الشفاعة

مقبل بن هادي الوادعي

مقدمة الطبعة الثالثة

مقدمة الطبعة الثالثة الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فمما منّ الله به عليّ ويسّر لي تأليف "الشّفاعة"، فقرّت بها أعين إخواننا أهل السّنة، وغص بها المبتدعة، وقد وفقني الله لذكر الأحاديث بأسانيدها والفضل في هذا لله، فإنّ الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله ورضي عنه. والكتاب يعدّ ردًّا على المبتدعة ففي المقدمة الجمع بين الآيات وبيان الشفاعة المقبولة والشفاعة غير المقبولة، وفي أثناء الكتاب أيضًا رد على الذين يطلبون الشفاعة من غير من يملكها كالصوفية والغلاة من الشيعة والرافضة من أهل البيت وغيرهم. وقد يسّر الله قراءة "الشفاعة" في (دار الحديث) بدمّاج، فأبدى إخواننا الأفاضل -وأخص بالذكر منهم مدرّسهم الشيخ يحيى بن علي الحجوري- ملاحظاتهم وفوائدهم القيّمة، فأضيفت إلى الكتاب، فجزاهم الله خيرًا.

والله أسأل أن يجزي الأخوين الفاضلين: سعيد بن عمر حبيشان وحسين ابن محمد مناع اللذين قاما برص الكتاب، وكذا الأخ الفاضل محمد بن عبد الله السّيّاغي خيرًا، وأن يدفع عنّا وعنهم كل سوء ومكروه وأن يعيذنا وإياهم من الحزبية المسّاخة ... إنه على كل شيء قدير. أبوعبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي تنبيه: قد أذن لنا الشيخ في تقديم وتأخير بعض الأحاديث إلى مواضعها الأليق بها في هذه الطبعة، وكتبنا هذا التنبيه لئلا يظنّ أن هناك سقطًا في الكتاب.

تقديم

تقديم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} {ياأيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفْس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءً واتّقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبًا} {ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولاً سديدًا، يصلحْ لكم أعْمالكم ويغفرْ لكم ذنوبكم ومنْ يطع الله ورسوله فقدْ فاز فوزًا عظيمًا} أما بعد: فإن ضلال الصوفية وأتباعهم من الجهلة يتّهمون أهل السّنة بعدم حبّهم لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكون أهل السّنة يثبتون على سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا يوافقونهم على غلوهم في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهم يدّعون حبّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بألسنتهم، ويخالفون طريقته في اعتقادهم وسلوكهم،

حتى وصل بغلاتهم إلى دعاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والاستغاثة به، واتّخاذه واسطة بينهم وبين الله عزّ وجلّ فيما يطلبونه من الله عزّ وجلّ، وهذا هو الشرك الذي كان عليه أهل الجاهلية الأولى، قال الله عزّ وجلّ: {والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى إنّ الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إنّ الله لا يهدي من هو كاذب كفّار}. وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قلْ أتنبّئون الله بما لا يعلم في السّموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون} ومع ذلك فهم يدّعون حبّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وكذلك غيرهم من أهل البدع يخرجون عن هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويدّعون حبّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومما ضل فيه أهل البدع شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكثير من أهل البدع ينكرون بعض أنواع شفاعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فالخوارج ينكرون شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل الكبائر من أمته في خروجهم من النّار، لأنّهم يرون أنّ مرتكب الكبيرة كافر مخلد في النار لذلك فهم يجدون أن إثبات هذه الشفاعة يخالف معتقدهم الفاسد، فهم ينكرونها. وكذلك المعتزلة تابعوا الخوارج على القول بتخليد أهل الكبائر من الموحدين في النار، وتابعهم الشيعة على ذلك أيضًا.

وإثبات هذه الشفاعة فيه ردّ على المرجئة أيضًا، لأن غلاة المرجئة يقولون: إنه لا يضرّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وهذه الفرق المذكورة وغيرها موجودة في أيامنا هذه، فالشيعة موجودون بكثرة لا كثّرهم الله، وهذه دولتهم إيران التي تدّعي أنّها (الجمهورية الإسلامية) تعلن أن مذهبها هو المذهب الإثنا عشري الجعفري، فهم رافضة من غلاة الشيعة، وقد أخذوا كثيرًا من مذاهب المعتزلة. وكذلك الخوارج لهم أفراخ موجودون وهم الذين يكفرون عصاة المسلمين، وإن كانت شوكتهم قد انكسرت، وكثير منهم قد تراجعوا ورجعوا إلى الحق، إلا أنه لا يزال منهم من هو عاضّ على هذه العقائد الضّالة، ويظنون أن هذه الجموع التي قد تراجعت قد فتنوا، وأنّهم هم القابضون على الجمر وهم الطّائفة المنصورة! ومع أن هؤلاء كما قلنا قد أصبحوا قلة قليلة لا يقدرون على مواجهة صغار طلبة العلم الذين قد تعلموا شيئًا من عقائد السلف، إلا أننا لا نأمن أن يظهروا مرة أخرى هنا أو هناك. وأمّا المرجئة فكثير من عوام المسلمين عقيدتهم هي عقيدة المرجئة فهم يظنون أنّهم لمجرد انتسابهم للإسلام سوف يدخلون الجنة من أوسع أبوابها، ولا يعملون للعمل والطاعات حسابًا؛ حتى أهم الأعمال وهي الصلاة كثير منهم يتركونها، ومع ذلك فهم أهل الجنة وهم أبعد الناس عن النار! أين هؤلاء مما حكاه ابن أبي مليكة حيث يقول: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلهم يخشى على نفسه النفاق. فما أبعد هؤلاء عن فهم سلفنا واعتقادهم، وما أقربهم من المرجئة المبتدعة واعتقادهم.

لذلك فدراسة عقيدة أهل السنة والجماعة ومعرفة عقائد الفرق الضّالة من أهمّ ما يكون، بل هو أهمّ شيء في دين الله عزّ وجلّ، نقول هذا ونحن نعلم أن هناك ممن ينتسب إلى الدعوة إلى الله من يقول: إن هذا من فضول القول، وإن هذه الفرق قد عفا عليها الدهر، فلا داعي لإضاعة الأوقات في معرفتها ودراسة مناهجها ومعتقداتها. ونقول: إن هؤلاء ما قالوا ذلك إلا بسبب جهلهم وبعدهم عن العلم النّافع، فنجد كثيرًا من هؤلاء يعتبرون إيران الدولة المسلمة الوحيدة على وجه الأرض، ولايدري هؤلاء أن بها مدينة (قم) المقدسة عندهم! ولماذا هي مقدسة عندهم؟ لأن بها المشاهد التي يعبدونها، وكذلك فهم يكفّرون الصحابة إلا نفرًا يسيرًا وغير ذلك من عقائدهم الفاسدة. ولكن القوم لا يعنيهم أمر العقيدة فالشيء المهم أن يسير المرء معهم ويوافقهم على الاشتغال بالسياسة، وأن يلبس كلّ شيء ثوب الإسلام: سينما إسلامية، مسرح إسلامي، فن إسلامي، وهكذا. أما تعلّم العقيدة الإسلامية الصحيحة عقيدة السلف الصالح، وتعلّم العلوم الشرعية فهذا عندهم من إضاعة الأوقات، نسأل الله السلامة والعافية. وكما قلنا إن الشفاعة والإيمان بها من أهم معتقدات أهل السنة والجماعة، وفي معرفتها والإيمان بها ردّ على كثير من الفرق الضالة كما بيّنا وتصحيح لعقائد المسلمين. وقد قام شيخنا مقبل حفظه الله بجمع كل ما يتعلق بالشفاعة، سواء كانت الشفاعة العظمى، أو الشفاعة لأهل الكبائر، وشفاعة المؤمنين بعضهم لبعض، وما يجوز من الشفاعة وما لا يجوز، وقد بيّن الصحيح من الأحاديث في ذلك من الضعيف مع بيان سبب الضعف، فهو مفيد جامع في بابه لا

يستغني عنه عالم ولا طالب علم ولا عامّي، فلا نكون مبالغين -إن شاء الله- إذا قلنا: ينبغي ألا يخلو منه بيت. وشيخنا مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله غني عن التعريف، فكتبه وعلمه منتشران في كل مكان، وإن كنت أرى أنه لم يأخذ حظه كأقرانه أو من هم دونه من أهل العلم، فإن اليمن تعتبر بلدًا معزولة إلى حدّ كبير، ومع هذا فقد نفع الله عز وجل به أناسًا كثيرين في جميع البلدان وأما في اليمن فهو حفظه الله يعتبر مجددًا للدين في اليمن وناصرًا للسنة، فقد نشر الله عز وجل به السنة وقمع به البدعة. وأصبح غلاة الشيعة مدحورين، أمرهم إلى زوال إن شاء الله تعالى، بعد أن كانت اليمن معقلاً كبيرًا من معاقل الشيعة في العالم. ومنطقته التي يحل بها (صعْدة) تعتبر أكثر شيعة اليمن غلوًا وتعصبًا لأن بها مسجد (الهادي) الذي يعتبر مركز الشيعة باليمن. ولذلك فقد تعرّض الشيخ حفظه الله لبلاء كثير في التمسك بالسنة والدعوة إليها وسط هؤلاء. كما سمعنا من أقربائه عندما كنا هناك وكما حكى هو في ترجمته التي قمنا بطباعتها، وعلى سبيل المثال لما لاقاه الشيخ من المعاناة في مواجهة الشيعة المبتدعة، في أول نزوله لليمن ذهب إلى مسجد الهادي بصعدة ليدعوهم إلى الله فقاموا عليه، وأرادوا قتله في المسجد فأسند ظهره للجدار فقام رجال من قبيلته ودافعوا عنه، ثم جاء آخرون ممن كانوا خارج المسجد فاجتمعوا حوله وخلّصوه من أيديهم. ونحن قد رأينا مدى تعصب هؤلاء القوم بأنفسنا عندما ذهبنا إلى بعض المناطق النائية من (لواء صعدة) التي لم تكن الدعوة مألوفة عند أهلها في تلك الأيام من نحو أكثر من اثني عشر عامًا، عندما دخلنا مسجدًا من

مساجد القوم في صلاة المغرب، فلما قرأ الإمام الفاتحة فأمّنّا جهرًا. فحدثت فوضى في مؤخر المسجد وخرج بعضهم من الصلاة، وبعد انتهاء الصلاة قام أحد إخواننا ليتكلم فقطعوا التيار الكهربائي، وحدثت فوضى كبيرة، وكادت تحدث مضاربة في المسجد فخرجنا وانصرفنا من تلك القرية. حدث هذا معنا مع أننا غرباء ويعلمون أن مذهبنا يخالف مذهبهم، فما بالك بمن هو منهم وترك مذهبهم وانتحل مذهب أهل السنة والجماعة، لا شك أنّهم سيكونون له أشدّ عداوةً وحربًا، فتحمّل شيخنا كل هذه الصعاب والمحن من غير إثارة فتنة ولا قلاقل حتى انتشرت السنة وقمعت البدعة بفضل الله عزّ وجلّ، فجزاه الله خيرًا. فمن أراده بسوء فلا وفّقه الله، ومن أعانه بخير فجزاه الله خيرًا، وأسأل الله عزّ وجلّ أن يمدّ في عمر شيخنا وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنّا وما هو أعلم به منا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. أبوعبد الله أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} {ياأيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءً واتّقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبًا} {ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولاً سديدًا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا} أما بعد: فلما كان موضوع الشّفاعة من المواضيع التي يزداد المؤمن بقراءتها حبًّا لرسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، رأيت أن أكتب ما عثرت عليه من الأحاديث مبيّنًا بعون الله صحيحها من سقيمها، ومعلولها من سليمها،

بحسب الاستطاعة حتى يستفيد مما أكتبه طلبة العلم وغيرهم، فربّ حديث قد شاع وذاع واشتهر على ألسنة العامّة، وهو لا يثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، ولست أعني أني آت بما لا تستطيع الأوائل، ولكني أستفيد من كتبهم، وأحذو حذوهم، فهم رحمهم الله قد قاموا بجهود ليس لها نظير في خدمة السّنة المطهرة، فجزاهم الله عن الإسلام خيرًا. وإن مما دفعني على اختيار الكتابة في هذا الموضوع، أن هناك بعض مقامات الشّفاعة قد أنكرها بعض ذوي الأهواء، فمن ثمّ أدرج الشّفاعة أهل السّنة رحمهم الله في كتب العقيدة، فقلّ أن تجد مؤلفًا يؤلف في العقيدة إلا وقد عقد كتابًا أو فصلاً في كتابه للشّفاعة، بيانًا للحق، وقمعًا للباطل، ونصرةً للعقيدة الحقّة، فجزاهم الله عن الإسلام خيرًا. وهؤلاء المنكرون لبعض مقامات الشّفاعة وهي الشّفاعة لأهل الكبائر، والشّفاعة في خروج الموحدين من النار، قد أخبر عنهم عمر رضي الله عنه، وهو المحدّث (¬1)، فقد روى الإمام أحمد في "مسنده" (ج1 ص23) من طريق علي بن زيد (¬2) عن يوسف بن مهران عن ابن عبّاس قال: خطب عمر رضي الله عنه ... -وفي الخطبة-: وإنّه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرّجم وبالدّجال وبالشّفاعة وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النّار بعد ما امتحشوا. ولمّا كان من أعظم شبههم الباطلة أن أحاديث الشّفاعة أخبار آحاد، ¬

(¬1) المُحَدَّث: الملهم. (¬2) علي بن زيد هو ابن جدعان، مختلف فيه، وهو إلى الضعف أقرب.

وأنه لا يؤخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة جمعت ما استطعت الوقوف عليه حتى تبطل شبهتهم، ويعلموا أن أحاديث الشّفاعة متواترة عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، على أنّي أعلم أن شبهة كون أخبار الآحاد لا يؤخذ بها في العقيدة دسيسة من قبل أعداء السّنة حتى يبطلوا سنّة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وقد أحسن الردّ عليهم الإمام الشافعي رحمه الله في "الرّسالة"، والإمام البخاري في "صحيحه"، وعقد كتابًا في صحيحه أسماه: (كتاب أخبار الآحاد)، وممن تولى الردّ عليهم ابن حزم في "الأحكام"، وابن القيم في "الصواعق المرسلة"، ولو لم يكن إلا عموم {وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (¬1) وعموم قوله تعالى: {فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (¬2) والنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يرسل الرسول ويأمره أن يعلم الناس العقائد والعبادات وما يحتاجون إليه كما هو معلوم من سيرته، ومما أستحضره الآن الحديث المتفق عليه من حديث ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال لمعاذ بن جبل: ((إنّك ستأتي قومًا من أهْل الكتاب فليكن أوّل ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمدًا رسول الله ... )) الحديث، وقال عمر رضي الله عنه: إنّي لم أرسل عمالي إليكم ليأخذوا أموالكم، ولا ليضربوا أبشاركم، ولكن ليعلموكم دينكم. رواه أحمد في "مسنده" (¬3). ¬

(¬1) الحشر الآية: 17. (¬2) النور الآية: 63. (¬3) ثم ظهر لي أنه ضعيف، لأنّ الحافظ يقول في أبي فراس -وهو أحد رواته- إنه: مقبول.= =يعني إذا تُوبع وإلا فليّن.

أولئك المنكرون لبعض مقامات الشفاعات في جانب، وبعض الجهلة من المسلمين في جانب آخر، وهم الذين يظنون أن لرسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وللصالحين أن يدخلوا الجنة من شاءوا، ويخرجوا من النار من شاءوا، وهكذا يظنون أن لهم التصرف المطلق في الدنيا، وكلتا الطائفتين مجانبة للصواب، والحقّ وسط أنّ الرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم والصالحين سيشفعون في الآخرة لكن بشروط ستأتي في الجمع بين الآيات المثبتة للشّفاعة والآيات النّافية، وهكذا لهم في حياتهم أن يشفعوا عند الله لكن فيما يقدرون عليه، وقد شفع النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم للمشركين عند الله أن يسقوا كما في "الصحيحين" من حديث ابن مسعود رضى الله عنه. فمذهب أهل السّنة رحمهم الله وسط بين الغالي والجافي، لأنّهم رحمهم الله يجمعون بين الأدلة، وبقية الطوائف تأخذ بجانب من الأدلة وتترك الجانب الآخر، فمن ثمّ تخبّطوا وتعسّفوا في دحض الأدلّة التي لا توافق أهواءهم، فتارة يتجرأون ويطعنون في الصحابي الراوي للسّنة، وتارة يقولون: أخبار آحاد. وتارة يؤولون الأدلة بحيث يعطلونها عمّا تدلّ عليه، ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره، ويظهر حجته، فلم يزل بحمد الله في كل بلد من بلاد المسلمين من يقيم عليهم الحجة، وصدق رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إذ يقول: ((لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتّى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك)) متفق عليه بهذا المعنى.

الشفاعة في اللغة

وإنّ من أحسن الكتب فيما اطلعت عليه في تزييف أباطيلهم كتاب "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة رحمه الله، فقد أبطل رحمه الله جلّ شبهاتهم حول سنة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فجزاه الله خيرًا. الشّفاعة في اللغة: قال ابن الأثير في "النهاية": قد تكرر ذكر الشّفاعة في الحديث فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، وهي: السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم بينهم، يقال: شفع يشفع شفاعةً فهو شافع وشفيع، والمشفّع: الّذي يقبل الشّفاعة، والمشفّع: الّذي تقبل شفاعته. اهـ وفي "القاموس" و"تاج العروس": والشّفيع: صاحب الشّفاعة، والجمع: شفعاء، وهو: الطالب لغيره يتشفّع به إلى المطلوب. وفيهما أيضًا: وشفّعته فيه تشفيعًا حين شفع -كمنع- شفاعةً، أي قبلت شفاعته كما في "العباب"، قال حاتم يخاطب النعمان: فككت عديًّا كلّها من إسارها ... فأفضلْ وشفّعني بقيس بن جحْدر وفي حديث الحدود: ((إذا بلغ الحدّ السلطان فلعن الله الشافع والمشفّع)) (¬1). وفي حديث ابن مسعود: ((القرآن شافع مشفّع، وماحل (¬2) مصدّق)) ... (¬3). ¬

(¬1) سيأتي إن شاء الله: أنّ الصحيح أنه موقوف على الزبير بن العوام رضى الله عنه. (¬2) ماحل: يعني مدافع مجادل من المحال، وهو الكيد وقيل: المكر، وقيل: القوة والشدة. اهـ من "النهاية لابن الأثير. (¬3) موقوف عليه، وصح مرفوعًا من حديث جابر كما سيأتي إن شاء الله.

أي من اتبعه وعمل بما فيه فهو شافع مقبول الشّفاعة من العفو عن فرطاته، ومن ترك العمل به تمّ على إساءته، وصدّق عليه فيما يرفع من مساويه، فالمشفّع: الذي يقبل الشّفاعة، والمشفّع: الذي تقبل شفاعته، ومنه حديث: ((اشْفع تشفّع))، واستشفعه إلى فلان: أي سأله أن يشفع له إليه، وأنشد الصغاني للأعشى: تقول بنتي وقدْ قرّبت مرتحلاً ... يا ربّ جنّبْ أبي الأوصاب والوجعا واستشفعتْ من سراة الحيّ ذا شرف (¬1) ... فقدْ عصاها أبوها والّذي شفعا يريد: والذي أعان وطلب الشّفاعة فيها، وأنشد أبوليلى: زعمتْ معاشر أنّني مستشفع ... لمّا خرجت أزوره أقلامها قال: زعموا أني أستشفع أقلامهم في الممدوح أي بكتبهم. اهـ مختصرًا. وذكر الزمخشري في "أساس البلاغة" بعض ما تقدم، ثم قال: وقال آخر: مضى زمن والنّاس يستشفعون بي ... فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع والمعاني الشرعية موافقة للمعاني اللغوية. فمن الشّفعاء من يشفع ابتداءً، ومنهم من يشفع بعد الطلب، كما سيأتي إن شاء الله بيانه في الأحاديث. ¬

(¬1) في أساس البلاغة ولسان العرب: ذا ثقة.

فصل الآيات الواردة في الشفاعة والجمع بينها

فصل الآيات الواردة في الشّفاعة والجمع بينها وبما أنّها قد وردت آيات تنفي الشّفاعة والشفيع، وآيات تثبتهما رأيت أن أذكر الآيات التي تنفي الشّفاعة والشّفيع، والآيات التي تثبتهما ثم أذكر الجمع بين هذه الآيات حسبما جمع بينها أهل العلم رحمهم الله. الآيات الواردة في نفي الشّفاعة والشفيع: قال الله تعالى: {واتّقوا يومًا لا تجْزي نفس عن نفس شيئًا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل (¬1) ولا هم ينصرون} (¬2). وقال تعالى: {ياأيها الّذين آمنوا أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة (¬3) ولا شفاعة والكافرون هم الظّالمون} (¬4). وقال تعالى حاكيًا عن بعض الصالحين: {أأتّخذ من دونه آلهةً إن يردن الرّحمن بضرّ لا تغن عنّي شفاعتهم شيئًا ولا ينقذون} (¬5). ¬

(¬1) العدل: الفداء. (¬2) البقرة الآية: 48. (¬3) الخلة: الصداقة. (¬4) البقرة الآية: 254. (¬5) يس الآية: 23.

في هذه الآيات نفي الشّفاعة. وقال تعالى: {وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ليس لهم من دونه وليّ ولا شفيع لعلّهم يتّقون} (¬1). وقال تعالى: {وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعبًا ولهوًا وغرّتْهم الحياة الدّنيا وذكّر به أن تبسل (¬2) نفس بما كسبت ليس لها من دون الله وليّ ولا شفيع وإن تعدل كلّ عدل لا يؤخذ منها أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون} (¬3). وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبّئون الله بما لا يعلم (¬4) في السّموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون} (¬5). وقال تعالى حاكيًا عن أهل النار: {فما لنا من شافعين (¬6)، ولا صديق ¬

(¬1) الأنعام الآية: 51. (¬2) تُبسَل: تُسلَم، وقيل: تُحبس، والمعنى تُسلَم للهلكة. اهـ مختصرًا من تفسير ابن كثير. (¬3) الأنعام الآية:70. (¬4) قال الإمام ابن جرير رحمه الله (ج11 ص98): يقول أتخبرون الله بما لا يكون في السموات ولا في الأرض، وذلك أن الآلهة لا تشفع لهم عند الله في السموات ولا في الأرض، وكان المشركون يزعمون أنَّها تشفع لهم عند الله، فقال الله لنبيه محمد صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وسلَّم: قل لهم: أتخبرون الله أن ما لا يشفع في السموات ولا في الأرض يشفع لكم فيهما؟ وذلك باطل لا تعلم حقيقته وصحته، بل يعلم الله أن ذلك خلاف ما يقولون، وأنَّها لا تشفع لأحد ولا تنفع ولا تضر. اهـ المراد من كلامه. (¬5) يونس الآية: 18. (¬6) يقولون ذلك بعد خروج الموحدين من النار، ويدل على ذلك قولهم: {فَلَو أنَّ لَنَا كَرَّة فَنَكُونَ مِن المُؤمِنِين} فإنه يدل على أنّهم لم يكونوا مؤمنين في الدنيا، وسيأتي بيان ذلك في الأحاديث إن شاء الله.

حميم، فلو أنّ لنا كرّةً فنكون من المؤمنين} (¬1). ومعنى حميم: قريب، وكرّة: رجعة إلى الدنيا. وقال تعالى: {الله الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش (¬2) ما لكم من دونه من وليّ ولا شفيع أفلا تتذكّرون} (¬3). وقال تعالى: {أم اتّخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئًا ولا يعقلون، قل لله الشّفاعة جميعًا له ملك السّموات والأرض ثمّ إليه ترجعون} (¬4). وقال تعالى: {وأنذرهم يوم الآزفة (¬5) إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظّالمين من حميم ولا شفيع يطاع} (¬6). في هذه الآيات نفي الشفيع. ¬

(¬1) الشعراء الآية:100 - 102. (¬2) استواء يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل، ومن أحسن الكتب المصنفة في ذلك كتاب العلو للعلي الغفار" للحافظ الذهبي رحمه الله. (¬3) السجدة الآية: 4. (¬4) الزمر الآية: 43 - 44. (¬5) الآزفة: اسم من أسماء القيامة، سُمِّيت بذلك لاقترابِها كما قال تعالى: {أزِفَت الآزِفَةُ، لَيسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ كَاشِفَة}. (¬6) غافر الآية: 18.

الآيات في إثبات الشفاعة والشفيع

الآيات في إثبات الشّفاعة والشفيع: قال الله تعالى: {من ذا الّذي يشفع عنده إلا بإذنه} (¬1). وقال تعالى: {ما من شفيع إلا من بعد إذنه} (¬2). وقال تعالى: {وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون (¬3)} (¬4). فهي هذه الآيات إثبات الشفيع بشروط وستأتي إن شاء الله. وقال الله تعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفًا، فيذرها قاعًا صفصفًا (¬5)، لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، يومئذ يتّبعون الدّاعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرّحمن فلا تسمع إلا همسًا (¬6)، يومئذ لا تنفع الشّفاعة إلا من أذن له الرّحمن ورضي له قولاً} (¬7). وقال تعالى: {ولا يملك الّذين يدعون من دونه الشّفاعة إلا من شهد بالحقّ وهم يعلمون} (¬8). ¬

(¬1) البقرة الآية: 255. (¬2) يونس الآية: 3. (¬3) مشفقون: خائفون. (¬4) الأنبياء الآية: 26 - 28. (¬5) صفصفًا: مستويًا. (¬6) الهمس: الصوت الخفي. (¬7) طه الآية: 105 - 109. (¬8) الزخرف الآية: 86.

الجمع بين الآيات المثبتة والآيات النافية

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: {ولا يملك الّذين يدعون من دونه} أي: من الأصنام والأوثان {الشّفاعة} أي: لا يقدرون على الشّفاعة لهم {إلا من شهد بالحقّ وهم يعلمون} هذا استثناء منقطع، أي: لكن من شهد بالحقّ على بصيرة وعلم فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له. اهـ وقال تعالى: {وكم من ملك في السّموات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} (¬1). هذه الآيات تدل على الشّفاعة المثبتة بشروط ستأتي إن شاء الله. الجمع بين الآيات المثبتة والآيات النافية: يتحصل من هذا أن النفي مقصود به الشّفاعة التي تطلب من غير الله، كما قال تعالى: {قل لله الشّفاعة جميعًا} (¬2) والشّفاعة المثبتة لا تقبل إلا بشروط: 1 - قدرة الشافع على الشّفاعة كما قال تعالى في حق الشافع الذي يطلب منه وهو غير قادر على الشّفاعة: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبّئون الله بما لا يعلم في السّموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون} (¬3)، وقال تعالى: {ولا يملك الّذين يدعون من دونه الشّفاعة إلا من شهد بالحقّ ¬

(¬1) النجم الآية: 36. (¬2) الزمر الآية: 44. (¬3) يونس الآية: 18.

وهم يعلمون} (¬1) فعلم من هذا أن طلب الشّفاعة من الأموات طلب ممن لا يملكها، قال تعالى: {والّذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبّئك مثل خبير} (¬2) وقال تعالى: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرّة في السّموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير، ولا تنفع الشّفاعة عنده إلا لمن أذن له} (¬3). 2 - إسلام المشفوع له، قال الله تعالى: {ما للظّالمين من حميم ولا شفيع يطاع} (¬4)، والمراد بالظالمين هنا: الكافرون، بدليل الأحاديث المتواترة في الشّفاعة لأهل الكبائر، وستأتي إن شاء الله في موضعها. قال الحافظ البيهقي رحمه الله في "الشعب" (ج1 ص205): فالظالمون هاهنا هم الكافرون، ويشهد لذلك مفتتح الآية إذ هي في ذكر الكافرين. اهـ وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: أي ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع فيهم، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير. اهـ ويستثنى من المشركين أبوطالب، فإن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يشفع له حتى يصير في ضحضاح من نار كما سيأتي في ¬

(¬1) الزخرف الآية: 86. (¬2) الزمر الآية:13 - 14. (¬3) سبأ الآية: 22. (¬4) غافر الآية: 18.

الأحاديث في مواضعها إن شاء الله. 3 - الإذن للشافع، كما قال تعالى: {من ذا الّذي يشفع عنده إلا بإذنه} (¬1). 4 - الرّضا عن المشفوع له كما قال تعالى: {وكم من ملك في السّموات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} (¬2) وقال تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} (¬3). وبهذا تنتهي المقدمة، ونستعين بالله في الشروع في ذكر الأحاديث بأسانيدها مع العزو إلى بقيّة المخرجين بحسب الاستطاعة، فإن في ذكر الحديث بسنده طمأنينةً لطالب علم الحديث، وحذف الأسانيد خسارة كبيرة، إذ الإسناد من الدين، وما كان سلفنا رحمهم الله يقبلون من محدث حديثًا حتى يسنده، وينظروا في رجاله رجلاً رجلاً، كما هو معروف من سيرهم رحمهم الله. وأما التخريج فهو يعين طالب العلم على جمع طرق الحديث، والحديث كلما كثرت طرقه ازداد قوة، والتخريج أيضًا يعين طالب العلم على الوقوف على شروح الحديث، في الكتب التي قد شرحت، فربّ حديث يكون عامًا قد خصّص، أو يكون منسوخًا، أو يكون مطلقًا قد قيّد، من أجل هذا فإنه لا غنى لنا عن الرجوع إلى الشروح غير مقلدين لأصحابها، ¬

(¬1) البقرة الآية: 255. (¬2) النجم الآية:36. (¬3) الأنبياء الآية: 28.

ولكن مستفيدين من جهودهم التي بذلوها في خدمة السنة، فجزاهم الله عن الإسلام خيرًا. هذا ويستفاد من التخريج وجمع الطرق أنّ الحديث ربّما يكون ظاهره الصحة، وبجمع الطرق تظهر فيه علّة من اضطراب أو انقطاع أو إرسال أو وقف أو غيرها مما يعلّ بها الحديث. فمن ثمّ يقول علي بن المديني: إن الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبيّن خطؤه. وإليك مثالاً على ذلك: حديث جابر في "صحيح البخاري" فيمن يقول مثل ما يقول المؤذن، ثم يقول: ((اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامة، والصّلاة القائمة، آت محمّدًا [وفي "معاني الآثار" للطحاوي: آت سيّدنا محمدًا] الوسيلة والفضيلة، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدته))، وفي "سنن البيهقي" زيادة: ((إنّك لا تخلف الميعاد))، فبسبب جمع الطرق علم أنّ هاتين الزيادتين شاذتان كما سيأتي إن شاء الله، في (أسباب الشّفاعة). هذا وقد أذكر بعض الأحاديث الشديدة الضعف والموضوعة لبيان حالها لا للاحتجاج بها، فإنّ بعض الأحاديث الموضوعة تستغلها بعض الطوائف المنحرفة لترويج باطلها، وإليك مثالاً على ذلك وهو ما قرأناه في "العقد الثمين في معرفة رب العالمين" (¬1) ونحن بصعدة (¬2): ((ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)) فهذا حديث ليس له أصل، إنّما هو من أباطيل المعتزلة، كما في "أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب". ¬

(¬1) من رسائل الهادوية الشيعة، وليس هو كتاب الفاسي. ويدرس في صعدة عند الشيعة. (¬2) باليمن وهي بلدنا.

تنبيه

مثال آخر: حديث ((ثلاثة أنا شفيع لهم يوم القيامة: الضارب بسيفه أمام ذريتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه)) ولا يخفى على القارئ ما هو مقصد (¬1) واضع هذا الحديث، وسيأتي إن شاء الله الكلام على هذا الحديث الباطل في (أعمال متفرقة من أسباب الشّفاعة). تنبيه: قاعدتي في الحكم على الحديث أنّني أبحث في كتب المحدثين، فإن وجدت حكمًا لمحدث نقلته، ثم نظرت في رجال السّند فإن ظهر لي خلاف ذلك الحكم من تصحيح أو تضعيف عقّبت به على حكمه، وإلا أقررته كما هو، وأعتقد أنّ هذه الطريقة أسلم، فقد يظن الباحث أنّ السند صحيح ويكون قد اطلع العلماء على علّة فيه، وقد يصححه متساهل، فيتناقله من بعده معتمدين على تصحيحه، من أجل هذا ألزمت نفسي بالجمع بين البحث عمّا قاله العلماء، والنظر في السند، وأيضًا النّاس يطمئنون إلى تصحيح المتقدمين لعلمهم أنّهم أوسع علمًا من المتأخرين. فإذا لم أجد لهم كلامًا حكمت على الحديث بظاهر السّند. والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل. اعتذار: اطلعت على أحاديث في "كنْز العمّال" وفي "مجمع الزوائد" و"المطالب العالية" تعزى إلى مصادر ليست في متناولي فتركتها ولم تطمئن النفس إلى ¬

(¬1) من هذا أن يكون الناس مسخرين لهم، وأن تكون مصالح غير العلوي للعلوي.

نقلها بدون أسانيد، وقد أخرجت في الغالب ما يغني عنها، وهكذا في الرجال فقد أبحث عن بعضهم فلا أجد له ترجمة في المصادر لديّ، فأتوقف في الحكم على الحديث خشية أن يكون الراوي موثقًا في مصدر لم أطلع عليه، أو يكون تصحّف فما أكثر التصحيف في الكتب المطبوعة التي لم يشرف عليها من هو أهل للإشراف. هذا، وقد أعرضت عن جدل أهل البدع وذكر أقوالهم والردّ عليها، وسقت الأحاديث كما هي، ففي الأدلة غنية عن فلسفة أهل علم الكلام، وفي الأدلة قمع لبدعهم (¬1) فعسى الله أن يوفق المسلمين إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله اللّذين هما أمان من الضلال والزّيغ، وهما عصمة من الاختلاف الذي مزّق الأمّة الإسلامية وجعلهم شيعًا وأحزابًا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. ((اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السّموات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)) (¬2). ¬

(¬1) شأن علمائنا المتقدمين كالآجري واللالكائي وقد ذكرت جملةً طيبةً من هذا في ترجمة أبي حنيفة. وانظر في ذم الجدل أيضًا الشريعة للآجري (ج1 ص185) بتحقيق الوليد بن محمد، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (ج1 ص114). (¬2) رواه مسلم من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفتتح به صلاة الليل.

الشفاعة العظمى

الشّفاعة العظمى 1 - قال البخاري رحمه الله (ج8 ص395): حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله (¬1) أخبرنا أبوحيان التيمي عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه فنهس منها نهسةً ثم قال: ((أنا سيّد النّاس يوم القيامة، وهل تدرون ممّ ذلك؟ يجمع الله النّاس الأوّلين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر، وتدنو الشّمس، فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول النّاس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض: عليكم بآدم. فيأتون آدم عليه السّلام فيقولون له: أنت أبوالبشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه قد نهاني عن الشّجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح إنّك أنت ¬

(¬1): هو ابن المبارك، وأبوحيان التيمي هو يحيى بن سعيد.

أوّل الرّسل إلى أهل الأرض (¬1)، وقد سمّاك الله عبدًا شكورًا، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي عزّ وجلّ قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّي قد كنت كذبت ثلاث كذبات- فذكرهنّ أبوحيان في الحديث- نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله، فضّلك الله برسالته وبكلامه على النّاس، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّي قد قتلت نفسًا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلّمت النّاس في المهد صبيًّا" اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى إلى ما نحن ¬

(¬1) إشكال بين هذا الحديث وحديث جابر: ((أعطيت خمسًا لم يعطهنّ أحد قبلي)) وفيه ((وكان الرّجل يرسل إلى قومه خاصّة))، فهل نوح أرسل إلى قومه خاصة، أم إلى جميع أهل الأرض، والصحيح أنه أرسل إلى جميع أهل الأرض وأنّهم جميعًا كانوا قومه ولما لم يستجيبوا له، دعا عليهم فأغرقهم الله، ولو لم يكونوا جميعًا قومه لما عذّبهم الله بغير إقامة الحجة عليهم قال الله سبحانه وتعالى: {وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولاً} إن شئت الاطلاع على مزيد من حل هذا الإشكال فانظر فتح الباري (ج1 ص436) حديث رقم (335).

فيه فيقول عيسى إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله -ولم يذكر ذنبًا- نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. فيأتون محمّدًا، فيقولون: يا محمّد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربّي عزّ وجلّ، ثمّ يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثّناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي، ثمّ يقال: يا محمّد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفعْ تشفّعْ. فأرفع رأسي فأقول: أمّتي يا ربّ، أمّتي يا ربّ (¬1). فيقال: يا محمّد أدخل من أمّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنّة، وهم شركاء النّاس فيما سوى ذلك من الأبواب. -ثم قال- والّذي نفسي بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة كما بين مكّة وحمير، أو كما بين مكّة وبصرى)). الحديث أخرجه مسلم (ج1 ص184)، والترمذي (ج4 ص43)، وأحمد (ج2 ص435)، وابن خزيمة (¬2) ص (242)، وأبوعوانة (ج1 ص171)، وعندهم كلهم إلا البخاري وأبا عوانة: ((ما بين مكّة وهجر)). 2 - قال البخاري رحمه الله (ج13 ص392): حدثني معاذ بن فضالة ¬

(¬1) الحديث فيه شفاعة عامة وشفاعة خاصة، فهي شفاعة في أهل الموقف، والثانية: في أمته كما ترى. (¬2) أطلقت العزو إلى ابن خزيمة، فهو إلى كتاب التوحيد فإنه رحمه الله توسع فيه في أحاديث الشّفاعة.

حدثنا هشام (¬1) عن قتادة عن أنس أن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يجمع الله المؤمنين (¬2) يوم القيامة كذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم أما ترى النّاس؟ خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، اشفع لنا إلى ربّك، حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم -ويذكر لهم خطيئته التي أصاب- ولكن ائتوا نوحًا فإنّه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتون نوحًا، فيقول: لست هناك -ويذكر خطيئته التي أصاب- ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرّحمن. فيأتون إبراهيم، فيقول: لست هناكم -ويذكر لهم خطاياه التي أصابها- ولكن ائتوا موسى عبدًا آتاه الله التّوراة، وكلّمه تكليمًا. فيأتون موسى، فيقول: لست هناكم -ويذكر لهم خطيئته التي أصاب- ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه. فيأتون عيسى، فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم عبدًا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. فيأتونني فأنطلق فأستأذن على ربّي، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربّي (¬3) وقعت له ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقال لي: ارفع محمّد، قل يسمعْ، وسل تعطه، واشفعْ تشفّعْ. فأحمد ربّي بمحامد علّمنيها، ثمّ أشفع فيحدّ لي حدًّا فأدخلهم الجنّة، ثمّ أرجع فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقال: ارفع محمّد، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأحمد ربّي بمحامد علّمنيها، ثمّ أشفع ¬

(¬1) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي. (¬2) بين الحافظ في الفتح أن لفظة: ((المؤمنين)) غير محفوظة، وأنّها شفاعة عظمى للمؤمنين وغيرهم، فقال (ج11 ص440) -طبعة الرّيان-: وتبيّن من رواية النضر بن أنس أن التعبير بـ ((الناس)) أرجح، لكن الذي يطلب الشّفاعة هم المؤمنون. اهـ (¬3) هذا من الأحاديث الدالة على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرى ربه في عرصات القيامة فنحن نؤمن به على ظاهره.

فيحدّ لي حدًّا فأدخلهم الجنّة، ثمّ أرجع فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقال: ارفع محمّد، قل يستمع، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأحمد ربّي بمحامد علّمنيها، ثمّ أشفع فيحدّ لي حدًّا فأدخلهم الجنّة، ثمّ أرجع فأقول: يا ربّ ما بقي في النّار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود (¬1)). فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثمّ يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برّةً، ثمّ يخرج من النّار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرّةً)). الحديث أعاده البخاري ص (422)، وأخرجه مسلم (ج1 ص180)، وأبوعوانة (ج1 ص178 - 179) وابن ماجة (ج2 ص1442)، وأحمد (ج3 ص116، 244، 247)، والطيالسي (ج2 ص227) من "ترتيب المسند" من رواية همام عن قتادة به. 3 - قال البخاري رحمه الله (ج13 ص473): حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من ¬

(¬1) الحافظ في الفتح (ج11 ص440): إن قوله ((ووجب عليه الخلود)) في رواية هشام مدرجة في المرفوع، لما تبين من رواية أبي عوانة أنّها من قول قتادة فسّر به قوله ((من حبسه القرآن)). قلت: ورواية أبي عوانة وهو وضّاح بن عبد الله اليشكري عند مسلم.

أهل البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك، وذهبنا معنا بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشّفاعة، فإذا هو في قصره، فوافقناه يصلي الضحى فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه. فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أوّل من حديث الشّفاعة. فقال: يا أبا حمزة هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاءوك يسألونك عن حديث الشّفاعة. فقال: حدثنا محمّد صلى الله عليه وعلى آله قال: ((إذا كان يوم القيامة ماج النّاس في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربّك. فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم (¬1) فإنّه خليل الرّحمن. فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنّه كليم الله. فيأتون موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنّه روح الله وكلمته. فيأتون عيسى، فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. فيأتوني فأقول: أنا لها فأستأذن على ربّي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخرّ له ساجدًا، فيقال: يا محمّد ارفعْ رأسك وقلْ يسمعْ لك، وسلْ تعط، واشفعْ تشفّعْ. فأقول: يا ربّ أمّتي أمّتي. فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان. فأنطلق فأفعل ثمّ أعود فأحمده بتلك المحامد ثمّ أخرّ له ساجدًا، فيقال: يا محمّد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط، واشفع تشفّع. فأقول: يا ربّ أمّتي أمّتي. فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرّة أو خردلة من إيمان. فأنطلق فأفعل، ثمّ أعود فأحمده ¬

(¬1) هذا الحديث وأمثاله من الأحاديث التي ليس فيها أنه أمرهم بالإتيان إلى نوح ... الخ، تحمل على أنه أمرهم بالإتيان إلى نوح، ونوح أمرهم بالإتيان إلى إبراهيم جمعًا بين الأحاديث والله أعلم.

بتلك المحامد ثمّ أخرّ له ساجدًا، فيقال: يا محمّد ارفع رأسك، وقلْ يسمعْ لك، وسل تعط، واشفعْ تشفّعْ. فأقول: يا ربّ أمّتي أمّتي. فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال حبّة خردل من إيمان فأخرجه من النّار من النّار من النّار. فأنطلق فأفعل)). فلما خرجنا من عند أنس، قلت لبعض أصحابنا: لو مررنا بالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة فحدّثنا بما حدّثنا أنس بن مالك. فأتيناه فسلّمنا عليه، فأذن لنا فقلنا له: يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك أنس بن مالك، فلم نر مثل ما حدّثنا في الشّفاعة. فقال: هيه. فحدّثْناه بالحديث فانتهى إلى هذا الموضع، فقال: هيه. فقلنا: لم يزدْ لنا على هذا. فقال: لقد حدّثني وهو جميع (¬1) منذ عشرين سنة، فلا أدرى أنسي أم كره أن تتكلوا. فقلنا: يا أبا سعيد فحدّثْناه. فضحك وقال: خلق الإنسان عجولاً، ما ذكرته إلاّ وأنا أريد أحدّثكم، حدّثني كما حدثكم به، قال: ((ثمّ أعود الرّابعة فأحمده بتلك المحامد ثمّ أخرّ له ساجدًا، فيقال: يا محمّد ارفعْ رأسك وقلْ يسمعْ وسلْ تعط واشفع تشفّع. فأقول: يا ربّ ائذن لي فيمن قال لا إله إلاّ الله. فيقول: وعزّتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجنّ منها من قال: لا إله إلاّ الله)). الحديث أخرجه مسلم (ج1 ص182) وفيه قال -أي معبد بن هلال-: فأشهد على الحسن أنه حدّثنا أنه سمع أنس بن مالك أراه قبل عشرين سنة وهو جميع. وأخرجه أبوعوانة (ج1 ص183 - 184) مختصرًا. 4 - قال مسلم رحمه الله (ج1 ص186): حدثنا محمد بن طريف بن خليفة ¬

(¬1) جميع: أي مجتمع العقل، وهو إشارة إلى أنّه كان حينئذ لم يدخل في الكبر الذي هو مظنة تفرق الذهن، وحدوث اختلاط الحفظ. اهـ فتح الباري.

البجلي حدثنا محمد بن فضيل حدثنا أبومالك الأشجعي (¬1) عن أبي حازم عن أبي هريرة، وأبومالك عن ربعي عن حذيفة قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يجمع الله تبارك وتعالى النّاس فيقوم المؤمنون حتّى تزلف لهم الجنّة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنّة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنّة إلاّ خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك إنّما كنت خليلاً من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم الّذي كلّمه الله تكليمًا. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم، فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه فيقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم: لست بصاحب ذلك. فيأتون محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرّحم فتقومان جنبتي الصّراط يمينًا وشمالاً، فيمرّ أوّلكم كالبرق)). قال: قلت: بأبي أنت وأمّي أيّ شيء كمرّ البرق؟ قال: ((ألم تروا إلى البرق كيف يمرّ ويرجع في طرفة عين؟ ثمّ كمرّ الرّيح، ثمّ كمرّ الطّير، وشدّ الرّجال (¬2)، تجري بهم أعمالهم، ونبيّكم قائم على الصّراط يقول: ربّ سلّم سلّم. حتّى تعجز أعمال العباد، حتّى يجيء الرّجل فلا يستطيع السّير إلاّ زحفًا، قال وفي حافتي الصّراط كلاليب معلّقة مأمورة بأخذ من أمرتْ به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النّار)) والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنّم لسبعون خريفًا. ¬

(¬1): هو سعد بن طارق، وأبوحازم: هو سلمان الأشجعي. (¬2) شدّ الرّجال: الشّدّ هو العدو كما في النهاية.

الحديث أخرجه ابن خزيمة ص (245)، وأبوعوانة (ج1 ص174 - 175) مختصرًا، والحاكم (ج4 ص589) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، كذا قال، وقد أخرجه مسلم. وسعد بن طارق أبومالك الأشجعي من رجال مسلم، وروى له البخاري تعليقًا، فالحديث على شرط مسلم، لكنه قد أخرجه فلا معنى لاستدراكه. 5 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص4): ثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: حدثني النضر بن شميل المازني قال: حدثني أبونعامة (¬1) قال: حدثني أبوهنيدة البراء بن نوفل عن والان العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه قال: أصبح رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ذات يوم فصلّى الغداة، ثم جلس حتى إذا كان من الضّحى ضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم جلس مكانه حتى صلّى الأولى والعصر والمغرب، كل ذلك لا يتكلم حتى صلّى العشاء الآخرة ثم قام إلى أهله، فقال النّاس لأبي بكر: ألا (¬2) تسألْ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ما شأنه، صنع اليوم شيئًا لم يصنعه قط. قال: فسأله، فقال: ((نعم، عرض عليّ ما هو كائن من أمر الدّنيا وأمر الآخرة، فجمع الأوّلون والآخرون بصعيد واحد، ففظع النّاس بذلك حتّى انطلقوا إلى آدم عليه السّلام، والعرق يكاد يلجمهم، فقالوا: يا آدم أنت أبو البشر وأنت اصطفاك الله عزّ وجلّ، اشفع لنا إلى ربّك. قال: لقد لقيت مثل الّذي ¬

(¬1): هو عمرو بن عيسى العدوي. (¬2) الأصل: ((لا تسأل))، فالظاهر أنّها سقطت همزة الاستفهام إذ هي موجودة في مجمع الزوائد وكنز العمال. وعند ابن خزيمة وأبي عوانة وابن حبان: ((سلْ))، بلفظ الأمر.

لقيتم، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم إلى نوح {إنّ الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} قال: فينطلقون إلى نوح عليه السّلام فيقولون: اشفع لنا إلى ربّك، فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعائك ولم يدعْ على الأرض من الكافرين ديّارًا. فيقول: ليس ذاكم عندي انطلقوا إلى إبراهيم عليه السّلام فإنّ الله عزّ وجلّ اتّخذه خليلاً، فينطلقون إلى إبراهيم فيقول ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى موسى عليه السّلام، فإنّ الله عزّ وجلّ كلّمه تكليمًا. فيقول موسى عليه السّلام: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى عيسى ابن مريم، فإنّه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى (¬1). فيقول عيسى: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى سيّد ولد آدم، فإنّه أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة، انطلقوا إلى محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فيشفع لكم إلى ربّكم عزّ وجلّ. قال: فينطلق فيأتي جبريل عليه السّلام ربّه فيقول الله عزّ وجلّ: ائذن له وبشّره بالجنّة. قال: فينطلق به جبريل فيخرّ ساجدًا قدر جمعة، ويقول الله عزّ وجلّ: ارفعْ رأسك يا محمّد، وقلْ يسمعْ واشفعْ تشفّعْ. قال: فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربّه عزّ وجلّ خرّ ساجدًا قدر جمعة أخرى، فيقول الله عزّ وجلّ: ارفعْ رأسك وقلْ يسمعْ واشفعْ تشفّعْ. قال: فيذهب ليقع ساجدًا فيأخذ جبريل عليه السّلام بضبعيه، فيفتح الله عزّ وجلّ عليه من الدّعاء شيئًا لم يفتحه على بشر قطّ، فيقول: أي ربّ خلقتني سيّد ولد آدم ولا فخر، وأوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر. حتّى إنّه ليرد عليّ الحوض أكثر ممّا بين صنعاء وأيلة، ثمّ يقال: ادعوا الصّدّيقين فيشفعون. ثمّ ¬

(¬1) بإذن الله تعالى كما جاء مقيّدًا في القرآن.

يقال: ادعوا الأنبياء. قال: فيجيء النّبيّ ومعه العصابة، والنّبيّ ومعه الخمسة والسّتّة، والنّبيّ وليس معه أحد، ثمّ يقال: ادعوا الشّهداء فيشفعون لمن أرادوا. وقال: فإذا فعلت الشّهداء ذلك، قال: يقول الله عزّ وجلّ: أنا أرحم الرّاحمين، أدخلوا جنّتي من كان لا يشرك بي شيئًا. قال: فيدخلون الجنّة. قال: ثمّ يقول الله عزّ وجلّ: انظروا في النّار، هل تلقون من أحد عمل خيرًا قطّ. قال: فيجدون في النّار رجلاً، فيقول له: هل عملت خيرًا قطّ؟ فيقول: لا غير أنّي كنت أسامح النّاس في البيع والشّراء. فيقول الله عزّ وجلّ: أسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي. ثمّ يخرجون من النّار رجلاً فيقول له: هل عملت خيرًا قطّ؟ فيقول: لا غير أنّي قد أمرت ولدي إذا متّ فأحرقوني بالنّار ثمّ اطحنوني حتّى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر، فاذروني في الرّيح، فوالله لا يقدر عليّ ربّ العالمين أبدًا. فقال الله عزّ وجلّ: لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك. قال: فيقول الله عزّ وجلّ: انظر إلى ملْك أعظم ملك فإنّ لك مثله وعشرة أمثاله. قال: فيقول: لم تسخر بي وأنت الملك؟ قال: وذاك الّذي ضحكت منه من الضّحى)). الحديث أخرجه ابن خزيمة ص (310)، وأبوعوانة (ج1 ص175)، وابن حبان كما في "موارد الظمآن" ص (642) وأبوبكر أحمد بن علي الأموي في "مسند الصديق" ص (48)، وأشار إليه البخاري في "التاريخ" (ج8 ص185)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج10 ص375): رواه أحمد وأبويعلى بنحوه والبزّار ورجالهم ثقات. ورمز الهندي في "كنْز العمال" (ج14 ص631) لضعفه، وقال الدارقطني في "العلل": (والان) مجهول. والحديث غير ثابت كما في "الكنْز".

قال أبوعبد الرحمن: (والان) وثّقه ابن معين كما في "تعجيل المنفعة"، وروى عنه اثنان كما في "التوحيد" لابن خزيمة ص (312) فحديثه يصلح في الشواهد والمتابعات، وما انفرد به توقف فيه، وقد انفرد هنا بالسجود مرتين قدر جمعة، وبقوله: ((ادعوا الصّدّيقين))، وتقديمهم على الأنبياء، وبقصة الذي أوصى بأن يحرق، وقصة الوصية بالإحراق في "الصحيحين" في غير حديث الشّفاعة ومن غير هذه الطريق، والله أعلم. 6 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص281): ثنا عفّان ثنا حمّاد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة (¬1) قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّه لم يكن نبيّ إلاّ له دعوة قد تنجّزها في الدّنيا، وإنّي قد اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي، وأنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر، ويطول يوم القيامة على النّاس، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر، فليشفع لنا إلى ربّنا عزّ وجلّ، فليقض بيننا. فيأتون آدم صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: يا آدم أنت الّذي خلقك الله بيده وأسكنك جنّته وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا إلى ربّنا فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، إنّي قد أخرجْت من الجنّة بخطيئتي، وإنّه لا يهمّني اليوم إلاّ نفسي، ولكن ائتوا نوحًا رأس النّبيّين. فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح اشفع لنا إلى ربّنا فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، إنّي دعوت بدعوة أغرقت أهل ¬

(¬1): هو المنذر بن مالك.

الأرض، وإنّه لا يهمّني اليوم إلاّ نفسي، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الله. فيأتون إبراهيم عليه السّلام فيقولون: يا إبراهيم اشفع لنا إلى ربّنا فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، إنّي كذبت في الإسلام ثلاث كذبات. -[والله إن حاول بهنّ إلاّ عن دين الله] (¬1) قوله: {إنّي سقيم} وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون} وقوله لامرأته حين أتى على الملك: أختي. (¬2) - وإنّه لا يهمّني اليوم إلاّ نفسي، ولكن ائتوا موسى عليه السّلام الّذي اصطفاه الله برسالته وكلامه. فيأتونه فيقولون: يا موسى أنت الّذي اصطفاك الله برسالته وكلّمك، فاشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: لست هناكم إنّي قتلت نفسًا بغير نفس، وإنّه لا يهمّني اليوم إلاّ نفسي، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم إنّي اتّخذت إلهًا من دون الله، وإنّه لا يهمّني اليوم إلاّ نفسي، ولكن أرأيتم لو كان متاع في وعاء مختوم عليه أكان يقدر على ما في جوفه حتّى يفضّ الخاتم؟ قال: فيقولون: لا. قال: فيقول: إنّ محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم خاتم النّبيّين، وقد حضر اليوم وقد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: فيأتوني فيقولون: يا محمّد اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فأقول: أنا لها. حتّى يأذن الله عزّ ¬

(¬1) بين المعكوفين من قول بعض الرواة. (¬2) زوجته (سارة)، ويعني بذلك أنّها أخته في الإسلام. ويستفاد من هذا أن الرجل لو قال لزوجته: يا أختي. لا تكون طلاقًا إلا إن نوى بها الطلاق، على أنه لا ينبغي للناس أن يعودوا أنفسهم على هذا اللفظ ابتعادًا عن الشبهة. والله أعلم.

وجلّ لمن شاء ويرضى، فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يصدع بين خلقه نادى مناد: أين أحمد وأمّته؟ فنحن الآخرون الأوّلون، نحن آخر الأمم وأوّل من يحاسب، فتفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمضي غرًّا محجّلين من أثر الطّهور، فتقول الأمم: كادت هذه الأمّة أن تكون أنبياء كلّها. فنأتي باب الجنّة فآخذ بحلقة الباب فأقرع الباب، فيقال: من أنت؟ فأقول: أنا محمّد. فيفتح لي فآتي ربّي عزّ وجلّ على كرسيّه أو سريره -شكّ حماد- فأخرّ له ساجدًا فأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي وليس يحمده بها أحد بعدي، فيقال: يا محمّد ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأقول: أي ربّ أمّتي أمّتي. فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا. -لم يحفظ حمّاد- ثمّ أعيد فأسجد فأقول ما قلت، فيقال: ارفع رأسك وقلْ تسمعْ واشفعْ تشفّعْ. فأقول: أي ربّ أمّتي أمّتي. فيقول: أخرجْ من كان في قلبه مثقال كذا وكذا دون الأوّل. ثمّ أعيد فأسجد فأقول مثل ذلك فيقال لي: ارفعْ رأسك وقلْ تسمعْ وسلْ تعطه واشفعْ تشفّعْ. فأقول: أي ربّ أمّتي أمّتي. فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا دون ذلك)). الحديث أعاده ص (295) فقال: ثنا حسن (¬1) ثنا حماد بن سلمة به. وأخرجه أبوداود الطيالسي (ج2 ص226) من "ترتيب المسند"، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج1 ص373): رواه أبويعلى وأحمد وفيه علي ابن زيد وقد وثّق على ضعفه، وبقية رجالهما رجال الصحيح. قال أبوعبد الرحمن: علي بن زيد صالح في الشواهد والمتابعات، وهو هنا ¬

(¬1): هو ابن موسى الأشيب.

في الشواهد، ويستنكر في هذا الحديث قول عيسى: ((إنّي اتّخذت إلهًا من دون الله)) ففي الصحيح أنه لم يذكر ذنبًا، على أن هذا لا يعدّ ذنبًا لعيسى والله أعلم (¬1). 7 - قال الإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي رحمه الله في "سننه" (ج2 ص327): حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا عبد الرحمن بن زياد ثنا دخين الحجري عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إذا جمع الله الأوّلين والآخرين فقضى بينهم وفرغ من القضاء، قال المؤمنون: قد قضى بيننا ربّنا فمن يشفع لنا إلى ربّنا؟ فيقولون: انطلقوا إلى آدم فإنّ الله خلقه بيده وكلّمه. فيأتونه فيقولون: قمْ فاشفعْ لنا إلى ربّنا. فيقول آدم: عليكم بنوح. فيأتون نوحًا فيدلّهم على إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيدلّهم على موسى، فيأتون موسى فيدلّهم على عيسى، فيأتون عيسى فيقول: أدلّكم على النّبيّ الأمّيّ. قال: فيأتوني فيأذن تعالى لي أن أقوم إليه، فيثور مجلسي أطيب ريح شمّها أحد قطّ حتّى آتي ربّي فيشفّعني ويجعل لي نورًا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي، فيقول الكافرون عند ذلك لإبليس: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فقم أنت فاشفع لنا إلى ربّك فإنّك أنت أضللتنا. قال: فيقوم فيثور مجلسه أنتن ريح ¬

(¬1) يستنكر على علي بن زيد لفظة: ((كرسيه))، فإنّها لم ترد في الأحاديث الصحاح، بل لم يثبت في الكرسي حديث أن الله يجلس عليه. وإنما صح موقوفًا على ابن عباس أن الكرسي موضع قدمي الرحمن. لم يصح عن ابن عباس أنه أوّل الكرسي بالعلم، لأنه من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير، وجعفر ليس بالقوي في ابن جبير. وللرد على من أوّل الكرسي بالعلم من المبتدعة انظر شرح ابن أبي العز على الطحاوية ص (279) بتحقيق الشيخ الألباني حفظه الله.

