الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية

مرعي الكرمي

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى مرعي بن يُوسُف الْحَنْبَلِيّ الْمَقْدِسِي لطف الله تَعَالَى بِهِ آمين الْحَمد لله رَافع مقَام الْعلمَاء العاملين وقامع أهل الزيغ المائلين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على أفضل الْخلق أَجْمَعِينَ وعَلى آله وَأَصْحَابه الطيبين الطاهرين وعَلى التَّابِعين وتابع التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين وَبعد فَهَذِهِ كَلِمَات منيرة وعبارات مستنيرة فِي ثَنَاء الْأَئِمَّة الْأَعْلَام على شيخ الْإِسْلَام بَحر الْعُلُوم ترجمان الْقُرْآن مفتي الْفرق أوحد الْمُجْتَهدين أبي الْعَبَّاس أَحْمد تَقِيّ الدّين ابْن الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام مجد الدّين عبد السَّلَام بن عبد الله بن الْخضر بن مُحَمَّد بن الْخضر بن عَليّ بن عبد الله بن تَيْمِية وَاخْتلف لم قيل ابْن تَيْمِية فَقيل إِن جده مُحَمَّد بن الْخضر حج على درب تيما فَرَأى

هُنَاكَ طفلة فَلَمَّا رَجَعَ وجد امْرَأَته قد ولدت بِنْتا فَقَالَ يَا تَيْمِية يَا تَيْمِية فلقب بذلك وَقيل إِن جده مُحَمَّدًا كَانَت أمه تسمى تَيْمِية وَكَانَت واعظة فنسب إِلَيْهَا وَعرف بهَا ولد رَحمَه الله يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر أَو ثَانِي عشر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَتُوفِّي سحر لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ فِي الْعشْرين من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة عَن سبع وَسِتِّينَ سنة وَقد أثنى الْأَئِمَّة الْأَعْلَام على هَذَا الإِمَام ولقبوه بشيخ الْإِسْلَام وأفردوا مناقبه بالتصانيف وتحلت بِذكرِهِ التواريخ والتآليف وَلم يتنقص إِلَّا من جهل مِقْدَاره وخطره وَمن جهل شَيْئا أنكرهُ وَلَقَد أنصف الْعَلامَة الإِمَام قَاضِي قُضَاة الْإِسْلَام بهاء الدّين بن السُّبْكِيّ حَيْثُ يَقُول لبَعض من ذكر لَهُ الْكَلَام فِي ابْن تَيْمِية فَقَالَ وَالله يَا فلَان مَا يبغض ابْن تَيْمِية إِلَّا جَاهِل أَو صَاحب هوى فالجاهل لَا يدْرِي مَا يَقُول وَصَاحب الْهوى يصده هَوَاهُ عَن الْحق بعد مَعْرفَته بِهِ وَلَقَد أنصف أَيْضا الشَّيْخ الإِمَام والحبر الْهمام مَحْمُود بن أَحْمد الْعَيْنِيّ إِمَام الْحَنَفِيَّة فِي زَمَنه حَيْثُ قَالَ فِي أثْنَاء كَلَام طَوِيل فِي مدحه ابْن تَيْمِية وذم من يعِيبهُ

وَلَيْسَ هُوَ إِلَّا كالجعل باشتمام الْورْد يَمُوت حتف أَنفه أَو كالخفاش يتَأَذَّى ببهور سنا الضَّوْء لسوء بَصَره وَضَعفه وَلَيْسَ لَهُم سجية نقادة وَلَا روية وقادة وَمَا هم إِلَّا صلقع بلقع سلقع صلمعه من قلمعه وهيان إِن بَيَان وَهِي بن بِي وصل بن ضل وضلال بن التلال وَمن الشَّائِع المستفيض أَن الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية من شم العرانين الأفاضل وَمن جم براهين الأماثل وَأطَال الْعَيْنِيّ الْكَلَام فِي مدحه كَمَا سَيَأْتِي وَاعْلَم أيدك الله أَن كثيرا من الْأَئِمَّة الأماثل وَالْعُلَمَاء الأفاضل قد أفردوا مَنَاقِب الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية فِي تصانيف مَشْهُورَة وتراجم فِي التواريخ مَذْكُورَة وَقد ذكر غَالب الْعلمَاء الَّذين أثنوا عَلَيْهِ صَاحب كتاب الرَّد الوافر تأليف الإِمَام الْعَالم الأوحد الْقدْوَة الْحَافِظ أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن نَاصِر الدّين الشَّافِعِي

وَقد أَحْبَبْت أَن أذكر هُنَا بعض ذَلِك على سَبِيل التَّلْخِيص مَعَ زَوَائِد لَطِيفَة رَجَاء أَن أَدخل فِي سلك أُولَئِكَ الْأَئِمَّة وَمن كَانُوا بَين أظهر النَّاس رَحْمَة 1 - فَمنهمْ ابْن سيد النَّاس وَهُوَ الإِمَام الْحَافِظ الْفَقِيه الْعَالم الأديب البارع فتح الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن الْحَافِظ أبي عَمْرو مُحَمَّد بن الْحَافِظ الْعَلامَة الْخَطِيب أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن يحيى بن أبي الْقَاسِم بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي الأندلسي الإشبيلي ثمَّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي ولد بِالْقَاهِرَةِ سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن بالقرافة عِنْد ابْن أبي جَمْرَة وَكَانَت جنَازَته مَشْهُودَة وَله مصنفات مفيدة ومؤلفات حميدة قَالَ رَحمَه الله فِي تَرْجَمته لِابْنِ تَيْمِية بعد أَن ذكر تَرْجَمَة الْحَافِظ الْمزي وَهُوَ الَّذِي حداني على رُؤْيَة الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام بن تَيْمِية فَأَلْفَيْته مِمَّن أدْرك من الْعُلُوم حظا وَكَاد أَن يستوعب السّنَن والْآثَار حفظا إِن تكلم فِي التَّفْسِير فَهُوَ حَامِل رايته أَو أفتى فِي الْفِقْه فَهُوَ مدرك

غَايَته أَو ذَاكر فِي الحَدِيث فَهُوَ صَاحب علمه وَذُو رِوَايَته أَو حَاضر بالملل والنحل لم ير أوسع من نحلته فِي ذَلِك وَلَا أرفع من درايته برز فِي كل فن على أَبنَاء جنسه وَلم تَرَ عين من رَآهُ مثله وَلَا رَأَتْ عينه مثل نَفسه كَانَ يتَكَلَّم فِي التَّفْسِير فيحضر مَجْلِسه الجم الْغَفِير ويردون من بحره العذب النمير ويرتعون من ربيع فَضله فِي روضه وغديره الى ان دب الى اهل بَلَده دَاء 0 الْحَسَد واكب اهل النّظر مِنْهُم على مَا ينْتَقد عَلَيْهِ من أُمُور المعتقد فحفظو عَنهُ فِي ذَلِك كلَاما أوسعوه بِسَبَبِهِ ملاما وفوقو لتبديله سهاما وَزَعَمُوا انه خَالف طريقهم وَفرق فريقهم فنازعهم ونازعوه وقاطع بَعضهم وقاطعوه ثمَّ نَازع طَائِفَة أُخْرَى ينتسبون من الْفقر الى طَريقَة ويزعمون أَنهم على ادق بَاطِن مِنْهَا واجلى حَقِيقَة فكشف تِلْكَ الطرائق وَذكر لَهَا على مَا زعم بوائق فآضت الى الطَّائِفَة الأولى من منازعته واستعانت بذوي الضعن عَلَيْهِ من مقاطعته فوصلوا بالأمراء أمره وأعمل كل مِنْهُم فِي أمره فكره فرتبوا محَاضِر وألبو للسعي بهَا بَين الاكابر وَسعوا فِي نَقله الى المملكة بالديار المصريه فَنقل وأودع السجْن سَاعَة حُضُوره واعتقل وعقدوا لاراقة دَمه مجَالِس وحشدوا لذَلِك قوما من عمار الزوايا وسكان الْمدَارِس من مجامل فِي الْمُنَازعَة مخاتل بالمخادعة وَمن مجاهر بالتكفير مبارز بالمقاطعة يسومونه ريب المنونون {وَرَبك يعلم مَا تكن صُدُورهمْ وَمَا يعلنون} الْقَصَص 69 فَرد الله كيد كل فِي نَحره ونجاه على يَد من اصطفاه {وَالله غَالب على أمره} يُوسُف 21

ثمَّ لم يخل بعد ذَلِك من فتنه بعد فتْنَة وَلم ينْتَقل طو ل عمره من محنة الا الى محنة الى أَن فوض أمره الى بعض الْقُضَاة فتقلد مَا تقلد من اعتقاله وَلم يزل بمحبسه ذَلِك الى حِين ذَهَابه الى رَحْمَة الله وانتقاله والى الله ترجع الامور وَهُوَ المطلع على خَائِنَة الاعين وَمَا تخفي الصُّدُور وَكَانَ يَوْمه مشهودا وَضَاقَتْ بجنازته الطَّرِيق وانتابها الْمُسلمُونَ من كل فج عميق يتبركون بمشهده ليَوْم تقوم الاشهاد ويتمسكون بسريره حَتَّى كسروا تِلْكَ الاعواد ثمَّ روى عَنهُ ابْن سيد النَّاس حَدِيثا فَقَالَ قَرَأت على الشَّيْخ الامام حَامِل راية الْعُلُوم ومدرك غَايَة الفهوم تَقِيّ الدّين ابي الْعَبَّاس احْمَد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام ابْن تيميه الْحَرَّانِي بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ ذكر سَنَده الى الْحسن بن عَرَفَة فروى من جزئه حَدِيثا وَمِنْهُم ابْن دَقِيق الْعِيد وَهُوَ الشَّيْخ الْعَلامَة الامام اُحْدُ شُيُوخ الاسلام قَاضِي قُضَاة الْمُسلمين عُمْدَة الْفُقَهَاء والمحدثين تَقِيّ الدّين ابو الْفَتْح مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب بن مُطِيع المنفلوطي الْمَالِكِي الشَّافِعِي مَاتَ عَام اثْنَيْنِ وَسَبْعمائة كَانَ اماما حَافِظًا فَقِيها ذَا تَحْرِير مالكيا شافعيا لَيْسَ لَهُ نَظِير وَكَانَ يُفْتِي بالمذهبين ويدرس فيهمَا بمدرسة الْفَاضِل على الشَّرْطَيْنِ وَله الْيَد الطُّولى فِي معرفَة الاصلين وَلما قدم التتار الى اطراف الْبِلَاد الشامية سنة سَبْعمِائة ركب ابْن

تَيْمِية على الْبَرِيد من دمشق الى مصر فَدَخلَهَا فى ثامن يَوْم وحث السُّلْطَان والعساكر على قتال التتار وَاجْتمعَ بِهِ اعيان الْبَلَد وَمِنْهُم ابْن دَقِيق الْعِيد فَسمع كَلَام ابْن تَيْمِية وَقَالَ لَهُ بعد سَماع كَلَامه مَا كنت اظن ان الله تَعَالَى بَقِي بِخلق مثلك وَسُئِلَ ابْن دَقِيق الْعِيد بعد انْقِضَاء ذَلِك الْمجْلس عَن ابْن تَيْمِية فَقَالَ هُوَ رجل حفظَة فَقيل لَهُ هلا تَكَلَّمت مَعَه فَقَالَ هُوَ رجل يحب الْكَلَام وانا احب السُّكُوت وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد ايضا لما اجْتمعت بِابْن تَيْمِية رايت رجلا الْعُلُوم كلهَا بَين عَيْنَيْهِ ياخذ مِنْهَا مَا يُرِيد ويدع مَا يُرِيد 3 - وَمِنْهُم ابْن الوردي زين الدّين عمر كَانَ عَلامَة متفننا فِي الْعُلُوم ماهرا فِي المنثور والمنظوم وَله الْأَشْعَار الرائقة والمقاطيع الفائقة وَكَانَ باهرا فِي الْعَرَبيَّة درس واعاد وافتى وَله مؤلفات مفيدة مِنْهَا الْبَهْجَة نظم الْحَاوِي

ورثاه بعد موته بقصيدة يقول فيها قلوب الناس قاسية سلاط وليس لها الى العليا نشاط اينشط بعد وفاة حبر لنا من نثر جوهره التقاط تقي الدين ذو ورع وعلم خروق المعضلات به تخاط قضى نحبا وليس له قرين ولا لنظيره لف القماط فتى في علمه أضحى فريدا وحل

الصَّغِير توفّي بحلب سنة تسع واربعين وَسَبْعمائة قَالَ فِي رحلته لما ذكر عُلَمَاء دمشق وَتركت التعصب وَالْحمية وَحَضَرت مجَالِس ابْن تَيْمِية فاذا هُوَ بَيت القصيدة واول الخريدة عُلَمَاء زَمَانه فلك هُوَ قطبه وجسم هُوَ قلبه يزِيد عَلَيْهِم زِيَادَة الشَّمْس على الْبَدْر وَالْبَحْر على الْقطر بحثت بَين يَدَيْهِ يَوْمًا فاصبت الْمَعْنى فكناني وَقبل بَين عَيْني الْيُمْنَى فَقلت ... ان ابْن تَيْمِية ... فِي كل الْعُلُوم وَاحِد احييت دين احْمَد ... وشرعه يَا احْمَد ... ورثاه بعد مَوته بقصيدة يَقُول فِيهَا ... قُلُوب النَّاس قاسية سلاط وَلَيْسَ لَهَا الى الْعليا نشاط ... اينشط بعد وَفَاة حبر لنا من نثر جوهره الْتِقَاط ... تَقِيّ الدّين ذُو ورع وَعلم خروق المعضلات بِهِ تخاط ... قضى نحبا وَلَيْسَ لَهُ قرين وَلَا لنظيره لف القماط ... فَتى فِي علمه أضحى فريدا ... وَحل المشكلات بِهِ يناط ...

وَهِي طَوِيلَة وَقد ذكرتها كلهَا مَعَ مراثي عديدة فِي كتاب المناقب فيراجع 4 - وَمِنْهُم أَبُو حَيَّان النَّحْوِيّ وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة علم الْقُرَّاء أستاذ النُّحَاة والأدباء جمال الْمُفَسّرين أثير الدّين أَبُو حَيَّان مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ بن يُوسُف بن حَيَّان الأندلسي الجياني الغرناطي ثمَّ الْمصْرِيّ الظَّاهِرِيّ ولد بأعمال غرناطة قَاعِدَة بِلَاد الأندلس فِي شَوَّال سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَتُوفِّي فِي صفر سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بعد أَن أضرّ فِي آخر عمره قَالَ القَاضِي الْفَاضِل ابْن فضل الله الْعمريّ وَلما سَافر ابْن تَيْمِية على الْبَرِيد سنة سَبْعمِائة وحض أهل مصر على الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَأَغْلظ فِي القَوْل للسُّلْطَان والأمراء ثمَّ رتب لَهُ فِي مُدَّة مقَامه بِالْقَاهِرَةِ فِي كل يَوْم دِينَار وتحفة وجاءته بقجة قماش فَلم يقبل من ذَلِك شَيْئا قَالَ وَحضر عِنْده شَيخنَا أَبُو حَيَّان وَكَانَ عَلامَة وقته فِي النَّحْو فَقَالَ مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مثل ابْن تَيْمِية ثمَّ مدحه أَبُو حَيَّان على البديهة فِي الْمجْلس

فَقَالَ ... لما أَتَيْنَا تَقِيّ الدّين لَاحَ لنا ... دَاع إِلَى الله فَرد مَال لَهُ وزر ... على محياه من سِيمَا الأولى صحبوا ... خير الْبَريَّة نور دونه الْقَمَر حبر تسربل مِنْهُ دهره حبرًا ... بَحر تقاذف من أمواجه الدُّرَر قَامَ ابْن تَيْمِية فِي نصر شرعتنا ... مقَام سيد تيم إِذْ عَصَتْ مُضر فأظهر الْحق إِذْ أثاره درست ... وأخمد الشَّرّ إِذْ طارت لَهُ الشرر كُنَّا نُحدث عَن حبر يَجِيء فها ... أَنْت الإِمَام الَّذِي قد كَانَ ينْتَظر ... قَالَ ثمَّ دَار بَينهمَا كَلَام فِيهِ ذكر سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ ابْن تَيْمِية فِيهِ كلَاما نافره عَلَيْهِ أَبُو حَيَّان وقطعه بِسَبَبِهِ ثمَّ عَاد من أَكثر النَّاس ذما لَهُ واتخذه لَهُ ذَنبا لَا يغْفر وَقَالَ الشَّيْخ زين الدّين ابْن رَجَب فِي كِتَابه الطَّبَقَات عَن هَذِه الأبيات وَيُقَال إِن أَبَا حَيَّان لم يقل أبياتا خيرا مِنْهَا وَلَا أفحل انْتهى وَهَذِه الْقِصَّة ذكرهَا الْحَافِظ الْعَلامَة ابْن كثير فِي تَارِيخه وَهِي أَن أَبَا حَيَّان تكلم مَعَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية فِي مَسْأَلَة فِي النَّحْو فَقَطعه ابْن تَيْمِية فِيهَا وأكزمه الْحجَّة فَذكر أَبُو حَيَّان كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ ابْن تَيْمِية يفشر سِيبَوَيْهٍ أسيبويه نَبِي النَّحْو أرْسلهُ الله بِهِ حَتَّى يكون مَعْصُوما سِيبَوَيْهٍ أَخطَأ فِي الْقُرْآن فِي ثَمَانِينَ موضعا لَا تفهمها أَنْت وَلَا هُوَ

قَالَ وَكَانَ ابْن تَيْمِية لَا تَأْخُذهُ فِي الْحق لومة لائم وَلَيْسَ عِنْده مداهنة وَكَانَ مادحه وذامه فِي الْحق عِنْده سَوَاء وَمِنْهُم ابْن الْقيم وَهُوَ الْعَلامَة شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ اُحْدُ الْمُحَقِّقين علم المصنفين نادرة الْمُفَسّرين ابو عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب بن سعد بن حريز الزرعي ألاصل ثمَّ الدِّمَشْقِي ابْن قيم الجوزية وتلميذ ابْن تَيْمِية لَهُ التصانيف الانيقة والتلآليف الَّتِى فِي عُلُوم الشَّرِيعَة والحقيقة ولد سنة احدى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَمَات فِي رَجَب سنة احدى وَخمسين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وَكَانَ قد لَازم أبن تَيْمِية واخذ عَنهُ علما جما فَكَانَ ذَا فنون من الْعُلُوم صَاحب ادراك لسرائر الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم وبرع فِي علم الحَدِيث بِحَيْثُ انْتَهَت اليه فِيهِ الرِّئَاسَة قَالَ الْحَافِظ ابو بكر مُحَمَّد بن الْمُحب قلت لشَيْخِنَا الْحَافِظ الْمزي ابْن الْقيم فِي دَرَجَة ابْن خُزَيْمَة فَقَالَ هُوَ فِي هَذَا الزَّمَان كَابْن خُزَيْمَة فِي زَمَانه وَمن مصنفاته زَاد الْمعَاد فِي هدي خير الْعباد فِي اربعة

