الشرح الميسر لزاد المستقنع - كتاب الطهارة للحازمي

أحمد بن عمر الحازمي

1

عناصر الدرس * تمهيد للدرس. * الفقه: لغة واصطلاحا. * الحكمة من الافتتاح بكتاب الطهارة. * شرح الترجمة. * الطهارة: لغة واصطلاحا. * أقسام المياه، أدلة التقسيم. * إزالة النجاسة لا تكون إلا بالماء الطهور، دليل المسألة. * قوله: "وهو الباقي على خلقته". * التغير في باب المياه على نوعين: ممازجة، مجاورة. * أنواع الماء الطهور. الحمد رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد نشرع في هذا اليوم بإذن الله تعالى في دراسة متن من المتون المهمة جداً وهي متعلقة بعلم الحلال والحرام كما هو معلوم قد شرع في تدريس هذا المتن وهو زاد المستقنع لكن كان على جهة التوسع وجهة النظر في المذاهب الأربعة ورغب الكثير في أن نشرع في جهة الاختصار وما يتعلق بالمتن وكما ذكرت أن هذا المتن متعلق بعلم مهم وهو علم الحلال والحرام، علم الحلال والحرام يفتقر إليه المحتاج كل مسلم سواء كان عالما أو طالب علم أو كان عامياً لأن متعلقة أفعال العباد يعني ما من حكم من أفعال العباد إلا وله حكم شرعي بين الله عزوجل من حيث التحريم ومن حيث الإيجاب ومن حيث الكراهة والاستحباب والإباحة فكل فعل يصدر منك أنت يا أيها المكلف الله عزوجل له حكم فيه بل كل ترك يصدر منك يا أيها المكلف الله عزوجل له حكم شرعي الأحكام كما تعلمون خمسة الواجب والمستحب والمحرم والمكروه والمباح حينئذٍ إذا تقرر هذا علم الطالب أهمية هذا العلم أنه لابد من العناية به ولابد من حفظه ومن مذاكرته والبحث في كتبه ومناقشة طلاب العلم ومراجعة أهل العلم من أجل أن يتقرر الحكم الشرعي الذي يقال بأن الله تعالى حكم في هذه المسألة بكذا هذا ليس بالأمر الهين بأن يقال حكم الله تعالى في مسألة كذا بكذا لأنه ثَمَّ خلاف بين أهل العلم في مسائل الفقه على مرتبتين منه ما هو مجمع عليه ومنه ما هو مختلف فيه المجمع عليه في الغالب أنه يستوي فيه طالب العلم وغيره يعني العامي يعلم كثير من الأحكام المقطوع بها كوجوب الصلوات الخمس والصيام شهر رمضان والحج والزكاة ونحو ذلك وقطيعة الرحم من حيث التحريم وصلة الرحم من حيث الإيجاب هذه كلها يستوي فيها طالب العلم مع العامي فلا ينفرد بها العالم أو طالب العلم عن غيره والنوع الثاني وهو الذي يحتاج إلى مجاهدة ويحتاج إلى نظر ويحتاج بحث وهو المسائل المختلف فيها بين العلماء والخلاف الكائن بين المذاهب الأربعة في الغالب هو خلاف قد وقع بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم لأنه لا يصح ولا يجوز عند جمهرة أهل العلم أن ينشئ خلاف أو قول لم يقل به أحد من الصحابة وما من خلاف قد وقع في المذاهب الأربعة إلا وثَمَّ قائل به من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين إذا تقرر هذا حينئذٍ تكون العناية بهذا الكتاب على جهة التقرير والاختصار ونحاول مع ذلك يسهل الشرح وأن ينظر في المسائل دون النظر في العمق في تصوري المسائل على ما أرده أهل العلم وإن كان الأولى بطالب العلم أن يفهم المسألة على وجهها على وجه التمام لكن لقصور الهمم في هذا الزمن كما ذكر المصنف إذا الهمم قد قصرت وهذا في زمانه ونحن إن لم تنعدم فهي أشد قصوراً من ذلك الزمن ولا الأصل بطالب العلم أن يأخذ المسألة على وجهها بمنطوقها ومفهومه وحدودها وشروطها ووجه الاستدلال من ذلك الدليل لهذه المسألة هذا هو الأصل لكن الناس في شغل عن تحقيق هذه المطالب فصارت هذه المطالب فيه نوع صعوبة بل صد عن العلم كما يزعمه البعض، ولذلك سنقف على كلام المصنف ونبين ما حواه من حيث

المنطوق وما أشار إليه من حيث المفهوم ثم دليل المسألة فما كان راجحاً في كلام صاحب الزاد حينئذٍ لا نتطرق لغيره وما كان مرجوحاً لابد أن نبين القول الراجح بدليله والفقه من حيث هو علم ليس بالسهل وليس كل ما وجه طالب العلم من صعوبة في العلم قال هذا صعب فأتركه أمشي عنه نقول هذا لا ينبغي لطالب العلم وإنما ينظر في العلم الشرعي بنظر الطالب الذي يريد أن يحقق فيه المطالب العالية بأن يكون إماماً بأن يكون عالماً جامعاً للفنون وأما مجر الثقافة وأخذ المعلومات نقول هذا أمر لا ينبغي أن يكون طالب العلم على نمط يشير إلى أنه لا يرد من العلم إلا هذا الذي يذكره وإلا لو أراد أن يقرأ قراءة مجردة وتعليق نقول طالب العلم يجلس في بيته ويقرأ ويفهم لأن المعني العامة واضحة لو أخذ أدنى شرح في زاد المستقنع أو غيره من الفنون في الكتب المؤلفة في سائر الفنون يستطيع الطالب أن يفهم فهماً عاماً إذا كان الطالب يريد هذا الفهم العام فليجلس في بيته ولا يتعب نفسه وإنما لابد من نظر في المسألة وتقليبها ومعرفة اصطلاح الفقهاء في ذلك دون تعمق كما ذكرنا سابقاً والمتن هذا الذي هو مختصر المقنع للعلامة ابن النجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى المقدسي الحجاوي بفتح الحاء أشتهر بالحجاوي نسبة إلى قرية حجا وهي قرية من قرى نابلس توفي سنة 968هـ ثم الصالحي الدمشقي بدء رحمه الله تعالى كتابه (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً لا ينفد أفضل ما ينبغي أن يحمد) فقد شرع بالبسملة والكلام في البسملة يطول وقد ذكرنا كثيراً ما يتعلق بها في شروح أخرى (الحمد لله حمداً لا ينفد) نتكلم في المقدمة بما يحل المعني العامة ثم نلج في كتاب الطهارة، (الحمد لله) هو ذكر محاسن المحمود كما قال ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى له تعاريف وفيها نظر ولكن أكثر ما يذكرون من التعاريف فيه نظر والأحسن أن يعرف الحمد بأنه ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله ذكر صفات أو محاسن المحمود مع حبه المعية هنا لابد منها فإن تجرد عن الحب والتعظيم فهو مدح لا حمد فالمدح والحمد يشتركان في أن كلاً منهما إخبار عن محاسن المحمود فقد تذكر محاسن المحمود وتحبه يعني اجتمع فيه المحبة مع الذكر وقد تذكر محاسن المحمود وأنت تبغضه لأنك ذكرتها من أجل مجاملة ونحو ذلك هذا الثاني مدحاً لا حمد فإن تجرد ذكر المحاسن عن المحبة والتعظيم والإجلال فهو مدح لا حمد إذاً اشتركا وافترقا (لله) اللام هنا للجنس اللام هنا لاختصاص أو العهد أو الاستحقاق وكلها معاني مطلوبة في هذا الموطن إذاً شرع كتابه بـ (الحمد لله) وهذا فيه تأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يبدأ الخطب ونحوها (إن الحمد لله نحمده ونستعينه) وهو سنة كما ذكر أهل العلم فيستحب لكل دارس ومدرس ومتعلم ومعلم ومتزوج وخاطب وكل ذلك أن يبدأ كلامه بالحمد لله، قال (حمداً لا ينفد) حمداً هذا بالنصب مفعول مطلق يعني إعرابه مفعول مطلق مبين لمعنى الحمد لأنه وصفه بما بعد بقوله (لا ينفد) حمداً هذا منصوب والعامل فيه محذوف أولى من جعله الحمد لأن الحمد مصدر محل بأل فإذا كان المصدر محل بأل فإعماله ضعيف كما قال ابن مالك رحمه الله تعالى وأما إن كان

مجرداً عن أل ونون حينئذٍ نقول إعماله قياس فصيح وأما إن كان محل بأل فهو ضعيف إذاً حمداً كأنه الحمد لله أحمده حمداً، حمداً هذا معمول لفعل محذوف (لا ينفد) بالدال المهملة وفتح الفاء ماضيه نَفِدَ أي لا يفرغ (أفضل ما ينبغي أن يحمد) أفضل اسم تفضيل ينبئ عن زيادة الفضل أفضل وزيد أعلم من عمرو فزيد وعمرو كلهما اشتركا في أصل الوصف وهو العلم إلا أنه أشير إلى أفضل التفضيل إلى أن علم زيد أفضل من عمرو، واضح هذا؟ زيد أعلم من عمرو أفضل التفضيل هنا على بابه بمعنى أنه دل على ما هو مفضل وما هو مفضل عليه، والحمد يتفاوت بعضه أفضل من بعض ولذلك حمد المرسلين ليس كحمد سائر الخلق ولذلك قال هنا أفضل اسم التفضيل ينبئ بزيادة الفضل (ما ينبغي أن يحمد) ما ينبغي يعني يطلب أن يحمد أي يثنى عليه لأن كما ذكرنا أن الحمد هو ذكر محاسن والذكر هو الثناء وأفضل منصوب على أنه بدلاً من حمداً أو صفته أو حال منه وما موصول اسمي أو نكرة موصوفة والتقدير أفضل الحمد الذي ينبغي أو أفضل حمداً ينبغي حمده به إذاً أشار بهذه الجملة الأخيرة إلى كمال الحمد وأشار بقوله لا ينفد إلى استمرار الحمد حينئذٍ وصف الحمد بوصفين الأول لا ينفد وهو يفيد الاستمرارية والثاني وهو بقوله أفضل ما ينبغي أن يحمد وهو يفيد كمال النوعية حينئذٍ اجتمع فيه هذان الوصفان، لما أثنى على الله تعالى عقبه بالثناء على أفضل البشر وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأفضل الخلق على الإطلاق ... نبينا فمل عن الشقاق

(وصلى الله) هذه جملة خبرية لفظاً إنشائية معنى يعني المراد اللهم صلي هي دعاء لكنه عبر بـ (صلى) فعل ماضي والفعل الماضي يدل على وقوع الحدث في زمناً قد مضى حينئذٍ ما المراد بهذه الجملة نقول هذه الجملة خبرية لفظاً إنشائية معنى بمعنى أن المراد بها هو الدعاء كأنه قال اللهم صلي على محمد (وصلى الله) الصلاة من الله تعالى كما قال الأزهري وهو المشهور عند المتأخرين الرحمة والمراد بالرحمة هنا المقرونة بالتعظيم ومن الملائكة الاستغفار ومن الآدميين التضرع والدعاء أكثر المتأخرين على اختيار هذا المعنى للصلاة وابن القيم رحمه الله تعالى له بحث نفيس واعترض على هذا من عدت أوجه وقال بل الصلاة من الله تعالى ما قاله أبو العالية وعلقه البخاري في صحيحه ثناؤه على عبده في الملاء العلى وصلاة الملائكة عليه كذلك ثناؤهم عليه وكذا الآدميون يعني سؤالهم من الله تعالى أن يثني عليه وأن يزيده تشريفاً وتكريماً هذه الصلاة من حيث المعنى وهو ظاهر بما أطلقه أو علقه البخاري رحمه الله تعالى (وسلم) هذه معطوفة على صلى وهو كذلك جملة خبرية لفظاً إنشائية معنى بمعنى اللهم سلم فهي دعاء (وسلم) مأخوذ من السلام بمعنى التحية السلام عليكم التي هي معروفة أو السلامة من النقائص وهو ذلك أو السلام الذي هو الأمان ضد الخوف ومعلوم أو من المقرر في قواعد الشريعة عند كثير من المتأخرين أن اللفظ الشرعي إذا احتمل عدة معاني ولم يكن تنافي بين هذه المعاني أنه يحمل عليها هذا قاعدة عند كثير من المفسرين فلا يخص اللفظ بمعنى دون معنى لماذا؟ لأن اللفظ في استعمال الشرع أنما يراد به الحقيقة اللغوية هذا هو الأصل إلا إذا بين الشارع أن له حقيقة في الشرع صار حقيقة شرعية فإذا أطلقة لفظ الصلاة حينئذٍ ينصرف إلى الحقيقة الشرعية التي أوقفها أو جعلها الشارع حقيقة لذلك المعنى وهو أفعال وأقوال إلى آخره، وأما إذا لم يكن له حقيقة شرعية حينئذٍ يحمل على المعنى اللغوي ولا شك أن المعنى اللغوي قد يكون متعدداً يقال هذا اللفظ يستعمل في كذا وكذا وكذا حينئذٍ بما نخص المعنى الشرعي بواحد من هذه المعاني أو بمعنيين أو بالمعاني كلها إن قلت بواحد من المعاني طالبناك بالدليل لأنك خصصت هذا اللفظ معنى دون آخر فقلت المراد به كذا دون كذا فأثبت معنى للفظ ونفيت معنى أو معاني حينئذٍ إذا جيئت بدليل قبل منك ذلك وإن لم تأتي بالدليل صار هذا من قبيل التحكم ولذلك القاعدة أن يحمل اللفظ الشرعي على المعاني اللغوية كلها إذا لم يكن بين هذه المعاني تنافي يعني تعارض تناقض فإذا كان ثَمَّ تعارض لابد من المرجح ولا وجد له في الشرع يعني لا يوجد عندنا لفظ مشترك بين معاني متنافي وليس ثَمَّ ما يرجح هذا على ذاك

ثم قال (وصلى الله وسلام على أفضل المصفين محمد) هذا بلا شك (على أفضل) هذا متعلق بصلى صلى على أفضل، أفضل كما ذكرنا سابقاً اسم تفضيل يدل على زيادة فضل و (المصطفين) أو المصطفون جمع مصطفى والمراد به المختار لأنه مشتق من الصفوة وهو الخالص من الخلق الصفوة من كل شيء خالصه وطاؤه من قلبة عن تاء كما قال الشارح وقوله محمد (على أفضل المصطفين) من هو قال (محمد) هذا إعرابه عطف بيان لأنه قد لا يعرف السامع أن أفضل المصطفين هو محمد، لأن مصطفى ليس خاصاً بالأنبياء والرسل بل قد يكون مشترك بين الأنبياء والرسل وغيرهم حينئذٍ قوله محمد هذا يعتبر عطف بيان (وعلى آله) أي أتباعه الصلاة على الآل كذلك السلام يكون تبعاً للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك السلام عليه وهل ورد نص في ذلك؟ نعم ورد نص ولذلك جاء في التشهد (اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد) ويفسر الآل هنا بالأتباع على الدين وأطلاق الآل على الأتباع هذا وارد ولذلك قال الله تعالى في شأن في فرعون (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) آل فرعون يعني فرعون وأتباعه فأطلق الآل هنا على الأتباع إذاً على آله أي أتباعه على دينه نص عليه أحمد وعليه أكثر الأصحاب، هنا أضافه إلى الضمير وهو جائز على قول الجماهير وأنكره ومنعه الكسائي والنحاس وغيرهما والصواب هو الإضافة (وأصحابه) هذا عطف على الآل جمع صاحب بمعنى الصحابي والصحبة من حيث المعنى اللغوي تدل على الملازمة لا يسمى الصاحب صاحباً إلا إذا كان ملازماً له وأما مجرد الاتقاء خمس دقائق أو أقل من ذلك فلا يسمى صاحباً في اللغة ولا في عرف الناس ولكن لشرف النبي صلى الله عليه وسلم ومكانة النبوة والرسالة أعطي كل من رآه أو اجتمع به وإن قل من زمن وإن لم يسمعه حديث ولو رآه عن بعد ولم يروي عنه أو يلازمه يسمى ماذا؟ يسمى صحابيا وهذا مخالف لما عليه أهل اللغة وكذلك العرف وهذا لشأن النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الخصوص ولذلك يعرف الصحابي بأنه من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمن به ومات على ذلك حد الصحابي مسلماً لقي الرسول ... وإن بلا رواية عنه وطول

فلا يشترط فيه الرواية عنه وعطفهم على الآل من عطف الخاص على العام لما قال وآله وأصحابه الصحب هنا عطف على الآل ولا شك أنه من الأتباع الصحب أليس كذلك؟ حينئذٍ أول من يدخل في قوله وعلى آله هم أصحابه لأنهم أدركه عليه الصلاة والسلام حينئذٍ يكون عطف الأصحاب على الآل من عطف الخاص على العام قال (ومن تعبد) هذا تعميم بعد تخصيص والصحيح أنه يجوز عطف العام على الخاص لأن الذي تعبد منهم الآل ومنهم الصحب حينئذٍ عطف العام على الخاص وهذا جائز وهو محل خلاف عطف الخاص على العام هذا محل وفاق بين الأصوليين وأهل اللغة وأما عطف العام على الخاص هذا محل خلاف والصحيح جوازه (ومن تعبد) يعني الذي تعبد من هنا موصولة تعبد فعل ماضي مشتق من العبادة؛ العبادة كما هو معلوم في اللغة التذلل والخضوع وفي الشرع ما حدها؟ اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، هذا باعتبار الآحاد والأفراد (ومن تعبد) أي عبد الله تعالى إذاً في هذه حمد الله تعالى الخالق جل وعلا ثم أثنى على أفضل الخلق ثم عمم تلك الصلاة على الآل وعلى الصحب وعلى من تعبد، وأما الآل كما ذكرنا أنه جاء النص فيه وأما الصحب فهذا لم يأتي فيه نص بالصلاة والسلام عليهم وإنما يذكرن تبعاً لشرف ومنزلة الصحابة لأنهم حفظ لنا الدين حينئذٍ تكون الصلاة والسلام عليهم من جهة التبع يعني إذا ذكر الآل عطف عليهم ومن تعبد هذا كذلك يشمل الصحب والآل ومن عداهم إلى زماننا هذا حينئذٍ نقول هذه صيغة عموم وتدل على العموم والشمول حينئذٍ لا دليل من حيث إثبات الصلاة والسلام إلا أنه إذا عطف العام على الخاص وكان الخاص مما جاء به الشرع بالصلاة والسلام حينئذٍ يثبت الحكم تبعاً لا استقلالاً ولذلك كل من عدا الأنبياء والمرسلين الأصل لا يصلى عليهم هذا هو الأصل إلا ما جاء النص فيه وهم الآل ومن عداهم فالأصل عدم الصلاة والسلام عليهم إلا إذا ذكروا تبعاً يعني كما هو الشأن في هذا الموضع أما على جهة الاستقلال فإن كان على جهة الديمومة الاستمرار فهو ممنوع يعني لا يقال أحمد بن حنبل صلى الله عليه وسلم يعني لا يجعل له شعار كلما ذكر الإمام أحمد قيل صلى الله عليه وسلم قل هذا لا هذا ممنوع لأن الصلاة شعار للأنبياء والمرسلين وإن كان على جهة القلة لا على الدوام قيل مرة أو مرتين أحمد بن حنبل صلى الله عليه وسلم قل هذا جائز لأنه لم يذكر على جهة الدوام (أما بعد) هذه كلمة يأتي بها للانتقال من المقدمة إلى الشروع في المقصود أي بعد ما ذكر من حمد الله والصلاة والسلام على رسوله وهذه الكلمة يستحب أن يأتي بها في الخطب والمكاتبات اقتداء به صلى الله عليه وسلم (أما بعد فهذا) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط والسنة أن يأتي بها كما لفظها النبي صلى الله عليه وسلم أما بعد وقد شاع عند المتأخرين حذف أما والإتيان بالواو بدله وبعد هذا لم يكن ممتثلاً ليس مصيباً للسنة إنما السنة أن يأتي بهذا اللفظ (أما بعد فهذا) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط لأن أما متضمنة لفعل الشرط إذ هي نائبة عن مهمه، أما كمهمه يكن كشيء وفا ... ............ ،

هكذا قال ابن مالك رحمه الله تعالى (فهذا) اسم إشارة والأصل في المشار إليه أن يكون محسوساً مدركاً بالحس ولكن قد ينزل المعقول منزلة المحسوس لقربه من الوجود وملا كان هذا الكتاب وهذا كان قبل يعني بدء بالمقدمة قبل أن يشرع في الكتاب (فهذا) يعني كأنه حضر الكتاب في ذهنه من أوله إلى آخره وأشار إليه باسم الإشارة حينئذٍ نزله منزلة الموجود وإن كان بعد كتابة الكتاب حينئذٍ صار محسوساً ولذلك قال الشارح إشارة إلى ما تصوره في الذهن وأقامه مقام المكتوب المقروء الموجود في العيان لأنه مخالف للأصل واستعماله في غير المحسوسات يعتبر مجازاً عند أهل المجاز أما بعد فهذا مبتدأ مفتعل من الاختصار أي موجز والاختصار هو ما قل لفظه وكثر معناه وقد شاع عند الكثيرين أهل العلم قاطبة عند أهل العلم قاطبة أنهم جعلوا العلم في مختصرات هذا من رحمة الله بهذه الأمة بأن هيأ لهم أسباب العلم بأن جعل في مثل هذه المختصرات لأنها مفتاح بمعنى كلمة مفتاح بما أنك لا تدخل بيتك إلا بمفتاح إذا كان البيت مصوناً حينئذٍ كذلك العلم لا تدخله إلا بمفتاح ومفتاح العلم هذه المختصرات ومن ولج العلم من غير المختصرات هذا لن يصل المراد حينئذٍ وإنما سيكون مثقفاً ويكون ناقلاً للعلم لا عالماً ولذلك المختصرات ينبغي العناية بها وينبغي مدارستها ولو بقي طالب العلم عشرات السنين وهو معتكف على المختصرات لما كان ضياعاً لوقته كما يظنه بعض الجهلة وممن لا يعرف طريق الطلب والتحصيل (مختصر) أي موجز وهو ما كثر لفظه وقل معناه والغالب في المختصرات أن فيها نوع صعوبة بمعنى أن الكلام فيها يكاد أن يكون شبيهاً باللغز لا يصل إلى درجة الألغاز وإنما يكون فيه نوع صعوبة وهذا أمر أراده أهل العلم لأن هذه المختصرات سلم إلى العلم طريق موصل إلى العلم والعلم لا يأتيه الأغبياء ألبته لا يناله الأغبياء ولذلك تمييز لهذه الأصناف لأن المقبل على العلم قد يقبل عليه بعاطفة وكثير ممن يقبل بعاطفة يرجع من حيث بدء يعني يبقى عمره ويذهب ويأتي ويشتري ويظن أن مجرد حضور مجالس العلم وأن مجرد مسك الكتاب أو جمع الكتب والأشرطة أن هذا هو العلم؛ العلم لابد من جهاد ولابد من الحفظ ولابد من معانة الحفظ ومعانة الفهم والوصول إلى الغاية التي من أجلها جعل أهل العلم هذه المختصرات وهو إدراك المسائل على الوجه الذي أثبته أهل العلم وأما أن يكون همة طالب العلم كما ذكرنا سابقاً أنه يتثقف هذا يمكن أن يحصله من المعلومات التي تكون أشبه بالمختصرات المعاصرة أو الكتب الثقافية ونحو ذلك إذاً قوله (مختصر في الفقه) الفقه هذا احترازاً من غيره بمعنى أن هذا المختصر في علم وهو علم الحلال والحرام والفقه في اللغة هو الفهم وهو إدراك معنى الكلام (يفقهوا قولي) أي يفهموا قولي (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) يعني لا تفهمون تسبيحهم، وأما في الاصطلاح فالفقه عند الفقهاء هو العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، العلم واضح أنه إدراك معلوم الأحكام الشرعية التي هي الواجب والمحرم والمستحب والمكروه والمباح وهذه كما ذكرنا أنها متعلقة بأفعال العباد ولذلك قالوا العملية من العلمية وهو الإعتقادية فثَمَّ نظران إما أن ينظر إلى

المعتقد وإما أن ينظر إلى العمل ما يتعلق بالمعتقد هذا هو العقيدة وما يتعلق بالعمل هذا هو الفقه حينئذٍ كل فعل من أفعال العباد متعلق به الأحكام الخمسة التي ذكرناه سابقاً ولذلك موضوع علم الفقه هو أفعال العباد من حيث إثبات الأحكام الشرعية لها أو نفيها عنها من أدلتها التفصيلية هذا احترازاً من أصول الفقه لأن البحث فيه يكون بحثاً في الأدلة الإجمالية للفقه إذ الدليل نوعان دليل إجمالي ودليل تفصيلي، دليل إجمالي كقول الأصوليين مقتضى الأمر يدل على الوجوب مقتضى الأمر صيغة افعل تدل على الوجوب حينئذٍ هذه لا تتعلق بصلاة ولا بصيام ولا بزكاة ولا بأي فعل من أفعال العباد هذه قاعدة عامة وهي دليل فقه تثبت به من الأحكام أحكام المسائل ما لا حصر له وأما الدليل الجزئي وهو ما يتعلق بفعل من أفعال المكلف قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يبلن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه) هذا دليل جزئي متعلق بمسألة واحدة وهي بول المكلف في ماء دائم لا يجري قوله من أدلتها التفصيلية يعني التي تذكر تفصيلاً لكل مسألة، مسألة وهنا انتبه حذفنا من التعريف المكتسب وهذا شاع في كتب كثير من المتأخرين العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب احترازا من القطعي لأن القطعي عندهم لا يسمى فقه والصواب أنه يسمى فقه (مختصر من) مختصر في الفقه يعني هذا الذي ذكرناه سابقاً وحده ما ذكرناه وموضوعه أفعال المكلفين واستمداده من الكتاب والسنة والقياس والإجماع هذا البحث الذي هو المختصر يتعلق بأفعال المكلفين من حيث الأحكام الشرعية الثابت لها ثم مصدر هذه الأحكام أربعة وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس ولذلك من المستحسن أن يقدم طالب العلم متناً فقهياً على متناً حديث ليس من حيث المنزلة والأهمية ولكن من حيث تصوير المسائل لأن أحاديث الأحكام أو الكتب المؤلفة في أحاديث الأحكام إنما تعتني بذكر مصدر واحد من مصادر الفقه وهو السنة فقط ولذلك لا تذكر فيه آية الكتاب من أوله إلى آخره لا تذكر فيه آية واحدة وليس هذا منعاه أن القرآن ليس مصدر من المصادر الأحكام الشرعية الفقه وإنما كونه اقتصروا على نوع واحد من أدلة الفقه ثم كذلك لا تذكر فيه الإجماعات ولا القياسات حينئذٍ اقتصروا على نوع واحد وفاته الكثير من الأحكام الشرعية التي هي مستندة على آية أو إجماع أو قياس صحيح فإذا درس الطالب متناً فقهياً حينئذٍ ما من مسألة تذكر إلا يذكر لها دليل إما من كتاب فقط أو من سنة فقط أو من إجماع فقط تكون بعض المسائل ليس فيها إلا إجماع وبعض المسائل ليس فيها دليل لا من كتاب ولا سنة وإنما فيه قياس صحيح هذه لا تكون موجودة واشتمل عليها كتاب معين إلا في المختصرات يكون عنده تصور في الباب كامل يعني من أوله إلى آخره بمسائله التي ثبتت بالكتاب أو بالسنة أو بالإجماع أو بالقياس بخلاف المتون الحديثية وهي على أهميتها ولا يستغني عنها طالب العلم وليس ثَمَّ تعارض بين المنهجين المنهج الفقهي والمنهج الحديث وإنما كل منهما مستند للآخر المحدث لابد له من الفقه والفقهية لابد له من معرفة الحديث قال (من مقنع الإمام الموفق أبي محمد) يعني هذا الاختصار الذي صنعه الحجاوي رحمه الله

تعالى ليس ابتداء من عنده بأن جمع كتب المذهب ونظر فيها واختصر وإنما هو متعلق بكتاب قد شاع وذاع في ذاك الزمان وهو كتاب المقنع وهو كتاب متوسط هو الذي كان يحفظ قبل وجود الزاد كتاب متوسط يذكر فيه الموفق القولين والرايتين والوجهين والاحتمالين في المذهب دون ذكر للأدلة والتعليل إلا نادراً وإنما يذكر ما ذكرناه سابقاً وأراد المصنف أن يختصره على قول واحد قال (من مقنع) أي من الكتاب المسمى بالمقنع وهو تأليف الإمام المقتدى به شيخ المذهب الموفق أبي محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي توفي سنة عشرين وست مئة وقوله الإمام أي المتبع إذ لم يكن في نفسه كذلك لأن المتبع هنا هو الإمام أحمد لأنه أراد أن يصنف في مذهب والمذهب هنا مقيد بمذهب الإمام أحمد وإمامه المتبع هو الإمام أحمد على ما جرى عليه الاصطلاح عند المتأخرين (من مقنع الإمام الموفق أبي محمد على قول واحد) يعني حالة كون هذا المختصر على قولين واحد وهو أي القول الواحد الذي يذكره ويحذف ما سواه من الأقوال (هو الراجح) الراجح يعني المعتمد الراجح من القولين إذ ثَمَّ روايات وأقوال وأوجه حينئذٍ لابد من واحد منها هذا يوجب هذا يستحب هذا يحرم هذا يكره هذا يبيح ولا يمكن أن يكون المذهب كل هذه الأقوال لابد من معرفة ما هو الراجح في المذهب (وهو الراجح) أي من القولين أي المعتمد في مذهب أحمد يعني في مذهب إمام الأئمة وناصر السنة أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المذهب مفعل يعني وزنه مفعل وهو في اللغة يطلق ويراد به المصدر الميمي؛ يعني الذهاب الطريق الذي ذهبت فيه أو ذهابك أنت أو مفعل والمراد به الزمن أو المكان وليس المراد به هنا لا الزمان ولا المكان وإنما المراد به المصدر ثم اصطلاح الفقهاء في أطلق لفظ المذهب على ما قاله المجتهد بدليل ومات قائل به، ما قاله المجتهد وشروط المجتهد يذكرونها في كتب الأصول بدليل يعني لا مجرد هوى هذا بعيد أن يقوله إمام يتكلم في الشرع ويأتي بأقوال مبناها على الهوى والتحكم وإنما يكون دليلاً عنده ولا يلزم أن يكون دليلاً عنده أن يكون دليلاً عند غيره ولذلك الخلاف صايغ في كثير من المسائل أعتبر أنا هذا دليلاً وأنت لا تعتبره دليلاً إذاً بدليل عنده عند القائل به ومات قائل به فإن رجع قبل موته إلى دليل آخر فالأصل أن المتأخر هو قوله وهذا سنة أهل العلم أنهم قد يقولون ثم بعد ذلك يرجعون عن قولهم لأنه إذا بان لهم السنة وبان لهم الحق لا يحل لمسلم ألبته فضلاً على أن يكون إماماً ومجتهداً أن يصر على قوله السابق مع ظهور الحق مع غيره إذاً هذا الكتاب مختصر من مقنع هذا أولاً هذه فائدة وهو كتاب جليل عظيم في ذاك الزمن ثم هو في مذهب الإمام أحمد والإمام أحمد فقيه محدث من كبار فقهاء المحدثين ثم هو مختصر كذلك ثم هو على قول واحد يعني فيه اختصار مع الاختصار ثم هو القول الراجح يعني القول المعتمد وهذا إنما يذكر القول الراجح يعني المعتمد في المذهب للمقلدة ثَمَّ ما هو مقلد يتبع غيره ويرى أنه لا يحل له أن يجتهد ألبته وهذا موجود عند كثير من المتأخرين وهو قول فيه تفصيل بمعنى أنه إن كان تقليده إن كان المقلد ليس أهلا أن ينظر في نصوص

الوحيين ويرجح بين الأقوال فهو كذلك فواجبه حينئذٍ التقليد كالعامة وطلاب العلم المبتدئين لا يحل لواحد منهم أن يجتهد إذا لم يكن أهلاً للاجتهاد وكونه طالب علم مبتدئ معناه أنه عامي وإنما تميز بالابتداء بكونه قد نوى العلم وإلا هو مازال في عاميته حينئذٍ لا يحل له أن يرجح قولاً على قول وواجبه حينئذٍ هو التقليد قال تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) قسم هنا الناس قسمين سائل ومسئول والسائل جاهل كأصله وأمره أن يتجه إلى أهل الذكر يعني العلماء فيسألهم عما يجهله (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وأما إن كان عنده أهلية في النظر هذا يحرم عليه التقليد ألبته لأنه إنما الواجب عليه أن يعرف الحق بنفسه بأن يبتع ولا يقلد حينئذٍ إذا وقع في التقليد فقد وقع في محرم وهو محرم عليه حينئذٍ صار مرتكب لما هو محرم وهذا كما ذكرنا أنه يكون عليه الاجتهاد قال (وربما حذفت منه) يعني من المقنع ربما تقليل حذفت منه يعني من المقنع (مسائل) جمع مسألة من السؤال وهو ما يبرهن عنه من العلم (مسائل نادرة الوقوع) يعني نادرة الوقوع لعدم شدة الحاجة إليها لأن مسائل الفقه على نوعين مسائل يفتقر إليها كل الناس ومسائل لا يفتقر إليها كل الناس، ما افتقر إليها كل الناس يعني الخاصة والعامة حينئذٍ هذا ينبغي العناية به كالأحكام الوضوء وأحكام الغسل ووصفة الصلاة ينبغي العناية بها ومعرفة القول الراجح فيها والنوع الثاني قد لا يحتاجه كل الناس وإنما يتعلق ببعض دون بعض هذا قد يكون فرض كفاية وقد لا يكون فرض كفاية إن كان فرض كفاية فهذا يتعلق بالبعض دون بعض كذلك يعتني بها طالب العلم وما لم يكن كذلك قد يكون في المسائل النادرة في الوقوع بأنها لا تقع إلا في زمن دون زمن فهذه العناية بها تختلف من زمن إلى زمن فما وجد به تكون العناية به من أهل العلم وما لم توجد تكون العناية بغيره تكون أولى (نادرة الوقوع وزدت على ما مثله يعتمد) وزده يعني على ما قال في المقنع من المسائل والأحكام ما أي مسائل على مثله يعتمد أي يعتمد على مثله والاعتماد هنا التعويل أي يعول لأنه موافق للصحيح (إذ الهمم قد قصرت والأسباب عن نيل المراد قد كثرت) إذ للتعليل يعني لماذا اختصرت؟ ولماذا لم تترك الناس يحفظون المقنع كما هو الجادة في ذاك الزمان قال (إذ الهمم) جمع هِمه أو هَمه بالفتح والكسر يقال هممت بالشيء إذا أردته ماذا بالهمة قصرت يعني ضعفت صار فيه نوع عجز هذه الهمم تختلف من زمن إلى زمن (والأسباب المثبطة) أسباب أفعال جمع سبب وهو ما يتوصل به إلى المقصود (المثبطة) يعني المقعدة أو المشغلة (عن نيل) يعني إدراك (المراد) المقصود من العلم (قد كثرت) في ذلك الزمان، إذاً لقصور الهمم أختصر ولكثرة الأسباب المثبطة يعني العوائق عن طلب العلم كثرة المشاغل كذلك أختصره (ومع صغر حجمه حوا ما يغني عن التطويل) يعني هذا المختصر مع حجمه الصغير من إضافة الصفة إلى الموصوف حوا أي جمع ما يغني عن التطويل يعني عن الزيادة فإذا اكتفى به طالب العلم مكنه من النظر في المطولات لاشتماله على جل المهمات التي يكثر وقعها ولو بمفهومه ثم قال (ولا حول ولا قوة إلا بالله) أي لا تحول من حال إلى حال

ولا قوة على ذلك إلى بالله هذا المعنى هو الأصح وقيل لا حول عن معصية الله إلى طاعته إلى بمعونته وهذا المعنى مرجوح والأول هو الأعم والأشمل (وهو) أي الله هو (حسبنا) أي كافينا (ونعم الوكيل) أي المفوض إليه تدبير خلقه جل وعلا، إذاً هذه مقدمة وذكر فيها ما ذكر. ثم قال رحمه الله تعالى (كتاب الطهارة) هذا شروع منه في أول أبواب الفقه وهو ما يعنون له بكتاب الطهارة وقدم كتاب الطهارة مع أن الصلاة أهم لأن الصلاة ركن من أركان الإسلام ومجمع على أن تارك الصلاة كافر المقصود بالإجماع هنا إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وقدمت الطهارة هنا لكونها وسيلة وشرطاً لصحة الصلاة ولا يمكن إيقاع الصلاة على وجهاً صحيح إلا بالعلم بأحكام الطهارة ولذلك درج الفقهاء على تقديم الطهارة لأهميتها لكون الصلاة لا تصح إلا بطهارة كتاب الطهارة كتاب فعال بمعنى مفعول أي جامع أو مجموع لأحكام الطهارة من بيان ما يتطهر به وله ومنه وكيفية الطهارة هذه جملة أبواب ما يذكر في كتاب الطهارة يعني سيذكر لك المصنف هنا ما يتطهر به ويذكر لك ما يتطهر منه وله وكيفية الطهارة هذه أبواب أربعة الأول ما يتطهر به وهو الماء أو التراب وهو بدل عن الماء ثانياً ما يتطهر له يعني ما تشطر له الطهارة كالصلاة والطواف ومس المصحف ونحو ذلك ما يتطهر منه وهو ما يعنون له باب نواقض الوضوء وكيفية الطهارة يعني صفة الطهارة الصغرى وهو الوضوء والكبرى وهو الغسل من الجتابة ونحوها إذاً كتاب الطهارة يعني هذا كتاب جامع أو مجموع لبيان أحكام مسائل الطهارة وكيفيتها الطهارة فعالة وهي في اللغة النظافة والنزاهة عن الأقذار قال طهرت الثوب يعني عن القذر والفقهاء يذكرون هنا في هذا الموضع وهذه الضوابط العامة لابد منها من أجل أن تدرك ما سيذكره المختصر هنا مقاصد الطهارة أربعة ومسائلها أربعة، مقاصد الطهارة أربعة الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة سيعقد بكل واحد بهذه الأربعة باب يختص به الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة وأما مسائله في أربعة على الصحيح الماء وهو الأصل في الطهارة المائية ثم النوع الثاني الوسيلة الثانية وهو التراب وهو وسيلة للطهارة وإن لم يكن رافع كما سيأتي ثالثاً الأحجار وهذا في باب الاستجمار رابعاً الدابغ وهذا يأتي في باب الآنية لأن الدبغ الذي يدبغ به الجلد وهذا يأتي أنه مطهر وسيأتي كلام المصنف (ولا يطهر جلد ميتة بدباغ) هذا على المذهب أنه لا يطهر والصحيح أنه يطهر وهذا سيأتي بيانه إذاً مقاصد الطهارة أربعة ومسائلها أربعة، وأما اصطلاحاً فعرفه المصنف بقوله (وهو ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث) الحدث في اللغة هو وجد الشيء في بعد أن لم يكن قالوا حدث شيء يعني لم يكن فكان وأما في اصطلاح الفقهاء فيطلقون الحدث ويريدون به في هذا الموضع المعنى القائم بالبدن وهو وصف قائم بالبدن حكم هذا الوصف أنه يمنع من الصلاة ونحوها مما تشطر له الطهارة ولا يلزم أنه كلما أطلق الحدث في كتاب الطهارة أرادوا به هذا المعنى في باب النواقض يطلقون الحدث ولا يريدون به المعنى القائم بالبد ن يعني الوصف القائم بالبدن وإنما يردون به الخارج كالبول والغائط ونحو ذلك ولذلك مجمل

إطلاق الحدث في اصطلاح الفقهاء أربعة أولاً الخارج من السبيلين الثاني خروجه نفسه فعل الفاعل ثالثاً الوصف الذي ذكرناه القائم بالبدن رابعاً المنع حينئذٍ يطلق الحدث ويراد به الخارج من السبيلين كالبول نفسه والغائط نفسه ثانياً يطلق على التبول الفعل نفسه كونه يتبول فعله يسمى حدثاً ثالثاً الوصف القائم الذي ذكرناه رابعاً المنع الذي ترتب على الخارج يعني يخرج الخارج ثم يترتب عليه هي متوالية يتبول هذا خروج ثم يترتب على هذا قيام الوصف القائم بالبدن ثم هذا الوصف يمنع فهي متوالية مترتبة بعضها على بعض إذاً في اصطلاح الفقهاء يطلق الحدث ويراد به واحد من هذه المعاني الأربعة، ما المراد به في هذا الموضع؟ نقول المراد به المعنى القائم بالبدن وقيامه بالبدن كله يعني لا يتبعض الحدث يعني لا يقوم بأعضاء الوضوء إذا كان الحدث أصغر دون سائر البدن بل بالبدن كله إذاً ارتفاع الحدث المراد بالحدث هنا الوصف القائم بالبدن المانع ن الصلاة ونحوها عندنا في هذا التعريف شيئين وصف ومنع، وصف هذا معنى وحكم هذا المعنى المنع إذاً ترتب المنع على الوصف ارتفاع الحدث وزوال هذا الوصف القائم بالبدن باستعمال الماء في جميع البدن إن كان الحدث أكبر أو في الأعضاء المخصوصة إن كان الحدث أصغر يسمى ماذا؟ يسمى طهارة ولذلك ينقسم الحدث إلى قسمين حدث أكبر وهو ما أوجب غسلاً وحدث أصغر وهو ما أوجب وضوء كلاهما معنى قائم بالبدن إلا أنه لا يرتفع الحدث الأكبر إلا باستعمال الماء في جميع البدن ولا يرتفع الحدث الأصغر إلا في بعض الأعضاء دون بعض (وهي ارتفاع الحدث وما في معناه) يعني والذي في معنى ارتفاع الحدث الضمير في قوله معناه يرجع إلى ارتفاع على المشهور عند الشراح والمراد به هنا ما لا يكون الوضوء أو الغسل مثلاً صادراً عن حدث وليس فيه معنى الارتفاع وإنما صورة هذا النوع الثاني كصورة النوع الأول ولذلك خذ مثالاً قد يحدث الشخص حدثاً أصغر ثم يتوضأ حينئذٍ نقول بوضوئك هذا قد رفعت الحدث إذاً هذا الطهارة تسمى طهارة حدث لماذا؟ لأن سببها الحدث وقد وجد الحدث تبول ثم وجد المعنى القائم بالصلاة فتوضأ فارتفع هذا المعنى القائم بالبدن فجازة له الصلاة، قد يكون على وضوء ثم يجدد ويصلي به ثم يجدد وضوؤه حينئذٍ حين ما يتوضأ هل هذه طهارة أم لا؟ نقول نعم هذه طهارة نقول هل هي طهارة ناشئة عن حدث كطهارة السابق الجواب لا هل ثَمَّ خلاف بينهما في الحقيقة الجواب نعم الأول ناشئة عن حدث والثانية لم تنشئ عن حدث هل بينهما اختلاف في الصورة الجواب لا الثاني لكونه لم يكن ثَمَّ اختلاف بينهما في الصورة لابد من إدخاله في حد الطهارة فالوضوء الذي يكون سبب الحدث طهارة شرعية بالإجماع والوضوء الذي لا يكون ناشئ عن حدث وإنما هو لتجديد هو طهارة شرعية بالإجماع إذاً لابد من إدخال النوعين في الحد فأوجد هذه العبارة من أجل إدخال ما لم يكن فيه حدث طهارة ناشئة عن حدث وإنما صورته صورة الحدث فقيل وما في معناه يعني والذي على صورة الحدث إذاً وما في معناه يعني على صورته وهذا يشمل الأغسال المندوبة كل غسل مندوب كغسل الجمعة مثلاً هذا ليس ناشئاً عن حدث بخلاف غسل الجنابة فهو ناشئ عن حدث الصورة

واحد متحدة لكن الخلاف بينهما في الحقيقة هذا أراد أن يرفع الحدث الجنابة الحدث الأكبر وهذا لم يكن ثَمَّ حدث وإنما هو غسل مستحب وما في معناه يعني في صورته وهو الأغسال المندوبة وهو كل طهارة لا يحصل بها رفع الحدث أو لا تكون عن حدث، لا تكون عن حدث كالمثال السابق أو لا يحصل بها رفع للحدث مثل ماذا؟ من حدثه دائم كمن به سلس البول والمستحاضة ونحوها هؤلاء يجب إذا دخل وقت الصلاة أن يتطهر حينئذٍ وضوؤه يسمى طهارة ولا شك وغسله يسمى طهارة وكذلك المستحاضة غسلها يسمى طهارة لكنَّ الحدث الذي هو موجب للأصل الغسل لم ينقطع من شرط صحة الوضوء والغسل انقطاع الموجب حينئذٍ مع وجوب الحدث تعين عليه أن يتطهر حينئذٍ طهارته هذه تسمى طهارة شرعاً ولكن الحدث باقٍ لكن تسميتها هنا طهارة باعتبار المجاز لماذا؟ لأنه لم يرفع الحدث وإنما صورته كصورة من رفع الحدث إذاً الحدث باقٍ مستمر وتطهر وتوضأ واغتسل ومع ذلك سميناه فعله طهارة لكونه على صورة رفع الحدث (وما في معناها) أي على صورته كما في صورة المثالين المذكورين (وزوال الخبث) هذا النوع الثاني من نوعي الطهارة، الطهارة الأول طهارة حدث والطهارة الثانية طهارة خبث قال (زوال) ولم يقل إزالة لماذا؟ ليعم ما زال بنفسه أو بمزيل آخر يعني سواء كان بفعل فاعل كغسل المتنجس لأن المراد بالخبث هنا النجاسة حينئذٍ لو وقعت نجاسة على الثوب فإما أن يغسله بنفسه وإما أن ينزل مطر فيغسله كِلا النوعين حصلت به الطهارة فلا يشترط فيه القصد بخلاف طهارة الحدث هناك لابد فيها من القصد وهو النية وأما هنا فلا يشترط فيها النية ولذلك قال وزوال بمعنى إما أنه زال بفعل فاعل أو زال بنفسه فيعم النوعين والخبث المراد به هنا النجاسة وحد النجاسة على الصحيح سيأتي في بابها عين مستقذرة شرعاً وهذا أصح ما تعرف به النجاسة وأما التعريفات المشهورة عند الفقهاء كل عين حرم تناولها إلى آخره هذا غلط لأن مبناه على قاعدة وهي كل محرم فهو نجس وليس بصحيح إذاً (وزوال الخبث) المراد به إزالة النجاسة لما عرف الطهارة بالحقيقة الشرعية حينئذٍ كما وجد هذا اللفظ حينئذٍ فسر بالمعنى المذكور شرع في بيان ما تحصل به الطهارة والذي جاء النص به في الجملة أرمان طهارة مائية وما ينوب عن الماء وهو التراب وأما إزالة لنجاسة بالحجر أو بالدابغ فهذا محل ضرورة كما سيأتي (وزوال الخبث المياه ثلاثة) المياه جمع ماء وهي باعتبار ما تتنوع إليه في الشرع تنقسم إلى ثلاثة أقسام والدليل هنا الاستقراء مع النظر في الأدلة يعني باستقراء نصوص الوحيين كتاباً وسنة طهور وطاهر ونجس طهور ونجس هذا محل وفاق بين الأمة وأما الطاهر هذا محل خلاف والجمهور على إثباته وهو الطاهر في نفسه غير المطهر لغيره، وإثباته هو الصحيح هو الراجح وغن شاع عند المعاصرين أنه قول متكلف لكن ليس بظاهر الأول أشار إليه بقوله (طهور) بفتح الطاء قال ابن الأثير الطُهور بالضم التطهر وبالفتح الماء الذي يتطهر به لأنه يقال طَهور فَعول ويقال طُهور بضم الطاء الأول طَهور اسم للماء الذي يتطهر به وطُهور بضم الطاء هو الفعل نفسه يعني فعلك الوضوء كونك تأخذ الماء وتغسل إلى آخره هذا يسمى طُهوراً بالضم كما يقال

السَحور والسُحور؛ السَحور بالفتح اسم لما يأكل في السحر وأما السُحور فهو فعلك أنت، طَهور أي مطهر قال ثعلب طَهور بفتح الطاء الطاهر في ذاته المطهر لغيره فحصل فيه مزيتان أولاً كونه طاهراً في نفسه الثاني كونه مطهراً لغيره خرج بالأول النجس الطاهر بنفسه يعني ليس بنجس يقابله النجس، المطهر لغيره يقابله الطاهر فإنه طاهر في نفسه لكنه ليس مطهراً لغيره قال تعالى (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) هذا دليل على أن ثَمَّ ما يسمى بطهور في الشرع قال تعالى (وينزل عليكم من السماء ماء) ماء هذا مفعول به وهنا جاء لفظ الآية في سياق الامتنان حينئذٍ لا يمتن الله تعالى إلا بما هو طاهر في نفسه لا يمتن الله بنجس وعلم من قوله ماء أنه طاهر في نفسه قوله ليطهركم هذه زيادة ولو كان كل طاهر مطهر لما كان لقوله (ليطهركم به) فائدة ولذلك جاء قوله تعالى (وأنزلنا من السماء ماء) وصفه بقوله (طهوراً) ولأصل في الوصف أن يكون صفة كاشفة يعني للاحتراز فلو كان ماء طاهر في نفسه مطهر لغيره حينئذٍ ما الداعي لقوله طهوراً صار حشواً كذلك يؤكده ويؤيده حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن سائلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل مع القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر - فحد السؤال هنا- وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم أفنتوضأ بماء البحر هنا شك مع يقينه بكون الماء الذي معه وهو قليل أنه صالح للوضوء إذاً هو طهور قطعاً ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به إذاً السؤال ليس عن هذا النوع لأن هذا النوع مما يصح الوضوء به فهو طهور ثم سأل عن ماء البحر لماذا سأل عن ماء البحر هل لكونه يعتقد أنه نجس لو لم يكن إلا المقابلة بين الطاهر والنجس حينئذٍ لحكمنا بكون الصحابي اعتقد بأن ماء البحر بأنه نجس وهذا محال لا يقول به عاقل فلما تردد لوجود الرائحة الكريهة والملوحة في الماء تردد عن خروجه عن النوع الذي يحمله وهو القليل معه إلى شيء ليس بنجس تعين القول بأنه ثَمَّ طاهر ليس بمطهر وهو النوع الثالث ولذا أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) إذاً إذا تقرر ذلك ثبت أن القسمة ثلاثية وأن ما جاءت النصوص به هو إثبات الطاهر في نفسه المطهر لغيره وهو ما دل عليه قوله تعالى (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) على كل المسألة فيها خلاف وهذا هو المذهب وهو قول الجماهير وهو المرجح قالحكمه الطهور لا يرفع الحدث غيره يعني لا طهارة كبرى ولا طهارة صغرى إلا بالماء الطهور وأما الماء الطاهر فهذا لا يرفع حدثاً ولا يزيل نجساً وأما الماء النجس فهذا محل وفاق ما الدليل على أن الطهارة الكبرى والصغرى محصورة في الماء الطهور قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) (فلم تجدوا ماء) أطلق الماء هنا فدل على أن مراده هو الماء الطهور (فلم تجدوا ماء) مع وجود سائر المائعات من النبيذ والخل ونحوه قال (فتيمموا) إذاً أمرهم بماذا؟ بالتيمم وهو استعمال التراب مع وجود سائر المائعات دل على أنه لا يجوز استعمال سائر المائعات دل على أنه لا يجوز استعمال سائر المائعات عند عدم وجود الماء بل وجب عليه أن يعدل إلى

التراب ولذلك حصر المصنف هنا قول جماهير أهل العلم حصر الطاهرتين من الحديثين الأكبر والأصغر في النوع الأول وهو الطهور للنص الذي ذكرناه وأما التراب والتيمم فهو مبيح وليس برافع كما سيأتي في موضعه وهو الصحيح أنه لا يرفع الحدث قال (ولا يزيل النَجَسَ الطارئ) النَجَسَ بالفتح وهو عين النجاسة كالبول لأن البول في نفسه هو نجاسة عينه وأما الثوب الذي في أصله هو طاهر وطرأ عليه البول حكمنا عليه بأنه متنجس حينئذٍ النَجِس والنَجَس، النَجَس هو عين النجاسة البول نفسه والمتنجس هو الثوب الذي وقعت عليه النجاسة هنا الذي يتطهر ما هو الذي يطهر؟ النجَس أو النجِس؟ النجِس هنا قال (ولا يزيل النجَس) يعني عين البول وحكمه التابع له الطارئة هذا إشارة فيه إلى أن الشيء إذا طرأ النجاسة إذا طرأت على محل طاهر حينئذٍ يحكم بذلك المحل الطاهر بحكم النجاسة حينئذٍ لابد من طهارة وهذه الطهارة لا تكون إلا بالماء فالطهارة من النجاسة لا تحصل إلا بما يحصل به طهارة الحدث لعموم قوله (لينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) أيمن الأحداث والأنجاس فيعم الطهارة بنوعيها كذلك جاء حديث أسماء (فلتقرص ثم لتنضح بالماء ثم لتصلي فيه) وحديث أمر بذنوب من ماء فأريق على بول الأعرابي فهذا أمر يقتضي الوجوب فدل على أنه لا يزيل النجس الطارئ إلا الماء وهو محصور فيه وأما إزالته بالأحجار في باب الاستنجاء أو الاستجمار كما سيأتي هذا من باب الرخصة حينئذٍ الأصل هو عدم إزالة النجاسة إلا بالماء للنصوص المذكورة وما جاء مستثنى حينئذٍ يأخذ حكم الاستثناء والرخصة ولا يعمم الحكم فنقول ورد الحكم كذا وكذا حينئذٍ كل نجاسة يجوز إزالتها بغير الماء نقول هذا قول ضعيف ولا يعول عليه إذاً ولا يزيل النجس الطارئ غيره يعني غير الماء الطهور هنا بين حكمه طهور لا يرفع الحدث إلا هو ولا يزيل النجس الطارئ إلا هو ما حقيقته ما هو الماء الطهور؟ قال (هو الباقي على خلقته) يعني الماء الذي خلق وبقي واستمر على خلقته التي خلقه الله عليها إن كان بارداً بقي على برودته إلى أن يستعمل إن كان ساخناً بقي على خلقته إلى أن يستعمل إن كان مالحاً بقي على ملوحته إن كان عذباً بقي على عذوبته فأطلق المصنف هنا وذكر نوعاً واحداً وهو بما يسمى الماء الطهور حقيقةً وهو الباقي على خلقته حقيقة بأن لم يطرأ عليه ما يغيره بان خلق بارداً فبقي على برودته إلى أن استعمل أو خلق مالحاً أو عذباً وبقي على ملوحته أو عذوبته إلى أن استعمل بقي نوع آخر وهو ما أشار إليه بالتفصيل وهو ما يحكم له بكونه طهور حكماً من حيث الحكم يعني يلحق بالنوع الأول من حيث الحكم لأنه لم يبقى على خلقته التي خلقه الله عليها ولذلك الماء ينزل صافياً من السماء فيجري على الأرض حينئذٍ يتغير هذا التغير سلبه الطهورية أم لا؟ هو الذي أرداه رحمه الله تعالى قال (إن تغير) إلى آخر ما سيأتي إذاً حده الماء الطهور (هو الباقي على خلقته) أي صفته التي خلق عليه يعني من أصل الخلقة من أصل الوجود إما حقيقة بأن يبقى على ما وجد عليه يعني لم يطرأ عليه شيء يغير إحدى صفاته إما اللون وإما الرائحة وإما الطعم من ملوحة أو حرارة أو برودة أو نحوها، أو حكماًَ

كالمتغير بمكث أو طحلب أو نحوها مما يأتي ذكرها ثم شرع في بيان ما هو المتغير من النوع الأول وهو الطهور فقال (فإن تغير بغير ممازج كقطع كافور أو دهن أو بملح مائي أو سخن بنجِس - أو سخن بنجِس أو بنجَس أحسن -كره) هذا النوع الأول من المتغير حينئذٍ نقول على جهة الإجمال التغير هنا على هذا الباب على نوعين يعني في قسم الطهور على نوعين أولاً عن ممازجة والثاني عن مجاورة، ممازجة يعني بأن يخالط هذا المغير الماء يعني بأن يذوب فيه هذا يعبر عنه بأنه مخالط عن ممازجة؛ مازج المغير الماء فمتزج به صار منه وهذا ضابطه من أجل الفصل فيه أنه ما لا يمكن فصله لو كان مع ماء ووضعت فيه كالشاي مثلاً حينئذٍ سر اللون في الماء هل يمكن فصل اللون عن الماء لا يمكن فصله حينئذٍ يكون التغير هنا عن ممازجة مخالطة بأن ذاب المغير في الماء ولا يمكن فصله عنه ألبته النوع الثاني وهو المتغير عن مجاورة يعني لا يخالطه وهو الذي يمكن فصله عن الماء قطع كافور كما ذكر المصنف وهو نوع من أنواع الطيب يوضع في الماء فيتغير رائحة الماء يمكن أن تفصل هذه القطع عن الماء تغير الماء بهذه القطع لكن التغير هنا عن مجاورة لا عن ممازجة والأصل فيمن تغير عن مجاورة وهو ما يذكره المصنف أنه لا يسلبه الطهورية ولذلك قال هنا في النوع الأول من المتغير وهو ما لا يختلط بالماء فإن تغير يعني الماء الطهور تغير بماذا؟ تغير بما وقع فيه وما الذي تغير الماء له ثلاثة صفات رائحة ولون وطعم هل يشترط أن يتغير هنا كل هذه الثلاثة الصفات أو بعضها؟ بعضها يعني لو تغير الطعم فقط دون الرائحة ولا اللون حينئذٍ نقول هذا طهور حكماً لا حقيقة (فإن تغير) يعني الذي يبقى على صفته التي خلق عليها (إحدى صفات الماء) الثلاثة السابقة وكان المغير هنا بغير ممازج يعني بغير مخالط لم يختلط بالماء يعني مخالط (كقطع كافور) الكاف هنا لتمثيل لا يرد هنا أن يحصل وإنما كل ما يتصور فيه أن يقع في الماء فيغيره أو يغير إحدى صفاته ولم يكن ممازج للماء مختلط به حينئذٍ صار هذا المختلط ممازجة أو مجاورة؟ مجاورة لأنه عن قطع لا عن مسحوق (فإن تغير بغير ممازج) يعني بغير مخالط والذي يكون بغير ممازج هو النوع الثاني يعني عن مجاورة أراد هنا ما لا يخالط وهو المجاور (كقطع كافور) الكافور نوع من الطيب يكون مسحوق ويكون قطعاً والمراد هنا الذي يكون التغير عن مجاورة هو القطع يعني أن يكون مفصولاً وأما المسحوق إذا دق ووضع فهذا له حكم آخر (كقطع كافور) حينئذٍ حكمه أنه طهور لكنه حكماً لأنه لم يبقى على أصل خلقته حكمه الكراهة ولذلك قال كره في آخر لماذا؟ للاختلاف في سلبه الطهورية اختلف أهل العلم في الماء الذي وقع في قطع كافور هل يسلبه الطهورية أم لا؟ فيه خلاف والمذهب أنه لا يسلبه الطهورية مراعاة لهذا الخلاف قالوا كره لماذا؟ لعموم النصوص الدالة على عدم الوقوع في المشتبه (دع ما لا يريبك إلى ما لا يريبك) (أو) للتنويع معطوف قطع الكافور (أو دهن) طاهر بأن وقع الدهن في الماء الطهور فغير إحدى صفاته حينئذٍ نقول هذا النوع من الماء قد تغير عن أصل خلقته ونوع التغير هنا عن مجاورة لأن الدهن لا يمازج الماء حينئذٍ نقول هذا التغير عن

مجاورة ولم يسلبه الطهورية مع كونه قد غير إحدى صفاته لماذا؟ لكون التغير هنا عن مجاورة لا عن ممازجة وهو مكروه الاستعمال لوقوع الخلاف فيه (أو بملح مائي) هذا النوع الثاني من المتغير حكماً من الطهور حكماً النوع الأول ما لا يختلط بالماء النوع الثاني ما يوافق الماء يعني من جنس الماء كالملح المائي يعني الذي أصله ماء ملح الذي يكون على السواحل هذا يكون أصله ماذا؟ أصله ماء فإذا وضع في الماء حينئذٍ وضع في الماء ما لا يخلفه هو من جنس الماء حينئذٍ لو غيره نقول هنا الماء باقي على خلقته لكن حكماً لا حقيقة فلا يسلبه الطهورية وكونه مكروه الاستعمال لأن بعض الفقهاء يرى أنه يسلبه الطهورية (أو بمحل مائي) وه وإشارة إلى النوع الثاني وهو ما يوافق الماء في الطَهورية وهو الملح المائي احترازاً عن المعدني والمعدني هذا سيأتي بحثه في الطاهر (أو سخن) يعني الماء الطهور سخن أصله بارد فسخن إذاً تغير لكن هذا التغير لم يكن لإحدى صفاته وهي الرائحة أو الطعم أو اللون وإنما لصفة آخر وهي البرودة أو السخونة (أو سخن) أي الماء الطهور بنجَس يعني بشيء نجِس حينئذٍ كره وهنا المذهب أنه كلما كان الماء طهوراً وسخن بنجَس فهو مكروه لماذا؟ مطلقاً يعني بمعنى كان محكماً أي مغطى أو لا محكم التغطية أو لا وعلة الكراهة هنا لهم مأخذان أولاً احتمال وصول النجاسة وهذا لا يتأتى فيما كان محكم الغطاء الثاني كونه سخن بإيقاد النجاسة واستعمال النجاسة مكروه واستعمال المكروه مكروه إذاً المسخن بالنجاسة يعتبر طهوراً مكروهاً على المذهب لماذا؟ طهور مع كونه تغير من برودة إلى حرارة لكونه هنا تغير بماذا؟ بالتسخين لم يخرجه عن أصل خلقته لأنه تغير من بروده إلى سخونة وهذا السخونة قد يخلق عليه الماء فيكون ساخناً ابتداء أما كونه طهوراً مكروهاً للخلاف فيه لما ذكر من العلتين ثم قال (وإن تغير بمكثه) يعني من الطهور المتغير بمكث وهذا محل وفاق بمعنى أنه بمقره ينزل الماء فيبقى على الأرض فيتغير بالأرض إما برائحته إما بلونه أو بالتراب ونحو ذلك نقول هذا متغير بمكثه وهو المسمى بالماء الآجن ومنه اليوم ما يتغير بالخزانات ونحوها هذا قد يوضع في حديد أو يوضع في أسمنت ونحو ذلك وقد يتأثر الماء إما إحدى صفاته أو كلها حينئذٍ نقول هذا التغير حصل بالمكث يعني ببقائه في هذا المكان وهذا محل وفاق أنه طهوراً حكماً (وإن تغير بمكث) أي بطول إقامته في مقره لا بشيء حادث فيه بل تغير بنفسه فهو باق على إطلاقه والمسمى بالماء الآجن هذا ليس مكروه الاستعمال وهو محل وفاق (أو بما يشق صون الماء عنه) هذا النوع الثالث من نوع الطهور حكماً وهو ما لا يمكن التحرز منه (أو بما) أو للتنويع هنا وما هنا صادقة على شيء طاهر (يشق) يعني يعسر (صون الماء عنه) يعني حفظ الماء عنه وهذا داخل تحت القاعدة العامة المشقة تجلب التيسير كل ماء طهور تغير بشيء يشق صون الماء عنه فهو طهور ولذلك البئر مثلاً قد تنبت بجوارها شجرة فتسقط أورقها فتغير لونه فتجعله أخضراً أو رائحته حينئذٍ نقول لا يمكن أن قول لهذا الشخص صاحب البئر احفظ هذه البئر عن سقوط الورق في ذلك البئر حينئذٍ نقول هذا نقول هذا يشق صون الماء عنه وما

شق صون الماء عنه حينئذٍ يكون معفواً ولذلك قال (أو بما يشق) يعني يعسر (صون) أي حفظ (الماء عنه) عن الساقط فيه (من نابت فيه) كالماء الذي ينبت فيه في قاعه شجر وورق الشجر يسقط بنفسه وسمك وما تلقيه الريح أو السيول من تبناً أو نحوه حينئذٍ نقول هذا طهور حكماً لمشقة التحرز عنه فإن وضع قصداً حينئذٍ انتقل من الطهور إلى الطاهر لأننا حكمنا عليه بكونه طهوراً للمشقة وكونه يوضع قصدأ هذا ليس فيه مشقة حينئذٍ رجع إلى الأصل هو أن ما تغير بما يشق صون الماء عنه قصداً صار طاهراً لا مطهراً (أو بمجاورة ميتة) يعني تغير الماء الطهور بمجاورة لا بملاصقة أو اختلط (ميتة) والتغير هنا ليس مطلقاً وإنما المراد به هنا تغيرت رائحة الماء وأما إذا تغير طعمه أو لونه فلا فهو نجس لماذا؟ لأنه لا يتغير اللون أو الطعم إلا بأجزاء مخالط الماء وأما مجرد الرائحة فأنها تسري سريعة السريان حينئذٍ يعفى عنها (أو بمجاورة ميتة) أي بريح ميتة إلى جانبه ولذا عدلها الشارح إلى ما ذكرناه فلا يكره بالإجماع قال في المبدع بغير خلاف نعلمه أو سخن بالشمس حينئذٍ فهو طاهر لأنه متغير حكماً (أو بطاهر أو سخن بطاهر) كالحطب والكهرباء والغاز نقول هذا ليس بنجس وإنما هو طاهر لم يكره فهو طهور غير مكروه إن كان في بعضها خلاف إلا أن الخلاف ليس بقوي إذاً أشار بهذه الأمثلة إلى أن الماء الطهور في الأصل هو الباقي على خلقته حقيقة ثم قد يتغير وهذا التغير قد يكون عن ممازجة وقد يكون عن مجاورة وقد يكون بما يوافق أصل الماء والتفصيل على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى ثم قال (وإن استعمال في طهارة مستحبة) هنا الماء المستعمل وهو الماء الذي يكون جارياً على العضو فيسمى ماء مستعملاً وليس المراد الإناء الذي يغترف منه الماء المستعمل هذا قليل الوقوع إذا استعمل ما في طهارة حينئذٍ نقول هذا الماء المستعمل في طهارة إما أن تكون الطهارة واجبة يعني يرفع بها حدث وإما أن تكون مستحبة فإن كانت الطهارة مستحبة حينئذٍ يكون الماء المتساقط من الأعضاء طهور باقي على أصل خلقته وهو مكروه الاستعمال وأما لكونه طهوراً فلكونه لم يتغير وأما كونه مكروه الاستعمال فللخلاف في سلبه الطهورية ولذلك قال (وإن استعمل) أي طهور (قليل في طهارة مستحبة) وأما الكثير فسواء كان في طهارة واجبة أو لا فلا يسلبه الطهورية فسيأتي بحثه في قسم الطاهر (وإن استعمل طهور قليل في طهارة) إذاً احتراز عن الماء الذي يستعمل لا في طهارة ك التبرد والتنظف بمعنى أن الماء المتساقط من اغتسال للتبرد هذا لا يسلبه الطهورية لكنه لم يستعمل في طهارة (في طهارة مستحبة) احترازاً من الطهارة الواجبة فإنه يسلبه الطهورية كما سيأتي في أنواع الطاهر (كتجديد وضوء وغسل جمعة) هذان مثلان للماء المستعمل في طهارة مستحبة لو جدد وضوءه حينئذٍ نقول هذا الماء المتساقط ليس بطاهر وإنما هو طهور ثم إنه طهور حكماً كذلك غسل الجمعة مستحب وهو قول الجمهور وهو الصحيح أنه مستحب حينئذٍ الماء المتساقط من غسل الجمعة نقول هذا طهور حكماً (وغسلة ثانية وثالثة) يعني في الوضوء لأن الغسلة الأول حصل بها رفع الحدث وهي الواجبة وهذه من قسم الطاهر كما سيأتي وأما الثانية

والثالثة فهذه مستحبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقتصر في الوضوء على مرة مرة كما جاء في صحيح البخاري حينئذٍ صارت الأول واجبة والثاني والثالثة مستحبة حينئذٍ الماء المتساقط من الغسلة الثانية والثالثة يعتبر ماء طهوراً لماذا؟ كونه لم يستعمل في طهارة واجبة وهو مكروه الاستعمال في هذين الموضعين في تجديد وضوء وغسل جمعة والموضع الثالث في غسلة ثانية وثالثة للخلاف في سلبه الطهورية لأن بعضهم أهل العلم يرى أن الماء المستعمل كله سواء في طهارة مستحبة أو طهارة واجبة فهو طاهر ليس بمطهر ثم شرع في ما يتعلق بالقلتين وما يقع فيه من نجاسة ونقف على هذا والله أعلم وصلى الله وسلما على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