شمّها أحد قطّ ثمّ يعظم (¬1) لجهنّم، فيقول عند ذلك: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ الله وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم} إلى آخر الآية. الحديث أخرجه ابن جرير (ج13 ص201) مختصرًا، وقال الهيثمي في "المجمع" (ج10 ص376): رواه الطبراني وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف. قلت: لكنه يصلح في الشواهد والمتابعات. والألفاظ التي لا شواهد لها ((يجعل لي نورًا من شعر رأسي إلى قدميّ))، وقول إبليس. 8 - قال البخاري رحمه الله (ج8 ص399): حدثنا إسماعيل بن أبان (¬2) حدثنا أبوالأحوص عن آدم بن علي قال: سمعت ابن عمر رضى الله عنهما يقول: إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جثًا كلّ أمّة تتبع نبيّها يقولون: يا فلان اشفع يا فلان اشفع. حتّى تنتهي الشّفاعة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. هذا الحديث موقوف، لكنه قد جاء رفعه عند ابن جرير (ج15 ص146) من حديث محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: ثنا شعيب بن الليث قال: ثني الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر أنه قال: سمعت حمزة بن عبد الله يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذكر الحديث. الحديث رجاله رجال الصحيح، وقال ¬

(¬1) في تفسير ابن جرير (ج13 ص201): ((ثم يعظم نحيبهم)). (¬2) إسماعيل بن أبان: هو الوراق ثقة تكلم فيه للتشيع كما في التقريب، وفى طبقته إسماعيل ابن أبان الغنوي متروك رمي بالوضع كما في التقريب، وأبوالأحوص: هو سلام بن سليم.

الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج10 ص371) بعد أن ذكر الحديث: هو في الصحيح باختصار من قوله: فيقضي الله بين الخلق إلى آخره. رواه الطبراني في الأوسط عن مطلب بن شعيب عن عبد الله بن صالح وكلاهما قد وثّق على ضعف فيه، وبقية رجاله رجال الصحيح. 9 - قال الإمام مسلم رحمه الله (ج4 ص1782): حدثني الحكم بن موسى أبوصالح حدثنا هقل يعني ابن زياد عن الأوزاعي حدثني أبوعمار (¬1) حدثني عبد الله بن فروخ حدثني أبوهريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأوّل من ينشقّ عنه القبر، وأوّل شافع وأوّل مشفّع)). الحديث أخرجه أبوداود (ج5 ص54)، وأحمد (ج2 ص540). 10 - قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص365): حدثنا أبوكريب (¬2) حدثنا وكيع عن داود بن يزيد الزعافري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في قوله {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} سئل عنها قال: ((هي الشّفاعة)). هذا حديث حسن، وداود الزعافري هو داود الأودي ابن يزيد بن عبد الرحمن، وهو عم عبد الله بن إدريس. الحديث أخرجه أحمد (ج2 ص441، 444، 528)، وابن جرير (ج15 ص145)، وأبونعيم في "الحلية" (ج8 ص372)، وفي "أخبار ¬

(¬1): هو شداد بن عبد الله. (¬2): هو محمد بن العلاء الهمداني.

أصبهان" (ج2 ص368)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (ج1 ص207 - 208). والحديث حسّنه الترمذي، وهو حسن لغيره لأن داود بن يزيد ضعيف كما في التقريب، ووالده يزيد مجهول الحال فقد قال الحافظ في التقريب: مقبول. يعني إذا توبع وإلا فليّن. 11 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص2): ثنا هشيم ثنا علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل شافع يوم القيامة ولا فخر)). الحديث أخرجه ابن ماجه (ج2 ص1440) وزاد فيه: ((ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر))، ورواه الترمذي مختصرًا، وقال: وفي الحديث قصة وهذا حديث حسن. قلت: وهو حسن لغيره لأنّ الراجح هو ضعف علي بن زيد. 12 - قال أبونعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني رحمه الله في "دلائل النبوة" (ج1 ص13): حدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثني الحسن بن علي الطوسي قال: ثنا محمد بن يحيى بن ميمون العتكي قال: ثنا عبد الأعلى قال: ثنا سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض، وأوّل شافع، لواء الحمد معي وتحته آدم ومن دونه ومن بعده من المؤمنين)). رجال الإسناد: عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس: ترجم له أبونعيم في "تاريخ

أصبهان"، وذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" ص (862) في المتوفين سنة ست وأربعين وثلاثمائة، فقال: ومسند بلاد العجم أبومحمد عبد الله بن جعفر ابن فارس الأصبهاني وذكره أيضًا في "العبر" (ج2 ص272). والحسن بن علي الطوسي ترجمته في "لسان الميزان" (ج2 ص232) وهو حافظ تكلّم فيه ودافع عنه الحاكم وترجم له أبونعيم في "أخبار أصبهان" (ج1 ص262) فقال: كان صاحب أصول، سمع "الأنساب" (¬1) من الزبير بن بكار والقرآن عن أبي حاتم، و"مسائل أحمد بن حنبل وإسحاق" عن إسحاق الكوسج. وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي من رجال الجماعة. وبقية السند معروفون مشهورون إلاّ محمد بن يحيى بن ميمون العتكي فلم أجد له ترجمة. وقد قال الهيثمي في "المجمع" (ج10 ص308): لم أعرفه. 13 - قال الترمذي رحمه الله (ج5 ص248): حدثنا علي بن نصر بن علي أخبرنا عبيد الله بن عبد المجيد حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ينتظرونه، قال: فخرج حتّى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم، فقال بعضهم: عجبًا إنّ الله عزّ وجلّ اتّخذ من خلقه خليلاً اتّخذ إبراهيم خليلاً. وقال آخر: ماذا بأعجب من كلام موسى كلّمه تكليمًا؟ وقال آخر: فعيسى كلمة الله وروحه. وقال آخر: آدم ¬

(¬1) القرشيين.

اصطفاه الله. فخرج عليهم فسلّم، وقال: ((قد سمعت كلامكم وعجبكم، إنّ إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسى نجيّ الله وهو كذلك، وعيسى روح الله وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفّع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من يحرّك حلق الجنّة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأوّلين والآخرين ولا فخر)). هذا حديث غريب. الحديث أخرجه الدارمي (ج1 ص26)، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في "التفسير" (ج1 ص560): وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولبعضه شواهد في الصحاح. قال أبوعبد الرحمن: الحديث في سنده زمعة بن صالح وهو ضعيف كما في "التقريب"، وسلمة بن وهرام: وقد قال أحمد: روى أحاديث مناكير أخشى أن يكون ضعيفًا. وقال أبوداود: ضعيف. وسرد له ابن عدي عدة أحاديث ثم قال: أرجو أنه لا بأس به، وقد وثّقه ابن معين في رواية الكوسج، وأبوزرعة. اهـ مختصرًا من "الميزان". ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنّ في الصحيح: ((إنّ الله قد اتّخذني خليلاً كما اتّخذ إبراهيم خليلاً)). 14 - قال مسلم رحمه الله (ج1 ص561): حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن جده عن أبيّ بن كعب قال: كنت في المسجد فدخل رجل

يصلّي فقرأ قراءةً أنكرتها عليه، ثمّ دخل آخر فقرأ قراءةً سوى قراءة صاحبه، فلمّا قضينا الصّلاة دخلْنا جميعًا على رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فقلت: إنّ هذا قرأ قراءةً أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه. فأمرهما رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقرآ، فحسّن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم شأنهما، فسقط في نفسي من التّكذيب ولا إذْ كنت في الجاهليّة، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضْت عرقًا، وكأنّما أنظر إلى الله عزّ وجلّ فرقًا، فقال لي: ((يا أبيّ أرسل إليّ: أن اقرأ القرآن على حرف. فرددْت إليه: أن هوّن على أمّتي. فردّ إليّ الثّانية: اقرأْه على حرفين. فرددْت إليه: أن هوّنْ على أمّتي. فردّ إليّ الثّالثة: اقرأْه على سبعة أحرف، فلك بكلّ ردّة رددْتها مسألة تسألنيها. فقلت: اللهمّ اغفر لأمّتي اللهمّ اغفر لأمّتي. وأخّرت الثّالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلّهم حتّى إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم)). الحديث أخرجه أحمد (ج5 ص127، 129)، وابن حبان (ج2 ص83 - 84) من "ترتيب الصحيح"، وابن جرير (ج1 ص27، 38، 41) بتخريج أحمد شاكر، وفيه: ((واختبأت الثّالثة شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)). قال الحافظ ابن كثير في "فضائل القرآن" ص (17) بعد أن ساق الحديث بسند ابن جرير: إسناد صحيح. 15 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص137): ثنا أبوعامر ثنا زهير يعني ابن محمد عن عبد الله بن محمد عن الطفيل بن أبيّ بن كعب عن أبيه عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إذا كان يوم القيامة كنت إمام

النبيّين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر)). قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك النّاس واديًا أو شعبًا لكنت مع الأنصار)). وقال رحمه الله: ثنا أبوأحمد الزبيري (¬1) ثنا شريك عن عبد الله بن محمد ابن عقيل عن الطفيل بن أبيّ بن كعب عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا كان يوم القيامة كنت إمام النّاس وخطيبهم وصاحب شفاعتهم ولا فخر)). الحديث أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (ج5 ص138) فقال: ثنا هاشم بن الحارث ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل به. وقال عبد الله أيضًا: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل به. وقال الإمام أحمد ص (138): ثنا زكريا بن عدي وأحمد بن عبد الملك الحراني ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل به. الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص247) وقال: حسن صحيح غريب، وابن ماجة (ج2 ص1443) وابن صاعد في "زوائد الزهد لابن المبارك" ص (562)، والحاكم (ج1 ص71) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه لتفرد عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، ولما نسب إليه من ¬

(¬1) الزبيري: هو محمد بن عبد الله.

سوء الحفظ، وهو عند المتقدمين من أئمتنا ثقة مأمون. وأخرجه أيضًا (ج4 ص87) وقال: صحيح الإسناد. 16 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص199): ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن جبير عن أبي الدرداء قال: قال رسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أوّل من يؤذن له بالسّجود يوم القيامة، وأنا أوّل من يؤذن له أن يرفع رأسه فأنظر إلى بين يديّ فأعرف أمّتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك)) فقال له رجل: يا رسول الله كيف تعرف أمّتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمّتك؟ قال: ((هم غرّ محجّلون من أثر الوضوء ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم أنّهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم يسعى بين أيديهم ذرّيّتهم)). وقال: حدثنا يعمر (¬1) ثنا عبد الله أنبأنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أنه سمع أبا ذر وأبا الدرداء قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أوّل من يؤذن له في السّجود)) فذكر معناه. الحديث ضعيف بهذا السند لأنه من رواية ابن لهيعة، وكون الراوي عنه في الرواية الثانية عبد الله وهو ابن المبارك فليس قولاً واحدًا للمحدثين: أنه إذا روى عنه أحد العبادلة وهم: عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المقرئ. ليس قولاً واحدًا أنه يكون مقبولاً، فهذا ابن ¬

(¬1): هو ابن بشر، وعبد الله: هو ابن المبارك كما في ترجمة (يعمر) من تعجيل المنفعة.

خزيمة وقد روى حديثًا في "كتاب التوحيد" ص (291) من طريقه والراوي عنه ابن وهب، يقول: وأنا أبرأ إلى الله من عهدته. ويقول: ليس ابن لهيعة رحمه الله من شرطنا ممن يحتج به، وفي "الميزان": قال ابن معين: هو ضعيف قبل أن تحترق كتبه وبعد احتراقها. وقال أبوحاتم وأبوزرعة: أمره مضطرب يكتب حديثه للاعتبار، انتهى المراد من "الميزان". فعلى هذا فهذا الحديث حسن لغيره لكثرة شواهده. 17 - قال الدارمي رحمه الله (ج1 ص26): حدثنا سعيد بن سفيان عن منصور بن أبي الأسود عن ليث عن الربيع بن أنس عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أوّلهم خروجًا وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا مشفّعهم إذا حبسوا، وأنا مبشّرهم إذا أيسوا، الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي، يطوف عليّ ألف خادم كأنّهم بيض مكنون أو لؤلؤ منثور)). الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص245)، وأبونعيم في "دلائل النبوة" (ج1 ص13)، وسنده ضعيف من أجل ليث بن أبي سليم، لكنه يستشهد به كما في مقدمة "صحيح مسلم". 18 - قال الدارمي رحمه الله (ج1 ص27): أخبرنا عبد الله بن عبد الحكم ثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن صالح -هو ابن عطاء بن خباب مولى بني الدّئل- عن عطاء بن أبي رباح (¬1) عن جابر بن عبد الله أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((أنا قائد المرسلين ولا فخر، وأنا خاتم النّبيّين ¬

(¬1) الأصل: (عطاء بن رباح)، والصواب ما أثبتنا.

ولا فخر، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفّع ولا فخر)). قال المناوي في "فيض القدير": قال الصدر المناوي: رجاله وثقهم الجمهور. قال أبوعبد الرحمن: صالح بن عطاء مجهول، ذكره البخاري في "تاريخه" (ج4 ص284)، وذكر الحديث ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وأفاد المعلق على "التاريخ"، أن ابن حبان ذكره في "الثقات". 19 - قال البخاري رحمه الله (ج1 ص435): حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا هشيم (ح) قال: وحدثني سعيد بن النضر قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا سيار قال: حدثنا يزيد -هو ابن صهيب الفقير- قال أخبرنا جابر بن عبد الله أن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((أعطيت خمسًا لم يعطهنّ أحد قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة (¬1)، وكان النّبيّ يبعث إلى ¬

(¬1) قوله: ((وأعطيت الشفاعة)) ليس معنا أنه يدخل الجنة من يشاء، ويخرج من النار من يشاء، فالشّفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله له في الشّفاعة والرضا عن المشفوع له والأدلة على ذلك كثيرة، كما تقدمت الآيات القرآنية بذلك، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس: أنه يؤخذ بأناس من أمته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات الشمال، فيقول: ((يا رب أمّتي، يا رب أمّتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك -إلى قوله- إنّهم ما زالوا مرتدين على أدبارهم منذ فارقتهم)). وفى حديث آخر في الصحيح فيقول: ((سحقًا، سحقًا)).

قومه خاصّةً وبعثت إلى النّاس عامّةً)). الحديث أعاده البخاري ص (533)، وأخرجه مسلم (ج1 ص370)، والنسائي (ج1 ص172)، والدارمي (ج1 ص322 - 323)، وأبونعيم في "الحلية" (ج8 ص316). 20 - قال الحميدي رحمه الله في "مسنده" (ج2 ص421): ثنا سفيان قال: ثنا الزهري عمن سمع أبا هريرة إما سعيد وإما أبوسلمة، وأكثر ذلك يقوله عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أعطيت خمسًا لم يعطهنّ أحد قبلي: جعلت لي الأرض كلّها مسجدًا وطهورًا، ونصرت بالرّعب، وأحلّت لي المغانم، وأرسلت إلى الأحمر والأسود، وأعطيت الشّفاعة)). الحديث رجاله رجال الصحيح، ولا يضره تردد الزهري في شيخه أهو سعيد أم أبوسلمة لأن كليهما ثقة. 21 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص456): ثنا يزيد بن عبدربه قال: حدثني محمد بن حرب قال: حدثني الزبيدي (¬1) عن الزهري عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يبعث النّاس يوم القيامة فأكون أنا وأمّتي على تلّ (¬2)، ويكسوني ربّي تبارك وتعالى حلّةً خضراء، ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء ¬

(¬1): هو محمد بن الوليد. (¬2) القاموس: التل من التراب: معروف. قال الزبيدي في شرحه: طوله في السماء مثل البيت، وعرض ظهره نحو عشرة أذرع، وحجارته غاص بعضها ببعض. قال في القاموس: والتل: الكومة من الرمل والرابية، جمعه تلال. اهـ

الله أن أقول، فذاك المقام المحمود)). الحديث أخرجه ابن جرير (ج15 ص146 - 147)، والحاكم (ج2 ص363) وقال: صحيح على شرط الشيخين وسكت عليه الذهبي، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج10 ص377): رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وأحد إسنادي "الكبير" رجاله رجال الصحيح. قال أبوعبد الرحمن: قد اختلف في سماع عبد الرحمن من جده كعب، ولا يضر هنا لأنه في الشواهد وللحديث شاهد موقوف: قال ابن جرير رحمه الله (ج15 ص146): حدثنا ابن بشار قال: ثنا أبوعامر قال: ثنا إبراهيم بن طهمان عن آدم بن (¬1) علي قال: سمعت ابن عمر يقول: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة، فيجيء مع كلّ نبيّ أمّته، ثمّ يجيء رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في آخر الأمم هو وأمّته، فيرقى هو وأمّته على كوم فوق النّاس، فيقول: يا فلان اشفع، ويا فلان اشفعْ. فما زال يردّها بعضهم على بعض، يرجع ذلك إليه، وهو المقام المحمود الّذي وعده الله إيّاه. الحديث رجاله رجال الصحيح. 22 - قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص370): حدثنا ابن أبي عمر (¬2) أخبرنا سفيان عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري ¬

(¬1) الأصل: (آدم عن علي). والصواب ما أثبتناه. وهو العجلي، ويقال: الشيباني، ويقال: البكري كما في تهذيب التهذيب. (¬2) محمد بن يحيى العدني.

قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبيّ يومئذ آدم فمن سواه إلاّ تحت لوائي، وأنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض ولا فخر، قال: فيفزع النّاس ثلاث فزعات، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبونا آدم فاشفع لنا إلى ربّك. فيقول: إنّي أذنبت ذنبًا أهبطت منه إلى الأرض، ولكن ائتوا نوحًا. فيأتون نوحًا فيقول: إنّي دعوت على أهل الأرض دعوةً فأهلكوا، ولكن اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقول: إنّي كذبت ثلاث كذبات -ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ما منها كذبة إلاّ ما حلّ بها عن دين الله- ولكن ائتوا موسى. فيأتون موسى فيقول: إنّي قد قتلت نفسًا، ولكن ائتوا عيسى. فيأتوا عيسى فيقول: إنّي عبدت من دون الله (¬1) ولكن ائتوا محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. قال: فيأتونني فأنطلق معهم)) قال ابن جدعان: قال أنس: فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((فآخذ بحلقة باب الجنّة فأقعقعها فيقال: من هذا؟ فيقال: محمّد. فيفتحون لي ويرحّبون، فيقولون: مرحبًا. فأخرّ ساجدًا فيلهمني الله من الثّناء والحمد، فيقال لي: ارفعْ رأسك، وسلْ تعط، واشفع تشفّعْ، وقلْ يسمعْ لقولك. وهو المقام المحمود الّذي قال الله: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} قال سفيان ليس عن أنس إلاّ هذه الكلمة: ((فآخذ بحلقة باب الجنّة فأقعقعها (¬2)). ¬

(¬1) التنبيه على أن الذي في الصحيح أن عيسى لم يذكر ذنبًا. (¬2) إن شاء الله رقم (34).

هذا حديث حسن، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة عن ابن عباس، الحديث بطوله. الحديث تقدم تخريجه مختصرًا في الحديث الحادي عشر. وأما حديث ابن عباس الذي أشار إليه الترمذي فقد تقدم أيضًا رقم (6). 23 - قال ابن جرير رحمه الله (ج15 ص144): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال: يجمع النّاس في صعيد واحد، فيسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر حفاة عراةً كما خلقوا قيامًا، لا تكلّم نفس إلاّ بإذنه، ينادى: يا محمّد، فيقول: لبّيك وسعديك، والخير في يديك، والشّرّ ليس إليك، والمهديّ من هديت، عبدك بين يديك، وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركْت وتعاليت، سبحانك ربّ البيت. فهذا المقام المحمود الّذي ذكره الله تعالى. حدثنا محمد بن المثنى قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال: يجمع النّاس في صعيد واحد فلا تكلّم نفس، فأوّل ما يدعو محمّدًا (¬1) النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فيقول محمّد النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: لبّيك. ثم ذكر مثله. وذكره ص (145) من طريق أبي إسحاق به. الحديث رواه الطيالسي (ج2 ص21) من "ترتيب المسند"، والحاكم (ج2 ص363) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وسكت عنه الذهبي، وأبونعيم في "الحلية" (ج1 ص278) وقال: رفعه عن أبي إسحاق جماعة، ¬

(¬1) الأصل: ((محمد))، والصواب ما أثبتناه، لأنه هو المدعو.

وقال الهيثمي (ج10 ص377): رواه البزّار موقوفًا ورجاله رجال الصحيح. - قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج4 ص349): حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن وأحمد بن السندي قالا: حدثنا أبوشعيب الحراني (¬1) قال: حدثنا جدي أحمد بن أبي شعيب قال: ثنا موسى بن أعين عن ليث عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّي سيّد النّاس يوم القيامة يدعوني ربّي فأقول: لبّيك وسعديك، والخير بيديك، تباركْت وتعاليت، لبّيك وحنانيك والهادي من هديت، عبدك بين يديك، لا منجا منك إلا إليك، تباركْت وتعاليت -وقال:- إنّ قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة)). غريب من حديث أبي إسحاق عن صلة تفرد به موسى عن ليث. وقال الهيثمي (ج10 ص377): رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه ليث ابن أبي سليم وهو مدلس. قال أبوعبد الرحمن: ومختلط كما في الميزان، فالأشبه أنه موقوف والله أعلم. وقد تابع ليث بن سليم عبد الله المختار كما في كتاب اللالكائي (ج6 ص1113) ولكن الوقف أصحّ. والله أعلم. 24 - قال ابن جرير رحمه الله (ج15 ص144): حدثنا سليمان بن عمر (¬2) ¬

(¬1): هو عبد الله بن الحسن بن أحمد الحراني، قال الحافظ الذهبي في العبر (ج2 ص101): وكان ثقة. اهـ وجده هو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب، قال أبوحاتم: ثقة صدوق. كما في تهذيب التهذيب. (¬2) الأصل: (عمرو)، وصوابه: (عمر) كما في الجرح والتعديل، وكما تقدم (ج6= =ص17) بتحقيق أحمد شاكر.

ابن خالد الرقي قال: ثنا عيسى بن يونس عن رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس: قوله {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} قال: المقام المحمود مقام الشّفاعة. الحديث في سنده رشدين بن كريب، قال أحمد: منكر الحديث، وقال ابن المديني وجماعة: ضعيف، وقال البخاري: منكر الحديث وأخوه محمد فيه نظر. اهـ من "الميزان". وسليمان بن عمر ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكر أنه روى عن جماعة، وأنّ أباه كتب عنه. 25 - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (385): حدثنا عبد الله بن محمد الزهري قال: ثنا سفيان قال: حدثني معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: اللهم تقبّلْ شفاعة محمّد الكبرى، وارفعْ درجته العليا، وأعطه سؤله في الآخرة والأولى كما آتيت إبراهيم وموسى. الأثر أخرجه إسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي" ص (52) وعبد الرزاق (ج2 ص211)، وقال السخاوي في "القول البديع" ص (46): رواه عبد بن حميد في "مسنده" وعبد الرزاق وإسماعيل القاضي وإسناده جيد قوي صحيح. وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج3 ص513): إسناده جيد قوي صحيح. قال أبوعبد الرحمن: هو على شرط الشيخين. 26 - قال ابن أبي شيبة في "كتاب الإيمان" ص (12): حدثنا أبومعاوية عن

عاصم (¬1) عن أبي عثمان عن سلمان قال: يقال له: سلْ تعطه -يعني النبي صلى اله عليه وعلى آله وسلم- واشفعْ تشفّع، وادع تجبْ. قال: فيرفع رأسه فيقول: ربّ أمّتي أمّتي مرتين أو ثلاثًا -قال سلمان:- فيشفع في كلّ من كان في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان -أو قال: مثقال شعيرة من إيمان، أو قال: مثقال حبة خردل من إيمان- فقال سلمان: فذلكم المقام المحمود. الأثر أخرجه ابن جرير (ج15 ص144)، وهو على شرط الشيخين وسيأتي إن شاء الله أطول من هذا رقم (35). 27 - قال ابن حبان رحمه الله كما في "الموارد" ص (523): أنبأنا أحمد بن علي بن المثني حدثنا عمرو بن محمد الناقد حدثنا عمرو بن عثمان الكلاعي (¬2) حدثنا موسى بن أعين عن معمر بن راشد عن محمد بن عبد الله ابن أبي يعقوب عن بشر بن شغاف عن عبد الله -يعني ابن سلام- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأوّل من تنشق عنه الأرض، وأوّل شافع بيدي لواء الحمد، تحته آدم فمن دونه)). الحديث في سنده عمرو بن عثمان الكلابي وقد تركه النسائي وليّنه العقيلي، وقال أبوحاتم: يتكلمون فيه يحدث من حفظه بمناكير، وقال ابن عدي: روى عنه ثقات وهو ممن يكتب حديثه. اهـ من "ميزان الاعتدال". ¬

(¬1): هو ابن سليمان الأحول. (¬2) كذا بالأصل وصوابه: (الكلابي)، كما في التهذيب والتقريب.

فالحديث حسن لغيره لكثرة شواهده. 28 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص398): ثنا عارم بن الفضل (¬1) ثنا أبوسعيد ثنا ابن زيد ثنا علي بن الحكم البناني عن عثمان عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن ابن مسعود قال: جاء ابنا مليكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقالا: إنّ أمّنا كانت تكرم الزّوج، وتعطف على الولد -قال: وذكر الضّيف- غير أنّها كانت وأدت في الجاهليّة. قال: ((أمّكما في النّار)) فأدبرا والشّرّ يرى في وجوههما، فأمر بهما فردّا فرجعا والسّرور يرى في وجوههما، رجيا أن يكون قد حدث شيء، فقال: ((أمّي مع أمّكما)) فقال رجل من المنافقين: وما يغني هذا عن أمّه شيئًا ونحن نطأ عقبيه. فقال رجل من الأنصار -ولم أر رجلاً قطّ أكثر سؤالاً منه-: يا رسول الله هل وعدك ربّك فيها أو فيهما؟ قال: فظنّ أنّه من شيء قد سمعه، فقال: ((ما سألته ربّي وما أطمعني فيه، وإنّي لأقوم المقام المحمود يوم القيامة)) فقال الأنصاريّ: وما ذاك المقام المحمود؟ قال: ((ذاك إذا جيء بكم عراةً حفاةً غرلاً، فيكون أوّل من يكسى إبراهيم عليه السّلام، يقول: اكسوا خليلي. فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثمّ يقعد فيستقبل العرش، ثمّ أوتى بكسوتي فألبسها فأقوم عن يمينه مقامًا لا يقومه أحد غيري، يغبطني به الأوّلون والآخرون، قال: ويفتح نهر من الكوثر إلى الحوض))، فقال المنافقون: فإنّه ما جرى ماء قطّ إلاّ على حال أو رضراض. قال: يا رسول ¬

(¬1) في النهاية لابن كثير (ج2 ص24): ثنا عارم بن الفضل ثنا سعيد بن زيد، فعلى هذا يكون للإمام أحمد شيخ واحد وهو عارم، وعلى ما في المسند له شيخان، عارم وأبوسعيد، وهو مولى بني هاشم يرويانه عن ابن زيد وهو سعيد بن زيد.

الله على حال أو رضراض؟ قال: ((حاله المسك ورضراضه التّوم))، قال المنافق: لم أسمع كاليوم قلّما جرى ماء قطّ على حال أو رضراض إلاّ كان له نبتة. فقال الأنصاريّ: يا رسول الله هل له نبت؟ قال: ((نعم قضبان الذّهب))، قال المنافق: لم أسمع كاليوم، فإنّه قلّما نبت قضيب إلاّ أورق، وإلاّ كان له ثمر. قال الأنصاريّ: يا رسول الله هل من ثمر؟ قال: ((نعم ألوان الجوهر وماؤه أشدّ بياضًا من اللّبن وأحلى من العسل، إنّ من شرب منه مشربًا لم يظمأ بعده، وإن حرمه لم يرو بعده)). الحديث أخرجه الدارمي (ج2 ص325)، وابن جرير (ج15 ص146)، والطبراني في "الكبير" (ج10 ص98)، والحاكم (ج2 ص364) وقال: صحيح الإسناد، وعثمان بن عمير هو ابن (¬1) اليقظان، فتعقبه الذهبي فقال: لا والله، فعثمان ضعفه الدارقطني، والباقون ثقات. وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص24): تفرد به أحمد وهو غريب جدًا. وقال الهيثمي في "المجمع" (ج1 ص362): رواه أحمد والبزار والطبراني وفي أسانيدهم كلهم عثمان بن عمير وهو ضعيف. قال أبوعبد الرحمن: عثمان بن عمير رديء المذهب كان يؤمن بالرجعة (¬2) كما في "الميزان" و"تهذيب التهذيب"، فمثل هذا لا يصلح في ¬

(¬1) في المستدرك، وصوابه: (أبواليقظان) كما في الميزان وتهذيب التهذيب. (¬2) النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (ج1 ص101) عن الرجعة: هي بفتح الراء قال الأزهري وغيره: لا يجوز فيها إلا الفتح ... ومعنى إيمانه بالرجعة هو ما تقوله الرافضة وتعتقده بزعمها الباطل أن عليًا كرم الله وجهه في السحاب، فلا نخرج يعني مع من يخرج من ولده حتى ينادي من السماء: أن اخرجوا معه، وهذا نوع من أباطيلهم وعظيم من جهالاتهم اللائقة بأذهانهم السخيفة وعقولهم الواهية. اهـ ... =

الشواهد والمتابعات لاسيما وقد قال الدارقطني: متروك. 29 - قال الحاكم رحمه الله (ج4 ص570): أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني (¬1) ثنا جدي ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((تمدّ الأرض يوم القيامة مدًّا لعظمة الرّحمن، ثم لا يكون لبشر من بني آدم إلاّ موضع قدميه، ثم أدعى أوّل النّاس فأخرّ ساجدًا ثم يؤذن لي فأقوم فأقول: يا ربّ أخبرني هذا، لجبريل وهو عن يمين الرّحمن، والله ما رآه جبريل قبلها قطّ، إنّك أرسلته إليّ. قال: وجبريل ساكت لا يتكلّم حتّى يقول الله: صدق، ثمّ يؤذن لي في الشّفاعة فأقول: يا ربّ عبادك عبدوك في أطراف الأرض فذلك المقام المحمود)). هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد أرسله يونس بن يزيد ومعمر بن راشد عن الزهري. ثم ذكره الحاكم رحمه الله مرسلاً من حديث يونس عن الزهري عن علي بن الحسين أن رجلاً من أهل العلم، ولم يسمّه، ومن حديث معمر عن الزهري عن علي بن الحسين قال: قال رسول الله. ¬

(¬1) ترجمة إسماعيل وجده في الأنساب للسمعاني، وقد ترجم الذهبي لإسماعيل في العبر (ج2 ص275) ووصفه بأنه ثقة عابد. وجده الفضل بن محمد، قال الحافظ في اللسان: قال أبوحاتم: تكلموا فيه. وقال الحاكم: كان أديبا فقيهًا عابدًا عارفًا بالرجال وهو ثقة لم يطعن فيه أحد بحجة. وقد سئل عنه الحسين بن محمد القباني فرماه بالكذب، وقال ابن الأخرم: صدوق غال في التشيع. اهـ مختصرًا.

الحديث أخرجه البيهقي في "الشعب" (ج1 ص208) عن علي بن الحسين حدثني رجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم به، وفي سنده الكديمي، هو محمد بن يونس كذّاب، لكن قال البيهقي: رواه جماعة عن إبراهيم بن سعد. وأخرجه ابن جرير (ج15 ص146) من حديث معمر عن الزهري عن علي بن الحسين مرسلاً. وقال الحافظ في "الفتح" (ج11 ص427): وعن جابر عند الحاكم من رواية الزهري عن علي بن الحسين عنه، واختلف فيه على الزهري، فالمشهور عنه أنه من مرسل علي بن الحسين، كذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر، وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري عن علي عن رجال من أهل العلم، أخرجه ابن أبي حاتم، وحديث جابر في ذلك عند مسلم من وجه آخر عنه. اهـ ثم وجدت الحديث في "الحلية" (ج3 ص145)، قال أبونعيم رحمه الله: حدثنا أبوبكر بن خلاد ثنا الحارث بن محمد ثنا محمد بن جعفر الوركاني ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن علي بن الحسين أخبرني رجل من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال، وذكر الحديث، ثم قال أبونعيم: صحيح، تفرد بهذه الألفاظ علي بن الحسين، لم يروه عنه إلا الزهري، ولا عنه إلا إبراهيم بن سعد، وعلي بن الحسين هو أفضل وأتقى من أن يروه عن رجل لا يعتمده فينسبه إلى العلم، ويطلق القول به. اهـ أقول: نسبته إلى العلم لا تكفي كما هو معروف في المصطلح من شروط الصحيح.

فصل في أثر موقوف عن ابن مسعود يخالف ما تقدم في أن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول شافع

فصل في أثر موقوف عن ابن مسعود يخالف ما تقدم في أن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول شافع 30 - قال الحاكم رحمه الله (ج4 ص496): أخبرنا أبوعبد الله محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني ثنا الحسين بن حفص ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء قال: كنا عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -وذكر حديثا طويلاً، وفيه ص (498) -: فيكون أوّل شافع روح القدس جبريل عليه الصّلاة والسّلام، ثمّ إبراهيم خليل الله، ثمّ موسى ثمّ عيسى عليهما الصّلاة والسّلام، قال: ثمّ يقوم نبيّكم رابعًا لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه، وهو المقام المحمود الّذي ذكره الله تبارك وتعالى: {عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} الحديث. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ثم أعاده الحاكم ص (598)، وقال صحيح على شرط الشيخين، وسكت عنه الذهبي في الموضع الأول، وتعقبه في الثاني فقال: قلت: ما احتجا بأبي الزعراء. اهـ وقال المناوي في "فيض القدير" (ج3 ص42): إن البخاري ضعّف هذا الحديث. وقال البخاري في ترجمة أبي الزعراء: عبد الله بن هانئ، روى عن ابن مسعود، وذكر الحديث ثم قال: والمعروف عن النبي صلى الله عليه وعلى آله

وسلم: ((أنا أوّل شافع)) ولا يتابع في حديثه. وقال الهيثمي (ج10 ص330): رواه الطبراني (¬1) وهو موقوف مخالف للحديث الصحيح، وقول النّبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أنا أوّل شافع)). ¬

(¬1) الطبراني في الكبير (ج9 ص413).

فصل في شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته في دخول الجنة وكونه أول شفيع

فصل في شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته في دخول الجنة وكونه أول شفيع تقدم في الحديث الأول أنه يقال: ((يا محمّد أدخل من أمّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن، وهم شركاء النّاس فيما سوى ذلك من الأبواب)). وتقدم في الحديث الثاني أنّه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يشفع، فيشفعه الله ويحد له حدًا فيدخلهم الجنة. وفي الحديث السادس أنه يقرع باب الجنة فيقال: من أنت؟ فأقول: ((أنا محمّد)). 31 - قال مسلم رحمه الله (ج1 ص188): حدثنا قتيبة بن سعيد وإسحاق ابن إبراهيم، قال قتيبة: حدثنا جرير عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أوّل النّاس يشفع في الجنّة وأنا أكثر الأنبياء تبعًا)). - وحدثنا أبوكريب محمد بن العلاء حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن مختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة وأنا أوّل من يقرع باب الجنّة)).

- وحدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن المختار بن فلفل قال: قال أنس بن مالك: قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا أوّل شفيع في الجنّة، لم يصدّق نبيّ من الأنبياء ما صدّقت وإنّ من الأنبياء نبيًّا ما يصدّقه من أمّته إلاّ رجل واحد)). وأخرجه ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" ص (255)، والدارمي (ج1 ص27) الجملة الأولى. - وقال مسلم رحمه الله: وحدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب قالا: حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((آتي باب الجنّة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمّد. فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك)). الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص36). 32 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص247): ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت عن أنس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يطول يوم القيامة على النّاس، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر، فيشفع لنا إلى ربّنا عزّ وجلّ، فليقض بيننا. فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت الّذي خلقك الله بيده وأسكنك جنّته، فاشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، ولكن ائتوا نوحًا رأس النّبيّين. فيأتونه فيقولون: يا نوح اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الله عزّ وجلّ. فيأتونه فيقولون: يا إبراهيم اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، ولكن ائتوا

موسى الّذي اصطفاه الله عزّ وجلّ برسالاته وبكلامه: قال فيأتونه فيقولون: يا موسى اشفع لنا إلى ربّك عزّ وجلّ فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. فيقول: إنّي لست هناكم، ولكن ائتوا محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فإنّه خاتم النّبيّين فإنّه قد حضر اليوم، وقد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. فيقول عيسى: أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه، هل كان يقدر على ما في الوعاء حتّى يفضّ الخاتم؟ فيقولون: لا. قال: فإنّ محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم خاتم النّبيّين. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: فيأتوني فيقولون: يا محمّد اشفع لنا إلى ربّك فليقض بيننا. قال: فأقول: نعم. فآتي باب الجنّة فآخذ بحلقة الباب فأستفتح، فيقال: من أنت؟ فأقول: محمّد. فيفتح لي فأخرّ ساجدًا، فأحمد ربّي عزّ وجلّ بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد كان بعدي، فيقول: ارفع رأسك، وقل يسمع منك، وسلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ. فيقول: أي ربّ أمّتي أمّتي. فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان. قال: فأخرجهم ثمّ أخرّ ساجدًا، فأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد كان بعدي، فيقال لي: ارفعْ رأسك، وسلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ. فأقول: أي ربّ أمّتي أمّتي. فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال برّة من إيمان. قال: فأخرجهم، قال: ثمّ أخرّ ساجدًا فأقول مثل ذلك، فيقال (¬1): من كان في ¬

(¬1) التوحيد لابن خزيمة ص (254): ((فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال ذرّة. فأخرجهم)).

قلبه مثقال ذرّة من إيمان. قال: فأخرجهم)). الحديث أخرجه ابن خزيمة ص (253) من حديث الحسن بن محمد الزعفراني ثنا عفان بن مسلم به، وص (300) من حديث حميد الطويل عن أنس نحوه، وسيأتي إن شاء الله رقم (104). 33 - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (245): حدثنا أبوزرعة عبيد الله بن عبد الكريم قال: ثنا سعيد بن محمد الجرمي قال ثنا عبد الواحد بن واصل، قال: ثنا محمد بن ثابت البناني عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أبيه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((للأنبياء منابر من ذهب فيجلسون عليها، قال: ويبقى منبري لا أجلس عليه ولا أقعد عليه، قائم بين يدي الله ربّي مخافة أنْ يبعث بي إلى الجنّة، وتبقى أمّتي بعدي، فأقول: يا ربّ أمّتي أمّتي. فيقول الله عزّ وجلّ: يا محمّد ما تريد أن نصنع بأمّتك؟ فيقول: يا ربّ عجّل حسابهم. فيدعى بهم فيحاسبون، فمنهم من يدخل الجنّة برحمة الله، ومنهم من يدخل الجنّة بشفاعتي، فما أزال أشفع حتّى أعطى صكاكًا برجال قد بعث بهم إلى النّار، وحتّى أنّ مالكًا خازن النّار يقول: يا محمّد ما تركت للنّار لغضب ربّك في أمّتك من نقمة)). الحديث أخرجه الحاكم (ج1 ص65 - 66) وقال: صحيح الإسناد غير أن الشيخين لم يحتجا بمحمد بن ثابت البناني وهو قليل الحديث يجمع حديثه والحديث غريب في أخبار الشفاعة. فتعقبه الذهبي فقال: قلت: ضعفه غير واحد، والحديث منكر. وقال الهيثمي (ج10 ص380): رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"،

وفيه محمد بن ثابت البناني وهو ضعيف. قال أبوعبد الرحمن: الحديث منكر كما قال الذهبي، فقد قال البخاري: في محمد بن ثابت نظر. وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال النّسائي: ضعيف. اهـ من "الميزان". 34 - قال الحميدي رحمه الله (ج2 ص206): ثنا سفيان قال ثنا ابن جدعان عن أنس بن مالك أنّه ذكر عند النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم الشّفاعة، فقال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((فآخذ بحلقة الجنّة فأقعقعها)). الحديث في سنده علي بن زيد بن جدعان لكنه في الشواهد، وقد تقدم. 35 - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (294): حدثنا يوسف بن موسى قال: ثنا أبومعاوية قال: ثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: يأتون النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فيقولون: يا نبيّ الله أنت الّذي فتح الله بك وختم بك، وغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، فاشفع لنا إلى ربّك، فيقول: ((نعم، أنا صاحبكم)) فيخرج يحوش النّار (¬1) حتّى ينتهي إلى باب الجنّة، فيأخذ بحلقة في الباب من ذهب، فيقرع الباب، فيقال: من هذا؟ فيقال: محمد. قال: فيفتح له. قال: فيجيء حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السّجود فيؤذن له، قال: فيفتح الله له من الثّناء والتّحميد والتّمجيد ما لم يفتحْه لأحد من الخلائق، فينادى: يا محمّد ارفعْ رأسك، وسلْ تعطه، وادع يجبْ. قال: فيرفع رأسه، فيقول: ((ربّ ¬

(¬1) مجمع الزوائد: (يحوش الناس).

أمّتي أمّتي)) ثمّ يستأذن في السّجود فيؤذن له، فيفتح له من الثّناء والتّحميد والتّمجيد ما لم يفتحْ لأحد من الخلائق، فينادى: يا محمّد، ارفعْ رأسك، سلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ، وادع تجب، قال: يفعل ذلك مرتين أو ثلاثًا، فيشفع لمن كان في قلبه حبّة من حنطة، أو مثقال شعيرة، أو مثقال حبّة من خرذل من إيمان. قال سلمان: فذاك المقام المحمود. تقدم رقم (26) أنه أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير، وقال الهيثمي (ج10 ص372): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ في "المطالب العالية" (ج4 ص388): صحيح موقوف. وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج4 ص43): رواه الطبراني بإسناد صحيح. 36 - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (296): أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن أباه وشعيب بن الليث أخبراه قالا: أخبرنا الليث عن ابن الهاد (¬1) عن عمرو وهو ابن أبي عمرو عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((إنّي لأوّل النّاس تنشقّ الأرض عن جمجمته يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيّد النّبيين يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من يدخل الجنّة يوم القيامة ولا فخر، سآتي باب الجنّة فيفتحون لي، فأسجد لله تعالى فيقول: ارفع رأسك يا محمّد وتكلّمْ يسمعْ لك، وقلْ يقبلْ منك، واشفعْ تشفّعْ. فأرفع فأقول: أمّتي أمّتي يا ربّ، فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدْت في قلبه مثقال حبة من شعيرة من إيمان فأدخله الجنّة، فأقبل بمن وجدْت في قلبه ذلك فأدخلهم الجنّة، ¬

(¬1) الهاد: هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي أبوعبد الله مدني من رجال الجماعة.

وآتي الجبّار فأسجد له فيقول: ارفع رأسك يا محمّد، وتكلّم يسمعْ منك وقلْ يقبلْ قولك، واشفعْ تشفّعْ. فأقول: أمّتي أمّتي. فيقول: اذهبْ إلى أمّتك فمن وجدْت في قلبه مثقال نصف حبّة من شعير من الإيمان فأدخلْه الجنّة. فأذهب فمن وجدْت في قلبه مثقال ذلك فأدخله الجنّة، قال: فآتي الجبّار فأسجد له، فيقول: ارفعْ رأسك يا محمّد، وتكلّم يسمعْ منك، واشفعْ تشفّعْ، فأرفع رأسي، فأقول: أمّتي أمّتي أي ربّ. فيقول: اذهبْ فمن وجدْت في قلبه مثقال حبّة من خرذل من إيمان، فأدخلْه الجنّة. فأذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك فأدخلهم، وفرغ من الحساب، حساب النّاس)). وذكر الحديث. تمام الحديث كما في "مسند أحمد" (ج3 ص144): ((وأدخل من بقي من أمّتي النّار مع أهل النّار، فيقول أهل النّار: ما أغنى عنكم أنّكم كنتم تعبدون الله عزّ وجلّ لا تشركون به شيئًا، فيقول الجبّار عزّ وجلّ: فبعزّتي لأعتقنّهم من النّار. فيرسل إليهم فيخرجون وقد امتحشوا فيدخلون في نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبّة في غثاء السّيل، ويكتب بين أعينهم: هؤلاء عتقاء الله عزّ وجلّ، فيذهب بهم فيدخلون الجنّة، فيقول لهم أهل الجنّة: هؤلاء الجهنّميون. فيقول الجبّار: بل هؤلاء عتقاء الجبّار عزّ وجلّ)). الحديث رجاله رجال الصحيح، وأخرجه الدارمي (ج1 ص27 - 28). 37 - قال أبونعيم في "دلائل النبوة" (ج1 ص13): حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا أحمد بن محمد بن سليمان (¬1) قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف قال: ¬

(¬1) الأصل: (محمد بن أحمد بن سليمان). والصواب ما أثبتناه.

حدثنا بدل بن المحبر قال: حدثنا عبد السلام بن عجلان قال: سمعت أبا يزيد المدني يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أنا أوّل من يدخل الجنّة ولا فخر، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفّع، وأنا بيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأوّل شخص يدخل عليّ الجنّة فاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، ومثلها في هذه الأمّة مثل مريم في بني إسرائيل)). الحديث في سنده عبد السلام بن عجلان، قال الحافظ الذهبي في "الميزان": وقال أبوحاتم: يكتب حديثه. وتوقف غيره في الاحتجاج به عن بدل بن المحبر عن عبد السلام بن عجلان عن أبي يزيد المدني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أوّل شخص يدخل الجنّة فاطمة (¬1)). أخرجه أبوصالح المؤذن في "مناقب فاطمة". اهـ زاد الحافظ في "اللسان": وذكره ابن حبان في "الثقات" فقال: يروي عن أبي عثمان وعبيدة الهجيمي، ثم قال: يخطئ ويخالف. اهـ قال أبوعبد الرحمن: هذه الزيادة منكرة وهي من قوله: ((أوّل شخص ... الخ)) لتفرد عبد السلام بها، ويؤيد بطلان هذه الزيادة أن مسلمًا قد أخرجه (ج4 ص1782)، وأبا داود (ج5 ص45)، وأحمد (ج2 ص540) من حديث أبي هريرة (¬2)، وليست فيه هذه الزيادة. والله أعلم. ¬

(¬1) في اللسان والميزان: ((أوّل شخص يدخل الجنة))، والذي تقدم في الحديث: ((أول شخص يدخل علي الجنة)) والفرق بين اللفظين ظاهر. (¬2) الحديث التاسع من هذه الرسالة وقد تقدم.

38 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص393): ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا ابن هبيرة (¬1) أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: أخبرني سعيد أنه سمع حذيفة ابن اليمان يقول: غاب عنّا رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يومًا، فلم يخرج حتّى ظننّا أنّه لن يخرج، فلمّا خرج سجد سجدة فظننّا أنّ نفسه قد قبضت فيها، فلمّا رفع رأسه قال: ((إنّ ربّي تبارك وتعالى استشارني في أمّتي ماذا أفعل بهم، فقلت: ما شئت أي ربّ هم خلقك وعبادك. فاستشارني الثّانية فقلت له كذلك، فقال: لا أحزنك (¬2) في أمّتك يا محمّد. وبشّرني أنّ أوّل من يدخل الجنّة من أمّتي سبعون ألفًا، مع كلّ ألف سبعون ألفًا ليس عليهم حساب، ثمّ أرسل إليّ فقال: ادع تجب، وسلْ تعط. فقلت لرسوله: أو معطيّ ربّي سؤلي؟ فقال: ما أرسلني إليك إلاّ ليعطيك. ولقد أعطاني ربّي عزّ وجلّ ولا فخر، وغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر وأنا أمشي حيًّا صحيحًا، وأعطاني أن لا تجوع أمّتي ولا تغلب، وأعطاني الكوثر فهو نهر من الجنّة يسيل في حوضي، وأعطاني العزّ والنّصر والرّعب يسعى بين يدي أمّتي شهرًا، وأعطاني أنّي أوّل الأنبياء أدخل الجنّة، وطيّب لي ولأمّتي الغنيمة، وأحلّ لنا كثيرًا ممّا شدّد على من قبلنا، ولم يجعل علينا من حرج)). الحديث في سنده ابن لهيعة وهو ضعيف. ¬

(¬1) هبيرة هو عبد الله، وأبوتميم هو عبد الله بن مالك. (¬2) تفسير ابن كثير (ج2 ص121): ((لا أخزيك)) وهو الأقرب للسياق.

الشفاعة لأهل الكبائر

الشّفاعة لأهل الكبائر تقدمت أحاديث تدل على الشّفاعة لأهل الكبائر منها: حديث أنس وهو الحديث الثاني: ((يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله ... إلى آخره)) وهكذا الحديث الثالث، وكذا حديث ابن عباس وهو الحديث السادس ففيه: ((أخرجْ من كان في قلبه كذا وكذا))، وحديث أنس وهو الحديث الثاني والثلاثون وفيه: ((من كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان، قال: فأخرجهم)) وكذا حديث سلمان رقم (35). 39 - قال البخاري رحمه الله (ج1 ص193): حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني سليمان (¬1) عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال: قيل: يا رسول الله من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لقد ظننت يا أبا هريرة ألاّ يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلاّ الله خالصًا من قلبه أو نفسه)). وأخرجه البخاري (ج11 ص418)، وأحمد (ج2 ص373)، والآجري ¬

(¬1): هو ابن بلال كما في الفتح.

في "الشريعة" ص (430). - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص307): ثنا هاشم (¬1) والخزاعي يعني أبا سلمة قالا: حدثنا ليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سالم بن أبي سالم عن معاوية بن مغيث الهذلي عن أبي هريرة أنه سمعه يقول: سألت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ماذا ردّ إليك ربّك في الشّفاعة؟ فقال: ((والّذي نفس محمّد بيده لقد ظننت أنّك أوّل من يسألني عن ذلك من أمّتي، لما رأيت من حرصك على العلم، والّذي نفس محمّد بيده ما يهمّني من انقصافهم على أبواب الجنّة أهمّ عندي من تمام شفاعتي، وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلاّ الله مخلصًا يصدّق قلبه لسانه ولسانه قلبه)). الحديث أخرجه أحمد (ج2 ص518)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (ج4 ص111)، وابن حبان كما في "الموارد" ص (645)، والحاكم (ج1 ص70) وقال: صحيح الإسناد وسكت عليه الذهبي. الحديث من طريق معاوية بن معتب أو مغيث وهو مستور الحال يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات. هذا الحديث وأمثاله من الأحاديث التي ليس فيها التصريح بالشّفاعة لأهل الكبائر، فمن قال لا إله إلا الله يشمل أهل الكبائر وغيرهم ممن لا يشرك بالله شيئا. ¬

(¬1): هو ابن القاسم أبوالنضر، وأبوسلمة الخزاعي: هو منصور بن سلمة.

- قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص454): ثنا حجاج (¬1) قال: أنا ابن جريج قال: حدثني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن ابن دارة مولى عثمان قال: إنّا لبالبقيع مع أبي هريرة إذ سمعناه يقول: أنا أعلم النّاس بشفاعة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يوم القيامة. قال: فتداكّ النّاس عليه، فقالوا: إيه يرحمك الله؟ قال: يقول (¬2): ((اللهمّ اغفر لكلّ عبد مسلم لقيك مؤمن بي لا يشرك بك)). الحديث أخرجه أيضًا ص (499) وفي سنده ابن دارة، وترجمته في "تعجيل المنفعة" ص (349) وهو مستور الحال يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات. 40 - قال البخاري رحمه الله (ج11 ص96): حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((لكلّ نبيّ دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمّتي في الآخرة)). الحديث أخرجه مالك في "الموطأ" ص (214)، وابن خزيمة ص (257) وأحمد (ج2 ص486). - قال البخاري رحمه الله (ج13 ص446): حدثنا أبواليمان أخبرنا شعيب عن الزهري حدثني أبوسلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((لكلّ نبيّ دعوة، فأريد إن ¬

(¬1): هو ابن محمد المصيصي، وشيخه ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. (¬2) التعليق على النهاية لابن كثير (ج2 ص209): قال أبوبكر بن أبي داود في كتاب البعث: قوله: (يقول) يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

شاء الله أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)). الحديث أخرجه مسلم (ج1 ص188 - 189)، والدارمي (ج2 ص328)، وأحمد (ج2 ص381 وص396)، والآجري في "الشريعة" ص (341). - قال مسلم رحمه الله (ج1 ص189): وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد ابن جارية الثقفي أخبره أن أبا هريرة قال لكعب الأحبار: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((لكلّ نبيّ دعوة يدعوها فأنا أريد إن شاء الله أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة))، فقال كعب لأبي هريرة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ قال أبوهريرة: نعم. الحديث أخرجه ابن خزيمة ص (285)، والدارمي (ج2 ص328)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج1 ص400)، والآجري في "الشريعة" ص (341). - وقال مسلم رحمه الله: حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة وأبوكريب واللفظ لأبي كريب قالا: حدثنا أبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة مستجابة فتعجّل كلّ نبيّ دعوته، وإنّي اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئًا)). الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص238) وابن ماجه (ج2 ص1440)، وأحمد (ج2 ص426)، وابن خزيمة ص (258) وص (260)، والآجري في

"الشريعة" ص (340). - وقال مسلم رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن عمارة وهو ابن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة مستجابة يدعو بها فيستجاب له فيؤتاها وإنّي اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)). الحديث أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" ص (257). - وقال مسلم رحمه الله: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن محمد وهو ابن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة دعا بها في أمّته فاستجيب له، وإنّي أريد إن شاء الله أن أؤخّر دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)). الحديث أخرجه أحمد (ج2 ص409)، وابن خزيمة ص (260،261). - وقال الإمام أحمد (ج2 ص312): حدثنا عبد الرزاق بن همام ثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبوهريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم وذكر أحاديث، وفي ص (313): وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة تستجاب له، وأريد إن شاء الله أن أؤخّر دعوتي شفاعةً لأمّتي إلى يوم القيامة)). الحديث أخرجه ابن خزيمة ص (259)، وعبد الرزاق (ج11 ص413)، وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص208): هذا إسناد على شرطهما ولم يخرجوه. - قال الآجري في "الشريعة" ص (341): أخبرنا أبوجعفر محمد بن

صالح بن ذريح (¬1) قال: حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة يعني ابن سلمان عن محمد بن إسحاق عن موسى بن يسار (¬2) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة دعا بها، وإنّي اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)). محمد بن إسحاق مدلس ولم يصرح بالتحديث، لكن الحديث في الشواهد والمتابعات فلا يضر. - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص275): ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري قال: أخبرني القاسم بن محمد قال: اجتمع أبوهريرة وكعب فجعل أبوهريرة يحدّث كعبًا عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وكعب يحدّث أبا هريرة عن الكتب، قال أبوهريرة: قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة مستجابة وإنّي اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)). الحديث قال الحافظ ابن كثير في "التفسير" (ج4 ص15): رواه عبد الرزاق. وقال في "النهاية" (ج2ص207): تفرد به أحمد وإسناده صحيح على شرطهما ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه. 41 - قال البخاري رحمه الله (ج11 ص96): وقال لي خليفة (¬3): قال معتمر: سمعت أبي عن أنس عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ¬

(¬1) بن صالح: ترجمته في تاريخ بغداد (ج5 ص361)، قال الخطيب بعد ذكره مشايخه وتلاميذه: وكان ثقة. (¬2) بن يسار: هو المطلبي. (¬3): هو ابن خياط الملقب بشباب.

((لكلّ نبيّ سأل سؤلاً -أو قال:- لكلّ نبيّ دعوة قد دعا بها فاستجيب، فجعلت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)). الحديث أخرجه مسلم (ج1 ص190)، وأحمد (ج3 ص219)، وابن خزيمة ص (260 - 261). - قال مسلم رحمه الله (ج1 ص190): حدثني أبوغسان (¬1) المسمعي، ومحمد بن المثنى وابن بشار حدثانا -واللفظ لأبي غسان- قالوا: حدثنا معاذ (يعنون ابن هشام) قال: حدثني أبي عن قتادة حدثنا أنس بن مالك أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((لكلّ نبيّ دعوة دعاها لأمّته، وإنّي اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)). الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص92) وابن خزيمة ص (259،261). وأخرجه أحمد (ج3 ص134، 258) من حديث همام عن قتادة به. وأخرجه ص (208، 276)، والآجري ص (343)، من حديث شعبة عن قتادة به. وأخرجه أحمد (ج3 ص118)، وابن خزيمة ص (262)، وأبونعيم (ج7 ص259) من حديث مسعر عن قتادة به. 42 - قال مسلم رحمه الله (ج1 ص190): وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف حدثنا روح حدثنا ابن جريج قال: أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لكلّ نبيّ دعوة قد دعا بها في أمّته، وخبّأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)). ¬

(¬1): هو مالك بن عبد الواحد.

الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص84)، وابن خزيمة ص (260). وأخرجه أحمد (ج3 ص396)، وابن خزيمة من حديث الحسن عن جابر، والحسن لم يسمع من جابر كما في "تهذيب التهذيب" عن علي بن المديني وبهز بن أسد وأبي حاتم. 43 - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (269): حدثنا محمد بن عمرو بن عثمان ابن أبي صفوان الثقفي قال: ثنا سليمان بن داود قال: ثنا علي بن البريد (¬1) قال: ثنا عبد الجبار بن العباس الشيباني (¬2) عن عون بن أبي جحيفة السوائي عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عن عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في وفد ثقيف فعلقنا طريقًا من طرق المدينة حتى أنخنا بالباب، وما في النّاس رجل أبغض إلينا من رجل يولج عليه منه، فدخلنا وسلّمنا وبايعنا فما خرجنا من عنده حتى ما في الناس رجل أحبّ إلينا من رجل خرجنا من عنده، فقلت له: يا رسول الله، ألا سألت ربّك ملكًا كملك سليمان. فضحك وقال: ((فلعلّ لصاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان، إنّ الله لم يبعثْ نبيًّا إلاّ أعطاه الله دعوةً، فمنهم من اتّخذ بها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه فأهلكوا بها، وإنّ الله تعالى أعطاني دعوةً فاختبأتها عند ربّي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة)). الحديث أخرجه الحاكم (ج1 ص67 - 68)، والفسوي في "المعرفة ¬

(¬1) بن البريد: هو علي بن هاشم بن البريد. (¬2) في الأصل، وصوابه: (الشبامي)، كما في الميزان.

والتاريخ" (ج1 ص288)، وقال الحاكم: وقد احتج مسلم بعلي بن هاشم، وعبد الرحمن بن أبي عقيل صحابي قد احتج به أئمتنا في مسانيدهم، وأما عبد الجبار بن العباس فإنه ممن يجمع حديثه ويعد مسانيده في الكوفيين. اهـ وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص199): إسناد غريب قوي، وحديث غريب. وقال الهيثمي في "المجمع" (ج10 ص371): رواه الطبراني والبزار ورجالهما ثقات. قال أبوعبد الرحمن: الحديث في سنده عبد الجبار بن العباس وهو الشبامي، قال أبونعيم: لم يكن بالكوفة أكذب منه. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه وكان يتشيّع. وقال أحمد بن حنبل: أرجو ألا يكون به بأس حدثنا عنه وكيع وأبونعيم، لكن كان يتشيّع. وقال أبوحاتم: ثقة. وقال الجوزجاني: كان غاليًا في سوء مذهبه، يعني في التشيع. اهـ فالرجل تالف إذ جرج مفسرًا، لكن الحديث له طريق أخرى. قال البخاري في "التاريخ" (ج5 ص249): قال أحمد بن يونس: حدثنا زهير (¬1) حدثنا أبوخالد الأسدي (¬2) قال: ح (¬3) عون بن أبي جحيفة به. الحديث في سنده أبوخالد الأسدي وهو صالح في الشواهد والمتابعات. 44 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص75): ثنا معمر بن سليمان الرقي ¬

(¬1) هو ابن معاوية. (¬2) الأسدي: هو الدالاني، يقال: اسمه يزيد بن عبد الرحمن. (¬3) ح): رمز حدثنا. وانظر التعليق (1) ص (148).

أبوعبد الله ثنا زياد بن خيثمة عن علي بن النعمان بن قراد عن رجل عن عبد الله بن عمر عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((خيّرت بين الشّفاعة أو يدخل نصف أمّتي الجنّة، فاخترت الشّفاعة لأنّها أعمّ وأكفى، أترونها للمتقّين؟ لا ولكنّها للمتلوّثين الخطّاؤون)). قال زياد: أما إنها لحْن، ولكن هكذا حدثنا الّذي حدثنا. الحديث في سنده مبهم، لكن قال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج4 ص448): رواه أحمد والطبراني واللفظ له وإسناده جيد. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج1 ص378): رواه أحمد والطبراني ... ورجال الطبراني رجال الصحيح غير النعمان بن قراد وهو ثقة. قال أبوعبد الرحمن: قد اعتمد هذان الحافظان على توثيق ابن حبان للنعمان بن قراد وهو مجهول، فقد ذكره ابن أبي حاتم (ج8 ص446) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، ولم يذكر عنه الحافظ راويًا سوى زياد بن خيثمة فهو مجهول العين، وأما ابن حبان فإنه يوثّق المجهولين كما ذكره الحافظ في مقدمة "لسان الميزان". 45 - قال ابن ماجة رحمه الله (ج2 ص1441): حدثنا إسماعيل بن أسد ثنا أبوبدر (¬1) ثنا زياد بن خيثمة عن نعيم بن أبي هند عن ربعي بن حراش عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((خيّرت بين الشّفاعة وبين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة فاخترت الشّفاعة لأنّها أعمّ وأكفى، أترونها للمتّقين؟ لا ولكنّها للمذنبين الخطّائين المتلوّثين)). ¬

(¬1) أبوبدر: هو شجاع بن الوليد بن قيس السكوني.

قال المعلق في "الزوائد": إسناده صحيح ورجاله ثقات. - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص404): ثنا عفان ثنا حماد يعني ابن سلمة أنا عاصم (¬1) عن أبي بردة عن أبي موسى أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان يحرسه أصحابه، فقمت ذات ليلة فلم أره في منامه، فأخذني ما قدم وما حدث، فذهبت أنظر فإذا أنا بمعاذ قد لقي الّذي لقيت، فسمعنا صوتًا مثل هزيز الرّحا فوقفا على مكانهما، فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من قبل الصّوت فقال: ((هل تدرون أين كنت؟ وفيم كنت؟ أتاني آت من ربّي عزّ وجلّ فخيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة فاخترت الشّفاعة)). فقالا: يا رسول الله ادع الله عزّ وجلّ أن يجعلنا في شفاعتك. فقال: ((أنتم ومن مات لا يشرك بالله شيئًا في شفاعتي)). الحديث أعاده الإمام أحمد ص (415) فقال: ثنا حسن بن موسى يعني الأشيب، قال: ثنا سكين بن عبد العزيز قال: أخبرنا يزيد الأعرج -قال عبد الله (¬2): يعني أظنه الشّني- قال: ثنا حمزة بن علي بن مخفر (¬3) عن أبي بردة به. وأخرجه الطبراني في "الصغير" (ج2 ص8) فقال: حدثنا محمد بن أحمد ¬

(¬1) عاصم: هو ابن بهدلة، كما أتى مصرحًا به (ج5 ص232) من المسند. (¬2) عبد الله: هو ابن أحمد راوي المسند عن أبيه أحمد بن حنبل. (¬3) حمزة بن علي مجهول كما في تعجيل المنفعة، ويزيد الأعرج ما وجدت ترجمته في تهذيب التهذيب ولا تعجيل المنفعة، وقد روى عنه جماعة كما في الأنساب للسمعاني والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج9 ص301).

ابن هارون الحلبي المصيصي بالمصيصة حدثنا عبد الله بن محمد المسندي حدثنا سهل بن أسلم العدوي حدثنا يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن أبي بردة به. الحديث بأول سند رجاله رجال الصحيح. 46 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج6 ص28): ثنا بهز قال: ثنا أبوعوانة قال: ثنا قتادة عن أبي مليح (¬1) عن عوف بن مالك الأشجعي قال: عرّس رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ذات ليلة، فافترش كلّ رجل منّا ذراع راحلته، قال: فانتهيت إلى بعض الليل، فإذا ناقة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ليس قدّامها أحد، قال: فانطلقت أطلب رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فإذا معاذ بن جبل وعبد الله بن قيس قائمان، قلت: أين رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ قالا: ما ندري غير أنّا سمعنا صوتًا بأعلى الوادي. فإذا مثل هزيز الرّحل قال: امكثوا يسيرًا. ثمّ جاءنا رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال: ((إنّه أتاني اللّيلة آت من ربّي فخيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة، فاخترت الشّفاعة)) فقلنا: ننشدك الله والصّحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك. قال: ((فإنّكم من أهل شفاعتي)) قال: فأقبلنا معانيق (¬2) إلى النّاس فإذا هم قد فزعوا وفقدوا نبيّهم، وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّه أتاني اللّيلة من ربّي آت فخيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة ¬

(¬1): هو ابن أسامة، ثقة من الثالثة كما في التقريب. (¬2) معانيق: أي مسرعين، جمع معناق كما في النهاية.

وبين الشّفاعة، وإنّي اخترت الشّفاعة)) قالوا: يا رسول الله ننشدك الله والصّحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك. قال: فلمّا أضبّوا (¬1) عليه قال: ((فأنا أشهدكم أنّ شفاعتي لمن لا يشرك بالله شيئًا من أمّتي)). الحديث رواه الترمذي (ج4 ص47)، والطيالسي (ج2 ص229)، وابن خزيمة ص (264، 265)، وابن حبان كما في "الموارد" ص (644، 645) والآجري في "الشريعة" ص (342)، والحاكم (ج1 ص67) وقال: حديث قتادة هذا صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. وقال الهيثمي (ج10 ص370): رواه الطبراني بأسانيد وبعض رجالها ثقات. - قال ابن ماجة رحمه الله (ج2 ص1444): حدثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا ابن جابر (¬2) قال: سمعت سليم بن عامر يقول: سمعت عوف بن مالك الأشجعي، يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أتدرون ما خيّرني ربّي اللّيلة)) قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: ((فإنّه خيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة، فاخترت الشّفاعة)) قلنا: يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا من أهلها. قال: ((هي لكلّ مسلم)). الحديث أخرجه الآجري في "الشريعة" ص (343)، والحاكم (ج1 ص14) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ورواته كلهم ثقات على شرطهما جميعًا وليس له علّة، وليس في أخبار (¬3) الشّفاعة: ¬

(¬1): أي كثروا، يقال: أضبّوا إذا تكلّموا متتابعًا، وإذا نهضوا في الأمر جميعًا، كما في النهاية. (¬2) جابر: هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. (¬3) يعني التي في الصحيحين.

((وهي لكلّ مسلم)). وأخرجه أيضًا ص (66) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم فقد احتج بسليم بن عامر، وأما سائر رواته فمتفق عليهم ولم يخرجاه. قال أبوعبد الرحمن: وقول الحاكم الأخير أنه على شرط مسلم أصحّ لأن سليم بن عامر من رجال مسلم وليس من رجال البخاري. وأخرجه ابن خزيمة ص (263)، وقال ص (264): أخاف أن يكون قوله: (سمعت عوف بن مالك). وهْمًا وأنّ بينهما معدي كرب فإن أحمد ابن عبد الرحمن بن وهب قال: ثنا حجاج بن رشدين قال: حدثنا معاوية وهو ابن صالح عن أبي يحيى سليم بن عامر عن معدي كرب عن عوف بن مالك. فذكر نحو الحديث السابق غير أنه قال: ((إنّ ربّي استشارني في أمّتي فقال: أتحبّ أن أعطيك مسألتك اليوم أم أشفّعك في أمّتك. قال: فقلت: بل اجعلْها شفاعةً لأمّتي)) قال عوف: فقلنا: يا رسول الله اجعلنا في أوّل من تشفع له الشّفاعة. قال: ((بل أجعلها لكلّ مسلم)). قال أبوعبد الرحمن: حجاج بن رشدين ترجمته في "الجرح والتعديل" (ج3 ص160)، ذكر من مشايخه معاوية بن صالح. ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وقال الحافظ الذهبي في "الميزان": ضعّفه ابن عدي. وشيخ ابن خزيمة أحمد بن عبد الرحمن إلى الضعف أقرب فيما تفرد به عن عمه. لكن المعتمد في انقطاع الحديث على ما في "تهذيب التهذيب" في ترجمة سليم بن عامر، وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل": روى عن عوف بن مالك مرسلاً ولم يلقه. اهـ وذكره العلائي في "جامع التحصيل" مقرًا له، ثم رأيت

ما يؤيد ما خافه ابن خزيمة رحمه الله، قال يعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج2 ص337): حدثنا الوحاظي (¬1) قال: حدثنا جابر بن غانم (¬2) عن سليم بن عامر عن معد يكرب بن عبدكلال عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أتاني جبريل، وإنّ ربّي خيّرني بين خصلتين: أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة لأمّتي فاخترت الشّفاعة)). وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (ج2 ص213) عن أبيه: لم يسمعْ سليم ابن عامر من عوف بن مالك شيئًا بينه وبين عوف نفسان، فذكره. - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (267): حدثنا أبوبشر الواسطي (¬3) قال: ثنا خالد -يعني ابن عبد الله- عن خالد يعني الحذّاء عن أبي قلابة عن عوف ابن مالك قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في بعض مغازيه، فانتهينا ذات ليلة فلم نر رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في مكانه وإذا أصحابنا كأنّ على رؤوسهم الصّخر، وإذا الإبل قد وضعت جرانها -يعني أذقانها- فإذا أنا بخيال فإذا هو أبوموسى الأشعري فتصدى لي وتصديت له، قال خالد: فحدّثني حميد بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى عن عوف بن مالك قال: سمعت خلف أبي موسى هزيزًا كهزيز الرّحل، فقلت: أين رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ قال: ورائي ¬

(¬1): هو يحيى بن صالح كما في تهذيب التهذيب. (¬2) جابر بن غانم: ترجمته في الجرح والتعديل (ج2 ص501) وقال: إنه سأل أباه عنه فقال: شيخ. (¬3) أبوبشر: هو إسحاق بن شاهين الواسطي من مشايخ البخاري في الصحيح.

قد أقبل، فإذا أنا برسول الله، فقلت: يا رسول الله إنّ النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إذا كان بأرض العدوّ كان عليه جالسًا (¬1). فقال النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّه أتاني آت من ربّي آنفًا فخيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة فاخترت الشّفاعة)). الحديث أخرجه عبد الرزاق (ج11 ص413) من طريق قتادة وأبي قلابة كلاهما عن عوف بن مالك، وابن حبان كما في "الموارد" ص (644)، والحاكم (ج1 ص67) وقال: هذا صحيح من حديث أبي قلابة على شرط الشيخين. قال أبوعبد الرحمن: ينظر أسمع قتادة وأبوقلابة من عوف بن مالك فإنهما مدلّسان، وأبوقلابة يدلس عمن لحقهم وعمن لم يلحقهم كما في "الميزان"، لكن الحديث من طريق خالد عن حميد بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى عن عوف بن مالك به صحيح. - قال الحاكم رحمه الله (ج1 ص67): وقد روي هذا الحديث عن أبي موسى الأشعري عن عوف بن مالك بإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه: حدثنا أبوعلي الحسين بن علي الحافظ أنبأ الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان الرّقي بالرّقة، ثنا محمد بن عبد الرحمن بن حماد أبوبكر الواسطي ثنا خالد بن عبد الله بن خالد الواسطي عن حميد بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى عن عوف بن مالك أنّهم كانوا مع النّبي صلّى الله عليه وعلى آله ¬

(¬1) في كتاب التوحيد، وفي المستدرك: (كان عليه الحراس)، وفي موارد الظمآن: (كان عليه حراس). ولعل الصواب: (الحراس أو حراس). وفي طبعة كتاب التوحيد بتحقيق الشهوان: (حارسًا).

وسلّم في بعض مغازيه، قال عوف: فسمعت خلفي هزيزًا كهزيز الرّحا، فإذا أنا بالنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فقلت: إنّ النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إذا كان في أرض العدوّ كان عليه الحرّاس. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أتاني آت من ربّي يخيّرني بين أن يدخل شطر أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة، فاخترت الشّفاعة)) فقال معاذ بن جبل: يا رسول الله قد عرفت قوائي فاجعلْني منهم. قال: ((أنت منهم)) قال عوف بن مالك: يا رسول الله قد عرفْت أنّا تركنا قومنا وأموالنا راغبًا (¬1) لله ورسوله فاجعلنا منهم. قال: ((أنت منهم)) فانتهينا إلى القوم وقد ثاروا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((اقعدوا)) فقعدوا كأنّهم لم يقم أحد منهم، قال: ((أتاني آت من ربّي فخيّرني بين أن يدخل شطر أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة فاخترت الشّفاعة)) فقالوا: يا رسول الله اجعلْنا منهم. فقال: ((هي لمن مات لا يشرك بالله شيئًا)). سكت الذهبي عن قول الحاكم: أنّه على شرط الشيخين. وفي السند من ينظر في حاله، وهو بسند ابن خزيمة المتقدم صحيح. 47 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص232): ثنا أسود بن عامر أخبرني أبوبكر بن عياش عن عاصم عن أبي بردة عن أبي مليح الهذلي عن معاذ بن جبل وعن أبي موسى قالا: كان رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: إذا نزل منْزلاً كان الّذي يليه المهاجرون، قال فنزلنا منْزلاً فقام (¬2) النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ونحن حوله، قال: فتعاررْت من اللّيل أنا ومعاذ، ¬

(¬1) في الأصل، ولعله: راغبين إلى الله. (¬2) في المسند: (فقام). والصواب: (فنام)، كما في مجمع الزوائد.

فنظرنا (¬1)، قال: فخرجنا نطلبه إذ سمعنا هزيزًا كهزيز الأرحاء إذ أقبل، فلمّا أقبل نظر قال: ((ما شأنكم؟)) قالوا: انتبهنا فلم نرك حيث كنت، خشينا أن يكون أصابك شيء جئنا نطلبك. قال: ((أتاني آت في منامي فخيّرني بين أن يدخل الجنّة نصف أمّتي أو شفاعةً، فاخترت لهم الشّفاعة)) فقلنا: فإنّا نسألك بحقّ الإسلام وبحقّ الصّحبة لما أدخلتنا الجنّة. قال: فاجتمع عليه النّاس فقالوا له مثل مقالتنا، وكثر النّاس، فقال: ((إنّي أجعل شفاعتي لمن مات لا يشرك بالله شيئًا)). حدثنا روح حدثنا حماد يعني ابن سلمة ثنا عاصم بن بهدلة عن أبي بردة عن أبي موسى (¬2) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم كان يحرسه أصحابه. الحديث قال الهيثمي (ج10 ص368): رواه أحمد والطبراني بنحوه، وفي رواية لأحمد ... ورجالها رجال الصحيح غير عاصم بن أبي النجود وقد وثّق وفيه ضعف، ولكنّ أبا المليح وأبا بردة لم يدركا معاذ بن جبل. اهـ قال أبوعبد الرحمن: الحديث من حديث معاذ، ومن حديث أبي موسى، فحديث معاذ منقطع وحديث أبي موسى متصل. 48 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص413): ثنا حسن بن موسى ثنا عبد الله بن لهيعة ثنا أبوقبيل (¬3) عن عبد الله (¬4) بن ناشر من بني سريع قال: ¬

(¬1) هنا سقط في المسند وهو: (فلم نره)، كما في مجمع الزوائد. (¬2) حديث أبي موسى تقدم تابعًا لحديث رقم (46). (¬3) أبوقبيل: هو حيي بن هانئ. (¬4) الذي في مجمع الزوائد: (عباد بن ناشرة) وكذا في الحلية، وأما في المسند وتاريخ= =البخاري (ج5 ص214) والجرح والتعديل (ج5 ص189) فـ (عبد الله بن ناشر)، ولم يترجم له الحافظ في تعجيل المنفعة وهو على شرطه.

سمعت أبا رهم (¬1) قاصّ أهل الشام يقول: سمعت أبا أيوب الأنصاري يقول: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم خرج ذات يوم إليهم فقال لهم: ((إنّ ربّكم عزّ وجلّ خيّرني بين سبعين ألفًا يدخلون الجنّة عفوًا بغير حساب، وبين الخبيئة عنده لأمّتي)) فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله أيخبّئ ذلك ربّك عزّ وجلّ؟ فدخل رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ثمّ خرج وهو يكبّر فقال: ((إنّ ربّي عزّ وجلّ زادني مع كلّ ألف سبعين ألفًا والخبيئة عنده)). قال أبورهم: يا أبا أيّوب وما تظنّ خبيئة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ فأكله النّاس بأفواههم فقالوا: وما أنت وخبيئة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ فقال أبوأيّوب: دعوا الرّجل عنكم، أخبرْكم عن خبيئة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كما أظنّ بل كالمستيقن إنّ خبيئة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أن يقول: ((ربّ من شهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدًا عبده ورسوله مصدّقًا لسانه قلبه أدخله الجنّة)). الحديث أخرجه أبونعيم في الحلية (ج1 ص362)، وقال الهيثمي (ج1 ص375): رواه أحمد والطبراني وفيه عباد بن ناشزة (¬2) من بني سريع ولم أعرفه، وابن لهيعة ضعفه الجمهور. ¬

(¬1) أبورهم: هو أحزاب بن أسيد كما في تهذيب التهذيب. (¬2) كذا في المجمع: (ناشزة)، والظاهر أنه تصحيف عن (ناشر).

قال أبوعبد الرحمن: عبد الله بن ناشر قد روى عنه أبوقبيل كما هنا ويحيى ابن أبي عمرو السّيباني (¬1) فهو مستور الحال يصلح في الشواهد والمتابعات، وكذا ابن لهيعة يصلح في الشواهد والمتابعات. 49 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص222): ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بكر ابن مضر عن ابن الهاد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم عام غزوة تبوك قام من اللّيل يصلّي فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتّى إذا صلّى وانصرف إليهم فقال لهم: ((لقد أعطيت اللّيلة خمسًا ما أعطيهنّ أحد قبلي أمّا أنا فأرسلت إلى النّاس كلّهم عامّةً، وكان من قبلي إنّما يرسل إلى قومه، ونصرت على العدوّ بالرّعب ولو كان بيني وبينه مسيرة شهر لملئ منه رعبًا، وأحلّت لي الغنائم آكلها، وكان من قبلي يعظّمون أكلها كانوا يحرقونها، وجعلت لي الأرض مساجد وطهورًا أينما أدركتني الصّلاة تمسّحت وصلّيت، وكان من قبلي يعظّمون ذلك إنّما كانوا يصلّون في كنائسهم وبيعهم، والخامسة هي ما هي، قيل: لي سلْ فإنّ كلّ نبيّ قد سأل. فأخّرت مسألتي إلى يوم القيامة، فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلاّ الله)). الحديث قال البيهقي (ج1 ص367): رواه أحمد ورجاله ثقات. وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج4 ص433): رواه أحمد بإسناد صحيح. وقال الحافظ ابن كثير في "التفسير" (ج2 ص255): إسناد جيد قوي ولم يخرجوه. ¬

(¬1) ترجمته في تهذيب التهذيب، قال أحمد: ثقة ثقة. والسّيباني بالسين المهملة المفتوحة.

قال أبوعبد الرحمن: هذا الحديث بهذا السند صحيح لغيره، فإن عمرو بن شعيب إذا صح السند إليه فحديثه حسن كما أفاده الحافظ الذهبي في "الميزان". 50 - قال ابن حبّان رحمه الله كما في "موارد الظمآن" ص (523): أنبأنا أبويعلى حدثنا هارون بن عبد الله الحمال حدثنا ابن أبي فديك عن عبيد الله ابن عبد الرحمن بن موهب عن عباس بن عبد الرحمن بن ميناء الأشجعي عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((أعطيت أربعًا لم يعطهنّ أحد كان قبلنا، وسألت ربّي الخامسة فأعطانيها: كان النّبيّ يبعث إلى قومه ولا يعدوها وبعثت إلى النّاس، وأهيب منّا عدوّنا مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض طهورًا ومساجد، وأحلّ لنا الخمس ولم يحلّ لأحد كان قبلنا، وسألت ربّي الخامسة سألته ألاّ يلقاه عبد من أمّتي يوحّده إلاّ أدخله الجنّة فأعطانيها)). الحديث في سنده عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، قال الحافظ في "التقريب": ليس بالقوي. وفيه أيضًا عباس بن عبد الرحمن بن ميناء وقد قال الحافظ في "التقريب": مقبول. يعني إذا توبع وإلاّ فليّن، وما أرى عباسًا سمع من عوف بن مالك، فالحديث منقطع. 51 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص145): ثنا يعقوب (¬1) ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني سليمان الأعمش عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج عن عبيد بن عمير الليثي عن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى ¬

(¬1) يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.

آله وسلّم: ((أوتيت خمسًا لم يؤتهنّ نبيّ كان قبلي: نصرت بالرّعب فيرعب منّي العدوّ عن مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد كان قبلي، وبعثت إلى الأحمر والأسود، وقيل لي: سل تعطه. فاختبأتها شفاعةً لأمّتي وهي نائلة منكم إن شاء الله من لقي الله عزّ وجلّ لا يشرك به شيئًا)). قال الأعمش: فكان مجاهد يرى أنّ الأحمر الإنس، والأسود الجنّ. الحديث أعاده أحمد ص (148)، وأخرجه أبوداود الطيالسي من طريق شعبة عن واصل عن مجاهد عن أبي ذر به، ومن طريق جرير (¬1) عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر به. وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (ج5 ص455) من طريق أبي عوانة عن سليمان وهو الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر رضي الله عنه به، ومن طريق شعبة عن واصل الأحدب عن مجاهد عن أبي ذرّ به. وأخرجه أبونعيم في "الحلية" (ج3 ص277)، وقال: متن هذا الحديث في خصائص النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ثابت مشهور متفق عليه من حديث يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله وغيره، وحديث عبيد بن عمير عن أبي ذر مختلف في سنده، فمنهم من يرويه عن الأعمش عن مجاهد عن أبي ذر، وتفرد جرير بإدخال عبيد بين مجاهد وأبي ذر عن الأعمش. وأخرجه أبونعيم (ج5 ص117) عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى ¬

(¬1) جرير: هو ابن عبد الحميد، عرف بتلميذه إسحاق بن راهويه كما في الحلية، وقد ذكر في ترجمة (جرير بن عبد الحميد) إسحاق بن راهويه أوّل تلميذ له.

الله عليه وعلى آله وسلم .. وسقطت منه جملة: ((وأعطيت الشّفاعة)). فالحاصل أن الحديث قد جاء على ثلاثة أوجه: متصلاً ومنقطعًا ومرسلاً، وأرجحها الوصل إذ قد وصله ابن إسحاق وجرير وأبوعوانة وزهير بن معاوية (¬1)، ولم يخالفهم من هو أرجح منهم، فالوصل زيادة يجب قبولها، وقول أبي نعيم رحمه الله: إنه تفرد جرير بإدخال عبيد بين مجاهد وأبي ذر. ليس بصحيح، فقد تابعه ابن إسحاق وأبوعوانة وزهير بن معاوية كما رأيت. 52 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص250): ثنا علي بن عاصم عن يزيد ابن أبي زياد عن مقسم ومجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أعطيت خمسًا لم يعطهنّ أحد قبلي، ولا أقوله فخرًا: بعثت إلى كلّ أحمر وأسود فليس من أحمر ولا أسود يدخل في أمّتي إلاّ كان منهم، وجعلت لي الأرض مسجدًا)) بقيّة الخمس كما في المسند (ج1 ص301): ((ونصرت بالرّعب مسيرة شهر وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة فأخّرتها لأمّتي، فهي لمن لا يشرك بالله شيئًا)). قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج2 ص255): إسناد جيد ولم يخرجوه. قال أبوعبد الرحمن: الحديث في سنده يزيد بن أبي زياد وهو القرشي الهاشمي مولاهم وهو ضعيف، والظاهر أن الإمام البخاري أشار في "تاريخه" ¬

(¬1) زهير بن معاوية كما في زوائد الزهد لابن المبارك ص (563).

(ج5 ص455) إلى أن لهذا الحديث علة حيث ذكر أن من الرواة من يرويه عن مجاهد عن عبيد بن عمير، ومنهم من يرويه عن مجاهد عن أبي ذر، ومنهم من يرويه عن مجاهد عن ابن عباس، وقد تقدم أن أرجحها مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر، وهذه الرواية تعتبر منكرة لتفرد يزيد بن أبي زياد بذلك ومخالفته الثقات، والله أعلم. 53 - قال البّزار رحمه الله كما في "كشف الأستار" (ج1 ص157): حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل (¬1) ثنا أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أعطيت خمسًا لم يعطهنّ نبيّ قبلي، بعثت إلى النّاس كافةً الأحمر والأسود، ونصرت بالرّعب يرعب منّي عدوّي على مسيرة شهر، وأطعمت المغنم، وجعلتْ لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأعطيت الشّفاعة فأخّرتها لأمّتي يوم القيامة)). قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد. وقد رواه يزيد بن أبي زياد عن مجاهد ومقسم عن ابن عباس. قال الهيثمي (ج1 ص261): رواه البزار والطبراني، وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن كهيل وهو ضعيف، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: في روايته عن أبيه بعض المناكير. 54 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص416): ثنا حسين بن محمد (¬2) ثنا ¬

(¬1): إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، كما في الميزان. (¬2) حسين بن محمد: هو المؤدب، كما في تهذيب التهذيب.

إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أعطيت خمسًا: بعثت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لمن كان قبلي، ونصرت بالرّعب شهرًا، وأعطيت الشّفاعة وليس من نبيّ إلاّ وقد سأل شفاعةً وإنّي أخبأت شفاعتي ثمّ جعلتها لمن مات من أمّتي لم يشرك بالله شيئًا)). الحديث قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج1 ص411): تفرد به أحمد، وقال (ج2 ص255): وهذا إسناد صحيح ولم أرهم خرجوه. قال أبوعبد الرحمن: الحديث على شرط الشيخين. 55 - قال الطبراني في "الأوسط" (ج8 رقم7435): حدثنا محمد بن أبان (¬1) قال: حدثنا إبراهيم بن سويد الجذوعي قال: حدثنا أبوعامر (¬2) بن مدرك قال: حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أعطيت خمسًا لم يعطها نبيّ قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود، وإنّما كان النبيّ يبعث إلى قومه، ونصرت بالرّعب مسيرة شهر، وأطعمت المغنم ولم يطعمْها (¬3) أحد كان قبلي، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وليس من نبيّ إلاّ وقد أعطي دعوةً فتعجّلها، وإنّي أخّرت دعوتي شفاعةً لأمّتي، وهي بالغة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئًا)). ¬

(¬1) محمد بن أبان المديني ثقة مكثر كما في تاريخ الإسلام وفيات (291 - 300) ص (235). (¬2) الصواب بحذف (أبو) كما في تعقيب الطبراني لهذا الحديث وكما في التقريب. (¬3) كذا في الأوسط، والذي في مجمع الزوائد (ج8 ص269): (يطعمه).

لم يرو هذا الحديث عن فضيل إلا عامر بن مدرك. اهـ قال الهيثمي في "المجمع": رواه الطبراني في "الأوسط" وإسناده حسن. اهـ عامر بن مدرك بن أبي الصفيراء ليّن الحديث، وعطية العوفي ضعيف ومدلس ولم يصرح بأن شيخه أبا سعيد هو الخدري، فالحديث ضعيف. 56 - قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص45): حدثنا العباس العنبري أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)). وفي الباب عن جابر، وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. الحديث رواه ابن خزيمة ص (270)، وابن حبان كما في "الموارد" ص (645)، والحاكم (ج1 ص69) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، إنما أخرجا حديث قتادة عن أنس بطوله، ومن توهم أن هذه لفظة من الحديث فقد وهم، فإنّ هذه الشّفاعة فيها قمع المبتدعة المفرقة بين الشّفاعة لأهل الصغائر والكبائر. اهـ وقال العجلوني في "كشف الخفاء": إن البيهقي قال: إن سنده صحيح. اهـ وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج1 ص487): إسناده صحيح على شرط الشيخين. اهـ قال أبوعبد الرحمن: الحديث من رواية معمر عن ثابت، وفي "تهذيب التهذيب" عن ابن معين: معمر عن ثابت ضعيف، وفيه أيضًا قال يحيى: وحديث معمر عن ثابت وعاصم بن أبي النجود وهشام بن عروة وهذا الضّرب كثير الأوهام. وقال الحافظ في ترجمة (معمر) من "مقدمة الفتح" ص (444): قلت:

أخرج البخاري من روايته عن الزهري وابن طاوس، إلى أن قال: ولم يخرج من روايته عن قتادة ولا ثابت البناني إلا تعليقًا، ولا من روايته عن الأعمش شيئًا، ولم يخرج له من رواية أهل البصرة شيئًا إلا ما توبعوا عليه واحتج به الأئمة كلهم. اهـ فعلى هذا فالحديث بهذا السند ضعيف، وليس على شرط الشيخين كما قال الحاكم وابن كثير. ثم وجدت متابعًا لمعمر عن ثابت، قال ابن خزيمة رحمه الله ص (271): حدثنا محمد بن رافع قال: ثنا سليمان بن داود الطيالسي عن الحكم بن خزرج. وثنا علي بن مسلم قال: ثنا أبوداود قال: ثنا الحكم بن خزرج قال: ثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شّفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)). الحديث أخرجه الخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (ج2 ص56) ورجاله بهذا السند رجال الصحيح إلا الحكم بن خزرج وقد وثقه ابن معين كما في "الجرح والتعديل" (ج3 ص116). ومتابعين آخرين أحدهما: الخزرج بن عثمان عند البزار كما في "النهاية" لابن كثير (ج2 ص186)، وقال الهيثمي (ج10 ص378): رواه البزار والطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، وفيه الخزرج بن عثمان وقد وثقه ابن حبان، وضعفه غير واحد. اهـ قلت: وفي "الميزان": قال الدارقطني: يترك. والثاني: محمد بن عبيد الله العصري كما في "تاريخ البخاري" (ج1

ص170)، وقد ذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً (¬1). - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص213): ثنا سليمان بن حرب ثنا بسطام بن حريث عن أشعث الحدّاني (¬2) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)). الحديث أخرجه أبوداود (ج5 ص106)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (ج2 ص126)، وابن خزيمة ص (271)، والآجري في "الشريعة" ص (338) وعنده سقط بين سليمان بن حرب وأشعث: بسطام بن حريث، والحاكم (ج1 ص69). والحديث حسن بهذا الإسناد. - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (271): حدثنا محمد بن يحيى قال: ثنا الخليل بن عمر. وثنا يحيى بن السكن (¬3) قال: ثنا الخليل بن عمر قال: قال عمر الأبح (¬4) ¬

(¬1) وجاء باسمه هكذا في الأنساب للسمعاني مادة (العصري)، والذي عند ابن حبّان في المجروحين (ج2 ص282) وابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين (ج3 ص78)، والذهبي في الميزان والمغني وابن حجر في اللسان: (محمد بن عبد الله). قال ابن حبان: منكر الحديث جدًا يروي عن ثابت ما لا يتابع عليه، كأنه ثابت آخر، لا يجوز الاحتجاج به ولا الاعتبار بما يرويه إلا عند الوفاق للاستئناس به. وقال ابن حجر: والظاهر أن اسم أبيه عبيد الله مصغرًا. (¬2) في المسند: (الحراني)، بالراء بعد الحاء وصوابه بالدال المشددة، كما في التقريب. (¬3) يحيى بن السكن، ترجمته في الجرح والتعديل (ج10 ص155) قال أبوحاتم: ليس بالقوي. اهـ ولا يضر فهو متابع للإمام الحافظ محمد بن يحيى الذهلي. (¬4) في الأصل: (الأشج) والصواب ما أثبتناه كما في المستدرك والجرح والتعديل (ج6 ص69).

وهو عمر بن سعيد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((الشّفاعة لأهل الكبائر من أمّتي)) قال محمد بن يحيى (¬1): ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)). الحديث أخرجه الحاكم (ج1 ص69)، وهو ضعيف بهذا الإسناد لأن عمر بن سعيد قال فيه أبوحاتم: ليس بقوي. كما في "الجرح والتعديل". وقال البخاري: منكر الحديث. كما في "الميزان". - قال الإمام أبوبكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله في "الشريعة" ص (338): حدثنا أبوجعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال: حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّما الشّفاعة لأهل الكبائر)). وقال ص (339): أخبرنا أبوزكريا يحيى بن محمد الجبائي (¬2) قال: حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبوأمية الحبطي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)). الحديث في سنده يزيد وهو ابن أبان الرقاشي وقد تركه شعبة، وقال ¬

(¬1) في الأصل: (يحيى بن محمد)، والصواب: (محمد بن يحيى)، يعني أنه اختلف شيخاه، فيحيى ابن السكن رواه باللفظ الأول، والذهلي باللفظ الثاني. (¬2) يحيى بن محمد: ثقة، كما في تاريخ بغداد (ج14 ص229)، وقد ذكر في غير موضع من الشريعة: (الجبائي)، وفي تاريخ بغداد: (الحنائي)، وهو الصحيح كما في تبصير المنتبه ص (292)، نسبة إلى بيع الحناء.

النسائي: إنه متروك، وقال أحمد: إنه منكر الحديث، وقال ابن معين في حديثه ضعف. اهـ مختصرًا من "الميزان". وفيه أيضًا في السند الثاني أبوأمية الحبطي وهو أيوب بن خوط قال البخاري: تركه ابن المبارك وغيره، وروى عباس عن يحيى: لا يكتب حديثه، وقال النسائي والدارقطني وجماعة: متروك، وقال الأزدي: كذّاب. اهـ مختصرًا من الميزان. هذا وقد جاء الحديث من طريقين آخرين إلى أنس: أحدهما: من حديث عاصم الأحول عنه كما في "المعجم الصغير" للطبراني (ج1 ص160) والسند إليه صالح، إلا شيخ الطبراني خير بن عرفة فينظر في حاله. والثاني: عن يزيد الرّشْك عنه عند الطبراني في "الصغير" أيضًا (ج2 ص119)، وفيها روح بن المسيب، قال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة. وقال ابن معين: صويلح. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، لا تحل الرواية عنه. اهـ من "الميزان". وشيخ الطبراني مورع بن عبد الله، وشيخه الحسن بن عيسي ينظر في حالهما. 57 - قال الحكيم الترمذي (¬1) في "نوادر الأصول" كما في "الحاوي للفتاوي" للسيوطي: حدثنا صالح بن أحمد بن أبي محمد حدثنا يعلى بن هلال عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّما الشّفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر ¬

(¬1) محمد بن علي بن الحسين، حدث عن أبيه، والحكيم صوفي هالك قد كفره بعض الناس في عصره، وهو مترجم في السير (ج13 ص439).

من أمّتي ثمّ ماتوا عليها وهم في البّاب الأوّل من جهنّم، لا تسودّ وجوههم)) الحديث. هذا حديث باطل لأن في آخره توقيت عمر الدنيا (¬1)، وفي السند ليث ابن أبي سليم وهو مختلط، ومؤلف "النوادر" هو محمد بن علي، حافظ، كما في "تذكرة الحفاظ" للذهبي، وقد حمل عليه ابن العديم، وقال: إنه لم يكن من أهل الحديث، ولا رواية له، ولا علم له بطرقه وصناعته -إلى أن قال:- وملأ كتبه الفظيعة بالأحاديث الموضوعة، إلى آخر كلامه رحمه الله. وفي "أسنى المطالب" ص (269): وكذلك كتب الترمذي الحكيم فيها من جملة الموضوع، فلا يعتمد على ما انفرد به، قال ابن أبي جمرة وابن القيّم: إن الترمذي الحكيم شحن كتبه من الموضوع. هذا وأما شيخ الترمذي وشيخ شيخه فلم أجد ترجمتهما. 58 - قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص45): حدثنا محمد بن بشار أخبرنا أبوداود الطيالسي عن محمد بن ثابت البناني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)) قال محمد بن علي: فقال لي جابر: يا محمد من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشّفاعة. هذا حديث غريب من هذا الوجه. الحديث أخرجه ابن خزيمة ص (271)، وأبوداود الطيالسي (ج2 ص228) من "ترتيب المسند"، والآجري في "الشريعة" ص (338)، ¬

(¬1) والله سبحانه وتعالى يقول: 2يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربّك منتهاها1.

والحاكم (ج1 ص69)، وأبونعيم في "الحلية" (ج3 ص201) وقال: هذا حديث غريب من حديث جعفر ومحمد بن ثابت لم يروه عنه إلا أبوداود، رواه عن أبي داود عمرو بن علي والمتقدمون من طبقته. قال أبوعبد الرحمن: الحديث في سنده محمد بن ثابت البناني، وقد قال البخاري: فيه نظر. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيف. اهـ من الميزان. - قال ابن خزيمة رحمه الله تعالى ص (271): حدثنا أحمد بن يوسف السلمي قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير وهو ابن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)). الحديث أخرجه ابن ماجه (ج2 ص1441): قال حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا زهير بن محمد به. وأخرجه الحاكم (ج1 ص69) وقال: وله شاهد على شرط مسلم ثم ذكر الحديث، وقال: قد احتجا جميعًا بزهير بن محمد العنبري. أخرجه أيضًا (ج2 ص382) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأشار الذهبي إلى أنّه على شرط مسلم، وهو كما قال الذهبي فإن جعفر بن محمد ليس من رجال البخاري، وقد قال الحاكم (ج1 ص69) إنه على شرط مسلم. والحديث في سنده زهير بن محمد، والراوي له عند ابن خزيمة والحاكم (ج1 ص69) عمرو بن أبي سلمة، وقد قال الإمام أحمد: إن روايته عن زهير بواطيل. كما في "مقدمة الفتح" ص (43). والراوي له عن زهير عند

ابن ماجة والحاكم (ج2 ص382) الوليد بن مسلم، والوليد شامي، ورواية الشاميين عن زهير ضعيفة كما في "تهذيب التهذيب"، فالحديث ضعيف بهذا السند، لكنه يصلح في الشواهد والمتابعات. 59 - قال البزار رحمه الله كما في "تفسير ابن كثير" (ج1 ص511): حدثنا محمد بن عبد الرحمن (¬1) ثنا شيبان بن أبي شيبة حدثنا حرب بن سريج عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: كنّا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا نبينا محمدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقرأ {إنّ الله لا يغفر أنْ يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وقال: ((أخّرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة)). قال الهيثمي (ج7 ص5): رواه أبويعلى ورجاله رجال الصحيح غير حرب بن سريج وهو ثقة. اهـ. كذا أطلق الهيثمي رحمه الله توثيق حرب، وفي "الميزان": وثّقه ابن معين وليّنه غيره، قال ابن حبان: يخطئ كثيرًا حتّى خرج عن حدّ الاحتجاج به إذا انفرد. وقال البخاري: روى عنه ابن المبارك، فيه نظر. ثم ذكر له الذهبي هذا الحديث. - قال الخطيب رحمه الله في "التاريخ" (ج8 ص11): قرأت في كتاب علي بن محمد النعيمي بخطه: حدثني القاضي أبوعبد الله الحسين بن أحمد بن سلمة الأسدي المالكي ببغداد حدثنا أبوالحسين أحمد بن عبد الله بن محمد الزيني البصري -بجيلان من كورة اسفيجاب- حدثنا الصديق بن سعيد ¬

(¬1) بن عبد الرحمن: هو ابن عبد الصمد العنبري أبوعبد الله البصري، قال علي بن الجنيد: كان ثقة. كما في تهذيب التهذيب.

الصوناخي -بصوناخ من كورة اسفيجاب- حدثنا محمد بن نصر المروزي المقيم بسمرقند عن يحيى بن يحيى عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمّتي)). في "فيض القدير": قال الترمذي في "العلل": سألت محمدًا -يعني البخاري- عن هذا الحديث فلم يعرفه. وفي "الميزان": رواه عن صديق من يجهل حاله أحمد بن عبد الله الزيني فما أدري من وضعه. وأعاده في محل آخر وقال: هذا خبر منكر. اهـ 60 - قال الإمام محمد بن الحسين الآجري رحمه الله ص (338): وحدثنا أبوالعباس حامد بن شعيب البلخي (¬1) قال: حدثنا محمد بن بكار (¬2) قال: حدثنا عنبسة بن عبد الواحد القرشي (¬3) عن واصل (¬4) عن أبي عبد الرحمن (¬5) عن الشعبي عن كعب بن عجرة قال: قلت: يا رسول الله الشّفاعة؟ فقال: ((الشفاعة لأهل الكبائر من أمّتي)). الحديث رواه الخطيب (ج3 ص40) وقال: قال علي بن عمر: هذا ¬

(¬1) بن شعيب: هو حامد بن محمد بن شعيب، وثقه الدارقطني كما في تاريخ بغداد. (¬2) محمد بن بكار: هو ابن الريان أبوعبد الله الرصافي كما في تاريخ بغداد (ج2 ص100) من رجال مسلم كما في تهذيب التهذيب. (¬3) عنبسة بن عبد الواحد: روى له البخاري تعليقًا وأبوداود، وثّقه ابن معين وأبوحاتم. (¬4) واصل: هو مولى ابن عيينة كما في النهاية لابن كثير (ج2 ص200) وهو صدوق كما في التقريب. (¬5) أبوعبد الرحمن: اسمه أميّ بن ربيعة الصيرفي، ثقة كما في التقريب.

حديث غريب من حديث الشعبي عن كعب بن عجرة تفرد به أميّ بن ربيعة الصيرفي عنه، وتفرد به واصل بن حيان عن أمي، ولا يعلم حدث به عنه غير عنبسة بن عبد الواحد. اهـ قال أبوعبد الرحمن: رجال الإسناد معروفون، وقد اختلف في واصل أهو ابن حيان أم هو واصل مولى أبي عيينة، وكلاهما محتج به فلا يضر هذا الاختلاف، والله أعلم. 61 - قال أبوالقاسم الطبراني رحمه الله في "المعجم الكبير" (ج11 ص189): حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح وعبد الرحمن بن معاوية العتبي قالا: ثنا أبوالطاهر بن السرح قال ثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني حدثني ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه قال ذات يوم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي)) قال ابن عباس: السابق بالخيرات يدخل الجنّة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنّة برحمة الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنّة بشفاعة محمّد. الحديث في سنده موسى بن عبد الرحمن الصنعاني قال الحافظ الذهبي في "الميزان": معروف ليس بثقة، فإن ابن حبان قال فيه: دجّال وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابًا في التفسير، ثم ذكر الذهبي أنّ ابن عدي ذكر في ترجمته ثلاثة أحاديث، هذا أحدها، ثم قال: قال ابن عدي: هذه بواطيل. 62 - قال الخطيب رحمه الله في "التاريخ" (ج1 ص416): أخبرنا الأزهري والقاضي أبوالعلاء محمد بن علي قالا: أنبأنا أبوالفتح محمد بن إبراهيم بن محمد بن يزيد الطرسوسي قال: نبأنا الحسن بن عبد الرحمن بن زريق بحمص

قال: نبأنا محمد بن سنان الشيرازي قال: نبأنا إبراهيم بن حيان بن طلحة قال: نبأنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأهل الذنوب من أمّتي)) قال أبوالدرداء: وإن زنى وإن سرق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((نعم وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء)). قال لي الأزهري: سمعت من أبي الفتح في سنة ست وسبعين وثلاثمائة سألت الأزهري عنه، فقال: ثقة. اهـ الحديث في سنده محمد بن إبراهيم الطرسوسي قال الحاكم: كثير الوهم. ومحمد بن سنان الشيرازي، قال الذهبي في "الذيل": صاحب مناكير. اهـ "فيض القدير". 63 - قال الخطيب رحمه الله في "التاريخ" (ج2 ص146): أخبرنا أبومعاذ عبد الغالب بن جعفر الضراب قال: نبأنا محمد بن إسماعيل الوراق قال: حدثني محمد بن جعفر بن محمد بن الحسن بن جعفر العلوي قال: أنبأنا سليمان بن علي الكاتب قال: حدثني القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله ابن عمر بن علي بن أبي طالب قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده محمد بن عمر عن أبيه عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((شفاعتي لأمّتي من أحبّ أهل بيتي وهم شيعتي)). الحديث في سنده القاسم بن جعفر، قال الذهبي في "الميزان": روى عن آبائه نسخة أكثرها مناكير، قاله الخطيب. اهـ

64 - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (272): حدثنا بمسألة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم للذي ذكرت علي بن سعيد النسائي قال: ثنا أبواليمان قال: ثنا شعيب وهو ابن أبي حمزة عن الزهري قال: ثنا أنس بن مالك عن أم حبيبة عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلم أنّه قال: ((أريت ما تلقى أمّتي بعدي، وسفك بعضهم دماء بعض، وسبق ذلك من الله كما سبق على الأمم قبلهم، فسألته أن يوليني شفاعةً يوم القيامة فيهم، ففعل)). قال أبوبكر: قد اختلف عن أبي اليمان في هذا الإسناد فروى بعضهم هذا الخبر عن أبي اليمان عن شعيب عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وقال بعضهم: عن الزهري. الحديث أخرجه الحاكم (ج1 ص68) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والعلّة عندهما فيه أن أبا اليمان حدّث مرتين، فقال مرّةً: عن شعيب عن الزهري عن أنس، وقال مرّةً: عن شعيب عن ابن أبي حسين عن أنس، وقد قدمنا القول في مثل هذا أنه لا ينكر أن يكون الحديث عند إمام من الأئمة عن شيخين فمرة يحدث به عن هذا ومرة عن ذاك، وقد حدثني أبوالحسن علي بن محمد بن عمر (¬1) ثنا يحيى ابن محمد بن صاعد ثنا إبراهيم بن هانئ النيسابوري قال: قال لنا أبواليمان الحديث حديث الزهري، والذي حدثتكم عن ابن أبي الحسين غلطت فيه بورقة قلبْتها. قال الحاكم: هذا كالأخذ باليد فإن إبراهيم بن هانئ ثقة مأمون. اهـ وسكت عنه الذهبي. ¬

(¬1) ترجمته في العبر (ج3 ص64)، وفي شذور الذهب (ج3 ص149) وفيهما أن الخليلي قال: هو أفضل من لقيناه بالري.

وأخرجه الإمام أحمد (ج6 ص427 - 428) من حديث أبي اليمان أنا شعيب بن أبي حمزة عن ابن أبي حسين، وقال: أنا أنس بن مالك عن أم حبيبة، الحديث. قال عبد الله -وهو ابن أحمد راوي "المسند" عن أبيه- فقلت لأبي ههنا قوم يحدثون به عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري، قال: ليس هذا من حديث الزهري إنما هو من حديث ابن أبي حسين. قال أبوعبد الرحمن: الظاهر ترجيح طريق الزهري عن أنس لأن أبا اليمان اعترف أنه غلط كما رواه الحاكم عنه، وقد ساقه الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص209) من رواية البيهقي من طريق الزهري عن أنس ثم قال: قال البيهقي: هذا إسناد صحيح. وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج4 ص432): رواه البيهقي في "البعث" وصحّح إسناده. قال أبوعبد الرحمن: ثم تراجعت عن ترجيح طريق الزهري لما اطلعت على كلام الذهبي في "السير" (ج10 ص323) حيث قال: تعين أن الحديث وهم فيه أبواليمان، وصمّم على الوهم لأن الكبار حكموا بأن الحديث ما هو عند الزهري، والله أعلم. 65 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص347): ثنا الأسود بن عامر أنا أبوإسرائيل عن حارث بن حصيرة عن ابن بريدة عن أبيه قال: دخل عليّ معاوية فإذا رجل يتكلّم، فقال بريدة: يا معاوية فائذن لي في الكلام. فقال: نعم. وهو يرى أنّه سيتكلم بمثل ما قال الآخر، فقال بريدة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إنّي لأرجو أن أشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة ومدرة)) قال: أفترجوها أنت يا معاوية ولا

يرجوها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا كما في "النهاية" لابن كثير (ج2 ص192)، وقال الهيثمي (ج10 ص378): رواه أحمد ورجاله وثّقوا على ضعف كثير في أبي إسرائيل الملائي. اهـ قال أبوعبد الرحمن: أبوإسرائيل قال الحافظ الذهبي في "الميزان": ضعفوه، وقد كان شيعيًا بغيضًا من الغلاة الذين يكفرون عثمان رضي الله عنه. اهـ المراد من "الميزان". وشيخه الحارث بن حصيرة قال الذهبي في "الميزان": قال أبوأحمد الزبيري: كان يؤمن بالرجعة (¬1). وقال يحيى بن معين: ثقة خشبي، ينسب إلى خشبة زيد بن علي لما صلب عليها. وقال النسائي: ثقة وهو من المنحرفين بالكوفة في التشيع. وقال زنيج (¬2): سألت جريرًا: أرأيت الحارث بن حصيرة؟ قال: نعم، رأيته شيخًا كبيرًا طويل السكوت يصرّ على أمر عظيم (¬3). اهـ المراد من "الميزان". فبما أن هذين الراويين غاليان في التشيع والحديث موافق لمذهبهما فالحديث ضعيف. 66 - قال الإمام أبوداود رحمه الله (ج3 ص217): حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك حدثني موسى بن يعقوب عن ابن عثمان -قال أبوداود: وهو يحيى بن الحسن بن عثمان- عن الأشعث بن إسحاق بن سعد ¬

(¬1) قوله: (يؤمن بالرجعة) تقدم ص (58). (¬2) زنيج: هو محمد بن عمرو أبوغسان من مشايخ مسلم. (¬3) الأمر العظيم هو الرجعة.

عن عامر بن سعد عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من مكّة نريد المدينة، فلمّا كنّا قريبًا من عزور (¬1) نزل ثمّ رفع يديه فدعا الله ساعةً، ثمّ خرّ ساجدًا فمكث طويلاً ثمّ قام فرفع يديه فدعا الله ساعةً، ثمّ خرّ ساجدًا فمكث طويلاً، ثمّ قام فرفع يديه ساعةً ثمّ خرّ ساجدًا -ذكره أحمد ثلاثًا- قال: ((إنّي سألت ربّي وشفعت لأمّتي فأعطاني ثلث أمّتي، فخررت ساجدًا شكرًا لربّي، ثمّ رفعت رأسي فسألت ربّي لأمّتي فأعطاني ثلث أمّتي، فخررت ساجدًا لربّي شكرًا ثمّ رفعت رأسي فسألت ربّي لأمّتي، فأعطاني الثّلث الآخر فخررت ساجدًا لربّي)). قال أبوداود: أشعث بن إسحاق أسقطه أحمد بن صالح حين حدثنا به، فحدثني به عنه موسى بن سهل الرملي. قال الحافظ المنذري في "مختصر السنن" (ج4 ص86): في إسناده موسى ابن يعقوب الزمعي وفيه مقال. وأقول: الحديث في سنده يحيى بن الحسن بن عثمان الزهري، قال الخزرجي في الخلاصة: عن أشعث بن إسحاق، وعنه موسى بن يعقوب الزمعي وثّقه ابن حبان. اهـ وابن حبان يوثّق المجهولين، ومن ثمّ يقول الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال": لا يكاد يعرف حاله. ويقول في "الكاشف": وثّق. ولعله يعني توثيق ابن حبان. 67 - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (279): حدثنا محمد بن أحمد بن زيد بعبّادان قال: ثنا عمرو بن عاصم قال: ثنا حرب بن سريج البزار قال: قلت ¬

(¬1)، ثنية الجحفة، عليها الطريق من المدينة إلى مكة. اهـ تاج العروس.

لأبي جعفر محمد بن على بن الحسين: جعلت فداك أرأيت هذه الشّفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحقّ هي؟ قال: شفاعة ماذا؟ قال: شفاعة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. قال: حقّ والله، إي والله لحدثني عمّي محمّد ابن علي ابن الحنفية عن علي بن أبي طالب أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((أشفع لأمّتي حتّى يناديني ربّي، فيقول: أرضيت يا محمّد)) ثمّ أقبل عليّ فقال: إنّكم تقولون معشر أهل العراق: أرجى آية في كتاب الله سبحانه وتعالى عزّ وجلّ: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم -قرأ إلى قوله- جميعًا} قلت: إنّا لنقول ذلك. قال: ولكنّا أهل البيت نقول: إنّ أرجى آية في كتاب الله تعالى: {ولسوف يعطيك ربّك فترضى}. الحديث أخرجه أبونعيم في "الحلية" (ج3 ص179) وقال: هذا حديث لم نكتبه إلا من حديث حرب بن سريج (¬1)، ولا رواه عنه إلا عمرو بن عاصم وهو بصري ثقة. قال أبوعبد الرحمن: الحديث في سنده حرب بن سريج، قال الحافظ الذهبي في "الميزان": وثقه ابن معين وليّنه غيره، وقال ابن حبان: يخطئ كثيرًا حتى خرج عن حدّ الاحتجاج إذا انفرد. وقال البخاري: روى عنه ابن المبارك وفيه نظر. -إلى أن قال:- قال ابن عدي: في حديثه غرائب وإفرادات وأرجو أنه لا بأس به. اهـ وقول البخاري: (فيه نظر) من أردى عبارات التجريح كما في "فتح ¬

(¬1) في الحلية: (شريح)، وهو تحريف، والصواب: (سريج) بالسين المهملة آخره جيم.

المغيث" (ج1 ص344)، فعلى هذا فالحديث ضعيف جدًا. وأما شيخ ابن خزيمة فيبحث عنه إن شاء الله، وهو في "الحلية" محمد بن أحمد بن يزيد وفي "النهاية" لابن كثير (ج2 ص199) بسند البزار: محمد ابن يزيد المداري، فلعله سقط اسم أبيه أو نسب إلى جده، والله أعلم. 68 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص178): ثنا يونس بن محمد ثنا حرب بن ميمون أبوالخطاب الأنصاري عن النضر بن أنس عن أنس قال حدّثني نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّي لقائم أنتظر أمّتي تعبر على الصّراط إذ جاءني عيسى فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمّد يشتكون -أو قال: يجتمعون- إليك ويدعون الله عزّ وجلّ أن يفرّق جمع الأمم إلى حيث يشاء الله لغمّ ما هم فيه، والخلق ملجمون في العرق وأمّا المؤمن فهو عليه كالزّكمة، وأمّا الكافر فيتغشّاه الموت، قال: قال: عيسى (¬1) انتظر حتّى أرجع إليك. قال: فذهب نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حتّى قام تحت العرش، فلقي ما لم يلق ملك مصطفًى ولا نبيّ مرسل فأوحى الله عزّ وجلّ إلى جبريل: اذهب إلى محمّد، فقل: له ارفعْ رأسك سلْ تعط، واشفعْ تشفّع. قال: فشفّعت في أمّتي (¬2) أن أخرج من كلّ تسعة وتسعين إنسانًا واحدًا. قال: فما زلت أتردّد على ربّي عزّ وجلّ فلا أقوم مقامًا إلاّ شفّعت، حتّى أعطاني الله عزّ وجلّ من ذلك أن قال: يا محمّد أدخل من أمّتك من خلق الله عزّ وجلّ من شهد أنّه لا إله إلاّ الله يومًا ¬

(¬1) في النهاية لابن كثير (ج2 ص191): ((قال: يا عيسى))، وهو الأقرب للسياق. (¬2) في التوحيد لابن خزيمة: ((إلى أن أخرج)).