مجلدات وَكتاب سفر الهجرتين وَبَاب السعادتين قَالَ رَحمَه الله فِي تَرْجَمته لِابْنِ تَيْمِية شيخ الاسلام وَالْمُسْلِمين الْقَائِم بِبَيَان الْحق ونصرة الدّين الدَّاعِي الى الله وَرَسُوله الْمُجَاهِد فِي سَبيله الَّذِي اضحك الله بِهِ من الدّين مَا كَانَ عَابِسا وأحيى من السّنة لل مَا كَانَ دارسا والنور الَّذِي اطلعه الله فِي ليل الشُّبُهَات فكشف بِهِ غياهب الظُّلُمَات وَفتح بِهِ من الْقُلُوب مقفلها وازاح بِهِ عَن النُّفُوس عللها فقمع بِهِ زيغ الزائغين وَشك الشاكين وانتحال المبطلين وصدقت بِهِ بِشَارَة رَسُول رب الْعَالمين يَقُول ان الله يبْعَث لهَذِهِ الامة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لَهَا دينهَا وَبِقَوْلِهِ يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين وَهُوَ الشَّيْخ الْعَلامَة الزَّاهِد العابد الخاشع الناسك الْحَافِظ المتبع تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس احْمَد بن الشَّيْخ الامام الْعَلامَة شيخ الاسلام ابي المحاسن عبد الْحَلِيم بن الشَّيْخ الْإِسْلَام ومفتى الْفرق عَلامَة الدُّنْيَا مجد الين عبد السَّلَام ابْن الشَّيْخ الامام الْعَلامَة الْكَبِير شيخ الاسلام فَخر الدّين عبد الله بن ابي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي قدس الله روحه وَنور ضريحه قَالَ ابْن الْقيم وَسمعت شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية يَقُول ان فِي الدُّنْيَا جنَّة من لم يدْخل جنَّة الاخرة

وَكَانَ يَقُول بِالصبرِ وَالْيَقِين تنَال المامة فِي الدّين وَكَانَ يَقُول لَا بُد للسالك الى الله عز وَجل بَين مُشَاهدَة الْمِنَّة ومطالعة عيب النَّفس وَكَانَ يتَمَثَّل كثيرا ... عوى الذِّئْب فاستأنست بالذئب إِذْ عوى ... وَصَوت إِنْسَان فكدت أطير ... وَكَانَ يتَمَثَّل أَيْضا ... وَأخرج من بَين الْبيُوت لعلني أحدث عَنْك النَّفس فِي السِّرّ خَالِيا ... 6 وَمِنْهُم ابْن الزملكاني وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة جمال المناظرين كَمَال الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن أبي الْحسن عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن خطيب زملكاه الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي أَخذ النَّحْو عَن ابْن مَالك وَالْفِقْه عَنهُ الشَّيْخ تَاج الدّين بن عبد الرَّحْمَن وَالْأُصُول عَن قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين بن الزكي

وَكَانَ كثير الْفضل سريع الْإِدْرَاك يتوقد ذكاء وفطنة وَأجْمع النَّاس على فَضله وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الْمَذْهَب فِي عصره وَتَوَلَّى قَضَاء حلب وَأقَام بهَا إِلَى أَن طلب إِلَى مصر ليتولى قَضَاء دمشق فَمَاتَ بِمَدِينَة بلبيس فِي رَمَضَان سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَحمل إِلَى القرافة وَدفن بجوار قبه الإِمَام الشَّافِعِي وَكَانَ مولده فِي شَوَّال سنة سِتّ أَو سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة تولى مناظرة شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية غير مَا مرّة وَمَعَ ذَلِك كَانَ يعْتَرف بإمامته وَلَا يُنكر فَضله قَالَ مرّة عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَانَ إِذا سُئِلَ عَن فن من الْعلم ظن الرَّائِي وَالسَّامِع أَنه لَا يعرف غير ذَلِك الْفَنّ وَحكم أَن أحدا لَا يعرف مثله وَقَالَ الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي طبقاته وَبَلغنِي من طَرِيق صَحِيح عَن ابْن الزملكاني أَنه سُئِلَ عَن الشَّيْخ يَعْنِي ابْن تَيْمِية فَقَالَ لم ير من خَمْسمِائَة سنة أَو قَالَ أَرْبَعمِائَة سنة الشَّك من النَّاقِل وغالب ظَنّه أَنه قَالَ من خَمْسمِائَة سنة أحفظ مِنْهُ انْتهى وَقَالَ ابْن الزملكاني أَيْضا لقد أعطي ابْن تَيْمِية الْيَد الطُّولى فِي حسن التصنيف وجودة الْعبارَة وَالتَّرْتِيب والتقسيم والتبيين وَقد الْآن الله لَهُ الْعُلُوم كَمَا ألان الْحَدِيد لداود كَانَ إِذا سُئِلَ عَن فن من الْعلم ظن الرَّائِي وَالسَّامِع أَنه لَا يعرف غير ذَلِك الْفَنّ وَحكم أَن أحدا لَا يعرف

مثله وَكَانَ الْفُقَهَاء من سَائِر الطوائف إِذا جَلَسُوا مَعَه استفادوا فِي مَذْهَبهم مِنْهُ مَا لم يَكُونُوا عرفوه قبل ذَلِك وَلَا يعرف أَنه نَاظر أحدا فَانْقَطع مَعَه وَلَا تكلم فِي علم من الْعُلُوم سَوَاء كَانَ من عُلُوم الشَّرْع أم من غَيرهَا إِلَّا فاق فِيهِ أهل والمنتسبين إِلَيْهِ وَقد رُوِيَ واشتهر وَذكر وانتشر مَا كتبه الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني على كتاب بَيَان الدَّلِيل على بطلَان التَّحْلِيل تأليف ابْن تَيْمِية هُوَ مَا نَصه من مصنفات سيدنَا وَشَيخنَا وقدوتنا الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الأوحد البارع الْحَافِظ الزَّاهِد الْوَرع الْقدْوَة الْكَامِل الْعَارِف تَقِيّ الدّين شيخ الْإِسْلَام سيد الْعلمَاء قدوة الْأَئِمَّة الْفُضَلَاء نَاصِر السّنة وقامع الْبِدْعَة حجَّة الله على الْعباد راد أهل الزيغ والعناد أوحد الْعلمَاء العاملين آخر الْمُجْتَهدين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام ابْن عبد الله بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي حفظ الله على الْمُسلمين طول حَيَاته وَأعَاد عَلَيْهِم من بركاته إِنَّه على كل شَيْء قدير وَكتب ابْن الزملكاني أَيْضا بِخَطِّهِ على كتاب رفع الملام عَن الْأَئِمَّة الْأَعْلَام مَا نَصه تأليف الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الأوحد الْحَافِظ الْمُجْتَهد الزَّاهِد العابد الْقدْوَة إِمَام الْأَئِمَّة قدوة الْأمة عَلامَة الْعلمَاء وَارِث الْأَنْبِيَاء آخر الْمُجْتَهدين أوحد عُلَمَاء الدّين بركَة الْإِسْلَام حجَّة الْأَعْلَام برهَان الْمُتَكَلِّمين قامع المبتدعين محيي السّنة وَمن عظمت بنفعه علينا الْمِنَّة وَقَامَت بِهِ على أعدائه الْحجَّة واستبانت ببركته وهديه المحجة تَقِيّ الدّين

أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام ابْن تَيْمِية أَعلَى الله مناره وشيد من الدّين أَرْكَانه ثمَّ قَالَ ... مَاذَا يَقُول الواصفون لَهُ ... وَصِفَاته جلت عَن الْحصْر هُوَ حجَّة الله قاهرة ... هُوَ بَيْننَا أعجوبة الدَّهْر هُوَ آيَة فِي الْخلق ظَاهِرَة ... أنوارها أربت على الْفجْر ... 7 - وَمِنْهُم الْحَافِظ الذَّهَبِيّ وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ الْهمام مُفِيد الشَّام ومؤرخ الْإِسْلَام ناقد الْمُحدثين وَإِمَام المعدلين والمجرحين إِمَام أهل التَّعْدِيل وَالْجرْح وَالْمُعْتَمد عَلَيْهِ فِي الْمَدْح والقدح شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان التركماني الفارقي الأَصْل ثمَّ الدِّمَشْقِي ولد سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة وَمَات بِدِمَشْق سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة ومشيخته بِالسَّمَاعِ وَالْإِجَازَة نَحْو ألف شيخ وثلاثمائة يجمعهُمْ مُعْجَمه الْكَبِير وَكَانَ آيَة فِي نقد الرِّجَال عُمْدَة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل عَالما بالتفريع

والتأصيل إِمَامًا فِي الْقرَاءَات فَقِيها فِي النظريات لَهُ دربة بمذاهب الْأَئِمَّة وأرباب المقالات قَائِما بَين الْخلف بنشر السّنة وَمذهب السّلف وَمن كَلَامه رَحمَه الله ... الْفِقْه قَالَ الله قَالَ رَسُوله ... إِن صَحَّ وَالْإِجْمَاع فاجهد فِيهِ وحذار من نصب الْخلاف جَهَالَة بَين النَّبِي وَبَين رَأْي فَقِيه ... وَله المؤلفات المفيدة والمصنفات السديدة مِنْهَا تَارِيخ الْإِسْلَام فِي عشْرين مجلدا وسير النبلاء فِي عشْرين مجلدا وميزان الإعتدال فِي نقد الرِّجَال وَغير ذَلِك وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ بعض الْعلمَاء الْأَعْلَام عِنْد اجتماعه بِهِ بِدِمَشْق وَالشَّام ... مَا زلت بِالسَّمْعِ أهواكم وَمَا ذكرت ... أخباركم قطّ إِلَّا ملت من طرب وَلَيْسَ من عجب أَن ملت نحوكم ... فَالنَّاس بالطبع قد مالوا إِلَى الذَّهَب ... وَقد ترْجم الذَّهَبِيّ هَذَا ابْن تَيْمِية فِي عدَّة مَوَاضِع وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء

حسنا فَقَالَ فِي كِتَابَة طبقَة سَماع كتاب رفع الملام عَن الائمة الْأَعْلَام سمع هَذَا الْكتاب على مُؤَلفه شَيخنَا الامام الْعَالم الْعَلامَة الاوحد شيخ الاسلام مفتي الْفرق قدوة الامة اعجوبة الزَّمَان بَحر الْعُلُوم حبر الْقُرْآن تَقِيّ الدّين سيد الْعباد ابي الْعَبَّاس احْمَد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام ابْن تَيْمِية رَضِي الله عَنهُ وَذكر بَقِيَّة الطَّبَقَة وَكتب الذَّهَبِيّ ايضا تَحت خطّ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية هَذَا خطّ شَيخنَا الامام شيخ الاسلام فَرد الزَّمَان بَحر الْعُلُوم تَقِيّ الدّين قَرَأَ الْقُرْآن وَالْفِقْه وناظر وَاسْتدلَّ وَهُوَ دون الْبلُوغ برع فِي الْعلم وَالتَّفْسِير وافتى ودرس وَله نَحْو الْعشْرين وصنف التصانيف وَصَارَ من اكابرالعلماء فِي حَيَاة شُيُوخه وَله المصنفات الْكِبَار الَّتِي سَارَتْ بهَا الركْبَان وَلَعَلَّ تصانيفه فِي هَذَا الْوَقْت تكون أَرْبَعَة آلَاف كراس وَأكْثر وَفسّر كتاب الله تَعَالَى مُدَّة سِنِين من صَدره فِي أَيَّام الْجمع وَكَانَ يتوقد ذكاء وسماعاته من الحَدِيث كَثِيره وشيوخه أَكثر من مِائَتي شيخ ومعرفته بالتفسير اليها الْمُنْتَهى وَحفظه للْحَدِيث وَرِجَاله وَصِحَّته وسقمه فَمَا يلْحق فِيهِ وَأما نَقله للفقه ومذاهب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فضلا عَن الْمذَاهب الاربعة فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ نَظِير واما مَعْرفَته بالملل والنحل والاصول وَالْكَلَام فَلَا اعْلَم لَهُ فِيهِ نظيرا ويدري جملَة صَالِحَة من اللُّغَة وعربيته قَوِيَّة جدا ومعرفته بالتاريخ وَالسير فَعجب عَجِيب وَأما شجاعته وجهاده واقدامه فَأمر يتَجَاوَز الْوَصْف ويفوق النَّعْت وَهُوَ اُحْدُ الاجواد الاسخياء الَّذين يضْرب بهم الْمثل وَفِيه زهد وقناعة باليسير فِي المأكل وَالْمشْرَب انْتهى

وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَيْضا فِي تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية وَله بَاعَ طَوِيل فِي معرفَة مَذَاهِب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَقل أَن يتَكَلَّم فِي مَسْأَلَة إِلَّا وَيذكر فِيهَا مَذَاهِب الْأَرْبَعَة وَقد خَالف الْأَرْبَعَة فِي مسَائِل مَعْرُوفَة وصنف فِيهَا وَاحْتج لَهَا بِالْكتاب وَالسّنة وَلما كَانَ معتقلا بالإسكندرية التمس مِنْهُ صَاحب سبتة أَن يُجِيز لَهُ مروياته وينص على أَسمَاء جملَة مِنْهَا فَكتب فِي عشر وَرَقَات جملَة من ذَلِك بأسانيدها من حفظه بِحَيْثُ يعجز أَن يعْمل بعضه أكبر مُحدث يكون وَله خبْرَة تَامَّة بِالرِّجَالِ وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم وَمَعْرِفَة بفنون الحَدِيث وبالعالي والنازل وبالصحيح والسقيم مَعَ حفظه لمتونه فَلَا يبلغ أحد فِي الْعَصْر رتبته وَلَا يُقَارِبه وَهُوَ عجب فِي استحضار واستخراج الْحجَج مِنْهُ وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي عزوه إِلَى الْكتب السِّتَّة والمسند بِحَيْثُ يصدق عَلَيْهِ أَن يُقَال كل حَدِيث لَا يعرفهُ ابْن تَيْمِية فَلَيْسَ بِحَدِيث وَلَكِن الْإِحَاطَة لله غير أَنه يغترف من بَحر وَغَيره من الْأَئِمَّة يَغْتَرِفُونَ من السواقي وَله الْآن عدَّة سِنِين لَا يُفْتِي بِمذهب معِين بل بِمَا قَامَ الديل عَلَيْهِ عِنْده وَلَقَد نصر السّنة الْمَحْضَة والطريقة السلفية وَاحْتج لَهَا ببراهين ومقدمات وَأُمُور لم يسْبق إِلَيْهَا وَأطلق عِبَارَات أحجم عَنْهَا الْأَولونَ وَالْآخرُونَ وهابوا وجسر عَلَيْهَا حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ خلق من عُلَمَاء مصر وَالشَّام قيَاما لَا مزِيد عَلَيْهِ وبدعوه وناظروه وكاتبوه وَهُوَ ثَابت لَا يداهن وَلَا يحابي بل يَقُول الْحق المر الَّذِي أَدَّاهُ إِلَيْهِ إجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته فِي السّنَن والأقوال مَعَ مَا اشْتهر مِنْهُ من الْوَرع وَكَمَال الْفِكر وسعة الْإِدْرَاك وَالْخَوْف من الله الْعَظِيم والتعظيم لحرمات الله فَجرى بَينه وَبينهمْ حملات حربية ووقعات شامية ومصرية وَكم من نوبَة قد رَمَوْهُ عَن قَوس وَاحِد فينجيه الله تَعَالَى فَإِنَّهُ دَائِم الابتهال كثير الاستغاثة قوي التَّوَكُّل

ثَابت الجأش لَهُ أوراد وأذكار يدمنها بكيفية وجمعية وَله من الطّرف الآخر محبون من الْعلمَاء والصلحاء وَمن الْجند والأمراء وَمن التُّجَّار والكبراء وَسَائِر الْعَامَّة تحبه لِأَنَّهُ منتصب لنفعهم لَيْلًا وَنَهَارًا بِلِسَانِهِ وقلمه وَأما شجاعته فِيهَا تضرب الْأَمْثَال وببعضها يتشبه أكَابِر الْأَبْطَال فَلَقَد أَقَامَهُ الله فِي نوبَة غازان والتقى أعباء الْأَمر بِنَفسِهِ وَقَامَ وَقعد وطلع وَخرج وَاجْتمعَ بِالْملكِ مرَّتَيْنِ وبخطلو شاه وببولاي وَكَانَ قبجق يتعجب من إقدامه وجرأته على المغول وَله حِدة قَوِيَّة تعتريه فِي الْبَحْث حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْث حَرْب وَهُوَ أكبر من أَن يُنَبه مثلي على نعوته فَلَو حَلَفت بَين الرُّكْن وَالْمقَام لحلفت أَنِّي مَا رَأَيْت بعيني مثله وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه فِي الْعلم وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَيْضا وَكَانَ يَعْنِي ابْن تَيْمِية آيَة من الذكاء وَسُرْعَة الْإِدْرَاك رَأْسا فِي معرفَة الْكتاب وَالسّنة وَالِاخْتِلَاف بحرا فِي النقليات هُوَ فِي زَمَانه فريد عصره علما وزهدا وشجاعة وسخاء وأمرا بِالْمَعْرُوفِ ونهيا عَن الْمُنكر وَكَثْرَة تصانيف وَقَرَأَ وَحصل وبدع فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وتأهل للتدريس وَالْفَتْوَى وَهُوَ ابْن سبع عشرَة وَتقدم فِي علم التَّفْسِير وَالْأُصُول وَجَمِيع عُلُوم الْإِسْلَام أُصُولهَا وفروعها ودقها وجلها فَإِن ذكر التَّفْسِير فَهُوَ حَامِل لوائه وَإِن عد الْفُقَهَاء فَهُوَ مجتهدهم الْمُطلق وَإِن حضر الحفاط نطق وخرسوا وسرد وأبلسوا وَاسْتغْنى وأفلسوا وَإِن سمي المتكلمون فَهُوَ فردهم وَإِلَيْهِ مرجعهم وَإِن لَاحَ ابْن سينا يقدم

الفلاسفة فَلهم وهتك استارهم وكشف عوارهم وَله يَد طولى فِي معرفَة الْعَرَبيَّة وَالصرْف واللغة وَهُوَ اعظم من ان تصفه كلمي وينبه على شأوه قلمي فان سيرته وعلومه ومعارفه ومحنه وتنقلاته يحْتَمل ان تُوضَع فِي مجلدين فَالله تَعَالَى يغْفر لَهُ ويسكنه اعلى جنته فانه كَانَ رباني الامة وفريد الزَّمَان وحامل لِوَاء الشَّرِيعَة وَصَاحب معضلات الْمُسلمين راسا فِي الْعلم يُبَالغ فِي أَمر قِيَامه بِالْحَقِّ وَالْجهَاد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر مُبَالغَة مَا رَأَيْتهَا وَلَا شاهدتها من اُحْدُ وَلَا لحظتها من فَقِيه وَقَالَ الذَّهَبِيّ ايضا جمعت مصنفات شيخ الاسلام تَقِيّ الدّين ابْن تيميه فَوجدت الف مُصَنف ثمَّ رَأَيْت لَهُ ايضا مصنفات اخر وتراجم الذَّهَبِيّ لِابْنِ تيميه اشهر من أَن تذكر وَأكْثر من تحصر رَحْمَة الله تَعَالَى ورثاه الذَّهَبِيّ بعد مَوته بقوله ... يَا موت خُذ من اردت أوفدع ... محوت رسم الْعُلُوم والورع اخذت شيخ الاسلام وانفصمت ... عرى التقى واشتفى ألوا الْبدع غيبت بحرا مُفَسرًا جبلا ... حبرًا تقيا مُجَانب الشِّبَع فان تحدث فَمُسلم ثِقَة وان يناطر فَصَاحب اللمع ...

