده جوهر، قد حاربا القرامطة حروباً دامية سنة 362هـ ". ويقول إبن خلكان: " والقرامطة نسبتهم إلى رجل من سواد الكوفة، يقال له قِرمط بكسر القاف، ولهم مذهب مذموم، وكانوا قد ظهروا في سنة 281هـ في خلافة المعتضد، وقيل كان ظهورهم في سنة 278هـ ". ويرى أبو الفداء " أن ظهورهم كان في هذه السنة أي سنة 278هـ في سواد الكوفة، وأن الرجل الذي دعاهم إلى مذهبه كان شيخاً وقد تمرض بقرية من سواد الكوفة، فحمله رجل من أهل القرية يقال له كرميته لحمرة عينيه وهو بالنبطية إسم لحمرة العين. فلما تعافى الشيخ المذكور سمي بإسم ذلك الرجل الذي آواه ومرضه. ثم ُخفف فقالوا قِرمط. ودعا قوماً من أهل البادية ممن ليس لهم دين ولا عقل إلى دينه، فأجابوه ". ولايهمنا أكان الرجل الذي دعا القرامطة هو نفس الرجل المسمى بقرمط أو غيره، ولكنه سمي بإسم قرمط، وإنما يهمنا أن نعرف تاريخ ظهورهم في أي سنة كان، لنعرف أكان في زمن الأئمة من أهل البيت أم لا. وقد رأيت إختلاف الروايات في تحديد زمان ظهورهم. والأرجح أنه كان في سنة 278هـ، أي بعد انقضاء زمن الأئمة الميامين، وفي أثناء الغيبة الصغرى للإمام الثاني عشر " (¬1). وقد ذكرهم الأشعري بقوله: " القرامطة يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بن أبي طالب، وأن علياً نص على إمامة إبنه الحسن، وأن الحسن بن علي نص على ¬

(¬1) الشيعة في التاريخ ص231 - 234.

الأغاخانية والبهرة

إمامة أخيه الحسين بن علي، وأن الحسين بن علي نص على إمامة إبنه علي بن الحسين، وأن علي بن الحسين نص على إمامة إبنه محمد بن علي، ونص محمد بن علي على إمامة إبنه جعفر، ونص جعفر على إمامه إبنه محمد بن إسماعيل، وزعموا أن محمد بن إسماعيل حي إلى اليوم لم يمت، ولا يموت حتى يملك الأرض، وأنه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به، واحتجت في ذلك بأخبار رووها عن أسلافهم، يخبرون فيها أن سابع الأئمة قائمهم " (¬1). كما ذكرهم الآخرون: ومنهم المباركية وغيرها، والموجود المشهور منها فرق ثلاثة: الآغاخانية أو النزارية أتباع آغاخان، والبهرة أو المستعلية والسليمانية. ولكل واحدة منها عقائد وآراء متفقة في بعضها ومختلفة في البعض الأخرى منها، ولنا فيهم في جميع فرقهم وعقائدهم، آرائهم وأفكارهم والأسس التي قامت عليها معتقادتهم، وفي تاريخهم وفي بداية أمرهم، كلام مستقل طويل ناقشنا فيه آراء المستشرقين والكتاب المصريين والإسماعيليين، السوريين منهم والهنديين، وفندنا بعض الآراء التي ابتنوها عن هؤلاء القوم وأثبتنا أخطاءهم الفاحشة، التاريخية منها والعقائدية. كما أوردنا في بحثنا ذاك معلومات جديدة حقيقية عن معتقدات القوم الأصلية من كتبهم العتيقة القديمة، المخطوطة منها والمطبوعة. وأثبتنا فيه جهالات كثيرة للأسماء الكبيرة وللأشخاص المشهورة المعروفة، وحتى من يتربع على زعامة الإسماعيلية ويدعي أنه من أكابرها، وهذا في كتاب مستقل (¬2). ولأجل ذلك تجنبنا إطالة القول في ¬

(¬1) مقالات الإسلاميين ج1 ص98 (¬2) وسيصدر هذا الكتاب عما قريب إن شاء الله بعد صدور هذا الكتاب، وكنا ننوي اصداره قبل هذا حيث كنا قد جمعنا كل شئ عن الاسماعيلية ولكننا تأخرنا بعدما سمعنا بوجود بعض المخطوطات الأخرى التي لم نحصل عليها حتى الآن، فأردنا أن لا ينقصنا شئ من ذلك، ويكون البحث كاملاً شاملاً وجامعاً مانعاً قدر الاستطاعة وما ذلك على الله بعزيز. وإننا لنرى بأن هذا الكتاب سيثير ضجة كبرى في الأوساط العلمية العالمية حيث اكتشفنا فيه بعض الحقائق المستورة التي لم يهتد إليها من اشتهر وعرف في العالم بتخصصه من المستشرقين والمصريين، وحتى من الإسماعيلية أنفسهم، كما كشفنا فيه النقاب عن بعض البديهيات التي خفيت على هؤلاء الفئة من الناس فهناك وفيه الملتقى إن شاء الله في التفصيل.

الدروز

كتابنا هذا عنهم وعن عقائدهم، واكتفينا بنقل الأقوال وسرد العبارات عمن كتب في الفرق من الشيعة والسنة، كيلا نخرج عن أصل الموضوع ولا يطول بنا الحديث. الدروز ومن الفرق التي تفرعت وخرجت من الإسماعيلية ومنها أخذت أفكارها وعقائدها طائفة الدروز. وكانت نشأتها أيام الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي تولى ملك مصر بعد وفاة أبيه سنة 386هـ وكان عمره آنذاك أحد عشر عاماً، واستقل به سنة 390هـ بعد قتل أحد الأوصياء عليه (¬1). فاستغل صغر عمره وطموحه وشذوذه في المأكل والمشرب والسكن والقيام والهالة المقدسة التي كانت تحيطه بعض دعاة الإسماعيلية الملاحدة مرسلوا الفرس والمجوس، فأحاطوا به، وزيّنوا له فكرة ألوهيته وربوبيته. وكان من أبرزهم حمزة بن علي أحمد الزوزني، ومحمد بن إسماعيل الدرزي، والحسن بن حيدرة الفرغاني، وغيرهم المشهور بالأخرم أو الأجدع (¬2). فذهبوا شأواً بعيداً في الإنحراف والإنحلال. ويقول المؤرخون: إن بداية الدعوة إلى ألوهية الحاكم كانت سنة 408هـ (¬3). ومن أهم عقائدهم، ألوهية الحاكم كما ورد في مصحف الدروز ميثاق للدرزيين أن يقولوا: " آمنت بالله، ربي الحاكم، العلي الأعلى، ¬

(¬1) أنظر سمط النجوم العوالي ج2ص414. (¬2) أنظر طائفة الدروز لمحمد كامل حسين ص75. (¬3) أضواء على العقيدة الدرزية لأحمد فوزان، طائفة الدروز لمحمد كامل حسين.

عقائد الدروز

رب المشرقين، ورب المغربين، وإله الأصلين والفرعين، منشئ الناطق والأساس، مظهر الصورة الكاملة بنوره، الذي على العرش استوى، وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى، وآمنت به، وهو رب الرجعى، وله الأولى والآخرة، وهو الظاهر والباطن. وآمنت بأولى العزم من الرسل، ذوي مشارق التجلي المبارك حولها وبحاملي العرش الثمانية، وبجميع الحدود، وأؤمن عاملاً قائماً بكل أمر ومنع ينزل من لدن مولانا الحاكم، وقد سلمت نفسي وذاتي وذواتي، ظاهراً وباطناً، علماً وعملاً، وأن أجاهد في سبيل مولانا سراً وجهراً بنفسي ومالي وولدي وما ملكت يميني، قولاً وعملاً، وأشهدت على هذا الإقرار جميع ما خلق بمشارقي ومات بمغاربي. وقد التزمت وأوجبت على هذا نفسي وروحي بصحة من عقلي وعقيدتي، وإني أقّر بهذا غير مكره أو منافق، وإنني أشهد مولاي الحق الحاكم، من هو في السماء إله وفي الأرض إله، وأشهد مولاي هادي المستجيبين، المنتقم من المشركين المرتدين، حمزة بن علي بن أحمد، من به أشرقت الشمس الأزلية، ونطقت فيه وله سحب الفضل: أنني قد برئت وخرجت من جميع الأديان والمذاهب والمقالات والإعتقادات قديمها وحديثها، وآمنت بما أمر به مولانا الحاكم الذي لا أشرك في عبادته أحداً في جميع أدواري " (¬1). ومن عقائدهم: التناسخ والحلول: كلما مات إنسان إنتقلت روحه لمولود جديد (¬2). كما أن من أهم عقائدهم الغيبة والرجعة، ويقولون بأن الحاكم بأمر الله غاب عن الأبصار، وسيرجع في آخر الزمان وسيحل عند الركن ¬

(¬1) مصحف الدروز: عرف العهد والميثاق ص107،108. (¬2) الدروز والثورة السورية لكريم ثاقب ص34.

كلام ابن تيمية في الدروز

اليماني من الكعبة. وغيره من العقائد المشتركة بينهم وبين الشيعة. ولقد ذكرهم شيخ الإسلام إبن تيمية، هؤلاء والنصيرية، في جواب سائل سأله: " الدرزية هم أتباع هشتكين الدرزي، وكان من موالي الحاكم، أرسله إلى أهل وادي تيم الله بن ثعلبة، فدعاهم إلى إلاهية الحاكم. ويسمونه الباري، العلام، ويحلفون به. وهم من الإسماعيلية القائلين بأن محمد بن إسماعيل نسخ شريعة محمد بن عبد الله. وهم أعظم كفراً من الغالية. يقولون بقدم العالم، وإنكار المعاد، وإنكار واجبات الإسلام ومحرماته. وهم من القرامطة الباطنية الذين هم أكفر من اليهود والنصارى ومشركي العرب. وغايتهم أن يكونوا فلاسفة على مذهب أرسطو وأمثاله، أو مجوسا. وقولهم مركب من قول الفلاسفة والمجوس، ويظهرون التشيع نفاقاً. والله أعلم ". فقال شيخ الإسلام رداً عليه: " كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون، بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم. لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين. بل هم الكفرة الضالون، فلا يُباح أكل طعامهم، وُتسبى نساؤهم، وُتؤخذ أموالهم. فإنهم زنادقة مرتدين لا ُتقبل توبتهم، بل ُيقتلون أينما ُثقفوا، وُيلعنون كما وصفوا، ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ، ويجب قتل علمائهم وصلحائهم، لئلا يضلوا غيرهم. وُيحرم النوم معهم في بيوتهم، ورفقتهم، والمشي معهم، وتشييع جنائزهم إذا علم موتها. ويحرم على ولاة أمور المسلمين إضاعة ما أمر الله من إقامة الحدود عليهم بأي شيئ يراه المقيم المقام عليه " (¬1). فهذه هي الفرق التي افترقت وحدثت ونشأت بعد موت جعفر بن ¬

(¬1) فتاوي شيخ الإسلام ج 35 ص162،161.

فرق الشيعة أيام موسى الكاظم

الباقر، وتفرقت آراؤهم، واختلفت أقوالهم مع اتفاقهم على توارث الأفكار السبئية. فرق الشيعة أيام موسى الكاظم ثم الذين قالوا بإمامة موسى بن جعفر أيضاً تفرقوا إلى فرق عديدة في حياته وبعد مماته. كما ذكر النوبختي الشيعي: " ثم إن جماعة من المؤتمين بموسى بن جعفر لم يختلفوا في أمره، فثبتوا على إمامته إلى حبسه في المرة الثانية، ثم اختلفوا في أمره، فشكوا في إمامته عند حبسه في المرة الثانية التي مات فيها في حبس الرشيد، فصاروا خمس فرق " (¬1) وذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائة. فالفرقة الأولى قالت: أنه مات في حبس السندى بن شاهك، وأن يحيى بن خالد البرمكي سمّه في رطب وعنب بعثهما إليه فقتله. وأن الإمام بعد موسى، علي بن موسى الرضا، فسميت هذه الفرقة القطعية، لأنها قطعت على وفاة موسى بن جعفر وعلى إمامة عليّ إبنه بعده، ولم تشك في أمرها ولا ارتابت ومضت على المنهاج الأول. وقالت الفرقة الثانية: أن موسى بن جعفر لم يمت، وأنه حي ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها كلها عدلاً كما ملئت جوراً، وأنه القائم المهدي. وزعموا أنه خرج من الحبس، ولم يره أحد نهاراً ولم يعلم به. وأن السلطان وأصحابه إدعوا موته وموّهوا على الناس وكذبوا، وأنه غاب عن الناس واختفى. ورووا في ذلك روايات عن أبيه ¬

(¬1) فرق الشيعة للنوبختي ص100.

جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: "هو القائم المخبأ، فإن يدهده رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا، فإنه القائم " (¬1). وسُميت هذه الفرقة بالموسوية لانتظارها موسى بن جعفر" (¬2). كما تُسمى المفضلية: لأنهم نسبوا إلى رئيس لهم ُيقال له المفضل بن عمر، وكان ذا قدر فيهم (¬3). وُيقال لهم الممطورة: لأنهم لما أظهروا هذه المقالة، قال لهم قوم: والله ما أنتم إلا كلاب ممطورة، يعني أنهم من الكلاب المبتلة بالمطر، من غاية ركاكة هذه المقالة (¬4). ولأن الناس يطردونهم ويتحرزون منهم (¬5). وقد ذكرهم إين حزم في الفصل (¬6). والفرقة الثانية قالت: " أنه القائم وقد مات، ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع فيقوم ويظهر، وزعموا أنه قد رجع بعد موته، إلا أنه مختف في موضع من المواضع حي يأمر وينهى، وأن أصحابه يلقونه ويرونه. واعتلوا في ذلك بروايات عن أبيه أنه قال: سُمي القائم لأنه يقوم بعد ما يموت " (¬7). والفرقة الثالثة قالت: " أنه مات وأنه القائم، وأن فيه شبهاً من عيسى بن مريم صلى الله عليه، ¬

(¬1) أيضاً ص101. (¬2) الفرق بين الفرق ص63. (¬3) مقالات الإسلاميين للأشعري ج1ص101. (¬4) إعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص54. (¬5) التبصيرص41. (¬6) ج4 ص179. (¬7) فرق الشيعة ص101.

وأنه لم يرجع ولكنه يرجع في وقت قيامه، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا، وأن أباه قال: إن فيه شبهاً من عيسى بن مريم، وأنه يُقتل في يدي ولد العباس، فقد قتل " (¬1). والرابعة قالت: "لا ندري أهو حي أم ميّت، لأنا قد روينا فيه أخباراً كثيرة تدل على أنه القائم المهدي، فلا يجوز تكذيبها، وقد ورد علينا من خبر وفاة أبيه وجده والماضين من آبائه عليهم السلام في معنى صحة الخبر. فهذا أيضاً مما لا يجوز ردّه وإنكاره لوضوحه وشهرته وتواتره من حيث لا يكذب مثله، ولا يجوز التواطؤ عليه، والموت حق والله عز وجلّ يفعل ما يشاء، فوقفنا عند ذلك على إطلاق موته وعلى الإقرار بحياته، ونحن مقيمون على إمامته لا نتجاوزها، حتى يصح لنا أمره وأمر هذا الذي نصب نفسه مكانه وادعى الإمامه - يعنون علي بن موسى الرضا - فإن صحت لنا إمامته كإمامة أبيه من قبله بالدلالات والعلامات الموجبة للإمامة بالإقرار منه على نفسه بإمامته وموت أبيه، لا بأخبار أصحابه سلمنا له ذلك وصدقناه " (¬2). ومثل ذلك ذكر الرازي في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (¬3). والأشعري في مقالات الإسلاميين (¬4) والملطي في التنبيه (¬5) والإسفرائيني في التبصير (¬6) والبغدادي في الفرق بين الفرق (¬7) والمفيد في الإرشاد (¬8) والشهرستاني في الملل والنحل (¬9). ¬

(¬1) أيضاً ص102. (¬2) أيضاً ص103، 104. (¬3) ص54. (¬4) ج1 ص88. (¬5) ص38. (¬6) ص42. (¬7) ص63. (¬8) ص 302. (¬9) ج 2 ص4،3. الهامش

وكانت هناك فرقة أخرى سادسة وهي: البشرية، ذكرها النوبختي بقوله: (البشرية) أصحاب محمد بن بشير مولى بني أسد من أهل الكوفة، قالت: " إن موسى بن جعفر لم يمت ولم يحبس، وإنه حي غائب، وإنه القائم المهدي، في وقت غيبته استخلف على الأمر محمد بن بشير، وجعله وصيه، وأعطاه خاتمه، وعلمه جميع ما يحتاج إليه رعيته، وفوّض إليه أموره، وأقامه مقام نفسه. فمحمد بن بشير الإمام بعده، وأن محمد بن بشير لما توفي أوصى إلى ابنه سميع بن محمد بن بشير فهو الإمام، ومن أوصى إليه (سميع) فهو الإمام المفترض الطاعة على الأمة إلى وقت خروج موسى وظهوره، فما يلزم الناس من حقوقه في أموالهم وغير ذلك مما يتقربون به إلى الله عز وجلّ، فالفرض عليهم أداؤه إلى هؤلاء إلى قيام القائم. وزعموا أن علي بن موسى، ومن ادعى الإمامة من ولد موسى بعده فغير طيب الولاده، ونفوهم عن أنسابهم، وكفروهم في دعواهم الإمامة، وكفروا القائلين بإمامتهم، واستحلوا دماءهم وأموالهم، وزعموا أن الفرض من الله عليهم، إقامة الصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان. وأنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض. وقالوا بإباحة المحارم من الفروج والغلمان. واعتلوا في ذلك بقول الله عز وجل " أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً (42 - 50) وقالوا بالتناسخ، وأن الأئمة عندهم واحد، إنما هم منتقلون من بدن إلى بدن. والمساواة بينهم واجبة في كل ما ملكوه من مال، وكل شيئ أوصى به رجل منهم في سبيل الله فهو لسميع بن محمد وأوصيائه من بعده " (¬1). ولقد ذكر محمد بن بشير هذا، الكشي في رجاله، بقوله: " أن محمد بشير لما مضى أبو الحسن (ع) ووقف عليه الواقفة، جاء ¬

(¬1) فرق الشيعة ص105،104.

محمد بن بشير- وكان صاحب شعبذة ومخارق معروفاً بذلك - فادعى أنه يقول بالوقف على موسى بن جعفر (ع) هو كان ظاهراً بين الخلق يرونه جميعاً، يتراءى لأهل النور بالنور، ولأهل الكدرة في مثل خلقهم بالإنسانية والبشرية اللحمانية. ثم حجب الخلق جميعاً عن إدراكه، وهو قائم فيهم موجود كما كان، غير أنهم محجوبون عن إدراكه كالذي كانوا يدركونه. وكان محمد بن بشير هذا من أهل الكوفة، من موالي بني أسد وله أصحاب، قالوا: أن موسى بن جعفر لم يمت ولم يُحبس، وأنه غاب واستتر، وهو القائم المهدي، وأنه في وقت غيبته استخلف على الأمة محمد بن بشير، وجعله وصيه، وأعطاه خاتمه، وعلمه جميع ما تحتاج إليه رعيته في أمر دينهم ودنياهم، وفوض إليه جميع أمره وأقامه مقام نفسه، فمحمد بن بشيرالإمام بعده ... وكفروا القائلين بإمامتهم واستحلوا دماءهم وأموالهم .... وزعموا أن كل من انتسب إلي محمد فهم ثبوت وطروق، وأن محمداً هو رب حل في كل من انتسب إليه، وأنه لم يلد ولم يولد، وأنه محتجب في هذه الحجب. وزعمت هذه الفرقة والمخسمة والعلياوية وأصحاب أبي الخطاب، أن كل من انتسب إلى أنه من آل محمد فهو مبطل في نسبته، مفتر على الله كاذب. وأنهم الذين قال الله تعالى فيهم أنهم يهود ونصارى في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} " محمد " في مذهب الخطابية، و" علي " في مذهب العلياوية فهم ممن خلق. هؤلاء كاذبون فيما ادعوا، إذ كان محمد عندهم وعلي هو رب لا يلد ولا يولد ولا يُستولد، تعالى الله عما يصفون وعما يقولون علواً كبيرا. وكان سبب مقتل محمد بن بشير لعنه الله لأنه كان معه شعبذة ومخاريق، فكان يظهر الواقفة أنه ممن وقف على علي بن موسى (ع)، وكان يقول في موسى بالربوبية، ويدعي

لنفسه أنه نبي. وكان عنده صورة قد عملها وأقامها شخصاً كأنه صورة أبي الحسن (ع) من ثياب حرير، وقد طلاها بالأدوية، وعالجها بحيل عملها فيها، حتى صارت شبه صورة إنسان. وكان يطويها، فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها. فكان يقول لأصحابه: إن أبا الحسن (ع) عندي، فإن أحببتم أن تروه وتعلموا أني نبي، فهلموا أعرضه عليكم. وكان يدخلهم البيت والصورة المطوية معه، فيقول لهم: هل ترون في البيت مقيماً أو ترون غيري وغيركم؟ فيقول: فاخرجوا، فيخرجون من البيت، فيصير هو وراء الستر بينه وبينهم، ثم يقدم تلك الصورة، ثم يرفع تلك الستر بينهم وبينه، فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنه شخص أبي الحسن، لا ينكرون منه شيئاً، ويقف هو معه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنه يكلمه ويناجيه ويدنو منه كأنه يساره، ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون، ويسبل الستر بينه وبينهم فلا يرون شيئا. وكانت معه أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة ما لم يروا مثلها، فهلكوا بها. فكانت هذه حاله مدة، حتى ُرفع خبره إلى بعض الخلفاء - أحسبه هارون أو غيره ممن كان بعده من الخلفاء - أنه زنديق، فأخذه وأراد ضرب عنقه، فقال له: يا أمير المؤمنين، استبقني، فإني أتخذ لك أشياء يرغب الملوك فيها، فأطلقه، فكان أول ما اتخذ له الدوالي، فإنه عمد إلى الدوالي فسواها وعلقها وجعل الزيبق بين تلك الألواح، فكانت الدوالي تمتلئ من الماء وتملي الألواح، وينقلب الزيبق من تلك الألواح فيتسع الدوالي لذلك، فكانت تعمل من غير مستعمل لها، وتصب الماء في البستان، فأعجبه ذلك مع أشياء عملها، يضاهي الله بها في خلقه الجنة، فقواه وجعل له مرتبة. ثم إنه يوماً من الأيام، إنكسرت بعض تلك الألواح، فخرج منها الزيبق، فتعطلت فاستراب أمره، وظهر عليه التعطيل والإباحات " (¬1). ¬

(¬1) رجال الكشي ص407،406،405.

مدعو الإمامة في عهد موسى الكاظم من أهل البيت

هذا وقد إدعى الإمامة في عهده آخران من بني عمومته، أحدهما حسين بن علي بن الحسن بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي. وأمه زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي. فلقد إدعى الإمامة أيام أبي موسى الهادي العباسي حفيد أبي جعفر المنصور (¬1). وبايعه على إمامته يحيى وسليمان وإدريس بنو عبد الله بن الحسن بن الحسن، وعبد الله الحسن الأفطس، وإبراهيم بن إسماعيل الطباطبا، وعمر بن الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن الثاني المثنى، وعبد الله بن جعفر بن محمد، وعبد الله بن جعفر بن الباقر، وعبد الله وعمر إبنا إسحاق بن الحسن بن علي زين العابدين، وغيرهم (¬2) حتى قال الأصفهاني: " ولم يتخلف عنه أحد من الطالبيين إلا الحسن بن جعفر بن حسن المثنى فإنه استعفاه ولم يكرهه. وموسى بن جعفر بن محمد - الإمام السابع المزعوم عند الشيعة - قال عنيزة القصباني: " رأيت موسى بن جعفر بعد عتمة، وقد جاء إلى الحسين صاحب فخ، فانكب عليه شبه الركوع، وقال: أحب أن تجعلني في سعة وحل من تخلفي معك، فأطرق الحسين طويلاً لا يجيبه، ثم رفع رأسه إليه، فقال: أنت في سعة " (¬3). وقد ذكر هذا الكليني في (كافيه) حيث قال: " حدثنا عبد الله بن المفضل مولى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: ¬

(¬1) أنظر مروج الذهب والطبري وابن كثير وغيرها من الكتب. (¬2) أنظر مقاتل الطالبيين للأصفهاني الشيعي ص456،446. (¬3) أيضاً ص447.

لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ واحتوى على المدينة، دعا موسى بن جعفر إلى البيعة، فأتاه فقال له: ياابن عم لا تكلفني ما كلف إبن عمك أبا عبد الله، فيخرج مني ما لا أريد، كما خرج من أبي عبد الله مالم يكن يريد، فقال له الحسين: إنما عرضت عليك أمراً فإن أردته دخلت فيه، وإن كرهته لم أحملك عليه والله المستعان " (¬1). والثاني الذي ادعى الإمامة أيامه، يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنى. وقد ذكره الكليني أيضاً حيث قال: " كتب إلى موسى بن جعفر يدعوه: خبرني من ورد عليّ من أعوان الله على دينه ونشر طاعته بما كان من تحننك مع خذلانك .. وقد احتجبتها واحتجبها أبوك من قبلك، وقديماً ادعيتم ماليس لكم، وبسطتم أعمالكم إلى ما لم يؤتكم الله، فاستهويتم وأضللتم، وأنا محذرك ماحذرك الله من نفسه. فكتب إليه أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: من موسى بن جعفر ... ذكرت أني ثبطت الناس عنك لرغبتي عما في يديك ... وأحذرك معصية الخليفة (¬2) وأحثك على بره وطاعته، وأن تطلب لنفسك أماناً قبل أن تأخذك الأظفار ويلزمك الخناق من كل مكان، فتروّح إلى النفس من كل مكان ولا تجده، حتى يمن الله عليك بمنه وفضله ورقة الخليفة أبقاه الله، فيؤمّنك ويرحمك، ويحفظ فيك أرحام رسول الله، والسلام على من اتبع الهدى " (¬3). فهذه هي الفرق الشيعية أيام موسى وبعده، وهذه هي عقائدهم وأفكارهم المثبتة من كتب الشيعة والسنة أيضاً، والذي قيل: " حمله الرشيد ¬

(¬1) الأصول من الكافي ج1 ص366. (¬2) أنظر إلى الصدق كيف يتطلع وحتى من الكذابين، إمام معصوم للشيعة يمنع الناس عن معصية الخليفة العباسي والخروج عليه، فهل هناك شك بأنه لم يكن أولاد علي يدعون في أنفسهم ما ينسب إليهم هؤلاء القوم. (¬3) الأصول من الكافي ج1 ص367.

الشيعة أيام علي بن موسى

من المدينة وقد قدم إليها منصرفاً من العمرة. ثم شخص هارون للحج وحمله معه، ثم انصرف على طريق البصرة، فحبسه عند السندي بن شاهك، فتوفي في حبسه بغداد لخمس ليال بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة وهو ابن خمس أو أربع وخمسين سنة، ودفن في مقابر قريش " (¬1). الشيعة أيام علي بن موسى الملقب بالرضا وحصل الإختلاف في الشيعة الذين اجتمعوا حول علي بن موسى الرضا ختن المأمون على ابنته بعد وفاته. ففرقة قالت بأن الإمام بعده أخوه أحمد بن موسى بن جعفر: " أوصى إليه وإلى الرضا عليه السلام وأجازوها في أخوين. فهي المؤلفة، فقطعوا على إمامة علي بن موسى. وفرقة منهم تسمى المحدثة، كانوا من أهل الإرجاء وأصحاب الحديث، فدخلوا في القوم بإمامة موسى بن جعفر، وبعده بإمامة علي بن موسى، وصاروا شيعة رغبة في الدنيا وتصنعاً، فلما توفي علي بن موسى عليه السلام رجعوا إلى ما كانوا عليه. وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء منهم والبصراء، فدخلوا في إمامة علي بن موسى عليه السلام عندما أظهر المأمون فضله وعقد بيعته تصنعاً للدنيا واستكانوا الناس بذلك دهراً، فلما توفي علي بن موسى عليه السلام رجعوا إلى قومهم من الزيدية " (¬2) وفرقة أخرى قالت: إن الإمامة بعد علي بن موسى عليه السلام لإبنه محمد بن علي عليه السلام، ¬

(¬1) فرق الشيعة ص105 - 106. (¬2) أيضاً ص107

افتراق الشيعة أيام علي بن موسى

ولم يكن لغيره (¬1). وكانت هناك فرق أخرى غير هذه الفرق إتبعت فريقاً من الطالبيين الذين ادعوا الإمامة في أيام الرضا ودعوا الناس إليهم، فمنهم محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو المعروف بإبن طباطبا. ومحمد بن يحيى بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي. ومحمد بن جعفر عم علي الرضا. وإبراهيم بن موسى بن جعفر أخو علي الرضا. وحسين بن الحسن بن علي بن علي زيد العابدين وغيرهم. وقد ذكرهم جميعاً ودعوتهم الناس إليهم وخروجهم على المأمون وتسلطهم على بعض المدن والمناطق ومعاركهم مع عساكر العباسيين من الشيعة، الأصفهاني في مقاتل الطالبيين (¬2)، والمسعودي في كتابه مروج الذهب. ولقد نقل عنه خروج هؤلاء العلويين وادعاءهم الإمامة بإيجاز واختصار، فيقول: وفي سنة تسعة وتسعين ومائة خرج أبو السرايا السرى بن منصور الشيباني بالعراق، واشتد أمره، ومعه محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي إبن أبي طالب، وهو إبن طباطبا ووثب بالمدينة محمد بن سليمان بن داود إبن الحسن بن الحسن بن علي رحمهم الله، ووثب بالبصرة علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي عليهم السلام، وزيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، فغلبوا على البصرة. وفي هذه السنة مات إبن طباطبا الذين كان يدعوا إليه أبو السرايا، ¬

(¬1) أيضاً ص 106 (¬2) ص513 وما بعد.

وأقام أبو السرايا مكانه محمد بن محمد بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي. وظهر في هذه السنة باليمن - وهي سنة تسع وتسعين ومائة - إبراهيم إبن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي، وظهر في أيام المأمون بمكة ونواحي الحجاز محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رحمهم الله، وذلك في سنة مائتين، ودعا لنفسه، وإليه دعت السبطية من فرق الشيعة، وقالت بإمامته. وقد افترقوا فرقاً: فمنهم من غلا ومنهم من قصر وسلك طريق الإمامية. وقد ذكرنا في كتاب " المقالات في أصول الديانات " وفي كتاب " أخبار الزمان " من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الدائرة، في الفن الثلاثين من أخبار خلفاء بني العباس ومن ظهر في أيامهم من الطالبيين، وقيل: إن محمد بن جعفر هذا دعا في بدء أمره وعنفوان شبابه إلى محمد بن إبراهيم بن طباطبا صاحب أبي السرايا، فلما مات إبن طباطبا، وهو محمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن دعا لنفسه، وتسمى بأمير المؤمنين، وليس في آل محمد ممن ظهر لإقامة الحق ممن سلف وخلف قبله وبعده من تسمى بأمير المؤمنين غير محمد بن جعفر هذا، وكان يُسمى بالديباجة، لحسنه وبهائه ... وظهر في أيام المأمون أيضاً بالمدينة، الحسين بن الحسن إبن علي بن علي بن الحسين بن علي، وهو المعروف بإبن الأفطس. وقيل: أنه دعا في بدء أمره إلى إبن طباطبا، فلما مات إبن طباطبا، دعا إلى نفسه والقول بإمامته، وسار إلى مكة، فأتى الناس وهم بمنى، وعلى الحجاج داود بن عيسى بن موسى الهاشمي، فهرب داود، ومضى الناس إلى عرفة، ودفعوا إلى مزدلفة بغير إنسان عليهم من ولد العباس. وقد كان إبن الأفطس وافى الموقف بالليل. ثم صار إلى المزدلفة والناس بغير إمام

فصلى بالناس، ثم مضى إلى منى، فنحر ودخل مكة، وجرد البيت مما عليه من الكسوة إلا القباطي البيض فقط (¬1). والجدير بالذكر أن علي بن موسى هو الذي جعل المأمون العباسي فيه ولاية العهد بعده. " وأمر المأمون الحسن بن سهل والفضل بن سهل وزيريه أن يعرضا ذلك عليه، فامتنع منه، فلم يزالا به حتى أجاب، ورجعا إلى المأمون فعرفاه إجابته. فسر بذلك وجلس للخاصة في يوم خميس، وخرج الفضل بن سهل فأعلم برأي المأمون في علي بن موسى عليه السلام، وأنه قد ولاه عهده، وسماه الرضا. وأمرهم بلبس الخضرة، والعود لبيعته في الخميس الآخر، على أن يأخذوا رزق سنة. فلما كان اليوم، ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في الخضرة. وجلس المأمون ووضع للرضا عليه السلام وسادتين عظيمتين، حتى لحق بمجلسه وفرشه وأجلس الرضا (ع) عليهما في الخضرة وعليه عمامة وسيف، ثم أمر إبنه العباس بن المأمون أن يبايع له أول الناس ... فبايعه الناس ووضعت البذر، وقام الخطباء والشعراء، فجعلوا يذكرون فضل الرضا عليه السلام، وما كان عليه من أمره .. ثم قال المأمون للرضا عليه السلام: إخطب الناس وتكلم فيهم، فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن لنا عليكم حقاً برسول الله، ولكم علينا حقا به، فإذا أنتم أديتم إلينا ذلك، وجب علينا الحق لكم. ولم يُذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس. وأمر المأمون، فضربت له الدراهم، وطبع عليها إسم الرضا عليه السلام، وزوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد، وأمره فحج بالناس، وخطب للرضا عليه السلام في كل بلد بولاية العهد " (¬2). ¬

(¬1) مروج الذهب للمسعودي ج3 ص440،439. (¬2) الإرشاد للمفيد ص 311،310، أعلام الورى للطبرسي ص334.

الشيعة أيام محمد بن علي

ولكنه مات قبل أن ينال الخلافة في حياة المأمون. " ولما توفي الرضا عليه السلام، كتم المأمون موته يوماً وليلة، ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق عليه السلام وجماعة من آل أبي طالب الذين كانوا عنده، فلما حضروه، نعاه إليهم وبكى، وأظهر حزناً شديداً وتوجعاً، وأراهم إياه صحيح الجسد، قال: يعزعليّ يا أخي أن أراك في هذه الحال، قد كنت أؤمل أن أقدم قبلك، فأبى الله إلا ما أراد. ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه، وخرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى الموضع الذي هو مدفون الآن فدفنه. والموضع دار حميد بن قحطبة، في قرية يُقال لها سناباد، على قربة من نوقان بأرض طوس، وفيها قبر هارون الرشيد وقبر أبي الحسن عليه السلام بين يديه في قبلته. ومضى الرضا علي بن موسى عليهما السلام، ولم يترك ولداً نعلمه إلا الإمام من بعده أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام، وكانت سنه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهرا " (¬1). وكان ذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين، وله يومئذ خمسة وخمسون سنة، وأمه أم ولد يُقال لها أم البنين. الشيعة أيام محمد بن علي الملقب بالجواد أو التقي ولقد حصل الإختلاف الشديد بين الشيعة في إمامة محمد بن علي لأنه لم يكن بلغ الحلم عند وفاة أبيه، ولذلك اختلف الشيعة في إمامته وتفرقوا عنه كما مر، وقالوا: " لا يجوز الإمام إلا بالغاً، ولو جاز أن يأمر الله عز وجل بطاعة غير بالغ، ¬

(¬1) الإرشاد للمفيد ص304، أعلام الورى للطبرسي ص313، عيون أخبار الرضا ج2 ص247، كشف الغمة ج3 ص72، جلاء العيون ج2ص739، منتهى الآمال ص1049.

افتراق الشيعة أيام محمد بن علي

لجاز أن يكلف الله غير بالغ، فكما لا يعقل أن يحتمل التكليف غير بالغ، فكذلك لا يفهم القضاء بين الناس ودقيقه وجليله وغامض الأحكام وشرائع الدين وجميع ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله وما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها طفل غير بالغ، ولو جاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجة، لجاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجتين وثلاثاً وأربعاً راجعاً إلى الطفولية. حتى يجوز أن يفهم ذلك من طفل في المهد والخرق، وذلك غير معقول ولا مفهوم ولا متعارف. ثم إن الذين قالوا بإمامه أبي جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام اختفلوا في كمية علمه لحداثة سنه ضروباً من الإختلاف. فقال بعضهم لبعض: الإمام لا يكون إلا عالماً، وأبو جعفر غير بالغ وأبوه قد توفي، فكيف علم؟ ومن أين علم؟ فأجابوه: فقال بعضهم: لا يجوز أن يكون علمه من قبل أبيه، لأن أباه حمل إلى خراسان وأبو جعفر إبن أربع سنين وأشهر، ومن كان في هذه السن فليس في حد من يستفرغ تعليم معرفة دقيق الدين وجليله، ولكن الله عز وجل علمه ذلك عند البلوغ بضروب مما يدل على جهات علم الإمام، مثل الإلهام والنكت في القلب والنقر في الأذن والرؤيا الصادقة في النوم والملك المحدث له ووجوه رفع المنار والعمود والمصباح وعرض الأعمال، لأن ذلك كله قد صحت الأخبار الصحيحة القوية الأسانيد فيه التي لا يجوز دفعها ولا رد مثلها. وقال بعضهم: قبل البلوغ هو إمام، على معنى أن الأمر له دون غيره إلى وقت البلوغ، فإذا بلغ علم، لا من جهة الإلهام والنكت ولا الملك ولا لشيئ من الوجوه التي ذكرتها الفرقة، لأن الوحي منقطع بعد النبي صلى الله عليه وآله بإجماع الأمة، ولأن الإلهام إنما هو أن يلحقك عند

الخاطر والفكر معرفة بشيئ قد كانت تقدمت معرفتك به من الأمور النافعة فذكرته، وذلك لا يعلم به الأحكام وشرائع الدين على كثرة إختلافها وعللها قبل أن يوقف بالسمع منها على شيئ، لأن أصح الناس فكراً وأوضحه خاطراً وعقلاً وأحضره توفيقاً، لو فكر وهو لا يسمع بأن الظهر أربع والمغرب ثلاث، والغداة ركعتان، مااستخرج ذلك بفكره، ولا عرفه بنظره، ولا استدل عليه بكمال عقله، ولا أدرك ذلك بحضور توفيقه، ولا لحقه علم ذلك من جهة التوفيق أبداً. ولا يعقل أن يعلم إلا بالتوقيف والتعليم، فقد بطل أن يعلم شيئاً من ذلك بالإلهام والتوفيق. لكن نقول: أنه علم ذلك عند البلوغ من كتب أبيه، وما ورثه من العلم فيها، وما رسم له من الأصول والفروع. وبعض هذه الفرقة تجيز القياس في الأحكام للإمام، خاصة على الأصول التي في يديه، لأنه معصوم من الخطأ والزلل، فلا يخطئ في القياس، وإنما صاروا إلى هذه المقالة لضيق الأمر عليهم في علم الإمام وكيفية تعليمه، إذ هو ليس ببالغ عندهم. وقال بعضهم: الإمام يكون غير بالغ ولو قلت سنه، لأنه حجة الله، فقد يجوز أن يعلم وإن كان صبياً، ويجوز عليه الأسباب التي ذكرت من الألهام والنكت والرؤيا والملك المحدث ورفع المنار والعمود وعرض الأعمال، كل ذلك جائز عليه وفيه، كما جاز ذلك عن سلفه من حجج الله الماضين. واعتلوا في ذلك بيحيى بن زكريا، وأن الله آتاه الحكم صبيا، وبأسباب عيسى بن مريم، وبحكم الصبي بين يوسف بن يعقوب وامرأة الملك، وبعلم سليمان بن داود حكماً من غير تعليم، وغير ذلك، فإنه قد كان في حجج الله ممن كان غير بالغ عند الناس " (¬1). وولد محمد بن علي هذا سنة خمس وتسعين ومائة بالمدينة، وقبض ¬

(¬1) فرق الشيعة للنوبختي ص 110، 111، 112.