2

عناصر الدرس * شرح قول المصنف: "وإن بلغ الماء قلتين" المسألة. * معنى القلة، تقدير القلة بالصاع، وبالمساحة. * تخصيص المسألة بإجماع أهل العلم: أن الماء إذا تغير بالنجاسة فهو نجس. * دليل أحمد على تخصيص بول الآدمي دون سائر النجاسات. * قوله: "ولا يرفع حدث رجل طهورٌ يسير خلت به امرأة" * شرح المسألة، قيودها، الراجح فيها. * القسم الثاني من أقسام المياه: الطاهر. * قوله: "وإن تغير طعمه أو لونه أو ريحه". * قوله: "أو رُفع بقليله حدث"، المقصود بالقليل، دليل المذهب. * الراجح في هذه المسألة أن الماء طهور. * قوله: "أو غمس فيه يد قائم من نوم ليل"، علة النجاسة على المذهب هو توهم النجاسة. * قوله: "أو كان آخر غسلة زالت بها النجاسة". * القسم الثالث من أقسام المياه: النجس، إجماع أهل العلم على وجوده. * حكم الماء المتغير بالنجاسة في محل التطهير. * طرق تطهير الماء النجس. * مسائل الشك في الطهارة، واشتباه الطهور بالنجس أو المحرم أو الطاهر. الحمد لله ورب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد شرع المصنف رحمه الله تعالى بكتاب الطهارة وذكر تعريف الطهارة وهي ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث وتضمن الحد نوعي الطهارة هما طهارة الحدث وطهارة الخبث يعني طهارة سببها الحدث سواء كان الحدث أكبر أو أصغر وطهارة سببها الخبث وهي إزالة النجاسة هذا محل وفاق واتفاق بين علماء المسلمين أن الطهارة منقسمة إلى هذين النوعين ثم ذكر أقسام المياه باعتبار ما تتنوع إليه في الشرع بأنها ثلاثة أقسام طهور وطاهر ونجس، والطهور والنجس محل إجماع بين العلماء وإنما الطاهر هو الذي فيه نزاع وخلاف والجمهور على إثباته من المالكية والشافعية والحنابلة وهو المرجح في المذهب والقسم الأول هو الطهور وهو الطاهر في نفسه المطهر لغيره بمعنى أنه اشتمل على صفتين صفة الطاهرية وهذا يقابل النجس وصفة التطهير وهذا يقابل الطاهر إذاً هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره عرفه المصنف بالتعريف المشهور عند الفقهاء وهو الباقي على خلقته يعني الماء الذي بقي على خلقته على فطرته وصفته التي خلق عليها ابتداء إلى أن استعمل في التطهير في الطهارة وهذا النوع الذي هو الباقي على خلقته نوعان إما أن يكون باقي على خلقته حقيقة وإما أن يكون باقي على خلقته حكماً، والأول هو الذي لم يطرأ عليه شيء يغيره يعني يغير إحدى صفاته من اللون أو الطعم أو الرائحة والثاني بأن لم يبقى على ما خلق عليه بل تغيرت إحدى صفاته أو الصفات الثلاث ولكن لازال الحكم باقي وهو كونه طاهر في نفسه مطهر لغيره حينئذٍ النوع الثاني الذي هو الطهور حكم من حيث انطباق الحد عليه لا ينطبق عليه لأنه لم يبقى بل تغير إما كلاً أو بعض صفاته حينئذٍ من حيث الحقيقة لا ينطبق عليه إلا إذا أدخلنا هذين اللفظين في الحد وقلنا الماء الطهور هو الباقي على خلقته حقيقة أو حكماً إذا أدخلنا هذين اللفظين حينئذٍ دخل وإلا حينئذٍ ينصرف الحد إلى النوع الأول وهو الماء الذي بقي على خلقته التي بقي عليها ثم ذكر المصنف أنواعاً للطهور إذ الطهور قد يكون مكروهاً وقد يكون غير مكروه وذكر بعض الأمثلة التي مرت معنا ومن أنواع الطهور ما نشرع فيه الليلة وهو الماء الكثير الذي وقعت فيه نجاسة ولم تغيره ماء كثير وقعت فيه نجاسة ولم يتغير هذا الماء بالنجاسة حينئذٍ يحكم عليه بكونه طهوراً فيما سبق الذي وقع في الماء الطهور شيء طاهر يعني إما ورق شجر أو بممره أو بمكثه إلى آخره والمغير الذي وقع في الماء شيء طاهر، هنا القسم هذا ليس بشيء طاهر إنما هو نجس قال رحمه الله تعالى (وإن بلغ القلتين وهو الكثير وهما خمس مئة رطل عراقي تقريباً فخالطته نجاسة غير بول آدمي أو عذرته المائعة فلم تغيره أو خالطه البول أو العذرة ويشق نزحه كمصانع طريق مكة فطهور) هذه مسألة واحدة ضمنها مسألتين (وإن بلغ الماء قلتين) يعني الحديث في الماء الطهور وإن بلغ الماء الطهور قلتين وبلغ بمعنى وصل قلتين هذا تثنية قلة وهي في أصل إطلاقها في اللغة اسم لكل ما ارتفع وعلا؛ كل ما ارتفع وعلا يسمى قلة لكن المراد هنا في اصطلاح

الفقهاء الجرة الكبيرة وإن كان لفظ القلة يطلق على الصغيرة والكبيرة لكن العرف عند الفقهاء خص لفظ القلة بالجرة الكبيرة من قلال هجر والمراد هنا الجرة الكبيرة من قلال هجر حينئذٍ قيد القلتان بقيد وهو المعروف في ذاك الزمان الذي نطق فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (إذا بلغ الماء قلتين) حينئذٍ نحمل هذا اللفظ على قلال هجر لأنها أكبر ما يكون من القلال وأشهرها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإذا ورد شيء من ذلك في عصر النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ يقيد بالعرف وهي مشهورة الصفة معلومة المقدار لا تختلف كالصيعان هكذا قال أهل العلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قيد في حديث ابن عمر (إذا بلغ الماء قلتين) هذا تحديد والتحديد لا يقع بمجهول وكذلك جاء في الحديث المشهور في وصف الشجرة في الجنة (وإذا نبتها مثل قلال هجر) ولو أراد التقيد هذا دل على ماذا؟ على أن المراد من قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا بلغ الماء قلتين) يعني من قلال هجر وهذه قرية قريبة من المدينة إذاً لا إشكال في تقيد القلتين بأن المراد بهما القلة الكبيرة أو الجرة الكبيرة من قلال هجر (وإن بلغ الماء قلتين وهو الكثير) هذه جملة اعتراضية المراد بيان اصطلاح الفقهاء لأن الفقهاء إذا نطقوا في هذا الباب قالوا الماء القليل والماء الكثير الماء اليسير والماء الكثير يقابلون هذا بذاك فما مرادهم بهذا التعبير وبهذا الاصطلاح؟ مرادهم بالماء الكثير هو ما بلغ قلتين فأكثر يعني أدنى الماء الكثير هو قلتان حينئذٍ ما بلغ ووصل قلتين فأكثر حينئذٍ يسمى ماء كثيراً وما دون ذلك يسمى ماء قليلاً إذاً إذا أطلق الماء القليل في اصطلاح الفقهاء فمرادهم ما دون القلتين وإذا أطلق الكثير فمرادهم القلتان فأكثر إذاً قوله (وهو الكثير) هذا إشارة إلى اصطلاح الفقهاء ثم قال (وهما) أي القلتان (خمس مئة رطل) رِطل ورَطل بكسر الراء وفتحها والرطل العراقي تسعون مثقالاً لذلك قال (خمس مئة رطل عراقي تقريباً) يعني لا تحديداً بمعنى إذا نقص رطل أو رطلان لا يؤثر في الحكم لأن المراد هنا التقريب لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم التحديد وإذا لم يرد حينئذٍ رجعنا إلى العرف وهو المراد بالقلال وأي قلال هجر وهذه قد تختلف نسبي الاختلاف نسبي حينئذٍ لا يمكن أن يحصر فيه على جهة التحديد وإنما يقال فيه على جهة التقريب (وهما خمس مئة رطل عراقي تقريباً) يعني لا تحديداً وهو المذهب فلا يضر بخس يسير كرطل أو رطلين وهذا كما ذكرنا على الصحيح وحددت بخمس مئة رطل بقول ابن جريج رأيت قلال هجر ورأيت القلة تسع قربتين وشيئاً والقربة مئة رطل بعراقي والاحتياط أن يجعل الشيء نصفه فكانت القلتان خمس مئة رطل بالعراقي إذاً هذا الشيء الذي استند إليه الفقهاء وهذا لا إشكال فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق القلتين وحملة على العرف حينئذٍ أهل العرف هم الذين يحددون المراد بالقلتين وأما بالصاع فالقلتان تساوي ثلاث وتسعين صاعاً وثلاثة أرباع الصاع وأما بالمساحة مربعاً ذراع وربع طولاً عرضاً وعمقاً بذراع اليد هكذا قال فقهاء الحنابلة قال (فخالطته نجاسة) إذاً إذا كان الماء كثير وهو ما بلغ قلتين فأكثر (فخالطته)

يعني مازجته (نجاسة) وعرفنا النجاسة وهي عين مستقذرة شرعاً سواء كانت هذه النجاسة قليلة أو كثيرة (فلم تغيره) نترك الاستثناء (فلم تغيره) طهوراً بالإجماع إذا وقعت نجاسة وخالطت الماء الكثير فلم يتأثر الماء إحدى صفاته بهذه النجاسة نحكم على الماء بأنه طهور إذاً هذا نوع من أنواع الماء الطهور وهو ماء كثير وقعت فيه نجاسة فلم تغيره حكمنا عليه بكونه طهوراً وهذا محل إجماع بين أهل العلم لحديث ابن عمر مرفوعاً وهو حديث صحيح قوله صلى الله عليه وسلم (إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء) وفي رواية (لم يحمل الخبث) هذا الحديث رواه أحمد وغيره قال الحاكم على شرط الشيخين وصححه الطحاوي وهو حديث كثر الكلام فيه عند الفقهاء ولكن المشهور حديث صحيح ثابت قال بعضهم بأنه موقوف على ابن عمر إن صح عن ابن عمر موقوفاً إذا كان كذلك فله حكم الرفع لو سلم بأنه موقوف فله حكم الرفع لأن هذا شيء لا يقال من قبل الرأي وإنما يكون من قبل الوقوف على قول النبي صلى الله عليه وسلم لذا قال الخطابي في معارج السنن (وكفى شاهداً على صحته أن نجوم الأرض من أهل الحديث قد صححوه وقالوا به وهم القدوة وعليهم المعول في هذا الباب) إذاً ثبت الحديث وله منطوق ومفهوم ومنطوقه أن الماء إذا بلغ إلى هذا الحد وهو القلتان والتحديد هنا يدل على أن ثَمَّ فرقاً بين القلتين وما دون القلتين حينئذٍ إذا بلغ ووصل الماء إلى هذا الحد ووقعت فيه نجاسة فلم تغيره قال (لم ينجسه شيء) بل هو باقي على أصله وقولنا باقي على أصله بمعنى أنه باقي على أصله إن كان طهوراً فهو طهوراً وإن كان طاهراً فهو طاهر بمعنى أن النجاسة قد تقع في ماء طهور ولم تغيره وهو كثير نحكم على الماء بأنه طهور بقاء على الأصل استصحاب الأصل، وقد تقع النجاسة في ماء بلغ قلتين وهو طاهر حينئذٍ لم تغيره يبقى على الأصل وهو أنه طاهر فليس الحكم خاصاً بالطهور دون الطاهر بل يشمل النوعين فنحكم بكونه طهوراً وبكونه طاهراً باعتبار الأصل (إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء) فتحديده بالقلتين يدل على أن ثَمَّ فرق بين القلتين وما دون القلتين قوله (لم ينجسه شيء) هذا مخصوص بالإجماع لأنه إذا تغير إحدى صفات الماء بالنجاسة حينئذٍ حكموا عليه بأنه نجس ولذلك نجاسة ما تغير بالنجاسة لا خلاف فيها بين أهل العلم فقوله (لم تغيره) له مفهوم وهو أن النجاسة إذا خالطت الماء سواء كان طهوراً أو طاهراً إذا خالطته وأثرت فيه بأن تغير جميع صفاته أو بعض صفاته حكمنا على الماء بكونه نجساً وهذا محل إجماع كما ذكرنا قال ابن المنذر (أجمع أهل العلم على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت للماء طعماً أو لوناً أو رائحة أنه نجس مادام كذلك) إذاً علق المصنف الحكم بمطلق النجاسة لكنه استثنى نوعاً من أنواع النجاسات إذا وقعت في الماء الكثير فلم تغيره بأن الحكم يختلف ليست العبرة بالتغير وعدمه، النجاسة الواقعة في الماء الكثير نوعان إما أن تكون بولاً أو غائطاً كما سيذكره المصنف إما أن يكون غير ما ذكر إن كان الثاني فالعبرة بالتغير بشرط أن يكون الماء كثير وإن كان الأول فالعبرة ليست بالتغير وإنما العبرة بمشقة النزح حينئذٍ إذا وقعت النجاسة وهي

بول لآدمي أو عذرته المائعة في ماء كثير حينئذٍ لا نظر لكونه تغير أو لا وإنما نقول هل يشق نزحه أو لا؟ إن شق نزحه فطهور باقي على أصله أو طاهر وإن لم يشق نزحه حكمنا عليه بأنه نجس لماذا؟ بمجرد ملاقاة النجاسة وهي البول أو العذرة للماء الكثير ولم يشق نزحه حكمنا عليه مباشرة بكونه نجساً ولذلك قال المصنف (فخالطته نجاسة غير) هذا استثناء بالنصب (غيرَ بول آدمي) آدمي استثنى من البهيمة (أو) هذه للتنويع (عذرته) قيدها بكونه (المائعة) يعني الذائبة أو في حكمها الجامدة إذا ذابت في الماء ما حكمه؟ هذا ذكره بقوله (أو يشق) (أو خالطه البول أو العذرة) هذا نطق بما يفهم من السابق بقوله (غير بول آدمي أو عذرته) يفهم من هذا الاستثناء أن لهما حكماً ما غاير لما ذكر وهو الذي نص عليه بهذا القول (أو خالطه) الماء الطهور أو الطاهر (البول) والمراد به بول الآدمي لأنه قيده فيما سبق وهنا أطلق فيشمل القليل والكثير يعني دون تفصيل ولو قطرة واحدة (أو العذرة) من الآدمي كذلك احترازاً عن البهيمة ونحوها حينئذٍ النظر لا يكون إلى التغير بل إلى شيء آخر وهو ما قصده بقوله (ويشق نزحه) (ويشق) المشقة هي العسر ولها مفهوم بمعنى إن لم يشق حينئذٍ يحكم عليه بكونه نجساً (ويشق نزحه) يعني لكثرته والنزح هو أن يأخذ الماء الذي خالطه بالبول أو العذرة ليتجدد بعده ماء خال منهما بمعنى أنه يأخذ من الماء ماء كثير من أجل أن يتجدد الماء هذا يكون فيما يتوارد عليه الماء (ويشق نزحه كمصانع طريق مكة) كمصانع هذا مثال لما شق نزحه (كمصانع طريق مكة) مصانع جمع مصنع والمراد بها الأحواض التي يجتمع فيها ماء المطر واحدها مصنع والمراد بالمصانع المصانع الكبار التي تكون مورداً للحجاج أشبه بالبرك التي تكون مورداً للحاج إذا مر بها حينئذٍ يتوضأ ويغتسل ويشرب منها وقد تكون مجتمع للسيول ونحوها لكن يشترط في هذا ما لم تتغير فإن تغير حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو أن الإجماع منعقد على أن كل ماء وقعت فيه نجاسة وظهر أثر النجاسة في الماء حينئذٍ حكمنا على الماء بكونه نجساً مطلقاً سواء كان الماء كثيراً أو قليلاً سواء كانت النجاسة بولاً لآدمي أو عذرته المائعة أو الجامدة إذا ذابت فيه أو غير ما ذكر نحكم على الماء بكونه نجساً إذاً كل ماء تغير بالنجاسة حكمنا عليه بكونه نجساً الكلام فيما إذا وقعت فيه نجاسة وكان كثيراً ولم يتغير ننظر في النجاسة على كلام المصنف إن كان بولاً أو غائطاً فالعبرة حينئذٍ بمشقة النزح فما شق نزحه فهو طهور وما لم يشق نزحه فهو نجس فإن لم تكن النجاسة بولاً أو عذرة حينئذٍ رجعنا إلى التغير فإن تغير فهو نجس وإن لا فهو طهور أو طاهر والمسألة هذه التي هي خاصة ببول الآدمي أو عذرته هي المذهب عند أكثر المتقدمين والمتوسطين وهذه الرواية من روايات الإمام أحمد من أشهر وأكثر الروايات عنه التفصيل بما ذكر ولكن المذهب عند المتأخرين وهي رواية أخرى عن الإمام أحمد وإن لم تكن أشهر من الأول إلا أنه لا فرق بين النجاسات حينئذٍ نقول الفتوى على ما قرره المتأخرون فيكون المصنف قد خالف المذهب في هذه المسألة بكونه فرق بين النجاسات في هذا الموضع والمذهب عند المتأخرين هو التسوية

فكل نجاسة وقعت على الماء الكثير ولم تغيره حكمنا على الماء بكونه طهوراً أو طاهراً على أصله والتفريق هذا وإن كان عند أكثر المتقدمين والمتوسطين إلا أنه غير معتمد عند المتأخرين ومستند الإمام أحمد في الرواية المشهورة هو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه) (لا يبولن) هنا نهي مؤكد بنون التوكيد ويبولن هذه نجاسة خاصة خص النبي صلى الله عليه وسلم البول وقيس عليه الغائط لأنه أفحش منه (أحدكم في الماء الدائم) عام في المتغير وغيره فقال: النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهى عن الاغتسال من الماء الذي قد بال فيه إلا لكون الماء قد تنجس ولم يذكر هنا التغير فصار هذا الحديث مخصص لحديث القلتين (إذا بلغ الماء قلتين) يخص منه ما بال فيه الإنسان فيكون نجساً لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمم في النهي ولم يخصص كونه تغير أو لم يتغير والصحيح أن هذا الحديث محمول على شيء آخر وهو أنه يفسده على نفسه وعلى غيره، إذاً هذا نوع من أنواع الماء الطهور وهو الماء الذي كان كثير بأن بلغ قلتين فأكثر ووقعت فيه نجاسة وعلى الصحيح مطلق النجاسة أين كانت فنحكم على الماء إذا لم يتغير بكونه طهوراً وأما إذا تغير فنحكم على الماء بكونه نجس وهذا محل وفاق وإجماع بين أهل العلم، ثم قال رحمه الله تعالى في النوع الأخير الذي أراد بيانه وهو ماء طهور لا يرفع الحدث سبق أن حكم الماء الطهور أنه يرفع الحدث وتزال به النجاسة ثَمَّ نوع من الماء هو طهور ولكنه لا يرفع الحدث ويزيل النجاسة لا يرفع الحدث هذا يعتبر تخصص وتقييد للحكم العام للطهور ولهم دليل يذكره الشارح قال رحمه الله تعالى (ولا يرفع حدث رجل طهور يسير خلت به امرأة لطهارة كاملة عن حدث) بهذه القيود مجتمعة حينئذٍ يحكم على هذا الماء الطهور بكونه لا يرفع حدثاً الحدث سبق أنه وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة ويشمل النوعين سواء كان حدثاً أصغر وهو ما أوجب وضوء أو كان حدثاً أكبر وهو ما أوجب غسلاً هنا قال (لا يرفع) يعني ماء يسير لا يرفع يعني لا يزيل سبق أن الرفع هو الزوال والإزالة إزالة الوصف القائم بالبدن هذا هو طهارة الحدث ما هي طهارة الحدث زوال الوصف القائم بالبدن هذا لا يرفع حدثاً إذاً لا يزيل لا يرفع بمعنى لا يزيل (لا يرفع حدثاً) إذاً هل تزال به النجاسة؟ كل قيد وشرط من هذه القيود له مفهوم بمعنى أن ما لم يذكر نطقاً فالحكم مخالفاً لما لم ينطق به يعني مفهومه معتبر هنا (لا يرفع الحدث) إذاً هل له أن يزيل به النجاسة؟ نعم لأن الحكم مخصص هنا بالحدث وعندنا طهارة أخرى وهي طهارة خبث إذاً لا يرفع الحدث وله أن يزيل به النجس وهو المذهب (حدث رجل) رجل هو ذكر بالغ من بني آدم لفظ رجل لا يصدق إلا على الذكر إذاً الأنثى لها أن ترفع به الحدث لأن الحكم هنا خاص بالذكر قال بالغ من بني آدم لأن الوصف بالرجولة لا يصدق إلا على البالغ إذاً ما دون البلوغ سواء كان مميزاً أو لا حينئذٍ له أن يرفع الحدث نعم له أن يرفع الحدث لأن الحكم هنا مقيد بالرجل إذاً (ولا يرفع حدث رجل) لا امرأة الأنثى

حينئذٍ لا تسمى لا يطلق عليها بأنها رجل فلها أن ترفع به ولا صبي فيرفع حدثهما وهو المذهب (طهور يسير) إذاً ماء طهور (يسير) ما المراد باليسير ما دون القلتين إذاً لو خلت بماء كثير يرفع الحدث أو لا؟ يرفع الحدث لأن المصنف هنا قيد الحكم بكون الماء الطهور لا يرفع حدث رجل بكون هذا الماء الطهور يسيراً يعني دون القلتين فلو خلت بماء كثير قلتين فأكثر حينئذٍ نقول له أن يرفع يعني الرجل له أن يرفع حدثه بذلك الماء (طهور يسير) حينئذٍ لو خلت بتراب تطهرت بتراب هل له أن يرفع به الحدث لعله يرفع الحدث إذا قلنا إن التيمم يرفع الحدث (طهور يسير) لا تراب فلا أثر لخلوتها به وهو المذهب لأن النص هنا مقيد بالوضوء نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة طهور المرأة المراد به الماء إذاً التراب لا يقاس عليه على الماء فلو خلت بالتراب فتيممت حينئذٍ للرجل أن يتيمم بما تيممت به المرأة (طهور يسير) لا كثير واليسير هنا كما ذكرنا هو القليل والمقابل الكثير وهو ما دون القلتين لما سبق (خلت به امرأة) هذا وصف للطهور طهور خلت به امرأة هي الأنثى البالغة من بني آدم المرأة لا يطلق على الصغيرة ولا يطلق على الرجل حينئذٍ لو خلا به رجل وتوضأ للرجل أن يرفع الحدث به لأن الحكم مقيد بخلوة امرأة وهنا لم تخلو به امرأة كذلك لو خلت به من دون البلوغ جارية مميزة حينئذٍ نقول للرجل له أن يرفع الحدث به لأن الحكم هنا مقيد بالمرأة (خلت به امرأة) مفهومه لو خلت به صغيرة لا أثر لخلوتها به فيرفع الحدث وكذلك لو خلا به رجل قوله (لو خلت به) خلوة قال في الشرح كخلوة نكاح المراد به هنا فيه روايتان عن الإمام أحمد في تفسير الخلوة لكن المذهب المعتمد يعني لا يشاهدها أحد ألبته مطلقاً يعني تختفي عن الأنظار وهذا يشبه بخلوة نكاح يعني كما تخلو هي مع زوجها في مسألة الجماع كذلك تخلو بالماء في مسألة الطهارة هذا مرادهم كخلوة نكاح يعني جماع كما يخلو بها زوجها فتختفي أو يختفيان عن الأنظار كذلك تختفي بهذا الماء عن الأنظار فلا يشاهدها أحد حينئذٍ المذهب أن المراد بالخلوة هنا عدم المشاهدة فإن شاهدها امرأة أو صبي أو رجل حينئذٍ زالت الخلوة (خلت به امرأة) حينئذٍ لا أثر لعدم خلوتها فلو رآها شخص وهي تتوضأ أو تغتسل فلرجل أن يغتسل بهذا الماء لماذا؟ لفوات شرط من شروط الحكم على هذا الماء بكونه لا يرفع حدثاً (لطهارة كاملة عن حدث) هذه ثلاثة قيود (لطهارة) يعني لو خلة به امرأة لتبرد وتنظف هل يرفع الحدث أو لا؟ نعم يرفع الحدث لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ بفضل طهور المرأة، إذاً لو تبردت به أو تنظفت حينئذٍ الحكم يختلف (لطهارة كاملة) لا لطهارة ناقصة فلو خلة به وغسلت يديها وتمضمضت واستنشقت وغسلت كامل الوجه واليدين ومسحت الرأس ثم شاهدها شخص هل خلة به كخلوة نكاح؟ الجواب لا لماذا؟ لأن الخلوة هنا وقعت في أول الطهارة والشرط أن تكون الطهارة كاملة أن تخلو بهذا الماء كخلوة نكاح في حال الوضوء كله من أوله إلى آخره فلو شاهدها مميز في أول الطهارة ثم غاب عنها لم تخلو به لو شاهدها في أثناء الطهارة لم تخلو به لو خلة به في أول الطهارة ثم شاهدها

في آخرها لم تخلو به إذاً يشترط بأن تكون هذا الطهارة كاملة عن حدث لا عن طهارة خبث فلو خلت به امرأة لطهارة كاملة عن خبث هل للرجل أن يرفع الحدث به؟ نعم له أن يرفع الحدث لأن الشرط قد فات بهذه القيود كلها حينئذٍ نقول هذا الماء اليسير لا يصح لهذا الرجل أن يتوضأ به أو يغتسل لشروط التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى ما العلة ما الحكم قالوا العلة والحكم هنا تعبدي بمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى ولم يأتي تعليل فنبقى على عدم معقولية المعنى لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة والحديث صحيح ثابت ضعفه بعض أهل العلم لكن الصحيح أنه ثابت حينئذٍ الحكم يكون واجباً فلا يرفع الحدث ولكن إذا لم يجد إلا هذا الماء استعمله ثم تيمم وجوباً وهذا مراعاة للخلاف قال أحمد في رواية أبي طالب أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك يعني الحكم السابق وهو تعبدي يعني لأمر الشارع به وعدم عقل معناه هذا الذي رجحه المصنف هو المذهب عند المتأخرين والصحيح الذي دلت عليه الأدلة هو خلاف ذلك وهو أنه طهور يرفع الحدث لكنه مكروه ولذلك ورد في حديث ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغتسل بفضل ميمونة حينئذٍ النهي الذي ورد في الحديث السابق يكون مصروفاً بهذا الحديث وكذلك جاء في حديث ابن عباس اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ليتوضأ في جفنة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها فقالت إني كنت جنباً والظاهر أنها خلت به لأنها اغتسلت به عن جنابة وهذا لا يكون في العرف والعادة إلا إذا خلت به فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الماء لا يجنُب لا يجنِب فدل على انه يجوز به الوضوء إذاً نجمع بين هذين الحديثين وغيرهما وبين الحديث الذي فيه نقول بأن النهي مصروف عن التحريم إلى الكراهة فهو طهور ويرفع الحدث ولكنه مع الكراهة فيكون من القسم الذي سبق ذكره وهو الطهور المكروه ثم قال المصنف رحمه الله تعالى (وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه) إلى آخره هذا شروع في النوع الثاني بعد ما أنهى شيء مما يتعلق بالماء أو النوع الأول من أنواع المياه وهو الطهور شرع في بيان النوع الثاني وكلاهما اشتركا في أن كلاً منهما طاهر في نفسه الطهور طاهر في نفسه والطاهر كذلك طاهر في نفسه إلا أن الفرق في أن الطهور يطهر غيره بمعنى أنه يرفع الحدث عن غيره وكذلك يزال به حكم النجاسة وأما الطاهر فهو طاهر في نفسه لكنه لا يرفع الحدث عن غيره ولا تزال به النجاسة ولذلك يقول الفقهاء الطهور يستعمل في العادات وفي العبادات في العادات بمعنى أنه يشرب منه ويغتسل لتبرد والتنظف كذلك تغسل به الأواني ونحوها ويستعمل في العبادات في الوضوء والغسل الواجب وأما الطاهر فهو يستعمل في العادات لا في العبادات لأنه طاهر في نفسه فلك أن تغسل به الثياب إذا لم تكن نجسة ولك أن تطبخ منه وأن تشرب ونحو ذلك هذه عادات ليست بعبادات لكونه طاهراً بنفسه أما أنه يستعمل في العبادات لرفع الحدث وإزالة النجاسة هذا الذي ذهب إليه جمهور أهل العلم من كونه لا يرفع به حدث ولا تزال به النجاسة فهو على النقيض من الطهور، الطهور حكمه أنه يرفع الحدث ويزيل النجس وأما

الطاهر فلا يرفع حدثاً ولا يزيل نجس ولا يستعمل حتى في الأغسال المندوبة يعني لا يستعمل لا في رفع حدث ولا ما يشبه رفع الحدث قال المصنف هنا رحمه الله تعالى (وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه) وسبق إثبات أن هذا الحكم وهو وجود الماء الطاهر أنه ثابت بنفسه قد دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لما سبق وهو قول جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة والقول به لا يلزم منه التشديد على الناس كما يظن بعض الطلاب أنه لا وجود للماء الطاهر كما نقل المحشي هنا عن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى حينئذٍ إذا أثبتناه كأننا ضيقنا على الناس قل لا الماء الطاهر الماء قد لا يوجد عند بعض الناس قد يموت ولم يره أصلاً لأنك إذا نظرت خارج بيتك كل ما كان من البحار والآبار والعيون والسيول فهو طهور باتفاق لا خلاف فيه بين أهل العلم وما كان في بيتك من الخزانات ونحوها وما يجري من الصنابير فهو طهور باتفاق لا خلاف فيه بين أهل العلم لم يبقى إلا نوع قليل وهو أن يكون في جفنة أو في ماء في شيء يسير ثم هذا على نوعين قد يتغير بنفسه وقد يتغير بفعل آدمي الأول طهور باتفاق بقي النوع الثاني وهو ماء يسير في إناء وأنت الذي غيرته بنفسك هذا شيء يسير بالنسبة للطهور فالقول به لا يلزم منه لا تشديد على الناس كما قد يظنه بعض الطلاب قل لا؛ إثباته هو الذي دلت عليه النصوص كما سبق ووجوده كذلك قليل قد تجلس السنين وأنت ما رأيت هذا الماء الطاهر الذي اختلف فيه أهل العلم ولذلك أقول أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى وهو مما نقل عنه بأن الماء عنده قسمان طهور ونجس والطاهر عنده لا وجود له النقل هذا ليس محرر عن أبي حنيفة ولا عن أصحابه بل عندهم الطاهر نوعان طاهر متفق عليه قد ذكر ذلك في المبدع بن مفلح أن الطاهر قسمان طاهر متفق على أنه طاهر حتى أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول به وإذا تقرر ذلك فثَمَّ نوع متفق عليه حينئذٍ لابد من عده في القسمة الثلاثية فنقول القسمة ثلاثية طهور وطاهر ونجس (وإن تغير طعمه أو لونه أو ريحه) تغير بمعنى أن وقع فيه شيء طاهر ثم هذا الذي وقع الشيء الطاهر في الماء الطهور لأن الأصل هو الطهور ثم ننتقل إلى الطاهر، ماء طهور وقع فيه شيء طاهر حينئذٍ إما أنه يغيره أو لا فإن لم يتغير به فهو على أصله فإن تغير حينئذٍ ثَمَّ أحكام وهي التي ذكرها المصنف (وإن تغير) إما أن يكون التغير كاملاً لجميع أوصاف الماء بأن يتغير طعمه ولونه وريحه كلها وإما أن يتغير صفة من صفاته كلها أو يتغير كثير صفته من تلك الصفات حينئذٍ نحكم عليه بأنه طاهر غير مطهر بالشرط الذي سيذكره المصنف (وإن تغير) يعني جميع أوصافه تغير كاملاً (لونه) كله (أو طعمه) كاملاً (أو ريحه) كاملاً قال الشارح أو كثير من صفة من تلك الصفات لا يسير منها، بمعنى أن الضابط في هذا النوع الثاني الطاهر بأن يتغير إما جميع صفاته أو كل صفة - صفة واحدة من الصفات الثلاث - أو كثير صفة لا كل الصفات، لا يسير منها بمعنى أنه لو تغير يسير صفة من تلك الصفات لا يخرجه عن كونه طهور على الأصل ولذلك جاء في حديث أم هاني أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وزوجته ميمونة من قصعة فيها أثر العجين، هذا والله أعلم وهذه

الأمور يحكم بها العرف بمعنى أن الذي يتغير متأثر العجين يكون يسير لا كثيراً فإن تغير يسير صفته لا يخرجه عن أصله وهو كونه طهوراً إذاً إن تغير طعمه أو لونه أو ريحه قال (بطبخ أو ساقط فيه) هذان نوعان للمتغير الأول النوع الأول قال (بطبخ) أشار إلى المتفق عليه لأن هذا النوع حتى أبو حنيفة يقول بكونه طاهر غير مطهر وهو أن الماء الطهور إذا طبخ فيه لحم مثلاً حينئذٍ لا يسمى ماء يسمى ماذا؟ يسمى مرقاً، إذاً بهذه التغير خرج عن كونه ماء فلم يسمى ماء إذاً هل هذا الماء طهور أم طاهر؟ نقول هذا طاهر نقول هو في أصله طهور قد وقع فيه شيء فغيره فسلبه اسمه ولذلك قال في المبدع الماء الطاهر قسمان أحدهما غير مطهر بالإجماع وأراد به هذا النوع وحكاه صاحب الشرح الكبير بأنه ثلاثة أنواع وهو ما خالطه طاهر يمكن أن يصان الماء عنه والثاني أو غلب على أجزائه فصير حبراً أو طبخ فيه فصيره مرقاً هذه الأنواع الثلاثة بالإجماع أنه طاهر غير مطهر لذلك قال (بطبخ فيه) يعني بسبب الطبخ ولا شك أنه يطبخ فيه شيء طاهر لا نجس حينئذٍ بقي على أصله والباء هنا سببية متعلق بقوله (إن تغير) (بطبخ) يعني بسبب طبخ حينئذٍ لا يسمى ماء فلا يصدق عليه قول الله تعالى (فلم تجدوا ماء) نقول هذا ليس بماء هذا مرق يسمى مرقاً لأنه طبخ فيه لحم واللحم شيء طاهر حينئذٍ نقول هذا الماء قد خرج عن كونه ماء فسلب اسمه فإذا سلب الاسم حينئذٍ لا يكون ماء طهوراً في لا رفع حدثاً ولا يزيل نجساً، (أو ساقط فيه) يعني أو تغير جميع الصفات أو بعضها أو كثير منها بساقط فيه بسبب ما سقط فيه هنا يقيد بما ما مضى لأن ما سقط قد يكون موافقاً للماء كالملح المائي أو التراب هذا لا يسلبه الطهورية بل يبقى طهوراً أو سقط فيه وتغير به عن مجاورة لا عن ممازجة هذا لا يسلبه الطهورية ولذلك عبارة الشارح صاحب الروض مقيدة ولابد من العناية بها ولذلك قال (أو بساقط فيه أو تغير بطاهر من غير جنس الماء) لأن ما تغير بجنس الماء كالتراب فهو طهور لا يتأثر به الماء لا يخرج عن كونه طاهراً مطهراً وكذلك لو تغير بالملح المائي لأنه من جنس الماء حينئذٍ نقول هذا ماء تغير بشيء هو من جنس الماء فلا يخرجه عن الطهورية (أو لا يشق صونه عنه) هذا قيد لابد من تقييده ما ذكره المصنف فأخرج ما تغير بما يشق صون الماء عنه حينئذٍ يحكم له بكونه طهوراً ولم ينتقل إلى النوع الثاني إذاً ساقط في ماء طهور وتغير به ولم يكن من جنس الماء ولم يكن مما يشق صون الماء عنه حينئذٍ نحكم عليه بكونه طاهر غير مطهر، ثم أشار إلى ما جاء الشرع بالحكم على كون الماء طاهراً غير مطهر وهي وإن كان عليه المذهب عند المتأخرين إلى أن فيها شيء من النظر إثبات الطاهر كإثبات القياس إثبات الطاهر القسم الطاهر كإثبات القياس كإثبات الإجماع إذا قيل بأن الإجماع ثابت هل كل من ادعى الإجماع يقبل منه؟ لا، إذا قيل القياس ثابت هل كل قياس يكون قياساً صحيحاً أو دعوى القياس تكون صحيحة؟ لا؛ لا يلزم بل يكون الأصل ثابتاً ثم التفريع قد ينظر فيها ولذلك كثير من المسائل التي يذكرها ولذلك تجد من يعترض على هذا القسم يقول لكثرة الخلاف فيه وتناقض الفقهاء فيه أقول تناقض وكثرة

المسائل المفرعة أكثرها لا دليل عليها فإذا نوزع من أثبت هذا الفرع لا يلزم منه أن ينسف الأصل من أصله بل يبقى الطاهر ثابت ثم نحصره فيما دلت النصوص عليه وهو ما تغير بما ذكره المصنف وأما ما جاءت به الأدلة من كونه يمنع من استعماله لكونه كذا وكذا حينئذٍ ننظر في الدليل إن دل الدليل على أن المنع هنا لكونه قد سلب الماء الطهورية فعلى العين والرأس وإلا رجعنا إلى الأصل وهو كون الماء طاهراً وما ذكره الفقهاء يكون رأياً مرجوحاً (أو رفع بقليله حدث) رفع حدث بقليله رفع يعني أزيل بقليله ما المراد ما دون القلتين لأنه إذا أطلق القليل كما هنا وهنا قال طهور يسير إذاً يسير وقليل بمعنى واحد عند الفقهاء (أو رفع بقليله) وهو ما دون القلتين ماء طهور رفع به (حدث) أي حدث كان يعني سواء كان بجميع الأعضاء أو كان ببعضها جميع الأعضاء هذا إنما يكون في غسل الجنابة البدن كله أو بعضها وهذا إذا كان رفع به حدث أصغر (أو رفع بقليله حدث) حينئذٍ يحكم بكون الماء قد سلب الطهورية وصار طاهراً في نفسه غير مطهر لغيره وهذا ما يسمى بالماء المستعمل الماء المستعمل، الماء المستعمل نوعان المستعمل في طهارة مستحبة كتجديد وضوء وغسل جمعة وغسلة ثانية وثالثة وقد سبق الكلام عنها بأنها طهور وهذا الاستعمال لا يسلبه الطهورية، ماء مستعمل في رفع حدث بأن يكون توضأ به لرفع الحدث أو اغتسل به لرفع الجنابة حينئذٍ هذا الماء يقال فيه ماء مستعمل والمراد بالماء المستعمل ليس الماء الباقي أو الذي يغترف منه للوضوء وإنما المراد بالماء المستعمل الذي يجري على العضو فلو غسل وجهه ثم تقاطر الماء وجمعه وجمع من يده ونحوها حينئذٍ نقول هذا الماء المستعمل على المذهب لكونه استعمل في رفع حدث حينئذٍ قولوا هذا سلبه الطهورية لماذا؟ قالوا لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب) رواه مسلم، (لا يغتسلن) هذا نهي مؤكد فلولا أنه لا يفيد منعاً لم ينهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا وجه الاستدلال لولا أنه لا يفيد منعاً لما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم (لا يغتسلن) لماذا قال لأنه اغتسل فيه جنب حينئذٍ استعمل في رفع حدث وخص الجنب دون غيره وفلكون النبي صلى الله عليه وسلم علل وقوله (وهو جنب) والجملة حالية حينئذٍ تكون تعليلاً علل الحكم هنا لكون ذلك المستعمل له قد استعمله في رفع حدث ما موقفك أنت قال (لا يغتسلن) لا يفهم من هذا النهي إلا لكونه أنه لا يرفع ونقول هنا كما قلنا هناك وهو أن الصحيح أن الماء طهور وليس بطاهر لأنه باق على أصله والأصل في الماء الطهور ولا يعد عنه لكونه طاهراً غير مطهر إلا بدليل ولا دليل هنا فنبقى على الأصل وأما هذا الحديث فهو كحديث (لا يبولن) ليس المراد به أن الماء قد تغير بنجاسة أو نحوها وإنما المراد لئلا يتوارد الناس في الاغتسال ثم قد يكون ما هو قذارة أو إفساد لنفسه أو لغيره إذاً هذا النوع نناقش فيه المصنف أنه باقي على أصله وهو أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره، (أو رفع بقليله حدث أو غمس فيه يد قائم من نوم ليل ناقض لوضوء) هذا نوع من أنواع الطاهر وهو كما ذكرنا مبني على دليل ليس على أصل التغير وإنما بدليل

والدليل فيه نظر كما ذكر في المسألة السابقة أو غمس فيه الضمير هنا يعود على قوله (أو رفع بقليله) إذاً المراد بفيه الضمير هنا الماء القليل المراد به ما دون القلتين مفهومه لو غمس يده فيما هو كثير في قلتين فأكثر فالماء باقي على طهوريته بكونه طاهراً في نفسه مطهراً لغيره (أو غمس فيه) يعني في الماء القليل (يد قائم من نوم ليل) في الشرح قال كل يد بمعنى أن الحكم هنا مقيد باليد وأطلقها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآتي ذكره فيحمل على الجميع ولا يلحق اليد البعض بالكل بمعنى أن اليد هنا المراد بها من أطراف الأصابع إلى الكوع هذه اليد هي التي تقطع في السرقة إن أدخل يده كلها بالشروط الآتية ثبت الحكم إن أدخل أصبعه فقط أو بعض أصابعه لا يثبت الحكم لأن الحكم تعبدي فإذا نص النبي صلى الله عليه وسلم على اليد كلها فإثبات الحكم مع بعضها من باب القياس وهنا لا قياس لأن من شرط القياس أن يكون الحكم معللاً وهنا لم يعلل الحكم إذاً قوله كل يد مراده أن اليد هي التي يثبت لها الحكم وإذا أطلقت اليد انصرفت إلى جميع اليد وأما بعض اليد فلا يثبت بها الحكم قال كذلك يد مسلم مكلف يعني مسلم لا كافر فلو أدخل يده الكافر لم يثبت الحكم يعني هو طهور وإذا أدخل المسلم يده فهو طاهر غير مطهر، مكلف يعني لا صغير بمعنى أن الصبي أدخل يده مع أن الصبي مظنة لنجاسة ونحوها لو أدخل يده الماء باقي على أصل طهوريته ليس بطاهر وأما المكلف العاقل الكبير لو أدخل يده حينئذٍ انتقل الحكم، قال (يد قائم من نوم ليل) النوم معروف وقيده هنا بالليل للحديث الآتي ذكره (ناقض لوضوء) والمذهب أن النوم من نواقض الوضوء لكن ليس كل النوم وإنما هو كل نوم إلا يسيراً من قاعد أو قائم هذا الضابط في النوم في المذهب من كونه ناقضاً كل نوم إلا نوم يسير من قاعد أو قائم هذه الذي يعتبر ناقضاً حينئذٍ لو كان يسيراً من قاعد هل ينتقض الوضوء قل لا لم ينتقض، فلو نام نوماً لم ينقض الوضوء حينئذٍ نقول لو وضع يده في الماء لم يسلبه الطهورية بهذه القيود الماء يعتبر طاهراً (أو غمس فيه) يعني يده أو غمست ولو قهراً أو نسياناً أو جهلاً يد مسلم مكلف قائم من نوم ليل لا نوم نهار الحكم يختلف ناقض للوضوء إن لم يكن النوم ناقض للوضوء فيختلف الحكم قال الشارح قبل غسلها ثلاثاً لأن الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) (إذا استيقظ أحدكم) هذا خطاب للمسلم إذاً الكافر لا يشمله (من نومه) هذا عام يشمل كل نوم - نوم النهار ونوم الليل - ولكن المصنف قيده بماذا؟ بنوم الليل قالوا للتعليل الوارد في الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) والبيتوتة لا تكون إلا في الليل لا في النهار فدل على أن مراده من نومه هو عام أريد به الخاص وهو نوم الليل (فليغسل) الأمر هنا للوجوب (يديه) أطلق اليدين (قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً) فإن أدخل يديه في الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثاً حينئذٍ حكم على الماء بكونه سلب الطهورية وهنا يقال فيه ما قيل بقوله (أو رفع بقليله حدث)

النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض لحكم الماء وإنما تعرض لحكم اليدين وهل التعليل هنا لكون النجاسة متوهمة أو لشيء آخر؟ نقول الله أعلم بذلك بمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من استيقظ من نومه يشمل نوم الليل ونوم النهار على الصحيح والحكم عام أنه لا يدخل يديه في الإناء حتى يغسلهما ثلاثاً والأمر هنا للوجوب حينئذٍ وجب الامتثال، هل الحكم معلل؟ نقول الحكم غير معلل، ما العلة؟ الله أعلم بها لا بالنجاسة ولا بغيرها، لأنه لو كانت النجاسة متوهمة فالأصل ماذا؟ الأصل الطهارة فمن شك في يديه بأنهما نجستان نقول الأصل الطهارة وضعهما في الماء لو لم تكن قائماً من نوم ليل وأنت الآن مستيقظ وشككت في نجاسة يديك ووضعتها في الماء ما حكم الماء؟ نقول اليقين لا يزول بالشك واليقين هو الطهارة، وكذلك الحكم فيما إذا كان مستيقظاً من نوم ليل إذاً التعليل هنا لكون النجاسة متوهمة وحفظاً للماء تعليل فيه نظر، وكذلك التعليل من كون الشيطان يلعب بهما تعليل فيه نظر، نبقى على الأصل من أن كون الحكم تعبدي، ولم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم للماء فإذا كان كذلك نبقى على أصله بمعنى أنه طهور مطهر ولا نسلبه الطهورية بمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغمس القائم من نوم ليل يديه أو يده في الماء إذاً يكون هذا القسم من قسم الطهور لا من الطاهر، (أو غمس فيه يد قائم من نوم ليل ناقض للوضوء) قوله (من نوم ليل) الصحيح أنه يجب غسل اليدين لكل من قام من كل نوم سواء كان نوم ليل أو كان نوم نهار للعموم الذي في قوله (من نوم) فإنه مصدر مضاف حينئذٍ يكتسب العموم فإن أدخلهما بعد غسلهما ثلاثاً فالماء طهور على المذهب، فإن أدخلهما بعد غسلهما مرتين فالماء المذهب كما هو أو يختلف قال الشارح قبل غسلهما ثلاثاً، فإن غسلها مرة فأدخل يده فالماء طاهر غير مطهر فإن غسلهما مرتين ثم غمسهما في الإناء فالماء طاهر غير مطهر إن غسلهما ثلاثاً ثم غمسهما فالماء طهور، إذاً قبل غسلهما ثلاثاً له مفهوم (أو كان آخر غسلة زالت النجاسة بها) هذا القسم الأخير الذي أراده المصنف من قسم الطاهر بأنه طاهر في نفسه غير مطهر (أو كان) يعني الماء القليل (أو كان) إذاً الضمير يعود إلى ما عاد عليه (أو غمس فيه) وهو الماء القليل وهو ما دون القلتين (آخر غسلة زالت النجاسة بها) على المذهب أن النجاسة لا تزول إلا بسبع سيأتي بحثه وأنه ضعيف بالصواب أن النجاسة تزول بزوالها هذا هو الصحيح لكن على المذهب سيأتي حديث ابن عمر أمرنا بغسل الأنجاس سبع حديث ضعيف لا يعول عليه فيبقى على الأصل، فالمذهب أنه لا تزول النجاسة إلا بسبع فلو وجد على الثوب قطرة بول وجب غسله سبع مرات ولو زالت النجاسة عين النجاسة بالمرة الأول فيغسل المرة الأول والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، من الأول إلى السادسة كلها نجس كل الغسلات المنفصلة نجسة السابعة هي التي حكمنا على الموضع بأنه قد طهر من حكم النجاسة إذاً زالت هذه النجاسة وهو حكمها بالغسلة السابعة فمراد المصنف هنا الغسلة السابعة بشرط انفصال النجاسة بمعنى أنه زالت وأما إذا بقيت في محلها ثم لاقتها المرة السابعة حينئذٍ ماء قليل لاقا

نجاسة في حكم عليه بالنجاسة وإنما المراد فيما إذا زالت عين النجاسة وبقي المحل من حيث أثر النجاسة لا الحكم بقي المحل من حيث أثر النجاسة يعني الصفة اللون أو الطعم أو الرائحة قد أزيلت حينئذٍ حكماً النجاسة باقية لا عيناً وإنما تزول بالسابعة فمن الأولى إلى السادسة كل الغسلات تعتبر نجسة لأنها لاقت محلا ً محكوماً عليه بالنجاسة وأما السابعة هي التي حكمنا بسببها كون المحل قد طهر ما حكمه هذا المنفصل من المرة السابعة قالوا هذا ما طاهر غير مطهر (أو كان) يعني الماء القليل (آخر غسلة) وهي الغسلة السابعة (زالت النجاسة بها) وانفصل بشرط أن يكون هذا الماء المنفصل غير متغير فإن كان متغيراً حكمنا عليه بكونه نجساً (فطاهر) يعني هذا خبر فهو طاهر (طاهر) هذا خبر لمبتدأ محذوف فهو طاهر لأنه أثر شيء هذه المرة السابعة أثرة شي وهو التطهير فصار كالمستعمل في رفع الحدث صارت هذه المرة السابعة أثرة بمعنى أنها بسببها ختمنا بها الغسلات السبع فحكمنا على الموضع بكونه انتقل من النجاسة إلى الطاهرية كذلك الماء المستعمل في رفع الحدث باستعمالنا للماء انتقل من كون موصوفاً بالحدث إلى كونه طاهراً هذا يكون من قبيل ماذا من قبيل القياس وإن كان علل هنا لقوله لأن المنفصل بعض المتصل والمتصل طاهر والصحيح أن هذه الغسلة تعتبر طهوراً لماذا؟ لأنها مرة سابعة وعلى الصحيح فيما سبق أن النجاسة تزول بزوال عينها وأثرها بأن لا تبقى العين وأن لا يبقى من آثارها كاللون ونحوه فإذا زالت حينئذٍ نقول الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فنحكم على المحل بكونه طاهراً فإذا جاءت المرة الثانية والمحل قد خلص من النجاسة حكمنا على هذه المرة بكونها طاهرة وكذلك الخامسة والسادسة ونحو ذلك إذاً على المذهب باعتبار اشتراط سبع غسلات من الأولى إلى السادسة نجسة والسابعة طاهر غير مطهر والثامنة طهور والصحيح ما ذكرناه سابقاً، إذاًَ يخلص من هذا القسم الثاني أم قوله (وإن تغير طعمه أو لونه أو ريحه بطبخ أو ساقط فيه) إلى هنا هو الطاهر وما ذكر من قوله (أو رفع بقليله حدث أو غمس ...

أو كان آخر غسلة زالت النجاسة بها) على المذهب لابد أن تعرف المذهب أنه طاهر غير مطهر والصحيح أنه من قبيل الطهور والخلاف هنا في مثل هذه المسائل المفردات والآحاد كالخلاف في بعض الأقيسة التي يذكرها الفقهاء قد يقال بأن هذا القياس صحيح وهذا قياس فاسد وليس كل ما ذكر من شروط القياس فهي يعتبر عند أهل الأصول بل بعضها ما هو موافق عليه وبعضها ما هو مردود على صاحبه وهنا نقول الطاهر ثابت ويحصر فيما ذكرناه وما عداه فمحل نظر ولذا صار الكلام في الطاهر كلام قليل ولو أكثر الفقهاء من الكلام فيه ثم من حيث النظر من استعمال المكلف كذلك يكون يسيراً لا كثيراً والأصل في الماء هو الطهور ولا تحكم بكونه طاهراً إلا بغلبت ظن أو يقين، ثم انتقل إلى النوع الثالث وهو النجس فقال رحمه الله تعالى وهذا محل إجماع النجس محل وفاق بين الفقهاء لا خلاف في النجس من حيث الجملة يعني في وجوده فالنجس ثابت وهو لا يرفع حدثاً ولا يزيل نجساً باتفاق وإنما يستثنى ماذا؟ يستثنى الماء المتغير بالنجاسة في محل التطهير وهذا الاستثناء يذكر في الماء الطاهر الماء الطاهر المتغير بالشيء الطاهر يعني إن كان محل التطهير يعني محل الغسل هذا مستثنى الماء لو وضعت فيه عجين وحركته وتغير به نحكم على الماء بكونه طاهراً لأنك أدخلت فيه بفعلك شيء وتغير به لكن لو جاء الماء على يدك وأنت تتوضأ ثم لاقا عجيناً فتغير به كل الماء لونه وطعمه ورائحته في الأصل نحكم عليه بكونه طاهراً لكن في محل التطهير نستثني هذه الحالة للضرورة لأن لو حكمنا عليه بكونه طاهرا ًوالطاهر لا يرفع حدث لو جدت مشقة على المكلفين حينئذٍ الطاهر الماء المتغير بشيء طاهراً قصداً في محل التطهير من أجل الضرورة كذلك الماء الذي يغسل به النجاسة تكون النجاسة على اليد فتغسلها يتغير الماء ما حكم الماء؟ هو ماء متغير بالنجاسة وهذا بالإجماع نجس لكن الإجماع ليس في هذه الصورة بل هذه الصورة مستثناه بالإجماع إجماع المتقدمين وقال بعضه هو نجس لكنه يتطهر به في هذا الموضع على جهة الخصوص فقط وما عداه فيبقى على الأصل، إذاً النجس لا يرفع به حدث ولا تزال به النجاسة الأول متفق عليه وهو أنه يرفع به حدث والثاني أنه لا تزال به النجاسة محل خلاف يرى بعض أهل العلم أنه تخفف به النجاسة وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله تعالى والذي تدل عليه الأدلة هو أنه لا يستعمل مطلقاً فلا يستعمل لا في العادات ولا في العبادات حينئذٍ يكون ما خالف لطرفي الطهور والطاهر الطهور يستعمل في العادات والعبادات والطاهر في العادات لا في العبادات النجس لا في العادات ولا في العبادات، قال رحمه الله تعالى (والنجس) قسمان الأول مجمع عليه والثاني مختلف فيه وزاد المصنف قسماً ثالثاً داخل في القسم الثاني (ما تغير بنجاسة) (ما تغير) ما يعني ماء طهور أو طاهر لأن الكلام في الماء الذي يقابل النجس والماء الذي يقابل النجس هو الطاهر ثم هو قسمان طاهر مطهر وطاهر غير مطهر ولذلك من الحنابلة من قسم الماء إلى قسمين وهو يرى أن القسمة ثلاثية لأن العبرة هنا بالتقابل فإن قابل النجس بالطاهر دخل في الطاهر الطهور وإن قابل الطاهر بالطهور حينئذٍ انفصل كل منهما عن الآخر

(ما) يعني ماء تغير طهور كان أو طاهراً (تغير) إما جميع صفاته أو بعض صفاته (بنجاسة) يعني بسبب نجاسة حلت فيه ثم أثرت في الماء قليلة كانت هذه النجاسة أو كثيرة سواء كان الماء قليل وهو ما دون القلتين أو كثيراً وهو ما كان قلتين فأكثر مطلقاً دون تفصيل حينئذٍ نقول الماء نجس وهذا محل إجماع قال ابن المنذر (أجمع أهل العلم على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت للماء طعماً أو لوناً أو رائحة أنه نجس مادام كذلك) لكن يستثنى ما تغير بمجاورة ميتة هذا مستثنى لأن الرائحة إحدى صفات الماء حينئذٍ نقول الماء إذا تغير برائحة النجاسة سبق أن الماء المتغير بمجاورة ميتة المتن أطلق هنا لكن لابد من التقيد بالرائحة حينئذٍ يكون هذا مستثنى بالإجماع وحكى ابن المنذر الإجماع عليه، (أو) هذا النوع الثاني النوع الأول واضح بين (أو) وهو القسم الثاني وهذا محل خلاف بين الفقهاء (أو لاقاها وهو يسير) (أو لاقاها) يعني لاقا الماء النجاسة (وهو اليسير) عرفنا اليسير المراد به دون القلتين فكل ما دون القلتين وهو القليل واليسير ليس العبرة في الحكم عليه بكونه نجساً أو لا -بالتغير- وإنما العبرة بمجرد الملاقاة كون النجاسة وقعت وحلت في الماء ولو لم تغيره إن غيرته دخل في القسم الأول وإن لم يتغير حينئذٍ وقع نزاع بين أهل الفقهاء وجمهور أهل العلم على أنه نجس بمجرد الملاقاة لمفهوم حديث ابن عمر (إذا بلغ الماء قلتين لا ينجسه شيء أو لم يحمل الخبث) مفهومه أن ما دون القلتين يحمل الخبث ينجس حينئذٍ هذا حكم بالمفهوم وإذا كان كذلك صار هذا المفهوم ثابت في نفسه ويعتبر مخصصاً لحديث أبي سعيد (الماء طهور لا ينجسه شيء) وهذا محل إشكال عند بعض أهل العلم هذا مفهوم وذاك منطوق حديث أبي سعيد (الماء طهور لا ينجسه شيء) هذا مخصص بما إذا تغير بالإجماع لأن قوله الماء طهور لا ينجسه شيء ولو تغير بالنجاسة لكن نقول هذا مخصوص بالإجماع ثم نخصه بمفهوم حديث ابن عمر وهو أن ما كان دون القلتين ينجس بمجرد الملاقاة فنجمع بين هذا وذاك والحديث الخاص يقضي على العام ولا نقول هذا منطوق وهذا مفهوم وحينئذٍ يكون المنطوق مقدم على المفهوم هذه قاعدة صحيحة لكنها متى تستعمل؟ إذا اختلفا منطوق ومفهوم وكل منهما خاص حينئذٍ نقول هذه المسألة لو جاء حديث يدل بالمفهوم على أن الماء القليل ينجس بمجرد الملاقاة وجاء منطوق يدل على أن الماء القليل لا ينجس بمجرد الملاقاة حينئذٍ نقول تعارض منطوق ومفهوم ويقدم المنطوق لأنه أقوى وأما إذا تعارض منطوق وهو عام ومفهوم وهو خاص حينئذٍ نقول المفهوم دليل وحجة شرعية في نفسه تثبت به الأحكام الشرعية ولذلك المفاهيم معتبرة وهذا المفهوم شرط الموجود هنا ولذلك قال الشوكاني في إرشاد الفحول (لا ينكره إلا أعجمي) بمعنى أنه يكاد يكون إجماع على اعتباره حينئذٍ نقول هذا خاص وحديث أبي سعيد عام فيحمل العام على الخاص ويستثنى من حديث أبي سعيد الماء الذي يكون دون القلتين فينجس بمجرد الملاقاة وهذا المرجح الذي تدل عليه الأدلة كما ذكرنا، (أو لاقاها وهو يسير) فنحكم عليه بأنه نجس (أو انفصل عن محل نجاسة قبل زوالها) زوال ماذا؟ النجاسة تزول متى؟ بالسابعة (أو

كان آخر غسلة زالت النجاسة بها فهو طاهر) ما دون ذلك نجس هو الذي عناه بهذه المسألة، إذاً مراده بهذه الصورة الغسلات من الأولى إلى السادسة كأنه فصل الأولى إلى السادسة نجسة ولذا قال (أو انفصل) يعني الماء الطهور وهو يسير (عن محل نجاسة) انظر (عن محل نجاسة) ولم يقل عن نجاسة يعني لا يشترط أن يلاقي النجاسة عينها لأن النجاسة قد تزول بأول غسلة نقطة بول على اليد غسلتها زالت النجاسة قطعاً لكن هل طهر المحل؟ لا لم يطهر المحل إذاً محل النجاسة الحكم ثابت له وعين النجاسة موجودة؟ لا غير موجودة المحل الثانية قد لاقت محلاً نجساً لم تلاقي نجسة بنفسها بعينها وإنما محلاً نجساً فمن الأولى إلى السادسة هذا تعتبر ماذا؟ نجساً (أو انفصل عن محل نجاسة قبل زوالها) إذا تغير هذا واضح بين أنها تكون نجسة وهذا محل وفاق (قبل زوالها) فنجس فما انفصل قبل السابعة نجس وكذا ما انفصل قبل زوال عين نجاسة ولو بعدها فهما أو متغيراً حينئذٍ الحكم هنا معلق بالغسلات من الأولى إلى السادسة والصحيح في هذا كما ذكرناه سابقاً أن الماء إذا لاقى عين نجاسة ولو لم يتغير فهو نجس فإذا زالت النجاسة طهور المحل فإذا كانت غسلة ثانية أو ثالثة فالصحيح أن الماء يعتبر طهور لا طاهراً ولا نجساً، ثم انتقل المصنف رحمه الله تعالى في خاتمة الباب ما يتعلق بأحكام هل يمكن تطهير الماء؟ ثم مسائل الشك ثم الاشتباه نأتي عليها لأنها يسيرة وسهلة، (فإن أضيف إلى الماء النجس طهور كثير غير تراب ونحوه أو زال تغير النجس الكثير بنفسه أو نزح منه فبقي بعده كثير غير متغير طهر) نجاسة الماء ليست نجاسة عينية وإنما هي نجاسة حكمية لأن الماء يكون طاهراً أو طهوراً ثم حينئذٍ إذا وقعت فيه النجاسة فأثرت فيه فتغير الماء حكمنا على الماء بكونه نجساً أو كان دون القلتين ووقعت فيه نجاسة حكمنا على الماء بكونه نجساً إذاً هو الأصل طهور أو طاهر ثم انتقل لوقوع النجاسة فيه على التفصيل السابق إلى النوع الثالث وهو النجس هل يمكن تطهيره أو لا محل خلاف بين الفقهاء وأكثر أهل العلم على نعم يمكن تطهيره حينئذٍ ما مسائل التطهير ذكر المصنف هنا الإضافة والتغير ونحوه (فإن أضيف إلى الماء النجس طهور كثير) كثير ما المراد بالكثير؟ قلتان فأكثر يعني عندك ماء نجس سواء كان قليلاً أو كثيراً أضفت إليه زدت عليه طهور كثير ماذا حصل؟ طهر الماء، إذاً تطهير الماء بإضافة ماء كثير عليه بأن تزيد عليه الماء هذا واضح بين فنحكم على هذا الماء في الأصل سواء كان قليلاً أو كثيراً بكون الماء انتقل من النجاسة فرجع إلى أصله يعني تطهر الماء كما تطهر الثوب كما تغسل الثوب كذلك تغسل الماء تغسل الماء بالماء تطهر الماء بالماء (فإن أضيف إلى الماء النجس) أطلق المصنف فلم يقيده فيشمل الكثير والقليل (طهور كثير) لا يسير فإن أضيف إليه يسير حينئذٍ حكمنا عليه بكونه نجس بقي على أصله (غير تراب ونحوه) يعني الماء هو الذي يحصر فيه التطهير لأنك أردت إزالة النجاسة عن الماء يعني حكم النجاسة التي ثبت للماء بكون الماء نجساً أردت زوالها فالذي يزيل هو الماء محصور في الماء إذاً التراب ونحوه من المائعات لا يحكم على الماء النجس سواء كان قليلاً

أو كثيراً بكون الماء قد طهر لماذا؟ لأن التراب لا يطهر نفسه فكذلك سائر المائعات لا تطهر نفسها وإنما حصرت الطهارة بنوعيها في الماء الطهور فكذلك حينئذٍ في الماء النجس إذا أردت تطهيره تضيف إليه الماء فإذا أضفت إليه التراب ونحوه بقي الحكم على أصله إذاً هذه الطريقة الأولى؛ الطريقة الأولى الإضافة تضيف إليه الماء بشرط أن يكون الماء كثيراً والماء الذي أضيف إليه وهو النجس مطلق يعني سواء كان قليلاً أو كثيراً، الثانية (أو زال تغير النجس الكثير بنفسه) هنا قيد النجس الكثير لأن العبر هنا بماذا؟ بالتغير الحكم على الماء الكثير بكونه نجساً بالتغير والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فإذا زال التغير حكمنا على الماء بكونه تطهر (أو نزح منه) يعني من الماء النجس وهنا يشترط أن يكون كثيراً (فبقي بعده كثير) يعني بقي بعد النزح بقي كثير حينئذٍ يشترط في هذا الماء أن يكون أكثر من قلتين إذاً لا يكون قلتين ولا دون القلتين القلتان ماء كثير وحينئذٍ القلتان لا تطهر بالنزح لأنه يشترط في النزح وهو أخذ الماء من الماء النجس يشترط أن يبقى بعد النزح كثير وهو قلتان إذاً لا يتصور أن يكون ماذا؟ أن يكون هذا الماء قلتين وإنما هو أكثر من قلتين (أو نزح منه فبقي بعده) يعني بعد المنزوح (كثير غير متغير) بهذا الشرط طهوراً يعني حكمنا على الماء بكونه طهوراً أو طاهراً لزوال العلة علة تنجسه وهي التغير، إذاً ما كان قلتين فإنه يطهر بطريقين الإضافة والثانية زوال تغيره بنفسه، ما كان أكثر من قلتين حينئذٍ يطهر بثلاث طرق الإضافة والنزح وزوال التغير، ما كان دون القلتين له كم طريقة؟ طريقة واحده وهي؟ الإضافة فقط، هل يمكن النزح؟ لا، هل بزوال التغير؟ الجواب لا، طيب لو كان متغير وهو قليل وزال التغير - ماء يسير مثل هذا زال تغيره بنفسه - طهر أم بقي على نجاسته؟ باق على نجاسته لأنه قال (أو زال تغير النجس الكثير) أما النجس القليل لو زال تغيره لا يطهر لماذا؟ لكون الملاقاة حاصلة النجاسة موجودة والملاقاة حاصلة حينئذٍ لا يمكن أن يطهر، ثم قال رحمه الله تعالى (وإن شك في نجاسة ماء أو غيره أو طهارته بنى على اليقين) وهذه مسألة الشك بمعنى أنه عنده ماء وشط في هذا الماء قد تغير ولا يدري هل هذه الروثة التي قد غيرة الماء روثة شاة أو وهي طهارة أو روثة حمار وهي نجسة لا يدري اشتبه عليه الأمر شك حينئذٍ نقول الأصل ما هو؟ الأصل الطهارة فنبقى على كونه طاهراً أو كونه طهوراً ولا نحكم بنجاسته بالشك في المغير (وإن شك في نجاسة ماء) أو غيره من الطاهرات حتى في الثوب والبقعة ونحوها من المائعات شككت هل هو نجس أم لا نقول الأصل هو الطهورية فيبقى على أصله ولا تنتقل من كونه نجس إلا بيقين أو طهارته بأن يكون الأصل هو أنه نجس وشك هل زال التغير أو حينئذٍ نبقى على الأصل فالأصل هو المستصحب (بنى على اليقين) الذي علمه قبل طرو الشك فإن كان الأصل أنه طاهر وشك في النجاسة فالأصل أنه طهور وإذا كان الأصل أنه نجس وشك في نجاسته فالأصل أنه نجس والقاعدة المتفق عليها اليقين لا يزول بالشك استناداً لهذه المسألة وكذلك حديث عبدالله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم شكي إليه الرجل

يجد في بطنه شيء فيشكل عليه هل خرج منه شيء أم لا، (فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوت أو يجد ريحاً) والمسألة واضحة، لكن ينبه إلى أن المراد بالشك هنا ليس هو الشك الذي هو عند الأصوليين الشك عند الأصوليين ما تردد بين أمرين مع استواء الاحتمالين وأما عند الفقهاء فيشمل الشك عند الأصوليين وزيادة على ذلك الظن فيدخل فيه الظن بمعنى أنه متى ما تردد ولو غلب على ظنه بأنه طاهر فيبقى على الأصل وهو النجاسة أو بالعكس، إذاً قوله (وإن شك) حينئذٍ الشك عند الفقهاء هو التردد بين وجود الشيء وعدمه سواء كان الطرفان في التردد سواء أو أحدهما راجحاً وهذا هو المصطلح عليه عند الفقهاء، ثم ذكر مسألة الاشتباه هي فيما اشتبه طهور بنجس ماذا يصنع، قال (وإن اشتبه طهور بنجس حرم استعمالهما) يعني عندك إناءان كل منهما متغير وتعلم يقين أن أحدهما نجس وأحدهما طاهر لكن شككت اشتبه عليك الشك يكون في محل واحد والاشتباه يكون بين أمرين حينئذٍ اشتبه عليك هذا هو الطهور أم النجس ما الحكم؟ حرم عليك استعمال الإناءين لأنه لا يحل لك أن تستعمل النجاسة محرم ولا يمكن اجتناب النجاسة إلا باجتناب الطهور فيتعين عليك اجتناب الأمرين فتعدل إلى التيمم (وإن اشتبه طهور بنجس حرم استعمالهما) لأنه لا يمكن اجتناب النجس إلا باجتناب الطهور (ولم يتحر) يعني لم يجتهد يعني لو كانت هناك قرينة تدل على أن هذا طهور وهذا نجس كذلك يتركهما والظاهر أنه يتحر فإن غلب على ظنه بقرينة محسوسة إما بشم رائحة أو نحوها أو عرف ونحو ذلك حينئذٍ ما غلب على ظنه استعمله وأما إذا استويا حينئذٍ يحرم استعمال الماءين (ولا يشترط للتيمم) لأنه إذا حرم عليه استعمال النوعين الطهور والنجس عدل إلى التيمم لكن هل يريق النوعين أو أنه يجمع بينهما لا يشترط ذكره الخرقي لكنه قول مرجوح، ولا يشترط للتيمم إراقة الإناءين من أجل أن يكون عادماً للماء لأن الله تعالى يقول (فلم تجدوا ماء فتيمموا) هذا واجد للماء لكن لا؛ نقول الوجود هنا وجود حسي لكنه هو من حيث الحكم هو عجز عن استعمال الماءين حينئذٍ فلم يجد الماء هذا لم يجد الماء ما هو الذي وجب عليه التطهر به؟ هو الماء الطهور وهو قد اشتبه عليه الأمران إذاً لا يشترط لتيمم إراقت الإناءين ولا خلطهما من أجل أن يتحقق النجاسة، (وإن اشتبه بطاهر توضأ منهما وضوءاً واحد من هذا غرفة ومن هذا غرفة وصلى صلاة واحدة) إذا اشتبه الطهور بالنجس وجب اجتناب النوعين، لكن إذا اشتبه الطهور بالطاهر ليس عندنا هنا ما يمنع من استعمال النجاسة هناك يجب على المسلم أن يحفظ بدنه كله عن استعمال النجاسة وهنا ليس عندنا ما يجب حفظ البدن عنه لأن الطاهر يجوز استعماله لكن لا في العبادات وإنما في العادات يجوز أن يغتسل ويتنظف بماء طاهر غير مطهر لكن من باب التبرد والتنظف هنا إذا اشتبه طهور بطاهر ومعلوم أن الطهور هو الذي يرفع الحدث والطاهر لا يرفع الحدث ماذا يصنع؟ قلنا لا يعدل إلى التيمم قالوا هنا له مسلك وهو أن يتوضأ منهما وضوءاً واحداً يعني يتوضأ من الإناءين الطهور والطاهر وضوء واحدا ً لا نقول توضأ من الأول ثم توضأ من الثاني هذا محال أن يقع وضوء بهذه الصفة لأنه إذا توضأ من الأول توضأ