.. وَإِن يخض نَحْو سِيبَوَيْهٍ يفه ... بِكُل معنى من الْفَنّ مخترع وَصَارَ عالي الْإِسْنَاد حافظه ... كشعبة أَو سعيد الضبعِي وَالْفِقْه فِيهِ فَكَانَ مُجْتَهدا ... وَذَا جِهَاد عَار من الْجزع وجوده الْحَاتِمِي مشتهر ... وزهده القادري فِي الطمع أسْكنهُ الله فِي الْجنان وَلَا ... زَالَ عليا فِي أجمل الْخلْع مَعَ مَالك وَالْإِمَام أَحْمد والنعمان وَالشَّافِعِيّ والخلعي مضى ابْن تيمة وموعده ... مَعَ خَصمه يَوْم نفخة الْفَزع ... 8 - وَمِنْهُم الْحَافِظ الْمزي وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام حَافظ الْإِسْلَام مُحدث الْأَعْلَام الحبر النَّبِيل أستاذ أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل شيخ الْمُحدثين جمال الدّين أَبُو الْحجَّاج يُوسُف الْقُضَاعِي ثمَّ الْكَلْبِيّ الْحلَبِي الدِّمَشْقِي ثمَّ الْمزي الشَّافِعِي ولد بِظَاهِر حلب سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَنَشَأ بالمزة وَسمع الْكثير من الْكتب الطوَال والقصار والأجزاء الْكِبَار وَغير الْكِبَار ورحل إِلَى

عدَّة من الْأَمْصَار وصنف كتاب التَّهْذِيب وَكتاب الْأَطْرَاف وَخرج لغير وَاحِد التخاريج المطولة واللطاف وَكَانَ غزير الْعلم ثِقَة حجَّة حسن الْأَخْلَاق صَادِق اللهجة ترافق هُوَ وَابْن تَيْمِية شيخ الْإِسْلَام فِي السماع وَالنَّظَر فِي عُلُوم مَعَ عدَّة من الْأَعْلَام مَاتَ فِي عَام اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وَدفن بجوار ابْن تَيْمِية وَكَانَت جنَازَته مَشْهُودَة وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ بعض الْعلمَاء الأفاضل ... مَا زلت أسمع عَن إحسانكم خَبرا ... الْفضل يسْندهُ عَنْكُم وَيَرْفَعهُ حَتَّى الْتَقَيْنَا فشاهدت الَّذِي سَمِعت ... أُذُنِي وأضعف مَا كنت أسمعهُ ... حدث غير وَاحِد من الشُّيُوخ عَن الْمزي أَنه قَالَ عَن ابْن تَيْمِية مَا رَأَيْت مثله وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه وَمَا رَأَيْت أحدا أعلم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُول الله وَلَا أتبع لَهما مِنْهُ وَقَالَ الْمزي أَيْضا عَن ابْن تَيْمِية ابْن تَيْمِية لم ير مثله مُنْذُ أَرْبَعمِائَة سنة وَكتب الْمزي على كتاب تَرْجَمَة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية

تصنيف ابْن عبد الهادي مَا صورته كتاب مُخْتَصر فِي ذكر حَال الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس احْمَد بن عبد الْحَلِيم بن تَيْمِية وَذكر بعض مصنفاته ومناقبه جمع الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْهَادِي الْمَقْدِسِي وَكتب الْمزي أَيْضا بِخَطِّهِ طبقَة سَماع على الْجُزْء الثَّانِي من حَدِيث الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي مَا صورته سمع هَذَا الْجُزْء على الْمَشَايِخ الثَّلَاثَة الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية وَالْإِمَام علم الدّين البرزالي بقرأته من لَفظه وَكَاتب السماع يُوسُف ابْن الركي وَقد قَالَ قَاضِي الْقُضَاة صَالح بن عمر البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي لقد افتخر قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين السُّبْكِيّ فِي تَرْجَمَة أَبِيه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ فِي ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ بِأَن الْحَافِظ الْمزي لم يكْتب بِخَطِّهِ لَفْظَة شيخ الْإِسْلَام إِلَّا لِأَبِيهِ وللشيخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وللشيخ شمس الدّين بن أبي عمر الْحَنْبَلِيّ

9 - وَمِنْهُم الْحَافِظ البرزالي وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ الثِّقَة الْحجَّة مؤرخ الشَّام وَأحد محدثي الْإِسْلَام مُفِيد الْمُحدثين علم الدّين أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف البرزالي الإشبيلي الأَصْل الدِّمَشْقِي صَاحب التَّارِيخ الخطير والمعجم الْكَبِير كَانَ بأسماء الرِّجَال بَصيرًا وناقلا لأحوالهم نحريرا ولد سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بِدِمَشْق وَمَات بخليص محرما فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَلَقَد حكى بعض مَشَايِخنَا عَنهُ أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ الحَدِيث وَمر بِهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي قصَّة الرجل الَّذِي كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوقصته نَاقَته وَهُوَ محرم فَمَاتَ الحَدِيث وَفِيه فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا فَكَانَ إِذا قَرَأَهُ البرزالي يبكي ويرق قلبه فَمَاتَ بخليص محرما وَفِيه يَقُول الذَّهَبِيّ ... إِن رمت تفتيش الخزائن كلهَا ... وَظُهُور أَجزَاء حوت وعوالي ونعوت أَشْيَاخ الْوُجُود وَمَا رووا ... طالع أَو أسمع مُعْجم البرزالي ... وَفِيه يَقُول الشَّيْخ الإِمَام ابْن الْموصِلِي الطرابلسي ... مَا زلت أسمع عَنْك كل عارفة ... لمثلهَا أَو إِلَيْهَا يَنْتَهِي الْكَرم وَكنت بِالسَّمْعِ أهواكم فَكيف وَقد ... رأيتكم وبدا لي فِي الْهوى علم ...

كتب البرزالي بِخَطِّهِ سَماع طبقَة على جُزْء فِيهِ أَحَادِيث منتقاة من جُزْء الْحسن بن عَرَفَة وَهِي قَرَأَ هَذِه الْأَحَادِيث الثَّمَانِية شَيخنَا وَسَيِّدنَا الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الأوحد الْقدْوَة الزَّاهِد العابد الْوَرع الْحَافِظ تَقِيّ الدّين شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين سيد الْعلمَاء فِي الْعَالمين حبر الْأمة مقتدي الْأَئِمَّة حجَّة الْمذَاهب مفتي الْفرق أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام ابْن تَيْمِية أدام الله بركته وَرفع دَرَجَته وَقد ذكر البرزالي فِي مُعْجم شُيُوخه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَقَالَ أَحْمد بن عبد الْحَلِيم ابْن عبد السَّلَام بن عبد الله بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس الإِمَام الْمجمع على فَضله ونبله وَدينه قَرَأَ الْقُرْآن وبرع فِيهِ والعربية وَالْأُصُول وَمهر فِي علمي التَّفْسِير والْحَدِيث وَكَانَ إِمَامًا لَا يلْحق غباره فِي كل شَيْء وَبلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَاجْتمعت فِيهِ شُرُوط الْمُجْتَهدين وَكَانَ إِذا ذكر التَّفْسِير أبهت النَّاس من كَثْرَة مَحْفُوظَة وَحسن إِيرَاده وإعطائه كل قَول مَا يسْتَحقّهُ من التَّرْجِيح والتضعيف والإبطال وخوضه فِي كل علم كَانَ الْحَاضِرُونَ يقضون مِنْهُ الْعجب هَذَا مَعَ انْقِطَاعه إِلَى الزّهْد وَالْعِبَادَة والاشتغال بِاللَّه تَعَالَى والتجرد من أَسبَاب الدُّنْيَا وَدُعَاء الْخلق إِلَى الله تَعَالَى وَكَانَ يجلس فِي صَبِيحَة كل جُمُعَة يقْرَأ على النَّاس تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم فَانْتَفع بمجلسه وبركة دُعَائِهِ وطهارة أنفاسه وَصدق نِيَّته وصفاء ظَاهره وباطنه وموافقة قَوْله لعمله وأناب إِلَى الله تَعَالَى خلق كثير وَجرى على طَريقَة وَاحِدَة من اخْتِيَار الْفقر والتقلل من الدُّنْيَا ورد مَا يفتح بِهِ عَلَيْهِ وَقَالَ البرذالي فِي تَارِيخه بعد أَن ذكر وَفَاة ابْن تَيْمِية وَوصف دَفنه

وَشدَّة الزحام عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَخلق كثير سمع مِنْهُم الحَدِيث وَقَرَأَ بِنَفسِهِ الْكثير وَطلب الحَدِيث وَكتب الطباق وَالْإِثْبَات ولازم السماع بِنَفسِهِ مُدَّة سِنِين وَقل أَن يسمع شَيْئا إِلَّا حفظه ثمَّ اشْتغل بالعلوم وَكَانَ ذكيا كثير الْمَحْفُوظ فَصَارَ إِمَامًا فِي التَّفْسِير وَمَا يتَعَلَّق بِهِ عَارِفًا بالفقه فَيُقَال إِنَّه كَانَ أعرف بِفقه الْمذَاهب من أَهلهَا الَّذين كَانُوا فِي زَمَانه وَغَيره وَكَانَ عَالما باخْتلَاف الْعلمَاء عَالما بالأصول وَالْفُرُوع والنحو واللغة وَغير ذَلِك من الْعُلُوم النقلية والعقلية وَمَا قطع فِي مجْلِس مناظرة وَلَا تكلم مَعَه فَاضل فِي فن من فنون الْعلم إِلَّا ظن أَن ذَلِك الْفَنّ فنه وَرَآهُ عَارِفًا بِهِ متقنا لَهُ وَأما الحَدِيث فَكَانَ حَامِل رايته حَافِظًا لَهُ مُمَيّزا بَين صَحِيحه وسقيمه عَارِفًا بِرِجَالِهِ متضلعا من ذَلِك وَله تصانيف كَثِيرَة وتعاليق مفيدة فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَأثْنى عَلَيْهِ وعَلى فضائله وعلومه جمَاعَة من عُلَمَاء عصره مثل ابْن دَقِيق الْعِيد وَابْن النّحاس وَالْقَاضِي الْحَنَفِيّ قَاضِي قُضَاة مصر ابْن الحريري وَابْن الزملكاني وَغَيرهم 10 - وَمِنْهُم الْحَافِظ بن رَجَب وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الزَّاهِد الْقدْوَة الْبركَة الْحَافِظ

الْعُمْدَة الثِّقَة الْحجَّة واعظ الْمُسلمين مُفِيد الْمُحدثين زين الدّين أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ الإِمَام المقرىء الْمُحدث أَحْمد بن رَجَب الْبَغْدَادِيّ الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ أحد الْأَئِمَّة الزهاد وَالْعُلَمَاء الْعباد توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وَقد حدث من حفر لحد ابْن رَجَب إِن الشَّيْخ ابْن رَجَب جَاءَ قبل أَن يَمُوت بأيام قَالَ فَقَالَ لي احْفِرْ لي هُنَا لحدا وَأَشَارَ إِلَى الْبقْعَة الَّتِي دفن فِيهَا قَالَ فحفرت لَهُ فَلَمَّا فرغ نزل فِي الْقَبْر واضطجع فِيهِ فأعجبه وَقَالَ هَذَا جيد ثمَّ خرج قَالَ فوَاللَّه مَا شَعرت بعد أَيَّام إِلَّا وَقد أُوتِيَ بِهِ مَيتا مَحْمُولا فِي نعشه فَوَضَعته فِي ذَلِك اللَّحْد وواريته فِيهِ لَهُ مصنفات مفيدة ومؤلفات عديدة مِنْهَا شرح جَامع التِّرْمِذِيّ وَشرح من أول صَحِيح البُخَارِيّ إِلَى الْجَنَائِز شرحا نفيسا وَله كتاب طَبَقَات أَصْحَاب مذْهبه جعله ذيلا على من بَدَأَ بِهِ وَهُوَ القَاضِي أَبُو يعلى بن الْفراء قَالَ فِيهِ أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام بن عبد الله بن أبي

الْقَاسِم الْخضر بن مُحَمَّد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي ثمَّ الدِّمَشْقِي الإِمَام الْفَقِيه الْمُجْتَهد الْمُحدث الْحَافِظ الْمُفَسّر الأصولي الزَّاهِد تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس شيخ الْإِسْلَام وَعلم الْأَعْلَام وشهرته تغني عَن الإطناب فِي ذكره والإسهاب فِي أمره ثمَّ ذكر ابْن رَجَب تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية وفيهَا ذكر مَوته وَدَفنه ثمَّ قَالَ وَصلى عَلَيْهِ صَلَاة الغائبة فِي غَالب بِلَاد الْإِسْلَام الْقَرِيبَة والبعيدة حَتَّى فِي بِلَاد الْيمن والصين وَأخْبر المسافرون أَنه نُودي بأقصى الصين للصَّلَاة عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة الصَّلَاة على ترجمان الْقُرْآن 11 - وَمِنْهُم الْحَافِظ ابْن عبد الْهَادِي وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ النَّاقِد ذُو الْفُنُون عُمْدَة الْمُحدثين متقن المحررين شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْهَادِي بن عبد الحميد بن عبد الْهَادِي بن قدامَة بن مِقْدَام بن نصر الْمَقْدِسِي الصَّالِحِي الْحَنْبَلِيّ ولد سنة أَربع أَو خمس وسِتمِائَة وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات وَسمع مَا لَا يُحْصى من المرويات وعني بِالْحَدِيثِ وأنواعه وَمَعْرِفَة رِجَاله وَعلله وتفقه وَأفْتى ودرس وَجمع وَألف وَكتب الْكثير وصنف وتصدى للإفادة وَمن مصنفاته تَنْقِيح التَّحْقِيق فِي أَحَادِيث التَّعْلِيق مجلدان وَالْمُحَرر فِي الْأَحْكَام وَالْكَلَام على أَحَادِيث مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب مؤلفان

مطول ومختصر وجزء فِي الرَّد فِيمَا أوردهُ على ابْن مَالك وَجمع التَّفْسِير الْمسند لكنه مَاتَ قبل إِتْمَامه وَكَانَ إِمَامًا فِي عُلُوم كالتفسير والْحَدِيث وَالْأُصُول وَالْفِقْه واللغة والعربية وَذكره الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه الْمُخْتَص بالمحدثين وَفِي طَبَقَات الْحفاظ وَأثْنى عَلَيْهِ فيهمَا ثَنَاء حميدا وَقَالَ وَالله مَا اجْتمعت بِهِ قطّ إِلَّا واستفدت مِنْهُ مَاتَ سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وَكَانَت جنَازَته حافلة وَمن مصنفاته كتاب مَنَاقِب ابْن تَيْمِية فِي مُجَلد قَالَ فِيهِ هُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَامِل الرباني إِمَام الْأَئِمَّة وعلامة الْأمة ومفتي الْفرق وبحر الْعُلُوم سيد الْحفاظ وَفَارِس الْمعَانِي والألفاظ فريد الْعَصْر ووحيد الدَّهْر شيخ الْإِسْلَام بركَة الْأَنَام عَلامَة الزَّمَان وترجمان الْقُرْآن وَعلم الزَّمَان وأوحد الْعباد قامع المبتدعين وَآخر الْمُجْتَهدين يقى الدّين ابو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين أبي المحاسن عبد الْحَلِيم إِبْنِ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام مجد الدّين أبي البركات عبد السَّلَام بن تَيْمِية الْحَرَّانِي نزيل دمشق وَصَاحب التصانيف الَّتِي لم يسْبق إِلَى مثلهَا وَلَا يلْحق فِي شكلها توحيدا أَو تَفْسِيرا وإخلاصا وفقها وحديثا ولغة ونحوا وَجَمِيع الْعُلُوم كتبه طافحة بذلك وانتهت اليه الْإِمَامَة فِي الْعلم وَالْعَمَل والزهد والورع والشجاعة وَالْكَرم والتواضع والحلم والإنابة وَالْجَلالَة والمهابة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن

الْمُنكر وَسَائِر أَنْوَاع الْجِهَاد مَعَ الصدْق وَالْأَمَانَة والعفة والصيانة وَحسن الْقَصْد وَالْإِخْلَاص والآبتهال إِلَى الله وَكَثْرَة الْخَوْف مِنْهُ والمراقبة لَهُ وَشدَّة التَّمَسُّك بالآثر وَالدُّعَاء إِلَى الله وَحسن الْأَخْلَاق ونفع الْخلق وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وَالصَّبْر على من آذاه والصفح عَنهُ وَالدُّعَاء لَهُ وَسَائِر أَنْوَاع الْخَيْر وَكَانَ رَحمَه الله سَيْفا مسلولا على الْمُخَالفين وشجا فِي حلوق أهل الْأَهْوَاء من المبتدعين وإماما قَائِما بِبَيَان الْحق ونصرة الدّين وَكَانَ بحرا لَا تكدره الدلاء وحبرا يَقْتَدِي بِهِ الرِّجَال الألباء وطفت بِذكرِهِ الْأَمْصَار وضنت بِمثلِهِ الْأَعْصَار واشتغل بالعلوم وَكَانَ ذكيا كثير الْمَحْفُوظ إِمَامًا فِي التَّفْسِير وَمَا يتَعَلَّق بِهِ عَارِفًا بالفقه وَاخْتِلَاف الْعلمَاء والأصلين والنحو واللغة وَغير ذَلِك من الْعُلُوم النقلية والعقلية وَمَا تكلم مَعَه فَاضل فِي فن إِلَّا ظن أَن ذَلِك الْفَنّ فنه وَرَآهُ عَارِفًا بِهِ متقنا لَهُ وَأما الحَدِيث فَكَانَ حَافِظًا لَهُ مُمَيّزا بَين صَحِيحه وسقيمه عَارِفًا بِرِجَالِهِ متضلعا من ذَلِك وَله تصانيف كَثِيرَة وتعاليق مفيدة فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول وَلَقَد أثنى عَلَيْهِ وعَلى فضائله جمَاعَة من عُلَمَاء عصره وَلَقَد تَرْجمهُ ابْن عبد الْهَادِي هَذَا بشيخ الْإِسْلَام مدَار أَكثر وَذكر من مناقبه فِي تَرْجَمته أَشْيَاء خطيرة وعد كثيرا من مصنفاته وَنَصّ على نفائس من مؤلفاته