مدعي الإمامة عن أهل البيت أيام محمد بن علي

ببغداد سنة عشرين ومائتين، وله يومئذ خمس وعشرون سنة، وأمه أم ولد، يُقال لها سميكة، وكانت نوبية (¬1). وكان متزوجاً من إبنة المأمون أم الفضل. " فكانت إحدى الأختين تحت محمد بن علي بن موسى والأخرى تحت أبيه علي بن موسى " (¬2) وفي أيامه إدعى الإمامة واحد من الحسينيين، وهو محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (¬3). " وانقاد إليه وإلى إمامته خلق كثير من الناس، ثم حمله عبد الله بن طاهر إلى المعتصم، فحبسه في أزج اتخذه في بستان بسر من رأى. وقد ُتنوزع في محمد بن القاسم، فمن قائل يقول: أنه قتل بالسم، ومنهم من يقول: أن أناساً من شيعته من الطالقان أتوا ذلك البستان، فتأتوا للخدمة فيه من غرس وزراعة، واتخذوا سلالم من الحبال واللبود والطالقانية، ونقبوا الأزج، وأخرجوه فذهبوا به، فلم يُعرف له خبر إلى هذه الغاية. وقد انقاد إلى إمامته خلق كثير من الزيدية إلى هذا الوقت - وهو سنة إثنتين وثلاثين وثلثمائة - ومنهم خلق كثير يزعمون أن محمداً لم يمت، وأنه حي يُرزق، وأنه يخرج فيملؤها عدلاً كما مُلئت جورا، وأنه مهدي هذه الأمة. وأكثر هؤلاء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم وكثير من كور خراسان " (¬4). ¬

(¬1) الإرشاد للمفيد ص 316، أعلام الورى ص 344، 345، مروج الذهب ج3 ص 464. (¬2) مروج الذهب ج 3ص 441. (¬3) مقاتل الطالبيين ص 577، أيضاً الطبري وابن الأثير وغيرهما. (¬4) مروج الذهب ج 3 ص 465.

الشيعة أيام علي بن محمد - النصيرية

الشيعة في أيام علي بن محمد المكنى بأبي الحسن والملقب بالهادي أو النقي ولما مات محمد بن علي، خلف إبنيه علياً وموسى، وكان الأكبر منهما لا يتجاوز الثامنة من عمره حسب قول الشيعة. وكانا من الصغر بمكان حتى " أوصى أبوهما على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق إلى عبد الله بن المساور إلى أن يبلغا (¬1) الحلم " (¬2) فاختلف الشيعة في أمرهما، فقوم قالوا بإمامة علي بن محمد، وقوم ذهبوا إلى إمامة أخيه موسى بن محمد (¬3) النصيرية وفي حياة علي بن محمد الهادي المكنى بأبي الحسن، ظهرت من الشيعة فرق أخرى، قالت: بنبوة رجل ُيقال له محمد بن نصير النميري، وكان يدعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري عليه السلام، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإباحة للمحارم، ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل، وأنه إحدى الشهوات والطيبات، وأن الله عز وجل لم يحرم شيئاً من ذلك. وكان يقوي أسباب هذا النميري محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات. فلما توفي قيل له في علته وقد اعتقل لسانه: لمن هذا الأمر من بعدك؟ فقال: لأحمد. فلم يدروا من هو. فافترقوا ثلاث فرق. فرقة قالت: ¬

(¬1) ولا ندري كيف يعتمد على صبي في أمور الدين من لم يعتمد عليه أبوه - وهو إمام معصوم عند الشيعة - في أمر دنياه. (¬2) الكافي ج 1 ص 325. (¬3) أنظر فرق الشيعة ص 113.

عقائد النصيرية

أنه (أحمد) إبنه، وفرقة قالت: هو أحمد بن موسى بن الحسن بن الفرات، وفرقة قالت: أحمد بن أبي الحسين محمد بن محمد بن بشير بن زيد. فتفرقوا، فلا يرجعون إلى شيئ. وادعى هؤلاء النبوة عن أبي محمد فسمت النميرية أو النصيرية (¬1). ولقد ذكر الشهرستاني النصيرية في ملله، وذكر مذهبهم أنهم يقولون: " إن الله قد ظهر بصورة أشخاص، ولما لم يكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من علي عليه السلام وبعده أولاده المخصوصون هم خير البريّة، فظهر الحق بصورتهم، ونطق بلسانهم، وأخذ بأيديهم، فعن هذا أطلقنا اسم الألهية عليهم، وإنما أثبتنا هذا الإختصاص لعلي دون غيره، لأنه كان مخصوصاً بتأييد من عند الله تعالى مما يتعلق بباطن الأسرار. قال النبي صلى الله عليه وسلم، أنا أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. وعن هذا كان قتال المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقتال المنافقين إلى علي. وعن هذا شبهه بعيسى ابن مريم، وقال: ولولا أن يقول الناس فيك ما قالوا في عيسى بن مريم وإلا لقلت فيك مقالاً. وربما أثبتوا له شركة في الرسالة. إذ قال: فيكم من يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله ألا وهو خاصف النعل، فعلم التأويل وقتال المنافقين ومكالمة الجن، وقلع باب خيبر لا بقوة جسدانية من أدل الدليل على أن فيه جزء آلهياً وقوة ربانية. أو أن يكون هو الذي ظهر الإله بصورته، وخلق بيده، وأمر بلسانه. وعن هذا قالوا كان هو موجود قبل خلق السموات والأرض. قال كنا أظلة على يمين العرش، فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا، فتلك الظلال وتلك الصور العرية عن الأظلال هي حقيقة وهي مشرقة بنور الرب تعالى إشراقاً لا ينفصل عنها، سواء كانت في ¬

(¬1) فرق الشيعة للنوبختي ص 115، 116.

هذا العالم أو في ذلك العالم. وعن هذا قال أنا أحمد، الضوء من الضوء. يعني لا فرق بين النورين، إلا أن أحدهما أسبق والثاني لا حق به. قال له وهذا يدل على نوع شركة. فالنصيرية أميل إلى تقرير الجزء الآلهي. والإسحاقية أميل إلى تقرير الشركة في النبوة (¬1). وذكر الرازي أن هذه الطائفة موجودة في حلب ونواحي الشام إلى يومنا هذا (¬2). ونحن نقول: إنها موجودة حتى اليوم في سوريا وتركيا، ويُعرفون بالعلويين. وأما النصيرية فيقولون: إن محمد بن النصير النميري لم يدّع ِ النبوة، بل إنه كان باباً للإمام الحادي عشر الحسن العسكري (¬3). ويقولون: أنه كان ينافسه رجل اسمه أبو يعقوب اسحاق بن محمد النخعي، فادعى هو الثاني هو الباب للحسن العسكري. فالحاصل أن هؤلاء الذين يقولون ويصرحون بألوهية علي، وكان رسول الله هو رسوله هو. كما يقولون: إن عليّاً أرسل جابر بن يزيد الجعفي في قضاء غرض له، فلما أن وصل إلى الوضع المقصود، رأى علي بن أبي طالب جالساً على كرسي من نور، والسيد محمد (يعني سيدنا محمدا) عن يمينه، والسيد سلمان (يعني الصحابي الجليل سلمان الفارسي) عن شماله، ثم التفت جابر إلى ورائه فرآه هكذا. ثم التفت عن يمينه فرآه هكذا. ثم نظر إلى السماء فرآه في السماء والملائكة حوله يسبحون بحمده ويسجدون له " (¬4). ¬

(¬1) الملل والنحل للشهرستاني ج 2 ص 25 - 26. (¬2) إعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص61. (¬3) تاريخ العلويين للطويل ص202. (¬4) الباكورة السليمانية ص87.

وقد دوّنوا لهم قرآناً مستقلاً، ومنها هذه الآيات: "ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين .. أشهد عليّ أيها الحجاب العظيم، أشهد عليّ أيها الباب الكريم، أشهد عليّ يا سيدي المقداد اليمين، أشهد يا عليّ أبو الدر الشمال ... بأن ليس إلهاً إلا عليّ بن أبي طالب الأصلع المعبود، ولا حجاب إلا السيد محمد المحمود، ولا باب إلا السيد سلمان الفارسي المقصود، وأكبر الملائكة الخمسة الأيتام، ولا رأي إلا رأي شيخنا وسيدنا الحسين بن حمدان الخصبي الذي شرع الأديان في سائر البلدان. أشهد بأن الصورة المرئية التي ظهرت في البشرية هي الغاية الكلية، وهي الظاهرة بالنورانية، وليس إله سواها، وهي علي بن أبي طالب. وأنه لم يُحاط ولم يُحصر ولم يُدرك ولم يُبصر. أشهد بأني نصيري الدين، جندبي الرأي، جنبلاني الطريقة، خصيبي المذهب، جليّ المقال، ميموني الفقه، وافر الرجعة البيضاء والكرة الزهراء وفي كشف الغطاء وجلاء العماء وإظهار ما كتم وإجلاء ما خفي، وظهور علي بن أبي طالب من عين الشمس قابض على كل نفس، الأسد من تحته، وذو الفقار بيده، والملائكة خلفه، والسيد سلمان بين يديه، والماء ينبع من بين قدميه، والسيد محمد ينادي ويقول: هذا مولاكم علي بن أبي طالب فاعرفوه وسبحوه وعظموه وكبروه. هذا خالقكم ورازقكم فلا تنكروه. إشهدوا علي يا أسيادي، أن هذا ديني واعتقادي، وعليه اعتمادي، وبه أحيا وعليه أموت، وعلي بن أبي طالب حي لا يموت، بيده القدرة والجبروت. إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا علينا من ذكرهم السلام " (¬1). وغير ذلك من الخرافات. " وتوفي علي بن محمد هذا بسرّ من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ¬

(¬1) الباكورة السليمانة ص26.

مدعي الإمامة أيام محمد بن علي من أهل البيت - الشيعة أيام الحسن العسكرى

ومائتين. وولد سنة إثنتي عشرة ومائتين. وكان المتوكل قد أشخصه مع يحيى بن أكثم إلى سرّ من رأى، فأقام بها وأمه " (¬1). هذا ولقد ادعى في أيامه كثير من العلويين الإمامة، وبايعهم خلق من الشيعة ومن أهل بيت علي رضي الله عنه. منهم يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي زين العابدين (¬2). فاستولى على الكوفة وما حولها، ولما قتل أيام المستعين العباسي، رثاه كثير من الشعراء حتى قال الأصفهاني: " وما بلغني أن أحداً ممن قتل في الدولة العباسية من آل أبي طالب رثي بأكثر مما رثي به يحيى، ولا قيل فيه الشعر بأكثر مما قيل فيه " (¬3). ووافق على ذلك إبن الأثير في تاريخه الكامل (¬4). وكذلك ادعى الإمامة حسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن المثنى. ظهر في بلاد طهرستان، وغلب عليهما وعلى جرجان بعد حروب كثيرة وقتال شديد (¬5). وكذلك حسين بن محمد بن حمزة بن عبيد الله بن الحسين بن علي سنة إحدى وخمسين ومائتين (¬6). الشيعة في أيام الحسن بن علي العسكري ولما توفي أبو الحسن بن علي الهادي، افترقت الشيعة إلى فرق عديدة. ¬

(¬1) الإرشاد ص 327، أعلام الورى للطبرسي ص 355، كشف الغمة ج 3 ص 166، جلاء العيون ج2 ص 754. (¬2) مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص 639، مروج الذهب ج 4 ص 63. (¬3) مقاتل الطالبيين ص 465، وبمثل ذلك في مروج الذهب ج 4 ص 64. (¬4) ج 5 ص315. (¬5) مروج الذهب ج 4 ص 68. (¬6) ايضاً ص 69، ومقاتل الطالبيين للأصفهاني ص 665.

افتراق الشيعة أيام الحسن العسكرى

" ففرقة قالت بإمامة إبنه محمد، وقد كان توفي في حياة أبيه بسرّ من رأى، وزعموا أنه حي لم يمت، واعتلوا في ذلك بأن أباه أشار إليه وأعلمهم أنه الإمام من بعده، والإمام لا يجوز عليه الكذب، ولا يجوز البداء فيه، فهو وإن كانت ظهرت وفاته لم يمت في الحقيقة، ولكن أباه خاف عليه فغيّبه، وهو القائم المهدي. وقالوا فيه بمثل مقالة أصحاب إسماعيل بن جعفر " (¬1) والجدير بالذكر أن محمداً هذا وهو المكنى بأبي جعفر كان وصي أبيه والخليفة بعده حسب تصريحات الشيعة، ولكنه مات قبل أن تصل إليه الإمامة وخلافة أبيه، فشك القوم في أمره وإمامة أبيه، فقال أبوه علي الهادي المكنى بأبي الحسن: " بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلام مالم يكن يعرف له، كما بدا في موسى بعد مضي اسماعيل ماكشف عن حاله، وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون، وأبو محمد إبني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة " (¬2) وفرقة قالت بإمامة جعفر بن علي - وهو الملقب بجعفر الكذاب عند الشيعة - وقالوا: " أوصى إليه أبوه بعد مضي محمد، وأوجب إمامته وأظهر أمره، وأنكروا إمامة محمد أخيه، وقالوا: إنما فعل ذلك أبوه اتفاقا عليه ودفاعا عنه، وكان الإمام في الحقيقة جعفر بن علي " (¬3). وفرقة قالت بإمامة الحسن العسكري إبن علي، وكان يكنى بأبي محمد (¬4). وقال المفيد: ¬

(¬1) فرق الشيعة ص116، 117 (¬2) الأصول من الكافي، كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي محمد ج1 ص 327. (¬3) النوبختي ص117، 118 (¬4) أيضاً ص117.

الشيعة بعد وفاة الحسن العسكرى

" وكان الإمام بعد أبي جعفر عليه السلام إبنه أبو الحسن علي بن محمد (ع) لاجتماع خصال الإمامة فيه وتكامل فضله، وإنه لا وارث لمقام أبيه سواه، وثبوت النص عليه بالإمامة والإشارة إليه من أبيه بالخلافة " (¬1). وتوفي يوم الجمعة سنة ستين ومائتين، وكان مولده بالمدينة في شهر ربيع الأول من سنة اثنتي وثلاثين ومائتين، ودفن في داره بسرّ من رأى، في البيت الذي دفن فيه أبوه، وأمه أم ولد يقال لها حديثة (¬2). وعمره يومئذ ثماني وعشرون سنة. وقال النوبختي: يقال: لإمه أصفان، وقيل: سليل، وقيل غير ذلك. وصلى عليه أبو عيسى بن المتوكل. وكانت في سني أمامته بقية ملك المعتز أشهرا، ثم ملك المهتدي أحد عشر شهراً وثمانية وعشرين يوماً، ثم ملك أحمد المعتمد على الله بن جعفر المتوكل عشرين سنة وأحد عشر شهراً " (¬3). وفي أيامه ادعى كثير من العلويين الإمامة، منهم علي بن زيد بن الحسين العلوي (¬4). وكذلك الكثيرون الذين ذكرهم الأصفهاني في مقاتل الطالبيين والمسعودي في مروج الذهب، وأما من السنة فذكرهم جميع المؤرخين. الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري مات الحسن العسكري بدون خلف ولا عقب كما نص على ذلك ¬

(¬1) الإرشاد ص 327. (¬2) أيضاً ص 335. (¬3) أعلام الورى ص 367. (¬4) مقاتل الطالبيين ص 675، مروج الذهب ج3 ص94.

افتراق الشيعة أربعة عشر فرقة

النوبختي: " توفى ولم يُر له أثر، ولم يُعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ميراثه أخوه جعفر وأمه " (¬1). فأوجد موته خلافاً شديداً في شيعته، لأن التشيّع بعد تطوره يوجب على مدعي الإمامة أن يكون بعده عقب، وكذلك أن يكون عليه نص من الذي قبله، وهو الذي يقوم بتجهيزه وتكفينه، فكيف وهنا لا يُرى له أثر، فالتجؤوا لتأويل ذلك إلى سخافات عديدة. كل قوم حسب أهوائهم ومزاعمهم يهوون. فقال النوبختي: " فافترق أصحابه بعده أربع عشرة فرقة. ففرقة قالت: أن الحسن بن علي حي لم يمت، وإنما هو غائب وهو القائم، ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهر، لأن الأرض لا تخلو من إمام .. وقالت الفرقة الثانية: أن الحسن بن علي مات وعاش بعد موته، وهو القائم المهدي، لأننا روينا أن معنى القائم، هو أن يقوم بعد الموت، ويقوم ولا ولد له، لأن الإمامة كانت تثبت لولده، ولا أوصى إلى أحد، فلا شك أنه القائم .. وقالت الفرقة الثالثة: أن الحسن بن علي توفي، والإمام بعده أخوه جعفر وإليه أوصى الحسن .. فلما قيل له أن الحسن وجعفر ما زالا متهاجرين متصارمين متعادين طول زمانهما، وقد وقفتم على صنائع جعفر وسوء معاشرته له في حياته، ولهم من بعد وفاته في اقتسام مواريثه. قالوا: إنما ذلك بينهما في الظاهر، وأما في الباطن فكانا متراضيين متصافيين لا خلاف بينهما .. . وممن قوى إمامة جعفر وأمال الناس إليه، علي بن الطاهر الخراز، وكان متكلماً محجاجاً، وأعانته على ذلك أخت الفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني. ¬

(¬1) الشيعة للنوبختي ص 118، 119.

وقالت الفرقة الرابعة: أن الإمام بعد الحسن جعفر، وأن الإمامة صارت إليه من قبل أبيه، لا من قبل الحسن، وأن الحسن كان مدعياً باطلاً، لأن الإمام لا يموت حتى يوصي ويكون له خلف. والحسن قد توفي ولا وصية له ولا ولد، والإمام لا يكون من لا خلف له ظاهر معروف مشار إليه، كما لا يجوز أن تكون الأمامة في الأخوين بعد الحسن والحسين كما نص عليه جعفر. وأما الفرقة الخامسة: فإنها رجعت إلى القول بإمامة محمد بن علي أخي الحسن المتوفى في حياة أبيه، وأما الحسن وجعفر فإنهما ادعيا ما لم يكن لهما، لأن جعفر فيه خصال مذمومة وهو بها مشهور. ظاهر الفسق وغير صائن نفسه، معلن بالمعاصي. ومثل هذا لا يصلح للشهادة على درهم، فكيف يصلح لمقام النبي صلى الله عليه وآله؟ وأما الحسن فلقد توفى ولا عقب له. وقالت الفرقة السادسة: أن للحسن بن علي إبناً سماه محمداً، وولد قبل وفاته بسنين، وزعموا أنه مستور، لا يُرى خائف من جعفر. وقالت الفرقة السابعة: بل ولد بعد وفاته بثمانية أشهر، وأن الذين ادعوا له ولداً في حياته كاذبون مبطلون في دعواهم، لأن ذلك لو كان لم يخف غيره، ولكنه مضى ولم يُعرف له ولد. ولا يجوز أن يخفي ذلك وقد كان الحبل فيما مضى قائماً ظاهراً ثابتاً عند السلطان وعند سائر الناس، وامتنع من قسمة ميراثه من أجل ذلك حتى بطل ذلك عند السلطان وخفى أمره، فقد ولد له إبن بعد وفاة أبيه بثمانية أشهر، وقد كان أمر أن يُسمى محمداً، وأوصى بذلك، وهو مستور لا يُرى. وقالت الفرقة الثامنة: أنه لا ولد لحسن أصلاً، لانا قد أمتحنا ذلك وطلبناه بكل وجه، فلم

نجده، ولو جاز لنا أن نقول في مثل الحسن وقد توفي ولا ولد له أن له ولد، لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت من غير خلف، ولجاز مثل ذلك في النبي صلى الله عليه وآله أن يُقال خلف إبناً نبياً رسولا. وكذلك في عبد الله بن جعفر بن محمد أنه خلف إبنا، وأن أبا الحسن الرضا عليه السلام خلف ثلاثة بنين غير أبي جعفر أحدهم الإمام، لأن مجيئ الخبر بوفاة الحسن بلا عقب كمجيئ الخبر بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يخلف ذكراً من صلبه، ولا خلف عبد الله بن جعفر إبناً، ولا كان للرضا أربعة بنين. فالولد قد بطل لا محالة، ولكن هناك حبل قائم قد صح في سرية له وستلد ذكراً إماماً متى ما ولدت، فإنه لا يجوز أن يمضي الإمام ولا خلف له، فتبطل الإمامة وتخلو الأرض من الحجة. واحتج أصحاب الولد على هؤلاء فقالوا: أنكرتم علينا أمراً قلتم بمثله، ثم لم تقنعوا بذلك حتى أضفتم إليه ما تنكره العقول، قلتم أن هناك حبلاً قائماً، فإن كنتم اجتهدتم في طلب الولد فلم تجدوه فأنكرتموه لذلك، فقد طلبنا معرفة الحبل وتصحيحه أشد من طلبكم، واجتهدنا فيه أشد من اجتهادكم، فاستقصينا في ذلك غاية الإستقصاء فلم نجده، فنحن في الولد أصدق منكم. لأنه قد يجوز في العقل والعادة والتعارف، أن يكون للرجل ولد مستور لا يعرف في الظاهر ويظهر بعد ذلك ويصح نسبه، والأمر الذي ادعيتموه منكر وشنيع، ينكره عقل كل عاقل، ويدفعه التعارف والعادة، مع مافيه من كثرة الروايات الصحيحة عن الأئمة الصادقين أن الحبل لا يكون أكثر من تسعة أشهر، وقد مضى للحبل الذي ادعيتموه سنون، وإنكم على قولكم بلا صحة ولا بيّنة. وقالت الفرقة التاسعة: أن حسن بن علي قد صحت وفاة أبيه وجده وسائر آبائه عليه السلام. فكما صحت وفاتهم بالخبر الذي لا

يكذب مثله، كذلك صح أنه لا إمام بعد الحسن .... والأرض اليوم بلا حجة إلا أن يشاء الله، فيبعث القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله، فيحيي الأرض بعد موتها، كما بعث محمد صلى الله عليه وآله حين فترة من الرسل. وقالت الفرقة العاشرة: أن أبا جعفر محمد بن علي كان الميت في حياة أبيه، وهو الذي كان الإمام بوصية من أبيه، ثم أوصى هو إلى غلام له صغير كان في خدمته يُقال له نفيس، ثم بعد موته نقل هذا الغلام الوصية إلى جعفر. وقالت الفرقة الحادية عشرة: قد اشتبه علينا الأمر، ولا ندري من هو الإمام، وأن الأرض لا تخلو من حجة فنتوقف ولا نقدم على شيئ حتى يصح لنا الأمر ويتبين. وقالت الفرقة الثانية عشرة: ليس القول كما قال هؤلاء، بل لا يجوز أن تخلو الأرض من حجة، ولو خلت لساخت الأرض ومن عليها., وأما هو خائف مستور بستر الله لا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه، وليس علينا البحث عن أمره، بل البحث عن ذلك وطلبه حرام. وقالت الفرقة الثالثة عشرة: أن الحسن بن علي توفى، وأنه كان الإمام بعد أبيه، وأن جعفر بن علي الإمام بعده، كما كان موسى بن جعفر إماماً بعد عبد الله بن جعفر، للخبر الذي روى أن الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى. وأن الخبر الذي روى عن الصادق عليه السلام، أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام صحيح لا يجوز غيره، وإنما ذلك إذا كان للماضي خلف من صلبه، فإنه لا تخرج منه إلى أخيه، بل تثبت في

خلفه. وإذا توفى ولا خلف له، رجعت إلى أخيه ضرورة، لأن هذا معنى الحديث عندهم. وكذلك قالوا في الحديث الذي روى أن الإمام لا يغسله إلا إمام، وأن هذا عندهم صحيح لا يجوز غيره. وأقروا أن جعفر بن محمد عليهما السلام غسله موسى، وادعوا أن عبد الله أمره بذلك، لأنه كان الإمام بعده، وإن جاز أن لا يُغسله لأنه إمام صامت في حضرة عبد الله. فهؤلاء الفطحية الخلص الذين يجيزون الإمامة في أخوين، إذا لم يكن الأكبر منهما خلف ولدا. والإمام عندهم جعفر بن علي، على هذا التأويل ضرورة. وأما الفرقة الرابعة عشرة فقالت: إن الإمام بعده إبنه محمد، وهو المنتظر، غير أنه مات، وسيجئ ويقوم بالسيف، وسيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا (¬1). فهذه هي الفرق المشهورة للشيعة، ذكرناها من كتب القوم أنفسهم، مع سرد الروايات والعبارات من كتب السنة أيضاً تأييداً وتوثيقاً، لا أصلاً واستدلالاً. غير أن هنالك فرقاً شيعية أخرى، ذكرها أصحاب الفرق من السنة من البيانية والجناحية والرزامية والمقنعية والحلمانية والخلاجية والأزافرة وغيرهم، لم نذكرها لانقراضها، ولعدم ورود ذكرها في كتب الشيعة، وكي لا يقول قائل: يعلم الله أن هذه الأسماء كلها لم نسمع بها ولم نرها في كتب الشيعة، وما هي إلا مختلقة لا يُقصد من ذكرها غير التشنيع والتهجين. وهي أسماء بلا مسميات، ولم يذكرها أحد من المؤرخين، ولا نقلها من كتب في الملل والشيعة كالشيخ أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أهل القرن الرابع في كتاب الفرق والمقالات المتكفل بذكر ¬

(¬1) ملخصاً فرق الشيعة للنوبختي ص 119 وما بعد.

فرق الشيعة وغيره (¬1). وبقيت هناك فرق أخرى، ألا وهي: الأثنا عشر أو الجعفرية الإمامة، فإنها ذكرت ضمن الأربع عشرة فرقة التي افترقت بعد موت الحسن العسكري، ولكن لما لها من أهمية، وإن هذا السرد الطويل لم يكن إلا لأجلها، لأنه عند إطلاق لفظ الشيعة لا يتبادر إلى الذهن الآن إلا هذه الفرقة. فنخصص لها باباً مستقلاً في تاريخها وعقائدها وعلاقتها بالسبئية، وتوارثها جميع الأفكار الموجودة في الفرق البائدة من الغلاة والمتطرفين. كما سنذكر الفرق التي تفرقت منها، وهي موجودة حتى الآن. ونلفت ههنا أنظار القرآء والباحثين إلى أمر هام يجب الإنتباه إليه، وهو ان كل فرقة من فرق الشيعة التي ذكرناها في هذا الباب سيجد القارئ من مطالعة موجز المعتقدات والعقائد التي حملها أؤلئك، أن كل واحدة منها أخذ حظاً وافراً من السبئية أبناء اليهود، واغترفت غرفاً كثيرة من الأديان الباطلة الأخرى من النصرانية والمجوسية والأفكار المدسوسة من الهندوس والبابليين والعاشوريين والكلدانيين وغيرهم، كما أن الشيعة بعد تطور التشيّع الأول في جميع أدوارهم وعصورهم، التزموا بقول الرجعة والغيبة والولاية والبراءة والوصاية والتوارث، كما أرسخها مؤسس القوم عبد الله بن سبأ وشلته الماكرة. ¬

(¬1) أعيان الشيعة للسيد محسن أمين القسم الأول الجزء الأول ص24.

الباب السادس الشيعة الاثنا عشرية

الباب السادس الشيعة الاثنا عشرية أن الطائفة الإمامية الذين قالوا بإمامة الموهوم الذي سموه محمد بن الحسن العسكري، يقول فيهم السمعاني في (الأنساب): الإمامية جماعة من غلاة الشيعة، وإنما لقبوا بهذا اللقب لأنهم يرون الإمامة لعليّ وأولاده ويعتقدون أنه لا بد للناس من إمام وينتظرون إماماً سيخرج في آخر الزمان (¬1) ". وهي الطائفة التي تسمى بالاثنى عشرية لإعتقادهم إمامة الاثنى عشر من علي بن أبي طالب والحسن بن علي وإمامة أخيه الحسين وإمامة زين العابدين علي بن الحسين وإمامة محمد بن علي الباقر وإمامة جعفر بن محمد الصادق وإمامة موسى بن جعفر الكاظم وإمامة علي بن موسى الرضا وإمامة محمد بن علي الجواد وإمامة علي بن محمد الهادي وإمامة الحسن بن علي العسكري وإمامة محمد بن الحسن المهدي وهو الِإمام الثاني عشر (¬2) ". ويسمون أيضاً: الجعفرية باعتبار أن مذهب في الفروع هو مذهب الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، ونسب مذهبهم في الفروع إليه باعتبار أن أكثره مأخوذ عنه (¬3) ". ¬

(¬1) الأنساب للسمعاني. (¬2) الشيعة في التاريخ ص 45 - 46. (¬3) أعيان الشيعة الجزء الأول القسم الأول ص 20.

أسماؤهم: الاثنا عشرية - الجعفرية - الرافضة - الإمامية

ويسمون أيضاً: الرافضة أو الروافض لرفضهم مناصرة أئمتهم ومتابعتهم وغدرهم بهم وعدم وفائهم لهم كما وصفهم عليّ - رضي الله عنه - بقوله: لو ميزت شيعتي لما وجدتهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد (¬1) ". وكما قال علي بن الحسين الملقب بزين العابدين أنه لم يبق أحد من شيعة الحسين إلا ارتدّ تخاذلاً وجبنا ورفضا لنصرتهم إياه، أللهم إلا الخمسة: أبو خالد الكابلي ويحيى ابن أم الطويل وجبير بن مطيع وجابر بن عبد الله وشبكة التي كانت زوجة الحسين (¬2) ". ورفضهم مناصرة أئمتهم وخذلانهم إياهم. وتركهم أوحاداً في المعارك والحروب التي هم أسعروا نيرانها معروف ومشهور، ولقد ذكرنا بعض الوقائع منها فيما سبق، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب (مقاتل الطالبيين) للأصفهاني، فإنه ليجد هناك المئات من أولاد علي بن أبي طالب الذين دعوا إلى الخلافة والحكم، ثم خذلوا ورفضوا من قبل الشيعة وقيل إنهم سموا بالروافض لرفضهم زيد بن علي بن الحسين على مدحه أبا بكر وعمر فقال زيد: رفضونا اليوم، ولذلك سموا هذه الجماعة بالرافضة (¬3). وذكر الرازي مثل ذلك حيث قال: إنما سموا بالروافض لأن زيد بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - خرج على هشام بن عبد الملك، فطعن عسكره في أبي بكر فمنعهم من ذلك فرفضوه ولم يبق معه إلا مائتا ¬

(¬1) كتاب الروضة من الكافي ج 8 ص 338. (¬2) مجالس المؤمنين ص 144 ط. طهران. (¬3) ناسخ التواريخ للمرزه تقي خان الشيعي ج 2 ص 590.

فارس. فقال لهم: -أي زيد بن علي- رفضتموني؟. قالوا: نعم، فبقى عليهم هذا الأسم (¬1) ". وأما قول من قال: الرافضة لقب ينبز به من يقدّم علياً عليه السلام في الخلافة وأكثر ما يستعمل للتشفي والانتقام، وإذا هاجت هائجة العصبية لم يتوقف في إطلاقه على كل شيعي (¬2) ". فليس إلا مبنياً على الجهل أو التجاهل فراراً من العار الذي لصق بهم أبد الدهر لأنه ورد في بخاري القوم: عن محمد بن سليمان عن أبيه أنه قال: "قلت لأبي عبد الله جعفر -الإِمام السادس المعصوم حسب زعم الشيعة-: جعلت فداك فإنا قد نبزنا نبذاً أثقل ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: الرافضة؟ قلت: نعم، قال: لا والله ما هم سموكم ولكن الله سماكم به (¬3) ". ويسمون أنفسهم الخاصة وغيرهم العامة -فعل اليهود- (¬4). فهذه هي الأسماء المشهورة لهذه الطائفة، فالقائلون بالغائب الموهوم يسمون بهذه الأسماء التي ذكرناها، ثم إنهم تحيروا في إثبات وجوده وولادته قبل ثبوت إمامته للشيعة وزعامته التشيع، فاضطربت فيه أقوالهم وتضاربت فيه آراؤهم، فقائل يقول: بأن أباه مات ولم ير له أثر ولم يعرف له ولد ظاهر (¬5) ". ¬

(¬1) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص 52. (¬2) أعيان الشيعة الجزء الأول القسم الأول ص 17. (¬3) كتاب الروضة من الكافي ج 5 ص 34. (¬4) انظر أعيان الشيعة ج 1 ص 20. (¬5) فرق الشيعة للنوبختي ص 118 - 119.

الإمام الثانى عشر ولد ولم يولد

وقائل قال: كان منه الحمل في جارية له ولكنه بطل ذلك الحمل أو سقط كما ذكره الكليني في رواية طويلة له عن أحمد بن عبيد الله بني خاقان أنه قال: إن الحسن العسكري لما مات: صارت سرّمن رأى ضجة واحدة وبعث السلطان إلى داره من فتشها وفتش حجرها وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاءوا بنساء يعرفن الحمل، فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن، فذكر بعضهن أن جارية هنا بها حمل، فجعلت في حجرة ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين حتى تبين بطلان الحمل (¬1) ". وقائل قال منهم: بل ولد لحسن بعده بثمانية أشهر (¬2) ". والآخرون قالوا: ولد ذلك الموهوم قبل وفاته بسنتين: فأما مولده بسرّمن رأى في ثالث وعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين (¬3) ". وقال قائلهم: كان مولده في سنة ست وخمسين (¬4) ". وقال قائل: لا بل ولد قبل وفاته بخمس سنوات: ْوكان مولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين (¬5) ". وهكذا اختلف في اسم الجارية التي قالوا إنها ولدته، فقال ¬

(¬1) كتاب الحجة من الكافي ج 1 ص 126. (¬2) فرق الشيعة ص 126. (¬3) كشف الغمة للأربلي ج 3 ص 227. (¬4) منتهى الآماد للعباس القمي ص 1198 الفارسي. (¬5) الإرشاد للمفيد ص 346، إعلام الورى للطبرسي ص 419.

قائلهم: إن اسمها نرجس (¬1) ". وقيل: اسمها صقيل أو صيقل (¬2) ". وقيل: حكيمة (¬3) ". وقيل غير ذلك. وعلى ذلك قال ابن حزم: وقالت القطيعية من الإِمامية الرافضة كلهم وهم جمهور الشيعة ومنهم المتكلمون والنظارون والعدد العظيم بأن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حي لم يمت ولا يموت حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وهو عندهم المهدي المنتظر، ويقول طائفة منهم: إن مولد هذا الذي لم يخلق قط في سنة ستين ومائتين سنة موت أبيه، وقالت طائفة منهم: بل بعد موت أبيه بمدة. وقالت طائفة منهم: بل في حياة أبيه ورووا ذلك عن حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى وأنها شهدت ولادته وسمعته يتكلم حين سقط من بطن أمه ويقرأ القرآن، وأن أمه نرجس، وأنها كانت هي القابلة، وقال جمهورهم: بل أمه صقيل، وقالت طائفة منهم: بل أمه سوسن. وكل هذا هوس، ولم يعقب الحسن المذكور لا ذكراً ولا أنثى، فهذا أول نوك الشيعة ومفتاح عظيماتهم وأخفها وإن كانت مهلكة (¬4). ثم القصص التي اختلقت واخترعت لولادة هذا المولود الذي لم يولد قط وعن اختفائه عن الأعين، عن الخاصة والعامة وعن الأقارب والأباعد، وعدم علم أهل البيت وأهل الدار وعدم معرفتهم به. ثم ¬

(¬1) الإرشاد للمفيد ص 346. (¬2) كشف الغمة ج 3 ص 227. (¬3) أيضاً. (¬4) الفصل لابن حزم ج 4 ص 181

وكيفية بلوغه إلى درجة الإِمامة والإحاطة بجميع العلوم التي هي من خواص الإمامة ولوازمها عند القوم، كل ذلك جعل القوم ينسجون الأساطير ويبالغون في الأكاذيب لإثبات مدعاهم الذي لم يثبت ولن يثبت لأن حكاياتهم الجديرة أن توصف بأنها خرافات وخزعبلات هي نفسها تشهد على فشلهم وخذلانهم في إيجاد اللاموجود. ويسرد للقارىء بعض هذه الخرافات لكي يعرف ويعلم كذب القوم وحقيقتهم الأصلية. ولأهمية الموضوع أردنا بعض التفصيل وخاصة إنها - أي الاثنى عشرية- هي الطائفة الوحيدة التي تدّعي التشيع الأصلي وكونهم الشيعة الأصليين وعلى وجود معدومهم يتأسس مذهبهم وتقوم ديانتهم. ولقد ذكر مفسر الشيعة وعلم من أعلامهم، الذي يلقبونه بأمين الإسلام ومن علمائهم في القرن السادس من الهجرة أبو علي الطبرسي في كتابه نقلاً عن صدوق الشيعة وأحد أئمتهم في الحديث، الذي جعلوه في الصحاح الأربعة لهم، ابن بابويه القمي: فمن الأخبار التي جاءت في ميلاده (ع) ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن رزق الله عن موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة (عن حكيمة بنت محمد بن علي) بن موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدثتني حكيمة بنت محمد بن الرضا (ع) قالت: بعث إلى أبو محمد الحسن بن علي (ع) فقال: يا عمة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان وإن الله تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجة الله في أرضه، قالت فقلت له: ومن أمه؟. قال: نرجس، فقلت له: جعلني الله فداك ما بها أثر، فقال: هو ما أقول لك، قالت: فجئت فلما سلمت وجلست

جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي كيف أمسيت؟. فقلت: بل أنت سيدتي وسيدة أهلي، قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا، فقلت لها: يا بنية إن الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذا غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة، قالت: فخجلت واستحييت، فلما أن فرغت من صلاة العشاء الآخيرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت فلما كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي قائمة ليس بها حادث ثم جلست معقبة ثم اضطجعت، ثم انتبهت أخرى وهي راقدة، ثم قامت فصلت ونامت، قالت حكيمة: وخرجت اتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان وهي نائمة، قالت حكيمة: فدخلتني الشكوك فصاح بي أبو محمد من المجلس فقال: لا تعجلي يا عمة فإن الأمر قد قرب، قال: فجلست فقرأت (الم السجدة) و (يس) فبينا أنا كذلك إذا انتبهت فزعة فوثبت إليها، فقلت: اسم الله عليك، ثم قلت لها: تحسين شيئاً؟ قالت: نعم، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك. قالت حكيمة: ثم أخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحس سيدي فكشفت الثوب عنها فإذا به عليه السلام ساجداً يتلقى الأرض بمساجده فضممته إلى فإذا أنا به نظيف منظف، فصاح بي أبو محمد هلمي إلى ابني يا عمة! فجئت به إليه فوضع يديه تحت أليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره، ثم أدلى لسانه في فيه وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله. ثم قال: تكلم يا بني فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. ثم صلى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة (ع) إلى أن وقف على أبيه ثم أحجم. ثم قال أبو محمد: يا عمة! اذهبي به إلى أمه ليسلم عليها وائتيني

به فذهبت به فسلم ورددته ووضعته في المجلس. ثم قال عليه السلام: يا عمة إذا كان يوم السابع فائتينا، قالت حكيمة: فلما أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد وكشفت الستر لأتفقد سيدي فلم أره فقلت له: جعلت فداك ما فعل سيدي؟. قال: يا عمة استودعناه الذي استودعت أم موسى، قالت حكيمة: فلما كان يوم السابع جئت وسلمت على أبي محمد فقال: هلمي إلى ابني فجئت بسيدي وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الأولى ثم أدلى لسانه في فيه كأنما يغذيه لبناً أو عسلاً، ثم قال: تكلم يا بني فقال أشهد أن لا إله إلا الله وثنى الصلاة على محمد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمة حتى وقف على أبيه (ع) ثم تلا هذه الآية {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} (¬1). وروى مثل ذلك بزيادات كثيرة خاتمة محدثي الشيعة ملا باقر المجلسي عن الكليني صاحب (الكافي)، وعن ابن بابويه القمي، وعن شيخ الطائفة الطوسي، وعن السيد مرتضى الذي لقبوه بعلم الهدى وغيرهم (¬2). ومؤرخ الشيعة ورجاليّهم ومحدثهم عباس القمي في منتهى الآمال (¬3). وروى القوم عن كبار محدثيهم، عن ابن بابويه القمي، وعن شيخ الطائفة الطوسي بأسانيد معتبرة معتمدة كما ذكروا خرافات كثيرة يخجل الإِنسان بذكرها ويمجّها العقل ويزدريها الفكر ولكن أنّى لشاتمي ¬

(¬1) أعلام الورى للطبرسي ص 418 - 420، روضة الواعظين للفتال النيسابوري الشيعي ص 256 - 257. (¬2) جلاء العيون فارسي ص 770 وما بعد. (¬3) ص 1204 وما بعد.