متردداً والنية لا توجد مع التردد وإن توضأ من الثاني توضأ متردداً والوضوء لا يوجد بدون نية والنية لا تكون مع التردد إذاً يمتنع أن يتوضأ فلا نقول له توضأ من هذا وضوءاً كاملاً ثم توضأ من هذا مرة أخرى وضوءاً كاملاً لماذا؟ لفقد النية وهي شرط مصححة للوضوء لكن يقال له اجمع بينهما بوضوء واحد تغترف من هذا غرفة ومن هذا غرفة (توضأ منهما وضوءاً واحداً من هذا غرفة ومن هذا غرفة وصلى صلاة واحدة) حينئذٍ لا يلزم أن يصلي الفرض مرتين كما قاله البعض هذا من باب التشدد يعني توضأ من الأول وضوءاً كاملاً ولو جزم بنيته ثم بعد ذلك يصلي صلاة ثم يتوضأ من الثاني ويصلي صلاة حينئذٍ فيه إيجاب فرضين على مكلف واحد وهذا خلاف الأصول خلاف من صلى صلاة واحدة، ثم استطرد بذكر ما يمكن ذكره في هذا المقام وهو ذكر الاشتباه وإن كان يتعلق بباب اللباس فيما سيأتي (وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة أو محرمة - كمغصوبة ومسروقة ونحوها - صلى في كل ثوب صلاة - يعني واحدة - بعدد النجس أو المحرم وزاد صلاة) يعني هنا يختلف الحكم بكونه إذا اشتبه عليه ثوب طاهر بثوب نجس حينئذٍ يصلي بعدد النجس يصلى ماذا؟ صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس؛ إذا كان عنده عشرة أثواب منها سبعة نجسة ثلاثة طاهرة وهو واجب عليه أن يحقق الشرط وهو اجتناب النجاسات في الثوب والبدن حينئذٍ نقول له صلي سبع صلوات وزد واحدة ثامنة فوجب عليه أن يصلي ثامن مرات وهذا لا شك أنه تكليف بما لم يشرعه الله عزوجل بل الصواب أنه يتحرى وما غلب على ظنه حينئذٍ لبسه وصلى صلاة واحدة ولا يلزمه الإعادة (وإن اشتبهت ثياب طاهرة - يعني مباحة - بثياب نجسة أو محرمة) يعني ثوب طاهر مباح حلال وثوب طاهر لكنه مسروق لا شك أن الصلاة في الثوب المسروق أو المغصوب لا تصح حينئذٍ ماذا يصنع؟ يصلي بعدد هذا المسروق لو كان ثلاثة يصلي ثلاث مرات وزاد صلاة واحدة هذا بناء عل أنه لا يتحر والصواب أنه يتحر، صلى في كل ثوب صلاة واحدة يكررها بعدد الثياب النجس أو المحرم وزاد على العدد صلاة ليؤدي فرضه بيقين لأن لابد أن يصلي صلاة متيقناً فيها استيفاء الشروط والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

3

عناصر الدرس * باب الآنية، والحكمة من ذكرها بعد باب المياه. * قوله: "كل إناء طاهرا ولو ثمينا يباح اتخاذه ... ". * الأصل في الأعيان الإباحة حتى يرد دليل بالتحريم. * قوله: "إلا آنية ذهب وفضة"، ودليل تحريم آنية الذهب والفضة. * اتفاق الصحابة على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة. * هل التحريم يعم كل استعمال لآنية الذهب والفضة، أم خاص بالأكل والشرب فقط؟ * أقوال أهل العلم في علة تحريم الاتخاذ، والراجح ما جاء في نص الحديث. * قوله: "وتصح الطهارة منها"، والراجح خلافه. * قوله: "وتباح آنية الكفار"، بيان حالات آنية الكفار، وحكمها. * حكم ثياب الكفار. * قوله: "ولا يطهر جلدة ميتة بدباغ"، والراجح في المسألة. * قاعدة مهمة: "الميتة هي: اسم للحيوان الميت ظاهرًا وباطنًا". فتعم كل شيء فيها. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد قال المصنف رحمه الله تعالى (باب الآنية) أي هذا باب ذكر مسائل أو أحكام مسائل الآنية والآنية هي الأوعية لغة وعرفاً جمع إناء والإناء هو الوعاء وهو الظرف يوعى فيه الشيء سمي بذلك لأنه يجمع ما فيه ومناسبة ذكر هذا الباب باب السابق وهو أحكام المياه أنه لما ذكر الماء ذكر ظرفه لأن الماء جوهر سيال فيحتاج إلى ظرف ولا يقوم إلا به حينئذٍ ناسب إن يذكر هذا الباب ولأن الآنية منها ما هو محرم ومنها ما هو مباح ومنها ما هو طاهر ومنها ما هو نجس وقد يتأثر الماء بحكم الطاهرية أو النجاسة حينئذٍ لابد من بيان هذه الآنية، الأصل في هذا الباب هو الإباحة والطهارة الأصل في هذا الباب لأن كل ما سيأتي لابد أن يكون مخالفاً للأصل فلابد من دليل يدل عليه فالأصل في الأشياء هي الإباحة سواء كانت في الآنية أو غيرها وهذه قاعدة عامة عند الفقهاء وهي مفيدة لطالب العلم أن الأصل في الأشياء الأعيان المنتفع بها الطهارة والأصل فيها الإباحة وأما الإباحة لقوله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) (خلق لكم ما) أي الذي وهي اسم موصول بمعنى الذي حينئذٍ يعم فيعم كل ما في الأرض ولذلك أكده بقوله (جميعاً) وهنا ذكر في سياق الامتنان حينئذٍ يدل على أنه طاهر وعلى أنه مباح ومعنى الامتنان أن الله عزوجل يمتن على خلقه بأنه خلق لهم ما في الأرض وهذا إنما يكون إذا مكنهم من الانتفاع به وأما إذا منعهم من الانتفاع به حينئذٍ لا يكون امتنان فدل على أن الأصل هو الإباحة ثم النجس لا يجوز استعماله وهنا امتن بما ينتفع به فدل على أنه طاهر فالأصل في الأشياء الطهارة والإباحة وقال تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) وقال سبحانه (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فكل محرم الله عزوجل فصله بمعنى بينه والتفصيل هنا بمعنى البيان والتبيين وما يتعلق بهذا الباب أن الأصل في الأشياء الإباحة تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم المنع والتحريم للآنية الذهب والفضة يقتضي إباحة ما عدهما جاء في الصحيحين (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة) خص آنية الذهب والفضة دل على أن ما عدا الذهب والفضة الأصل فيه الإباحة، ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أنه توضأ من آنية مختلفة قد جاء من حديث عبدالله بن زيد في البخاري فأخرجنا له توراً من صفر فتوضأ كذلك توضأ من جفنة وتور حجارة ومن إداوة وقربة وغيرها فتنوع استعمال النبي صلى الله عليه وسلم لسائر الأواني فدل على أنها مباحة فثبت الحكم فيها لفعله صلى الله عليه وسلم وفي معناها قياساً يعني ما عدا ذلك مما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ أو استعمله في طهارة مثلها لأن ما عدا الذهب والفضة الأصل فيه أنه مباح إذ كون النبي صلى الله عليه وسلم يخصص الذهب والفضة في الشرب والأكل بالتحريم دل على أن ما عدا الذهب والفضة فهو مباح إذاً عرفنا الأصل في هذا الباب حينئذٍ يكون

مستمسكاً لطالب الحق بأن كل ما قيل بأنه ممنوع فيستصحب الأصل ولا ينتقل عنه إلا بدليل واضح بين حينئذٍ يكون التحريم خلاف الأصل فنحتاج إلى دليل ويكون الحكم بالنجاسة خلاف الأصل فنحتاج إلى دليل، قال المصنف رحمه الله تعالى (كل إناء طاهر ولو ثميناً يباح اتخاذه واستماله) هذه قاعدة صدرها بكل ومعلوم بأن كل من ألفاظ العموم (صيغه كل أو الجميع ... وقد تلا الذي التي الفروع) حينئذٍ يشمل كل ما أضيف إليه لفظ كل وهنا أضيف إلى لفظ إناء حينئذٍ يكون فيه عموم ووجه العموم أنه يشمل الإناء الصغير والإناء الكبير ويشمل الإناء الثمين وغير الثمين ويشمل الطاهر والنجس فقوله (كل إناء) حينئذٍ نقول هذه الكلية يدخل تحتها الإناء الكبير والإناء الصغير يدخل تحتها الثمين وغير الثمين يدخل تحتها الطاهر والنجس قوله (طاهر) هذه صفة لإناء حينئذٍ يكون قد أخرج النجس لأن ضد الطاهر هو النجس والطاهر هو المنزه من الأقذار فما كان نجساً لا يجوز استعماله لأن المصنف هنا حكم (يباح اتخاذه واستعماله) وخصص هذا الحكم بما كان طاهراً مفهومه أن ما لم يكن طاهراً حينئذٍ اتخاذه واستعماله إذ الأصل في النجاسة مجانبتها وعدم استعمالها (كل إناء طاهر) إذاً الطاهر أخر النجس والإناء الطاهر ما كان مصنوعاً من خشب أو جلد طاهر مباح أو صفر أو حديد أو نحو ذلك كذلك الذهب والفضة تعتبر من الطاهرات لكن للنص الخاص حينئذٍ جاء التخصيص بالتحريم إذاً (كل إناء طاهر) قال المصنف (ولو ثميناً) ثمين فعيل وهو صيغة مبالغة يعني كثير الثمن (ولو ثميناً) يعني ولو كان الإناء الطاهر ثمين يعني كثير الثمن فلا فرق بين الدنيء في سعره وبين ما كان ثميناً في سعره وقوله (لو) هذه إشارة خلاف يفهم منه وهو منسوب للشافعي أنه خالف في الثمين فقال الثمين لا يجوز استعماله دفع لهذا القول ولإدخال الثمين في المحكوم عليه وهو الإناء الطاهر قال المصنف رحمه الله تعالى (ولو ثميناً) إذاً قوله (ولو) هذه إشارة خلاف والمذهب حروف الخلاف ثلاثة عند الحنابلة (حتى) وهي للخلاف القوي و (إن) وهي للخلاف المتوسط و (لو) وهي للخلاف الضعيف هذا هو المشهور عند الحنابلة (حتى وإن ولو) إذا أرد أن يحكي الخلاف لكن الخلاف يتفاوت في نفسه بعضه قوي وبعضه متوسط وبعضه ضعيف فإذا أراد المصنف وغيره من الفقهاء الإشارة إلى الخلاف القوي قال حتى وإذا أراد الإشارة إلى الخلاف المتوسط قال وإن وإذا أراد الإشارة إلى الخلاف الضعيف قال ولو لكن هذا الاستعمال ليس متفق عليه وعند بعضهم لو للخلاف القوي عكس القول الأول حيث يستعملها للخلاف الضعيف وإن للمتوسط - فتفقا - وحتى للضعيف على كل إذا جاءت هذه الألفاظ الثلاثة فثَمَّ خلاف في المسألة والمخالف هنا هو الشافعي حيث ألحق الثمين بآنية الذهب والفضة بالتحريم والصواب أنه ليس ثَمَّ دليل يدل على تحريم الثمين وإنما جاء التنصيص على الذهب والفضة حينئذٍ يكون ما عداه على الأصل وعرفنا أن الأصل هو الإباحة وليس ثَمَّ دليل واضح بين يحرم ذلك قوله (ولو ثميناً) ثميناً بالنصب خبر لكان محذوفة مع اسمها ولو كان الإناء ثميناً قال ابن مالك رحمه الله تعالى (ويحذفونها ويبقون الخبر ... وبعد إن ولو كثيراً ذا اشتهر)

(إلتمس ولو خاتماً من حديد) خاتماً هذا خبر كان محذوفاً هي مع اسمها (ولو ثميناً) يعني ولو كان الإناء الطاهر ثميناً أي غالي الثمن كجوهر وزمرد ونحوهما قال (يباح اتخاذه واستعماله) (يباح) هذا فعل مضارع مغير الصيغة وهو حكم شرعي الإباحة هي حكم شرعي وكونها حكماً تكليفياً هذا قول مرجوح والصحيح أنها حكم شرعي وليس حكماً تكليفي وإذا انتفاء كون الإباحة حكماً تكليفياً لا يلزم منه أن ينتفي عنها وصف الشرعي وثَمَّ حينئذٍ مسألتان هل الإباحة حكم تكليفي أو لا؟ جماهير الأصوليين على أنها ليست حكماً تكليفي، هل الإباحة حكم شرعي أم لا - والذي يقابل الشرعي هو العقلي-؟ ولبعض المعتزلة أنه ليس شرعياً وجماهير الأصوليين على أنه حكم شرعي، إذاً (يباح) هذا حكم شرعي وعرفنا الدليل فيما سبق لأنه موافق للأصل، ما الذي يباح من هذه الآنية؟ قال (اتخاذه واستعماله) اتخاذه يعني اقتناه سواء كان لزينة أو فيما يستعمل في المستقبل يعني أن يوضع هذا الإناء يقتنى من أجل أن يستعمل في أكل أو شرب أو نحوهما لكنه في المستقبل أو ينتقى هذا الإناء من أجل الزينة هذا المراد بالاتخاذ يعني لا يستعمل وإنما يكون زينة أو معداً للاستعمال في المستقبل (واستعماله) أي التلبس بالانتفاع به يتلبس بمعنى أنه يستعمله كهذا الكأس مثلاً يصب فيه الماء فيستعمل والاستعمال قد يكون في أكل وشرب وقد يكون في غير الأكل والشرب إذاً هذا هو الأصل وهذا هو قول عامة أهل العلم ولذلك قال في الشرح بلا كراهة إذاً الثمين وما دونه إذا كان الإناء طاهراًَ يباح اتخاذه واستعماله وهو محل وفاق بين أهل العلم إلا في مسألة الثمين فجماهير أهل العلم على أنه مباح كغيره والشافعي رحمه الله تعالى له قول بأنه محرم بمعنى أنه ملحق بالذهب والفضة والصحيح أنه ليس ملحقاً بهما لأن الذهب والفضة قد نص عليهما، قال (إلا آنية ذهب وفضة ومضبباً بهما فإنه يحرم اتخاذها واستعمالها ولو على أنثى) هذا استثناء من الإناء الطاهر لأن قعدنا أن كل إناء طاهر ولو ثميناً ولا شك أن الذهب والفضة ثميناً يباح اتخاذه واستعماله دخل في هذه الكلية الذهب والفضة ومعلوم على أن النص قد دل على تحريم ذلك حينئذٍ استثنى المصنف هذا النوع فقال (إلا) هذا استثناء ومعلوم أن الاستثناء معيار العموم فحينئذٍ ما عدا المستثنى فهو داخل فيما سبق المستثنى منه ما هو؟ (كل إناء طاهر) هذا المستثنى منه والمستثنى (إلا آنية - بالنصب - ذهب وفضة ومضبباً بهما) حينئذٍ المستثنى يخالف المستثنى منه في الحكم إذ ثبتت الإباحة للمستثنى منه وحينئذٍ ما بعد أداة الاستثناء يخالف ما قبلها حينئذٍ قال (فإنه يحرم اتخاذه أو استعماله) إذاً هذا استثنى من الإناء الطاهر لأن الذهب والفضة من الطاهرات (إلا الآنية ذهب وفضة) آنية ذهب الذهب معروف والفضة كذلك معروفة والمراد هنا أن يجعل كل من الذهب أو الفضة على هيئة الآنية بأن يصنع من الذهب طبق أو ملعقة أو كأس ماء أو نحو ذلك حينئذٍ نقول جعلت هذه الفضة أو هذا ذهب جعل على هيئة إناء أو مضبباً (ومضبباً بهما) بأن يكون أصل الإناء مصنوعاً من خشب مثلاً أو صفر أو حديد لكنه يضبب بذهب أو فضة فهو ملحق لأن الأصل فيه الإباحة لو

صنع إناء من خشب ما الأصل فيه نقول هو مباح كذلك لو صنع إناء من صفر أو حديد نقول هذا مباح لكن لو جعل فيه شيء من الفضة أو الذهب على أي هيئة كانت حينئذٍ نقول هذا الأصل فيه الإباحة لكن لما ألحق به ما هو محرم حينئذٍ ألحق بالمحرم ذهب والفضة في الحكم (ومضبباً بهما) المضبب هو الذي عمل فيه ضبة مأخوذ من الضب والتضبيب وهو تغطية الشيء ودخول بعضه في بعض وهي في الأصل حديدة تجمع بين طرفي المنكسر قد يكون الإناء مصنوعاً من حديد فيقع فيه نوع تشعب أو انكسار حينئذٍ يصلح بماذا؟ بسلسة أو بشيء من الذهب أو الفضة فيسمى الإناء كله يسمى ماذا؟ يسمى مضبباً لوضع هذه القطعة من الذهب أو الفضة قال الجوهري (هي حديدة عريضة يضبب بها الباب - هذا في الأصل - يضبب بها شق الباب ونحوه بوضع صفيحة عليه تضمه وتحفظه أو يشعب بها الإناء)، (ومضبباً بهما) أي الذهب والفضة حينئذٍ المضبب هو إناء طاهر مصنوع من غير الذهب أو الفضة ويوضع فيه شيء من الذهب أو الفضة بأي شيء كان مهما اختلفت الصناعات ومهما تطورت حينئذٍ كل إناء وضع فيه شيء الذهب ولو لون الذهب أو الفضة ولو لون الفضة حينئذٍ صار مضبباً فيأخذ حكم الذهب الخالص والفضة الخالصة قال (أو بأحدهما) يعني لا يشترط أن يجمع بينهما كما هو ظاهر العبارة (ومضبباً بهما) يعني بالذهب والفضة طيب لو ضبب بأحدهما بالذهب دون الفضة أو بالفضة دون الذهب الحكم واحد أو لا؟ الحكم واحد فذكر المصنف لتضبيب بالذهب والفضة لا يستلزم منه أنه لو ضبب بأحدهما أن يكون الحكم مخالفاً إذاً آنية ذهب وآنية فضة والمضبب بهما أو بواحد منهما ما الحكم قال (فإنه يحرم) هذا يقابل يباح قال (يباح اتخاذه واستعماله) هنا قال (فإنه يحرم) والتحريم معلوم أنه هو ما طلب الشارع تركه طلباً جازماً فهو حكم شرعي ما الذي يحرم من هذه الآنية آنية الذهب والفضة والمضبب بهما أو بأحدهما؟ يحرم اتخاذها واستعمالها حينئذٍ مطلق الاستعمال ومطلق الاتخاذ فأي استعمال للآنية الذهب أو الفضة سواء كان الاستعمال في الأكل أو في الشرب أو في غير الأكل والشرب أو اتخاذ آنية الذهب والفضة بأن يقتنى زينة أو لكونه يستعمل في المستقبل على أي وجه كان آنية الذهب والفضة والمضبب بهما أو بأحدهما محرم، وعندنا هنا ثلاثة أشياء أولاً: استعمال لآنية الذهب والفضة في الأكل والشرب، ثانياً: استعمال لآنية الذهب والفضة لغير الأكل والشرب، ثالثاً: الاتخاذ، أما استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب فهذا محل إجماع بين الصحابة وإن خالف بعض المتأخرين بأنه يكره وإنما انعقد الإجماع إجماع الصحابة على أنه يحرم استعمال هذين النوعين في الأكل والشرب ولذلك جاء في حديث الصحيحين (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) (لا تشربوا) لا ناهية وتشربوا فعل مضارع سلط عليه أداة النهي حينئذٍ يعم الشرب أكثره وأقله أدنى شربة نقول هذا محرم للعموم النص ثم هذا النهي يحمل على أصله وهو التحريم إذ الأصل في النهي أن يحمل على التحريم لكن ليس كل ما يحمل على التحريم يدل على أنه كبيرة من الكبائر ومعلوم أن استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب من

الكبائر فنحتاج إلى دليل أخص يدل على أن استعمال هذين النوعين في الأكل والشرب يعتبر من الكبائر قد جاء في البخاري ولمسلم (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) هذا توعد بنار ومعلوم أن من ضوابط الكبيرة ما توعد عليها بعذاب في الدنيا أو في الآخرة حينئذٍ نقول هي محرمة وهي كبيرة من الكبائر وهذا محل إجماع كما ذكرت فيما سبق وإن وقع نزاع عند بعض المتأخرين بأنه محمول على الكراهة إلا أنه قول شاذ بمعنى أنه مخالف للإجماع وأما ما عدا الأكل والشرب فهذا محل خلاف بين أهل العلم وحكي الإجماع على أن ما كان في معنى الأكل والشرب حكمه حكم الأكل والشرب ولذلك قال النووي رحمه الله تعالى (انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيها - يعني في آنية الذهب والفضة - وجميع أنواع الاستعمال في معنى الأكل والشرب بالإجماع) وحكا غيره إجماع الأمة على ذلك إذاً ما عدا الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة حكي عليه الإجماع وثَمَّ خلاف في بعض المذاهب لكن الصحيح ملحق به وما كان بالنص بالتنصيص على الأكل والشرب نقول هذا خرج مخرج الغالب إذاً هو ملحق بالأكل والشرب، ثالثاً: الاتخاذ وهو الاقتناء من هذه الآنية مع كونها لم تستعمل في الأكل والشرب ولا في غيرهما نقول هو كذلك محرم لأن ما حرم استعماله مطلقاً حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي كما أن المعازف محرمة الاستعمال هي كذلك محرمة الاتخاذ إذ لا يقال بأن التحريم هنا منصب على الاستعمال فحسب ثم له أن يتخذ هذه المعازف كأن يضعها في بيته زينة ونحوها بل نقول هذا محرم كذلك آنية الذهب والفضة محرمة الاستعمال في الأكل والشرب وما كان في معنى الأكل والشرب ملحق به حينئذٍ اتخاذها يكون وسيلة إلى استعمالها ولا شك أن الوسائل لها أحكام المقاصد حينئذٍ نقول اتخاذ هذه الآنية يكون من المحرمات للقاعدة التي ذكرناها ولذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى (بل يعم ذلك سائر وجوه الانتفاع) يعني هذا النص الذي جاء في الحديث (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها) يعم سائر وجوه الانتفاع بمعنى أنه ما كان في معنى الأكل والشرب فهو محرم وكذلك ما كان متخذ ولو لم يستعمل في أكل وشرب فهو محرم والتنصيص على الأكل والشرب يكون خرج مخرج الغالب وما كان كذلك لا يتقيد الحكم به لذلك قال تعالى (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً) إنما حرقوها ولم يأكلوها الحكم واحد يستويان لأن المراد هو الإتلاف والتنصيص على الأكل لا يلزم منه أنه لو أحرقها لا يستوي الحكم معه كذلك قوله تعالى (لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة) تأكلوا الأكل مخصوص معلوم حينئذٍ لو تعامل بالربا أضعافاً مضاعفة ولم يأكل هو كذلك محرم (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم) دل النص على أن التخصيص هنا مراد أو غير مراد؟ غير مراد فلا مفهوم له كما ذهب إليه بن حزم إذاً هذه النصوص وهذه الأقوال تدل على أن الحكم واحد في آنية الذهب والفضة سواء كان في الاتخاذ أو في الاستعمال سواء كان الاستعمال في الأكل والشرب أو في غير الأكل والشرب ولذلك قال بن عبدالبر (معلوم أن من أتخذها لا يسلم من بيعها أو استعمالها لأنها ليس مأكولة ولا مشروبة فلا

فائدة فيها غير استعمالها) إذاً الاتخاذ قد يكون وسيلة إلى بيعها وبيعها محرم فحينئذٍ اتخاذها محرم كذلك أتهابها إهداؤها إعطاؤها حينئذٍ نقول هذا كله يعتبر من المحرمات وكذلك ما كان وسيلة وهو الاتخاذ إلى هذه الأنواع كذلك قوله صلى الله عليه وسلم (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) مفهومه أنها ليست لكم في الدنيا وهو دليل على تحريم الاتخاذ (فإنها لهم في الدنيا) يعني الكفار ومعلوم أنهم قد يستعملونها في أكل وشرب وقد يتخذونها فدل على أن العلة أعم من الحكم لأن الحكم هنا لا تشربوا ولا تأكلوا ثم علل بعلة هي أعم من الشرب والأكل فدل على أن ما عدا الأكل والشرب في معنى الأكل والشرب إذاً قوله (إلا آنية ذهب وفضة ومضبباً بهما فإنها يحرم اتخاذها واستعمالها) على ظاهره على الصحيح من أقوال الفقهاء قوله (ومضبباً بهما) عرفنا الحكم فيما كان خالصاً من الذهب والفضة أما المضبب فما الدليل على تحريمه؟ نقول الدليل حديث بن عمر مرفوعاً (من شرب من إناء من ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم) رواه الدار القطني الحديث فيه شيء من الضعف لكن يقويه ما جاء في العلة التي سنذكرها ولوجود علة الخالص لأن الخالص الذي هو آنية الذهب والفضة علل بعدة علل لكن النص ورد (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) هذه علة واضحة بينه يمكن تعليق الحكم بها وإن علل كثير من الفقهاء بأن العلة هي بما فيه من السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء قد تكون هذه كذلك موجودة لكن مادام أن العلة منصوصة في الحديث السابق حينئذٍ يعلق الحكم بها ولذلك قال بن القيم رحمه الله تعالى (والصواب أن العلة ما يكسب القلب من استعمالها من الهيئة والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة ولهذا علل عليه الصلاة والسلام بأنها للكفار في الدنيا إذ ليس لهم نصيب في العبودية التي ينالونها بها في الآخرة) وهذا له وجهه وهو المعتمد إن شاء الله تعالى إذاً وجود هذه العلة في المضبب ثانياً: يقال المحرم مفسدة الشارع لا يأمر سواء كان أمر إيجاب أو أمر استحباب إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة ولا ينهى عن شيء نهي تحريم أو نهي تنزيه إلا عما فيه مفسدة خالصة أو راجحة حينئذٍ آنية الذهب والفضة فيها مفسدة ولا شك وإذا علق الحكم على كل حينئذٍ يصحبه ولو في أجزائه بمعنى أن الكل إذا حرك حينئذٍ التحريم يتبع أجزاءه فكل جزء من تلك الأجزاء هي محرمة فإذا نهي عن استعمال الكل حينئذٍ ينهى عن استعمال الأجزاء فكما أن الشارع نهى عن استعمال آنية الذهب والفضة الخالصة حينئذٍ كلما وجد شيء من الذهب والفضة ولو في إناء في أصله ليس من الذهب والفضة فالحكم واحد إذاً المحرم مفسدة فإن كان خالصاً فمفسدته خالصة وإن لم يكن خالصاً ففيه بقدر هذه المفسدة وتحريم الشيء مطلقاً يقتضي تحريم كل جزء منه النهي عن الشيء ما مطلقاً نهي عن بعضه وإذا نهى عن آنية الذهب حينئذٍ هو نهى عن بعض الذهب فإذا استعمل الخالص من الذهب في الأكل والشرب حينئذٍ ما تضمن الذهب ولو شيء يسير فحكمه واحد والنهي عن بعضه المحرم فإذا استعمل جزء من الإناء فقد استعمله كله فيكون مستعملاً للذهب والفضة، قال (ولو على أنثى) بمعنى أن هذا

الحكم عام في الذكور والإناث فلا يقال على أن الإجماع العملي دل على أن النساء يتزين بالذهب والفضة بالذهب الخالص نقول هذا إجماع عملي وهو مستثنى وما عدا التزين الحلي حينئذٍ يكون الحكم واحد في الذكور والإناث إذاً هذا الحكم إلا آنية ذهب وفضة ومضبباً بهما إنه يحرم اتخاذه واستعماله عام في الذكور والإناث لماذا؟ لعموم النصوص (لا تشربوا) الواو هذه من صيغ العموم فتعم الذكر والأنثى الكبير والصغير (ولا تأكلوا) الواو هذه صيغة عموم فتعم الذكر والأنثى كذلك الكبير والصغير حينئذٍ استويا في الحكم هل وجد مخصص يدل على جواز استعمال الإناث لآنية الذهب والفضة؟ الجواب لا إذاً يبقى على عمومه فالنصوص عامه (الذي يشرب في آنية الذهب) الذي هذا يعتبر من صيغ العموم إذاً قوله (ولو على أنثى) هذا للإدخال أو للإخراج؟ هذا للإدخال فالحكم عام يستوي فيه الذكور والإناث ولذلك قال الشارح للعموم الأخبار وعدم المخصص يعني لم يأتي نص يدل على التخصيص كما جاء في استعمال الحل وإنما أبيح التحلي للنساء لحاجتهن إلى التزين لزوج وهو محل إجماع أمهات المؤمنين قد تحلين بالذهب وحصل إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ نقول هذا محل إجماع بين الصحابة فضلاً عن غيرهم ثم، قال رحمه الله تعالى (وتصح الطهارة منها) هذا ينبني على ما سبق إذا تقرر أن آنية الذهب والفضة والمضبب بهما أو بأحدهما محرم الاستعمال مطلقاً في الأكل والشرب وفي غير الأكل والشرب من غير الأكل والشرب استعمال هذه الآنية في الطهارة سواء كانت الطهارة كبرى أو صغرى ما الحكم إذا استعملها الإناء محرم واستعماله محرم هل هذا الاستعمال يعود على طهارته بالبطلان بمعنى أنه لو توضأ من آنية ذهب أو فضة إناء من ذهب أخذ الماء وتوضأ ما حكم وضوؤه ما حكم غسله قال المصنف (وتصح الطهارة منها) والصحة حكم شرعي وهذا مذهب الجمهور (وتصح الطهارة منها) بأن يغترف منها ولذلك يقولون تصح منها وبها وفيها وإليها؛ منها بأن يغترف منها وبها بأن يجعلها آلة يأخذ بالإناء ويكون الإناء هو الذي وهذا إذا أغتسل غسلاً مثلاً حينئذٍ إذا أغترف بمغراف وهذا المغراف يكون مصنوعاً من ذهب خالص حينئذٍ نقول توضأ بها أو أغتسل بها وإليها بأن يجعلها مصباً كالمغاسل مثلاً إذا كانت من ذهب أو فضة حينئذٍ يتوضأ ويصل الماء إليها وفيها بأن يكون الإناء واسعاً فيدخل فيه ويغتسل هذا فيها وبها وإليها ومنها هذا الوجوه كلها عند المصنف رحمه الله تعالى يعتبر من الأمور التي يأثم بفعلها لأنه محرم الاستعمال لكن هذا الإثم لا يعود على الطهارة بالبطلان بل الطهارة صحيحة ولكنه مع الإثم ولذلك قال (وتصح الطهارة منها) أي من هذه الآنية وهي محرمة وكذلك الطهارة بها وفيها وإليها وعلتهم أن الإناء ليس شرط ولا ركن في العبادة حينئذٍ يقول فهذه الجهة منفكة الماء الذي في الإناء هذا مباح فإذا أخذه وتمضمض به حينئذٍ هذا الإناء ليس شرط داخلاً في مفهوم الوضوء بل الوضوء متصوراً دون الإناء حينئذٍ إذا كانت الجهة منفكة فنقول يأثم على استعماله لهذه الآنية مع كون الطهارة صحيحة والأصح أن يقال الطهارة لا تصح لماذا؟ لأن النهي عن الشيء يقتضي فساد المنهي عنه ولذلك قال

بعض أهل العلم لا تصح سواء توضأ منها أو بها أو فيها أو إليها واختاره أبو بكر القاضي والشيخ يعني ابن تيمية رحمه الله تعالى في المسألة المذكورة لأنه استعمل المحرم في العبادة يعني أتى بالعبادة على وجه محرم ومعلوم أن النهي يقتضي التحريم ويقتضي فساد المنهي عنه وإذا كان كذلك على الصحيح في هذه القاعدة بأن الحكم عام يعني يستوي في متحدة فيه الجهتان أو ما قيل بأن الجهة فيه منفكة فالحكم يعتبر واحد والدليل على هذه القاعدة هو عموم قوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني فهو مردود عليه حينئذٍ كل عمل ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود على صاحبه يعني من حيث الصحة الوجود الشرعي ومن حيث ما يترتب عليه الإثم وهذه المسألة ملحقة بما دل عليه هذا النص ثم إذا قيل بانفكاك الجهة لو أكل منها حينئذٍ نقول الأكلة التي أخذها هذه مباحة وهم لا يقولون بهذا واضح هذا فإذا قيل بأنه غمس يده في الماء وأخذ غرفة فوضعها ما حكم هذه الغرفة الماء هذا ما حكمه مباح الاستعمال أو محرم هم يقولون مباح وإنما استعمل الإناء وهو محرم نقول لو قيل بهذا لقلنا بأن الأكل الذي يكون في الإناء أخذ من الإناء الأكلة نفسها إذا وضعها في فمه نقول هذه مباحة وليست محرمة وليس الأمر كذلك بل هذا الأكل الذي وضعه في فمه يعتبر حراماً واستعماله للإناء يعتبر حراماً كذلك الماء إذا أخذه يعتبر حينئذٍ هذا الماء محرم فيكون قد استعمل ماء محرماً في طهارة فعاد عليه بالبطلان وهكذا الشأن في الماء المغصوب والماء المسروق والماء الموقوف فلا تصح به الطهارة لا صغرى ولا كبرى فإذا كان ثَمَّ ماء موقوف في طريق المسلمين وهو سبيل ما يعبر عنه بالسبيل توضأ منه لا تصح الطهارة لأنه ممنوع الاستعمال إلا في شيء واحد حينئذٍ الواقف يعتبر حكمه فأوقفه على الشرب فلا يتعدى استعماله فلو توضأ من هذه المياه فنقول الوضوء يعتبر باطلاً إذاً قوله (وتصح الطهارة منها) هذا هو المذهب والصحيح أنها لا تصح لما ذكرناه (إلا ضبة يسيرة من فضة لحاجة) هذا استثنى من قوله (ومضبباً بهما) المضبب قلنا هذا في الأصل أنه من خشب أو حديد أو صفر وضعت فيه ضبة هذه الضبة سلسة لإصلاح الإناء من فضة أو من ذهب سواء كانت كبيرة أو صغير لحاجة أو لغير حاجة استثنى نوع دل عليه الدليل وهو ما أشار إليه بقوله (إلا ضبة) حينئذٍ هذا مستثنى من المستثنى فيه خلاف عند النحاة والصواب جوازه حينئذٍ قال (إلا آنية ذهب وفضة ومضبباً) ثم قال (إلا ضبة) استثنى من المستثنى وهو جائز إذاً ما اشتمل على هذه الشروط يعتبر مستثنى من المضبب إذ الأصل في المضبب التحريم إلا نوع واحد وهو ما دل عليه النص جاء في حديث أنس رضي الله تعالى عنه (أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشَّعب سلسلة من فضة) الشِّعب أو الشَّعب سِلسِلة سَلسَلة من فضة يجوز فيه الكسر والفتح سلسلة بكسر السين القطعة وبالفتح المصدر فعلك أنت الإلحاق يسمى سلسلة أنت سلسلة هذا الإناء بهذه الفضة والسلسلة نفس القطعة تسمى سلسلة (قدح النبي) لا شك أن القدح صغير فحينئذٍ يروي رجلين وما يقاربهما (انكسر) وتكسر يعني انشق! ذاَ حصل له ظرف

فيحتاج إلى إصلاح (فاتخذ مكان الشعب) الصدع والشق الذي فيه (سلسلة من فضة) خص الفضة إذاً بهذه القيود نقول المضبب يجوز استعماله فيكون مستثنى مما سبق وهذه الشروط التي أخذها المصنف كلها مأخوذ منه (إلا ضبة) عرفنا الضبة الأصل فيه أنها من حديد ونحوه (يسيرة) لأن هذا هو الغالب لأنه قال (قدح النبي) قدح صغير في الأصل فإذا انكسر أو احتاج إلى شيء حينئذٍ يحتاج إلى شيء يسير لو انكسر من نصفه حينئذٍ انتفت الفائدة منه صار عديم الفائدة ولكن هذا فيه فائدة يمكن استعماله لكن لهذا الشق أو لهذا الانكسار لكونه يسيراً حينئذٍ أصلح بهذه الفضة فدل على أن الذي وضع يسيراً لا كثيراً (إلا ضبة يسيرة) لأن هذا هو الغالب في القدح وهو كونه يسيراً فإذا انكسر فلا يحتاج إلى شيء كثير والأصل التحريم فنقتصر على ما هو الغالب واليسير هنا ضد الكثير فحينئذٍ يكون المرجع هو العرف فما تعارف عليه الناس الأوساط بأن هذا يسير حينئذٍ اعتمد ليس فيه تشديد من حيث الكثرة أو القلة قد يكون يسيراً عند أناس كثيراً عند آخرين وإنما المعتبر أوساط الناس يعني الذي ليس عنده شكك ولا وسوسة (من فضة) يعني لا ذهب لأن النص جاء بذلك الأصل في استعمال الذهب هو التحريم في آنية الذهب والفضة والأصل في الفضة كذلك التحريم وكونه قال أنس من فضة دل على أنه ليس من ذهب إذاً الذهب سواء كان كثيراً أو يسيراً سواء كان لحاجة أو لا حينئذٍ لا يستعمل (من فضة لحاجة) إذا لم تكن ثَمَّ حاجة حينئذٍ لا يستعمل لأنه قال في الحديث (انكسر) إذاً احتاج إليه فإذا لم يحتج حينئذٍ لا يجوز استعمالها (إلا ضبة يسيرة) لا كبيرة (من فضة) لا من ذهب (لحاجة) لا لزينة دون حاجة، قال هنا الحاجة أن يتعلق بها غرض غير الزينة يعني كلما احتجت لهذه الضبة لكن بشرط ألا يكون من أجل التزين حينئذٍ تسمى حاجة أما إذا لم يوجد غير الفضة هذا لا يسمى حاجة وإنما يسمى ضرورة وإذا اضطر حتى إلى الذهب جاز وأما إذا لم يكن غير الفضة حينئذٍ صار ضرورة وليس حاجة فلا بأس بها حينئذٍ بهذه الشروط التي سبق ذكرها والنص واضح في الدلالة عليها، ثم قال (وتكره مباشرتها لغير حاجة) إذاً إذا ضبب الإناء بضبة يسيرة من فضة لحاجة استعمال هذا الإناء نقول جائز أو محرم؟ جائز بدلالة النص عليه طيب بقي شيء آخر وهو أنه قد تكون هذه الضبة في محل الشرب هل يتعطى الشرب من حيث هذه الضبة أو يتحاشاها ويتجنب الموضع التي تكون فيه الضبة الأصل مادام أنه جاز استعمال الضبة على ما سبق ولم ينقل في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يباشر هذه الضبة حينئذٍ نقول الأصل فيه العموم بمعنى أنه سواء احتاج إلى مباشرته أو لا الأصل فيه الجواز لأنه أطلقه في الحديث السابق ومادام أنه جاز حينئذٍ استعمالها ولو تعمد وضع شفتيه على هذا المحل نقول جائز بلا كراهة ولكن المصنف نظر إلى الأصل وهو كونها محرمة حينئذٍ اعتبر أن الحاجة مزيلة لتحريم فبقية المباشرة على وضع هو أدنى من الإباحة أو وسط بين الإباحة والتحريم والصواب أنه لا يراع هذا الأصل لأن الأصل صار في حكم المنسوخ في مثل هذا الموضع فنقول مادام أنه جاز أن يستعمل هذه الضبة اليسيرة من فضة لحاجة حينئذٍ سواء

باشرها بفمه شفتيه أو لا فالحكم سواء بل يباح له مباشرتها ولو لم يحتج إلى ذلك (وتكره مباشرتها) الكراهة حكم شرعي فيحتاج إلى دليل (مباشرتها) يعني مباشرة الضبة المباحة ومادام أنها مباحة لماذا نكره بل نبقى على الأصل مادامت أنها مباحة الاستعمال فكذلك حينئذٍ المباشرة مباحة لأنه ما بني على المباح فهو مباح هذا الأصل فيه حينئذٍ نحتاج إلى دليل وضح بين وليس ثَمَّ دليل إلا التعليل وفيه شيء من النظر (وتكره مباشرتها) مصدر باشره أي وليه بشفتيه (لغير حاجة) أما إذا احتاج وهذه قاعدة عندهم في المكروهات كلها في هذا المقام وفي غيره كل مكروه حكم بالكراهة إن احتاج إليه فهو مباح ترتفع الكراهة وهنا كذلك لغير حاجة تكره مباشرتها تكره لغير حاجة (لغير حاجة) متعلق بقوله (تكره) حينئذٍ إذا كانت ثَمَّ حاجة ارتفعت الكراهة قال هنا تعليلاً للحكم لأن فيه استعمالاً للفضة فكان ماذا إذاً الأصل هو التحريم لكن مادام أن الشرع دل على الجواز مثل هذه المسألة فالأصل الإباحة لكنهم راعوا الأصل مع الدليل حديث أنس فجعل للمباشرة حكماً وسطاً بين التحريم الذي هو الأصل والإباحة سلسلة الإناء قالوا الذي دل عليه هو كون الضبة توضع في هذا الإناء وليس فيه ما يدل على المباشرة لكن نقول المباشرة فرع عن استعمال الإناء فإذا جاز الإناء وهو مضبب والأصل فيه التحريم حينئذٍ مباشرتها لا وجه للقول بالكراهة والصواب هو الإباحة (لغير حاجة) لأن فيه استعمالاً للفضة فإذا احتاج إلى مباشرتها أبيحت بلا خلاف هذا الحكم ليس خاص بهذه المسألة بل هو عام ثم انتقل إلى مسألة أخرى وهي ما يتعلق بآنية الكفار قال المصنف رحمه الله تعالى ونحن في باب الآنية وأنت مسلم وتحتاج إلى طهارة في إناء حينئذٍ استعملت آنية المسلمين فالأصل أنها مباحة وأنها طاهرة وأما الكافر فالأصل فيه المجانبة والمباعدة حينئذٍ إذا استعمل إناء أو آنية الكفار هل هذا جائز أم لا؟ وإن جاز هل يجوز بكراهة أو بدون كراهة قال المصنف رحمه الله تعالى (وتباح) هذا حكم شرعي فيحتاج إلى دليل والدليل هنا هو استصحاب الأصل وعرفنا الأصل أنه الإباحة والطهارة (وتباح آنية الكفار) الكفار جمع كافر وأل هنا تفيد العموم بمعنى أنه سواء كان كافر أصلياً أو مرتداً سواء كان من أهل الكتاب أو من غيره فكل كافر وهو ما ليس بمسلم (تباح آنية الكفار) قال في الشرح إن لم تعلم نجاستها حينئذٍ نقول آنية الكفار وكذلك ثيابهم يعني ملابسهم هذه إن لم تستعمل فإن كانت مستوردة مصنوعة مثلاً قولاً واحداً بإباحتها وطهارتها إن غسلت بعد الاستعمال قولاً واحداً بطهارتها وإباحة استعمالها إذاً قبل الاستعمال بأن كانت جديدة مثلاً مباحة بالاتفاق وهي طاهرة بالاتفاق كذلك إذا استعملوها وغسلوها هي مباحة وطاهرة بالاتفاق ماذا بقي؟ بقي إذا استعملوها ولم تغسل حينئذٍ لها حالتان إما أن تعلم نجاستها أو لا إذا استعملوها أكلوا في أوانيهم وأردنا أن نتوضأ أو نأكل في هذه الآنية ما حكم هذه الآنية؟ نقول إن علمت نجاستها رأيت الخمر فيها أو الخنزير قولاً واحداً يحرم استعمالها إلا بعد غسلها يعني قبل الغسل محرم الاستعمال ماذا بقي؟ بقي إذا استعملوها ولم تعلم نجاستها

حينئذٍ تردد بين أصلين أو تعارض أصل وظاهر الأصل الإباحة والطاهرة والظاهر أنهم قد يباشرون النجاسات حينئذٍ نقول اليقين لا يزول بالشك فحكم عليه بكونها طاهرة مباحة واضح هذا ولذلك قال المصنف هنا (وتباح آنية الكفار) قال الشارح إن لم تعلم نجاستها فإن علمت نجاستها يقيناً حينئذٍ يحرم استعمالها قبل غسلها قال الماتن (ولو لم تحل ذبائحهم) هذا للإدخال أو للإخراج هذا للإدخال لأن قوله الكفار قلنا هذا عام يشمل أهل الكتاب وغير أهل الكتاب أهل الكتاب هذا جاء النص (طعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) وطعام هذا يشمل ماذا إذا أبيح الطعام ومنه ما هو مطبوخ هل سيقدم لك هذا الطعام بإناء أو بدون إناء لا شك أنه بإناء فإباحة الطعام دليل على إباحة الإناء وهذا وضح بين وما عدا أهل الكتاب حينئذٍ نقول نرجع إلى الأصل وهو الإباحة والطهارة (ولو لم تحل ذبائحهم) ولو هذه إشارة خلاف والمسألة فيها خلاف والصحيح ما ذكرناه (ولو لم تحل ذبائحهم) كالمجوس هؤلاء يعبدون النار وقيل الشمس والقمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة مزادة امرأة مشركة ولا شك أن المشركين ليسوا من أهل الكتاب وإن كان أهل الكتاب الصحيح أنهم مشركون لكن إذا أطلق الشرك فالأصل أنه ينصرف إلى عبدت الأوثان ونحوهم حينئذٍ نقول النبي صلى الله عليه وسلم كونه توضأ من مزادة امرأة مشركة وهي ليست من أهل الكتاب ولم تحل ذبائحهم دل على أن الأصل هو الإباحة (وثيابهم إن جهل حالها) يعني وتباح ثياب الكفار (ثيابهم) أي ثياب الكفار ولو ولية عوراتهم بمعنى أن ما يلي عورات الكفار وهو مظنة للنجاسة فإذا أبيح هذا النوع فما عده من العمامة وما علاه من الجسم أو كان أدنى من العورة يكون من باب أولى وأحرى وهنا كما ذكرنا في السابق أنه إن علمت نجاستها قولاً واحداً أنه لا يجوز استعمالها بل هي نجسة وإن لم تعلم حينئذٍ تردد بين أصل وظاهر فحينئذٍ يستصحب الأصل بأن اليقين لا يزول بالشك والأصل أنها طاهرة والأصل أنها مستصحب ولا نرتفع عنه إلا بشيء واضح بين وهذا منتفي حينئذٍ لو صلى مسلم في ثياب كافر لبس سروال كافر وصلى به ما حكم صلاته؟ نقول صحيحة لماذا؟ لكونه قد لبس شيء طاهراً وكون الكافر قد لبسه هذا لا يخرجه عن كونه طاهراً كما ذكرنا (إن جهل حالها) ولم تعلم نجاستها لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك وعليه إذا تقرر ذلك نقول هذا الحكم عام في المسلم وفي غيره وإنما نص على الكافر لأن الأصل أن الكافر قد يلابس النجاسة وإذا لابس المسلم بأن يكون فاسقاً وشرب الخمر مثلاً فالحكم واحد يستوي مع الكافر إن علمت النجاسة لم يجز استعماله لأنها نجسة يعني الكأس يعتبر نجس وإن لم يعلم ولو علمت أن ممن يلابس ويشرب الخمر فالأصل هو الطهارة فالحكم يكون عاماً إذاً ت (تباح آنية الكفار ولو لم تحل ذبائحهم وثيابهم إن جهل حالها) يعني حالها هل هي طاهرة أم نجسة أما إذا علم حالها بكونها طاهرة لم تلبس ولم تستعمل في أكل وشرب فقولاً واحداً بأنها مباحة طاهرة إن علم حالها بأنها نجسة حينئذٍ قولاً واحداً أنها محرمة نجسة إن جهل حالها لا تدري هل هي طاهرة أم نجسة؟ حينئذٍ الأصل الإباحة والطهارة، ثم قال المصنف رحمه الله

تعالى (ولا يطهر جلد ميتة بدباغ) انتقل إلى نوع من أنواع الأواني وهو ما يصنع من جلود الميتة هل يكون طاهرة هل يجوز استعماله الماء الذي وضع في هذا النوع هل يكون نجساً أم طاهراً ينبني على هذه المسألة، الميتة اسم لكل حيوان خرجت روحه بغير ذكاة وفي المصباح الميتة ما مات حتف أنفه أو قتل بطريقة غير مشروعة يعني كل ما لم يستوفي شروط الذكاة الشرعية أو مات بنفسه حتف أنفه سقط متردية ونطيحة ونحوها أو قتل بغير الطريقة الشرعية الصعق والكهرباء ونحو ذلك نقول هذا يعتبر ميتة والميتة اسم مسماه الحيوان ظاهراً وباطناً هذه فائدة مهمة الميتة اسم لفظ يعني يصدق على أي شيء يصدق على الحيوان الذي فقد روحه ظاهراً وباطناً يعني الجلد وما علا الجلد والعظم والأمعاء والدم كل ما يصدق عليه أو يكون جزء للحيوان فالميتة صادق عليه حينئذٍ الأصل في الجلد أنه محرم والأصل الشعر والوبر ونحو ذلك الأصل فيه أنه محرم سيأتي الدليل على استثناه والأصل في عظمه ولبنه يعني لبن الميتة وعظمها وقرنها أنها محرمة ونجسة قال الله تعالى (حرمت عليكم الميتة) والميتة قلنا يصدق على الحيوان ظاهراً وباطناً حينئذٍ الجلد جزء من الميتة فهو محرم وقال هناك (إلا أن يكون ميتة أو دم مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس) وعرفنا أن الميتة اسم للحيوان مسماه ظاهراً وباطناً حينئذٍ نقول كل جزء من أجزاء الميتة فهو نجس فالأصل في الجلد أنه نجس الأصل في لبن الميتة لأنه داخل في مسماها أنه نجس والأصل في عظم الميتة أنه نجس وهكذا بهذه القاعدة وهو أن لفظ الميتة يصدق على الحيوان كله ظاهراً وباطناً وجاء التحريم بالدليل بقوله (حرمت عليكم الميتة) وجاء الدليل بالتنجيس (إلا أن يكون ميتة) ثم قال (فإنه رجس) قال هنا (جلد ميتة) (ولا يطهر جلد ميتة بدباغ) عرفنا في أول كتاب الطهارة أنه ما يحصل به الطهارة أربعة أشياء الماء والتراب والدابغ والحجر هذه أربعة أشياء الدابغ هو الذي عناه هنا (بدباغ) والدباغ هو ما يدبغ به من قرض وغيره ينزع به فضول الجلد من لحم ودم ونحوهما مما يعفنه ويمنع النتن والفساد يعني أشبه ما يكون بأداة لتنظيف الجلد وهذا يختلف من زمن إلى زمن قد يكون في السابق يتخذ ورق من الشجر يتخذ الملح مثلاً ونحو ذلك يوضع في الشمس هذا فيما سبق وقد يكون ثَمَّ ما هو موجد في العصر الحديث من الأدوات المطهرة حينئذٍ نسميه دابغ لأن الدبغ يختلف من عصر إلى عصر المراد أن هذا الجلد يزال منه النتن والفساد ولا يعلق به شيء من الدم أو اللحم ونحو ذلك هذا كما ذكرنا يختلف من زمن إلى زمن آخر حينئذٍ الدبغ هو تنظيف الجلد من الأذى والقذر بواسطة مواد تضاف إلى الماء قال المصنف (ولا يطهر جلد ميتة بدباغ) عرفنا الميتة نجسة وجلدها جزء منها إذاً جلد الميتة نجس وهذا محل وفاق محل إجماع أن جلد الميتة قبل الدبغ أنه نجس فإذا دبغ هل يطهر أو لا يطهر محل خلاف والمذهب عند الحنابلة أنه لا يطهر مطلقاً حينئذٍ كل جلد ميتة إذا دبغ وضع عليه مواد من أجل تنظيفه فحكمه أنه نجس وهذا الدبغ الذي حصل والتنظيف الذي حصل قالوا هذا ليكسبه ولا يفيده الطهارة بل يبقى على أصله ما دليل؟ قالوا حديث عبدالله بن عكيم قال: (أتانا

كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر أو شهرين ألا تنتفعوا من الميتة بإيهاب ولا عصب) رواه الخمسة ولم يذكر التوقيت غير أبي داوود وأحمد وقال الإمام أحمد ما أصلح إسناده وقال حديث ابن عكيم أصحها ورواه عن يحي بن سعيد الأنصاري عن شعبة عن الحكم عن بن أبي ليلى عن عبدالله وفي رواية الطبراني ودار القطني (كنت قد رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاء كتاب هذا إلى آخر الحديث) وهو دال على سبق الرخصة اعتماداً على هذا النص (لا تنتفعوا من الميتة بإيهاب ولا عصب) وقال (قبل وفاته بشهر أو شهرين) وقال (وكنت قد رخصة لكم) فدل على أنه أذن أولاً ثم بعد ذلك منع حينئذٍ يعتبر ناسخاً لحديث ميمونة وحديث ابن عباس إلى آخر ما ورد ولذلك المذهب المعتمد عند الحنابلة أنه لا يطهر جلد ميتة بدباغ بناء على هذا النص والصحيح أن يقال بأنه يطهر جلد ميتة بشرط أن تكون هذه الميتة طاهرة في الحياة يعني في حال الحياة وهذا الحديث حديث ابن عكيم يعتبر حديث معلول مضطرباً ضعيف وإن صح فحينئذٍ قوله (ولا تنتفعوا من الميتة بإيهاب) الإيهاب اسم للجلد قبل الدبغ وهذا محل وفاق ألا تنتفعوا من الميتة بإيهاب كأنه قال الإيهاب الذي هو جلد الميتة قبل الدبغ لا تنتفعوا به فيكون نصاً في تحريم استعمال الجلد قبل دبغه وهذا لا خلاف فيه هذا إن صح الحديث يحمل على أن الإيهاب اسم للجلد قبل الدبغ يدل عليه حديث ابن عباس (أيما إيهاب دبغ) دل على أن الإيهاب اسم للجلد قبل الدبغ وهذا عليه محققو هل اللغة حينئذٍ يكون المعتمد ما رواه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لقوله صلى الله عليه وسلم (هل أخذتم إيهابها فدبغتموه) رواه مسلم وغيره كذلك حديث ميمونة (إنها ميتة قال يطهره الماء والقرض) وهو ورق شجر تدبغ به الجلود وكذلك حديث (دباغ الأديم طهوره) هذا كله يعتبر متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم منه ما هو في الصحيح ومنه ما هو صح سنده حينئذٍ يكون مقدم على ما جاء في حديث عبدالله بن عكيم إن صح وقلنا هو حديث ضعيف معلول مضطرب حينئذٍ لا إشكال لا يعارض هذه النصوص حينئذٍ يصح أن يقال بأن الصحيح أن جلد الميتة إذا دبغناه حينئذٍ يكون الجلد طاهراً وإذا كان طاهراً جاز استعماله في اليابسات والمائعات على الصحيح (ولا يطهر جلد ميتة بدباغ) قال الشارح روي عن عمر وابنه وعائشة وعمران بن حصين رضي الله تعالى عنهم استناداً إلى النص السابق وثَمَّ رواية عن الإمام أحمد بما ذكرناه وهو أنه يطهر جلد الميتة ما كان طاهراً في حال الحياة ونقل جماعة أنها آخر قولي أحمد بمعنى أنه قال أولاً أنه لا يطهر جلد ميتة بدباغ ثم رجع عن قوله فقال أنه يطهر جلد الميتة بالدباغ بشرط أن تكون الميتة طاهرة في حال الحياة حينئذٍ يكون آخر قولي الإمام أحمد هو القول بكون هذا الجلد قد طهر بالدبغ وهذا لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أيما إيهاب دبغ فقد طهر) (أيما) هذه تعتبر من صيغ العموم لأنها شرطية و (إيهاب) هذه نكرة في سياق الشرط حينئذٍ يعم كل إيهاب كل جلد (فقد طهر) قد هذه للتحقيق الحديث رواه مسلم وهو يتناول المأكول وغيره يعني لا يشترط في جلد الميتة مما تحله الذكاة يعني ما كان حلالاً أكله إذا ذكي على

الطريقة الشرعية وما لم يكن كذلك فحينئذٍ نقول الأصل فيه أنه نجس الصواب أن النص عام (أيما إيهاب دبغ) هذا يشمل مأكول اللحم كالشاة إذا ماتت نأخذ جلدها فندبغه فيطهر وكذلك ما لم يكن مأكول اللحم كالهر مثلاً حينئذٍ إذا أخذنا جلده فدبغ نقول هذا طاهر في حال الحياة وإن لم يكن مأكولاً فهو داخل في هذا النص (أيما إيهاب دبغ فقد طهر) يتناول المأكول وغيره والطاهر وغيره لكن نستثني النجس ما كان نجس في حال الحياة كالسباع ونحوها لأن النصوص وردة بالنهي الخاص عنها ولذلك جاء في حديث نهى الرسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي داوود (نهى عن ركوب النمور ونهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها) وروى الترمذي (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن افتراش جلود السباع) هذا يدل على أنها غير مستعمله وإذا لم يكن كذلك عدة هذه النصوص كالمخصصة لهذا النص فيقال (أيما إيهاب دبغ) يحمل على عمومه ويستثنى ما كان نجس في حال الحياة فيختص الحديث بماذا؟ بما كان طاهراً في حال الحياة، وأما حديث (ذكاة الأديم دباغه) وهذا استفاد بعضهم بأن هذا فيه إشارة إلى أن ما كان مأكول اللحم هو الذي ينفع فيه الدبغ وما لم يكن كذلك ولو كان طاهراً في الحياة نقول هذا لا يدل على ما ذكر لأن اللفظ هنا استعمل في مجازه لأن الحديث يحتمل ماذا؟ يحتمل أنه أراد بالذكاة التطييب من قوله رائحة ذكية أي طيبة وهذا يطيب الجميع ويدل على هذا أنه أضاف الذكاة إلى الجلد خاصة والذي يختص به الجلد هو تطيبه وطهارته وأما الذكاة أو الذبح فلا تضاف إلا إلى الحيوان كله إذاً ما جاء في حديث (ذكاة الأديم دباغه) هذا لا يعتبر مخصصاً ويحمل النص (أيما إيهاب دبغ فقد طهر) على مأكول اللحم بل نقول هذا عام وهذا النص محتمل وإذا كان محتملاً حينئذٍ ضعف الاستدلال إذاً الحاصل أن المذهب لا يطهر جلد ميتة بدباغ مطلقاً سواء كان طاهراً في الحياة أو مأكول اللحم أو نجس والصحيح أنه يطهر جلد الميتة بالدباغ بشرط أن تكون الميتة طاهرة في حال الحياة ولا يشترط أن تكون من مأكول اللحم كما قاله بعض الفقهاء، ثم قال المصنف (ويباح استعماله بعد الدبغ في يابس) يعني إذا دبغ في المذهب ما حكمه نجس أم طاهر؟ نجس كما هو هل يجوز استعماله؟ يعني هل يجوز الانتفاع به وهو نجس؟ أما المائعات فقولاً واحداً في المذهب لا يصح لماذا؟ لأنه ينجس الماء لأن الماء بمجرد الملاقاة تنجس بهذا الجلد وهو نجس لأنه نجس وإذا وضع فيه الماء مباشرة تنجس الماء إذاً لا يجوز استعماله في المائعات أما اليابسات فالقاعدة عندهم أنه ليس بين جافين نجاسة يعني لابد أن يكون بين رطبين أو يابس ورطب أما يابس مع يابس هذا ليس بينهما نجاسة يعني لا تنتقل لو مسك شيء نجس بيده ومسه لا تنتقل النجاسة إلا إذا كانت يده رطبة أو كانت النجاسة نفسها رطبة حينئذٍ إذا تقرر بأن الجلد إذا دبغ لا يخرج بالدبغ عن كونه نجساً حينئذٍ إذا وضع فيه شيء يابس لا تنتقل النجاسة ولذلك قال هنا (ويباح) هذه إباحة وهو المذهب مع القول بنجاسته بعد الدبغ أي استعمال الجلد بعد الدبغ لا قبل ولا حين أما قبله فمحل وفاق وأما حينه فحينئذٍ اليابس مع الرطب انتقلت النجاسة فلا يعتبر بعد الدبغ فيجوز

الانتفاع به حينئذٍ لقوله صلى الله عليه وسلم (ألا أخذوا إيهابها فانتفعوا به) إذاً النبي صلى الله عليه وسلم أم بالانتفاع، كيف ينتفع به؟ قالوا هذا الحديث يحمل على ما إذا دبغ الجلد مع الحكم بنجاسته بأنه ينتفع به بما لا تنتقل النجاسة الشيء الموضوع في ذلك الجلد وهو اليابس وفي لفظ (ألا أخذوا إيهابها فدبغوه فانتفعوا به) فدل هذا النص على أنه يجوز الانتفاع بالإيهاب بعد الدبغ في يابس، (في يابس) له مفهوم وهو متعلق بقول (يباح) وهو أنه لا يجوز استعماله في غير اليابسات كالمائعات ونحوها سواء كان ماء أو شيء كالتمر مثلاًً وهو رطب لا يجوز استعمال هذا الجلد النجس في هذه المائعات (ويباح استعماله بعد الدبغ في يابس) قال الشارح هنا بعد الدبغ بطاهر منشف للخبث قال في الرعاية ولا بد فيه من زوال الرائحة الخبيثة بمعنى أنه يشترط فيما يدبغ به أن يكون منشفاً للرطوبة بمعنى أنها لا تبقى لأن علة النجاسة هي كونه رطب حينئذٍ يشترط فيما ينخل به الحكم من عدم جواز الاستعمال إلى جواز الاستعمال مع كونه نجساً في الحالين على ما ذهب إليه المصنف أن يكون هذا الدابغ منشفاً للرطوبة منقياً للخبث بحيث لو نقع الجلد بعده في الماء لم يفسد وزاد ابن عقيل أن يكون قاطعاً للرائحة والسبوكة ولا يظهر منه رائحة ولا طعم ولا لون خبيث إذ انتفع به بعد دبغه في المائعات، على كل المراد هنا أنه لابد من إزالت النتن والفساد من الجلد بأي وسيلة كانت، قال (من حيوان طاهر في الحياة) يعني هذا متعلق بالمسألة السابقة (يباح استعماله) أي استعمال الجلد إذا كان من ميتة وهذا الحيوان طاهر في الحياة وأما النجس في الحياة كما ذكرنا النصوص وردة على النهي عن استعمال جلود النمور ونحوها فدل على أنه لو دبغت هذه الجلود لم ينتفع بها مطلقاً لأن الجلوس عليها هذا انتفاع به في اليابسات (من حيوان طاهر في الحياة) يعني في حال الحياة حكمنا عليه بكونه طاهراً فلما مات صار ميتة حينئذٍ نقول صار نجساً والطاهر في الحياة على المذهب أربعة: مأكول اللحم هذا محل وفاق، من الهر فأقل وهذا سيأتي بحثه لحديث (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم)، ثالثاً ما لا نفس له سائلة، رابعاً الآدمي لكن الآدمي لا يجوز اتخاذ الآنية من جلده أو من عظمه لأنه محرم لحرمته وهذا محل إجماع، إذاً الطاهر في حال الحياة أربعة على المذهب مأكول اللحم، من الهر فأقل، ما لا نفس له سائلة، الآدمي، ولذلك قال الشارح مأكولاً كان كالشاة أو لا كالهر حينئذٍ إذا مات هر ما حكمه نقول نجس في حال الحياة هو طاهر بالنص (إنها ليست بنجس) حينئذٍ إذا مات هر نحكم عليه بكونه نجس أخذنا جلده فدبغناه على المذهب لا يطهر هل يجوز استعماله؟ نعم في اليابسات، هل تحقق فيه الشرط؟ نعم هو من حيوان طاهر في الحياة وعلى الصحيح أنه يطهر مطلقاً سواء كان من مأمول اللحم أو لا، ولذلك قال هنا أما جلود السباع كالذئب ونحوه مما خلقته أكبر من الهر فهذا منهي عنه لا يصح ولا يؤكل فلا يباح دبغه ولا استعماله قبل الدبغ ولا بعده ولا يصح بيعه وعليه ما قد يكون الآن مثلاً قد تصنع بعض الحقائب من جلود الميتة وقد تصنع بعض الساعات إستيك مثلاً من جلود الحيات أو

يصنع النعل مثلاً من جلود النمور ونحوها فالحكم ينزل على ما ذكرناه إن كان من نجس في حال الحياة فلا يجوز استعماله لا بيعها ولا شراؤها ولا استعمالها وإن كان من طاهر في الحياة حينئذٍ نقول الأصل أنه يجوز فإذا صلى بساعة وقد صنع هذا الإستيك مثلاً من حيوان نجس حينئذٍ فيه خلاف بين أهل العلم هل صلاته صحيحة أم باطلة لأنه استعمل النجاسة مع العلم به كذلك لو حملت امرأة حقيبة وهي مصنوعة من جلد نجس في حال الحياة الحكم واحد كذلك ما يسمى بالجاعد ما يجلس عليه نقول هذا قد يصنع من نجس إن صنع من طاهر في حال الحياة لا شك أنه طاهر فلو صلى عليه صلاته صحيحة على المذهب لا تصح إذاً ضبط هذه المسألة لابد من استيعابها وجميع وجوها لأنها مهمة ولذلك بسط القول فيها، ثم قال (ولبنها وكل أجزائها نجسة) لم نص المصنف على اللبن وكل أجزائها لأن بعض الفقهاء استثنى قال اللبن هذا يجوز ليس بنجس له شربه ولو كان من ميتة وبعضهم استثنى عظم الميتة حينئذٍ نحتاج إلى دليل من الذي يطالب بالدليل؟ هل القائل بأن اللبن طاهر أم نجس هل القائل بأن العظم طاهر أم نجس؟ على الأصل السابق إذا قلنا أن الميتة اسم للحيوان ظاهراً وباطناً وقد حكم الله بالتحريم والتنجيس إذاً من قال بأن اللبن طاهر يحتاج إلى دليل من قال بأنه نجس لا يحتاج إلى دليل من قال أن عظم الميتة نجس لا يحتاج إلى دليل لأنه الأصل ومن قال بأنه طاهر احتاج إلى دليل ولذلك في هذه المسائل التي ذكرها المصنف الصحيح ما ذهب إليه المصنف رحمه الله تعالى بأن اللبن نجس وبأن كل أجزاء الميتة إلا ما استثناه من الشعر ونحوه لورود النص فحينئذٍ يعتبر نجساً لعموم النص وليس ثَمَّ ما يدل على التخصيص ومن قال بأن اللبن طاهر يحتاج إلى أن يبرز دليل واضح بين يعتبر مخصصاً للدليل السابق أو الإطلاق التقيد ومن قال بأن عظم الميتة طاهر وليس بنجس لأنه لا تحله الحياة ونحو ذلك نقول هذا اجتهاد مقابل للنص حينئذٍ يكون فاسد الاعتبار فلا يعول عليه (ولبنها) أي لبن الميتة (وكل أجزائها) كقرنها وظلفها وعصبها وعظمها وحافرها وانفحتها وجلدتها نجسة فلا يصح بيعها ولا شرب اللبن ونحو ذلك ولذلك سئل ابن عباس عن الجبن يصنع فيه أنافح الميتة فقال لا تأكلوه رواه سعيد بن منصور وقال ابن مسعود لا تأكلوا من الجبن إلا ما صنع المسلمون وأهل الكتاب رواه البيهقي ولأنه مائع في وعاء نجس الأصل الجلد نجس تنجس بمجرد الموت وقد سبق معنا أن الصحيح أن المائعات ومنها الماء بمجرد ملاقاة النجاسة أنه ينجس (وكل أجزائها) ودخل فيه العظم لأن أبا حنيفة رحمه الله تعالى يستثني العظم وهو نجس لقوله (حرمت عليكم الميتة) والعظم من جملتها فيكون محرماً وتحله الحياة خلافاً لما ادعاه البعض بأنه لا تحله الحياة لقوله تعالى (قل من يحي العظام وهي رميم) وما يحيا فهو يموت ولأن دليل الحياة الإحساس والألم والألم في العظم أشد منه في اللحم والجلد وكذلك الضرس يتألم به الإنسان ويحس ببرد الماء وحرارته وما تحله الحياة يحلها ويحله الموت فدل على أنه داخل في المسمى السابق (غير شعر ونحوه) نحو (غير شعر) هذا استثناء (ونحوه) يعني ونحو الشعر والشعر يكون للمعز والبقر ونحوه