وَذكره فِي كِتَابه طَبَقَات الْحفاظ بترجمة مختصرة ونعوت جَامِعَة محررة من أَوْصَاف الْأَئِمَّة رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالَ من الله تَعَالَى على الشَّيْخ بِسُرْعَة الْكِتَابَة وَيكْتب من حفظه من غير نقل قَالَ وَأَخْبرنِي غير وَاحِد أَنه كتب مجلدا لطيفا فِي يَوْم وَكتب غير مرّة أَرْبَعِينَ ورقة فِي جلْسَة وأحصيت مَا كتبه فِي يَوْم وبيضه فَكَانَ ثَمَانِيَة كراريس فِي مَسْأَلَة من أشكل الْمسَائِل وَكَانَ يكْتب على السُّؤَال الْوَاحِد مجلدا وَأما جَوَاب يَكْتُبهُ فِيهِ خمسين ورقة وَسِتِّينَ فكثير جدا 12 - وَمِنْهُم ابْن فضل الله الْعمريّ وَهُوَ القَاضِي الْفَاضِل البارع النَّبِيل الْعَالم الْأَصِيل أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن القَاضِي الإِمَام يَمِين مملكة الْإِسْلَام يحيى بن فضل الله الْعَدوي الْعمريّ الشَّافِعِي ولد سنة سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة ذكره الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه الْمُخْتَص بالمحدثين وَقَالَ صَاحب النّظم والنثر والمآثر وَقَالَ ابْن فضل الله هَذَا فِي تَارِيخه الْمُسَمّى بمسالك الْأَبْصَار فِي ممالك الْأَمْصَار فِي تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية وَهِي طَوِيلَة تبلغ كراسة فَأكْثر

وَمِنْهُم أَحْمد ابْن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام الْعَلامَة الْحَافِظ الْمُجْتَهد الْمُفَسّر شيخ الْإِسْلَام نادرة العصرة علم الزهاد هُوَ الْبَحْر من أَي النواحي جِئْته والبدر من أَي الضواحي رَأَيْته رضع ثدي الْعلم مُنْذُ فطم وطلع وَجه الصَّباح ليحاكيه فلطم وَقطع اللَّيْل وَالنَّهَار ردائين وَاتخذ الْعلم وَالْعَمَل صاحبين إِلَى أَن أنسى السّلف بهداه وأنأى الْخلف عَن بُلُوغ مداه على أَنه من بَيت نشأت مِنْهُ عُلَمَاء فِي سالف الدهور ونشأت مِنْهُ عُظَمَاء على الْمَشَاهِير الشُّهُور فأحيا معالم بَيته الْقَدِيم إِذْ درس وجنى من فننه الرطيب مَا غرس وَأصْبح فِي فَضله آيَة إِلَّا أَنه آيَة الحرس عرضت لَهُ الكدي فزحزحها وعارضته الْبحار فضحضها ثمَّ كَانَ أمة وَحده وفردا حَتَّى نزل لحده أخمل من القرناء كل عَظِيم وأخمد من أهل الْبدع كل حَدِيث وقديم جَاءَ فِي عصر مأهول بالعلماء مشحون بنجوم السَّمَاء تموج فِي جوانبه بحور خضارم وَتَطير بَين خافقيه نسور قشاعم وتشرق فِي أنديته بدور دجنة وتبرق فِي ألويته صُدُور أسنة إِلَّا أَن شمسه طمست تِلْكَ النُّجُوم وبحره طم على تِلْكَ الغيوم وابتلع غديره المطمئن جداولها واقتلع طوده المرجحن جنادلها ثمَّ عبيت لَهُ الْكَتَائِب فحطم صفوفها وخطم أنوفها وأخمدت أنفاسهم رِيحه وأكمدت شراراتهم مصابيحه ... تقدم ركابا فيهم إِمَامًا ... ولولاه لما ركبُوا وَرَاءه ... فَجمع أشتات الْمذَاهب وشتات الذَّاهِب وَنقل عَن أَئِمَّة الْإِجْمَاع فَمن سواهُم مذاهبهم الْمُخْتَلفَة واستحضرها وَمثل صورهم الذاهبة وأحضرها فَلَو شعر أَبُو حنيفَة بِزَمَانِهِ وَملك أمره لأدنى عصره إِلَيْهِ مقتربا

أَو مَالك لأجرى وَرَاءه أشهبه وكوكبا أَو الشَّافِعِي لقَالَ لَيْت هَذَا كَانَ للْأُم ولدا وليتني كنت لَهُ أَبَا أَو الشَّيْبَانِيّ ابْن حَنْبَل لما لَام عذاره إِذْ غَدا مِنْهُ لفرط الْعجب أشيبا لَا بل دَاوُد الظَّاهِرِيّ وَسنَان الباطني لظنا تَحْقِيقه من منتحله أَو ابْن حزم والشهرستاني لحشر كل مِنْهُمَا ذكره فِي نحله أَو الْحَاكِم النَّيْسَابُورِي والحافظ السلَفِي لأضافه هَذَا إِلَى مُسْتَدْركه وَهَذَا إِلَى رَحْله ترد إِلَيْهِ الْفَتَاوَى وَلَا يردهَا وتفد عَلَيْهِ فيجيب عَنْهَا بأجوبة كَأَنَّهُ كَانَ قَاعِدا لَهَا يعدها ... أبدا على طرف اللِّسَان جَوَابه ... فَكَأَنَّمَا هِيَ دفْعَة من صيب وَكَانَ من أذكى النَّاس كثير الْحِفْظ قَلِيل النسْيَان قَلما حفظ شَيْئا فنسية وَكَانَ إِمَامًا فِي التَّفْسِير وعلوم الْقُرْآن عَارِفًا بالفقه وَاخْتِلَاف الْفُقَهَاء والأصوليين والنحو وَمَا يتَعَلَّق بِهِ واللغة والمنطق وَعلم الْهَيْئَة والجبر والمقابلة وَعلم الْحساب وَعلم أهل الْكِتَابَيْنِ وَعلم أهل الْبدع وَغير ذَلِك من الْعُلُوم النقلية والعقلية وَمَا تكلم مَعَه فَاضل فِي فن من الْفُنُون إِلَّا ظن أَن ذَلِك الْفَنّ فنه وَكَانَ حافظة للْحَدِيث مُمَيّزا بَين صَحِيحه وسقيمه عَارِفًا بِرِجَالِهِ متضلعا من ذَلِك وَله تصانيف كَثِيرَة وتعاليق مفيدة وفتاوى مشبعة فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول والْحَدِيث ورد الْبدع بِالْكتاب وَالسّنة

13 - وَمِنْهُم بهاء الدّين السُّبْكِيّ وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة علم المناظرين أحد المتبحرين بهاء الدّين مُحَمَّد بن عبد الْبر بن يحيى بن عَليّ بن تَمام الْأنْصَارِيّ الخزرجي السُّبْكِيّ الشَّافِعِي ولد سنة سبع وَسَبْعمائة وَتُوفِّي بِدِمَشْق سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة ذكره الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه فَقَالَ إِمَام متبحر مناظر بَصِير بِالْعلمِ مُحكم للعربية وَغَيرهَا قَالَ وناب فِي الحكم يَعْنِي عَن الإِمَام تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ ثمَّ ولي الْقَضَاء اسْتِقْلَالا سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة ثمَّ ولي قَضَاء الديار المصرية سنة سِتّ وَسِتِّينَ ثمَّ صرف عَنهُ عَام اثْنَيْنِ وَسبعين ثمَّ ولي قَضَاء دمشق ثَانِيًا قَالَ الْعَلامَة صَاحب كتاب الرَّد الوافر حكى بعض من لَقيته من الشُّيُوخ أَنه حضر مرّة مَعَ قَاضِي الْقُضَاة بهَا الدّين السُّبْكِيّ درسا أَلْقَاهُ بِالْمَدْرَسَةِ الرواحية بِدِمَشْق فجَاء طَائِفَة من القلندرية يسألونه فَأمر لَهُم بِشَيْء ثمَّ جَاءَ طَائِفَة أُخْرَى من الحيدرية وَهُوَ يتَوَضَّأ على

بركَة الْمدرسَة الْمَذْكُورَة فَأمر لَهُم بِشَيْء ثمَّ جَاءَ فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ رحم الله ابْن تَيْمِية كَانَ يكره هَؤُلَاءِ الطوائف على بدعهم قَالَ فَلَمَّا قَالَ ذَلِك ذكرت لَهُ كَلَام النَّاس فِي ابْن تَيْمِية فَقَالَ لي وَالله يَا فلَان مَا يبغض ابْن تَيْمِية إِلَّا جَاهِل أَو صَاحب هوى فالجاهل لَا يدْرِي مَا يَقُول وَصَاحب الْهوى يصده هَوَاهُ عَن الْحق بعد مَعْرفَته بِهِ قَالَ فَأَعْجَبَنِي ذَلِك مِنْهُ وَقبلت يَده وَقلت جَزَاك الله خيرا قَالَ فَكيف هَذَا لَو سمع مِمَّا صحت بِهِ الرِّوَايَة عَن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ من مدحه لِابْنِ تَيْمِية لطار فَرحا من السرُور ولأنشد متمثلا بذلك الْبَيْت الْمَشْهُور ... ومليحة شهِدت لَهَا ضراتها ... وَالْفضل مَا شهِدت بِهِ الْأَعْدَاء ... كتب الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِيمَا اشْتهر إِلَى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ يعاتبه على مَا صدر فَكتب الْجَواب يعْتَذر عَن تِلْكَ الحادثات وَمن بعضه مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخ زين الدّين بن رَجَب فِي كِتَابه الطَّبَقَات فَقَالَ وَمِمَّا وجد فِي كتاب كتبه الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْحسن السُّبْكِيّ إِلَى الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي أَمر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يَعْنِي ابْن تَيْمِية أما قَول سَيِّدي فِي الشَّيْخ فالمملوك يتَحَقَّق كبر قدره وزخارة بحره وتوسعه فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية وفرط ذكائه واجتهاده وبلوغه فِي كل من ذَلِك الْمبلغ الَّذِي لَا يتَجَاوَز الْوَصْف والمملوك يَقُول ذَلِك دَائِما وَقدره فِي نَفسِي أعظم من ذَلِك وَأجل مَعَ مَا جمع الله لَهُ من الزهادة والورع والديانة نصْرَة الْحق

وَالْقِيَام فِيهِ لَا لغَرَض سواهُ وجريه على سنَن السّلف وَأَخذه من ذَلِك بالمأخذ الأوفى وغرابة مثله فِي هَذَا الزَّمَان بل من أزمان إنتهى 14 - وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَالم الْفَاضِل الْمُحدث أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن طغريل الْخَوَارِزْمِيّ أَخذ عَن خلائق من رَوَاهُ الْآثَار مَاتَ سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة كتب بِخَطِّهِ سَماع طبقَة فَقَالَ وَسَيِّدنَا الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الصَّدْر الْكَبِير الْكَامِل الْقدْوَة الْحَافِظ الزَّاهِد العابد الْوَرع شيخ الْإِسْلَام مفتي الْفرق حجَّة الْمذَاهب مقتدى الطوائف لِسَان الشَّرِيعَة مُجْتَهد الْعَصْر وحيد الدَّهْر إِمَام الْأَئِمَّة تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد وَذكر بَقِيَّة نسبه وَشَيخنَا الإِمَام الْعَالم الزَّاهِد الْوَرع الْمُحدث الْعُمْدَة الْحجَّة الْحَافِظ الْكَبِير مُحدث الْعَصْر جمال الدّين أبي الْحجَّاج يُوسُف بن الزكي الْمزي وَذكر بَقِيَّة الْمَشَايِخ والقارىء وَبَعض السامعين 15 - وَمِنْهُم الْعَالم الْفَاضِل الْمُحدث البارع المؤرخ جمال المؤرخين شمس الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْمسند الْكَبِير يحيى بن الشَّيْخ الْفَقِيه الْفَاضِل الأديب البارع مُحَمَّد بن سعيد بن مُفْلِح الْمَقْدِسِي الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي وَذكره الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه

كتب بِخَطِّهِ فِي طبقَة سَماع لجزء الْحسن بن عرفه الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الأوحد البارع الْحجَّة الْحَافِظ الزَّاهِد العابد الْوَرع شيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام بَقِيَّة الْأَئِمَّة الْأَعْلَام إِمَام الْأَئِمَّة قدوة الْأمة عَلامَة الزَّمَان فريد الْعَصْر والأوان بَحر الْعُلُوم تَقِيّ الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد وَذكر بَقِيَّة نسبه وَبَقِيَّة الْمَشَايِخ ثمَّ قَالَ بِقِرَاءَة الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الْحَافِظ النَّاقِد البارع مؤرخ الْإِسْلَام علم الدّين البرزالي 16 - وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَالم الْفَاضِل الْمُحدث المؤرخ الْمُفِيد الأديب أَبُو مُحَمَّد الْحسن ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ عمر بن الْحسن بن عَمْرو بن حبيب الدِّمَشْقِي الْحلَبِي سمع الحَدِيث وَجمع فأوعى وَسمع وروى وَله مؤلفات عدَّة مِنْهَا درة الأسلاك فِي دولة الأتراك قَالَ فِيهِ فِي تَرْجَمَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة وفيهَا توفّي شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام بن تَيْمِية بَحر زاخر فِي النقليات وَحبر ماهر فِي حفظ عقائد العقليات وَإِمَام فِي معرفَة الْكتاب وَالسّنة وَهَمَّام لَا يمِيل إِلَى حلاوة من الْمِنَّة كَانَ ذَا ورع زَائِد وزهد فَرعه فِي روض الرضى مائد وسخاء وشجاعة وعزلة وقناعة وتصانيف مَشْهُورَة وفتاوى أعلامها منشورة يصدع بِالْحَقِّ وَيتَكَلَّم فِيمَا جلّ ودق وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر ويثابر على إِقَامَة الْحُدُود إِن شكر أَو لم يشْكر

17 - وَكَذَلِكَ الْعَلامَة صَاحب الْفَتَاوَى القاسمية فِي مَذْهَب السَّادة الْحَنَفِيَّة يترجم ابْن تَيْمِية بشيخ الْإِسْلَام عِنْد ذكره فِي عدَّة مَوَاضِع من فَتَاوِيهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَذكر الْعلمَاء الْأَعْلَام الَّذين ترجموا ابْن تَيْمِية بشيخ الْإِسْلَام وأثنوا عَلَيْهِ مِمَّا يطول وهم كثيرا جدا ذكر مِنْهُم صَاحب الرَّد الوافر نَحْو ثَمَانِينَ يترجمهم ثمَّ يذكر مدحهم لِابْنِ تَيْمِية وَقد قَالَ الشَّيْخ الإِمَام قَاضِي قُضَاة مصر وَالشَّام مفتي الْمُسلمين مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ صفي الدّين الْأنْصَارِيّ الْحَنَفِيّ ابْن الحريري إِن لم يكن ابْن تَيْمِية شيخ الْإِسْلَام فَمن وَسُئِلَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْمُحدث أَبُو حَفْص عمر بن مُسلم الْقرشِي قَاضِي أهل دمشق فِي عصره وواعظ أهل مصر عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية فَقَالَ هُوَ شيخ الْإِسْلَام على الْإِطْلَاق وَقد أثنى على الشَّيْخ ابْن تَيْمِية عُلَمَاء بَغْدَاد وَأَرْسلُوا كتبا فِي شَأْنه لما كَانَ مَحْبُوسًا بالقلعة مَكْتُوب فِيهَا ثمَّ إِن هَذَا الشَّيْخ الْمُعظم الْجَلِيل وَالْإِمَام المكرم النَّبِيل أوحد الدَّهْر فريد الْعَصْر طراز المملكة

الملكية وَعلم الدولة السُّلْطَانِيَّة لَو أقسم مقسم بِاللَّه الْعَظِيم الْقَدِير إِن هَذَا الإِمَام الْكَبِير لَيْسَ لَهُ فِي عصره مماثل وَلَا نَظِير لكَانَتْ يَمِينه برة غنية عَن التَّكْفِير وَقد خلت من وجود مثله السَّبْعَة الأقاليم إِلَّا هَذَا الإقليم يُوَافق على ذَلِك كل منصف جبل على الطَّبْع السَّلِيم ولسنا بالثناء عَلَيْهِ نطريه بل لَو أطنب مطنب فِي مدحه وَالثنَاء عَلَيْهِ لما أَتَى على بعض الْفَضَائِل الَّتِي فِيهِ أَحْمد بن تَيْمِية درة يتيمة يتنافس فِيهَا تشترى وَلَا تبَاع لَيْسَ فِي خَزَائِن الْمُلُوك درة تماثلها وتؤاخيها انْقَطَعت عَن وجود مثله الأطماع وَلَقَد أَصمّ الأسماع وأوهى قوى المتبوعين والأتباع سَماع رفع أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية إِلَى القلاع وَلَيْسَ يَقع من مثله أَمر ينقم مِنْهُ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون أمرا قد لبس عَلَيْهِ وَنسب إِلَى مَا لَا ينْسب مثله إِلَيْهِ والتطويل على الحضرة الْعلية لَا يَلِيق إِن يكن فِي الدُّنْيَا قطب فَهُوَ القطب على التَّحْقِيق أرسلوها فِي مكاتباتهم وفتاويهم الْمُوَافقَة لقَوْله الناصرة لَهُ وَقد ذكرت ذَلِك كُله فِي كتاب مَنَاقِب ابْن تَيْمِية وَلَقَد أنصف ابْن فضل الله الْعمريّ حَيْثُ قَالَ فِي تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية فَلَقَد اجْتمع عَلَيْهِ عصب الْفُقَهَاء والقضاة بِمصْر وَالشَّام وحشدوا عَلَيْهِ خيلهم ورجلهم فَقطع الْجَمِيع وألزمهم الْحجَج الواضحات أَي إِلْزَام فَلَمَّا أفلسوا أَخَذُوهُ بالجاه والحكام وَقد مضى ومضوا إِلَى المليك العلام {ليجزي الَّذين أساؤوا بِمَا عمِلُوا وَيجْزِي الَّذين أَحْسنُوا بِالْحُسْنَى} النَّجْم 31

فصل في وفاة شيخ الإسلام ابن تيمية

فصل فِي وَفَاة شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الْحَافِظ ثِقَة الْمُحدثين عُمْدَة المؤرخين علم الْمُفَسّرين ابْن كثير الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي فِي تَارِيخه ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة فِي ذِي الْقعدَة مِنْهَا كَانَت وَفَاة شيخ الْإِسْلَام أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية قدس الله روحه قَالَ وَقد اتّفق مَوته فِي سحر لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ فَذكر ذَلِك مُؤذن القلعة على المنارة بهَا وَتكلم بهَا الحراس على الأبرجة فَمَا أصبح النَّاس إِلَّا وَقد تسامعوا بِهَذَا الْخطب الجسيم فبادر النَّاس إِلَى الِاجْتِمَاع حول القلعة من كل مَكَان أمكنهم الْمَجِيء مِنْهُ حَتَّى من الغوطة والمرج وَلم يطْبخ أهل الْأَسْوَاق شَيْئا وَلَا فتحُوا كثيرا من الدكاكين الَّتِي من شَأْنهَا أَن تفتح أَوَائِل النَّهَار على الْعَادة وَكَانَ نَائِب السلطة قد ذهب يتصيد فِي بعض الْأَمْكِنَة ثمَّ ذكر ابْن كثير صفة غسله وَحمله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَالنَّاس فِي بكاء وتهليل فِي مَخَافَة كل وَاحِد فِي نَفسه وَفِي ثَنَاء وتأسف وَالنِّسَاء فَوق الأسطحة من هُنَاكَ إِلَى الْمقْبرَة يبْكين ويترحمن

قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ يَوْمًا مشهودا لم يعْهَد مثله بِدِمَشْق وَلَا يُمكن أحد حصر من حضر الْجِنَازَة قَالَ ورثي بأشعار كَثِيرَة وقصائد مُطَوَّلَة جدا وَقد أفردت لَهُ تراجم كَثِيرَة وصنف فِي ذَلِك جمَاعَة من الْفُضَلَاء قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ رَحمَه الله من كبار الْعلمَاء مِمَّن يخطىء ويصيب وَلَكِن كَانَ خطأه بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَوَابه كنقطة فِي بَحر لجي وَخَطأَهُ أَيْضا مغْفُور لَهُ كَمَا صَحَّ فِي البُخَارِيّ إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِذا اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر فَهُوَ مأجور وَقَالَ الإِمَام مَالك بن أنس كل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك إِلَّا صَاحب هَذَا الْقَبْر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنتهى كَلَام ابْن كثير مُلَخصا وَقَالَ الْحَافِظ البرزالي فِي تَارِيخه وَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ الْعشْرين من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة توفّي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْفَقِيه الْحَافِظ الزَّاهِد الْقدْوَة شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن شَيخنَا الإِمَام الْمُفْتِي شهَاب الدّين أبي المحاسن عبد الْحَلِيم ابْن الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام مجد الدّين أبي البركات عبد السَّلَام بن تَيْمِية بقلعة دمشق فِي القاعة الَّتِي كَانَ مَحْبُوسًا فِيهَا وَاجْتمعَ النَّاس بالقلعة وَالطَّرِيق إِلَى جَامع دمشق وامتلأ الْجَامِع وصحنه والكلاسمة وَبَاب الْبَرِيد وَبَاب السَّاعَات وَحَضَرت الْجِنَازَة السَّاعَة الرَّابِعَة وَوضعت فِي

الْجَامِع والجند يحفظونها من شدَّة الزحام وَصلي عَلَيْهِ أَولا بالقلعة ثمَّ صلي عَلَيْهِ بِجَامِع دمشق عقب الظّهْر وَحمل من بَاب الْبَرِيد وَذكر بَقِيَّة ذَلِك وَصفَة دَفنه قَالَ وَكَانَ دَفنه وَقت الْعَصْر وَذَلِكَ من كَثْرَة من يَأْتِي وَيُصلي عَلَيْهِ من أهل الْبَسَاتِين وَأهل الغوطة وَأهل الْقرى وغلق النَّاس حوانيتهم وَلم يتَخَلَّف عَن الْحُضُور إِلَّا من هُوَ عَاجز مَعَ الترحم وَالدُّعَاء لَهُ وَحضر نسَاء كثير بِحَيْثُ حزرت بِخَمْسَة عشر ألف امْرَأَة غير اللواتي كن على الأسطح وَأما الرِّجَال فحزروا بِمِائَة ألف إِلَى أَكثر من ذَلِك إِلَى مِائَتي ألف ثمَّ قَالَ وَلَا شكّ أَن جَنَازَة أَحْمد بن حَنْبَل كَانَت هائلة عَظِيمَة بِسَبَب كَثْرَة أهل بَلَده واجتماعهم لذَلِك وتعظيمهم لَهُ وَإِن الدولة كَانَت تحبه وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية توفّي ببلدة دمشق وَأَهْلهَا لَا يعشرُونَ أهل بَغْدَاد كَثْرَة وَلَكنهُمْ اجْتَمعُوا لجنازته اجتماعا لَو جمعهم سُلْطَان قاهر وديوان حاصر لما بلغُوا هَذِه الْكَثْرَة مَعَ أَنه مَاتَ بالقلعة مَحْبُوسًا من جِهَة السُّلْطَان وَكثير من الْفُقَهَاء والفقراء يذكرُونَ عَنهُ للنَّاس أَشْيَاء كَثِيرَة ينفر مِنْهَا طباع أهل الْأَدْيَان فضلا عَن أهل الْإِسْلَام وَهَذِه كَانَت جنَازَته رَحمَه الله انْتهى مُلَخصا وَقَالَ بعض من حضر من الثِّقَات كنت مِمَّن صلى عَلَيْهِ فِي الْجَامِع وَكَانَ لي مستشرف على الْمَكَان الَّذِي صلي عَلَيْهِ بِظَاهِر دمشق وَجعلت أنظر يَمِينا وَشمَالًا وَلَا أَدْرِي أواخرهم بل رَأَيْت النَّاس قد طبقوا تِلْكَ الأَرْض كلهَا

وَاتفقَ جمَاعَة مِمَّن حضر وَشَاهد النَّاس والمصلين عَلَيْهِ على إِنَّهُم يزِيدُونَ على نَحْو من خَمْسمِائَة ألف وحضرها نسَاء كثير بِحَيْثُ حزرن بِخَمْسَة عشر ألفا قَالَ أهل التَّارِيخ لم يسمع فِي جَنَازَة بِمثل هَذَا الْجمع إِلَّا جَنَازَة الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ سَمِعت أَبَا سهل بن زِيَاد الْقطَّان يَقُول سَمِعت عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول سَمِعت أبي يَقُول قُولُوا لأهل الْبدع بَيْننَا وَبَيْنكُم الْجَنَائِز قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ حزر الحزارون الْمُصَلِّين على جَنَازَة أَحْمد فَبلغ الْعدَد بحزرهم ألف ألف وَسَبْعمائة ألف سوى الَّذين كَانُوا فِي السفن وَقَالَ ابْن فضل الله الْعمريّ فِي تَرْجَمته لِابْنِ تَيْمِية وَكَانَ قبل مَوته قد منع الدواة والقلم وطبع على قلبه مِنْهُ طَابع الْأَلَم فَكَانَ ذَلِك مبدأ مَرضه ومنشأ عرضه حَتَّى نزل قفار الْمَقَابِر وَترك فقار المنابر وَحل ساحة ربه وَمَا يحاذر وَأخذ رَاحَة قلبه من اللائم والعاذر فَمَاتَ وَمَا مَاتَ لَا بل حييّ وَعرف قدره لِأَن مثله مَا رئي مَا برح على المآثر إِلَى أَن صرعه أَجله وَأَتَاهُ بشير الْجنَّة يستعجله فانتقل إِلَى الله وَالظَّن بِهِ أَنه لَا يخجله

وَكَانَ يَوْم دَفنه يَوْمًا مشهودا ووقتا معدودا ضَاقَتْ بِهِ الْبَلَد وظواهرها وتذكرت بِهِ أَوَائِل الرزايا وآواخرها وَلم يكن أعظم مِنْهَا مُنْذُ مئين سِنِين جَنَازَة رفعت على الرّقاب ووطئت فِي زحامها الأعقاب وَسَار مَرْفُوعا على الرؤوس متبوعا بالنفوس تحدوه العبرات وتتبعه الزفرات كَانَ أمة وَحده وفردا حَتَّى نزل لحده ورثاه بقصيدة طَوِيلَة مِنْهَا ... بر السوابق ممتد الْعبارَة لَا ... يَنَالهُ ملل فِيهَا وَلَا ضجر وَلم يكن مثله بعد الصَّحَابَة فِي ... علم عَظِيم وزهد مَا لَهُ خطر طَريقَة كَانَ يمشي قبل مشيته ... بهَا أَبُو بكر الصّديق أَو عمر فَرد الْمذَاهب فِي أَقْوَال أَرْبَعَة ... جَاءُوا على أثر السباق وابتدروا لما بنوا قبله عليا مذاهبهم ... بنى وَعمر مِنْهَا مثل مَا عمروا مثل الْأَئِمَّة قد أَحْيَا زمانهم ... كَأَنَّهُ كَانَ فيهم وَهُوَ منتظر إِن يرفعوهم جَمِيعًا رفع مُبْتَدأ ... فحقه الرّفْع أَيْضا إِنَّه خبر قَالُوا قبرناه قُلْنَا إِن ذَا عجب ... حَقًا اللكوكب الدُّرِّي قد قبروا لم يبكه ندما من لَا يُصِيب دَمًا ... يجْرِي بِهِ ديما تهمي وتنهمر لهفي عَلَيْك أَبَا الْعَبَّاس كم كرم ... لما قضيت قضى من عمره الْعُمر سقى ثراك من الوسمي صيبه ... وزار مفناك قطر كُله قطر يَا وَارِثا من عُلُوم الْأَنْبِيَاء نهى ... أورثت قلبِي نَارا وقدها الْفِكر يَا وَاحِدًا لست أستثني بِهِ أحدا ... من الْأَنَام وَلَا أُبْقِي وَلَا أذر يَا عَالما بنقول الْفِقْه أجمعها ... أعنك تحفظ زلات كَمَا ذكرُوا كم من فَتى جَاهِل غر أبنت لَهُ رشد الْمقَال فَزَالَ الْجَهْل وَالْغرر ...

.. مَا أَنْكَرُوا مِنْك إِلَّا أَنهم جهلوا ... عَظِيم قدرك لَكِن ساعد الْقدر قَالُوا بأنك قد أَخْطَأت وَاحِدَة ... وَقد يكون فَهَلا مِنْك تغتفر وَمن يكون على التَّحْقِيق مُجْتَهدا ... لَهُ الثَّوَاب على الْحَالين لَا الْوزر ألم تكن بِأَحَادِيث النَّبِي إِذا ... سُئِلت تعرف مَا تَأتي وَمَا تذر حاشاك من شبه فِيهَا وَمن شبه ... كِلَاهُمَا مِنْك لَا يبْقى لَهُ أثر عَلَيْك فِي الْبَحْث أَن تبدي غوامضه ... وَمَا عَلَيْك إِذا لم تفهم الْبَقر قدمت لله مَا قدمت من عمل ... وَمَا عَلَيْك بهم ذموك أَو شكروا هَل كَانَ مثلك من يخفى عَلَيْهِ هدى ... وَمن سمائك تبدو الأنجم الزهر وَكَيف تحذر من شَيْء تزل بِهِ ... أَنْت التقي فَمَاذَا الْخَوْف والحذر ... وَقد قَالَ الأفاضل فِي الشَّيْخ ابْن تَيْمِية مراثي كَثِيرَة ذكرت جانبا مِنْهَا فِي كتابي الْكَوَاكِب الدرية فِي مَنَاقِب الْمُجْتَهد ابْن تَيْمِية وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو حَفْص عمر الْبَغْدَادِيّ الْبَزَّار فِي تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية وَمَا وصل خبر مَوته إِلَى بلد فِيمَا نعلم إِلَّا وَصلي عَلَيْهِ فِي جَمِيع جوامعه ومجامعه خُصُوصا أَرض مصر وَالشَّام وَالْعراق وتبريز وَالْبَصْرَة وقراها وَغَيرهَا وَأطَال فِي تعداد فَضَائِل الشَّيْخ وَجمع لَهُ تَرْجَمَة مُفْردَة سَمَّاهَا الْأَعْلَام الْعلية فِي مَنَاقِب الإِمَام ابْن تَيْمِية وَقد تقدم قَول الْحَافِظ ابْن رَجَب أَنه صلى على ابْن تَيْمِية صَلَاة

الْغَائِب فِي غَالب بِلَاد الْإِسْلَام الْقَرِيبَة والبعيدة حَتَّى فِي الْيمن والصين وَأخْبر المسافرون أَنه نُودي بأقصى بِلَاد الصين للصَّلَاة عَلَيْهِ يَوْم جُمُعَة الصَّلَاة على ترجمان الْقُرْآن رَحمَه الله تَعَالَى اللَّهُمَّ تغمده بِرَحْمَتك ورضوانك وَأَسْكَنَهُ أَعلَى فراديس جناتك وانفعنا ببركاته الوافرة وعلومه الزاخرة وأنفاسه الطاهرة وأسراره الباهرة وأسراريره الزاهرة واجمع لنا بَين خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة آمين آمين

خاتمة لطيفة

خَاتِمَة لَطِيفَة فقد كتب جمَاعَة من الْأَئِمَّة الأماثل وَالْعُلَمَاء الأفاضل تقاريظ على كتاب الرَّد الوافر تصنيف الإِمَام الْعَالم الأوحد الْقدْوَة الْحَافِظ أبي عبد الله مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين الشَّافِعِي خَادِم السّنة الَّذِي أَلفه فِي الرَّد على من يطعن فِي ابْن تَيْمِية وَلَقَد بَالغ هَذَا الطاعن المتهاون بِذَنبِهِ والمتجرىء على ربه فنسب الشَّيْخ إِلَى الْكفْر بل نسب مَعَه أَيْضا من أطلق عَلَيْهِ شيخ الْإِسْلَام فَانْظُر إِلَى مَا يَقع من سُفَهَاء الْأَنَام ورعاع اللئام وغوغاء الْعَوام وَمن يعد نَفسه بشرا وَهُوَ من الْأَنْعَام وَمَا هُوَ إِلَّا على حد قَول الْأَعْشَى ... كناطح صَخْرَة يَوْمًا ليوهنها ... فَلم يَضرهَا وأوهى قرنه الوعل ... وانتقيت مِنْهُ هَذِه التراجم مَعَ بعض زَوَائِد لَطِيفَة

18 - صُورَة تَفْرِيط الإِمَام الْحَافِظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي الْحَمد لله وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى وقفت على هَذَا التَّأْلِيف النافع وَالْمَجْمُوع الَّذِي هُوَ للمقاصد الَّتِي جمع لأَجلهَا جَامع فتحققت سَعَة إطلاع الإِمَام الَّذِي صنفه وتضلعه من الْعُلُوم النافعة بِمَا عظمه من الْعلمَاء وشرفه وشهرة إِمَامَة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية أشهر من الشَّمْس وتلقيبه بشيخ الْإِسْلَام فِي عصره بَاقٍ إِلَى الْآن على الْأَلْسِنَة الزكية وَيسْتَمر غَدا كَمَا كَانَ بالْأَمْس وَلَا يُنكر ذَلِك إِلَّا من جهل مِقْدَاره وتجنب الْإِنْصَاف فَمَا أعظم غلط من تعاطى ذَلِك وَأكْثر عثاره وَلَو لم يكن من الدَّلِيل على إِمَامَة هَذَا الرجل إِلَّا مَا نبه عَلَيْهِ الْحَافِظ الشهير علم الدّين البرزالي فِي تَارِيخه أَنه لم يُوجد فِي الْإِسْلَام من اجْتمع فِي جنَازَته مِمَّا اجْتمع فِي جَنَازَة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَأَشَارَ إِلَى أَن جَنَازَة الإِمَام أَحْمد كَانَت حافلة جدا شَهِدَهَا مئات أُلُوف وَلَكِن لَو كَانَ بِدِمَشْق من الْخَلَائق نَظِير من كَانَ بِبَغْدَاد بل أَضْعَاف ذَلِك لما تَأَخّر أحد مِنْهُم عَن شُهُود جنَازَته وَأَيْضًا فَجَمِيع من كَانَ بِبَغْدَاد إِلَّا الْأَقَل كَانُوا يَعْتَقِدُونَ إِمَامَة الإِمَام أَحْمد وَكَانَ أَمِير بَغْدَاد خليفه الْوَقْت إِذْ ذَاك فِي غَايَة الْمحبَّة لَهُ والتعظيم بِخِلَاف ابْن تَيْمِية فَكَانَ أَمِير الْبَلَد حِين مَاتَ غَائِبا وَكَانَ أَكثر من بِالْبَلَدِ من الْفُقَهَاء قد تعصبوا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ مَحْبُوسًا بالقلعة وَمَعَ هَذَا فَلم يتَخَلَّف عَن حُضُور جنَازَته والترحم عَلَيْهِ والتأسف إِلَّا ثَلَاثَة أنفس تَأَخَّرُوا خشيَة على أنفسهم من الْعَامَّة وَمَعَ حُضُور هَذَا الْجمع الْعَظِيم فَلم يكن لذَلِك باعث إِلَّا اعْتِقَاد إِمَامَته وبركته لَا بِجمع سُلْطَان وَلَا غَيره وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض

وَلَقَد قَامَ على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين جمَاعَة من الْعلمَاء مرَارًا بِسَبَب أَشْيَاء أنكروها عَلَيْهِ من الْأُصُول وَالْفُرُوع وَعقد لَهُ بِسَبَب ذَلِك عدَّة مجَالِس بِالْقَاهِرَةِ وبدمشق وَلَا يحفظ عَن أحد مِنْهُم أَنه أفتى بزندقته وَلَا حكم بسفك دَمه مَعَ شدَّة المتعصبين عَلَيْهِ حِينَئِذٍ من أهل الدولة حَتَّى حبس بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ بالإسكندرية وَمن ذَلِك فكلهم معترف بسعة علمه وَكَثْرَة ورعه وزهده وَوَصفه بالسخاء والشجاعة وَغير ذَلِك من قِيَامه فِي نصْرَة الْإِسْلَام وَالدُّعَاء إِلَى الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة والمسائل الَّتِي أنْكرت عَلَيْهِ مَا كَانَ يَقُولهَا بالتشهي وَهَذِه تصانيفه طافحة بِالرَّدِّ على من يَقُول بالتجسم والتبري مِنْهُ وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ بشر يخطىء ويصيب فَالَّذِي أصَاب فِيهِ وَهُوَ الْأَكْثَر يُسْتَفَاد مِنْهُ ويترحم عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ وَالَّذِي أَخطَأ فِيهِ لَا يُقَلّد فِيهِ بل هُوَ مَعْذُور لِأَن أَئِمَّة عصره شهدُوا لَهُ بِأَن أدوات الِاجْتِهَاد إجتمعت فِيهِ حَتَّى كَانَ أَشد المتعصبين عَلَيْهِ والقائمين فِي إِيصَال الشَّرّ إِلَيْهِ وَهُوَ الشَّيْخ كَمَال الدّين الزملكاني شهد لَهُ بذلك وَكَذَلِكَ الشَّيْخ صدر الدّين ابْن الْوَكِيل الَّذِي لم يثبت لمناظرته غَيره وَمن أعجب الْعجب أَن هَذَا الرجل كَانَ أعظم النَّاس قيَاما على أهل الْبدع من الروافض والحلولية والاتحادية وتصانيفه كَثِيرَة شهيرة وفتاويه فِي ذَلِك لَا تدخل تَحت الْحصْر