أصحاب الرسول الحياء والخجل، ومما ورد فيه أن حكيمة تقول: " بدأت أقرأ على نرجس: إنا أنزلناه في ليلة القدر، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ بمثل ما أقرأ، وسلمّ عليّ، ففزعت لما سمعت، فصاح بي أبو محمد عليه السلام: لا تعجبي من أمر الله إن الله تعالى ينطقنا صغاراً بالحكمة ويجعلنا حجة في أرضه كباراً، فلم يستتم الكلام حتى غيّبت عني نرجس، فلم أرها كأنه ضرب بيني وبينها حجاب فعدوت نحو أبي محمد (ع) وأنا صارخة فقال لي: ارجعي يا عمة فإنك ستجدينها في مكانها قالت: فرجعت فلم ألبث إلى أن كشف الغطاء الذي بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصري فإذا أنا بالصبي عليه السلام ساجداً لوجهه جاثياً على ركبتيه رافعاً سبابته نحو السماء وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدي رسول الله (ص) وأن أبي أمير المؤمنين ثم عد إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه فقال: اللهم أنجز لي وعدي وأتمم لي أمري، وثبت وطأتي واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً فصاح بي أبو محمد (ع) وقال: يا عمة تناوليه وهاتيه فتناولته وأتيت به نحوه فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي فسلم على أبيه فتناوله الحسن (ع) مني والطير يرفرف على رأسه ويناوله لسانه فيشرب منه ثم قال: امض به إلى أمه لترضعه ورديه إلي قالت فناولته أمه فأرضعته ورددته إلى أبي محمد والطير يرفرف على رأسه فصاح طير منها فقال له: احمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوماً فتناوله الطير وطار به في جو السماء وأتبعه سائر الطيور فسمعت أبا محمد يقول: أستودعك الذي أودعته أم موسى، فبكت نرجس فقال: اسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك وسيعاد إليك كما رد موسى إلى أم موسى وذلك قول الله عز وجل: {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن}، قالت حكيمة: قلت

فما هذا الطير؟ قال هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم السلام يوفقهم ويسددهم ويربيهم العلم قالت حكيمة: فلما أن كان بعد أربعين يوماً رد الغلام ووجهه إلى ابن أخي فدعاني فدخلت عليه فإذا أنا بصبي متحرك يمشي بين يديه فقلت يا سيدي هذا ابن سنتين فتبسم عليه السلام ثم قال: إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشئون بخلاف ما ينشأ غيرهم وإن الصبي منا إذا أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة وإن الصبي منا ليتكلم في بطن أمه ويقرأ القرآن ويعبد الله تعالى عند الرضاع وتطيف به الملائكة وتنزل عليه بالسلام صباحاً ومساءاً قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي في كل أربعين يوماً إلى أن رأيته رجلاً قبل مضي أبي محمد بأيام قلائل فلم أعرفه فقلت لابن أخي (ع) من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال لي: هذا ابن نرجس وهذا خليفتي من بعدي وعن قليل تفقدونني فاسمعي وأطيعي" (¬1). ومثل ذلك روى الطبرسي أيضاً في أعلام الورى (¬2). وزاد: حدثني نسيم الخادم قال: قال لي صاحب الزمان وقد دخلت بعد مولده بليلة، فعطست فقال: يرحمك الله، قال نسيم: ففرحت بذلك فقال: ألا أبشرك بالعطاس؟ فقلت: بلى، فقال: هو أمان من الموت إلى ثلاثة أيام" (¬3). وابن الفتال قال: لما ولد السيد عليه السلام قال أبو محمد: ابعثوا إلى أبي عمرو، فبعث إليه فصار إليه، فقال له: اشتر أربعة آلاف رطل خبز وعشرة آلاف ¬

(¬1) جلاء العيون للمجلسي ص 772، منتهى الآمال للقمي ص 1206، روضة الواعظين ج 2 ص 259. (¬2) ص 420. (¬3) أعلام الورى ص 420.

رطل لحم وفرقه واحسبه قال علي بن هاشم: وعق عنه بكذا وكذا شاة. وروى أنه لما ولد السيد (ع) رأيت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاً تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثم تطير، فأخبرنا أبا محمد بذلك فضحك، ثم قال: تلك ملائكة السماء نزلت للتبرك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج" (¬1). ولعاقل أن يعقل ويسأل: ولماذا الخوف، ثم الدخول في السرداب ما دامت الملائكة حاميته وأنصاره؟. ثم ولماذا كان البحث والتفتيش والتنقيب عن مولود للحسن العسكري ما دام أنه كان موجوداً وقد بلغ الرشد وشبّ وترعرع؟. ثم وكيف حاز تركة الحسن أخوه جعفر مع وجود من يكون وارثاً له من أولاده؟. ورابعاً: ولماذا لم يشب ولم ينم الحسن والحسين سبطا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولهما من مكانة ومنزلة لا تخفى على أحد؟. كما أن الحسين حسب زعم القوم هو أب الأئمة الذين حلفوا بعده ومع وجود رسول الله آنذاك، فكان صبياً عندما غادر رسول الله الدنيا وحتى بروايات القوم، ثم ومن غير المعدوم نمى هذا النمو وترعرع وشبّ بهذه العجلة؟ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا. خامساً: وهل يصدّق بهذه الأقاصيص التي لم يحسن واضعوها صناعتها وصياغتها شخص لديه شىء من التعقل وقليل من الفكر؟. وهل حكايات الطير وغياب النرجس إلا الأباطيل التي يسامر بها ¬

(¬1) روضة الواعظين ص 260.

المسامرون ويحيون بها الليالي في الأندية والمقاهي؟. ثم وكيف خفى كل هذا على الهاشميين والأسرة العلوية مع من فيهم من أم الحسن وأخيه وعلى رأسهم نقيب الطالبيين أحمد بن عبد الصمد المعروف بابن الطومار الذي كان لديه سجل يدوّن فيه مواليد العلويين. وعلى ذلك لما ادعى أحد من الأدعياء أنه محمد بن الحسن العسكري سنة 302 وصل خبره إلى الخليفة المقتدر العباسي، فأمر باحضار مشائخ آل أبي طالب ونقيبهم للبتّ في أمره، فشهد الجميع على كذبه بدليل أن الحسن العسكري لم يعقب، فحبس الدعيّ وضرب شهر بين الناس (¬1). فهذه القصص وهذه الخرافات بنفسها تشهد على فشل القوم في إثبات المدّعي. هذا وزيادة على ذلك اختلاف الشيعة أنفسهم وذهاب أكثرهم إلى إمامة الآخرين، والآراء المتعددة، بعد يأسهم عن ولادة ابن الحسن العسكري وعن وجوده بعده. وأخيراً ننقل ذلك الخبر الموثوق، المعتمد لدى القوم والمنقول في أصح كتبهم، في (الكافي) ما هو فصل قاطع في الموضوع، وذلك ما رواه الكليني عن أحمد بن عبيد الله بن خاقان وهو شيعي مشهور معلن تشيعه وموالاته للحسن العسكري أن الحسن العسكري: لما اعتل بعث السلطان إلى أبيه أن ابن الرضا قد اعتل، فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته، فيهم نحرير فأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم ¬

(¬1) تاريخ طبري ج 13 ص 26 - 27 تحت حوادث سنة 302 هـ.

بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساء، فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف، فأمر المتطببين بلزوم داره وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتى توفي عليه السلام فصارت سرمن رأى ضجة واحدة وبعث السلطان إلى داره من فتشها وفتش حجرها وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاءوا بنساء يعرفن الحمل، فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن، فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل فجعلت في حجرة ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته وعطلت الأسواق وركبت بنو هاشم والقواد وأبي وسائر الناس إلى جنازته، فكانت سرمن رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة، فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والمعدلين وقال: هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه حضره من حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان، ثم غطى وجهه وأمر بحمله من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبيه. ولما دفن أخذ السلطان والناس في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا عن قسمة ميراثه ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين حتى تبيّن بطلان الحمل، فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر وادعت أمه وصيته وثبت

لماذا قالوا بولادة هذا المعدوم

ذلك عند القاضي" (¬1). وذكر هذا الخبر جميع مؤرخي الشيعة ومؤلفيهم ومحدثيهم من المفيد في الإِرشاد (¬2) والطبرسي في أعلام الورى (¬3) والأربلي في كشف الغمة (¬4) والملا باقر المجلسي في جلاء العيون (¬5) وصاحب الفصول في الفصول المهمة (¬6) والعباس القمي في منتهى الآمال (¬7). فهذا هو الخبر الذي رواه جميع مؤرخي الشيعة ومحدثيها قد يهدم ما أرادوا بناءه على الأساطير والقصص والحكايات والخرافات من ولادة الثاني عشر المعدوم ونشأته وإمامته. ثم ولقد أقرّ بهذه الحقيقة الناصعة كبار القوم وزعماؤهم بأن الحسن العسكري مات: فلم يظهر ولده في حياته، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته، وتولى جعفر بن علي أخو أبي محمد (ع) وأخذ تركته، وسعى في حبس جواري أبي محمد واعتقال حلائله ... وحاز جعفر ظاهراً تركة أبي محمد عليه السلام واجتهد في القيام عند الشيعة مقامه" (¬8). ولماذا قالوا بولادة هذا المعدوم؟ ثم إن القوم لم يضطروا إلى إيجاد هذا المعدوم واختلاق هذا الموهوم إلا فراراً من الأسئلة التي تطرح عليهم من قبل مخالفيهم وهرباً من المآزق ¬

(¬1) كتاب الحجة من الكافي ص 505. (¬2) ص 339. (¬3) ص 377 - 378. (¬4) ج 3 ص 198 - 199. (¬5) تحت ذكر المهدي. (¬6) أيضاً. (¬7) أيضاً. (¬8) الإرشاد للمفيد ص 345، أعلام الورى للطبرسي ص 380، كشف الغمة ج 3 ص 205.

التي كانوا يقعون فيها حسب الأسس التي اخترعوها والقواعد التي ابتدعوها والأصول التي أوجدوها هم أنفسهم لبيان أوصاف الإمام وخصائله والشروط التي توجد فيه واللوازم التي تلزمه إياه، فإنهم قالوا: أن الإِمام لا يموت حتى يوصي، ويكون له خلف (¬1). وذكر الكليني عن جعفر أنه قال: لا يموت الإِمام حتى يعلم من يكون بعده، فيوصي إليه" (¬2). ثانياً: لا يكون إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب كما روى الكليني عن جعفر أنه قال: لا تعود الإِمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً، إنما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}، فلا تكون بعد علي بن الحسين إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب" (¬3). وروى الكليني عن عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن كان كون -ولا أراني الله- فبمن أئتم؟ فأومأ إلى ابنه موسى، قال: قلت: فإن حدث يموسى حدث فبمن أئتم؟ قال: بولده، قلت: فإن حدث بولده حدث وترك أخاً كبيراً وابناً صغيراً فبمن أئتم؟ قال: بولده ثم واحداً فواحداً. وفي نسخة الصوافي: ثم هكذا أبداً" (¬4). ¬

(¬1) فرق الشيعة للنوبختي ص 123. (¬2) الأصول من الكافي كتاب الحجة، باب أن الإمام يعرف الإمام الذي يكون من بعده ج 1 ص 277. (¬3) أيضاً، باب إثبات الإمامة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولا عم ج 1 ص 286. (¬4) أيضاً.

شروط الإمامة

وتوثيقاً لهذه القاعدة وتأكيداً لها نقلوا عن علي بن موسى الرضا أنه سئل: أتكون الإمامة في عمّ أو خال؟ فقال: لا، قيل: ففي أخ؟ قال: لا، قيل: ففيمن؟ قال: في ولدي، وهو يومئذ لا ولد له" (¬1). ويقصد بذلك لا بد أن يولد له ولد لأن وجوده من أحد الأدلة على صحة الإمامة. ثالثاً: ولا يكون إلا في الكبير. كما روى الكليني عن علي بن موسى أنه قال: للإمام علامات، منها أن يكون أكبر (¬2) ولد أبيه" (¬3). وكما رووا عن جعفر أنه قال: أن الأمر في كبير ما لم تكن فيه عاهة" (¬4). ومثل ذلك قال علي بن موسى بن جعفر حينما سئل عن دلالة صاحب هذا الأمر فقال: الدلالة عليه الكبر" (¬5). رابعاً: قالوا: إن الإِمام لا يغسّله إلا الإِمام. كما نقلوا عن علي الرضا أنه قال: إن الإمام لا يغسّله إلا إمام من الأئمة عليهم السلام" (¬6). خامساً: يستوي عليه درع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما رووا عن الباقر أنه بيّن علامات الإمام فقال: ومنها: وإذا لبس درع رسول الله صلى الله ¬

(¬1) أيضاً. (¬2) وهذا هو الدليل القوي والحجة القاطعة للإسماعيلية بأن الإمام كان بعد جعفر إسماعيل ابنه لأنه هو أكبر أبنائه. (¬3) الأصول من الكافي ج 1 ص 284. (¬4) الأصول من الكافي كتاب الحجة، باب الأمور التي توجب حجة الإمام ج 1 ص 284. (¬5) أيضاً. (¬6) أيضاً، باب أن الإمام لا يغسله إلا إمام ص 384.

عليه وآله كان عليه وفقا، وإذا لبس غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليهم شبراً" (¬1). ومثل ذلك روى ابن بابويه القمي عن علي بن موسى الرضا -الإمام الثامن للشيعة- أنه قال: ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وآله " (¬2). وبذلك استدل جعفر بن الباقر على إمامة موسى ابنه -حسب زعمهم- كما يروي عبد الرحمن بن الحجاج أنه قال لجعفر: جعلني الله فداك، قد عرفت انقطاعي إليك، فمن ولى الناس بعدك؟ فقال: إن موسى قد لبس الدرع وساوى عليه" (¬3). سادساً: ويكون عنده سلاح رسول الله كما روى الكليني عن علي بن موسى بن جعفر أنه قال: والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، تكون الإمامة مع السلاح حيث ما كان" (¬4). وبمثل ذلك قال جعفر: يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال: لا تكون إلا فيه: هو أولى الناس بالذي قبله وهو وصيه وعنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله" (¬5). سابعاً: لا يكون الإمام إلا من يكون أشجع الناس وأعلم الناس، كما روى الكليني عن أبي الحسن أنه قال: ¬

(¬1) أيضاً، باب مواليد الأئمة ج 1 ص 389. (¬2) عيون أخبار الرضا، باب ما جاء عن الرضا في علامات الإمام ج 1 ص 213. (¬3) الأصول من الكافي ج 1 ص 308. (¬4) أيضاً ص 284. (¬5) أيضاً ص 379.

للإمام علامات

نحن في العلم والشجاعة سواء" (¬1). وكما روى الحر العاملي عن علي بن موسى بن جعفر أنه قال: الإِمام أحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من الفضل الوهاب" (¬2). وروى ابن بابويه القمي أيضاً عن علي بن موسى بن جعفر أنه قال: ْللإِمام علامات، يكون أعلم الناس وأشجع الناس" (¬3). ثامناً: إن الإِمام لا يحتلم ولا يجنب كما رووا ذلك عن علي بن موسى بن جعفر" (¬4). تاسعاً: إن الإِمام يعلم بما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليه شىء، وعنده جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل ويعرفها على اختلاف ألسنتها (¬5). وأشياء كثيرة كثيرة. ولقد ذكر ابن بابويه القمي عن علي بن موسى بن جعفر أنه قال: للإِمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختوناً، ويكون مطهرّاً، ويرى من خلفه كما يرى من بين ¬

(¬1) أيضاً ص 275. (¬2) الفصول المهمة، باب يجب أن يكون الإِمام أعلم الناس ص 142 ط. قم. إيران. (¬3) كتاب الخصال لابن بابويه القمي ج 2 ص 528 ط. طهران. (¬4) أنظر عيون أخبار الرضا ج 1 ص 213، كتاب الخصال ج 2 ص 528. (¬5) الكافي للكليني، كتاب الحجة ج 1 ص 227، 260، الفصول المهمة للحر العاملي ص 155.

يديه، ولا يكون له ظلٌّ، وإذا وقع على الأرض من [بطن] أُمّه وقع على راحتيه رافعاً صوته بالشهادة، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه. ويكون محدَّثاً ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يرى له بول ولا غائط لأنَّ الله عزَّ وجلَّ قد وكّل الأرض بابتلاع ما يخرج منه. ويكون له رائحة أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم وأشفق عليهم من آبائهم، واُمّهاتهم، ويكون أشدَّ الناس تواضعاً لله عزَّ وجلَّ، ويكون آخذ الناس بما يأمرهم به وأكفَّ الناس عما ينهي عنه، ويكون دعاؤه مستجاباً حتّى لو أنه دعا على صخرة لانشقّت نصفين، ويكون عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسيفه ذو الفقار، ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة، ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر إهاب ماعز وإهاب كبش فيهما جميع العلوم حتّى أرش الخدش وحتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام. وفي حديث آخر إنَّ الإِمام مؤيد بروح القدس وبينه وبين الله عزَّ وجلَّ عمود من نور يرى فيه أعمال العباد وكلّما احتاج إليه لدلالة اطّلع عليه" (¬1) وأخيراً عن جعفر أنه قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت" (¬2) وقال: ¬

(¬1) كتاب الخصال للقمي ص 527، 528. (¬2) الأصول من الكافي، باب أن الأرض لا تخلو من حجة ج 1 ص 179.

لو لم يبق من الأرض إلا اثنان فأحدهما الحجة" (¬1). هذه هي الأسس الكبيرة التي وضعوا عليها بناء إمامة أئمتهم، ولما وجدوا أن أكثر الذين يعتقدون فيهم الإِمامة ولا تنطبق عليهم هذه الصفات ولا يصدق عليهم هذه الشروط حيث إن بعضهم ليس بأكبر ولد أبيه مثل موسى الكاظم والحسن العسكري، وبعضهم لم يغسّله إمام مثل علي بن موسى بن جعفر، فإن ابنه محمد الجواد لم يتجاوز الثامنة من عمره آنذاك. وكذلك موسى بن جعفر فإن ابنه علي الرضا لم يغسّله لغيابه عنه عندئذ. والجدير بالذكر أن محمد بن الرضا -الإِمام الثامن من عندهم- كان بالمدينة حين وفاته (¬2). وكذلك الحسين بن علي لم يثبت أنه غسّله ابنه علي زين العابدين لملازمته الفراش ولحيلولة عساكر ابن زياد دون ذلك. وبعضهم لا يستوي عليه درع رسول الله مثل محمد بن علي الرضا، فإنه لم يتجاوز الثامنة عند وفاة أبيه، وكذلك ابنه علي بن محمد مات عنه وهو صغير. ومنهم مَن لم يكن عنده سلاح رسول الله، ولو كان عنده لما نازعه في الأمر أخوه زيد، وكموسى بن جعفر حيث نازعه عبد الله الأفطح وغيره. ومنهم من لم يكن أعلم الناس، فكيف يكون الصبى أعلمهم، وقد نقل عن القوم أنفسهم بأن من يظنونه إماماً من الصبيان قد وكل أمرهم إلى الآخرين إلى أن يستأنس منهم الرشد والعلم، وكذلك فقد ¬

(¬1) أيضاً. (¬2) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 249.

شك الشيعة فى علوم أئمتم

شكّ كبار الشيعة وزعماؤهم حتى في علم جعفر بن الباقر، فهذا هو زرارة بن أعين كبير رواة القوم، الذي قال فيه جعفر نفسه: رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي" (¬1). فهذا زرارة قال عن جعفر وأبيه: رحم الله أبا جعفر، فإن في قلبي عليه لفتة" (¬2). وقال فيه أيضاً: وصاحبكم أيضاً ليس له بصر بكلام الرجال" (¬3). ومثل ذلك حكموا في علم ابنه موسى، والقائل هو أبو بصير المرادي أحد الأركان الأربعة في رواية الحديث الشيعي، وأبو بصير هذا هو الذي بشره جعفر بن محمد بالجنة (¬4). فلقد ذكر الكشي في شعيب الأقرقوفي أنه ذكر أبا الحسن عنده، فقال أبو بصير: أظن صاحبنا ما تناهى حكمه بعد، وفي رواية أظن صاحبنا ما تكامل علمه" (¬5). وأما الشجاعة فبعد الحسين بن علي لم يكن واحد منهم معروفاً بهذا الوصف بين الناس حسب روايات الشيعة، بل كل ما نقل عنهم يدل على عكس ذلك، فلم يخرج واحد منهم ضد الحكام ولا السلاطين، بل خلاف ذلك، كان منهم من أقر بعبوديته لهم، ومنهم متخاذل عن نصرة بني عمومته الخارجين على الأمراء والولاة، ومنهم متجنب محترز محتاط ومنهم داع إلى التزام الولاء والإِطاعة لهم كما ذكرنا كل ذلك في الباب السابق. ¬

(¬1) رجال الكشي ص 124. (¬2) أيضاً ص 131، تحت ترجمة زرارة ابن أعين. (¬3) أيضاً ص 133. (¬4) انظر رجال الكشي ص 152 تحت ترجمة أبي بصير المرادي. (¬5) أيضاً ص 154.

وهذا كله حسب روايات القوم أنفسهم، وما فعله الحسن وما قالوه له وفيه فمعروف ومشهور. ومنهم من جاء النص بأنه كان يجنب ويحتلم كعلي بن أبي طالب والحسن والحسين، ورووا النص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد إلا أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين" (¬1). وأما العلم بما كان وما يكون فلو كان كذلك لم يختلف أجوبتهم على السائلين لعلمهم أنهم من مخلصي شيعتهم، لأنهم عند ذاك علموا بأنهم ليسوا من المخالفين كما ذكر ذلك النوبختي: "عمر بن رياح" زعم أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن مسألة فأجابه فيها بجواب، ثم عاد إليه في عام آخر فسأله عن تلك المسألة بعينها فأجابه فيها بخلاف الجواب الأول، فقال لأبي جعفر: هذا خلاف ما أجبتني في هذه المسألة العام الماضي، فقال له: إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية فشكك في أمره وإمامته فلقي رجلاً من أصحاب أبي جعفر يقال له (محمد بن قيس) فقال له: إني سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني فيها بجواب ثم سألته عنها في عام آخر فأجابني بخلاف جوابه الأول، فقلت له: لم فعلت ذلك؟ فقال: فعلته للتقية، وقد علم الله أني ما سألته عنها إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به وقبوله والعمل به فلا وجه لاتقائه إياي وهذه حالي فقال له محمد بن قيس: فلعله حضرك من اتقاه؟ فقال: ما حضر مجلسه في واحدة من المسألتين غيري لا ولكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التبخيت ولم يحفظ ما أجاب به في العام الماضي فيجيب بمثله، فرجع عن إمامته وقال: لا يكون إماماً ¬

(¬1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 60.

من يفتي بالباطل على شىء" (¬1). ومثل ذلك ذكر الكليني في (الكافي) عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر قال: سألته عن مسألة فأجابني، ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال: يا زرارة، إن هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم. قال: ثم قلت لأبي عبد الله عليه السلام: شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين؟ قال: فأجابني بمثل جواب أبيه" (¬2). وكذلك لو كانوا يعلمون الغيب لما قتل البعض منهم ومات الآخرون مسمومين حسب روايات القوم، فإنهم قالوا: لم يكن إمام إلا مات مقتولاً أو مسموماً (¬3). لأنهم عند ذلك علموا بذلك. وأما التكلم بجميع اللغات فليس إلا من الأساطير التي اختلقها القوم للضحك على عقول الناس. فهذه هي الأشياء التي جعلت الشيعة في موقف حرج ومأزق لا يرجى منه الخروج. ¬

(¬1) فرق الشيعة للنوبختي ص 80 - 81. (¬2) الأصول من الكافي، كتاب العلم باب اختلاف الحديث ج 1 ص 65. (¬3) الأصول من الكافي ج 1 ص 375، عيون أخبار الرضا ج 1 ص 214.

فقدان جميع الشروط فى الحسن العسكري

وعندما لم يولد مولود للحسن العسكري رأوا أن جميع قواعدهم قد انهارت، وأسسهم قد انهدمت، ولم يبق مجال للتأويل الذي كانوا يتأولون به في السابق والسابقين، ورأوا أنه لا مخلص ولا منجي منه الا أن يوجدوا معدوماً ليتخلصوا به في المستقبل عن جميع الأسئلة التي تنجم عن عدم وجود تلك الأوصاف التي وضعوها كالعلامات للإمام، هذا وزيادة على ذلك كانت إمامة الحسن العسكري معرضة للخطر حيث لم تنطبق عليه علامات كثيرة، منها أنه لم يعقب ولم يخلف. ثم ولم يوص إلى من بعده. ولم يغسّله إمام كذلك. ولم يستو بعده على أحد درع رسول الله. ومن لا يكون موجوداً كيف يحكم عليه بأنه عالم وشجاع. وأخيراً خليت الأرض من حجة، وبقيت بلا إمام ولم تسخ. فحاروا واضطربوا ولم يجدوا جواباً لأن عدم وجود المولود للحسن العسكري لم يكن ليقضي على إمامة الحسن العسكري فحسب، بل كان يتخطى إلى هدم إمامة الآخرين أيضاً حيث إنهم هم الذين رسخوا هذه القواعد التي -طالما انكسرت وانعدمت في الكثيرين منهم- لأنه بذلك يخطي نبوءاتهم ويغلط أقاويلهم وهم معصومون عن الخطأ والزلل، لا ينطقون إلا بما يُلهَمون، فهذا هو النوبختي وهو الشيعي المتعصب المشهور، من أكابر هذه الطائفة وعظماء هذه السلالة، متكلم فليسوف إمامي الاعتقاد (¬1) يصرّح بعبارة واضحة لا غبار عليها بأن الشيعة تحيّروا بعد موت الحسن وذهبوا إلى آراء مختلفة متعددة، وتفرقوا فرقاً كثيرة متنوعة: ¬

(¬1) مجالس المؤمنين للتستري ص 177.

ففرقة قالت: إن الحسن حيّ لم يمت وإنما غاب وهو القائم -وسبب هذا القول؟ - ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهر لأن الأرض لا تخلو من إمام. وفرقة قالت: إن الحسن بن علي مات وعاش بعد موته ... ولو كان له ولد لصحّ موته ولا رجوع، لأن الإِمامة تثبت لخلفه وما أوصى لأحد. وفرقة قالت: إن جعفر هو الإِمام لا الحسن، وتوفي الحسن لا عقب عليه، وإن الإِمام لا يموت حتى يوصي، ويكون له خلف. وفرقة قالت: إن الإِمام بعد علي لم يكن جعفراً لأن فيه خصالاً مذمومة وهو بها مشهور، ولا الحسن لأنه قد توفي، ولا يجوز أن يموت الإِمام بلا خلف، ولذلك الإِمام بعد علي هو ابنه محمد المتوفي في حياة أبيه. وفرقة قالت: إن الإِمام بعد علي الحسن وبعد الحسن أخوه جعفر، وأما ما روى عن جعفر بأنه لا تكون الإِمامة في أخوين بعد الحسن والحسين عندما يكون للماضي خلف من صلبه، وإذا لم يكن رجعت إلى أخيه ضرورة. وأقاويل كثيرة. فعند ذلك اضطروا إلى أن يقولوا إن للحسن ابناً، كيف يكون إمام قد ثبتت إمامته ووصيته وجرت أموره على ذلك وهو مشهور عند الخاص والعام، ثم يتوفى ولا خلف له. وفرقة منهم ردّت عليهم وقالوا: لا ولد للحسن أصلاً لأنا قد امتحنا ذلك وطلبناه بكل وجه فلم نجده ولو جاز لنا أن نقول في مثل الحسن وقد توفي ولا ولد له أن له ولداً

خفياً لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت عن غير خلف ولجاز مثل ذلك في النبي صلى الله عليه وآله أن يقال خلف ابناً وأن أبا الحسن الرضا عليه السلام خلف ثلاثة بنين غير أبي جعفر أحدهم الإمام لأن مجىء الخبر بوفاة الحسن بلا عقب كمجىء الخبر بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يخلف ذكراً من صلبه ولا خلف عبد الله بن جعفر ابناً ولا كان للرضا أربعة بنين فالولد قد بطل لا محالة ولكن هناك حبل قائم قد صح في سرية له وستلد ذكراً إماماً متى ولدت فانه لا يجوز أن يمضي الإمام ولا خلف له فتبطل الإِمامة وتخلو الأرض من الحجة. وردّت عليهم طائفة فقالوا: واحتج أصحاب الولد على هؤلاء فقالوا: انكرتم علينا أمراً قلتم بمثله ثم لم تقنعوا بذلك حتى أضفتم إليه ما تنكره العقول، قلتم أن هناك حبلاً قائماً فإن كنتم اجتهدتم في طلب الولد فلم تجدوه فأنكرتموه لذلك فقد طلبنا معرفة الحبل وتصحيحه أشد من طلبكم واجتهدنا فيه أشد من اجتهادكم فاستقصينا في ذلك غاية الاستقصاء فلم نجده فنحن في الولد أصدق منكم لأنه قد يجوز في العقل والعادة والتعارف أن يكون للرجل ولد مستور لا يعرف في الظاهر ويظهر بعد ذلك ويصح نسبه والأمر الذي ادعيتموه منكر شنيع ينكره عقل كل عاقل ويدفعه التعارف والعادة مع ما فيه من كثرة الروايات الصحيحة عن الأئمة الصادقين أن الحبل لا يكون أكثر من تسع أشهر وقد مضى للحبل الذي ادعيتموه سنون وإنكم على قولكم بلا صحة ولا بينة. وفرقة قالت: ولد للحسن ولد بعده بثمانية أشهر، وإن الذين ادعوا ولداً في حياته كاذبون مبطلون في دعواهم، لأن ذلك لو كان لم يخف ولكنه مضى ولم يعرف له ولد، وقد كان الحبل فيما مضى قائماً ظاهراً ثابتاً عند السلطان وعند سائر الناس، وامتنع من قسمة ميراثه من أجل ذلك

حتى بطل بعد ذلك عند السلطان وخفى أمره فقد ولد بعد وفاته بثمانية أشهر وقد كان أمر أن يسمى محمداً وأوصى بذلك وهو مستوراً لا يرى. وأخيراً قالت الفرقة الثانية عشرة وهم الإِمامية: ليس القول كما قال هؤلاء كلهم بل لله عز وجل حجة من ولد الحسن بن علي، ولا تكون الإِمامة في الأخوين بعد الحسنين، ولو جاز ذلك لصحّ قول أصحاب إسماعيل بن جعفر ومذهبهم، ولثبت إمامة محمد بن جعفر، وأيضاً لا يجوز أن تخلو الأرض من حجة، ولو خلت لساخت الأرض ومن عليها. وعلى ذلك نحن مقرّون بوفاة الحسن، معترفون أن له ولداً قائماً من صلبه وأنه مخفي، وليس للعباد أن يطالبوا آثار ما سترت عنه، ولا يجوز ذكر اسمه، ولا السؤال عن مكانه، وطلبه محرّم لا يحل ولا يجوز" (¬1). ْفهذه هي الحقيقة الناصعة التي تنبىء عن ضرورة إيجاد المولود للحسن العسكري مستغنية عن التعليق والتعقيب عليه. بماذا أثبتوا إمامة أئمتهم؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن القوم لم يثبتوا إمامة أئمتهم مع ادعائهم النص والإشارة بأنه لا يكون الشخص إماماً إلا حينما يكون منصوصاً عليه من قبل إمام قبله وهو يشير إليه بأنه هو المنصوص، ولقد بوّب القوم في كتبهم أبواباً مستقلة في هذا المعنى مثل الكليني وغيره فإنهم بوّبوا بعنوان "باب الإشارة والنص" لكل واحد من أئمتهم المزعومين، ولكنه من العجائب أن أئمتهم أنفسهم من قبلهم لم يثبتوا إمامتهم بهذا حسب روايات القوم ولا بالشروط التي ذكروها من الوصية ¬

(¬1) ملخص ما كتبه النوبختي في كتابه (فرق الشيعة) ص 119 وما بعد.

والكبر واستواء درع الرسول عليهم ووجود سلاح رسول الله عندهم وغسلهم آباءهم، وكونهم الأعلم والأشجع وإحاطتهم علم الغيب وغير ذلك من الأوصاف والخصائل التي جعلوها علائم للإمامة وشروطاً لها، والتي ذكرناها آنفا، بل عكس ذلك إلتجئوا لإثبات مدعاهم إلى الشعبذات والنيرنجيات وفنون من السحر حسب زعم الشيعة، ولو عندهم الوصية وعليهم النص وإليهم الإشارة لما التجئوا إليها. فمثلاً ْيذكرون أن علي بن الحسين الملقب بزين العابدين جاءت إليه امرأة من شيعة علي والحسن والحسين، وقد بلغت من الكبر عتيا، فقالت: أتيت علي بن الحسين عليهما السلام وقد بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت وأنا أعدّ يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة، فرأيته راكعاً وساجداً أو مشغولاً بالعبادة فيئست من الدلالة فأومأ إليّ بالسبابة فعاد إليّ شبابي" (¬1). ومثل ذلك ذكروا لما قتل الحسين أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين وقال له: قتل أبوك رضي الله عنه وصلى على روحه ولم يوص وأنا عمك وصنو أبيك، وولادتي من علي عليه السلام في، سنّي وقديمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصية ولا الإمامة ولا تحاجني .... فردّ عليه علي بن الحسين -انطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم عليه ونسأله عن ذلك، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: ابدأ أنت فابتهل إلى الله عز وجل وسله أن ينطق لك الحجر، ثم سل، فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله، ثم دعا الحجر فلم يجبه ... ثم دعا الله علي بن الحسين عليهما السلام .. ¬

(¬1) الكافي في الأصول، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة ج 1 ص 347.

فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم إن الوصية والإمامة إلى علي بن الحسين" (¬1). وكما نقلوا عن موسى بن جعفر أنه لما حصل بينه وبين أخيه عبد الله -وكان أكبر ولد جعفر- خلاف في الإمامة: أمر موسى بجمع حطب في وسط الدار وأرسل إلى أخيه عبد الله يسأله أن يصير اليه، فلما صار إليه ومع موسى جماعة من الإمامية، فلما جلس موسى أمر بطرح النار في الحطب فاحترق ولا يعلم الناس السبب فيه حتى صار الحطب كله جمراً، ثم قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار وأقبل يحدث الناس ساعة، ثم قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس، فقال لأخيه عبد الله: إن كنت تزعم أنك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس" (¬2). وذكر الكليني قصة أخرى لإِثبات إمامة موسى بن جعفر وأحقيته بها من موسى وإسماعيل وغيرهما من إخوته الكبار بأن شخصاً جاء إلى موسى بن جعفر فسأله عن الإِمام من هو؟. فقال: إن أخبرتك تقبل؟. قال: بلى جعلت فداك؟ قال: أنا هو، قال: فشيء أستدل به؟ قال: اذهب إلى تلك الشجرة -وأشار بيده إلى أم غيلان- فقل لها: يقول لك موسى بن جعفر: أقبلي، قال: فأتيتها فرأيتها والله تخدّ الأرض خدّا حتى وقفت بين يديه، ثم أشار إليها فرجعت" (¬3). وكذلك أثبتوا إمامة محمد بن علي الرضا أنه جاء إليه شخص ¬

(¬1) أيضا ج 1 ص 348، أعلام الورى للطبرسي ص 258 - 259. (¬2) كشف الغمة للأربلي ج 3 ص 37. (¬3) الأصول من الكافي ج 1 ص 253، أعلام الورى للطبرسي ص 302.

فقال: والله إني أريد أن أسألك مسألة وأني والله لاستحيي من ذلك، فقال لي: أنا أخبرك قبل أن تسألني، تسألني عن الإمام؟ فقلت: هو والله هذا، فقال: أنا هو، فقلت علامة؟ فكان في يده عصا فنطقت وقالت: إن مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة" (¬1). وبهذا عارضوا أصولهم وأساسهم بأن الإِمامة لا تثبت إلا بالنص والإشارة، ولا يكون الإِمام إلا منصوصاً، مشار إليه من الإِمام الذي قبله حيث إن أئمتهم حسب رواياتهم لم يختلفوا مع أئمتهم ولم يحصل النزاع بينهم إلا لعدم وجود النص والوصية والإِشارة وعدم شهرتها حتى بين أبناء أب واحد وإلا لما اضطروا إلى هذه الخزعبلات. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى النص الذي جعلوه مثبتاً لإِمامة أئمتهم ليس إلا مجرد الدعوى ولا دليل قائم معه كما ذكر ابن حزم في فصله رادّا على الشيعة وعلى ادعائهم النص: إن عمدة احتجاجكم في إيجاب إمامتكم التي تدعيها جميع فرقكم إنما هي وجهان فقط، أحدهما النص عليه باسمه والثانى شدة الفاقة إليه في بيان الشريعة إذ علمها عنده لا عند غيره ولا مزيد، فأخبروني بأي شيء صار محمد بن علي بن الحسين أولى بالإِمامة من إخوته زيد وعمر وعبد الله وعلي والحسين فإن ادعوا نصاً من أبيه عليه أو من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه الباقر، لم يكن ذلك ببدع من كذبهم ولم يكونوا أولى بتلك الدعوى من الكيسانية في دعواهم النص على ابن الحنفية، وإن ادعوا أنه كان أفضل من إخوته كانت أيضاً دعوى بلا برهان والفضل لا يقطع على ما عند الله عز وجل فيه بما يبدو من الإِنسان فقد يكون باطنه خلاف ظاهره، وكذلك يسألون أيضاً ما الذي جعل موسى بن جعفر أولى بالإمامة من أخيه محمد ¬

(¬1) الأصول من الكافي ج 1 ص 353.

حكايات وخرافات - قصص وأساطير

أو إسحاق أو علي؟ فلا يجدون إلى غير الدعوى سبيلا، وكذلك أيضاً يسألون ما الذي خص علي بن موسى بالإمامة دون إخوته وهم سبعة عشر ذكراً؟ فلا يجدون شيئاً غير الدعوى، وكذلك يسألون ما الذي جعل محمد بن علي بن موسى أولى بالإمامة من أخيه علي بن علي وما الذي جعل علي بن محمد أولى بالإِمامة من أخيه موسى بن محمد وما الذي جعل الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى أحق بالإمامة من أخيه جعفر بن علي؟ فهل هاهنا شىء غير الدعوى الكاذبة الذي لا حياء لصاحبها، والتي لو ادعى مثلها مدع للحسن بن الحسن أو لعبد الله بن الحسن أو لأخيه الحسن بن الحسن أو لابن أخيه علي بن الحسن أو لمحمد بن عبد الله القائم بالمدينة أو لأخيه إبراهيم أو لرجل من ولد العباس أو من بني أمية أو من أي قوم من الناس كان لساواهم في الحماقة، ومثل هذا لا يشتغل به من له مسكة من عقل أو منحة من دين، ولو قلت أو رقعة من الحياء، فبطل وجه النص" (¬1). وعلاوة على ذلك يقول الإِمامية أو الاثنا عشرية أو الجعفرية أو الروافض -كما سماهم الله- أن الإمام لا يكون إلا معصوماً من الأخطاء ومنصوباً من قبل الله عز وجل، ولا يكون في عنقه بيعة أحد غيره. أما كونه معصوماً من قبل الله عز وجل فلا يخلو كتاب من كتبهم التي تذكر مسألة الإِمامة إلا وقد ذكروا فيه هذا، وهذا أمر مشهور مستغن عن ذكر مصدره ومرجعه. وأما أن الإمام لا يكون في عنقه بيعة أحد فكما ذكر الكليني أن هشام بن سالم دخل على موسى بن جعفر بعد وفاة أبيه وهو باكٍ حيران لا يدري إلى أين يتوجه ولا من يقصد، إلى المرجئة؟. إلى القدرية؟. إلى ¬

(¬1) الفصل في الملل والأهوء والنحل لابن حزم ج 4 ص 102 - 103

الزيدية؟. إلى المعتزلة؟. إلى الخوارج؟. فقال له: جعلت فداك فمن لنا من بعده؟. قال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قال: قلت: جعلت فداك فأنت هو؟. ما أقول ذلك، قال: قلت في نفسي: لم أصب طريق المسألة، ثم قلت له: جعلت فداك عليك إمام؟ قال: لا، فداخلني شىء لا يعلم إلا الله عز وجل إعظاماً له وهيبة أكثر مما كان يحلّ بي من أبيه إذا دخلت عليه" (¬1). وقد ورد مثل ذلك في كثير من كتب الشيعة بأن الإِمام لا يكون إماماً وفي عنقه بيعة أحد. هذا وإكمالاً للبحث وإتماماً للفائدة نلقي نظرة عابرة حول هذه الأوصاف ولوازم الإِمامة الثلاثة ليشمل البحث جميع الجوانب المهمة في هذا المبحث، فنقول: إن العصمة التي جعلوها من خواص الإِمام ولوازمه، واحتجوا بها على إمامة أئمتهم بأنه لم يكن أحد معصوماً غيرهم (¬2). فإنها لم تثبت لهم أيضاً، وأحوالهم وأقوالهم تشهد على ذلك، فإن علياً رضي الله عنه -وهو الإِمام المعصوم الأول حسب زعم الشيعة- اختلف معه ابنه الأكبر حسن السبط -وهو الإمام الثاني المعصوم عند القوم- في مسألة أخذه البيعة من الناس بعد استشهاد عثمان ذي النورين رضي الله عنه، وكما اختلف معه أيضاً في خروجه لمحاربة مطالبي دم عثمان كما مرّ ذكره في الباب الثاني من هذا الكتاب. ويلزم من ذلك أن واحداً منهما كان مصيباً والثاني مخطئاً أعني الإمام الأول وهو علي، أو الإِمام الثاني وهو الحسن، لأن واحداً منهما يرى رأياً والثاني يخالفه فلا بد ¬

(¬1) الأصول من الكافي، كتاب الحجة، باب ما يفصل به بين دعوة الحق والمبطل في أمر الإمامة ج 1 ص 351 - 352. (¬2) انظر منهاج الكرامة للحلي ص 71 وغيره.