كالصوف وهو للغنم والوبر للإبل والريش للطيور من طاهر في الحياة فلا ينجس بالموت هذا نحتاج إلى دليل لأن النص السابق عام وهو (حرمت عليكم الميتة) ومن جملتها الشعر وما ذكر معه (إلا أن يكون ميتة) ثم قال (فإنه رجس) دل على الميتة وبأجزائها ومنه الشعر ونحوه أنه نجس فنحتاج إلى دليل يستثني نقول الدليل قوله تعالى (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين) والآية هنا سيقت مساق الامتنان فالظاهر حينئذٍ شمولها في حالتي الحياة والموت فيه عموم والريش مقيس على الثلاثة لأنه نص على الأصواف والأوبار والأشعار ولم يذكر الريش حينئذٍ مقيس على ما ذكر من هذه الثلاثة إذاً (غير شعر ونحوه) نقول هذا طاهر بدلالة النص وعليه تكون ماذا؟ الميتة ثلاثة أقسام: نجس لا يطهر بحال، ونجس يطهر بالدبغ، وطاهر، الميتة صارت ثلاثة أجزاء: نجس لا يطهر بحال مثل ماذا؟ كل الميتة ما عدا الجلد، نجس يطهر بالدبغ وهو الجلد على جهة الخصوص، طاهر وهو الوبر وما عطف عليه، ثم قال رحمه الله تعالى خاتماً للباب (وما أبين من حي فهو كميتته) (ما أبين) يعني والذي فصل قطع (من حي) يعني من حيوان حي ما حكمه قطعت رجل شاة وهي باقية كما هي ما حكم هذا الجزء من الشاة حكمه حكم ميتتها، ميتتها لو ماتت نجسة لو ماتت الشاة فهي نجسة إذاً حكم هذا الجزء نجس كذلك لو قطع من الآدمي شيء فحكمه أنه طاهر كذلك من السمك من الجراد لأن ميتة هذه الثلاثة تعتبر طاهرة فما أبين منه فحكمه حكم ميتة ما أبين منه يعني ما قطع فحكم اليد التي تنفصل عن الآدمي بأن هذه اليد طاهرة وليست نجسة لأن الآدمي إذا مات فهو طاهر على الصحيح سواء كان مسلماً أو كافراً وكذلك الجراد والسمك وأما الجمل ونحوه فإذا أبين شيء منه حينئذٍ نقول الأصل فيه أنه نجس (وأما أبين) أي فصل من حيوان (حي فهو كميتته) طاهرة ونجاسة وحل وحرمة فما قطع من السمك فهو طاهر وما قطع من بهيمة الأنعام مع بقاء حياتها فهو نجس لحديث (ما يقطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب، قال المصنف غير مسك وفأرته يعني ما لم تكن الإبانة بالطبع الإبانة إذا كانت بالطبع كالمسك وفأرته أو تكن الإبانة ذكاة له كالطريدة حينئذٍ تكون مستثناه هذا يأتي بحثها في كتاب الصيد كما قال المصنف رحمه الله تعالى إذاً ختم الباب بهذه ويعتبر نصاً نبوياً وكذلك هو قاعدة عامة والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأجمعين

4

عناصر الدرس * باب الاستنجاء: معنى الاستنجاء لغةً، واصطلاحًا. * الشروع في المستحبات عند دخول الخلاء بقوله: يستحب عند دخول الخلاء قول: بسم الله". * قوله: "واعتماده على رجله اليسرى" لدليل، وتعليل، والصحيح في هذه المسألة. * قوله: "وبعده في فضاء واستتاره"، والحكمة من ذلك. * قوله: "وارتياده لبوله مكانًا رخوًا" هذا الأدب محل وفاق عند أهل العلم. * شروعه في ذكر ما يكره بقوله: "ويكره دخوله بشيء فيه ذكر الله"، والصحيح في المسالة. * هل يكره الكلام في الخلاء؟ * شروعه في محرمات الخلاء بقوله: "ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في غير بنيان". * قوله: "وبوله في شق ونحوه". * قوله: "وبوله في طريق وظل نافع، وتحت شجرة عليها ثمرة". الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فنبدأ بالشرح الميسر على الزاد قد وقفنا على قول المصنف رحمه الله تعالى (باب الاستنجاء) عندما أنهى بتعريف الطهارة وأحكام المياه ثنى بباب الآنية لما ذكر الماء ذكر ظرفه لما كانت الطهارة على نوعين طهارة صغرى وهي الوضوء وطهارة كبرى وهي الغسل من الجنابة ونحوها من الحدث الأكبر شرع في بيان ما يتقدم الطهارة الصغرى وهو أحكام الطهارة الصغرى وهو أحكام الاستنجاء والاستجمار وكما سيأتي قول المصنف (ولا يصح قبله وضوء ولا تيمم) إذاً قبل الشروع في مفسدات أو نواقض الوضوء وصفة الطهارة الصغرى حينئذٍ لابد من بيان ما يتعلق بالشرط المقدم على صحة الوضوء ولا شك أن العلم بالشرط مقدم على العلم بالمشروط وقال رحمه الله تعالى (باب الاستنجاء) ويذكر في هذا الباب جملة من الآداب - الآداب جمع أدب - ولا يشترط في الآداب أن تكون مستحبة مسنونة وقد يكون الأدب فعلاً وقد يكون تركاً حينئذٍ إذا كان فعلاً قد يكون مطلوباً طلباً جازماً وقد لا يكون كذلك فانتظم تحت هذا النوعين الواجب والمندوب وقد يكون طلب ترك وهذا قد يكون جازماً وقد يكون غير جازم فندرج في هذا النوع المحرم والمكروه حينئذٍ قد يكون الأدب واجباً وقد يكون مستحباً وقد يكون مكروهاً وقد يكون محرماً سيذكرها المصنف على هذا النحو، (باب الاستنجاء) الاستنجاء استفعال من النجو الأصل فيه من قوله نجوة الشجرة أي قطعتها فكأنه قطع الأذى عنه باستعمال الماء والحجر قطعت الشجرة نجوة الشجرة أي قطعتها فكأن الذي أراد أن يستنجي ويزيل النجاسة عنه قال كأنه قطع الأذى عنه باستعمال الماء والحجر وهذا مشهور عند أهل اللغة كما أنه مشهور عند الفقهاء ولذلك قال في القاموس واستطاب استنجاء فأطاب لأن الاستنجاء والاستطابة بمعنى واحد ولذلك بعضهم يعنون بالاستنجاء وبعضهم بآداب التخلي وبعضهم بالاستطابة والحدث والعناوين مختلفة والفرق بينها من جهة المعنى اللغوي وأما المعنى الشرعي فهو واحد إذاً الاستنجاء استفعال من النجو واستنجاء طلب نجوه أي قطعه وأما في الروض هنا عرفه بقوله (إزالت خارج من سبيل بماء أو إزالت حكمه بحجر ونحوه) وهذا بناء منه على أن الاستجمار لا يعد من المطهرات ثَمَّ خلاف بين أهل العلم هل الاستجمار مطهر أو لا؟ المذهب لا يطهر لأنه كما سبق (لا ويرفع الحدث ولا يزيل النجس الطارئ غيره) يعني غير الماء الطهور فكل مائع غير الماء الطهور لا يعتبر مزيل للنجاسة حينئذٍ إذا خرج البول منه هذا نجاسة وإذا خرج الغائط منه هذا نجاسة فإذا أزالها بالحجر فقد أزالها بغير الماء حينئذٍ يكون هذا من باب الرخص ويحكم على المحل بأنه نجس في الأصل لذلك قال (أو إزالت حكمه) يعني حكم الخارج من السبيل بهذا الحجر أو نحوه حينئذٍ يحكم على المحل بكونه نجس من حيث البقاء الأثر وأما من كون ما يترتب عليه من الأحكام الشرعية كالصلاة نحوها حينئذٍ يرخص له بفعل هذا الاستجمار والصحيح أنه مطهر ولذلك الأولى أن يعبر بأنه (إزالت خارج من سبيل بماء أو حجر) ولا نقول إزالت حكمه بل إزالت

خارج من سبيل بماء أو حجر فينوع بين النوعين الماء والحجر وهنا قلنا الحجر مطهر لأنه جاء في السنة ما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الروث والعظم (إنهما لا يطهران) (إنهما - أي الروث والعظم - لا يطهران) مفهومه أن غير الروث والعظم يطهران فدل على أنه مطهر ويحكم على المحل بكونه طاهر وبان الأثر الباقي بعد إزالت شيء من النجاسة الذي لا يزيله إلا الماء كما سيأتي حينئذٍ نحكم عليه بأنه طاهر مطلقاً ينبني على الخلاف هل ومطهر أو لا؟ لو عرق المحل ثم سال العرق فأصاب الثوب ماذا نحكم على الثوب وقد رأيت لون العذرة مثلاً؟ من قال أنه لا يطهر حكم عليه بأنه نجس لأنه إنما حكم عليه بطهارته في محله فإذا تعدى المحل رجعنا إلى الأصل ومن قال مطهر حكمنا على هذا الثوب بأنه طاهر وهذا الصحيح الذي دلت عليه السنة ودائماً نقول إذا جاءت أصول وأصلنها حينئذٍ إذا جاء ما يخالفها حينئذٍ نقول هذا مستثنى ولا نجعله معارضاً للأصل ونقول الأصل أن النجاسة لا تزال إلا بالماء الطهور وأما الماء الطاهر والنجس فلا يزيل كل منهما النجاسة فإذا جاء ما يدل على زوال النجاسة وإزالتها والحكم بالطهارة من السنة أو القرآن حكمنا عليه في موضعه ولا نجعل هذا تعارض يتعارض مع ذاك نقول هذا الأصل وهذا خارج عنه بدليل وما خرج عنه بدليل يعتبر مستثنى وإذا كان كذلك حينئذٍ غيره عليه لا ينقاس كما يقول بعض الأصوليين إذاً (إزالت خارج) إزالت هذا لا مفهوم له يعني لو قال زوال أو إزالت لا يشترط فعل وفاعل (إزالت الخارج) الخارج أطلقه المصنف هنا بناء على المذهب فيشمل النادر والمعتاد والرطب واليابس والطاهر والنجس كل خارج ولذلك سيأتي (ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الريح) فلا يستثنى إلا الريح هذا الصحيح في المذهب وإن كان المرجح بأن الطاهر لا يجب الاستنجاء أو الاستجمار منه وأما النجس الغير ملوث فهذا محل نزاع بين أهل العلم وأما قوله هنا - من أجل نشرح المذهب - (إزالت الخارج) هذا عام يشمل النادر والمعتاد، المعتاد كالبول والغائط والنادر كالحصى والدود والشعر لو خرج من الدبر هل يجب الاستجمار له أو الاستنجاء هذا محل خلاف بين أهل العلم والصحيح أن الأدلة عامة فتشمل ما كان معتاداً وما كان نادراً فالأصل المعتاد أنه يخرج منه بول أو غائط إذا خرج دود حينئذٍ نقول الأصل أن الأدلة عامة فتبقى على عمومها (الخارج من سبيل) المراد به هنا الطريق يذكر ويؤنث والمراد به طريق البول والغائط يعني القبل أو الدبر (من سبيل) أي من قبل أو من دبر لأن الاستنجاء والاستجمار إنما ورد في هذا الموضع حينئذٍ يشترط في هذا السبيل أن يكون أصلياً بمعنى القبل المعروف والدبر المعروف حينئذٍ لو فتح له فتحة في غير الموضع وخرج منه بول أو الغائط لا يأخذ حكم القبل والدبر لماذا؟ لأن الاستنجاء والاستجمار إنما ورد فهذين الموضعين فحسب وما عداهما في فتحة فوق السرة أو دونها حينئذٍ نقول هذا يعتبر من باب إزالت النجاسة ولذلك إذا مس الذكر مباشرة وهو متوضأ نقول بطلت طهارتك على الصحيح حينئذٍ لو مس هذه الفتحة التي فتحت ولم تكن ثَمَّ قبلاً أو دبراً حكمنا على الوضوء بأنه صحيح والفرق بينهما أن النص جاء في القبل

الذكر ولم يرد في الفتحة وليس لها أحكام متعلقة ما إذا انسد المخرج المعتاد وانفتح آخر إذاً (من سبيل أصلي) خرج به غير الأصلي فيما إذا انسد المعتاد وانفتح آخر حينئذٍ لم يجزئ فيه الاستجمار إزالت النجاسة تكون بالماء على الأصل وأما استخدام الأحجار لا يجزئ لماذا؟ لأن الرخصة إنما وردت في القبل أو الدبر وغير السبيلين لا يقاس عليهما ألبته لأنه من باب الرخص (أو إزالت حكمه) أي حكم الخارج من سبيل (بحجر ونحوه) ونحو الحجر كما سيأتي بيانه، إذاً هذا هو حقيقة الاستنجاء أو الاستجمار كل منهما بمعنى واحد إلا أن الغالب أن ما استعمل فيه الماء يسمى استنجاء وما استعمل فيه الحجر ونحوه يسمى استجماراً قد يطلق على الثاني استنجاء (أو إزالت حكمه) قلنا الصحيح أنه مطهر حينئذٍ نقول (إزالت الخارج من سبيل بماء أو حجر) شرع المصنف رحمه الله تعالى في ذكر المستحبات فقال رحمه الله تعالى يعني من الآداب التي يستحب لمن أراد التخلي أن يأتي بها إما قوله أو فعله فقال رحمه الله تعالى (يستحب) والاستحباب والسنة والفضيلة والتطوع والندب كلها على الصحيح ألفاظ مترادفة (فضيلة والندب والذي استحب ... ترادفت) هذا هو الصحيح أما التفرقة التي تحصل عند الفقهاء أو عند الأصوليين بأن السنة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة ولم يتكرر إلى آخره كلها هذه مصطلحات محدثة يعني اصطلاحات خاصة ببعض المذاهب وليست هي مبنية على تأصيل الأحكام الشرعية حينئذٍ نقول كل ما قيل بأنه مستحب فهو مندوب فعبر المصنف هنا بقوله (يستحب) وعبر غيره كما في الإقناع والمنتهى بـ (يسن) وكل منهما بمعنى واحد وفرق بينهما بعض الفقهاء بأنه ما ثبت بتعليل يعبر عنه بالاستحباب وما ثبت بدليل يعبر عنه بالسنية وهذا التفريق لا وجه له لماذا؟ لأنه ما ثبت بتعليل نقول هل هذا التعليل دل عليه الشرع أم لا؟ إن دل عليه الشرع حينئذٍ صار دليلاً شرعياً وإذا كان دليل شرعياً فيعبر عنه بالسنة، (يستحب عند دخول الخلاء قول بسم الله) (يستحب عند دخول الخلاء) (عند دخول الخلاء) يعني عند إرادة دخول الخلاء وعند المراد به هنا إرادة الدخول لا معه ولا بعده فإن الاحتمالات ثلاثة إما أن يقول هذا الذكر قبل أن يدخل وإما أن يقوله بعد الدخول وإما أن يقوله أثناء الدخول ما المراد أن يقوله قبل أن يدخل الخلاء لا معه ولا بعده (والخلاء) بالمد الموضع المعد لقضاء الحاجة هذا في الأصل المكان الخالي نقل إلى البناء المعد لقضاء الحاجة هذا في عرف الناس سمي خلاء لأنه يخلو بنفسه خلا بالمكان خلاء إذا فرغ لأنه يخلو بنفسه لذلك سمي خلاء (يستحب عند دخول الخلاء) قول الشارح ونحوه والمراد به كصحراء ونحوها يعني هذا الذكر قول (بسم الله) لا يشترط أن يذكره فمن أراد قضاء الحاجة إذا كان مريداً أو داخلاً لما هو بناء لأن الدخول إنما يعبر بماذا؟ بما يدخل منه ويخرج وإنما هذا يكون في البناء ونحوه وأما الصحراء فكيف يقول دخلت وخرجت هذا لا يتأتى فيه نقول لا هذا مراد هنا في الشرع حينئذٍ الخلاء هو ما كان في معناه مما يقضي فيه القاضي حاجته حينئذٍ يسن له هذا الذكر ولا شك أنه إذا دخل الخلاء الدخول واضح ولكن في الصحراء ونحوها نقول متى

يدخل؟ إذا قدم رجله اليسرى في المكان الذي يريد أن يقضي فيه حاجته حينئذٍ يشرع له أن يقول بسم الله، إذا أراد هذا المحل وهو واقف هنا وأراد أن يقدم رجله اليسرى يقول بسم الله وهو هنا لم يدخل خلاء وإنما نقول الذكر عام والخلاء في الأصل استعمال اللغوي عام لكل من خلا بنفسه لقضاء حاجته وإنما نقول إلى المعنى المعروف هذا المعد لقضاء الحاجة عرفاً وأما المصطلح اللغوي عام فيبقى على أصله إذاً في أول الشرع يقول بسم الله عند أول ما يضع قدمه اليسرى في المحل الذي يريد قضاء الحاجة فيأتي بهذا الذكر (يستحب عند دخول الخلاء قول بسم الله) (قول) باللسان فلا يكفي أن ينويه بقلبه لأن القول هو اللفظ والمعنى معاً فلا يصدق على المعنى دون اللفظ ولا على اللفظ دون المعنى هذا بإجماع أهل اللغة وهو عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه المسألة الكلام والقول في هذا المقام سيان مترادفان حينئذٍ مسمى الكلام ومسمى القول اللفظ والمعنى معاً حينئذٍ لو نوى بقلبه البسملة عند دخول الخلاء ولم يتلفظ هل أتى بالأدب لا لم يأتي بالأدب لماذا؟ لأن القول مشترط وهو أن يأتي بالقول مع المعنى فإذا نوى بقلبه لم يأتي بهذا الذكر لحديث علي مرفوعاً (ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخلوا الكنيف أن يقول بسم الله) إذاً أتى بالقول فالقول مشترط هنا (بسم الله) ولا يزد عليها (الرحمن الرحيم) لأن المقام هنا ذكر والذكر إنما يتعبد به بنقله كما نقل إلينا فلا نزيد عليه الرحمن الرحيم ولو كانت البسملة معروفة في جهة أخرى فهنا في هذا المقام نقول بسم الله ولا نقول الرحمن الرحيم وهذا الحديث رواه ابن ماجة والترمذي وقال ليس إسناده بالقوي صححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في الإرواء إذاً الحديث ثابت ولذلك قال الحافظ رحمه الله تعالى رواه العمري من طريق عبدالعزيز بن مختار عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا دخلتم الخلاء فقول بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث) قال الحافظ إسناده على شرط مسلم وفيه زيادة التسمية ولم أرها في غير هذه الرواية وهذا الأدب مستحب باتفاق أهل العلم يعني حكي الإجماع أنه يستحب لمن دخل الخلاء وهو مريد لقضاء الحاجة أو نحو الخلاء أن يقول بسم الله يتلفظ بهذا اللفظ ولا يزيد الرحمن الرحيم، (أعوذ بالله من الخُبُث أو الخُبْث والخبائث) والرواية إنما جاءت بالخُبُث بضم الباء يعني بضمتين (أعوذ) هذا أدب آخر يزيده على ما سبق إذاً الأدب الأول المستحب هو قول بسم الله الأدب الثاني (أعوذ بالله من الخُبُث والخبائث) (أعوذ) يعني أعتصم وألتجئ وأستجير (بالله) أي لا بغيره (بالله) هذا مستعاذ به، والمستعاذ منه هو الذي جاء بعد قوله من (الخبث) إذاً عندنا في هذا التركيب استعاذة وعبر عنها هنا بقوله (أعوذ) عندنا مستعاذ به وهو الله جل في علاه وعندنا مستعاذ منه والخبث والخبائث قال (من الخُبْث) بإسكان الباء هكذا في المتن قاله أبو عبيدة وقال القاضي عياض هو أكثر روايات الشيوخ يعني الإسكان (أعوذ بالله من الخُبْث) وفسره بالشر يعني فسر الخُبْث بإسكان الباء بناء على أنه أصل وليس مخففاً يعني وزنه فُعْل ابتداء وليس مخففاً نم

فُعُل فسره بالشر والخبائث الشياطين فكأنه استعاذ من الشر وأهله إذاً على هذا المعنى (أعوذ بالله من الخُبْث - بإسكان الباء - والخبائث) أي من الشر وأهله، وثَمَّ قول آخر (أعوذ بالله من الخُبُث) بضم الباء يعني بضمتين على وزن فُعُل حينئذٍ لا يكون مفرداً كالخبْث وإنما يكون جمعاً مفرده خبيث وهو ذكران الشياطين والخبائث جمع خبيثة وهي إناث الشياطين حينئذٍ استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم حينئذٍ ما المرجح بين القولين؟ نقول المرجح أنه على وزن فُعُل يعني (أعوذ بالله من الخُبُث والخبائث) وما جاء من أنه الخُبْث نقول هذا على باب التخفيف فالأصل فيه أنه على وزن فُعُل وفُعُل في لسان العرب سواء كان مفرداًً أو جمعاً يخفف فيقال فيه فُعْلٌ كما لو قلت كُتُب جمع كتاب فُعُل يخفف ويقال هذه كُتْبٌ على وزن فُعْل ولذلك قال في الفتح الخُبُث بضم المعجمة والموحدة كذا في الرواية وهي التي رجحها الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى بأنها بالضم وأما على القول بأنها بالإسكان حينئذٍ تحمل على أنها مخففة ولذلك قال النووي رحمه الله تعالى هو جائز تخفيفاً بلا خلاف عند أهل النحو والتصريف إذاً لا خلاف بينهما فسواء قلنا خُبُب أو خُبْث المراد به جمع خبيث على هذا أو ذاك نقول جمع خبيث ما وجهه؟ نقول خبْث بالإسكان ليس مفرد وإنما هو جمع كيف جاء على وزن فُعْل؟ نقول أصله فُعُل مثل كُتُب ويخفف بإسكان عينه فيقال فُعْلٌ كما تقول كُتْبٌ إذاً لا خلاف بين القولين وإذا أختار شيخ الإسلام ابن تيمية رواية الإسكان بتعليل آخر لكن إثبات الرواية حينئذٍ هي المقدمة والله أعلم، إذاً (أعوذ بالله من الخُبُث والخبائث) نقول هذا أدب مستحب وهو متفق عليه وقد جاء النص فيه وهو حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال (اللهم إني أعوذ بالله من الخُبُث والخبائث) هذا الحديث متفق عليه ولمسلم (أعوذ بالله) كما أوردها المصنف هنا إذاً تأتي بهذا تارة وبهذا تارة أخرى تقول (بسم الله اللهم إني أعوذ بالله من الخبث والخبائث) بزيادة (اللهم إني) تأتي في مرة أخرى (بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث) وهذا الأصل فيما إذا جاء الذكر صيغتين مختلفتين والسنة فيهما أن تأتي بهذا تارة وبهذا تارة ولا يرجح أحد الذكر على الآخر مطلقاً وإنما يقال يفعل هذا تارة وهذا تارة ويكون من باب تنوع السنن، (وعند الخروج منه غفرانك) هذا الأدب الثالث من المستحبات أي ويستحب أن يقول من أراد التخلي قضاء الحاجة عند الخروج يقال كذلك ما قيل فيما سبق عند يحتمل أنه قبل أن يخرج أو بعده أو معه والمراد هنا بعد الخروج فالعندية هنا تفسر بالبُعد حينئذٍ نقول عند تفيد القرب بمعنى أنه إذا أراد أن يدخل قال بسم الله وأما قبله بدقائق بأنه يفصل بينه وبين الذكر نقول هذا لا يكون آتياً بالسنة كذلك لو خرج وبقي ربع ساعة ثم قال غفرانك نقول لم يأتي بالذكر إلا إذا كان نسياً حينئذٍ يكون قضاء (عند الخروج منه) يعني بعد الخروج منه أي من الخلاء (غفرانك) بالنصب أي أسألك غفرانك مفعول به لفعل محذوف فعل مقدر أو مصدر أي اغفر غفرانك (غفرانك) مأخوذ من الغَفْر بفتح الغين وهو الستر مصدر غفر يغفر

غفراً وغفراناً كشكر يشكر شكراً وشكراناً والمغفرة هي الستر مع المحو والتجاوز عن الذنوب وليس المراد به الستر فقط وإنما الستر مع المحو حينئذٍ يأتي بهذا الذكر بعد الخروج لماذا؟ ما الحكمة؟ نقول الحكمة هي امتثال ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تقول كما قال ولم يرد تعليل منه لذلك عليه الصلاة والسلام حينئذٍ نقول سمعاً وأطعنا ونفعل كما فعل صلى الله عليه وسلم لأجل أنه فعل وأما الدخول في التعليلات هذا الأصل عدمه ولكن ذكر الفقهاء بعض العلل التي هي مناسبة لهذا الذكر والأصل في المسلم أنه يمتثل دون أن يستفسر عن ذلك ولذلك قال المحشي هنا من استغفر الله عن تقصيره في شكر الله عن إخراج ذلك الخارج من بعد أن أنعم عليه - هذا يحتاج إلى نقل - فأطعمه ثم هضمه ثم سهل خروجه عليه ويقال إن مناسبة سؤال المغفرة في هذا الموضع أنه دخل ثقيلاً وخرج خفيفاً هذا أقرب ما يكون أنه تذكر بهذا الموضع ذلك الموضع دخل ثقيلاً خرج خفيفاً فذكر ثقل الذنب يوم القيامة فسأل الله المغفرة، على كل هذا أو ذاك البحث في هذا الأصل عدمه إذاً غفرانك يقول هذا الذكر لحديث أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال (غفرانك) رواه الترمذي وحسنه (قال) كذلك اللفظ والمعنى معاً فلا يجزئ فيه المعنى أن ينويه بقلبه دون أن يتلفظ بلسانه وقوله في مثل هذه الأذكار (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يدل على الاستمرار حينئذٍ لا يفعل مرة ويترك مرات بل الأصل فيه المداومة على ذلك ولذلك إذا جاء لفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا أو يفعل كذا فالأصل فيه المداومة وملازمة هذا الذكر أو الفعل إذا خرج من الخلاء ومن نحوه كذلك يقول (غفرانك) فإذا خرج من نحو الخلاء إذا قدم رجله اليسرى عند الخروج من المكان الذي جلس فيه كالصحراء ونحوها، (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) هذا ذكر ثالث زاده المصنف لما رواه ابن ماجه عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى) الأذى البول والغائط (وعافاني) يعني من احتباسه وهذا كما ذكر الشارح رواه ابن ماجه وغيره كالنسائي وابن السني عن أبي ذر وقال الحافظ سنده حسن يعني حسن إسناده الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وقال في الزوائد فيه إسماعيل بن مسلم مجمع على تضعيفه والحديث بهذا اللفظ غير ثابت وفي المجموع إسناده ضعيف وضعفه كذلك الشيخ الألباني والحديث لا يثبت لأنه ضعيف حينئذٍ من حسنه ورأى أنه مقبول حينئذٍ يعتمده ومن رأى ضعفه فالأصل فيه الترك ولا يعتمده من أجل أنه ضعيف لأن الصحيح من أقوال أهل العلم أن الصحيح لا يعمل به مطلقاً لا في الحلال ولا في الحرام ولا في فضائل الأعمال لأنه ضعيف فضائل الأعمال إنما تثبت بما يثبت به الحلال والحرام والتفريقة بين الحلال والحرام وبين فضائل الأعمال هذه تحتاج إلى دليل كما نص على ذلك الشوكاني رحمه الله تعالى فإن جيء بدليل يخص الأدلة الدالة على عدم قبول الحديث الضعيف في الحلال والحرام حينئذٍ على العين والرأس وإن لم يرد حينئذٍ نقول ما دل على عدم قبول الضعيف في الحلال والحرام يشمل كذلك فضائل الأعمال والتخصيص من غير

مخصص غير مقبول إذاً الحديث الضعيف فلا يعمل فيه مطلقاً، (وتقديم رجله اليسر دخولاً واليمنى خروجاً) هذا من المستحبات الفعلية تلك الثلاثة مستحبات قولية وهذا مستحب فعلي يعني ويستحب لمن أراد دخول بيت الخلاء ونحوه تقديم رجله اليسرى أن يبدأ برجله اليسرى دخولاً لما روى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال (من بدأ برجله اليمنى قبل يساره إذا دخل الخلاء ابتلي بالفقر) والحديث ضعيف ولا يثبت ولأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه ليس في المسألة نص وإنما ثَمَّ قاعدة عامة وهو أنه إذا اجتمع الأمران يعني ما يمكن فعله باليمنى أو اليسرى سواء كان في الرجلين أو اليدين حينئذٍ ينظر في ذاك المفعول إن كان من باب التكريم حينئذٍ تقدم اليمنى سواء كانت الرجل أو اليد وإن كان من الأذى ونحوه أو الإهانة حينئذٍ تقدم اليسرى سواء كان من اليد أو الرجل ولذلك قال ابن تيمية رحمه الله تعالى (قد استقرت قواعد الشريعة على أن الأفعال التي تشترك فيها اليمنى واليسرى تقدم اليمنى فيها إذا من باب الكرامة كالوضوء وتقدم اليسرى بضد ذلك كدخول الخلاء) إذاً أدلة عامة تدل على أن الفعل إذا أمكن فعله باليدين حينئذٍ ننظر في المفعول إن كان كريماً فعلناه باليمنى وإن كان مهاناً باليسرى وكذلك الدخول إلى بيت الخلاء ليس من باب الكرامة فتقدم اليسرى (وتقديم رجله اليسرى دخولاً) أي عند دخول الخلاء ونحوه من مواضع الأذى وأما غير البنيان كالصحراء حينئذٍ يقدم اليسرى إلى موضع جلوسه كما ذكرنا سابقاً إلى موضع الجلوس الذي عينه للجلوس حينئذٍ يقدم رجله اليسرى ويمناه عند منصرفه منه من ذلك الموضع مع إتيانه بالذكر في الدخول والخروج على نحو ما قدمنا قال (عكس مسجد ونعل) يعني هذا الحكم السابق تقديم اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج عكس المسجد حينئذٍ يعني خلاف مسجد فالعكس هنا بالمعنى اللغوي (عكس مسجد) لما روى أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال (من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجل اليمنى) وإذا قال الصحابي من السنة حينئذٍ له حكم الرفع وكذلك جاء في ما رواه البخاري ومسلم (إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال فلتكن اليمنى أولهما تنعل وأخراهما تنزع) فدل هذين الحديث على أن النعل يعني الانتعال وكذلك دخول المسجد إنما يكون باليمنى دخول في المسجد أو انتعالاً واليسرى خروجاً من المسجد أو خلع النعل إذاً قوله (عكس مسجد ونعل) أراد به تبين أن دخول الخلاء يكون بعكس هذا الحكم وليس مراده بيان حكم دخول المسجد ونحوه ولذلك قال الشارح هنا (فاليسرى تقدم للأذى واليمنى لما سواه) يعني سوى الأذى وروى الطبراني في المعجم الصغير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا خلع فليبدأ باليسرى)، (واعتماده على رجله اليسرى) يعني يستحب لمن أراد التخلي سواء من أراد بولاً أو غائط (اعتماده) يعني اتكاءه (على رجله اليسرى) حال جلوسه لقضاء الحاجة يعني لا في الاستنجاء والاستجمار وإنما وقت خروج الخارج وهنا فيه دليل وتعليل وأما الدليل ما رواه الطبراني في المعجم والبيهقي عن سراقة ابن مالك (أمرنا رسول الله

صلى الله عليه وسلم أن نتكئ على اليسرى وأن ننصب اليمنى) والحديث ضعيف قالوا والتعليل في الاعتماد اليسرى ونصب اليمنى فيه سهولة في إخراج الخارج لأن المعدة تكون في الشق الأيمن حينئذٍ إذا اعتمد على الجهة اليسرى فكأنه ضغط على المعدة فكان أسرع في خروج الخارج هذا إن ثبت طباً لا يثبت شرعاً بمعنى أنه لا يقال يستحب فيثبت له لأنه لا استحباب إلا بدليل شرعي فإن ثبت طباً وصح ذلك فمن أراد أن يفعله فالأصل فيه الإباحة أما أن يجعل مستحباً لمن احتاجه ولم يحتج إلى ذلك نقول الأصل فيه عدم الحكم الشرعي إذاً (اعتماده على رجله اليسرى) يعني يتكأ على رجله اليسرى وينصب اليمنى بأن يرفع أصابعها على الأرض ويرفع قدمه هكذا يعتمد على الأصابع ويرفع طرف القدم (وبعده في فضاء) أي ويستحب (بعده) الضمير يعود إلى قاضي الحاجة (في فضاء) الفضاء المراد به ما يقابل الخلاء والفضاء بالمد هو ما اتسع من الأرض يقال أفضيت إذا خرجت إلى الفضاء حتى لا يراه أحد وليس المراد به أن يستر عورته لأننا في مقام ذكر المستحبات ستر العورة نقول هذا من الواجبات (وبعده في فضاء) من أجل أن لا يرى جسده كله حينئذٍ ثَمَّ أمران ستر العورة أثناء قضاء الحاجة هذا واجب ستر الجسد كله بأن لا يراه أحد نقول هذا من المستحبات هذا إنما يتأتى إذا كان في فضاء وأما إن كان في خلاء ونحوه مما أعد بناء لقضاء الحاجة الأصل فيه أن لا يرى جسمه كله (وبعده في فضاء) إذا لم يكن ما يستره به من شجر وجبل فالمراد بعده حتى لا يرى جسمه لما روى أبو داود من حديث جابر - حديث جابر فيه كلام - ولفظه (كان إذا أتى البارز أبعد حتى لا يراه أحد) رواه النسائي وأبو داود والترمذي وصححه من حديث المغيرة بلفظ (كان إذا ذهب أبعد) وفي الصحيحين (فنطلق حتى توار عني) هذا أثبت وفيه من الأدب والمروءة ما هو ظاهر إذاً يستحب (بعده) أي بعد من أراد قضاء الحاجة حتى يستر بدنه كله عن الأنظار فيما إذا كان في فضاء (واستتاره) هذا تأكيد لما سبق وإلا البعد ما ثمرته ما نتيجته هو الاستتار حينئذٍ يكون هذا العطف كالتفسير لما سبق (واستتاره) يعني يستحب استتاره عن ناظر والمراد استتار بدنه كله وأما العورة فهو واجب فيستتر بما أمكنه من حائط وشجر وتراب (واستتاره) قد يقال بأنه أعم من جهة ماذا؟ أنه قد لا يكون في فضاء فيستتر بنحو حائط بنحو شجر سيارة ونحوها نقول هذا استتر ولم يكن في فضاء فيكون أعم مما سبق وأوردوا فيه حدث أبي هريرة رضي الله عنه (من أتى غائط فليستتر) رواه أبو داود وفيه كلام لأهل العلم وحسن إسناده الحافظ رحمه الله تعالى لكن الأصول العامة تدل عليه (وارتياده لبوله مكاناً رخواً) (وارتياده) أي ويستحب لقاضي الحاجة أن يرتاد لبوله (ارتياده) أي طلبه ارتاد الشيء أي طلبه (لبوله) خص البول دون الغائط لما سيذكره (مكاناً رخواً) (مكاناً) أي محلاً (رخواً) بتثليث الراء رِخواً رَخواً رُخواً والكسر أشهر رِخواً يعني ليناً هشاً وإذا قيل ليناً هشاً حينئذٍ عرفت الحكمة من تخصيص البول دون الغائط أليس كذلك؟ (وارتياده) يعني إذا أراد قاضي الحاجة أن يبول فليطلب مكاناً رخواً ليناً بحيث إذا بال لا يرجع إليه البول لو بال على صلب

ونحوه كحجر صلب حينئذٍ سيعود عليه رشاش البول فيصيبه شيء من النجاسة والأصل وجوب الابتعاد عن النجاسة وإذا كان كذلك حينئذٍ يستحب أن يطلب لبوله دون غائطه لأنه لا يرجع إليه شيء من غائطه لبوله دون غائطه مكاناً رخواً أي هشاً ليناً بحيث يأمن على نفسه أن يصاب بالنجاسة وهذا الأدب متفق عليه بين أهل العلم قالوا إن كان صلباً لينه بأن يأخذ حجر أو عوداً فيعالجه ويثير ترابه ليصير دمثاً سهلاً إذاً (وارتياده لبوله مكاناً رخواً) قال ابن القيم في زاد المعاد (وكان إذا أراد أن يبول في عزاز من الأرض وهو الموضع الصلب أخذ عوداً فنكث به حتى يثري به ثم يبول وكان يرتاد لبوله الموضع الدمث وهو اللين الرخو) هكذا قال ابن القيم في زاد المعاد وأورد حديث وفيه ضعيف (إذا بال أحدكم فليرتد لبوله) رواه أحمد وغيره الحديث ضعيف (ومسحه بيده اليسرى إذا فرغ من بوله من أصل ذكره إلى رأسه ثلاثاً ونتره ثلاثاً) هذا الاستبراء والنتر وهما أمران لا دليل عليهما لا من كتاب ولا من سنة لكن من ابتلي بسوسة أو مرض أو نحو ذلك وكان علاجاً له فيباح له لكن لا يجعل سنة مطردة كما ذكرناه فيما سبق (ومسحه) أي يستحب له أي لقاضي الحاجة إذا بال (مسحه) يعني أن يمسح (بيده اليسرى) لماذا لا اليمنى؟ لأنه محل أذى حينئذٍ ما كان محلاً للأذى فيفعل باليسرى (بيده اليسرى) لا اليمنى (إذا فرغ) يعني انقطع من بوله فهو خاص بالبول فلا يشمل الغائط (من أصل ذكره) أي من حلقة دبره من حَلْقة بفتح الحاء وإسكان اللام فيضع أصبعه الوسطى تحت الذكر والإبهام فوقه من مجامع العروق فيمر بهما إلى رأسه يعني رأس الذكر يعني من أصله فوق الأنثيين إلى رأس الذكر يضع أصبعيه ويمر بهما على موضع خروج البول ثلاثة مرات من أجل ماذا؟ لماذا قال (ثلاثاً) من أجل ماذا؟ من أجل إبراء الموضع لأن لا يبقى فيه بلل ألبته فيطارد البول مطاردة لأن لا يبقى شيء من البلل في ذلك المحل يعني من البول وهذا من باب ماذا؟ من باب الاستبراء (ونتره ثلاثاً) نتره يعني يستحب النتر والنتر بالمثناة فوق هو الجذب بجفاف يعني أن يحرك البول أو الذكر من داخله بالنفس يسمى نتراً حينئذٍ لا يبقى شيء من البول فإذا كان ثَمَّ ما هو قدر النقطة أو النقطتين يكون قد خرج بنفسه كذلك (ثلاثاًَ) أي نتر ذكره ثلاثاً ليستخرج بقية البول منه لحديث (إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثاً) رواه أحمد وغيره والحديث ضعيف إذاً هاتان المسألتان لا أصل لهما من حيث الحكم الشرعي وهو الدليل وبناء حكم شرعي مطرد في جميع الناس يعني سواء كان السليم والمريض يفعل هذا قول إذا ابتلي من ابتلي ونصحه طبيب بأن هذا لا يترتب عليه شيء من حيث الوسوسة أو من حيث الإضرار به حينئذٍ لا بأس بفعله فيكون أمراً مباحاً لأنه لم يرد أمر ولا نهي وكذلك لا نقول بدعة مطلقاً إذا جعل حكماً مطرداً نقول نعم بدعة لا شك في ذلك لأنه مما أحدث في الدين لم يكن له طريق شرعي أو مستند شرعي صحيح وأما إذا فعل من باب الإباحة بأن لا يعتقد أنه حكم شرعي حينئذٍ لا إشكال فيه، (وتحوله من موضعه ليستنجي إن خاف التلوث) يعني يستحب (تحوله) قاضي الحاجة بعد أن يبول وبعد أن يتغوط (تحوله) أي انتقاله من موضعه

يعني موضع قضاء الحاجة الذي وضع فيه البول والغائط لماذا؟ (ليستنجي) يعني بالماء في غيره في غير ذلك المحل يعني يغر محله لماذا؟ لأنه لا يأمن من رشاش الماء الذي يغسل به الموضعين أن يصيب النجاسة ثم يعود عليه هذا أمر واضح وهو متفق عليه بين أهل العلم ولذلك قيده (إن خاف تلوثاً) كما هو الشأن الآن النجاسة لا تبقى حينئذٍ نقول هذا الموضع لا وجود له ألبته لماذا؟ لأنه ثبت بتعليل وما ثبت بتعليل فحينئذٍ نقول الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فإذا كانت الحمامات ونحوها مما لا تبقى فيه النجاسة تزول مباشرة إذا وضع الماء عليه أو بنفسها حينئذٍ لا يحتاج إلى أن ينتقل إلى موضع آخر لانتفاء العلة (وتحوله) أي ويستحب (تحوله من موضعه ليستنجي بغيره إن خاف تلوثاً) باستنجائه في مكانه حينئذٍ التحول هنا مبني على علة وهو أن لا يتنجس فإذا خاف تلوثاً استحب له وإن لم يخف حينئذٍ لا يستحب له ألبته إذاً ليس عندنا دليل من كتاب وسنة وإنما هو تعليل قاعدة عامة هذا ما يتعلق بالأقوال والأفعال المستحبة لمن أراد قضاء الحاجة ثم قال (ويكره) هذا شروع منه في الآداب المكروه ومعلوم أن المكروه ما طلب الشارع تركه طلباً غير جازم أو ما نهى عنه الشارع نهياً غير جازم بحيث يثاب على تركه امتثالاً ولا يعاقب على فعله يثاب على تركه امتثالاً بقيد الامتثال ولا يعاقب على تركه ثَمَّ ما يكون من الأفعال وثَمَّ ما يكون من الأقوال كذلك كما سبق في المستحبات والأصل في الأفعال والأقوال الإباحة حينئذٍ إذا قيل وجب على قاضي الحاجة ترك كذا من الأفعال أو من الأقوال طالبناه بالدليل فإن جاء دليل فعلى العين والرأس وإلا رجعنا إلى الأصل وهو الإباحة (ويكره دخوله بشيء فيه ذكر الله تعالى إلا لحاجة) وهذا وقول أكثر أهل العلم (ويكره) عرفنا الكراهة حكم شرعي دخوله أي دخول قاضي الحاجة إذا أراد أن يقضي حاجته لدخول الخلاء يكره دخوله أي دخول قاضي الحاجة الخلاء (بشيء فيه ذكر الله تعالى) والمراد (فيه ذكر الله تعالى) المراد اسم الله فضلاً عن الجمل التي تكون مركبة من هذا الاسم أو من غيره فإذا قيل لا إله إلا الله هذا كلمة التوحيد وفيها اسم الله وهل الحكم معلق بمثل هذا الألفاظ الله أكبر وسبحان الله ولا إله إلا الله أو هو أعم من ذلك؟ نقول أعم من ذلك فلو وجد معه ولو ورقة أو خاتم مكتوب فيه الله فقط نقول كره له دخوله الخلاء لأن قول (بشيء) هذا عام وقوله (فيه ذكر الله) هذا عام فيشمل ما فيه اسم الله تعالى فقط دون جملة مركبة ويشمل كذلك الجمل المعروفة إذاً المراد اسم الله تعالى والجمل المعروفة فيشمل النوعين ولذلك في المحرر قال و (لا يصحبه ما فيه اسم الله إلا من عذر) وهذا أعم وأوضح من كلام المصنف (إلا لحاجة) فإن كان لحاجة حينئذٍ لا يكره إن كان لحاجة لا يكره وهذا الحكم عام كل ما قيل فيه مكروه عند الفقهاء فالمراد به لغير حاجة فإن احتاج إليه ارتفعت كل كراهة ألبته سواء في هذا المقام أو غيره حينئذٍ يكون هذا التقيد من باب الإيضاح ومن باب زيادة التأكيد على الحكم بأن الحكم بالكراهة فيما إذا لم يحتج وأما إذا احتاج كدراهم مكتوب فيها لا إله إلا الله ولم يجد من يحفظ له هذه الدراهم

جاز دخوله الخلاء ولو بشيء فيه ذكر الله تعالى وكذلك لو كان معه ورقة وفيها شيء من الآيات فيها شيء من الأذكار الصباح والمساء ولم يجد من يحفظ له هذه الأوراق نقول هذا لحاجة إذا ً قوله (لحاجة) أي فلا يكره بمعنى أنه إذا احتاج أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى ارتفعت الكراهة فلو لم يجد من يحفظه له أو خاف ضياعه فلا بأس حيث أخفاه قال أحمد (الخاتم إذا كان فيه اسم الله تعالى يجعله في باطن كفه) يعني إما يخرجه ويمسكه هكذا وإما أن يحول الاسم إلى باطن الكف قال في الشرح (غير مصحف فيحرم) إذاً بشيء فيه ذكر يشمل المصحف وبعض المصحف كالمصحف كما قال البهوتي وحكي الإجماع إن حكي الإجماع فلا بأس حكي الإجماع على أنه لا يصح بل يحرم دخول قاضي الحاجة إلى الخلاء ونحوه بالمصحف ولذلك قال في الإنصاف (لا شك في تحريمه قطعاً ولا يتوقف ف هذا عاقل) قال البهوتي (قلت وبعض المصحف كالمصحف) إذاً يستثنى المصحف وبعض المصحف يعني إذا كان عندك القرآن مجزأ نقول هذا بعض معك جزء عم فقط وهو منفصل عن بقية القرآن نقول هذا بعض القرآن هل يحل أو يجوز دخول الخلاء بهذا المصحف أو بعض المصحف؟ الجواب لا؛ حكي الإجماع وإذا ثبت الإجماع فعلى ذلك وهل الأشرطة تأخذ حكم هذا أو السيدهات إذا فيها قرآن؟ الجواب لا؛ لا تأخذ الحكم لأنها شيء غير بارز، والمراد هنا بما فيه اسم الله بارزاً ظاهراً يقرأ وأما نحو القرآن إذا وضع فيه قرآن أو السيدهات ونحوها أو الأشرطة فيها قرآن نقول هذا لا يأخذ الحكم ألبته لأنه شيء مخفي والمراد هنا الشيء الذي يكون ظاهراً ما الدليل؟ عندهم دليل وتعليل وأما الدليل فهو حديث أنس (كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه) وخاتم الرسول صلى الله عليه وسلم كان منقوشاً عليه محمد رسول الله إذاً الله فيه لفظ الجلالة كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزعه إذا أراد دخل الخلاء وهذا الحديث رواه الخمسة إلا أحمد وقال أبو داود حديث منكر إنما يعرف عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه وقال النسائي هذا الحديث غير محفوظ وهذا هو المشهور أن الحديث ضعيف منكر لا يثبت وإذا كان معتمد أهل العلم هذا الحديث وثَمَّ تعليل وهو تعظيم الله عزوجل عن موضع القاذورات لأن الخلاء موضع القاذورات فشرع تعظيم اسم الله تعالى وتنزهه عنه نقول هذه علة لا يمكن أن تكون في هذا المقام وهو الكراهة بحكم عاماً على جميع الخلق حينئذٍ إذا كان مبنى هذا الحكم هو الدليل والدليل ضعيف حينئذٍ إذا سقط الدليل سقط ما ترتب عليه ولذلك نقول الصواب لا يكره دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى لعدم وجود الدليل الصحيح الذي يكون مستنداً لهذا الحكم (ويكره دخوله بشيء فيه ذكر الله تعالى إلا لحاجة) والقول الآخر لا يكره ذكر الله تعالى داخل الخلاء فإذا عطس نعم هذا سيأتي معنا، ثم قال (ورفع ثوبه قبل دنوه من الأرض) هذا المكروه الثاني وهو أن يستكمل رفع ثوبه قبل أن يدنو يعني يقرب من الأرض بلا حاجة كذلك حينئذٍ إذا أراد قاضي الحاجة أن يجلس لا يكمل رفع الثوب قبل أن يجلس وإنما أثناء جلوسه يرفع شيء فشيء حتى يصل إلى الأرض ومبنى هذه المسألة كشف العورة في الخلوة هل هو يحرم أو يكره؟

على خلاف بين أهل العلم (ورفع ثوبه) يعني يكره استكمل رفع ثوبه إن بال قاعداً (قبل دنوه) أي قربه من الأرض بلا حاجة فإن كان ثَمَّ حاجة حينئذٍ نقول ارتفعت الكراهة لما روى أبو داود من طريق رجل لم يسمه عن ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض) رواه أبو داود والترمذي وضعفاه ولأن ذلك أستر له وكذلك مبناه على مسألة كشف العورة حينئذٍ إذا لم يثبت دليل على هذه المسألة فالأصل نقول بقاء الجواز فيبقى الأصل هو الجواز أن يستكمل ثم يجلس إذا لم يكن ثَمَّ ناظر له فإن كان ثَمَّ ناظر له أجنبي ممن لا يحل النظر له أو إليه حينئذٍ نقول الأصل فيه التحريم لأنه من باب كشف العورة وأما إذا خلا بنفسه فالأصل الإباحة ولا دليل على المنع إذاً ورفع ثوبه قبل دنوه من الأرض بلا حاجة فيرفع شيء فشيء يعني قليلاً فقليلاً قال الشارح (ولعله يجب إن كان ثَمَّ من ينظره) لا؛ يجب قطعاً ما نقول لعله؛ يجب إذا كان ثَمَّ من ينظره لماذا؟ لأنه يجب عليه ستر عورته إذا كان هذا سبباً في كشف عورته بأن يستكمل الرفع قبل جلوسه ودنوه من الأرض نقول هذا يعتبر من المحرمات، (وكلامه فيه) يعني يكره كلام قاضي الحاجة (فيه) أي في الخلاء مطلقاً أطلق المصنف ولذلك قال الشارح (ولو برد السلام) بمعنى أنه يكره كلامه مطلقاً سواء كان بذكر أو بغيره (وكلامه فيه) قال ولو برد السلام كابتدائه وإن عطس حينئذٍ يحمد بقلبه وإذا سمع مؤذناً أجاب بقلبه ولا أدري هذه من الأمور الغريبة ولعلها دخيلة وهي إذا جاء النص بترتيب الفعل على القول (إذا قال المؤذن فقول) حينئذٍ لابد من اللفظ ولا نستجيز أن نقول بأن المعنى الذي يكون القائم بالقلب يؤدي مؤدى اللفظ أليس كذلك؟ هل يستجاز بأن يقال المعنى القلبي يؤدي ما يؤديه اللفظ؟ نقول لا؛ نحتاج إلى دليل إذاً هذا تخصيص للقول بما هو باطن يعني بأحد جزئ مدلوله ومدلول القول اللفظ والمعنى معاً تخصيصه بالمعنى القلبي دون اللفظ يحتاج إلى دليل ولا دليل إذاً (وكلامه فيه) يعتبر مكروهاً يعني في الخلاء، ما الدليل؟ قالوا ثَمَّ دليلان: الدليل الأول: حديث أبي سعيد مرفوعاً (لا يخرج الرجلان إلى الغائط كاشفين عن عورتيهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك) الحديث ضعيف أولاً ثم لا يصلح الاستدلال به على الكراهة لو صح الحديث لكان الكلام محرماً لا مكروهاً إذاً من حيث الثبوت فيه نظر ومن حيث الاستدلال فيه نظر ولكن طريقة الفقهاء باب المذاهب الأربعة أنه إذا لم يثبت الحديث وقالوا به حينئذٍ لا يقولون بظاهره إن دل على الوجوب فيه أمر لا يجعلونه واجباً بل يجعلونه مستحباً ما العلة الصارفة؟ الاختلاف في ثبوت الدليل، كذلك إذا جاء نهي فيصرفونه إلى الكراهة لماذا؟ للاختلاف في ثبوت الدليل ونحوه وهذا الذي جعلهم ماذا؟ يجعلون الحكم هنا بالكراهة ولذلك قال في النكت (دليل الأصحاب يقتضي التحريم وعن أحمد ما يدل عليه) إذاً هذا الدليل ساقط، ولمسلم عن ابن عمر قال: (مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه) يعني لم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم سلامه لماذا؟ لكونه يبول ولكونه يبول إذاً ليس ثَمَّ علة

إلا هذه العلة وهو كونه قاضي حاجة ويكره له الكلام ولو برد السلام؛ لكن نقول هذا الاستدلال فيه ضعف لماذا؟ لأن السبب جاء مبيناً في رواية أخرى فعن المهاد بن قنفذ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلام عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال: (إني كرهت أن أذكر الله عزوجل إلا على طهر أو قال على طهارة) والكراهة هنا ليست كراهة شرعية وإنما هي كراهة نفسية فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر الله تعالى على غير طهارة وهنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الرد مطلقاً وإنما أخره ولذلك قال (إنما منعني أن أرد عليك السلام) إذاً لم يكن عدم رد النبي صلى الله عليه وسلم دليل على عدم جواز الكلام أو كراهة الكلام حال قضاء الحاجة بل النبي صلى الله عليه وسلم اعتذر بكونه كان على غير طهر فلو كانت العلة كونه يبول لقال كنت أبول وإنما قال (إني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة) حينئذٍ كيف نجعل العلة بغير العلة التي علل بها النبي صلى الله عليه وسلم الحكم، إذاً (ويكره كلامه فيه) لهذين النصين فإذا لم يثبت الأول من جهة السند بطل الحكم وإذا ثبت الثاني وهو حديث مسلم من جهة السند لا يسلم لهم الاستدلال به ولذلك نقول الصحيح هو عدم الكراهة مطلقاً لعم النص لا تقل هذا الأمر مكروه إلا إذا دل الدليل وهنا الدليلان كما رأيت لا يصلح الاستدلال بهما على الحكم فإذا سقطا من حيث الأصل الثبوت أو من حيث الاستدلال حينئذٍ نرجع إلى الأصل وهو جواز الكلام في الخلاء ولذلك يقول القول الآخر لا يكره ذكر الله عزوجل داخل الخلاء فإذا عطس حينئذٍ فيحمد الله تعلى بلفظه الحمد لله هكذا ويجهر به وحرج في ذلك ما الذي يمنعه والنص عام جاء عاماً سواء كان لقاضي الحاجة أو غيره وليجب كذلك المؤذن وهو قول مالك ذكر الحافظ في الفتح أن مالك يرى جواز ذكر الله تعالى في الخلاء ورجحه القرطبي في تفسيره والأدلة على ذلك كثيرة عمومات القرآن بذكر الله تعالى والأمر به مطلقاً سواء كان على طهارة أو لم يكن سواء كان في بيت الخلاء أو لم يكن فهي عامة تخصيصها يحتاج إلى مخصص ولذلك جاء حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) كل أحيانه يعني أوقاته وثَمَّ أوقاته يكون قاضياً للحاجة ولم يأتي ما يخصص هذا اللفظ ونبقى على الأصل فالأصل جواز الذكر ولا يوجد نص واضح في النهي عن ذكر الله مع القواعد والأصول العامة وقد شرع الله لنا ذكره في كل حال فقال (واذكروا الله كثيراً) وكذلك حذر من نسيان ذكره فلا نترك هذه النصوص إلا لنص صريح فإن قيل ترك الذكر من باب التكريم والتعظيم يعني نصون ذكر الله عزوجل من هذه المواضع نقول ذكر الله هو التعظيم وليس ترك ذكر هو التعظيم فالعكس هو الصحيح ولذلك ترجم البخاري باباً قال: (باب التسمية على كل حال وعند الوقاع) ثم أورد حديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم (لو أن أحدهم إذا أراد أهل قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) الحديث قال الحافظ فيه إشارة إلى تضعيف ما ورد من كراهية ذكر الله في حالي الخلاء والوقاع؛ يعني أشار البخاري بهذه الترجمة إلى تضعيف القول بأن ذكر الله

عزوجل يكره في المحال المستقذرة ومنها الجماع وهذا قول ابن سيرين والنخعي وهو الأرجح إذاً الصواب أن قوله (يكره كلامه فيه) أن الصحيح لا يكره سواء كان بذكر الله عزوجل أو بغيره، (وبوله في شق ونحوه) (وبوله) أي بول قاضي الحاجة (في شَق) بفتح الشين وهو واحد الشقوق وهو الثقب والخرم الواقع بالشيء الصدع والموضع المشقوق (وبوله في شق) يعني مكروه وهذا محل وفاق كما قال في الإنصاف (بلا خلاف أعلمه) وهو مذهب الأئمة الأربعة حكى النووي الإجماع عليه (ونحوه) كسَرَب وهو ما يتخذه الدبيب والهوام بيتاً في الأرض والدليل على ذلك حديث قتادة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر قال قتادة يقال أنها مساكن الجن) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة كأن الحديث فيه شيء من الكلام على كل القواعد العامة لا ضرر ولا ضرار إذا كان علم أن هذه الشقوق قد يخرج عليه ما يؤذيه حينئذٍ يمتنع منه لماذا؟ لأن القاعدة العامة لا ضر ولا ضرار والضرر يزال فكل ما يؤدي إلى الضرر حينئذٍ نرجع إلى هذه القاعدة سواء جاء نص واضح بين صريح أو لا، (ومس فرجه بيمينه واستنجاؤه واستجماره بها) يعني من الأمور المكروهة (مس فرجه) المس مكروه والمس إنما يكون مساً إذا باشره بيده يعني مباشرة البشرة بالبشرة فإذا كان ثَمَّ حال بينهما لا يعبر عنه بأنه مس في اللغة لابد أن يمس مباشرة فإذا وضع يده على ذكره بينهما ثوب أو نحوه لا يعبر عنه بأنه ماس لفرجه (ومس فرجه) يعني كلا الفرجين سواء كان قبلاً أو دبراً وهو مفرد مضاف فيعم وهو يطلق على القبل والدبر (بيمينه) في كل حال أطلق المصنف هنا (ومس فرجه بيمينه) لم يقل وهو يبول وإنما أطلق إذاً سواء كان بائلاً أو لم يكن بائلاً مطلقاً لا يمس فرجه القبل أو الدبر إلا بيسراه وأما اليمنى فيكره إذاً قوله (بيمينه) ولم يقيد المس هنا بحال البول دل على أن مراد المصنف في كل حال سواء كان حال البول وغيره وهو في جميع الحالات ما الدليل؟ قالوا الدليل حديث أبي قتادة عنه صلى الله عليه وسلم (لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول) ما وجه الاستدلال؟ (لا يمسكن) هذا نهي والنهي في الأصل أنه يقتضي التحريم ما الصارف له؟ قال لكونه أدب من الآداب لأنه متعلق بأدب وإذا تعلق النهي بأدب جعلت هذه علة صارفة من التحريم إلى الكراهة والشأن كذلك في الأوامر إذا كان الأمر في الآداب جعل كونه أدباً قرينة صارفة للأمر عن الوجوب إلى الاستحباب وهذه قاعدة فاسدة ليست بصحيحة لماذا؟ لأن القرينة دليل صارف وإذا كان كذلك حينئذٍ لابد أن يكون دليلاً شرعياً فلا يصرف الأمر من الوجوب إلى الندب إلا دليل شرعي ولا يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة إلا دليل شرعي إما نص قرآني أو نص نبوي أو إجماع أو قياس صحيح وأما مجرد كونه أدب علة نقول هذا علة عليلة لماذا؟ لأن ما دل على أن افعل دال على الوجوب عند الإطلاق عام فإذا كان كذلك فلا يخص إلا بدليل شرعي وكل دليل دل على أن لا تفعل للتحريم هذا عام بمعنى أنه عام في الآداب وغيرها فدخلت فيها الآداب كما دخلت في الأوامر فتخصيص الآداب بكونها للكراهة وما عداه للتحريم هذا تخصيص بغير مخصص حينئذٍ يكون اجتهاداً في

مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار وهو مردود على صاحبه ثم قوله (وهو يبول) قالوا هذا قيد يعني النهي مقيد هنا فإذا قيد النبي صلى الله عليه وسلم النهي بكونه في وقت يحتاج إلى المسك أو الإمساك باليمين غيره من باب أولى يعني لماذا عمموا؟ قالوا في حال البول وفي غير حال البول مطلقاً في كل وقت يكره مس الفرج باليمين مع كون النبي صلى الله عليه وسلم قال (وهو يبول) قالوا هذا دليل على أنه عام لماذا؟ لأنه إذا نهي عن وقت يحتاج فيه لليمين في غيره من باب أولى وأحرى والصحيح أن الحكم هنا للكراهة عليل لأن قول (لا يمسكن) نهي مؤكد والأصل في النهي أنه يقتضي التحريم وكونه أدباً لا يصلح صارفاً فنرجع للأصل وهو التحريم فالصحيح أن قوله (ومس فرجه) أنه من المكروهات قول مرجوح وأن الصحيح أنه يحرم ثم الصحيح أنه مقيد بقوله (وهو يبول) لأن جملة (وهو يبول) حالية والحال يعتبر وصفاً مقيداً وإذا كان كذلك حينئذٍ يختص الحكم بما ذكر وما عدا حال البول فالأصل فيه الإباحة فالصواب أن نقول بظاهر النص بأنه يحرم مس فرجه بيمينه لكن في وقت البول فقط وما عداه فيبقى على الأصل (واستنجاؤه واستجماره بها) يعني يكره هذا المذهب (استنجاؤه واستجماره بها) يعني بيمينه بغير ضرورة كما لو قطعت يده أو شلت حاجة كجراحة في يساره لا بأس الضرورة والاحتياج لا بأس أن يستنجي أو يمسك ذكره مثلاً وهو يبول لا بأس به وأما فيما عدا ذلك فالأصل على ما ذكره المصنف في المسألتين الكراهة (واستنجاؤه واستجماره بها) ما الدليل على أنه يكره؟ قوله صلى الله عليه وسلم (لا يتمسح من الخلاء بيمينه) وأطلق هنا (ولا يتمسح) نهي والنهي يقتضي التحريم وكونه أدباً قرينة صارفة من التحريم إلى الكراهة ونرجع إلى الأصل كما ذكرنا في المسألة السابقة الحديث واحد أوله وآخره ونقول الصحيح يحرم أن يستنجي ويستجمر بيمينه لماذا؟ لقوله صلى الله عليه وسلم (ولا يتمسح) وهذا نهي والنهي يقتضي التحريم، (واستقبال النيرين) يعني يكره استقبال النيرين يعني الشمس والقمر بلا حائل وأما إذا كان بحائل لا يكره استقبال النيرين يعني الشمس والقمر سمي بالنيرين يعني المنيرين لاستنارتهما من بين سائر الكواكب وهذه المسألة لا أصل لها لا من كتاب ولا من سنة حينئذٍ نقول بدعة عدم الاستقبال قصداً يعتبر من البدع ولذلك قال ابن القيم (لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك كلمة واحدة لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل ولا مكذوب وليس في هذه المسألة أصل في الشرعي) إذاً هذه المسألة من غرائب الفقهاء، ثم شرع في بينان المحرمات فقال رحمه الله تعالى (ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في غير بنيان) التحريم ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً حينئذٍ يترتب الثواب على الترك قصداً والعقاب على الفعل يعاقب على هذا الفعل ويثاب على تركه امتثالاً ما الذي يحرم؟ قال (يحرم استقبال القبلة) يعني الكعبة استقبالها أن يجعلها قبالته واستدبارها أن يجعلها خلفه، متى؟ حال قضاء الحاجة (في غير بنيان) هذا استثنى بمعنى أن التحريم فيما إذا كان في فضاء وأما إذا كان في الأمكنة المعدة لقضاء الحاجة كما هو الشأن في البيوت في الحمامات ونحوها فالحكم الجواز

فإذاً عندنا حكمان حكم يتعلق بالفضاء وحكم يتعلق بالبنيان، ما تعلق بالفضاء تحريم استقبال القبلة واستدبارها والحكم المتعلق بالبنيان جواز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان إذاً حكمان ما الدليل؟ الدليل حديث أبي أيوب مرفوعاً (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا) متفق عليه، (إذا أتيتم الغائط) أي وصلتم المكان الذي تقضى فيه الحاجة (فلا تستقبلوا) لا ناهية وتستقبلوا فعل مضارع سلط عليه لا الناهية والأصل في النهي أنه يقتضي التحريم إذاً يحرم مطابق للمدلول النص فقوله (فلا تستقبلوا) يفيد التحريم وقال المصنف (يحرم استقبال القبلة واستدبارها) (فلا تستقبلوا القبلة) المراد به الكعبة القبلة هي الكعبة - بغائط ولا بول - (ولا تستدبروها) كذلك نهي تستدبروها فعل مضارع سلط عليه النهي حينئذٍ من هذه الجملة نأخذ تحريم استدبار القبلة حال قضاء الحاجة (ولكن شرقوا أو غربوا) هذا أمر لأهل المدينة خاص بهم ليس عاماً يعني ليس هذا من الأمور التي تعتبر من الشرعيات يعني لابد أن نشرق وأن نغرب كما هو الشأن في أهل المدينة لأن الواقع هكذا لأن القبلة في الجنوب عندهم فإذا استقبلوا أو استدبروا حينئذٍ لابد أن يشرقوا أو يغربوا منعوا من الشمال والجنوب ولم يبقى عندهم إلى الشرق والغرب حينئذٍ (شرقوا أو غربوا) بحسب الواقع دل هذا النص على تحريم استقبال القبلة واستدبارها مطلقاً في الفضاء وفي البنيان لكن جاء النص من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في موضعين اثنين من حديث جابر وفيه إثبات استقبال القبلة في البنيان وجاء من حديث ابن عمر كذلك فيه استدبار القبلة في البنيان حينئذٍ جعل هذان النصان مخصصين لهذا النص حينئذٍ نجمع بين الأدلة بأن نحمل حديث أبي أيوب على الفضاء ونحمل حديث ابن عمر وحديث جابر على البنيان وهذا القول هو المرجح وهو أقوى الأقوال من حيث الجمع بين النصوص ولذلك قال الحافظ رحمه الله تعالى في هذا القول وهو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة لأن من رجح حديث أبي أيوب أهمل حديث ابن عمر فقال هذا قول وهذا فعل وثَمَّ قاعدة يقعدها الفقهاء وهي قاعدة فاسدة من أصلها وهي أنه إذا تعارض قول مع فعل للنبي صلى الله عليه وسلم إما أن يجعل الفعل خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون دليل على إثبات الخصوصية وهذا باطل وإما أن يجعل تعارض بين القول والفعل فيجعل القول للأمة ثم يتوقف في الحديث الذي جاء فيه فعل للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن نقول فعل النبي صلى الله عليه وسلم من حيث التشريع مساوي لقوله لا فرق بينهما كما نثبت الأحكام الشرعية بقوله عليه الصلاة والسلام كذلك نثبت الأحكام الشرعية بفعله عليه الصلاة والسلام فإذا جاء قول عام له عليه الصلاة والسلام وجاء فعل يخالف ذلك القول فإن كان القول عاماً جعل الفعل مخصصاً وإن كان القول مطلقاً جعل الفعل وهو مخالف له مقيداً إن لم يمكن الجمع بين القول والفعل حينئذٍ نقول من حيث قوة القول مقدم على قوة الفعل بمعنى أننا نرجح القول على الفعل هذا متى؟ عند عدم إمكان الجمع بين الدليلين لأنه إذا لم يرد معارض لفعل النبي صلى الله عليه وسلم هل نثبت الأحكام أو لا؟ هل تثبت