فيا قُرَّة أَعينهم إِذا سمعُوا بِكُفْرِهِ وَيَا سرورهم إِذا رَأَوْا من يكفر من لَا يكفره فَالْوَاجِب على من تلبس بِالْعلمِ وَكَانَ لَهُ عقل أَن يتَأَمَّل كَلَام الرجل من تصانيفه الْمَشْهُورَة أَو من أَلْسِنَة من يوثق بِهِ من أهل النَّقْل فَيرد من ذَلِك مَا يُنكر فيحذر مِنْهُ على قصدر النصح وَلَو لم يكن للشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِلَّا تِلْمِيذه الشَّيْخ شمس الدّين ابْن الْقيم الجوزية صَاحب التصانيف النافعة السائرة الَّتِي انْتفع بهَا الْمُوَافق والمخالف لَكَانَ غَايَة فِي الدّلَالَة على عظم مَنْزِلَته فَكيف وَقد شهد لَهُ بالتقدم فِي الْعُلُوم والتمييز فِي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم أَئِمَّة عصره من الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم فضلا عَن الْحَنَابِلَة فَالَّذِي يُطلق عَلَيْهِ مَعَ هَذِه الْأَشْيَاء الْكفْر أَو على من سَمَّاهُ شيخ الْإِسْلَام لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يعول فِي هَذَا الْمقَام عَلَيْهِ بل يجب رده عَن ذَلِك إِلَى أَن يُرَاجع الْحق ويذعن للصَّوَاب وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل قَالَ ذَلِك وَكتبه أَحْمد بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حجر الشَّافِعِي وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع ربيع الأول سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة 19 - وَهَذَا صُورَة تقريظ الإِمَام الْهمام شيخ الْإِسْلَام صَاحب تَحْرِير الْكَلَام وَإِمَام الْحَنَفِيَّة فِي زَمَانه الشَّيْخ الْعَيْنِيّ رَحمَه الله تَعَالَى إِن أضوع زهر تفتق عَنهُ إكمام ألسن الْأَنَام وأبدع ذكرا يعبق مِنْهُ طيب الإفهام حمد من أجْرى مَاء التِّبْيَان فِي عود اللِّسَان لحمل ثمار الْمعَانِي

وَالْبَيَان وكشف ضبابه الأوهام بشموس الْحَقَائِق وَأَبَان مَا فِي الْقُلُوب بأقمار الْحَقَائِق وأشرع أسنة الخواطر والأفكار بأيدي أنوار البصائر والأبصار إِلَى ثغر الْعُلُوم وَالْأَخْبَار وأقلع عَنَّا بنسائم ألطافه عجاجة الظنون والشكوك وَوَقع لنا مناشير الصدْق فِي السلوك وأراحنا فِي ركُوب أَعْنَاق الْكَلَام من العثرات والملام وأراحنا عَن مقالات لَا يُقَال فِيهَا العثار ومحلات يَسْتَحِيل فِيهَا الْأَعْذَار اللَّهُمَّ صل على صَاحب الْوَحْي والرسالة الْمَخْلُوق من طِينَة والبسالة الَّذِي أسعدته فِي ذرى الملكوت وأعطيته الْكتاب وقرنت بِطَاعَتِهِ ومعصيته الثَّوَاب وَالْعِقَاب مُحَمَّد الْمُصْطَفى المستأثر بالشفاعة يَوْم الْحساب وعَلى آله الَّذين تنزهوا فِي رياض نبوته وَأَصْحَابه الَّذين تقلدوا بسيوف النُّصْرَة فِي دَعوته وعَلى عُلَمَاء الْأمة الَّذين استظهروا على صدمات الدَّهْر وصولته بِنَزْع ألسنتهم من تفويق سِهَام الطعْن إِلَى أغراض العصبية وإقلاع أسنة خوضهم فِي أَعْرَاض الْأَنْفس الأبية فَلذَلِك صَارُوا أنجما للاهتداء وبدورا للاقتداء فأجدر بهم أَن يفوه بمشايخ الْإِسْلَام وأنصار شَرِيعَته خير الْأَنَام وَبعد فَإِن مؤلف كتاب الرَّد الوافر قد جد فِي هَذَا التصنيف البديع الزَّاهِر وجلا بمنطقه السحار الرَّد على من تفوه بالإكفار لعلماء الْإِسْلَام وَالْأَئِمَّة الأساطين والأعلام الَّذين تبوأوا الدَّار فِي رياض النَّعيم واستنشقوا ريَاح الرَّحْمَة من رب كريم فَمن طعن فِي وَاحِد مِنْهُم أَو نقل غير صَحِيح عَنْهُم فَكَأَنَّمَا نفخ فِي الرمال واجتنى من خرط القتاد وَكَيف يحل لمن يتسم بِالْإِسْلَامِ أَو يتسمى بسمة أَو علم أَو فهم وإفهام أَن يكفر من قبله عَن ذَلِك سليم بهيج واعتقاده لَا يكَاد إِلَى ذَلِك يهيج وَلَكِن لم يور زند طبعه فِي القريض لم يزل يجد الْعَذَاب مرا كَالْمَرِيضِ والعائب بجهله شَيْئا يُبْدِي صفحة معاداته ويتخبط خبط العشواء فِي محاوراته وَلَيْسَ هُوَ إِلَّا كالجعل

باشتمام الْورْد يَمُوت حتف أَنفه وكالخفاش يتَأَذَّى بِظُهُور سنا الضَّوْء لسوء بَصَره وَضَعفه وَلَيْسَ لَهُ سجية نقادة وَلَا روية وقادة وَمَا هم إِلَّا صلقع بلقع سلقع صلمعة بن قلمعة وهيان بن بَيَان وَهِي بن بِي وصل بن ضل وضلال بن التلال وَمن الشَّائِع المستفيض أَن الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية من شم عرانين الأفاضل وَمن جم براهين الأماثل الَّذِي كَانَ لَهُ من الْأَدَب مآدب تغذي الْأَرْوَاح وَمن نخب الْكَلَام لَهُ سلافة تهز الأعطان المراح وَمن ثمار أفكار ذَوي البراعة طبعه المغلق فِي الصِّنَاعَة الخالية عَن وصمة الشناعة وَهُوَ الكاثف عَن وُجُوه مخدرات الْمعَانِي نقابها والمنتزع عَن عرائس أبكار المباني بكشف جلبابها وَهُوَ الذاب عَن الدّين طعن الزَّنَادِقَة والملحدين والناقد للمرويات عَن سيد الْمُرْسلين وللمأثورات عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمن قَالَ إِنَّه كَافِر فَهُوَ كَافِر حقيق وَمن نسبه إِلَى الزندقة فَهُوَ زنديق وَكَيف ذَاك وَقد سَارَتْ تصانيفه فِي الْآفَاق وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء مِمَّا يدل على الزيغ والشقاق وَلم يكن بَحثه فِيمَا صدر عَنهُ فِي مَسْأَلَة الزِّيَادَة وَالطَّلَاق إِلَّا عَن اجْتِهَاد سَائِغ بالِاتِّفَاقِ والمجتهد فِي الْحَالَتَيْنِ مأجور ومثاب وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء مِمَّا يلام ويعاب لَكِن حملهمْ على ذَلِك حسدهم

الظَّاهِر وكيدهم الباهر وَكفى للحاسد ذما آخر سُورَة الفلق فِي احتراقه بالقلق أَلا وَهُوَ الإِمَام الْفَاضِل البارع التقي النقي الْوَرع الْفَارِس فِي علمي الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وَالْأُصُول بالتقرير والتحرير وَالسيف الصارم على المبتدعين والحبر الْقَائِم بِأُمُور الدّين والأمار بِالْمَعْرُوفِ والناهي عَن الْمُنكر ذُو همة وشجاعة وإقدام فِيمَا يروع ويزجر كثير الذّكر وَالصَّوْم وَالصَّلَاة وَالْعِبَادَة خشن الْعَيْش والقناعة من دون طلب الزِّيَادَة وَكَانَت لَهُ المواعيد الْحَسَنَة السّنيَّة والأوقات الطّيبَة البهية مَعَ كَفه عَن حطام الدُّنْيَا الدنية وَله المصنفات الْمَشْهُورَة المقبولة والفتاوى القاطعة غير المعلولة وَقد كتب على بعض مصنفاته قَاضِي الْقُضَاة ابْن الزملكاني رَحمَه الله ... مَاذَا يَقُول الواصفون لَهُ ... وَصِفَاته جلت عَن الْحصْر هُوَ حجَّة لله قاهرة ... هُوَ بَيْننَا أعجوبة الدَّهْر ... أَفلا تَكْفِي شَهَادَة هَذَا الحبر لهَذَا الإِمَام حَيْثُ أطْلقُوا عَلَيْهِ حجَّة الله فِي الْإِسْلَام ودعواه أَن صِفَاته الحميد لَا يُمكن حصرها ويعجز الواصف عَن عدهَا وسبرها فَإِذا كَانَ كَذَلِك كَيفَ لَا يجوز إِطْلَاق شيخ الْإِسْلَام عَلَيْهِ أَو التَّوَجُّه بِذكرِهِ إِلَيْهِ وَكَيف يسوغ إِنْكَار المعاند الماكر الْحَاسِد وليت شعري مَا متمسك هَذَا المكابر الْجَاهِل المجاهر وَقد علم أَن لَفْظَة الشَّيْخ لَهَا مَعْنيانِ لغَوِيّ واصطلاحي

فَمَعْنَاه اللّغَوِيّ الشَّيْخ من استبان فِيهِ الْكبر وَمَعْنَاهُ الاصطلاحي الشَّيْخ من يصلح أَن يتلمذ لَهُ وكلا الْمَعْنيين مَوْجُود فِي الإِمَام الْمَذْكُور وَلَا ريب أَنه كَانَ شَيخا لجَماعَة من عُلَمَاء الْإِسْلَام ولتلاميذه من فُقَهَاء الْأَنَام فَإِذا كَانَ كَذَلِك كَيفَ لَا يُطلق عَلَيْهِ شيخ الْإِسْلَام لِأَن من كَانَ شيخ الْمُسلمين يكون شَيخا لِلْإِسْلَامِ وَقد صرح بِإِطْلَاق ذَلِك عَلَيْهِ قُضَاة الْقُضَاة الْأَعْلَام وَالْعُلَمَاء الأفاضل أَرْكَان الْإِسْلَام وهم الَّذين ذكرهم مؤلف كتاب الرَّد الوافر فِي رسَالَته الَّتِي أبدع فِيهَا بِالْوَجْهِ الظَّاهِر وَقد استغنينا بِذكرِهِ عَن إِعَادَته فالواقف عَلَيْهِ يتأمله والناظر فِيهِ يتقبله وَأما مناظرات هَذَا الإِمَام فكثيرة فِي مجَالِس عديدة فَلم يظْهر ذَلِك معانديه فِيمَا ادعِي بِهِ عَلَيْهِ برهَان غير تنكيدات فِي الْقُلُوب رسخت ثمار الشنان وقصارى ذَلِك أَنه حبس بالظلم والعدوان وَلَيْسَ فِي ذَلِك مَا يعاب بِهِ ويشان وَقد جرى على جلة من التَّابِعين الْكِبَار من قتل وَقيد وَحبس وإشهار وَقد حبس الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَمَات فِي الْحَبْس فَهَل قَالَ أحد من الْعلمَاء إِنَّه حبس حَقًا وَحبس الإِمَام أَحْمد وَقيد لما قَالَ قولا صدقا وَالْإِمَام مَالك ضرب ضراب مؤلما شَدِيدا بالسياط وَالْإِمَام الشَّافِعِي حمل من الْيمن إِلَى بَغْدَاد بالقيد والإحبياط وَلَيْسَ ببدع أَن يجْرِي على هَذَا الإِمَام مَا جرى على أُولَئِكَ الْأَئِمَّة الْأَعْلَام

ثمَّ ذكر الْعَيْنِيّ وَفَاة ابْن تَيْمِية وَكَثْرَة الْخَلَائق فِي جنَازَته ومرثية عمر ابْن الوردي فِيهِ ثمَّ قَالَ وَفِيه يَقُول الْعَلامَة أثير الدّين أَبُو حَيَّان رَحمَه الله تَعَالَى ... قَامَ ابْن تَيْمِية فِي نصر شرعتنا ... مقَام سيد تيم إِذْ عَصَتْ مُضر فأظهر الْحق إِذْ أثاره درست ... وأخمد الشَّرّ إِذْ طارت لَهُ الشرر كُنَّا نُحدث عَن حبر يَجِيء فها ... أَنْت الإِمَام الَّذِي قد كَانَ ينْتَظر ... وَمثل الإِمَام أبي حَيَّان إِذا شهد لَهُ بِأَنَّهُ نَاصِر الشَّرِيعَة ومظهر الْحق ومخمد الشَّرّ وَأَنه هُوَ الإِمَام الَّذِي كَانُوا ينتظرون مَجِيئه كَفاهُ مدحا وتزكية فَإِذا كَانَ هَذَا الإِمَام بِهَذَا الْوَصْف بِشَهَادَة هَذَا الْعَلامَة وبشهادة غَيره من الْعلمَاء الْكِبَار فَمَا يَتَرَتَّب على من يُطلق عَلَيْهِ الزندقة أَو ينبزه بالْكفْر وَلَا يصدر هَذَا إِلَّا عَن غبي جَاهِل أَو مَجْنُون كَامِل فَالْأول يُعَزّر بغاية التَّعْزِير ويشهر فِي الْمجَالِس غَايَة التشهير بل يؤبد فِي الْحَبْس إِلَى أَن يحدث التَّوْبَة وَيرجع عَن ذَلِك بِأَحْسَن الأوبة وَالثَّانِي يداوى بالسلاسل والأصفاد وَالضَّرْب الشَّديد بِلَا أعداد وَهَذَا كُله من فَسَاد أهل هَذَا الزَّمَان وتواني وُلَاة الْأَمر عَن إِظْهَار الْعدْل وَالْإِحْسَان وَقطع دابر المفسدين واستئصال شأفة المدبرين حَيْثُ يتَصَدَّى جَاهِل غبي يَدعِي أَنه عَالم يثلب أَعْرَاض عُلَمَاء الْمُسلمين وَلَا سِيمَا الَّذين مضوا إِلَى الْحق وَبِه كَانُوا عادلين وَهَذَا الإِمَام مَعَ جلالة قدره فِي الْعُلُوم نقلت عَنهُ على لِسَان جم غفير من النَّاس كرامات ظَهرت مِنْهُ بِلَا التباس وأجوبة قَاطِعَة عِنْد السُّؤَال من المعضلات من غير توقف بِحَالَة من الْحَالَات

وَمن جملَة مَا سُئِلَ عَنهُ وَهُوَ على كرسيه يعظ النَّاس والمجلس غاص بأَهْله فِي رجل يَقُول لَيْسَ إِلَّا الله وَيَقُول الله فِي كل مَكَان هَل هُوَ كفر أَو إِيمَان فَأجَاب على الْفَوْر من قَالَ أَن الله تَعَالَى بِذَاتِهِ فِي كل مَكَان فَهُوَ مُخَالف للْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْمُسلمين بل هُوَ مُخَالف للملل الثَّلَاث بل الْخَالِق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَائِن من الْمَخْلُوقَات لَيْسَ فِي مخلوقاته شَيْء من ذَاته وَلَا فِي ذَاته شَيْء من مخلوقاته بل هُوَ الْغَنِيّ عَنْهَا الْبَائِن بِنَفسِهِ مِنْهَا وَقد اتّفق الْأَئِمَّة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَسَائِر أَئِمَّة الدّين أَن قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ مَعكُمْ أَيْن مَا كُنْتُم وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} الْحَدِيد 4 لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه مختلط بالمخلوقات وَحَال فِيهَا وَلَا أَنه بِذَاتِهِ فِي كل مَكَان بل هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ كل شَيْء بِعِلْمِهِ وَقدرته وَنَحْو ذَلِك فَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ العَبْد أَيْنَمَا كَانَ يسمع كَلَامه وَيرى أَفعاله وَيعلم سره ونجواه رَقِيب عَلَيْهِم مهيمن عَلَيْهِم بل السَّمَوَات الأَرْض وَمَا بَينهمَا كل ذَلِك مَخْلُوق لله لَيْسَ الله بِحَال فِي شَيْء مِنْهُ سُبْحَانَهُ {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} الشورى 11 لَا فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته وَلَا أَفعاله بل يُوصف الله بِمَا وصف بِهِ نَفسه وَبِمَا وَصفه رَسُوله من غير تكييف وَلَا تَمْثِيل وَمن غير تَحْرِيف وَلَا تَعْطِيل وَلَا تمثل صِفَاته بِصِفَات خلقه وَمذهب السّلف إِثْبَات من غير تَشْبِيه وتنزيه بِلَا تَعْطِيل وَقد سُئِلَ الإِمَام مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى}

طه 5 فَقَالَ الاسْتوَاء مَعْلُوم والكيف مَجْهُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة فَهَذَا الإِمَام كَمَا رَأَيْت عقيدته وكاشفت سَرِيرَته فَمن كَانَ على هَذِه العقيدة كَيفَ ينْسب إِلَى الْحُلُول والاتحاد والتجسيم أَو مَا يذهب إِلَيْهِ أهل الِاتِّحَاد أعاذنا الله وَإِيَّاكُم من الزيغ والضلال وَالْفساد وهدانا إِلَى سبل الْخَيْر والرشاد إِنَّه على كل شَيْء قدير وبالإجابة جدير حَرَّره منمقا فَقير ربه الْغَنِيّ أَبُو مُحَمَّد مَحْمُود بن أَحْمد الْعَيْنِيّ عَامله الله بِلُطْفِهِ الْخَفي والجلي بتاريخ الثَّامِن عشر من ربيع الأول عَام خَمْسَة وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بِالْقَاهِرَةِ المحروسة 20 - وَهَذَا صُورَة تقريظ الإِمَام وَشَيخ الْإِسْلَام التفهني الْحَنَفِيّ الْحَمد لله الَّذِي جعل قُلُوب الْعلمَاء كنوز لطائف الحكم وألسنتهم مَكْفُوفَة عَمَّا فِيهِ نقص أَو جرح أَو ألم وأسماعهم عَن سَماع قَول الْفُحْش فِي صمم وخصهم بَين الْأَنَام بجلائل النعم وجعلهم محفوظين عَن الْخَوْض فِي الْأَعْرَاض متجانبين عَمَّا يُؤَدِّي إِلَى ظُهُور الْأَغْرَاض وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد الْمَبْعُوث للْعَرَب والعجم وعَلى آله وَأَصْحَابه ذَوي الْكَرم والهمم وَبعد فَإِن صَاحب هَذَا التَّأْلِيف قد أمعن وأجاد وَبَين وأتقن وَأفَاد فِيمَا هُوَ الْمَقْصُود وَالْمرَاد من الرَّد على من أكفر عُلَمَاء الْإِسْلَام وهم الْأَئِمَّة

الْأَعْلَام بنسبتهم الشَّيْخ الْعَالم الناسك تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية الى كَونه شيخ الْإِسْلَام فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية كَانَ على مَا نقل إِلَيْنَا من الَّذين عاشروه وَمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ من كَلَام تِلْمِيذه ابْن الْقيم الجوزية الَّذِي سَارَتْ تصانيفه فِي الْآفَاق كَانَ عَالما مفننا متقنا متقللا من الدُّنْيَا معرضًا عَنْهَا مُتَمَكنًا من إِقَامَة الْأَدِلَّة على الْخُصُوم حَافِظًا للسّنة عَارِفًا بطرقها عَالما بالأصلين أصُول الدّين وأصول الْفِقْه قَادِرًا على الإستنباط لإستخراج الْمعَانِي لَا يلومه فِي الْحق لومة لائم قَائِما على أهل الْبدع المجسمة والحلولية والمعتزلة وَالرَّوَافِض وَغَيرهم وَالْإِنْسَان إِذا لم يخالط وَلم يعاشر يسْتَدلّ على أَحْوَاله وأوصافه بآثاره وَلَو لم يكن من آثاره إِلَّا مَا اتّصف بِهِ تِلْمِيذه ابْن الْقيم الجوزية من الْعلم لكفى ذَلِك دَلِيلا على مَا قُلْنَاهُ وَمَا نقل إِلَيْنَا مِمَّا اجْتمع فِي جنَازَته من الْخلق الَّتِي لَا تحصى حَتَّى شبهت جنَازَته بِجنَازَة الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ عِبْرَة لمن اعْتبر وَمَا نقل إِلَيْنَا من تسلطه على الجآن المردة عِبْرَة أَيْضا قَالَ تِلْمِيذه ابْن