لم يكن واحد منهم معصوم

من أن يكون أحدهما على صواب والآخر علي خطأ. ثم ولقد ثبت في التاريخ أن علياً رضي الله عنه صوّب رأي الحسن بعد كارثة الجمل وتأسف على عدم أخذه برأي الحسن وتقيده به. وثانياً: لقد أقر بصدور خطأ وإمكان الوقوع فيه، علي رضي الله عنه نفسه حيث قال: لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست آمن أن أخطىء (¬1). وثالثاً: لقد ذكر المؤرخون أن الحسن رضي الله عنه لما أراد الصلح مع معاوية خالفه في ذلك مع من خالفه أخوه الحسين -وكلاهما إمامان معصومان عند الشيعة- لكن الحسن لم يلتفت إلى رأي الحسين وصالح معاوية وكان الحسين يبدي الكراهة من صلح الحسن مع معاوية ويقول: لو جزّ أنفي كان أحب إليّ مما فعله أخي" (¬2). والظاهر أن واحداً منهما كان مصيباً والآخر مخطئاً. هذا ومثل هذا كثير. وأما كونه منصوباً من قبل الله عز وجل فأيضاً ليس إلا دعوى مجردة عن الدليل، ولم ينزل الله به من سلطان، ولكل أن يدعي بأن الله هو الذي نصبه ما دام أن الوحي منقطع ونزول جبريل على أحد مسدود. وأما أن الإِمام لا يكون إماماً إلا ولا يكون في عنقه بيعة أحد فهذا لم يتحقق ولا في واحد من أئمة القوم من علي رضي الله عنه إلى الحسن العسكري، اللهم إلا أن يقال في ذلك الموهوم المعدوم الذي لم يولد، لأنه ¬

(¬1) الكافي في الأصول نقلاً عن أعيان الشيعة لمحسن الأمين ج 1 ص 136. (¬2) أعيان الشيعة الجزء الأول - القسم الأول ص 65.

الإمام لا يبايع أحدا - لماذا أوجبوا أمامة أئمتهم

قد ثبت تاريخياً ومن كتب القوم أنفسهم بأن كل واحد منهم بايع أئمة زمانهم وخلفاءهم. فإن الإمام الأول المعصوم حسب زعم الشيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بايع أبا بكر ثم عمر ثم عثمان (¬1). كما بايع الحسن وهو الإِمام المعصوم الثاني لدى الشيعة معاوية رضي الله عنه (¬2). وكما بايعه الحسين أيضاً وهو الإِمام الثالث المعصوم (¬3). وبايع علي بن الحسين يزيد وأقرّ بعبوديته له حسب رواية الشيعة - وهو الإمام المعصوم الرابع عند القوم (¬4). وهلمّ جرا. فهذه هي حقيقة شروط القوم اللازمة للأئمة، المنفية في أئمتهم باعترافهم وإقرارهم وثبوتهم من كتبهم أنفسهم. لماذا أوجبوا إمامة أئمتهم؟ إن الشيعة يقولون: أن الإمامة واجبة وأنها رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي (ص)، وإنما وجبت لأنها لطف واللطف واجب كما تقدم في النبوة، وإنما كانت لطفاً لأن الناس إذا كان لهم رئيس مطاع مرشد يردع الظالم عن ظلمه ويحملهم على الخير ويردعهم عن الشر كانوا أقرب إلى الصلاة وأبعد عن الفساد وهو اللطف، فالدليل ¬

(¬1) انظر لتفصيل ذلك النصوص الثابتة من كتب القوم أنفسهم في كتابنا "الشيعة وأهل البيت". ط. لاهور - باكستان. (¬2) مروج الذهب للمسعودي الشيعي ج 2 ص 431، رجال الكشي 102. (¬3) رجال الكشي ص 102. (¬4) الكافي الكليني ج 8 ص 234 - 235.

الإمامة واجبة

الدال على وجوب النبوة يدل على وجوب الإِمامة" (¬1). ويقول السيد الزين: أما الأمامة فهى واجبة ... لأن الامام نائب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حفظ الشرع الإِسلامي وتيسير المسلمين على طريقه القويم، وفي حفظ وحراسة الأحكام عن الزيادة والنقضان والإِمام موضح للمشكل من الآيات والأحاديث ومفسر للمجمل والمتشابه ومميز للناسخ من المنسوخ" (¬2). وقال الحليّ: إن الإِمام يجب أن يكون حافظاً للشرع لانقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وآله وقصور الكتاب والسنة عن تفاصيل أحكام ْالجزئيات الواقعة إلى يوم القيامة، فلا بد من إمام منصوب من الله تعالى وحاجة العالم داعية إليه ولا مفسدة فيه فيجب نصبه ... وأما الحاجة فظاهرة أيضاً لما بيناه من وقوع التنازع بين العالم، وأما انتفاء المفسدة فظاهر أيضاً لأن المفسدة لازمة لعدمه، وأما وجوب نصبه فلأن عند ثبوت القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل" (¬3). فقالوا بهذه الأقوال إثباتاً لإِمامة أئمتهم مع أن الوجوه والأسباب والعلل التي بيّنوها لوجوب الإِمامة هي التي تنفي إمامة أكثر أئمتهم، بل إمامة جميعهم غير عليّ رضي الله عنه حيث إن أئمتهم الإثني عشر المزعومين لم يملكوا الرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا ولم يملكوا ردع الظالم عن ظلمه وحمل الناس على الخير وردعهم عن الشر طبق روايات القوم أنفسهم، فإن واحداً منهم لم يولد على القول الصحيح، ولو ¬

(¬1) أعيان الشيعة الجزء الأول القسم الثاني ص 6. (¬2) الشيعة في التاريخ ص 44 - 45. (¬3) منهاج الكرامة للحلي ص 72 - 73.

الرد عليهم

سلمّت ولادته تنازلاً لم يملك الظهور خوفاً على حفظه وبقائه فضلاً عن حفظ الشرع الإسلامي وحراسة الأحكام عن الزيادة والنقصان، والبعض الآخر مثل الإمام الحادي عشر والعاشر كانوا أطفالاً صغاراً حتى احتاج آباؤهم أن يجعلوا القيّمين عليهم وعلى أموالهم وودائعهم حتى يبلغوا الحلم لعدم قدرتهم على حفظ تركة الآباء وإرثهم، فمن لا يكون حافظاً على تركته وماله وأمور دنياه أجدر أن لا يكون حافظاً على أمور الآخرين، أمور دنياهم ودينهم. ثم قد ثبت من كتب القوم أنفسهم أن أئمتهم كانوا يفتون حتى خاصتهم وشيعتهم خلاف ما أنزل الله وما بيّنه الرسول وخلاف ما كانوا يرونه في قلوبهم صيانة على أنفسهم وحفاظاً على حياتهم كما مرّ سابقاً عن جعفر وأبيه الباقر (وطالما كانوا يحلون الحرام ويحرمون الحلال لهذا الغرض) وكما رواه الكليني في كافيّه عن موسى بن أشيم قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله رجل عن آية من كتاب الله عز وجل فأخبره بها، ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر الأول، فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كان قلبي يشرح بالسكاكين، فقلت في نفسى: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطىء في الواو وشبهه، وجئت إلى هذا يخطىء هذا الخطأ كله فبينا أنا كذلك إذا دخل آخر فسأله عن تلك الآية، فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي" (¬1). وكما رواه أيضاً عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعنده أبو حنيفة، فقلت له: جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة، فقال لي: يا ابن مسلم هاتها، إن ¬

(¬1) الكافي في الأصول ج 1 ص 66.

العالم بها جالس وأومأ بيده إلى أبي حنيفة، فقلت: رأيت كأني دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت علي فكسرت جوزاً كثيراً ونثرته علي ْفتعجبت من هذه الرؤيا، فقال أبو حنيفة: أنت رجل تخاصم وتحاول أنْ تنال مالك في مواريث أهلك فبعد نصب شديد تنال حاجتك منها إن شاء الله، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أصبت والله يا أبا حنيفة. قال: ثم خرج أبو حنيفة من عنده، فقلت له: جعلت فداك إني كرهت تعبير هذا الناصب، فقال: يا ابن مسلم لا يسوءك الله فما يواطىء تعبيرهم تعبيرنا ولا تعبيرنا تعبيرهم وليس التعبير كما عبره، قال: فقلت له: جعلت فداك فقولك: أصبت وتحلف عليه وهو مخطىء؟ قال: نعم حلفت عليه أنه أصاب الخطأ" (¬1). وأخيراً ننقل ما نقلناه سابقاً وما رواه الكليني: عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن مسألة فأجابني، ثم جاء رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاء رجل آخر فسأله فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا بن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال: يا زرارة إن هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم. قال: ثم قلت لأبي عبد الله عليه السلام: شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين؟ قال: فأجابني بمثل جواب أبيه" (¬2). فهل عن مثل هؤلاء يقال إنهم يحفظون ويحرسون الأحكام عن ¬

(¬1) كتاب الرضة من الكافي ج 8 ص 252. (¬2) الأصول من الكافي، باب اختلاف الحديث ج 1 ص 65.

الأكاذيب، الأكاذيب - كلام ابن حزم

الزيادة والنقصان، ثم والبقية الآخرون مثل الحسن تنازلوا عن رئاستهم الدنيوية علناً وجهراً رغم أنوف المنكرين، وسلمّوا إليهم أُمورهم وأُمور غيرهم الدنيوية، وقد اعترف بعضهم بعبوديتهم للآخرين حسب روايات القوم عن علي بن الحسين الملقب بزين العابدين، وبعضهم لم ينلها أي الرئاسة الدنيوية مع جدّه وجهده لنيلها وإدراكها كحسن السبط رضي الله عنه حسب تصريحات القوم، فهذه حقيقة معتقدهم في الإمامة ووجوبها، وعلى ذلك قال ابن حزم: وأما وجه الحاجة إلى الإمامة في بيان الشريعة فما ظهر قط من أكثر أئمتهم بيان لشىء مما اختلف فيه الناس وما بأيديهم من ذلك شىء إلا دعاوى مفتعلة قد اختلفوا أيضاً فيها كما اختلف غيرهم من الفرق سواء، إلا أنهم أسوأ حالاً من غيرهم لأن كل من قلد إنساناً كأصحاب أبي حنيفة لأبي حنيفة وأصحاب مالك لمالك وأصحاب الشافعي للشافعي وأصحاب أحمد لأحمد فإن لهؤلاء المذكورين أصحاباً مشاهير نقلت عنهم أقوال صاحبهم ونقلوها هم عنه ولا سبيل إلى اتصال خبر عندهم ظاهر مكشوف يضطر الخصم إلى أن هذا قول موسى بن جعفر ولا أنه قول علي بن موسى ولا أنه قول محمد بن علي بن موسى ولا أنه قول علي بن محمد ولا أنه قول الحسن بن علي وأما من بعد الحسن بن على فعدم بالكلية وحماقة ظاهرة، وأما من قبل موسى بن جعفر فلو جمع كل ما روى في الفقه عن الحسن والحسين رضي الله عنهما لما بلغ عشر أوراق، فما ترى المصلحة التي يدعونها في إمامهم ظهرت ولا نفع الله تعالى بها قط في علم ولا عمل لا عندهم. ولا عند غيرهم، ولا ظهر منهم بعد الحسين رضي الله عنه من هؤلاء الذين سموا أحد ولا أمر منهم أحد قط بمعروف معلن، وقد قرأنا صفة هؤلاء المخاذلين المنتمين إلى

افتراق الاثنا عشرية - الشيخية

الإمامية، القائلين بأن الدين عند أئمتهم، فما رأينا إلا دعاوى باردة وآراء فاسدة كأسخف ما يكون من الأقوال، ولا يخلو هؤلاء الأئمة الذين يذكرون من أن يكونوا مأمورين بالسكوت أو مفسوحاً لهم فيه، فإن يكونوا مأمورين بالسكوت فقد أبيح للناس البقاء في الضلال وسقطت الحجة في الديانة عن جميع الناس وبطل الدين ولم يلزم فرض الإِسلام وهذا كفر مجرد، وهم لا يقولون بهذا، أو يكونوا مأمورين بالكلام والبيان فقد عصوا الله إذ سكتوا وبطلت إمامتهم، وقد لجأ بعضهم إذ سئلوا عن ْصحة دعواهم في الأئمة إلى أن ادعوا الإلهام في ذلك فإذا قد صاروا إلى هذا الشغب فإنه لا يضيق عن أحد من الناس ولا يعجز خصومهم عن أن يدعوا أنهم ألهموا بطلان دعواهم .... ثم أن بعض أئمتهم المذكورين مات أبوه وهو ابن ثلاث سنين، فنسألهم من أين علم هذا الصغير جميع علوم الشريعة وقد عدم توقيف أبيه له عليها لصغره، فلم يبق إلا أن يدعوا له الوحي، فهذه نبوة وكفر صريح" (¬1). الشيخية ثم افترقت الشيعة الاثنا عشرية إلى فرق كثيرة من أهمها الشيخية نسبة إلى الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي البحراني المولود سنة 1166 هـ (¬2) المتوفى سنة 1243 هـ (¬3). وسمّاه الخوانساري "ترجمان الحكماء المتألهين ولسان العرفاء والمتكلمين، غرة الدهر وفيلسوف العصر، العالم لأسرار المباني والمعاني" وكتب في ترجمته: لم يعد في هذه الأواخر مثله في المعرفة والفهم، والمكرمة والحزم، ¬

(¬1) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ج 4 ص 103 - 104. (¬2) دائرة المعارف الإِسلامية الأردية ج 2 ص 82 ط. جامعة بنجاب - باكستان. (¬3) روضات الجنات للخوانساري ج 1 ص 94.

وجودة السليقة، وحسن الطريقة، وصفاء الحقيقة، وكثرة المعنوية، والعلم بالعربية، والأخلاق السنّية، والشيم المرضيّة، والحكم العلميّة والعمليّة، وحسن التعبير والفصاحة ولطف التقرير والملاحة، وخلوص المحبّة والوداد؛ لأهل بيت الرسول الأمجاد، بحيث يرمي عند بعض أهل الظاهر من علمائنا بالإفراط والغلوّ؛ مع أنَّه -لا شكَّ- من أهل الجلالة والعلوّ. ورد بلاد العجم في أواسط عمره، وكان بها في نهاية القرب من ملوكها وأربابها. وكان أكثر مقامه فيها بدار العبادة يزد. ثمّ انتقل منها إلى إصبهان، وتوقّف فيها أيضاً برهة من الزمان. ولمّا أراد أن يرجع إلى أصله الذي كان في وصل الحسن عليه السلام وورد بلدة قرميسين -التي هي واقعة في البين- استدعى منه. الوقوف بها أميرها العادل الكبير المغوار المغيار محمد علي ميرزا بن السلطان فتحعلي شاه قاجار. فأجابه إلى ذلك -لما استلزمه من المصالح أو صرف المهالك- إلى أن توفّي الوالي المذكور في سفر منه إلى حرب بغداد، وآل الأمر في تلك المملكة إلى الفتنة والفساد. فارتحل منها إلى أرض الحائر الشريف، ليصرف فيها بقيّة عمره الطريف، ويجمع أمره على التصنيف والتأليف، والقيام بحقّ التكليف ... وقد يذكر في حقّه أيضاً أنَّه كان ماهراً في أغلب العلوم، بل واقفاً على جملة من الحرف والرسوم، وعارفاً بالطبّ والقرائة والرياضيِّ والنجوم، ومدّعياً لعلم الصنعة والأعداد والطلسمات ونظائرها من الأمر المكتوم" (¬1). ¬

(¬1) أيضاً ص 88 - 89، 91.

عقائدهم

ويذكر أن له من المؤلفات ما يقارب المائة (¬1). وقيل: أكثر من ذلك (¬2). وذكر عنه تلميذه السيد كاظم الرشتي: إن مولانا رأى الأمام الحسن عليه السلام ذات ليلة وضع لسانه المقدس في فمه. فمن ريقه المقدس ومعونة الله، تعلم العلوم. وكان في فمه كطعم السكر وأحلى من العسل وأطيب من رائحة المسك، ولما استيقظ أصبح في خاصته محاطاً بأنوار معرفة الله، طافحاً بأفضاله، منفصلاً عن كل ما هو مغاير لله، وزاد اعتقاده في الله في نفس الوقت الذي ظهر فيه استسلامه لإرادة العلي. وبسبب ازدياد شوقه والرغبة الشديدة التي استولت على قلبه نسي الأكل واللبس الا ما يسدّ به حاجته الضرورية" (¬3). فالأحسائي هذا كان له بجانب الكتب والمؤلفات دروس في كربلاء وطوس وغيرها من البلاد الشيعية، وفيها ينشر أفكاره وعقائده ومعتقداته، فإنه كان يقول: إن الله تجلى في علي وفي أولاده الأحد عشر. وإنهم مظاهر الله وأصحاب الصفات الإلهيه والنعوت الربانية، وهم أئمة الهدى، مختلفون في الصورة متفقون في الحقيقة" (¬4). وكان يقول: إن الأئمة هم العلة المؤثرة في وجود المخلوقات، وهم مظهر الإِرادة الإلهية والمعبرون عن مشيئة الله، ولولاهم ما خلق الله شيئاً. ولذلك فهم ¬

(¬1) دائرة المعارف الإسلامية، اردو ج 2 ص 83. (¬2) هداية الطالبين لحاجي محمد كريم خان. (¬3) مطالع الأنوار للزرندي البهائي ص 3، نقلاً عن كتاب دليل المتحيرين وإرشاد المسترشدين للسيد كاظم الرشدي. (¬4) مقدمة نقطة الكاف للمستشرق الإنجليزي براؤن ص يح الفارسية ط. ليدن.

الغاية من الخلق، وكل ما يفعله الله فهو يفعله بواسطتهم، ولكن ليس لهم من ذاتهم قوة، وهم مجرّد وسائط. ولما كانت ذات الله لا تدرك وكانت لا تحيط بها أفهام جميع المخلوقات، فإن الإِنسان لا يستطيع معرفتها إلا بتوسط الأئمة الذين هم في الحقيقة محال للذات العلية، ومن أخطأ في حقهم أخطأ في حق الله، واللوح المحفوظ هو قلب الإِمام المحيط بكل السماوات وكل الأرضين، والأئمة هم أول المخلوقات والسابقون على كل شيء" (¬1). ثم كان يعتقد في الغائب المزعوم الثاني عشر: أولاً: أنه ميت، كما كان يقول: إن المهدي الغائب المنتظر ظهوره عند الشيعة هو الآن من سكان العالم الروحاني غير هذا العالم الذي يسمونه بجابلقاء وجابرساء" (¬2). وإن الإِمام روحي له الإنداء لما خاف من أعدائه خرج من هذا العالم ودخل في جنة الهورقلياء" (¬3). ثانياً: كان يقول إن الراجع لا يكون ذلك ابن الحسن العسكري بل يكون أحد غيره الذي حلّ فيه روحه، كما قال: وسيعود في هذا العالم بصورة شخص من أشخاص هذا العالم يعني بطريق ولادة عامة الناس" (¬4). ثالثاً: يكون ذلك الشخص هو نفس الإِمام محمد بن الحسن العسكري ولو ولد من أب وأم آخرين جديدين: ¬

(¬1) دائرة المعارف الإسلامية لأحمد الشنتاوي ج 14 ص 12 ط. طهران. (¬2) دائرة المعارف للبستاني ج 5 ص 26. (¬3) الكواكب الدرية ص 20 الفارسي. ط. القاهرة. (¬4) أيضاً ص 20.

إنه المهدي بعينه وإن ذلك الجسم اللطيف الروحاني قد ظهر في هذا الجسم الكثيف المادي" (¬1). رابعاً: يطلق عليه اسم القائم: لأنه يقوم بعدما يموت. ولما سئل: أيقوم من القبر؟. أجاب: يقوم من قبره أي من بطن أمه، وقال: إن جابلسا وجابلقا منزل الموعود ومحل المنتظر في السماء لا في الأرض كما يعتقد ويظن أكثر الناس" (¬2). وكان ينكر المعاد والبعث الجسماني مطلقاً لأن الجسم يتكون من العناصر الأربعة وبعد خروج الروح تنحل الأجزاء والعناصر، ولا تبقى لها أثر، فتصير إلى الفناء الأبدي. والشىء الذي يبقى ويعود هو الجسم اللطيف الروحاني هو جوهر الجواهر عنده، والذي يسمونه الجسم الهورقليائي تبعاً للمصطلحات الكيماوية القديمة. "فجوهر الجواهر هو الجسم الهورقليائي الذي يحشر ويعاد، والعناصر الباقية التي هي أعراض ولواحق فهي تنتشر وتنحل وتندمج في أصلها كالماء في الماء والطين في الطين، والروح البالية أيضاً تفنى ويبقى الجسم الأصلي الذي يظهر في عرض الجسم من الأبعاد الثلاثة" (¬3). ومن العقائد التي نشرها بين الناس أن الإِمام المهدي يتجلىّ ويظهر في كل مكان في صورة رجل يكون هو المؤمن الكامل أو الباب أو ¬

(¬1) دائرة المعارف للبستاني ج 5 ص 26. (¬2) الكواكب ص 20 - 21. (¬3) دائرة المعارف الإسلامية للأردية نقلاً عن مجلة (يغما) الفارسية رقم 162 ص 82.

الولي، ولابد من الإيمان به. فالأركان الأربعة التي هي أصل الدين وأصوله عندهم هي: (1) التوحيد. (2) النبوة. (3) والإمامة. (4) والاعتقاد بالرجل الكامل (¬1). ولقد حلت هذه الشخصية في عصر الأحسائي في جسمه، ولأجل ذلك يسمى ركناً رابعاً أو الباب فالباب في رأيه شخص حلّ فيه روح الباب، والمهدي الذي حل فيه روح المهدي، والإِمام والنبي كذلك، وهم مع ذلك مختلفون في الصورة متحدون في الحقيقة كما ذكرنا سابقاً لأن الله تعالى هو المتجلي في الجميع على اختلاف المراتب والمناصب. وكان ينكر المعراج الجسماني والروحي، بل كان يقول إن رسول الله موجود في كل مكان في كل آن، وعلى ذلك لا معنى لهذا القول أنه كان في الأرض وعرج به إلى السماء لأنه ليس بمقيّد في مكان وزمان، فمن رآه في السماء رآه واللواحق السماوية وعوارضها ملتصقة به" (¬2). وبعد أن مات الأحسائي تولىّ زعامة الشيخية ومنصبه، تلميذه السيد كاظم الرشتي سنة 1242 هـ ونهج منهجه وسلك مسلكه، وصار ركناً رابعاً للشيخية غير أنه زاد الطين بلّة حيث قال: حل فيه روح الأبواب كما حلّ في الأحسائي ولكن آن الآوان لانقطاع الأبواب ومجىء المهدي نفسه" (¬3). ويقول الشيخية: ¬

(¬1) دائرة المعارف الإسلامية مادة إحسائي، والعقيدة والشريعة لجولد زيهر ص 103. (¬2) فهرست لأبي القاسم إبراهيمي شيخ الشيخية ص 196. ط. إيران. (¬3) انظر الكواكب ص 24 ط. فارسي.

العالم قديم بالزمان حادت بالذات، لأن الأعراض لا يمكن أن توجد بدون الجوهر، والصور لا يمكن أن توجد بدون محلهّا. والأعراض حادثة زائلة توجد تارة وتنعدم تارة، تأتي من العدم وتعود إلى العدم. أما الجوهر فليس شيئاً حادثاً زائلاً، وعلى هذا فإن المادة في ذاتها حادثة. هي موجودة أبداً في المستقبل لا في الماضي وإلا لكان للحياة الأخرى نهاية وفنيت الجنة والنار، والجنة هي محبة أهل البيت، أهل بيت النبي عليه السلام، الأئمة. والجنة والنار تحدثان بسبب أفعال الإنسان" (¬1). ولقد ذكره الخوانساري في كتابه بقوله: إن تلميذه العزيز، وقدوة أرباب الفهم والتمييز، بل قرّة عينه الزاهرة، وقوة قلبه الباهرة الفاخرة، بل حليفه في شدائده ومحنه، ومن كان بمنزلة القميص على بدنه، أعني السيد الفاضل الجامع البارع الجليل الحازم، سليل الأجلة السادة القادة الأفاخم الأعاظم، ابن الأمير سيد قاسم الحسيني الجيلاني الرشتي، الحاجّ سيد كاظم، النائب في الأمور منابه، وإمام أصحابه المقتدين به بالحائر المطهّر الشريف إلى زماننا هذا" (¬2). وروّج هذا الرشتي أفكار شيخه وأدخل الكثيرين في مذهبه ومذهب الأحسائي، وصارت فرقة مستقلة حتى دخل فيه الكثيرون من شيعة إيران وعربستان والعراق وآذربائيجان والكويت (¬3) ثم خلف الرشتي محمد كريم خان الكرماني ابن ظهير الدولة حاكم كرمان، ثم ابن محمد كريم خان محمد خان، وبعده أخوه زين العابدين، ثم ابن زين العابدين قاسم خان ابراهيمي. ¬

(¬1) دائرة المعارف العربية ج 14 ص 13 لأحمد الشنتاوي ط. طهران. (¬2) روضات الجنات للخوانساري ج 1 ص 92. (¬3) فهرست ج 1 ص 217.

النوربخشية - وعقائدهم

ومن الجدير بالذكر أن الباب علي محمد الشيرازي أيضاً كان من تلامذة السيد كاظم الرشتي ومن المعتنقين بأفكار الشيخية وكل من قبلوا دعوته كانوا من الشيعة الشيخية أيضاً (¬1). ومن الطرائف أن عامة الشيعة الاثنى عشرية في باكستان والهند يعتقدون نفس الاعتقادات التي روّجها الأحسائي والرشتي ولو أنهم لا ينسبون أنفسهم إلى الشيخية، فإنهم شيخية اعتقاداً ولو أن بعضاً من علمائهم تجاهروا بالقول إنهم يعتقدون اعتقاد الشيخية، وفتحوا مراكز لها في مختلف المدن، وفي باكستان لهم مركز كبير في ملتان وفي كراتشي أيضاً، وأن أكثر المساعدات والإمدادات كتباً ومالاً تأتي إليهم من دولة الكويت. ونكتفي بهذا القدر من البيان عن الشيخية مع أننا ننوي إصدار كتاب مستقل ولو في المستقبل البعيد إن شاء الله حول هذه الطائفة لما عمّ صيتُها وكثر معتنقوها من الشيعة أنفسهم. النوربخشية وهناك طائفة أخرى توجد في وديان هملايا وكوهستان بلتستان المتصلة بتبت الصينية، يدعي الشيعة الاثنا عشرية بأنها فرقة من فرقهم لأنهم يسمون أنفسهم الشيعة النوربخشية نسبة إلى محمد نوربخش القوهستاني من مواليد سنة 795 هـ، ويقولون: أنه ولد في قاوين قصبة قوهستان، وكان أبو هاجر من الأحساء، وقيل: إن أباه عبد الله ولد في الأحساء وجدّه محمد ولد في القطيف" (¬2). وكان محمد نوربخش مريداً لخواجه إسحاق الختلاني تلميذ السيد علي الهمداني الذي أعجب بقابلياته حتى لقبه بنوربخش بمعنى ¬

(¬1) انظر لذلك كتابنا (البابية) ط. إدارة ترجمان السنة لاهور باكستان، وكذلك كتابنا (البهائية). ط. باكستان. (¬2) أنساب بيوتات سكان قاين ص 159 ط. طهران 1369.

زعيم النوربخشية وعقائدهم

واهب الأنوار" (¬1). ويقولون: إن نسبه اكتشف عن طريق الكشف الصوفي بأنه علوي" (¬2). ثم ادعى محمد نوربخش هذا بأنه هو المهدي الذي أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بمجيئه في آخر الزمان لأن اسمه يواطىء اسمه، واسم أبيه يواطىء اسم أبيه فهو محمد وأبوه عبد الله، وكذلك كنيته حيث سمى أحد أبنائه القاسم، ولقبه أنصاره بالإِمام والخليفة على كافة المسلمين (¬3). وكان يقول: لقد كنت أخفي حالي ولكن وجب إظهارها لتقوم الحجة على الناس كافة على صورة تعرّفهم بمظهر الكل والهادي إلى السبيل" (¬4). وقد قام بالثورة العلنية الكبيرة ضد حكومة إيران آنذاك وقبض عليه، ولما اطلق سراحه ذهب إلى كردستان وبدأ يبثّ دعوته فيها فانقاد إليه سكانها، وضرب النقود باسمه" (¬5). ثم ألقي القبض عليه وأعلن على منبر هرات وهو في قيده يوم الجمعة سنة 840 هـ تنازله عن دعوى الخلافة وما يستتبعها، ثم سيّر إلى كيلان، ومن هناك إلى الريّ، وتوفي هناك سنة 869 هـ (¬6). وكان أتباعه موجودين آنذاك بكثرة في بلاد العراق وإيران. ويظهر من هذا السرد الموجز السريع أن محمد نوربخش لم يكن ¬

(¬1) طرائق الحقائق للحاج معصوم علي ج 2 ص 143. (¬2) مجالس المؤمنين للتستري ص 314. (¬3) هامش ديوان شمس تبريزي، نقلاً عن الفكر الشيعي والنزعات الصوفية للدكتور كامل مصطفى الشيبي ص 335. (¬4) أيضاً ص 336. (¬5) مجالس المؤمنين ص 314. (¬6) ملخص ما ذكره كامل مصطفى الشيبي في الفكر الشيعي ص 333.

اثنى عشرياً لأن الاثنى عشرية لا يرون المهدي إلا ابن الحسن العسكري المزعوم، وهذا عكس هؤلاء يعدّ نفسه مهدياً وأكثر من ذلك أنه ردّ في كتابه على من يزعم أن ابن الحسن العسكري هو المهدي الموعود، فقال: وزعم بعض الناس أن محمد بن الإمام العسكري عليهما السلام هو المهدي الموعود وليس كذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في محمد المهدي الموعود: يواطىء اسمه اسمي وكنيته كنيتي واسم أبيه اسم أبي، وقيل: اسم أمه اسم أمي، وفي هذا المهدي لا يواطيء شيئاً منهم إلا اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم" (¬1). "والحقيقة أن محمد نوربخش لم يكن شيعياً اثنى عشريا، بل كان صوفياً من أصحاب وحدة الوجود، عرض لانتقال الولاية من آدم والأنبياء إلى أقطاب التصوف وأخرجها من التناسخ واصطلح لها اسم البروز بدلاً منه، فكان وصول الروح إلى الجنين في الشهر الرابع عندهم معاداً إنسانياً يصل الوجود الإنساني بالوجود الحقيقي وجود الله، وربما كان في هذا عنصر يفيد صدور النوربخشية عن الفلسفة الإشراقية كما يفترض الدكتور محمد علي أبو ريان دون أن يجد مبرراً واضحاً يصحح افتراضه. وقد جاء في غزل نوربخش شعر يتصل بوحدة الوجود قال فيه ما ترجمته: سواء أكنا هادين أم مهديين ... فنحن بالمقارنة بالقدم أطفال مهديون قطرة نحن من محيط الوجود ... ولا عبرة بمدى طاقتنا من الكشف والشهود ¬

(¬1) مشجر الأولياء ص 164 ط. باكستان.

فيا إلهي متى أعود من القطرة ... ويا الهي أبلغني بحر النور وذكر نوربخش العشق على الصورة التي عبر عنها محمد بن عربي في قوله: أدين بدين الحب إني توجهت ... ركائبه، فالحب ديني وإيماني ولكنه أخذ الجانب السلبي من المسألة وعبر عنها بأبيات لطيفة منها ما ترجمته: منذ اليوم الذي استجليت فيه طلعة حبيبي ... غدوت متميزاً من الخلائق أجمعين وذلك أني صرت مبرأ من العقيدة والمذهب ... والملة كلية وأصبحت ولا دين لي وذكر استغراقه في هذا العشق إلى الحد الذي أضاع معه كيانه الشخصي فجعل يتساءل: أأنا نوربخش نفسه أم من أنا؟ " (¬1). نعم لا شك في ذلك أن الصفويين لما تسلطوا على إيران وأجبروا الناس على اعتناق التشيع على حد السيف أعلن النوربخشية تشيعهم، ولذلك لما فتح إسماعيل الصفوي التستر كان يسأل الناس عن عقيدتهم، فمن قال: نحن على مذهب نور الله الشيخ نوربخشي لم يكن يتعرض لهم" (¬2). وفرّ كثير من مريدي هذا الصوفي الوجودي إلى شبه القارة الهندية ولجئوا إلى الجبال ومناطق منعزلة، فبقوا هناك على طريقتهم الصوفية. وأكبر دليل على كون القوم غير الاثنى عشرية أن لهم فقهاً خاصاً، كذلك كيان مستقل ومدارس مستقلة ولو أنهم يقومون ببعض ¬

(¬1) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية للدكتور كامل مصطفى الشيبي 339 - 340 (¬2) مجمع الأوصياء ص 302، نقلاً عن الفكر الشيعي ص 341.

الأعمال التي يقوم بها الشيعة الاثنا عشرية من المآتم على الحسين، وغير ذلك ولكنهم يختلفون معهم في أشياء كثيرة أيضاً، ومنها الإِغراق في التصوف والسلسلة الصوفية التي تصل إلى السهروردي وجنيد البغدادي والسرّي السقطي، وكل هؤلاء ليسوا من الشيعة، وقد ذكر محمد نوربخش سلسلته الصوفية بعنوان السلسلة الذهبية، وننقلها من كتابه كما ذكرها: محمد نوربخش. خواجه إسحاق الختلاني. حضرة أمير الكبير السيد علي الهمداني. حضرة الشيخ محمد المزدقاني. حضرة الشيخ ْعلاء الدولة السمناني. حضرة الشيخ عبد الرحمان الإسفراني. حضرة الشيخ أحمد الذاكر الجوزقاني. حضرة الشيخ علي اللالا. حضرة الشيخ نجم الدين الكبرى. حضرة الشيخ عمار ياسر البديسي. حضرة الشيخ أبو النجيب السهروردي. حضرة الشيخ أحمد الغزالي. حضرة الشيخ أبو بكر النساجي. حضرة الشيخ أبو علي الكاتبي. حضرة الشيخ أبو علي الرودباري. حضرة الشيخ جنيد البغدادي. حضرة الشيخ سرّي السقطي. حضرة الشيخ معروف الكرخي. حضرة الإِمام عليّ الرضا" (¬1). ثم ولقد ذكر محمد نوربخش هذا في كتابه عبارة صريحة تدّل على عدم تشيعه وهو يذكر الوقائع التي حدثت بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فداه أبواي وروحي فقال: ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بايع الأنصار والمهاجرون أبا بكر رضي الله عنه علي الإِمارة بالاتفاق لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أمره بإمامة الصلاه الفريضة أيام مرضه ¬

(¬1) مشجر الأولياء ص 2 ط. باكستان.

فبايع أصحابه كله على أبي بكر اتباعاً لأمره صلى الله عليه وآله وسلم لأن الصلاة عماد الدين وقوامه كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرض ليالي وأياماً ينادي بالصلاة، فيقول عليه السلام: مروا أبا بكر يصلي بالناس. فلما قبض رسول الله عليه الصلاة وآله وسلم نظرت فإذا الصلاة علم الإسلام وقوام الدين فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لديننا فبايعناه. وذلك أن علياً عليه السلام لما رأى النزاع بين الصحابة بسقيفة بني ساعدة في الخلافة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتجهيزه وقد نزع خاتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يده المباركة، ففوّض الخاتم إلى أبي بكر رضي الله عنه وقال: فاذهب إلى الناس وأدركهم وأجمعهم على إمارتك فذهب إليهم أبو بكر ومعه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فكلّم الناس عمر في إمارة أبي بكر ورضوا بإمارة أبي بكر رضي الله عنه واتفقوا كلهم ببركة خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبتدبير عليّ المرتضى عليه السلام" (¬1). وعلى كل فهذه هي الطائفة الأخرى التي اختلف (¬2). في تشيعها، ونظن أن هذا القدر كاف في هذا الموضوع. ¬

(¬1) أيضاً ص 51 - 52. (¬2) لقيني كثير من علماء الشيعة في باكستان فسألتهم عن النوربخشية فالأكثر قالوا بأنهم ليسوا من الاثنى عشرية ولكنهم يدعون التشيع الاثنى عشري لجلب الأموال وحصول المنافع من شيعة الخليج والدول العربية الاثنى عشريين وشيعة إيران أيضاً ولقد رضي علماء الشيعة الإيرانيين بادعائهم هذا لاستكثار عدد الشيعة، وإلا فهم ليسوا من الإمامية الاثنى عشرية. وقال البعض: إنهم من الشيعة الاثنى عشرية ولكنهم من الفرقة التي ابتعدت عن الاثنى عشرية الخلصّ بنزعاتها الصوفية وبأفكارها المناوئة المختلفة للتشيع الاثنى عشرية.

الإخبارية والأصولية

الأخبارية والأصولية وهناك اختلاف آخر حدث بين الاثنى عشرية في القرون المتأخرة وهو اختلاف ما يسمى باختلاف الأخباريين والأصوليين، فافترقت الاثنا عشرية إلى فرقتين متحاربتين متعاديتين حملت إحداهما على الأخرى وشنعت الأخرى على الأولى، وكثر النزاع حتى اتهم الأخباريون الأصوليين بالخروج عن التشيع الحقيقي الأصلي، وكتبت الكتب وألفت الرسائل وتحزبت الأحزاب، فقال الأخباريون: نعتقد بظاهر ما ورد به الأخبار، متشابهة كانت أم غير متشابهة فنجري المتشابهات على ظواهرها ونقول فيها ما قاله سلفنا" (¬1). وبعبارة صريحة أكثر: إن الأخباريين هم الذين يتمسكون بظواهر الحديث مقابل الأصوليين الذين يرون الأدلة العقلية من الأدلة الشرعية (¬2). ومعناه أن الأخباريين لا يرون الأدلة الشرعية إلا الكتاب والحديث. والمعروف أن الحديث عند الشيعة ما نقل عن أحد أئمتهم المعصومين حسب زعمهم الاثنى عشري ومن رسول الله أيضاً، فكل ما نقل عن هؤلاء فهو حديث عندهم وهو حجة لأنه منقول عن معصوم وحجة، وما نقل عن الحجة حجة على اليقين، ثم لا ينظر عندهم أن هذا الحديث ما منزلته وشأنه مادام وجد في الأصول الأربعمائة ونقل منها، والأصول عند القوم الكتب التي ألّفها وجمعها أصحاب الأئمة (¬3). فمادام أصحاب الأئمة نقلوا هذه الروايات من الأئمة فإنها لا ¬

(¬1) موسوعة اصطلاحات العلوم الإسلامية للشيخ التهانوي ج 1 ص 93 ط. خياط. بيروت. (¬2) لغت نامه دهخدا ص 1485 ط. طهران 1326. (¬3) أعيان الشيعة الجزء الأول، القسم الثاني ص 93.

تحتاج إلى النظر والبحث والتحقيق والتفتيش، لا عن السند لأنها من صاحب الإِمام ولا عن المتن لأنه من الإِمام، وعقول الناس قاصرة عن إدراك كنه ما يقوله الإِمام حسب رواية الامام المعصوم الخامس عند الشيعة محمد الباقر: إن حديث آل محمد صعب مستعصب لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردّوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد، وإنما الهالك أن يحدّث أحدكم شىء منه لا يحتمله، فيقول: والله ما كان هذا والله ما كان هذا، والإِنكار هو الكفر" (¬1). وقد نقلوا عن موسى الكاظم -الإِمام السابع المعصوم حسب زعمهم- أنه قال لأحد شيعته علي بن سويد السائي: ادع إلى صراط ربك فينا من رجوت إجابته ولا تحصر حصرنا، ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا أو نسب إلينا: هذا باطل وإن كنت تعرف خلافه، فإنك لا تدري لم قلناه، وعلى أي وجه وصفناه، آمن بما أخبرتك ولا تكشف بما استكتمتك" (¬2). وعلى ذلك فإن الرجوع إلى دليل آخر من الأدلة العقلية ليس إلا جهل وضلال في نظر هؤلاء وإذا لم يوجد في المسألة شىء فعليه الإرجاء حتى يأتي فيه خبر عن إمام من الأئمة كما رووا عن جعفر بن الباقر أنه ْسئل عن رجل اختلف عليه رجلان في دينه من أمر كلاهما يرويه، أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع؟ فقال: يرجئه حتى ¬

(¬1) الأصول من الكافي ج 1 ص 401، باب ما جاء أن حديثهم صعب مستعصب. (¬2) رجال الكشي ص 386 ط. كربلاء.

يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه" (¬1). وذكر ابن بابويه القمي عن علي بن موسى -الإِمام الثامن المعصوم عنده- أنه قال: وما لم تجدوه في شىء من هذه الوجوه فردّوه علينا، فنحن أولى بذلك، ولا تقولوا فيه بآرائكم، وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا" (¬2). وإن رجع إلى شىء آخر ضلّ وأضلّ كما نقلوا عن موسى الكاظم عن محمد بن حكيم أنه قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: جعلت فداك فقّهنا في الدين وأغنانا الله بكم عن الناس حتى إن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة ويحضره جوابها فيما منّ الله علينا بكم، فربّما ورد علينا شىء لم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شىء فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به؟. فقال: هيهات هيهات في ذلك والله هلك من هلك يا ابن حكيم، قال: ثم قال: لعن الله أبا حنيفة" (¬3). وأيضاً: عن سمعة بن مهزان عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قلت: أصلحك الله إنا نجتمع فنتذاكر ما عندنا فلا يردّ علينا شىء إلا وعندنا فيه شىء مسطر وذلك مما أنعم الله به علينا بكم، ثم يرد علينا الشىء الصغير ليس عندنا فيه شىء فينظر بعضنا إلى بعض، وعندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه؟ ¬

(¬1) الأصول من الكافي، كتاب فضل العلم ج 1 ص 66. (¬2) عيون أخبار الرضا للقمي - نقلاً عن الكافي في الأصول، الهامش ص 66. (¬3) الكافي في الأصول ج 1 ص 56.

فقال: وما لكم وللقياس؟ إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس، ثم قال: إذا جاءكم ما تعلمون، فقولوا به، وإن جاءكم مالاً تعلمون فيها -وأهوى بيده إلى فيه- ثم قال: لعن الله أبا حنيفة كان يقول: قال علي وقلت أنا، وقالت الصحابة وقلت، ثم قال: أكنت تجلس إليه؟ فقلت: لا ولكن هذا كلامه، فقلت: أصلحك الله أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس بما يكتفون به في عهده؟. قال: نعم وما يحتاجون إليه يوم القيامة، فقلت: فضاع من ذلك شىء؟ فقال: لا هو عند أهله" (¬1). هذا هو مذهب الأخبارية من الإِمامية، أي العمل بالأخبار المنقولة عن المعصومين حسب زعمهم أو المنسوبة إليهم بدون النظر إلى شىء آخر. وأما الأصوليين فرأوا أن هناك دليل العقل ومنه البراءة الأصلية والاستصحاب وغيرها، ومثل للبراءة الأصلية السيد محسن أمين في كتابه بقوله: البراءة الأصلية فيما لا نص فيه بوجوب ولا تحريم بعد الفحص لاستقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان، ومنه قولهم عدم الدليل على كذا فيجب انتفاءه وهذا يكون مع الشك في الوجوب، ومثل له المحقق في المعتبر بقولنا: ليس الوتر واجباً لأن الأصل براءة العهدة، ومنه أن يختلف الفقهاء في حكم بالأقل والأكثر فنقتصر على الأقل كما يقول بعض الأصحاب في عين الدابة نصف قيمتها، ويقول الآخر: ربع قيمتها، فيقول المستدل: ثبت الربع إجماعاً، فينتفي الزائد نظراً إلى البراءة الأصلية ويكون مع الشك في التحريم كالشك في حرمة التدخين وحرمة ¬

(¬1) أيضاً ص 57.

شرب قهوة البنّ، فيقال: لم يقم دليل على التحريم والأصل براءة الذمة" (¬1). ثم ذكر الأخباريين ومذهبهم بقوله: ْالأخبارية الإمامية أنكروا البراءة الأصلية وأوجبوا الاحتياط في مواردها للأخبار الآمرة بالاحتياط الحاثة عليه المحمولة على الاستحباب أو مورد العلم بالتكليف والشك في المبرىء المعارضه بقولهم عليهم السلام: كل شىء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه فتدعه وأمثاله" (¬2). وكذلك ذكر مغنية "أن الأخباريين ينكرون الاستصحاب في الحكم الشرعي الكلي" (¬3). واتهم الأخباريون الأصوليين: أن الباعث لهم على الاختراع هذه القواعد الأصولية والأدلة الأربعة الشرعية هو أنسهم بكتب المخالفين للإمامية بلا ضرورة داعية إليه وبدون قيام حجة حاكمة" (¬4). فألف كل فئة كتباً كثيرة لتأييد مسلكهم، فمن الأخباريين ألف محمد أمين ابن محمد شريف الاسترا آبادى كتابه المشهور (الفوائد المدنية). وردّ عليه نور الدين العاملي بكتابه (الفوائد المكية في مداحض حجج الخيالات المدنية ونقض أدلة الأخبارية) (¬5). ¬

(¬1) أعيان الشيعة الجزء الأول القسم الثاني ص 18. (¬2) أيضاً. (¬3) علم أصول الفقه في ثوبه الجديد لمحمد جواد مغنية ص 354 ط. دار العلم. بيروت. (¬4) الفوائد المدنية في الرد على القائل بالاجتهاد والتقليد في الأحكام الإلهية لمحمد أمين ط. طهران. (¬5) انظر لذلك كتاب الشريعة. للطهراني ج 16 ص 359.

أهم كتب الشيعة الاثنى عشرية ورجالاتهم

وردّ عليه أيضاً السيد دلدار علي اللكهنوي بكتاب سمّاه (أساس الأصول)، وهذا الكتاب موجود بين أيدينا طبع في الهند، وذكره صاحب الذريعة إلى تصانيف الشيعة (¬1). ثم ردّ عليه ميرزه محمد عبد النبي النيسابوري الهندي الشهير بالأخباري بكتاب سماه (معاول العقول لقلع أساس الأصول) ودافع فيه عن (الفوائد المدنية) وعنّف القول على مؤلف الأساس، وهذا الكتاب موجود مطبوع أيضاً، وقد ذكره صاحب الذريعة في كتابه (¬2). ثم ردّ عليه السيد نظام الدين حسين والسيد أحمد علي وغيرهم بكتاب (مطارق الحق واليقين لكسر معاول الشياطين) وقد ذكر هذا الكتاب الطهراني في موسوعته (¬3). فهاتان هما فرقتان أخريان انبثقتا عن الشيعة الاثنى عشرية أيضاً، ويعدّ مِنْ أعيان الطائفة الأخبارية الحر العاملي صاحب (وسائل الشيعة)، والنوري الطبرسي صاحب (مستدرك الوسائل)، ومحمد حسين كاشف الغطاء، ونعمت الله الجزائري وغيرهم. ومن أعيان الطائفة الثانية في الآونة الأخيرة السيد دندار علي، والطباطبائي، ومحسن الحكيم، والخوئي، وشريعت مداري، والخميني، وغيرهم. أهم كتب الشيعة الاثنى عشرية ورجالاتهم وأهم كتب الشيعة الاثنى عشرية في الحديث: (الكافي) للكليني -وهذا الكتاب يشتمل على أقسام ثلاثة: الأصول والفروع والروضة: القسم الأول يشتمل على العقائد، ¬

(¬1) ج 2 ص 504. (¬2) ج 21 ص 207. (¬3) ج 1 ص 38.

والقسم الثاني على الأحكام، والثالث على الخطب والمكاتيب وعلى الحكم والآداب، ويقولون: فيه 16199 حديثاً. الثاني: (من لا يحضره الفقيه) لابن بابويه القمي، وفيه 6593 حديثاً. الثالث: (تهذيب الأحكام) لأبي جعفر الطوسي، وفيه 13590 حديثاً. الرابع: (الاستبصار) وهذا أيضاً للطوسي، وفيه 6531 حديثاً. وهذه هي كتب الحديث الأربعة التي يطلق عليها الصحاح الأربعة الشيعية. وهناك كتب أخرى في الحديث منها: (الأول): الوافي تأليف الشيخ محمد بن مرتضى المدعو بملا محسن الكاشي جمع فيه ما في الكتب الأربعة من أحاديث الأصول والفروع ورتبها وبوبها وشرح بعض ما يلزمه الشرح والتفسير من المهمات وبين بعض وجوه الجمع بين المتعارضات وله نحو مائتي مصنف. (الثاني): وساثل الشيعة إلى أحاديث الشريعة تأليف الشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي جمع فيه ما في الكتب الأربعة وغيرها في الفروع خاصة من ثمانين كتاباً كانت عنده وسبعين نقل عنها بالواسطة ورتبه وبوبه على ترتيب كتب الفقه أحسن ترتيب وشرح بعض المهمات وجمع المتعارضات فصار كتابه هذا هو المعول والمرجع ولم يرزق الوافي ما رزقته الوسائل من الحظ لأن ترتيبها أسهل مع أن تفسيرات الوافي أوفى وله مع ذلك الحظ الوافي لكن حظ الوسائل أوفى وبقية الكتب الأربعة يرجع إليها أيضاً (1104).

(الثالث): بحار الأنوار في أحاديث النبي والأئمة الأطهار تأليف الشيخ محمد باقر ابن الشيخ محمد تقي المعروف بالمجلسي في ستة وعشرين مجلداً ضخماً كثير منها وحده عشرات المجلدات ويستغرق نسخه فقط العمر فضلا عن تأليفه جمع فيه فنوناً من العلم جلها في غير الأحكام الفرعية وقليل منها في الفروع ومن جملتها تواريخ النبي والزهراء والأئمة الاثنى عشر صلى الله عليه وعليهم، وأحوالهم ومناقبهم وما أثر عنهم من المواعظ والحكم والآداب جمعه من كل ما عثر عليه بدون انتقاء كما هو شأن البحار، ولم ينقل فيه من الكتب الأربعة المتقدمة إلا قليلاً لأن غرض مؤلفيها الأهم الفروع وغرضه الأهم غيرها فهو أجمع كتاب في فنون الحديث وأنواع العلوم ومتفرقات الأخبار يستمد منه العالم والمؤلف والواعظ وتستخرج منه الدرر والجواهر، فالمحمدون الثلاثة الأولون مع المحمدين الثلاثة الأخرين هم الذين حفظوا أخبار أهل البيت وآثارهم من الضياع وجمعوها ورتبوها والأولون منهم انتقوها واختاروها بحسب أسانيدها وكذا الأولان من الآخرين (1110). (الرابع): العوالم في الحديث تأليف المحدث المتبحر المولى عبد الله بن نور الله البحراني في مائة مجلد ولم يرزق من الحظ ما رزق البحار (أوائل المائة الثانية). (الخامس): الشفا في حديث آل المصطفى جامع كبير يشتمل على عدة مجلدات للمتضلع في الحديث الشيخ محمد الرضا بن الفقيه الشيخ عبد الله التبريزي فرغ منه (1158). (السادس): جامع الأحكام في الحديث تأليف السيد عبد الله الشبري في خمسة وعشرين مجلداً كباراً مؤلفه من أكثر الناس تأليفاً (1242).

(السابع): مستدركات الوسائل تأليف المحدث المتتبع البصير بالحديث والرجال الميرزا حسين النوري المعاصر جمع فيه ما فات صاحب الوسائل ورتبه على أبوابها في قريب من مجلداتها لكنه أدرج فيه الفقه الرضوي الذي لم يثبت أنه تصنيف الإِمام الرضا (ع) وكثيراً مما هو من هذا القبيل مما لم يكن معتبر الإسناد عند صاحب الوسائل فليس هو في الحقيقة استدراكاً عليه في كثير مما فيه وأفاد في آخره فوائد رجالية لا توجد في غيره والظاهر أن معظمها مآخوذ من جامع الرواة للحاج محمد الأردبيلي معاصر المجلسي (1320) (¬1). ويدعي الشيعة أن الكتب التي تشتمل على الأحاديث المروية من المعصومين حسب زعمهم تزيد على ستة آلاف وست مائة كتاب (¬2). وأما شيخهم المفيد فقال: صنف الأمامية من عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عهد أبي محمد الحسن العسكري أربع مائة كتاب تسمى الأصول، قال: فهذا معنى القول: له أصل" (¬3). هذا في الحديث، وأما في الرجال فلهم (معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، والمعروف برجال الكشي - من علماء القرن الرابع. والثاني: (كتاب الرجال) لأبي العباس أحمد بن علي النجاشي المتوفى سنة 405 هـ، المعروف برجال النجاشي. والثالث: (كتاب الرجال) لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي المتوفى سنة 360، والمعروف برجال الطوسي. ¬

(¬1) أعيان الشيعة الجزء الأول القسم الثاني ص 113 - 114. (¬2) أيضاً ص 93. (¬3) أيضاً.

والرابع: (كتاب الفهرست) للطوسي أيضاً. وهذه الكتب الأربعة هي الأصول، وعليها المعول عند القوم (¬1). وهناك كتب أخرى: مثل (معالم العلماء) لابن شهر آشوب المازندراني المتوفى سنة 588. و (خلاصة الأقوال في الرجال) للحسن بن مطهر الحلي المتوفى 726 هـ. و (منهج المقال) للمامقاني. و (روضات الجنات) للخوانساري. و (الكنى والألقاب) للقمي، وغيرها. ْومن كتبهم في التفسير المشهورة: (تفسير العياشي). و (تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي). و (تفسير القمي). و (تفسير مجمع البيان) للطبرسي. و (تفسير البرهان في تفسير القرآن). و (تفسير الصافي). و (نور الثقلين) للحويزي. و (منهج الصادقين) لملا فتح الله الكاشاني. ومن أهم كتبهم في الفقه: (شرائع الإسلام) لجعفر بن الحسين الحلّي. (جامع المقاصد) لعبد العالي الكركي المتوفى 937 هـ. و (المسالك) لزين الدين العاملي. ¬

(¬1) انظر مقدمة رجال الكشي لأحمد الحسيني ص 4.

وكذلك (شروح اللمعة الدمشقية). ومن أهم كتبهم في التاريخ: (تاريخ اليعقوبي). و (مروج الذهب) و (أخبار الزمان) للمسعودي. و (ناسخ التواريخ) لمبرزه تقي خان معاصر ناصر الدين القاجاري. وأهم كتبهم (نهج البلاغة) الذي يعدّونه أقدس كتاب عندهم ويدعون أنه كتاب مشتمل على خطب ومكاتيب علي رضي الله عنه، جمعه شريف الرضي، ومن شروحه الهامة: شرح ابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي، وشرح ابن الميثم وغيرها من الشروح. وأما أعيانهم فهم مؤلفو هذه الكتب التي ذكرناها آنفا، وقد ذكرنا تراجمهم في هذا الكتاب وفي الكتب الأخرى التي ألفناها حول هذه الطائفة من الناس. وبهذا يعرف الشيعة الاثنا عشرية بالإيجاز والاختصار، وفيما أوردناه كفاية لمن أراد ذلك. ونلحق هذا الباب باباً آخر لبيان صلة الاثنى عشرية بالعقائد السبئية وغيرهم من المنحرفين الضالين، والمؤامرين الماكرين ضد الإسلام ومؤسسي الفرقة والاختلاف بين المسلمين.

الباب السابع الشيعة الإثنا عشرية والعقائد السبئية

الباب السابع الشيعة الإثنا عشرية والعقائد السبئية إننا ذكرنا السبئية وقائدها عبد الله بن سبأ فيما مضى بالتفصيل. ونضطر إلى أن نعيد ذكر السبئية والأفكار التي حملوها والعقائد التي روّجوها بين الناس، وعارضها عليّ وأولاده الطيّبون منهم رضوان الله عليهم، وردوّها عليها، وقاوموها بكل عنف وشدة. ولكنها تسرّبت فيما بعد بين الذين يزعمون أنهم شيعتهم والموالون لهم بإسم حب أهل البيت، وأهل البيت منهم براء. نضطر إلى إعادتها، لوضع النقاط على الحروف، ولإثبات أن الشيعة وخصوصاً الإثني عشرية منهم الذين يعدّون أنفسهم معتدلين، وقد يخدع بهم الكثيرون من المغفلين من الناس، ليسوا إلا ورثة أولئك القوم الذين ضلوّا وأضلوّا، ولا يوجد في أيديهم إلا تركتهم التي تركوها للفرقة والإختلاف بين المسلمين، ولإبعاد بعض الناس عن العقائد الصحيحة التي نزلت من السماء، وجاء بها جبرئيل، وبلّغها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام الله القرآن، وسنة رسول الله الثابتة، خالية من ذكرها وتذكرتها. ونحاول في هذا الباب أيضاً أن لا نكون إلا منصفين، ولا نلزم

العقائد السبئية ومخططات ابن سبأ

القوم مالا يلتزمون به، ولا ننسب إليهم ما لا يثبتونه في كتبهم أنفسهم، كما تعوّدنا ذلك بفضل الله، وكما لاحظ القارئ في هذا الكتاب وفي غيره. وتجنباً لسرد العبارات التي سقناها من قبل، نلخص ما كان يقوم به من المخططات ويروّجه عبد الله بن سبأ، وما كانت تنشره السبئية من عقائد وآراء، ثم نقارن تلك العقائد والآراء بأفكار الشيعة الإثني عشرية الموجودين حالياً وعقائدهم، وهل هي موجودة فيهم أم لا؟ .. فنقول: أولاً: قيام السبئية بتكوين جمعيات سريّة يهودية بإسم الإسلام، تحت راية عبد الله بن سبأ. ثانياً: إظهار الحب والولاء والمشايعة والموالاة لعلي وأولاده، والإنظمام إلى شيعتهم. ثالثاً: الحقد والبغض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان، خلفاء نبي الله في أمته، الثلاثة الراشدين المهديين، والطعن فيهم وتفسيقهم وتكفيرهم. رابعاً: تأليب الناس وتحريضهم على عثمان، وإتهامه بتهم باطلة، لإيقاع الفرقة بين الأمة الواحدة والشقاق في المسلمين، والتشنيع على العمال، وتشويه سمعة الحكام، وخصوصاً الذين قادوا المعارك الحاسمة وفازوا فيها. خامساً: ترويج العقائد اليهودية والنصرانية والمجوسية بين المسلمين، التي لا تمت إلى الإسلام بصلة لا قريبة ولا بعيدة. والكتاب المنزل من السماء على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خال ٍ منها، وكذلك تعليمات الرسول الناطق بالوحي نزيهة وبريئة من التلوث بها، مثل قولهم بالوصاية والولاية والعصمة والرجعة وعدم الموت وملك الأرض والحلول والإتحاد

هل الدين إلا الحب

وتأليه الخلق وإتصافهم بصفات الله، وجريان النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ونزول الوحي. فهذه هي الأفكار السبئية التي اقتبسناها من عبارات الشيعة وأئمتهم حول عبد الله بن سبأ، والعقائد التي دعوا إليها وروجوها بين المسلمين، والعبارات والنصوص التي سردناها في الباب الثاني، حيث ذكرنا عبد الله بن سبأ والسبئية بالتفصيل. وهذه هي خلاصة أقوالهم التي قالوها والأعمال التي قاموا بها. والآن لنضع النقاط على الحروف ونقول: أما الأول: أي تكوين اليهود جمعيات تحت قيادة عبد الله بن سبأ للدس والفتنة، فلا نحتاج لإثباتها إلى أي شيئ، بعدما أثبتناها من أئمة الشيعة في الفرق والرجال والتاريخ والنقد، غير السنة، وتصريحاتهم، وبعد ما أطنبنا القول فيه فيما مرّ. والثاني: أي إظهار الحب والولاء والموالاة لعلي وأولاده، فهذا هو الذي جعله الشيعة شعاراً لهم وما أكثر ما قالوه في هذا وتقوّلوا به على عليّ وأولاده - كذباً وزوراً - حتى جعلوا الدين كله موالاة لعلي وأولاده، دون الإيمان بالقرآن والسنة، بل ودون الإيمان بالله ورسوله والإمتثال بأوامرهما، والتجنب عن النواهي، وبدون العمل الصالح والسعي إلى المكارم والفضائل والحسنات. فلقد قالوا فيما قالوا، وما أكثره وما أشنعه، عن أبي جعفر أنه قال: " هل الدين إلا الحب " (¬1). فالحب هو الدين، لا الصلاة ولا الزكاة ولا الحج ولا الصوم، ولا غير ذلك من العبادات التي أمر الله بإتيانها وأدائها، ولا الأمر بالمعروف ¬

(¬1) كتاب الروضة من الكافي الكليني، باب وصية النبي لأمير المؤمنين ج8 ص 80 ط. طهران.

والنهي عن المنكر، ولا التجنب للبغي والفحشاء، ولا التقيد بالقيود في المعاملات، ولا المراعاة التي أمُر بها الإنسان للتعايش مع ذويه وعشيرته وجيرانه ومجتمعه، ولا الحقوق ولا الفرائض، ولا الواجبات ولا المحرمات، فإن الدين هو الحب وحده. وهوالإيمان أيضاً كما نقلوه عن أبي جعفر محمد الباقر، الإمام الرابع المزعوم: " حبنا إيمان، وبغضنا كفر " (¬1). لا الإيمان بالله ولا بالرسل ولا بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين، ولا بالكتاب المنزل عليه، ولا بالتعاليم التي منحها لأصحابه وتلاميذه، لأنه ما أرسل الرسل، وما نزلت الكتب، ولم يأت الأنبياء إلا للدعوة إلى عليّ وأولاده، وحبهم والموالاة لهم. ولقد ذكر المفسر الشيعي الكبير البحراني، في مقدمة تفسيره الكبير عن واحد من أصحاب عليّ، حبة العوفي، أنه قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله عز وجل عرض ولايتي على أهل السموات وعلى أهل الأرض، أقرّ بها من أقرّ بها، وأنكرها من أنكرها، أنكرها يونس، فحبسه في بطن الحوت حتى أقرّ بها " (¬2). وذكر عن (البصائر) عن محمد بن مسلم، أنه قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الله أخذ ميثاق النبيين على ولاية عليّ، وأخذ عهد النبيين على ولاية عليّ " (¬3). وليس هذا فحسب، بل وأكثر من ذلك، كما قال: " وفي كنز الفوائد نقلاً من خط الشيخ الطوسي من كتاب مسائل ¬

(¬1) الأصول من الكافي ج1 ص188. (¬2) بصائر الدرجات ج2 ص 10ط. إيران نقلاً عن تفسير البرهان، مقدمة ص 25. (¬3) أيضاً ص 26.

البلدان، عن جابر الجعفي عن رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، قال: دخل سلمان على علي ّ، فسأله عن نفسه؟ فقال: يا سليمان، أنا الذي دعيت الأمم كلها إلى طاعتي، فكفرت فعذبت في النار، وأنا خازنها عليهم، حقاً أقول يا سلمان إنه لا يعرفني أحد حق معرفتي إلا كان معي، أخذ الله على الناس الميثاق لي فصدق من صدق، وكذب من كذب. قال سلمان: لقد وجدتك يا أمير المؤمنين في التوراة كذلك، وفي الإنجيل كذلك، بأبي أنت وأمي يا قتيل كوفة! أنت حجة الله الذي تاب به على آدم، وبك أنجى يوسف من الجب، وأنت قصة أيوب، وسبب تغير نعمة الله عليه. فقال أمير المؤمنين: أتدري ما قصة أيوب؟. قال: الله أعلم وأنت يا أمير المؤمنين. قال: لما كان عند الانبعاث للمنطق، شك أيوب في ملكي، فقال: هذا خطب جليل، وأمر جسيم. فقال الله: يا أيوب، أتشك في صورة أقمته أنا؟ إني ابتليت آدم بالبلاء، فوهبته له، وصفحت عنه بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين، فأنت تقول خطب جليل وأمر جسيم، فوا عزتي وجلالي لأذيقنك من عذابي أو تتوب إليّ بالطاعة لأمير المؤمنين. ثم أدركته السعادة بي. يعني أنه تاب وأذعن بالطاعة لعلي عليه السلام " (¬1). وغير هذا أيضاً: " ففي سرائر إبن إدريس من جامع البزنطي، عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما من نبي، ولا من آدمي ولا من إنسي ولا جني ولا ملك في السماوات والأرض إلا ونحن الحجج عليهم، وما خلق الله خلقاً إلا وقد عرض ولا يتنا عليه، واحتج بنا عليه، فمؤمن بنا وكافر جاحد، حتى ¬

(¬1) تفسير البرهان للبحراني، مقدمة ص27.

الولاية

السموات والأرض " (¬1). وتتمة هذا الخبر في مناقب إبن شهر آشوب، عن محمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: عرض الله أمانتي على السموات السبع بالثواب والعقاب، فقلن ربنا لا تحملنا بالثواب والعقاب، لكننا نحملها بلا ثواب ولا عقاب. وإن الله عرض ولايتي وأمانتي على الطيور، فأول من آمن بها البزاة البيض والقنابر، وأول من جحدها البوم والعنقاء، فلعنهما الله من بين الطيور، فأما البوم فلا تقدر أن تطير بالنهار لبغض الطير له، وأما العنقاء فغابت في البحار لا ُترى. وإن الله عرض أمانتي على الأرض، فكل بقعة آمنت بولايتي جعلها طيّبة زكيّة، وجعل نباتها وثمرها حلواً عذباً، وجعل ماءها زلالاً. وكل بقعة جحدت إمامتي وأنكرت ولا يتي، جعلها سبخاً وجعل نباتها مرّاً وعلقماً، وجعل ثمرها العوسج والحنطل، وجعل ماءها ملحاً أجاجاً " (¬2). وأما بخاريهم الكليني، فروى في صحيحه عن أبي عبد الله جعفر - الإمام السادس عندهم - أنه قال: " ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبياً قط إلا بها " (¬3). وعن أبيه أبي جعفر - محمد الباقر - أنه قال: " والله إن في السماء لسبعين صفاً من الملائكة، لو اجتمع أهل الأرض كلهم يحصون عدد كل صف منهم ما أحصوهم، وإنهم ليدينون بولايتنا " (¬4). وعنه أيضاً أنه قال: ¬

(¬1) أيضاً ص 26. (¬2) أيضاً. (¬3) كتاب الحجة من الكافي ج1 ص437. (¬4) أيضاً ص 437.

" إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا، وهم ذرّ " (¬1). وأخيراً، روى الكليني عن إمامه المعصوم، عن أبي الحسن أنه قال: " ولاية علي عليه السلام مكتوبة في صحف جميع الأنبياء " (¬2). وكما روى أيضاً عن سالم الحناط، قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى: نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين، قال: هي الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام " (¬3). وكذلك سُئل أبو جعفر عن قول الله عز وجل: ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم، قال: الولاية " (¬4). وابنه جعفر قال: " ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى " (¬5). وروى الكليني عن الصومالي: " عن أبي جعفر عليه السلام قال: أوحى الله إلى نبيّه صلى الله عليه وآله: فاستمسك بالذي أوحينا إليك إنك على صراط مستقيم، قال: إنك على ولاية عليّ، وعليّ هو الصراط المستقيم " (¬6). وإن لم يأت العبد بولاية عليّ، لم يسأله عن شيء، وأمر به إلى النار. ¬

(¬1) أيضاً ص438. (¬2) كتاب الحجة من الكافي ج1 ص437. (¬3) أيضاً، باب فيه نكت من التنزيل في الولاية ج1 ص312. (¬4) أيضاً ص 413. (¬5) أيضاً ص418. (¬6) أيضاً ص 417.

وعلى ذلك قال البحراني، مفسر الشيعة: " إن الله لم يبعث نبياً قط إلا بعد ما أقرّ بالولاية لأهل البيت، وإن بعثة الأنبياء كانت لذلك أيضاً " (¬1). وإن هذه الموالاة هي سبب دخول الجنة والنجاة من النار، لا الأعمال ولا الحسنات. فمن والى علياً وأولاده فهم من أهل الجنة، وغيره يدخل النار ولو صام وصلى. كما نقلوا عن جعفر أنه قال: " سواء على من خالف لنا أهل البيت لا يبالى صلى أو صام، أو زني أو سرق. إنه في النار، إنه في النار " (¬2). وكذبوا على رسول الله أنه قال لعليّ رضي الله عنه: " من أحبك كان مع النبيين في درجتهم يوم القيامة، ومن مات يبغضك فلا يبالي مات يهودياً أو نصرانياً " (¬3). وكذلك روى صدوقهم - وهو كذوبهم: " قال رسول الله (ص): يا علي إن الله تعالى قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ومحبي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك، فأبشر" (¬4). وذكر العياشي في تفسيره عن أبي عبد الله جعفر أنه قال: " المؤمنون بعليّ هم الخالدون في الجنة وإن كانوا في أعمالهم مسيئة " (¬5). حب عليّ حسنة لا تضر معها سيئة (¬6) وبغضه معصية لا تنفع ¬

(¬1) أنظر البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني، مقدمة ص 339 ط. إيران. (¬2) أيضاً، الفصل الثاني في بيان فرض ولاية أهل البيت ص 21. (¬3) عيون أخبار الرضا ج2 ص 85. ط. طهران. (¬4) أيضاً ج 2 ص47. (¬5) تفسير العياشي ج 1 ص 139. (¬6) ويجب الانتباه أنه لم يرو هذه الروايات إلا الوضّاعون الدجالون من الشيعة الذين ينقلون عن دجاجلة كذابين مثلهم. وقد وردت هذه الروايات بطرق الشيعة الكذابين أيضاً في بعض كتب السنة الذين لم يلتزموا بإيراد الروايات الصحيحة، ولم يلزموا أنفسهم تنقيد الرواة وتنقيح أحوالهم، فلا يعتمد على تلك المرويات، لأنها منقولة ومروية من الشيعة لترويج باطلهم ونشر أباطيلهم. ولله الحمد والمنة أن عند السنة معياراً قوياً ومحكاً صالحاً لتنقية هذه الروايات وتنقيحها، لتمييز الحق من الباطل. كما عندهم أصول وضوابط وقواعد لنقد الرجال جرحاً وتعديلا. فلا تقبل الروايات والرواة عندهم إلا الصادقة عن الصدوق، ولا يلتفت إلى الضعفاء والوضع والوضاع، وإلي الأكاذيب والكذبة.

القرآن والسنة

معها حسنة (¬1). وأخيراً، ما كذبوه على رسول الله أنه قال: " سمعت الله عز وجل يقول: علي بن أبي طالب حجتي على خلقي، ونوري في بلادي، وأميني على علمي، لا أدخل النار من عرفه وإن عصاني، ولا أدخل الجنة من أنكره وإن أطاعني " (¬2). فالقضية واضحة بأن طاعة الله ليست بطاعة، ومعصية الله ليست بمعصية ما دام الحب والولاء لعلي وأولاده موجود. وهذا ما كان يقصده اليهودية البغضاء لإبعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن الشريعة السماوية التي لا تفرق بين شخص وشخص، ولا تجعل مدار العز والشرف إلا على العمل والتقوى، كما قال جل من قائل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (¬3). وقال: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)} (¬4). وقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ ¬

(¬1) منهج الصادقين ج 8 ص110. (¬2) البرهان، مقدمة ص 13. (¬3) سورة الحجرات الآية 13. (¬4) سورة الشعراء آية 90.

لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬1). وقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} (¬2). وقال: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬3). وقال: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)} (¬4). وقال: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} (¬5). نعم الشريعة التي لم تفرق بين شخص وشخص لحسبه ونسبه، فلم تفرق بين أبي لهب بأنه يدخل الجنة لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تقتصر على البيان بأنه من أهل النار، بل قرن ذكره باللعن في الكتاب الذي يبقى أبد الدهر. حيث قال: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} (¬6). ولم تفرق تلك الشريعة السمحاء بين بلال وغيره لأنه حبشي وغير ¬

(¬1) سورة المؤمنون الآية 1 إلى الآية 11. (¬2) سورة الزلزلة الآية 8،7. (¬3) سورة الأنعام الآية 164. (¬4) سورة الليل الآية 9. (¬5) سورة المدثر الآية 38 إلى الآية 48. (¬6) سورة تبت (المسد).

عربي وقرشي ومكي، جاء إلى مكة وهو مملوك لغيره، بل بُشّر بالجنة بلسان الناطق بالوحي، لأن أعماله أهلته لذلك. وهم الذين كانوا يرون الإيمان بالله وبالرسول وبالكتاب الذي نزل عليه، والأعمال الصالحة حسب أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم سبباً لدخول الجنة. كانوا يقومون ليلاً، ويصومون نهارا، ويرفعون رايات الجهاد، وينزل عليهم النصر من فوق السماء، ويؤيدهم ملائكة الرب وجنود الرحمان. وهم الذين كانوا يرون الجنة تحت ظلال السيوف لإحقاق الحق وإبطال الباطل، ولإظهار دين الله كله. وهم الذين كانوا يقهرون سلاطين الأمم وملوكها وجبابرة الأرض وطغاتها، وهم الذين اندحرت أمامهم فلول اليهودية وجيوش النصرانية وعساكر المجوسية، وهم الذين أريد بهم وبأخلافهم أن يبعدوا عن هذه الشريعة الحية المحيية للأموات، والباعثة فيهم الأرواح. أرادوا إماتة هذه الأمة المقدامة، لردهم عن دينهم، وإبعادهم عن تعاليم الإسلام الحقيقية، عن الإيمان والعمل والجد والجهاد. فقالوا: لا يحتاج لدخول الجنة، وإرضاء الرب إلى كل هذه المشقة والعناء، بل يكفي لها حب أشخاص والولاية لهم. ففازوا في مقاصدهم الخبيثة بعض الفوز، وانطلت مكايدهم على بعض السذج الغفلة من الناس، والمغرورين والمخدوعين بأسماء أشخاص لم يكونوا إلا عباداً لله المتقين، العاملين المؤمنين. فبدل أن يكون أمام أعينهم أن أول ما يُسأل العبد عنه الصلاة، كي لا يصلوا ويجتهدوا في التقرب إلى الله بالركوع والسجود والقيام إليه، قالوا: قال أبو الحسن عليه السلام - الإمام الثامن عندهم - " أول ما يُسأل عنه العبد، حبنا أهل البيت " (¬1). ¬

(¬1) عيون أخبار الرضا ج2 ص 65، أيضاً البرهان، مقدمة ص 22.

وعلى ذلك جعلت الولاية أهم من الصلاة والزكاة، ومن كل شيء ذكرناه آنفا، وكما ورد في الكافي للكليني، عن أبي جعفر أنه قال: " بُني الإسلام على خمس، على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية " (¬1). بل وهي المقصود، كما كذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أتاني جبريل عليه السلام وقال: يا محمد ربك يقرئك السلام، ويقول: فرضت الصلاة ووضعتها عن المريض، وفرضت الصوم ووضعته عن المريض والمسافر، وفرضت الحج ووضعته عن المقل المدقع، وفرضت الزكاة ووضعتها عن من لا يملك النصاب، وجعلت حب عليّ بن أبي طالب عليه السلام ليس فيه رخصة " (¬2). ولذلك جعلوها مدار الكفر والإيمان، كما هو ظاهر من هذه الروايات، وكما بيّناه آنفا. وأما من قال من الشيعة المعاصرين (¬3)، بأن الاعتقاد بالولاية ليس بالضروري، وأنه بعدم الاعتقاد بها لا يخرج عن كونه مسلماً، ليس إلا خداعاً وتزويراً. ولا يتفوّه بمثل هذه الكلمات إلا في كتب الدعاية، ولإيقاع السذج من المسلمين في شراكهم وحبائلهم. وإلا فهم لا يعتقدون بمثل هذه الاعتقادات كما ذكر وصرح به أئمة الشيعة. ولقد ذكر السيد البحراني عن عديد من أئمة الشيعة، بأن هذه العقيدة اليهودية التي أوجدها وأنشأها عبد الله بن سبأ اليهودي لتعطيل الشريعة، وإبعاد المسلمين عنها، هي مدار الإيمان، وهي مدار النجاة، والمنكر ¬

(¬1) الكافي في الأصول، باب دعائم الإسلام ج2 ص 18. (¬2) البرهان، مقدمة ص 22. (¬3) ألا وهو الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه (أصل الشيعة وفروعها) ص 103، 104 الطبعة التا سعة بيروت 1960م، وكذلك السيد محسن الأمين في كتابه (أعيان الشيعة) ج1 ص69.

البغض لأصحاب رسول الله

بها لا يُعد مؤمناً. ونذكر ههنا، عن إمامهم وشيخهم المفيد، أنه ذكر في كتاب المسائل: " اتفقت الإمامية على أن من ينكر إمامة إمام، وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض طاعته، فهو كافر ضال مستحق الخلود في النار ... وقال: لا يجوز لأحد من أهل الإيمان، أن يغسّل مخالفاً للحق في الولاء، ولا يصلي عليه " (¬1). ونقل مثل ذلك عن بابويه القمي شيخ الطائفة الطوسي، والملا باقر المجلسي، والسيد شريف المرتضى، وغيرهم من الكثيرين مثله. وأما البغض والحسد لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيهم والعيب عليهم وشتمهم، فصار من لوازم مذهب الشيعة، وقلما يوجد كتاب من كتبهم إلا وهو مليء بالطعن والتعريض بهم. بل ولقد خصص أبواب مستقلة لتكفير وتفسيق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يذكرهم أحد من القوم إلا ويسبق ذكرهم بالشتيمة ويلحق بالسباب. ولقد مثلنا لهذا في كتابنا (الشيعة والسنة) في الباب الأول منه. كما فصلنا القول في هذا الخصوص في كتابنا (الشيعة وأهل البيت) في الباب الثاني منه، ولا نريد أن نعيد ما ذكرناه هناك تجنباً للإطالة. فليرجع القارئ في معرفة ذلك إلى هذين الكتابين. ونقتصر على ما كتبه إمام شيعة اليوم السيد الخميني في كتابه (كشف الأسرار). وهو مع كونه رجلاً سياسياً - والسياسة تتطلب بعض الملاينة والمهادنة والمراعاة للآخرين - يذكر بكل صراحة ووضوح: أن أبا بكر وعمر وعثمان، لم يكونوا خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وأكثر من ذلك أنهم غيروا أحكام الله، وحللوا حرام الله، وظلموا أولاد الرسول، وجهلوا قوانين الرب وأحكام الدين (¬2). ¬

(¬1) البرهان، مقدمة ص 20. (¬2) ملخص ما قاله السيد الخميني في كتابه (كشف الأسرار) ص 110 وما بعد ط فارسي.