الأحكام بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أو لا؟ نعم لا شك أن الأحكام تثبت بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثبت بفعله صار دليلاً شرعياً وخاصة مع عموم قول جل وعلا (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (في) ظرفيه إذاً الرسول ذاته وقوله وفعله أسوة حسنة هذا الأصل فيه حينئذٍ يكون كله عليه الصلاة والسلام دليل وهو تشريع سواء تكلم أو فعل إن تكلم وفعل وظهر تعارض في أذهاننا حينئذٍ نجمع بينهما لأن كل منهما تشريع ولذلك قال ابن حجر (أعدل الأقوال لأن فيه جمع بين الأدلة) ولا شك أن إعمال الدليلين قوى من إهمال أحدهما ولذلك نقول هذا القول هو المرجح لأنه يعلق التحريم وهو مدل عليه حديث أبي أيوب بالفضاء وأما البنيان فالأصل فيه الجواز لحديث جابر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة أو نستدبرها لبول ثم رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) حسنه الترمذي ومع الغرابة ونقل عن البخاري تصحيحه وصححه ابن خزيمة كذلك وابن حبان والحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي الحديث فيه عنعنة ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد فهو حسن ثابت لا شك فيه وحديث ابن عمر في الصحيحين (رَقِيتُ رَقَيتُ يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) حديث جابر في ظاهره أنه ناسخ لأنه قال (رأيته قبل أن يقبض بعام) لكن لا نحمله على النسخ لماذا؟ لأن لا نسخ مع الاحتمال وإنما يحمل على أنه رآه في بنيان جمعاً بينه وبين حديث ابن عمر مع حديث أبي أيوب لأن جابراً رضي الله عنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته قبل أن يقبض بعام في بنياناً جمعاً بين الأدلة وحديث ابن عمر صريح لأنه قال (رقيت يوماً على بيت حفصة) إذاً فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قضى حاجته إنما هو في البنيان وفرق بين حديث أبي أيوب وحديث ابن عمر من حيث البنيان وعدمه وإذا جعل الشارع هذا علة فاصلة بين الحكمين نقول سمعاً وأطعنا ولا نورد التجويزات العقلية على النصوص على مجرد ما يقع في الأذهان فما دل عليه للفظ نبقى معه ونقول سمعاً وأطعنا فدل حديث أبي أيوب على التحريم في الفضاء ودل ما نقله ابن عمر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم على الجواز في البنيان وما عدا ذلك فهو قوله لا يضطرب إما أن يقول بحديث أبي أيوب ونغفل حديث ابن عمر وهذا فيه إبطال لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو دليل تثبت به الأحكام الشرعية إذاً (ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في غير بنيان) فيجوز يعني في البنيان يجوز ويكفي انحرافه عن جهة القبلة يعني لابد أن ينحرف لكن لابد أن يكون الانحراف كثيراً يعني إذا كان مستقبل القبلة في الفضاء متى لا يكون مستقبلاً؟ إذا انحرف عنها قال انحراف يسير أو كثير؟ المذهب أنه انحراف يسير نقول الانحراف اليسير لا يخرج المستقبل في الصلاة عن صلاته فحينئذٍ لا يكون مؤثراً في ترك التحريم هنا أو البعد عن المحرم فلابد أن يكون الانحراف كثيراً، ثم قال رحمه الله تعالى (ولبثه فوق حاجته) أي ويحرم (لُبثه لَبثه) بفتح اللام وضمها يقال لَبِثَ في المكان لَبْثاً ولُبْثاً مكث وأقام (فوق حاجته) يعني إذا انتهى من قضاء الحاجة واستبرأ لبوله ونحوه

يعني انتظر قليلاً حينئذٍ وجب عليه أن يقوم لماذا؟ لأنه إذا بقي لصار كاشفاً لعورته في حال خلوته دون حاجة أو ضرورة وهذا على المذهب يعتبر محرماً حينئذٍ لا يكون تاركاً لهذا المحرم إلا بفعل ضده حينئذٍ وجب عليه أن يقوم مباشرة إذاً بقاءه بعد قضاء الحاجة قد يستمتع يجلس يفكر إلى آخره عند أرباب المذهب أنه محرم لماذا؟ لأن يعتر كاشفاً لعورته دون حاجة أو ضرورة ومسألة كشف العورة سيأتي بحثها والصحيح أنه يجوز في حال الخلوة إذا لم يكن ثَمَّ ناظر يحرم عليه النظر نقول الأصل فيه الإباحة وما دل على الاستحياء ونحوها يدل على الاستحباب وأما التحريم فلا (ولبثه فوق حاجته) لما فيه من كشف العورة بلا حاجة هكذا قال في الشرح وهو مضر عند الأطباء إذا ثبت أنه مضر هذا شيء آخر (وبوله في طريق وظل نافع وتحت شجرة عليها ثمرة) هذه ثلاث مواضع ذكرها المصنف يحرم التخلي فيها لورود النص فيها والضابط فيها أن كل ما يضر المسلمين فالتبول أو التغوط فيه محرم وإنما ذكرت أمثلة في بعض النصوص ويستدل بها على غيرها فكل طريق مسلوك للمسلمين حينئذٍ يحرم التبول أو التغوط فيه لأن فيه أذية لهم وتحريم أذية المسلمين هذا قطعي وكل ظل نافع ينتفع به المسلمون حينئذٍ يحرم التبول أو التغوط تحته لماذا؟ لأن فيه أذية ومضرة للمسلمين والحكم القطعي في ذلك هو التحريم فالقاعدة عامة حينئذٍ يشمل كل ما استحدث مثلاً بعض الناس يسأل عن الكبري والكباري هذه مستحدثه هل يجوز التبول تحتها أو التغوط؟ إن كان مما يستظل به الناس في طرقهم وينتفع به المسلمون لا يجوز أن يتبول تحت هذه الطرق (وبوله في طريق) يعني ويحرم (بوله) وتغوطه من باب أولى (في طريق) طريق لا يكون طريقاً إلا إذا كان مسلوكاً وأما المهجور الذي لا تطرقه الأقدام هذا لا يسمى طريقاً ولذلك قال في الشرح (في طريق مسلوك) لحديث أبي هريرة مرفوعاً (اتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم) رواه مسلم وغيره أي اتقوا الأمرين الجالبين للعن الباعثين الناس عليه فإنه سبب للعن من فعله في هذا الموضع فنسب إليهما بصيغة المبالغة (وظل نافع) قيده هنا الظل بكونه نافعاً للحديث لأنه قال (أو في ظلهم) أسنده للناس فدل على أنهم ينتفعون بهذا الظل فإذا لم يكن ظلاً نافعاً حينئذٍ لا يحرم التبول أو التغوط فيه (وتحت شجرة) تحت أي قريب منها لا بعيدة (تحت شجرة) قيدها (قيدها) عليها ثمرة إذا لم تكن الشجرة عليها ثمرة حينئذٍ لا يحرم التبول أو التغوط تحتها لماذا؟ لأنه مما لا ينتفع به الناس إلا إذا كانت ظلاً نافعاً (وتحت شجرة عليها ثمرة) وهي التي أثمرت أو قرب ثمرها وفي الإقناع مقصودة يعني ثمرة مقصودة سواء كانت مأكولة أو لا لأنه يقذرها يفسدها لم يأتي نص جاءت بعض النصوص ضفة النهر بول للماء ونحوها لكن فيها شيء من الضعف لكن القاعدة عامة لا ضرر ولا ضرار والضرر يزال وكل ما يؤذي المسلمين فهو محرم حينئذٍ نبقى على هذه الأصول فلكل ما يؤذي المسلمين فهو محرم (وتحت شجرة عليها ثمرة) لأنها عليها ثمرة لأنه يقذرها يعني يفسدها حينئذٍ تعافها النفوس وجاء حديث رواه الطبراني وغيره من النهي عن قضاء الحاجة تحت الأشجار

المثمرة وضفة النهر الجاري لابن عمر وسنده ضعيف الحديث فيه شيء من الضعف إذاً هذه أمثلة فقط وليس المراد الاستقصاء، ثم شرع في بينان ما يتعلق ببعض الأحكام الاستجمار ونقف على هذا والله أعلم وصلى الله سلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

5

عناصر الدرس تتمة باب الاستنجاء وفيه: * قوله: "ويستجمر ثم يستنجي بالماء"، والصحيح في المسألة. * شروط صحة الاستجمار قسمان: شروط تتعلق بالمحل، وشروط تتعلق بما يُستجمر به. * إذا حصل الإنقاء المطلوب بالحجر الأول هل يتبعه الثاني والثالث؟ * ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الريح. * قوله: "ولا يصح قبله وضوء ولا تيمم"، والصحيح في المسألة. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد شرعنا في باب الاستجمار وعرفنا حقيقته وهي أنه (إزالت خارج م سبيل بماء أو حجر) أو حجر بناء على أن الاستجمار مطهر وهذا هو الصحيح أن من استعمل الحجارة ونحوها حينئذٍ يكون المكان قد طهر ولو بقي يسير فحكمه أنه طاهر حينئذٍ لو عرق الرجل والمرأة وسال شيء من ذلك إلى الثياب فلا تكون الثياب حينئذٍ نجسة بناء على أنه طاهر ومن قال بأنه لا يعف عنه إنما يعف عنه في محله وهو المذهب فيعف عن يسير النجاسة في محله حينئذٍ يرى أن الثياب تكون نجس هذا محل الخلاف في الاستجمار هل هو مطهر أو لا؟ بمعنى أنه لابد أن يبقى شيء من الخارج على المحل حينئذٍ قد يزيل الحجر الأثر ولا يزيل كل النجاسة فيبقى شيء فيعرق المحل حينئذٍ قد يصيب شيء من الثياب ومن قال بأنه مطهر فالثياب طاهرة فمن قال بأنه نجس ويعف عن النجاسة في محلها وأما إذا تعدا فنرجع إلى الأصل فيحكم بأن الثياب نجسة والصحيح أن الاستجمار مطهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله وتواتر ذلك مع وجود الماء وهي رخصة ولا شك إنما جيء بها من أجل جلب التيسير والمشقة إنما تدفع بذلك وذكر شيء من الآداب وعرفنا الآداب منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب ومنها ما هو مكروه ومنها ما هو محرم ثم شرع في بينان شيء مما يتعلق بالأحكام فقال (ويستجمر ثم يستنجي بالماء) (ويستجمر) يعني بحجر أو نحوه (ثم يستنجي بالماء) (ثم) هنا للترتيب والترتيب مراد بمعنى أنه يستعمل الحجر أولاً فيزيل النجاسة ثم بعد ذلك يستعمل الماء فيجمع بينهما وعلى المذهب وهو صحيح من المذهب أن جمعهما مطلقاً أفضل والصحيح من المذهب أن الماء أفضل عند الانفراد إذاً يجمع بينهما بين الاستجمار والاستنجاء فيستعمل الحجر أولاً ثم يستنجي بالماء مرتباً ولأنه ذكر ثم هنا للترتيب وإن عكس كره بأن قدم الماء ثم الحجر قالوا لعدم الفائدة لأن المراد بالحجر ما هو؟ إزالت النجاسة؛ حينئذٍ لو استعمل الماء أولاً أزال النجاسة وعين النجاسة وأثر النجاسة ثم إذا استعمل الحجر حينئذٍ لا فائدة منه ولا فائدة فيه وذكر أن ذلك قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث عائشة وصححه الترمذي (مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء فإن أستحييهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله) واحتج به أحمد كما في رواية حنبل ولفظ الترمذي بدل يتبعوا يستطيبوا بالماء وقال العمل عليه عند أهل العلم حينئذٍ المفضل عندهم أن يجمع بين الحجر والماء ومثله لو جمع بين المنديل مثلاً والماء فيستعمل أولاً المنديل ثم بعد ذلك يتبعه بالماء هذا الذي عليه المذهب والصواب أن الحديث المذكور حديث الترمذي كذلك رواه النسائي حديث ضعيف فإذا كان كذلك النبي صلى الله عليه وسلم استعمل الماء تارة فقط واستعمل الحجارة تارة فقط ولم يثبت عنه أنه جمع بين الحجر والماء فيبقى على أن المكلف إما أن يختار الماء وإما أن يختار الحجارة ولو وجد الماء ولو كان على ساحل بحر شاطئ مثلاً فاستعمل الحجارة ونحوها تقول هذا جائز لفعل النبي صلى الله عليه وسلم استعمل

الحجارة مع وجود الماء فدل ذلك على أنه يجوز أن يستعمل الحجارة أو نحوها ولو وجد الماء أما أن يجمع بينهما هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا لم يثبت حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو أن يستعمل كل واحد منهما على انفراد وأما كونه أبلغ في الإنقاء لأن الحجر يزيل عين النجاسة فلا تباشرها يده والماء يزيل ما بقي نقول هذا التعليل موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه جمع بينهما حينئذٍ كل تعليل لشيء تركه النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ نقول هذا التعليل عليل ولا يلتفت إليه وأما حديث أن الله عزوجل أثنى على أهل مسجد قباء فقال فيهم (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) قال إنهم يتبعوا الحجارة الماء رواه البزار هذا كذلك حديث ضعيف ولم يثبت حينئذٍ الصحيح أن قول المصنف أنه يجمع بين الاستجمار والاستنجاء بالماء قول ضعيف والراجح خلافه وهو أنه لا يتعبد ويقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم بشيء لم يفعله حينئذٍ إما الماء وإما الحجر وما ذكر من حديث عائشة وكذلك حديث أهل مسجد قباء نقول هذا ضعيف والضعيف لا تثبت به أحكام شرعية وإنما قد يضعف بعض الفقهاء من أصحاب مذهب الإمام أحمد هذين الأثرين أو أحدهما لكن يجعلنه من باب فضائل الأعمال والصحيح أن فضائل الأعمال لا تثبت إلا بحديث صحيح ولا تثبت بالحديث الضعيف وما شاع عند المتأخرين بأن فضائل الأعمال ولو كان بحديث ضعيف تثبت هذا قول يحتاج إلى دليل لأن الأصل الشرعي على أن رواية من لم تقبل روايته مردودة فإذا استثنينا في بعض الأحكام الشرعية نقول هذا تخصيص للعام الذي دلت عليه عامة النصوص فإذا كان كذلك حينئذٍ لا يثبت التخصيص إلا بدليل شرعي صحيح إذا لم يثبت رجعنا إلى الأصل وهو العموم قال (ويجزئه الاستجمار) مر معنا أن الإجزاء المراد به الكفاية بمعنى أنه يخرج عن عهدة المطالبة فلا يطالب بأثر النجاسة بأن يزيلها لأن كما سيأتي أن إزالت النجاسة الاستجمار والاستنجاء يجب عند إرادة الصلاة ونحوها (ويجزئه) أي يكفيه (الاستجمار) يعني لوحده لو لم يضف إليه الماء لأنه بَيَّنَ أولاً أن الجمع بين الحجارة والماء أفضل ثم لو اقتصر على الحجارة ولم يستعمل الماء ولو مع وجود الماء قال هذا مجزئ بمعنى أنه كاف في إسقاط الطلب فلا يطالب بعد أن أزال النجاسة بالحجر أن يزيلها لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم (ويجزئه الاستجمار) (يجزئه) الإجزاء هو الكفاية كفاية العبادة أي كونها كافية في سقوط الطلب والخروج من العهدة لأن الواجب لا يكون المرء ممتثلاً له إلا بعد أن يأتي به فإذا جاء به على الوجه المطلوب شرعاً حينئذٍ نقول سقط عنه الطلب مثله لو صلى خطب بصلاة العصر حينئذٍ صلى صلاة شرعية مستوفية للشروط والأركان والواجبات حينئذٍ نقول لا يطالب بصلاة العصر وقد أسقطت هذه الصلاة التي صلاة الطلب وهذا كذلك (ويجزئه) أي يكفيه الاستجمار حتى مع وجود الماء وهذا مجمع عليه عند السلف وإن وقع عند بعض المتأخرين يعني السلف من التابعين ومن بعدهم نزاع شاذ بأنه لا يجزئ ولابد من الماء حينئذٍ نقول هذا ضعيف (ويجزئه الاستجمار) حتى مع وجود الماء في قول أكثر أهل العلم لحديث جابر مرفوعاً قول النبي صلى الله عليه وسلم

(إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار) (فليستطب) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب ثم علقه بثلاثة أحجار ولم يذكر الماء فدل على أن ثلاثة الأحجار مجزئه وكافية ثم بيَّن ذلك الحكم الذي دل عليه السابق (فإنها تجزئ عنه) يعني هذه الثلاثة الأحجار إذا استعملها في إزالت النجاسة مجزئة عنه ولو لم يستعمل الماء بل ولو وجد الماء معها (ويُجزئ) بضم أوله مهموز الآخر أي يخرج عن العهدة بالاستجمار بكل جامد منق كما سيأتي (إن لم يعد الخارج موضع العادة) ويجزئه الاستجمار مطلقاً أو مقيد؟ قال لك المصنف هنا بشرط (إن لم يعد) (يعد) هذا فعل مضارع مأخوذ من عداك الشر أي تجاوزك (إن لم يعد) أي إن لم يتجاوز (الخارج) من غائط أو بول (موضع العادة) والمعنى المراد إذا لم يتجاوز الخارج المخرج لا شك أن مخرج الغائط له مخرجه ثم ما قد يصيب المخرج ويزيد عليه قد يكون معتاداً وقد يكون غير معتاد - معتاد يعني في غالب الناس - وكذلك مخرج البول ثقب البول إذا خرج منه شيء حينئذٍ إما أن يتجاوز موضع العادة أو يتجاوز ما زاد على موضع العادة حينئذٍ قيد المصنف هنا بأن الاستجمار مقيد بالإجزاء في مخرج الغائط ومخرج البول وما تجاوز عادة حينئذٍ يزيل النجاسة التي على المخرج فإن انتشرت قليلاً عن المخرج كذلك يجزئه وأما ما خرج عن العادة فلا يجزئ في الخارج المتعدي لا في النجاسة التي تكون على المخرج لا يجزئ فيها إلا الماء هذا هو المعتمد في مذهب الحنابلة المتأخرين إذاً إذا تغوط حينئذٍ نقول له لك أن تستجمر فإذا استجمر حينئذٍ نقول ما كان على الخارج وما جاوره يجزئ فيه الاستجمار فإن تجاوز غير ذلك وتباعد إلى نصف الصفحة مثلاً أو زاد حينئذٍ نقول هذا الزائد لا يجوز أن يزيله بالحجر ونحوه وإنما يتعين فيه الماء رجوعاً للأصل وما هو الأصل؟ أن النجاسة لا تزال إلا بالماء الطهور حينئذٍ جاءت الرخصة فيما ماذا؟ جاءت الرخصة في إزالت النجاسة من على الموضع وسكت الشارع عما تجاوز عادة يعني مما يكون من شأن الناس فحينئذٍ يلحق به فنقول هذا يجزئ فيه الحجر ما زاد عن ذلك نقول الرخصة لا تتبع إلا معتاده الناس حينئذٍ لا يجزئ فيه إلا الماء ولذلك قوله (ويجزئه الاستجمار) بمعنى أن الاستجمار مجزئ لكن ليس مطلقاً في كل خارج لا، قال (إن لم يعد) إن لم يتجاوز (الخارج) من بول أو غائط (موضع العادة) يعني المخرج وما جاوره فإن تجاوز غير ذلك حينئذٍ ذلك المتعدي فقط لا يجزئ فيه إلا الماء لابد من الماء رجوعاً إلا الأصل (إن لم يعد الخارج موضع العادة) قال الشارح مثل أن ينتشر الخارج على شيئاً من الصفحة ويعنون بالصفحة باطن الألية المستتر بالانطباق عند القيام حينئذٍ إما يتجاوز إلا باطن الصفحة أو إلا ما عداها كالصفحة كاملة مثلاً حينئذٍ يعتبر ذلك متجاوزاً للعادة فلا يجزئ فيه إلا الماء أو يمتد إلى الحشفة امتداداً فلا يجزئ فيه إلا الماء وضحت المسألة إذاً هل كل استجمار مجزئ؟ الجواب لا فيه تفصيل فنقول التفصيل فيما ماذا؟ في كون استعمال الحجر للثقب نفسه المخرج وما جاوره عادة مجزئ وما تجاوز غير ذلك فلا يجزئ فيه إلا الماء والصحيح أنه يجزئ بلا قيد مطلقاً لماذا؟ لأن النصوص جاءت بالدلالة على

شرعية الاستجمار ولم يقيد وتقيدها بالعادة ونحوها نقول هذا تقيد لنص شرعي بدون دليل وإذا كان ذلك رجعنا إلى الأصل إذاً الصواب أنه يجزئ ولو تعدى الخارج إلى الصفحتين لماذا؟ أولاً: لعموم الأدلة لأن الأدلة ما جاءت مقيدة فالحديث السابق (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار) ما قال له إذا لم يعد الخارج موضع العادة لو كان الحكم كذلك لقيده النبي صلى الله عليه وسلم لكن لما قال (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب) ومعلوم من ذهب إلى الغائط أنه يحتمل أن يتجاوز الخارج موضع العادة يحتمل هذا والناس متفاوت في ذلك (فيستطب بثلاثة أحجار) أمره بالاستطابة ولم يقيد الحكم الشرعي بكونه إن لم يعد الخارج موضع العادة فنقول هذا إطلاق وعموم حينئذٍ نبقى عليه والتقيد هذا يحتاج إلى دليل وليس عندنا دليل واضح بيَّن ولم ينقله عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك تقدير لماذا؟ لأنك إذا قلت إن لم يعد الخارج موضع العادة ما هو موضع العادة؟ يختلف من شخص إلى شخص آخر فنحتاج في مثل هذا المواضع إلى تقدير شرعي بأن يقال ما كان إلى نصف الحشفة أو الحشفة كلها هذا تجاوز وهذا لم يتجاوز كذلك ما وصل إلى نصف الصفحة أو كلها كاملة حينئذٍ نقول هذا تجاوز وهذا لم يتجاوز لكن لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم تقدير في مثل ذلك فرجعنا إلى الأصل إذاً الصحيح فيجزئه الاستجمار مطلقاً لعموم الأدلة ولكون هذا التحديد يحتاج إلى نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عنه في ذلك حرف واحد، (ويشترط للاستجمار بالأحجار ونحوها) الآن أراد أن يبين هل كل شيء يصح الاستجمار به أم لابد من شروط؟ لابد من شروط ليس كل شيء يصح الاستجمار به يعني الذي يزال به الشيء النجس حينئذٍ نقول لابد من شرط وهذا الشرط إما أن يتعلق بالمحل وإما أن يتعلق بالشيء المستجمر به يعني بالحجر ونحوه، ما تعلق بالمحل شرطان - المحل يعني الخارج القبل أو الدبر - الأول: أن لا يجف يعني أن لا يتأخر فيجف الموضع لأنه إن جف حينئذٍ كيف يستعمل الحجر كيف يستعمل المنديل كيف يستعمل الخرقة نقول هذا متعذر لأنه لا يمكن إزالت النجاسة على هذا الحال والمراد بالاستجمار من حيث الشرعية ما هو؟ إزالت النجاسة هذا هو الأصل وهو مدرك العلة من هذه الحيثية، الثاني: على كلام المصنف أن لا يعد الخارج موضع العادة فالشرط السابق يتعلق بالمحل وعلى ما سبق ترجيحه يبقى عندنا شرط واحد وهو أن لا يجف المحل، ومن تعريف الاستجمار السابق قلنا ماذا؟ ما حقيقته؟ إزالت الخارج من سبيل؛ هذا تضيفه هنا لكن بيناه فيما سبق بمعنى أن الذي يصح الاستجمار فيه أن يكون سبيلاً أصلياً هل عندنا سبيل أصلي وتقليد؟ نعم عندنا السبيل الأصلي المراد به المخرج نفسه يعني مخرج الغائط ومخرج البول قد يكون وهذه مسألة مفروضة في السابق وموجودة الآن وهو أنه قد يفتح له فتحة مثلاً تحت السرة ويكون مخرجاً للبول أو الغائط ويمثل لها فيما سبق إذا فتح له في بطنه وهذا موجود حينئذٍ هذا الموضع الذي ليس بسبيل أصلي ليس بقبل أو دبر إذا خرج منه الخارج بول أو غائط هل يجزئ فيه الاستجمار أو يتعين فيه الماء؟ يتعين فيه الماء لماذا؟ لأن الاستجمار رخصة وإنما وردت في موضع

معين وهو القبل والدبر بشرط أن يكون أصلياً موضعه أصلي فإن فتح له فتحة في موضع آخر في جسده أيا كان ذلك الموضع وخرج منه البول أو الغائط حينئذٍ نقول هذا الموضع الثاني ليس بسبيل أصلي فلا يجزئ فيه إلا الماء يتعين فيه الماء ولا يجزئ فيه الاستجمار هذا فيما سبق في حد الاستجمار إذاً أن لا يجف المحل وزد عليه بأن يكون السبيل أصلياً وعلى كلام المصنف أن لا يعد الخارج موضع العادة، أما ما يتعلق بالاستجمار بالحجر نفسه ففيه شروط (ويشترط) ومعلوم حقيقة الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته حينئذٍ إذا انتفاء وصف من هذه الأوصاف في الحجر الذي يستجمر به نقول لا يصح الاستجمار به فإن استجمر به حينئذٍ كمن صلى بلا طهارة عمداً أليس كذلك؟ لأن الطهارة شرط فلا تصح الصلاة إلا بطهارة فإن صلى بدون طهارة حينئذٍ نقول صلاته باطلة ولا تصح ولكونه فوت شرط من شروط صحة الصلاة هنا كذلك نقول الاستجمار يشترط في الحجر أن يكون طاهراً مثلاً فإذا انتفت الطاهرية عن الحجر حينئذٍ نقول لو استجمر بحجر نجس نقول لا يصح استجماره لماذا؟ لفوات شرط من شروط صحة الاستجمار (يشترط للاستجمار) قال (بأحجار ونحوها) يعني ما يشابه الأحجار فقد جاء النص بذكر الأحجار لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: -في الحديث السابق - (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه) هذا دليل واضح بيِّن على أن الحجر يستجمر به (ونحوها) ونحو الأحجار مثل الخشب والخرق والتراب ونحوه حينئذٍ نقول هذا يحتاج إلى دليل لأن الذي ورد النص به صريحاً هو الحجر وغير الحجر هل ورد النص به أم أنه مقيس عليه هذا محل خلاف بين أهل العلم والصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم أن غير الحجر إذا أدى ما يؤديه الحجر حينئذٍ هو في حكمه مثله بمعنى أنه لا يتوقف الاستجمار بالأحجار فحسب وإنما كل ما يمكن إزالت النجاسة مع بقية الشروط فهو مما يستجمر به فالحجر ونحوه نقول هذا يستجمر به ولذلك قال سلمان رضي الله تعالى عنه (أمرنا أن لا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم) (أن لا نكتفي دون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع - هل هو حجر؟ لا - ولا عظم - هل هو حجر؟ لا -) لو كان الحكم مقصوراً على الحجر فقط لما كان لهذا الاستثناء معنى فلما استثنى دل على أن مراده دون ثلاثة أحجار ونحوها مما يؤدي وظيفة الحجر ليس فيها رجيع ولا عظم فهذا الاستثناء يدل على أن الحكم السابق عام وليس بخاص ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يستجمر بعظم أو روث ولنهيه أن يستنجى بعظم أو روث لما عين العظم والروث سواء كانا طاهرين أو نجسين كما سيأتي لما عين ونهى عنهما دل على أن ما عداهما الأصل فيه الجواز إذاً ونحوها نقول هذا واضح من حيث الدليل (ويشترط الاستجمار بأحجار ونحوها أن يكون طاهراً) أن يكون ما يستجمر به الحجر مثلاً ونحوه طاهراً خرج به النجس فالنجس لا يزيل النجس إنما يزيده نجاسة وهذا واضح بين (أن يكون طاهراً) فلا يصح بنجس لما رواه البخاري (ولا تأتن بعظم ولا روث) ولحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين

وروثة - حجرين ورثة جاء للنبي بهذه الثلاثة - فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحجرين وألقى الروثة، وقال (هذا رجس) يعني نجس ولم يقل هذا ليس بحجر وإنما قال هذا رجس فدل على أمرين الأول: أنه يستجمر بغير الحجر لأنه علل بشيء ليس بحجر لو كان لا يستنجى بغير الحجر لألقى الروثة وقال ليس بحجر وإنما قال هذا رجس فدل على أنه يجوز الاستجمار بغير الحجر، ثانياً: علل في رفضه ورده للروثة بأنها رجس فدل على أن كل ما كان نجساً فلا يستجمر به لأن الاستجمار إنما يكون لإزالت النجاسة والنجاسة لا تزيل النجاسة بل هي تزيدها وقال (هذا رجس) رواه البخاري، هذا الأول أن يكون طاهراً قال في الشرح مباحاً وهذا على الصحيح من المذهب لأن ما كان محرماً لا يصح الاستجمار به لأنه رخصة ولكل رخصة معلقة بما أباحه الشرع كذلك رخصة وهو كذلك طاعة ولكل منهي عنه لا يتقرب به إلى الله عزوجل فلو استجمر بذهب وفضة مثلاً ماذا نقول؟ لا يصح استجماره لماذا؟ لأنه لا يحل له سواء كان ذكراً أو أنثى أن يستعمل الذهب والفضة كما سبق في باب الآنية حينئذٍ لو استعمل الذهب والفضة أو المغصوب أو المسروق سرق حجر نقول لا يصح استجماره لكونه محرماً وهذا منهي والمنهي عنه نقول لا يتقرب به إلى الله تعالى وسبق معنا قاعدة عامة النهي يقتضي فساد المنهي عنه فهو منهي عن أن يستعمل هذا الحجر المسروق أو المغصوب أو الذهب أو الفضة في كل ما يكون قربة إلى الله عزوجل حينئذٍ إذا استعمله نقول هذا الاستجمار غير مجزئ كمن توضأ بماء مغصوب أو بماء مسروق أو بماء موقوف للشرب نقول وضوؤه لا يصح كما سبق بيانه فلو توضأ بماء موقوف البرادات مثلاً أو بالحرم زمزم نقول هذا الماء موقوف للشرب فلو توضأ به وضوؤه باطل ولا يصح لأنه محرم عليه استعمال في غير الشرب إذا كتب موجود في بعض الطرق ماء للشرب بمعنى أنه عينه الواقف بأن هذا الماء لا يستعمل إلا للشرب فله أن يشرب ما شاء وله عند بعضه أن يحمل إذا كان للشرب وأما استعمله في غير الشرب فهذا محرم وإذا كان كذلك فإذا ترتب عليه عبادة نقول العبادة باطلة من أصلها إذاً كما يشترط في الوضوء أن يكون مباحاً يشترط في الحجر أن يكون مباحاً وهذا هو الصحيح مذهباً وترجيحاً (منقياً) أي يشتر ط فيما يستجمر به أن يكون (مُنْقِيَاً) هذا اسم فاعل من أنقى حينئذٍ كل ما ينقي يصح الاستجمار به وأما ما لا ينقي يعني ما لا يحصل به الإنقاء فهذا لا يصح الاستجمار به وحد الإنقاء بالحجار بقاء أثر لا يزيله إلا الماء هو لابد أن يبقى، الاستجمار الفرق بينه وبين الاستنجاء أن الاستنجاء يزيل العين والأثر وأما الاستجمار يبقى شيء لا يزيله إلا الماء إن بقي شيء لا يزيله إلا الماء حينئذٍ نقول المحل قد طهر والاستجمار الصحيح هو ما استعمله يكون صحيحاً لأنه أنقى الموضع (منقياً) يعني يحصل به الإنقاء وحد الإنقاء بالأحجار بقى أثر لا يزيله إلا الماء والتعليل واضح أن الاستجمار إنما شرع من أحل إزالت النجاسة فكل ما يزيل فهو مشروع وما لا يزيل فليس بمشروع مع بقية الشروط (غير عظم وروث) استثنى هذا شرط وجودي أو عدمي؟ هذا شرط عدمي والأول شرط وجودي (غير) بالنصب (عظم ورث) العظم والروث نوعان منه ما

هو نجس ومنه ما طاهر مثل ماذا الروث الطاهر؟ مأكول واللحم الغنم روثها طاهر الدجاج كذلك الحمام كل مأكول اللحم روثه طاهر والعظم مثل ماذا؟ عظم ما يؤكل لحمه مذكاة، الروث النجس مثل ماذا؟ غير مأكول اللحم القط مثلاً، عظم نجس؟ عظم ما لا يؤكل لحمه لأنه ميتة الميتة عظمها نجس كما سبق بيانه حينئذٍ العظم والروث نوعان منه ما هو طاهر ومنه ما هو نجس ما كان نجساً خرج بقوله (أن يكون طاهراً) بقي ماذا؟ الطاهر (غير عظم وروث) قال الشارح ولو طاهرين بمعنى أن الروث والعظم قد يكون نجساً وقد يكون طاهراً والمنع هنا متعلق بالنوعين بالعظم والروث النجس لكونه ليس بطاهر بل هو داخل في الشرط الأول والعظم الطاهر والروث الطاهر لورد النص الخاص به وهذا يؤكد المسألة السابقة أن المغصوب والذهب والفضة والمحرم لا يصح الاستجمار به فإذا استجمر بما نهي عنه شرعاً كالعظم والروث الطاهرين حينئذٍ قد استعمل ما نهي عنه حينئذٍ لا يترتب عليه الأثر إذاً (غير عظم وروث) النجس واضح حكمه فيما سبق وأما الطاهر حينئذٍ جاء النص الخاص به بمنعه فيكون محرماً من حيث الاستعمال فلا يجزئ حينئذٍ استعمال العظم والروث لحديث (لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن) رواه مسلم والترمذي وقال العمل عليه عند أهل العلم وكذلك حديث أبي هريرة (نهى أو نهي أن يستنجى بعظم أو روث) وقال (إنهما لا يطهران) إذا كانا نجساً (إنهما لا يطهران) رواه أبو خزيمة وغيره وقال الشيخ يعني ابن تيمية (الاستنجاء لا يجوز بالرجيع بحال إما لنجاسة وإما لكونه علفاً لدواب إخواننا من الجن) إذاً يشترط فيما يستجمر به أن يكون طاهراً منقياً وزدنا مباحاً غير عظم وروث ولو طاهرين، (وطعام ومحترم ومتصل بحيوان) هذه ثلاثة أشياء كلها داخلة في قوله (محترم) (طعام) يعني ولو كان فضلة الطعام لا يستجمر به ولو أزال النجاسة لماذا؟ لكونه محترماً ولذلك قال الشارح (ولو لبهيمة) فإذا منع طعام البهيمة فمن باب أولى أن يمنع طعام الآدمي (ولو لبهيمة) لأنه كطعام الآدمي (ومحترم) وهو ما له حرمة ويدخل فيه الطعام ويدخل فيه المتصل بحيوان حينئذٍ ذكره كاف عن ذكر الطعام والمتصل بحيوان ومثل الشارح بالمحترم (ككتب علم شرعي تعظيماً وما فيه ذكر الله تعالى قال في الإنصاف هذا لا شك فيه ونعلم ما يخالفه) (ومتصل بحيوان) لأنه له حرمة فإذا نهي عن علفها فمن باب أولى وأحرى وهذا فيم إذا استعمل ذنب بالبهيمة أو صوفها المتصل بها حينئذٍ نقول هذا منهي عنه إذاً يشترط فيما يستجمر به (أن يكون طاهراً منقياً غير عظم وروث وطعام) بالجر على أنه عطف على الشرط العدمي (ومحترم) يعني غير محترم (ومتصل بحيوان) يعني غير متصل بحيوان إن استجمر بواحد من هذه الأوصاف أو ما اشتمل على هذه الأوصاف لا يصح استجماره على الصحيح وإن ذهب بعض أهل العلم على صحته على أن الجهة منفكة يعني صح مع الإثم والصواب أنه لا يصح لأننا إذا صححاً مثل هذه لما أوقفنا الناس عن الكف عن المحرمات ثم الحديث واضح بين (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا قد عمل عملاً ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فهو رد ومردود عليه، ثم قال (ويشترط ثلاث مسحات منقية

فأكثر) يعني يشترط زيادة على ما مضى في الإجزاء في الاستجمار أن يكون بثلاثة أحجار وهذا يعينه النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى أنه حدد ثلاثة أحجار كما جاء حديث عائشة السابق (فليستطب بثلاثة أحجار) حينئذٍ إذا يعين النبي صلى الله عليه وسلم عدداً معين فالأصل فيه عدم الزيادة وعدم النقصان ولما جاء النهي عن أن لا يستجمر بأقل بثلاثة أحجار سكتنا عن الزيادة وعلقنا الترك فيما ماذا؟ فيما نقص عن ثلاثة أحجار إذاً (يشترط ثلاث مسحات) يعني ثلاثة أحجار والحديث يقتضي ثلاث مسحات دون عين الأحجار وذلك أن معناه معقول ومراده معلوم هذا في الحديث السابق وجاء في حديث (إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثاً) وعن سلمان (نهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) رواه مسلم وهذا نص صريح واضح بين بأنه لابد من استيفاء الثلاثة وأنه إذا حصل الإنقاء ولو بحجر واحد لا يجزئ وهذا دل على شيء سبق التنبيه عليه وهو أنه قد يكون الحكم معلوماً والتعليل معلوماً وقد لا يطرد معه سبق في الماء القليل إذا حلت فيه النجاسة ولم يرى لها أثر دل النص على أنه نجس وهو كذلك حينئذٍ لا نعلل بأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً لو طبقاً هذه القاعدة على الماء القليل الذي أصابته نجاسة ولم يتغير قلنا هذا ليس بنجس لماذا؟ لأن أثر النجاسة لم يبدو على الماء فحلت النجاسة في الماء حينئذٍ لم يتغير لم يظهر لها أثر إذاً النجاسة من حيث الإدراك العقلي البشري غير موجودة لكن حكم الشارع بأنه نجس فنقف معه ولا نقول الحكم يدور مع علته وجود وعدماً لو عللنا هناك كذلك لعللنا في هذا الموضع بنفس الكلام لماذا؟ لأن الأحجار الثلاثة منصوصاً عليها حينئذٍ قال أهل العلم لا يحل له أن يستجمر بأقل من ثلاث ولو زالت النجاسة بالحجر الأول إذاً استجمر بالحجر الأول فزالت النجاسة استجمر بالحجر الثاني وليس ثَمَّ نجاسة ويلزمه استعمال الثالث وليس ثَمَّ نجاسة لو كان التعليل بوجود النجاسة لقلنا الحكم يدور مع علته وجود وعدماً فإذا لم توجد النجاسة التي يزيل الحجر الثاني والثالث لقلنا الأصل سقوط الثاني والثالث لو جرينا على هذه القاعدة لا ما أوجبنا الثلاث إذا أزال الحجر الأول عين النجاسة لأن الثاني لم يجد نجاسة من أجل إزالتها والثالث كذلك لو عللنا بهذه العلة السابق التي يذكرها الفقهاء في باب الماء لقلنا فهذا الموضع كذلك ولكن لما كان الحكم توقيفياً بمعنى أنه قد تكون العلة مدركة من وجه وقد تكون مجهولة من وجه آخر حينئذٍ نقول ندور مع الشرع وجوداً وعدماً فإذا أثبت الشرع بأن الماء القليل نجس ولو لم ندرك النجاسة نحن حينئذٍ نرجع إلى أنفسنا ونقول النجاسة موجودة وكذلك هنا الحجر الثاني يجب استعماله والثالث ولو لم تكن النجاسة موجودة لماذا؟ للدليل الذي أوجب ذلك إذاً (يشترط ثلاث مسحات) ولا يجزئ دون الثلاث لكن عبر هنا بالمسحات ليدل على أنه قد يجوز استعمال الحجر الواحد إذا كانت له شعبتان أو ثلاث فالمراد به المسحة التي تعم الموضع سواء كانت بحجر واحد أو بحجرين أو بثلاثة حينئذٍ يعمم الموضع مسحة كاملة ثم يعممه مسحة ثاني كاملة ثم يعممه مسحة ثالثة كاملة سواء كان بحجرين أو بثلاثة أو بحجر واحد واضح هذا

(ثلاث مسحات مُنْقِيَة) وهذا شرط فيه أن تكون هذا الثلاثة المسحات يحصل بها التنظيف (فأكثر) يعني لا يقل عن المشروع وهي ثلاثة وله أن يزيد إذا لم يحصل الإنقاء بالثلاثة إذا بقي مع الثلاث وأزال به نجاسة تعين عليه أن يزيد الرابع ويسن أن يقطعه على وتر إذا لم تزل النجاسة بالرابع تعين أن يزيد الخامس وهكذا حتى يزيل النجاسة لأن إزالت النجاسة هذا متعين حينئذٍ لابد من زيادة العدد باعتبار إزالت النجاسة وأما إذا زالت النجاسة حينئذٍ يتعين عليه الثلاث (ثلاث مسحات منقية فأكثر إن لم يحصل بثلاث ولا يجزئ أقل منها يعني من الثلاث المسحات ويعتبر أن تعم كل مسحة المحل) ويعتبر يعني يشترط أن تعم كل مسحة المحل لأنه إن لم تكن كذلك لم تكن مسحة بل هي بعض مسحة (ولو بحجر ذي شعب) يعني صاحب شعب جمع شعبة وهي الطرف يعني ذي أطراف (ولو) كانت الثلاث المسحات (بحجر) واحد - حجر كبير طبعاً - حجر واحد يكون له (شعب) ثلاث حينئذٍ يجزئ إن أنقت لما روى أحمد عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا تغوط أحدكم فليمسح ثلاث مرات) فبين أن الغرض عدد المسحات لا الأحجار ولأنه يحصل بالشعب الثلاث ما يحصل بالأحجار الثلاث من كل وجه وكيفما حصل الإنقاء في الاستجمار أجزأ بمعنى أن الفقهاء بعضهم بين كيفية الاستجمار أن يأتي كذا ويمر على كذا فصل لك الكيفية ولكن هذه الكيفية لم تثبت لم تنقل إنما هي اجتهاد من الفقهاء فإذا كان كذلك كيفما حصل الإنقاء أجزأ لأن المراد تعين الحجر لإزالت النجاسة ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة الاستعمال فإذا كان كذلك لا نحدده تحديده يكون من باب التدخل في الشرع (ويسن قطعه على وتر) يعني متى هذا؟ إذا زاد عن الثلاث ولم تزل النجاسة إلا بالحجر الرابع حينئذٍ الحجر الخامس الأصل فيه عدم الحاجة إليه لأن النجاسة قد زالت وجاء الحديث (من استجمر فليوتر) حينئذٍ دل ذلك على أنه يستحب الوتر في الاستجمار فإذا أنقى بالرابعة لم تنقطع النجاسة إلا بالرابعة حينئذٍ يزيد الخامسة وإذا لم تكن الخامسة حينئذٍ يزيد بالسادسة والسابعة وهكذا ولذلك قالوا (ويسن قطعه على وتر) يعني فرد (قطعه) أي قطع ما زاد على الثلاث (على وتر) فإن أنقى برابعة زاد خامسة وهكذا وإن أنقى بسادسة زاد سابعة لحديث (من استجمر فليوتر) وهو حديث متفق عليه وليس بواجب، (ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الريح ولا يصح قبله وضوء ولا تيمم) (يجب) هذا حكم شرعي بين لك حكم الاستنجاء ما حكمه؟ هو إزالت نجاسة فإذا كان كذلك حينئذٍ نقول الأصل في إزالت النجاسة إن كانت هذه النجاسة مشترط زوالها واجتنابها في الصلاة ونحوها حينئذٍ واجب فنقول (يجب الاستنجاء) في الصلاة ونحوها يعني مما يشترط فيه إزالت النجاسة كالطواف ونحوه ودليل الوجوب قوله تعالى (وثيابك فطهر) وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب والحديث السابق حديث عائشة (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه) والرواية السابقة (فليستطب) والأمر للوجوب قوله (فإنها تجزئ عنه) لفظ الإجزاء تدل على الوجوب أليس كذلك؟ لفظ الإجزاء عند كثير من الأصوليين يدل على الوجوب وعند بعضهم لا يدل على الوجوب وإنما يدل على المطلوب (وخصص

الإجزاء بالمطلوب ... وقيل بل يختص بالمكتوب) بمعنى أنه خاص بما وجب فإذا قال الشارع يجزئ كذا دل على أنه واجب ومن هنا اختلفوا في الأضحية بلفظ الإجزاء هل هي واجبة أم سنة؟، (ويجب الاستنجاء) عرفنا الدليل (لكل خارج) من سبيل أصلي يعني كل خارج سبق في قول المصنف الشارح في تعريف الاستجمار أنه إزالت الخارج من سبيل وعرفنا أن الخارج قد يكون معتاداً وقد يكون غير معتاد بمعنى أنه نادر وقد يكون طاهراً وقد يكون نجساً وقد يكون كل منهما جافاً وقد يكون مائعاً حينئذٍ هل كل هذه يجب الاستجمار لها؟ هل كل هذه المواضع يجب الاستجمار لها؟ المصنف قال (لكل خارج) وكل هذه من صيغ العموم (إلا الريح) استثنى الريح إذاً الاستثناء معيار العموم فكل خارج من طاهر غيره ملوث وغير ملوث وجب الاستجمار له لماذا؟ لعموم الأدلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب بثلاثة أحجار) قد يذهب ويخرج شيئاً نادر الشيء النادر يعنون به الدود مثلاً والشعر ونحوه والشيء المعتاد كالبول والغائط والطاهر مثل ماذا؟ مثل المني والشيء النجس واضح والشيء النجس قد يكون ملوثاً وقد لا يكون ملوثاً العبر قالوا الجاف هذا قد لا يلوث الموضع حينئذٍ النبي صلى الله عليه وسلم قال (فليذهب بثلاثة أحجار) فدل ذلك على أن كل خارج يجب عليه أن يستعمل ثلاثة أحجار واستثنى المصنف الريح وهذا محل إجماع عند السلف أن الريح لا يستجمر لها ولا يستنجى بل عدوه من البدع نص على ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى حينئذٍ (لكل) خارج من سبيل إذا أراد الصلاة ونحوها (إلا الريح) هذا المذهب وزاد المصنف الشارح (الطاهر وغير الملوث) حينئذٍ عند المتأخرين عند الحنابلة مما لا يستجمر له ولا يستنجى ثلاثة أشياء الريح ثانياً الطاهر كالمني وثالثاً غير الملوث يعني النجس الذي يخرج نجساً جافاً لا يلوث الموضع فهذا لا يجب له استجمار قالوا لأنه إنما شرع لإزالت النجاسة ولا نجاسة هنا قال في الفروع (وهو أظهر) قال في الرعاية (وهو أصح) قال في الإنصاف (قلت وهو الصواب فكيف يستنجي أو يستجمر من طاهر - يتعلل بذلك - أم كيف يحصل الإنقاء بالأحجار في الخارج غير الملوث كيف يزيله وهو لم يكن في الموضع شيء هل هذا إلا شبيه بالعبث) هكذا قال في الإنصاف على كل هذا تعليل والنصوص عامة وإن احتيط فهو أولى، ثم قال (ولا يصح قبله وضوء ولا تيمم) هذه صورة قليلة الوقوع ونادرة أنه لو تغوط أو تبول ثم توضأ ثم رجع فاستجمر أو استنجى هل وضوؤه صحيح أم لا؟ وبعبارة أخرى هل الاستنجاء والاستجمار شرط في صحة الوضوء أو لا؟ على ما اختاره المصنف أنه شرط ولذلك قال (ولا يصح قبله) أي قبل الاستنجاء لماء أو حجر نحوه (وضوء ولا تيمم) فإن توضأ قبل أن يستنجي يعني انقطع الخارج الآن هذا قطعاً إذا استمر الخارج فتوضأ ما صح وضوؤه محل وفاق لكن انقطع الخارج ولم يغسل الموضع ثم توضأ نسي قد ينسى حينئذٍ إذا توضأ ولم يستجمر قال المصنف هنا (ولا يصح قبله) يعني قبل الاستنجاء (وضوء ولا تيمم) لماذا؟ قالوا لحديث المقداد المتفق عليه (يغسل ذكره ثم يتوضأ) ثم هنا تفيد الترتيب حينئذٍ رتب النبي صلى الله عليه وسلم اغسل ذكرك أولاً يعني استنجي أو

استجمر ثم بعد ذلك توضأ فدل ذلك على الترتيب لما ذكر ثم دل على أنه لابد أن يقع الاستنجاء أولاً ثم يتبعه بالوضوء فإن عكس لم يصح الوضوء هذا لفظ النسائي حديث المقداد وقال الحافظ (منقطع) قول الشارح لحديث المقداد المتفق عليه يغسل ذكره ثم يتوضأ هو متفق عليه في الأصل وأما هذا اللفظ فلا هذا لفظ النسائي وهو منقطع ضعيف لم يثبت ولفظ مسلم (يغسل ذكره ويتوضأ) بالواو والواو لا تفيد ترتيباً إنما تفيد لمطلق الجمع فقط لا تدل على الترتيب ولا المصاحبة وإنما تفيد مطلق الجمع حينئذٍ قد يكون السابق في الذكر هو المتأخر وقد يكون بالعكس ولأحمد وأبي داود ونحوه ولفظ البخاري (توضأ واغسل ذكرك) قدم الوضوء على غسل الذكر قال الحافظ (ووقع في العمدة نسبة ذلك للبخاري بالعكس وفي لفظ لمسلم [اغسل ذكرك وتوضأ] وفي بعض الروايات [توضأ ونضح فرجك] والواو لا تقتضي الترتيب بل لمطلق الجمع على المشهور) قال النووي (والسنة أن يستنجي قبل الوضوء ليخرج من الخلاف ويأمن انتقاض طهره) حينئذٍ لو توضأ بعد استنجائه على كلام النووي وغيره صح لكن بشرط أن لا يمس فرجه لأن مس الفرج يعتبر من نواقض الوضوء فإن أمكنه أن يستنجي أو يستجمر دون أن يمس فرجه حينئذٍ وضوؤه صحيح لأن الرواية التي ذكرها المصنف هنا الشارح فيها نظر فنرجع إلى الأصل ولم يدل دليل على أنه يشترط الترتيب أو أن الاستنجاء أو الاستجمار شرط لصحة الوضوء ولكن احتياطاً والأولى أن لا يفعل ذلك عمداً لكن لو نسي توضأ ثم غسل ثم سأل لا نستطيع أن نبطل صلاته أو وضوؤه لعدم وجود الدليل الذي يدل على البطلان إذاً (ولا يصح قبله وضوء ولا تيمم) نقول الرواية المعتمد عليها ضعيفة من حيث اللفظ ونبقى على الأصل والأصل عدم شرط للوضوء إلا ما دل الدليل الصحيح الواضح البين يعني الأصل ما هو الشرطية أو عدمها؟ الأصل عدم الشرطية حينئذٍ لا يقال بأن هذا شرط لصحة الوضوء إلا إذا دل دليل واضح بين وإذا لم يرد رجعنا إلى الأصل ثم قال باب السواك وسنن الوضوء نقف على هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

6

عناصر الدرس باب السواك، وسنن الوضوء وفيه: * ما يستاك به، وشروطه، ومتى يتأكد السواك. * بأي يد يمسك السواك عند التسوك؟ * هل تجب التسمية في الوضوء؟ * تعريف الختان، وحكمه للذكر والأنثى. * تعريف القزع، وحكمه. * سنن الوضوء، ودليل كل واحدة منها. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد قال المصنف رحمه الله تعالى (باب السواك وسنن الوضوء) هذا بيان ما يتعلق بالسواك من حيث الحقيقة وبما يكون ومن حيث بيان حكمه وكذلك ما يتعلق بسنن الوضوء ولا شك أن السواك متعلق بسنن الوضوء وهو واحد منها حينئذٍ يكون قوله (سنن الوضوء) من عطف العام على الخاص هذا وجه ذكر مناسبة هذا الباب في هذا المحل لأن كما سبق ذكر الاستنجاء وما يتعلق به ثم ما يتعلق بسنن الوضوء ثم سنن الوضوء على قسمين منها ما تكون سابقة للوضوء عند بعض أهل العلم ومنها السواك ومنها غسل الكفين ثلاثاً وجوباً عند استيقاظه من نوم لليل أو على جهة الاستحباب إذا لم يكن كذلك وسنن الوضوء منها ما هو داخل في جنس الوضوء ولذلك ناسب أن يذكر هذا الباب قبل بيان فرائض الوضوء كذلك صفته (باب السواك) سواك فِعال بكسر السين يجمع على سُوك فُعُل ويخفف بإسكان الواو وربما يهمز فيقال سُؤْكٌ ولكن المشهور هو السواك على وزن فِعال ولذلك قال أهل اللغة السواك بكسر السين وقد يطلق على الفعل وعلى العود الفعل الذي هو الدلك استعمال العود في الأسنان أو في اللثة أو في اللسان هذا يسمى ماذا؟ يسمى فعلاً حينئذٍ يطلق السواك الذي يطلق السواك على الفعل ويطلق السواك على ما يستاك به على الآلة نفسها يقال هذا سواك وهذا سواك إذاً السواك اسم للعود الذي يتسوك به وكذلك يطلق على الفعل نفسه وهو الدلك وهو مذكر قال الليث وتؤنثه العرب قال الأزهري هذه من أغاليط الليث القبيحة يعني لا تؤنثه العرب، ومختلف فيه أن يقال هذا سواك وهذه سواك أم أنه مذكر مطلق على خلاف بين أهل اللغة والخلاف سهل في مثل هذه المواضع والسواك فعلك بالمسواك ويقال ساك فمه يسوكه سوكاً فإن قلت استاك من تسوك لم تذكر الفم استاك تسوك لا يقال وإنما يقال ساك فمه يقال ماذا؟ ساك فمه يسوك وأما استاك بمعنى أنه استعمل السواك الذي هو العود في دلك فمه ثم قيل السواك مأخوذ من ساك إذا دلك وقيل من جاءت الإبل تستاك أي تتمايل هزالاً، قال هنا (باب السواك وسنن الوضوء) إذاً السواك عرفنا أنه يطلق على الآلة وعلى الفعل وهو يذكر النوعين سيذكر الآلة وسيذكر الفعل كذلك (وسنن الوضوء) جمع سنة وهي لغة: الطريقة، وإذا أطلق في مقابلة الواجب فالمراد بها المستحب، وهو المراد هنا لأن سيذكر في الباب الآتي فرائض الوضوء وهنا ذكر سنن الوضوء حينئذٍ أراد بالسنة ماذا؟ أراد بها ما يقابل الواجب وهو ما طلب الشارع فعله طلباً غير جازم فاختص بذلك، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله فرض صيام رمضان وسننت قيامه) صح الحديث حينئذٍ قابل هنا الفرض بالسنة، (الوُضوء) بضم الواو الوُضوء اسم للفعل الذي هو المصدر وأما بالفتح فهو اسم للماء الذي يتطهر به يقال الوَضوء ويقال الوُضوء؛ الوُضوء الفعل نفسه أخذك الماء ثم سيلانه على الأعضاء وأما الفتح فهو الوَضوء فهو الماء الذي تستعمله في الوضوء وأصله مأخوذ من الوضاءة وهي النظافة إذاً (باب السواك وسنن الوضوء) عرفنا السواك هو من سنن الوضوء حينئذٍ نقول أراد المصنف هنا

التنصيص على السواك لأنه هو الذي يعتبر مقدماً لما سيأتي وأما سنن الوضوء فهذه سيأتي ذكرها في ذكر الوضوء نفسه ويذكر في هذا الموضع ما يتعلق بسنن الفطرة ولذلك بعضهم يعنون بهذا الباب (باب السواك وسنن الفطرة) حينئذٍ يشمل الادهان والاكتحال والاختتان والاستحداد وما يتعلق باللحية وتحريم حلقها والقزع وكل ما سيذكره المصنف رحمه الله تعالى وهو داخل في جنس ما يذكر وهذا طريقة الفقهاء رحمهم الله تعالى أنهم يلتمسون بعض المسائل لأنها تتعلق بها أحكام شرعية حينئذٍ أين يذكرون هذه المسائل في أقرب ما يمكن أن يلحق به يعني لا يلزم أن يكون ثَمَّ مناسبة ظاهرة بين الباب وبين ما يذكر حينئذٍ الاستحداد هذا واضح أنه من سنن الوضوء فإذا قال (باب السواك وسنن الوضوء) ما الذي أدخله؟ نقول من باب ذكر الشيء بذكر ما يتعلق به ولو من وجه بعيد ومرادهم ذكر الأحكام الشرعية بأن يكون هذا الكتاب جامع لكل ما يحتاجه المسلم حينئذٍ لابد من ذكرها قال المصنف رحمه الله تعالى (التسوك بعود لين مُنَقٍ أو مُنْقٍ - يجوز فيه الوجهان التخفيف والتثقيل - غير مضر لا يتفتت لا بإصبع أو بأصبعه - كما في بعض النسخ - وخرقة مسنون كل وقت لغير صائم بعد الزوال) التسوك مسنون أراد أن يبين الحكم الشرعي للسواك وقال (التسواك) بما ذكر لبيان الآلة التي يستاك بها قال (مسنون) إذاً حكم السواك أنه مسنون كما سيأتي (التسواك بعود لين) التسواك الذي أراد به المصنف هنا الفعل التسواك هو الفعل عرفه هنا في الشرح [هو دلك الفم بالعود لإزالت نحو تغير]؛ [دلك الفم] قال [الفم] والفم لا شك أنه أعم من أن يقال دلك الأسنان لأن السواك لا يختص بالأسنان وإنما قد يكون محله ثلاث محله الأسنان واللثة واللسان ولذلك فاقد الأسنان لا يقال بأنه ساقط عنه الحكم بأنه لا يسن له السواك لا يسن له السواك ويبقى له محلان وهما اللسان واللثة [دلك الفم] إذاً يشمل الأسنان واللسان واللثة [بالعود] خص العود لأن المذهب يرون أنه خاص بالعود فلا يجزئ غيره لا تتحقق السنة إلا بالعود [لإزالت نحو تغير] بمعنى أنه مشروع لإزالت الأذى هذا هو الأصل ولا يمنع أنه مشروع للتعبد بمعنى أن الفم قد يكون طاهراً مطهراً بمعنى أنه ليس فيه تغير حينئذٍ يشرع له السواك وقد يكون متغيراً فحينئذٍ يتأكد السواك ولذلك سيأتي (متأكداً عند صلاة وانتباه ونغير فم) متى ما تغير الفم حينئذٍ تأكد السواك إذا لم يكن ثَمَّ تغير حينئذٍ نقول السواك مشروع مطلقاً في أي وقت من الأوقات ولأي سبب من الأسباب فلا يختص بإزالة نحو تغير بل الحكم يعتبر عاماً إذاً التسوك عرفنا حده [دلك الفم بالعود لإزالت نحو تغير] (التسواك) هذا مبتدأ قوله (مسنون) خبره (بعود) هذا متعلق به (التسوك بعود) جار ومجرور متعلق بقوله (التسوك) هل أراد به الاحتراز القيد هنا؟ قل نعم؛ بمعنى أن التسوك لا يكون إلا بعود فإن لم يكن بعود لا يحصل السواك ولذلك نص على هذا المفهوم بقوله (لا بإصبع وخرقة) وليس المراد به عين الإصبع أو الخرقة وإنما المراد كل ما يمكن أن يستاك به غير العود حينئذٍ اختص الحكم هنا بالعود ما عدا العود لا يستاك به ألبته وهذا هو المذهب عند الحنابلة إذاً (التسوك

بعود) نقول (بعود) هذا متعلق بقوله (التسوك) ودخل فيه كل أنواع الأعواد بمعنى أنه لا يختص بعود دون عود فهو جنس وظاهره التساوي بين جميع ما يستاك به وهو المذهب وعليه الأصحاب، والمذهب أن كل عود يمكن بالشروط التي سيذكرها (لين منق غير مضر لا يتفتت) بهذه القيود يصح الاستياك به وتحصل به السنة حينئذٍ لا يشترط أن يكون من أراك أو زيتون أو عرجون ونحو ذلك وإنما الأولى أن يكون من واحد من هذا الأمور الثلاثة لأن قوله (بعود) جنس دخل فيه كل أنواع العيدان سواء كانت من جريد النخل أو من عرجينها أو من غيرها وخرج بقوله (بعود) التسوك بالأصابع أو الخرقة سينص عليه المصنف فليس بسنة على المذهب وهو الذي عليه الأصحاب وصف هذا العود بقوله (لين) إذاً هذا العود يشمل اللين ويشمل اليابس حينئذٍ اليابس لا يسن الاستياك به ولو كان عوداً (بعود لين) إذاً لين خرج به القاسي أو اليابس فإنه لا يستاك به لعدم الفائدة التي تكون في اللين وقد يضر اللثة ولذلك احتاج الاحتراز عنه إذاً (لين) سواء كان رطباً أخضر بنفسه أو يابساً مندى بمعنى أنه إذا كان يابساً قاسياً حينئذٍ لك وجهان إن أردت استعماله هكذا دون تليينه بأن تبلله بالماء مثلاً أو الريق حينئذٍ لا يشرع لك التسوك به بل يكره على المذهب لماذا؟ لأن السنة إنما تحصل بالعود اللين وأما العود اليابس القاسي فهذا لا تحصل به السنة لأنه مضر ولا يؤدي فائدة العود اللين أو النوع الثاني يكون يابساً ولكنه يندى بمعنى أنه يبلل بالماء ونحوه حينئذٍ يكون داخلاً في مفهوم اللين إذاً لين بنفسه أو بما أضيف إليه لين (بعود لين) بنفسه بذاته يكون أخضر حينئذٍ هذا واضح بين أو يكون لين لكن بتليينه بالماء أو الريق أو نحو ذلك قال في الشرح [من أراك أو زيتون أو عرجون أو غيرها] اقتصر بعض الأصحاب على هذا الثلاثة الأراك أو الزيتون أو العرجون وما عداها فهو منفي لن يستاك به والصحيح أنه للعموم وإن كان الأولى وهو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استاك بعود أراك فيبقى هو سنة من حيث تخصيصه وغيره لا ينافي السنية من حيث تشريع السواك فيبقى حينئذٍ الحكم عاماً في الأراك أو الزيتون أو العرجون أو غيرها لكن يبقى التنصيص على أن الأراك هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم بل أمر به كما جاء في وفد عبد قيس [فأمر لنا بأراك] هكذا قال [فأمر لنا] يعني النبي صلى الله عليه وسلم [بأراك فقال استاك بهذا] ولأبي يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال [كنت اجتنيه - اقطفه - لرسول الله صلى الله عليه وسلم] ولأحمد عنه موقوفاً إذاً (بعود) يدخل فيه كل عود سواء كان من أراك أو من غيره وهذا هو الصحيح (لين) احترز به عن اليابس غير المبلل حينئذٍ لا يشرع التسوك به لأنه مضر (بعود لين مُنْق) بالتخفيف اسم فاعل من أنقى ينقي فهو مُنْق ويصح أن يقال (مَنَق) اسم فاعل من نقى ينقي فهو مَنَق يجوز فيه الوجهان والمراد به المنظف بمعنى أنه يزيل الأذى الذي في الفم لأن الغرض من هذا التسوك هو تنظيف وتطهير الفم هذا هو الأصل حينئذٍ فما لا يحصل به التطهير حينئذٍ لا يكون مشروعاً وإنما يكون مشروعاً إذا حصل الغرض (السواك مطهرة للفم) مَطْهرة مِطْهرة بمعنى

أنه آلة للتطهير فإذا كان كذلك صار الحكم معللاً لأن مطهرة مشتق من الطهارة وهي النظافة حينئذٍ ما لم يؤدي النظافة والطهارة والنزاهة حينئذٍ لا يشرع التسوك به (منق) إذاً منق لماذا؟ منق للفم على العموم الذي ذكرناه سابقاً حينئذٍ يكون منظفاً خرج به الذي لا ينق مثل العود الذي لا شعر له أو يكون رطباً رطوبة شديدة يتفتت في الفم حينئذٍ نقول هذا لا ينقي منذ أن تستاك به فإذا به يتفتت في الفم نقول هذا ليس منق ولو كان عوداً رطباً لابد أن يكون منق (غير مضر) هذا احترازاً من المضر والصحيح من المذهب كراهة التسوك بذلك وقيل يحرم حينئذٍ لو كان مضراً بمعنى أنه يحصل به الضرر للفم حينئذٍ يكره على المذهب وقيل وهو قول في المذهب أنه يحرم لأن ما يترتب عليه الضرر الأصل فيه التحريم (غير مضر) أي غير جالب للضرر قال في الشرح [احترازاً من الرمان والآس وكل ما له رائحة طيبة] يعني تنقلب إلى رائحة خبيثة قيل الذي يكون له رائحة طيبة في نفسه زكية لو استاك به انقلبت هذه الرائحة إلى رائحة خبيثة هذا بالتجربة معروف حينئذٍ قالوا يكره التسوك به (لا يتفتت) بمعنى أنه لا يتكسر ولا يتساقط فإنه حينئذٍ يؤذي الذي أراد أن يستاك (لا يتفتت) كذلك لا يجرح وهذا داخل في قوله (غير مضر) ويكره بعود يجرح أو يضر أو يتفتت كل ما احترز به المصنف هنا منه هذا الأنواع مقابله يكره على المذهب التسوك به حينئذٍ غير العود لا تحصل به السنية غير اللين بنفسه أو بتليينه وهو القاسي أو الجاف هذا يكره التسوك به لأنه يكون مضراً غير المنظف المنقي هذا يكره التسوك به لماذا؟ لأنه لم يأتي بالسنة (غير مضر) المضر يكره التسوك به وقيل يحرم (لا يتفتت) إذاً ما تفتت حينئذٍ يكون مؤذياً فيكره التسوك به (لا بإصبع وخرقة) هذا تنصيص للمفهوم الذي ذكره بقوله (بعود) ولو لم يذكره لأخذناه بقوله (التسوك بعود) لأن الفقهاء في مثل هذا المواضع إذا نصوا على أمر حينئذٍ مفهومه يكون مراداً يكون مقصوداً ولذلك يعترض على المصنف إذا دل على المفهوم على حكم لا يريده يعترض عليه كان الأولى أن يحترز عن هذا المفهوم إذاً قوله (بعود) كل من استاك بغير عود ولو حصل تطهير الفم أو تطيبه بغير العود لا يكون من السنية بشيء ولذلك قال (لا بإصبع) يعني لا يصيب السنة من استاك بإصبع يعني لو مر أصبعه على أسنانه ولو زال شيء من الأثر قالوا لا يصيب السنة كذلك لو استاك بخرقة أو منديل أو ما يسمى الآن بالفرشاة ونحوها ولو كان معها شيء من المعجون ونحوه هذا لا يكون من السنة في شيء على المذهب حينئذٍ يكون استعمال الناس لهذا الفرشاة لا يكون مصيباً للسنة ولو كان تأثيرها في التنظيف أكثر من العود ولا شك أن تأثير هذه الفرشاة من حيث التنظيف وتطهير الفم أنه أشد من عمل العود وهذا لا يلزم منه ترك العود وإنما المراد به التنبيه على أنه قد يصيب السنة يعني من حيث الأثر والترتب بالفرشات ما لم يصيبه بالعود إذاً بالإصبع والخرقة والمنديل ونحوها لا يصيب السنة من استاك بها لماذا؟ قالوا لأن الإصبع لا تسمى سواكاً الإصبع والخرقة ونحوها لا تسمى سواكاً وإنما تقول نظفت فاك بإصبعك كذلك بالخرقة أو بالفرشات فلا يسمى سواكاً ولا أي في

معناه هذا تعليل المذهب ولم يرد به شرع يعني لم يرد الشرع إلا بالعود فقط ولا يحصل به الإنقاء الحاصل بالعود يعني الإصبع والخرقة ونحوها وكل هذه تعليلات في بعضها أو في كثير شيء من النظر والصحيح أن نقول يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء ولا يترك القليل من السنة للعجز عن كثيرها حينئذٍ من استاك بغير العود نقول إن حصل وترتب عليه تطهير الفم الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم (مِطهرة مَطهرة للفم) حينئذٍ نقول حصل من السنة بقدر ما حصل من التطهير لأن الحكم معلل (السواك مطهرة) بمعنى أنه طهرة للفم فإذا كان معللاً حينئذٍ كل ما أدى إلى تحصيل هذه العلة فهو مجزئ وقصورها على السواك الذي هو العود هذا قصور على اللفظ كما قصر بعضهم الاستجمار على الأحجار ولم يعمم فالحكم الذي ذكر في باب الحجار هناك أن غيرها مساوي لها هو الذي يذكر في هذا الموضع ولذلك قال النووي رحمه الله تعالى [وبأي شيء استاك مما يزيل التغير حصل الاستياك] ولذلك روى البيهقي والحافظ في المختار قال [لا بأس بإسناده عن أنس مرفوعاً (يجزئ من السواك الأصابع)] إن صح الحديث حينئذٍ يكون فاصلاً في المحل وإن لم يصح حينئذٍ نقول العلة عامة لقوله عليه الصلاة والسلام (السواك مطهرة للفم) وفي المغني بلفظ (أصبعيك السواك عند وضوؤك أمرهما على أسنانك) وعن علي في صفة الوضوء فأدخل أصبع في فيه رواه أحمد وروي عنه أيضاً التشويص بالمسبح والإبهام سواك وفي الطبراني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت (يدخل أصبعيه في فيه) أيضاً وردت بعض الأحاديث منهم من حسنها ومنهم من ضعفها وعلى كل إن ثبتت حينئذٍ تكون هي المعول وإن لم تثبت نقول الثابتة بالحديث السابق وهو قوله صلى الله عليه وسلم (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، (مسنون) هذا خبر المبتدأ يعني التسواك (مسنون) التسوك بما ذكر مسنون بمعنى أنه سنة (مسنون كل وقت) خبر قوله (التسوك) أي يسن كل وقت ليلاً كان أو نهاراً لحديث (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) والحديث دل على مشروعية السواك لأنه سبب لتطهير الفم وموجب لرضاء الله تعالى عن فاعله وقد أطلق فيه السواك قال (السواك) ما قال السواك في الليل أو السواك في النهار أو السواك في الصباح أطلقه حينئذٍ يكون مطلق فيعم يعم ماذا؟ يعم جميع الأوقات حينئذٍ من استثنى وقت من الأوقات نقول ائتي لأنه يكون يعتبر تقييداً لهذا النص فإن لم يأتي بدليل بقينا على ظاهر النص ولم يخص بوقت معين ولا بحالة مخصوصة فأشعر بمطلق شرعيته وهو من السنن المؤكدة وليس بواجب في حال من الأحوال لحديث (لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، (مسنون) إذاً (مسنون كل وقت) قال المصنف (لغير صائم بعد الزوال) هذا تخصيص من اللفظ العام السابق (مسنون كل وقت لغير صائم) أو لصائم قبل الزوال فالأحوال ثلاثة إما أن يكون صائماً وإما أن لا يكون صائماً من لم يكن صائماً مسنون كل وقت إن كان صائماً ففيه تفصيل له حالان إما أن يكون قبل الزوال أو بعد الزوال إن كان قبل الزوال فهو مسنون له على تفصيل آتي وإن كان بعد الزوال فهو مستثنى لذلك قال (لغير صائم بعد الزوال فلا يسن له بل يكره) فيكره السواك على المذهب للصائم بعد