واحدًا مخلصًا ومات على ذلك)). الحديث أخرجه ابن خزيمة ص (254)، وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص191): وقد حكم الترمذي بالحسن لهذا الإسناد. اهـ قال أبوعبد الرحمن: هو حديث حسن لأنّ حرب بن ميمون صدوق كما في "التقريب"، وبقية رجاله رجال الصحيح. 69 - قال مسلم رحمه الله (ج4 ص2301): حدثنا هارون بن معروف ومحمد بن عباد -وتقاربا في لفظ الحديث والسياق لهارون- قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار قبل أن يهلكوا، فكان أوّل من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، إلى أن قال ص (2303): ثمّ مضينا حتّى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده، إلى أن قال ص (2307): قال جابر فقمت فأخذت حجرًا فكسرته وحسرته فانذلق لي، فأتيت الشّجرتين فقطعت من كلّ واحدة منهما غصنًا ثمّ أقبلت أجرّهما حتّى قمت مقام رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، أرسلت غصنًا عن يميني وغصنًا عن يساري ثمّ لحقته، فقلت: قد فعلت يا رسول الله فعمّ ذاك؟ قال: ((إنّي مررت بقبرين يعذّبان فأحببت بشفاعتي أن يرفّه عنهما ما دام الغصنان رطبين)). هذا الحديث يصلح دليلاً على الشّفاعة لأهل الكبائر لو كان هو وحديث ابن عباس المتفق عليه قصة واحدة، إذ في حديث ابن عباس: ((إنّهما ليعذّبان في كبير، أمّا أحدهما فكان يمشي بالنّميمة، وأمّا الآخر فكان

لا يستتر من بوله))، لكن قال الحافظ في "الفتح" (ج1 ص319): وأما ما رواه مسلم في حديث جابر الطويل المذكور في أواخر الكتاب أنه الذي قطع الغصنين فهو في قصة أخرى غير هذه (يعني القصة التي ذكرت في حديث ابن عباس) فالمغايرة بينهما من أوجه، منها: أن هذه كانت في المدينة وكان معه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم جماعة، وقصة جابر كانت في السفر، وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده، ومنها: أن في هذه القصة أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلّم غرس الجريدة بعد أن شقها نصفين كما في الباب الذي بعد هذا من رواية الأعمش، وفي حديث جابر أنه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أمر جابرًا بقطع غصنين من شجرتين كان النّبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم استتر بهما عند قضاء حاجته، ثم أمر جابرًا فألقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم جالسًا، وأن جابرًا سأله عن ذلك فقال: ((إنّي مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أنْ يرفع (¬1) عنهما ما دام الغصنان رطبين))، ولم يذكر في قصة جابر أيضا السبب الذي كانا يعذبان به، ولا الترجي الآتي في قوله: ((لعله)) فبان تغاير حديث ابن عباس وحديث جابر، وأنّهما كانا في قصتين مختلفتين، ولا يبعد تعدد ذلك. اهـ 70 - قال الطبراني رحمه الله في "المعجم الصغير" (ج2 ص95 رقم1011): حدثنا محمد بن عون السيرافي بالبصرة حدثنا أبوالأشعث أحمد بن المقدام حدثنا أصرم بن حوشب حدثنا قرة بن خالد عن أبي جعفر محمد بن علي ¬

(¬1) تقدم: ((أنْ يرفّه عنهما)) من الترفيه.

ابن الحسين قال: قلت لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: حدثْنا شيئًا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم -فذكر الحديث وفيه- قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّكم بحبي، أترجون أنْ تدخلوا (¬1) الجنّة بشفاعتي، ولا يدخلها بنو عبد المطّلب)). لم يروه عن قرة إلا أصرم، تفرد به أبوالأشعث. الحديث أخرجه الحاكم (ج3 ص568)، وقال الذهبي في "التلخيص": أظنّه موضوعًا، فإسحاق متروك، وأصرم متهم بالكذب. اهـ وإسحاق هو شيخ أصرم عند الحاكم. وقال في ترجمة أصرم في الميزان: هالك، وقال يحيى: كذّاب خبيث. وقال البخاري ومسلم والنسائي: متروك. إلى آخر أقوال الأئمة فيه. وإنما ذكرت الحديث لأبيّن حاله. 71 - قال ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" (ج4 ص16): حدثنا أبي حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّ الله تبارك وتعالى خيّرني بين أنْ يغفر لنصف أمّتي وبين أن يجيب شفاعتي، فاخترت شفاعتي، ورجوت أن تكفّر الجمّ لأمّتي، ولولا الّذي سبقني إليه العبد الصّالح لتعجّلت فيها دعوتي، إنّ الله تعالى لمّا فرّج عن إسحاق كرب الذّبح، قيل له: يا إسحاق سلْ تعط. فقال: أما والّذي نفسي بيده لأتعجّلنّها قبل نزعات الشّيطان، ¬

(¬1) بالأصل: ((تدخلون))، والصواب ما أثبتناه كما في مستدرك الحاكم.

اللهم من مات لا يشرك بك شيئًا فاغفرْ له وأدخله الجنّة)). قال الحافظ ابن كثير: هذا حديث غريب منكر، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث، وأخشى أنْ يكون في الحديث زيادة مدرجة، وهي قوله: ((إنّ الله تعالى لمّا فرّج عن إسحاق .. إلى آخره))، والله أعلم. اهـ وهذا الحديث أيضًا كتبته لبيان ضعفه لا للاحتجاج به. 72 - قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج1 ص219): حدثنا أبومحمد بن حيان حدثنا محمد بن الحسن الصوفي ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا حمزة ابن زياد الطوسي ثنا ثويب أبوحامد -قال: سألت عنه بقية فقال: هذا مرابط منذ ستين سنة- عن خالد بن معدان عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((نعْم الرّجل أنا لشرار أمّتي)) فقالوا: فكيف أنت لخيارهم؟ قال: ((أمّا خيارهم فيدخلون الجنّة بصلاحهم، وأمّا شرارهم فيدخلون الجنّة بشفاعتي)). الحديث أعاده أبونعيم (ج10 ص219) سندًا ومتنًا، وأخرجه الطبراني في "الكبير" (ج8 ص115)، وقال الهيثمي (ج10 ص377): رواه الطبراني في "الكبير" وفيه جميع بن ثوب (¬1) الرجبي -وهو بفتح الجيم وكسر الميم على المشهور، وقيل بالتصغير- قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن عدي: رواياته تدل على أنّه ضعيف. وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ ¬

(¬1) في الحلية: (ثويب). وفي مجمع الزوائد وتاريخ البخاري (ج1 ص243)، والجرح والتعديل (ج2 ص550): (جميع بن ثوب)، ولعله الصواب.

والحديث بسند أبي نعيم فيه أيضًا حمزة بن زياد الطوسي، قال الذهبي: تركه أحمد وغيره، وقال ابن معين: ليس به بأس. قال مهنّأ: سألت أحمد عن حمزة الطوسي، فقال: لا يكتب عن الخبيث. اهـ المراد من "الميزان" وليس هو عند الطبراني من طريقه. 73 - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (289): حدثنا أبوحفص عمرو بن علي والعباس بن عبد العظيم العنبري وعمر بن حفص الشيباني وأبوالأزهر حوثرة ابن محمد قالوا: ثنا حماد بن سلمة قال: ثنا عمران العمي عن الحسن عن أنس بن مالك عن النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((ما زلت اشفع إلى ربّي ويشفّعني حتّى قلت: أي ربّي شفّعْني فيمن قال: لا إله إلاّ الله. فقال: يا محمّد هذه ليستْ لك ولا لأحد، وعزّتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النّار أحدًا قال: لا إله إلاّ الله)) هذا حديث عمرو بن علي، وقال عمر بن حفص: ((فقال إنّما ذلك لي، وعزّتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النّار عبدًا قال: لا إله إلاّ الله)) وقال أبوالأزهر عن عمران العمي: وقال: ((ولا لأحد، هي لي فلا يبقى في النّار أحد قال: لا إله إلاّ الله إلاّ خرج منها)). الحديث أخرجه البزار كما في "تفسير ابن كثير" (ج2 ص191)، وقال البزار: لا نعلمه يروى إلاّ بهذا الإسناد. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ورواه ابن أبي الدنيا عن أبي حفص الصيرفي (¬1) عن حماد بن مسعدة به. اهـ ورواه أبونعيم في "أخبار أصبهان" (ج1 ص234). والحديث ضعيف بهذا السند لأن في سنده عمران وهو ابن داور ولكنه ¬

(¬1) هو عمرو بن علي الفلاس الحافظ.

يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات. تنبيه: في "كتاب التوحيد": حماد بن سلمة. وفي "البزار" كما في "تفسير ابن كثير": عمرو بن مسعدة. وفي "تفسير ابن كثير" وعزاه لابن أبي الدنيا: حماد بن مسعدة، وكذا في "أخبار أصبهان"، والظاهر أنه حماد بن مسعدة. والله أعلم. 74 - في "زوائد الزهد لابن المبارك" ص (563): حدثنا الحسين (¬1) أخبرنا أبومعاوية أخبرنا موسى بن عبيدة عن ابن عبد الرحمن عن ابن عياش (¬2) الزرقي عن أنس بن مالك عن أم سلمة زوج النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أريت ما تعمل أمّتي بعدي، فأخّرت (¬3) لهم الشّفاعة إلى يوم القيامة)). الحديث في سنده موسى بن عبيدة وهو الربذي ضعيف جدًا، قال أحمد: لا يكتب حديثه. وأما ابن أبي عياش فهو النعمان بن أبي عياش الزرقي، وابن عبد الرحمن هو محمد بن عبد الرحمن أبوالأسود الملقب بيتيم عروة، والله أعلم. 75 - قال ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد" (ج1 ص123): حدثنا أبوعثمان سعيد بن سيد قال: حدثنا أبوعيسى يحيى بن عبيد الله بن أبي ¬

(¬1) القائل: (حدثنا الحسين) هو يحيى بن محمد بن صاعد الحافظ، وحسين هو ابن الحسن المروزي حافظ أيضًا. (¬2) كذا بالأصل، وصوابه: (ابن أبي عياش) كما في تهذيب التهذيب. (¬3) في التعليق: (الكلمة غير واضحة)، وفي مجمع الزوائد (ج10 ص371): ((فاخترت))، وكذا في كنْز العمال (ج14 ص402) لكن فيه: عن أنس عن سليم.

عيسى قال: حدثنا أبوعثمان سعيد بن فحلون (¬1) قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبيد البصري قال: حدثنا ابن أبي الشوارب القرشي الأموي قال: أخبرنا عبد القاهر بن السري السلمي قال: حدثنا ابن لكنانة (¬2) بن عباس بن مرداس السلمي عن أبيه عن جده أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم دعا لأمّته عشية عرفة بالمغفرة فأجابه الله: إنّي قد فعلت، إلاّ ظلم بعضهم بعضًا. فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدّعاء فقال: ((يا ربّ إنّك قادر أنْ تثيب المظلوم خيرًا من مظلمته، وتعفو عن الظّالم)) فأجابه: إنّي قد فعلْت، ثم التفت إلينا رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم متبسمًا، فقلنا: يا رسول الله ما الّذي أضحكك؟ قال: ((إنّ إبليس عدوّ الله لمّا علم أنّ الله عزّ وجلّ قد شفّعني في أمّتي، أهوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التّراب على رأسه)). الحديث أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (ج2 ص214) وقال ص (216): قال ابن حبان: كان (¬3) منكرًا فلا أدري التخليط منه أو من ابنه، ومن أيّهما كان فقد سقط الاحتجاج به. اهـ وقال الحافظ الذهبي في "الميزان": عبد الله بن كنانة بن العباس بن مرداس الأسلمي (¬4) عن أبيه عن جده في الدّعاء عشية عرفة لأمته، وعنه عبد القاهر ابن السري فقط، قال البخاري: لم يصحّ حديثه. اهـ ¬

(¬1) ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي ص (168). (¬2) التمهيد، وصوابه: (ابن كنانة) كما في الميزان وغيره. (¬3) الذي في القول المسدد ص (50): أن ابن الجوزي نقل عن ابن حبان أنه قال: إن كنانة منكر الحديث. (¬4) كذا في الميزان وفي نسخة: (السلمي). وهو الصواب كما في ترجمته من التقريب.

وحكم الحافظ في "التقريب" على عبد الله بن كنانة وأبيه أنّهما مجهولان. 76 - قال ابن عدي في "الكامل" (ج5 ص1801): حدثنا محمد بن أحمد ابن هارون ثنا أحمد بن الهيثم ثنا أبوقتادة عمرو بن مخرّم ثنا ابن عيينة عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يا أمّ سلمة اعملي ولا تتكلي فإنّ شفاعتي للهالكين من أمّتي)). ثم أخرجه أيضًا من طريق أبي عروبة ثنا أبورفاعة ثنا أيوب بن سليمان بوادي القرى ثنا محمد بن دينار عن يونس عن الحسن به. وقال: وهذا الإسناد عن ابن عيينة عن يونس بن عبيد باطل لا يرويه إلا عمرو بن المخرم هذا، وهذا الإسناد الثاني أيضًا وبهذا الحديث غير محفوظ أيضًا. اهـ من ترجمة (عمرو بن المخرم). والحديث ذكره الذهبي في "الميزان" في ترجمته. قال أبوعبد الرحمن: وقال ابن عدي في "الكامل" عند ترجمة (عمرو بن المخرم): روى عن ابن عيينة وغيره بواطيل يكنى أبا قتادة. اهـ

خاتمة الفصل

خاتمة الفصل قد يقدح بعض المتعصبة من ذوي الأهواء في هذه الأحاديث، ولو رجعوا إلى كتب أئمتهم لوجدوا فيها ما يؤيد ما في كتب السنة، ففي "أمالي أبي طالب" ص (443) وهو من أئمة الشيعة المبتدعة حديث أنس بسنده: ((لكلّ نبيّ دعوة وإنّي اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة)). وفيها أيضًا من حديث ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((ما من عبد مؤمن يسأل الله لي الوسيلة في الدّنيا إلاّ كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة)) في سنده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف. وفيها أيضًا من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من قال حين يسمع النّداء: اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامة والصّلاة القائمة، آت محمّدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الّذي وعدته، حلّت له الشّفاعة)). فهذه الأحاديث بعمومها تشمل أهل الكبائر وغيرهم من المسلمين، وأما حديث: ((ليستْ شفاعتي لأهل الكبائرمن أمّتي)) الذي في "العقد الثمين"، ويلقن به أبناء الشيعة العقيدة المعتزلية، فهو حديث موضوع باطل، وفي "أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب" ص (122): أنه من أكاذيب المعتزلة.

فصل في شفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأناس قد أمر بهم إلى النار

فصل في شفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأناس قد أمر بهم إلى النار 77 - قال الحافظ أبوبكر بن أبي الدنيا في "كتاب الأهوال" كما في "النهاية" لابن كثير (ج2 ص181): وثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة حدثني محمد ابن سلمة عن أبي عبد الرحيم (¬1) حدثني زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة وذكر حديثًا عن أبي هريرة، ثم قال زيد بن أبي أنيسة كما في ص (182): ثم قال المنهال: حدثني عبد الله بن الحارث أيضًا أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((أمرّ بقوم من أمّتي قد أمر بهم إلى النّار، قال: فيقولون: يا محمّد ننشدك الشّفاعة، قال: فآمر الملائكة أن يقفوا بهم، قال: فأنطلق وأستاذن على الربّ عزّ وجلّ فيأذن لي فأسجد وأقول: يا ربّ قوم من أمّتي قد أمر بهم إلى النّار. قال: فيقول لي: انطلقْ فأخرجْ منهم. قال: فأنطلق وأخرج منهم من شاء الله أن أخرج، ثمّ ينادي الباقون: يا محمّد ننشدك الشّفاعة فأرجع إلى الرّبّ فأستأذن. فيؤذن لي فأسجد، فيقال لي: ارفع رأسك وسلْ تعطه واشفعْ تشفّعْ. فأثني على الله بثناء لم يثن عليه أحد، أقول: ثمّ قوم من أمّتي قد أمر بهم إلى النّار. فيقول: انطلق فأخرجْ منهم. قال: فأقول: يا ربّ أخرج ¬

(¬1) خالد بن أبي يزيد الحراني كما في التقريب.

منهم من قال: لا إله إلاّ الله، ومن كان في قلبه حبّة من إيمان؟ قال: فيقول: يا محمّد ليستْ تلك لك، تلك لي. قال: فأنطلق وأخرج من شاء الله أن أخرج، قال: ويبقى قوم فيدخلون النّار فيعيّرهم أهل النّار، فيقولون: أنتم كنتم تعبدون الله ولا تشركون به أدخلكم النّار، قال: فيحزنون لذلك، قال: فيبعث الله ملكًا بكفّ من ماء فينضح بها في النّار، ويغبطهم أهل النّار، ثمّ يخرجون ويدخلون الجنّة فيقال: انطلقوا فتضيّفوا النّاس. فلو أنّهم جميعهم نزلوا برجل واحد كان لهم عنده سعة ويسمّون المحرّرين)). قال الحافظ ابن كثير: وهذا يقتضي تعداد هذه الشفاعة فيمن أمر بهم إلى النّار ثلاث مرات ألاّ يدخلوها، ويكون معنى قوله: ((أخرجْ)) أي أنقذ، بدليل قوله بعد ذلك: ((ويبقى قوم فيدخلون النّار))، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. اهـ الحديث رجاله رجال الصحيح إلا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة وقد وثّقه الدارقطني، وقال الجعابي: يحدث عن ابن سلمة بعجائب. كما في "التهذيب" و"الميزان"، ويخشى أيضًا من إرساله، فيحتمل أن يكون عبد الله ابن الحارث سمعه من أبي هريرة، ويحتمل أن يكون أرسله، والله أعلم. 78 - قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج4 ص108): حدثنا محمد بن المظفر بن موسى الحافظ ثنا أبوحفص أحمد بن محمد بن عمر بن حفص الأوصابي ثنا أبي ثنا ابن حمير ثنا الثوري ثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: {ليوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} قال: ((أجورهم: يدخلهم الجنّة، ويزيدهم من فضله: الشّفاعة لمن وجبتْ له النّار ممن صنع إليهم المعروف في الدّنيا)).

غريب من حديث الأعمش، عزيز عجيب من حديث الثوري، تفرد به إسماعيل بن عبيد الكندي عن الأعمش، وعن إسماعيل بقية بن الوليد وحديث الثوري لم نكتبه إلاّ عن هذا الشيخ. أما رجال الإسناد: فمحمد بن المظفر: حافظ كما وصفه أبونعيم، وله ترجمة في "تذكرة الحفاظ" (ج2 ص980)، وفي "تاريخ بغداد" (ج3 ص262). وأحمد بن محمد: لم أقفْ على ترجمته، وقوله: ثنا أبي، الظاهر أنه يعني جده، فقد ذكر الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمة عمر بن حفص أنه روى عن محمد بن حمير. وعمر: مستور الحال يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات. وبقية رجال الإسناد من محمد بن حمير إلى عبد الله وهو ابن مسعود رضي الله عنه رجال الصحيح. وسيأتي قول الحافظ ابن كثير رحمه الله: وهذا إسناد لا يثبت. وسيأتي هذا الحديث برقم (212).

فصل في شفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأناس يدخلون الجنة بغير حساب

فصل في شفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأناس يدخلون الجنة بغير حساب 79 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص6): ثنا هاشم بن القاسم قال: ثنا المسعودي قال: ثني بكير بن الأخنس عن رجل عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أعطيت سبعين ألفًا يدخلون الجنّة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر وقلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربّي عزّ وجلّ فزادني مع كلّ واحد سبعين ألفًا)) قال أبوبكر رضي الله عنه: فرأيت أنّ ذلك آت على أهل القرى ومصيب من حافّات البوادي. الحديث ضعيف لأن في سنده مبهمًا. والمسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله مختلط، وسماع أبي النضر هاشم بن القاسم منه بعد ما اختلط كما في "تهذيب التهذيب" (¬1). 80 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص197): ثنا عبد الله بن بكر السهمي ثنا هشام بن حسان عن القاسم بن مهران عن موسى بن عبيد عن ميمون ابن مهران عن عبد الرحمن بن أبي بكر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى ¬

(¬1) الضابط في ذلك أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، أما هو نفسه فحسن الحديث، ومن سمع من بالكوفة والبصرة فسماعه جيد، فأبوالنضر وعاصم سمعا منه بعد الاختلاط، وأحاديثه عن الأعمش مقلوبة، وكان أعلم الناس بعلم ابن مسعود رضي الله عنه.

آله وسلّم قال: ((إنّ ربّي أعطاني سبعين ألفًا من أمّتي يدخلون الجنّة بغير حساب)) فقال عمر: يا رسول الله فهلاّ استزدته. قال: ((قد استزدته فأعطاني مع كلّ رجل سبعين ألفًا)) قال عمر: فهلاّ استزدته. قال: ((قد استزدته فأعطاني هكذا)) وفرّج عبد الله بن بكر بين يديه، وقال عبد الله: وبسط باعيه وحثا عبد الله، وقال هشام: وهذا من الله لا يدرى ما عدده. الحديث في سنده موسى بن عبيد وهو مجهول الحال يصلح في الشواهد والمتابعات، وبقية رجاله رجال الصحيح. 81 - قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص540): حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد الألهاني قال: سمعت أبا أمامة يقول: سمعْت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((وعدني ربّي أنْ يدخل الجنّة من أمّتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كلّ ألف سبعون ألفًا وثلاث حثيات من حثياته)). هذا حديث حسن غريب. الحديث أخرجه ابن ماجه (ج2 ص1433)، وأحمد (ج5 ص268)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص (329). وهو حديث حسن كما قال الترمذي لأن شيخ إسماعيل بن عياش حمصي، ورواية إسماعيل عن أهل الشام مقبولة. وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج1 ص394): وهذا إسناد جيد. وقال الحافظ ابن القيم في "حادي الأرواح" ص (100): وإسماعيل بن عياش إنما يخاف من تدليسه وضعفه، فأما تدليسه فقد قال الطبراني حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي والحسين بن إسحاق التسْتري قالا: حدثنا هشام

ابن عمار قال: حدثنا إسماعيل بن عياش قال: أخبرني محمد بن زياد الألهاني قال: سمعت أبا أمامة فذكره. وأما ضعفه فإنما هو في غير حديث الشاميين، وهذا من روايته عن الشاميين، وأيضًا فقد جاء من غير طريقه، ثم ذكره من طريق أبي اليمان الهوزني الآتي: - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص250): ثنا عصام بن خالد حدثني صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر الخبائري (¬1) وأبي اليمان الهوزني عن أبي أمامة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ الله عزّ وجلّ وعدني أن يدخل من أمّتي الجنّة سبعين ألفًا بغير حساب)) فقال يزيد بن الأخنس السّلميّ: والله ما أولئك في أمّتك إلاّ كالذباب الأصهب في الذّبّان. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((كان ربّي عزّ وجلّ قد وعدني سبعين ألفًا مع كلّ ألف سبعون ألفًا، وزادني ثلاث حثيات)) قال: فما سعة حوضك يا نبيّ الله؟ قال: ((كما بين عدن إلى عمان وأوسع وأوسع -يشير بيده- قال: فيه مثعبان (¬2) من ذهب وفضّة)) قال: فما حوضك يا نبيّ الله؟ قال: ((أشدّ بياضًا من اللّبن وأحلى مذاقةً من العسل وأطيب رائحةً من المسك، من شرب منه لم يظمأ بعدها ولم يسودّ وجهه أبدًا)). قال عبد الله: وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده وقد ضرب ¬

(¬1) في الأصل: (الخبائزي)، والصواب ما أثبتناه، نسبة إلى (الخبائر)، وهو بطن من (الكلاع) كما في التعليق على الخلاصة. (¬2) ثعبْت الماء: فجرّته. والثّعْب: سبيل الماء في الوادي وجمعه ثعبان.

عليه، فظننت أنه قد ضرب عليه لأنه خطأ، إنما هو عن زيد عن أبي سلام عن أبي أمامة. قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره": وهذا أيضًا إسناد حسن. وقال الحافظ الهيثمي (ج10 ص363): رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد وبعض أسانيد الطبراني رجال الصحيح. فائدة: أبواليمان الهوزني، لم يذكر الحافظ في "تعجيل المنفعة" راويًا عنه سوى صفوان بن عمرو، وقال الحافظ الذهبي في "الميزان": عامر بن عبد الله ابن يحيي أبواليمان الهوزني عن أبي أمامة، ما علمت له راويًا سوى صفوان ابن عمرو، وثقه ابن حبان. اهـ أقول: وقاعدة ابن حبان معروفة أنه يوثق المجهولين كما ذكره الحافظ في مقدمة "لسان الميزان"، والحافظ ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي" ص (84 - 85)، وذكر أمثلة لمن يوثقه ابن حبان ثم يقول: لا أدري من هو. ولا تضر الحديث جهالة أبي اليمان لأنه مقرون ومتابع كما في "مسند أحمد". وأخرجه الطبراني في "الكبير" (ج8 ص181) فقال: حدثنا بكر بن سهل ثنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وذكر الحديث. 82 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص16): ثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء ابن يسار عن رفاعة الجهني قال: أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حتّى إذا كنّا بالكديد -أو قال: بقديد- فجعل رجال منّا يستأذنون إلى أهليهم فيأذن لهم، فقام رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله

وسلّم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: ((ما بال رجال يكون شقّ الشّجرة الّتي تلي رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أبغض إليهم من الشّقّ الآخر فلم نر عند ذلك من القوم إلاّ باكيًا)) فقال رجل (¬1): إنّ الّذي يستأذنك بعد هذا لسفيه. فحمد الله وقال حينئذ: ((أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله صدقًا من قلبه، ثمّ يسدّد إلاّ سلك في الجنّة)). قال: ((وقد وعدني ربّي عزّ وجلّ أن يدخل من أمّتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب، وإنّي لأرجو أن لا يدخلوها حتّى تبوّءوا أنتم ومن صلح من آبائكم وأزواجكم وذرّيّاتكم مساكن في الجنّة)). وقال: ((إذا مضى نصف اللّيل -أو قال: ثلثا اللّيل- ينْزل (¬2) الله عزّ وجلّ إلى السّماء الدّنيا فيقول: لا أسأل عن عبادي أحدًا غيري، من ذا يستغفرني فأغفر له؟ من الّذي يدعوني أستجيب له؟ من ذا الّذي يسألني أعطيه؟ حتّى ينفجر الصّبح)). الحديث أخرجه الطيالسي (ج1 ص27) من "ترتيب المسند"، وابن خزيمة ص (132)، وابن المبارك في "الزهد" ص (548)، ويعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج1 ص318)، وابن حبان (ج1 ص253) من "ترتيب الصحيح"، والطبراني في "الكبير" (ج5 ص43). والحديث على شرط الشيخين، ويحيى بن أبي كثير وإن كان مدلسًا فقد صرّح بالتحديث عند أحمد في بعض الطرق، وعند ابن خزيمة، ويعقوب الفسوي، وهذا الحديث من الأحاديث التي ألزم الدارقطنيّ البخاريّ ومسلمًا ¬

(¬1) الرجل هو أبوبكر كما في مسند أحمد من طريق أخرى إلى يحيى بن أبي كثير. (¬2) نؤمن بأن الله ينْزل نزولاً يليق بجلاله بلا تمثيل ولا تعطيل.

أن يخرجاها. وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص108): قال الحافظ الضياء: هذا عندي على شرط الصحيح. 83 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص359): حدثنا يحيى بن أبي بكير ثنا زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه قال: ((سألت ربّي عزّ وجلّ فوعدني أن يدخل من أمّتي سبعين ألفًا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كلّ ألف سبعين ألفًا، فقلت: أي ربّ إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمّتي. قال: إذن أكملهم لك من الأعراب)). الحديث رجاله رجال الصحيح، وفي زهير بن محمد كلام إذا روى عنه أهل الشام، ويحيى بن أبي بكير كوفي ليس بشامي. وقد رمز السيوطي في "الجامع الصغير" لحسنه، وقال المناوي: قال ابن حجر: سنده جيد. - قال الآجري رحمه الله في "الشريعة" ص (343): أخبرنا أبوجعفر محمد بن صالح بن ذريح قال: حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبومعاوية عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((سألت الله عزّ وجلّ الشّفاعة لأمّتي، فقال: لك سبعون ألفًا يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب. قال: قلت: ربّ زدني. قال: فحثا (¬1) بين يديه وعن ¬

(¬1) في الأصل: ((فجثى)). والمناسب للسياق وللروايات الأخرى: ((فحثا))، فهو بالجيم تصحيف.

يمينه وعن شماله)) فقال أبوبكر رضي الله عنه: حسبنا يا رسول الله. فقال عمر رضي الله عنه: يا أبا بكر دعْ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يكثر لنا كما أكثر الله عزّ وجلّ. فقال أبوبكر: إنّما نحن حفنة من حفنات الله عزّ وجلّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((صدق أبوبكر)). الحديث في سنده إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وقد قال البخاري: تركوه. ونهى أحمد عن حديثه، وقال الجوزجاني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا تحلّ الرواية عندي عن إسحاق بن أبي فروة. وقال أبوزرعة وغيره: متروك. اهـ من "الميزان". فالحديث بهذا السند ضعيف جدًا. 84 - قال الطبراني رحمه الله في "المعجم الكبير" (ج2 ص87 رقم1413): حدثنا عمرو بن إسحاق بن زبريق الحمصي ثنا محمد بن إسماعيل الحمصي حدثني أبي عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إنّ ربّي عزّ وجلّ وعدني من أمّتي سبعين ألفًا لا يحاسبون مع كلّ ألف سبعون (¬1) ألفًا)). الحديث في سنده محمد بن إسماعيل بن عيّاش وقد قال الحافظ في "التقريب": عابوا عليه أنّه حدث عن أبيه بغير سماع، وعمرو بن إسحاق بن ¬

(¬1) في الأصل: ((سبعين))، والظاهر: ((سبعون)) لأنّها مبتدأ، وهي ((سبعون)) في تفسير ابن كثير (ج1 ص392)، ومسند أحمد (ج5 ص281)، ومجمع الزوائد (ج10 ص407). وأما في الأسماء والصفات للبيهقي ص (329) فهي ((سبعين)) فيكون نصبها على المفعولية، والله أعلم.

زبريق لم أطلع على ترجمته بعد البحث في المصادر لديّ ولكن لا يضر الحديث محمد بن إسماعيل، وجهالتي لعمرو بن إسحاق لأنّه قد رواه أحمد (ج5 ص280) من طريق أبي اليمان ثنا إسماعيل بن عياش به، إلا أنه لم يذكر فيه شيخ شريح وهو أبوأسماء، وقد قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج1 ص392): لعل ذكر أبي أسماء هو المحفوظ، والله أعلم. اهـ والحديث لم يتكلم عليه الهيثمي في "المجمع" (ج10 ص407) بشيء ولم يزد على أن عزاه لأحمد والطبراني. 85 - قال الإمام أحمد بن عبد الله أبونعيم الأصبهاني رحمه الله تعالى في "الحلية" (ج2 ص344): حدثنا محمد بن أحمد بن مخلد قال: ثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي (¬1) قال: ثنا سليمان بن حرب قال: ثنا أبوهلال عن قتادة عن أنس عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((وعدني ربّي عزّ وجلّ أن يدخل من أمّتي الجنّة مائة ألف)) فقال أبوبكر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله زدْنا. قال: ((وهكذا)) -وأشار سليمان بن حرب بيده كذلك- قال: يا رسول الله زدْنا. فقال عمر: إنّ الله عزّ وجلّ قادر أنْ يدخل النّاس الجنّة بحفنة واحدة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((صدق عمر)). هذا حديث غريب من حديث قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه، تفرد به أبوهلال، واسمه محمد بن سليم الراسبي ثقة (¬2) بصري. ¬

(¬1) في الأصل: (البلوي). والصواب: (البلدي)، كما في الميزان واللسان. (¬2) قال الحافظ في التقريب: صدوق فيه لين.

أما رجال الإسناد: فشيخ أبي نعيم الظاهر أنّه وقع فيه تصحيف، وأنه محمد بن أحمد بن مخزوم، فقد ذكروا من شيوخه إبراهيم بن الهيثم، وقد ضعّف، وقيل: كان يكذب، كما في "الميزان". وإبراهيم بن الهيثم: ثقة تكلم فيه بكلام غير مؤثر كما في "الميزان" و"اللسان". وبقية رجال السند من رجال "التقريب". ثم وجدت الحديث في "مسند أحمد" (ج3 ص193) من حديث بهز وهو ابن أسد عن أبي هلال عن قتادة عن أنس، فالحديث حسن لغيره، والحمد لله. - قال الإمام أبوبكر أحمد بن الحسين البيهقي في "الأسماء والصفات" ص (329): أخبرنا أبوالحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّ الله عزّ وجلّ وعدني أنْ يدخل الجنّة من أمّتي أربعمائة ألف)) فقال أبوبكر: زدْنا يا رسول الله. قال: ((وهكذا -وجمع يديه-)) قال: زدنا يا رسول الله. قال: ((وهكذا)) فقال عمر رضي الله عنه: حسبك. فقال أبوبكر رضي الله عنه: دعْني يا عمر وما عليك أنْ يدخلنا الجنّة كلّنا؟ فقال عمر رضي الله عنه: إن شاء أدخل خلقه الجنّة بكف واحدة. فقال صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((صدق عمر)). ورواه خلف بن هشام عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أو عن النضر بن أنس عن أنس رضي الله عنه بالشك، أخبرناه أبوعبد الله

الحافظ ثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق ثنا خلف ثنا عبد الرزاق فذكره. ورواه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة، مرّةً عن أبي بكر بن عمير عن أبيه ومرةً عن أبي بكر بن أنس عن أبي بكر بن عمير عن أبي عمير وقال: فقال عمر رضي الله عنه: إنّ الله تبارك وتعالى إن شاء أدخل النّاس الجنّة جملةً واحدةً. وقال في ابتدائه فقال: عمير، بدل: أبي بكر. الحديث قال الحافظ ابن كثير (ج1 ص394): قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس، وذكر الحديث، ثم قال: هذا الحديث بهذا الإسناد تفرد به عبد الرزاق. قلت: وهو على شرط الشيخين. وقد أخرجه أحمد في "مسنده" (ج3 ص165) بهذا السند، وفيه الشك كما في حديث خلف عند البيهقي، أهو عن معمر عن قتادة عن أنس -أو عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس- ولا يضر هذا الاختلاف لأن قتادة قد سمع من أنس، وإن كان مدلّسًا فالحديث في الشواهد والمتابعات. وأما رواية معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة فسيأتي الكلام عليها إن شاء الله. 86 - قال الطبراني رحمه الله في الكبير (ج17 ص64): حدثنا محمد بن صالح ابن الوليد النرسي ومحمد بن يحيى بن مندة الأصبهاني قالا: ثنا أبوحفص بن علي (¬1) ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي بكر بن عمير عن أبيه عن النّبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ الله تعالى وعدني أنّ ¬

(¬1) في النهاية: (عمر بن علي)، والصواب: (عمرو بن علي) وهو الحافظ الشهير بالفلاس.

يدخل من أمّتي ثلاثمائة ألف الجنّة)) فقال عمير: يا نبيّ الله زدْنا. فقال عمر: حسبك يا عمير. فقال: ما لنا ولك يا ابن الخطّاب، وما عليك أن يدخلنا الله الجنّة؟ فقال عمر: إنّ الله جلّ وعزّ إنْ شاء أدخل النّاس الجنّة بحفنة أو بحثية واحدة. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((صدق عمر)). الحديث ضعيف لأن في سنده أبا بكر بن عمير، قال الحافظ في "الإصابة" (ج3 ص38): لا أعرف من وثّقه. قال أبوعبد الرحمن: وقد ذكره البخاريّ في "التاريخ الكبير" في (الكنى) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، ولم يذكرا راويًا عنه سوى أبي بكر بن أنس، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً فهو مجهول العين، ثم إن الحافظ في "الإصابة" ذكر أن معمرًا قد خالف هشام بن أبي عبد الله الدستوائي فرواه معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس كما في "الإصابة"، وأيضًا معاذ ابن هشام كان لا يذكر في أول أمره أبا بكر بن أنس، وفي آخر أمره كان يزيده. اهـ مختصرًا من "الإصابة" بتصرف. والحاصل أن هذا الحديث ضعيف لجهالة أبي بكر بن عمير، والله أعلم.

فصل في شفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رفع درجات بعض من يدخل الجنة فوق ما كان يقتضيه عمله

فصل في شفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رفع درجات بعض من يدخل الجنة فوق ما كان يقتضيه عمله 87 - قال البخاري رحمه الله (ج8 ص41): حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبوأسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: لمّا فرغ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصّمّة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه، قال أبوموسى: وبعثني مع أبي عامر فرمي أبوعامر في ركبته رماه جشميّ بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه فقلت: يا عمّ من رماك. فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الّذي رماني. فقصدت له فلحقته فلمّا رآني ولّى فاتّبعته وجعلت أقول له: ألا تستحيي ألا تثبت. فكفّ فاختلفنا ضربتين بالسّيف فقتلته، ثمّ قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك. قال: فانزعْ هذا السّهم. فنزعته فنزا (¬1) منه الماء قال: يا ابن أخي أقرئ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم السّلام وقل له: استغفر لي. واستخلفني أبوعامر على النّاس فمكث يسيرًا ثمّ مات، فرجعت فدخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في بيته على سرير مرمّل (¬2)، وعليه فراش قد أثّر رمال ¬

(¬1) منه الماء: أي انصب من موضع السهم، كما في الفتح. (¬2) -براء مهملة ثم ميم مثقلة-: أي معمول بالرمال، وهي حبال الحصر التي تضفر بها= =الأسرة، كما في الفتح.

السّرير بظهره وجنبه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقال: قل له: استغفر لي. فدعا بماء فتوضّأ ثمّ رفع يديه فقال: ((اللهمّ اغفر لعبيد أبي عامر)) ورأيت بياض إبطيه ثمّ قال: ((اللهمّ اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من النّاس)) فقلت: ولي فاستغفر. فقال: ((اللهمّ اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريمًا)) قال أبوبردة: إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبي موسى. الحديث أخرجه مسلم. 88 - قال مسلم رحمه الله (ج2 ص634): حدثني زهير بن حرب حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبوإسحاق الفزاري (¬1) عن خالد الحذّاء عن أبي قلابة عن قبيصة بن ذؤيب عن أم سلمة قالت: دخل رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم على أبي سلمة وقد شقّ بصره فأغمضه ثمّ قال: ((إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر)) فضجّ ناس من أهله فقال: ((لا تدعوا على أنفسكم إلاّ بخير فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون)) ثمّ قال: ((اللهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديّين، واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه)). الحديث أخرجه أحمد (ج6 ص297). ¬

(¬1) الفزاري: هو إبراهيم بن محمد بن الحارث، وأبوقلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي.

فصل في شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمه أبي طالب في تخفيف العذاب عنه

فصل في شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمه أبي طالب في تخفيف العذاب عنه 89 - قال البخاري رحمه الله (ج7 ص193): حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثنا عبد الملك حدثنا عبد الله بن الحارث حدثنا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال للنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ما أغنيت عن عمّك فإنّه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: ((هو في ضحضاح (¬1) من نار، ولولا أنا لكان في الدّرك الأسفل من النّار)). الحديث أخرجه البخاري (ج10 ص592) و (ج11 ص419)، ومسلم (ج1 ص194 - 195)، وأحمد (ج1 ص206، 207، 210). 90 - قال البخاري رحمه الله (ج7 ص193): حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وذكر عنده عمّه فقال: ((لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النّار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه)). الحديث أخرجه البخاري أيضًا (ج11 ص417)، ومسلم (ج1 ص195)، وأحمد (ج3 ص8 - 9). ¬

(¬1): اليسير، القليل.

هذان الحديثان يدلان على أنّ أبا طالب مات كافرًا، إذ لو كان مسلمًا لخرج من النّار مع الموحدين كما تواترت الأحاديث بخروج الموحدين من النار، وسيأتي إن شاء الله بعض الأحاديث في ذلك. ويؤيد دلالة هذين الحديثين على عدم إسلام أبي طالب ما رواه البخاري في "صحيحه" (ج3 ص465) -طبعة حلبية مع "الفتح"- فقال البخاري رحمه الله: حدثنا إسحاق أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنّه أخبره أنّه لمّا حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أميّة بن المغيرة، قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لأبي طالب: ((يا عمّ قل: لا إله إلاّ الله كلمةً أشهد لك بها عند الله)) فقال أبوجهل وعبد الله بن أبي أميّة: يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطّلب. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتّى قال أبوطالب آخر ما كلّمهم: هو على ملّة عبد المطّلب. وأبى أن يقول: لا إله إلاّ الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك)) فأنزل الله تعالى فيه: {ما كان للنّبيّ} الآية. الحديث أخرجه في مواضع في "صحيحه" منها (ج8 ص194) وفيه: فنزلتْ: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أنْ يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}، ونزلت: {إنّك لا تهدي من أحببْت}، و (ج9 ص411) و (ج10 ص124)، وأخرجه مسلم (ج1 ص214)، والنسائي (ج4 ص74)، وأحمد (ج5 ص433)، وابن

جرير (ج11 ص41). وما أخرجه مسلم في "صحيحه" (ج1 ص216) مع النووي، فقال رحمه الله: حدثنا محمد بن عباد وابن أبي عمر قالا: حدثنا مروان عن يزيد وهو ابن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لعمّه عند الموت: ((قل لا إله إلاّ الله أشهد لك بها يوم القيامة)) فأبى فأنزل الله {إنّك لا تهدي من أحببت} الآية. وأخرجه من طريق آخر ينتهي إلى يزيد بن كيسان، وفيه قال: لولا أنْ تعيرني قريش يقولون: إنّما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك، فأنزل الله الآية. الحديث أخرجه الترمذي (ج4 ص159) مع "التحفة" طبعة هندية، وأحمد (ج2 ص441)، وابن جرير (ج20 ص91)، والبيهقي في "شعب الإيمان" ص (54)، وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن كيسان. وما أخرجه أبوداود في "سننه" (ج3 ص547) فقال رحمه الله: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني أبوإسحاق عن ناجية بن كعب عن علي عليه السّلام قال: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: إنّ عمّك الشّيخ الضّالّ قد مات. قال: ((اذهب فوار أباك ثمّ لا تحدثنّ شيئًا حتّى تأتيني)) فذهبت فواريته وجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي. الحديث أخرجه النسائي (ج1 ص92) و (ج4 ص65)، وابن أبي شيبة (ج3 ص269)، وابن الجارود ص (192)، وأحمد (ج1 ص97)، والبيهقي (ج3 ص398). وفيه عند النسائي (ج1 ص92)، وأحمد (ج1 ص97)

وابن الجارود: أنّه مات مشركًا. الحديث رجاله رجال الصحيح إلا ناجية بن كعب، وقد قال الحافظ الذهبي في "الميزان": توقف ابن حبّان في توثيقه وقوّاه غيره، وذكره يحيى ابن معين فقال: صالح الحديث، وقال ابن المديني: لا أعلم أحدًا حدّث عن ناجية بن كعب سوى ابن (¬1) إسحاق. قال الذهبي رحمه الله متعقبًا كلام ابن المديني: قلت: بلى، وولده يونس ابن أبي إسحاق. وقال الجوزجاني في "الضعفاء": مذموم. وقال أبوحاتم: شيخ. اهـ قال أبوعبد الرحمن: الظاهر أن حديثه لا ينْزل عن الحسن، وأما الحافظ إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني فهو شديد التحامل على أصحاب علي رضي الله عنه. وللحديث طريق آخر يرتقي به إلى الصحة. قال الإمام أحمد رحمه الله (ج1 ص103): ثنا إبراهيم بن أبي العباس ثنا الحسن بن يزيد الأصم قال: سمعت السّدي إسماعيل يذكره عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه، وذكر الحديث. وقال عبد الله بن أحمد رحمه الله في "زوائد المسند" (ج1 ص129): ثنا زكريا بن يحيى زحمويه وثنا محمد بن بكار، وثنا إسماعيل أبومعمر وسريج ابن يونس قالوا: ثنا الحسن بن يزيد (¬2) الأصم به. ¬

(¬1) الصواب: (أبوإسحاق)، كما في مسند أحمد (ج1 ص97). (¬2) في المسند في هذا الموضع: (ابن زيد)، والصواب: (ابن يزيد) كما تقدم وكما في= = تهذيب التهذيب.

وقال البخاري رحمه الله (ج3 ص450): حدثنا أصبغ قال: أخبرني ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنّه قال: يا رسول الله أين (¬1) تنْزل في دارك بمكّة؟ فقال: ((وهل ترك عقيل من رباع أو دور؟)) وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرثه جعفر ولا عليّ رضي الله عنهما شيئًا لأنّهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين. الحديث أخرجه مسلم (ج2 ص984). وجه الاستدلال بهذا الحديث أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم)) أخرجه الستة من حديث أسامة بن زيد، فعليّ وجعفر لكونهما مسلمين لم يرثا أبا طالب لأنه مات كافرًا، ولا يرث المسلم الكافر، والله أعلم. وإن كنت تريد المزيد من الردود على شبهات الشيعة حول إسلام أبي طالب، فراجع "الإصابة" (ج4 ص115)، و"المواهب في الرد على من يقول بإسلام أبي طالب" لأخينا الفاضل الشيخ أبي عبد الله قاسم التعزي فإنه أجاد وأفاد حفظه الله. 91 - قال الإمام الخطيب في "التاريخ" (ج3 ص380): أنبأنا أبونعيم حدثنا محمد بن فارس قال حدثني خطاب بن عبد الدائم الأرسوفي بها حدثنا يحيى ابن المبارك عن شريك عن منصور عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال: ¬

(¬1) حذف أداة الاستفهام، والتقدير: أتنْزل في دارك؟، كما في صحيح مسلم.

سمعت النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((شفّعت في هؤلاء النّفر: في أبي وعمّي أبي طالب وأخي من الرّضاعة -يعني ابن السّعدية- ليكونوا من بعد البعث هباءً)). ثم ذكر أنه باطل بهذا الإسناد. خطّاب: هو ابن عبد الدائم وهو ضعيف يعرف برواية المناكير عن يحيى ابن المبارك الشامي الصنعاني وهو مجهول. ثم قال: وقال فيه: عن منصور عن ليث ومنصور بن المعتمر لا يروي عن ليث بن أبي سليم (¬1). اهـ وفيه أيضًا محمد بن فارس رافضي غال ضعيف الحديث. فالحديث ضعيف وهو موافق لبدعته أيضًا. ¬

(¬1) قال أبوعبد الرحمن: ذكر هذا في ترجمة محمد بن فارس.

فصل

فصل 92 - قال الخطيب البغدادي في "التاريخ" (ج2 ص412): أخبرنا علي بن أبي علي البصري أخبرنا محمد بن المظفر الحافظ -لفظًا- حدثنا أبوجعفر محمد بن سهل بن محمد بن أحمد بن سعيد الجمال حدثنا أبوالحسن محمد بن معاذ بن عيسى بن ضرار بن أسلم بن عبد الله بن جبير بن أسد بن هاشم بن عبدمناف حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن هراسة عن سفيان الثوري عن أبيه عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: أتى العبّاس بن عبد المطلب رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: يا رسول الله إنّا لنعرف الضّغائن في أناس من قومنا من وقائع أوقعناها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أما والله إنّهم لا يبلغون خيرًا حتى يحبّوكم لقرابتي))، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ترجو سلهب شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطّلب؟)). لا أعلم ذكر فيه عائشة ومسروقًا عن الثوري غير ابن هراسة والمحفوظ عن أبي الضحى عن ابن عباس. كذلك أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق أخبرنا أبوسهل أحمد بن محمد بن عبد الله القطان حدثنا محمد بن غالب بن حرب حدثنا أبوحذيفة حدثنا سفيان الثوري عن أبيه عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: جاء العبّاس إلى

النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال: إنّك قد تركت فينا ضغائن منذ صنعت الّذي صنعت. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لا يبلغوا الخير -أو قال: الإيمان- حتّى يحبّوكم لله ولقرابتي، أترجو سلهم -حيّ من مراد- شفاعتي ولا يرجو بنو عبد المطّلب شفاعتي؟)). رواه أبونعيم عن الثوري فأرسله ولم يذكر فيه ابن عباس. اهـ كلام الخطيب. قال أبوعبد الرحمن: الراوي له في الطريق الأولى عن الثوري إبراهيم بن هراسة وهو متروك كما في "اللسان". والراجح فيه الإرسال.

فصل في الشفاعة في خروج الموحدين من النار

فصل في الشفاعة في خروج الموحدين من النار الأحاديث الدالة على خروج الموحدين من النّار متواترة، وقد تقدم بعض الأحاديث الدالة على ذلك، منها: حديث أنس بن مالك رقم (2)، وحديثه أيضًا رقم (3)، وحديث أبي بكر رقم (5)، وحديث ابن عباس رقم (6)، وحديث أنس رقم (32)، وحديث ابن عباس رقم (33)، وأحاديث أخر، والأحاديث الآتية إن شاء الله. 93 - قال البخاري رحمه الله (ج2 ص292): حدثنا أبواليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما أنّ النّاس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: ((هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟)) قالوا: لا يا رسول الله. قال: ((فهل تمارون في الشّمس ليس دونها سحاب؟)) قالوا: لا. قال: ((فإنّكم ترونه كذلك، يحشر النّاس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئًا فليتّبع. فمنهم من يتّبع الشّمس، ومنهم من يتّبع القمر، ومنهم من يتّبع الطّواغيت، وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفْناه. فيأتيهم الله فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا. فيدعوهم فيضرب الصّراط بين

ظهراني جهنّم، فأكون أوّل من يجوز من الرّسل بأمّته، ولا يتكلّم يومئذ أحد إلاّ الرّسل، وكلام الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم سلّم. وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان، هل رأيتم شوك السّعدان؟)) قالوا: نعم. قال: ((فإنّها مثل شوك السّعدان غير أنّه لا يعلم قدر عظمها إلاّ الله، تخطف النّاس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثمّ ينجو، حتّى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النّار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السّجود، وحرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود (¬1)، فيخرجون من النّار، فكلّ ابن آدم تأكله النّار إلاّ أثر السّجود، فيخرجون من النّار قد امتحشوا (¬2) فيصبّ عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل، ثمّ يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنّة والنّار وهو آخر أهل النّار دخولاً الجنّة مقبل بوجهه قبل النّار، فيقول: يا ربّ اصرفْ وجهي عن النّار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها. فيقول: هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا وعزّتك. فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النّار، فإذا أقبل به على الجنّة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثمّ قال: يا ربّ قدّمني عند باب الجنّة. فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الّذي كنت سألت؟ فيقول: يا ربّ لا أكون أشقى خلقك. فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل ¬

(¬1) فقد يدخل النار ولا تأكل موضع سجوده، ونؤمن بذلك لأن النار مخلوقة لله مأمورة له سبحانه لا تتجاوز ما أمرها الله سبحانه به. (¬2) امتحشوا: احترقوا.

غيره؟ فيقول: لا وعزّتك لا أسأل غير ذلك. فيعطي ربّه ما شاء من عهد وميثاق فيقدّمه إلى باب الجنّة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النّضرة والسّرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول: يا ربّ أدخلني الجنّة. فيقول الله: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الّذي أعطيت. فيقول: يا ربّ لا تجعلني أشقى خلقك. فيضحك الله عزّ وجلّ منه، ثمّ يأذن له في دخول الجنّة فيقول: تمنّ. فيتمنّى حتّى إذا انقطع أمنيّته قال الله عزّ وجلّ: من كذا وكذا. أقبل يذكّره ربّه، حتّى إذا انتهت به الأمانيّ قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه)) قال أبوسعيد الخدريّ لأبي هريرة رضي الله عنهما: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله)) قال أبوهريرة: لم أحفظ من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إلاّ قوله: ((لك ذلك ومثله معه)). قال أبوسعيد: إنّي سمعته يقول: ((ذلك لك وعشرة أمثاله)). الحديث أخرجه البخاري أيضًا (ج11 ص444) و (ج13 ص419)، ومسلم (ج1 ص163 - 164)، والنسائي (ج2 ص181) مختصرًا، وأحمد (ج2 ص275، 293)، وأبوعوانة (ج1 ص159 - 160)، وعبد الرزاق (ج11 ص407). 94 - قال البخاري رحمه الله (ج13 ص420): حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد (¬1) عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا: يا رسول الله هل نرى ربّنا ¬

(¬1) زيد: هو ابن أسلم.

يوم القيامة؟ قال: ((هل تضارون في رؤية الشّمس والقمر إذا كانت صحوًا؟)) قلنا: لا. قال: ((فإنّكم لا تضارون في رؤية ربّكم يومئذ إلاّ كما تضارون في رؤيتهما، -ثمّ قال:- ينادي مناد: ليذهب كلّ قوم إلى ما كانوا يعبدون. فيذهب أصحاب الصّليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كلّ آلهة مع آلهتهم، حتّى يبقى من كان يعبد الله من برّ أو فاجر وغبّرات من أهل الكتاب، ثمّ يؤتى بجهنّم تعرض كأنّها سراب فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد عزيرًا ابن الله. فيقال: كذبتم لم يكنْ لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا. فيقال: اشربوا. فيتساقطون في جهنّم، ثمّ يقال للنّصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنّا نعبد المسيح ابن الله. فيقال: كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا. فيقال: اشربوا. فيتساقطون في جهنّم، حتّى يبقى من كان يعبد الله من برّ أو فاجر فيقال: لهم ما يحبسكم وقد ذهب النّاس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منّا إليه (¬1) اليوم، وإنّا سمعنا مناديًا ينادي: ليلحق كلّ قوم بما كانوا يعبدون، وإنّما ننتظر ربّنا. قال: فيأتيهم الجبّار في صورة غير صورته الّتي رأوه فيها أوّل مرّة. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا. فلا يكلّمه إلاّ الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: السّاق. فيكشف عن ساقه فيسجد له كلّ ¬

(¬1) في التعليق على صحيح البخاري -طبعة إحياء التراث العربي-: ((إليه)) كذا في جميع الأصول متونًا وشروحًا بضمير الإفراد، وتقدم الحديث في (تفسير سورة النساء) بلفظ: ((إليهم)) بضمير الجمع. اهـ كتبه مصححه.

مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياءً وسمعةً فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا، ثمّ يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنّم)) قلنا: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: ((مدحضة مزلّة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة (¬1) لها شوكة عقيفاء تكون بنجد يقال لها السّعدان، المؤمن عليها كالطّرف وكالبرق وكالرّيح وكأجاويد الخيل والرّكاب فناج مسلّم، وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنّم، حتّى يمرّ آخرهم يسحب سحبًا، فما أنتم بأشدّ لي مناشدةً في الحقّ قد تبيّن لكم من المؤمن يومئذ للجبّار، وإذا رأوا أنّهم قد نجوا (¬2) في إخوانهم يقولون: ربّنا إخواننا الّذين كانوا يصلّون معنا، ويصومون معنا ويعملون معنا. فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيْمان فأخرجوه. ويحرّم الله صورهم على النّار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النّار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا ثمّ يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه. فيخرجون من عرفوا ثمّ يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرّة من إيمان فأخرجوه. فيخرجون من عرفوا)). قال أبوسعيد: فإن لم تصدّقوني فاقرءوا {إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة وإن تك حسنةً يضاعفها}. ((فيشفع النّبيّون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبّار: بقيت شفاعتي. فيقبض قبضةً من النّار فيخرج أقوامًا قد امتحشوا، فيلقون في نهر بأفواه ¬

(¬1) أي فيها اتساع وعرض كما في الفتح (ج13 ص429). (¬2) هنا سقط لعله يكون: (ناشدوا الله في إخوانهم).

الجنّة يقال له ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبّة في حميل السّيل قد رأيتموها إلى جانب الصّخرة، وإلى جانب الشّجرة، فما كان إلى الشّمس منها كان أخضر، وما كان منها إلى الظّلّ كان أبيض، فيخرجون كأنّهم اللّؤلؤ فيجعل في رقابهم الخواتيم، فيدخلون الجنّة، فيقول أهل الجنّة: هؤلاء عتقاء الرّحمن، أدخلهم الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه)). الحديث أخرجه مسلم (ج1 ص167)، وأحمد (ج3 ص16)، وأبوعوانة (ج1 ص166، 181 - 182)، وابن خزيمة ص (307 - 308)، والطيالسي (ج2 ص222) من "ترتيب المسند". 95 - قال مسلم رحمه الله (ج1 ص172): وحدثني نصر بن علي الجهضمي حدثنا بشر -يعني ابن المفضل- عن أبي مسلمة (¬1) عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النّار بذنوبهم -أو قال: بخطاياهم- فأماتهم الله إماتةً، حتّى إذا كانوا فحمًا أذن بالشّفاعة فجيء بهم ضبائر (¬2) فبثّوا على أنْهار الجنّة، ثمّ قيل: يا أهل الجنّة أفيضوا عليهم. فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل)) فقال رجل من القوم: كأنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قد كان بالبادية. الحديث أخرجه ابن ماجة (ج2 ص1441)، وأحمد (ج3 ص78 - 79)، ¬

(¬1) أبومسلمة: هو سعيد بن يزيد، وأبونضرة: هو المنذر بن مالك. (¬2) الضبائر: هم الجماعات في تفرقة، واحدتها ضبارة مثل عمارة وعمائر، وكل مجتمع ضبارة. اهـ نهاية.