عقيدة السيد الخميني

وبعد ذلك يذكر عقيدته، عقيدة الشيعة في الإمامة، فيقول تحت عنوان: لماذا لم يذكر إسم الإمام في القرآن صريحاً: " ولقد ظهر مما ذكر، أن الإمامة أصل من الأصول المسلمة الإسلامية بحكم العقل والقرآن. وأن الله قد ذكر هذا الأصل المسلم في عديد من مواضع القرآن. فيمكن أن يسأل سائل: مادام هذا، فلماذا لم يذكر إسم الإمام في القرآن، لكي لا تقع خلافات وحروب حوله كما وقعت؟ فالجواب على ذلك بوجوه، وقبل حل هذا الإشكال، نريد أن نقول جهراً: إن كل الخلافات التي حلت بين المسلمين في جميع أمورهم وشئونهم، لم تقع بينهم إلا من أثر السقيفة. ولو لم يكن ذلك اليوم، لم يكن بين المسلمين خلاف في القوانين السماوية. فنقول: لو ذكر إسم الإمام في القرآن فرضاً، لم يكن يرفع النزاع بين المسلمين، لأن الذين لم يدخلوا الإسلام إلا طمعاً في الرئاسة، وتجمعوا وتحزبوا لنيلها، لم يكونوا مقتنعين بنصوص القرآن وآياته. ولم يكونوا منتهين عن أطماعهم وأغراضهم. بل كان من الممكن أن يزدادوا في مكرهم، ويصلوا إلى هدم أساس الإسلام. لأن الطامعين في الرئاسة والطالبين لها لو رأوا مقصودهم لا يحصل بإسم الإسلام، لشكلوا آنذاك حزباً معارضاً للإسلام ومخالفه. وآنذاك لم يكن لعلي بن أبي طالب أن يسكت، فكان من نتيجة ذلك أن يحصل النزاع والخلاف الذي يقلع جذرة الإسلام، ويقطع دابره. وعلى ذلك كان ذكر إسم علي بن أبي طالب في القرآن خلاف مصلحة أصل الإمامة. وأيضاً لو كان إسم الإمام مذكوراً في القرآن، لم يكن مستبعداً من الذين لم تكن علاقتهم بالإسلام والقرآن غير الدنيا والرئاسة، الذين جعلوا القرآن وسيلة لإجراء نياتهم الفاسدة، لم يكن مستبعداً منهم أن يحذفوا تلك الآيات من القرآن، ويحرفّوا كتاب الله، ويبعدوه عن أنظار الناس

كتابه كشف الأسرار

إلى الأبد. وأيضاً لو لم يحدث من هذا شيء على الفرض والتقدير، لم يكن من غير المتوقع من ذلك الحزب الطامع الحريص على الرئاسة، أن يختلقوا حديثاً كاذباً على رسول الله أنه قال قبيل وفاته إن الله خلع عليّ بن أبي طالب من منصب الإمامة، وجعل الأمر شورى بينكم. ولا ينبغي لأحد أن يقول: لو ورد ذكر ذلك الإمام في القرآن، لما استطاع الشيخان أن يخالفاه، ولو خالفاه فرضاً، لم يقبله المسلمون، وقاموا ضدهما. فنحن نقول: إنه لا ينبغي القول بهذا، لأننا نعرف أنهما خالفا صريح القرآن جهراً وعلناً والناس لم يردوا عليهما، بل قبلوا مخالفتهما للقرآن " (¬1). ثم مثل بأمثلة كثيرة حسب زعمه لإثبات مخالفة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما القرآن بعنوان (مخالفة أبي بكر النصوص القرآنية) و (مخالفة عمر قرآن الرب) " (¬2). وأخيراً قال بعد ذكر هذه المخالفات المزعومة: " ويعلم بهذا كله، مخالفة أبي بكر وعمر القرآن في حضور المسلمين ولم يكن هذا الأمر ذا بال عندهم، بل كانوا هم معهما، وفي حزبهما مناصرين مساعدين لهما في نيل المقصود. ويعرف بهذا كله، أنه لو ورد ذكر الإمام في ¬

(¬1) كشف الأسرار للسيد الخميني (*) ص 114،113،112 ط. فارسي. (¬2) أنظر ص 114 و 117 - كشف الأسرار. (*) والمفروض أن يُسمى هذا الكتاب كشف أسرار الخميني، لا كشف الأسرار للسيد الخميني، لأنه فعلاً يكشف الأسرار عن هذا الرجل زعيم الشيعة ومصلح الأمة كما يزعمه بعض المغفلين والسذج من أهل السنة في مختلف بقاع الأرض من العالم الإسلامي وغير الإسلامي. وأتمنى أن يقوم بترجمة هذا الكتاب أحد من العارفين، وتكون له معرفة باللغة الفارسية، فينقله إلى اللغات العالمية الأخرى، حتى تكون أسرار السيد الخميني مكشوفة عندهم. والجدير بالذكر، أن هذا الكتاب لا زال يُطبع في إيران ويُوزع من قبل الحكومة الإيرانية في الداخل والخارج، بدون أي تغيير أو تبديل فيه. وواعجبا للموجدين الأعذار، الذين يختلقونها من عند أنفسهم، والكاتب المؤلف حي لا ينطق ببنت شفة في هذا الموضوع. وكيف ينطق وهذه هي العقائد التي يبتني عليها مذهبه ومسلكه، وهذه هي الأسس التي يقوم عليها دينه وموقفه. وإن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.

القرآن، لم يكونوا تاركين للرئاسة لقول الله عز وجل، ولا معطين له أي اهتمام. وكما أن أبا بكر الذي كان خداعه ظاهراً وزائداً، استطاع أن يحرم ابنة رسول الله من إرثها الثابت بالقرآن والعقل، باختلاق حديث مكذوب، لم يكن مستبعداً من عمر أن يقول بأن الله أو جبريل أو الرسول أخطئوا في ذكر إسم الإمام في القرآن وآياته، ولذلك لا يُنظر إليه، ولا يُعمل به، وآنذاك قام حزب السنة وتابعوه على قوله، وتركوا القرآن مهجورا. كما أنهم تابعوه في جميع التغييرات التي أتى بها في دين الإسلام، ورجحّوا قوله على القرآن وآياته، وقدموه على أحاديث رسول الإسلام وأقواله " (¬1) وهناك كثير وكثير من هذا القبيل. هذه هي عقيدة القوم في أبي بكر وعمر وعثمان، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم ورضوا عنه. قد ذكرناها من رجل سياسي بارز، يُعد نائب الإمام الغائب عند الشيعة، ومصلح الأمة عند بعض السنة، طبق ما توارثه من السبئية وعبد الله بن سبأ، وعليها يُقاس عقيدة الآخرين من القوم الذين لم يُمارسوا السياسة، ولم يستلموا الزعامة الدينية، ولم يتسلطوا على البلاد التي يسكنها كثير من السنيين الذين يحتاجون إلى المداهنة والمراعاة. وأما الطعن في عثمان ذي النورين رضي الله عنه، واللعن عليه وعلى أعماله، فإنها أمور لا تحتاج إلى البيان، وخصوصاً بعد ما ذكرناه في الباب الأول والثاني من المثالب والمطاعن المنقولة من كتب القوم أنفسهم، بذكر الصفحات والمجلدات. ومن أراد الاستزادة، فليرجع إليهما، وإلى كتابنا (الشيعة والسنة) و (الشيعة وأهل البيت). والجدير بالذكر، أن كتب الشيعة الإثني عشرية، لا يخلو كتاب من ¬

(¬1) كشف الأسرار ص 120،119.

كتبهم سواء كان في التفسير أو الحديث أو التاريخ أو السيرة أو الرجال أو الكلام أو العقائد أو غير ذلك، من نفس المطاعن التي كان يرددها السبئيون ضد عثمان رضي الله عنه وحكومته وعماله، لا فرق بين هؤلاء وأولئك، إلا الإضافات والزيادات التي اختارها شيعة اليوم، ولم تكن معروفة أيام السبئية. وأما الوصاية والغَيْبة والرجعة التي نادى بها عبد الله بن سبأ وشلته، وكذلك العقائد الأخرى المنافية للإسلام، والأجنبية على المسلمين، والمرّوجة من قبل اليهودية والمجوسية، من اتصاف الخلق بأخلاق الخالق، وتأليه العباد، والحلول، والاتحاد، والتناسخ، وجريان النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ونزول الوحي على أحد، وإتيان الكتاب وغيرها من الأمور، هي عين تلك العقائد التي انتقلت إلى شيعة اليوم، وإلى الشيعة الإثني عشرية خاصة. وعلى ذلك قال كبير الشيعة في الرجال، المامقاني في كتابه (تنقيح المقال): " إن ما كان يُعد يومئذ غلواً، صار يُعد الآن من ضروريات المذهب " (¬1). وصحيح ما قاله الماقماني، فإنه لم يكن يُعرف هذه الأمور في التشيع الأول لدى الشيعة الأولى، فإن القوم أخذوها من السبئية، وجعلوها عقائد لهم ومعتقدات، وملئوا بها كتبهم ورسائلهم، فقالوا: إن علياً رضي الله عنه كان وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلقوا لذلك روايات موضوعة كثيرة، منها ما رواه الكليني في كافيه عن جعفر أنه قال: " كان حيث طلقت آمنة بنت وهب، وأخذها المخاض بالنبي صلى الله عليه وآله، ¬

(¬1) تنقيح المقال للمامقاني نقلاً عن هامش المنتقي للذهبي ص 193.

حضرتها فاطمة بنت أسد، امرأة أبي طالب فلم تزل معها حتى وضعت، فقالت أحداهما للأخرى: هل ترين ما أرى؟. قالت: هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب. فبينما هما كذلك، إذ دخل عليهما أبو طالب فقال لهما: مالكما، من أي شيء تعجبان؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي رأت، فقال لها أبو طالب: ألا أبشرك؟ فقالت: بلى، فقال: أما إنك ستلدين غلاماً يكون وصي هذا المولود " (¬1). وأيضاً ما اختلقوه، بأنه لما نزل قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين: " دعاهم رسول الله (ص) فأكلوا ولم يبين لهم في الطعام إلا أثر أصابعهم، وكانوا نحواً من أربعين رجلاً، وشربوا شنة من قدح، كفاهم جميعاً وزاد عنهم. فلما فرغوا، قال لهم في آخر كلامه: إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، فآيكم يؤازرني على أمري هذا، على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم؟ فسكتوا جميعاً، فقام عليّ (ع) وقال: أنا يا رسول الله أؤآزرك عليه، فأخذ رسول الله (ص) برقبته وقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع " (¬2). ثم قالوا بنفس ما قاله عبد الله بن سبأ، وبألفاظه كذباً على أبي جعفر محمد الباقر أنه قال: " وأيم الله، لقد نزل الروح والملائكة بالأمر في ليلة القدر على آدم. وأيم الله، ما مات آدم إلا وله وصي، وكل من جاء بعد آدم من الأنبياء قد ¬

(¬1) الروضة من الكافي للكليني ج 8 تحت عنوان إخبار أبي طالب بولادة علي، وأنه وصي النبي ص302. (¬2) الأرشاد المفيد ص 11، أعلام الورى للطبرسي ص 162، الصافي ج 2ص 227، تفسير القمي جزء 2ص 124، نور الثقلين ج 4 ص67، منهج الصادقين ج 6 ص487، أعيان الشيعة الجزء الأول ص 209.

أتاه الأمر فيه ووضع له وصياً من بعده. وأيم الله، إن كان النبي ليؤمر فما يأتيه من الأمر في تلك الليلة من آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله أن أوصي إلى فلان " (¬1). وعن جعفر أنه قال: " أوصى موسى عليه السلام إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع بن نون إلى ولده هارون ... فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد صلى الله عليه وآله. فلما بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وآله، أسلم له العقب من المستحفظين، وكذبه بنو إسرائيل، ودعا إلى الله عز وجل، وجاهد في سبيله. ثم أنزل الله عز وجل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيك، فقال: رب، إن العرب قوم جفاة، لم يكن فيهم كتاب، ولم يُبعث إليهم نبي، ولا يعرفون فضل نبوات الأنبياء عليهم السلام ولا شرفهم، ولا يُؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي. فقال الله جل ذكره: ولا تحزن عليهم، وقل سلام فسوف تعلمون. فذكر من فضل وصيه ذكراً، فوقع النفاق في قلوبهم، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك ما يقولون، فقال الله جل ذكره: يا محمد، ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فإنهم لا يكذبونك، ولكنك الظالمين بآيات الله يجحدون، ولكنهم يجحدون بغير حجة لهم. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتألفهم، ويستعين ببعضهم على بعض، ولا يزال يخرج لهم شيئاً في فضل وصيه، حتى نزلت هذه السورة، فاحتج عليهم حين علم بموته، ونعت إليه نفسه، فقال الله جل ذكره: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} يقول: إذا ¬

(¬1) كتاب الحجة ج 1 ص 250 ط. إيران.

فرغت فانصب علمك، وأعلن وصيك، فأعلمهم فضله علانية، فقال صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه - ثلاث مرات - ثم قال: لأبعثن رجلاً يحب الله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار يعرّض بمن رجع، ويجبّن أصحابه ويجبّنونه. وقال صلى الله عليه وآله: عليّ سيد المؤمنين. وقال: عليّ عمود الدين. وقال: هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحق بعدي. وقال: الحق مع عليّ أينما مال " (¬1). وعنه أيضاً أنه قال: " إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتاباً، لم ينزل على محمد صلى الله عليه وآله كتاب مختوم إلا الوصية، فقال جبرائيل عليه السلام: يا محمد، هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أي أهل بيتي يا جبرائيل؟ قال: نجيب الله منهم وذريته، ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم عليه السلام، وميراثه لعلي عليه السلام وذريتك من صلبه. قال: وكان عليه خواتيم، قال: ففتح علي عليه السلام الخاتم الأول ومضى لما فيها. ثم فتح الحسن عليه السلام الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها، فلما توفي الحسن ومضى، فتح الحسين عليه السلام الخاتم الثالث، فوجد فيها أن قاتل، فاقتل و ُتقتل، واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك. قال: ففعل عليه السلام. فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين عليه السلام قبل ذلك، ففتح الخاتم الرابع، فوجد فيها أن أصمت وأطرق لما حجب العلم. فلما توفي ومضى، دفعها إلى محمد بن علي عليه السلام، ففتح الخاتم الخامس، فوجد فيها أن فسّر كتاب الله، وصدّق أباك وورّث ابنك، واصطنع الأمة، وقم بحق الله عز وجل، ¬

(¬1) كتاب الحجة من الكافي ج 1 ص 293، 294.

الوصاية - روايات باطلة - الغيبة

وقل الحق في الخوف والأمن، ولا تخش إلا الله، ففعل. ثم دفعها إلى الذي يليه " (¬1). وأخيراً ما رواه عن أبي جعفر قال: " لما قضى محمد نبوته، واستكمل أيامه، أوحى الله تعالى إليه أن يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك، فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب، فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك، كما لم أقطعها من ذريات الأنبياء " (¬2). هذا عين ما قاله عبد الله بن سبأ والسبئية: أن يوشع بن نون وصي موسى، وعلي وصي رسول الله. وإن إمامة علي لفرض من الله عز وجل (¬3). الغيبة وأما القول بالغيبة والرجعة، فلقد تلقفه الشيعة من السبئية منذ تطور الشيعة وانقراض الشيعة الأولى، فلقد قالوا في كل من زعموا إمامته من علي رضي الله عنه إلى الغائب الموهوم الذي لم يولد. ولقد ذكرنا فيما مر من أقوالهم في واحد واحد من أئمتهم ونقتصر هاهنا على ما يقوله الشيعة الاثنا عشرية في غائبهم الموهوم، فيقولون: إنه ولد للحسن العسكري ولد، على اختلاف مقولاتهم في ذلك كما سبق ذكره في الباب السابق، ثم يقولون: أنه غاب عن الأعين، وله غيبتان: الغيبة الصغرى، والغيبة ¬

(¬1) أيضاً، باب إن الأئمة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلا بعهد من الله ج1 ص280 .. (¬2) أيضاً، باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين ج1 ص 293. (¬3) أنظر لذلك رجال الكشي ص 109 ط. كربلاء - العراق، فرق الشيعة للنوبختي ص 44،43 ط. النجف - العراق، تنقيح المقال للمامقاني ج2 ص 143ط. إيران وغيرها من الكتب.

الغيبة الكبرى والغيبة الصغرى - سفراء الغائب

الكبرى. كما كذبوا على جعفر أنه قال: " للقائم غيبتان، إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة. الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه " (¬1). وعنه أيضاً أنه قال: " لصاحب هذا الأمر غيبتان، إحداهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال: هلك، في أي واد سلك؟ قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: إذا ادعاها مدع، فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله " (¬2). وعن أبيه مثله (¬3) " أما غيبته الصغرى منهما، فهي التي كانت فيها سفراؤه موجودين، وأبوابه معروفين. لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي، فهم منهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمد بن علي بن بلال، وأبو عمر وعثمان بن سعيد السمان، وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، وعمر الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمد الوجناني، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمد بن إبراهيم في جماعة أخرى ربما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم. وكانت مدة هذه الغيبة، أربعاً وسبعين سنة. وكان أبو عمر وعثمان بن سعيد العمري باباً لأبيه وجده من قبل، وثقة لهما. ثم تولى الباقية من قبله، وظهرت المعجزات على يده. ولما مضى لسبيله، قام ابنه محمد مقامه رحمهما الله بنصه عليه. ومضى على منهاج أبيه في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع أو خمس وثلاثمائة. وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت، بنص أبي جعفر محمد بن عثمان ¬

(¬1) كتاب الحجة من الكافي ص 340، كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني ص 170 ط. مطبعة الصدوق طهران. (¬2) كتاب الحجة من الكافي ص 340. (¬3) كتاب الغيبة للنعماني ص 173.

تواقيع الإمام

عليه وأقامه مقام نفسه، ومات في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة. وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمد العمري بنص أبي القاسم عليه، وتوفي لنصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. فروي عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب أنه قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها علي بن محمد السمري، فحضرته قبل وفاته بأيام، فخرج وأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص لأحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد أن يأذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال: فانتسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده. فلما كان اليوم السادس، عدنا وهو بنفسه، فقيل له: من وصيك؟. قال: لله أمر هو بالغه، فقضى. فهذا آخر كلام سُمع منه. ثم حصلت الغيبة الطولى التي نحن في أزمانها، والفرج يكون في آخرها بمشيئة الله تعالى " (¬1). وأما أين يستقر غائبهم، وماذا يعمل. فيقولون إنه مستقر في سرداب سامراء، كما يروي القطب الراوندي " أن العباسيين بعثوا عسكراً، فلما دخلوا الدار، سمعوا من السرداب قراءة القرآن، فاجتمعوا على بابه وحفظوه حتى لا يصعد ولا يخرج، وأميرهم قائم حتى يصل العسكر كلهم، فخرج من السكة على باب السرداب ومر عليهم، فلما غاب، قال الأمير: ¬

(¬1) أعلام الورى للطبرسي ص 445.

أين الإمام

إنزلوا عليه، فقالوا: أليس هو قد مر عليك؟ فقال: ما رأيت، وقال: ولمَ تركتموه؟ قالوا: إنا حسبنا أنك تراه " (¬1). أو بالمدينة (¬2). أو في مكة (¬3). أو برضوى - الجبل الذي يقولون فيه أنه غاب فيه محمد بن الحنفية، كما نقلنا عن السيد الحميري شاعر الشيعة أنه قال: تغيب لا يرى فيهم زماناً ... برضوى عنده عسل وماء (¬4). ويقولون: في ذي طوى. كما يذكر النوري الطبرسي: أن للشيعة دعاءاً مشهوراً رووه عن الأئمة عليهم السلام، يُعرف بدعاء الندبة، أمروا بقرآءته في الأعياد الأربعة، وفيه ما يُخاطب به إمام زمانه الحجة عليه السلام: ليت شعري استقرت بك النوى ... بل أي أرض تقلك أو ثرى أبرضوى أم بغيرها، أم بذي طوى (¬5). أو في اليمن بواد يُقال له شمروخ (¬6). أو الجزيرة الخضراء (¬7). وأما الجزائري، فقد ذكر قصة طويلة غريبة عجيبة، أنه يذكر الجزر التي مسيرة مدتها سنة: " لا يوجد في أهل تلك الخطط والضياع غير المؤمن الشيعي الموحد، القائل بالبراءة والولاية .. سلاطينهم أولاد إمامهم، يحكمون ¬

(¬1) كتاب الخرائج للرواني نقلاً عن كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار للنوري الطبرسي ص 211ط. طهران، الفصول المهمة ص 293 ط منشورات الاعلمي طهران. (¬2) الكافي في الأصول، كتاب الحجة ج1 ص328، الفصول المهمة ص 292. (¬3) كشف الأستار ص 215. (¬4) فجر الإسلام لأحمد أمين ص 273. (¬5) كشف الأستار ص 215. (¬6) الأنوار النعمانية للجزائري ج 2 ص 65. (¬7) بحار الأنوار للمجلسي ج13 باب جزيرة الخضراء.

ماذا يعمل الإمام

بالعدل وبه يأمرون، ولو جمع أهل الدنيا لكانوا أكثر منها على اختلاف الأديان والمذاهب " (¬1). وكذلك يقولون: إنه في جابلقاء، أو في جابلساء، وغيرها من الخرافات. وأما ماذا يعمل، فيقولون: " إنه يشهد الموسم (الحج) فيراهم، ولا يرونه " (¬2). ويروون أن خادمة إبراهيم بن عبدة، قالت: " كنت واقفة مع إبراهيم على الصفا، فجاء عليه السلام حتى وقف على إبراهيم، وقبض على كتاب مناسكه، وحدثه بأشياء " (¬3). ويكذب آخر - وهو أبو عبد الله الصالح - فيقول: " إنه رآه عند الحجر الأسود والناس يتجاذبون إليه، وهو يقول: ما بهذا أمروا " (¬4). ويقول الآخر: " شاهدت سيماء (إسم رجل من أتباع السلطان) آنفا بسرّ من رأى وقد كسر باب الدار، فخرج عليه وبيده طبرزين، فقال له: ما تصنع في داري؟ فقال سيماء: إن جعفراً زعم أن أباك مضى ولا ولد له، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك، فخرج عن الدار " (¬5). ويحكي الآخر: " كنت حاجاً مع رفيق لي، فوافينا إلى الموقف، فإذا بشاب قاعد عليه ¬

(¬1) أنظر الأنوار النعمانية لمحدّث الشيعة الجزائري، باب نور في ولادة عليه السلام ج2 ص 58 وما بعد. (¬2) الأصول من الكافي، كتاب الحجة، باب في الغيبة ج 1 ص 338. (¬3) أيضاً، باب في تسمية من رآه ص 331. (¬4) أيضاً. (¬5) أيضاً.

إزار ورداء، وفي رجليه نعل صفراء، قومت الإزار والرداء بمائة وخمسين ديناراً، وليس عليه أثر السفر، فدنا منا سائل فردناه، فدنا من الشاب، فسأله، فحمل شيئاً من الأرض وناوله، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال، فقام الشاب وغاب عنا. فدنونا من السائل، فقلنا له: ويحك، ما أعطاك؟ فأرانا حصاة ذهب مضرسة، قدرناها عشرين مثقالاً، فقلت لصاحبي: مولانا ونحن لا ندري. ثم ذهبنا في طلبه، فدرنا الموقف كله، فلم نقدر عليه، فسألنا كل من حوله من أهل مكة والمدينة، فقالوا: شاب علوي، يحج في كل سنة ماشياً " (¬1). ثم يحكون وينسبونه إلى علي الرضا أنه قال: " لا يُرى جسمه، ولا يُسمى اسمه " (¬2). كما نقلوا عن الحسن العسكري أنه قال: " إنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه، قيل: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا، الحجة من آل محمد " (¬3). ويقول الأربلي: " إنه حي موجود، يحل ويرتحل، ويطوف في الأرض ببيوت وخيم وخدم وحشم وإبل وخيل وغير ذلك " (¬4). ثم حكى قصة، أن شمس الدين الهرقلي قال: " حكى لي والدي أنه خرج فيه - وهو شاب - على فخذه الأيسر توثة (بثرة متقيحة) مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كل ربيع تشقشق، ويخرج منها دم وقيح، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله، وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلة يوماً، ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين على بن ¬

(¬1) أيضاً ص 332. (¬2) أيضاً ص 333. (¬3) أيضاً باب النهي عن الإسم ص 332،333. (¬4) كشف الغمة للأربلي ج3 ص283.

طاووس رحمه الله، وشكا إليه ما يجده منها، وقال: أريد أن أداويها، فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع، فقالوا: هذه التونة فوق العرق الأكحل، وعلاجها خطر، ومتى قطعت، خيف أن يُقطع العرق فيموت. فقال له السعيد رضي الدين قدس روحه: أنا متوجه إلى بغداد، وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء، فاصحبني. فأصعد معه، وأحضر الأطباء، فقالوا كما قال أولئك، فضاق صدره. فقال له السعيد: إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب، وعليك الاجتهاد في الاحتراس، ولا تغرر بنفسك، فالله تعالى قد نهى عن ذلك، ورسوله. فقال له والدي: إذا كان الأمر على ذلك، وقد وصلت إلى بغداد، فأتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى، على مشرفة السلام. ثم أنحدر إلى أهلي، فحسن ذلك. فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجه. قال: فلما دخلت المشهد، وزرت الأئمة عليهم السلام ونزلت السرداب، واستغثت بالله تعالى وبالإمام عليه السلام، وقضيت بعض الوقت في السرداب، وبت في المشهد إلى الخميس، ثم مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً، وملئت إبريقا كان معي، وصعدت أريد المشهد. فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم. فحسبتهم منهم، فالتقينا. فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط، وكل واحد منهم متقلد بسيف، وشيخاً بيده رمح والآخر متقلد بسيف، وعليه فرجية ملونة فوق السيف، وهو متحنك بعذبته. فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق، ووضع كعب في الأرض، ووقف الشابان عن يسار الطريق، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي، ثم سلموا عليه، فردّ عليهم السلام. فقال له صاحب الفرجية: أنت غداً تروح إلى أهلك؟ فقال: نعم، فقال له:

تقدم حتى أبصر ما يوجعك. قال: فكرهت ملامستهم وقلت في نفسي: أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول. ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده ومدني إليه، وجعل يلمس جانبي من كتفي، إلى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني، ثم استوى في سرجه كما كان. فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل. فعجبت من معرفته بإسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله. قال: فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام. فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه. ثم أنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه، فقال: ارجع، فقلت: لا أفارقك أبداً. فقال: المصلحة رجوعك. فأعدت عليه مثل القول الأول. فقال الشيخ: يا إسماعيل، ما تستحي يقول لك الإمام مرتين إرجع وتخالفه؟ فجبهني بهذا القول، فوقفت. فتقدم خطوات والتفت إلي وقال: إذا وصلت بغداد، فلا بد أن يطلبك أبو جعفر، يعني الخليفة المستنصر رحمه الله، فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضى ليكتب لك إلى علي بن عوض، فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد. ثم سار وأصحابه معه. فلم أزل قائماً أبصرهم، إلى أن غابوا عني، وحصل عندي أسف لمفارقته. فقعدت إلى الأرض ساعة، ومشيت إلى المشهد. فاجتمع القوم حولي، وقالوا: نرى وجهك متغير، أوجعك شيء؟ قلت: لا. قالوا: أخاصمك أحد؟. قلت: لا، ليس عندي مما تقولون خبر، لكن أسألكم، هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟. فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم. فقلت: لا، بل هو الإمام عليه السلام. فقالوا: الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟ فقلت: هو صاحب الفرجية. فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟ فقلت: هو قبضه بيده وأوجعني، ثم كشف رجلي

حكايات وخرافات ... الرجعة

فلم أر لذلك المرض أثراً، فداخلني الشك من الدهش، فأخرجت رجلي الأخرى فلم أرَ شيئاً " (¬1). كما حكى، أن أبا عطوة، كان به أدرة، وكان زيدي المذهب، وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الإمامية، ويقول: لا أصدقكم ولا أقول بمذهبكم حتى يجيء صاحبكم - يعني المهدي - فيبرئني من هذا المرض، وتكرر هذا القول منه، فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة، إذا أبونا يصيح ويستغيث بنا، فأتيناه سراعاً، فقال: ألحقوا صاحبكم، فالساعة خرج من عندي. فخرجنا، فلم نرَ أحداً، فعدنا إليه، وسألناه، فقال: أنه دخل إليّ شخص، وقال: يا عطوة، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا صحب بنيك، قد جئت لأبرئك مما بك. ثم مد يده فعصر قروتي ومشى، ومددت يدي فلم أر لها أثراً. قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به قلبه. واشتهرت هذه القصة، وسألت عنها غير ابنه، فأخبر عنها، فأقرّ بها. والأخبار عنه عليه السلام في هذا الباب كثيرة. وأنه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز وغيرها، فخلصهم، وأوصلهم إلى حث أرادوا " (¬2). فهذا هو غائبهم، وهذه هي الأساطير والقصص التي يحكونها عنه غيبته. الرجعة وأما الرجعة، فقال بها الشيعة الإثني عشرية طبق ما قاله عبد الله بن سبأ. بفرق أنه قال في علي رضي الله عنه، وهؤلاء قالوا في معدومهم. والجدير بالذكر، أن هذه العقيدة من العقائد التي فشت وانتشرت في جميع ¬

(¬1) كشف الغمة للأربلي ج3 ص 283، 284، 285، منتهى الآمال للعباس القمي ص 1244. (¬2) كشف الغمة للأربلي ج3 ص 287.

فرق الشيعة في مختلف العصور غير الشيعة الأولى، كما ذكرناها في الأبواب السابقة. ثم لم يكتف الشيعة الاثنا عشرية بالقول إن معدومهم الغائب هو الذي سيرجع، بل قالوا أكثر من ذلك، وهو أنه يرجع ويرجع الآخرون من الشيعة وأئمتهم وأعدائهم حسب زعمهم. وهناك روايات وأكاذيب لا ُتعد ولا ُتحصى في هذا المعنى. وقد صنفت في هذا الخصوص كتب مستقلة عديدة. فنختار من الأساطير المضحكة والقصص المبكية أخباراً قليلة، لوضع النقاط على الحروف، ولتمييز الحقائق عن أن القوم ماذا يقولون، وماذا يعتقدون. وإلى أي حد ينقمون قوم رسول الله وقبيلته، أصحابه وأزواجه، أمته وشريعته التي جاء بها من الله عز وجل، والقرآن الذي نزل عليه، والأمر الذي أعطاه متبعيه والمؤمنين به. عقيدة الشيعة التي توارثها من اليهودية وعملاء عبد الله بن سبأ وطائفته، وتناقلوها جيلاً بعد جيل. والتي قال عنها كبيرهم وخاتمة محدثيهم الملا باقر المجلسي صاحب (بحار الأنوار) بعد سرد الأخبار الكثيرة عن الرجعة: " اعلم يا أخي، أني لا أظنك ترتاب بعد ما مهدّت وأوضحت لك بالقول في الرجعة التي أجمعت عليها الشيعة في جميع الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار ... وكيف يشك مؤمن بأحقية الأئمة الأطهار فيما تواترت عنهم من مائتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم " (¬1). فيروي القوم عن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه قال: ¬

(¬1) بحار الأنوار للمحلسي ج13 ص225 الطبعة الأولى.

من يكون المهدى

" لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم، حتى يخرج رجل من ولدي فيملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلما " (¬1). وكذبوا على نبي الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: القائم من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي. يقيم الناس على ملتي وشريعتي، يدعوهم إلى كتاب الله ربي. من أطاعه أطاعني، ومن عصاه عصاني، ومن أنكر غيبته فقد أنكرني، ومن كذبه فقد كذبني، ومن صدقه فقد صدقني. إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره، والجاحدين لقولي في شأنه، والمضلين لأمتي عن طريقته. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " (¬2) من يكون المهدي؟ فلقد كذب الشيعة على الحسن بن علي رضي الله عنهما. أنه لما صالح معاوية، دخل عليه الناس، فلامه بعضهم على بيعته، فقال: "ويحكم، ما تدرون ما علمت، والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أني إمامكم، ومفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة، بنص رسول الله عليّ؟ قالوا: بلى، قال: أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار كان ذلك سخطاً لموسى، إذ خفى عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان عند الله تعالى ذكره حكمه وصواباً؟ أما علمتم أنه ما ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فإن الله عز وجل يخفي ولادته، ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد عنقه بيعة إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين بن ¬

(¬1) أعلام الورى للطبرسي ص 427. (¬2) أيضاً ص425.

منزلته وشأنه

سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير " (¬1). ومثل ذلك ما رووه عن جعفر أنه قال: " من أقرّ بجميع الأئمة وجحد المهدي، كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء وجحد محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبوته. فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟ قال: الخامس ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته " (¬2). منزلته وشأنه ورووا في مقامه وشأنه عن علي بن الحسين أنه قال: " في القائم منا سنن من ستة من الأنبياء عليهم السلام، سنة نوح، وسنة من إبراهيم، وسنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من أيوب، وسنة من محمد. فأما من نوح، فطول في العمر، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسى فالخوف والغيبة، وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى، وأما من محمد فالخروج بالسيف ... .والقائم منا تخفى على الناس ولادته حتى يقولوا: لم يُولد بعد ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة .. ومن ثبت على موالاتنا في غيبته، أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر " (¬3). وأيضاً كما روى النعماني في (غيبته) أنه قال بأن مهديهم يكون ¬

(¬1) أعلام الورى للطبرسي ص 427. (¬2) أعلام الورى للطبرسي ص 429. (¬3) أعلام الورى للطبرسي ص 428،427.

متى يرجع المهدي

مسنداً ظهره إلى بيت الحرام ويقول: " أنا بقية من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة محمد " (¬1). ويقول: " أنا بقية الله وخليفته وحجته عليكم " (¬2). ويكون جبرائيل بين يديه (¬3). ويقولون: نظر موسى بن عمران في السفر الأول إلى ما يُعطى قام آل محمد من التمكين والفضل، فقال: رب اجعلني قائم آل محمد، فقيل له: إن ذاك من ذرية أحمد. ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك، فقال مثله، فقيل له مثل ذلك. ثم نظر في السفر الثالث، فرأى مثله، فقال مثله، فقيل مثله (¬4). ومتى يرجع؟ فيروي الكليني في كافيه عن الأصبغ بن نباتة، أنه قال: " أتيت أمير المؤمنين عليه السلام، فوجدته متفكراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، مالي أراك متفكراً تنكت الأرض، أرغبة منك فيها؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما مُلئت جوراً وظلما، تكون له غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام، ويهتدي فيها آخرون، فقلت: يا أمير المؤمنين، وكم تكون له الحيرة والغيبة؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست ¬

(¬1) كتاب الغيبة للنعماني، أيضاً بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص 179. (¬2) الفصول المهمة ص 322. (¬3) كتاب الغيبة للطوسي ص 274. (¬4) كتاب الغيبة للنعماني ص 240.

أضاليل وأباطيل

سنين. قلت: وإن هذا لكائن؟ فقال: نعم كما أنه مخلوق وأنى بهذا الأمر يا أصبغ أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة " (¬1). وروي أيضاً عن أبي جعفر أنه قال: " يا ثابت، إن الله تعالى قد كان وقت هذا الأمر في سبعين، فلما أن قتل الحسين صلوات الله عليه، إشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض، فأخره إلى أربعين ومائة، فحدثناكم فأذعتم الحديث، فكشفتم قناع الستر، ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتاً عندنا، ويمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب " (¬2). وروى ابنه جعفر أنه قال: "وقد كان لهذا الأمر وقت كان في سنة أربعين ومائة، فحدثتم به وأذعتموه فأخّره الله عز وجل " (¬3). ورووا عن أبي جعفر أنه قال: " ليس بين القائم عليه السلام وقتل النفس الزكية أكثر من خمس عشرة ليلة " (¬4). وذكر أيضاً رواية عن ابنه جعفر أنه قال: " إذا هدم حائط مسجد الكوفة مما يلي دار ابن مسعود، فعند ذلك زوال ملك القوم، وعند زواله خروج القائم " (¬5). والمعروف أن النفس الزكية قتل، ومضى على قتله آلاف الليالي، كما هدم حائط مسجد الكوفة، وقد مضى على هدمه مئات السنين، ولكن لم يكن لموهوم أن يخرج. ¬

(¬1) الأصول من الكافي، كتاب الحجة ج 1 ص 338. (¬2) الأصول من الكافي ج 1 ص368. (¬3) كتاب الغيبة للنعماني ص 292 ط. طهران. (¬4) الإرشاد للمفيد ص 260. (¬5) أيضاً.

ورووا عن إسحاق بن عمار أنه قال: " قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا إسحاق، إن هذا الأمر قد أخّر مرتين " (¬1). وهكذا كان الشيعة يعللون بالأماني بخروج قائمهم ورجوع مهديهم، كما أقرّ بذلك إمامهم السابع موسى بن جعفر. كما رواه الكليني في (كافيه) والنعماني (¬2) في (غيبته) كي لا يرجع الشيعة عن تشيّعهم، فهذا هو النص: " عن يقطين، أنه قال لابنه علي بن يقطين: ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن - يعني أمر بني العباس -؟ فقال له علي: إن الذي قيل لكم ولنا من مخرج واحد، غير أن أمركم حضر (وقته) فأعطيتم محضه فكان كما ما قيل لكم، وإن أمرنا لم يحضر، فعللنا بالأماني. ولو قيل لنا أن هذا الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة، لقست القلوب، ولرجع الناس عن الإسلام. ولكن قالوا: ما أسرعه وما أقربه، تألفاً لقلوب الناس وتقريباً للفرج " (¬3). ولقد نقل الجزائري عن المجلسي، أنه كان يرى وقت خروجه أيام الدولة الصفوية، مستدلاً من الأحاديث الثلاثة، فهذه هي عبارته: " إعلم أنه قد وردت أخبار مجملة، وقد نقلها الأصحاب على إجمالها ¬

(¬1) كتاب الغيبة للنعماني ص 295،294. (¬2) " هو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني، وقد كان من كبار محدّثي الإمامية في أوائل القرن الرابع. وإنه من تلامذة ثقة الإسلام محمد بن إسحاق بن يعقوب الكليني، كان مؤلفاً جيد النظر، حسن الإستنباط، وافر السهم في معرفة الرجال وأحاديثهم. ومن أهم مؤلفاته كتاب الغيبة. قال فيه النجاشي: النعماني شيخ من أصحابنا، عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة، كثير الحديث " (مقدمة كتاب الغيبة ص 11، 12) (¬3) الكافي للكليني كتاب الحجة، باب كراهية التوقيت ج 1 ص369، كتاب الغيبة للنعماني 295،296 - واللفظ له.