الزوال بعد زوال الشمس حينئذٍ ما حكمه انتقل من كونه مسنوناً إلى كونه مكروهاً لكن باعتبار شخص معين وهو الصائم وبتقييد لوقت وهو كونه بعد الزوال الحديث السابق كما علمنا أنه مطلق (السواك) عام للصائم ولغيره وللصائم قبل الزوال وبعد الزوال حينئذٍ نحتاج إلى دليل واضح بين يستثني هذه الحالة فيقال الصائم بعد الزوال لا يسن له بل يكره السواك (لغير صائم بعد الزوال) فيكره سواء كان الصوم فرضاً أو كان نفلاً لحديث (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي)؛ (إذا صمتم) أطلق هنا الصوم فرضاً كان أو نفلاً (فاستاكوا بالغداة) أو النهار قبل الزوال (ولا تستاكوا بالعشي) والعشي بعد الزوال هذا الحديث أخرجه البيهقي عن علي رضي الله تعالى عنه لكنه حديث ضعيف ولما كان حديثاً ضعيفاً قال (ولا تستاكوا) هذا نهي والأصل في النهي أنه محمول على التحريم وإذا تردد الفقهاء في صحت الحديث حينئذٍ لا يذهبون بكون الحكم المنوط بالنهي أنه للتحريم بل للتردد في ثبوت الحديث يقولون بالكراهة حينئذٍ يتوسطون فكأنهم يجعلون التردد في ثبوت الحديث أو أنه ضعيف يجعلونه قرينة صارفة من التحريم إلى الكراهة إذاً هذا دليلهم وهذه حجتهم هذا الحديث قال الحافظ إسناده ضعيف وضعفه كذلك الشيخ الألباني في الإرواء وأما أحاديث كما في قول عامر بن ربيعة (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه يتسوك وهو صائم) هذا حسنه الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى قالوا هذا مقيد بما قبل الزوال حينئذٍ يجمعون بين الأحاديث الواردة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد استاك وهو صائم يقيد بالحديث الذي ذكر فيحملون الأحاديث كقول عامر بن ربيعة (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه يتسوك وهو صائم) يعني قبل الزوال وأما بعد الزوال حينئذٍ المرجع لحديث علي وكذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم (من خير خصال الصائم السواك) الحديث فيه نظر لكن جعلوه حجة في هذا المقام قال هذا كذلك محمول على ما قبل الزوال إذاً على المذهب أن التسوك للصائم مكروه حجتهم (ولا تستاكوا بالعشي) حينئذٍ نقول هذا المخصص إذا لم يكن ثابتاً من حيث الدليل ومن حيث القبول له حينئذٍ يبقى المطلق على إطلاقه فنقول مسنون كل وقت ولو لصائم بعد الزوال لماذا؟ لأن النصوص مطلقة أولاً حديث عائشة السابق (السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب) (السواك) أطلقه بمعنى أنه السواك للصائم ولغير الصائم للصائم قبل الزوال وبعد الزوال تخصيصه يحتاج إلى دليل كذلك قول عامر بن ربيعة وهو حسن علقه البخاري (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه يتسوك وهو صائم) محمول على إطلاقه يعني قبل الزوال وبعد الزوال حينئذٍ نقول نبقي هذه الأحاديث على إطلاقها وما ورد من مخصص ننظر فيه أو من مقيد فننظر فيه فإن كان ثابت في نفسه صحيحاً مقبول جمعنا ببينهما وكان المذهب هو الصحيح لكن فإذا بالحديث أنه ضعيف حينئذٍ نرجع إلى الأصل ولذلك نقول الصواب أنه مسنون كل وقت مطلقاً ولا يستثنى منه حال من الأحوال وأما احتج به بعضهم وهذا مذكور في بعض الشروحات أنه يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح

المسك) نقول هذا الخلوف ليس مخرجه أو مصدره هو الفم من أجل أن السواك يزيله وإنما هو خارج من المعدة حينئذٍ لا تأثير للسواك وإن كان مخففاً له لكن لا علاقة الخلوف بالسواك بل هذا مشروع وهذا تعليل لشيء آخر فبينهما انفصال من حيث الحكم من حيث المسألة من أصلها إذاً (مسنون كل وقت) دون أن ننظر إلى تفصيل ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أما قبل الزوال قالوا يستحب له بيابس ويباح برطب يستحب ويباح وكل منهما حكم شرعي حينئذٍ نقول يستحب له بيابس لعموم الأدلة وأما يباح له برطب يعني أخضر يباح ولا يستحب لماذا؟ لأنه مظنة لأن يتفتت فيصل إلى حلقه شيء من ذلك الفتات نقول نبقى على الأصل وهو النصوص مطلقة والتقييد يحتاج إلى دليل واضح بين إذاً بين أنه (مسنون كل وقت) قال (متأكد) هذا خبر ثاني (مسنون) هذا خبر أول (متأكد) هذا خبر ثاني بمعنى أن السنة على نوعين سنة يقال فيها سنة وسنة يقال فيها سنة مؤكدة بمعنى أن الشرع طالب بتحصيلها أكثر من النوع الأول ولذلك عند بعض المذاهب كالحنفية ونحوهم السنة المؤكدة يأثم بتركها هي قريبة من الواجب ولذلك عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن الصلاة الجماعة سنة مؤكدة يأثم بتركها (متأكد) خبر ثاني للتسوك بمعنى أن طلبه مؤكد زيادة على سائر الأوقات ولذلك قال المحشي [ولذلك كانت السنة المؤكدة قريبة من الواجب في لحوق الإثم بل نص بعضهم إلى أنه يأثم] إذا ترك السنة المؤكدة لكن الصواب أنه لا يأثم لأن الواجب واجب كاسمه وهو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه والمسنون بأنواعه سواء سمي سنة أو مستحب أو نفلاً أو رغيبة أو فضيلة أو سنة مؤكدة كل هذه بأنواعها نقول ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه [فضيلة والندب والذي استحب ... ترادفت] وكذلك الحكم من حيث ما يترتب عليه (متأكد عند صلاة) وأطلق المصنف هنا الصلاة فحينئذٍ يعم الصلاة المكتوبة الفرائض الخمس وصلاة النفل وكذلك صلاة الجنازة لأنه أطلق وهذا الإطلاق مبني على حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) كل من صيغ العموم فيعم كل ما يسمى صلاة في الشرع حينئذٍ الصلاة الفرائض المكتوبات واضح دخولها وكذلك صلاة الجنازة واضح دخولها لأنها تسمى صلاة في الشرع وأما السجود الشكر وسجود التلاوة وكذلك الطواف هل هو داخل في هذا النص النبوي الحديث؟ مبنية على الخلاف هل تسمى سجدة الشكر صلاة أو لا؟ فمن سماها صلاة حينئذٍ استحب له أن يستاك ومن لم يسمها صلاة وهو الصحيح حينئذٍ لا يستحب له السواك يعني لا يستحب التنصيص في هذا الموضع واستدلالاً بهذا الحديث إذاً (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ولذلك استدل بهذا الحديث على أن السواك ليس بواجب (عند) هذا ظرف زمان ومكان يعني يأتي بهذا ويأتي بذاك ويفيد كما سبق يفيد القرب (عند كل صلاة) بمعنى أنه إذا قرب وقت الصلاة يعني فعل الصلاة حينئذٍ سن له في ذلك الموضع فلا تتحقق السنية إلا إذا كان قريباً من تكبيرة الإحرام وأما إذا كان ثَمَّ فاصل طويل بينهما حينئذٍ لا تأتي السنية كما ذكرنا فيما سبق فإذا دخل الخلاء قال وإذا خرج عند خروجه قال فلابد أن يكون ثَمَّ فاصل بينهما لكنه لا

يخالف لفظ عند لأن عند هذه في لسان العرب تدل على قرب المكان أو قرب الزمان (عند) للقرب وكلما قرب كان أفضل (عند صلاة) مطلقاً فرضاً كانت أو نفلاً (وانتباه) وأما ما يرد من الأحاديث (لأن أصلي ركعتين بسواك أحب إلى من أصلي سبعين ركعة) لا يثبت هذا النص وإنما يكتفا بالسابق (لولا أن أشق على أمتي ... )

(وانتباه) يعني متأكد عند انتباه كذلك العندية هنا على بابها لأن انتباه هذا بالخفض معطوف على الصلاة عند (انتباه) يعني استيقاظ من نوم ليل أو نوم نهار لحديث حذيفة في الصحيحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) (يشوص) يقال شاصه وماصه إذا غسله يعني كان يتمضمض ويغسل فمه بالسواك (يشوص فاه) يعني يغسله بالسواك رواه الجماعة إلا الترمذي والشوص هو الدلك ولأحمد وأبي داود عن عائشة رضي الله عنها (لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ) وله شواهد ولأنه إذا نام ينطبق فمه حينئذٍ تتغير رائحته فيشرع السواك للعلة السابقة إذاً (عند انتباه) المراد به الاستيقاظ من نوم ليل أو نوم نهار مطلقاً للحديث الذي سبق (وتغير فم) هذا النوع الثلاث الذي يتأكد عنده السواك وعند (تغير فم) أي رائحة الفم على حذف المضاف لأن السواك مشروع للتطييب الفم وإزالت رائحته وهذه الثلاث متفق عليها قال النووي رحمه الله تعالى [السواك مستحب في جميع الأوقات لكنه في خمسة أوقات أشد استحباباً] وذكر ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى وزاد عند الوضوء وقراءة القرآن؛ عند الوضوء لحديث (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) وفي بعضها (عند كل وضوء) وكذلك قراءة القرآن لأنه ورد أحاديث أن الملك يضع فاه على فم القارئ حينئذٍ يحتاج إلى تطييب لأنه مجرى للتلاوة والذكر حينئذٍ شرف العبادة يقتضي شرف الطريق المكان والمجرى ولذلك استحب في هذا الموضع إذاً هذه المواضع الثلاثة أو الخمس يتأكد بمعنى أن الشارع ازداد طلبه في هذا الموضع أشد من غيره والسنة حينئذٍ تتفاوت السنة ورد الشرع بطلبها وحث في إيجادها وترتب الثواب عليها، ثم بين رحمه الله تعالى بعد أن بين المواضع التي يستاك عندها قال (ويستاك عرضاً مبتدأ بجانب فمه الأيمن) الصواب أن يقال كيف ما حصل الاستياك والمقصود منه حصلت السنة كيف ما حصل الاستياك حصلت السنة كما هو الشأن في مسح الرأس لكن مسح الرأس وردت فيه صفة منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقال يستحب كذا وكيف ما حصل مسح الرأس أجزء وأما هنا لم ينقل فيه وردت بعض الأحاديث لكن فيها شيء من الضعف إذاً كيف ما حصل الاستياك والمقصود منه حصلت السنة (يستاك عرضاً) استحباباً بالنسبة إلى الأسنان هذا هو المذهب ويكون محل الاستياك (يستاك عرضاً) على أي شيء محل الاستياك يكون على أسنانه يعني يضع طرف السواك على أسنانه (ولثته) وعلى لثته بكسر اللام وفتح المثلث المخففة وهي ما حول الأسنان من اللحم (ولسانه) قال أبو موسى (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يستاك على لسانه) متفق عليه (أع أع) كما جاء في النص حينئذٍ دل على أن هذه المواضع الثلاث هي التي تكون محلاً للاستياك ولكن إذا استاك على الأسنان حينئذٍ يستاك عرضاً يعني بالنسبة إلى الفم، الفم له طول وله عرض والأسنان لها طول ولها عرض، عرض الأسنان هكذا ... أن يأتي بالسواك هكذا ... ،

لكنه باعتبار الفم طولاً هذا طول يعتبر للفم وهذا عرض وأما الأسنان فهذا يعتبر عرضاً وهذا يعتبر طولاً، حينئذٍ يستحب له أن يستاك عرضاً بالنسبة للأسنان طولاً بالنسبة للفم وليس عندهم إلا علة ورد بعضهم أن إبليس يستاك طولاً ذكره بعض الفقهاء حينئذٍ نخالف إبليس فكما أنه يستاك طولاً نستاك عرضاً لكن هذا لا يثبت من الذي أخبر أن إبليس يستاك طولاً على كل قالوا إذا استاك طولاً بالنسبة للأسنان قد يضر اللثة إذا فعل بالسواك هكذا قد يصيب لثته حينئذٍ يقع أو شيء من النزيف يكون مضراً له وإنما يستاك عرضاً ليتحرز عن ذلك (ويستاك عرضاً) إلا اللسان فيستاك طولاً هذا واضح بين (مبتدأ بجانب فمه الأيمن) يعني ثَمَّ طرفان جانب أيمن وجانب أيسر، هل يبدأ هكذا من اليسرى أو يبدأ من اليمين؟ لا شك أنه إذا تعارض أمران أو كان عندنا شيئان أحدهما يمين ويقابله اليسار حينئذٍ صارت السنة أن يبدأ باليمين (كان يحب التيامن في تنعله وترجله وطهوره - ولا شك أن السواك من الطهور - وفي شأنه كله) إذاً (يستاك عرضاً مبتدأ بجانب فمه الأيمن) قلنا ليس ثَمَّ دليل واضح بين ورد حديث (ويستاك عرضاً) لكنه ضعيف و (إذا استكتم فاستاكوا عرضاً) رواه الطبراني والضياء بلفظ (أنه كان يستاك عرضاً) كلها أحاديث ضعيفة لم تثبت وإنما عندهم التعليل الذي ذكرناه سابقاً لكن يمسك السواك هنا، هل يمسكه بيده اليسرى أم بيده اليمنى؟ المذهب بيده اليسرى مطلقاً لأن الغرض من الاستياك إما أن يكون لطهارة الفم إزالت الأذى وإما أن يكون من باب التعبد على الحالين على المذهب بيده اليسرى وهو الذي اعتمد في المذهب وقال بن تيمية رحمه الله تعالى [ما علمت إماماً خالف بالاستياك باليسرى كأنه نقل إجماع بأنه لا يستحب الاستياك إلا باليسرى] قال في المبدع وهو تلميذ بن مفلح [وفيه نظر] يعني أطلق بن تيمية رحمه الله تعالى هنا بأنه ما علم شخصاً من الأئمة يقول بأنه يستاك باليمنى هذا فيه نظر؛ بل نقل عن جمع من أهل العلم بأنه يستاك باليمين مطلقاً والمذهب أنه يستاك باليسار مطلقاً وعند الحنفية التفصيل وهو أنه إذا استاك لإزالت الأذى فيكون باليسرى وإن استاك من أجل التعبد إحياء السنة وليس لإزالت الأذى فيكون باليمين وهذا أقرب إلى السنة لأنه لم يرد نص إذا لم يرد نص حينئذٍ نرجع إلى الأصول وسبق معنا أن القاعدة الكبرى العظمى المطردة أنه إذا كان ثَمَّ يمين ويسار حينئذٍ اليمين تكون للإكرام واليسار تكون للأذى فإذا كان التسوك لمجرد التعبد والتسنن والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس ثَمَّ أذى حينئذٍ يمسكه بيده اليمنى وإذا لإزالت الأذى حينئذٍ يمسكه بيده اليسرى، ثم ذكر بعض المسائل المتعلقة بالآداب العامة فقال (ويدهن غباً ويكتحل وتراً) (يدهن) الادهان مأخوذ من الدَهن بالفتح فهو مصدر والدُهن بالضم الاسم من دهن الشيء إذا بله؛ بله بزيت ونحوه يختلف باختلاف الأزمنة واختلاف الأماكن ومحل الدَهن أو الدُهن إنما يكون في البدن وفي الشعر يعني يدهن شعره سواء كان شعر رأسه أو شعر لحيته لأن الحكم عام أو في بدنه إن كان يحتاج إلى ذلك قال (استحباباً) بمعنى أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ثابت من جهة

العلية يعني حكم ثبت بالعلة حينئذٍ يثبت له الحكم يعني تعليل الشرع يستلزم الحكم الشرعي (غباً) يقال غب الإبل بمعنى أن يرد الماء يوماً ويدعه يوماً آخر حينئذٍ تدهن غباً بمعنى أنك تفعله يوماً وتتركه اليوم الآخر (ويدهن غباً) يوماً يدهن ويوم لا يدهن يعني يتركه وهذا هو المذهب وظاهره أن اللحية كالرأس لأنه أطلق المصنف هنا قال (ويدهن) يدهن ماذا؟ بدنه عام ورأسه وشعره وهذا عام يشمل شعر الرأس وشعر اللحية لأنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن الترجل إلا غباً) والترجل هو تسريح الشرع ودهنه (نهى عن الترجل) وهو كان يترجل عليه الصلاة والسلام لكنه نهى عن ماذا؟ عن صفة لا عن أصله (نهى عن الترجل إلا غباً) (إلا غباً) فجوزه فدل ذلك على أن الحكم هنا من حيث النهي متعلق بصفة واحدة وهو كونه يترجل كل يوم هذا منهي عنه هو الذي ورد النهي عنه يعني المواظبة على ذلك لأنه مبالغة في التزين وتهالك في التحسين ونهى عليه الصلاة والسلام أن يمتشط كل يوم لكن إن كان ثَمَّ حاجة فلا بأس أن يمشط لحيته كل يوم حينئذٍ نقول هذا لا بأس به كذلك شعره لا بأس به إن احتاج إلى ذلك فإن لم يحتج حينئذٍ نقول الحكم عام إذاً (يدهن غباً) يفعله يوماً ويتركه يوماً لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجل إلا غباً فإذا كان غباً فليس منهياً عنه وإذا كان مواظباً عليه فهو منهي عنه إلا إذا كان لحاجة (ويكتحل وتراً) (يكتحل) مشتق من الاكتحال إذا جعل في العين الكحل والاكتحال أصناف كثيرة والمشهور منه الإثمد الأسود (ويكتحل وتراً) يعني في كل عيناً (وتراً) أطلق المصنف هنا ولكن المعتمد في المذهب أنه يكتحل في عينيه ثلاثاًَ ثلاثاً في العين اليمنى ثلاثاً وفي العين اليسرى ثلاثاً هذا هو المذهب وقيل في اليمنى ثلاثاً وفي اليسرى اثنان حينئذٍ يكون المجموع خمسة هذا اكتحل وتراً، والوتر لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) ونقل بن القيم رحمه الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل هذا ثابت منقول عنه في سيرته وترجمته عن الصلاة أنه كان يكتحل وإذا كان كذلك حينئذٍ نحتاج إلى صفة هذا الاكتحال وذكر أهل العلم أنه يكتحل ثلاثاً ثلاثاً (لما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة قبل أن ينام) رواه أحمد وغيره عن بن عباس ولفظه (كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال) هذا الحديث فيه كلام ضعفه الشيخ الألباني في الإرواء وحسنه غيره على كل الاكتحال ثابت لكن صفة هذه فيها شيء من الكلام، ثم قال رحمه الله تعالى (وتجب التسمية في الوضوء مع الذُكْر) هذا ما يتعلق بالتسمية لأنها قبل الوضوء هي منفكة عن صفة الوضوء لأن أول الوضوء من حيث الوجوب الفعل هو المضمضة ومن حيث الاستنان السنة الفعلية هي غسل الكفين ثلاثاً إذا لم يكن ثَمَّ قيام من نوم ليل (وتجب التسمية) (التسمية) يعني قول بسم الله ومحلها يعني وقتها بعد النية وصفتها على ما ذكرناه بسم الله ولا نقول بسم الله الرحمن الرحيم وإنما نقول بسم الله ولو قال بسم القدوس أو بسم الرحيم كل هذا لا يجزئ وقوفاً على النص ومحلها اللسان لا القلب والوجوب

معلوم أنه ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً حينئذٍ كون التسمية واجبة في الوضوء بأن لا يفتتح وضوؤه إلا بقول بسم الله وتعلقه بالوجوب يحتاج إلى دليل والدليل عندهم قوله أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً (لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني في الإرواء وذكر بعض أهل العلم أنه لكثرت أسانيده وطرقه يقوي بعضها بعضاً فيرتق لدرجة الحسن لغيره حينئذٍ إذا ثبت الحديث هو الذي أعتمده المصنف رحمه الله تعالى (لا صلاة لمن لا وضوء له) هنا نفي للصلاة وإذا نفيت الصلاة فالأصل أنها محمولة على الحقيقة الشرعية بمعنى أن الوضوء شرط في صحت الصلاة إذا نفي الشيء عن الشيء دل على أنه شرط أو ركن وهنا كذلك هذه العبارة مستقيمة ولا إشكال فيها (لا صلاة) بمعنى أن الصلاة لا تصح وهي منفية لمن لا وضوء له فمن لم يتوضأ وصلى صلاته لا تصح نفس الجملة ونفس التقرير (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) (لا وضوء) بمعنى أن الوجود الشرعي هنا منفي وعلق بماذا؟ علق بذكر اسم الله عليه حينئذٍ صارت التسمية شرطاً في صحت الوضوء هذا ظاهر النص بأنه لا فرق بين من ترك الوضوء في الصلاة بأن الصلاة لا تصح وبين من ترك التسمية في الوضوء فوضوؤه لا يصح لكن نزل المذهب هنا درجة الشرطية أعلى ما يمكن أن يأخذ من هذا النص نزلوا درجة إلى القول بالوجوب لا بالشرطية للكلام والاختلاف في النص وهذه قاعدة عندهم كل ما وقع خلاف في النص وصار عندهم نوع تردد لا يقولون بظاهره وإلا والأصل لو ثبت الحديث ثبوتاً واضحاً بيناً بأن كان صحيحاً ولا خلاف فيه لقلنا بأن التسمية هي شرط في صحت الوضوء فمن تركها سواء تركها عمداً أو سهواً أو جاهلا ً فوضوؤه لا يصح ولم يقولوا بهذا وإنما قال (تجب) ثم قيده (مع الذُكر) يعني مع القدرة وعدم النسيان كل ذلك للخلاف في ثبوت النص (وتجب التسمية في الوضوء مع الذُكر) هذا له مفهوم (الذُكر) بضم الذال يعني ضد النسيان؛ النسيان معلوم معروف أنه الذهول عن المعلوم، هنا إذا تذكر التسمية فتركها لا يصح وضوؤه إن نسي حينئذٍ صح وضوؤه إذا لم يتذكر إلا بعد الوضوء فإن تذكر في أثناء الوضوء فثَمَّ خلاف عند الأصحاب هل يسمي ويبني أو يسمي ويستأنف؟ ثَمَّ خلاف في الإقناع يسمي ويبني وفي المنتهى يسمي ويستأنف عندهم إذا اختلف الإقناع والمنتهى قدم المنتهى هكذا قالوا على كل (وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر) وتسقط حينئذٍ بالنسيان ودليلهم ما ذكرناه من الحديث السابق إن قيل بأنه ثابت فلا إشكال وإن قيل بأنه ضعيف حينئذٍ سقطت المسألة من أصلها وعلى تسليم بأن الحديث ثابت نقول ثَمَّ ما يدل على أن التسمية ليست بواجبة وهي الاتفاق في نقل صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يسمع منه أنه سمى ثم قوله تعالى وهو متأخر النزول كما في آية المائدة (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) فدل هذا النص على أن الله تعالى إنما ذكر في هذه الآية هي الأركان والواجبات فقط الأركان الأربعة حينئذٍ لو كان هذا النص ثابتاً لدل على أنه شرط أو على أنه ركن فلما لم يذكر في آية المائدة دل على أنه ليس بشرط وليس بركن وليس بواجب

وإنما هو من المستحبات حينئذٍ نقول الصحيح في التسمية أنها من المستحبات وهي رواية عن أحمد رحمه الله تعالى اختارها الخرقي والموفق والشارح وبن منذر وغيرهم لأن الله تعالى قال (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) بدء بغسل الوجه والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الوضوء ولم يذكر إيجاب التسمية والحديث قال الحافظ وغيره يروى بأسانيد كلها ضعاف لا تقوم بها الحجة على كل لو ثبت الحديث الكلام ليس في بثبوت الحديث وإنما لو ثبت الحديث نقول النصوص الأخرى تدل على أنه مصروف يعني (لا وضوء - كامل - لمن لم يذكر اسم الله عليه)، ثم قال رحمه الله تعالى (ويجب الختان ما لم يخف على نفسه) (يجب الختان) هنا هذا من سنن الفطرة، ختان بكسر الخاء مصدر خَتَنَ أي قطع والخَتْن قطع بعض المخصوص من عضو مخصوص وهو عام في الذكور والإناث والاختتان والختان اسم لفعل الخاتن ولموضع الختان فعل الخاتن يقول اختتن واختتان وكذلك الموضع الذي يقطع يسمى اختتاناً قال هنا (يجب) إذاً طلب الشارع فعله طلباً جازماً بمعنى أنه لو تركه أثم مطلقاً لو تركه مع القدرة حينئذٍ يأثم ولذلك قال (ما لم يخف على نفسه) فإن خاف على نفسه سقط عنه الوجوب لا واجب مع العجز الواجبات كلها متعلقة بالاستطاعة (فاتقوا الله ما استطعتم) فكل واجب حكم عليه بأنه واجب حينئذٍ سواء نص أهل العلم أو لم ينص نقول هو متعلق بالقدرة (فاتقوا الله ما استطعتم) (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فكل واجب مقيد ولذلك قعدوا قاعدة وهي أنه لا واجب مع العجز إذاً يجب الختان، الختان واجب والوجوب متعلق بالبلوغ لأن من كان دون البلوغ لا يجب عليه شيء لأنه غير مكلف والتكليف إنما يتعلق بأصناف خاصين وأما الصبي الذي هو دون البلوغ فلا يتعلق به وجوب ولا تحريم حينئذٍ الوجوب هنا نقول مخاطب به نفس الذي أمر بالاختتان ليس الولي وإنما يجب الختان بأن يختن نفسه إن استطاع أو أن يمكن غيره لكن متى عند البلوغ وأما قبل البلوغ فليس بواجب قال (ما لم يخف على نفسه) الضرر هذا ممكن يعني الأمر ليس متعلق بالمسلمين فحسب قد يكون أسلم وعمره سبعون سنة ما تقول له اختتن حينئذٍ يكون مضراً له حينئذٍ يسقط عنه لا واجب مع العجز الحكم ينظر فيه باعتبار متعلقة (ما لم يخف) يعني مدة عدم خوفه على نفسه تلفاً أو ضرراً حينئذٍ يسقط للنصوص العامة (ويجب الختان) لم يذكر المصنف هل يجب على الذكر دون الأنثى أو أنه واجب عليهما؟ لإطلاقه نعمم لأنه لو أراد أنه واجب على الذكر دون الأنثى لقيده لكنه لم يقيد حينئذٍ نحمل اللفظ على عمومه وهو المذهب عند الحنابلة بأنه يجب على الذكر والأنثى استدل من أوجبه بحديث (ألقي عنك شعر الكفر واختتن) هذا حديث ثابت (واختتن) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب رواه أحمد وأبو داود وقال الحافظ فيه انقطاع وحسنه الألباني في الإرواء وفي الحديث (من أسلم فليختتن) أمر والأمر يقتضي الوجوب وقال الزهري [كان الرجل إذا أسلم أمر بالاختتان وإن كان كبيراً] ولقوله تعالى (أن اتبع ملة إبراهيم) وثبت أنه ختن نفسه بالقدوم وفي الحديث (اختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة) الحديث متفق عليه في الصحيحين ولكشف العورة له العورة الأصل

فيها التحريم تحريم النظر ولا يكشف إلا لواجب ولو لم يكن واجباً لم يجز كشفها له كذلك أنه قطع شيء من البدن وهذا الأصل فيه أنه لا يجوز والحرام لا يستباح إلا بواجب ومنه أنه يقوم به ولي اليتيم وهو اعتداء عليه يعني من ماله واعتداء على بدن اليتيم وهذا لا يكون إلا في فعل واجب حينئذٍ أخذ المذهب وكثير من أهل العلم أن الاختتان سواء كان للذكر أو الأنثى أنه واجب لهذه النصوص وما ثبت في حق الذكر هو ثابت في حق الأنثى ولذلك جاء في الحديث (إذا التقى الختانا) فدل على أن المرأة تختتن كما أن الرجل يختتن وثَمَّ رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه واجب في حق الذكر وسنة في حق المرأة كونه سنة ليس بواجب قوله عليه الصلاة والسلام (إذا التقى الختانا فقد وجب الغسل) حينئذٍ أقره النبي صلى الله عليه وسلم وهو موجود في ذاك الزمن وأما كونه مستثنى من النصوص السابقة قال لأن الحكم معلل لأنه للرجل لأنه يراد به تطهير للصلاة وأما المرأة فليست لها هذه العلة وإنما يعتبر مكرمة لها من أجل ماذا؟ تخفيف شهوتها هكذا قال أهل العلم وليس فيه تعلق من حيث النجاسة بالصلاة وعدمها حينئذٍ قالوا بأنه واجب في حق الذكر وسنة في حق النساء ولكن من حيث الأدلة الأول أقوى والله أعلم فالذكر كيف يختتن؟ بأخذ جلدة الحشفة يقال لها قلفة والأنثى بأخذ جلدة فوق محل الإيلاج مخرج الحيض والمني والولد وتحت مخرج البول شبه عرف الديك ويستحب أن لا تأخذ كلها إذاً يجب الختان مطلقاً على الذكر والأنثى لعموم النصوص السابقة لكن كله مقيد بماذا؟ بعدم خوف الضرر على النفس، ثم قال رحمه الله تعالى (ويكره القَزَع) القزع بفتح القاف والزاي مأخوذ من قزع السحاب تقطعه وحلق بعض الرأس وترك البعض حلقه يعني بالموس مرة يشيله أو حلقه بالتخفيف يترك بعضه ويزيل البعض حلق بعض الرأس وترك البعض وكذا حلق القفا من غير حجامة ونحوها قال بن القيم [وهو أربعة أنواع] القزع الذي ورد فيه الحديث قديماً وحديثاً أربعة أنواع [الأول أن يحلق من رأسه مواضع من هاهنا ومن هاهنا] يحلق بالموس يحلق من هنا ويترك هذا إلى آخره [الثاني أن يحلق وسطه ويترك جوانبه] يحلق الوسط ويترك الحافة [وأن يحلق وجوانبه ويترك وسطه] عكسه [وأن يحلق مقدمه ويترك مؤخره] هذا كله من القزع قال المصنف (يكره) والكراهة حكم شرعي وهو ما طلب الشارع تركه طلباً غير جازم والدليل على الكراهة قالوا حديث بن عمر رضي الله تعالى عنهما (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع) متفق عليه زاد أبو داود وغيره قال (أحلقه كله أو دعه كله) وروى أبو داود والنسائي بسند صحيح عن بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاه قال (أحلقوه كله أو دعوه كله) إذاً هذه النصوص منها ما هو أمر ومنها ما هو نهي قالوا لما كان القزع متعلق بالآداب جعلت هذه قرينة صارفة للنهي عن التحريم إلى الكراهة (وحلقه كله أو دعه كله) من الوجوب إلى الندب حينئذٍ جعله في مرتبة الكراهة وإذا تقرر عندنا هذه القرينة قرينة باطلة لا دليل عليها وأنها استثنى وتخصيص بغير مخصص حينئذٍ ما نهى عنه الشارع فهو للتحريم إلا إن دل دليل من

كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس صحيح هنا ليس ثَمَّ دليل واضح بين لصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة والصواب أن يقال بأنه يحرم القزع لماذا؟ لقول بن عمر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) نهى والنهي يقتضي التحريم حينئذٍ نحتاج إلى قرينة واضحة بينة إما أن تقول قال الله أو قال رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع أو قياس صحيح إن جئت بواحدة من هذه الأربعة جعلناه قرينة صارفة للنهي عن التحريم إلى الكراهة ولكن ليس عندهم قرينة إلا كونه متعلق بالآداب نقول هذه ليست بقرينة صارفة إذاً (يكره القزع) فيه نظر والصواب أنه يحرم، ثم قال رحمه الله تعالى (ومن سنن الوضوء السواك) (من سنن الوضوء) شرع المصنف في بيان ما يتعلق بالسنن لأنه ذكر أولاً السواك وبين حكمه ثم قال (ومن سنن الوضوء السواك) (السواك) أيش إعرابه؟ مبتدأ مؤخر (ومن سنن) متعلق بمحذوف خبر؛ السواك من سنن الوضوء (من سنن الوضوء السواك) إذاً قدم ما حقه التأخير (سنن) عرفنا أنه جمع سنة وهي لغة: الطريقة، وفي الاصطلاح: هي ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، (ومن سنن الوضوء السواك) وتقدم أنه يتأكد فيه يعني في الوضوء ومحله عند المضمضة وهو مذهب الجمهور جمهور أهل العلم لحديث (لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) مع تقتضي ماذا؟ تقتضي المصاحبة يعني يغسل كفيه أولاً ثم يتمضمض ويستاك مع الوضوء يصاحبه وقيل قبل الوضوء برواية (عند كل وضوء) فالعندية لا تقتضي المصاحبة لكن نقول عند كل وضوء ومع كل وضوء يحمل على هذا وذاك حينئذٍ لا بأس أن يفعل قبل الوضوء وأن يفعل مع الوضوء وأما أن نقول قبل الوضوء ونهجر رواية مع كل الوضوء هذا فيه نظر، (وغسل الكفين ثلاثاً) (غسل الكفين) تثنية كف وسميت الكف كفاً لأنه يكف بها الأشياء تدفع إذا جاءك عدوك هكذا مباشرة تدفعه هذا يسمى كفاً (غسل الكفين ثلاثاً) في أول الوضوء ولو تحقق طهارة الكفين لأن المراد هنا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ليس من نجاسة لو كانت للنجاسة أو لقيام من نوم ليل لوجب والمراد هنا فيما إذا كانت الكفان طاهرتين (وغسل الكفين ثلاثاً) يعني من سنن الوضوء غسل الكفين ثلاثاً في أوله لما رواه أحمد والنسائي عن أوس قال أريت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فستوكف ثلاثاً أي غسل كفيه ثلاثاً ولأن الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه يغسل كفيه ثلاثاً في أوله وليس بواجب لآية المائدة (ويجب - هذا الغسل غسل الكفين ثلاثاً - من نوم ليل ناقض لوضوء) على ما سبق في بيان أحكام المياه وجاء مر معنا حديث (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلهما الإناء) وهذا قلنا الصحيح أنه واجب وأنه تعبدي حينئذٍ صار عندنا غسلان ثلاثاً إذا استيقظ من نوم ليل يغسل كفيه ثلاثاً من أجل قيامه من نوم ليل وهذا واجب وغير معلل ثم يغسل مرة ثانية ثلاثاً ويكون من أجل تحقيق السنية فيغسل ستة ولا نقول هنا بأن السنة داخلة في الواجب وإنما يغسل ثلاثاً للقيام من نوم ليل ويغسل ثلاثاً من أجل الوضوء (غسل الكفين ثلاثاً ويجب) وهو المذهب غسلهما ثلاثاً بنية وتسمية تسمية لا ليس بصحيح المذهب أنه يسمى النية نعم لابد منها وأما التسمية فلا (من نوم ليل

ناقض لوضوء) لما تقدم في أقسام المياه وهي طهارة مفردة بمعنى أنها مستقلة ليست داخلة في مسمى الوضوء ولذلك لو استيقظ من نوم ليل ولم يرد الوضوء يجب أو لا يجب؟ نعم يجب لو استيقظ لأنها طهارة مستقلة لا علاقة لها بالوضوء لكن قد يجتمعان وقد يفترقان قد يتوضأ ولم يكن مستيقظاً من نوم ليل فلا إشكال يغسل ثلاثاً فقط وقد يستيقظ من نوم ليل ولا يريد الوضوء فيغسل ثلاثاً وجوباً وقد يجتمعان حينئذٍ لابد من هذه الثلاثة وهذه الثلاثة، (والبَدَاءة - أو البُدَاءة أو البِدَاءة مثلث الباء - بمضمضة ثم استنشاق) سيأتي معنى المضمضة ومعنى الاستنشاق والمراد هنا التركيب بين المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه لأن غسل الوجه هذا ركن واجب فرض وداخل في مفهومه المضمضة والاستنشاق هذه ثلاثة أشياء تعميم والوجه يتمضمض يستنشق أي واحد فعل ابتداء أجزأه لا يشترط فيه الترتيب يعني له أن يستنشق أولاً ثلاثاً ثم يتمضمض ثلاثاً ثم يغسل وجهه له أن يعمم وجهه أولاً ثم يتمضمض ثم يستنشق فعل أي واحد من هذه أجزأه لكن الترتيب الذي يعتبر سنة أن يتمضمض أولاً ثم يستنشق أو يجمع بينهما بكف ثم يعمم غسل وجهه وهذا الذي عناه المصنف هنا وسيأتي المضمضة في موضعه إذاً من سنن الوضوء (البداءة بمضمضة ثم استنشاق) وثم هنا للترتيب ثلاثاً ثلاثاً بيمينه ويستنثر بيساره ولم يذكر الاستنثار لأن الغالب أن من استنشق استنثر فلابد منه لإكمال السنة (والبداءة) بمعنى أنه يجعله مقدماً البداءة بالشيء تقديمه على غيره بدأت (بمضمضة ثم استنشاق) (والمبالغة فيهما لغير صائم) هذه سنة أخرى غير الترتيب أن يبالغ في المضمضة هذا سنة المضمضة واجبة في أصلها بمعنى أنه يدخل الماء الفم ويديره أدنى إدارة لابد من تحريكه لأن المضمضة لا تصدق إلا بتحريك الماء لأنه مأخوذ من مضمض الماء في الإناء حينئذٍ حركه لابد أن يحركه أدنى تحريك أجزأه وأما المبالغة بأن يعمم ويوصل الماء إلى أقصى فمه نقول هذا مستحب وكذلك الاستنشاق مأخوذ من النشق وهو جذب الماء إلى الأنف بالنفس أن يجذبه في أدنى الأنف هذا لابد من تحقيقه وهو أقل ما يصدق عليه الاستنشاق وأما أن يجذبه بنفس قوي إلى أقصى الأنف هذا مبالغة في الاستنشاق ويعتبر من السنة إذاً أصل المضمضة واجب المبالغة فيها مستحب وأصل الاستنشاق واجب والمبالغة فيه مستحب والمراد هنا بالسنة متعلقة بماذا؟ بالمبالغة في النوعين (المبالغة) يعني ومن سنن الوضوء (المبالغة) مفاعلة بالغ في الأمر يبالغ مبالغة اجتهد فيه وبذل وسعه في كماله (فيهما) أي في المضمضة والاستنشاق وأقل الواجب في المضمضة أن يدير الماء في الفم أدنى إدارة وأقل الواجب في الاستنشاق جذب الماء ليدخل مناخره (لغير صائم) هذا للحديث (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) سواء كان الصوم فرضاً أو نفلاً فالحكم يكون عاماً حينئذٍ (إلا أن يكون صائماً) هذا راجع للمبالغة لا لأصل الاستنشاق والذي دل على أنه سنة المبالغة (وبالغ) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب لماذا صرفناه لماذا لم نقل المبالغة واجبة؟ من يجيب (وبالغ) أمر ونحن دائم نحتج عليها في صرف الأمر عن الوجوب لأدنى دليل (قوله إلا أن تكون صائماً) صائماً هذا نكرة فيشمل

الفرض والنفل حينئذٍ تترك المبالغة لأجل الصوم النفل ولا يترك الواجب لنفل فدل على أن قوله (أن تكون صائماً) قرينة صارفة لقوله (بالغ) من الوجوب إلى النفل حينئذٍ (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً تقرير الدليل: (بالغ) هذا أمر والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب صرفناه عن الوجوب إلى الندب ما هي القرينة الصارفة؟ نقول قوله (إلا أن تكون صائماً) (صائماً) يشمل الفرض ويشمل النفل لو كانت المبالغة واجبة لما سقطت بنفل الصوم لأن الواجب لا يسقط بنفل وإنما يسقط النفل بنفل هذا تقرير الدليل وهو الذي جعله صارف لما ذكر (لغير صائم) وأما الصائم فتكره تكره المبالغة لأنه مظنة لدخل الماء إلى جوفه (وتخليل اللحية الكثيفة) يعني من سنن الوضوء (تخليل اللحية) (تخليل) تفريق الشعر والأصابع وأصله من إدخال الشيء في خلال الشيء وهو وسطه إدخال الشيء في خلال الشيء هكذا أو اللحية نفسها هكذا يدخل أصابعه في داخل شعره (تخليل اللحية الكثيفة) تقيد لأن الخفيفة هذه يجب غسلها وما تحتها سيأتي أن الشعر الذي يكون في الوجه أو في الغسل على جهة العموم ما كان كثيفاً وجب غسل ظاهرة وما كان خفيفاً وجب غسله وما تحته والفرق بينهما أن الكثيف ما لا يرى منه باطن أو لون الجلد هذا يسمى ماذا؟ يسمى كثيفاً وأما أن كنت ترى الجلد من تحته حينئذٍ يسمى خفيفاً الكثيفة وهي ما تستر البشرة فيجب غسل ظاهرها ولا يجب إدخال الماء إلى داخلها وعلى المذهب كما سيأتي وما سترسل منها وأما الخفيفة وهي التي تصف البشرة فإنه يجب غسلها وما تحتها لأنها داخلة في حد الوجه إذاً تخليل اللحية يعتبر من السنن ويشترط في هذه اللحية أن تكون كثيفة لحديث عثمان أنه توضأ وخلل لحيته حين غسل وجهه ثم قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل الذي رأيتموني فعلت) رواه الترمذي وصححه وحسنه البخاري قال بن القيم رحمه الله تعالى [كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ولم يكن يواظب عليه] يعني يفعله تارة ويتركه تارات وجاء من حديث أنس مرفوعاً (كان إذا توضأ أخذ كف من ماء فجعله تحت حنكه وخلل به لحيته وقال هكذا أمرني ربي) وروى الترمذي وبن ماجه وصححه أن كان يخلل لحيته على كل المسألة فيها شيء من الخلاف وعلى ما ذكره أهل العلم أن الأحاديث بمجموعها حسنة حينئذٍ يفعله تارة ويتركه تارات وصفة التخليل: أن يأخذ كف ويضعه من تحت حنكه ثم يخلل به لحيته وهل يفعل بعد الوضوء أو أثناء غسل الوجه؟ يفعل تارة هذا وتارة هذا وإن كان ظاهر النصوص أنه يفعله مع غسل الوجه (والأصابع) يعني من سنن الوضوء تخليل الأصابع كما أنه تخلل اللحية (والأصابع) أطلق المصنف هنا تشمل حينئذٍ أصابع الرجلين وأصابع اليدين وحينئذٍ يفصل في تخليل الأصابع إن كان الماء لا يصل بين الأصابع إلا بتخليلها حينئذٍ يكون واجباً لأن غسل الرجلين يعتبر من أركان وفرائض الوضوء وما لا يصل إليه الماء إلا بالتخليل وجب التخليل وحينئذٍ تكون السنية معلقة بماذا؟ بما أمكن وصول الماء بنفسه ثم يتأكد من باب الزيادة فقط والاطمأننا حينئذٍ يخلل أصابعه هذا المراد بالسنية وإما إذا كان الماء لا يصل إلا بالتخليل وجب التخليل لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب وإيصال

الماء إلى جميع بشرة الرجلين أو اليدين نقول هذا متعين وإذا كان لا يتم إلا بالتخليل صار التخليل واجباً وأما إذا وصل الماء بنفسه ولا يحتاج إلا تخليل حينئذٍ صار التخليل سنة لحديث لقيط (وخلل بين الأصابع) وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم فيشمل أصابع اليدين وأصابع الرجلين كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى وهل هناك صفة له؟ في الشرح ذكروا صفات خلل بخنصره كلها لم يدل عليها دليل بل هي أقرب إلى البدع من السنة، (والتيامن) يعني من سنن الوضوء (التيامن) وهذا خاص بالأعضاء الأربعة فقط وهما اليدان والرجلان أما الوجه فيغسل مرة واحدة وأما مسح الرأس فيمسح مرة واحدة ليس فيه تيامن لا يقول أمسح هكذا ثم يأتي بالجهة اليسرى نقول لا بل يمسح مرة واحدة وكذلك غسل الوجه يغسل مرة واحدة حينئذٍ يكون التيامن في ماذا؟ بين اليدين والرجلين وهما أربعة أعضاء (والتيامن) وهذا لا خلاف فيه لحديث - قال أحد الطلاب عائشة - قال الشيخ: ما هو؟ قالوا (كان يعجبه التيامن ... )

قال الشيخ: قالت (في طهوره) والطهور يشمل الوضوء ويشمل الغسل، (والتيامن) هو البداءة باليمن في غسلها قبل اليسرى ونحو ذلك وفي الصحيحين (كان يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) وفي السنن وصححه بن خزيمة (إذا توضأ أحدكم فليبدأ بيمينه)، (وأخذ ماء جديد للأذنين) مسح الأذنين تابع للرأس الأذنان من الرأس حينئذٍ يكون واجباً مسحها مع الرأس هذا هو الصحيح ليس من السنن لأن الرأس وجب مسحه حينئذٍ ما كان داخل في مسماه فحكمه واحد وهو الوجوب لكن هنا كلامه متعلق بماذا؟ ليس في أصل المسح وإنما في كونه يأخذ ماء جديد للأذنين وإلا إذا مسحه بماء رأسه أجزأه ولكن يأخذ ماء جديد وقالوا أنه مستحب (وأخذ ماء جديد للأذنين) بعد مسح رأسه والأذنين تثنية أذن مشتق من الأَذَنِ وهو الاستماع لما روى البيهقي (أنه النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ماء لأذنيه غير الماء الذي أخذ لأرسه) وهذا مذهب مالك والشافعي والصحيح أنه لا يستحب أن يأخذ ماء جديداً للأذنين بل يمسحان بماء الرأس وفاقاً لأبي حنيفة رحمه الله تعالى قال بن القيم [لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أخذ لهما ماء جديداً] والذي ذكر من حديث البيهقي هذا شاذ قال بن دقيق العيد رحمه الله تعالى الذي في ذلك الحديث [ومسح رأسه بماء غير فضل يديه] قال الحافظ [وهو عند مسلم من هذا الوجه بلفظ (ومسح برأسه بماء غير فضل يديه)] يعني مسح الرأس بماء غير فضل يده بمعنى أنه يأخذ ماء جديد لمسح الرأس ليس للأذنين وهذا هو الصحيح وهو المحفوظ إذاً (وأخذ ماء جديد للأذنين) نقول الصواب أنه لا يستحب وليس من السنن، (والغسلة الثانية والثالثة) يعني من سنن الوضوء أن يغسل العضو فيما يغسل دون ما يمسح وهو الرأس فإنه لا يستحب تكراره وإنما يمسح مرة واحدة وما عدا ذلك الذي يغسل الغسلة الأولى واجبة وهذه محل وفاق إذا عمت والغسلة الثانية والغسلة الثالثة هاتان مستحبتان لأن النبي صلى الله عليه وسلم ورد كما في صحيح البخاري (توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين وتوضأ ثلاثاً ثلاثاً) وقوله مرتين مرتين فيما يستحب تكراره وثلاثاً ثلاثاً فيما يستحب تكراره وأما مسح الرأس فليس بداخل في ذلك (والغسلة الثانية والثالثة) حينئذٍ تكون من السنن وأما الأولى فهي واجبة والمراد بالغسلة تعميم العضو ليس المراد أخذ الماء تأخذ مرة واحدة فقط حينئذٍ الثانية تكون مستحبة ... لا؛ تعمم العضو كاملاً بماء سواء أخذته مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو عشرة هذه غسلة واحدة إذا عممت العضو بأخذ الماء مرة أو مرتين أو ثلاثة بغسلة واحدة ثم إذا عممته حينئذٍ أجزأك ذلك الغسل وبقي ما عداه فهو سنة والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

7

عناصر الدرس * باب فروض الوضوء، وصفته، وشرح الترجمة. * فروض الوضوء ستة باستقراء الأدلة، وبعضهم جعلها أربعة. * فروض الوضوء: تحديدها طولًا وعرضًا، ودليل كل واحد، ووجه الاستدلال. * توجيه قراءة الكسر في قوله تعالى: "وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم إلى الكعبين". * النية شرط لطهارة الأحداث كلها. * ماذا ينوي من أراد الطهارة. * من نوى طهارة مستحبة ناسيًا حدثه .. هل يرتفع حدثه؟ * متى تجب النية على رافع الحدث؟ * صفة الوضوء. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد قال المصنف رحمه الله تعالى (باب فروض الوضوء وصفته) أي هذا باب بيان فروض الوضوء وصفة الوضوء الضمير يعود على الوضوء، لما ذكر الماء الذي تحصل به الطهارة وآنية الماء وأردفه بالاستنجاء ثم بالسواك أتبع ذلك بالكلام على مقاصد الطهارة سبق أن الطهارة يُتحدَث فيها عن المقاصد ويقصد بها الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى الوضوء والغسل إذاً عندنا أمران طهارة صغرى وطهارة كبرى وقدم الصغرى على الكبرى لتكرره ولأنه مطلوب مطلقاً لكل صلاة فرضاً كانت أو نفلاً وهما من أعظم شروط الصلاة في الصحيحين (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) جعله شرطاً لصحت الصلاة ولمسلم (لا يقبل الله صلاة بغير طُهور) يعني الوضوء بضم الطاء وله أيضاً (الطهور شطر الإيمان) (الطُهور - بضم الطاء - شطر الإيمان) إذاً الوضوء يعتبر شرط من شروط صحت الصلاة والأصل في وجوبه الكتاب والسنة والإجماع أو في شرطيته أو في فرضه الكتاب والسنة والإجماع وأما الكتاب آية المائدة وأما السنة كما ذكرنا وأما الإجماع منعقد على أن الوضوء شرط في صحت الصلاة (باب فروض الوضوء) (فروض) جمع فرض والمراد به الواجب عند الأصوليين الفرض والواجب مترادفان إلا أن الفقهاء يستعملون الفرض فيما هو آكد من الواجب بمعنى أن الواجب قد يكون ثَمَّ خلاف في وجوبه أو قد يكون ثًمَّ نظر في ثبوته من حيث الطريقة يعني لا يشترط فيه أن يكون ثابتاً بطريق مقطوع به بل قد يكون الطريق مظنوناً وأم الفرض فيستعملونه فيما قطع به بمعنى أنه كان مقطوعاً به من جهة الثبوت بأن يكون قرآن أو متواتراً أو مجمعاً عليه وكذلك من حيث الدلالة الفرض: يقال لمعاني منها الحز والقطع، وشرعاً: ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً، حينئذٍ من حيث التعريف من حيث الثمرة أو الحكم فالفرض والواجب سيان (والفرض والواجب ذو ترادف ... ومال نعمان إلى التخالف) وجمهور وأهل العلم والأصوليين والفقهاء على الترادف بأن الفرض والواجب معناهما واحد ولذلك يعرف الواجب بما يعرف به الفرض والعكس بالعكس وكذلك من حيث الحكم الواجب: ما أثيب فاعله وعوقب تاركه، وكذلك الفرض وهما سيان متحدان من حيث الحقيقة ومن حيث الحكم والثمرة إلا أنه من حيث الاستعمال عند الفقهاء يفرقون بينهما (باب فروض الوُضوء) (الوُضوء) بضم الواو فعل المتوضأ وهو إمرار الماء على أعضائه مأخوذ من الوضاءة وهي النضارة والحسن والنظافة والبهجة، والوَضوء بفتح الواو الماء الذي يُتوضأ به، ثَمَّ وُضوء وَضوء الوُضوء الفعل نفسه بمعنى إمرار الماء على الأعضاء والوَضوء بالفتح هو الماء الذي يُتوضأ به، (وصفته) أي صفة الوضوء يعني الكيفية والهيئة التي يتأتى بها الوضوء، وهو نوعان: كامل ومجزئ، كامل هو مشتمل على الواجب والمسنون ومجزئ هو المشتمل على الواجب فحسب، وعرفه في الشرح [الوضوء استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة] هنا يحتاج إلى تعريف لأن الوضوء إنما يحكى بطريقة فعله أو نتوضأ كما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو تعرف الوضوء،

قيل ما هو الوضوء؟ أن تأخذ الماء وتغسل كفيك إلى آخر الوضوء حينئذٍ لا يحتاج إلى تعريف ولكن يذكر استعمال طهور بمعنى أن الطاهر لا يجزئ في الطهارة لأن الطاهر هذا لا يستعمل في العبادات وإما يستعمل في العادات كما سبق يعني لا يرفع الحدث وإنما رفع الحدث محصور في الماء الطهور ثم قيده بعضهم بأنه مباح فالماء الطهور المغصوب أو المسروق أو الموقوف للشرب كما ذكرنا سابقاً لا يجزئ في الوضوء في الأعضاء الأربعة الوجه واليدان والرأس والرجلان على صفة مخصوصة يعني في الشرع بأن رتب ووالى وقدم وأخر حينئذٍ يأتي بيانها في موضعها، قال المصنف رحمه الله تعالى (فروضه ستة) مما يأكد أن الفقهاء يفرقون بالاستعمال بين الفرض والواجب سبق أن المصنف يرى أن التسمية واجبة (وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر) وهنا لم يذكر التسمية مع أنها واجبة في المذهب وإنما أراد ما هو آكد وما هو مجمع عليه وهو داخل في حقيقة الماهية (وفروضه ستة) باستقراء الأدلة على المذهب وبعضهم يجعلها أربعة بإسقاط الموالاة والترتيب حينئذٍ يقتصر على الأعضاء الأربعة الوجه واليدان والرأس والرجلان الوجه بما فيه المضمضة والاستنشاق والرأس مسحه واليدان والرجلان (فروضه ستة) باستقراء الأدلة وآية المائدة ظاهرها ذلك (غسل الوجه) يعني الأول من هذه الفروض (غسل الوجه) والغسل في الأصل من غسل الشيء سال بالفتح وإذا أطلق الغسل في لسان العرب ينصرف إلى الغسل بالماء ولذلك جاء قوله (فاغسلوا وجوهكم) ولم يذكر الماء حينئذٍ (فاغسلوا وجوهكم) هل نقول حذف الماء الذي يغسل به من أجل التعميم؟ قل لا ليس هذا المراد ولا يقول به عاقل وإنما إذا أطلق الغسل في لسان العرب انصرف إلى الماء حينئذٍ لم يذكر الغسل في آية المائدة (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) إلى آخره لأن الغسل لا يكون إلا بالماء فلا يحتاج أن يقال فاغسلوا وجوهكم بالماء لو قيل بالماء يصح لغة لكنه يكون من باب التأكيد، (غسل الوجه) مأخوذ من المواجهة الوجه سمي بذلك؟ لأنه يواجه به وجمعه وجوه (غسل الوجه) لقوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم) (فاغسلوا) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب ومحل الوجوب هنا الوجه قال (فاغسلوا وجوهكم)، (والفم والأنف منه) بمعنى أن المضمضة والاستنشاق داخلان في مفهوم الوجه ولذلك قال (والفم والأنف منه) أي من الوجه لأنه مما تحصل به المواجهة حينئذٍ يعبر بهذا القول بأن الفم والأنف منه يعني من الوجه يعبر عن ذلك بالمضمضة والاستنشاق والمذهب عند الحنابلة وهو الصحيح وجوب المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الصغرى والكبرى هذا هو الصحيح الذي دلت عليه السنة (والفم والأنف منه) أي من الوجه لماذا؟ لدخولهما في حده قد قال الله تعالى (فاغسلوا وجوهكم) ولا شك أن الفم والأنف مما تحصل به المواجهة حينئذٍ نقول الأصل دخول الفم والأنف في مفهوم الوجه وإخراجه هو الذي يحتاج إلى دليل ليس العكس لا نطالب من قال بالوجوب الأصل داخل فيه من قال بالسنية هو الذي يطالب بالدليل إذاً الصحيح أن المضمضة والاستنشاق داخلان في مفهوم الوجه حينئذٍ يكون مأموراً به لقوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم) هذا أمر والمر يقتضي الوجوب وهذا محل إجماع الذي هو غسل الوجه بالجملة محل

إجماع بين أهل العلم إذاً أدلة الوجوب غسل الفم أو المضمضة والاستنشاق أنهما من تمام غسل الوجه فالأمر بغسل الوجه أمر بهما فالله تعالى أمر بغسل الوجه وأطلق وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وتعليمه ولم ينقل عنه أنه أخل بذلك مع اقتصاره على أقل ما يمكن توضأ مرة مرة ليبين أن الثلاث واثنتين ليستا بواجبتين حينئذٍ بين أقل ما يمكن أن يسمى وضوء ولم يسقط في ذلك الوضوء المضمضة والاستنشاق فدل على أنه أقل ما يصدق عليه أنه وضوء في غسل الوجه المضمضة والاستنشاق حينئذٍ يكونان داخلان في مفهوم الوجه، مع اقتصاره على المجزئ وهو الوضوء مرة مرة وفعله إذا خرج بياناً كان حكمه حكم ذلك المبين وفي رواية لحديث لقيط بن صبرة عند أبي داود (إذا توضأت فمضمض) وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب ويكفي فعله عليه الصلاة والسلام لأنه مبين قد بين الإجمال الذي وقع في كلمة وجوهكم في قوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم) إذاً الصحيح أن المضمضة والاستنشاق واجبان لدخولهما في مسمى الوجه وعليه يكونان من الفرض والفرض لا يسقط لا سهواً ولا عمداً ولذلك نص في الشرح [فلا تسقط المضمضة ولا الاستنشاق في وضوء ولا غسل لا عمداً ولا سهواً] فمن نسي المضمضة أو الاستنشاق حينئذٍ يلزمه إعادة الوضوء إلى إذا كان قريباً من الوضوء فيرجع إلى الموضع الذي نسيه إذاً لا تسقط المضمضة ولا الاستنشاق لا سهواً ولا عمداً لماذا؟ لكونهما فرضين داخلان في مسمى الوجه، (غسل الوجه والفم والأنف منه وغسل اليدين) يعني الفرض الثاني من فروض الوضوء (غسل اليدين) (غسل) أطلق المصنف هنا لأن الغسل في مفهوم لسان العرب لا يصدق إلا على ما كان بماء (غسل اليدين) تثنية يد (مع المرفقين) المصنف أطلق لم يبين (غسل اليدين) لم يبين منتهى اليد حينئذٍ يحتاج إلى استدراك على المصنف والله عز وجل قال (وأيديكم إلى المرافق) فلم يطلق غسل اليدين هكذا وإنما قيده بقوله (إلى المرافق) والأصل في المصنف أن يقول (غسل اليدين مع المرفقين) ولكنه تركه وهذا يعتبر استدراكاً عليه (مع المرفقين) تثنية مِرفَق أو مَرفِق وهو المفصل الذي بين العضد والذراع يجمع على مرافق والدليل على أن هذا فرض غسل اليدين قوله تعالى (وأيديكم) هذا معطوف على قوله (فاغسلوا وجوهكم) معطوف على قوله (وجوهكم) حينئذٍ العامل في المعطوف عليه هو العامل في المعطوف حينئذٍ يأخذ حكمه كأنه قال فاغسلوا وجوهكم واغسلوا أيديكم حينئذٍ الأيدي مأمور بغسلهما وإذا أمر الله تعالى به فحينئذٍ كان فرضاً لازماً لأن مطلق الأمر يحمل على الوجوب وهذا محل إجماع في الجملة إلا أن المرفقين محل نزاع وقوله تعالى (إلى المرافق) أي مع فإلى هذا الحرف مجمل لماذا؟ لأن المجمل محتمل أمرين وهنا إلى يحتمل أنه للغاية وإذا كانت غائية يكون ما بعد إلى ليس داخلاً فيما قبلها حينئذٍ يكون المرافق أو المرفقين المرافق ليست داخلة في مسمى الغسل فيكون منتهى الغسل هو ابتداء المرفق وليس بداخلين هذا إذا اعتبرنا إلى على وجهها وقد قال به بعض الفقهاء والصحيح أن إلى هنا بمعنى مع حينئذٍ تكون المرافق داخلة في مفهوم قوله (وأيديكم) (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) يعني مع المرافق حينئذٍ المأمور

به اليدان مع المرافق ودل على ذلك فعله عليه الصلاة والسلام وجاء في حديث أدار الماء على مرفقيه رواه الدار القطني وضعفه بعضهم ولمسلم وهو أولى بالاحتجاج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (غسل يده حتى أشرع في العضد) (حتى أشرع في العضد) دل على أن قوله (إلى) بمعنى مع وله نظير بل نظائر في الكتاب والسنة وفي لسان العرب أن إلى تأتي بمعنى مع كما في قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) يعني مع أموالكم إذاً قوله (وأيديكم إلى المرافق) يعني مع المرافق والإجمال الذي وقع في مفهوم الحرف هنا، لأن الإجمال قد يكون في الحرف وقد يكون في الاسم وقد يكون في الترتيب عند جمهور الأصوليين حينئذٍ إذا وقع في الحرف لابد من دليل منفصل يبين المراد وهنا الدليل وقع من جهتين فعله عليه الصلاة والسلام وكذلك حمله على ما جاء في لسان العرب (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) هذا مفسر وفعله عليه الصلاة والسلام يبينه كما في حديث أبي هريرة عند مسلم (غسل يده حتى أشرع في العضد) وهذا واقع بياناً فوجب إذاً الفرض الثاني (غسل اليدين) ونزيد (مع المرفقين)، (ومسح الرأس ومنه الأذنان) أي الفرض الثالث من فرائض الوضوء التي أجمع أهل عليها العلم في الجملة يعني أجمعوا على أن مسح الرأس فرض لكن ما الذي يمسح هذا الذي وقع في النزاع ولهذا يعبر الفقهاء عن هذا يقولون أجمعوا عليه في الجملة يعني أصل المسح مجمع عليه لكن ما المقدار الذي يمسح هذا نزاع والثالث من الفروض (مسح الرأس) (الرأس) أل هنا للعموم ولذلك فسرها المصنف بقوله كله فدل على أن مراد المصنف بقوله (مسح الرأس) أن جميع الرأس داخل في الفرضية حينئذٍ لا يسقط الإتيان بالفرض وتبرأ الذمة والطلب يسقط إلا بمسح الرأس كله لقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) يعني بالماء امسحوا بالماء (برؤوسكم) الباء هنا اختلف فيها هل هي لتبعيض أو للإلصاق؟ والذي ينبني على هذا الخلاف هو المقدار الذي يمسح من الرأس فمن قال أنها للتبعيض أجزأ عنده أي مقدار يمسح من الرأس لأن الله تعالى قال (وامسحوا برؤوسكم) يعني بعض رؤوسكم فلو مسح شعرتين أو ثلاث أجزأه وسقط الطلب ومن فسرها بأنها للإلصاق حينئذٍ لابد أن يعمم (وامسحوا برؤوسكم) أضافه وجمع الرأس وأضافه فلابد من التعميم إذاً محل النزاع عند أهل العلم في مفهوم الباء أنكر بعض الفقهاء أن الباء تأتي للتبعيض وهو قول بن برهان قال [من زعم أن الباء تأتي للتبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفون] الصحيح أنها ثابتة كما قال بن رشد في بداية والمجتهد حينئذٍ تكون الباء تأتي للتبعيض وتأتي للإلصاق لكن في هذا الموضع لتفسير الباء هنا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حملت على الإلصاق فيقال (برؤوسكم) الباء هنا للإلصاق لماذا؟ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يرد عنه حرف واحد أنه اكتفى بمسح بعض الرأس دون البعض الآخر وإنما عممه (مسح الرأس) إذاً كله لابد من التعميم والأذنان هل هما من الرأس أم تابعان للوجه أم هما مستقلان؟ قال (ومنه) أي ومن الرأس (الأذنان) لحديث (الأذنان من الرأس) (منه) أي من الرأس (الأذنان) وإذا عرفنا أن الرأس حكمه فرضية المسح كذلك الأذنان داخلان في مفهوم الرأس فيجب مسح

الأذنين واضح هذا ولذلك قال (ومنه الأذنان) يعني من الرأس حينئذٍ حكم مسح الرأس أنه فرض والأذنان من الرأس إذاً حكم مسح الأذنين أنه فرض لماذا؟ لقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) ودل على أنهما من الرأس حديث (الأذنان من الرأس) (ومسح الرأس) أي كله (ومنه) أي من الرأس (الأذنان) حينئذٍ يجب مسحهما معه لقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) حد الرأس من المقدَم بحيث لا يسمى وجهاً ومن المؤخَر بحيث لا يسمى قفاً والواجب مسح ظاهر الشعر إن كان لك شعر وإن لم يكن حينئذٍ وجب مسح الرأس من حيث الأصل وقوله صلى الله عليه وسلم (الأذنان من الرأس) رواه بن ماجة واختلف في تصحيحه أو تحسينه أو تضعيفه والظاهر أنه حديث حسن، قال بن تيمية رحمه الله تعالى [اتفق الأئمة على أن السنة مسح جميع الرأس كله كما ثبت في الأحاديث الصحيح والذين نقلوا وضوؤه صلى الله عليه وسلم لم يقل أحد منهم أنه اقتصر على مسح بعضه ومسحه مرة يكفي بالاتفاق ولا يستحب التثليث] يعني لا يستحب أن يثلث وهذا هو الظاهر من السنة وأما قوله (توضأ مرتين مرتين وتوضأ ثلاثاً ثلاثاً) هذا مجمل يفسر ببقية النصوص وأما يأخذ من هذا النص بأنه توضأ مرة مرة بمعنى أنه مسح الرأس مرة توضأ مرتين مرتين بمعنى أنه مسح الرأس مرتين نقول لا؛ هذا لا يؤخذ من هذا النص لأن هذا مجمل ليس فيه حكاية صفة فعل النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ نرجع إلى الأحاديث المفصلة وهنا قاعدة لابد أن يعتني بها طالب العلم وهي أن هذه العبادات المركبة يجب أن يجمع النصوص كلها بعضها مع بعض ثم ينظر فيها نظرة واحدة ولا يجعل أصلاً وما عداه يكون مكملاً له كما يصنعه الكثير من الفقهاء المتأخرين يجعله ثَمَّ نصوص هي شاملة اشتملت على كثير من بيان الوضوء أو الصلاة أو الحج أو نحو ذلك ثم إذا جاءت روايات أخرى قالوا هذا خالف هذا كيف هذا خالف هذا؟ هو معين واحد هذا يحكي فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا يحكي فعل النبي صلى الله عليه وسلم كيف تعارض بينهما وإنما نقول النظر أن تجمع سائر النصوص أمامك هكذا ثم تنظر فيها بنظرة الأصولي الفقيه معتمداً على الأقوال المنقولة عن أئمة الدين إذاً فلا يستحب ثلاثاً (ومنه الأذنان) أي الأذنان من الرأس فيجب مسحهما معه يعني مع الرأس وبعضهم يرى وهو كثير من أهل العلم أنه يستحب مسح الأذنين تضعيفاً لهذا الحديث حينئذٍ صار منفصلاً إذا صارت الأذن منفصلة عن الرأس حينئذٍ أقل أحوال فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه محمول على الاستحباب وإذا حكمنا على الحديث بأنه ثابت حينئذٍ بين أن الأذنين من الرأس حينئذٍ أخذ الحكم، (وغسل الرجلين) كذلك أطلق المصنف هنا (الرجلين) ليس مطلقاً وإنما لابد أن يقيد مع الكعبين لأن الله تعالى قال (وأرجلكم إلى الكعبين) ويقال في إلى هنا ما قيل هناك بمعنى أن إلى محتملة الأمرين إما أن تكون غائية حينئذٍ الكعبان لا يغسلان لأن ما بعدها يكون ليس داخلاً فيما قبلها وإما أن تكن بمعنى مع وإذا كانت كذلك حينئذٍ الكعبان يغسلان مع القدمين وهذا الثاني هو المرجح لماذا؟ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ صار اللفظ مجملاً الحرف وافتقرنا إلى مبين وجاءت السنة مبينة لذلك (غسل الرجلين) (الرجلين)