وابن خزيمة ص (279 - 280، 282، 283، 286)، والدارمي (ج2 ص331 - 332)، وأبوعوانة (ج1 ص186)، والآجري في "الشريعة" ص (145)، وحسين المروزي في "زوائد زهد ابن المبارك" ص (449). - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (283): حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال: حدثني أبي قال: ثنا حبان -يعني ابن علي- وقال: ثنا سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم خطب فأتى على هذه الآية: {منْ يأت ربّه مجرمًا فإنّ له جهنّم لا يموت فيها ولا يحيى، ومن يأته مؤمنًا قد عمل الصّالحات} يريد الآية كلّها، فقال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أمّا أهلها الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون ولا يحيون، وأمّا الّذين ليسوا من أهلها فإنّ النّار تميتهم إماتةً، ثمّ يقوم الشّفعاء فيشفعون، فيحصل ضبائر، فيؤتى بهم نهر (¬1) يقال له: الحياة، أو الحيوان، فينبتون فيه كما تنبت الغثاء في حميل السّيل)). الحديث رجاله رجال الصحيح إلا حبان بن علي وفيه كلام حاصله أنه يصلح في الشواهد والمتابعات، وهو هنا متابع تابعه معتمر بن سليمان وابن أبي عدي كما في "التوحيد" لابن خزيمة. - قال ابن خزيمة ص (282): حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا ابن أبي عدي عن سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها فلا يموتون ولا يحيون، وأمّا من يريد الله بهم الرّحمة، فتميتهم النّار فيدخل ¬

(¬1): نهرًا.

عليهم الشّفعاء، فيأخذ الرّجل الضبارة (¬1) فيبثهم على نهر الحياة -أو الحيوان أو الحيا، أو قال: نهر الجنّة- فينبتون نبات الحبّة في حميل السّيل))، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أو ما ترون الشّجرة تكون خضراء ثمّ تكون صفراء -أو قال: تكون صفراء ثمّ تكون خضراء)) فقال رجل: كأنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان من أهل البادية. الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص5)، ورجاله رجال الصحيح. - وقال ابن خزيمة أيضًا ص (283): حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا المعتمر عن أبيه قال: ثنا أبونضرة عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم خطبةً أراه ذكر طولها، قال: ((أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها لا يموتون ولا يحيون، وأمّا ناس يريد الله بهم الرّحمة فيميتهم فيدخل عليهم الشّفعاء فيحمل الرّجل منهم الضبارة فيبثهم -أو قال: فيبثّون- على نهر الحياة -أو قال: الحيوان أو نهر الحيا- فينبتون نبات الحبّة في حميل السّيل)) قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ألم تروا إلى الشّجرة تكون خضراء، ثمّ تكون صفراء، ثمّ تكون خضراء)) قال: يقول القوم: كأنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان بالبادية. الحديث أيضًا رجاله رجال الصحيح. - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص11): ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا ¬

(¬1) الضبارة: الجماعة، وفي كتاب التوحيد: (الصبارة) -بالصاد المهملة-، في مواضع وهو غلط من النساخ.

محمد بن إسحاق قال: حدثني عبيد الله (¬1) بن المغيرة بن معيقيب عن سليمان ابن عمرو بن عبد العتواري أحد بني (¬2) ليث -وكان يتيمًا في حجر أبي سعيد- قال أبوعبد الرحمن: قال أبي: سليمان بن عمرو هو أبوالهيثم الذي يروي عن أبي سعيد قال: سمعت أبا سعيد يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((يوضع الصّراط بين ظهري (¬3) جهنّم عليه حسك كحسك السّعدان، ثمّ يستجيز النّاس فناج مسلّم، ومجدوح به، ثمّ ناج ومحتبس به منكوس فيها، فإذا فرغ الله عزّ وجلّ من القضاء بين العباد يفقد المؤمنون رجالاً كانوا معهم في الدّنيا، يصلّون بصلاتهم ويزكّون بزكاتهم، ويصومون صيامهم، ويحجّون حجّهم، ويغزون غزوهم، فيقولون: أي ربّنا عباد من عبادك كانوا معنا في الدّنيا يصلّون صلاتنا، ويزكّون زكاتنا، ويصومون صيامنا، ويحجّون حجّنا، ويغزون غزونا، لا نراهم. فيقول: اذهبوا إلى النّار فمن وجدتم فيها منهم فأخرجوه. قال: فيجدونهم قد أخذتْهم النّار على قدر أعمالهم فمنهم من أخذته إلى قدميه، ومنهم من أخذته إلى نصف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى ركبتيه، ومنهم من أزرته، ومنهم من أخذته إلى ثدييه، ومنهم من أخذته إلى عنقه ولم تغش الوجوه، فيستخرجونهم منها فيطرحون في ماء الحياة)) قيل: يا رسول الله ¬

(¬1) في المسند: (عبد الله)، والصواب: (عبيد الله)، كما في تقريب التهذيب وسائر المصادر التي سيعزى الحديث إليها. (¬2) في المسند: حدثني ليث، والصواب ما أثبتناه، كما في كتاب التوحيد لابن خزيمة. (¬3) هكذا في المسند وموضح أوهام الجمع والتفريق. وأما في التوحيد لابن خزيمة والزهد لابن المبارك: فـ ((ظهراني)) بزيادة ألف ونون، وزيادتهما للتأكيد كما في النهاية.

وما الحياة؟ قال: ((غسل أهل الجنّة فينبتون نبات الزّرعة -وقال مرّة فيه: كما تنبت الزّرعة- في غثاء السّيل ثمّ يشفع الأنبياء في كلّ من كان يشهد أن لا إله إلاّ الله مخلصًا، فيخرجونهم منها، قال: ثمّ يتحنّن الله برحمته على من فيها، فما يترك فيها عبدًا في قلبه مثقال حبّة من إيمان إلاّ أخرجه منها)). الحديث أخرجه ابن خزيمة ص (325)، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (ج2 ص116)، وحسين المروزي في "زوائد الزهد لابن المبارك" ص (448)، والحاكم (ج4 ص585) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. كذا قال ولم يتعقبه الذهبي والحديث ليس على شرط مسلم فأبوالهيثم وعبيد الله بن المغيرة وابن إسحاق ثلاثتهم ليسوا من رجال مسلم، وما روى مسلم لابن إسحاق إلا قدر خمسة أحاديث في الشواهد والمتابعات، كما في "الميزان". والحديث بهذا السند حسن. 96 - قال ابن حبان رحمه الله كما في "موارد الظمآن" ص (646): أخبرنا محمد بن الحسين (¬1) بن مكرم حدثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح حدثنا أبوأسامة عن أبي روق حدثنا صالح بن أبي طريف، قال: قلت لأبي سعيد الخدري: أسمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول في هذه الآية: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسْلمين}؟ فقال: نعم، سمعته يقول: ((يخرج الله أناسًا من المؤمنين من النّار بعد ما يأخذ نقمته منهم، قال: لمّا أدخلهم الله النّار مع المشركين قال المشركون: أليس ¬

(¬1) محمد بن الحسين بن مكرم له ترجمة في تذكرة الحفاظ (ج2 ص735)، قال إبراهيم بن فهد: ما قدم علينا من بغداد أعلم بالحديث من ابن مكرم، وقال الدارقطني: ثقة.

كنتم تزعمون في الدّنيا أنّكم أولياؤه؟ فما لكم معنا في النّار؟ فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشّفاعة فتشفع لهم الملائكة والنّبيون حتّى يخرجوا بإذن الله، فلمّا أخرجوا قالوا: يا ليتنا كنّا مثلهم فتدركنا الشّفاعة فنخرج من النّار. فذلك قول الله: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسْلمين} قال: فيسمّون الجهنّميين من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: ربّنا أذهبْ عنّا هذا الاسم، فيغتسلون في نهر في الجنّة، فيذهب ذلك منهم (¬1)). الحديث أخرجه الطبراني كما في "تفسير ابن كثير" (ج2 ص546)، وفي "موارد الظمآن": صالح بن أبي طريف، وفي "تفسير ابن كثير": صالح ابن أبي شريف، وكلاهما لم أقف له على ترجمة (¬2). 97 - قال البخاري رحمه الله (ج11 ص416): حدثنا أبوالنعمان (¬3) حدثنا حماد عن عمرو عن جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يخرج من النّار بالشّفاعة كأنّهم الثّعارير (¬4)) قلت: ما ¬

(¬1) في تفسير ابن كثير (ج2 ص546): ((فيذهب ذلك الاسم عنهم)). (¬2) ثم وقفت عليه في الثقات لابن حبان (ج4 ص376) قال: صالح بن أبي طريف أبوالصيداء، يروي عن أبي سعيد روى عنه أبوروق عطية بن الحارث الهمداني. اهـ فعلى هذا فما وقع في تفسير ابن كثير تصحيف. وأبوروق: صدوق كما في التقريب. (¬3) أبوالنعمان هو محمد بن الفضل، وحماد هو ابن زيد، وعمرو هو ابن دينار، وجابر هو ابن عبد الله الأنصاري، كذا في الفتح. (¬4) في النهاية في تفسير (الثعارير): هي القثّاء الصغار شبّهوا بها لأن القثّاء ينمي سريعًا، وقيل هي رؤوس الطراثيث تكون بيضًا، شبّهوا ببياضها، واحدتها: طرثوث، وهو نبت يؤكل.= =وقال في تفسير (الضغابيس): هي صغار القثاء، واحدها: ضغبوس، وقيل: هي نبت ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون، يسلق بالخل والزيت ويؤكل. اهـ

الثّعارير؟ قال: الضّغابيس. وكان قد سقط فمه. فقلت لعمرو بن دينار: أبا محمّد سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((يخرج بالشّفاعة من النّار))؟ قال: نعم. الحديث أخرجه مسلم (ج1 ص178)، ويعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج2 ص212 - 213)، والطيالسي في "المسند" (ج2 ص229) من "ترتيب المسند". 98 - قال مسلم رحمه الله (ج1 ص177): حدثني عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن منصور كلاهما عن روح قال عبيد الله: حدثنا روح بن عبادة القيسي حدثنا ابن جريج قال: أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود، فقال: نجيء نحن يوم القيامة عن (كذا وكذا انظر أيّ ذلك فوق النّاس) (¬1) قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأوّل فالأوّل ثمّ يأتينا ربّنا بعد ذلك، فيقول: من تنظرون؟ فيقولون: ننظر ربّنا. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: حتّى ننظر إليك. فيتجلّى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم ويتّبعونه، ويعطى كلّ إنسان منهم منافق أو مؤمن نورًا، ثمّ يتّبعونه وعلى جسر جهنّم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله، ثمّ يطفأ نور المنافقين، ثمّ ينجو المؤمنون، فتنجو أوّل زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر ¬

(¬1) في التعليق ما حاصله: أنه وقع تصحيف فيما بين القوسين، وصوابه: فأكون أنا وأمتي على تل كما في حديث كعب بن مالك. اهـ قلت: وكذا وقع التصحيف في مسند أحمد فلعله من بعض رجال السند.

سبعون ألفًا لا يحاسبون، ثمّ الّذين يلونهم كأضوإ نجم في السّماء، ثمّ كذلك، ثمّ تحلّ الشّفاعة ويشفعون حتّى يخرج من النّار من قال لا إله إلاّ الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرةً، فيجعلون بفناء الجنّة ويجعل أهل الجنّة يرشّون عليهم الماء، حتّى ينبتوا نبات الشّيء في السّيل، ويذهب حراقه ثمّ يسأل حتّى تجعل له الدّنيا وعشرة أمثالها معها. الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص283). 99 - وقال مسلم رحمه الله (ج1 ص179): وحدثنا حجاج بن الشّاعر حدثنا الفضل بن دكين حدثنا أبوعاصم -يعني محمد بن أبي أيوب- قال: حدثني يزيد الفقير قال: كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحجّ، ثم نخرج على النّاس، قال: فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدّث القوم جالس إلى سارية عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: فإذا هو قد ذكر الجهنّميّين، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله ما هذا الّذي تحدّثون والله يقول: {إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته} و {كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا} فما هذا الّذي تقولون؟ قال: فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قال: فهل سمعت بمقام محمّد عليه السّلام -يعني الّذي يبعثه الله فيه-؟ قلت: نعم. قال: فإنّه مقام محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم المحمود الّذي يخرج الله به من يخرج. قال: ثمّ نعت وضع الصّراط ومرّ النّاس عليه، قال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك، قال: غير أنّه قد زعم أنّ قومًا يخرجون من النّار بعد أن يكونوا فيها، قال: يعني فيخرجون كأنّهم عيدان السّماسم، قال: فيدخلون نهرًا من أنْهار الجنّة، فيغتسلون فيه، فيخرجون كأنّهم

القراطيس، فرجعنا قلنا: ويحكم أترون الشّيخ يكذب على رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ فرجعنا فلا والله ما خرج منّا غير رجل واحد -أو كما قال أبونعيم-. الحديث أخرجه أبوعوانة (ج1 ص180)، وفي آخره: وقال عبد الواحد ابن سليم (وهو أحد رجال السند عند أبي عوانة) في آخر حديثه: قال جابر: الشّفاعة بيّنة في كتاب الله {ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلّين، ولم نك نطعم المسكين، وكنّا نخوض مع الخائضين، وكنّا نكذّب بيوم الدّين، حتّى أتانا اليقين، فما تنفعهم شفاعة الشّافعين}. - قال الإمام البخاري رحمه الله في "الأدب المفرد" ص (285): حدثنا موسى قال: حدثنا القاسم بن الفضل عن سعيد بن المهلب عن طلق بن حبيب قال: كنت أشدّ النّاس تكذيبًا بالشّفاعة فسألت جابرًا فقال: يا طليق سمعت النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((يخرجون من النّار بعد دخول)) ونحن نقرأ الّذي تقرأ. الحديث أخرجه أبونعيم في "الحلية" (ج2 ص66)، وابن مردويه كما في "تفسير ابن كثير" (ج2 ص54)، وفي "النهاية" (ج2 ص194). والحديث حسن لغيره لأنّ فيه سعيد بن المهلب، وقد قال فيه الذهبي: لا يعرف، وثّق. اهـ وذكر الحافظ في "تهذيب التهذيب" عنه راويين، وأنّه وثّقه ابن حبان. اهـ فهو صالح في الشواهد والمتابعات. وأخرجه عبد الرزاق (ج11 ص412) عن معمر عن رجل عن طلق بن حبيب قال: قلت لجابر بن عبد الله: أرأيت هذه الآية {يريدون أن يخرجوا من النّار وما هم بخارجين منها} وأنت تزعم أنّ قومًا يخرجون من النّار؟

قال: أشهد أن هذه الآية نزلتْ على رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فآمنّا بها قبل أن تؤمن بها، وصدّقْنا بها قبل أن تصدّق بها، وأشهد أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول ما أخبرك: ((إنّ قومًا يخرجون من النّار)) فقال طلق: لا جرم والله لا أجادلك أبدًا. الحديث في سنده مبهم، ولكنه لا يضر لما تقدم له من المتابعات. وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (ج1 ص219) فقال: أخبرنا علي ابن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا سعيد بن عثمان الأهوازي (¬1) ثنا عاصم بن علي ثنا أيوب بن عتبة عن قيس بن (¬2) طلق بن علي عن أبيه قال: كنت من أشدّ النّاس تكذيبًا بالشّفاعة، حتّى أتيت جابر ابن عبد الله، فقرأت عليه كلّ آية أقدر عليها في ذكر خلود أهل النّار، فقال لي: يا طلق أنت أعلم بكتاب الله منّي؟ وأعلم بسنة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم منّي؟ إنّ الّذي قرأت لهم أهلها، ولكن هؤلاء أصابوا ذنوبًا فعذّبوا ثمّ أخرجوا منها ونحن نقرأ كما قرأت. الحديث في سنده أيوب بن عتبة يحدث من حفظه فيغلط، ولكنه لا يضر لأنه في الشواهد. 100 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص325): ثنا أبوالنضر ثنا زهير (¬3) ثنا ¬

(¬1) سعيد بن عثمان، ترجمته في تاريخ بغداد (ج1 ص97)، قال الخطيب: إنه ثقة. وقال الدارقطني: صدوق حدّث ببغداد. اهـ (¬2) في الأصل: (قيس عن طلق)، وصوابه: (قيس بن طلق بن علي عن أبيه). (¬3) في الأصل: (ابن زهير)، والصواب ما أثبتناه، وهو أبوخيثمة زهير بن معاوية كما في ترجمة أبي النضر بن القاسم، وهو كما قلنا في النهاية لابن كثير (ج2 ص193).

أبوالزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا ميّز أهل الجنّة وأهل النّار فدخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، قامت الرّسل فشفعوا فيقول: انطلقوا أو اذهبوا فمن عرفتم فأخرجوه. فيخرجونهم قد امتحشوا فيلقونهم في نهر أو على نهر يقال له الحياة قال: فتسقط محاشّهم على حافة النّهر ويخرجون بيضًا مثل الثّعارير، ثمّ يشفعون فيقول: اذهبوا أو انطلقوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط من إيمان فأخرجوهم. قال: فيخرجون بشرًا ثمّ يشفعون، فيقول: اذهبوا أو انطلقوا فمن وجدتم في قلبه مثقال حبّة من خردلة من إيمان فأخرجوه. ثمّ يقول الله عزّ وجلّ: أنا الآن أخرج بعلمي ورحمتي. قال: فيخرج أضعاف ما أخرجوا وأضعافه فيكتب في رقابهم عتقاء الله عزّ وجلّ، ثمّ يدخلون الجنّة فيسمّون فيها الجهنّميّين)). الحديث حسن لغيره لأن فيه أبا الزبير وهو مدلس ولم يصرح بالتحديث. 101 - قال البخاري رحمه الله (ج11 ص418): حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الحسن (¬1) بن ذكوان حدثنا أبورجاء حدثنا عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يخرج قوم من النّار بشفاعة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فيدخلون الجنّة يسمّون الجهنّميّين)). الحديث رواه أبوداود (ج5 ص107)، والترمذي (ج4 ص114)، وابن ¬

(¬1) هكذا في جميع المراجع التي أشرنا إليها: (الحسن)، إلا في كتاب الشريعة للآجري، فـ (حسين)، وهو تصحيف.

ماجه (ج2 ص1443)، وأحمد (ج4 ص434)، وابن خزيمة ص (276)، والآجري في "الشريعة" ص (344)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأبورجاء العطاردي اسمه: عمران بن تيم، ويقال: ابن ملحان. فائدة: هذا الحديث يدور على الحسن بن ذكوان وقد ضعفه أحمد وابن معين وأبوحاتم والنسائي وابن المديني كما في "مقدمة الفتح". قال الحافظ في "مقدمة الفتح": روى له البخاري حديثًا واحدًا في كتاب الرقاق، وذكر له هذا الحديث بهذا السند، ثم قال: ولهذا الحديث شواهد كثيرة. اهـ المراد من "المقدمة". 102 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص400): حدثنا سليمان بن داود ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد (¬1) قال: أخبرني صالح بن أبي صالح مولى التوءمة قال أخبرني أبوهريرة قال: قال: رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ليتحمّدنّ الله يوم القيامة على أناس ما عملوا من خير قطّ فيخرجهم من النّار بعدما احترقوا، فيدخلهم الجنّة برحمته بعد شفاعة من يشفع)). الحديث ضعيف لأن في سنده صالح بن أبي صالح مولى التوءمة، وهو صالح بن نبهان مختلط. 103 - قال الطبراني رحمه الله في "المعجم الصغير" (ج1 ص40 - 41): حدثنا أحمد بن محمد بن مقاتل الرازي ببغداد حدثنا الحسين بن عيسى بن ميسرة ¬

(¬1) عبد الرحمن: ضعيف، وقيل ما رواه عنه سليمان الهاشمي فهو حسن. وقد أوردت له في الصحيح المسند حديث عائشة يرويه عن أبيه وهشام بن عروة عن عروة قال النبي لحسان: ((إنّ روح القدس مع حسّان ما نافح عن رسول الله)). وأما رواية عبد الرحمن عن غير أبيه وهشام فضعيفة.

حدثنا أبوزهير عبد الرحمن بن مغراء حدثنا عيسى الجهني عن عبد الملك بن ميسرة الزراد عن مجاهد أنه سمع عبد الله بن عمرو (¬1) يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يدخل من أهل هذه القبلة النّار من لا يحصي عددهم إلاّ الله بما عصوا الله، واجترءوا على معصيته، وخالفوا طاعته، فيؤذن لي في الشّفاعة فأثني على الله جلّ ذكره ساجدًا كما أثني عليه قائمًا)) وذكر الحديث. اهـ تمام الحديث كما في "الترغيب والترهيب" (ج2 ص436 - 437): ((فيقال لي: ارفعْ رأسك، وسلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ)). رجال الإسناد غير المشهورين: 1 - أحمد بن محمد بن مقاتل: ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد" (ج5 ص98)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وقال: إنّه حدّث ببغداد عن أبيه والحسين بن عيسى بن ميسرة وأحمد بن بكر بن سيف، روى عنه عبد الباقي ابن قانع وأبوالقاسم الطبراني والحسين بن مهدي المروزي. 2 - الحسين بن عيسي بن ميسرة: صدوق كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم. 3 - أما عيسى الجهني فهو تصحيف، وصوابه: موسى وهو ابن عبد الله وقيل ابن عبد الرحمن، ثقة عابد وهو يروي عن عبد الملك بن ميسرة وعنه أبوزهير هذا كما في "تهذيب الكمال". ¬

(¬1) في الأصل: (ابن عمر)، والصواب ما أثبتناه كما في الترغيب والترهيب للمنذري (ج4 ص436)، ومجمع الزوائد (ج10 ص376)، وكنْز العمال (ج14 ص414).

وقد حسّن الحديث المنذري رقم (5325)، والهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج10 ص376) والله اعلم. 104 - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (300): حدثنا الحسين بن الحسن قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: ((يلقى النّاس يوم القيامة من الحبس ما شاء الله أن يلقوه، فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم. فينطلقون إلى آدم فيقولون: يا آدم اشفعْ لنا إلى ربّك. فيقول: لست هناك، ولكن انطلقوا إلى خليل الله إبراهيم. فينطلقون إلى إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم اشفعْ لنا إلى ربّك. فيقول: لست هناك، ولكن انطلقوا إلى من اصطفاه الله برسالاته. فينطلقون إلى موسى، فيقولون: يا موسى اشفعْ لنا إلى ربّك. فيقول: لست هناك، ولكن انطلقوا (¬1) إلى من جاء اليوم مغفورًا له، ليس عليه ذنب. فينطلقون إلى محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فيقولون: يا محمّد اشفعْ لنا إلى ربّك. فيقول: أنا لها، وأنا صاحبها. قال: فأنطلق حتّى أستفتح باب الجنّة، قال: فيفتح فأدخل، وربّي عزّ وجلّ على عرشه فأخرّ ساجدًا، وأحمده بمحامد لم يحمدْه بها أحد قبلي -وأحسبه قال: ولا أحد بعدي-، فيقال: يا محمّد ارفعْ رأسك، وقلْ يسمع، وسلْ تعطه، واشفعْ تشفّعْ، فأقول: يا ربّ يا ربّ. فيقول: أخرجْ من كان في قلبه مثقال شعيرة (¬2) من الإيمان. قال: فأخرّ ساجدًا وأحمده بمحامد لم يحمدْه بها أحد قبلي -وأحسبه قال: ولا أحد بعدي-، فيقال: يا محمّد ارفع رأسك وقل يسمعْ، وسلْ تعطه، واشفعْ تشفعْ. فأقول: يا ربّ يا ربّ. فيقول: أخرجْ ¬

(¬1) ساقطة من الطبعة القديمة واستدركها الشهوان في تحقيقه لكتاب التوحيد (ج2ص717). (¬2) في الموضعين: ((من كان في قلبه مثقال شعيرة من الإيمان)).

من النّار من كان في قلبه مثقال شعيرة من الإيمان. قال: فأخرّ ساجدًا، وأحمد بمحامد لم يحمدْه بها أحد قبلي -وأحسبه قال: ولا أحد بعدي- فيقال: يا محمّد ارفعْ رأسك قلْ يسمعْ، وسلْ تعط، واشفعْ تشفّع. فأقول: يا ربّ. فيقول: أخرجْ من كان في قلبه أدنى شيء فيخرج ناس من النّار يقال لهم الجهنّميون، وإنه لفي الجنّة)) فقال له رجل يا أبا حمزة: أسمعت هذا من رسول الله صلّى عليه وعلى آله وسلّم قال: فتغيّر وجهه، واشتدّ عليه وقال: ليس كل ما نحدّث سمعناه من رسول الله صلّى عليه وعلى آله وسلّم ولكن لم يكن يكذّب بعضنا بعضًا. الحديث رجاله رجال الصحيح إلا الحسين بن الحسن وهو ابن حرب السلمي. وقد قال أبوحاتم: إنه صدوق، ووثّقه ابن حبان ومسلمة كما في "تهذيب التهذيب". وحميد الطويل مدلس ولم يصرح بالتحديث، وقد قال شعبة: لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثًا والباقي سمعها من ثابت، أو ثبّته فيها ثابت. وقال حماد: عامة ما يرويه حميد عن أنس سمعه من ثابت. كما في "تهذيب التهذيب". لكن لا يضر الحديث هنا لأنه في الشواهد والمتابعات. - وقال ابن خزيمة رحمه الله ص (303): حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن رافع -وهذا حديث بندار قال: حدثنا حماد بن مسعدة قال: ثنا ابن عجلان عن حوثة (¬1) بن عبيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله ¬

(¬1) في التوحيد لابن خزيمة: (حوثة) بالحاء المهملة في ثلاثة مواضع، وفي الإكمال لابن ماكولا: جوثة بن عبيد ... روى عن أنس بن مالك وأبي سلمة بن عبد الرحمن، حدث عنه ابن عجلان ويزيد بن أبي حبيب وعياش بن عباس، وقال حماد بن مسعدة: عن ابن عجلان، حوثة بحاء مهملة، قاله البخاري في التاريخ عن أبي موسى، وقال: الصحيح جوثة -بالجيم-. اهـ

عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يؤتى آدم عليه السّلام يوم القيامة فيقال: اشفعْ لذرّيتك. فيقول: لست بصاحب ذلك، ائتوا نوحًا فإنّه أوّل الأنبياء وأكبرهم. فيؤتي نوح فيقول: لست بصاحبه، عليكم بإبراهيم فإنّ الله اتخذه خليلاً. فيؤتي إبراهيم فيقول: لست بصاحبه عليكم بموسى فإنّ الله كلّمه تكليمًا. قال: فيؤتى موسى فيقول: لست بصاحبه، عليكم بعيسى فإنّه روح الله وكلمته. فيؤتى عيسى، فيقول: لست بصاحب هذا، ولكن أدلكم على صاحبه ولكن ائتوا محمّدًا صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وعلى جميع الأنبياء. قال: فأوتى، فاستفتح فإذا نظرت إلى الرّحمن وقعْت له ساجدًا، فيقال لي: ارفعْ رأسك يا محمّد، وقل يسمعْ، واشفعْ تشفّعْ، وسل تعطه. فأقول: يا ربّ أمّتي. قال: فيقال: اذهبوا فلا تدعوا في النّار أحدًا في قلبه مثقال دينار إيمان إلاّ أخرجتموه. ويخرج ما شاء الله، ثمّ أقع الثّانية ساجدًا، قال: فيقال: ارفع يا محمّد، فقل يسمعْ، واشفعْ تشفّعْ، وسل تعطه. فأقول: أي ربّ أمّتي. قال: فيقال: اذهبوا فلا تدعوا في النّار أحدًا في قلبه نصف دينار إيمان إلاّ أخرجتموه. قال: فيخرج بذلك ما شاء الله، قال: ثمّ أقع الثّالثة ساجدًا، قال: فيقال: ارفعْ رأسك يا محمّد، وقل يسمع لك، واشفع تشفّعْ، وسلْ تعطه. قال: فأقول: يا ربّ أمّتي، فيقول: اذهبوا فلا تدعوا في النّار أحدًا في قلبه مثقال ذرّة إيمان إلاّ أخرجتموه. فلا يبقى إلاّ من لا خير

فيه)). جوثة بن عبيد ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير" (ج2 ص253)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (ج2 ص549)، وابن ماكولا في "الإكمال" (ج2 ص196)، ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلاً، لكنّهم ذكروا جماعة من الرواة عنه فهو مستور الحال يصلح حديثه في الشّواهد والمتابعات، وينظر في قوله في الحديث: ((إنّ نوحًا أوّل الأنبياء)) هل توبع عليها فإن المعروف أن أول الأنبياء آدم، وأول الرسل نوح (¬1) والله أعلم. فائدة: في "تاريخ البخاري" من الرواة عن (جوثة): (عياش) مهمل -أي: غير منسوب-، وفي "الجرح والتعديل" و"الإكمال" لابن ماكولا و"الثقات" لابن حبان: (عياش بن عباس)، وفي "التوحيد" لابن خزيمة ص (305): (عياش بن عقبة)، وترجمتهما في "تهذيب التهذيب"، فهل رويا عنه كلاهما، أم الصواب أحدهما، أما عياش بن عقبة فقد ذكر الحافظ في "تهذيب التهذيب" من شيوخه جوثة بن عبيد، وليس هناك ما يمنع من أن يكونا قد رويا عنه فهما متقاربا الطبقة مصريان وجوثة مصري، والله أعلم. 105 - قال الإمام أحمد (ج5 ص43): ثنا عفان ثنا سعيد بن زيد (¬2) قال: ¬

(¬1) فإن توبع عليها فيحمل على أنه أول الأنبياء من ذرية آدم، وإلاّ فقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((كان آدم نبيًا مكلمًا وكان بينه وبين نوح عشرة سنين قرون)) أخرجه ابن حبان في الموارد رقم (2085)، والحاكم (ج2 ص262)، ورجاله ثقات، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة رقم (2668) المجلد السادس القسم الأول. (¬2) سعيد بن زيد: هو أخو حماد بن زيد.

سمعت أبا سليمان العصري (¬1) حدثني عقبة بن صهبان قال: سمعت أبا بكرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يحمل النّاس على الصّراط يوم القيامة، فتقادع بهم جنبة الصّراط تقادع الفراش في النّار، قال: فينجي الله تبارك وتعالى برحمته من يشاء، قال: ثمّ يؤذن للملائكة والنّبيّين والشّهداء أن يشفعوا فيشفعون ويخرجون، ويشفعون ويخرجون، ويشفعون ويخرجون -وزاد عفّان مرّة فقال أيضًا: ويشفعون ويخرجون- من كان في قلبه ما يزن ذرّةً من إيمان)). الحديث أخرجه البخاري في "التاريخ" (ج9 ص37)، والطبراني في "الصغير" (ج2 ص57)، وقال الهيثمي (ج10 ص359): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في "الصغير" و"الكبير" بنحوه، ورواه البزار أيضًا ورجاله رجال الصحيح. 106 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص325): ثنا الحكم بن نافع ثنا إسماعيل بن عياش عن راشد بن داود الصنعاني عن عبد الرحمن بن حسان عن روح بن زنباع عن عبادة بن الصامت قال: فقد النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ليلةً أصحابه، وكانوا إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم، ففزعوا وظنّوا أنّ الله تبارك وتعالى اختار له أصحابًا غيرهم، فإذا هم بخيال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فكبّروا حين رأوه، وقالوا: يا رسول الله أشفقنا أن يكون الله تبارك وتعالى اختار لك أصحابًا غيرنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لا، بل أنتم أصحابي في الدّنيا والآخرة، إنّ ¬

(¬1) أبوسليمان العصري: اسمه خليد بن عبد الله كما في تهذيب التهذيب.

الله تعالى أيقظني فقال: يا محمّد إنّي لم أبعث نبيًّا ولا رسولاً إلاّ وقد سألني مسألةً أعطيتها إيّاه، فاسأل يا محمّد تعط. فقلت: مسألتي شفاعتي لأمّتي يوم القيامة)). فقال أبوبكر: يا رسول الله وما الشّفاعة؟ قال: ((أقول يا ربّ شفاعتي الّتي اختبأت عندك. فيقول الرّبّ تبارك وتعالى: نعم. فيخرج ربّي تبارك وتعالى بقيّة أمّتي من النّار فينبذهم في الجنّة)). قال الهيثمي (ج10 ص368): رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات على ضعف في بعضهم. وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (ج2 ص194): تفرد به أحمد. وأقول: هذا الحديث في سنده راشد بن داود وقد وثّقه ابن معين ودحيم، وقال البخاري: فيه نظر. وقال الدارقطني: ضعيف لا يعتبر به. فالحديث ضعيف جدًا، لأن قول البخاري (فيه نظر) من أردى عبارات التجريح كما في "فتح المغيث" (ج1 ص344). وفي الحديث أيضًا إسماعيل بن عياش، ولكن شيخه شامي فلا يضره إذ رواية إسماعيل عن الشاميين مقبولة. 107 - قال الطبراني رحمه الله في "الكبير" (ج10 ص215): حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني ثنا كثير بن يحيى صاحب البصري ثنا أبوعوانة عن الأعمش عن إبراهيم عن الحارث بن سويد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لا تزال الشّفاعة بالنّاس وهم يخرجون من النّار، حتى إنّ إبليس الأبالس ليتطاول لها رجاء أن تصيبه. قال الهيثمي في "المجمع" (ج10 ص380): رواه الطبراني موقوفًا وفيه

كثير بن يحيى صاحب البصري وهو ضعيف (¬1). 108 - وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص402): ثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا: ثنا شعبة عن جابر عن ربعي عن حذيفة -قال شعبة: رفعه مرةً إلى النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم- قال: ((يخرج الله قومًا منتنين قد محشتهم النّار بشفاعة الشّافعين فيدخلهم الجنّة فيسمّون الجهنّميّون -قال حجّاج: الجهنّميّين-)). الحديث أخرجه ابن خزيمة ص (275 - 276)، والآجري في "الشريعة" ص (346) كما عند أحمد، والحسين بن الحسن المروزي في "زوائد زهد ابن المبارك" ص (447) موقوفًا. وقال الهيثمي (ج10 ص380): رواه أحمد من طريقين ورجالهما رجال الصحيح. وقال الحافظ في "المطالب العالية" (ج4 ص382) بعد عزوه لأبي بكر ابن أبي شيبة: حسن صحيح. 109 - قال الإمام أبوحاتم محمد بن حبان البستي رحمه الله كما في "الموارد" ص (645): أخبرنا محمد بن الحسين (¬2) بن مكرم حدثنا سريج بن يونس حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبومالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة عن ¬

(¬1) كثير بن يحيى: شيعي له مناكير كما في الميزان ونهى عباس العنبري عن الأخذ عنه. وكل السند سواه ثقات إلا شيخ الطبراني واسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث أبوإسحاق يعرف بابن نائلة وهي أمه. ترجم له أبونعيم في أخبار أصبهان (ج1 ص188) وأبوالشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (ج2 ص103). (¬2) في الأصل: (محمد بن الحسن)، وصوابه: (ابن الحسين) كما في تذكرة الحفاظ ص (735).

النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يقول إبراهيم يوم القيامة: يا ربّاه. فيقول الله جلّ وعلا: يا لبّيكاه. فيقول إبراهيم: يا ربّ حرّقت بنيّ. فيقول: أخرجوا من النّار من كان في قلبه ذرّة أو شعيرة من إيمان)). الحديث رجاله رجال الصحيح (¬1)، وشيخ ابن حبان محمد بن الحسين بن مكرم، قال الدارقطني: ثقة، كما في "تذكرة الحفاظ". 110 - قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج7 ص253): حدثنا عبد الله بن الحسين بن بالويه الصوفي ثنا محمد بن محمد بن علي ثنا محمد بن عبدك ثنا مصعب بن خارجة ثنا أبي (¬2) ثنا مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: {((عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا} قال: يخرج الله قومًا من النّار من أهل الإيمان والقبلة بشفاعة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فذلك المقام المحمود، فيؤتى بهم إلى نهر يقال له: الحيوان، فيلقون فيه فينبتون كما ينبت الثعارير، ويخرجون فيدخلون الجنّة فيسمّون: الجهنّميّين، فيطلبون إلى الله أن يذهب عنهم ذلك الاسم فيذهب عنهم)). غريب من حديث مسعر لم نكتبه إلا من حديث مصعب عن أبيه. الحديث في سنده عطية بن سعد العوفي، وخارجة بن مصعب ومصعب ابن خارجة. أما عطية فضعيف وشيعي ومدلس. قال الحافظ الذهبي في "الميزان": ¬

(¬1) وإسناده على شرط مسلم لأن أبا مالك سعد بن طارق روى له مسلم والبخاري خارج الصحيح. (¬2) أبوه: هو خارجة بن مصعب.

وقال أحمد: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنيه (¬1) بأبي سعيد: فيقول: قال أبوسعيد. قال الحافظ الذهبي: قلت: يوهم أنه أبوسعيد الخدري. اهـ وأما خارجة بن مصعب فقال الحافظ الذهبي في "الميزان": وهّاه أحمد، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال أيضًا كذّاب. وقال البخاري: تركه ابن المبارك ووكيع. وقال الدارقطني وغيره: ضعيف، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه. اهـ وأما ولده مصعب بن خارجة فقال الحافظ الذهبي في "الميزان": مجهول. اهـ فالحديث بهذا السند ضعيف جدًا. 111 - قال الآجري رحمه الله في "الشريعة" ص (346): أخبرنا ابن (¬2) ذريح العكبري قال: حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبومعاوية عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لقد بلغت الشّفاعة يوم القيامة حتى أنّ الله عزّ وجلّ ليقول للملائكة: أخرجوا برحمتي من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان. قال: ثمّ يخرجهم حفنات بيده بعد ذلك. هذا الأثر في سنده إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، قال الحافظ الذهبي في "الميزان": قال البخاري: تركوه. ونهى أحمد عن حديثه، وقال الجوزجاني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا تحل الرواية عندي عن إسحاق ¬

(¬1) في الميزان: (وكان يكنى). فنقلت العبارة المناسبة من تهذيب التهذيب. (¬2) في الأصل: (أبوذريح). والصواب ما أثبتناه وقد تقدمت ترجمته التعليق (1) ص (78).

ابن أبي فروة. وقال أبوزرعة وغيره: متروك. اهـ 112 - قال الإمام ابن عدي في "الكامل" (ج3 ص1178): ثنا أبويعلى ثنا أبوالربيع الزهراني عن سلمة بن صالح ثنا سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ليدخلنّ الجنّة قوم من المسلمين قد عذبوا في النّار برحمة الله وشفاعة الشّافعين)). الحديث منكر فيه سلمة بن صالح ضعيف جدًا. وأبوالزعراء ترجمه الذهبي في "الميزان" فقال: عبد الله بن هانئ أبوالزعراء صاحب ابن مسعود، قال البخاري: لا يتابع على حديثه، سمع منه سلمة بن كهيل حديثه عن ابن مسعود في الشفاعة: ثمّ يقوم نبيكم صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم رابعًا (¬1). والمعروف أنه عليه الصلاة والسلام أول شافع. قاله البخاري. وقد أخرج النسائي الحديث مختصرًا. اهـ ¬

(¬1) تقدم هذا الأثر برقم (30) ص (61).

فصل ذكر خبر ظاهره يخالف ما تقدم من الأحاديث الدالة على خروج الموحدين من النار وتوجيهه

فصل ذكر خبر ظاهره يخالف ما تقدم من الأحاديث الدالة على خروج الموحدين من النار وتوجيهه 113 - قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص95): حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يجمع الله النّاس يوم القيامة في صعيد واحد، ثمّ يطّلع عليهم ربّ العالمين فيقول: ألا يتبع كلّ إنسان ما كانوا يعبدونه، فيمثّل لصاحب الصّليب صليبه، ولصاحب التّصاوير تصاويره، ولصاحب النّار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطّلع عليهم ربّ العالمين فيقول: ألا تتّبعون النّاس. فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا هذا مكاننا حتّى نرى ربّنا. وهو يأمرهم ويثبّتهم ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيقول: ألا تتّبعون النّاس. فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا وهذا مكاننا حتّى نرى ربّنا. وهو يأمرهم ويثبّتهم)) قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال: ((وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟)) قالوا: لا يا رسول الله. قال: ((فإنّكم لا تضارّون في رؤيته تلك السّاعة، ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيعرّفهم نفسه، ثمّ يقول: أنا ربّكم فاتّبعوني. فيقوم المسلمون ويوضع الصّراط، فيمرّون عليه مثل جياد الخيل والرّكاب، وقولهم عليه سلّم سلّم، ويبقى أهل النّار فيطرح منهم فيها فوج، ثمّ يقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ ثمّ يطرح فيها فوج، فيقال: هل

امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ حتّى إذا أوعبوا فيها وضع الرّحمن قدمه فيها، وأزوى بعضها إلى بعض، ثمّ قال: قطْ. قالت: قطْ قطْ. فإذا أدخل الله أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، قال: أتي بالموت ملبّبًا، فيوقف على السّور الّذي بين أهل الجنّة وأهل النّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة. فيطّلعون خائفين، ثمّ يقال: يا أهل النّار. فيطّلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة، فيقال لأهل الجنّة وأهل النّار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه هو الموت الّذي وكّل بنا. فيضجع فيذبح ذبحًا على السّور الّذي بين الجنّة والنّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود لا موت، ويا أهل النّار خلود لا موت)). هذا حديث حسن صحيح. الحديث رواه أحمد (ج2 ص368 - 369) وعنده متابعة حفص بن ميسرة لعبد العزيز بن محمد وهو الدراوردي. قال أبوعبد الرحمن: وذبْح الموت يكون بعد الشّفاعات، ومن يخرج من النار من الموحدين كما في "مسند أحمد" (ج2 ص344)، قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا موسى بن داود ثنا ليث (¬1) عن محمد بن عجلان عن أبي الزناد (¬2) عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه قال: ((إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، نادى مناد: يا أهل الجنّة خلودًا فلا موت فيه، ويا أهل النّار خلودًا فلا موت فيه)). ¬

(¬1) ليث: هو ابن سعد المصري. (¬2) أبوالزناد لم يسمع من أبي هريرة، فالحديث منقطع من هذا الوجه.

قال: وذكر لي خالد بن زيد (¬1) أنه سمع أبا الزبير يذكر مثله عن جابر وعبيد بن عمير، إلا أنه يحدث عنهما أن ذلك بعد الشّفاعات ومن يخرج من النّار. فائدتان: الأولى: عقّب الترمذي هذا الحديث بحديث بعده يدل على ذبح الموت ثم قال: وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم روايات كثيرة، مثل ذا ما يذكر فيه أمر الرؤية أن الناس يرون ربّهم، وذكر القدم وما أشبه هذه الأشياء، والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل: سفيان الثوري ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة وابن المبارك ووكيع وغيرهم أنّهم رووا هذه الأشياء وقالوا: تروى هذه الأحاديث ويؤمن بها، ولا يقال: كيف؟ وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن يرووا هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسّر ولا يتوهّم، ولا يقال: كيف؟ وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه، ومعنى قوله في الحديث ((فيعرّفهم نفسه)) يعني: يتجلى لهم. اهـ الثانية: إذا قرئت هذه الأحاديث على بعض المتعصبة طعنوا فيها ولو رجعوا إلى كتب أئمتهم لوجدوا فيها ما يلزمهم بقبولها، ففي "أمالي المرشد بالله" (ج1 ص28) حديث أنس بسنده: ((يخرج من النّار من قال: لا إله إلاّ الله، وفي قلبه وزن ذرّة من الخير)). ¬

(¬1) الظاهر أنه خالد بن يزيد الجمحي، وأنّها سقطت الياء. والقائل: (وذكر لي) هو الليث بن سعد فهو من الرواة عن خالد بن يزيد الجمحي، والله أعلم.

وقبل هذا الحديث حديث أبي هريرة: ((من قال: لا إله إلاّ الله، نفعه من دهره ولو بعد ما يصيبه العذاب)). وفي سند حديث أبي هريرة حفص الغاضري، وهو حفص بن سليمان المقرئ كما في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (ج2 ص48) و"ميزان الاعتدال"، وقد قال الحافظ الذهبي في "الميزان": كان ثبتًا في القراءة، واهيًا في الحديث.

فصل في أول من يشفع له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم

فصل في أول من يشفع له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم 114 - قال الحافظ الخطيب رحمه الله في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (ج2 ص48): أخبرنا محمد بن علي بن الفتح أخبرنا أبوالحسن علي بن عمر الدارقطني حدثنا أبوالقاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي حدثنا أبوالربيع الزهراني حدثنا حفص بن أبي داود عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أوّل من أشفع له من أمّتي أهل بيتي، ثمّ الأقرب فالأقرب، ثمّ الأنصار، ثمّ من آمن بي واتّبعني من اليمن، ثمّ سائر العرب، ثمّ الأعاجم ومن أشفع له أوّلاً أفضل)). قال أبوالحسن: غريب من حديث ليث عن مجاهد تفرد به حفص بن أبي داود عنه، وهو حفص بن سليمان بن المغيرة أبوعمر المقرئ صاحب عاصم ابن أبي النجود في القراءة. اهـ الحديث ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" (ج3 ص250) وقال: أما ليث فغاية في الضعف عندهم إلا أن المتّهم بهذا حفص، قال أحمد ومسلم والنسائي: هو متروك. وقال عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش: متروك يضع. اهـ وأقره السيوطي في "اللآلئ" (ج2 ص450).

115 - قال البخاري في "التاريخ" (ج5 ص404): عبد الله قال: ح (¬1) حرمي ابن عمارة حدثنا سعيد بن السائب الطائفي حدثنا عبد الملك بن أبي زهير ابن عبد الرحمن الطائفي أن حمزة بن عبد الله بن أبي تيماء الثقفي أخبره أن القاسم بن جبير أخبره أن عبد الملك بن عباد بن جعفر أخبره (¬2) سمع النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أوّل من أشفع له أهل المدينة)). تمام الحديث كما في "أسد الغابة" (ج3 ص510)، و"مجمع الزوائد" (ج10 ص381): ((وأهل مكّة وأهل الطائف))، وكذا في "الجامع الصغير"، وفي "الإصابة" (ج2 ص423): ((ثمّ أهل مكّة، ثمّ أهل الطائف)). الحديث قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه جماعة لم أعرفهم. قال أبوعبد الرحمن: أما عبد الله: فهو ابن محمد المسندي من أشهر مشايخ البخاري. وحرمي بن عمارة: من رجال الصحيح. وسعيد بن السائب الطائفي: ترجمته في "تهذيب التهذيب" وثّقه ابن معين وغيره. وأما عبد الملك بن أبي زهير فذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (ج5 ¬

(¬1) (ح) هنا إشارة لـ (حدثنا) أو (حدثني)، وهذا غير معهود في كتب المصطلح، بل قال ابن الجزري: إنه مما أحدثه بعض العجم، وليس من اصطلاح أهل الحديث. اهـ فتح المغيث (ج2 ص190). (¬2) في التاريخ زيادة: (عن جرير)، فجعله من مسند جرير، وليست موجودة في مجمع الزوائد والاستيعاب والإصابة. وزيادة: (جرير) خطأ، لعله من النساخ أو المطبعة.

ص414) وذكر الحديث في ترجمته ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (ج5 ص351) وذكر أنه روى عنه سعيد بن السائب الطائفي وأبوأمية بن يعلى ومحمد بن مسلم الطائفي، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً فهو مستور الحال، ولذلك قال الإمام الذهبي في "الميزان": لا يكاد يعرف. وأما حمزة بن عبد الله بن أبي تيماء الثقفي فذكره البخاري (ج3 ص49) وما ذكر عنه راويًا سوى عبد الملك بن أبي زهير، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وهكذا ابن أبي حاتم (ج3 ص213) لم يذكر عنه راويًا سوى عبد الملك فهو مجهول العين. وأما القاسم بن جبير فذكره البخاري (ج7 ص169) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، ورجّح المعلق على "التاريخ" (ج5 ص404) أنه القاسم ابن حبيب بن جبير، ينسب تارة إلى أبيه وتارة إلى جده. والحديث بهذا السند ضعيف لأن أغلب رواته مجهولون، والله أعلم. 116 - قال ابن عدي في "الكامل" (ج5 ص2005): حدثنا إبراهيم بن أسباط ثنا أبوالأشعث ثنا زهير بن العلاء ثنا عطاء بن أبي ميمونة عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أوّل من أشفع له من أمّتي العرب الّذين رأوني وآمنوا بي وصدّقوني ثمّ أشفع للعرب الّذين لم يروني وأحبّوني وأحبّوا رؤيتي)) (¬1). شيخ ابن عدي لم أجد ترجمته. ¬

(¬1) ذكر ابن عدي هذا في ترجمة عطاء بن أبي ميمونة.

وأبوالأشعث: هو أحمد بن المقدام العجلي ثقة ثبت. وزهير بن العلاء قال أبوحاتم: أحاديثه موضوعة. اهـ من "الميزان".

فصل في طلب الشفاعة من المخلوق فيما يقدر عليه

فصل في طلب الشفاعة من المخلوق فيما يقدر عليه 117 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص138): ثنا عثمان بن عمر أنا شعبة عن أبي جعفر قال: سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: ((إن شئت دعوت لك وإن شئت أخّرت ذاك فهو خير)) فقال: ادعه. فأمره أن يتوضّأ فيحسن وضوءه فيصلّي ركعتين ويدعو بهذا الدّعاء: اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرّحمة، يا محمّد إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجتي هذه فتقضي لي، اللهمّ شفّعه فيّ. ثنا روح (¬1) قال: ثنا شعبة عن أبي جعفر المديني قال: سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدّث عن عثمان بن حنيف أنّ رجلاً ضريرًا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال: يا نبيّ الله ادع الله أن يعافيني. فقال: ((إن شئت أخّرت ذلك فهو أفضل لآخرتك، وإن شئت دعوت لك)) قال: لا بل ادع الله لي. فأمره أن يتوضّأ وأن يصلّي ركعتين وأن يدعو بهذا الدّعاء: ((اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم نبيّ الرّحمة، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي في حاجتي هذه ¬

(¬1) روح: هو ابن عبادة.

فتقضى، وتشفّعني فيه وتشفّعه فيّ. قال: فكان يقول هذا مرارًا، ثمّ قال بعد -أحسب أنّ فيها: أن تشفّعني فيه- قال: ففعل الرّجل فبرأ. الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص226) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وهو غير الخطمي. وأخرجه ابن ماجه (ج1 ص441)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (ج6 ص209 - 210) وذكر ما فيه من الاختلاف على أبي جعفر، فتارة يرويه عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف، وتارة عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف عن عمه (وهو عثمان بن حنيف). وأخرجه ابن السني ص (234)، والحاكم (ج1 ص313) وقال: صحيح على شرطهما. وص (519) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وص (562) من طريق روح بن القاسم عن

أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف، وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وسكت عليه الذهبي في الثلاثة المواضع. قال أبوعبد الرحمن: وقوله في ص (313): على شرطهما ليس كما قال فإن عمارة بن خزيمة: ليس من رجال الشيخين، وإنما هو من رجال أصحاب "السنن"، فالأولى التعبير بـ (صحيح) كما حكم عليه ص (519). - قال الطبراني رحمه الله في "المعجم الصغير" (ج1 ص183): حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المقري المصري التميمي حدثنا أصبغ بن الفرج حدثنا عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان ابن حنيف أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثمّ ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثمّ قل: اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم نبيّ الرّحمة، يا محمّد إني أتوجّه بك إلى ربي عزّ وجلّ ليقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورحْ إليّ حتّى أروح معك. فانطلق الرّجل فصنع ما قال عثمان له، ثمّ أتى باب عثمان بن عفّان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفّان فأجلسه معه على الطّنفسة، وقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثمّ قال له: ما ذكرت حاجتك حتّى كانت هذه السّاعة. وقال له: ما كان لك من حاجة فائتنا، ثمّ إنّ الرّجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرًا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت حتى كلّمته فيّ، فقال عثمان ابن حنيف: والله ما كلّمته ولكن شهدت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وأتاه ضرير فشكا عليه ذهاب بصره فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أو تصبر؟)) فقال: يا رسول الله إنّه ليس لي قائد وقد شقّ عليّ. فقال له النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ايت الميضاة فتوضأ، ثمّ صل ركعتين، ثمّ ادع بهذه الدّعوات)). قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث حتّى دخل علينا الرّجل كأنّه لم يكن به ضرر قط. لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبوسعيد المكي وهو ثقة، وهو الذي يحدث عنه ابنه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد

الأيلي، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي، واسمه عمير ابن يزيد وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة، والحديث صحيح. فوائد تتعلق بهذا الحديث: الأولى: قول الترمذي رحمه الله: (إن أبا جعفر ليس بالخطمي) ليس بصحيح، قال شيخ الإسلام في "التوسل والوسيلة" ص (102): هكذا قال الترمذي، وسائر العلماء قالوا: هو أبوجعفر الخطمي وهو الصواب. اهـ فعلى هذا فقول صاحب "صيانة الإنسان" ص (376): (إن الحديث ضعيف لأن في سنده عيسى بن أبي عيسى أبا جعفر الرازي التميمي) ليس بصحيح، بل الذي في السند: الخطمي، وهو عمير بن يزيد وهو ثقة كما تقدم عن الطبراني. وقد اغتر صاحب "تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد" بقول الترمذي، وقال ص (244): إن في ثبوته نظرًا لأن أبا جعفر لا يعرف. اهـ مختصرًا. وكذا الحافظ في "تهذيب التهذيب" في (الكنى) فقال: أبوجعفر عن عمارة بن خزيمة، وعنه شعبة، قال الترمذي: ليس هو الخطمي. وكذا في "التقريب"، فقال: أبوجعفر عن عمارة بن خزيمة، قال الترمذي: ليس هو الخطمي، فلعله الذي بعده. وقد عرفت أنه الخطمي وأنه ثقة معروف. الثانية: قول صاحب "صيانة الإنسان" ص (377): (إن في سند هذه الزيادة التي عند الطبراني روح بن صلاح وهو ضعيف، فمن أجل ذلك

تضعّف هذه الزيادة) ليس بصحيح، بل الذي في سندها روح بن القاسم كما جاء مصرحًا به في "المعجم الصغير" للطبراني، ولكن تضعيف هذه الزيادة من حيث كونها تدور على شبيب بن سعيد، وحاصل كلام الذهبي في "الميزان" نقلاً عن ابن عدي، وكلام الحافظ في "مقدمة الفتح" أن حديثه لا يصح إلا إذا كان من رواية ابنه أحمد عنه عن يونس بن يزيد الأيلي، وهذا ليس من روايته عن يونس (¬1) فمن أجل ذلك تضعّف هذه الزيادة وتكون منكرة، والله أعلم. الثالثة: هذا الحديث ليس فيه حجة للذين يدعون غير الله، لأن الأعمى إنما طلب من النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم الدعاء والشّفاعة، وقوله: (يا محمد) نداء لحاضر فيما يقدر عليه وهو الدعاء والشفاعة، وإن كنت تريد المزيد راجعت "التّوسل والوسيلة" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد جمع طرقه وتكلم عليه بما فيه كفاية، فجزاه الله خيرًا. 118 - قال أبوداود (ج5 ص94): حدثنا عبد الأعلى بن حماد ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار وأحمد بن سعيد الرياطي قالوا: حدثنا وهب بن جرير -قال أحمد: كتبناه من نسخته، وهذا لفظه- قال: حدثنا أبي قال: سمعت محمد ابن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: أتى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أعرابيّ فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس، وضاعت العيال ونهكت ¬

(¬1) وهو في هذا الحديث من رواية ابن وهب عنه، ورواية ابن وهب عنه ضعيفة، وقد ذكر له البيهقيّ -كما في التوسل والوسيلة - متابعين: أحمد بن شبيب بن سعيد وأخاه إسماعيل. فتضعف الزيادة من أجل أنّها ليست من رواية شبيب عن يونس. والله أعلم.

الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا، فإنّا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك. قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ويحك أتدري ما تقول؟)) وسبّح رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فما زال يسبّح حتّى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثمّ قال: ((ويحك إنّه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله؟ إنّ عرشه على سمواته لهكذا -وقال بأصبعه مثل القبّة- عليه وإنّه ليئطّ (¬1) به أطيط الرّحل بالرّاكب)). قال ابن بشّار في حديثه: ((إنّ الله فوق عرشه، وعرشه فوق سمواته)) وساق الحديث. وقال عبد الأعلى وابن المثنّى وابن بشار عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير عن أبيه عن جده، والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح، وافقه عليه جماعة منهم: يحيى بن معين وعلي بن المديني، ورواه جماعة عن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضًا، وكان سماع عبد الأعلى وابن المثنى وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني. الحديث أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في "الرّد على الجهمية" ص (19)، وابن خزيمة ص (103)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (ج2 ص224)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص (417) وقال ص (418): وهذا الحديث ينفرد به محمد بن إسحاق بن يسار عن يعقوب بن عتبة، وصاحبا الصحيح لم يحتجا به إنما استشهد مسلم بن الحجاج بمحمد بن ¬

(¬1) الأطيط: صوت الأقتاب. أي أنه ليعجز عن حمله وعظمته، إذ كان معلومًا أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله. اهـ بتصرف من النهاية.