ولم يتعرضوا لبيان معناها، وذلك أنها أخبار متشابهة، يجب علينا الإذعان لها من باب التسليم. ولما انتهت النوبة إلى شيخنا المحقق رئيس المحدثين وخاتمة المجتهدين المولى المجلسي صاحب كتاب بحار الأنوار أدام الله أيام إفاداته، وأجزل في الآخرة مثوباته وسعادته، توجه إلى إيضاحها وتفسيرها، وطبق بعضها على وقت تعيين ظهور الدولة الصفوية أعلى الله منار بنيانها، وشيّد رفيع أركانها. وطبق البعض الآخر على تعيين وقت ظهور مولانا صاحب الزمان عليه ألف سلام، فلننقل تلك الأخبار على وجهها، ثم نذكر ما أفاده سلمه الله تعالى من البيان والإيضاح. الحديث الأول: ما رواه الشيخ الأجلّ المحدّث محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة بسنده إلى أبي خالد الكابلي عن الباقر عليه السلام أنه قال: كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق، يطلبون الحق فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيُعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء. قال أدام الله أيامه، أنه لا يخفى على أهل البصائر أنه لم يخرج من المشرق سوى أرباب السلسلة الصفوية، وهو الشاه إسماعيل أعلى الله مقامه في دار المقامة. وقوله عليه السلام، لا يدفعونها إلا إلى صاحبكم: المراد به القائم عليه السلام. فيكون في هذا الحديث إشارة إلى اتصال دولة الصفوية بدولة المهدي عليه السلام، فهم الذين يسلمون الملك له عند نزوله بلا نزاع وجدال. الحديث الثاني: ما رواه النعماني أيضاً في ذلك الكتاب بإسناد معتبر إلى الصادق عليه السلام، قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام يحدّث في الوقائع التي تجري بعده إلى ظهور المهدي عليه السلام، فقال له الحسين عليه السلام: يا أمير المؤمنين، في أي وقت يطّهر الله الأرض من

الظالمين؟ فقال عليه السلام: لا يكون هذا حتى تراق دماء كثيرة على الأرض بلا حق. ثم إنه عليه السلام فصل أحوال بني أمية وبني العباس في حديث طويل إختصره الراوي، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا قام القائم بخراسان، وغلب على أرض كوفان وملطان، وتعدى جزيرة بني كاوان، وقام منها قائم بجيلان، وأجابته الأبر والديلم، وظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار والحرمات، وكانوا بين هنات وهنات، إذا خربت البصرة، وقام أميرالأمرة، فحكى عليه السلام حكاية طويلة، ثم قال: إذا جهزت الألوف، وصفت الصفوف، وقتل الكبش الخروف، هناك يقوم الآخر، ويثور الثائر، ويهلك الكافر. ثم يقوم القائم المأمول، والإمام المجهول له الشرق والفضل، وهو من ولدك يا حسين لا إبن مثله، يظهر بين الركنين في ذر يسير يظهر على الثقلين ولا يترك في الأرض الأدنين، طوبى لمن أدرك زمانه ولحق أوانه وشهد أيامه. قال ضاعف الله أيام سعادته: جزيرة بني كاوان جزيرة حول البصرة، وأهل الأبر جماعة في قرب أسترآباد، والديلم هم أهل قزوين وماوالاها، والحرمات الأمكنة الشريفة، قوله هنات وهنات أي حروب عظيمة ووقائع كثيرة في وقت خراب البصرة، والمراد بالقائم المأمول هو المهدي عليه السلام، والمراد بالركنين، ركنا الكعبة، وهو الركن والحطيم، الذي هو محل خروجه عليه السلام. وقوله ذر يسير المراد به الجماعة القليلة، وهم شهداء بدر. وقوله يظهر على الثقلين، يعني به أنه عليه السلام، يغلب على الجن والإنس، سميا به لأنهما يثقلان الأرض بالإستقرار فوقها، أو لأنهما أشرف المخلوقات السفلية، والعرب تسمى الشريف ثقلاً لحلمه ورزانته. وقيل إنما سميا به، لأنهما قد ثقلا بالتكليف، فهما ثقلان بمعنى مثقلان. وقوله الأدنين جمع أدنى، وهم أراذل الناس وأدناهم. والمراد بهم

الظالمون الكافرون. ثم قال سلمه الله تعالى: الظاهر أن المراد بأهل الخروج من خراسان هم أمراء الترك، مثل جنكيزخان، وهولاكوخان. والمراد بالخارج من جيلان هو الشاه المؤيد الشاه إسماعيل، ومن ثم أضافه عليه السلام إلى نفسه وسماه ولده. والمراد بأمير الأمرة، إما ذلك السلطان المذكور أو غيره من السلاطين الصفوية. وقوله وقتل الكبش الخروف، الظاهر أنه إشارة إلى المرحوم صفي الدين ميرزا، فإن أباه وهو المرحوم الشاه عباس الأول قد قتله. وقوله يقوم الآخر، المراد به المرحوم الشاه صفي، فإنه أخذ دمه، وأول من قتله هو الذي باشر قتل أبيه صفي ميرزا. وقوله عليه السلام ثم يقوم القائم المأمول إشارة أيضاً إلى اتصال الدولة الصفوية بالدولة المهدوية على صاحبها السلام. الحديث الثالث: رواه الشيخ الأجلّ محمد بن مسعود العياشي، وهو من ثقات المحدّثين في كتاب التفسير عن أبي لبيد المخزومي عن الباقر عليه السلام، بعدما ذكر ملك شقاوة بني العباس، قال: يا أبا لبيد، إن حروف القرآن المقطعة لعلماً جماً، إن الله تعالى أنزل ألم ذلك الكتاب، فقام محمد صلى الله عليه وآله حتى ظهر نوره، وثبتت كلمته، وولد يوم ولد وقد مضى من الألف السابع مائة سنة وثلث سنين. ثم قال: وتبيانه في كتاب الله في الحروف المقطعة إذا عددتها من غير تكرار، وليس من الحروف المقطعة حرف ينقضي إلا وقيام قائم من بني هاشم عند انقضائه. ثم قال: الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فذلك مائه وواحد وستون. ثم كان بدء خروج الحسين بن علي عليه السلام ألم الله، فلما بلغت مدته، قام قائم ولد العباس عند المص. ويقوم قائمنا عند انقضائها بالر. فافهم ذلك، وعه واكتمه. قال ذلك المحقق أيده الله تعالى: قوله عليه السلام من الألف

السابع المراد به من ابتداء خلق أبينا آدم عليه السلام. ثم قال أيده الله تعالى: إن هذا الحديث في غاية الإشكال، وقد ذكرنا له وجوهاً في كتاب بحار الأنوار، ولنذكرهنا وجهاً واحداً، ولكنه مبني عل تمهيد مقدمة، وهي أن المعلوم من كتب الحساب المعتبرة، أن حساب أبجد له اصطلاحات مختلفة، ومناط حساب هذا الحديث على اصطلاح أهل المغرب، وقد كان شائعاً بين العرب في الأعصار السابقة، وهو هذا صعفض قرست ثخذ ضغش. فالصاد عندهم ستون، والضاد تسعون، والسين ثلثمأة، والظاء ثمانمأة، والغين تسعمأة، الشين ألف. وباقي الحروف على موافقة المشهور. إذا عرفت هذه المقدمة، فاعلم أن تاريخ ولادة نبينا صلى الله عليه وآله، يظهر من جميع فواتح السور، ولكن باسقاط الحروف المكررة، مثلاً ألم والر وحم، وغيرها من المكررات، لا يُؤخذ منه الحساب إلا واحد. وكذلك الحروف المبسوطة مثل ألف را، لا يُحسب منه إلا ثلاثة، وكذا لام را ونحو ذلك، وحينئذ فألف لام ميم، ألف لام ميم، صاد ألف لام، را ألف لام، ميم را، كاف ها يا عين صاد، طا ها، طا سين، يا سين، صاد حا ميم، عين سين قاف قاف نون. إذا عددت حروفها تكون مئة وثلثاً من وقت خلق أبينا آدم عليه السلام إلى وقت ولادة النبي صلى الله عليه وآله يكون على وفق هذا الحديث ستة آلاف سنة ومئة وثلاثون (ثلث سنين ظ) والأول من كل ألف سنة تاريخ، وأول كل سابع من آلاف مائة وثلاث يكون قد مضت. وعدد هذه الحروف أيضاً يكون مأة وثلاثة على ما عرفت، فيكون ألم الذي في أول سورة البقرة، إشارة إلى مبعث نبينا صلى الله عليه وآله، وقوله عليه السلام وليس حرف ينقضي إلا وقيام قائم من بني هاشم عند انقضائه واضح على هذا. وذلك أول دولة بني هاشم

ابتداؤها من عبد المطلب. ومن ظهور دولة عبد المطلب إلى ظهور دولة نبينا صلى الله عليه وآله إحدى وسبعين سنة تقريباً عدد ألم بحساب أبجد على ترتيب القرآن بعد ألم البقرة وألم آل عمران، وهو إشارة إلى خروج الحسين عليه السلام. فإنه من ابتداء رواج دولة النبي صلى الله عليه وآله إلى وقت خروج الحسين عليه السلام إحدى وسبعون سنة تقريباً. وأيضاً بحسب ترتيب سور القرآن، ألمص، وهو إشارة إلى خروج بني العباس، فإنهم من بني هاشم أيضاً، وإن كانوا غير محقين في أمر الخروج. وبحساب أبجد على طريق المغاربة مئة وواحد وثلاثون، ومن أول بعثة النبي صلى الله عليه وآله إلى وقت ظهور دولتهم مئة وواحد وثلاثون، وإن كان إلى زمان بيعتهم أكثر. ويحتمل أن يكون ابتداء هذا التاريخ من وقت نزول سورة الأعراف فيكون مطابقاً لوقت بيعتهم وعلى حساب ألمص على طريق المغاربة. يبني الحديث المروي في كتاب معاني الأخبار وسنذكره إن شاء الله تعالى. وأما كون قيام القائم عليه السلام مبنياً على حساب ألر، فالذي يخطر بخاطري أن الرقد وقع في القرآن في خمسة مواضع، وينبغي لبيانه كما تعرض لبيان ألم ومجموعة ألف ومئة وخمس وخمسون سنة تقريباً، من سنة تحرير هذه الرسالة، وهو سنة ألف وثمان وسبعون من الهجرة، فيكون قد بقى من وقت خروجه عليه السلام (سبعة وسبعون ظ) خمس وستون سنة لما كان مبدأ هذه التواريخ من أوائل البعثة، هذا محصل كلامه سلمه الله تعالى " (¬1). وقد مضى خمس وستون سنة وسبع وسبعون سنة وأكثرعلى ذلك ¬

(¬1) الأنوار النعمانية لنعمت الله الجزائري ص 76 إلى 80.

كيف يرجع المهدى وأين يرجع

الوقت، ولم يأن لقائمهم أن يرجع، وليس لمعدوم أن يوجد. وما أحسن ما قاله قائل: ما آن للسرداب أن يلد الذي ... صيرتموه بزعمكم إنسانا فعلى عقولكم العفاء فإنكم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا كيف يرجع، وأين يرجع؟ فيعتقد القوم أن جعفراً قال: " ينادى بإسم القائم في يوم ستة وعشرين من شهر رمضان، ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي (ع) لكأني به يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام، جبرئيل بين يديه ينادي بالبيعة له، فتسير شيعته من أطراف الأرض تطوي لهم طياً، حتى يبايعوه، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً " (¬1). ثم بيّنوا كيف يجتمع الشيعة للقائم، فقالوا: " إذا أذن الإمام، دعا الله بإسمه العبراني (¬2) فأتيحت (فانتخب) له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر، قزع كقزع الخريف، فهم أصحاب الألوية. منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح في مكة، ومنهم من يُرى يسير في السحاب نهاراً يُعرف بإسمه وإسم أبيه وحليته ونسبه. قلت: جعلت فداك، أيهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً ... وهم المفقودون، وفيهم نزلت هذه الآية {أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} " (¬3). ويروي الطوسي شيخ الطائفة: " ينادي منادي من السماء بإسم القائم، فيسمع من بين الشرق ¬

(¬1) أعلام الورى للطبرسي ص 459، ومثله في الإرشاد للمفيد ص 362،361. (¬2) ألا تدل هذه اللفظة على معنى متوارث عن القوم الذين يتكلمون بالعبرانية؟. (¬3) الغيبة للنعماني ص 169 نقلاً عن كتاب تاريخ ما بعد الظهور ص 373،372.

والغرب، فلا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت. وهوصوت جبرئيل الروح الأمين (¬1) وزاد النعماني: " فلا يبقى شيئ من خلق الله فيه إلا سمع الصيحة، فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره، وتخرج الأذراع من خدرها، ويخرج القائم مما يسمع، وهو صيحة جبرئيل " (¬2). وقد رووا عن المفضل بن عمر أنه قال: " قلت لجعفر بن الباقر: ففي أي بقعة يظهر المهدي؟ قال: لا تراه عين وقت ظهوره إلا رأته كل عين، وذلك أنه يغيب آخر يوم من سنة ست وستين ومئتين، ولا تراه عين أحد حتى يراه كل أحد. ثم يظهر في مكة، ووالله يا مفضل كأني أنظر إليه داخل مكة وعليه بردة رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلى رأسه عمامته، وفي رجليه نعل رسول الله المخصوفة، وفي يده عصا النبي صلى الله عليه وآله يسوق بين يديه أعنزاً عجافاً، حتى يصل بها نحو البيت حتى لا يعرفه أحد. قال المفضل: يا سيدي، كيف يظهر؟ قال: يظهر وحده، ويأتي البيت وحده إلى الكعبة، ويجن عليه الليل، وإذا نامت العيون وغسق الليل، نزل جبرئيل وميكائيل والملائكة صفوفاً، فيقول له جبرئيل يا سيدي، قولك مقبول، وأمرك جار. فيمسح يده على وجهه ويقول الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين. ويقف بين الركن والمقام، ويصرخ صرخة، يا معشر نقبائي وأهل خاصتي ومن خلقهم الله لظهوري على وجه الأرض، إيتوني طائعين. فترد صيحته عليهم وهم في تجايرهم وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها. فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل، فيجيئون نحوه، ولا ¬

(¬1) الغيبة للنعماني ص 254. (¬2) كتاب الغيبة للطوسي ص 274.

يمضي لهم إلا كلمحة بصر، حتى يكونوا كلهم بين يديه بين الركن والمقام، فيأمر الله عز وجل بنور فيصير عموداً من الأرض إلى السماء، يستضيئ به كل مؤمن على وجه الأرض، ويدخل عليه نور في جوف بيته، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك وهو لا يعلمون بظهور قائمنا. ثم يصبحون وقوفاً بين يديه. وهم ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، يوم بدر " (¬1). ويقول وهومسند ظهره إلى الكعبة: " يا معشر الخلائق، ألا من أراد أن ينظر إلى آدم وشيث، فهاأنا ذا آدم وشيث، ألا من أراد أن ينظر إلى إبراهيم وولده إسماعيل، فهاأنا ذا إبراهيم وإسماعيل. ألا من أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون، فها أنا ذا عيسى وشمعون. ألا من أراد أن ينظر إلى محمد وأمير المؤمنين، فها أنا ذا محمد وأمير المؤمنين. ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين فها أنا ذا الحسن والحسين. ألا من أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين، فها أنا ذا الأئمة. أجيبوا مسألتي، فإني أنبئكم بما نبئتم به أو لم تنبئوا به، ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني. ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله لآدم وشيث، فتقول أمة آدم وشيث: هذه والله الصحف حقاً، ولقد رأينا ما لم نعلمه فيها وما كان أسقط منها وبدّل وحرّف. ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم حقا، ثم يقرأ التوراة والإنجيل والزبور، فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور: هذه والله التوراة الجامعة والإنجيل الكامل، وإنها أضعاف ما ترى فيها. ثم يتلو القرآن، فيقول المسلمون: هذا والله القرآن وما حرف وما بدل " (¬2). ويكون في صورة شاب مؤنق، إبن إثنتين وثلاثين سنة. كما كذبوا عن ¬

(¬1) الأنوار النعمانية ج2ص 82. (¬2) الأنوار النعمانية ص 84،83.

يرجع عند البيت - أول من يبايعه جبرائيل والملائكة

جعفر أنه قال: " لو قد قام القائم لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شاباً مؤنقاً لا يثبت عليه إلا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول، وفي رواية: القائم يعمر عمر الخليل عشرين ومائة سنة يدري به - ثم يغيب غيبة في الدهر، ويظهر في صورة شاب مؤنق إبن ثلاثين سنة " (¬1). فيبايعه أول من يبايعه جبرئيل كما روى الطوسي وغيره: " أن جبرائيل يأتيه، ويسأله ويقول له: إلى أي شيئ تدعو؟ فيخبره القائم. فيقول جبرئيل: فأنا أول من يبايع، ثم يقول له: مد كفك. فيمسح على يديه " (¬2). وذكر البحراني: أن جبرئيل ينزل على الميزاب في صورة طائر أبيض، حتى يكون أول من خلق الله جبرئيل. (¬3). وهذا مع قولهم: أتى جبرئيل (ع) إلى رسول الله (ص)، فقال: السلام عليك يا محمد، هذا آخر يوم أهبط فيه إلى الدنيا. وعن عطاء بن يسار، أن رسول الله (ص) لما حضر أتاه جبرئيل، فقال: يا محمد الآن أصعد إلى السماء، ولا أنزل إلى الأرض أبداً. وعن أبي جعفر (ع) قال: لما حضرت النبي الوفاة ... إلى أن قال: فعند ذلك قال جبرئيل: يا محمد، هذا آخر هبوطي إلى الدنيا، إنما كنت أنت حاجتي فيها. (¬4). ولا جبرئيل وحده، بل الملائكة الآخرون أيضاً كما روى الجزائري عن جعفر أنه قال: " إن القائم يسند ظهره إلى الحرم، ويمد يده فترى بيضاء من غير سوء، ¬

(¬1) كتاب الغيبة للطوسي ص 189. (¬2) أعلام الورى للطبرسي ص 460، 461، الإرشاد للمفيد ص 364، روضة الواعظين ج2 ص265، إكمال الدين لإبن بابويه القمي وغيره. (¬3) تفسير البرهان ج2 ص82. (¬4) كشف الغمة للأربلي ج1 ص19 نقلاً عن كتاب تاريخ مابعد الظهور ص 352.

فيقول: هذه يد الله ... ويكون أول من يقبل يده جبرئيل، ثم يبايعه الملائكة، ثم نجباء الجن، ثم نقباء المؤمنين " (¬1). ويُؤيد هذا، ما ذكره المفيد والطبرسي وابن الفتال والبحراني والنعماني وغيرهم كذباً على محمد الباقر أنه قال: " كأني بالقائم على نجف الكوفة، قد سار إليه من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرئيل عن يمينه، ميكئيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد " (¬2) ولا خمسة آلاف فقط، بل ينحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً، قلت: كل هؤلاء الملائكة؟ قال: نعم، الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقى في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل، والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه، وأربعة آلاف ملك كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله مسومين، وألف مردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين .. وأربعة آلاف هبطوا يريدون القتال مع الحسين (ع) فلم يُؤذن لهم في القتال .. وكل هؤلاء في الأرض، ينتظرون قيام القائم عليه السلام إلى وقت خروجه عليه صلوات الله والسلام" (¬3) وأورد مثل ذلك النعماني في كتاب (الغيبة) (¬4). وزاد على ذلك " أن الذي يحمل رايته يوم ذاك، يكون جبرئيل، ويكون عمودها من عمد عرش الله تعالى " (¬5). ¬

(¬1) الأنوار النعمانية ج2 ص83. (¬2) الإرشاد المفيد ص 362، أعلام الورى للطبرسي ص 460، روضة الواعظين للفتال ص 264، البرهان للبحراني ج2 ص82، ... كتاب الغيبة للنعماني ص 334. (¬3) كامل الزيارات لإبن قولويه ص 120. (¬4) ص 310،109. (¬5) أنظر كتاب الغيبة للنعماني ص 309.

ماذا يعمل بعد رجعته؟

" وأن أربعة الآلاف الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين فلم يُؤذن لهم، بقوا عند قبره شعثاً غبراً إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملك يُقال له منصور. فلا يزوره زائر إلا استقبلوه، ولا يودعه مودع إلا شيّعوه، ولا مريض إلا عادوه، ولا يموت ميت إلا صلوا عليه " (¬1). وماذا يعمل بعد رجعته؟ ومن أكاذيب الشيعة الشنيعة، والكره الذي توارثوه عن اليهودية والمجوسية الذين دُمرت شوكتهم، وقضى على سلطانهم وملكهم من قبل مسلمي العرب، وعلى أيدي قادتهم من قريش. ومن شدة نقمتهم وحسدهم وحقدهم، قالوا: إن القائم يبدأ أول ما يبدأ بقتل قريش وصلبهم، الأحياء منهم والأموات، ويضع في العرب السيف، فقالوا: " عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج، لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس، أما أنه لا يبدأ إلا بقريش، فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من الناس: هذا ليس من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم " (¬2). وروى المفيد والطبرسي عن جعفر أنه قال: " إذا قام القائم من آل محمد، أقام خمسمائة من قريش، فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعنقاهم، ثم خمسمائة أخرى، حتى يفعل ذلك ست مرات. قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: نعم، منهم ومن مواليهم " (¬3). ¬

(¬1) أيضاً ص 311. (¬2) أيضاً ص 233. (¬3) الإرشاد للمفيد ص 364، أعلام الورى للطبرسي ص 461، زمثله في كتاب الغيبة للنعماني ص 235.

يحيى الأموات ويقتل أصحاب النبي

وأيضاً أنه سيف قاطع بين العرب، وعلى العرب شديد، ليس شأنه إلا السيف، ولا يستتيب أحدا (¬1). ومثل ذلك ما رووه عن جعفر أيضاً أنه قال: " إذا خرج القائم، لم يكن بينه وبين قريش إلا السيف، ما يأخذ منها إلا السيف، وما يستعجلون بخروج القائم؟ ... وما هو إلا السيف، والموت تحت ظل السيوف " (¬2). فانظر الحقد والوتر على العرب عامة وعلى قريش خاصة. وهل هناك شك بعد ذلك في يهودية القوم ومجوسيتهم؟ أو تأسيس اليهودية وتكوين العنصر الإيراني عقائدهم ومعتقداتهم؟ وأخرج المجلسي في (البحار) عن جعفرأنه قال: " إن القائم يسير في العرب في الجفر الأحمر، قال (أي الراوي، وهو رفيد مولى ابن هبيرة) قلت: جعلت فداك، وما في الجفر الأحمر؟ قال: فأمرّ أصبعه على حلقه، قال: هكذا، يعني الذبح " (¬3). وروي أيضاً عنه أنه قال: " إنه يخرج موتوراً غضباً أسفاً ... يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل هوجاء. فأول ما يبدأ ببني شيبة، فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة، وينادي مناديه: هؤلاء سرّاق الله. ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف " (¬4). يحي الأموات ويقتل أصحاب النبي ولا يكتفي بقتل الأحياء منهم، ولا يروي عطشه دم هذا القدر من ¬

(¬1) كتاب الغيبة للنعماني ص 235. (¬2) كتاب الغيبة للطوسي ص 233،234. (¬3) بحار الأنوار للمجلسي ج13 ص 181. (¬4) كتاب الغيبة للنعماني ص 308.

الناس، بل يبدأ بالأموات - حسب أساطيرهم وأباطيلهم - فيحييهم ثم يقتلهم، كما ذكروا أنه في عصره يحيي يزيد بن معاوية وأصحابه فيُقتلون حذو القذة بالقذة. (¬1) وليس هذا فحسب، بل جازفوا في القول، حتى قالوا: " لو قام قائمنا، رد بالحميراء (أي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما) حتى يجلدها الحد، وينتقم لإبنة محمد صلى الله عليه وآله " (¬2). وأكثر من ذلك، بلغوا في اللؤم والخبث والحقد لحاملي رايات الإسلام، ومعلني كلمته، ومبلغي رسالته، ومدمري حضارة اليهود وشوكة المجوسية، إلى حد لم يتصوره العقل، ولم ترض به الإنسانية، فقالوا: " إن القائم قال: ألا أنبئك بالخبر. أنه إذا فقد الصبي، وتحرك المغربي، وسار العماني، وبويع السفياني، يأذن الله لي فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً سواء. فأجيئ إلى الكوفة، وأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأول، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة، وأحج بالناس حجة الإسلام. وأجيئ إلى يثرب، وأهدم الحجرة، وأخرج من بها وهما طريان، فآمر بهما تجاه البقيع، وآمر بالخشبتين يصلبان عليهما، فتورق من تحتها، فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولى، فينادي مناد من السماء: أبيدي، ويا أرض خذي. فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد خلص قلبه الإيمان. قلت: يا سيدي ما يكون بعد ذلك؟ قال: الكرة الكرة الرجعة " (¬3) ¬

(¬1) أنظر بحار الأنوار ج 13 ص219، تفسير العياشي ج2 ص282، البرهان ج2 ص 408، الصافي ج1 ص959. (¬2) تفسير الصافي ص 359 مجلد كبير. (¬3) الربهان في تفسير القرآن ج 2 ص407.

وذكر هذا الجزائري بالتفصيل والصراحة حيث قال: " إن المفضل بن عمر روى عن جعفر أنه قال: إن بقاع الأرض تفاخرت، ففخرت الكعبة على بقعة كربلاء، فأوحى الله عز وجل إليها أن اسكتي يا كعبة وما تفخري على كربلاء، فإنها البقعة المباركة التي قال فيها لموسى عليه السلام إني أنا الله، وهي موضع المسيح وأمه وقت ولادته، وإنها الدالية التي غسل بها رأس الحسين بن علي عليهما السلام، وهي التي عرج منها محمد صلى الله عليه وآله. وقال له المفضل: يا سيدي، يسير المهدي إلى أين؟ قال: إلى مدينة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب، يظهر فيه سرور المسلمين وخزي الكافرين. فقال المفضل: ياسيدي ماهو ذاك؟ قال: يرد إلى قبر جده فيقول يامعشر الخلائق هذا قبر جدي، فيقولون نعم يا مهدي آل محمد، فيقول ومن معه في القبر، فيقولون صاحباه (مصاحباه) وضجيعاه أبوبكر وعمر، فيقول عليه السلام، وهو أعلم الخلق من أبو بكر وعمر، وكيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعسى أن يكون المدفون غيرهما، فيقول الناس يا مهدي آل محمد، ما هاهنا غيرهما، وإنهما دفنا معه لأنهما خليفتاه وآباء زوجتيه، فيقول هل يعرفهما أحد؟ فيقولون نعم نحن نعرفهم بالوصف، ثم يقول هل يشك أحد في دفنهما هنا؟ فيقولون لا، فيأمر بعد ثلاثة أيام ويحفر قبرهما ويخرجهما، فيخرجان طريين كصورتهما في الدنيا، فيكشف عنهما أكفانهما، ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة، فيصلبهما عليها، فتتحرك الشجرة وتورق وترفع ويطول فرعها. فيقول المرتابون من أهل ولايتهما هذه والله الشرف حقاً، ولقد فزنا بمحبتهما وولايتهما. فينشر خبرهما فكل من بقلبه حبة خردل من محبتهما يحضر المدينة، فيفتنون بهما، فينادي مناد

المهدي عليه السلام هذان صاحبا رسول الله صلى الله عليه وآله فمن أحبهما فليكن في معزل، ومن أبغضهما يكن في معزل. فيتجزأ الخلق جزئين، موال ومعاد. فيعرض على أوليائهما البراءة منهما. فيقولون يا مهدي ما كنا نبرأ منهما وما كنا نعلم أن لهما عند الله هذه الفضيلة، فكيف نبرأ منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما وغضاضتهما وحياة الشجرة بهما , بل والله نبرأ منك وممن آمن بك وممن لا يؤمن بهما وممن صلبهما وأخرجهما وفعل ما فعل بهما. فيأمر المهدي عليه السلام ريحاً فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية، ثم يأمر بإنزالهما فينزلان، فيحييهما بإذن الله، ويأمر الخلائق بالاجتماع، ثم يقص عليهم قصص فعالهم في كل كور ودور، حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم، وجمع النار لإبراهيم، وطرح يوسف في الجب، وحبس يونس في بطن الحوت، وقتل يحيى، وصلب عيسى، وعذاب جرجيس ودانيال، وضرب سلمان الفارسي، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسين عليهما السلام وإرادة إحراقهم بها، وضرب الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء بسوط ورفس بطنها وإسقاطها محسنا، وسم الحسن، وقتل الحسين عليه السلام، وذبح أطفاله وبني عمه، وسبي ذراري رسول الله صلى الله عليه وآله وإراقة دماء آل محمد، وكل دم مؤمن وكل فرج نكح حراماً وكل رباء أُكل وكل خبث وفاحشة وظلم منذ عهد آدم إلى قيام قائمنا. كل ذلك يعدده عليهما ويلزمهما إياه ويعترفان به، ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت مظالم من حضر، ثم يصلبهما على الشجرة، ويأمر ناراً تخرج من الأرض تحرقهما والشجرة، ثم يأمر ريحاً فتنسفهما في اليّم نسفاً. قال المفضل: يا سيدي هذا آخر عذابهما؟ قال: هيهات يا مفضل، والله ليردّن، وليحضرّن السيد الأكبر محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ظلمه وقسوته - يدعو إلى أمر جديد وكتاب جديد

والصديق الأعظم أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام وكل من محض الإيمان محضاً وكل من محض الكفر محضاً، وليقتصن منهما بجميع المظالم، ثم يأمر بهما فيقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة ويردان إلى أشد العذاب. " (¬1). ظلمه وقوته ومن قسوته، أنهم ينقلون عنه عن جعفر أنه قال: " بينا رجل على رأس القائم يأمره وينهاه، إذ قال: أديروه، فيديروه إلى قدامه، فيأمر بضرب عنقه، فلا يبقى في الخافقين شيئ إلا خافه " (¬2). أنه يقتل المولّي، ويجهز الجريح (¬3). وذكروا في رواية: " بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله رحمة، وبعث القائم نقمة " (¬4). يدعو إلى أمر جديد وكتاب جديد ومن عقائد الشيعة الإثني عشرية، أن إمامهم الموهوم وغائبهم المعدوم، سيدعو الناس إلى كتاب جديد وأمر جديد. وقد نقلوا فيه روايات عديدة، منها ما رواها النعماني عن أبي جعفر - الإمام الخامس المعصوم عند الشيعة - أنه قال: " يقوم القائم بأمر جديد، على العرب شديد، ليس شأنه إلا السيف، ولا يستتيب أحدا " (¬5). ¬

(¬1) الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص86، 87. (¬2) كتاب الغيبة للنعماني ص 239. (¬3) أيضاً ص 232. (¬4) تفسير الصافي ص 359 مجلد كبير. (¬5) كتاب الغيبة للنعماني ص 233.

وعنه أن سُئل: أيسير بسيرة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته، قلت: جعلت فداك لم َ؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله سار في امته بالمن، كان يتألف الناس. والقائم يسير بالقتل، بذاك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحدا " (¬1). وري أيضاً عنه أنه قال: " فوالله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام، يبايع الناس بأمر جديد شديد، وكتاب جديد، وسلطان جديد من السماء " (¬2). ومثل ذلك روى المجلسي في بحار الأنوار (¬3). ورروا أيضاً عن أبي عبد الله أنه سُئل: " كيف سيرته؟ فقال: يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله، يهدم ما كان قبله، كما هدم رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام من جديد " (¬4). وهذه الروايات واضحة في معناها، تنبئ بما دست اليهودية الأثيمة من الدسائس الخبيثة بين الذين الذين ينتسبون للإسلام. وتوضح معنى هذه الرويات رواية أخرى التي أوردها النعماني والمجلسي وغيرهما عن أبي جعفر أنه قال: " لو قد خرج القائم من آل محمد عليهم السلام، لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين. ويكون جبرئيل أمامه، وميكائيل عن يمينه، وإسرافيل عن يساره، والرعب يسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله، والملائكة المقربون حذاه، وأول من يتبعه محمد ¬

(¬1) أيضاً ص 231. (¬2) أيضاً. (¬3) ج13 ص 194 وما بعد. (¬4) بحار الأنوار ج 13 ص 194.

رجعة الأئمة مع رجعة القائم

صلى الله عليه وآله وسلم - وفي رواية يتبعه وفي أخرى يبايعه - وعليّ الثاني ومعه سيف مخترط، يفتح الله له الروم والديلم والسند والهند وكابل شاه والخرز. يا أبا حمزة، لا يقوم القائم عليه السلام إلا على خوف شديد وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس، وتشتت في دينهم، وتغير من حالهم. حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساءاً من عظم ما يرى من كَلَب الناس، وأكل بعضهم بعضا. وخروجه إذا خرج عند الإياس والقنوط. فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره. والويل كل الويل لمن خافه وخالف أمره وكان من أعدائه، ثم قال: يقوم بأمر جديد، وسنة جديدة، وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلا القتل ولا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم " (¬1). فهذه هي حقيقة الأمر، وهذا هو أصل الشيعة الإثني عشرية، الذين يدعون بأنهم من الشيعة المعتدلين، وينفون انتسابهم إلى عبد الله بن سبأ اليهودي وكونهم من أصل مجوسي إيراني، الناقمين على الإسلام، والباغين على الأمة الإسلامية، والطاعنين على أسلافهم وأعيانها، والشاتمين قوادها وسادتها. وقد بيّناها من كتبهم أنفسهم، وبعبارتهم هم. رجعة الأئمة مع رجعة القائم ثم إن الشيعة الإثني عشرية، لا يعتقدون برجعة القائم فحسب، بل وأكثر من ذلك، يعتقدون بأن أئمتهم يرجعون أيضاً إلى الدنيا مثل رجوع قائمهم، ويبقون، ويملكون، وينتقمون من الأعداء ويقتلونهم. ¬

(¬1) كتاب الغيبة للنعماني ص224، 235. ومثله في بحار الأنوار للمجلسي وغيره.

رجعة الحسن ويزيد وأنصارهما

كما روى المجلسي عن جعفر أنه قال: " أول من تنشق الأرض عنه، ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي. وإن الرجعة ليس بعامة وهي خاصة. لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً، أو محض الكفر محضاً " (¬1). ورووا عن أبيه الباقر أنه قال: " إن أول من يرجع إلى الدنيا لجاركم الحسين بن علي عليه السلام، فيملك حتى يقع حاجباه على عينيه من الكبر " (¬2). ولا الحسين وحده فحسب، بل يرجع معه سبعون رجلاً من أصحابه الذين قتلوا معه (¬3). وفي رواية أن الحسين يرجع إلى الدنيا مع خمسة وسبعين ألفاً من الرجال، ويملك الدنيا كلها بعد وفاة المهدي عليه السلام، ثلاث مائة وتسع سنين (¬4). ويرجع معه يزيد بن معاوية وأصحابه، ليأخذ الحسين وأصحابه ثأرهم منهم (¬5). ويساعد الحسين وأصحابه في أخذ ثأرهم وانتقامهم من يزيد وعساكره سبعون نبياً ورسولا، ويكون أحدهم إسماعيل. كما حكى الجزائري حكاية باطلة بقوله: " وفي الأخبار الكثيرة عن بريد العجلي أنه سأل الصادق عليه السلام عن قول الله تعالى في إسماعيل أنه كان صادق الوعد، ما المراد ¬

(¬1) بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص210، الصافي ج 1 ص959. (¬2) بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص 211، البرهان ج2 ص 407، الصافي ج1 ص959، إثبات الهداة للعاملي ج7 ص102. (¬3) تفسير العياشي ج2 ص181. (¬4) الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص 99،98. (¬5) تفسير العياشي ج2 ص282، البرهان ج2 ص408، الصافي ج1 ص259تحت قوله تعالى: [ثم رددنا لكم الكرة عليهم]، بحار الأنوار ج13 ص219.

ويرجع علي ونبي أيضا

بإسماعيل هذا؟ أهو إبن إبراهيم؟ فقال عليه السلام: " لا، بل هو إسماعيل بن حزقيل، بعثه الله إلى جماعة، فكذبوه وسلخوا جلده ووجهه ورأسه. فبعث الله عليهم ملك العذاب، وهو سطاطائيل. فأتى إلى إسماعيل وقال: إن الله أرسلني إليك بما تأمر في عذابهم، فقال إسماعيل عليه السلام: لا حاجة لي في عذابهم. فأوحى الله سبحانه إليه: إن كان لك حاجة إليّ فاطلبها. فقال: يا رب، إنك أخذت علينا معاشر الأنبياء أن نوحّدك، ونقر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، وبإمامة الأئمة عليهم السلام، وأخبرت الخلائق بما يفعل الظالمون بولده الحسين، ووعدت الحسين عليه السلام بالرجوع إلى الدنيا ليأخذ ثأره وينتقم من ظالميه،. فحاجتي إليك يا رب أن ترجعني في زمانه، لأجل آخذ ثأري وقتل من قتلني. فقبل الله حاجته، وجعله من الذين يرجعون في زمان الحسين عليه السلام. وفي رواية أخرى، أن الحسين عليه السلام، يرجع إلى الدنيا مع خمسة وسبعين ألفاً من الرجال " (¬1). وقالوا: إن الأئمة الإثني عشرية، كلهم يرجعون إلى الدنيا في زمن القائم، مع جماعتهم (¬2). ويرجع عليّ ونبيّ أيضاً ولا يرجع الحسين وأصحابه ومعاوية ويزيد وأصحابه وسبعون نبياً ممن مضوا في سالف الزمان وحدهم، بل ويرجع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى عليّ أيضاً، كما روى المجلسي عن بكير بن أعين، أنه قال: " قال لي من لا أشك فيه، يعني أبا جعفر (ع) أن رسول الله (ص) ¬

(¬1) الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص98. (¬2) الصافي ج1 ص 347.

وعلياً سيرجعان " (¬1). ورووا عن جعفر أنه قال: " قال رسول الله (ص): لقد سرى بي ربي عز وجل، فأوحى إليّ من وراء حجاب ما أوحى، وكلمني بما كلم به، وكان مما كلمني به .. يا محمد، عليّ آخر من أقبض روحه من الأئمة " (¬2). وليس هذا فحسب، بل وأكثر من ذلك وأدهى وأمر، أنهم يروون عن جعفر أنه قال: " لم يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا ردهم جميعاً إلى الدنيا، حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب عليه السلام " (¬3). وعنه أيضاً، أنه قال: " لا يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا رُد إلى الدنيا من آدم فهلم جرا، حتى يقاتل بين يدي علي بن أبي طالب عليه السلام " (¬4). مع من فيهم سيد الأنبياء وإمام المرسلين. كما روى الجزائري عن الباقر أنه قال: " إن علياً رضي الله عنه، خطب خطبة ذات يوم، فحمد الله فيها، وقال فيها ما قال، ومنه: وقد أخذ الله الميثاق مني ومن نبيه، لينصرن كل منا صاحبه. فأما أنا فقد نصرت النبي صلى الله عليه وآله بالجهاد معه، وفتلت أعداءه. وأما نصرته لي وكذا نصرة الأنبياء عليهم السلام، فلم تحصل بعد، لأنه ماتوا قبل إمامتي، وبعد هذا سينصرونني في زمان رجعتي، ويكون لي ملك ما بين المشرق والمغرب، ويخرج الله لنصرتي الأنبياء من آدم إلى محمد، يجاهدون معي، ويقتلون بسيوفهم الكفار الأحياء، والكفار الأموات، ¬

(¬1) بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص 210. (¬2) بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص 217. (¬3) نور الثقلين ج 1 ص 359، بحار الأنوار ج 13 ص 210. (¬4) العياشي ج1 ص 281 تحت قول الله [لتؤمنن به ولتنصرنه]، البرهان ج1 ص 295، بحار الأنوار ص 217.

دابة الأرض

الذين يحييهم الله تعالى. وأعجب، وكيف لا أعجب من أموات يحييهم الله تعالى، يرفعون أصواتهم بالتلبية فوجاً فوجا لبيك يا داعي الله، ويتخللون أسواق الكوفة وطرقها، حتى يقتلون الكافرين والجبارين والظالمين من الأولين والآخرين. حتى يحصل لنا ما وعدنا الله تعالى " (¬1). ولا هذا فحسب، بل عمموا الرجعة، حيث قالوا: " ليس أحد من المؤمنين قتل إلا سيرجع حتى يموت، ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل " (¬2). وروى الطبرسي والمفيد: " إذا آن قيام القائم، مطر الناس في جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب، مطرأً لم ير الناس مثله. فينبت الله به لحوم المؤمنين في أبدانهم في قبورهم. فكأني أنظر إليهم من قبل جهينة، ينفضون رؤسهم من التراب " (¬3). وروى المفيد أيضاً: " يخرج إلى القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون " (¬4). دابّة الأرض ويعتقد الشيعة الإثنا عشرية أن دابة الأرض التي تخرج قبل قيام الساعة تكلمهم، يكون علياً رضي الله عنه. كما رووا عن جعفر أنه قال: " أتى رسول الله (ص) إلى أمير المؤمنين (ع) وهو نائم في المسجد، ¬

(¬1) الأنوار النعمانية ج 2 ص99. (¬2) بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص 210. (¬3) أعلام الورى ص 462، الإرشاد للمفيد ص 363، بحار الأنوار ج 13 ص223. (¬4) الإرشاد للمفيد ص 365، أعلام الورى للطبرسي ص 464.

بعد القائم سيخرج اثنا عشر مهديا

وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه، فحركه برجله، ثم قال: قم يا دابة الله. فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله أيسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم؟. فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة، وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} ثم قال: يا علي، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة، ومعك ميسم تسم به أعداءك " (¬1). ثم إن علياً ليست له رجعة واحدة، بل له رجعات كثيرة كما ذكرنا أنه قال في إحدى خطبه: " إن لي رجعة بعد رجعة، وحياة بعد حياة. أنا صاحب الرجعات وصاحب الجولات " (¬2). هذا، ومثل هذا فإنه لكثير. ومن غرائب الاعتقادات التي يعتقدها القوم، أنهم يقولون: إن بعد قائمهم، اثني عشر مهدياً آخر. كما رووا عن جعفر عن أبائه عن علي، أنه قال: " قال رسول الله (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته: يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة. فأملى رسول الله وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع. فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً، ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً. فأنت أول الإثني عشر إماماً ... وساق الحديث إلى أن قال: وليسلمها الحسن (يعني الإمام العسكري عليه السلام) إلى إبنه محمد المستحفظ من آل محمد صلى الله عليه وعليهم، فذلك إثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده إثناعشر مهدياً. فإذا حضرته الوفاة، فليسلمها إلى إبنه أول المهديين. له ثلاثة أسامي: إسم كاسمي، ¬

(¬1) بحار الأنوار للمجلسي ج 13 ص 213. (¬2) الأنوار النعمانية للجزائري ج 2 ص 99.

خرافة الجزائرى

وإسم أبي وهو عبد الله، والإسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين " (¬1). وروى الطوسي: أنهم أحد عشر، كما حكى عن أبى حمزة عن جعفر أنه قال: " يا أبا حمزة، إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً " (¬2). وإلى ذلك، تشير رواية النعماني، حيث يحكي عن أبي جعفر أنه قال: " والله ليملكن رجل منا أهل البيت ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة ويزداد تسعا. قال: قلت له: ومتى يكون ذلك؟ قال: بعد موت القائم عليه السلام. قلت له: وكم يقوم القائم عليه السلام في عالمه حتى يموت؟. فقال: تسع عشرة سنة، من يوم قيامه إلى يوم موته " (¬3). ويؤيد ذلك أيضاً، دعاء شيعي يدعونه للمهدي، فيقولون في آخره: " اللهم صل ِ على ولاة عهده والأئمة من بعده، وبلغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وأعز نصرهم، وتمم لهم ما أسندت إليهم من أمرك لهم، وثبت دعاتهم، واجعلنا لهم أعوانا، وعلى دينك أنصارا " (¬4). وأخيراً نأتي برواية أوردها محدث القوم نعمت الله الجزائري عن جعفر أنه قال: " إن الشيطان لما قال: رب أنظرني إلى يوم يُبعثون. قال: إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم، فيخرج الشيطان مع جميع عساكره وتوابعه من يوم خلق آدم إلى يوم الوقت المعلوم، وهو آخر يوم رجعة يرجعها ¬

(¬1) بحار الأنوار ج 13 ص137. (¬2) كتاب الغيبة للطوسي ص 285. (¬3) كتاب الغيبة للنعماني ص 332. (¬4) مفاتيح الجنان ص 542.