تثنية رجل (مع الكعبين) لقوله تعالى (وأرجلكم إلى الكعبين) والكعبان هما العظمان الناتئان يعني البارزان من جانبي القدم معروف وهما مجمع مفصل السابق والقدم قال النووي [باتفاق أهل الحدث واللغة والفقه بل وإجماع الناس] وأما الرافضة فلا عبرة بهم فهذه الأعضاء الأربعة هي آلات الأفعال التي يباشر بها العبد ما يرد فعله وبها يعصى الله ويطاع إذاً (غسل الرجلين) لقوله تعالى (وأرجلَكم إلى الكعبين) وهذا على قراءة النصب واضحة بينة وأما (وأرجلِكم) بالكسر قيل عطفاً على المغسول والخفض للمجاورة كما قالوا هذا جحرُ ضبٍ خربٍ؛ خربٌ هذا الأصل؛ خربٍ قالوا الخفض هنا للمجاورة والجر بالمجاورة مختلف فيه جماهير أهل اللغة على أنه ضعيف فلا يعول عليه وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يحمل عليه ظاهر القرآن فلا يقال (وأرجلِكم) أنه مجرور بالمجاورة (وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم) لما جاور المخفوض حينئذٍ خفض وإلا فالأصل أنه معطوف على وجوهكم (فاغسلوا وجوهكم) على وجوهكم (فاغسلوا وجوهكم) لأن العطف إذا كان بالواو يرجع إلى الأول فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم إلى الكعبين ثم قال وامسحوا فصله إذاً ثَمَّ غسل وثَمَّ مسح (وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم) وأرجلَكم بالنصب معطوف على أيديكم وهو واضح وأرجلِكم معطوف على الممسوح حينئذٍ معطوف في اللفظ فحسب أخذ حكمه وإلا فالأصل فهو معطوف على وجوهكم لماذا؟ لأن حكم الرجلين كحكم الوجه من حيث الغسل فيجب غسل الرجلين كما يجب غسل الوجه واليدين هذا وجه وقيل بل عطف على الممسوح (وأرجلِكم) عطف على الممسوح ثم قيل المراد به مسح الخفين لأن الرجل لها حالان إما أن تكون مكشوفة وإما أن تكون مستورة حينئذٍ فرضها وهي مكشوفة الغسل دل عليه قوله (وأرجلَكم) بالنصب وفرضها وهي مستورة المسح ودل عليه (وأرجلِكم) لكن هذا يعكر عليه ماذا؟ (إلى الكعبين) لأن المسح لا يكون إلى الكعبين حينئذٍ لا يمكن حمله على أن الآية يراد بها حالان من حالتي الرجل وهي إما أن تكون مكشوفة وإما أن تكون مستورة هذا الجواب جميل جداً لكن يعكر عليه ما ذكرناه وقيل بل أطلق المسح وأراد به خفيف الغسل ومعنى القراءتين واحد وهو أولى حمله على هذا الأخير أولى إذ الأصل توافق القراءتين هذا هو الأصل قال أبو علي الفارسي [العرب تسمي خفيف الغسل مسحاً يقولون تمسحت للصلاة أي توضأت لها وخصت الأرجل لأنه مظنة الإسراف المنهي عنه لذا عطف على الممسوح تنبيهاً على الاقتصاد في صب الماء] إذاً (وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم) معطوف على (برؤوسكم) لكن ليس المراد به أنه يمسح لأن قوله (وامسحوا) أراد به نوعين مسح مع إسالة ومسح بدون إسالة فيحمل قوله (برؤوسكم) على المسح بدون إسالة (وأرجلِكم) على المسح مع الإسالة وهذا الوجه أولى ما يحمل عليه النص إذاً (وأرجلَكم إلى الكعبين) هذه واضحة (وأرجلِكم) بالكسر عطفاً على رؤوسكم والمراد بقوله (وامسحوا) على نوعين مسح مع إسالة ومسح بدون إسالة، قال (والترتيب) يعني الخامس من الفروض (الترتيب) يعني أن يرتب الأعضاء كما جاءت في الآية بأن يقدم الوجه ثم اليدين ثم المسح ثم الرجلين هذا المراد بالترتيب فإن قدم وأخر حينئذٍ ترك فرضاً من فرائض الوضوء فلا يصح وضوؤه

(الترتيب) يعني بين الأعضاء وهو المذهب عند الحنابلة على ما ذكر الله تعالى ما الدليل على أن الترتيب واجب بأنه فرض فلو خالف الترتيب ما صح وضوؤه نقول لأن الله تعالى أدخل الممسوح بين المغسولات وهذا أسلوب عربي حينئذٍ أدخل الممسوح بين المغسولات يعني قطع النظير عن نظيره لأن الأصل أن يرتب المغسولات ثم يأتي بالممسوحات فيقول فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم هذا ترتيب لكن لما فصل بين المغسولات وأدخل المسح مسح الرأس دل على أن مكان المسح هو هذا بأن يكون بعد اليدين وقبل الرجلين قطع النظير عن نظيره وهذه قرينة إرادة الترتيب لأن العرب لا تفعل ذلك إلا لفائدة فإن قيل الفائدة استحباب الترتيب؛ قلنا الآية ما سيقت إلا لبيان الواجب وإلا وذلك قال الشارح [ولآية سيقت لبيان الواجب] لأنه قد يقال نعم رتب لكن الترتيب ليس بواجب وإنما هو مستحب نقول الآية آية المائدة إنما بينت الواجب اقتصرت على الواجبات فقط ولم تذكر المسنونات ليس فيها سنة ألبته حينئذٍ دل على أن الترتيب واجب وليس مستحب ثم فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عنه حرف واحد بأنه خالف الترتيب لأن الترتيب مما تحتاجه الأمة يعني معرفة حكمه مما تحتاج الأمة لأنه قد يحصل سهو تقديم وتأخير قد يكون ثَمَّ جهل فنحتاج بيان ولو مرة واحدة النبي صلى الله عليه وسلم أنه خالف الترتيب لما أكد ولم يتوضأ إلا على سنن آية المائدة دل على أن الترتيب فرض وليس بمستحب [ولا نعلم لهذه فائدة غير الترتيب والآية سيقت لبيان الواجب] وفي صحيح مسلم أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال في السعي (أبدأ بما بدء الله به) وفي لفظ النسائي (ابدءوا بما بدأ الله به) لكنه ضعيف فدل على وجوب البداءة بما بدأ الله به حينئذٍ نقول الأصل في الترتيب أنه واجب وكل من حكى وضوء النبي صلى الله عليه وسلم حكاه مرتباً وهو مفسر لما في كتاب الله تعالى وقولهم أن الواو لا تقتضي الترتيب نقول كذلك لا تمنعه لا تنافيه لأن هنا العطف كان للواو والواو لمطلق الجمع وليس للترتيب نقول نعم هي لمطلق الجمع وليست للترتيب لكنها لا تنافي الترتيب قد يدل دليل خارجي بأن الواو هنا للترتيب فلا إشكال فيه كما في قوله (إن الصفا والمروة) النبي صلى الله عليه وسلم بين بأن الترتيب هنا مراد إذاً الترتيب بين المغسولات والممسوحات نقول هذا فرض من فرائض الوضوء فلو قدم وأخر ولو سهواً ما صح وضوؤه وأما ما يذكره الشراح وإن توضأ منكساً أربع مرات صح وضوؤه إن قرب الزمن منكساً كيف؟ يعني بدأ بالرجلين ثم بمسح الرأس ثم يده ثم وجه حينئذٍ نقول هذا لو فعله مرة صح الوجه فقط ثم المرة الثانية صح اليدان ثم المرة الثالثة صح مسح الرأس ثم المرة الرابعة صح غسل الرجلين قالوا إن توضأ أربع مرات صح نقول أولاً المرة الأولى هذه بدعة فلم يقبل منها لا أولها ولا آخرها فلا يصح منها وضوء ألبته وضوء منكس نحن نقول من قال بالاستحباب الترتيب قوله مردود فكيف ينكس ما أراده الله عزوجل بأن يكون مرتباً حينئذٍ نقول هذا الوضوء بدعة من أصله فلا يصح لو توضأ مئة مرة ما صح الأول ولو مرة واضح وما يذكره الفقهاء هذا مردود، (والموالاة) يعني السادس من فروض الوضوء

(الموالاة) مصدر من والى الشيء يواليه إذا تابعه أي عقب بين الأعضاء لم يفصل بينها بزمن طويل لم يؤخر [وهي عبارة عن إتيان بجميع الطهارة في زمن متصل من غير تفريق فاحش] مصدر من والى الشيء يواليه إذا تابعه الدليل على ذلك دليل وجوب الموالاة قوله جل وعلا (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) إلى آخر الآية هذه كلها أوامر تقتضي ماذا؟ الفورية لأن مطلق الأمر للفور على الصحيح عند الأصوليين فاغسلوا وجوهكم واغسلوا أيديكم إذاً متى منتهى من الأول تعين الثاني وامسحوا برؤوسكم وغسلوا أرجلكم حينئذٍ هذه أوامر والأمر للفور حينئذٍ متى ما فعل بالأول تعين أن يأتي بالثاني على جهة الترتيب والموالاة ثم (إذا قمتم إلى الصلاة) شرط وقوله (فاغسلوا) هذا جواب الشرط وإذا وجد الشرط وهو القيام وجب أن لا يتأخر عنه جوابه وهو غسل الأعضاء الأربعة وهذا أحسن ما يستدل للموالاة وإن ذكر المصنف هنا [أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لُمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء] رواه أحمد وغيره ولو لم تجب الموالاة قد أمره بغسل اللُمعة أو اللَمعة فقط لكنه أمره بإعادة الوضوء فدل ذلك على أن الموالاة معتبرة فرض لقال له اغسل هذه اللَمعة أو اللُمعة (وهي) فسرها (أن لا يؤخر غسل عضو حتى يَنْشَف يَنْشِف) يجف (العضو الذي قبله) [بزمن معتدل أو قدره من غيره] بزمن معتدل إذا قيل بأنه لابد من التتابع حينئذٍ الأصل فيه أن يرجع إلى العرف فما عده العرف بأنه فصل فاحش حينئذٍ تعتبر الموالاة منتقضة وما أعده العرف فصل غير فاحش حينئذٍ يعتبر ماذا؟ الموالاة قائمة هذا الأصل فيها لماذا؟ لأنه إذا وجبت الموالاة حينئذٍ هذه المتابعة تختلف من نظر إلى نظر تختلف من زمن إلى زمن من شتاء إلى صيف تختلف من شخص إلى شخص من عضو إلى عضو فالعضو المغسول ببقاء الماء ليس كالعضو الممسوح حينئذٍ ثَمَّ خلاف ما هو المعتبر في ضبط الموالاة؟ هنا قال المصنف [بزمن معتدل] لكن في عرف من في نظر من؟ أوساط الناس (أو قدره من غيره) يعني من غير المعتدل بأن كان حاراً أو بارداً وقال بن عقيلة [ما يفحش في العادة لأنه لم يحد في الشرع] فمع نظر إليه الناظر وهو من أوساط الناس بأنه لم توجد الموالاة حينئذٍ بقينا على الأصل وهو النفي وإن حكم أوساط الناس بأن الموالاة باقية حينئذٍ نبقى على ذلك على هذا القول لا يعتبر جفاف العضو فلو جف العضو ولم يكن ثَمَّ عرف يقتضي بأن هذا الفصل يعتبر فاحشاً حينئذٍ جفاف العضو لا يضر وهنا المصنف علقها بماذا بالجفاف قال (أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله) يعني حتى يجف العضو الذي قبله حينئذٍ لابد أن يكون العضو مبتلاً فيغسل العضو التالي والعضو السابق باقي على الماء الذي فيه لكن بشرط أن لا يكون هناك ريح تجفف العضو أو يكون هناك برد مثلاً فيتأخر نشاف العضو أو يكون ثَمَّ حر حينئذٍ يجف مباشرة نقول هذه لابد من اعتبارها ولا يضر إن جف لاشتغاله بسنة إذاً الفرض السادس هو الموالاة، ثم قال (والنية شرط لطهارة الأحداث كلها) هذا فيه رد على الحنفية وهم القائلون بأن الوضوء لا تشترط له النية، والنية في اللغة: هي القصد، وفي الشرع: هي عزم القلب على

فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى. ومحلها القلب وتلفظ بها سراً أو جهراً بدعة يأثم بفعلها لماذا؟ لأن النية عبادة قلبية ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته حرف واحد بأنهم نطقوا بالنية لا سراً ولا جهراً وما ترك قصداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ فعله بعده يعتبر من البدع إذاً النية هي القصد ومحلها القلب وفي الشرع هي عزم القلب على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى، (شرط) بمعنى أنها ماذا؟ يفوت الوضوء بفوات النية كما أن الطهارة شرط لصحت الصلاة تفوت الصلاة بفوات الطهارة كذلك النية يفوت الوضوء بفوات النية لأن الشرط في اللغة: هو العلامة، وفي الاصطلاح عند الأصوليين: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذلك، حينئذٍ ما يلزم من عدمه من عدم النية العدم عدم الوضوء ولا يلزم من وجوده من وجود الشرط وجود للوضوء ولا عدم لذاته لذات النية بل لأمر آخر فدل ذلك على أن النية شرط لماذا؟ لتحقق حقيقة الشرط فيها دل على ذلك أمران قوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) فاشترط هنا في العبادة أن تكون مخلصة لله عزوجل ولا شك أن الوضوء من العبادات فدل ذلك على أن الإخلاص شرط في صحت الوضوء حديث (إنما الأعمال بالنيات وإنما لك امرئ ما نوى) (إنما الأعمال) أي صحتها (بالنيات) فلا عمل إلا بنية والوضوء عمل حينئذٍ لا يصح إلا بنية إذاً (والنية شرط) بمعنى أن تخلف النية عن الوضوء يتخلف الوضوء من جهة الشرع بمعنى أنه يحكم عليه بعدم الصحة قال (لطهارة الأحداث كلها) لم يخص الوضوء فحسب إنما عمم يعني النية معتبرة (لطهارة الأحداث) احترازاً عن الأنجاس لأن طهارة الخبث لا يشترط لها نية لماذا؟ لأنها من قبيل التروك وما كان من قبيل لا يشترط لصحته النية وإنما تشترط النية للثواب فحسب فمن أزال النجاسة ولم ينوي نقول فعله صحيح لكن هل يثاب؟ الجواب لا يثاب؛ لماذا؟ لأن القاعدة أنه لا ثواب إلا بنية كما أن لا عمل يصح إلا بنية إذاً (لطهارة الأحداث) لا الأنجاس (كلها) بدون استثنى بمعنى أنه لا يصح وضوؤه إلا بنية ولا يصح الغسل إلا بنية ولا يصح التيمم إلا بنية والتيمم هنا ندخله لماذا؟ لأن التيمم في صورته أنه رفع الحدث وإن لم يحصل به في الحقيقة رفع للحدث ومن جهة أخرى هو عبادة وكل عبادة لا تصح إلا بنية (لطهارة الأحداث كلها) بدون استثنى قال في المبدع [بغير خلاف نعلمه] لقوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبد الله مخلصين له الدين حنفاء) والإخلاص محض النية وللحديث الذي ذكره المصنف (إنما الأعمال بالنيات) ولقوله (لا عمل إلا بنية) ولأن الوضوء عبادة لقوله (الطهور شطر الإيمان) أثنى عليه فدل على أنه عبادة وأخبر أن الخطايا تخرج بالوضوء وكل عبادة لابد لها من نية إذاً من توضأ ولم ينوي ما صح وضوؤه لماذا؟ لفوات شرط من شروط صحت الوضوء ولذلك قال الشارح [فلا يصح وضوء ولا غسل وتيمم ولو مستحبات إلا بها] فلو اغتسل غسل جمعة وهو مستحبة سنة مؤكدة حينئذٍ لم ينوي إذا لم ينوي أنه غسل جمعة وإنما نوى التبرد والتنظف هل يثاب؟ لا؛ ما يثاب لماذا؟ لفوات النية، يعتبر آتياً بغسل جمعة؟ الجواب لا لماذا؟ لأنه لا عمل إلا

بنية وهو لم ينوي لابد أن ينوي أن هذا الغسل للجمعة من أجل تحقيقه تحصيله إيجاده ومن أجل ما يترتب عليه من الثواب إذاً لم ينوي حينئذٍ لا ذا ولا ذا فلا يعتبر غسل للجمعة ولا يثاب عليه ولو وجد الغسل من حيث هو لماذا؟ لأن غسل الجمعة عبادة ولو كانت مستحبة حينئذٍ لا تصح إلا بنية، قال المصنف (فينوي رفع الحدث) عرفنا أن النية شرط لطهارة الأحداث كلها ماذا؟ ينوي ماذا يقصد النية هي القصد هي عزم القلب يعزم على أي شيء من أجل أن نحقق أن النية موجودة قال (فينوي) الفاء للتفريع يعني يقصد (رفع الحدث) هذه صورة من صور النية لأن الوضوء إنما كان لرفع الحدث ما هو الحدث؟ هو الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة (فينوي) رفع هذا الوصف الذي يقوم ببدنه فينوي ماذا؟ رفع الحدث يعني رفع حكمه زوال هذا الوصف القائم بالبدن هذه النية الأولى لكن من الذي يأتي بهذا؟! لا طلاب العلم ولا العوام لماذا؟ لأنه قد لا يستحضره الإنسان وإنما الصورة الثانية هي التي تكون معتبرة (فينوي رفع الحدث) أي حكمه (رفع الحدث) بفعل الوضوء أو الغسل هذه الصورة الأولى وهي الأصل (أو الطهارة لما لا يباح إلا بها) يعني لا يستحضر ولا يقصد رفع حكم الحدث وإنما يقصد الذي يريد فعله بالوضوء وهذا الذي يقصد فعله في الوضوء بأن يكون عبادة على مرتبتين: من العبادات ما لا يصح إلا بوضوء أو غسل ومنه ما يصح بدون وضوء أو غسل العبادة على نوعين منه ما يشترط فيه الوضوء أو الغسل ومنه ما لا يشترط فيه ذلك الصلاة مثلاً يشترط لها الطهارة صغرى أو كبرى إذاً نقول الصلاة لا تباح إلا بوضوء، قراءة القرآن عن ظهر قلب هل يشترط لها الطهارة؟ لا لكنها مستحبة، هنا ينوي ماذا؟ قال (أو الطهارة لما) يعني فعل (لا يباح إلا بها) أي بالطهارة وذلك كالصلاة مثلاً كالطواف مثلاً على قول الجمهور لأنه لا يصح إلا بوضوء كذلك مس المصحف فينوي بالوضوء مس المصحف حينئذٍ يكون قد نوى بطهارة لا تصح إلا بوضوء فيرتفع الحدث كذلك يقصد بقلبه أنه توضأ من أجل الطواف والطواف لا يصح إلا بوضوء حينئذٍ يرتفع حدثه كذلك ينوي الصلاة صلاة الجنازة مثلاً أو المكتوبة أو النافلة لأنها لا تصح إلا بطهارة حينئذٍ إذا نوى ما لا يباح إلا بالوضوء هذا تضمن الصورة الأولى وهي رفع الحدث لأنه لا يمكن أن يصلي وهو محدث (أو الطهارة) يعني يقصد (الطهارة لما لا يباح إلا بها) يعني بالطهارة كالصلاة والطواف ومس المصحف لأن ذلك يستلزم رفع الحدث ضرورة أن صحت ذلك لا تجتمع معه وليس المراد هنا (لما لا يباح إلا بها) ليس المراد به بأن تكون العبادة واجبة لا قد تكون مستحبة لماذا؟ لأن نقول قد ينوي الراتبة مثلاً هذه عبادة مستحبة وليست بواجبة قد ينوي الطواف ويكون مستحباً وليس بواجب حينئذٍ نقول نوى عبادة مستحبة لكنه يشترط لصحتها الطهارة إذاً (أو الطهارة لما لا يباح) (لما) يعني لفعل عبادة قد تكون واجبة وقد تكون مستحبة (لا يباح إلا بها) يعني بالطهارة، ثم قال (فإن نوى ما تسن له الطهارة ارتفع حدثه) (فإن نوى ما تسن له الطهارة) من قول أو فعل ولا تشترط له مثل ماذا؟ قراءة القرآن وذكر الله تعالى هو آذان أراد أن يؤذن النوم أرد

أن ينام على طهارة الغضب أراد أن يتوضأ حينئذٍ نقول إذا قصد هذه الأمور التي لا يشترط لها الطهارة يعني الطهارة تعتبر له مستحبة هل يترفع حدثه أو لا؟ نقول نعم يرتفع حدثه لماذا؟ لأنه قصد طهارة شرعية يترتب عليها استلزاماً أو تضمناً رفع الحدث لأنه لما قيل بأنه إذا أراد أن ينام يتوضأ وضوء ماذا؟ الوضوء المعهود برفع الحدث حينئذٍ إذا أتى بطهارة شرعية استلزم ذلك رفع الحدث إذا لا يوجد وضوء إلا وهو رافع للحدث وإلا ما صح أن يسمى وضوء فلما حكم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتوضأ لنوم أو غضب أو إذا أراد أن يقرأ القرآن حينئذٍ نقول هذه الطهارة شرعية وهذه الطهارة الشرعية وهي وضوء لا يسمى وضوء إلا إذا ارتفع الحدث إذ لا يجتمعان هو متوضأ ولم يرتفع الحدث نقول هذا لا يجتمعان لماذا؟ لأنهما نقيضان فلما ثبت أنه يتوضأ بهذه النية استلزم ذلك رفع الحدث إذاً (فإن نوى) بطهارته وضوؤه (ما) يعني فعلاً كالنوم مثلاً أو قولاً كالآذان أو الذكر (تسن له الطهارة) ولا تشترط له حينئذٍ (ارتفع حدثه) وهذه الصورة الثالثة، الصورة الأولى أن ينوي رفع الحدث، الصورة الثانية أن ينوي فعلاً لا يباح إلا بالطهارة، الصورة الثالثة أن ينوي ما تسن له الطهارة ولا تشترط، (أو تجديداً مسنوناً ناسياً حدثه ارتفع) هذه الصورة قد تقع وهو أنه قد يحدث ثم يتوضأ ثم يصلي المغرب ثم يجلس ويحدث ثم إذا جاء وقت العشاء نسي أنه أحدث بعد وضوؤه السابق فجدد الوضوء حينئذٍ نوى بوضوئه الثاني رفع الحدث أو لا؟ لم ينوي رفع الحدث بل لو قيل له انوي رفع الحدث قال ما أحدثت حينئذٍ الوضوء الثاني وهي ناسي للحدث هل يرفع الحدث أو لا؟ ننظر في هذا الوضوء إن كان مشروعاً حينئذٍ رفع الحدث وإن لم يكن مشروعاً حينئذٍ لا يرفع الحدث، هل كل وضوء تجديداً يكون رافعاً للحدث أو يكون مسنوناً أو مشروعاً؟ الجواب لا، يشترط في هذا الوضوء أن يكون قد صلى به توضأ ثم صلى به حينئذٍ إذا أراد أن يجدد نقول هذا التجديد مشروع وإن كان الصحيح وهو محل وفاق عند أهل العلم أنه يجوز أن يصلي الصلوات الخمس بوضوء واحد ولكنه يستحب له أن يجدد الوضوء عند كل فرض حينئذٍ إذا صلى به وأراد تجديد الوضوء نقول هذا التجديد مسنوناً وأما أن يتوضأ وضوء كاملاً ثم يريد أن يتوضأ مرة أخرى نقول هذا الوضوء ليس بمشروع حينئذٍ إذا كان قد صلى به ونى تجديداً مسنوناً نقول هذا ارتفع حدثه لماذا؟ لأنه طهارة شرعية والطهارة الشرعية تستلزم رفع الحدث وأما إذا لم يكن مسنوناً حينئذٍ لا يرفع الحدث (أو تجديداً مسنوناً) (أو) نوى يعني (تجديداً) بوضوء سابق عن غير حدث (مسنوناً) فإن لم يكن مسنوناً لم يكن مشروعاً فيكون قد نوى طهارة غير مشروعة فلا يرتفع حدثه قال (ناسياً حدثه) (ناسياً) هذا حال أي ناسياً أن عليه حدثاً حال نيته للتجديد هذا المتبادر من عبارة المصنف ويحتمل عوده لما سبق أيضاً (ناسياً حدثه) قال (ارتفع) يعني ارتفع الحدث مفهوم قوله (ناسياً) أنه لو كان ذاكراً لا يرتفع حدثه أليس كذلك؟ بمعنى أنه لو نوى تجديداً مسنوناً ثم تذكر أنه قد أحدث فنوى التجديد نقول هذا لا يرتفع لماذا؟ لأنه قصد عدم رفع الحدث فيكون متلاعباً إذاً مفهوم قوله

(ناسياً) أنه لو كان ذاكراً لا يرتفع حدثه (أو تجديداً مسنوناً ناسياً حدثه ارتفع) يعني ارتفع حدثه وهو المذهب لأنه نوى طهارة شرعية فينبغي أن يحصل له لحديث (لولا أن أشق على أمة لأمرتهم بالوضوء عند كل صلاة) هذا الأصل حينئذٍ يشرع لكنه على جهة الاستحباب فيتوضأ عند كل صلاة لكن يكون قد صلاة بالوضوء الأول فرض أو نافلة حينئذٍ يشرع له التجديد وأما إذا لم يكن قد صلى فلا يشرع له التجديد، (وإن نوى غسلاً مسنوناً أجزأ عن واجب وكذا عكسه) هذه مسألة تتعلق بالطهارة الكبرى (نوى) وهو عليه جنابة مثلاً (غسلاً مسنوناً) عليه جنابة ثم اغتسل غسل جمعة هل يجزئ غسل الجمعة عن غسل الجنابة أو لا؟ المصنف هنا أطلق قال (وإن نوى غسلاً مسنوناً أجزأ عن واجب) بمعنى أنه لو اغتسل ولم ينوي إلا غسل الجمعة أجزأ عن الواجب وهو غسل الجنابة ولم يقيده بكونه ناسياً أو ذاكراً لو قيده كما سبق في المسألة السابقة بكونه (ناسياً حدثه) لاستقام له الأمر ولذلك قال في الوجيز [ناسياً] بمعنى أنه لو كان ذاكراً للجنابة واغتسل الجمعة ولم ينوي رفع الجنابة ما أجزأه وهذا هو الظاهر والله أعلم أنه لا يجزئ لماذا؟ لأنه تعمد عدم رفع الحدث ولأن غسل الجمعة ليس لرفع حدث وإنما هو لإرادة تنظيف لصلاة في المستقبل حينئذٍ نقول هذا الغسل لا يرفع الحدث أبداً إذا كان ذاكراً لحدثه وأما إذا كان ناسياً فالمصنف رحمه الله تعالى والمذهب يرونه يرفع الحدث حينئذٍ كما أن التجديد الوضوء رفع حدثاً وقد نسيه صاحبه كذلك الغسل المستحب يرفع الحدث وقد نسيه حينئذٍ المسألة محلها شيء واحد حدث منسي سواء كان حدثاً أصغر أو كان حدثاً أكبر لكن يشترط أن يكون الذي تلبس به طهارة شرعية وذاك في الوضوء تجديد مسنون وهذا أن يكون طهارة شرعية كغسل جمعة ونحوها (وإن نوى) من عليه جنابة (غسلاً مسنوناً) خرج غير المسنون كالتبرد لو نسي الجنابة واغتسل للتبرد أو التنظف؛ ما أجزأه قولاً واحد لماذا؟ لكون التبرد أو التنظف ليس عبادة ليس بطهارة شرعية (وإن نوى غسلاً مسنوناً) كغسل جمعة قال في الوجيز [ناسياً] يعني ينبغي تقيده ناسياً الحدث الذي أوجبه (أجزأ عن واجب) كما مر فيمن نوى التجديد (وكذا عكسه) بمعنى أنه الواجب يدخل تحته المسنون بمعنى أنه لو اغتسل غسل جنابة ولم ينوي أنه غسل جمعة أجزأ هذا واضح بين ولا إشكال فيه لكن العكس هو الذي محل إشكال حينئذٍ لو نوى بغسله غسل الجنابة ولم ينوي أنه غسل جمعة أجزأ عنهما وإن كان المذهب الأفضل أن يغتسل غسلاً كاملاً للجنابة وغسلاً كاملاً الجمعة لكن هذا لم ينقل والظاهر والله أعلم أن الأدنى يدخل تحت الأعلى أن الأدنى وهو غسل السنة يدخل تحت الأعلى وأما العكس فهذا محل إشكال (وإن نوى غسل مسنوناً أجزأ عن واجب) المصنف هنا لم يقيده بكونه ناسياً ظاهره ولو ذكر أن عليه غسلاً واجباً وتعليله أنه لما كان الغسل المسنون طهارة شرعية كان رافعاً للحدث كل طهارة شرعية سواء كانت واجبة أو مستحبة فهي رافعة للحدث لكن يجب أن يقيد بكونه ناسياً وأما إذا كان ذاكراً فالظاهر لا (وكذا عكسه) أي إن نوى (عكسه) أي خلافه إن نوى واجب أجزأ عن مسنون (وإن نواهما معاً) لا شك أنه حاصل كل منهما (إنما

الأعمال بالنيات) وهذا نوى بعمل واحد جنابة وغسل جمعة وهذا واضح بين [والأفضل أن يغتسل للواجب ثم للمسنون كاملاً] لكن هذا لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل لواجب ومسنون لمرتين في آن واحد هذا قول بن حزم رحمه الله تعالى لكن فيه نظر (وإن اجتمعت أحداث توجب وضوء أو غسل فنوى بطهارته أحدها ارتفع سائرها) الحدث هل يتبعض ولو تعددت أسبابه؟ الحدث شيء واحد يعني وصف قائم بالبدن والصحيح أنه لا يتبعض بدليل ماذا؟ كيف يتبعض بمعنى أنه قد يغسل العضو ثم نحكم على العضو أنه قد طهر ولو لم ينته من الوضوء نقول ..

لا؛ ليس بوارد لماذا؟ لو قلنا بالتبعيض نقول له توضأ وإذا وصلت إلى يديك مس المصحف قبل أن تغسل رجليك وهذا ليس بصحيح لو قلنا بأن الحدث ارتفع عن اليد قبل غسل الرجلين لجاز له مس المصحف وهذا ليس بظاهر بل الصواب أن لا يرتفع حدثه حتى ينتهي من غسل رجله اليسرى ثم بعد ذلك نحكم عليه بكونه قد ارتفع إن تعددت أسباب الحدث فالحدث شيء واحد حينئذٍ لو نوى بطهارته رفع الحدث الذي تسبب عن البول مثلاً فقط ولم يذكر شيء آخر ارتفع لماذا؟ لأنه وإن تعددت الأسباب إلا أن الحدث شيء واحد فلو نوى برفع الحدث الذي ترتب على سبب ما ارتفعت سائر الأحداث (ولو اجتمعت أحداث) يعني متنوعة ولو متفرقة (توجب وضوء أو) توجب (غسل فنوى بطهارته أحدها) لا على أن لا يرتفع غيره لو نوى أن يرفع حدث ما ترتب على البول دون الريح لم يرتفع لماذا؟ لأنه تعمد أن لا يرتفع الحدث الذي ترتب على الريح مثلاً حينئذٍ لا يحصل له رفع الحدث بل لابد أنه ينوي واحد وقد يسكت عن البقية ولا يستحضر أنه لم يرتفع أو ينوي رفع الحدث عن الجميع وأما أن يقصد يفصل بأن الحدث المترتب على هذا السبب ارفعه والحدث المترتب على هذا السبب لا ارفعه نقول هذا لم يرتفع حدثه على كل هذه المسألة من النوادر (توجب وضوء أو غسل فنوى بطهارته أحدها ارتفع سائرها) يعني كلها وقيل لا يرتفع إلا ما نواه لأنه لم ينوي أشبه ما لم ينوي شيء على كل الصحيح أنه يرتفع لأن الحدث لا يتبعض والأحداث كلها تتداخل فإذا ارتفع البض ارتفع الكل، (ويجب الإتيان بها عند أو واجبات الطهارة) وهو التسمية (وتسن عند أول مسنوناتها إن وجد قبل واجب) هذا محل النية متى ينوي؟ عرفنا حكم النية ما هي؟ أنها شرط لطهارة الأحداث كلها، كيف ينوي؟ ما صورة النية؟ ينوي رفع الحدث أو طهارة لما لا يباح إلا بها أو طهارة مسنونة ثم تكلم عن التداخل وذكر صورتين في الغسل وفي الوضوء ثم متى ينوي؟ متى يشترط وجود النية متى نحقق النية؟ قال (ويجب الإتيان بها) يعني بالنية وتقديمها متى إذا جاء ليتوضأ أو أراد الوضوء وجبة النية (عند) قلنا عند هذه تدل على ماذا؟ على القرب (عند) كلما جاءت في نص فالأصل فيها أنه محمولة على القرب ثم يرجع إلى العرف (عند) تدل على القرب حينئذٍ لابد أن تكون النية مقترنة بالفعل وهذا الأصل فيها (إنما الأعمال بالنيات) بمعنى أن العمل لا يصح إلا بنية متى توجد؟ مع وجود العمل هذا الأصل أن تكون مقترنة للعمل إن تقدمة بزمن يسير فهو معفو عنه لأنه لا يمكن نقول لإنسان أول العمل لابد من وجود النية هذا فيه مشقة فحينئذٍ لابد أن تكون النية مقترنة بالفعل وهذا الأصل فيها أو متقدمة عليه بزمن يسير قياساً على الصلاة (عند أول واجبات الطهارة) على المذهب أول واجبات الطهارة التسمية كما سبق (وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر) إذاً أول الواجبات هي الطهارة وإذا قلنا بأن الصحيح أن التسمية سنة ما هو أول الواجبات؟ المضمضة أول الواجبات هو المضمضة لأن غسل الكفين هذا سنة ولو وجب من نوم ليل حينئذٍ نقول هذه عبادة مستقلة ليس داخلة في مفهوم الوضوء حينئذٍ أول واجب يأتي للمتوضأ هو المضمضة حينئذٍ (عند أول واجبات الطهارة) وهو المضمضة على الصحيح أو التسمية

على المذهب وذلك فسره بقوله [وهو التسمية] حينئذٍ إذا كان التسمية واجبة داخلة في مسمى الوضوء لابد أن تكون النية مع التسمية لماذا؟ من أجل أن يوقع التسمية الذي هو أول واجب بنية رفع الحدث فلو لم توجد النية مع التسمية ما صح الوضوء لأنه يكون تاركاً للواجب مع كونه قد أتى به لفظاً لكنه يكون ماذا؟ يكون غير مصاحب لنية فلا يعتبر إذاً (عند أول واجبات الطهارة) وهو التسمية على ما ذكره المصنف حينئذٍ إذا خلت التسمية عن النية نية رفع الحدث على ما ذكرنا سابقاً أو الطهارة لما لا يباح إلا بها أو الطهارة الشرعية لو خلت التسمية عن النية ما صح الإتيان بالتسمية فلابد من الإتيان بها مرة ثلاثة فلو فعل شيء من الواجبات قبل وجود النية لم يعتد به لو بسمل قال بسم الله ولم توجد النية ما يعتد بالنية لماذا؟ لخلوها عن الشرط لأن التسمية داخلة في مفهوم الوضوء لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه حينئذٍ لابد من أن تكون التسمية مقترنة بالنية (وتسن عند أول مسنوناتها) مسنونات الطهارة ما هو أول مسنونات الطهارة؟ غسل الكفين ثلاثاً إذاً النية لها موضعان موضع هو مسنون وموضع هو واجب تجب مع الواجب وتسن مع المسنون حينئذٍ أول ما يقدم عليه المتوضأ هو غسل الكفين ثلاثاً وهو مسنون حينئذٍ يسن الإتيان بالنية في هذا الموضع لماذا؟ من أجل أن يثاب على هذا الفعل لو لم ينوي إلا بعد غسل الكفين ثلاثاً يثاب أو لا يثاب؟ لا يثاب؛ لماذا؟ لأنه عمل خلا عن نية لأنه عبادة هو جزء من عبادة حينئذٍ لا يثاب عليه إلا بنية والقاعدة لا ثواب إلا بنية إذاً النية لها موضعان موضع تجب فيه وهو عند أول الواجبات وهو التسمية على رأي المصنف وهو المضمضة على ما ذكرناه وموضع تسن فيه وهو غسل الكفين ثلاثاً (وتسن) يعني (عند أول مسنوناتها) أي مسنونات الطهارة وهو غسل الكفين ثلاثاً قال (إن وجد قبل واجب) (إن وجد) أول المسنونات (قبل واجب) (إن وجد قبل واجب) لأنه يحتمل أن يبسمل ثم يغسل الكفين أنه يغسل الكفين ثم يبسمل هذا محتمل أو لا؟ محتمل لكن الأصل أن يأتي بالتسمية أولاً ثم يغسل الكفين ثلاثاً حينئذٍ لا إشكال فيه وجب أن يأتي بالنية عند التسمية ثم يكون غسل الكفين تالياً تابعاً وأما إذا غسل كفيه قبل التسمية حينئذٍ نقول تسن ولا تجب إذاً (عند أول مسنوناتها) وهو غسلا كفين ثلاثاً (إن وجد) غسل الكفين (قبل واجب) وهو التسمية لأنه يحتمل أنه ينسى التسمية فيغسل الكفين ثم يقول بسم الله حينئذٍ النية في غسلا كفين مستحبة والنية عند التسمية واجبة ولذلك قال (إن وجد قبل واجب) يعني قبل التسمية لتشمل مفروض الوضوء ومسنونة فمن غسل الكفين بغير نية فهو كمن لم يغسل الكفين من غسل الكفين بدون نية كأنه ما غسل الكفين، (واستصحاب ذكرها في جميعها ويجب استصحاب حكمها) (استصحاب ذُكرها) بضم الذال (استصحاب) أي ملازمة يعني من المسنونات المتعلقة بالنية أن توجد قبل أول مسنوناتها إن وجد قبل واجب ذلك يسن في النية استصحاب (ذُكرها) يعني تذكر النية بالقلب قلنا ينوي رفع الحدث منذ أن يبسمل ويغسل الكفين إلى أن يغسل الرجلين وهو مستحضر لهذه النية لا تشرد عنه ألبته لأنه قد يقصد في ابتداء وضوؤه رفع الحدث ثم

يذهب ينسى يفكر في موضوع آخر حينئذٍ يكون ثَمَّ ذهول عنه نقول هذا ترك سنة ليس بواجب لماذا؟ لأن من مسنونات النية (استصحاب ذكرها) بأن يتذكرها بقلبه وتبقى مستمرة معه من أول الوضوء إلى آخره فإن ذهل عن النية وهو الإتيان بها وهو ما يعبر عنه باستصحاب حكمها حينئذٍ أن لا ينوي قطعها فلو ذهل عنها ولم يستحضرها حينئذٍ نقول له حالان إما أن ينوي القطع وإما أن لا ينوي؛ إن نوى القطع قطع الوضوء؛ إن لم ينوي القطع حينئذٍ نقول النية باقية باعتبار الأصل لأنه وجدت ولم يأتي منافي وإذا وجدت النية ولم يأتي منافي لها حينئذٍ استصحبت لكن من حيث الحكم لا من حيث الوجوب ولذلك قال (واستصحاب ذكرها) يعني يسن (استصحاب) أي ملازمة (ذكرها) أي تذكر النية بأن يستحضرها في جميع الطهارة لتكون أفعالها كلها مقرونة بالنية ثم لا ينوي قطعها (في جميعها) أي في جميع الطهارة فهو أفضل لتكون أفعاله مقرونة بالنية وأما استصحاب حكمها فهو واجب ثَمَّ أمران استصحاب الحكم واستصحاب الذكر استصحاب الذكر مستحب واستصحاب الحكم واجب (ويجب استصحاب) أي ملازمة (حكمها) أي حكم النية بأن ينوي في أولها ثم لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة فإن عزفت كلها عن خاطره لم يؤثر ذلك في الطهارة ولا في الصلاة إذاً النية لها موضع تسن فيه ولها موضع تجب فيه ثم حال النية باعتبار الوجود والعدم نقول استصحاب ذكرها مستحب واستصحاب حكمها واجب ولذلك يقال بأن النية فعلية موجودة وهذه فيما إذا استصحب ذكرها وقد تكون معدومة لكنها مقدرة الوجود وذلك فيمن يستصحب حكمها (وإن شك في النية في أثناء طهارته استأنفها) إلا أن يكون وهماً كالوسواس فلا يلتفت إليه لأنه شك في النية موجودة أو لا؟ إن كان عنده وسواس فلا يلتفت إليه وإن لم يكن فالشك في الأصل الذي هو النية كعدمه بمعنى أنه ينزل منزلة المعدوم فإذا شك في ترك فرض من فرائض الصلاة أو ترك فرض من فرائض الوضوء كعدمه كأنه لم يوجد وهكذا إن شك في غسل عضو أو مسح رأسه حكمه كمن لم يأتي به لأن الأصل عدمه هذا الأصل فيه ثم ذكر صفة الوضوء فقال (وصفة الوضوء أن ينوي ثم يسمي ويغسل كفيه ثلاثاً) صفة الوضوء الكامل (وصفة الوضوء) أي الكامل أي كيفيته لأن الوضوء عبادة مركبة ذات أجزاء وفعلها النبي على هيئة معينة حينئذٍ لابد من معرفة هذه الصفة كما الشأن في الصلاة والصيام وفي الحج لابد من معرفة الهيئة من أجل الامتثال والوضوء نوعان كامل ومجزئ والكامل هو المشتمل على الواجب والمسنون والمجزئ هو الذي يكتفا به في الواجب فقط قال (أن ينوي) لأنها شرط (أن ينوي) يعني الوضوء للصلاة نحوها أو رفع الحدث على ما ذكر سابقاً (ثم يسمي) (ثم) للتراخي في الأصل لكن هل المراد هنا التراخي مطلقاً أو المراد به المتابعة بأن تقع التسمية بعد النية؟ الثاني هو المراد ليس التراخي هنا مطلقاً بل بما لا يفوت الموالاة يعني هنا (ثم) للترتيب لكن الترتيب الذي تفيده ثم قد يزاد عليه مع تراخي يعني زمن فاصل وهذا كما ذكرنا لابد من المولاة النية لابد أن تكون قريبة من أول الواجبات حينئذٍ ثم هنا ليست على إطلاقها ليس المراد أن ينوي ثم يعني ممكن أن ينوي ثم ينام ثم يستيقظ في صلي صلاة الفجر يتوضأ هنا

وقع فاصل طويل هذا غير معتبر فالنية تكون ملغاة إذاً (ثم) ليس التراخي هنا مطلقاً بل بما لا يفوت المولاة (يسمي) يقول بسم الله ولا يجزئ غيرها إذا أردنا أنها واجبة فلو قال بسم الرحمن ما أجزأه بسم القدوس ما أجزأه كذلك لا يزيد بسم الله الرحمن الرحيم إنما يقتصر على الوارد بسم الله فقط (ويغسل كفيه ثلاثاً) كفيه يغسل الواو هنا بمعنى ثم حينئذٍ تفيد الترتيب (ويغسل) يعني أن يغسل معطوف أن ينوي (كفيه) من رؤوس الأصابع إلى الكوع وهو طرف الزند الذي يلي الإبهام - هذا يعني هذا كله يعتبر كف - (ثلاثاً) والعدد المطلوب من جهة الكمال فقط وإلا لو غسله مرة أو مرتين المرة واجبة والمرتان والثلاثة يعتبر من المستحبات؛ ولو تيقن طهارة الكفين لأن المراد هنا التعبد ليس لإزالت الأذى المراد هنا التعبد يعني لو غسل كفيه ثم بدا له أن يتوضأ نقول كذلك تغسل كفيك لماذا؟ لأن المراد هنا التعبد وليس المراد به تنظيف اليدين إذاً (ويغسل كفيه ثلاثاً) ولو تيقن طهارة الكفين وأما إذا كان مستيقظاً من نوم ليل فهذا حكمه كما ذكرنا سابقاً لأن عثمان وعلي وعبدالله بن زيد وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا أنه غسل كفيه ثلاثاً ولأنهما آلة نقل الماء للأعضاء ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء (ثم يتمضمض ويستنشق) (ثم) للترتيب (يتمضمض) والمضمضة كما سبق أنها مأخوذة من مضمض الإناء بمعنى حركه مضمض الماء في الإناء بمعنى حركه حينئذٍ لابد من تحريك الماء في الفم أدنى حركة فيكون قد أتى بالواجب الذي هو أقل ما يصدق عليه أنه واجب وأما إذا أراد المبالغة فلابد من إيصال الماء إلى أقاصي الفم (ثم يتمضمض) ويستاك سنة كما ذكرنا أن محله عند المضمضة ويسن أن يستاك معها للحديث وكذلك المبالغة في المضمضة كما سبق في موضعه لكن لغير صائم على ما سبق (ويستنشق) وهو جذب الماء بالنفس إلى باطن الأنف أقله هو أقل الواجب وإلى أقصى الأنف هذا المبالغة فيه وهو مسنون لغير صائم فالمبالغة في المضمضة هو إدارة الماء في جميع الفم وفي الاستنشاق جذب الماء إلى أقصى الأنف والواجب في المضمضة أدنى إدارة للماء في فمه والواجب في الاستنشاق جذب الماء إلى باطن الأنف وإن لم يبلغ أقصاه (ثم يتمضمض ويستنشق) ثلاثاً ثلاثاً بيمينه ولا يفصل بينهما استحباباً يعني يأخذ للمضمضة والاستنشاق بكف فيتمضمض يضع نصفه في فمه والنصف الآخر في أنفه هذه مرة ثم المرة الثانية كذلك يجمع بينهما ثم الثالثة يجمع بينهما ولا يفصل بينهما استحباباً لحديث عثمان أنه توضأ بماء فغسل يديه ثلاثاً ثم غرف بيمينه ثم رفعها إلى فيه فمضمض واستنشق بكف واحدة واستنثر بيساره فعل ذلك ثلاثاً ثم ذكر سائر الوضوء ثم قال إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ لنا كما توضأت لكم، قال بن القيم رحمه الله تعالى [وكان يتمضمض ويستنشق تارة بغرفة - مرة غَرفة بفتح الغين يعني المرة الواحدة وبضم اسم للماء المغروف الغَرفة هنا المراد غَرفة - وتارة بغرفتين وتارة بثلاث وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق فيأخذ نصف غرفة لفمه ونصفها لأنفه فيجمع بينهما إذاً لا يفصل بين المضمضة والاستنشاق بمعنى أنه لا يأتي بماء يتمضمض ثم بماء ويتمضمض ثم بماء يتمضمض ثم بماء

ويستنشق هذا يكون قد فصل بينهما بل يجمع بينهما بغرفة واحدة بكف واحد ثم قد يفعله ثلاث مرات وقد يفعله مرتين بل ورد أنه مرة واحدة تمضمض واستنشق ثلاثاً ثلاثاً بكف واحد هذا من بركة النبي صلى الله عليه وسلم، إذاً [ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً ثلاثاً بيمينه] أي يتمضمض ثلاث مرات ويستنشق ثلاث مرات، قال بن القيم [ولم يتوضأ إلا تمضمض واستنشق - هكذا على ما ذكرناه سابقاً - ولم يحفظ أنه أخل به مرة واحدة] وقال شيخ الإسلام [ولا يجب الترتيب بينهما وبين الوجه لأنهما من جملته] (والبداءة بمضمضة ثم استنشاق) يعني قبل غسل الوجه هذا يعتبر من المستحبات فلو غسل وجهه كله ثم استنشق ثم تمضمض صح أو لا؟ صح؛ لماذا؟ لأنه خالف في غسل عضو واحد فليس الفم عضو مستقل وليس الأنف عضو مستقل وليس سائر الوجه عضو مستقل بل هو عضو واحد كما لو غسل يده مثلاً لو بدأ من الكف ثم من جهة المرفق ثم الوسط أجزأ أو لا؟ أجزأ كذلك لو بدأ بجهة المرفق ثم غسل الكف نقول أجزأه كذلك لو قدم الاستنشاق على المضمضة أو المضمضة على الاستنشاق أو الوجه على الاستنشاق ثم المضمضة نقول هذا كله جائز ومجزئ إلا أن السنة أن يبدأ بالمضمضة والاستنشاق ثم يغسل سائر وجه [ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً ثلاثاً بيمينه ومن غرفة أفضل أي بثلاث غرفات يجمعهما بغرفة واحدة ولا يفصل بينهما وحكا بن رشد الاتفاق عليه لحديث علي أنه مضمض واستنشق ثلاثاً بثلاث غرفات متفق عليه وفيهما أنه تمضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثاً، قال [ويستنثر بيساره] فلم يذكره لأنه لا استنشاق إلا باستنثار المصنف ما قال ويستنثر مع كونه سنة على المذهب وإن كان الصحيح أنه واجب لكن لم يذكره لأنه لازم له بمعنى أنه إذا استنشق لابد وإن يخرج الماء الذي دخل في أنفه والمذهب أنه مستحب ورواية عن الإمام أحمد وهو الصحيح ويستنثر بيساره (ويغسل وجهه) بالنص يعني سائر الوجه بعد أن يتمضمض ويستنشق للنص السابق (فاغسل وجوهكم) وحده (من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً ومن الأذن إلى الأذن عرضاً) الوجه له حد له طول وله عرض طوله هكذا عرضه من الأذن إلى الأذن طوله يبدأ من أين؟ قال (من منابت شَعْر - شَعَر يجوز فيه الوجهان تسكين العين وفتحها - الرأس) المعتاد غالباً فلا عبرة بالأفرع ولا بالأجلح حينئذٍ إذا كان هذا الموضع الذي اعتاد الناس أن ينبت منه الشعر إذاً هو مبدأ الوجه وبعضهم يعبر بمنحنى الجبهة من الرأس متى ما بدأ الانحناء انتهى الوجه حينئذٍ منذ أن ينحني من جهة الرأس بدأ طول الوجه من جهة العلو وأما ما ذكره المصنف بالاعتبار بنبات الشعر وإنباته هذا فيه نوع إشكال وهو أن الأفرع والأجلح؛ من هو الأفرع؟ قالوا الذي ينبت شعره في بعض جبهته والأجلح هو الذي يكون ثَمَّ صلع عنده ثم يكون من آخر الرأس ينبت الشعر حينئذٍ من نبت شعره في بعض جبهته وجب غسل الشعر لأنه داخل في مسمى الوجه ومن انحصر شعره إلى أول الرأس بأن كان ثَمَّ صلع وهو ما يسمى بالأنزع أو الأجلح هذا نقول لا يجب غسل ذلك الموضع لأن إنبات الشعر قد انحصر من هنا مثلاً حينئذٍ هذا يبقى فارغ هذا داخل في مسمى الوجه أو لا؟ ليس داخل في مسمى الوجه فلو جعلنا

العبرة بإنبات الشعر لدخل هذا لكن قالوا المعتاد يعني في غالب الناس حينئذٍ الأفرع والأجلح لا عبرة بهما فيغسل الأفرع الشعر الذي في جبهته ولا يغسل الأجلح الصلع الذي يكون من جهة أعلى جبهته، إذاً (من منابت شعر الرأس) المعتاد، وعن بعضهم من منحى الجبهة من الرأس هذا من جهة الطول يعني الذي من شئنها في العادة أن ينبت فيها شعر الرأس والمعتاد في أغلب الناس فلا حاجة لذكره غالب بعد المعتاد ولا عبرة بالأفرع الذي ينبت شعره في بعض جبهته ولا بالأزلح وهو الأنزع الذي انحصر شعره عن مقدم رأسه فيغسل الأفرع الشعر الذي ينزل على الوجه لا في الغالب والأصلع يغسل إلى حد منابت الشعر في الغالب وأما الطالع فلا يغسله لأنه تابع للرأس فيمسح ولا يغسل هذا من جهة الطول العلو (إلى منحدر من اللحيين والذقن طولاً) لحيين بكسر اللام وفتحها لَحيين لِحيين جمع لحى وواحدها لحي وهما عظمان في أسفل الوجه قد اكتنفا لحيين عظمان في أسفل الوجه قد اكتنفا وهو ما يسمى هذا منبت الشعر الذي يكون لحية العظم هذا، هذا يسمى لحى وهذا يسمى لحى إذاً تثنيتهما لحيان ولذلك قال (إلى منحدر) يعني ونزل (من اللحيين) وهو العظم الذي تنبت عليه اللحية (والذَقن) أو الذِقن يجوز فيهما الوجهان وهما مجمع اللحيين من أسفلهما - يعني هذا الذي يسميه الناس الآن ذقن دقن يقول ربى دقنه يعني اللحية كلها تسمى ذقناً وهذا خطأ - الذقن هو مجمع اللحيين لأن هذا لحى وهذا لحى يجتمعان في هذا إذاً من جهة العلو منبت الشعر أو منحنى الجبهة إلى الذقن وهو مجمع اللحيين كذلك اللحيان داخلان في مسمى الوجه (إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً) وأي من جهة الطول قال المصنف هنا الشارح [مع ما استرسل من اللحية] لا شك أن الشعر النابت على اللحيين والذقن داخل يعني لو نظر هكذا لآن هذا الشعر داخل في مسمى الوجه بإجماع لماذا؟ لأنه داخل في مسمى الوجه وطرف الوجه الذي اللحى اليمنى واليسرى والذقن الذي ينبت عليه داخل بالإجماع لا خلاف فيه لكن الذي يخرج ويسترسل لآن هذا ليس داخل في مسمى الوجه هذا ليس بداخل في ما ينبت على الذقن حينئذٍ هل يدخل في مسمى الوجه أو لا؟ هذا محل نزاع بين الفقهاء والصحيح وهو المذهب أنه يجب غسله بمعنى أنه يغسل ظاهر ما استرسل من اللحيين والذقن لماذا؟ لأن الله تعالى قال (فاغسلوا وجوهكم) والوجه مأخوذ من المواجهة وهو ما تحصل به المقابلة وأنت إذا قابلت الناس تقابلهم بماذا؟ بوجهك وما استرسل من اللحية حينئذٍ يكون داخل في مفهوم الوجه وإن كان رجح بن رجب رحمه الله تعالى بأنه يستحب وليس بسنة ولذلك قال (مع ما استرسل من اللحية)، (ومن الأذن إلى الأذن عرضاً) يعني من جهة العرض حينئذٍ لو عبر المصنف بقوله ما بين الأذنين لكان أولى (ومن الأذن إلى الأذن) لأن الأصل في (إلى) أنها غائية وإذا كانت غاية فما بعدها ليس بداخل فيما قبلها أليس كذلك؟ إذا كانت إلى غائية ما بعدها لا يكون داخل فيما قبلها حينئذٍ (من الأذن) داخل وقيل ليس بداخل (إلى الأذن) ليس بداخل، فلو عبر ما بين الأذنين لكان أولى، (ومن الأذن إلى الأذن) إذاً عبارة (إلى الأذن) أنه ليس بداخل وليس الأمر كذلك (عرضاً) يعني من جهة العرض

لأن ذلك تحصل به المواجهة، والأذنان ليسا من الوجه بل هما تابعان للرأس فيمسحان مع الرأس بل البياض الذي بين العذار والأذن منه؛ العذار هو الذي يكون بين هذه العظمة ماذا تسمى؟ عذار الرجل شعره النابت في موضع العذار؛ نفس هذه العظمة التي تكون مقابلة لفتحت الأذن - انظر هنا توجد عظمة هنا هذه تسمى العذار - بين اللحية وبين الأذن فراغ بياض واضح حينئذٍ نقول هل داخل في مسمى الوجه أو لا؟ هل يغسل أو لا يغسل؟ جماهير أهل العلم إلا مالك رحمه الله تعالى على أنه داخل في مسمى الوجه ولذلك العبرة عندهم يمثلون في المغني وغيره يقول بوجه الصبي، وجه الصبي هذا البياض داخل قطعاً لأنه ليست له لحية فما يكون بين الأذنين يكون داخل في مسمى الوجه إذاً لا يلتفت إلى أن آخر الوجه هو اللحية الشعر النابت على العذار الذي هو العظام التي يكون مسامت لصماخ الأذن يعني خرق الأذن بل الشعر الذي يكون على العذار داخل في مسمى الوجه فيجب غسله كذلك البياض الذي يكون بين الأذن وبين العذار داخل في مسمى الوجه فيجب غسله ولذلك قال [بل البياض الذي بين العذار والأذن منه] يعني من الوجه، ثم قال المصنف (وما فيه من شعر خفيف) يعني ويغسل (ما) الذي (فيه) يعني في الوجه (من شعر خفيف) الشعر الذي يكون في الوجه نوعان: شعر كثيف؛ وضابطه الذي لا يرى بشرته يعني لا يرى ما تحته هذا يسمى شعراً كثيفاً الواجب فيه غسل ظاهره ويسن تخليله، النوع الثاني: شعر خفيف وهو ما يرى بياض البشرة يعني ترى البشرة كالذي يكون على الخدين مثلاً هذا في الغالب يكون خفيفاً هذا يجب غسله وما تحته فلا يكتفا بمسحه أو بغسل ظاهره بل لابد أن يوصل الماء إلى داخل البشرة وذلك قال (وما فيه من شعر خفيف) يعني ويغسل (ما فيه) أي في الوجه (من شعر خفيف) يصف البشرة [كعذار] وهو الشعر الذي يكون نابت على العذار يسمى ماذا؟ يسمى عذار [وعارض] وهو صفحة الخد الغالب أنه يكون خفيفاً فيجب غسل الشعر وما تحته [لا صدغ وتحذيف] الصدغ بضم الصاد هو الشعر الذي بعد انتهى العذار هذا الذي يكون تابعاً للرأس يعني بعد العذار تنظر هنا شعر هذا تابع لأي شيء؟ للوجه أو للرأس؟ يختلف لأنك لو قلت تابع للوجه وجب غسله وإذا قلت تابع للرأس وجب مسحه فيختلف حينئذٍ يكون الشعر الذي بعد العذار من فوق إلى جهة الرأس هذا تابع للرأس فيمسح ولا يغسل، والتحذيف والمراد به الشعر الذي بعد انتهى العذار الخارج إلى طرفي جبين بجانب الوجه يعني هذا الذي يكون من جهة اللوح هذا يسمى تحذيفاً محذف هكذا حينئذٍ نقول هذا يجب مسحه تبعاً للرأس ولا غسله تبعاً، (والظاهر الكثيف مع ما استرسل منه) يعني ويغسل الشعر (الظاهر) من (الكثيف) أي الملتف بحصول المواجهة به فوجب تعلق الحكم به قال النووي [لا خلاف في وجوب غسل اللحية الكثيفة ولا يجب غسل باطنها] لماذا؟ لأنها كثيفة فيجب غسل الظاهر وأما الباطن فهذا يستحب تخليله [ولا البشرة اتفاقاً] وهو مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم قال بن رشد [هذا مما لا أعلم فيه خلافاً] (مع ما استرسل منه) يعني ما نزل وانحدر من اللحية حينئذٍ يجب غسل الظاهر (ما استرسل منه) وإن طال ولو وصلت إلى السرة يجب غسل الظاهر

ولا يجب غسل الباطن وإنما يستحب تخليل اللحية على ما مضى معنا إذاً (والظاهر الكثيف مع ما استرسل منه) يعني من الوجه أو اللحية ويخلل باطنه استحباباً (ثم يديه مع المرفقين) يعني (ثم) يغسل (يديه) بالنص السابق (مع المرفقين) نص على المرفقين هنا ولم يذكرهما مع الفرائض (ثلاثاً) لحديث عثمان وغيره (ثم يديه مع المرفقين)، (ثم يمسح كل رأسه) هناك قال (مسح الرأس) وقلنا أل هنا تفيد العموم ومراده كل الرأس نص هنا على ذلك وقال (ثم يمسح) والمسح إنما يكون بالماء وهل يعفى عن يسيره للمشقة أو لا؟ المذهب لا أنه لا يعفى عن اليسير لابد من التعميم لو ترك قدر أنملة ما صح مسحه فعند بن تيمية وبعض الفقهاء أنه قد يعفى عن يسيرة بالمشقة وظاهر النصوص هو المذهب أنه لا يعفى (ثم يمسح كل رأسه) من منابت شعر الرأس المعتاد يعني غالباً على ما تقدم في حد الوجه إذا قفا يعني من منتهى الوجه منحنى الجبهة إذا قيدناه بذلك أو منابت شعر الرأس إلى القفا آخر الرأس بالماء هذا واضح (مع الأذنين مرة واحدة) (مع الأذنين) يعني ظاهر (الأذنين) وباطنهما (مرة واحدة) بمعنى أنه لا يثلث ولا يستحب التكرار لا مرتين ولا ثلاثة وما فهمه بعض الفقهاء من حديث توضأ مرتين مرتين أنه شامل لمسح الرأس قد أخطأ في الفهم لماذا؟ هذا النص مجمل فلا يلتفت إليه من جهة التفصيل كذلك توضأ ثلاثاً ثلاثاً لا يؤخذ منه تثليث مسح الرأس لأن هذا مجمل فنرجع إلى التفصيل (مع الأذنين مرة واحدة) على ما سبق ذكره أنه يسن مسحهما بماء حديد والصحيح أنه لا يستحب (مع الأذنين مرة واحدة) لحديث بن عباس (مسح برأسه وأذنيه باطنهما وظاهرهما) صححه الترمذي وغيره وقال [العمل عليهما عند أكثر أهل العلم فيجب مسحهما معه لأنهما منه] يعني من الرأس وبعضهم يرى أنه سنة بناء على أن الحديث ضعيف (الأذنان من الرأس)، [فيمر يديه] يعني صفة المسح الأصل أنه كيف ما مسح أجزأ سواء مسح بأصبع بأصبعين بكف بكفين مسح بمنديل بخرقة أين كان كيف ما مسح أجزأه لماذا؟ لأن الله تعالى قال (وامسحوا برؤوسكم) أطلق المسح حينئذٍ كيف ما مسح أجزأ ولا يشترط فيه مباشرة اليد لو أخذ خرقة وبلاها ومسح رأسه وعمم أجزأه لو أخذ أصبع أو أصبعين وبللهما ثم عمم المسح نقول أجزأه لكن ثَمَّ سنة في صفة المسح [فيمر يديه مبلولتين من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه ثم يدخل سبابته في صماخي أذنيه - خرقين - ويمسح بإبهاميه ظاهرهما والسبابة تكون في الباطن] ولذلك قال [ويجزئ كيف ما مسح] إذاً [يمر يديه مبلولتين من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه ثم يدخل سبابته صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما] يعني السبابتين تكون في داخل الأذنين يمسح بهما وبالإبهامين ظاهر الأذنين، الواجب مسح ظاهر شعر الرأس فلو أدخل يده تحت الشعر فمسح البشرة فقط دون الظاهر لم يجزئه، (ثم يغسل رجليه مع الكعبين) كل رجل يبدأ باليمنى ثم باليسرى ثلاثاً لحديث عثمان وغيره (مع الكعبين) أي العظمين الناتئين في أسفل الساق الجانبي القدم كما سبق، ثم قال (ويغسل الأقطع) (يغسلُ) بالرفع ليس عطفاً على ما سبق انتهى من صفة الوضوء (ويغسل الأقطع بقية المفروض)

بمعنى أن تلك المواضع الأربعة منها ما قد يزول كيد مقطوعة أو رجل مقطوعة ما حكمه حينئذٍ نقول إن بقي شيء من المفروض وجب غسله لو قطع كف الأيمن بقي الذراع حينئذٍ نقول بعض المفروض موجود فتعلق الحكم به وأما ما زال زال حكم حينئذٍ إذا سقط جزء من العضو مع بقاء الباقي نقول ما بقي وجب غسله لو قطع زيادة على موضع المفروض كأن يكون مثلاً من المنكب نقول سقط الغسل من أصله لو قطع من المفصل حينئذٍ نقول يستحب غسل العظم بمعنى أن المرفق قد زال لكن لو بقي المرفق؛ لا ... ؛ لأنه يعتبر جزء من المفروض فيجب غسله لكن إذا كان من حدوده حينئذٍ نقول يستحب ولا يجب والصحيح أنه لا يستحب، إذاً (ويغسل الأقطع بقية المفروض) [إن بقي بلا خلاف] أي (يغسل) مقطوع اليد أو الرجل (بقية المفروض) أصلاً وتبعاً وجوباً [بلا خلاف] لحديث (إذا أمرتكم بأمرين فأتوا منه ما استطعتم) وهنا قد أمر الرب جل وعلا وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم هذا لم يستطع أن يغسل ما بقي وحينئذٍ تعلق به الحكم (فإن قطع من المفصل غسل رأس العضد منه) إن بقي شيء من المرفق نعم وأما إن لم يبقى يعني من طرف المرفق حينئذٍ نقول يستحب عند بعضهم والصحيح أنه لا يستحب (غسل رأس العضد منه) [وكذا الأقطع من مفصل كعب يغسل طرف ساق] إذاً الأحوال ثلاثة: أن يبقى من محل الفرض شيء فيجب غسله بلا نزاع، ثانياً: أن يكون القطع من فوق محل الفرض فلا يجب الغسل بلا نزاع لأنه يسقط لكن يستحب أن يمسح محل القطع بالماء لأن لا يخلو العضو من طهارة والصواب أنه لا يستحب لأنه ما بقي شيء، ثالثاً: أن يكون القطع من مفصل المرفقين أو الكعبين فيجب غسل طرف الساق والعضد على الصحيح من المذهب نعم إذا بقي شيء من المرفق أو الكعب وجب وأما إذا لم يبقى زال الحكم، (ثم يرفع نظره إلى السماء) بعد فراغه من الوضوء (ويقول ما ورد) هذا ورد فيه حديث لكنه ضعيف لما رواه أحمد وأبو داود وغيره (من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله .... ) جملة (ثم رفع نظره إلى السماء) شاذة ليست بثابتة قال في الإرواء [وهذه الزيادة منكرة لأنه تفرد بها بن عم أبي عقيل وهو مجهول] إذاً هذه الزيادة ضعيفة فلا يترتب عليها حكم (ويقول ما ورد) ومنه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله؛ جاء في حديث عمر (ما منكم من أحد يتوضأ فسبق الوضوء ثم يقول ....