إسحاق في أحاديث معدودة أظنهن قد رواهن غيره، وذكره البخاري في الشواهد ذكرًا من غير رواية، وكان مالك بن أنس لا يرضاه، ويحيى بن سعيد القطان لا يروي عنه، ويحيى بن معين يقول: ليس هو بحجة. وأحمد ابن حنبل يقول: يكتب عنه هذه الأحاديث -يعني المغازي ونحوها- فإذا جاء الحرام والحلال أردنا قومًا هكذا -يريد أقوى منه-. فإذا كان لا يحتج به في الحلال والحرام فأولى ألاّ يحتج به في صفات الله سبحانه وتعالى، وإنما نقموا عليه في روايته عن أهل الكتاب، ثم عن ضعفاء الناس وتدليسه أساميهم، فإذا روى عن ثقة وبيّن سماعه منهم فجماعة من الأئمة لم يروا به بأسًا. وهو إنما روى هذا الحديث عن يعقوب بن عتبة، وبعضهم يقول: عنه وعن جبير بن محمد ولم يبيّن سماعه منهما، واختلف عليه في لفظه كما ترى اهـ المراد من "الأسماء والصفات". وقال الحافظ الذهبي في "العلوّ" ص (39): هذا حديث غريب جدًا فرد وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم هذا أم لا؟ وأما الله عزّ وجل فليس كمثله شيء جلّ جلاله، وتقدّست أسماؤه ولا إله غيره. إلى أن قال: ثم لفظ الأطيط لم يأت به نصّ ثابت. اهـ المراد من "العلوّ". فكلام هذين الحافظين يدل على ضعف هذا الحديث، والله أعلم. 119 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص178): ثنا يونس بن محمد ثنا حرب بن ميمون عن النضر بن أنس عن أنس قال: سألت نبيّ الله صلّى الله

فصل

عليه وعلى آله وسلّم أن يشفع لي يوم القيامة، قال: قال (¬1): ((أنا فاعل بهم)) قال: فأين أطلبك يوم القيامة يا نبيّ الله؟ قال: ((اطلبني أوّل ما تطلبني على الصّراط)) قال: قلت: فإذا لم ألقك على الصّراط؟ قال: ((فأنا عند الميزان)) قال: قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: ((فأنا عند الحوض، لا أخطئ هذه الثّلاث مواطن يوم القيامة)). الحديث أخرجه الترمذي (ج4 ص42) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. فائدة: ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في "النهاية" (ج2 ص36) أن الحوض قبل الصراط، قال: وظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط، وكذلك الميزان، وهذا لا أعلم به قائلاً، اللهم إلا أن يكون يراد بهذا الحوض حوضًا آخر يكون بعد الجواز على الصراط كما جاء في بعض الأحاديث، ويكون ذلك حوضًا ثانيًا لا يذاد عنه أحد. والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ فصل 120 - قال الإمام الذهبي في "الميزان" في ترجمة يزيد بن أبان الرقاشي البصري: موسى بن إسماعيل حدثنا نوح بن قيس عن يزيد الرقاشي عن أنس -مرفوعًا-: ((يشفّع الله آدم في مائة ألف ألف وعشرة آلاف ألف)). ثم قال: لا يعرف هذا إلا عند التبوذكي. اهـ يزيد بن أبان الرقاشي، قال الحافظ في التقريب: زاهد ضعيف. ¬

(¬1) في الترمذي: (فقال: ((أنا فاعل)))، وليس فيه (قال) الأولى ولا ((بهم)).

فصل في شفاعة المؤمنين

فصل في شفاعة المؤمنين قد تقدمت أحاديث في شفاعة الأنبياء والملائكة والمؤمنين، وهذه بقية الأحاديث الواردة في شفاعة المؤمنين. 121 - قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص46): حدثنا أبوعمار الحسين بن حريث أخبرنا الفضل بن موسى عن زكريا بن أبي زائدة عن عطية عن أبي سعيد أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ من أمّتي من يشفع للفئام (¬1)، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرّجل حتّى يدخلوا الجنّة)). هذا حديث حسن. الحديث أخرجه أحمد (ج3 ص20، 63) وفيه عطية العوفي وهو ضعيف ومدلس، قال الذهبي في "الميزان": قال أحمد: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبوسعيد. قلت: يعني يوهم أنه الخدري. وقال النسائي وجماعة: ضعيف. اهـ والتصريح بأنه الخدري عند أحمد يحتمل أنه من الرواة عنه، والله أعلم. ¬

(¬1) الكثيرة. اهـ من النهاية.

122 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص212): ثنا حسن بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن عبد الله بن قيس قال: سمعت الحارث بن أقيش يحدث أن أبا برزة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إنّ من أمّتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر، وإنّ من أمّتي لمن يعظم للنّار حتّى يكون ركنًا من أركانها)). ثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن عبد الله بن قيس عن الحارث بن أقيش قال: كنا عند أبي برزة ليلةً فحدّث ليلتئذ عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه قال: ((ما من مسلمين يموت لهما أربعة أفراط إلاّ أدخلهما الله الجنّة بفضل رحمته)) قالوا: يا رسول الله وثلاثة؟ قال: ((وثلاثة)) قالوا: واثنان (¬1)؟ ((وإنّ من أمّتي لمن يدخل الجنّة بشفاعته مثل مضر)) قال: ((واثنان -قال:- وإنّ من أمّتي لمن يعظم للنّار حتّى يكون أحد زواياها (¬2)). الحديث أخرجه أيضًا أحمد (ج5 ص312) من حديث الحارث بن أقيش عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وابن خزيمة ص (313 - ¬

(¬1) كذا في هذا الموضع من المسند وفي (ج5 ص31): قالوا: يا رسول الله واثنان؟ قال: ((واثنان، وإنّ من أمّتي لمن يعظم للنّار حتّى يكون أحد زواياها، وإنّ من أمّتي لمن يدخل بشفاعته الجنّة أكثر من مضر)). فهذا هو الصواب والأول تصحيف، وهو كذلك -كما في الموضع الثاني- في مجمع الزوائد (ج3 ص8)، والترغيب والترهيب للمنذري (ج2 ص712) غير أن فيها ((مثل مضر)). (¬2) الزوايا: جمع زاوية، فعلى هذا، الذي تقتضيه اللغة أن يكون الحديث ((إحدى زواياها)) وما وجدته بهذا اللفظ في إلا في مستدرك الحاكم (ج1 ص71)، فلعله لوحظ للتذكير في اسم يكون أو لما في معنى الزاوية من معنى الركن، والله أعلم.

314)، وابن ماجه (ج2 ص1446)، والطبراني في "الكبير" (ج3 ص301)، والحاكم (ج1 ص71 وج4 ص593) وقال في الموضعين: صحيح على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبي. وقال الحافظ في "الإصابة" في ترجمة الحارث بن أقيش: أخرج ابن ماجة حديثه في الشفاعة بسند صحيح، وله حديث آخر فيمن مات له ثلاثة من الولد، وقد أخرجه ابن خزيمة مجموعًا إلى الحديث الآخر، ووقع عند البغوي تصريحه بسماعه من النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. تنبيهان: الأول: الحديث في "مسند أحمد" (ج4 ص212) من حديث أبي بزة، وقد قال الهيثمي في "المجمع" (ج3 ص8 وج10 ص381): رواه أحمد ورجاله ثقات. فينظر في سند البغوي الذي فيه تصريح الحارث بن أقيش بالسماع. الثاني: الحديث من جميع طرقه، سواء أكان من مسند أبي برزة أم من مسند الحارث بن أقيش، يدور على عبد الله بن قيس النخعي وهو مجهول كما في "التقريب". وقال علي بن المديني كما في "تهذيب التهذيب": عبد الله بن قيس الذي روى عنه داود بن أبي هند سمع الحارث بن وقيش (¬1)، وعنه داود بن أبي هند مجهول لم يرو عنه غير داود ليس إسناده بالصافي. اهـ فعلى هذا فقول الحاكم: (صحيح على شرط مسلم) في الموضعين وقول الحافظ في "الإصابة": (إن سنده صحيح) ليس بصحيح، بل هو حديث ¬

(¬1) قال الحافظ في التقريب: الحارث بن أقيش بالقاف والمعجمة مصغرًا وقد تبدل الهمزة واوًا.

ضعيف والله أعلم. 123 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص257): ثنا يزيد قال: ثنا حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي أمامة أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((ليدخلنّ الجنّة بشفاعة رجل ليس بنبيّ مثل الحيّين أو مثل أحد الحيّين ربيعة ومضر)) فقال رجل: يا رسول الله أو ما ربيعة من مضر؟ فقال: ((إنّما أقول ما أقوّل)). الحديث أخرجه أيضًا ص (261) وص (267)، والآجري في "الشريعة" ص (351) والطبراني (ج8 ص169). والحديث رجاله رجال الصحيح إلا عبد الرحمن بن ميسرة أبا سلمة الحمصي فقد قال ابن المديني: إنه مجهول، ولكنه قد روى عنه ثلاثة، ووثّقه العجلي كما في "تهذيب التهذيب"، وقال الحافظ في "التقريب": مقبول، يعني إذا توبع وإلا فليّن، وقد تابعه أبوغالب حزوّر عند أبي نعيم في "أخبار أصبهان" (ج1 ص287)، والطبراني في "الكبير" (ج8 ص330) وفي السند إليه مبارك بن فضالة (¬1) وهو مدلس شديد التدليس، ولم يصرح بالتحديث. والطريقان يكفيان في ثبوت الحديث، ولذا يقول المناوي في "فيض القدير" (ج4 ص130): قال العراقي: إسناده حسن. ثم وجدت له متابعًا آخر وهو القاسم بن عبد الرحمن عند الطبراني في "الكبير" (ج8 ص280). 124 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص469): ثنا إسماعيل بن إبراهيم ¬

(¬1) وقد تابع المبارك بن فضالة الحسين بن واقد عند الطبراني في الكبير (ج8 ص330).

قال: ثنا خالد (¬1) عن عبد الله بن شقيق قال: جلست إلى رهط أنا رابعهم بإيلياء، فقال أحدهم: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((ليدخلنّ الجنّة بشفاعة رجل من أمّتي أكثر من بني تميم)) قلنا: سواك يا رسول الله؟ قال: ((سواي)) قلت: أنت سمعته؟ قال: نعم. فلمّا قام قلت: من هذا؟ قالوا: ابن أبي الجدعاء. ثنا عفان ثنا وهيب قال: ثنا خالد عن عبد الله بن شقيق به. الحديث أخرجه الإمام أحمد (ج5 ص366)، والترمذي (ج4 ص46) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وابن أبي الجدعاء هو عبد الله، وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد. وابن ماجه (ج2 ص1444)، والدارمي (ج2 ص328)، والطيالسي (ج2 ص229) من "ترتيب المسند"، والبخاري في "التاريخ" (ج2 ص27)، وابن حبان كما في "الموارد" ص (646)، والحاكم (ج1 ص70 - 71) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح قد احتجا برواته، وعبد الله بن شقيق تابعيّ محتجّ به، وإنما تركاه لما تقدم ذكره من تفرد التابعي عن الصحابي (¬2). قال أبوعبد الرحمن: والحديث على شرط مسلم. ¬

(¬1) خالد هو الحذاء كما جاء مصرحًا به عند الترمذي. (¬2) قال أبوعبد الرحمن: قد أكثر الحاكم من الإنكار على الشيخين رحمهما الله حيث تركا أحاديث بعض الصحابة الذين ليس لهم إلا راو واحد ظانًا أنّهما تركاها لتفرد التابعي عن الصحابي وليس كذلك، فقد أخرجا لجماعة من الصحابة تفرد التابعي عن الصحابي كما في الإلزامات للدارقطني، وعذرهما فيما لم يخرجاه أنّهما لم يلتزما أن يخرجا كل حديث صحيح كما صرحا بذلك.

125 - قال ابن ماجة رحمه الله (ج2 ص1215): حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يصفّ النّاس يوم القيامة صفوفًا -وقال ابن نمير: أهل الجنّة- فيمرّ الرّجل من أهل النّار على الرّجل فيقول: يا فلان أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك شربةً؟ قال: فيشفع له ويمرّ الرّجل فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهورًا؟ فيشفع له)). قال ابن نمير: ((ويقول: يا فلان أما تذكر يوم بعثتني في حاجة كذا وكذا فذهبت لك؟ فيشفع له)). الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" ص (99) من مجموعة كتب له. والحديث ضعيف لأن في سنده يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف وقال النسائي وغيره: متروك كما في "الميزان". 126 - قال الترمذي (ج4 ص46): حدثنا أبوهشام الرفاعي عن عمر بن يزيد الكوفي: حدثني يحيى بن اليمان عن جسر أبي جعفر (¬1) عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يشفع عثمان بن عفّان رضي الله عنه يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر)). ¬

(¬1) في الأصل: حسين بن جعفر. والصواب هو ما أثبتناه كما في الشريعة للآجري ص (299) وفي الترمذي بتحقيق إبراهيم عطوة عوض (ج4 ص627)، ولكون المباركفوري شرح على النسخة التي فيها حسين بن جعفر قال في التحفة (ج3 ص299) -طبعة هندية-: إنه لم يجد حسين بن جعفر في التقريب، ولا في تهذيب التهذيب ولا في الميزان.

الحديث أخرجه الآجري في "الشريعة" ص (299)، وهو حديث ضعيف لإرساله لا سيما وهو من مراسيل الحسن، وقد قال العراقي: إن مراسيل الحسن عندهم كالريح، قاله السيوطي في "تدريب الراوي" ص (124). والحديث مسلسل بمن يغلب عليه الضعف: 1 - جسر أبوجعفر: قال البخاري في "التاريخ الكبير": ليس بذلك، وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": نا علي بن الحسن الهسنجاني قال: قال يحيى بن المغيرة: قدم جسر الري فنهاني جرير أن أكتب عنه. وذكر ابن أبي حاتم توثيقه عن سعيد بن عامر، وذكر أيضًا أن ابن معين قال: لا شيء. وذكر أيضًا أن أباه قال: ليس بالقوي، وكان رجلاً صالحًا. 2 - يحيى بن يمان: قال الحافظ في "التقريب": صدوق يخطئ كثيرًا وقد تغير. 3 - محمد بن يزيد الرفاعي: وثّقه الدارقطني، وقال أحمد والعجلي: لا بأس به. وقال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه. وقال ابن نمير: كان يسرق الحديث. اهـ مختصرًا من "الميزان". ثم وجدت للحديث طريقًا أخرى صحيحة إلى الحسن، قال الإمام أحمد رحمه الله في "الزهد" ص (343): حدثنا حسين (¬1) حدثنا حماد بن مسلمة عن يونس عن الحسن أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((ليخرجنّ من النّار بشفاعة رجل ما هو نبيّ أكثر من ربيعة ومضر)). قال الحسن: وكانوا يرون أنه عثمان رضي الله عنه، أو أويس رضي الله عنه. ¬

(¬1) حسين: هو ابن محمد المؤدب.

وقال عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" ص (344): حدثني أحمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا أبوبكر بن عياش عن هشام عن الحسن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يدخل الجنّة بشفاعة رجل من أمّتي أكثر من ربيعة ومضر)). قال هشام: فأخبرني حوشب عن الحسن قال: هو أويس القرني. قال أبوبكر: قلت لرجل من قوم أويس: بأيّ شيء بلغ هذا؟ قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. قال أبوبكر: ومات أويس بسجستان. قال: فوجد معه أكفان لم تكن معه. اهـ الحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" (ج3 ص405) وهو مرسل من الثلاث الطرق إلى الحسن. وقد جاء هذا الحديث من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا. ذكره ابن حبان في "الضعفاء" (ج2 ص292) وقال: لا أصل له. يعني من حديث ابن عمر. 127 - قال الحاكم رحمه الله (ج3 ص103): حدثنا أحمد بن كامل القاضي ثنا أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي ثنا الفضل بن جبير الوراق ثنا خالد ابن عبد الله الطحان المزني عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت قاعدًا عند النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إذ أقبل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلمّا دنا منه قال: ((يا عثمان تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة، فتقع قطرة من دمك على {فسيكفيكم الله وهو السّميع العليم} وتبعث يوم القيامة أميرًا على كل مخذول، يغبطك أهل المشرق والمغرب، وتشفّع في عدد ربيعة ومضر)).

قال الحافظ الذهبي في "التلخيص": كذب بحت، وفي الإسناد أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي وهو المتهم به. اهـ قلت: وفيه الفضل بن جبير الوراق قال العقيلي: لا يتابع على حديثه كما في "الميزان" و"اللسان". 128 - قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج10 ص304): حدثنا محمد بن علي بن حبيش (¬1) ثنا أبوالعباس بن عطاء الصوفي ثنا يوسف بن موسى القطان ثنا الحسن بن بشر البلخي ثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أبي مليح عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يدخل الجنّة بشفاعة رجل من أمّتي أكثر من بني تميم)). الحديث أخرجه الخطيب (ج5 ص26) في ترجمة أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء أبي العباس. والحديث في سنده: قتادة: وهو مدلس ولم يصرح بالتحديث. والحكم بن عبد الملك: ضعفه ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبوداود: منكر الحديث. كما في "الميزان". وفيه أيضا أبوالعباس بن عطاء: وهو أحمد بن محمد بن عطاء الأدمي ترجم له أبونعيم في "الحلية" (ج10 ص302)، والخطيب (ج5 ص26)، والذهبي في "العبر" (ج2 ص144)، وأبوعبد الرحمن السلمي في "طبقات الصوفية" ص (265)، وابن العماد في "شذرات الذهب" (ج2 ص257)، ¬

(¬1) في تاريخ بغداد (ج3 ص86): وثقه أبونعيم والبرقاني وابن أبي الفوارس.

وكلهم لم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلاً، بل يثنون عليه في عبادته وزهده، وهذا لا يكفي بل لا بد من شروط القبول في ثبوت الحديث. أما الحافظ ابن كثير فقد قال في "البداية والنهاية" (ج11 ص144): كان موافقًا للحلاج في بعض اعتقاده على ضلاله. اهـ المراد من "البداية". 129 - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (314): حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: ثنا يحيى بن يمان عن سفيان (¬1) عن آدم بن علي عن ابن عمر قال: يقول النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم للرّجل: ((يا فلان، قم فاشفعْ)) فيقوم الرّجل فيشفع للقبيلة ولأهل البيت وللرّجل وللرّجلين على قدر عمله. الحديث أخرجه أبونعيم في "الحلية" (ج7 ص105) وفي سنده يحيى بن يمان، قال الحافظ في "التقريب": صدوق يخطئ كثيرًا وقد تغيّر. وفي "تهذيب التهذيب": قال زكريا الساجي: ضعفه أحمد، وقال: حدث عن الثوري بعجائب. وقال وكيع: هذه الأحاديث التي يحدث بها يحيى بن يمان ليست من أحاديث الثوري. اهـ المراد منه. قال أبوعبد الرحمن: وهذا من روايته عن الثوري كما ترى. 130 - قال ابن ماجه رحمه الله (ج2 ص1443): حدثنا سعيد بن مروان ثنا أحمد بن يونس ثنا عنبسة بن عبد الرحمن عن علاق بن أبي مسلم عن أبان ابن عثمان عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى ¬

(¬1) سفيان: هو ابن سعيد الثوري.

آله وسلّم: ((يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثمّ العلماء ثمّ الشّهداء)). الحديث أخرجه الآجري في "الشريعة" ص (350)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (ج1 ص37). والحديث ضعيف جدًا لأن في سنده علاق بن أبي مسلم، قال الذهبي في "الميزان": وهّاه الأزدي وما ليّنه القدماء. اهـ وفيه عنبسة بن عبد الرحمن: قال الذهبي في "الميزان": قال البخاري: تركوه. وروى الترمذي عن البخاري: ذاهب الحديث. وقال أبوحاتم: كان يضع الحديث. اهـ ولعل آفة الحديث هو عنبسة والله أعلم. 131 - قال ابن عبد البر رحمه الله في "جامع بيان العلم وفضله" (ج1 ص25): حدثني خلف بن القاسم (¬1) قال: حدثنا علي بن أحمد بن سعيد بن زكير قال: حدثنا علي بن يعقوب قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن أبي المدور قال: أخبرنا حبيب بن إبراهيم قال: حدثنا شبل بن العلاء عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يبعث الله العالم والعابد، فيقال للعابد: ادخل الجنّة. ويقال للعالم: اشفعْ للنّاس كما أحسنت أدبهم)) قال شبل: يعني تعليمهم. الحديث في سنده شبل بن العلاء: قال ابن عدي: روى أحاديث مناكير ليست أحاديثه محفوظة. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: روى عنه ابن ¬

(¬1) خلف بن القاسم: ترجمته في تذكرة الحفاظ، قال الذهبي: وكان من الحفاظ المحققين، وقال: وكان ابن عبد البر لا يقدم عليه أحدًا من شيوخه.

أبي فديك نسخة مستقيمة. اهـ المراد من "لسان الميزان". وفيه أيضًا حبيب بن إبراهيم شيخ مجهول لقيه قتيبة بن سعيد بالإسكندرية فزعم أنه سمع من أنس بن مالك فحدّثه بنسخة رواها عن قتيبة الحسن بن الطيب البلخي وفيها مناكير كثيرة. اهـ من "لسان الميزان". وقد صدره الحافظ المنذري رحمه الله في "الترغيب والترهيب" (ج1 ص102) بـ (روي) التي هي علامة الضعف كما نبّه على ذلك في المقدمة. 132 - قال الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (ج1 ص20): أنا عبد الغفار بن محمد بن جعفر أنا عمر بن أحمد الواعظ نا عبد الله بن عمر بن سعيد الطالقاني نا عمار بن عبد المجيد نا محمد بن مقاتل الرازي عن أبي العباس جعفر بن هارون الواسطي عن سمعان بن مهدي عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا كان يوم القيامة يقول تعالى للعابد: ادخل الجنّة فإنّما كانتْ منفعتك لنفسك. ويقال للعالم: اشفعْ تشفّع فإنّما كانت منفعتك للنّاس)). الحديث موضوع، فقد قال الذهبي في سمعان: حيوان لا يعرف، ألصقت به نسخة مكذوبة قبّح الله من وضعها. اهـ من "الميزان". 133 - قال مسلم رحمه الله (ج1 ص57): حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن الصنابحي (¬1) ¬

(¬1) الصنابحيان اثنان: الصنابح بن الأعسر: صحابي أوردت له حديثًا في الصحيح المسند ((إني فرطكم على الحوض ... ))، والآخر: عبد الرحمن بن عسيلة يكنى بأبي عبد الله تابعي روى عن أبي بكر الصديق ولم يسمع من رسول الله.

عن عبادة بن الصامت أنه قال: دخلت عليه وهو في الموت فبكيت فقال: مهلاً لم تبكي؟ فوالله لئن استشهدت لأشهدنّ لك، ولئن شفّعت لأشفعنّ لك، ولئن استطعت لأنفعنّك، ثم قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لكم فيه خير إلاّ حدثْتكموه إلاّ حديثًا واحدًا وسوف أحدّثكموه اليوم، وقد أحيط بنفسي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((من شهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدًا رسول الله حرّم الله عليه النّار)). الحديث أخرجه الترمذي (ج4 ص132)، وأحمد (ج6 ص318)، وابن خزيمة ص (340)، ويعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج2 ص362)، وابن حبان في "صحيحه" (ج1 ص245) من "ترتيب الصحيح"، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص (99 - 100) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. 134 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص357): ثنا عفان ثنا أبوعوانة ثنا زياد بن علاقة قال: سمعت جرير بن عبد الله قام يخطب يوم توفي المغيرة بن شعبة فقال: عليكم باتّقاء الله عزّ وجلّ والوقار والسّكينة حتّى يأتيكم أمير، فإنّما يأتيكم الآن، ثمّ قال: اشفعوا لأميركم فإنّه كان يحبّ العفو، وقال: أمّا بعد فإنّي أتيت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقلت: أبايعك على الإسلام. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم واشترط عليّ النّصح لكلّ مسلم، فبايعته على هذا، وربّ هذا المسجد إنّي لكم لناصح جميعًا، ثمّ استغفر ونزل. الحديث رجاله رجال الصحيح، وأصله في الصحيحين إلا أنّه في

الصحيحين قال: (استعفوا لأميركم). أي اطلبوا له العفو، وهو المناسب لقوله: (فإنه كان يحب العفو). لأن الجزاء من جنس العمل، قال الحافظ في "الفتح" (ج1 ص139): قوله: (استعفوا لأميركم) كذا في معظم الروايات بالعين المهملة، وفي رواية ابن عساكر: (استغفروا) بغين معجمة وزيادة راء، وهي رواية الإسماعيلي في "المستخرج". اهـ قال أبوعبد الرحمن: بما أن مخرج الحديث واحد، والخطبة واحدة، فالظاهر أن ما في "مسند أحمد" تصحيف، أو شذ بها بعض الرواة، على أنه قد جاء في "المسند" (ج4 ص361): (استغفروا). 135 - قال الطبراني رحمه الله كما في "الكبير" (ج22 ص304): حدثنا أحمد ابن خليد الحلبي ثنا أبوتوبة الربيع بن نافع ثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبد الله بن عامر أن قيس بن الحارث الكندي حدّث الوليد أن أبا سعد الأنصاري حدثه أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ ربّي وعدني أن يدخل الجنّة من أمّتي سبعين ألفًا بغير حساب، ويشفع كلّ ألف لسبعين ألفًا، ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفّيه)) قال قيس: فقلت لأبي سعد: أنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ فقال: نعم، بأذني ووعاه قلبي. قال أبوسعد: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((وذاك إن شاء الله مستوعب مهاجري أمّتي ويوفي الله من أعرابنا)). وقد روى هذا الحديث أبوسهل بن عسكر عن أبي توبة الربيع بن نافع بإسناد مثله وزاد: قال أبوسعيد: فحسب ذلك عند رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فبلغ أربعمائة ألف ألف وتسعين ألفًا.

الحديث قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الإصابة" في ترجمة أبي سعيد الأنماري: وقال أبوأحمد: لست أحفظ له اسمًا ولا نسبًا، وحديثه في أهل الشام. ثم أورد من طريق مروان بن محمد عن معاوية بن سلام أخي زيد بن سلام أنه سمع جده أبا سلام الحبشي (¬1) قال: حدثني عبد الله بن عامر اليحصبي سمعت قيس بن حجر يحدث عن عبد الملك بن مروان قال: حدثني أبوسعيد الأنماري أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ... وذكر الحديث. ثم قال الحافظ: سنده صحيح، وكلهم من رجال الصحيح إلا قيس بن حجر وهو شامي ثقة، ولكن أخرجه الحاكم أبوأحمد أيضًا من طريق أبي توبة عن معاوية بن سلام فقال: إن قيس بن حجر الكندي حدث الوليد بن عبد الملك أن أبا سعيد الخير حدثه. وأخرجه الطبراني من طريق أبي توبة فقال: إن أبا سعيد الأنماري (¬2)، وقال: قيس بن الحارث. وأخرجه أيضًا من وجه آخر عن الزبيدي عن عبد الله بن عامر فقال: عن قيس بن الحارث أن أبا سعد الخير الأنصاري حدثه، فذكر طرفًا منه. فمن هذا الاختلاف يتوقف في الجزم بصحة هذا السند. اهـ المراد من "الإصابة". 136 - قال أبونعيم رحمه الله تعالى في "أخبار أصبهان" (ج1 ص148): حدثنا ¬

(¬1) في الإصابة: (الخشني)، والصواب ما أثبتناه، وأبوسلام هو ممطور الحبشي. (¬2) أبوسعيد الأنماري: ويقال له أبوسعد الخير، وذكره الطبراني بأبي سعيد الأنصاري، وفي الميزان أبوسعيد الحبراني، وعند ابن ماجه أبوسعيد الخير، وكذا أسماه ابن حبان في ثقاته: ولا يدرى من ذا.

محمد بن عبد الرحمن بن مخلد (¬1) حدثني أحمد بن الزبير بن هارون المديني ثنا همام بن محمد بن النعمان ثنا إسحاق بن بشر الكاهلي ثنا أبومعشر عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا كان عشيّة يوم عرفة أشرف الرّبّ عزّ وجلّ من عرشه إلى عباده فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثًا غبرًا قد أقبلوا يضربون إليّ من كلّ فج عميق، أشهدكم أنّي قد شفّعت محسنهم في مسيئهم، وأنّي قد غفرت لهم جميع ذنوبهم إلا التبعات الّتي بينهم وبين خلقي. قال: فإذا أتوا المزدلفة، وشهدوا جمعًا، ثم أتوا منًى فرموا الجمار وذبحوا وحلقوا، ثمّ زاروا البيت، قال: يا ملائكتي أشهدكم أنّي قد شفّعت محسنهم في مسيئهم، وأنّي قد غفرت لهم جميع ذنوبهم، وأنّي قد خلفتهم في عيالاتهم، وأنّي قد استجبت لهم جميع ما دعوا به، وأنّي قد غفرت لهم التبعات الّتي بينهم وبين خلقي، وعليّ رضاء عبادي)). الحديث أعاده أبونعيم في "أخبار أصبهان" في ترجمة همام بن محمد بن النعمان (ج2 ص341). وهو حديث موضوع لأن في سنده إسحاق بن بشر الكاهلي وهو كذّاب كما في "الميزان"، وأبومعشر السندي الأكثرون (¬2) على تضعيفه كما في "الميزان". ¬

(¬1) محمد بن عبد الرحمن بن مخلد: هو محمد بن عبد الرحمن بن سهل بن مخلد، وقد ترجم له أبونعيم في أخبار أصبهان (ج2 ص294) وقال: رحل إلى الشام ومصر والعراق، أحد من يرجع إلى حفظ ومعرفة له المصنفات والشيوخ. (¬2) وقال الحافظ في التقريب: ضعيف أسنّ واختلط.

وأحمد بن الزبير وهمام بن محمد ترجم لهما أبونعيم في "أخبار أصبهان"، ولم يذكر فيهما جرحًا ولا تعديلاً. 137 - قال الأزرقي رحمه الله في "أخبار مكة" (ج2 ص4): حدثني يحيى بن سعيد عن أخيه علي بن سعيد عن سعيد بن سالم أخبرنا إسماعيل بن عياش عن مغيرة بن قيس التميمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: من توضّأ وأسبغ الوضوء، ثمّ أتى الرّكن يستلمه خاض في الرّحمة، فإن استلمه فقال: بسم الله، والله أكبر، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله غمرته الرّحمة، فإذا طاف بالبيت كتب الله عزّ وجلّ له بكلّ قدم سبعين ألف حسنة، وحطّ عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، وشفّع في سبعين من أهل بيته، فإذا أتى مقام إبراهيم عليه السّلام فصلّى عنده ركعتين إيمانًا واحتسابًا كتب الله له كعتق أربعة عشر محررًا من ولد إسماعيل، وخرج من خطيئته كيوم ولدته أمّه. قال القداح: وزاد فيه آخر: وأتاه ملك قال له: اعمل لما بقي فقد كفيت ما مضى. حدثني يحيى بن سعيد بن سالم القداح حدثنا خلف بن ياسين عن أبي الفضل الفراء عن المغيرة بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا خرج المرء يريد الطّواف بالبيت أقبل يخوض في الرّحمة، فإذا دخله غمرته، ثمّ لا يرفع قدمًا ولا يضع قدمًا إلاّ كتب الله عزّ وجلّ له بكلّ قدم خمسمائة حسنة وحطّ عنه خمسمائة سيئة -أو قال: خطيئة- ورفعت له خمسمائة درجة، فإذا فرغ

من طوافه فصلّى ركعتين دبر المقام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه وكتب له أجر عتق عشر رقاب من ولد إسماعيل، واستقبله ملك على الرّكن فقال له: استأنف العمل فيما بقي فقد كفيت ما مضى، وشفّع في سبعين من أهل بيته)). الحديث بالسند الأول موقوف على عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمرو يحدث عن كتب أهل الكتاب فقد ظفر بزاملتين يوم اليرموك من كتب أهل الكتاب فصار يحدّث منهما، على أن في السند إليه من لا تقوم به حجة: 1 - مغيرة بن قيس: قال أبوحاتم: منكر الحديث. كما في "الميزان". 2 - إسماعيل بن عياش: روايته عن غير أهل بلده ضعيفة، ومغيرة بصري كما في "الميزان". 3 - يحيى بن سعيد القداح: قال الذهبي في "الميزان": له مناكير. أما علي بن سعيد بن سالم القداح فلم أجد له ترجمة. وأما السند الثاني ففيه خلف بن ياسين، قال الذهبي في "الميزان": خلف ابن ياسين بن معاذ الزيات عن المغيرة بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: من خرج يريد الطّواف خاض في الرحمة، فإذا دخله غمرته ... -وذكر الحديث إلى قوله:- وشفع في سبعين من أهل بيته. ثم ذكر له حديثًا آخر وقال بعده: هذا موضوع، وهو كما ترى متناقض. اهـ وكلام العقيلي كما في "لسان الميزان" يفيد أن خلفًا مجهول. وفي السند أيضًا يحيى بن سعيد القداح وقد تقدم ما قيل فيه. أما المغيرة بن سعيد فلم أجد له ترجمة وليس بالمغيرة بن سعيد الرافضي

الكذاب فالرافضي أعلى منه طبقةً. وكذا أبوالفضل الفراء ما وجدت له ترجمة، وأظنه زيد في "أخبار مكة" إذ الحديث في "الميزان" عن خلف عن مغيرة بدون واسطة، والله أعلم. 138 - قال عبد الرزاق (ج5 ص17) من "المصنف": عمن سمع قتادة يقول: حدثنا خلاس بن عمرو عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يوم عرفة: ((أيّها النّاس إنّ الله تطوّل عليكم في هذا اليوم فيغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، اندفعوا بسم الله، فإذا كان بجمع قال: إنّ الله قد غفر لصالحكم، وشفّع صالحكم في طالحكم، تنْزل المغفرة فتعمّهم، ثمّ تفرّق المغفرة في الأرضين، فتقع على كلّ تائب ممن حفظ لسانه ويده، وإبليس وجنوده على جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم، فإذا نزلت المغفرة دعا هو وجنوده بالويل يقول: كنت أستفزهم حقبًا من الدّهر ثمّ جاءت المغفرة فغشيتهم فيتفرقون وهم يدعون بالويل والثبور)). الحديث قال الهيثمي (ج3 ص257): رواه الطبراني في "الكبير" وفيه راو لم يسمّ وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (ج2 ص216) وقال: راويه عن قتادة مجهول، وخلاس ليس بشيء كان مغيرة لا يعبأ به، وقال أيوب: لا ترو عنه فإنه صحفي. اهـ قال أبوعبد الرحمن: في كلام أبي الفرج تحامل على خلاس، وقد اختلف فيه، والموثقون له أكثر، والجرح فيه غير مفسر إلا أنه صحفي، فالظاهر أن ضعف الحديث من أجل المبهم، وينظر هل سمع خلاس من عبادة أم لا؟ فإنه

يروي عن من لم يسمع منه كما في "تهذيب التهذيب" و"جامع التحصيل". 139 - قال أبونعيم في "الحلية" (ج7 ص235): حدثنا أبوالطيب عبد الواحد ابن الحسن المقرئ الكوفي ثنا الحسن بن محمد بن شريح ثنا أبويزيد بن طريف ثنا زكرياء بن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثنا إسماعيل بن يحيى عن مسعر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((من خرج حاجًا يريد وجه الله فقد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وشفع فيمن دعا له)). غريب من حديث مسعر لم نكتبه إلا من هذا الوجه. الحديث في سنده إسماعيل بن يحيى التيمي، قال الذهبي في "الميزان": روى عن أبي سنان الشيباني وابن جريج ومسعر الأباطيل، وقال صالح بن محمد جزرة: كان يضع الحديث. وقال الأزدي: ركن من أركان الكذب لا تحل الرواية عنه. وقال أبوعلي النيسابوري الحافظ والدارقطني والحاكم: كذاب. قال الذهبي: قلت: مجمع على تركه. اهـ مختصرًا من "الميزان". 140 - قال الإمام أحمد رحمه الله في "المسند" (ج3 ص217): ثنا أنس بن عياض حدثني يوسف بن أبي بردة الأنصاري عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((ما من معمّر يعمّر في الإسلام أربعين سنةً إلاّ صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين سنةً ليّن الله عليه الحساب، فإذا بلغ ستّين رزقه الله الإنابة إليه بما يحبّ، فإذا بلغ سبعين سنةً أحبّه الله وأحبّه أهل السّماء، فإذا بلغ الثّمانين قبل الله حسناته وتجاوز عن سيّئاته، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وسمّي

أسير الله في أرضه وشفع لأهل بيته)). الحديث أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (ج3 ص132) في ترجمة يوسف بن أبي بردة وقال: لا يجوز الاحتجاج به بحال. - وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص89): ثنا أبوالنضر ثنا الفرج ثنا محمد بن عامر عن محمد بن عبيد الله عن عمرو بن جعفر عن أنس بن مالك قال: إذا بلغ الرّجل المسلم أربعين سنةً آمنه الله من أنواع البلايا: من الجنون والبرص والجذام، وإذا بلغ الخمسين ليّن الله عزّ وجلّ عليه حسابه، وإذا بلغ السّتّين رزقه الله إنابةً يحبّه عليها، وإذا بلغ السّبعين أحبّه الله وأحبّه أهل السّماء، وإذا بلغ الثّمانين تقبّل الله منه حسناته ومحا عنه سيّئاته، وإذا بلغ التّسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر وسمّي أسير الله في الأرض وشفّع في أهله. ثنا هاشم ثنا الفرج حدثني محمد بن عبد الله العامري عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم مثله. - وقال أحمد بن منيع في "مسنده" كما في "اللآلي المصنوعة" (ج1 ص138): حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن عبد الواحد بن راشد عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا بلغ العبد أربعين آمنه الله تعالى من البلايا الثلاث: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين خفّف الله عنه الحساب، وإذا بلغ ستّين رزقه الله الإنابة إليه، فإذا بلغ سبعين أحبّه أهل السّماء، فإذا بلغ االثّمانين أثبت الله تعالى له الحسنات ومحا عنه السّيّئات، فإذا بلغ التّسعين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، وسماه أهل

السّماء أسير الله في الأرض)) اهـ وفي "الموضوعات" لابن الجوزي: ((وشفّع في أهل بيته)). - (¬1) وقال أبونعيم رحمه الله في "أخبار أصبهان" (ج1 ص346): حدثنا ¬

(¬1) بعض الطرق من هذه، وبعض الطرق من التي ستأتي حكم عليها ابن الجوزي بالوضع في كتابه الموضوعات (ج1 ص179 - 181)، فذكره من طريق عباد المهلبي عن عبد الواحد ابن راشد عن أنس به، ومن طريق الفرج بن فضالة به، ومن طريق عزرة، وستأتي عندنا، ثم قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فأما الطريق الأول ففيه يوسف بن أبي بردة، قال ابن حبان: يروي المناكير التي لا أصل لها من كلام رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، ولا يحل الاحتجاج به بحال، روى عن جعفر بن عمرو عن أنس، هذا الحديث. وقال يحيى بن معين: يوسف ليس بشيء.

عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أحمد بن محمود بن صبيح ثنا الحجاج بن يوسف بن قتيبة ثنا الصباح بن عاصم الأصبهاني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((صاحب الأربعين يصرف عنه أنواع البلاء والأمراض والجذام والبرص وما أشبهه، وصاحب الخمسين يرزق الإنابة، وصاحب السّتّين يخفّف عنه الحساب، وصاحب السّبعين يحبّه الله والملائكة في السّماء، وصاحب الثّمانين تكتب حسناته ولا تكتب سيّئاته، وصاحب التّسعين أسير الله في الأرض يشفع في نفسه وفي أهل بيته)). - وقال الحافظ أبويعلى (ج6 ص351): حدثنا منصور بن أبي مزاحم حدثني خالد الزيات حدثني داود بن سليمان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم الأنصاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه -رفع الحديث- قال: ((المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتب لوالده أو لوالديه وما عمل من سيّئة لم تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث جرى عليه القلم أمر الملكان الّلذان معه أن يحفظا وأن يشددا فإذا بلغ أربعين سنةً في الإسلام آمنه الله من البلايا الثلاثة: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين خفّف الله من حسابه، فإذا بلغ السّتين رزقه

الله الإنابة إليه بما يحبّ، فإذا بلغ السّبعين أحبّه أهل السّماء، فإذا بلغ الثّمانين كتب الله له حسناته وتجاوز عن سيّئاته. فإذا بلغ التّسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وشفّعه في أهل بيته، وكان أسير الله في أرضه، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئًا كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحّته من الخير، فإذا عمل سيّئةً لم تكتب عليه)). قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره": هذا حديث غريب جدًا وفيه نكارة شديدة (¬1)، ومع هذا فقد رواه الإمام أحمد، ثم ذكر الحديثين المتقدمين من "المسند". - وقال البزار رحمه الله كما في "تفسير ابن كثير" رحمه الله (ج3 ص208): عن عبد الله بن شبيب (¬2) عن أبي شيبة عن عبد الله بن عبد الملك عن أبي قتادة العدوي عن ابن أخي الزهري عن عمه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ما من عبد يعمّر في الإسلام أربعين سنةً إلاّ صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين سنةً ليّن الله له الحساب، فإذا بلغ ستين سنةً رزقه الله الإنابة إليه بما يحبّ، فإذا بلغ سبعين سنةً غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر (¬3)، وسمّي أسير الله وأحبّه أهل السّماء، فإذا بلغ الثّمانين تقبّل الله منه حسناته وتجاوز عن سيّئاته، فإذا بلغ التّسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه ¬

(¬1) وسنده ضعيف أيضًا فخالد وشيخه مجهولان. (¬2) عبد الله بن شبيب شيخ للبزار، تالف، ذاهب الحديث، كما في الميزان. (¬3) ليس في سائر الروايات من حديث أنس أنه يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إذا بلغ السبعين، ولكن إذا بلغ التسعين.

وما تأخّر، وسمّي أسير الله في أرضه، وشفّع في أهل بيته)). - وقال البيهقي في "الزهد" كما في "اللآلي المصنوعة" (ج1 ص144): حدثنا أبوعبد الله الحافظ وغيره قالوا: حدثنا أبوالعباس (¬1) محمد بن يعقوب حدثنا بكر بن سهل حدثنا عبد الله بن محمد بن رمح بن المهاجر أنبأنا ابن وهب عن حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن أنس به. قال السيوطي نقلاً عن الحافظ: وهذا أمثل طرق الحديث فإن رجاله ثقات، وبكر بن سهل وإن كان النسائي تكلّم فيه فقد توبع عليه، قال إسماعيل بن الفضل الاخشيد في "فوائده": حدثنا أبوطاهر بن عبد الرحيم حدثنا أبوبكر بن المقري حدثنا أبوعروبة الحراني حدثنا مخلد بن مالك حدثنا الصنعاني، هو حفص بن ميسرة به. قال الحافظ كما في "اللآلي" (ج1 ص140): ومخلد بن مالك وثّقه أبوزرعة ولا أعلم فيه جرحًا، وباقي الإسناد أثبات، فلو لم يكن لهذا الحديث سوى هذا لكان كافيًا في الرّدّ على من حكم بوضعه فضلاً عن أن يكون له أسانيد أخرى. اهـ المراد من "اللآلي المصنوعة". 141 - قال الحاكم رحمه الله في "المستدرك" (ج3 ص478): حدثنا عبد الله بن إسحاق الخراساني العدل ببغداد ثنا جعفر بن محمد بن شاكر ثنا عثمان بن الهيثم ثنا الهيثم بن الأشعث عن محمد بن عمارة الأنصاري عن جهم بن عثمان السلمي عن محمد بن عبد الله (¬2) بن عمرو بن عثمان عن عبد الله بن ¬

(¬1) في اللآلي: (العباس بن محمد يعقوب)، والصواب ما أثبتناه، وهو الأصم كما في القول المسدد. (¬2) في المستدرك: (عن عبد الله عن عمرو بن عثمان)، والظاهر هو ما أثبتناه لما سيأتي من= =قول الحافظ: إن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان لم يدرك عبد الله بن أبي بكر.

أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إذا بلغ المرء المسلم أربعين سنةً صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء: الجنون والجذام والبرص، وإذا بلغ خمسين سنةً غفر له ذنبه ما تقدّم منه وما تأخّر، وكان أسير الله في الأرض، والشّفيع في أهل بيته يوم القيامة)). قال الحافظ السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (ج1 ص141): في إسناده ضعف وإرسال، قال الحافظ ابن حجر: وفي رواته من لا يعرف حاله، ثم هو منقطع بين محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وبين عبد الله بن أبي بكر فإن وفاة عبد الله قبل وجود (¬1) محمد. اهـ وذكر الحافظ نحو ذلك في "الإصابة"، وقال في آخره: قال الدارقطني: في إسناده نظر تفرّد به عثمان بن الهيثم المؤذن عن رجال ضعفاء. اهـ المراد من "الإصابة". 142 - قال البغوي في "معجمه" وأبويعلى في "مسنده" كما في "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (ج1 ص139): حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا عزرة بن قيس الأزدي حدثنا أبوالحسن الكوفي عن عمرو ابن أوس قال: قال محمد بن عمرو بن عثمان عن عثمان بن عفان عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إذا بلغ العبد الأربعين خفّف الله تعالى عنه حسابه، فإذا بلغ الخمسين ليّن الله عليه الحساب، فإذا بلغ السّتين رزقه الله الإنابة إليه، فإذا بلغ سبعين أحبّه أهل السّماء، فإذا بلغ الثّمانين أثبتتْ حسناته، ومحيتْ سيّئاته، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما ¬

(¬1) في اللآلي: (قبل وفاة محمد)، والأقرب للسياق ما أثبتناه.

تأخّر، وشفّعه في أهل بيته، وكتب في أهل السّماء أسير الله في أرضه)). قال أبوعبد الرحمن: غالب أسانيد هذه الأحاديث تدور على مجروحين ومجاهيل إلا الحديث الذي رواه البيهقي في "الزهد" مع متابعة بكر بن سهل، فالذي يظهر لي أن الحديث بمجموع طرقه صالح للحجية. والله أعلم. وإن كنت تريد المزيد راجعت "القول المسدد في الذبّ عن مسند أحمد" ص (29) -إلى آخر البحث حول الحديث-، و"اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (ج1 ص138) -إلى آخر البحث حول الحديث-، و"الخصال المكفرة" للحافظ ابن حجر (ج1 ص264) -من الرسائل المنيرية- و"مجمع الزوائد" (ج10 ص205 - 206)، فقد قال في بعض طرق حديث أنس: رواه البزار بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات. 143 - قال ابن حبان في "الضعفاء" (ج1 ص276): وقد روى حمزة بن أبي حمزة عن عطاء بن أبي رباح ونافع عن ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم صلى على مقبرة فقيل له: يا رسول الله، أيّ مقبرة هذه؟ قال: ((هي مقبرة بأرض العدوّ يقال لها: عسقلان، يفتحها ناس من أمّتي يبعث الله منها سبعين ألف شهيد، يشفع الرّجل منهم في مثل ربيعة ومضر، ولكلّ عروس في الجنّة، وعروس الجنّة عسقلان)). أنبأه الحسن بن سفيان ثنا سويد بن سعيد ثنا حفص بن ميسرة ثنا حمزة ابن أبي حمزة. اهـ قال ابن حبان: ينفرد -أي حمزة بن أبي حمزة- بالأشياء الموضوعات كأنه كان المتعمد لها، لا تحل الرواية عنه. الحديث أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (ج2 ص52)، وقال

ص (54): في سنده حمزة بن أبي حمزة، قال أحمد بن حنبل: هو مطروح الحديث. وقال يحيى: ليس بشيء لا يساوي فلسًا. وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن عدي: يضع الحديث. ثم ذكر قول ابن حبان المتقدم. وفي سند الحديث سويد بن سعيد، وقد كان ابن معين يحمل عليه، وقال صالح جزرة: سويد صدوق إلا أنه عمي فكان يلقّن ما ليس من حديثه. اهـ من "الميزان". وقد ذكر السيوطي في "اللآلئ" (ج1 ص461) لهذا الحديث شاهدًا لكنّه من طريق العباس بن الوليد، وقد قال أبوحاتم: يكتب حديثه، شيخ. وقال الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: كان عالمًا بالرّجال والأخبار لا أحدث عنه. اهـ وقال عبد الرحمن المعلمي رحمه الله في تعليقه على "الفوائد المجموعة" ص (431): رواه الدولابي في "الكنى" (ج2 ص63)، وقال: منكر جدًا وهو شبه حديث الكذابين. ثم قال المعلمي: وفي سنده الهذيل بن مسعر الأنصاري لم أجده، وليس هو بهزيل أو هذيل بن مسعدة الذي ذكره البخاري وابن أبي حاتم فإنّهما وصفاه بأنه أخو علي بن مسعدة وعلي باهلي. اهـ 144 - قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج2 ص241): حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: ثنا علي بن إسحاق قال: ثنا الحسين بن الحسن قال:

ثنا عبد الله بن المبارك (¬1) عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: بلغنا أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((يكون في أمّتي رجل يقال له: صلة، يدخل الجنّة بشفاعته كذا وكذا)). الحديث أخرجه ابن المبارك في "الزهد" ص (297)، وهو حديث معضل فإن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يروي عن التابعين. 145 - قال ابن خزيمة رحمه الله ص (315): حدثنا إسحاق بن منصور قال: ثنا عبد الرزاق عن معمر قال: أخبرني ثابت البناني أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّ الرّجل يشفع للرّجلين وللثّلاثة، والرّجل للرّجل)). الحديث رجاله رجال الصحيح، وفي رواية معمر عن ثابت ضعف لكنها تصلح في الشواهد والمتابعات. 146 - قال الحاكم رحمه الله (ج3 ص399): حدثني أبوعمرو محمد بن جعفر ابن محمد بن مطر العدل الزاهد وأنا سألته ثنا أبوحبيب العباس بن أحمد بن محمد بن عيسي القاضي ثنا أبوبكر عبد الله بن عبيد الله الطلحي ثنا عبد الله ابن محمد بن إسحاق بن موسى بن طلحة بن عبيد الله حدثني أبوحذيفة ¬

(¬1) رجال الإسناد:

الحصين بن حذيفة بن صيفي بن صهيب عن أبيه عن جده عن صهيب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول في المهاجرين الأوّلين: ((هم السّابقون الشّافعون المدلّون على ربّهم تبارك وتعالى، والّذي نفسي بيده إنّهم ليأتون يوم القيامة وعلى عواتقهم السّلاح فيقرعون باب الجنّة، فتقول لهم الخزنة: من أنتم؟ فيقولون: نحن المهاجرون. فتقول لهم الخزنة: هل حوسبتم؟ فيجثون على ركبهم، وينثرون ما في جعابهم ويرفعون أيديهم إلى السّماء فيقولون: أي ربّ، وماذا نحاسب؟ فقد خرجْنا وتركْنا الأهل والمال والولد فيمثّل الله لهم أجنحةً من ذهب مخوّصةً بالزبرجد والياقوت، فيطيرون حتّى يدخلوا الجنّة فذلك قوله {وقالوا الحمد لله الّذي أذهب عنّا الحزن} الآية إلى {لغوب})) قال أبوحذيفة: قال حذيفة: قال صيفي: قال صهيب قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((فلهم بمنازلهم في الجنّة أعرف منهم بمنازلهم في الدّنيا)). غريب الإسناد والمتن، ذكرته في (مناقب صهيب) لأنه من المهاجرين الأولين، والراوي للحديث أعقابه، والحديث لأصحابه، ولم نكتبه إلا عن شيخنا الزاهد أبي عمرو رحمه الله. الحديث أخرجه أبونعيم في "الحلية" (ج1 ص156). وقال الذهبي رحمه الله متعقبًا الحاكم: قلت: بل كذب، وإسناده مظلم. 147 - قال أبوداود رحمه الله (ج3 ص34): حدثنا أحمد بن صالح حدثنا يحيى ابن حسان حدثنا الوليد بن رباح الذماري حدثني عمي نمران بن عتبة الذماري قال: دخلنا على أمّ الدّرداء ونحن أيتام، فقالت: أبشروا فإنّي

سمعت أبا الدّرداء يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يشفّع الشّهيد في سبعين من أهل بيته)). قال أبوداود: صوابه: رباح بن الوليد. الحديث أخرجه ابن حبان كما في "الموارد" ص (388)، والآجري في "الشريعة" ص (350)، والبيهقي (ج1 ص164). والحديث يدور على نمران بن عتبة، وقد قال الذهبي في "الميزان": لا يدرى من هو؟. 148 - قال الترمذي رحمه الله (ج3 ص106): حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا نعيم بن حماد حدثنا بقية بن الوليد عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((للشّهيد عند الله ستّ خصال: يغفر له في أوّل دفعة، ويرى مقعده من الجنّة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدّنيا وما فيها، ويزوّج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، ويشفّع في سبعين من أقاربه)). هذا حديث حسن صحيح غريب. الحديث أخرجه ابن ماجه (ج2 ص935) فقال: حدثنا هشام بن عمار ثنا إسماعيل بن عياش حدثني بحير بن سعيد به. وأخرجه أحمد (ج3 ص131)، والآجري في "الشريعة" ص (349). والحديث يدور علي بحير بن سعيد وهو ثقة، يرويه عن خالد بن معدان وخالد ثقة لكنه يرسل كثيرًا ولم يصرح بالتحديث من المقدام، وقد قال الإسماعيلي كما في "تهذيب التهذيب": بينه وبين المقدام بن معد يكرب

جبير بن نفير، قال الحافظ: وحديثه عن المقدام في "صحيح البخاري". اهـ وكون حديثه عنه في "صحيح البخاري" لا يلزم أنه لا يرسل عنه لكن الحديث في الشواهد فلا يضر. 149 - قال البزار رحمه الله كما في "كشف الأستار" (ج2 ص283): حدثنا سلمة بن شبيب -فيما أحسب- ثنا محمد بن معاوية ثنا مسلم بن خالد عن شريك بن أبي نمر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وذكر الحديث في فضل الشّهداء، وفيه: ((ولا يسألون شيئًا إلاّ أعطوه، ولا يشفعون في شيء إلاّ شفّعوا فيه، ويعطون في الجنّة ما أحبّوا ويتبوؤن من الجنّة حيث أحبّوا)). قال البزار: لا نعلمه عن أنس إلا بهذا الطريق، ومحمد بن معاوية قد حدث بأحاديث لم يتابع عليها، وأحسب هذا أتى منه، لأن مسلم بن خالد لم يكن بالحافظ. الحديث -كما يقول البزار رحمه الله- في سنده محمد بن معاوية وهو النيسابوري، لأن سلمة بن شبيب كان مستمليه كما في "الميزان"، وقد كذبه ابن معين والدارقطني وغيرهما، كما في "الميزان" و"تهذيب التهذيب". 150 - قال البزار رحمه الله كما في "كشف الأستار" (ج2 ص8): حدثنا محمد بن عمر بن هياج ثنا يحيى بن عبد الرحمن (¬1) الأرحبي ثنا عبيدة بن الأسود عن سنان بن الحارث عن طلحة بن مصرف عن مجاهد عن ابن عمر ¬

(¬1) في الأصل بعد يحيى بن عبد الرحمن: (ثنا الأرحبي)، و (ثنا) زيادة لأن يحيى بن عبد الرحمن هو الأرحبي، وهو الذي يروي عنه محمد بن عمر بن هياج، ويحيى يروي عن عبيدة بن الأسود.

قال: كنت جالسًا مع النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم -فذكر الحديث في فضل الحج وفيه- ((إنّ الله يقول لهم عند وقوفهم بعرفة: أفيضوا عبادي مغفورًا لكم ولمن شفعتم له)) الحديث. قال البزار: قد روي هذا الحديث من وجوه، ولا نعلم له أحسن من هذا الطريق. وقال الهيثمي في "المجمع" (ج4 ص275): رواه البزار ورجاله موثقون. قال أبوعبد الرحمن: سنان بن الحارث ذكره ابن أبي حاتم، وذكر أنه روى عنه ثلاثة ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، فهو مستور الحال، وعبيدة ابن الأسود قال أبوحاتم: ما بحديثه بأس. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يعتبر حديثه إذا بيّن السّماع وكان فوقه ودونه ثقات. اهـ من "تهذيب التهذيب". ويحيى بن عبد الرحمن الأرحبي: قال الذهبي في "الميزان": صويلح، وقال الدارقطني: صالح يعتبر به. ومحمد بن عمر بن هياج: قال النسائي: لا بأس به. وقال محمد بن عبد الله الحضرمي: كان ثقة. فعلى هذا فالحديث صالح في الشواهد والمتابعات. 151 - قال البزار رحمه الله كما في "كشف الأستار" (ج2 ص9): حدثنا ابن سنجر ثنا الحسن بن الربيع ثنا العطاف بن خالد المخزومي عن إسماعيل بن رافع عن أنس بن مالك قال: كنت قاعدًا مع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم -فذكر الحديث في فضل الحج وفيه:- ((وأمّا وقوفك عشيّة عرفة فإنّ الله تبارك وتعالى يهبط إلى السّماء الدّنيا فيباهي بكم الملائكة، يقول: هؤلاء عبادي جاءوا شعثًا شفعاء من كلّ فجّ عميق يرجون رحمتي

ومغفرتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرّمل، وكعدد القطر، وكزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورًا لكم ولمن شفعتم له)). الحديث قال الهيثمي في "المجمع" (ج3 ص276): رواه البزار وفيه إسماعيل بن رافع وهو ضعيف. قال أبوعبد الرحمن: الحديث فيه انقطاع، فإنّهم لم يذكروا من مشايخ إسماعيل بن رافع أنسًا، كما في "الميزان" و"تهذيب التهذيب". وإسماعيل بن رافع قال فيه النسائي: ليس بثقة. كما في "تهذيب التهذيب"، فعلى هذا فالحديث لا يثبت بهذا السند. والله أعلم. 152 - قال الإمام الخطيب أبوبكر أحمد بن علي في "التاريخ" (ج3 ص123): وسمعته يقول -يعني محمد بن العباس أبا بكر القاص- حدثنا أبوبكر محمد ابن أحمد المفيد حدثنا الحسن بن علي بن زيد حدثنا حاجب ابن سليمان حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا سفيان بن سعيد الثوري قال: حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال: ((يطلع عليكم رجل لم يخلق الله بعدي أحدًا هو خير منه ولا أفضل، وله شفاعة مثل شفاعة النبيّين)) فما برحنا حتى طلع أبوبكر الصّدّيق، فقام النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقبّله والتزمه. قال أبوعبد الرحمن: ذكر هذا في ترجمة محمد بن العباس أبي بكر القاص وهو تالف. 153 - قال الإمام ابن عدي في "الكامل" (ج1 ص375): حدثنا الحسين بن عبد الغفار الأزدي بمصر حدثنا سعيد بن كثير بن عفير ثنا الفضل بن المختار

عن أبان عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لأبي بكر رضي الله عنه: ((ما أطيب مالك، منه بلال مؤذّني وناقتي الّتي هاجرت عليها، وزوجتي ابنتك وواسيتني بنفسك ومالك كأني أنظر إليك على باب الجنّة تشفع لأمّتي)). الحديث ضعيف جدًا ففيه الحسين بن عبد الغفار، قال الدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: حدثنا عن جماعة لم يحتمل سنّه لقاءهم وله مناكير. اهـ "الميزان". وفيه أيضًا أبان بن أبي عياش ضعيف جدًا، والحديث ذكره الذهبي في "الميزان" في ترجمته. وفيه أيضًا الفضل بن المختار ضعيف جدًا يحدّث بالأباطيل، ينظر "الميزان" و"الكامل" لابن عدي.