أمير المؤمنين عليه السلام. فقال الراوي: كم لأمير المؤمنين عليه السلام من رجعة؟ فقال: إن له رجعات ورجعات، وما من إمام في عصر من الأعصار، إلا ويرجع معه المؤمنون في زمانه، والكافرون فيه، حتى يستولي أولئك المؤمنون على أولئك الكافرين فينتقمون منهم، فإذا جاء الوقت المعلوم، ظهر أمير المؤمنين عليه السلام مع أصحابه، وظهر الشيطان مع أصحابه، فيتلاقى العسكران على شط الفرات في مكان اسمه الروحا قريب الكوفة، فتقع بينهم حرب لم يقع في دنيا من أولها وآخرها، وكأني أرى أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام قد رجعوا منهزمين، حتى تقع أرجلهم في الفرات، فعند ذلك يرسل الله سحابة مملوءة من الملائكة، يتقدمها النبي صلى الله عليه وآله، وبيده حربة من نور. فإذا نظر الشيطان أدبر فاراً، فيقول له أصحابه: إلى أين تفر ولك الظفر عليهم؟ فيقول: إني أرى مالا ترون، إني أخاف من عقاب رب العالمين. فيصل النبي صلى الله عليه وآله، ويضربه ضربة بالحربة بين كتفيه فيهلك بتلك الضربة هو وجميع عساكره. فعند ذلك يُعبد الله على الإخلاص، ويرتفع الكفر والشرك. ويملك أمير المؤمنين عليه السلام الدنيا أربعين ألف سنة، ويُولد لكل واحد من شيعته ألف ولد من صلبه في كل سنة ولد. وعند ذلك يظهر البستانان عند مسجد الكوفة الذي قال الله تعالى مد هامّتان، وفيهما من الاتساع مالا يعلمه إلا الله تعالى" (¬1). وهذا آخر ما أردنا ذكره من خرافات القوم ومعتقداتهم، إنتخبناها من الكثير الكثير. ولهم كتب مستقلة في هذا الباب. ¬

(¬1) الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص 102،101.

الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله

الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله وكي لا يطول بنا الحديث، نذكر فقط رواية واحدة تشتمل على خطبة علي رضي الله عنه حسب زعم القوم، وفيها كل ما يعتقده القوم من الحلول والتناسخ واتصاف الخلق بأوصاف الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا. يذكر الجزائري هذه الخطبة في كتابه المشهور رواية عن محمد الباقر أنه قال: " إن أمير المؤمنين عليه السلام، خطب خطبة ذات يوم فحمد الله، وأثنى عليه بالوحدانية. وقال: إن الله سبحانه تكلم بكلمة، فصارت نوراً، فخلق منه نور النبي ونوري ونور الأئمة. وتلكم بكلمة أخرى، فصارت روحاً، فأسكنها في ذلك النور. وذلك النور مع تلك الروح، ركبها في أبداننا معاشر الأئمة. فنحن الروح المصطفاة، ونحن الكلمات التامات، ونحن حجة الله الكاملة على الخلق. فنحن نوراً أخضر، حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا مخلوق ولا مخلوقات. وكنا نسبح الله ونقدسه قبل خلق الخلق. فأخذ الله لنا العهد من أرواح الأنبياء على الإيمان بنا، وعلى نصرتنا. وهذا معنى قوله سبحانه {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} فقال عليه السلام: يعني الإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله، ونصرة وصيّه. وهذه النصرة قد صارت قريبة. وقد أخذ الله الميثاق مني ومن نبيه لينصرن كل منا صاحبه، فأما أنا فقد نصرت النبي صلى الله عليه وآله بالجهاد معه وقتلت أعداءه. وأما نصرته لي وكذا نصرة الأنبياء عليهم السلام فلم تحصل بعد، لأنهم ماتوا قبل إمامتي، وبعد هذا سينصرونني في زمان رجعتي، ويكون لي ملك ما بين المشرق والمغرب، ويخرج الله

لنصرتي الأنبياء من آدم إلى محمد، يجاهدون معي، ويقتلون بسيوفهم الكفار الأحياء، والكفار الأموات الذين يحييهم الله تعالى. وأعجب وكيف لا أعجب من أموات يحييهم الله تعالى، يرفعون أصواتهم بالتلبية فوجاً لبيك لبيك يا داعي الله. ويتخللون أسواق الكوفة وطرقها، حتى يقتلون الكافرين الجبارين والظالمين من الأولين والآخرين. حتى يحصل لنا ما وعدنا الله. ثم تلى هذه الآية: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}. قال عليه السلام: يعني يعبدونني ولا يتقون من أحد، لأن لي رجعة بعد رجعة، وحياة بعد حياة. أنا صاحب الرجعات، وصاحب الصولات، وصاحب الإنتقامات، وصاحب الدولة العجيبة. أنا حصن الحديد، وأنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا أمين الله على علمه، وصندوق سرّه وحجابه وصراطه وميزانه وكلمته. أنا أسماء الله الحسنى وأمثاله العليا وآياته الكبرى. أنا صاحب الجنة والنار، أسكن أهل الجنة في جنتهم، وأهل النار في نارهم، وأنا الذي أزوّج أهل الجنة. وإليّ مرجع هذا الخلق في القيامة، وعليّ حسابهم. وأنا المؤذن على الأعراف، وأنا الذي أظهر آخر الزمان في عين الشمس، وأنا دابة الأرض التي ذكرها الله في الكتاب أظهر آخر الزمان، ومعي عصا موسى وخاتم سليمان أضعه في وجه المؤمن والكافر، فتنقش فيه هذا مؤمن حقا، وهذا كافر حقا. وأنا أمير المؤمنين وإمام المتقين ولسان المتكلمين وخاتم أوصياء النبيين ووارثهم وخليفة الله على العالمين. وأنا الذي علمني الله علم البلايا والمنايا وعلم القضاء بين الناس. وأنا الذي

رأي المستشرق دوزي فى علاقة الشيعة بالسبئية

سخّر لي الرعد والبرق والسحاب والظلمة والنور والرياح والجبال والبحار والشمس والقمر والنجوم. أيها الناس، اسألوني عن كل شيء " (¬1). فهذه الرواية، ومثل هذه الرواية وإنها لكثيرة جداً موجودة منتشرة في كتب القوم، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل، قاتلهم الله أنى يؤفكون. فهذه العقائد التي تتبناها الشيعة الاثنا عشرية وتعتقدها، ويعتقدها الإماميون والجعفريون الذين يُعدون من الشيعة المعتدلة. وهي عين تلك العقائد التي وضع بذروها عبد الله بن سبأ، ونشرتها السبئية وروجتها بين الفئات الشيعية المختلفة. ولولا خوف الإطالة، لأكثرنا الروايات التي وردت في كتبهم المعتبرة المعتمدة الموثوقة لديهم. ولكننا نرى أن ما ذكر فيه الكفاية لمن أراد أن يتثبت ويتحقق. وكذلك لمن أراد أن يتبصّر ويهتدي. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ونختم الكلام في هذا الموضوع، بنقل آراء بعض المستشرقين في علاقة الشيعة بالسبئية، أو بتعبير صحيح بالعقائد الأجنبية المدسوسة بين المسلمين، يهودية كانت أم إيرانية، التي لا تمت إلى الإسلام بصلة لا قريبة ولا بعيدة. فيقول المستشرق دوزي: " كانت الشيعة في حقيقتها فرقة فارسية، وفيها يظهر أجلى ما يظهر ذلك الفارق بين الجنس العربي الذي يحب الحرية، وبين الجنس الفارسي الذي اعتاد الخضوع كالعبيد. لقد كان مبدأ انتخاب خليفة للنبي، أمراً غير معهود ولا مفهوم، لأنهم لم يعرفوا غير مبدأ الوراثة في الحكم، لهذا اعتقدوا أنه مادام محمد لم يترك ولداً يرثه، فإن علياً هو الذي ¬

(¬1) الأنوار النعمانية لنعمت الله الجزائري ج2 ص 99، 100.

رأي المستشرق ملر - والمستشرق ولهوزن

يجب أن يخلفه، وأن الخلافة يجب أن تكون وراثية في آل علي. ومن هذا، فإن جميع الخلفاء - ماعدا علياً - كانوا في نظرهم مغتصبين للحكم لا تجب لهم طاعة. وقوّى هذا الاعتقاد عندهم، كراهيتهم للحكومة وللسيطرة العربية، فكانوا في الوقت نفسه يلقون بأنظارهم النهمة إلى ثروات سادتهم. وهم قد اعتادوا أيضاً أن يروا في ملوكهم أحفاداً منحدرين من أصلاب الآلهة الدنيا، فنقلوا هذا التوقير الوثني إلى علي وذريته. فالطاعة المطلقة " للإمام " الذي من نسل علي، كانت في نظرهم الواجب الأعلى، حتى إذا ما أدى المرء هذا الواجب، استطاع بعد ذلك بغيرلائمة ضمير أن يُفسر سائر الواجبات والتكاليف تفسيراً رمزياً، وأن يتجاوزها ويتعداها. لقد كان " الإمام " عندهم هو كل شئ، إنه الله قد صار بشراً. فالخضوع الأعمى المقرون بانتهاك الحرمات، ذلك هو الأساس في مذهبهم " (¬1). وبمثل ذلك، قال المستشرق ملّر، وزاد عليه: " أن الفرس كانوا تحت تأثير الأفكار الهندية قبل الإسلام بعهد طويل يميلون إلى القول بأن الشاهنشاه هو تجسيد لروح الله التي تنتقل في أصلاب الملوك إلى الأبناء " (¬2). ويذكر هذه الآراء، مستشرق ألماني متعاطف على الشيعة، ولهوزن فيقول: " أما أن آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين، فهذا أمر لا سبيل إلى الشك فيه، أما كون هذه الآراء قد انبعثت من الإيرانيين، فليست تلك الملاءمة دليلاً عليه. بل الروايات التاريخية تقول بعكس ذلك. إذ تقول أن التشيّع الواضح الصريح كانً قائماً أولاً في الدوائر العربية، ثم انتقل ¬

(¬1) مقالة في تاريخ الإسلام للدوزي ص 220 وما بعد. (¬2) كتاب ملر، ج 1 ص 327.

بعد ذلك منها إلى الموالي، وجمع بين هؤلاء وبين تلك الدوائر، وأولئك الذين كانوا يتواثبون حول الكرسي المقدس يذكرون أنهم " السبئية " (ص 703 س 17، ص704 س 11) ولم يكونوا من الموالي، بل من العرب، إذ كانوا من عشائر: نهد وخارف وثور وشاكر وشبام. وهؤلاء السبئية كانوا على علاقات سيئة بعشائرهم، نتيجة لمذهبهم الغريب، خصوصاً شبام بالنسبة إلى قبيلة همدان. بينما كانوا على علاقات وثيقة جداً بالمختار، ومن أجله خاضوا النار، ووشوا بقبائلهم. ونجد حديثاً عن بطانة من الشيعة العرب، كانت تجتمع في منزلي امرأتين بارزتين. وتذكر أسماء بعض أفراد هذه البطانة، ومنهم إبن نوف الهمداني، الذي كان ينافس مولاه وأستاذه (المختار) في التنبؤ. لقد كان يصنع وحياً لدى الكرسي المقدس، وكان أحد عمومة الأعشى ممن تأثر لهذا الوحي. وكان أول سادن للكرسي، هو موسى بن أبي موسى الأشعري، ثم تلاه حوشب البرسمي. والبيئة هنا كلها يمنية. ويقال أن المختار قد أظهر الكرسي على أنه كرسي علي بن أبي طالب. ولكن ثمة روايات أخرى تقول بعكس ذلك، وهذه الروايات الثانية أقرب إلى التصديق. وعلى كل حال، فقد كان الكرسي في حوزة اليمنيين، وأصله إنما يبحث لديهم. ولم يكن اختراعاً أبدعه الهوى، بل مثله مثل الحجر الأسود كان قطعة وثنية، وفي الأصل كرسي الله ثم كرسي علي، لأنهم ألهوا علياً. وكراسي الله الخالية هذه نجدها كثيراً، وإن لم تكن عادة من الخشب. ومنشأ السبئية، يرجع إلى زمان علي والحسن، وتنسب إلى عبد الله بن سبأ. وكما يتضح من اسمه الغريب، فإنه كان أيضاً يمنياً. والواقع أنه من العاصمة صنعاء. ويُقال أنه كان يهودياً. وهذا يقود بالقول بأصل يهودية الفرقة السبئية " (¬1). ¬

(¬1) الخوارج والشيعة لولهوزن ص170،169 ط. عربي.

ثم يقول: " يلوح أن مذهب الشيعة الذي يُنسب إلى عبد الله بن سبأ أنه مؤسسه، إنما يرجع إلى اليهود أقرب من أن يرجع إلى الإيرانيين. والدليل على هذا ما سأحاول هنا إيراده بطريقة عارضة، دون أن أعير المسألة من الأهمية أكبر مما تستحق. كان القدماء من أنصار علي، يعدونه في مرتبة مساوية لسائر الخلفاء الراشدين في خلافته - في سلك واحد - وكان يوضع في مقابل الأمويين المغتصبين للخلافة بوصفه استمراراً للخلافة الشرعية، وحقه في الخلافة ناشئ عن أنه كان من أفاضل الصحابة، وأنهم وضعوه في القمة، وتلقى البيعة من أهل المدينة. ولم ينشأ هذا الحق - أو على الأقل لم ينشأ مباشرة - عن كونه من آل بيت الرسول، ومع ذلك فيبدو أن آل البيت أنفسهم قد ادعوا حق ميراث الخلافة عن رسول الله منذ البداية. وبعد وفاة علي، كانت المعارضة ضد الأمويين تنظر إلى أبناء عليّ على أنهم المطالبون الشرعيون للخلافة. ولكن المسألة هنا كانت مقصورة على دعوى الخلافة، ولا بد أن نميز بين هذا وبين دعوى النبوة. وزعم أن النبوة لم تنته بمحمد، بل استمرت في علي وبنيه، كان هذا الزعم هو الخطوة الأخيرة. إن الفكرة القائلة بأن النبي ملك يمثل سلطان الله على الأرض قد انتقلت من اليهودية إلى الإسلام. ولكن الإسلام السني يقول إن محمداً خاتم النبيين، وبعد وفاته حلت محله الشريعة، وهي أثر مجرد غير مشخص، ومعوض عنه أقل قيمة بكثير جداً. فكان ذلك نقصاً ملموساً، فمن هنا تبدأ نظريات الشيعة. وكان المبدأ الأساسي الذي بدأ منه مذهبهم هو: أن النبوة، وهي المعوض الشخصي الحي للسلطة الإلهية، تنتسب بالضرورة إلى الخلافة، وتستمر تحيا فيها. وقبل محمد

تأليه أهل البيت

وجدت سلسلة طويلة متصلة من الأنبياء الذين يتلو بعضهم بعضاً، على نحو ما يقول اليهود، (سلسلة دقيقة من الأنبياء). وكما يذكر في أصحاح 18 من سفر " ثنية الإشتراع " من أنه لم يخل الزمان أبداً من نبي يخلف موسى ومن نوعه. وهذه السلسلة لا تقف عند محمد. ولكل نبي خليفته إلى جانبه يعيش أثناء حياته (وهذا الزميل الثاني هو أيضاً فكرة يهودية) فكما كان لموسى خليفة هو يوشع، كذلك لمحمد خليفة هو عليّ، به يستمر الأمر. على أن كلمة " نبي " لم تطلق على عليّ وبنيه - بل أطلق عليهم أسماء " الوصي " أو " المهدي " أو " الإمام " عامة - ولكن إن لم يطلق عليهم الاسم، فإن الحقيقة الفعلية كانت مقصودة بوصفهم عارفين بالغيوب وتجسيدات للخلافة عن الله " (¬1). وأخيراً يذكر: " وأقيم تأليه بيت الرسول على أساس فلسفي بواسطة مذهب " الرجعة " أو (تناسخ الأرواح) فالأرواح تنتقل بالموت من جسم إلى جسم، وثمة بعث مستمر في المجرى الطبيعي للحياة الدنيا. وهذا في تناقض حاد مع القول ببعث واحد عند زوال الدنيا. ويستفيد هذا المذهب أهمية عملية، خصوصاً عن طريق رفعه إلى روح الله التي تحل في نفوس الأنبياء. فهذه الروح تنتقل من نبي إلى نبي آخر بعد وفاة السابق، ولا يوجد في الوقت الواحد غير نبي واحد، ويتتابعون حتى يبلغوا ألف نبي. وتبعاً لهذا فإن الأنبياء جميعاً بما يُبعث في كل منهم من روح الله، والحق أن النبي الصادق الحق واحد يعود أبداً من جديد. وبهذا المعنى قالوا أن محمداً يُبعث في عليّ وآل عليّ. ويبنون ذلك على الآية 85 من السورة 28، والآية 8 من السورة 82. وهذا يُذكّر كثيراً ¬

(¬1) الخوارج والشيعة لولوزن ص 171، 172.

رأي أبو حمزة الخارجي

بالفكرة (المحتمل جداً أنها) يهودية، وإن كانت من البدع اليهودية، التي وردت في المواعظ المنحولة على كليمانس " pscudoclementinen"، فروح الله تتحد في آدم مع شخص إنسان يظهر بصفة النبي الصادق في صور متعددة، وقد قدر له السيادة على الملكوت الدائم. راجع: (1, 1, p.283''Gieselers KG. (4. Aufl.) . ولكن المتأخرين قد فهموا - فيما يبدو - " الرجعة " على نحو آخر، فقد تصوروها على نحو ديالكتيكي. فقالوا بفترة " غيبة " دورية للإمام الصادق، ثم سموها - في مقابل ذلك - ظهوره من جديد " رجعة ". والمعنى الأصيل للرجعة يظهر جلياً من مرادفتها لتناسخ الأرواح. والسيد الحميري يؤمن أيضاً برجعته نفسه، ومن أجل ذلك كانوا يسخرون منه، ويشنعون عليه (" الأغاني " ج 7 ص 8). كما يتضح أيضاً من كون كثيّر كان يعد جميع أبناء الحسن الحسين أنبياء صغاراً، لأنه كان يؤمن بالرجعة (الأغاني 8/ 34)، وكذلك من كون محمد كان ينظر إليه على أنه يرجع، خصوصاً في ورثة دمه (آله) ونبوته " (¬1). ثم نقل ما قاله أبو حمزة الخارجي في خطبة له على المنبر بالمدينة المنوّرة عن الشيعة نقلاً عن (الأغاني) أنه قال: " شيعة ظاهرت بكتاب الله، وأعلنت الفرية على الله، لا يرجعون إلى نظر نافذ في القرآن، ولا عقل بالغ في الفقه، ولا تفتيش عن حقيقة الصواب. قد قلدوا أمرهم أهواءهم، وجعلوا دينهم عصبية لحزب لزموه وأطاعوه في جميع ما يقوله لهم، غياً كان أو رشداً، أو ضلالة أو هدى. ينتظرون الدول في رجعة الموتى، ويُؤمنون بالبعث قبل الساعة، ويدّعون علم الغيب لمخلوق لا يعلم أحدهم ما في داخل بيته، بل لا ¬

(¬1) أيضاً 173، 174.

قول هشام بن عبد الملك

يعلم ما ينطوي عليه ثوبه أو يحويه جسمه. ينقمون المعاصي على أهلها، ويعملون إذا ظهروا بها، ولا يعرفون المخرج منها. جفاة في الدين، قليلة عقولهم، قد قلدوا أهل البيت من العرب دينهم، وزعموا أن موالاتهم لهم تغنيهم عن الأعمال الصالحة، وتنجيهم من عقاب الأعمال السيئة " (¬1). وبمثل ذلك القول، قال هشام بن عبد الملك الأموي في كتاب له إلى يوسف بن عمر: " إن عبادة الشيعة لله، كانت عبادة لبني الإنسان، والنتيجة لذلك قيصرية بابوية معاً. كانوا يعترضون على إمامة السلطة القائمة، ولكن إمامتهم الشرعية القائمة على دم الرسول (ذرية آل البيت) لم تكن أفضل منها، إذ كانت تفضي إلى إهدار القانون، وكسر الشريعة. فالإمام عندهم كان فوق النصوص الحرفية. وكان يعلم الغيب، فمن اتبعه وأطاعه، سقطت عنه التكاليف، وخلا من المسؤولية " (¬2). ولا بأس بنقل ما كتبه أحمد أمين في كتابه (فجر الإسلام) عن الشيعة، ولو أننا ذكرنا منه جزء فيما مر، فإنه قال: " والحق أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد. ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتيه وهندية. ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته. كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستاراً يضعون وراءه كل ما شاءت أهواءهم. فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول في الرجعة. وقال الشيعة: إن النار محرمة على الشيعي إلا قليلاً، كما قال اليهود: لن تمسنا ¬

(¬1) الخوارج والشيعة ص 175. (¬2) أيضاً ص 175 نقلاً عن الطبري ج 2 ص 882.

النار إلا أياماً معدودات. والنصرانية ظهرت في التشيع، في قول بعضهم: إن نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح إليه. وقالوا إن اللاهوت اتحد بالناسوت في الإمام. وإن النبوة والرسالة لا تنقطع أبداً، فمن اتحد به اللاهوت فهو نبي. وتحت التشيع، ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس من قبل الإسلام. وتستر بعض الفرس بالتشيّع، وحاربوا الدولة الأموية، وما في نفوسهم إلا الكره للعرب ودولتهم، والسعي لاستقلالهم. قال المقريزي: " واعلم إن السبب في خروج أكثر الطوائف عن ديانة الإسلام، أن الفرس كانت سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسها، بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم. فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، وكان العرب عند الفرس أقل من الأمم خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، وفي كل ذلك يظهر الله الحق .. فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع فاظهر قوم منهم لإسلام، واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم عليّ، ثم سلكوا بهم مسالك شتى أخرجوهم عن طريق الهدى. وقد ذهب الأستاذ " ولهو سن Wellhausin " إلى أن العقيدة الشيعية نبعت من اليهودية أكثر مما نبعت من الفارسية، مستدلاً بأن مؤسسها عبد الله بن سبأ وهو يهودي. ويميل الأستاذ " دوزي Dozy " إلى " أن أساسها فارسي، فالعرب تدين بالحرية، والفرس يدينون بالمَلِك، وبالوراثة في بيت المالك، ولا يعرفون معنى لانتخاب الخليفة، وقد مات محمد ولم يترك ولداً، فأولى الناس بعده إبن عمه علي بن أبي طالب. فمن أخذ

الخلافة منه كأبي بكر وعمر وعثمان والأمويين، فقد اغتصبها من مستحقها. وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى إلهي، فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي ّ وذريته وقالوا: إن طاعة الإمام أول واجب، وإن طاعته إطاعة الله ". والذي أرى - كما يدلنا التاريخ - أن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس الإسلام، ولكن معنى ساذج، وهو أن علياً أولى من غيره من وجهتين، كفايته الشخصية، وقرابته للنبي، والعرب من قديم تفخر بالرياسة وبيت الرياسة، وهذا الحزب - كما رأينا - وُجد من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ونما بمرور الزمان وبالمطاعن في عثمان، ولكن هذا التشيّع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الأخرى في الإسلام من يهودية ونصرانية ومجوسية. وأن كل قوم من هؤلاء، كانوا يصبغون التشيّع بصيغة دينهم. فاليهود تصبغ الشيعة يهودية، والنصارى نصرانية، وهكذا. وإذ كاد أكبر عنصر دخل في الإسلام هو عنصر الفارسي كان أكبر الأثر في التشيع إنما هو الفرس " (¬1). وهذا آخر ما أردنا إثباته في كتابنا هذا، والله يهدينا إلى سبيل الرشاد، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه من خدمة دينه، ورفع كلمته والدفاع عن شريعته وحملة شريعته محمد وأصحابه وأهل بيته أجمعين، وصلى الله على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله الطيبين، وأصحابه الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. * * * ¬

(¬1) فجر الإسلام ص 276 إلى 278.

مصادر الكتاب ومراجعه

مصادر الكتاب ومراجعه 1 - إثبات الوصية للمسعودي. ط: نجف. 2 - أجمع الفضائح للملا كاظم. ط: إيران. 3 - الإحتاج للطبرسي. ط: قم، إيران. 4 - إحقاق الحق للشوستري ط: إيران. 5 - الأخبار الطوال للدينوري ط: بغداد. 6 - أدوار علم الفقه لآل كاشف الغطاء. ط: بيروت 1399 هـ. 7 - الأرجوزة المختارة للقاضي النعمان. ط: مونتريال. كندا 1970م. 8 - الإرشاد للمفيد ط: إيران. 9 - أساس الأصول لدلدار علي. ط: الهند. 10 - الإستبصار للطوسي. ط: طهران طبعة ثالثة 1390هـ. 11 - أسرار الشهادة للدربندي. ط: إيران. 12 - الأشعثيات للأشعث الكوفي. ط: إيران. 13 - أصل الشيعة وأصولها لآل كاشف الغطاء. ط: بيروت. 14 - أصول العقيدة لمهدي الصدر. ط: بيروت. 15 - أصول الفقه لمحمد رضا المظفر. ط: القطيف، السعودية. 16 - الإعتقادات لابن بابويه. ط: طهران. 17 - أعلام الورى للطبرسي. ط: دار الكتب الإسلامية، طبعة ثالثة، إيران. 18 - أعيان الشيعة لمحسن الأمين. ط: بيروت. 19 - الأغاني للأصفهاني. ط: بيروت، لبنان. 20 - الأمالي لابن بابويه القمي. ط: بيروت. 21 - الأمالي للطوسي. ط: قم، إيران. 22 - أمالي المرتضى. ط: بيروت 1387 هـ. 23 - الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر. ط: بيروت. 24 - أمل الآمل. 25 - أمير المؤمنين لمحمد جواد الشري. 26 - الإنتصار للمرتضى. ط: نجف، 1391هـ. 27 - أنساب بيوتات قاين. ط: طهران، إيران. 28 - الأنوار النعمانية للجزائري. ط: تبريز. 29 - الإيقان المحلي. 30 - الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي. ط: قم، إيران 1381هـ. 31 - الباكورة السليمانية. ط: بيروت. 32 - بحار الأنوار للمجلسي. ط: قديم، إيران. 33 - بشارة المصطفى لأبي جعفر. ط: نجف. 34 - تاريخ الإمامية لعبد الله فياض. ط: بيروت، لبنان. 35 - تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفري. ط: قم، إيران. 36 - تاريخ ما بعد الظهور لمحمد الصدر. ط: بيروت. 37 - تاريخ طرازمذهب مظفري. ط: إيران. 38 - تاريخ العلويين للطويل. ط: إيران. 39 - تاريخ اليعقوبي. ط: بيروت 1379هـ. 40 - تأسيس الشيعة للعلوم الإسلامية للسيد حسن الصدر. ط: بيروت. 41 - تبصرة المعلمين لابن المطهر الحلي. مجمع الذخائر الإسلامية، إيران. 42 - تتمة المنتهى للعباس القمي. ط: إيران.

43 - تحف العقول عن آل الرسول للمراني ط: نجف 1380هـ. 44 - تحفة الأحباب. ط: إيران. 45 - تفسير البرهان للبحراني. ط: قم، إيران. 46 - تفسير البصائر لرستكار. ط: إيران. 47 - تفسير العياشي. ط: إيران. 48 - تفسير العسكري. ط: الهند، القديم. 49 - تفسير فرات الكوفي. ط: قم، إيران. 50 - تفسير القمي. ط: نجف 1386هـ. 51 - تفسير الصافي للفيض الكاشاني. ط: كبير إيران. 52 - تفسير الكاشف للمغنية. ط: بيروت. 53 - تفسير مجمع البيان للطبرسي. ط: بيروت. 54 - تفسير منهج الصادقين لفتح الله الكاشاني. ط: طهران، إيران. 55 - تفسير الميزان للطباطبائي. ط: بيروت. 56 - تفسير نور الثقلين للحويزي. ط: قم، إيران. 57 - تلخيص الشافي للطوسي. ط: إيران. 58 - التنبيه والإشراف للمسعودي. ط: إيران. 59 - جامع الرواة للأردبيلي الحائري. ط: قم، إيران 1403هـ. 60 - جامع السعادات للتراقي. ط: بيروت. 61 - الجامع في الرجال للزنجاني. ط: قم، إيران. 62 - جلاء العيون للمجلسي. ط: طهران، إيران. 63 - حجة إثنا عشري لحقكوفارسي. ط: إيران. 64 - حديقة الشيعة للمقدسي الأردبيلي. ط: طهران، إيران. 65 - حق اليقين للمجلسي. ط: طهران. 66 - حق اليقين في معرفة أصول الدين لعبد الله الشبر. ط: إيران. 67 - حلية المتقين للمجلسي. ط: طهران. 68 - حملة حيدري للمرزة بازل. ط: إيران. 69 - حياة القلوب للمجلسي. ط: طهران، إيران. 70 - الخلاصة للحلي. 71 - دائرة المعارف الشيعية لحسن الأمين. الطبعة الثانية 1393 بيروت. 72 - دعوة الحق وقول الصدق للصافي. ط: بيروت. 73 - دلائل الصدق للمظفر. 74 - ذخائر العقبي. ط: بيروت. 75 - ذرائع البيان للنجفي. ط: إيران. 76 - رجال الكشي. ط: كربلاء. 77 - رجال الطوسي. ط: نجف، 1380هـ 78 - رجال النجاشي. ط: قم، إيران. 79 - رجال أبي داود. 80 - الرسائل للخميني. ط: قم، إيران 1385هـ. 81 - روضة الواعظين للفتال النيسابوري. ط: قم، إيران. 82 - روضة الصفا فارسي. ط: إيران. 83 - روضات الجنات للخوانساري. ط: قم، إيران. 84 - رياحين الشريعة للمحلاني. ط: إيران. 85 - رياض العلماء. 86 - الشافي للشريف المرتضى. ط: إيران. 87 - شرائع الإسلام للحلي. ط: إيران. 88 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد. ط: بيروت. 89 - شرح نهج البلاغة لابن الميثم. ط: إيران. 90 - شرح نهج البلاغة للدنبلي. ط: إيران.

91 - شرح نهج البلاغة لعلي النقي. ط: إيران. 92 - شرح نهج البلاغة للكاشاني. ط: إيران. 93 - الشيعة في عقائدهم وأحكامهم للقزويني. ط: الكويت. 94 - الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزين. ط: الطبعة الثانية، بيروت، 1399هـ. 95 - الشيعة في الميزان للمغنية. ط: بيروت. 96 - شيعة در إسلام للطباطبائي. ط: إيران. 97 - الشيعة بين الحقائق والأوهام لمحسن الأمين. ط: الطبعة الثالثة، بيروت 1397هـ. 98 - الصافي للقزويني في شرح أصول الكافي. 99 - الصراط المستقيم للنباتي. ط: الطبعة الأولى 1384هـ إيران. 100 - الصحيفة الكاملة لزين العابدين. ط: بيروت. 101 - الصلح الحسن لآل ياسين. ط: إيران. 102 - الصلة بين التصوّف والشيعة. ط: بغداد. 103 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لابن طاؤس. ط: قم، إيران 1400هـ. 104 - طرائق الحقائق للحاج معصوم علي. ط: إيران. 105 - عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب. 106 - عمدة الشريعة في الإمامية لمحمد باقر الشريعتي. ط: قم، إيران. 107 - علل الشرائع لابن بابويه القمي. ط: بيروت، لبنان. 108 - علل الشرائع للصدوق. ط: بيروت. 109 - علم أصول الفقه للمغنية. ط: بيروت. 110 - عين الحياة للمحلي. ط: إيران. 111 - عيون أخبار الرضا لابن بابويه القمي. ط: طهران، إيران. 112 - عيون الأخبار وفنون الآثار للقرشي. ط: بيروت. 113 - عيون أخبار الرضا لابن بابويه القمي. ط: طهران، إيران. 114 - الغارات للثقفي. ط: إيران. 115 - فرق الشيعة للنوبختي. ط: كربلاء. 116 - الفصول المهمة للحر العاملي. ط: قم، إيران. 117 - الفصول المهمة لمعرفة الأئمة لابن الصباغ. ط: إيران. 118 - فضائل أمير المؤمنين لمحمد حسن المظفر. 119 - فقه القرآن للراوندي. ط: قم، إيران 1399هـ. 120 - فقه الشيعة للقزويني. ط: إيران. 121 - الفكر الشيعي والنزاعات الصوفية للشيبي. ط: بغداد 1386هـ. 122 - الفهرست للنجاشي. ط: نجف. 123 - الفهرست لابن النديم. ط: بيروت، لبنان. 124 - فهرست لأبي القاسم الإبراهيمي. ط: إيران. 125 - الفوائد الرضوية للقمي. ط: إيران. 126 - الفوائد الرضزية للإسترآبادي. ط: إيران. 127 - قرب الأسناد للحميري القمي. ط: طهران، إيران. 128 - قصص الأنبياء للراوندي. إيران.

129 - قصص الأنبياء للجزائري. ط: بيروت. 130 - الكافي للكليني. ط: إيران. 131 - كامل الزيارات لابن قلوية. ط: إيران. 132 - كتاب سليم بن قيس العامري. ط: بيروت 1400هـ. 133 - كتاب الخصال لابن بابويه القمي. ط: طهران، إيران 1389هـ. 134 - كتاب الغيبة للطوسي. ط: إيران. 135 - كتاب الغيبة للنعماني. ط: إيران. 136 - كتاب كمال الدين والنعمة لابن بابويه. ط: طهران طبعة ثانية 1395هـ. 137 - كتاب الخرائج والجرائح للراوندي. ط: إيران. 138 - كتاب المناقيب لابن شهر آشوب. ط: قم، إيران. 139 - كتاب الخلاف للطوسي. ط: قم، إيران. 140 - كتاب الرجال للحلي. ط: نجف 1381هـ. 141 - كتاب الشيعة والسنة في الميزان لمؤلف مجهول. ط: بيروت، لبنان. 142 - كتاب البلدان لليعقوبي. ط: مصر. 143 - كشف الغمة للأردبيلي. ط: بيروت. 144 - كتاب صفين لابن مزاحم. ط: بيروت. 145 - كشف الأسرار عن وجه الغائب عن الأبصار للنوري الطبرسي. ط: قم 1400هـ. 146 - كتاب الزهد للأهوازي. ط: إيران 1402هـ. 147 - لغت نامه دهخدا. ط: إيران. 148 - متشابه القرآن ومختلفه لابن شهر آشوب. ط: قم، إيران. 149 - مجالس المؤمنين للشوستري. ط: إيران. 150 - المجالس السنية لابن شهر آشوب. ط: إيران. 151 - مجمع البيان للطبرسي. ط: بيروت، لبنان. 152 - المحاسن للبرقي. ط: قم، إيران، الطبعة الثانية. 153 - مدارج نهج البلاغة لكاشف الغطاء. ط: بيروت. 154 - مرآة العقول للمجلسي. ط: قديم. إيران. 155 - مروج الذهب للمسعودي. ط: بيروت. 156 - المراجعات لشرف الدين الموسوي. 157 - مستدرك الوسائل للنوري المجلسي. ط: مكتبة دار الخلافة، طهران. 158 - مصائب النواصب للشوستري، إيران. 159 - مشجر الأولياء لنوربخش، باكستان. 160 - مشارق أنوار اليقين للبرسي. ط: بيروت 1978 م. 161 - مصحف الدروز. 162 - معالم الأصول لجمال الدين. ط: إيران. 163 - معراج السعادة للنراقي. ط: إيران. 164 - معالم العلماء. 165 - معاشر الأصول. 166 - معجم المؤلفين للكحالة. ط: بيروت. 167 - مع الشيعة الأمامية للمغنية. ط: بيروت. 168 - مفاتيح الجنان. ط: إيران.

كتب التاريخ والرجال والفرق للسنة

169 - المقالات والفرق لسعد بن عبد الله القمي. ط: طهران 1963م. 170 - مقاتل الطالبين للأصفهاني. ط: بيروت. 171 - مقتل أبي مخنف. ط: بيروت. 172 - من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي. ط: طهران. 173 - منار الهدى لعلي البحراني. 174 - منتهى الآمال لعباس القمي. ط: طهران، إيران. 175 - منهاج الكرامة للحلي. أوفست باكستان 1396هـ. 176 - ناسخ التواريخ للميرزه تقي خان. ط: قديم، إيران. 177 - النجم الثاقب للنوري الطبرسي. ط: نجف. 178 - نهاية الدراية. 179 - نقد الرجال للتفرشي. ط: إيران. 180 - نقد الرجال. ط: إيران. 181 - نهج البلاغة بتحقيق صبحي صالح. ط: بيروت. 182 - نهج البلاغة بتحقيق محمد عبده. ط: مصر. 183 - هوية التشيع لأحمد الوائلي. ط: بيروت. 184 - وسائل الشيعة للحر العاملي. ط: بيروت. كتب التاريخ والرجال والفرق للسنة 185 - أساس البلاغة للزمخشري المعتزلي. 186 - أسد الغابة لابن الأثير. 187 - إزلة الخفاء عن خلافة الخلفاء للشاه ولي الله. 188 - الإصابة لابن حجر. 189 - أصول الدين للبغدادي. 190 - أضواء على العقيدة الدرزية لأحمد فوزان. 191 - إعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي. ط: الأزهر. القاهرة. 1398هـ. 192 - الإكمال لإبن ماكولا. 193 - الأنساب للسمعاني. 194 - أنساب الأشراف للبلاذري. 195 - البداية والنهاية لإبن كثير. ط: بيروت. 196 - البابية للمؤلف. 197 - البهائية للمؤلف. 198 - التاريخ الصغير. 199 - تاريخ بغداد للخطيب. 200 - تذكرة الحفاظ للذهبي. 201 - تهذيب التهذيب لإبن حجر العسقلاني. ط: حيدر لآباد، دكن، الهند. 202 - تقريب التهذيب. بيروت 203 - تاريخ إبن عساكر. 204 - تهذيب تاريخ إبن عساكر. 205 - تاريخ دمشق. 206 - تاريخ الأمم والملوك للطبري. ط: بيروت. 207 - تاريخ إبن خلدون. ط: بيروت 1399 هـ. 208 - تاريخ الخلفاء للسيوطي. 209 - تاريخ خليفة بن خياط. 210 - التبصير في الدين للإسفرائيني. 211 - تاج العروس للزبيدي. 212 - تثبيت دلائل النبوة للهمذاني. 213 - جمهرة أنساب العرب لإبن حزم. 214 - الحور العين. 215 - خلاصة تهذيب الكمال. 216 - الخطط للمقريزي. 217 - دائرة المعارف الإسلامية. أردوط. لاهور.

كتب المستشرقين

218 - سيرة أعلام النبلاء للذهبي. 219 - السيرة إبن هشام. 220 - الشيعة والقرآن للمؤلف. باكستان. 221 - الشيعة والسنة للمؤلف. باكستان. 222 - الشيعة وأهل البيت للمؤلف. 223 - الصحاح للجوهري. 224 - الصواعق المحرقة لإبن حجر المكي. 225 - الطبقات لإبن سعد. 226 - طائفة الدروز لمحمد كامل حسين. 227 - العواصم من القواصم. 228 - الفصل بين الملل والنحل لإبن حزم. 229 - فتاوى شيخ الإسلام لإبن تيمية. 230 - فجر الإسلام لأحمد أمين. 231 - فتوح البلدان للبلاذري. 232 - القاموس للفيروز آبادي. 233 - كتاب الكنى والأسماء للدولابي. 234 - كتاب الجرح والتعديل للرازي. 235 - كتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي. 236 - كتاب المجروحين لإبن حبان. 237 - الكامل لابن الأثير. 238 - كتاب المحبر للبغدادي. 239 - لسان الميزان لابن حجر. 240 - لسان العرب لابن المنظور الأفريقي. 241 - ميزان الإعتدال للذهبي. 242 - مقدمة إبن خلدون. 243 - منهاج السنة لابن تيمية. 244 - مقالات الإسلاميين للأشعري. 245 - الملل والنحل للشهرستاني. 246 - موسوعة إصطلاحات العلوم الإسلامية للتهانوي. ط: بيروت. 247 - مختصر التحفة الإثني عشرية للآلوسي. 248 - معجم مقاييس اللغة. 249 - المخصص لابن سيده. 250 - النهاية لابن الأثير. 251 - النجوم الزاهرة للتغري البردي. 252 - نسب قريش لمصعب الزبيري. 253 - وفيات الأعيان لابن خلكان. كتب المستشرقين 254 - الخوارج والشيعة لولهوزن. ترجمة عربي. 255 - عقيدة الشيعة لدونالد سن. ترجمة عربي. 256 - العقيدة والشريعة لجولد زيهر. ترجمة عربي. 257 - مقالات في تاريخ الإسلام للدوزي. 258 - كتاب المستشرق ملر. 259 - مقدمة نقطة الكاف للبراؤن. ط: فارسي.

§1/1