الْقيم الجوزية عِنْد كَلَامه عَن الصرع فِي الطِّبّ النَّبَوِيّ وَاخْتَارَ أَن الصرع على قسمَيْنِ صرع يتَعَلَّق بالأخلاط وصرع يتَعَلَّق بالأرواح الخبيثة كَانَ شَيخنَا ابْن تَيْمِية يَأْتِي إِلَى المصروع وَيتَكَلَّم فِي أُذُنه بِكَلِمَات فَيخرج الجني مِنْهُ فَلَا يعود إِلَيْهِ بعد ذَلِك وحكايته مَعَ الَّذِي اختطفت زَوجته مَعْرُوفَة وَمَعَ الَّذِي كَانَ يرْتَفع إِلَى السّقف مَعْرُوفَة أَيْضا فَمن كَانَ يَتَّصِف بِهَذِهِ الْأَوْصَاف كَيفَ لَا يلقب بشيخ الْإِسْلَام وَمذهب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة لَا يجوز تَكْفِير أجد من أهل الْقبْلَة أَعم من أَن يكون سنيا أَو معتزليا أَو شِيعِيًّا أَو من الْخَوَارِج وَهُوَ المروى عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَن طَائِفَة من الْخَوَارِج فَقَالَ هم أَخبث الْخَوَارِج فَقيل هَل تكفرهم فَقَالَ لَا وَهَكَذَا الْمَرْوِيّ عَن الشَّافِعِي والأشعري وَأبي بكر الرَّازِيّ وَقد أَخْبرنِي من حضر مجْلِس هَذَا الْمُكَفّر فَقَالَ ابْن تَيْمِية كَافِر مَجُوسِيّ الْيَهُود وَالنَّصَارَى خير مِنْهُ فَإِن النَّصَارَى وَالْيَهُود لَهُم كتاب وَابْن تَيْمِية لَا كتاب لَهُ فنعوذ بِاللَّه من هَذِه النزغة الشيطانية الفظيعة القبيحة مَعَ أَنه لم ينْقل عَن ابْن تَيْمِية كَلَام يَقْتَضِي كفرا وَلَا فسقا وَلَا مَا يشينه فِي دينه وَقد كتبت فِي زَمَنه محَاضِر بِجَمَاعَة من الْعلمَاء الْعُدُول اطَّلَعْنَا عَلَيْهَا بِأَنَّهُ لم يَقع مِنْهُ شَيْء مِمَّا يشينه فِي دينه ووصفوه فِي تِلْكَ المحاضر بأعظم مِمَّا قُلْنَاهُ من أَوْصَافه الْمُتَقَدّمَة وَإِنَّمَا قَامَ عَلَيْهِ بعض الْعلمَاء فِي مَسْأَلَتي الزِّيَارَة وَالطَّلَاق وَقَضيته من قَامَ عَلَيْهِ مَشْهُورَة والمسألتان المذكورتان ليستا من أصُول الْأَدْيَان وَإِنَّمَا هما من فروع

الشَّرِيعَة الَّتِي أجمع الْعلمَاء على أَن المخطىء فِيهَا مُجْتَهدا مثاب لَا يكفر وَلَا يفسق وَالشَّيْخ كَانَ يتَكَلَّم فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بطرِيق الإجتهاد وَقد ناظره من أنكر عَلَيْهِ فيهمَا مناظرة مَشْهُورَة بأدلة يحْتَاج من عَارضه فِيهَا إِلَى التَّأْوِيل ثمَّ قَالَ بعد كَلَام طَوِيل عَن الْمُعْتَرض وكما وَقع لَهُ مثل ذَلِك فِي حق شخص مِمَّن أجمع النَّاس على علمه وخيره وَدينه وتبحره فِي الْعُلُوم وَهُوَ الشَّيْخ شمس الدّين الْبِسَاطِيّ قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي بالديار المصرية فنسأل الله أَن يَتُوب عَلَيْهِ وَأَن يصون لِسَانه ولساننا عَن الزلل آمين قَالَ ذَلِك عبد الرَّحْمَن التفهني الْحَنَفِيّ عَامله الله بِلُطْفِهِ الْخَفي فِي رَابِع عشر ربيع الأول سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة 21 - هَذَا صُورَة تقريظ مَا كتبه الشَّيْخ الإِمَام وَشَيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ قَالَ بعد الْخطْبَة وقفت على هَذَا التصنيف الْجَامِع والمنتقى البديع المطرب للسامع وعملت بِشُرُوط الواقفين من اسْتِيفَاء النّظر فَوَجَدته عقدا منظما بالدرر يفوق عُقُود الجمان ويزري بقلائد العقيان ويضوع مسك الثَّنَاء على جَامعه مدى الزَّمَان وَقَالَ لِسَان الْحَال فِي حَقه لَيْسَ الْخَبَر كالعيان وَكَيف لَا هُوَ مُشْتَمل على مَنَاقِب عَالم زَمَانه وَالْفَائِق على أقرانه

والذاب عَن شَرِيعَة الْمُصْطَفى بِاللِّسَانِ والقلم والمناضل عَن الدّين الحنيفي وَكم أبدى من الحكم صَاحب المصنفات الْمَشْهُورَة والمؤلفات المأثورة الناطقة بِالرَّدِّ على أهل الْبدع والإلحاد الْقَائِلين بالحلول والاتحاد وَمن هَذَا شَأْنه كَيفَ لَا يلقب بشيخ الْإِسْلَام وينوه بِذكرِهِ بَين الْعلمَاء الْأَعْلَام وَلَا عِبْرَة بِمن يرميه بِمَا لَيْسَ فِيهِ أَو ينْسبهُ بِمُجَرَّد الأهواد إِلَى قَول غير وجيه فَلم يضرّهُ قَول الْحَاسِد والباغي والجاحد والطاغي ... وَمَا ضرّ نور الشَّمْس إِن كَانَ نَاظرا ... إِلَيْهِ عُيُون لم تزل دهرها عميا حسدوا الْفَتى إِذْ لم ينالوا سَعْيه ... فالقوم أَعدَاء لَهُ وخصوم ... أعاذنا الله من حسد يسد بَاب الْإِنْصَاف ويصد عَن جميل الْأَوْصَاف وَكَيف يجوز أَن يكفر من لقب هَذَا الْعَالم بشيخ الْإِسْلَام ومذهبنا أَن من أكفر أَخَاهُ الْمُسلم بِغَيْر تَأْوِيل فقد كفر لِأَنَّهُ سمى الْإِسْلَام كفرا وَلَقَد افتخر قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين السُّبْكِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة أَبِيه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ فِي ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ بِأَن الْحَافِظ الْمزي لم يكْتب بِخَطِّهِ لَفْظَة شيخ الْإِسْلَام إِلَّا لِأَبِيهِ وللشيخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وللشيخ شمس الدّين ابْن أبي عمر فلولا أَن ابْن تَيْمِية فِي غَايَة الْعُلُوّ فِي الْعلم وَالْعَمَل مَا قرن ابْن السُّبْكِيّ أَبَاهُ مَعَه فِي هَذِه المنقبة الَّتِي نقلهَا وَلَو كَانَ ابْن تَيْمِية مبتدعا أَو زنديقا مَا رَضِي أَن يكون أَبوهُ قرينا لَهُ نعم قد نسب الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية لِأَشْيَاء أنكرها عَلَيْهِ

معاصروه وانتصب للرَّدّ عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ فِي مَسْأَلَتي الزِّيَارَة وَالطَّلَاق وأفرد كلا مِنْهُمَا بتصنيف وَلَيْسَ فِي ذَلِك مَا يَقْتَضِي شينه أصلا وكل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك إِلَّا صَاحب هَذَا الْقَبْر يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والسعيد من عدت غلطاته وانحصرت سقطاته ثمَّ إِن الظَّن بالشيخ تَقِيّ الدّين أَنه لم يصدر مِنْهُ ذَلِك تهورا وعدوانا حاشا لله بل لَعَلَّه لرأي رَآهُ وَأقَام عَلَيْهِ برهانا وَلم نقف إِلَى الْآن بعد التتبع والفحص على شَيْء من كَلَامه يَقْتَضِي كفره وَلَا زندقته إِنَّمَا نقف على رده على أهل الْبدع والأهواء وَغير ذَلِك مِمَّا يدل على بَرَاءَته وعلو مرتبته فِي الْعلم وَالدّين وتوقير الْعلمَاء والكبار وَأهل الْفضل مُتَعَيّن وَقد صَحَّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يَرْمِي رجل رجلا بِالْفِسْقِ أَو الْكفْر إِلَّا ارْتَدَّت عَلَيْهِ إِن لم يكن صَاحبه كَذَلِك إنتهى مُلَخصا وَالله أعلم وَكتبه الْفَقِير إِلَى الله صَالح بن عمر البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي فِي ربيع الأول سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَقد كتب أَيْضا جماعات آخَرُونَ من التقريظ أضربنا عَنهُ خوف الإطالة وَصلى الله وَسلم على سيد الْمُرْسلين وَخَاتم النَّبِيين وعَلى آل كل وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

22 - قَالَ الْمُؤلف مرعي الْحَنْبَلِيّ سامحه الله تَعَالَى قد أَحْبَبْت أَن أكتب تَرْجَمَة فِي ابْن تَيْمِية شيخ الْإِسْلَام اقْتِدَاء بأولئك الْأَئِمَّة الْأَعْلَام ومحبة فِي ذَلِك الإِمَام فَأَقُول قد علمنَا علم الْيَقِين وتحققنا التَّحْقِيق الْمُبين من الثِّقَات الناقلين وأئمة الحَدِيث الناقدين أَن ابْن تَيْمِية الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هُوَ الإِمَام الْحَافِظ الْحجَّة الْعلم الْمُجْتَهد الضَّابِط المتقن الْمُفَسّر أعجوبة الزَّمَان ترجمان الْقُرْآن سيد الْمُحَقِّقين وَسَنَد المدققين وَشَيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين والمعراج الْأَعْلَى فِي المعارف والمنهاج الْأَسْنَى فِي الْحَقَائِق والعوارف بروج سَمَاء مَعْرفَته كواكب الْعِنَايَة ومنشور رياض حَضْرَة أَعْلَام الْولَايَة بَحر لَيْسَ للبحر مَا عِنْده للجواهر وَحبر سما على السَّمَاء وَأَيْنَ للسماء مثل مَا لَهُ من الزواهر إنتظمت بِقَدرِهِ الْعَظِيم عُقُود الْملَّة الإسلامية وابتسمت بدره النظيم ثغور الثغور المحمدية تنوع فِي المباحث وفنونها وتضوع فِي الرياض وغصونها وتفوه بفصاحة وبلاغة فصاحة قيس وبلاغة أَوْس من دونهَا وخاض من الْعُلُوم فِي بحار عميقة وراض النَّفس ففاق فِي سلوك الطَّرِيقَة وَهُوَ فَخر الْمُتَأَخِّرين على الْحَقِيقَة ... تقدم رَاكِبًا فيهم إِمَامًا ... ولولاه لما ركبُوا وَرَاءه ... فريد الْعَصْر إِلَّا أَنه شيخ الْإِسْلَام وحيد الدَّهْر إِلَّا أَنه لَا يقبل فَضله الانقسام ومفرد الزَّمَان إِلَّا أَنه الْقَائِم مقَام الْجمع والمستغرق لأوصاف

الْإِنْسَان عِنْد كل منظر وَسمع وخلاصة أهل الْفرق وَالتَّمَيُّز وكشاف أسرار البلاغة بِاللَّفْظِ الْوَجِيز إِذا أتعب رَاحَته بقلم الْفتيا أراح أَرْوَاح أهل الدُّنْيَا ... حبر إِذا مد اليراع جرى الندى ... من راحتيه فضائلا وعجائبا كالبحر يقذف للقريب جواهرا ... جودا وَيبْعَث للبعيد سحائبا ... المتحلي كَلَامه بقلائد العقيان ونظامه ببلاغة قس وفصاحة سحبان كَيفَ لَا وَهُوَ الفصيح الَّذِي إِن تكلم أجزل وأوجز وأسكت كل ذِي لسن ببلاغته وأعجز بل الْبَحْر الَّذِي جرت فِيهِ سفن الأذهان فَلم يدْرك قراره وَعجز النظراء والبلغاء فَلم يخوضوا تياره مَا برز فِي موطن بحث إِلَّا برز على الأقران وَلَا أجْرى جِيَاد علومه إِلَى غَايَة إِلَّا كَانَت مُطلقَة الْعَنَان وَلَا أخبر عَن فَضله من رَآهُ إِلَّا تمثل ب لَيْسَ الْخَبَر كالعيان سَارَتْ بتصانيفه الركْبَان وتفنن بمدحها أولُوا الفخامة والشان ... تصانيف قد أنشأ بِحسن براعة ... وَحسن عِبَارَات كدر تنضدا فَسَار بهَا من لَا يسير مشمرا ... وغنى بهَا من لَا يُغني مغردا ... فَإِن كنت تعرف الْحق عرفت أَهله أَو تَدْرِي مَا الْفضل أدْركْت فَضله إِلَّا أَن تكون ذَا عصبية وحمية فتجحد بالهوى فَضَائِل ابْن تَيْمِية وتعمى عَن لمعان أنواره البهية شعر ... إِذا لم يكن للمرء عين صَحِيحَة ... فَلَا غرو أَن يرتاب وَالصُّبْح مُسْفِر وَمن يتبع لهواه أعمى بَصِيرَة ... وَمن كَانَ أعمى فِي الدجا كَيفَ يبصر ... فطالع كِتَابه الْكَوَاكِب الدرية فِي الرَّد على الروافض والإمامية تَجِد الْعجب أَو الرَّد على الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَأهل الْبدع يداخلك الطَّرب ومواعظه تَجِد فِيهَا حِكْمَة لُقْمَان أَو فَتَاوِيهِ تَجِد عِنْدهَا أَبَا حنيفَة النُّعْمَان أَو

زهده وورعه تَجِد إِبْرَاهِيم بن أدهم وَأحمد بن حَنْبَل فِي الزّهْد والعرفان وَلَقَد كَانَ بحرا يتقاذف موجه بالدرر وعقدا فِي جيد الدَّهْر يتلألأ بالغرر فرائد فَوَائده تخجل جَوَاهِر الْعُقُود وجواهر فرائده تزري بقلائد العقيان والنقود وَكَانَت الأقلام خداما لخواطره والأسماع نظاما لجواهره والطروس سواحل لزواخره وأسواق الْفضل والآداب بِوُجُودِهِ قَائِمَة وَتَحْقِيق الْعُلُوم فِي أفنانه دائمة وَكَانَت طلعته الباهرة مطلعا لشموس السَّعَادَة وغرته الزاهرة وسما لبلوغ السِّيَادَة وأبوابه موردا لأصناف الكرامات واعتابه مصدرا لأنواع الْمَعَالِي والكمالات وَلَقَد كَانَ الزّهْد شعاره والورع وقاره وَالذكر أنيسه والفكر جليسه وَظَهَرت لَهُ خفايا الْأَسْرَار ولاحت لَهُ خبايا الْحَقَائِق من وَرَاء الأستار وكشف الْعَطاء عَن حقائق الاخرة وَهُوَ فِي هَذِه الدَّار وتفجرت ينابيع الحكم على لِسَانه وفاضت عُيُون الْحَقَائِق من خلال جنانه وأنشأت أهل الْوُجُود عباراته وأنعشت أَرْوَاح السامعين إشاراته هَذَا وَإِنِّي وَإِن أعمل صارم البراعة ومداها وأبلغ عَن مسالك البراعة مداها وألمح من الإبداع غواني المغاني وأعمي بطيات الأقلام ظباء الْمعَانِي ورمت تعديد بروج نُجُوم فضائله وتحديد تخوم مدرج فواضله الَّتِي يتنافس فِيهَا الأماثل وتتباهى لتناهت الْأَيَّام وَهِي لَا تتناهى ولعرفت أَن تَعْبِير لساني قُصُور وَاعْتَرَفت بِأَنِّي من جنان مدائحه فِي قُصُور وَأما مَا قيل من أَن الشَّيْخ منع من زِيَارَة الْقُبُور فحاشا لله ومعاذ الله هَذِه كتبه وفتاويه ومناسكه مصرحة باستحباب زِيَارَة قُبُور الْمُسلمين

فضلا عَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام بل صرح بِجَوَاز زِيَارَة قُبُور الْكفَّار نعم حكى خلافًا للْعُلَمَاء فِيمَا إِذا سَافر لمُجَرّد زِيَارَة الْقُبُور فَمنهمْ من قَالَ بِالْجَوَازِ وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور وَمِنْهُم من قَالَ بِالْكَرَاهَةِ وَمِنْهُم من قَالَ بِالتَّحْرِيمِ وَاخْتَارَ هَذَا القَوْل ابْن بطة وَابْن عقيل إِمَامًا الحنبلية وَالْإِمَام أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ إِمَام الشَّافِعِيَّة وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي عِيَاض فِي إكماله وَهُوَ إِمَام الْمَالِكِيَّة وَمَال إِلَى هَذَا القَوْل شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية وَالْحجّة فِي ذَلِك الحَدِيث الصَّحِيح وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد الحَدِيث وَقد انتصب للرَّدّ على السُّبْكِيّ ابْن عبد الْهَادِي فِي مُجَلد كَبِير سَمَّاهُ الصارم المنكي فِي الرَّد على السُّبْكِيّ وَأما مَسْأَلَة الطَّلَاق فَإِن ابْن تَيْمِية رَحمَه الله يَقُول إِن الطَّلَاق الثَّلَاث دفْعَة وَاحِدَة لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة وَهُوَ لم ينْفَرد بِهَذَا القَوْل بل هُوَ يرْوى عَن عَليّ وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس

وَقَالَ بِهِ عَطاء وَطَاوُس وَعَمْرو بن دِينَار وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو الشعْثَاء وَمُحَمّد بن إِسْحَاق وَالْحجاج بن أَرْطَاة وَقَالَ بِهِ شُيُوخ من قرطبة وَجَمَاعَة مِنْهُم مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الْخُشَنِي فَقِيه عصره وَأصبغ بن الْحباب وَاخْتَارَ هَذَا الإِمَام أَبُو حَيَّان فِي تَفْسِيره النَّهر وَالْإِمَام ابْن الْقيم وَتكلم على ذَلِك فِي نَحْو أَرْبَعِينَ ورقة فلينكر على هَؤُلَاءِ من يُنكر على ابْن تَيْمِية لَا سِيمَا وَقد صرح الْعلمَاء إِن مَذْهَب الْأَئِمَّة قاطبة أَنه لَا يجوز للمجتهد أَن يُقَلّد بل يجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِمَا رَآهُ اجْتِهَاده وَابْن تَيْمِية كَانَ مُجْتَهدا بِشَهَادَة عُلَمَاء عصره فَلَا وَجه للإنكار عَلَيْهِ إِلَّا مُجَرّد العصبية وحمية الْجَاهِلِيَّة وَمَا أحسن قَول ابْن فضل الله الْعمريّ فِي مرثيته الْمُتَقَدّمَة ... عَلَيْك فِي الْبَحْث أَن تبدي غوامضه ... وَمَا عَلَيْك إِذا لم تفهم الْبَقر ... وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ الحبر الَّذِي فاق بصفاته الْأَوَائِل وَالْبَحْر الْمُشْتَمل بِذَاتِهِ على جَوَاهِر الْفَضَائِل وَقد أَنَاخَ ابْن عبد السَّلَام ركائبه بدار السَّلَام عَلَيْهِ الرَّحْمَة والرضوان وسحائب الْعَفو والغفران وخواطر على مر الْأَزْمَان رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيم ... مَا لأمر إِلَّا نسق وَاحِد ... مَا فِيهِ من حمد وَلَا ذمّ وَقَالَ الآخر ... وَإِذا بدا لَك فَاعْلَم أَنَّك لست هُوَ ... كلا وَلَا أَيْضا تكون سواهُ ...