فصل في شفاعة الأولاد لآبائهم

فصل في شفاعة الأولاد لآبائهم 154 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص509): ثنا يزيد أنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّ الله عزّ وجلّ ليرفع الدّرجة للعبد الصّالح في الجنّة، فيقول: يا ربّ أنّى لي هذه؟ فيقال: باستغفار ولدك لك)). الحديث رجاله رجال الصحيح. 155 - قال مسلم رحمه الله (ج4 ص2029): حدثنا سويد بن سعيد ومحمد ابن عبد الأعلى -وتقاربا في اللفظ- قالا: حدثنا المعتمر عن أبيه عن أبي السليل (¬1) عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنّه قد مات لي ابنان، فما أنت محدّثي عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بحديث تطيّب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: قال: نعم، ((صغارهم دعاميص الجنّة يتلقّى أحدهم أباه -أو قال: أبويه- فيأخذ بثوبه -أو قال: بيده- كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى -أو قال فلا ينتهي- حتّى يدخله الله وأباه الجنّة)). ¬

(¬1) أبوالسليل: هو ضريب بن نفير، وأبوحسان: هو خالد بن غلاّق.

وفي رواية سويد قال: حدثنا أبوالسليل، ثم قال مسلم: وحدثنيه عبيد الله ابن سعيد حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد- عن التيمي بهذا الإسناد، وقال: فهل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم شيئًا تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم. الحديث أخرجه أحمد (ج2 ص488 وص510)، والبخاري في "الأدب" ص (63)، والبيهقي (ج4 ص67 - 68). 156 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص510): ثنا إسحاق (¬1) أنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلاّ أدخلهما الله وإيّاهم بفضل رحمته الجنّة، وقال: يقال: لهم ادخلوا الجنّة. قال: فيقولون حتّى يجيء أبوانا. قال: ثلاث مرّات، فيقولون مثل ذلك فيقال: لهم ادخلوا الجنّة أنتم وأبواكم)). الحديث رواه النسائي (ج4 ص22)، والبيهقي (ج4 ص68)، وهو على شرط الشيخين. 157 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص105): ثنا أبوالمغيرة (¬2) ثنا حريز قال: ثنا شرحبيل بن شفعة عن بعض أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((يقال للولدان يوم القيامة: ادخلوا الجنّة. قال: فيقولون: يا ربّ حتّى يدخل آباؤنا ¬

(¬1) إسحاق: هو ابن يوسف الأزرق، وعوف: هو ابن أبي جميلة. (¬2) أبوالمغيرة: هو عبد القدوس بن الحجاج، وحريز: هو ابن عثمان.

وأمّهاتنا. قال: فيأتون، قال: فيقول الله عزّ وجلّ: ما لي أراهم محبنطئين (¬1)، ادخلوا الجنّة. قال: فيقولون: يا ربّ آباؤنا وأمّهاتنا. قال: فيقول: ادخلوا الجنّة أنتم وآباؤكم)). الحديث رواه يعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج2 ص343) وسمى الصحابي عتبة بن عبد السلمي، وقال الهيثمي (ج3 ص11): رواه أحمد ورجاله ثقات. وأقول: الحديث في سنده شرحبيل بن شفعة لم يرو عنه إلا حريز، ولم يوثّقه إلا ابن حبان، فهو مجهول العين، وأما ابن حبان فهو يوثّق المجهولين كما في مقدمة "لسان الميزان" و"فتح المغيث". وأما قول أبي داود: إن مشايخ حريز ثقات ففيه نظر، فإن من مشايخ حريز: عبد الرحمن بن ميسرة كما في ترجمة حريز من "تهذيب التهذيب"، وقد قال ابن المديني: إنه مجهول ووثقه العجلي كما في "الميزان"، والعجلي قريب من ابن حبان في توثيق المجهولين. ومن مشايخ حريز القاسم بن عبد الرحمن الشامي: وقد قال الإمام أحمد: روى عنه علي بن يزيد أعاجيب، وما أراها إلا من قبل القاسم، وإن كان القاسم قد وثّق إلا أنّ الجرح فيه مفسّر من الإمام أحمد ومن ابن حبان. وقد اشتهر أن جماعة كانوا لا يروون إلا عن ثقة في الغالب كما في "فتح المغيث" (ج1 ص293)، منهم الإمام أحمد: وقد روى عن عامر بن صالح وغيره من الضعفاء كما في "الصارم المنكي في الرد على السبكي" ¬

(¬1) أي ممتلئين غضبًا كما في لسان العرب.

ص (18 - 19)، ومنهم مالك: وقد روى عن عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف، ومنهم شعبة: وقد قال: لو لم أحدثكم إلا عن ثقة لم أحدثكم عن ثلاثة -وفي نسخة: ثلاثين-. قال السخاوي: وذلك اعتراف منه بأنه يروي عن الثقة وغيره. هذا وقد جاء الحديث من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، ذكره ابن حبان في "الضعفاء" (ج2 ص108) في ترجمة علي بن الربيع وذكره الذهبي في ترجمته، وفي ترجمة علي بن نافع، وقال ابن حبان: هذا حديث منكر لا أصل له من حديث بهز بن حكيم، وعلي هذا يروي المناكير، فلما كثر في روايته المناكير بطل الاحتجاج به. 158 - قال الإمام الحافظ يعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (ج2 ص341): حدثني أبوتوبة قال: حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام قال: حدثني عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال له: ما حوضك الّذي تحدّث عنه؟ قال: ((هو كما بين البيضاء إلى بصرى، ثم يمدّني الله عزّ وجلّ فيه بكراع فلا يدري بشر ممن خلق أين طرفاه)) قال: فكبّر عمر بن الخطّاب، فقال: ((أمّا الحوض فيزدحم عليه فقراء المهاجرين الّذين يقتلون في سبيل الله، ويموتون في سبيل الله عزّ وجلّ)) وأرجو أن يوردني الله عزّ وجلّ الكراع فأشرب منه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّ ربّي عزّ وجلّ وعدني أن يدخل الجنّة من (¬1) ¬

(¬1) (من): ساقطة من الأصل.

أمّتي سبعين ألفًا بغير حساب، ثمّ يشفّع كل ألف بسبعين ألفًا، ثمّ يحثي لي بكفّيه ثلاث حثيات)) وكبّر عمر، فقال: ((إنّ السّبعين الألف الأوّلين يشفّعهم الله عزّ وجلّ في آبائهم وأبنائهم وعشائرهم)) وأرجو (¬1) أن يجعلني الله عزّ وجلّ في إحدى الحثيات الأواخر، وقال الأعرابي: يا رسول الله أفيها فاكهة؟ قال: ((نعم، إنّ فيها شجرة تدعى طوبى، هي تطابق الفردوس)) قال: أيّ شجر أرضنا تشبه؟ قال: ((ليس شبه شيء من شجر أرضكم، ولكن أتيت الشّام؟)) فقال: لا يا رسول الله. قال: ((فإنّها تشبه شجرةً بالشّام تدعى: جوز، تنبت على ساق واحد وينتشر أعلاها)) قال: ما عظم أصلها؟ قال: ((لو ارتحلتْ جذعة من إبل أهلك ما أحاطتْ بأصلها حتّى ينكسر ترقواها هرمًا)) قال: فيها عنب؟ قال: ((نعم)) قال: وما عظم العنقود فيها؟ قال: ((مسيرة شهر للغراب، لا يقع ولا يني ولا يقرّ)) قال: ما عظم الحبّة منها؟ قال: ((هل ذبح أبوكم تيسًا قطّ من غنمه قطّ عظيمًا؟)) قال: نعم. قال: ((فسلخ إهابها فأعطاها أمّك، فقال: ادبغي لنا هذه، ثمّ افري لنا منه دلوًا نروي به ماشيتنا؟)) قال: نعم. قال: ((فإنّ تلك تسعني وأهل بيتي؟)) قال: نعم، وعامة عشيرتك. الحديث أخرجه الطبراني كما في "تفسير ابن كثير" (ج1 ص394) وقال الحافظ ابن كثير: قال الحافظ الضياء أبوعبد الله المقدسي في كتابه "صفة الجنة": لا أعلم لهذا الإسناد علة. قال أبوعبد الرحمن: الحديث في سنده عامر بن زيد البكالي، وقد روى ¬

(¬1) قوله: (وأرجو ... الخ)، وكذا قوله فيما تقدم: (وأرجو أن يوردني الله عز وجل الكراع)، يحتمل أن يكون من قول عتبة، أو من قول الأعرابي وهو الأقرب.

عنه أبوسلام كما في هذا السند، وفي "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" ص (647)، وروى عنه أيضًا يحيى بن أبي كثير كما في "المسند" (ج4 ص183)، فهو مستور الحال يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات. 159 - قال أبونعيم رحمه الله في "أخبار أصبهان" (ج2 ص15): حدثنا الحسين بن علي بن بكر ثنا علي بن الحسن بن علي (¬1) ثنا محمد بن غالب ثنا عبد الصمد بن النعمان ثنا ركن أبوعبد الله عن مكحول عن أبي أمامة عن النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ ذراري المسلمين يوم القيامة تحت العرش شافع مشفّع، ما لم يبلغوا اثنتي عشرة سنةً فعليه وله)). الحديث في سنده انقطاع لأن مكحولاً لم يثبت سماعه من أبي أمامة كما في "تهذيب التهذيب"، وقد ذكر الحافظ في "التقريب" أنه ثقة فقيه كثير الإرسال. وفي سنده أيضًا ركن الشامي، قال الذهبي في "الميزان": ركن الشامي عن مكحول وغيره، وهّاه ابن المبارك، وقال يحيى: ليس بشيء. وقال الدارقطني والنسائي: متروك. ثم ذكر حديثين تفرد بهما، هذا أحدهما. 160 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص35): ثنا وكيع ثنا شعبة عن معاوية ابن قرة عن أبيه قال: إنّ رجلاً كان يأتي النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ومعه ابن له، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أتحبّه؟)) فقال: يا رسول الله أحبّك الله كما أحبّه. ففقده النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال لي: ((ما فعل ابن فلان؟)) قالوا: يا رسول الله مات. فقال ¬

(¬1) ترجم له أبونعيم في أخبار أصبهان (ج2 ص15) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.

النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لأبيه: ((أما تحبّ أن لا تأتي بابًا من أبواب الجنّة إلاّ وجدته ينتظرك؟)) فقال الرّجل (¬1): يا رسول الله أله خاصّةً؟ أو لكلّنا؟ قال: ((بل لكلّكم)). ثنا محمد بن جعفر أنا شعبة قال: سمعت معاوية بن قرة يحدث عن أبيه أن رجلاً كان يأتي النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فذكر مثله. ¬

(¬1) كذا في المسند، وفي مجمع الزوائد: (فقال رجل)، وهو الموافق للقواعد العربية. قال السيوطي في عقود الجمان:

فصل المسلم الذي لا تقبل شفاعته

فصل المسلم الذي لا تقبل شفاعته 161 - قال مسلم رحمه الله (ج4 ص2006): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا معاوية بن هشام عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم وأبي حازم عن أم الدرداء عن أبي الدّرداء سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إنّ اللّعّانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة)). الحديث أخرجه أبوداود (ج5 ص212)، وأحمد (ج6 ص448)، والبخاري في "الأدب المفرد" ص (117) وفي "التاريخ الكبير" (ج2 ص22)، وأبونعيم في "الحلية" (ج3 ص259)، والحاكم في "المستدرك" (ج1 ص48)، وقال: وقد خرجه مسلم بهذا اللفظ.

أسباب الشفاعة

أسباب الشفاعة شفاعة القرآن 162 - قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص345): حدثنا علي بن حجر أخبرنا حفص بن سليمان عن كثير بن زاذان عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من قرأ القرآن واستظهره فأحلّ حلاله وحرّم حرامه، أدخله الله به الجنّة، وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم وجبت له النّار)). هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بصحيح، وحفص بن سليمان أبوعمر بزاز كوفي يضعّف في الحديث. الحديث أخرجه أحمد (ج1 ص148 - 149)، والآجري في "الشريعة" ص (350)، وأبونعيم في "أخبار أصبهان" (ج1 ص255)، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (ج2 ص331). والحديث ضعيف جدًا، ففي "الميزان": كثير بن زاذان عن عاصم بن ضمرة له حديث منكر. قال أبوزرعة وأبوحاتم: مجهول. ثم قال الذهبي: قلت: روى عنه حفص بن سليمان الغاضري وحماد بن واقد وعنبسة قاضي الري. وقال ابن معين: لا أعرفه. اهـ وفي سند الحديث أيضًا حفص بن سليمان المقرئ وقد قال ابن معين: ليس بثقة. وقال البخاري: تركوه. وقال أبوحاتم: متروك لا يصدق. اهـ

من "الميزان". وأما في القراءة فمتقن، أحد القراء السبعة المعتمد على قراءتهم. وللحديث طريق أخرى من حديث عائشة ذكرها الذهبي في "الميزان" في ترجمة أحمد بن محمد بن حسين السقطي، وقال: ذكروا أن أحمد بن محمد ابن حسين السقطي وضعه على يحيى. وذكره ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (ج1 ص107) من طريق أحمد ابن محمد السقطي به. 163 - قال الترمذي رحمه الله (ج4 ص238): حدثنا محمد بن بشار أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((إنّ سورةً من القرآن ثلاثون آيةً شفعت لرجل حتّى غفر له وهي سورة {تبارك الّذي بيده الملك))}. هذا حديث حسن. الحديث أخرجه أبوداود (ج2 ص119)، وابن ماجة (ج2 ص1244)، وأحمد (ج2 ص321)، وابن حبان كما في "الموارد" ص (321)، والحاكم (ج1 ص565) وقال: صحيح الإسناد، وسكت عليه الذهبي. وقال الحافظ المنذري في "مختصر السنن" (ج2 ص116): وقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" من رواية عباس الجشمي عن أبي هريرة كما أخرجه أبوداود، ومن ذكره معه، قال: لم (¬1) يذكرْ سماعًا من أبي هريرة. يريد أنّ عباسًا الجشمي روى هذا الحديث عن أبي هريرة ولم يذكر فيه أنه ¬

(¬1) قد راجعت تاريخ البخاري الكبير فلم أجد هذا الكلام، فلعله سقط من المطبوع.

سمعه من أبي هريرة. وقال الحافظ في "التقريب" في ترجمة عباس: إنه مقبول، فعلى هذا فالحديث ضعيف بهذا السند، والله أعلم. 164 - قال الحاكم رحمه الله (ج1 ص568): وأخبرنا بكر بن محمد ثنا عبد الصمد بن الفضل ثنا مكي بن إبراهيم ثنا عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح عن معقل بن يسار رضى الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((اعملوا بالقرآن، أحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه، واقتدوا به، ولا تكفروا بشيء منه، وما تشابه عليكم منه فردّوه إلى الله وإلى أولي الأمر من بعدي، كيما يخبروكم، وآمنوا بالتّوراة والإنجيل والزّبور، وما أوتي النّبيّون من ربّهم، وليسعكم القرآن وما فيه من البيان فإنّه لشافع مشفّع، وماحل مصدّق، ألا ولكلّ آية نور يوم القيامة، وإني أعطيت سورةً البقرة من الذكر الأوّل، وأعطيت طه وطواسين والحواميم من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش)). هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي فقال: عبيد الله، قال أحمد: تركوه. الحديث ذكره ابن حبان في "الضعفاء" (ج2 ص65) في ترجمة عبيد الله ابن أبي حميد وذكر ما فيه من القدح. - وقال الحاكم رحمه الله (ج3 ص578): حدثنا أبوالنضر الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمي وعلي بن عبد العزيز قالا: ثنا عبد الله بن رجاء أنبأ

عمران القطان (¬1) عن عبيد الله بن معقل بن يسار المزني عن أبيه رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((اعملوا بكتاب الله، ولا تكذّبوا بشيء منه، فما اشتبه عليكم منه فاسألوا عنه أهل العلم يخبروكم، آمنوا بالتّوراة والإنجيل، وآمنوا بالفرقان فإنّ فيه البيان، وهو الشّافع وهو المشفّع والماحل والمصدّق)) اهـ عبيد الله بن معقل بن يسار ما وجدت له ترجمة. 165 - قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج4 ص108): حدثنا أبوإسحاق ابن حمزة ثنا محمد بن سليمان (ح) وحدثنا محمد بن حميد ثنا عبدان بن أحمد قالا: ثنا هشام بن عمار ثنا الربيع بن بدر عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((القرآن شافع مشفّع، وماحل مصدّق، من جعله أمامه، قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النّار)). غريب من حديث الأعمش تفرد به عنه الربيع. الحديث أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج10 ص244). والحديث ضعيف جدًا لأن في سنده الربيع بن بدر، قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبوداود وغيره: ضعيف. وقال النسائي: متروك. وقال ابن عدي: عامة رواياته لا يتابع عليها. ثم ذكر له الذهبي بعد هذا أحاديث منكرة، منها هذا، ولعل الصواب وقفه، فقد رواه الدارمي رحمه الله في "سننه" (ج2 ص433) موقوفًا، ¬

(¬1) هو عمران بن داور، كما في تهذيب التهذيب.

فقال: حدثنا يزيد بن هارون أنا همام عن عاصم بن أبي النجود عن الشعبي أن ابن مسعود كان يقول: يجيء القرآن يوم القيامة فيشفع لصاحبه فيكون له قائدًا إلى الجنّة، ويشهد عليه ويكون سائقًا به إلى النّار. الحديث فيه انقطاع، لأن رواية الشعبي وهو عامر بن شراحيل عن ابن مسعود مرسلة كما في "تهذيب التهذيب"، لكن رواه عبد الرزاق (ج3 ص373)، والطبراني في "الكبير" (ج9 ص141) بسند صحيح موقوفًا على ابن مسعود. ولحديث ابن مسعود طريق أخرى كما في "كشف الأستار" (ج1 ص77) قال البزار رحمه الله: حدثنا أبوكريب محمد بن العلاء ثنا عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن المعلى الكندي عن عبد الله بن مسعود قال: إنّ هذا القرآن شافع مشفّع، من اتبعه قاده إلى الجنّة، ومن تركه -أو أعرض عنه أو كلمةً نحوها- زخّ في قفاه إلى النّار. وحدثنا أبوكريب ثنا عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال بنحوه. اهـ أما أثر ابن مسعود فضعيف، إذ المعلى الكندي ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" فقال: معلى الكندي عن محمد بن عبد الرحمن، روى عنه الأعمش، يعدّ في الكوفيين، منقطع. وترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، وذكر نحو قول البخاري إلا أنه قال: محمد بن عبد الرحمن بن يزيد. وإذا كان منقطعًا في روايته عن محمد بن عبد الرحمن الذي هو ليس بصحابي، فبالأولى عن عبد الله بن مسعود، ثم المعلى مجهول فقد ذكره

البخاري وابن أبى حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً. 166 - أما حديث جابر الذي تقدمت الإشارة إليه، فقال ابن حبان رحمه الله في "الموارد" ص (443): أخبرنا الحسين بن أبي معشر (¬1) بحرّان حدثنا محمد ابن العلاء بن كريب حدثنا عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((القرآن شافع مشفّع، وماحل مصدّق، من جعله أمامه، قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النّار)). الحديث حسن. 167 - قال مسلم رحمه الله (ج1 ص553): حدثني حسن بن علي الحلواني حدثنا أبوتوبة وهو الربيع بن نافع حدثنا معاوية -يعني ابن سلام- عن زيد أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني أبوأمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((اقرءوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرءوا الزّهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنّهما تأتيان يوم القيامة كأنّهما غمامتان -أو كأنّهما غيايتان أو كأنّهما فرقان- من طير صوافّ تحاجّان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة فإنّ أخذها بركة وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة)). الحديث أخرجه أحمد (ج5 ص249 وص255 - 257)، وابن حبان (ج1 ص183) من "ترتيب الصحيح"، والحاكم (ج1 ص564)، والطبراني ¬

(¬1) ترجمة الحسين في العبر (ج2 ص172)، وفي تذكرة الحفاظ ص (774) قال الذهبي: كان من نبلاء الثقات.

في "الكبير" (ج8 ص138). 168 - قال الإمام عبد الله بن عبد الرحمن أبومحمد الدارمي (ج2 ص430): حدثنا موسى بن خالد ثنا إبراهيم بن محمد الفزاري عن سفيان عن عاصم عن مجاهد عن ابن عمر قال: يجيء القرآن يشفع لصاحبه يقول: يا ربّ لكلّ عامل عمالة من عمله، وإنّي كنت أمنعه اللّذة والنّوم فأكرمه. فيقال: ابسط يمينك. فيملأ من رضوان الله، ثمّ يقال: ابسط شمالك. فيملأ من رضوان الله، ويكسى كسوة الكرامة ويحلّى بحلية الكرامة، ويلبس تاج الكرامة. الحديث موقوف ورجاله رجال الصحيح إلا عاصمًا وهو ابن أبي النجود، وقد رويا له مقرونًا، وحديثه حسن كما في "الميزان". 169 - قال الدارمي رحمه الله (ج2 ص455): حدثنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح أنه سمع أبا خالد عامر بن جشيب (¬1) وبحير بن سعد يحدثان أن خالد بن معدان قال: إنّ {ألم تنْزيل} تجادل عن صاحبها في القبر تقول: اللهمّ إن كنت من كتابك فشفّعني فيه، وإن لم أكن من كتابك فامحني عنه، وإنّها تكون كالطّير تجعل جناحها عليه فيشفع له، فتمنعه من عذاب القبر، وفي {تبارك} مثله. فكان خالد لا يبيت حتى يقرأ بهما. هذا أثر مقطوع، وعبد الله بن صالح شيخ الدارمي ضعيف. 170 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص174): ثنا موسى بن داود ثنا ابن ¬

(¬1) عامر بن جشيب: مستور الحال، ولا يضر الحديث لأنه مقرون.

لهيعة عن حييّ بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((الصّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصّيام: أي ربّ منعته الطّعام والشّهوات بالنّهار فشفّعني فيه. ويقول القرآن: منعته النّوم باللّيل فشفّعني فيه. قال: فيشفّعان)). الحديث أخرجه محمد بن نصر المروزي في "قيام الليل" ص (25)، والحاكم (ج1 ص554) كلاهما من طريق عبد الله بن وهب عن حيي بن عبد الله به. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أبونعيم في "الحلية" (ج8 ص161) فقال: حدثني أبي ومحمد ابن جعفر بن يوسف قالا: ثنا محمد بن جعفر ثنا إسماعيل بن يزيد ثنا إبراهيم بن الأشعث ثنا وهيب ثنا رشدين عن حسين بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي به. ثم قال أبونعيم عقبه: غريب من حديث وهيب ورشدين، لم نكتبه إلا من حديث إبراهيم بن الأشعث. اهـ الحديث من رواية أحمد ومحمد بن نصر والحاكم من طريق حيي بن عبد الله، وقد قال البخاري: فيه نظر. وهذا عند البخاري من أردى عبارات الجرح كما في "فتح المغيث"، وتوثيق من وثّقه معارض بهذا التجريح المفسر عند البخاري. وحديث أبي نعيم في سنده حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي المدني وهو ضعيف، وقال النسائي: متروك، وقال في موضع آخر: ليس بثقة. كما في "تهذيب التهذيب"، يرويه عنه رشدين بن سعد وهو

ضعيف أيضًا. وفيه أيضًا إبراهيم بن الأشعث خادم الفضيل: وقد اتّهمه أبوحاتم كما في "الميزان". وفيه أيضًا إسماعيل بن يزيد: ترجمه أبونعيم في "أخبار أصبهان" والحافظ في "لسان الميزان"، اختلط عليه بعض حديثه في آخر أيامه، يذكر بالزهد والعبادة، حسن الحديث، كثير الغرائب. ثم إنه قد اختلف فيه على رشدين فتارةً يرويه عن حسين بن عبد الله كما تقدم، وتارةً يرويه عن حيي عن أبي عبد الرحمن الحبلي كما في "النهاية" لابن كثير (ج2 ص216). فتحصل من هذا أن الحديث ضعيف. وأما قول الحاكم إنه على شرط مسلم، وكذا قول الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج2 ص84): إن رجاله محتج بهم في الصحيح فهو، غير صحيح، لأن حيي بن عبد الله ليس من رجال الصحيح، كما في "تهذيب التهذيب" و"الميزان". 171 - قال الدارمي رحمه الله (ج2 ص430): حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عاصم عن أبي صالح قال: سمعت أبا هريرة يقول: اقرءوا القرآن، فإنّه نعم الشّفيع يوم القيامة، إنّه يقول يوم القيامة: يا ربّ حلّه حلية الكرامة. فيحلّى حلية الكرامة، يا ربّ اكسه كسوة الكرامة. فيكسى كسوة الكرامة، يا ربّ ألبسه تاج الكرامة يا ربّ ارض عنه فليس بعد رضاك شيء. الحديث أخرجه الترمذي (ج4 ص249) من حديث محمد بن بشار

أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة نحوه، ثم قال الترمذي: وهذا أصح عندنا من حديث عبد الصمد عن شعبة. اهـ يعنى أن هذا الأثر الموقوف أصح من المرفوع الآتي. الأثر رجاله رجال الصحيح إلا عاصمًا، وهو ابن أبي النجود، فقد رويا له مقرونًا وهو حسن الحديث. وقد رواه أبونعيم رحمه الله مرفوعًا، فقال رحمه الله (ج7 ص206): حدثنا عمر بن أحمد بن عمر ثنا علي بن العباس العجلي ثنا محمد بن خلد (¬1) ثنا سلم (¬2) بن قتيبة ثنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((نعم الشّفيع القرآن لصاحبه يوم القيامة، يقول: يا ربّ أكرمه. فيلبس تاج الكرامة، ثمّ يقول: يا ربّ زده، ارض عنه فليس بعد رضى الله شيء)). غريب من حديث شعبة، تفرد به سلم، وتابعه عبد الصمد عليه في بعض ألفاظه. الحديث رواه الترمذي (ج4 ص248) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم (ج1 ص552) وقال: صحيح الإسناد. وسكت عليه الذهبي. وليس عند الترمذي والحاكم: ((نعم الشّفيع القرآن)). ¬

(¬1) كذا بالأصل، والظاهر أنه: محمد بن مخلد الرعيني، وهو واه كما في الكامل لابن عدي. (¬2) في الأصل: سالم بن قتيبة، والصواب ما أثبتناه، فقد ذكروا من مشايخ سلم شعبة، كما في تهذيب التهذيب.

أما رجال السند: فعمر بن أحمد بن عمر: ترجمه أبونعيم في "أخبار أصبهان" (ج1 ص358) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وعلي بن العباس ترجمته في "تاريخ بغداد" (ج12 ص22)، ثقة، ونسبه (النسائيّ) فلعل له نسبتين إلى القبيلة وإلى البلدة. هذا وقد جاء الحديث مقطوعًا من قول أبي صالح: قال الدارمي رحمه الله (ج2 ص431): أخبرنا موسى بن خالد ثنا إبراهيم بن محمد الفزاري عن الحسن بن عبيد الله (¬1) عن المسيب بن رافع عن أبي صالح قال: القرآن يشفع لصاحبه، فيكسى حلّة الكرامة، ثمّ يقول: يا ربّ زده. فيكسى تاج الكرامة، قال: فيقول: ربّ زده فآته، فآته، يقول: رضائي. فالظاهر أن أبا صالح تارةً يرويه مرفوعًا، وتارةً يرويه موقوفًا، وتارةً يحدث به من قوله، وأن الكلّ صحيح، والله أعلم. 172 - قل ابن السني رحمه الله ص (56): حدثنا أبوجعفر بن بكر حدثنا محمد ابن زنبور المكي حدثنا الحارث بن عمير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّ فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من آل عمران {شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو} و {قل اللهمّ مالك الملك -إلى قوله- وترزق من تشاء بغير حساب} معلّقات، ما بينهنّ وبين الله عزّ وجلّ ¬

(¬1) في الأصل: (ابن عبد الله)، والصواب ما أثبتناه فقد ذكروا من تلاميذه أبا إسحاق الفزاري، وهو إبراهيم بن محمد.

حجاب، لمّا أراد الله أنْ ينْزلن تعلّقن بالعرش، قلن: ربّنا تهبطنا إلى أرضك، وإلى من يعصيك؟ فقال الله عزّ وجلّ: بي حلفت لا يقرؤكنّ أحد من عبادي دبر كلّ صلاة إلاّ جعلت الجنّة مثواه على ما كان منه، وإلاّ أسكنته حظيرة القدس، وإلاّ نظرت إليه بعيني المكنونة كلّ يوم سبعين نظرةً، وإلاّ قضيت له كلّ يوم سبعين حاجةً أدناها المغفرة، وإلا أعذته من كلّ عدوّ، ونصرته منه، ولا يمنعه من دخول الجنّة إلاّ الموت)). قال ابن الجوزي رحمه الله في "الموضوعات" (ج1 ص245): هذا حديث موضوع تفرد به الحارث بن عمير، قال أبوحاتم بن حبان: كان الحارث ممن يروي عن الأثبات الموضوعات، روى هذا الحديث، ولا أصل له. وقال أبوبكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: الحارث كذاب، ولا أصل لهذا الحديث. قال ابن الجوزي رحمه الله: قد كنت سمعت هذا الحديث في زمن الصبا، فاستعملته نحوًا من ثلاثين سنة لحسن ظني بالرواة، فلما علمت أنه موضوع تركته، فقال قائل: أليس هو استعمال خير؟ قلت: استعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعًا، فإذا علمنا أنه كذب، خرج عن المشروعية. والحديث ذكره الحافظ الذهبي في "الميزان" في ترجمة الحارث بن عمير وأقر ابن حبان على الحكم بوضعه.

سكنى المدينة والموت بها

سكنى المدينة والموت بها 173 - قال الإمام مسلم رحمه الله (ج2 ص1002): وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سعيد مولى المهريّ أنّه جاء أبا سعيد الخدريّ ليالي الحرّة فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها، فقال له: ويحك لا آمرك بذلك، إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلاّ كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة إذا كان مسلمًا)). الحديث أخرجه الإمام أحمد (ج3 ص29، 58، 69). 174 - وقال مسلم رحمه الله (ج2 ص1004): حدثني زهير بن حرب حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا عيسى بن حفص بن عاصم حدثنا نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((من صبر على لأوائها كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة)). الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص377)، وأحمد (ج2 ص155)، وابن حبان كما في "الموارد" ص (255)، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب. - وقال مسلم رحمه الله (ج2 ص1004): حدثنا يحيى بن يحيى قال:

قرأت على مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع عن يحنس مولى الزبير أخبره أنه كان جالسًا عند عبد الله بن عمر في الفتنة (¬1)، فأتته مولاة له تسلّم عليه، فقالت: إنّي أردت الخروج يا أبا عبد الرحمن اشتدّ علينا الزّمان. فقال لها عبد الله: اقعدي لكاع، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((لا يصبر على لأوائها وشدّتها أحد إلاّ كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة)). وحدثنا محمد بن رافع حدثنا ابن أبي فديك أخبرنا الضحّاك عن قطن الخزاعي عن يحنس مولى مصعب عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((من صبر على لأوائها وشدّتها كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة)) يعني المدينة. الحديث أخرجه مالك في "الموطأ" (ج3 ص83) وأحمد (ج2 ص113، 119، 133). 175 - قال مسلم رحمه الله (ج2 ص1004): وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر جميعًا عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((لا يصبر على لأواء المدينة وشدّتها أحد من أمّتي إلاّ كنت له شفيعًا يوم القيامة أو شهيدًا)) وحدّثنا ابن أبي عمر حدّثنا سفيان عن أبي هارون موسى بن أبي عيسى أنّه سمع أبا عبد الله القرّاظ يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بمثله. وحدّثنا يوسف بن عيسى حدّثنا الفضل بن موسى أخبرنا هشام بن عروة عن صالح بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ¬

(¬1) وهي وقعة الحرة التي وقعت زمن يزيد.

صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لا يصبر أحد على لأواء المدينة ... )) بمثله. الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص379)، وأحمد (ج2 ص288، 388، 343، 397،439، 447)، والحميدي (ج2 ص492) والبخاري في "التاريخ الكبير" (ج4 ص283، 284). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وصالح بن أبي صالح أخو سهيل بن أبي صالح. 176 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج6 ص369): ثنا يعقوب قال: حدثني أبي عن الوليد بن كثير قال حدثني عبد الله بن مسلم الطويل صاحب المصاحف أن كلاب بن تليد أخا بني سعد بن ليث أنه بينا هو جالس مع سعيد بن المسيّب جاءه رسول نافع بن جبير بن مطعم بن عدي يقول: إنّ ابن خالتك يقرأ عليك السّلام ويقول: أخبرني كيف الحديث الذي كنت حدثتني عن أسماء بنت عميس، فقال سعيد بن المسيب: أخبره أنّ أسماء بنت عميس أخبرتني أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((لا يصبر على لأواء المدينة وشدّتها أحد إلاّ كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة)). الحديث في سنده كلاب بن تليد: قال الذهبي في "الميزان": روى عن سعيد بن المسيب لا يكاد يعرف، وقد وثّق، تفرد عنه عبد الله بن مسلم. اهـ ولعله يعنى بقوله: (وثّق) أنّه وثّقه ابن حبان كما في "تهذيب التهذيب"،

وابن حبان معروف بتوثيق المجاهيل، كما في مقدمة "لسان الميزان". وفيه أيضًا عبد الله بن مسلم: قال الذهبي في "الميزان": ما روى عنه سوى الوليد بن كثير في الصبر على لأواء المدينة. فعلى هذا فالحديث ضعيف من أجل هذين الراويين، والله أعلم. 177 - قال ابن حبان رحمه الله كما في "موارد الظمآن" ص (255): حدثنا ابن قتيبة حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب أنبانا يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن الصميتة امرأة من بني ليث سمعها تحدث صفية بنت أبي عبيد أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((من استطاع منكم ألاّ يموت إلاّ بالمدينة فليمتْ بها، فإنّه من يمت بها يشفع له أو يشهد له)). الحديث على شرط مسلم، وابن قتيبة شيخ ابن حبان: هو محمد بن الحسن بن قتيبة، وصفه الذهبي في "التذكرة" بالثقة والحفظ (¬1). وعزا الحافظ حديثها في "الإصابة" إلى النسائي وابن أبي عاصم. 178 - قال الترمذي رحمه الله (ج5 ص377): حدثنا بندار أخبرنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإنّي أشفع لمن يموت بها)). وفي الباب عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية. هذا حديث حسن صحيح من هذا الوجه من حديث أيوب السختياني. ¬

(¬1) وهناك ابن قتيبة آخر اسمه عبد الله بن مسلم صاحب كتاب تأويل مختلف الحديث.

الحديث أخرجه ابن حبان كما في "الموارد" ص (255)، وأحمد (ج2 ص74، 104). وهذا الحديث له علة لكنها غير قادحة، كما في "الصارم المنكي" ص (538). 179 - قال أبونعيم في "أخبار أصبهان" (ج2 ص103): أخبرنا عبيد الله بن يحيى بن محمد فيما أذن لنا وأجاز لي، وحدثني عنه علي بن محمد الفقيه ثنا محمد بن نصر الصائغ ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا الدراوردي عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن عكرمة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن سبيعة الأسلمية أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمتْ، فإنّه لا يموت بها أحد إلاّ كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة)). الحديث قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج2 ص224): رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته محتج بهم في الصحيح إلاّ عبد الله بن عكرمة، روى عنه جماعة ولم يجرّحه أحد، وقال البيهقي: هو خطأ، وإنّما هو عن صميتة كما تقدم. اهـ قال أبوعبد الرحمن: قول الحافظ المنذري: (ورواته محتج بهم في الصحيح) فيه نظر، فأسامة بن زيد: هو الليثي، قال ابن القطان الفاسي: لم يحتجّ به مسلم، وإنما أخرج له استشهادًا. اهـ من "تهذيب التهذيب". فعلى هذا فلا يقال: إنه محتج به في الصحيح، إذ البخاري لم يخرّج له إلا تعليقًا، ومسلم في الشواهد. والدراوردي هو عبد العزيز بن محمد، روى له البخاري مقرونًا وروى له

أحاديث يسيرة، أفرده، لكنه أوردها بصيغة التعليق في المتابعات، واحتج به بقية الستة كما في "مقدمة الفتح". وإذا احتج به مسلم فليس معناه أنه يحتج به في كل حديثه، فإن الشيخين رحمهما الله ينتقيان من حديث المحدث المتكلم فيه ما ثبت لديهما، كما ذكره النووي رحمه الله في مقدمة "شرح صحيح مسلم" فأخشى أن يكون وهم فيه وأنّه حديث صميتة المتقدّم كما قال البيهقي رحمه الله، لا سيما والراوي عنه إسماعيل بن أبي أويس. وقد قال الحافظ في "مقدمة الفتح" بعد أن ذكر ما قيل فيه: وإنّ البخاري انتقى من حديثه فعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره، إلا إن شاركه غيره فيعتبر فيه. اهـ 180 - قال مسلم رحمه الله (ج2 ص992): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير (ح) وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عثمان بن حكيم حدثني عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((إنّي أحرّم ما بين لابتي (¬1) المدينة، أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها، وقال: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبةً عنها إلاّ أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلاّ كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة)). وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا مروان بن معاوية حدثنا عثمان بن حكيم الأنصاري أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنّ رسول الله صلّى ¬

(¬1) اللابة: هي الحرة. والحرة هي الأرض ذات الحجارة السود، والمراد تحريم المدينة.

الله عليه وعلى آله وسلّم قال: -ثمّ ذكر مثل حديث ابن نمير وزاد في الحديث:- ((ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلاّ أذابه الله في النّار ذوب الرّصاص، أو ذوب الملح في الماء)). الحديث أخرجه أحمد (ج1 ص181). 181 - قال الطبراني رحمه الله في "المعجم الكبير" (ج4 ص153): حدثنا أبوخليفة الفضل بن الحباب ثنا علي بن المديني ثنا عاصم بن عبد العزيز الأشجعي ثنا سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري أنه مرّ بزيد بن ثابت وأبي أيوب وهما قاعدان عند مسجد الجنائز، فقال أحدهما لصاحبه: تذكر حديثًا حدّثناه رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في هذا المجلس الّذي نحن فيه؟ قال: نعم، عن المدينة سمعته، وهو يزعم أنّه ((سيأتي على النّاس زمان يفتح فيه فتحات الأرض، فيخرج إليها رجال يصيبون رخاءً وعيشًا وطعامًا، فيمرّون على إخوان لهم حجّاجا أو عمارًا، فيقولون: ما يقيمكم في لأواء العيش وشدّة الجوع؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: فذاهب وقاعد -حتى قالها مرارًا- والمدينة خير لهم، لا يثبت بها أحد فيصبر على لأوائها وشدّتها حتى يموت، إلاّ كنت له يوم القيامة شهيدًا أو (¬1) شفيعًا)). الحديث قال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج2 ص223): رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد ورواته ثقات. ¬

(¬1) (أو) هنا تحتمل أن تكون للشك من الراوي، أو للتقسيم والتنويع، والمتعين الثاني لأن الحديث وارد عن جماعة من الصحابة.

وقال الهيثمي في "المجمع" (ج3 ص300): رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات. قال أبوعبد الرحمن: الحديث في سنده عاصم بن عبد العزيز الأشجعي: قال الذهبي رحمه الله في "الميزان": قال النسائي والدارقطني: ليس بالقوي. وقال البخاري: فيه نظر. ثم قال الذهبي: قلت: روى عنه علي بن المديني، ووثّقه معن القزاز. اهـ فقول البخاري رحمه الله: (فيه نظر) من أردى صيغ الجرح، فعلى هذا فالحديث ضعيف. والله أعلم. 182 - قال البزار رحمه الله كما في "كشف الأستار" (ج2 ص51): حدثنا الفضل بن سهل ومحمد بن عبد الرحيم قالا: ثنا الحسن بن موسى ثنا سعيد ابن زيد عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر قال: غلا السّعر بالمدينة، واشتدّ الجهد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((اصبروا وأبشروا فإنّي قد باركت على صاعكم ومدّكم، فكلوا ولا تفرقوا فإنّ طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الخمسة والسّتة، وإنّ البركة في الجماعة، فمن صبر على لأوائها وشدّتها كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة، ومن خرج عنها رغبةً عمّا فيها، أبدل الله به من هو خير منه فيها، ومن أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)). قال البزار: لا نعلمه عن عمر إلا من هذا الوجه، تفرد به عمرو بن دينار وهو ليّن، وأحاديثه لا يشاركه فيها أحد، قد روى عنه جماعة. قال أبوعبد الرحمن: عمرو بن دينار هو قهرمان آل الزبير، قال أحمد:

ضعيف. وقال البخاري: فيه نظر. وقال ابن معين: ذاهب، وقال مرةً: ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيف. اهـ من "ميزان الاعتدال". 183 - قال الطبراني رحمه الله (ج6 ص239): حدثنا الحسن بن علي الفسوي ثنا خلف بن عبد الحميد السرخسي ثنا أبوالصباح عبد الغفور بن سعيد الأنصاري عن أبي هاشم الرماني عن زاذان عن سلمان عن نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وذكر أحاديث، ثمّ قال: وبإسناده عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه قال: ((من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي، وكان يوم القيامة من الآمنين)). قال الهيثمي في "المجمع" (ج2 ص319): رواه الطبراني في "الكبير" وفيه عبد الغفور بن سعيد، وهو متروك.

الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وطلب الوسيلة له

الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وطلب الوسيلة له 184 - قال مسلم رحمه الله (ج1 ص288): حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا عبد الله بن وهب عن حيوة وسعيد بن أبي أيوب وغيرهما عن كعب ابن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير (¬1) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ فإنّه من صلّى عليّ صلاةً صلّى الله عليه بها عشرًا، ثمّ سلوا الله لي الوسيلة فإنّها منْزلة في الجنّة لا تنبغي إلاّ لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشّفاعة)). الحديث أخرجه أبوداود (ج1 ص359)، والترمذي (ج5 ص247)، والنسائي (ج2 ص22)، وأحمد (ج2 ص168)، وأبوعوانة (ج1 ص336). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. - قال الإمام إسماعيل بن إسحاق القاضي رحمه الله في كتابه "فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم" رقم (50): حدثنا محمد ابن أبي بكر قال: حدثنا عمر بن علي عن أبي بكر الجشمي عن صفوان بن ¬

(¬1) قال الترمذي: قال محمد -يعني البخاري-: عبد الرحمن بن جبير هذا قرشي وهو مصري وعبد الرحمن بن جبير بن نفير شامي. اهـ

سليم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من صلّى عليّ أو سأل لي الوسيلة حقّت عليه شفاعتي يوم القيامة)). الحديث في سنده انقطاع بين صفوان بن سليم وعبد الله بن عمرو، فقد قال أبوداود السجستاني: لم ير أحدًا من الصّحابة إلا أبا أمامة وعبد الله بن بسر. اهـ من "تهذيب التهذيب". وفي سنده عمر بن علي: وهو المقدّمي وكان يدلس تدليسًا شديدًا، يقول: سمعت وحدثنا. ثم يسكت فيقول: هشام بن عروة والأعمش. كما في "تهذيب التهذيب". وأبوبكر الجشمي: هو عيسى بن طهمان، قال ابن حبان: كان ينفرد بالمناكير عن أنس، كأنه كان يدلس عن أبان بن أبي عياش ويزيد الرقاشي عنه، لا يجوز الاحتجاج بخبره. اهـ من "تهذيب التهذيب". وقد دفع الحافظ هذا التحامل من ابن حبان، فقال في "تقريب التهذيب": صدوق أفرط فيه ابن حبان، والذّنب فيما أستنكره من حديثه لغيره. اهـ ولم يدفع عنه الحافظ وصمة التدليس، فالحديث بهذا السند ضعيف، لكنه يصلح في الشواهد والمتابعات. 185 - قال أبوبكر بن أبي شيبة (ج1 ص227): نا أبوالأحوص (¬1) عن أبي حمزة عن الحسن قال: إذا سمعت المؤذّن فقل كما يقول: فإذا قال: حيّ ¬

(¬1) أبوالأحوص: هو سلام بن سليم.

على الصّلاة. فقل: لا حول ولا قوة إلاّ بالله. فإذا قال: قد قامت الصّلاة. فقل: اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامة والصّلاة القائمة، أعط محمّدًا سؤله يوم القيامة. فلن يقولها رجل حين يقيم إلاّ أدخله الله في شفاعة محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يوم القيامة. الأثر مقطوع وفي سنده أبوحمزة: وهو ميمون القصاب، قال أحمد: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال أبوحاتم: يكتب حديثه. وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم. وقال النسائي: ليس بثقة. اهـ من "ميزان الاعتدال". 186 - قال إسماعيل بن إسحاق القاضي رحمه الله ص (50): حدثنا محمد بن أبي بكر قال: ثنا الضحاك بن مخلد قال: ثنا موسى بن عبيدة أخبرني محمد ابن عمرو بن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((سلوا الله لي الوسيلة لا يسألها لي مسلم أو مؤمن إلاّ كنت له شهيدًا أو شفيعًا -أو: شفيعًا أو شهيدًا-)). الحديث أخرجه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" ص (1051). وفي سنده موسى بن عبيدة وهو الربذي، وهو ضعيف لكنه قد توبع: قال الطبراني رحمه الله كما في "تفسير ابن كثير" (ج2 ص53): أنا أحمد ابن علي الأبار حدثنا الوليد بن عبد الملك الحراني حدثنا موسى بن أعين عن ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((سلوا الله لي الوسيلة فإنّه لم يسألْها لي عبد في الدّنيا إلاّ كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة)). الحديث سنده حسن: والوليد بن عبد الملك قال ابن أبي حاتم في "الجرح

والتعديل": سألت أبي عنه، فقال: صدوق. والحديث له طريق ثالثة، قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج7 ص96): حدثنا أبوبكر الطلحي ثنا الحسن بن حباش (¬1) ثنا محمد بن الفرج بمدينة الرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ثنا خالد بن يزيد العمري ثنا سفيان الثوري عن محمد بن عبيدة عن محمد بن سيرين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لا يسأل الله عبد لي الوسيلة إلاّ كنت له شفيعًا يوم القيامة)). غريب تفرد به خالد بن يزيد العمري. قال أبوعبد الرحمن: وخالد بن يزيد العمري تالف، قال الحافظ الذهبي في "الميزان": كذبه أبوحاتم ويحيى، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. 187 - قال الإمام البخاري رحمه الله في "الأدب المفرد" ص (223): حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا إسحاق بن سليمان عن سعيد بن عبد الرحمن مولى سعيد بن العاص قال: حدثنا حنظلة بن علي عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((من قال: اللهمّ صل على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، وترحّم على محمّد وعلى ¬

(¬1) في الإكمال لابن ماكولا (ج2 ص345): والحسن بن حباش بن يحيى الكوفي روى عن إبراهيم بن أبي الجوالق عن أبي نعيم وعن يوسف بن محمد بن سابق عن عبد الحميد الحماني. روى عنه أبوحامد أحمد بن علي بن حسنويه المقرئ وأبوبكر بن أبي دارم وأبوالحسين بن قانع وغيرهم. اهـ

آل محمّد كما ترحّمْت على إبراهيم وآل إبراهيم. شهدت له يوم القيامة بالشّهادة وشفعت له)). الحديث ضعيف لأن في سنده سعيد بن عبد الرحمن القرشي الأموي وهو مجهول، قال الحافظ الذهبي في "الميزان": روى عن حنظلة بن علي وعنه إسحاق بن سليمان الرازي فقط، وثّق. اهـ ولعلّ الحافظ الذهبي يقصد بقوله: (وثّق) أنه وثّقه ابن حبان كما ذكره الحافظ في "تهذيب التهذيب"، وابن حبان رحمه الله يوثّق المجهولين كما ذكره الحافظ في مقدمة "لسان الميزان"، والسخاوي في "فتح المغيث" وفي "القول البديع" ص (41). 188 - قال الخطيب رحمه الله في "التاريخ" (ج3 ص291): حدثنا علي بن أحمد الرزاز حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال: حدثنا محمد ابن يونس بن موسى (¬1) حدثنا عبد الملك بن قريب الأصمعي حدثنا محمد بن مروان سمعت منه ببغداد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من صلّى عليّ عند قبري سمعته، ومن صلّى عليّ نائيًا وكّل بها ملك يبلّغني وكفى بها أمر دنياه وآخرته، وكنت له شهيدًا أو شفيعًا)). حدثنا أحمد بن محمد العتيقي حدثنا يوسف بن أحمد الصيدلاني حدثنا محمد بن عمرو بن موسى العقيلي حدثنا إسماعيل بن نميل الخلال حدثنا العلاء بن عمر وحدثنا محمد بن مروان عن الأعمش بنحوه. ¬

(¬1) محمد بن يونس بن موسى: هو الكديمي متروك، كما في جلاء الأفهام ص (714) والصارم المنكي ص (180) وقال: متهم بالكذب ووضع الحديث.

حدثنا محمد بن علي المقرئ قال: قرأنا على الحسين بن هارون عن ابن سعيد قال: حدثني عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة قال: سألت ابن نمير عن حديث العلاء بن عمرو عن محمد بن مروان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من صلّى عليّ عند قبري)) فقال: دعْ ذا، محمد بن مروان ليس بشيء. الحديث أخرجه البيهقي في "حياة الأنبياء" ص (15)، وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (ج1 ص303)، وقال: هذا حديث لا يصح، ومحمد بن مروان هو السدي، قال يحيى: ليس بثقة. وقال ابن نمير: كذاب. وقال السعدي: ذاهب الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه إلا اعتبارًا. قال العقيلي: لا أصل لهذا الحديث من حديث الأعمش وليس بمحفوظ. اهـ وقال الحافظ ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي" ص (179): هذا الحديث موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ولم يحدّث به أبوهريرة ولا أبوصالح ولا الأعمش، ومحمد بن مروان السدي متّهم بالكذب والوضع -إلى أن قال:- وقد روى بعضهم هذا الحديث من رواية أبي معاوية عن الأعمش وهو خطأ فاحش وإنما هو محمد بن مروان تفرد به وهو متروك الحديث، متهم بالكذب. اهـ المراد منه. وقد تعقب السيوطي في "اللآلي" (ج1 ص283) على ابن الجوزي بما لا يجدي، وقد أجاب الألباني حفظه الله على هذه التعقبات في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" رقم الحديث (203). وقد ذكر بعض ما قيل في الحديث المناوي في "فيض القدير".

189 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص108): ثنا حسن بن موسى ثنا ابن لهيعة قال: ثنا بكر بن سوّادة عن زياد بن نعيم (¬1) عن وفاء الحضرمي عن رويفع بن ثابت الأنصاري أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((من صلّى على محمّد وقال: اللهمّ أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة. وجبت له شفاعتي)). الحديث أخرجه إسماعيل القاضي ص (53)، والطبراني في "الكبير" (ج5 ص14). وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (ج2 ص505): رواه البزار والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وبعض أسانيدهم حسن. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج1 ص163): رواه البزار والطبراني في "الأوسط" و"الكبير" وأسانيدهم حسنة. وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج3 ص513) بعد أن ساقه بسند الإمام أحمد: وهذا إسناد لا بأس به ولم يخرجوه. قال أبوعبد الرحمن: هذا الحديث يدور على وفاء بن شريح، وقد ذكره ابن أبي حاتم فقال: روى عن سهل بن سعد ورويفع بن ثابت، روى عنه زياد بن نعيم وبكر بن سوادة، سمعت أبي يقول ذلك. اهـ فهو مجهول الحال، وأما من حسّن حديثه فاعتمد على توثيق ابن حبان، فقد ذكر الحافظ في "تهذيب التهذيب" نحو ما ذكر ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، ثم قال: وثّقه ابن حبان. ¬

(¬1) هو زياد بن ربيعة بن نعيم نسب إلى جده، كما في تهذيب التهذيب.

وقد تقدم أن ابن حبان يوثّق المجهولين، فلا يعتمد على توثيقه للمجهولين. وفي سند الحديث أيضًا عبد الله بن لهيعة، وهو ضعيف، لكن الحديث له شواهد يرتقي بها إلى الحسن، والله أعلم. 190 - قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" ص (63): قال الطبراني في "المعجم الكبير": حدثنا محمد بن علي بن حبيب الطرائفي الرقي حدثنا محمد بن علي بن ميمون (¬1) حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي حدثنا بقية بن الوليد عن إبراهيم بن محمد بن زياد قال: سمعت خالد بن معدان يحدث عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من صلّى عليّ حين يصبح عشرًا، وحين يمسي عشرًا، أدركته شفاعتي)). الحديث قال المناوي في "فيض القدير": قال الحافظ العراقي: فيه انقطاع، وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد، لكن فيه انقطاع لأن خالدًا لم يسمع من أبي الدرداء. وذكر السخاوي في "القول البديع" ص (121) نحوه، وزاد: وأخرجه أبوعاصم، وفيه ضعف. قال أبوعبد الرحمن: وفيه بهذا السند إبراهيم بن محمد بن زياد: وهو الألهاني، ترجم له البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وقد ذكر ابن أبي حاتم أنه روى عنه أبوحيوة شريح بن يزيد المقرئ، ومحمد ابن سليمان بن أبي داود الحراني، ويضاف ما في هذا السند وهو بقية بن ¬

(¬1) قال الذهبي في العبر: قال الحاكم: كان إمام أهل الجزيرة في عصره، ثقة مأمون.

الوليد فيكون مستور الحال يصلح في الشواهد والمتابعات. وأيضًا بقية مدلس ولم يصرح بالتحديث. وفي سنده أيضًا سليمان بن عبد الله الرقي، قال الحافظ الذهبي في "الميزان": قال ابن معين: ليس بشيء. اهـ والحافظ في "لسان الميزان" يرجح أنه أبوأيوب سليمان بن سلمة الخبائري. قال الحافظ الذهبي في "الميزان" في ترجمة سليمان بن سلمة الخبائري: عن إسماعيل وبقية قال أبوحاتم: متروك لا يشتغل به. وقال ابن الجنيد: كان يكذب. اهـ. مختصرًا من "الميزان". 191 - قال ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" ص (60): وأما حديث أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، فقال ابن شاهين: حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث حدثنا علي بن الحسين المكتب حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي حدثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((من صلّى عليّ كنت شفيعه يوم القيامة)). وقال ابن أبي داود أيضًا: حدثنا علي بن الحسين حدثنا إسماعيل بن يحيى حدثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في حجّة الوداع يقول: ((إنّ الله عزّ وجلّ قد وهب لكم ذنوبكم عند الاستغفار، فمن استغفر بنيّة صادقة غفر له، ومن قال: لا إله إلاّ الله، رجح ميزانه ومن صلّى عليّ كنت شفيعه يوم القيامة)) اهـ الحديث قال السخاوي في "القول البديع" ص (120): رواه أبوحفص

ابن شاهين في "الترغيب" له وفي غيره، وابن بشكوال من طريقه، وفي إسناده إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي ضعيف جدًا، واتفقوا على تركه. اهـ وقال الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال": قال صالح بن محمد جزرة كان يضع الحديث، وقال الأزدي: ركن من أركان الكذب لا تحل الرواية عنه. اهـ وفي سند الحديث أيضًا فطر بن خليفة، وهو مدلس كما في "فتح المغيث" (ج1 ص172). 192 - قال البخاري رحمه الله (ج2 ص94): حدثنا علي بن عياش قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((من قال حين يسمع النّداء: اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة، آت محمّدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الّذي وعدته. حلّت له شفاعتي يوم القيامة)). الحديث أعاده (ج8 ص399)، وأخرجه أبوداود (ج1 ص362)، والترمذي (ج1 ص136)، والنسائي (ج2 ص22)، وابن ماجه (ج1 ص239)، وأحمد (ج3 ص354)، وابن خزيمة في "الصحيح" (ج1 ص220)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" ص (45)، وابن حبان (ج3 ص148) من "ترتيب الصحيح"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (ج1 ص146)، والبيهقي في "السنن" (ج1 ص410). وقال الترمذي: حديث صحيح حسن غريب من حديث محمد بن المنكدر، لا نعلم أحدًا رواه غير شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر، وأبوحمزة اسمه دينار. اهـ

قال الحافظ في "الفتح" (ج2 ص94) متعقبًا قول الترمذي: وقد توبع ابن المنكدر عليه عن جابر، أخرجه الطبراني في "الأوسط" من طريق أبي الزبير عن جابر نحوه. اهـ تنبيه: في الحديث زيادتان كلتاهما شاذة: الأولى: عند البيهقي: ((إنّك لا تخلف الميعاد)). وهذه الزيادة تفرد بها محمد بن عوف الطائي، وقد خالف البخاري وأحمد، ومحمد بن سهل بن عسكر البغدادي، وإبراهيم بن يعقوب وهو الجوزجاني، وعمرو بن منصور، ومحمد بن يحيى -وهو الذهلي-، والعباس ابن الوليد الدمشقي، ومحمد بن أبي الحسين، وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، وموسى بن سهل (¬1)، فهؤلاء عشرة يروونه عن علي بن عياش وليس فيه هذه الزيادة، فيعتبر محمد بن عوف الطائي شاذًّا، ويحكم على زيادته بالضعف، والله أعلم. الزيادة الثانية: زاد عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي عند الطحاوي: ((سيّدنا)) فقال: ((اللهمّ أعط سيّدنا محمّدًا)). وهذه الزيادة تعتبر شاذةً أيضًا، إذ قد خالف عبد الرحمن بن عمرو عشرة، التسعة المتقدمين ومحمد بن عوف الطائي، فلا يشرع لنا أن نقول في ¬

(¬1) البخاري في صحيحه، وأحمد في مسنده، ومحمد بن سهل وإبراهيم بن يعقوب عند الترمذي، وعمرو بن منصور عند النسائي، ومحمد بن يحيى والعباس بن الوليد ومحمد بن أبي الحسين عند ابن ماجه، وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي عند الطحاوي، وموسى بن سهل الرملي عند ابن خزيمة.