إِلَى أَمْثَال هَذِه الْإِشْعَار وَفِي النثر مَا لَا يُحْصى ويوهمون الْجُهَّال أَن هَذِه الزندقة الَّتِي يسمونها توحيدا كَانَ عَلَيْهَا مَشَايِخ الْإِسْلَام وأئمة الْهدى متفقون على تَكْفِير هَؤُلَاءِ وَإِن الله تَعَالَى لَيْسَ هُوَ خلقه وَلَا جُزْءا من خلقه وَلَا صفة من خلقه بل هُوَ سُبْحَانَهُ متميز بِنَفسِهِ المقدسة بَائِن بِذَاتِهِ المعظمة عَن مخلوقاته وَبِذَلِك جَاءَت الْكتب الإلهية من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَعَلِيهِ فطر الله عباده وعَلى ذَلِك دلّت الْعُقُول وَأكْثر هَؤُلَاءِ الاتحادية جهال لَا يفرقون بَين الِاتِّحَاد الْعَام الْمُطلق الَّذِي يذهب إِلَيْهِ الْفَاجِر الْعَفِيف التلمساني وذووه وَبَين الِاتِّحَاد الْمعِين الَّذِي تذْهب إِلَيْهِ النَّصَارَى ثمَّ قَالَ إِن قَول الاتحادية يجمع كل شرك فِي الْعَالم وهم لَا يوحدون الله وَإِنَّمَا يوحدون الْقدر الْمُشْتَرك بَينه وَبَين الْمَخْلُوقَات فهم برَبهمْ يعدلُونَ وَلِهَذَا حدث الثِّقَة أَن ابْن سبعين كَانَ يُرِيد الذّهاب إِلَى الْهِنْد وَقَالَ إِن أَرض الْإِسْلَام لَا تسعه لِأَن الْهِنْد مشركون يعْبدُونَ كل شَيْء حَتَّى النَّبَات وَالْحَيَوَان وَهَذَا حَقِيقَة قَول الاتحادية قَالَ وَأعرف نَاسا لَهُم اشْتِغَال فِي الفلسفة وَالْكَلَام وَقد تألهوا على

طَرِيق الاتحادية فَإِذا أخذُوا يصفونَ الرب بالْكلَام قَالُوا لَيْسَ بِكَذَا لَيْسَ بِكَذَا ووصفوه بِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمَخْلُوقَات كَمَا يَقُوله الْمُسلمُونَ لَكِن يجحدون صِفَات الْإِثْبَات الَّتِي جَاءَت بهَا الرُّسُل وَإِذا صَار لأَحَدهم ذوق وَوجد وتأله سلك على طَرِيق الاتحادية وَقَالَ إِنَّه هُوَ الموجودات كلهَا فَإِن قيل لَهُ أَيْن ذَلِك النَّفْي من هَذَا الْإِثْبَات قَالَ ذَاك عقدي وَهَذَا ذوقي فَيُقَال لهَذَا الضال كل ذوق وَوجد لَا يُطَابق الِاعْتِقَاد فأحدهما أَو كِلَاهُمَا بَاطِل وَإِنَّمَا الأذواق والمواجيد نتائج المعارف والاعتقادات وَلَو سلك هَؤُلَاءِ طَرِيق الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَاتبعُوا طَرِيق السَّابِقين الْأَوَّلين لوجدوا برد الْيَقِين وقرة الْعين وَقَالَ ابْن تَيْمِية فِي جَوَاب سُؤال سُئِلَ عَنهُ يتَعَلَّق بِكَلِمَات من كتاب الفصوص مَا ملخصه هَذِه الْكَلِمَات الْمَذْكُورَة كل كلمة مِنْهَا هِيَ الْكفْر الَّذِي لَا نزاع فِيهِ بَين أهل الْملَل من الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى فضلا عَن كَونه كفرا فِي شَرِيعَة الْإِسْلَام فَإِن قَول الْقَائِل إِن آدم للحق تَعَالَى بِمَنْزِلَة إِنْسَان الْعين من الْعين الَّذِي يكون بِهِ النّظر يَقْتَضِي أَن آدم جُزْءا من الْحق وَأَنه أفضل أَجْزَائِهِ وَيدل لذَلِك قَوْله بعد إِن الْحق المنزه هُوَ الْخلق الْمُشبه وَقَوله كل ذَلِك من عين وَاحِدَة لَا بل هُوَ الْعين الْوَاحِدَة وَهُوَ الْعُيُون الْكَثِيرَة {فَانْظُر مَاذَا ترى قَالَ يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر} الصافات 102 وَالْولد عين أَبِيه فَمَا رآى يذبح إِلَّا نَفسه {وفديناه بِذبح عَظِيم} الصافات 107 فَظهر بِصُورَة كَبْش من ظهر بِصُورَة إِنْسَان وَظهر بِصُورَة لَا بِحكم ولد من هُوَ عين الْوَلَد {وَخلق مِنْهَا زَوجهَا} النِّسَاء 1 فَمَا نكح سوى نَفسه

ثمَّ قَالَ فِي مَوضِع آخر وَهُوَ الْبَاطِن عَن كل فهم إِلَّا عَن فهم من قَالَ إِن الْعَالم صورته وهويته وَقَالَ من أَسْمَائِهِ الْحسنى الْعلي على من وَمَا ثمَّ إِلَّا هُوَ وَعَن مَاذَا وَمَا هُوَ إِلَّا هُوَ فَعَلُوهُ لنَفسِهِ وَهُوَ من حَيْثُ الْوُجُود عين الموجودات فالمسمى محدثات هِيَ الْعلية لذاتها وَلَيْسَت إِلَّا هُوَ إِلَى أَن قَالَ فَهُوَ عين مَا ظهر وَعين مَا بطن فِي حَال ظُهُوره وَمَا ثمَّ من يرَاهُ غَيره وَمَا ثمَّ من يبطن عَنهُ سواهُ فَهُوَ ظَاهر لنَفسِهِ بَاطِن عَنهُ وَهُوَ الْمُسَمّى أَبُو سعيد الخراز وَغير ذَلِك من أَسمَاء المحدثات وَقَالَ الأثري الْحق يظْهر بِصِفَات المحدثات وَأخْبر بذلك عَن نَفسه وبصفات النَّقْص والذم أَلا ترى الْمَخْلُوق يظْهر بِصِفَات الْحق وَهِي من أَولهَا إِلَى آخرهَا صِفَات لَهُ وأمثال هَذَا الْكَلَام فَإِن صَاحب الفصوص وَأَمْثَاله مثل صَاحبه القونوي والتلمساني وَابْن سبعين والششتري وَابْن الفارض واتباعهم مَذْهَبهم الَّذِي هم عَلَيْهِ أَن الْوُجُود وَاحِد وهم يسمون أهل وحدة الْوُجُود وَيدعونَ التَّحْقِيق والعرفان وهم يجْعَلُونَ وجود الْخَالِق وجود الْمَخْلُوقَات وكل مَا تتصف بِهِ الْمَخْلُوقَات من حسن وقبح ومدح وذم إِنَّمَا اتّصف بِهِ عِنْدهم عين الْخَالِق وَلَيْسَ للخالق عِنْدهم وجود مباين لوُجُود الْمَخْلُوقَات مُنْفَصِل عَنْهَا أصلا بل عِنْدهم مَا ثمَّ غير الْخَالِق فَعبَّاد الْأَصْنَام لم يعبدوا غَيره لِأَنَّهُ مَا عِنْدهم لَهُ غير وَلِهَذَا جعلُوا قَوْله تَعَالَى {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} الْإِسْرَاء 23 أَي حكم أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه وَمَا حكم الله بِشَيْء إِلَّا وَقع إِذْ لَيْسَ عِنْدهم غَيره يتَصَوَّر عقلا فَكل عَابِد صنم إِنَّمَا يعبد الله وَلِهَذَا جعل صَاحب هَذَا الْكتاب عباد الْعجل مصيبين وَذكر أَن مُوسَى إِنَّمَا أنكر على هَارُون إِنْكَاره عَلَيْهِم عبَادَة الْعجل وَقَالَ كَانَ مُوسَى أعلم بِالْأَمر من هَارُون لِأَنَّهُ علم مَا عَبده أَصْحَاب الْعجل لعلمه أَن الله قضى أَن لَا يعبدوا إِلَّا إِيَّاه وَمَا حكم الله

بِشَيْء إِلَّا وَقع فَكَانَ عتب مُوسَى أَخَاهُ هَارُون بإنكاره وَعدم اتساعه فَإِن الْعَارِف من يرى الْحق فِي كل شَيْء بل يرَاهُ عين كل شَيْء وَلِهَذَا يجْعَلُونَ فِرْعَوْن من كبار العارفين الْمُحَقِّقين وَأَنه كَانَ مصيبا فِي ادعائه الربوبية فجعلوه مصيبا فِيمَا كفره الله بِهِ وَمن نظر فِي قَوْلهم علم أَنه أعظم من كفر الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَقد اتّفق سلف الْأمة وأئمتها أَنه تَعَالَى بَائِن من مخلوقاته لَيْسَ فِي ذَاته شَيْء من مخلوقاته وَلَا فِي مخلوقاته شَيْء من ذَاته وَالسَّلَف وَالْأَئِمَّة كفرُوا الْجَهْمِية لما قَالُوا إِنَّه فِي كل مَكَان وَمِمَّا أنكروه عَلَيْهِم أَنه كَيفَ يكون فِي الْبُطُون والحشوش والأخلية تَعَالَى الله عَن ذَلِك فَكيف من يَجعله نفس وجود الْبُطُون والحشوش والأخلية والنجاسات والأقذار وَاتفقَ سلف الْأمة وأئمتها على أَنه تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء لَا فِي ذَاته وَلَا صِفَاته وَلَا فِي أَفعاله وَهَؤُلَاء جَعَلُوهُ نفس الْأَجْسَام ووصفوه بِجَمِيعِ النقائص الَّتِي يُوصف بهَا كل كَافِر وَشَيْطَان وحشرات تَعَالَى الله عَن قَوْلهم وَكَانَ عبد الله بن الْمُبَارك يَقُول إِنَّا لنحكي كَلَام الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلَا نستطيع أَن نحكي كَلَام الْجَهْمِية وَهَؤُلَاء شَرّ من الْجَهْمِية فَإِن الْجَهْمِية غَايَة قَوْلهم إِن الله تَعَالَى فِي كل مَكَان وَهَؤُلَاء قَوْلهم إِنَّه وجود كل مَكَان مَا عِنْدهم موجودان أَحدهمَا خَالق وَالْآخر مَخْلُوق وَذَلِكَ كفر وَكَذَلِكَ قَوْلهم إِن الْمُشْركين لَو تركُوا عبَادَة الْأَصْنَام لجهلوا أَمر الْحق بِقدر مَا تركُوا مِنْهَا وَهُوَ من الْكفْر الْمَعْلُوم بالاضطرار من جَمِيع الْملَل هَؤُلَاءِ الاتحادية رؤوسهم هم أَئِمَّة كفر يجب قَتلهمْ وَلَا تقبل تَوْبَة مِنْهُم إِذا أَخذ قبل التَّوْبَة فَإِنَّهُم من أعظم

تنبيه

الزَّنَادِقَة الَّذين يظهرون الْإِسْلَام ويبطنون أعظم الْكفْر وَيجب عُقُوبَة كل من انتسب إِلَيْهِم أَو ذب عَنْهُم أَو أثنى عَلَيْهِم أَو عظم كتبهمْ أَو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم أَو كره الْكَلَام فيهم أَو أَخذ يعْتَذر لَهُم بِأَن هَذَا الْكَلَام لَا يدْرِي مَا هُوَ وأمثال هَذِه المعاذير الَّتِي لَا يَقُولهَا إِلَّا جَاهِل أَو مُنَافِق فَكيف وهم أشبه النَّاس بالقرامطة الباطنية وَلِهَذَا يقرونَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى على مَا هم عَلَيْهِ ويجعلونهم على حق كَمَا يجْعَلُونَ عباد الْأَصْنَام على حق وكل وَاحِدَة من هَذِه أعظم الْكفْر وَمن كَانَ محسنا للظن بهم وَادّعى أَنه لم يعرف حَالهم عرف حَالهم فَإِن لم يباينهم وَيظْهر لَهُم الْإِنْكَار وَإِلَّا ألحق بهم وَجعل مِنْهُم وَأما من قَالَ لكلامهم تَأْوِيل يُوَافق الشَّرِيعَة فَإِنَّهُ من رؤوسهم وأئمتهم فَإِنَّهُ إِن كَانَ ذكيا فَإِنَّهُ يعرف كذب نَفسه فِيمَا قَالَ وَإِن كَانَ مُعْتَقدًا لهَذَا بَاطِنا وظاهرا فَهُوَ أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالله تَعَالَى أعلم إنتهى كَلَام ابْن تَيْمِية مُلَخصا رَحمَه الله تَنْبِيه قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَفْسِير سُورَة الْمَائِدَة من تَفْسِير النَّهر وَتَفْسِير الْبَحْر

وَمن بعض اعتقادات النَّصَارَى استنبط من تستر بِالْإِسْلَامِ ظَاهرا وانتمى إِلَى الصُّوفِيَّة حُلُول الله تَعَالَى فِي الصُّور الجميلة وَمن ذهب من ملاحدتهم إِلَى القَوْل بالاتحاد والوحدة كالحلاج وَالثَّوْري وَابْن أحلى وَابْن عَرَبِيّ وَابْن الفارض وَاتِّبَاع هَؤُلَاءِ كَابْن سعيد والششتري تِلْمِيذه وَابْن مظفر والصفار وَابْن لباج وَابْن الْحسن وَمِمَّنْ رَأَيْنَاهُ يَرْمِي بِهَذَا الْمَذْهَب الملعون الْعَفِيف التلسماني وَابْن عَيَّاش المالقي الْأسود وَعبد الْوَاحِد بن الْمُؤخر والأيكي العجمي وَأَبُو يَعْقُوب بن بشر تلميذ الششتري كَانَ بحارة زويلة بِالْقَاهِرَةِ وَإِنَّمَا سردت أَسمَاء هَؤُلَاءِ نصحا لدين الله يعلم الله ذَلِك وشفقة على ضعفاء الْمُسلمين ليحذروهم فهم شَرّ من الفلاسفة الَّذين يكذبُون الله وَرَسُوله وَيَقُولُونَ بقدم الْعَالم وَقد أولع جهلة من ينتمي للتصوف بتعظيم هَؤُلَاءِ وادعائهم أَنهم صفوة الله تَعَالَى وأولياؤه وَالْأَمر فيهم كَمَا ذكرت وَقَالَ أَبُو حَيَّان أَيْضا فِي تَفْسِير سوة ر الْأَعْرَاف وَقد ظهر فِي هَذَا الزَّمَان العجيب نَاس يتسمون بالمشايخ يلبسُونَ ثِيَاب شهرة عِنْد الْعَامَّة بالصلاح ويتركون الِاكْتِسَاب ويرتبون أذكارا لم ترد فِي الشَّرِيعَة يجهرون بهَا فِي الْمَسَاجِد ويجمعون لَهُم خداما يجلبون النَّاس إِلَيْهِم لاستخدامهم ونتش أَمْوَالهم ويذيعون عَنْهُم كرامات ويرون الْوُصُول إِلَى

الله تَعَالَى بِأُمُور يقررونها فِي خلوات وأذكار لم يَأْتِ بهَا كتاب منزل وَلَا نَبِي مُرْسل ويتعاظمون على النَّاس بالانفراد على سجادة وَنصب أَيْديهم للتقبيل وَقلة الْكَلَام وإطراق الرؤوس وَتَعْيِين خَادِم يَقُول الشَّيْخ مَشْغُول فِي الْخلْوَة رسم الشَّيْخ قَالَ الشَّيْخ الشَّيْخ لَهُ نظر إِلَيْك الشَّيْخ كَانَ البارحة يذكرك إِلَى نَحْو هَذِه الْأَلْفَاظ الَّتِي يحشدون الْعَامَّة ويجلبون بهَا عقول الجهلة هَذَا إِن سلم الشَّيْخ من الِاعْتِقَاد الَّذِي غلب على متصوفة هَذَا الزَّمَان من الْحُلُول وَالْقَوْل بالوحدة فَإذْ ذَاك يكون منسلخا عَن شَرِيعَة الْإِسْلَام بِالْكُلِّيَّةِ وَالْعجب لمثل هَؤُلَاءِ كَيفَ ترَتّب لَهُم الرَّوَاتِب وتبنى لَهُم الرَّبْط وَتوقف عَلَيْهِم الْأَوْقَاف وتخدمهم النَّاس مَعَ عدولهم عَن سَائِر الْفَضَائِل وَلَكِن النَّاس أقرب إِلَى أشباههم قَالَ وَقد أطلنا فِي هَذَا رَجَاء أَن يقف عَلَيْهِ مُسلم عَاقل فينتفع بِهِ جزاه الله عَن مقْصده أحسن الْجَزَاء الْمُبين وجزى سَائِر عُلَمَاء الْمُسلمين الذابين عَن شَرِيعَة سيد الْمُرْسلين القامعين بأقوالهم للمارقين الْمُلْحِدِينَ رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وارحمنا إِذا توفيتنا وتوفنا غير مفتونين وَلَا ضَالِّينَ وَلَا مضلين على العقيدة الحقة الصرفة الَّتِي لَا يشوبها كدر وَهِي مَا كَانَ عَلَيْهَا مثل أبي بكر وَعمر رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَصلى الله على جَمِيع النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وعَلى آل كل وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين تمّ بِخَط مُؤَلفه قَالَ مُؤَلفه سامحه الله فرغت من جمع هَذِه الفرائد ورقم هَذِه الْفَوَائِد بالجامع الْأَزْهَر نَهَار الْجُمُعَة وَقت الْخطْبَة سادس عشر ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة ثَلَاثِينَ وَألف

§1/1