هذا الدعاء: ((سيّدنا)) لعدم ثبوت ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وهو بأبي وأمي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم سيدنا، ولكن الأحوط في العبادات أن نعمل بما علمناه فحسب، لأن الدين ليس بالرأي. 193 - قال الطحاوي رحمه الله في "شرح معاني الآثار" (ج1 ص145): حدثنا محمد بن النعمان السقطي قال: ثنا يحيى بن يحيى النيسابوري قال: نا أبوعمر البزار عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((ما من مسلم يقول إذا سمع النّداء، فيكبّر المنادي فيكبّر، ثمّ يشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله فيشهد على ذلك، ثمّ يقول: اللهمّ أعط محمّدًا الوسيلة، واجعلْ في عليين درجته، وفي المصطفين محبته، وفي المقربين داره. إلاّ وجبتْ له شفاعة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يوم القيامة)). الحديث أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج10 ص16). والحديث ضعيف لأن في سنده دينار بن عمر أبا عمر البزار، يقال: كان مختاريًا، ووثّقه وكيع، وقال أبوحاتم: ليس بالمشهور. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الأزدي: متروك. وقال الخليلي في "الإرشاد": كذاب، كان مختاريًا من شرط المختار بن أبي عبيد. اهـ مختصرًا من "تهذيب التهذيب". وأما شيخ الطحاوي محمد بن النعمان فلم أجد ترجمته، لكنه قد توبع فقال ابن السني رحمه الله ص (47): حدثنا محمد بن جرير أنا أبوبكر بن أبي شيبة ثنا عثمان بن سعد حدثنا عمر أبوحفص عن قيس بن مسلم به نحوه. وقال الهيثمي (ج1 ص333): رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله

موثقون. 194 - قال ابن السني رحمه الله في "عمل اليوم والليلة" ص (58): حدثني أحمد ابن إبراهيم المديني بعمان ثنا هارون بن إسحاق الهمداني ثنا المحاربي عن مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من قال في دبر كلّ صلاة مكتوبة: اللهمّ أعط محمّدًا الدّرجة الوسيلة، اللهمّ اجعله في المصطفين صحبته، وفي العالين درجته، وفي المقرّبين ذكره. من قال ذلك في دبر كلّ صلاة فقد استوجب عليّ الشّفاعة يوم القيامة ووجبت له الجنّة)). الحديث في سنده ثلاثة ضعفاء: عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد الألهاني أبوعبد الملك والقاسم بن عبد الرحمن الأموي، قال ابن حبان: إذا اجتمعوا في إسناد لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم، كما في "الميزان" في ترجمة عبيد الله بن زحر.

زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم

زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وردت أحاديث أن زيارة قبر رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم سبب لشفاعته صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لا يثبت منها شيء، وسأنقل إن شاء الله عن أهل العلم ما يتعلق بهذه الأحاديث من النقد والتجريح لرواتها. 195 - قال الإمام سليمان بن داود أبوداود الطيالسي رحمه الله كما في "ترتيب المسند" (ج1 ص228): حدثنا نوار (¬1) بن ميمون أبوالجراح العبدي قال: حدثني رجل من آل عمر عن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((من زار قبري -أو قال: من زارني- كنت له شفيعًا أو شهيدًا، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة)). الحديث أخرجه البيهقي (ج5 ص245) وقال: هذا إسناد مجهول. وقال الحافظ الكبير محمد بن أحمد بن عبد الهادي في كتابه "الصارم ¬

(¬1) في ترتيب المسند: (نوار)، وفي الصارم المنكي: (سوار) ولم يتضح لي بعد البحث أيهما الصواب، ثم وجدته في سنن البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي: (سوار بن ميمون) فالظاهر أن ما في ترتيب المسند مصحف. والله أعلم.

المنكي" الذي هو أحسن مرجع لهذه الأحاديث ص (79): هذا الحديث ليس بصحيح لانقطاعه وجهالة إسناده، واضطرابه، ولأجل اختلاف الرواة في إسناده واضطرابهم فيه جعله المعترض -يعني السبكي- ثلاثة أحاديث، وهو حديث ساقط الإسناد لا يجوز الاحتجاج به، ولا يصلح الاعتماد على مثله. ثم ذكر أن سوار بن ميمون مجهول وشيخه مبهم أسوأ حالاً من المجهول، وذكر ما فيه من الاختلاف فليراجع في "الصارم المنكي في الرد على السبكي". 196 - قال الدارقطني رحمه الله (ج2 ص278): ثنا القاضي المحاملي (¬1) نا عبيد الله بن محمد الوراق نا موسى بن هلال العبدي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من زار قبري وجبت له شفاعتي)). الحديث أخرجه البيهقي في "الشعب" كما في "الصارم المنكي" ص (13) من طريق عبد الله بن عمر العمري. قال البيهقي: وقيل عن عبيد الله، وذكره بسنده ثم قال البيهقي: وسواء قال: عبيد الله أو عبد الله فهو منكر عن نافع عن ابن عمر لم يأت به غيره. يعني غير موسى بن هلال، ثم قال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله: هكذا ذكر الإمام الحافظ أن هذا الحديث منكر عن نافع عن ابن عمر، سواء قال فيه موسى بن هلال: عن عبيد الله أو عبد الله، والصحيح أنه عبد الله كما ذكره أبوأحمد بن عدي وغيره. وهذا الذي صححه ابن عدي هو الصحيح، وهو أنه من رواية عبد الله ¬

(¬1) هو الحسن بن إسماعيل، ثقة حافظ، كما في تذكرة الحفاظ.

ابن عمر الصغير المكبّر المضعّف، ليس من رواية عبيد الله بن عمر الكبير المصغر الثقة الثبت، فإن موسى لم يلحق عبيد الله، إلى آخر كلامه رحمه الله. وحاصل كلامه: أن الحديث في سنده موسى بن هلال وهو مجهول، وعبد الله بن عمر العمري، وأن الحديث منكر لا يثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، ثم ذكر عن العقيلي أنه قال في ترجمة موسى بن هلال بعد ذكره الحديث من طريقه عن عبيد الله: لا يصح حديثه ولا يتابع عليه -إلى أن قال العقيلي رحمه الله- والرواية في هذا الباب فيها لين. - قال أبونعيم في "أخبار أصبهان" (ج2 ص219): حدثنا أبومحمد بن حيان ثنا محمد بن أحمد بن سليمان الهروي ثنا مسلم بن حاتم الأنصاري ثنا مسلمة بن سالم الجهني حدثني عبد الله -يعني العمري- حدثني نافع عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من جاءني زائرًا لم تنْزعْه حاجة إلاّ زيارتي كان حقًا على الله أن أكون له شفيعًا يوم القيامة)). الحديث في سنده مسلمة بن سالم قال الذهبي في "الميزان": مرّ في مسلم، وقال في ترجمة مسلم بن سالم الجهني: قال أبوداود السجستاني: ليس بثقة، ذكر له الذهبي هذا الحديث. وإن كنت تريد المزيد من البيان في بطلان هذا الحديث راجعت "الصارم المنكي" ص (36).

- قال البزار رحمه الله كما في "الصارم المنكي" ص (27): حدثنا قتيبة (¬1) حدثنا عبد الله بن إبراهيم حدثنا عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((من زار قبري حلّت له شفاعتي)). ذكر الحافظ ابن عبد الهادي ص (28) من "الصارم المنكي" أن في سند هذا الحديث عبد الله بن إبراهيم وهو ابن أبي عمر الغفاري نسب إلى الكذب ووضع الحديث، وفي سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال الحاكم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة. اهـ مختصرًا. هذا وقد جاء الحديث من حديث أنس كما في "الصارم المنكي" ص (145)، وفي سنده سليمان بن يزيد أبوالمثنى الكعبي، قال ابن عبد الهادي: وهو شيخ غير محتج بحديثه ولم يدرك أنس بن مالك، فروايته عنه منقطعة. ومن حديث أنس أيضًا كما في ص (147)، قال ابن عبد الهادي: وهو حديث موضوع مكذوب مختلق مصنوع من النسخة الموضوعة المكذوبة الملصقة بسمعان المهدي قبح الله واضعها، إلى آخر ما ذكر رحمه الله. ومن حديث ابن عباس كما في ص (149)، قال ابن عبد الهادي ص (150): وهو حديث منكر جدًا، ليس بصحيح ولا ثابت، بل هو حديث موضوع على ابن جريج -أحد رجال السند- ثم ذكر ما فيه. ¬

(¬1) قتيبة شيخ البزار هو ابن المرزبان، كما في الصارم المنكي ص (28)، والحديث في كشف الأستار (ج2 ص57).

وحديث مرسل من حديث بكير بن عبد الله (¬1) ص (153)، قال يحيى الحسيني في "أخبار المدينة" في (باب ما جاء في زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم): حدثنا محمد بن يعقوب ثنا عبد الله بن وهب عن رجل عن بكير بن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فذكر الحديث، قال ابن عبد الهادي: وهو حديث باطل لا أصل له وخبر معضل لا يعتمد على مثله وهو من أضعف المراسيل وأوهى المنقطعات -إلى أن قال:- فقد تبيّن أن جميع الأحاديث التي ذكرها المعترض -يعنى السبكي- في هذا الباب ليس فيها حديث صحيح، بل كلها ضعيفة أو موضوعة لا أصل لها، وكم من حديث له طرق أضعاف الطرق التي ذكرها المعترض، وهو موضوع عند أهل هذا الشأن فلا يعتبر بكثرة الطرق وتعددها، وإنما الاعتماد على ثبوتها وصحتها. اهـ فائدة: الحديث الذي رواه الإمام أحمد وولده عبد الله (ج3 ص155) من طريق الحكم بن موسى ثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن نبيط بن عمرو عن أنس ابن مالك عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((من صلّى في مسجدي أربعين صلاةً، لا يفوته صلاة كتبت له براءة من النّار، ونجاة من العذاب، وبرئ من النّفاق)) ضعيف، لأنّ في سنده نبيط بن عمرو، ولم يرو عنه إلا عبد الرحمن بن أبي الرجال كما في "تعجيل المنفعة" فهو مجهول العين، فالحديث لا يثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. ¬

(¬1) الظاهر أن بكير بن عبد الله هو ابن الأشج. وقلنا: إنه الظاهر، لأن عبد الله بن وهب يروي عن الليث، والليث يروي عن بكير بن عبد الله كما في تهذيب التهذيب.

وإنما ذكرت هذه الفائدة لما يلحق بعض الزوار من الضرر بسبب انتظارهم حتى تنتهي الأربعون الصلاة، مغترين بهذا الحديث الذي لا يثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. ولست ممن يزهد في المكث بمدينة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم التي أخبر الرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أن من مات بها كان له شفيعًا أو شهيدًا (¬1)، ولكني أردت أن أبيّن لمن يغتر بهذا الحديث ويبقى من أجله أنه لا يثبت. ¬

(¬1) تقدم تخريجه مفصلاً في (سكنى المدينة والموت بها).

شفاعة المصلين على الميت الواحد له

شفاعة المصلين على الميت الواحد له 197 - قال مسلم رحمه الله (ج2 ص654): حدثنا الحسن بن عيسى ثنا ابن المبارك أخبرنا سلام بن أبي مطيع عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة عن عائشة عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((ما من ميّت يصلّي عليه أمّة من المسلمين يبلغون مائةً كلّهم يشفعون له إلاّ شفّعوا فيه)). قال (¬1): فحدثت به شعيب بن الحبحاب، فقال: حدثني به أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. الحديث أخرجه الترمذي (ج2 ص247) وقال: حديث عائشة حديث صحيح وقد أوقفه بعضهم ولم يرفعه. أخرجه النسائي (ج4 ص62)، والطيالسي (ج1 ص162)، وأحمد (ج3 ص266، وج6 ص32، 40، 97، 231). وأخرجه عبد الرزاق (ج3 ص527) مرسلاً. وقد ذكر هذا الحديث ابن أبي حاتم في "العلل" (ج2 ص360) فقال: سألت أبي عن حديث رواه المسيب بن واضح عن أبي إسحاق الفزاري عن ¬

(¬1) القائل: (فحدثت به) هو سلام كما في المسند (ج3 ص266) والنسائي (ج4 ص62).

خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله فذكره. قال أبي: إنما عبد الله بن يزيد عن عائشة. اهـ فالحاصل أنه قد اختلف في هذا الحديث فجاء من حديث عائشة، ومن حديث أنس، ومن حديث علي بن أبي طالب، وجاء مرسلاً وموقوفًا على عائشة. والظاهر هو ترجيح ما رواه مسلم من حديث عائشة وأنس، فقد رواه عن أبي قلابة أيوب وخالد الحذاء، وحديث أنس حديث مستقل لا يعلّ به حديث عائشة، والله أعلم. 198 - قال مسلم رحمه الله (ج2 ص655): حدثنا هارون بن معروف وهارون بن سعيد الأيلي والوليد بن شجاع السكوني، قال الوليد: حدثني وقال الآخران: حدثنا ابن وهب أخبرني أبوصخر عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب مولى ابن عباس عن عبد الله بن عبّاس أنّه مات ابن له بقديد أو بعسفان فقال: يا كريب انظر ما اجتمع له من النّاس. قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته، فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم. قال: أخرجوه فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا إلاّ شفّعهم الله فيه)). وفي رواية ابن معروف عن شريك ابن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس. الحديث أخرجه أبوداود (ج3 ص517)، وابن ماجه (ج1 ص477)، وأحمد (ج1 ص277)، والبيهقي (ج4 ص30).

199 - قال الإمام محمد بن يزيد الشهير بابن ماجة (ج1 ص477): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة ثنا عبيد الله أنبأنا شيبان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((من صلّى عليه مائة من المسلمين غفر له)). الحديث رجاله رجال الصحيح وهو على شرط الشيخين. 200 - قال النسائي رحمه الله (ج4 ص62): أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا محمد بن سواء أبوالخطاب قال: حدثنا أبوبكار الحكم بن فروخ قال: صلّى بنا أبوالمليح على جنازة فظننا أنّه قد كبّر فأقبل علينا بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم ولتحسن شفاعتكم. قال أبوالمليح: حدثني عبد الله وهو ابن سليط عن إحدى أمهات المؤمنين وهي ميمونة زوج النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قالت أخبرني النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((ما من ميّت يصلي عليه أمّة من النّاس إلاّ شفّعوا فيه)). فسألت أبا المليح عن الأمة، فقال: أربعون. الحديث أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (ج5 ص112)، وفيه: الأمة ما بين الأربعين إلى المائة. وأخرجه أحمد (ج6 ص331 و334)، وابن أبي شيبة (ج3 ص321). هذا الحديث يدور على عبد الله بن سليط، وقد ذكره ابن أبي حاتم وقال: إنه روى عنه أبوالمليح. ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وذكر الحافظ في "تهذيب التهذيب" أنه تفرّد عنه أبوالمليح وأنه وثّقه ابن حبان.

فعلى هذا فهو مجهول العين، والحديث ضعيف. 201 - قال أبوداود رحمه الله (ج3 ص538): حدثنا أبومعمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث حدثنا أبوالجلاس عقبة بن سيار حدثني علي بن شماخ قال: شهدت مروان سأل أبا هريرة: كيف سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يصلّي على الجنازة؟ قال: أمع الّذي قلت؟ قال: نعم. -قال: كلام كان بينهما قبل ذلك- قال أبوهريرة: ((اللهمّ أنت ربّها وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرّها وعلانيتها، جئناك شفعاء فاغفر له)). قال أبوداود: أخطأ شعبة في اسم (علي بن شماخ)، قال فيه: (عثمان بن شماس). وسمعت أحمد بن إبراهيم الموصلي يحدث أحمد بن حنبل قال: ما أعلم أني جلست من حماد بن زيد مجلسًا إلا نهى فيه عن عبد الوارث وجعفر بن سليمان. الحديث أخرجه ابن أبي شيبة (ج3 ص292)، والبيهقي (ج4 ص42) وفي سنده علي بن شماخ وهو مجهول لم يرو عنه إلا أبوالجلاس عقبة بن سيار كما في "تاريخ البخاري" و"الجرح والتعديل" و"تهذيب التهذيب".

أعمال متنوعة من أسباب الشفاعة

أعمال متنوعة من أسباب الشفاعة 202 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص500): ثنا عفان ثنا خالد -يعني الواسطي- قال: ثنا عمرو بن يحيى الأنصاري عن زياد بن أبي زياد مولى بني مخزوم عن خادم للنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم رجل أو امرأة قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ممّا يقول للخادم: ((ألك حاجة؟)) قال: حتّى كان ذات يوم، فقال: يا رسول الله حاجتي. قال: ((وما حاجتك؟)) قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة. قال: ((ومن دلّك على هذا؟)) قال: ربّي. قال: ((أمّا لا فأعنّي بكثرة السّجود)). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج2 ص249): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 203 - في "أسْد الغابة" (ج5 ص180): وروى شيبان عن جرير عن عبد الملك بن عمير عن مصعب الأسلمي قال: انطلق غلام لنا فأتى النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فقال: أسألك أن تجعلني ممن تشفع له يوم القيامة. فقال: ((من علّمك أو أمرك أو دلّك؟)) فقال: ما أمرني إلاّ نفسي قال: ((إنّي أشفع لك)) ثمّ ردّه فقال: ((أعنّي على نفسك بكثرة السّجود)). رواه وهب بن جرير عن أبيه فقال: عن أبي مصعب. أخرجه أبونعيم وأبوموسى. اهـ

الحديث ذكره الحافظ في "الإصابة" من رواية البغوي والطبراني بنحو ما هنا، ثم قال: وأخرجه البزار عن طالوت بن عباد عن جرير، فقال: عن عبد الملك، كان بالمدينة غلام يكنى أبا مصعب، فذكر الحديث مطولاً، وقال: لا نعلمه إلا من هذا الوجه، قال العسكري: وهو مرسل. قال الحافظ: رواية البزار ظاهرة الإرسال، لكن فيها أبومصعب، وأما رواية غيره فالوصل فيها ظاهر، لكن عبد الملك كان يدلس. اهـ وقال الهيثمي (ج10 ص369): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. قال أبوعبد الرحمن: قوله (رجاله رجال الصحيح) لا يلزم أن يكون الحديث صحيحًا، لا سيما والحديث من طريق عبد الملك بن عمير، وكان يدلس كما أفاده الحافظ، لكن الحديث يعتبر شاهدًا لما قبله فلا يضره أن عبد الملك لم يصرح بالسماع. 204 - قال عبد الله بن المبارك في "الزهد" ص (455): حدثنا حسين بن علي قال: حدثتني فاطمة بنت حسين أن رجلاً قال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني من أهل شفاعتك. قال: ((أعنّي بكثرة السّجود)). الحديث مرسل. 205 - قال أبونعيم في "أخبار أصبهان" (ج2 ص345): حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد ثنا عبدان بن أحمد (¬1) ثنا زيد (¬2) بن الحريش ثنا صغدي عن ¬

(¬1) عبدان: هو عبد الله بن أحمد، وعبدان لقب، ترجمته في تذكرة الحفاظ. (¬2) في الأصل: (يزيد)، والصواب ما أثبتناه، كما في الإكمال لابن ماكولا (ج2 ص422)، وفي لسان الميزان.

يونس الأصبهاني -أحسبه ابن أبي عمر- عن عطاء عن ابن عباس رفع الحديث إلى النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنه قال: ((من أحيا بين الصّلاتين غفر له، وشفع له ملكاه، وأمّنّا على دعائه)). الحديث في سنده يونس الأصبهاني: قيل: يونس بن أبي عمر، ذكره أبونعيم (ج2 ص345) من "أخبار أصبهان"، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وصغدي: هو ابن سنان كما في ترجمة يونس من "أخبار أصبهان"، قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": سئل عنه يحيى، فقال: ليس بشيء. وقال ابن أبي حاتم أيضًا: سألت عنه أبي، فقال: ضعيف ليس بقوي. وفيه أيضًا زيد بن الحريش، قال ابن ماكولا في "الإكمال" (ج2 ص422): زيد بن حريش الأهوازي عن سفيان وعمران ابني عيينة وغيرهما حدث عنه عبدان الأهوازي وغيره. اهـ وقال الحافظ في "اللسان": زيد بن الحريش (¬1) الأهوازي، يروي عن عمران بن عيينة وعنه عبدان الأهوازي، قال ابن حبان في "الثقات": ربما أخطأ. وقال ابن القطان: مجهول الحال. وذكر ابن أبي حاتم في الرواة عنه إبراهيم بن يوسف الهسنجاني. اهـ 206 - قال الخطيب رحمه الله في "شرف أصحاب الحديث" ص (20): وأخبرنا أبوسعد الماليني قال: أخبرنا علي بن عيسى بن المثنى قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: أخبرنا علي بن حجر السعدي قال: حدثنا إسحاق ¬

(¬1) في اللسان: (زيد بن الحرشي)، والصواب ما أثبتناه.

ابن نجيح عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من حفظ على أمّتي أربعين حديثًا في السّنّة كنت له شفيعًا يوم القيامة)). الحديث رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" ص (52)، والقاضي عياض في "الإلماع" ص (23)، وفي سنده إسحاق بن نجيح وهو الملطي كذّاب. 207 - قال ابن عبد البر رحمه الله في "جامع بيان العلم وفضله" ص (51): وأخبرنا أحمد بن عبد الله عن (¬1) مسلمة بن القاسم حدثنا يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم بن يزيد بن حجر العسقلاني بعسقلان قال حدثنا أبوأحمد حميد ابن مخلد بن زنجويه عن (¬2) يحيى بن بكير قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من حفظ على أمّتي أربعين حديثًا من السّنّة حتّى يؤديها إليهم كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة)). قال أبوعمر: هذا أحسن إسناد جاء به هذا الحديث، ولكنه غير محفوظ ولا معروف من حديث مالك، ومن رواه عن مالك فقد أخطأ عليه وأضاف ما ليس من روايته عليه. اهـ ¬

(¬1) في الأصل: (أحمد بن عبد الله ومسلمة)، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه فمسلمة توفي سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة كما في تاريخ علماء الأندلس (ج2 ص130)، وتوفي ابن عبد البر سنة ثمان وستين وأربعمائة كما في مقدمة التمهيد، فلا يكون تلميذًا لمسلمة، وإبدال (عن) بواو العطف كثير في جامع بيان العلم وفضله. (¬2) في الأصل: (ويحيى بن بكير)، والصواب ما أثبتناه، وابن زنجويه لم يرو عن مالك كما يعلم من ترجمته من تهذيب التهذيب وطبقات الحنابلة.

وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (ج1 ص15): رواه ابن عبد البر في "العلم" من حديث ابن عمر وضعفه. قال أبوعبد الرحمن: هذا الحديث في سنده يعقوب بن إسحاق العسقلاني: قال الذهبي في "الميزان": كذاب فإنه قال حدثنا حميد بن زنجويه حدثنا يحيى بن بكير عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا ((من حفظ على أمّتي أربعين حديثًا)). اهـ 208 - قال ابن عبد البر رحمه الله ص (52): وأخبرنا أحمد أنا مسلمة أنا يعقوب بن إسحاق المعروف بابن حجر ومحمد بن أحمد بن عمر قال: حدثنا أحمد بن صالح وعلي بن عيسى عن عمرو بن الأزهر عن أبان عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ما من مسلم يحفظ على أمّتي أربعين حديثًا يعلّمهم بها أمر دينهم إلاّ جيء به يوم القيامة فقيل له: اشفعْ لمن شئت)). الحديث في سنده عمرو بن الأزهر، قال أحمد: كان يضع. كما في "الميزان"، وفيه أبان بن أبي عياش: قال النسائي وغيره: متروك. كما في "الميزان". فالثلاثة الأحاديث لا يثبت منها شيء. 209 - ثم وجدت للحديث طريقًا رابعةً من حديث أبي الدرداء، ذكرها ابن حبان في ترجمة عبد الملك بن هارون بن عنترة (ج2 ص128) من "الضعفاء"، وقال: إن عبد الملك ممن يضع الحديث، لا يحل كتبة حديثه إلا على جهة الاعتبار. وقد استوعب ابن الجوزي رحمه الله طرقه في "العلل المتناهية" (ج1

ص111 - 119) ثم قال: هذا حديث لا يصحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، ثم ذكر ما في طرقه. قال أبوعمر بن عبد البر رحمه الله عقب هذه الأحاديث: قال أبوعلي: وليس يروى هذا الحديث عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من وجه ثابت. وقال النووي رحمه الله في مقدمة "الأربعين": واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه. 210 - قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج1 ص367): حدثنا أبومحمد بن حيان ثنا محمد بن عبد الرحيم بن شبيب (¬1) ثنا إسحاق الطائي الكوفي ثنا عمرو بن خالد الكوفي ثنا أبوهاشم الرماني عن زاذان أبي عمر الكندي عن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أنا شفيع لكلّ رجلين اتّخيا في الله من مبعثي إلى يوم القيامة)). الحديث في سنده عمرو بن خالد الكوفي وهو أبوخالد الواسطي الراوي للمسند المنسوب إلى زيد بن علي، رواه عن زيد بن علي، وهو كذّاب عند المحدثين كما في ترجمته من "الميزان" و"تهذيب التهذيب". وأما مدافعة القاضي حسين السياغي رحمه الله عن عمرو بن خالد كما في مقدمة "الروض النضير" فليست بمقبولة، وقد أفصحت تلك المدافعة عن ¬

(¬1) محمد بن عبد الرحيم بن شبيب: هو محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن شبيب ترجمته في أخبار أصبهان لأبي نعيم (ج2 ص226)، وفي تاريخ بغداد (ج2 ص364)، وفي طبقات القراء الكبار للذهبي (ج1 ص189)، وفي غاية النهاية للجزري (ج2 ص169). وفي غاية النهاية للجزري (ج2 ص169) أنه إمام ضابط مشهور ثقة.

اعتقاد القاضي حسين، وأنه شيعي، عفا الله عنا وعنه. أما بقية السند فثقات إلا إسحاق الطائي الكوفي، فينظر في حاله، وأخشى أن يكون إسحاق بن بشر الكاهلي الكوفي وهو كذّاب. 211 - قال أبونعيم رحمه الله (ج6 ص353) من "الحلية": حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي ثنا علي بن إبراهيم بن الهيثم ثنا علي بن الحسين ابن الخواص ثنا عبد الله بن إبراهيم بن الهيثم الغفاري ثنا مالك بن أنس والعمري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من قضى لأخيه حاجةً كنت واقفًا عند ميزانه، فإنْ رجح وإلاّ شفعت له)). غريب من حديث مالك تفرد به الغفاري. الحديث في سنده عبد الله بن إبراهيم الغفاري: قال الذهبي في "الميزان": نسبه ابن حبان إلى أنه يضع الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال الدارقطني: حديثه منكر. فعلى هذا فالحديث لا يثبت بهذا السند. 212 - قال الطبراني رحمه الله في "الكبير" (ج10 ص201): حدثنا الحسين بن إسحاق التستري وعبدان بن أحمد قالا: ثنا محمد بن مصفى ثنا بقية بن الوليد ثنا إسماعيل بن عبد الله الكندي عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في قوله: {يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} قال: ((أجورهم: يدخلهم الجنّة، ويزيدهم من فضله: الشّفاعة لمن وجبت له الشّفاعة لمن صنع إليهم المعروف في الدّنيا)).

الحديث قال الهيثمي في "المجمع" (ج7 ص13): رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير"، وفيه إسماعيل بن عبد الله الكندي، ضعفه الذهبي من عند نفسه، فقال: أتى بخبر منكر. وبقية رجاله وثّقوا. وعزاه الحافظ ابن كثير في "التفسير" (ج1 ص591) إلى ابن مردويه، ثم قال: وهذا إسناد لا يثبت. وقد تقدم الحديث برقم (78). 213 - قال أبوطالب في "أماليه" ص (443): حدثنا أبوالحسين يحيى بن الحسن ابن محمد بن عبد الله الحسني قال: علي بن محمد بن مهرويه القزويني قال: حدثنا داود بن سليمان الغازي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((ثلاثة أنا شفيع لهم يوم القيامة: الضّارب بسيفه أمام ذريّتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه)) اهـ نقلت هذا الحديث من هذا الكتاب لا للاعتماد عليه ولكن لقصد بيان هذا الحديث، فقد قال الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال": داود بن سليمان الجرجائي الغازي عن علي بن موسى الرضا وغيره، كذبه يحيى، ولم يعرفه أبوحاتم، وبكل حال فهو شيخ كذاب له نسخة موضوعة على الرضا، رواها علي بن محمد بن مهرويه القزويني الصدوق عنه. اهـ وذكر في ترجمة علي بن موسى أن لداود بن سليمان القزويني عنه نسخة.

وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" ص (297): موضوع، كما قال في "المختصر". 214 - قال الإمام الخطيب البغدادي في "تاريخه" (ج3 ص348): أنبأناه محمد ابن أحمد بن رزق البزار ومحمد بن الحسين بن الفضل القطان قالا: حدثنا محمد بن عمر القاضي الحافظ حدثنا محمد بن الحسن بن سعدان المروزي حدثنا محمد بن عبد الكريم بن عبيد الله السرخسي حدثني المهتدي بالله أمير المؤمنين حدثني علي بن هاشم بن طبراخ عن محمد بن الحسن الفقيه عن ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن ابن عباس قال: قال العباس: يا رسول الله ما لنا في هذا الأمر؟ قال: ((لي النّبوة ولكم الخلافة بكم يفتح هذا الأمر وبكم يختم)) هذا آخر حديث ابن الفضل وزاد ابن رزق: قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم للعبّاس: ((من أحبّك نالته شفاعتي، ومن أبغضك فلا نالته شفاعتي)). قال أبوعبد الرحمن: محمد بن الحسن بن سعدان المروزي ومحمد بن عبد الكريم بن عبيد الله السرخسي لم أجد ترجمتهما. ومحمد بن الحسن الفقيه هو الشيباني وهو ضعيف. وابن أبي ليلى هو محمد ضعيف، والحديث ضعيف جدًا.

فصل الأسباب المانعة من الشفاعة

فصل الأسباب المانعة من الشفاعة 215 - قال عبد الله بن أحمد رحمه الله في "المسند" (ج1 ص72): وجدت في كتاب أبي: ثنا محمد بن بشر حدثني عبد الله بن عبد الله بن الأسود عن حصين بن عمر عن مخارق بن عبد الله بن جابر الأحمسي عن طارق بن شهاب عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من غشّ العرب لم يدخلْ في شفاعتي، ولم تنلْه مودّتي)). الحديث أخرجه الترمذي (ج5 ص381) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حصين بن عمر الأحمسي عن مخارق، وليس حصين عند أهل الحديث بذاك القوي. وقال المناوي في "فيض القدير": وحصين (¬1) بن عمر الأحمسي، قال الذهبي: ضعّفوه. وقال ابن تيمية: ليس عند أهل الحديث بذاك، والرواية النّكرة (¬2) ظاهرة عليها، وقد أنكر أكثر الحفاظ أحاديث حصين. وقال البخاري وأبوزرعة: هو منكر الحديث. اهـ ¬

(¬1) في فيض القدير: (حفص بن عمر)، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه. (¬2) في فيض القدير: (المنكرة). والصواب ما أثبتناه، ومعنى هذا الكلام في (اقتضاء الصراط المستقيم) ص (157).

وقال الذهبي في "الميزان": قال البخاري: منكر الحديث. ضعفه أحمد، وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبوحاتم: واه جدًا واتّهمه بعضهم. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه معاضيل، ينفرد عن كل من روى عنه، ثم ذكر الذهبي أن الترمذي روى له هذا الحديث. 216 - قال محمد بن وضاح رحمه الله في كتابه "البدع والنهي عنها": نا أسد (¬1) قال: نا عبد الله بن خالد عن أبي عبد السلام قال: سمعت بكر بن عبد الله المزني أن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((حلّت شفاعتي لأمّتي إلاّ صاحب بدعة)). الحديث ضعيف لأنه مرسل، وفيه أيضًا أبوعبد السلام: وهو صالح بن رستم، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: مجهول لا نعرفه. وتعقب الذهبي كلام أبي حاتم، فقال: قلت: قد روى عنه اثنان فخفّت الجهالة. اهـ المراد من "الميزان". 217 - قال الإمام الآجري رحمه الله في "الشريعة" ص (337): أخبرنا أبوجعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال: حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبومعاوية عن عاصم عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: من كذب بالشّفاعة فليس له فيها نصيب. الحديث قال الحافظ في "الفتح" (ج11 ص426): وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن أنس فذكره. 218 - قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج9 ص254): حدثنا محمد ثنا ¬

(¬1) هو أسد بن موسى الملقب بأسد السنة.

محمد ثنا محمد بن أسلم ثنا عبد الحكم بن ميسرة ثنا سعيد بن بشير صاحب قتادة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((صنفان من أمّتي لا تنالهم شفاعتي يوم القيامة: المرجئة والقدريّة)). الحديث في سنده سعيد بن بشير وهو ضعيف، وعبد الحكم بن ميسرة قال الذهبي في "الميزان": قال أبوموسى المديني: لا أعرفه بجرح ولا تعديل. قال الحافظ في "اللسان": وقد عرفه غيره، ثم ذكر عن الدارقطني أن عبد الحكم يحدّث بما لا يتابع عليه، وأن النسائي ذكره في "الضعفاء". وشيخ أبي نعيم هو محمد بن أحمد بن يزيد، وشيخ شيخه هو محمد بن أحمد بن زهير، كما في "الحلية" (ج9 ص249). أما محمد بن أحمد بن زهير فهو الطوسي، وصفه الذهبي في "العبر" (ج2 ص171) بأنه حافظ مصنف. وأما شيخ أبي نعيم فلم أجد ترجمته (¬1). وقد جاء هذا الحديث من حديث ابن عباس، ذكره ابن حبان في "الضعفاء" (ج2 ص109) من طريق علي بن نزار عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. وقد قال في ترجمة علي بن نزار: إنه منكر الحديث، ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات. والحديث ذكره الذهبي في "الميزان" في ترجمة علي بن نزار لكن لفظه: ¬

(¬1) الجوزي رحمه الله حديث أنس في العلل المتناهية من طرق إلى أنس وبيّن ما في كل طريق. وذكر الذهبي طريقًا من طرقه في الميزان في ترجمة سعيد بن ميسرة.

((صنفان من أمّتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدريّة)). وذكر في ترجمة علي، وقال: إن يحيى قال: إنّ عليّ بن نزار ليس بشيء وقال الأزدي: ضعيف جدًا. 219 - قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج7 ص236): حدثنا محمد بن الحسن بن يزيد أنّ هرمز المعدل التّستري ثنا يعقوب بن روح ثنا الحسن بن يزيد الجصاص (¬1) ثنا إسماعيل بن يحيى ثنا مسعر عن حميد بن سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، فقيل لي: يا محمّد اشفعْ، فاخرجْ من أحببت من أمّتك)) قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((فشفاعتي يومئذ محرّمة على رجل لقي الله بشتمة رجل من أصحابي)). غريب من حديث مسعر، تفرد به عنه إسماعيل بن يحيى التيمي. الحديث في سنده إسماعيل بن يحيى التيمي وقد قال صالح بن محمد بن جزرة: كان يضع. وقال الأزدي: ركن من أركان الكذب، لا تحل الرواية عنه. وقال أبوعلي النيسابوري الحافظ والدارقطني والحاكم: كذّاب. اهـ من "الميزان". وأبوسلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه، كما في "تهذيب التهذيب" عن علي بن المديني وأحمد وابن معين وغيرهم. 220 - قال أبونعيم رحمه الله في "الحلية" (ج1 ص86): حدثنا محمد بن ¬

(¬1) الحسن بن يزيد ترجمته في تاريخ بغداد (ج7 ص452) قال: وكان ثقة.

المظفر (¬1) ثنا محمد بن جعفر بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم ثنا عبد الرحمن بن عمران بن أبي ليلى -أخو محمد بن عمران- ثنا يعقوب بن موسى الهاشمي عن ابن أبي رواد (¬2) عن إسماعيل بن أمية عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي، فليوال عليًّا من بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهمًا وعلمًا، وويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتي، للقاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي)). هذا سند مظلم ومتن موضوع، وأحمد بن محمد بن يزيد لعله أبوبكر النرسي، وترجمته في "تاريخ بغداد" (ج5 ص120) ما ذكر عنه راويًا سوى محمد بن جعفر المعروف بزوج الحرة، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً ومحمد بن جعفر بن عبد الرحيم وعبد الرحمن بن عمران ويعقوب بن موسى ما وجدت لهم تراجم بعد البحث عنهم. 221 - قال الإمام الخطيب البغدادي في "تاريخه" (ج3 ص290): أخبرني الأزهري حدثنا المعافى بن زكريا الجريري حدثنا محمد بن مزيد بن أبي الأزهر حدثنا علي بن مسلم الطوسي قال حدثنا سعيد بن عامر عن قابوس ابن أبي ظبيان عن أبي عن جده عن جابر قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وهو يفحج بين فخذي الحسين ويقبّل زبيبته ويقول: ¬

(¬1) محمد بن المظفر: ترجمته في تاريخ بغداد (ج13 ص262)، وتذكرة الحفاظ ص (980) وقال الخطيب: وكان حافظًا فهمًا صادقًا مكثرًا. (¬2) ابن أبي روّاد: هو عبد العزيز، ثقة، تكلم فيه من أجل الإرجاء.

((لعن الله قاتلك)) قال جابر: فقلت: يا رسول الله ومن قاتله؟ قال: ((رجل من أمّتي يبغض عترتي لا يناله شفاعتي كأنّي بنفسه بين أطباق النّيران يرسب تارةً ويطفو أخرى وإنّ جوفه ليقول: عقْ عقْ)). ثم ذكر أنّه موضوع سندًا ومتنًا وبيّن علله، والله أعلم. 222 - قال أبونعيم في "الحلية" (ج5 ص192): حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن محمويه الأهوازي الجوهري ثنا أبوالربيع عيسى بن علي الناقد ثنا موسى بن إبراهيم المروزي ثنا عمرو بن واقد عن زيد بن واقد عن مكحول عن سعيد بن المسيب قال: لمّا فتحت أدانى خراسان، بكى عمر بن الخطاب، فدخل عليه عبد الرحمن بن عوف، فقال: ما يبكيك يا أمير المؤمنين، وقد فتح الله عليك مثل هذا الفتح؟ قال: وما لي لا أبكي، والله لوددت أنّ بيننا وبينهم بحرًا من نار، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((إذا أقبلت رايات ولد العبّاس من عقاب خراسان جاءوا بنعي الإسلام، فمن سار تحت لوائهم لم تنله شفاعتي يوم القيامة)). غريب من حديث زيد ومكحول. الحديث ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" (ج2 ص38) وقال: هذا حديث موضوع بلا شك. وواضعه من لا يرى لدولة بني العباس. قال أبومسهر: عمرو بن واقد ليس بشيء. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك. قال أبوزرعة: وزيد بن واقد ليس بشيء.

فائدة: قال أبومحمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس كما في "تفسير ابن كثير" (ج4 ص275): حدثنا أبي حدثنا أبوتوبة الربيع بن نافع حدثنا معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام -يعني جده-أخبرني عبد الرحمن حدثني رجل من كندة قال: أتيت عائشة فدخلت عليها وبيني وبينها حجاب، فقلت: حدّثك رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه كان يأتي عليه ساعة لا يملك لأحد فيها شفاعة؟ قالت: نعم، لقد سألته عن هذا وأنا وهو في شعار واحد، قال: ((نعم حين يوضع الصراط لا أملك لأحد فيها شفاعةً حتى أعلم أين يسلك بي، ويوم تبيّض وجوه، وتسودّ وجوه حتى أنظر ماذا يفعل بي-أو قال: يوحى-، وعند الجسر حتّى يستحدّ ويستحرّ))، قالت: وما يستحدّ وما يستحرّ؟ قال: ((يستحدّ حتى يكون مثل شفرة السّيف، ويستحرّ حتّى يكون مثل الجمرة، فأمّا المؤمن فيجوزه لا يضرّه، وأمّا المنافق فيتعلّق حتّى إذا بلغ أوسطه خرّ من قدميه، فيهوي بيديه إلى قدميه)). قالت: فهل رأيت من يسعى حافيًا فتأخذه شوكة حتّى تكاد تنفذ قدميه؟ فإنّها كذلك يهوي بيده ورأسه إلى قدميه، فتضربه الزّبانية بخطّاف في ناصيته وقدمه، فتقذفه في جهنّم فيهوي فيها مقدار خمسين عامًا. قلت: ما ثقل الرّجل؟ قالت: ثقل عشر خلفات سمان فيومئذ {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنّواصي والأقدام}. هذا حديث، غريب جدًا، وفيه ألفاظ منكر رفعها، وفي الإسناد من لم يسمّ، ومثله لا يحتج به، والله أعلم. اهـ

الشفاعات الدنيوية

الشفاعات الدنيوية الشفاعات الدنيوية منها ما هو مشروع، ومنها ما ليس بمشروع، قال الله سبحانه وتعالى: {من يشفعْ شفاعةً حسنةً يكن له نصيب منها ومن يشفعْ شفاعةً سيّئةً يكن له كفل منْها وكان الله على كلّ شيء مقيتًا}. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقوله تعالى: {من يشفعْ شفاعةً حسنةً يكن له نصيب منها} أي من يسعى في أمر فيترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك، {ومن يشفعْ شفاعةً سيّئةً يكن له كفل منها} أي يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنه قال: ((اشْفعوا تؤْجروا ويقضي الله على لسان نبيّه ما شاء)). اهـ المراد منه. وقد جاءت السنة المطهرة ببيان ما يحل من الشفاعة وما يحرم. 223 - قال البخاري رحمه الله (ج3 ص299): حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا أبوبردة (¬1) بن عبد الله بن أبي بردة حدثنا أبوبردة ¬

(¬1) أبوبردة: هو بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وفي الأصل: (أبوبريدة) وكذا في الطبعة الحلبية مع الفتح (ج4 ص42)، وفي الطبعة السلطانية: (أبوبردة)، وفي الهامش: أبوبردة هكذا التي بأيدينا. وقال القسطلاني: أبوبريدة. اهـ.

ابن أبي موسى عن أبيه رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال: ((اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيّه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ما شاء)). الحديث أعاده البخاري (ج13 ص448) من طريق محمد بن العلاء حدثنا أبوأسامة عن بريدة. وأخرجه مسلم (ج4 ص2026)، وأبوداود (ج5 ص346)، والترمذي (ج4 ص148)، والنسائي (ج5 ص58)، وأحمد (ج4 ص413)، والحميدي (ج2 ص340)، والبيهقي (ج8 ص167)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" ص (75). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وبريد يكنى أبا بردة أيضًا، وهو كوفي ثقة في الحديث، روى عنه شعبة والثوري وابن عيينة. كذا قال الترمذي وقد عرفت أنه بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري. 224 - قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص347): حدثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن وهب ابن منبه عن أخيه عن معاوية: اشفعوا تؤجروا فإنّي لأريد الأمر فأؤخّره كيما تشفعوا فتؤجروا، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((اشفعوا تؤجروا)). الحديث أخرجه النسائي (ج5 ص58)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" ص (75) ورجاله رجال الصحيح. 225 - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص184): ثنا عبد الصمد ثنا حماد -يعني ابن سلمة- ثنا محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن

جده قال: شهدت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يوم حنين، وجاءته وفود هوازن، فقالوا: يا محمّد إنّا أصل وعشيرة فمنّ علينا منّ الله عليك، فإنّه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فقال: ((اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم)). قالوا: خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا، نختار أبناءنا. فقال: ((أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم، فإذا صلّيت الظّهر فقولوا: إنّا نستشفع برسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم على المؤمنين، وبالمؤمنين على رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في نسائنا وأبنائنا)). قال: ففعلوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم)). وقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. وقالت الأنصار مثل ذلك. وقال عيينة بن بدر: أمّا ما كان لي ولبني فزارة فلا. وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت الحيان (¬1): كذبت، بل هو لرسول الله صلّى الله عليه وعلى آله ¬

(¬1) كذا، وفي المسند (ج2 ص218)، وفى سيرة ابن هشام (ج2 ص 492)، والبداية (ج4 ص 353): (فقالت بنوسليم: لا ما كان لنا فهو لرسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، قال: يقول عباس: يا بني سليم وهنتموني).

وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((يا أيّها النّاس ردّوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن تمسّك بشيء من الفيء فله علينا ستّة فرائض من أوّل شيء يفيئه الله علينا)). ثمّ ركب راحلته وتعلّق به النّاس، يقولون: اقسمْ علينا فيئنا بيننا حتّى ألجؤوه إلى سمرة فخطفت رداءه. فقال: ((يا أيّها النّاس ردّوا عليّ ردائي، فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعم لقسمته بينكم، ثمّ لا تلفوني بخيلاً ولا جبانًا ولا كذوبًا)). ثم دنا من بعيره فأخذ وبرةً من سنامه فجعلها بين أصابعه السّبّابة والوسطى، ثمّ رفعها، فقال: ((يا أيّها النّاس ليس لي من هذا الفيء [ولا هذه الوبرة] (¬1) إلاّ الخمس والخمس مردود عليكم، فردّوا الخياط والمخيط فإنّ الغلول يكون على أهله يوم القيامة عارًا ونارًا وشنارًا)). فقام رجل معه كبّة من شعر، فقال: إنّي أخذت هذه أصلح بها بردعة بعير لي دبر. قال: ((أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لك)). فقال الرّجل: يا رسول الله أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي ونبذها. الحديث أخرجه أحمد (ج2 ص218)، وابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" (ج2 ص489). وعند أحمد في الموضع الثاني، وعند ابن هشام تصريح ابن إسحاق بالتحديث، ولكنه ينتهي عند قوله: ((فردّوا على النّاس ¬

(¬1) في المسند بدل ما بين المعكوفين كلام غير مفهوم. لذا نقلناه من سيرة ابن هشام (ج2 ص492).

أبناءهم ونساءهم)) وبقيته عند ابن إسحاق بدون سند، فتمام الحديث بسند أحمد ضعيف لعنعنة ابن إسحاق، وما في "سيرة ابن إسحاق" لأنه لم يسق سنده فهو معضل. 226 - قال البخاري رحمه الله (ج9 ص408): حدثني محمد (¬1) أخبرنا عبد الوهاب حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له: مغيث كأنّي أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لعبّاس: ((يا عبّاس ألا تعجب من حبّ مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا؟)) فقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((لو راجعته)) قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: ((إنّما أنا أشفع)) قالت: لا حاجة لي فيه. الحديث أخرجه أبوداود (ج2 ص671)، والنسائي (ج8 ص265)، وابن ماجة (ج1 ص671)، وأحمد (ج1 ص215). 227 - قال ابن ماجه رحمه الله (ج1 ص635): حدثنا هشام بن عمار ثنا معاوية بن يحيى ثنا معاوية بن يزيد (¬2) عن يزيد عن أبي حبيب عن أبي ¬

(¬1) قال الحافظ في الفتح: محمد هو ابن سلام، على ما بينته في المقدمة. (¬2) معاوية بن يزيد: هو معاوية بن سعيد. وهم هشام بن عمار فقال: معاوية بن يزيد كما في تهذيب التهذيب.

الخير (¬1) عن أبي رهم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من أفضل الشّفاعة أن يشفّع بين الاثنين في النّكاح)). قال المعلق في "الزوائد": هذا إسناد مرسل، أبورهم هذا اسمه أحزاب بن أسيد بفتح الهمزة وقيل بضمها، قال البخاري: هو تابعي، وقال أبوحاتم ليست له صحبة. ¬

(¬1) أبوالخير: هو مرثد بن عبد الله اليزني.

فصل ما لا تحل الشفاعة فيه

فصل ما لا تحل الشفاعة فيه 228 - قال البخاري رحمه الله (ج6 ص513): حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضى الله عنها أن قريشًا أهمّهم شأن المرأة المخزوميّة الّتي سرقت فقالوا: ومن يكلّم فيها رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلاّ أسامة بن زيد حبّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ فكلّمه أسامة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أتشفع في حدّ من حدود الله؟)) ثمّ قام فاختطب ثمّ قال: ((إنّما أهلك الّذين قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ، وايْم الله لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها)). الحديث أعاده البخاري (ج12 ص87) من طريق سعيد بن سليمان حدثنا الليث به، وأخرجه مسلم (ج3 ص1315)، وأبوداود (ج4 ص537)، والترمذي (ج2 ص442) وقال: حسن صحيح. وابن ماجة (ج2 ص851)، والنسائي (ج8 ص65،66)، وابن الجارود ص (273)، وأحمد (ج6 ص162)، والدارمي (ج2 ص173)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (ج2 ص276)، والبيهقي في "السنن" (ج8 ص332). 229 - قال أبوداود رحمه الله (ج4 ص23): حدثنا أحمد بن يونس حدثنا

زهير حدثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد قال: جلسنا لعبد الله بن عمر فخرج إلينا فجلس فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: ((من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله فقد ضادّ الله، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتّى ينْزع عنه، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتّى يخرج ممّا قال)). الحديث أخرجه أحمد (ج2 ص70)، والحاكم (ج2 ص27)، والبيهقي (ج8 ص332)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وسكت عليه الذهبي. - طريق أخرى: قال أبوداود رحمه الله (ج4 ص23): حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم حدثنا عمر بن يونس حدثنا عاصم بن محمد بن زيد العمري حدثني المثنى بن يزيد عن مطر الوراق عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بمعناه، قال: ((ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله عزّ وجلّ)). الحديث في سنده المثنى بن يزيد، قال الذهبي في "الميزان": تفرد عنه عاصم بن محمد العمري. وقال الحافظ في "التقريب": مجهول. وقال ابن أبي حاتم في "العلل" عن أبيه: الصحيح موقوف عن ابن عمر. اهـ (ج2 ص183). وقد روى الحديث البيهقي (ج8 ص332) من طريق سعيد بن بشير عن مطر الوراق، وسعيد ضعيف لكنه يصلح في الشواهد والمتابعات. - طريق أخرى: قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص82): حدثنا محمد ابن الحسن بن آتش أخبرني النعمان بن الزبير عن أيوب بن سلمان رجل من

أهل صنعاء قال: كنا بمكة فجلسنا إلى عطاء الخراساني إلى جنب جدار المسجد فلم نسأله ولم يحدثنا، قال: ثمّ جلسْنا إلى ابن عمر مثل مجلسكم هذا فلم نسألْه ولم يحدثنا قال: فقال: ما لكم لا تتكلّمون، ولا تذكرون الله، قولوا: الله أكبر والحمد لله، وسبحان الله وبحمده بواحدة عشرًا وبعشر مائةً من زاد زاده الله ومن سكت غفر له، ألا أخبركم بخمس سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؟ قالوا: بلى. قال: ((من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله فهو مضادّ الله في أمره، ومن أعان على خصومة بغير حقّ فهو مستظلّ في سخط الله حتّى يترك، ومن قفا مؤمنًا أو مؤمنةً حبسه الله في ردغة الخبال عصارة أهل النّار، ومن مات وعليه دين أخذ لصاحبه من حسناته لا دينار ثمّ ولا درهم، وركعتا الفجر حافظوا عليهما فإنّهما من الفضائل)). الحديث في سنده أيوب بن سلمان، قال الحافظ في "تعجيل المنفعة": فيه جهالة. وقال في "لسان الميزان": عن ابن عمر بحديث: ((من حالت شفاعته دون حدّ ... )) الحديث، وعنه النعمان بن الزبير وحده، رواه أحمد في "المسند"، وأيوب لا يعرف حاله. قال أبوعبد الرحمن: بما أنه انفرد عنه راو واحد، ولم يوثّقه معتبر فهو مجهول العين. وأخرجه عبد الرزاق (ج11 ص425) عن معمر عن عطاء الخراساني عن ابن عمر موقوفًا، وهو منقطع لأن عطاء لم يسمع من ابن عمر ولا من أحد من الصحابة كما في "تهذيب التهذيب". - طريق أخرى: قال الحاكم رحمه الله (ج4 ص383): حدثنا أبوبكر

ابن إسحاق أنبأ أحمد بن بشر (¬1) المرثدي ثنا بشر بن معاذ ثنا عبد الله بن جعفر حدثني مسلم بن أبي مريم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله فقد ضادّ الله تعالى في أمره)). الحديث قال الهيثمي (ج1 ص251): رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن جعفر المديني وهو متروك. 230 - قال الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ" (ج3 ص41): عن ربيعة ابن عبد الرحمن أن الزبير بن العوام لقي رجلاً قد أخذ سارقًا وهو يريد أن يذهب به إلى السّلطان، فقال: فشفع له الزّبير ليرسله، فقال: لا، حتى أبلغ به السّلطان. فقال الزبير: إذا بلغت به السّلطان فلعن الله الشّافع والمشفّع. الأثر موقوف ومعضل. - قال الدارقطني رحمه الله (ج3 ص205): نا الحسين بن إسماعيل نا عمر بن شبة نا أبوغزية (¬2) الأنصاري نا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام ابن عروة عن أبيه قال: شفع الزّبير في سارق، فقيل: حتى يبلغه الإمام. فقال: ((إذا بلغ الإمام فلعن الله الشّافع والمشفّع)) كما قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. قال الهيثمي (ج6 ص259): رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه أبوغزية: ضعفه أبوحاتم وغيره ووثّقه الحاكم. ¬

(¬1) أحمد بن بشر: ترجمته في تاريخ بغداد (ج4 ص45) وثّقه ابن المنادي. (¬2) في الأصل: (أبوعرية) -بعين مهملة فراء-، والصواب: (أبوغزية)، كما ستراه في كلام الهيثمي.

- وقال الدارقطني رحمه الله: ثنا عبد الله بن جعفر بن خشيش نا سلم بن جنادة نا وكيع نا هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة عن الفرافصة الحنفي قال: مرّوا على الزّبير بسارق فشفع له، فقالوا: يا أبا عبد الله تشفع للسارق؟ قال: نعم، لا بأس به ما لم يؤت به الإمام، فإذا أتي به الإمام فلا عفا الله عنه إن عفا عنه. الحديث أخرجه البيهقي (ج8 ص333) وفي سنده الفرافصة الحنفي: روى عنه القاسم بن محمد وعبد الله بن أبي بكر كما في "التاريخ الكبير" للبخاري و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، ويضاف إليهما ما في هذا السند وهو عبد الله بن عروة، فيكون الفرافصة مجهول الحال يصلح حديثه في الشواهد والمتابعات. - قال البيهقي رحمه الله (ج8 ص333): أخبرنا أبوعبد الله الحافظ ثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب ثنا العباس الدوري ثنا أبونعيم الفضل بن دكين ثنا إسرائيل عن أبي بكر بن أبي الجهم عن عروة بن الزبير عن أبيه الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: اشفعوا في الحدود ما لم تبلغ السّلطان، فإذا بلغت السّلطان فلا تشفعوا. وهذا السند رجاله ثقات، وأبوبكر بن أبي الجهم: هو أبوبكر بن عبد الله ابن أبي الجهم، وثقه ابن معين كما في "تهذيب التهذيب". فالظاهر صحة وقف الحديث على الزبير رضي الله عنه. 231 - قال الدارقطني رحمه الله (ج3 ص204): نا القاضي أحمد بن كامل نا أحمد بن عبد الله الفرسي نا أبونعيم النخعي نا محمد بن عبيد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان صفوان بن أمية بن خلف نائمًا

في المسجد، ثيابه تحت رأسه، فجاء سارق فأخذها فأتى به النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فأقرّ السّارق، فأمر به النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أن يقطع، فقال صفوان: يا رسول الله أيقطع رجل من العرب في ثوبي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أفلا كان هذا قبل أن تجيء به؟)) ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((اشفعوا ما لم يتصل إلى الوالي، فإذا أوصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه)) ثمّ أمر بقطعه من المفصل. قال أبوالطيب في تعليقه على الدارقطني: الحديث ضعفه ابن القطان في كتابه، فقال: العرزمي متروك، وأبونعيم عبد الرحمن بن هاني النخعي لا يتابع على ما له من حديث. اهـ -يعني كلام ابن القطان- إلى أن قال أبوالطيب: لكن روي حديث صفوان من وجوه كثيرة، ولذا قال في "التنقيح": حديث صفوان حديث صحيح رواه أبوداود والنسائي وابن ماجة وأحمد في "مسنده" من غير وجه. اهـ 232 - قال الترمذي رحمه الله (ج2 ص392): حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا يحيى بن حماد عن أبي عوانة عن عبد الأعلى الثعلبي عن بلال بن مرداس الفزاري عن خيثمة وهو البصري عن أنس عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: ((من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكًا يسدّده)). هذا حديث حسن غريب، وهو أصح من حديث إسرائيل عن عبد الأعلى. اهـ يعني حديثًا هذا بمعناه. الحديث أخرجه الخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (ج2

ص7)، وقال المناوي في "فيض القدير": قال في "المنار" ولم يبيّن علّته: وقد خرجه من طريقين، ففيه من طريق خيثمة البصري (¬1) لم تثبت عدالته، وقال ابن معين: ليس بشيء، ومن الطريق الأخرى: بلال بن مرداس مجهول، وعبد الأعلى بن عامر ضعيف. اهـ وبهذا ينتهي البحث حول أحاديث الشّفاعة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ¬

(¬1) في "فيض القدير": (النضري)، وهو تصحيف.

§1/1