إلا فتح له أبواب الجنة الثمانية) وزاد الترمذي وغيره (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) لكنها زيادة ضعيفة، قال (وتباح معونته) (تباح) إباحة وهي الأصل (معونته) أي معونة المتوضأ كتقريب ماء للغسل أو الوضوء أو صبه عليه لحديث المغيرة (فصببته عليه فتوضأ وضوؤه للصلاة) متفق عليه واستعان بأسامة في صب الماء على يديه إلى آخره ثَمَّ نصوص تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد توضأ بمعونة غيره إما أن يصب عليه الماء إلى آخره نقول الأصل فيها الإباحة (وتباح معونته) أي معونة المتوضأ (وتنشيف أعضائه) يعني يباح له للمتوضأ أو المغتسل (تنشيف) أي تجفيف (أعضائه) وقيل تركها أولى أي مسحها بخرقة ونحوها لحديث سلمان (توضأ ثم قذف جبة كانت عليه فمسح بها وجهه) رواه بن ماجه وغيره وفيه شيء من الضعف، وحديث قيس بن سعد (ناوله ملحفة فشتمل بها) رواه أحمد وأبو داود وللبيهقي (كان له خرقة كان يتنشف بها بعد الوضوء) ولأنه إزالت للماء عن بدنه أِشبه نفضه بيديه على كل الأصل فيها الإباحة من أراد أن يفعل فعل وأما أن يقال بأنه يستحب هذا محل نظر وإن قيل بأنه يستحب قد يقال في الوضوء دون الغسل، ومن وضأه غيره ونواه هو صح إن لم يكن الموضئ مكرهاً أو مقنع إن لم يكن الموضئ مكرهاً بغير حق وكذا الغسل هذه المسألة لابد منها وهو أنه قد يوضأ شخص بمعنى أنها ليس إعانة وإنما يوضئه بمعنى يغسل له العضو كأن يكون مريض مثلاً فيأتي بالماء يغسل وجهه أو يمضمضه أو يغسل يديه أو رجليه من الذي ينوي؟ الموضئ أو المتوضئ؟ المتوضئ بالفعل هو الذي ينوي؛ والموضئ ليس هو إلا آلة فقط هو كالماء يعتبر آلة حينئذٍ لا ينوي عن ذلك المتوضئ (إنما الأعمال بالنيات) رفع الحدث يكون عن ذلك الذي وضئ وليس عن ذلك الموضئ حينئذٍ النية تكون تابعة له والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

8

عناصر الدرس * باب المسح على الخفين، والحكمة من التبويب به بعد الوضوء. * حكم المسح على الخفين ثابت بالأخبار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم. * الفرق بين من عصى بسفره، ومن عصى في سفره، وهل يجوز لهما الترخص؟ * يبدأ المسح على الخف من أول حدث. * شروط الممسوح عليه. * المسح على الجورب، والعمامة. * للعمامة في لسان العرب صفتان فقط. * حكم من جُبر له عضو من أعضاء الطهارة. * من مسح في سفر ثم أقام، أو عكس، أو شك في ابتدائه. * تعريف الجرموق، وحكم المسح عليه، وصفة المسح. * محل المسح من الحائل. * نواقض المسح على الخف، ونحوه. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فنشرع في شرح الزاد المختصر حيث وقفنا عند باب المسح على الخفين، وباب المسح على الخفين يذكره الفقهاء بعد باب الوضوء وصفة الوضوء لأن أحكامه تتعلق بأحد أحكام الوضوء، حيث أنه الأصل يغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ويغسل قدميه هذا الأصل ثم القدمان قد تكونا مكشوفتين حينئذٍ الأصل هو الغسل هذا هو الواجب وقد تكونا مستورتين في حائل حينئذٍ جاء الباب الذي يعنون له الفقهاء بمسح الخفين وبعضهم يعنون بمسح الحائل وهو أشمل لأنهم سيذكرون أربعة أمور المسح على الخفين والعمامة والجبيرة والخمار هذا أربعة أشياء تذكر تحت هذا الباب ويعنون للباب بالمسح على الخفين لأن المسح على الخفين هو الأصل ولذلك العمامة مقيسة عليه مع وجود بعض النصوص وكذلك المسح على الخمار مقيس على المسح على الخفين والجبيرة كذلك إذاً ترجع إلى المسح على الخفين قال أحمد [سبعة وثلاثون نفساً يرون المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم] فهو ثابت وهو محل إجماع عند أهل السنة والجماعة، (باب مسح الخفين) [المسح لغة: إمرار اليد على الشيء]، [وشرعاً: إصابة البِلة لحائل مخصوص في زمن مخصوص]، [إصابة البلة] ولا يقيد بالمسح باليدين لأن المراد هو المسح فحسب بمعنى أنه لو مسح بيده أجزأ وهو الأصل ولو مسح بشيء يبله بماء ثم مسح به دون أن يباشر بيديه كذلك أصاب السنة، ولذلك يعرف [بإصابة البلة] إصابة أعم من أن تكون باليد أو غيره فلو بلالا منديل مثلاً ومسح خفيه صح [لحائل مخصوص في زمن مخصوص] يعني ليس مطلقاً كما سيأتي تفصيله، [والخف واحد الخفاف التي تلبس على الرجل سمي بذلك لخفته وقيل مأخوذ من خف البعير]، [وهو شرعاً: الساتر للكعبين فأكثر من جلد ونحوه] والمذهب وكثير من الفقهاء يخصون ما كان من جلد باسم الخف وما عداه فسيأتي أسماؤه كالجرموق وغيره باب مسح الخفين وهو رخصة وهو مذهب الأئمة وهو مجمع عليه ولذلك قال حسن [حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على خفيه] وقال النووي [روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة] ولذلك قال الإمام أحمد [ليس في نفس من المسح شيء في أربعون حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم] وقال بن القيم رحمه الله تعالى [صح في الحضر وفي السفر ولم ينسخ حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم] إذاً هو محل إجماع وجاءت النصوص مبينة لذلك، ولذلك نقول الأصل في المسح حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما فإن أدخلتهما طاهرتين) والحديث مخرج في الصحيحين، كذلك حديث جرير (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه) إذاً بال ثم توضأ ومسح على خفيه دلت ذلك على أن المسح ثابت ولذلك قال إبراهيم النخعي [وكان يعجبهم ذلك لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة] لأن المائدة جاء فيها (وأرجلَكم) بالنصب عطفاً على الغَسل حينئذٍ هل هو ناسخ للمسح على الخفين أو لا؟ نقول ليس بناسخ للمسح على الخفين؛ لماذا؟ لأن النبي

صلى الله عليه وسلم مسح بعد نزول آية المائدة بدليل أن جرير أسلم بعد نزول المائدة، إذاً المسح ثابت وهو رخصة، قال المصنف رحمه الله تعالى (يجوز يوماً وليلة لمقيم ولمسافر ثلاثة بلياليها) هذا بيان لمدة المسح كم تكون؟ ثَمَّ فرق بين المقيم والمسافر فكل من لم يكن مسافراً فهو مقيم وينبني هذا على الخلاف في حقيقة السفر لم تكون إلى آخره فمن ثبت سفره حينئذٍ انتفت عنه الإقامة وأما المذهب فالناس فيه على ثلاثة أقسام أو ثلاثة أحكام؛ الأول الإقامة وهي لكل مسافر أقام إقامة تمنع القصر فإنه مقيم ولا يسمى مستوطناً، والمستوطن هو الذي اتخذ هذا البلد وطناً له، والسفر واضح حكمه فحينئذٍ الأقسام ثلاثة، والصحيح أنه ليس عندنا إلا مسافر ومقيم فكل مقيم سواء أقام في بلده الذي ولد فيه ونشأ فيه فهو مقيم وكذلك إذا سافر وعلى القول بأنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام فهو كذلك مقيم وليس عندنا شيء اسمه مستوطن لعدم وجود النصوص، إذاً (لمقيم) هذا أراد به ما يقابل المسافر (يجوز يوماً وليلة) يعني (يجوز) المسح على الخفين (يوماً وليلة) يعني أربع وعشرين ساعة (لمقيم) ويدخل فيه المستوطن على المذهب والدليل على ذلك حديث علي رضي الله تعالى عنه وهو مخرج في صحيح مسلم (جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمقيم يوماً وليلة) إذاً ثَمَّ تحديد وهذا وقت له ابتداء وله انتهى إذاً هي عبادة مؤقتة المسح على الخفين يعتبر عبادة مؤقتة من الذي أجاز أصالة من حيث المسح هو الشرع من الذي قيد ووقت هو كذلك الشرع، (ولمسافر ثلاثة بلياليها) يعني اثنتان وسبعون ساعة، فثلاثة أيام بلياليها كذلك جاء بالنص (ولمسافر ثلاثة أيام بلياليهن) وهذا وإن لم يكن محل وفاق بين أهل العلم إلا أنه قول الجمهور حيث أن مالك رحمه الله تعالى خالف في هذه المسألة، إذاً أول ما بدء المصنف رحمه الله تعالى ببيان التوقيت (يجوز يوماً وليلة) لماذا عبر بالجواز مع كونه قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً؟ قال يجوز لأنه رخصة وهو يكون في المأذون فيه بلا نزاع والمأذون فيه هو ما لم ينهى عنه حينئذٍ يدخل فيه الواجب والمستحب والجائز إذا قيل يجوز لا يمنع أن يكون واجباً ولا يمنع أن يكون مندوباً ولا يمنع أن يكون مباحاً بالاصطلاح الأصولي حينئذٍ لا يرد على المصنف من حيث كون المسح يوم وليلة هو واجب أو مستحب لأنه عبر بقوله (يجوز) نقول يجوز هذا شيء عام يقابل الذي نهي عنه والذي نهي عنه هو المحرم والمكروه حينئذٍ الذي يقابله ما هو؟ ثلاثة أشياء إما أن يكون واجباً وإما أن يكون مندوباً وإما أن يكون مباحاً إذاً قوله (يجوز) شمل الثلاثة الأنواع فمراده أن فعل الرخصة قد يكون واجباً ومندوباً وجائزاً وغير المأذون وهو الحرام والمكروه هذا محل خلاف بين أهل العلم هل تكون الرخصة متعلقة بالمحرم والمكروه هذا محل نزاع المذهب أن الرخصة هنا خاصة بغير العاصي يعني الذي عصى بسفره هذا لا يترخص لا بمسح على الخفين ولا بفطر في رمضان ولا بأكل ميتة ونحوها والصواب أن النصوص عامة لم تفرق بين سفر وآخر، وفرق بين أن يقال عصى في سفره وبين أن يقال عصى بسفره؛ عصى في سفره هذه وقعت المعصية في أثناء السفر بمعنى أنه سافر لطاعة كحج أو

عمرة أو لأمر مباح كنزهة وسياحة ثم ونحوها ثم وقع في معصية في أثناء السفر هذا يقال فيه بأنه عصى في سفره حينئذٍ هذا يترخص ولا إشكال فيه، عصى بسفره بمعنى أن سفره وقع معصية سافر لمحرم أو نحو ذلك حينئذٍ نقول السفر كله من أوله إلى آخره محرم يعتبر معصية هل يترخص أو لا؟ المذهب لا؛ لأن الرخص إنما هي تخفيف فإذا كان كذلك فالعاصي لا يرخص له لا يخفف له فلا يفطر لا في رمضان لا يجوز له الفطر ولا يقصر الصلاة ولا يمسح على الخفين ولا يأكل الميتة إلى آخر ما يترخص به المسافر والصحيح أنه يترخص كغيره لماذا؟ لأن النصوص عامة ولو كان هذا النوع مما لا تشمله الرخصة لجاء الشرع ببيانه والصواب أن السفر سواء كان سفر طاعة مطلقاً أو وقعت معصية في سفر أو سافر وكان السفر معصية أنه يترخص، قال (ولمسافر ثلاثة - أيام - بلياليها) (لمسافر) سفراً غير محرم ولا مكروه هذا على المذهب ولذلك قال في الشرح [سفراً يبيح القصر] (ثلاثة - أيام - بلياليها) لحديث علي يرفعه (للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وللمقيم يوم وليلة)، (من حدث بعد لبس على طاهر) بعد أن بين المدة وأن المسح عبادة مؤقتة لها ابتداء ولها انتهاء حينئذٍ متى يبدأ التوقيت يعني يوماً وليلة أو ثلاثة أيام بلياليها قال (من حدث) يعني ابتداء المدة سواء للمسافر أو للمقيم (من حدث) يعني من أول حدث ولو لم يتوضأ ويمسح على خفيه حينئذٍ يكون هذا الوقت داخل في الوقت المشروع فيه المسح فلو توضأ مثلاً لصلاة الفجر ولبس خفيه ثم بعد الفجر أحدث مباشرة ثم توضأ للظهر ومسح متى يبدأ الوقت؟ متى يحصل أربع وعشرين ساعة؟ من أول حدث ليس من المسح وهذا قول جمهور أهل العلم وهو الصحيح ولذلك قال هنا (من حدث) ومن هنا للابتداء (من حدث بعد لبس على طاهر) (من حدث بعد لبس) لماذا قيد بالحدث؟ لأن الحدث سبب لوجوب الوضوء فعلق الحكم به ولذلك كما جاء في الأحاديث (يمسح يوماً وليلة) فهم بعض أهل العلم أن التقيد هنا بـ (يمسح) دليل على أن أول الوقت هو أول المسح وليس الأمر كذلك بل الصواب أن قوله يمسح هذا بيان لجواز المسح بمعنى أنه يباح له المسح حينئذٍ لا يفهم منه أن الحكم مقيد بأول المسح بالصواب أنه متى ما جاز له حينئذٍ صار من وقته، ولذلك لو قيل لو أحدث بعد الفجر ولم يتوضأ ويمسح إلا لصلاة الظهر ما بين الفجر والظهر هل له أن يمسح أو لا؟ له أن يمسح إذاً جوزت له المسح؛ هل يجوز له المسح لا في الوقت المحدود له شرعاً؟ الجواب لا، فدل لذلك لجواز المسح في هذه الفترة الزمنية دل على أنه قد بدأ في الوقت المحدد له شرعاً، إذاً (من حدث) من هنا للابتداء (من حدث) يعني من أول حدث حصل له لأن الحدث سبب وجوب الوضوء فعلق الحكم به وهذا المذهب وكذلك هو مذهب الحنفية والشافعية لأن ابتداء المدة من حين جواز الفعل كالصلاة فهو وقت لها، الصلاة يؤذن لصلاة الظهر ثم قد لا يصلي إلا قبل خروج بنصف ساعة أو ربع ساعة حينئذٍ وقته ابتداء من دخول الوقت من الأذان مثلاً حينئذٍ الساعة الأولى والساعة الثانية هل هي وقت لفعل الصلاة أم لا؟ وقت لفعل الصلاة لكنه لم يفعل الصلاة إلى في آخرها فكونه لم يفعل لم يتلبس بالصلاة إلا في الجزء الأخير من الزمن المحدد

للصلاة لا ينفي أن يكون أول الصلاة وقت للصلاة ومثله القول في اليوم وليلة للمسح على الخفين، (بعد لبس على طاهر) يعني لا يبدأ للابتداء المدة إلا (بعد لبس) له أي للخف (على طاهر) هذا بيان للخف الذي يجوز المسح عليه (على طاهر) أي على طاهر العين فلا يمسح على نجس ولو في ضرورة حينئذٍ يشترط في الخف الذي يجوز المسح عليه أن يكون طاهر العين أما المتنجس الذي هو في الأصل طاهر لكن حلت به نجاسة فهذا يجوز المسح عليه ولكن لا يصلي فيه حتى يزيل النجاسة بمعنى أن الاحتراز هنا من نجس العين كخف مصنوع من جلد خنزير مثلاً أو جلد كلب نقول هذا طاهر العين أو نجس العين؟ هذا نجس العين ولا يقال متنجس وقد يكون متنجس لكن الأصل يغلب عليه حينئذٍ لا يوصف الشيء بكونه متنجساً إلا إذا كان طاهر في الأصل فحلت به نجاسة وأما إذا كان نجس العين كخف مصنوع من جلد كلب ونحوه نقول هذا لا يصح المسح عليه، أما المتنجس فيجوز المسح عليه لكن لا يصلي به وله مس المصحف إذا كان لابس لخف متنجس ونحو ذلك ولكن لا يصلي به إلا بعد غسله، إذاً (بعد لبس على طاهر) طاهر العين فلا يمسح على نجس كجلد حمار على المذهب أو خنزير لأن نجس العين منهي عنه فلا يصح المسح عليه خف كان أو غيره قد حكي الإجماع على هذا حكاه النووي رحمه الله تعالى حيث قال [لا يصح المسح على خف من جلد كلب أو خنزير أو جلد ميتة لم يدبغ وهذا لا خلاف فيه] أن نجس العين لا يصح المسح عليه وفي الإنصاف [ومنها طهارة عينه إن لم تكن ضرورة بلا نزاع] يعني من شروط المسح على الخفين أن يكون طاهر العين لماذا؟ لأن نجس العين منهي عنه وإذا كان منهي عنه حينئذٍ لا يصح أن يكون مما تجيزه الشريعة لأن المسح على الخفين رخصة فخرج ما نهي عنه شرعاً كذلك اليد المبلولة إذا باشرت النجاسة تنجست أليس كذلك؟ فلو بَلَّ يديه وأراد أن يمسح تنجست اليد، (مباح) هذا الشرط الثاني أن يكون الذي يجوز المسح عليه مباح فلا يجوز المسح على مغصوب سواء كان محرماً لذاته أو محرماً لغيره لأن إذا صححاً المسح على الخف المحرم نكون بذلك قد رتبنا على الفعل المحرم أثراً صحيحاً وهذا كما سبق مراراً النهي يقتضي فساد المنهي عنه لعموم حديث (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) حينئذٍ كل معصية أو كل من تلبس بطاعة وكانت مبنية على معصية فالأصل بطلانها فإذا كان ثَمَّ خفاً مسروقاً أو محرماً أو مغصوباً أو نحو ذلك فلو مسح عليه لا يصح لماذا؟ لأنه منهي عنه وإذا كان منهي عنه قد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا قد عمل عملاً ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو مردود عليه ولو صححاً عبادته مع كونها مبنية على معصية لبنينا أثر على هذا المحرم والأصل هو إعدامه بمعنى أن الأصل هو إعدام الغصب مثلاً بين الناس فإذا صححاً الصلاة في الأرض المغصوبة وصححاً المسح على الخفين أو الثوب المغصوب إذا صلى فيه حينئذٍ هذا لا يكف الناس الغصب وإذا صححاً العبادات كأنا نقول لهم استمروا فيما أنت عليه وعباداتكم كلها صحيحة وإذا قلنا ببطلان العبادات لكونها محرمات هذا يؤيد الأصل العام وهو أن الشريعة إنما جاءت يعني في أوامرها للتحقيق

المصالح العامة ولذلك الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة ومنه هذا الذي نحن بصدده إذاً يشترط في الخف بأن يكون مباحاً فلا يجوز المسح على مغصوب ولا مسروق ولا على حرير لرجل أما المرأة فلا بأس وهذا محرم بعينه لأن لُبسه معصية فلا تستباح به الرخصة والمسح يعتبر من الرخصة فلو صلى أعاد الطهارة والصلاة بمعنى أنه لو صلى بخف مغصوب مسح عليه لم تصح طهارته فلو صلى حينئذٍ قد صلى بلا طهارة يلزمه إعادة الطهارة والصلاة، الشرط الثالث في الخف ونحوه أن يكون ساتر للمفروض (على طاهر مباح ساتر للمفروض) يعني محل الفرض محل الفرض هو من أصابع القدمين إلى الكعبين حينئذٍ يشترط لهذا الخف الذي يجوز المسح عليه أن يكون ساتراً لمحل الفرض لماذا؟ عندهم تعليل؛ أولاً: إذا أطلق الخف في النصوص حينئذٍ حمل على كماله، ثانياً: أنه إذا ظهر شيء من محل الغسل الذي وجب غسله محل الفرض حينئذٍ اجتمع فيه أمران ما ستر ما المشروع فيه المسح وما ظهر وبان ما المشروع فيه الغسل؛ أيهما يغلب؟ قالوا الأصل هو الغسل حينئذٍ نرجع إلى الأصل وهو وجوب الغسل ولذلك قال (ساتر للمفروض) يعني محل الفرض بحيث لا يظهر شيء من محل الفرض ولا يرى منه الكعبان لكونه ضيقاً أو مشدوداً حينئذٍ يجوز المسح عليه يعني إذا كان ضيقاً أو مشدوداً بحبل ونحوه ولا يشترط فيه أن يكون ساتر للمفروض بنفسه بل لو كان بشد ونحوه جاز لماذا؟ لأنه قد حصل المقصود وهو كونه خفاً ولا يشترط في الخف أن يثبت بنفسه بمعنى أنه لا يشد ولا يربط، (ساتر للمفروض) هذا يشمل أمرين: الأول: أن لا يرى شيء من محل الفرض يعني الجلد الذي يجب غسله، ثانياً: أن لا يكون الخف صفيقاً بمعنى أنه لا يرى منه لون البشرة لأنه قد يلبس شيء على محل القدمين ويستره بحيث لا يظهر شيء إلا وقد ستر وقد يظهر اللون ويكون العضو ساتراً له الخف حينئذٍ هل يعتبر ساتراً أو لا؟ على المذهب لا يعتبر ساتراً لماذا؟ لأنه يرى منه محل الفرض وإذا رئي منه محل الفرض وجب غسله سواء رئي بذاته محل الفرض أو لكون الجورب صفيقاً بحيث ممن خلفه قالوا هذان النوعان يجب فيهما الغسل على الأصل ومذهب الشافعية أنه لا يشترط فيه أن يكون أن لا يرى منه لون البشرة وهذا هو الظاهر بحيث لو لبس شيء مما يستر العضو من أصابع القدمين إلى الكعبين ويكون الكعبان مستورين ولكن البشرة بادية اللون على المذهب لا يصح المسح والصحيح أنه إذا صح تسميته خفاً ومما يمشى عليه عادة حينئذٍ نقول هذا يصح عليه المسح (ساتر للمفروض) قلنا إذا أطلق الخف فإنه يقتضي السلامة ويقتضي الستر لجميع المفروض هذا تعليل للمذهب، (يثبت بنفسه) هذا الشرط الرابع أن يكون ثابتاً بنفسه [فإن لم يثبت إلا بشده لم يجز المسح عليه لفوات شرطه نص عليه وإن ثبت بنعلين مسح إلى خلعهما مادامت مدته] ولا يجوز المسح على ما يسقط (يثبت بنفسه) هذا ما الدليل عليه؟ قالوا إذا أطلق الخف إنما يشمل الخف المعتاد وإذا كان الخف معتاداً حينئذٍ هو الذي يصح أن يمشي عليه فلو كان الخف يخرج من قدمه ولا يثبت وينزع بنفسه حينئذٍ هذا لا يسمى خفاً لعدم المشي المعتاد عليه فإذا نفي عنه اسم الخف نفي

عنه الأحكام المتعلق به هذا تعليل للمذهب (يثبت بنفسه) إنما الرخصة ثبتت في حق الخف المعتاد وهو ثابت وما لا يثبت بنفسه ليس في معناه فلا يلحق به والصحيح أنه إذا سمي خفاً وعتيد المشي عليه حينئذٍ جاز المسح عليه ولو لم يثبت بنفسه، قال (من خف) هذا بيان لقوله (طاهر) حينئذٍ ماذا قال هناك؟ (من حدث بعد لبس على طاهر) ما هو هذا الطاهر؟ قال (من خف) بيان لطاهر أي يجوز المسح على خف يمكن متابعة المشي فيه عرفاً حينئذٍ إذا كان المرد إلى العرف فإذا كان لا يثبت بنفسه ويخرج وينزع بنفسه وسمي خفاً فالأصل أنه يجوز المسح عليه فإذا رد إلى اسم الخف من حيث هو حينئذٍ قد يقال بأنه يشترط فيه الثبات بنفسه وإذا رد إلى العرف عرف الصحابة حينئذٍ لا يشترط أن يكون ثابتاً بنفسه، قال (من خف) أي يجوز المسح على خف يمكن متابعة المشي فيه عرفاً فيصح المسح عل خف من جلود أو لبود أو خشب أو حديد أو زجاج لا يصف البشرة حيث أمكن المشي فيه لا يصف البشرة بناء على المذهب وإلا الصحيح متى ما أمكن المشي فيه حينئذٍ صح المسح عليه فلو أمكن أن يصنع خف من زجاج حينئذٍ الصحيح أنه يجوز المسح عليه حينئذٍ نقول هل ساتر أم لا؟ نقول نعم هو ساتر لمحل الفرض بمعنى أنه لا يبدو منه شيء حقه الغسل وأما مجرد اللون نقول هذا مدفع بكونه خفاً فمتى سمي خف ثبتت الأحكام المترتبة عليه قال الإمام أحمد [ليس في قلب من المسح شيء فيه أربعون حديثاً عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم]، قال (وجورب صفيق) (من خف) قلنا الخف في المذهب مقيد بالجلد فما كان مصنوعاً من جلد سمي خفاً (وجورب صفيق) الجورب هو ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير جلد؛ بمعنى أن الذي يلبس على القدمين إن كان من جلد سمي خفاً وإن كان من صوف ونحوه حينئذٍ يسمى ماذا؟ جورباً وهو ما يسمى بالشُّرَاب لآن مثلاً هذا يجوز المسح عليه لأنه داخل في مسمى الجورب (وجورب صفيق) وهو ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد وقوله (صفيق) وهو ما لا يظهر منه ما وراءه ولا يصف جلد البشرة هذا على المذهب لأنه يشترط في الخف ويشترط في الجورب أن لا يرى من ورائه لون البشرة فإن رئي حينئذٍ لا يسمى جورباً وإذا كان لا يسمى جورباً في المعتاد في العرف حينئذٍ تنتفي الأحكام المترتبة عليه والصحيح أنه لا يشترط ذلك لعدم ورد النص وإنما جاءت النصوص بترتيب الأحكام على الخفاف والجوارب ولم يأتي النص بتقيد الجوارب بكونها لا تصف لون البشرة (وجورب صفيق) لأنه صلى الله عليه وسلم (مسح على الجوربين والنعلين) رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي وكذلك لما روى المغيرة بن شعبة (أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين) رواه أحمد على ما ذكره المصنف هنا، وهذا يدل على أن النعل لم يكن عليهما لأنه قد يقول قائل بكون النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين أن الجوربين في النعلين مسح معهما معاً نقول لا، كونه نص على النعلين دل على أنهما مسحا استقلالاً والجوربين نص عليهما دل على أنهما قد مسحا استقلالاً وهذا يدل على أن النعل لم يكن عليهما لأنه لو كان كذلك لم يذكر النعلين كما يقال مسحت الخف نعله ولأن جماعة من الصحابة مسحوا عليهما

ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع ولأنه ساتر للقدم يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف إذاً ثَمَّ خلاف في الجورب هل يمسح أو لا؟ الصحيح أنه يمسح لورود النصوص الدالة على ذلك والأصل فيه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، (ونحوهما) أي نحو الخف والجورب فكل ما يستر القدمين هذا الضابط هنا كل ما يستر القدمين محل الفرض من أصابع الرجلين مع الكعبين وصح المشي عليهما يعني اعتاد المشي عليه فصح المسح عليهما ولذلك سيأتي استثناء اللفافة ونحوها وحينئذٍ نقول الصواب أنها داخلة في هذا الضابط إذاً (ونحوهما) أي نحو الخف والجورب كالجرموق لما روى بلال رضي الله تعالى عنه قال (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين) رواه أحمد وأبو داود ولأنه ساتر يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف، والموق هو الجرموق؛ والجُرموق بضم الجيم نوع من الخفاف قال الجوهري [الذي يلبس فوقه] يعني فوق الخف مثل الخف إلا أنه يلبس فوق الخف في البلاد الباردة فيجوز المسح عليه قياساً على الخف، على كل الجرموق هذا لبس على الخف أو لا مادام أنه ساتر للقدمين ويصح المشي عليه جاز المسح عليه لأن هذا هو الضابط ويسمى الموق وخف يسير فيصح المسح عليه لفعله عليه الصلاة والسلام رواه أحمد وغيره، (وعلى عمامة) هذا النوع الثاني مما ذكره المصنف تحت هذا الباب الأول الخف وما في حكمه من الجورب والجرموق وثانياً العمامة وهي محل خلاف يبن أهل العلم [ويصح المسح أيضاً على عمامة] والعمامة هي ما يلف على الرأس جمعها عمائم وعمام الذي يلف يعني التي لها أكوار ليست هذه التي نلبسها لها أكوار هذه التي تسمى عمامة في لسان العرب وهي التي يعرفها العرب وأما هذه فدخيلة وهي تسمى خمار لكن الناس يسمونها عمامة لعله تأدباً (على عمامة) ويشترط فيها أن تكون طاهرة مباحة كما اشترط في الخف ونحوه والعلة هنا هي العلة هناك (لرجل) يعني العمامة أن تكون لرجل ويقابل الرجل هنا الأنثى وليس المراد بالرجل البالغ بحيث الصبي إذا لبس عمامة لا يمسح عليها لا ليس المراد هنا وإنما الاحتراز لو كانت المرأة قد لبست عمامة الرجل حينئذٍ فعلت ماذا؟ فعلت محرماً لأنها تشبهت بالرجل هل يجوز لها أن تمسح أو لا؟ نقول النهي يقتضي فساد المنهي عنه فلا يجوز لها أن تمسح وإذا مسحت ما صح لماذا؟ لكونها منهية عن لبس شيء يختص به الرجال فلو لبست العمامة حينئذٍ لا تمسح عليها لعدم جواز لبسها أصالة لأن إذا جوزنا المسح حينئذٍ أولنا في الأصل وهو لبس العمامة للمرأة إذاً (على عمامة) طاهرة مباحة لا محرمة كمغصوبة أو حرير (لرجل) ما يقابل الأنثى فيجوز المسح لصبي لا للمرأة (لأنه صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والعمامة) قال الترمذي حسن صحيح، إذاً يمسح العمامة وهذا هو الظاهر من السنة ومعناه عند مسلم وروى البخاري عن عامر بن أمية (رأيت الرسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وخفيه) ولأبي داود عن ثوبان (أمرهم أن يمسحوا على العصايب) يعني العمائم وله عن بلال (ويمسحوا على عمامته) وأحاديث المسح عليها أخرجها غير واحد من الأئمة البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من طرق قوية متصلة حينئذٍ المسح على العمامة ثابت هذا هو الصواب

أن المسح على العمامة ثابت فيمسح عليها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ويشترط هنا عندهم في المذهب أن تكون ساترة لجميع الرأس كما أن الخف يجب أن يكون ساتراً لجميع المحل ولكن هذا الشرط ثبت ماذا؟ ثبت بطريق القياس على الخف حينئذٍ ما لا يكون ساتراً لجميع الرأس قالوا هنا تعارض أمران ظهر من الرأس ما حقه المسح مباشرة وظهر من الرأس ما حقه المسح وهو الحائل حينئذٍ نرجع إلى الأصل إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه حينئذٍ يشترط في العمامة أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس فإن هذا يعفى عنه لأنه هذا مما جرت به العادة ويشق التحرز عنه فلا يجب مسحه معها لكنه مستحب، قال (محنكة) هذا شرط يزاد على ما مضى قلنا يشترط فيها أن تكون طاهرة مباحة ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه ويشترط في هذه العمامة أن تكون (محنكة) والمراد بالمحنكة مأخوذة من الحنك وهو ما كان تحت الذقن وهي التي يدار منها تحت الحنك كَور بفتح الكاف فأكثر يعني تلف هكذا وتلف تحت الحنك هذه هي التي تسمى محنكة وهي التي يعرفها العرب (أو ذات ذؤابة) ذات يعني صاحبة (ذؤابة) ولا حنك لها (ذُؤابة) بضم المعجمة وبعدها همزة مفتوحة وهي طرف العمامة المرخي يعني تلف ولا تحنك تحت الذقن وإنما تدار أكوار من الرأس ويجعل لها طرف من الخلف مقدار أربعة أصابع قلة أو كثرة هذه تسمى ذات ذؤابة وهاتان أو هذان النوعان من التعميم هو المعروف في لغة العرب وهو المعروف عند العرب فإذا أطلقت العمامة كون النبي صلى الله عليه وسلم قد مسح على عمامته حينئذٍ انصرف اللفظ إلى العمامة المعروفة في عهديه عليه الصلاة والسلام فإذا كانت صماء هي التي لا يكون لها كور تحت الحنك أو لا تكون لها ذؤابة حينئذٍ هذه محل خلاف بين أهل العلم هل يصح المسح عليها أو لا إذاً إذا كانت محنكة جاز المسح عليها رواية واحدة سواء كانت ذات ذؤابة أو لا؛ لأن هذه عمائم العرب وهي أكثر ستراً وهي التي يشق نزعها ولأنه مأمور بها وتفارق عمائم أهل الكتاب (أو ذات ذؤابة) يعني التي لها ذؤابة ولا حنك لها لأنه تقابل الأول فلو كان لها حنك دخل فيما سبق ولا يجوز على غير المحنكة إلا أن تكون ذات ذؤابة فيجوز في أحد الوجهين لأنها لا تشبه عمائم أهل الذمة إذ ليس من عادتهم الذؤابة والوجه الثاني وهي المذهب أنها يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتحليل ونحو ذلك على كل يحترز عن المحنكة والذؤابة بالصماء فالصماء هذه لا يصح المسح عليها في المذهب ولذلك قال في الشرح [فلا يصح المسح على العمامة الصماء] والمراد بها التي لا حنك لها ولا ذؤابة لأنها على صفة عمائم أهل الذمة وقد نهي عن التشبه بهم ولا يشق نزعها، (وخمر نساء مدارة تحت حلوقهن) هذا القسم الثالث مما يمسح ذكر الخفين وذكر العمامة وبقي الخمر، والخمر جمع خمار الخُمُر بضم الخاء والميم قد تسكن خُمْر وخُمُر جمع خمار وهو النصيف والقناع وهو ما تغطي به المرأة رأسها وكل ما ستر شيء فهو خمار أي يصح المسح على خمر نساء واشترط أن تكون مدارة تحت حلوقهن (مدارة) تلك الخمر (تحت حلوقهن) لأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها ذكره بن المنذر وروى

أحمد عن بلال عن النبي صلى الله عليه وسلم (الأمر بالمسح على الخمار) ولفظ سعيد بن منصور (على النصيف) ولأنه ساتر ويشق نزعه أشبه العمامة المحنكة إذاً (على خمر نساء) المذهب أنه يصح المسح على الخمار الذي تجعلها المرأة على رأسها وهو يشبه العمامة فإذا كان مربوطاً معقوداً محنكاً شق نزعه وإذا شق نزعه حينئذٍ رخص لها أن تمسح عليه وجمهور أهل العلم على أنه لا يصح لها المسح وكل ما ورد من ذلك من النصوص فهو ضعيف ونرجع إلى الأصل (وعلى خمر نساء مدارة تحت حلوقهن) علم منه أنه إذا لم يكن الخمار مداراً تحت حلوقهن لا يجوز وهو كذلك (تحت حلوقهن) يعني لا مطلقة مرسلة لأن المرسلة لا يشق نزعها حينئذٍ نقول ما ورد في العمامة هل يصح القياس عليه الخمار أو لا؟ إذا قيل بأن النصوص التي وردت في الخمار ضعيفة حينئذٍ نقول نرجع إلى الأصل وهو وجوب المسح مباشرة، إذاً نقول ورد وثبت الإذن بالمسح على العمامة أما الخمار فلم يأتي دليل بالمسح عليه والأصل هو المنع وهذا مذهب الجمهور إن كان الحنابلة على أنه يجوز المسح للأحاديث الواردة وقياساً على العمامة والعلة هي مشقة النزع نقول الأصل هو المسح مباشرة ولا يجوز المسح على الحائل إلا إذا أذن الشارع بوضع هذا الحائل حينئذٍ نرجع إلى الشرع وإذا لم يرد حينئذٍ نرجع إلى الأصل حينئذٍ نقول الأصل في الخمار أنه لم يرد فيه دليل فالأصل عدم جواز المسح عليه ولذلك روى البيهقي في السنن الكبرى من طريق بن وهب قال أخبرك بن لهيعة وعامر بن الحارث وعمرو بن الحارث عن بكير بن عبدالله عن أم علقمة مولاة عائشة عن عائشة رضي الله تعالى عنها (أنها كانت إذا توضأت تدخل يدها من تحت الرداء تمسح برأسها كله) (أنها كانت إذا توضأت - وكان شيء على رأسها - تدخل يدها من تحت الرداء فتمسح الرأس كله) والظاهر حسن الإسناد أم علقمة قال في التقريب [مقبولة] وذكرها الذهبي في الميزان في المجهولات وروى البخاري له تعليقاً بصيغة الجزم في كتاب الحيض ووثقها بن حبان وهي تابعية حينئذٍ الحديث حسن فدل على أن عائشة لم تترخص بوضع الخمار فتمسح عليه فدل على أنه يمسح على الأصل وروى بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن مالك عن نافع قال (رأيت صفية بنت أبا عبيد امرأة بن عمر توضأت فأخلت يدها تحت خمارها فمسحت بناصيتها) إذاً مع وجود الخمار نقل عن عائشة وعن صفية نقل عنهما أن هن قد مسحا الرأس مع وجود الخمار لماذا؟ إعمالاً للأصل ولعدم وجود النص الذي يعدل به إلى الفرع، (في حدث أصغر) يعني يمسح جميع ما تقدم من الخف والجورب ونحوهما وعلى العمامة وعلى الخمار يمسح متى؟ في الحدث الأصغر لا في الأكبر بل يغسل ما تحت كل ما ذكر وهذا دل عليه حديث صفوان بن عسان (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح قال محمد بن إسماعيل هو أحسن شيء في هذا الباب إذاً متى يمسح فيما ذكر من السابق؟ نقول يمسح في حدث أصغر يعني إذا لم يكن ثَمَّ جنابة وأما إذا كان غسل جنابة أو حيض أو نفاس حينئذٍ وجب خلع الخف والعمامة والخمار، (وجبيرة) هذا الرابع من الممسوحات على المذهب (و -على - جبيرة)

يعني ويمسح على جبيرة والجبيرة فعيلة بمعنى فاعل وسميت جبيرة تفاؤلاً قال بعض أهل اللغة [وهي أعواد ونحوها تربط على الكسر أو الجرح ليلتأم فعيلة بمعنى فاعل وكذلك يمكن أن تكون جبيرة بمعنى مفعول أي مجبور وقال الأزهري وغيره [هي الخَشَب أو الخُشُب التي تسوى فتوضع على موضع الكسر فتشد عليه حتى ينجبر على استوائها واحدتها جِبارة بكسر الجيم وجَبيرة بفتحها وهما بمعنى] إذاً الجبيرة ما كان على الكسر ونحوه وأما اللَّصوق بفتح اللام ما كان على القرح وكلاهما مما يمسح عليه إذاً الجبيرة هذه مما يجوز المسح عليه، ويمسح على جبيرة مشدودة على كسر أو جرح ونحوهما متى؟ قال (- بشرط - لم تتجاوز قد الحاجة) وهذا قيد لابد من مراعاته في جميع الجبائر بأن تكون الجبيرة على قدر موضع الضرورة لأنها أبيح المسح عليها أو التيمم عنها من أجل الضرورة فإذا لم تكن ضرورة رجعنا إلى الأصل حينئذٍ الضرورة تقدر بقدرها فما كان من جبيرة على الموضع نفسه وما جاورت مما لابد منه من شد الجبيرة فهو معفو عنه وما زاد عن ذلك مما يستغنى عنه فالأصل فيه وجوب الغسل فلابد من غسله حينئذٍ لابد أن يغسل ما تحت ذلك الموضع الذي زِيد لا لحاجة بناء على الأصل (لم تتجاوز) هذا شرط يعني تتعدى (لم تتجاوز) يعني لم تتعدى قدر الحاجة المراد بالحاجة الكسر وهو موضع الجرح والكسر وما قرب منه مما يحتاج إليه في شدها مما لابد من وضع الجبيرة عليه من الصحيح فإن تعدى شدها محل الحاجة نزعها كلها هذا الأصل فإذا لم يتمكن من نزعها كلها حينئذٍ تعين التيمم على المذهب عن الزائد لا لحاجة (ولو في أكبر) بمعنى أن الجبيرة الحكم يختلف فيها عما سبق فحينئذٍ يمسح عليها في الحدث الأصغر وفي الحدث الأكبر وهذا مما فرقة الجبيرة الخف ونحوه (ولو في أكبر) يعني فيجوز المسح عليها لا على غير الجبيرة ونحوها في الطهارة الكبرى إجماعاً لأن الضرر يلحق بنزعها بخلاف غيرها من الحوائل لحديث صاحب الشجة (إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعضد - أي يشد أو يعصب - على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده) رواه أبو داود الحديث هذا فيه ضعف يشهد له حديث علي رضي الله تعالى عنه (انكسرت إحدى زندي فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر) رواه بن ماجه وهذا فيه عمرو بن خالد الواسطي قد كذبه أحمد وبن معين قال [كذاب] وقال فيه [غير ثقة ولا مأمون] قال إسحاق بن راهويه [كان عمرو بن خالد الواسطي يضع الحديث] قال أحمد [متروك الحديث ليس يسوى شيء] إذاً حديث علي ساقط ولا يحتج به، وري عن بن عمر (أنه توضأ وكفه معصوبة فمسح عليها وعلى العصابة وغسل ما سوا ذلك) أليس كذلك؟ قال الدار القطني في حديث بن عمر [لا يصح مرفوعاً وفيه أبي عمارة ضعيف جداً] وقال الخطيب [في حديثه مناكير وغرائب] إذاً كذلك لا يثبت حديث بن عمر والحديث الذي أورده كذلك المصنف لا يثبت فإذا لم يكن ثابت فيه شيء حينئذٍ إما أن يقال بأن هذه الأحاديث ضعيفة وإذا كان كذلك حينئذٍ يجمع مع الضرورة قاعدة الضرورة فتقوى بهذه الأحاديث الضعيفة وهو ما جرى عليه المذهب وإما أن يقال بأن الجبيرة إذا لم تمسح حينئذٍ إما تيمم وإما مسح يعني إذا لم يغسل الموضع الذي

وضعت عليه الجبيرة وهي قطعاً باقية ... لأنه يتضرر بنزعها حينئذٍ إما تيمم وإما مسح؛ وأي النوعين أقرب إلى الغسل؟ قالوا المسح إذاً المسح متعبد به بالجملة ولذلك يمسح في أثناء الوضوء يمسح رأسه ولا يغسله وقد ثبت كذلك المسح على الخفين وثبت المسح على العمامة وعلى المذهب كذلك على الخمار إذاً أولى ما يحلق به هو المسح لا التيمم وقال بعض أهل العلم بل يعدل إلى التيمم لأن الله تعالى قال (وإن كنتم مرضى أو على سفر ولم تجدوا ماء فتيمموا) وصاحب الجبيرة داخل في قوله (مرضى) وهذا المرض قد يكون عاماً وقد يكون جزئياً والتيمم قد يكون عاماً عن كل البدن أو مواضع الوضوء وقد يكون جزئياً حينئذٍ ما جاء فيه النص أولى بالاعتبار من القياس حينئذٍ من كانت عليه جبيرة فيغسل ما يستطيع أن يغسله ثم يتيمم عن محل الجبيرة ولا يمسح وهذا هو الظاهر والله أعلم وأما النصوص الواردة في هذا المحل فكما سمعتم كلها ضعيفة والقياس مع وجود النص (وإن كنتم مرضى) هذا عام لأنه نكرة في سياق الشرط فيعم كل مرض سواء كان المرض كلي أو جزئي قال (فتيمموا) إذاً أولى بالاعتبار من المسح والله أعلم، قال (إلى حلها) أي يمسح في الجبيرة (إلى حلها) أو برء ما تحتها يعني ليست مؤقتة كالخف ونحوه لا نقول ثلاثة أيام ولا يوم وليلة للمقيم وللمسافر لأنها ضرورة تقدر يقدرها حينئذٍ لو بقيت عليه شهراً أو شهرين أو سنة نقول يمسح عليها على المذهب مادامت للحاجة وعلى ما سبق نقول يتيمم حينئذٍ نقول لا تؤقت بوقت كما هو الشأن فما سبق ولذلك قال (إلى حلها) أي يمسح على الجبيرة إلى حلها أو برء ما تحتها وليس مؤقت كالمسح على الخفين ونحوهما لأن مسحها على الضرورة فتقدر بقدرها واضح هذا، ثم قال (إذا لبس هذا بعد كمال الطهارة) وهذا شرط لكل ما ذكر من الخف والعمامة والخمار والجبيرة بمعنى أنه يشترط في الجميع جواز المسح إذا لبس على طهارة كاملة طهارة مائية فإذا كان كذلك جاز المسح على ما ذكر وإذا لم تلبس على طهارة حينئذٍ لا يجوز المسح عليها (إذا لبس ذلك) المشار عليه الأنواع الأربعة أي ما تقدم من الخفين ونحوهما والعمامة والخمار والجبيرة (بعد كمال الطهارة) (بعد كمال) إذاً قبل كمال الطهارة - له مفهوم - قبل كمال الطهارة لا يصح؛ مفهوم كمال الطهارة نقص الطهارة فإذا كانت الطهارة ناقصة بمعنى أنه غسل بعض أجزاء الوضوء أطراف الوضوء ثم لم يكمل ثم لبس العمامة؛ هل يمسح؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لأنه لم يلبس بعد كمال الطهارة بقي عليه القدمان مثلاً كذلك الخفين كذلك الخمار كذلك الجبيرة لو وضع هذه الأربعة في أثناء الوضوء في أثناء الطهارة لم يصح فكيف بما لو وضع هذه الأربعة أو لبسها قبل الطهارة بالكلية من باب أولى وأحرى، إذاً بعد كمال الطهارة له مفهوم إذا الكمال ضده النقص، وكمال الطهارة أن لا يبقي عليه من أعضائها شيء لو بقي غسل الرجل الأخيرة اليسرى فقط ولبس الخف الأيمن ما صح أن يمسح عليه لماذا؟ لأنه لم يتم الطهارة فإذا أتم الطهارة بمعنى أنه توضأ وضوء كاملاً بغسل رجله اليسرى صح له حينئذٍ أن يلبس ثم يمسح، (إذا لبس ذلك بعد كمال الطهارة) لا أكثرها بالماء ولو مسح فيها على حائل بمعنى أنه لو وقع في

أثناء هذه الطهارة المائية مسح على حائل كأن يكون لبساً للعمامة حينئذٍ مسح على العمامة ثم غسل رجليه ثم لبس الخفين نقول هنا لبس الخفين بعد طهارة هي في الجملة مائية لماذا؟ لأن الماء لم يباشر الرأس وإنما باشر الحائل حينئذٍ جاز له ذلك لماذا؟ لأنه جاز له أن يمسح على العمامة فإذا جاز له أن يمسح على العمامة حينئذٍ كل ما ترتب على هذا الوضوء فهو جائز، فإذا جازت الصلاة بوضوء ومسح فيه على العمامة من باب أولى أن يجوز لبس الخفين بل هو أدنى من ذلك، [بعد كمال الطهارة بالماء ولو مسح فيها على حائل] والدليل على ذلك أن الأحاديث الواردة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما مسح بعد إدخال القدمين طاهرتين ولذلك جاء في الخفين في حديث الصحيحين (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) (طاهرتين) هذا وصف لماذا؟ للقدمين؛ أي أدخل القدمين كل واحدة منهما طاهرتان فيكون قد أدخلهما بعد كمال الطهارة لأن الطهارة المطلقة إنما تنصرف إلى ماذا؟ تنصرف إلى الوضوء الذي رتب الشارع عليه صحت الصلاة وهذا إنما يكون متى؟ إذا غسل قدمه اليسرى وهذا محل خلاف بين أهل العلم والصحيح أنه إذا غسل رجله اليمنى ثم لبس خف الأيمن قبل غسل رجله اليسرى لم يصح له المسح على الخفين لماذا؟ لأن الشرط أن يدخل الخفين القدمين طاهرتين ولا تكون القدم الأولى طاهرة إلا بغسل الثانية لأنه لو غسل الأولى هل صح له أن يصلي الجواب لا، إذاً ليست بطهارة وإنما تتحقق الطهارة المطلقة فيما إذا انتهى من وضوئه على الوجه الشرع وروى الحميد وغيره عن المغيرة (أيمسح أحدنا على الخفين؟ قال: نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان) ولحمد عن خزيمة عن صفوان قال [أمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر] صحح الذهبي والحافظ وهذا واضح في اشتراط الطهارة عند اللبس، وقال النووي وغيره [إذا لبس محدثاً لم يجز المسح إجماعاً] وهذا في الخفين شئنه واضح وأما في العمامة والخمار هذا قياساً على الخفين وإن لا لم يرد نص في العمامة، وأما الجبيرة فكذلك قياساً على الخفين والصحيح أنه لا يشترط الطهارة في العمامة ولا في الجبيرة لعدم النص حينئذٍ نقول ما جاء النص في اشتراط لبسه على طهارة كاملة اشترط وما لم يرد وجاء المسح حينئذٍ نقول قياسه هذا على خلاف الأصل قياسه على الخف هذا خلاف للأصل لماذا؟ لأن ما جاء مطلقاً في الشرع لا يقيد إلا بالشرع؛ فمادام أن الأمر موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو اللبس لبس الخفين وقد بين أنها لا تلبس إلا بعد طهارة كاملة حينئذٍ هذا اعتبر وأما العمامة قد مسح عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل حرف واحد في اشتراط الطهارة حينئذٍ تبقى على عمومها ولا شك أن المشقة في اشتراط الطهارة فغي العمامة أشد من الخفين والجبيرة من باب أولى وأحرى ولذلك قد يتعذر القول بكونه يجبر يده أو رجله على طهارة ولذلك لآن لو حصل حادث لشخص ما وهو مغمى عليه أرادوا أن يجبروا رجله مثلاً لابد أن يوضأ أولاً أو ينتظرون حتى يقوم فيتوضأ بعد ذلك فتجبر قدمه وهذا فاسد دل ذلك على أن جلب المشقة إنما يكون باشتراط الطهارة وهذا مصادم أولاً المشقة تجلب التيسير ثم لم يرد نص من أصله فما جواز الجبيرة

ثبت للضرورة حينئذٍ تقييده بكونه على طهارة يحتاج إلى نص وليس ثًمَّ نص إذاً الصحيح بعد لبس على طهارة كاملة يقيد بالخفين لورود النص وما عدها فلا (إذا لبس ذلك بعد كمال الطهارة) ثم بعض من المسائل المتفرعة على ما سبق، قال (وإن مسح في سفر ثم أقام أو عكس أو شك في ابتدائه فمسح مقيم) يعني يمسح مسح مقيم هذه ثلاثة صور؛ الصورة الأولى: إذا (مسح في سفر)؛ حينئذٍ يمسح كم؟ ثلاثة أيام بلياليها (ثم أقام)؛ فهل يمسح مسح مسافر أو يمسح مسح مقيم؟ على المذهب قال (فمسح مقيم) لماذا؟ لأن الحكم في الثلاثة الأيام متعلق بوصف هو معلق بوصف والوصف الذي هو السفر هذا وصف معتبر ولذلك علق به الفطر وعلق به قصر الصلاة فهو علة حينئذٍ مادام الحكم معلق على وصف حينئذٍ يدور الحكم مع علته وجوداً وعدماً فما دام أنه مسافر حينئذٍ يمسح ثلاثة أيام بلياليها وإذا زال وصف السفر حينئذٍ نقول رجع إلى الأصل وهو أنه مقيم، (وإن مسح في سفر ثم أقام) أتم مسح مقيم إن بقي منه شيء نعم إن بقي منه شيء فإن لم يبقى منه شيء حينئذٍ نزع خفه؛ يعني لو كان مسافراً إلى المدينة مثلاً ومسح هناك وهو مسافر مسح وهو مسافر ابتدأ يوم السبت بعد الفجر أحدث ومسح والظهر ثم اليوم الثاني سافر إلى مكة حينئذٍ صار مقيم بقي له يوم وليلة؛ هل يتم المسح أما أنه قد انتهى حقه المسح لأنه صار مقيماً؟ انتهى في حقه المسح، كذلك لو مسح يوم السبت ثم سافر رجع إلى بلده مكة بعد العصر حينئذٍ يتم مسح مقيم لأنه بقي له شيء، إذاً لم يبقى منه شيء من الوقت يوم وليلة نزع الخف وإن بقي له منه شيء حينئذٍ أتم مسح مقيم وهذا واضح بين من حيث العلة، (وإن مسح في سفر ثم أقام) أتم مسح مقيم لأن صار مقيم فلم يجز له أن يمسح مسح مسافر، (أو عكس) يعني مسح مقيماً ثم سافر؛ مسح يوم السبت فجراً بمكة ثم سافر ظهراً إلى المدينة؛ حينئذٍ هل يتم مسح مقيم أو يتم مسح مسافر؟ هذه المسألة فيها خلاف طويل وعريض بين أهل العلم والمذهب المرجح أنه يتم مسح مقيم؛ لماذا؟ لأنها عبادة مؤقتة اجتمع فيها حضر ومانع مبيح ومانع حينئذٍ غلب الحاضر وهو المنع فيبقى على الأصل وهو أنه يوم وليلة ولذلك قال (أو عكس) أي مسح مقيماً ثم سافر لم يزد على مسح مقيم لأنها عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر فغلب جانب الحضر - الحضر يعني - والمسح عبادة وجد أحد طرفيها في الحضر والآخر في السفر فغلب جانب الحضر، إذاً عبادة مؤقتة لها طرفان بدء في الإقامة ثم سافر حينئذٍ وجد طرفان حضر وسفر غلب الحضر على السفر (أو عكس) أي مسح مقيماً ثم سافر لم يزد على مسح مقيم تغليباً لجانب الحضر أي وإن لم يبقى بعد المدة شيء بأن مضى بعد الحدث يوماً وليلة أو أكثر خلع الخف لانقطاع السفر قال بن تميم [رواية واحدة]، (أو شك في ابتدائه) (شك في ابتدائه) يعني ابتداء المسح؛ هل كان في الحضر أو كان في السفر؟ وإذا شك حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو الإقامة لأن الأصل في الإنسان أنه مقيم والسفر عارض فإذا شك هل مسافر أم لا؟ أتم الصلاة ولا يجوز له القصر ولو قصر صلاته باطلة لا تصح لماذا؟ لأن القصر معلق بعلة وهي مشكوك فيها عنده فإذا شك هل مسافر أم لا؟ لا يمسح مسح مسافر ولا يقصر الصلاة ألبته

ولا يجوز له الفطر في رمضان لماذا؟ لأن هذه الأحكام متعلقة بعلة لابد من وجودها فيغلب على ظنه أنه مسافر ولا يشترط اليقين غلب على ظنه أنه مسافر حينئذٍ يمسح ثلاثة أيام وكذلك يقصر الصلاة وكذلك يفطر في رمضان (أو شك في ابتدائه) أي ابتداء المسح هل كان حضراً أو سفراً؟ ومن شك في بقاء المدة لم يمسح مادام شاكاً لعدم تحقق شرطه والأصل عدمه إذاً هذه الثلاثة صور التي ذكرها المصنف يمسح مسح مقيم وأما الصورة الثانية وهي أنه إذا مسح مقيم ثم سافر فالأولى أن يقال بأنه يتم مسح مسافر لأن العبرة بالأداء، ثم قال (وإن أحدث ثم سافر قبل مسحه) الصورة السابقة فيما إذا تلبس بالمسح وهنا أحدث ولم يمسح (وإن أحدث ثم سافر) (أحدث) في الحضر ولم يمسح وهو حاضر (ثم سافر) قبل مسحه (فمسح مسافر) هذه الصورة أوردة على المذهب بأنهم قد تناقضوا لماذا؟ لأن ابتداء المسح في المذهب يبدأ من الحدث وهنا لم يعتبر مع كونه وقع الحدث في المدة وهو حاضر ثم المسح وقع وهو مسافر فاعتبر ماذا؟ المسح ولم يعتبر الأصل وهو الحدث والجواب بأن يقال بأن العبادة المؤقتة إذا دخل وقتها ثم عرض ما يخالف الأداء في الأصل فالعبرة بحاله وقت الأداء ولذلك لو دخل عليه وقت الظهر وهو مسافر ثم سافر ووصل بلده يصلي قصراً أم تماماً؟ يتم الصلاة ولا يجوز له القصر مع كون وقت الصلاة قد دخل عليه وهو مسافر إذاً العبرة بالأداء وليس العبرة بدخول الوقت كذلك لو كان مقيم ودخل عليه وقت الظهر ثم سافر يقصر أو يتم له القصر أو لا؟ يجوز له القصر لماذا؟ لأن العبرة بالأداء قالوا كذلك هنا أول المدة بدء وهو حاضر لكنه لم يتلبس بالعبادة لأن العبادة هي المسح عينه عين المسح لم يتلبس إلا وهو مسافر فالعبرة حينئذٍ بالأداء لا بأصل دخول الوقت وهذا مطرد أصل عندهم في هذه المسألة إذاً لا تناقض (وإن أحدث ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر) لأنه ابتدأ المسح مسافراً ولذلك قالوا [كل عبادة اعتبر فيها الوقت فإن ابتداء وقتها من الوقت الذي يمكن فيه فعلها والصفة تكون معتبرة بوقت أدائها كالصلاة فالظهر مثلاً فأول وقتها زوال الشمس وصفتها باعتبار القصر والإتمام بوقت الفعل] كما ذكرناه سابقاً، ثم قال رحمه الله تعالى احترازاً من الشروط السابقة (ولا يمسح قلانس) (قلانس) جمع قلنسوة هذه شيء يوضع على الرأس لكنه لا يربط وأشبه بالثياب المغربية الآن الذي يكون متصل بنفس الثوب هذا ما يسمى بقلنسوة جمع قلنسوة لأنه أدنى من عمامة غير محنكة ولا ذات ذؤابة حينئذٍ لا يشق نوعها فالأصل فيه الرجوع إلى الأصل في مثل هذه الرجوع إلى الأصل حينئذٍ نقول الأصل مسح الرأس وهذا الحائل لم يعتبر شرعاً وإذا لم يعتبر شرعاً فالأصل عدمه (ولا يمسح قلانس) والصحيح أنه لا يمسح خلافاً لما ذهب إليه بن تيمية رحمه الله تعالى (ولا لفافة) يعني لا يمسح لفافة لأنها لا تسمى خف ولا جورباً وليست في معنى الخف ولا الجورب بمعنى أنه لو أخذ عمامة ولفها على قدميه ومشى ولو كان بحاجة إليها وهي ثابت راسخة ويمشي عليها؛ هل يصح المسح عليها أم لا؟ على المذهب لا؛ لعدم ورود النص أولاً وليست في معنى الخف ولا في معنى الجورب والصحيح أنها في معنى الخف لأن الخف المراد به

شيء يستر القدمين مما يمشى عليه ويعتاد المشي عليه الناس حينئذٍ هذه اللفافة قد يحتاجها المجاهدون مثلاً قد يحتاجها من كان في برد فيلف قدميه لفاً شديداً ويمشي عليه حينئذٍ نقول له أن يمسح عليها لأنها في معنى الخف وأما المذهب فعندهم لا (ولا يمسح لفافة) وهي الخرقة تشد على الرجل تحتها نعل أو لا ولو لمشقة لعدم ثبوتها بنفسها ولا تسمى خفاً ولا في معناه، (ولا ما يسقط من القدم) لأنه فات شرط قلنا الشرط عندهم ثبوته بنفسه أن يكون ثابتاً بنفسه ولو شد ولو لبس نعل قالوا جائز وهذا الشرط نقول شرط يحتاج إلى دليل لماذا؟ لأن الخف إذا أطلق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجع فيه العرف المتعارف عليه فلا يتصور فيه الكمال من كل وجه وإنما يعتبر فيه العرف حينئذٍ نقول هذا قيد زائد على مجرد النصوص فنحتاج إلى دليل يثبته (ولا ما يسقط من القدم) لماذا؟ قالوا لأن ما سقط خف غير معتاد فلا يشمله النص لأن الناس لا يلبسون خفافاً تسقط عند المشي إذ لا فائدة فيها لكنه قد يضطر إليه وإذا كان كذلك صار معتاد (أو يرى منه بعضه) يعني ولا يمسح خفاً يرى منه بعضه؛ لماذا؟ لفوات شرط وهو كونه ساتراً للمفروض، فلو كشف من الفرض محل الفرض ولو قدر إبرة قالوا هذا لا يصح المسح عليه لماذا؟ لأن الخف الذي جاءت به النصوص يطلق على الكمال بمعنى أنه يكون ساتراً لجميع الفرض فلو كشف منه كان مخروقاً ولو قدر أنملة أو قدر إبرة قالوا لا يصح المسح عليه والصواب أنه زيادة على النص وهذا غير معتبر (أو) خفاً (يرى منه بعضه) لونه لصفائه أو كونه مكشوفاً (بعضه) البعض ضد الكل وهذا قيد بمعنى أنه لو كشف كله خلعه هذا واضح بين أنه لا يمسح عليه لأنه لو لبسه المرة الثانية بعد حدث يكون قد لبسه على غير طهارة كاملة فإن لبسه على طهارة ولم يحدث هذا واضح بين أنه يصح المسح عليه، (ولا يمسح ما يسقط من القدم أو يرى منه بعضه) أي بعض القدم أو شيء من محل الفرض لأن ما ظهر فرضه الغسل ولا يجامع المسح وهذا تعليل مصادم للنص، (فأن لبس خفاً على خف قبل الحدث فالحكم للفوقاني) بمعنى أنه لو جمع بين خفين حينئذٍ لبس خفاً على خف؛ على أي النوعين يمسح على الأسفل الأدون أو على الأعلى؟ (فإن لبس خفاً على خف) على وجه يصح معه المسح بمعنى أن يكون كل من الخفين قد وجد فيه الشروط المعتبرة (قبل الحدث) أما بعد الحدث فلا شك أنه قد لبس الثاني لا على طهارة حينئذٍ يكون الحكم منصباً على الأدون الذي هو تحت - واضح - لبس خف على خف لكنه لبس الثاني بعد حدث يعني لبس الأول بعد كمال الطهارة ثم أحدث ثم لبس الثاني هذا واضح بين أن الحكم للتحتاني وأما إذا لبس الثاني قبل أن يحدث (فالحكم للفوقاني) بمعنى أنه يجوز المسح على الفوقاني وليس المراد أنه يتعين الفوقاني لأنه لو أراد أن يمسح التحتاني جاز له لكن الذي يمسحه هو الذي يتعين مسحه فيما يأتي فلو ابتدأ المسح بالتحتاني لا يجوز المسح على الفوقاني؛ لماذا؟ لأن الحكم تعلق بالتحتاني؛ ولو ابتدأ المسح بالفوقاني لا يجوز أن يمسح التحتاني - واضح هذا - حينئذٍ (فإن لبس خفاً على خف قبل الحدث فالحكم - للخف - الفوقاني) لأنه ساتر فأشبه المنفرد يعني نزل الثاني منزلة خف

مستقل لو لم يلبس خفاً تحتاني ولبس الفوقاني صح المسح عليه أو لا؟ نعم، كأنك نسيت التحتاني ولم تجعله خفاً مستقلاً واضح هذا، [وكذا لو لبسه على لفافة] لفافة سبق أن المصنف يرى أنها لا يمسح عليها لكن لو لبس لفافة ثم لبس خفاً عليها صح المسح على الفوقاني فقط لا على اللفافة، ثم بين كيفية المسح فقال رحمه الله تعالى (ويمسح أكثر العمامة) (ويمسح) وجوباً (أكثر العمامة) ويختص ذلك بدوائرها يعني أكوارها دون وسطها وهذا ليس فيه نص وإنما جاءت النصوص عامة (فمسح على العمامة) (فمسح على عمامته) والأصل حمل النص على عمومه فالأصل حينئذٍ مادام أن العمامة جاز المسح عليها ولم يرد فيه نص من حيث كفاية بعض المسح دون الكل رجعنا إلى الأصل وما هو الأصل؟ هو التعميم تعميم الرأس حينئذٍ ما كان قائماً مقام الرأس فالأصل فيه التعميم وقد جاءت النصوص مطلقة مسح (على عمامته) (على العمامة) أل فيه للاستغراق حينئذٍ الأصل فيه أنه يعم ولكن المصنف رحمه الله تعالى كغيره جروا في العمامة لعدم ورود النص هكذا ادعوا لعدم ورود النص ألحقوها بالخف والخف لا يجب فيه عموم المسح وإنما يمسح أكثره فكان كذلك الحكم في العمامة بجامع أن كلا منهما يمسح نقول هذا اجتهاد في مقابلة النص على كل المصنف يرى رحمه الله تعالى وهو المذهب أنه يمسح أكثر العمامة ونقول ظاهر النصوص هو التعميم (ويمسح - وجوباً - أكثر العمامة) وروي عن أحمد [يجب استيعابها قياساً على مسح الرأس] وهذا أولى بالاعتبار، (وظاهر قد الخف) كذلك الجرموق والجورب (من أصابعه إلى ساقه دون أسفله وعقبه) هذا جاءت فيه النصوص حينئذٍ الذي يمسح من الخف هو الظاهر يعني من أصابعه إلى أسفل ساقه (بأصابعه) مفرجة وأما العقب فلا يمسح وكذلك أسفل الخف لا يمسح وإنما الذي يمسح هو الظاهر فإن مسح الظاهر مع العقب والأسفل نقول أجزأه وإن كان مخالفاً للنص فإن مسح العقب والأسفل دون الظاهر لم يجزئه ولا يصح المسح ألبته؛ لماذا؟ لأنه منهي عنه وكل منهي عنه في عبادة أفسدها فإذا كان كذلك يصدق عليه النص نطقاً (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا قد خالف النص ولذلك قال علي رضي الله تعالى عنه [لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه) فدل على أنه لا يمسح إذاً يمسح أكثر (ظاهر قدم الخف) وما في حكمه (من أصابعه) يعني أصابع رجليه (إلى ساقه) يمسح رجله اليمنى بيديه اليمنى ورجله اليسرى بيده اليسرى ويفرج أصابعه إذا مسح هذا هو السنة وكيف مسح أجزأ قال الحسن [خطوطاً بالأصابع] هذا المسح خطوطاً بالأصابع، ووضع الثوري أصابعه على مقدم خفيه وفرج بينهما ثم مسح إلى أصل الساق هذا وهو السنة في صفة المسح، ولذلك قال (دون أسفله) أي أسفل الخف (وعقبه) وهو مؤخر القدم فلا يسن مسحهما، (وعلى جميع الجبيرة) وهذا إذا قلنا بالمسح وأما إذا قلنا بالتيمم فأمره واضح [ويمسح وجوباً على جميع الجبيرة لما تقدم من حديث صاحب الشجة لأنها عزيمة] الجبيرة عزيمة وليست برخصة حينئذٍ يرجع فيه إلى الأصل، ثم قال (ومتى ظهر بعض محل الفرض بعد الحدث أو تمت مدته استأنف الطهارة) هذا ما يسمى بنواقض المسح على الخفين ولا شك أنه داخل في مفهوم الوضوء فكل ما

نقض الطهارة دون مسح نقض المسح أليس كذلك؟ يعني لو مسح على خفيه ثم بال انتقض المسح أو لا؟ انتقض المسح؛ فكل ما ينقض الوضوء ينقض المسح على الخفين وما في حكمه ويزاد على ذلك عند المصنف مسألتان: المسألة الأولى: متى ظهر بعض محل الفرض ممن مسح بعد الحدث أما قبله فلا يضر بخرق الخف أو خروج بعض القدم إلى ساق الخف أو ظهر بعض رأس وفحش أو زالت جبيرة استأنف الطهارة؛ لماذا؟ لأن ما ظهر فرضه الغسل وما ستر فرضه المسح ولا يجتمعان لأن هذا بدل وهذا مبدل عنه فلا يجتمعان إما غسل وإما مسح فإذا ظهر بعض محل الفرض رجعنا إلى الأصل وهذا بعد الحدث وأما قبل الحدث فلا يضر بل لو خلع الخف ولبسه مرة أخرى لا يضره لماذا؟ لأنه يكون قد لبسه المرة الثاني بعد كمال الطهارة فلا اعتراض وأما إذا أحدث ثم ظهر بعض محل الفرض كشفه عمداً أو خلع خفه قالوا بطلت طهارته لماذا؟ لأنه قد ظهر محل الفرض فوجب غسله ولا يجتمع مع المسح ثم علة أخرى وهي أن مسح الخفين يرفع الحدث وهذا وهو الصحيح أنه يرفع الحدث فإذا رفع الحدث حينئذٍ إذا زال الخف رجع الحدث إلى القدمين وإذا رجع الحدث إلى القدمين الحدث لا يتبعض فيسري إلى البدن كله حينئذٍ بطلت طهارته (أو تمت مدته) أي مدة المسح فحينئذٍ يستأنف الطهارة ولو كان في صلاة لماذا؟ قال لأن المسح أقيم مقام الغسل فإذا زال أو انقضت مدته بطلت الطهارة في الممسوح ووجب غسله لزوال حكم البدل كالمتيمم يجد الماء إذا تمت مدت الطهارة وهي يوم وليلة وهو باقي على طهارته ولم يحدث هل له أن يصلي بهذا الوضوء الذي مسح فيه على الخفين وانتهت مدته أو لا؟ هذا مبني على الخلاف هل زالت طهارته بانتهاء المدة أو لا؟ المذهب نعم لماذا؟ لأنه حكم مقيد بوقت وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يعتبر رفعاً للحدث إلا في المدة فإذا انتهت المدة رجعنا إلى الأصل فلما انتهت المسح على الخفين وصفت القدمان بالحدث فسر إلى البدن كله حينئذٍ هاتان المسألتان مبنيتان على علة واحدة وهي هل مسح الخفين يرفع الحدث مطلقاً أو أنه مؤقت؟ الصواب أنه مطلقاً وإذا كان كذلك إذا انتقضت طهارته الأمر واضح إذا لم تنتقض طهارته ثبتت بدليل شرعي فلا يعدل إلى بطلانها إلى بدليل شرعي، ولذلك الصواب في المسألتين أنه لا يستأنف الطهارة بل هو باقي على طهارته لماذا؟ لأن الطهارة ثبتت بدليل شرعي وإذا ثبت بدليل شرعي لا ترفع إلا بدليل شرعي وليس عندنا إلا اجتهاد وهذا الاجتهاد محل نظر يعني العلة المذكورة فيها شيء من النظر والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

9

عناصر الدرس * باب: نواقض الوضوء، وفيه: * الناقض الأول: "ينقض ما خرج من سبيل"، ودليل المسألة. * الناقض الثاني: "وخارج من بقية البدن"، وضابطه، ودليل المسألة. * الناقض الثالث: "وزوال العاقل"، ودليل المسألة، وما استثنى منها. * الناقض الرابع: "ومس ذكر متصل"، ودليل المسألة. * الناقض الخامس: "ومسه امرأة بشهوة أو تمسه بها"، ودليل المسألة، والراجح فيها. * الناقض السادس: "وينقض غسل ميت"، ودليل المسألة، والراجح فيها. * الناقض السابع: "وأكل اللحم خاصة من الجزور"، ودليل المسألة، والراجح فيها. * الناقض الثامن: "وكل ما أوجب غسلا أوجب وضوءً"، ودليل المسألة، والراجح فيها. * مسائل في الشك في الطهارة. * ما يحرم على المحدث. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد قال المصنف رحمه الله تعالى (باب نواقض الوضوء) بعد ما بين لنا ما يتعلق بالطهارة الصغرى وهي أركان الوضوء وصفة الوضوء وما يتعلق بذلك من المسح على الخفين بين لنا أن هذه الطهارة الصغرى لها نواقض يعني مفسدات وإذا وجد ناقض منها حينئذٍ حكمنا على الشخص المتطهر بأنه قد خرج عن وصفه بكونه متطهراً إلى نقيضه وهو الحدث وليعلم بأن الأصل في هذا الباب هو التوقيف بمعنى أنه من صحت طهارته لا يحكم على وضوئه بالنقض أو بأنه محدث إلا بنص إلا بدليل ولذلك إذا لم يكن نص حينئذٍ رجعنا إلى الأصل أن هذا الناقض المدعى ليس بناقض وإذا وجد الاحتمال في الدليل فنرجع إلى الأصل وهو اليقين وهو الطهارة حينئذٍ لا نحكم على طهارته بالناقض وهكذا، وهذا الأصل الذي ينبغي اعتباره في الباب وغيره من النواقض والمبطلات فما لم ينقضه الشارع حكمنا على الأصل بكونه باقياً على طهارته وإذا وقع نزاع بين أهل العلم ولم يتبين راجح من مرجوح حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو الحكم بالطهارة (باب نواقض الوضوء) نواقض جمع ناقض قال [أي مفسداته] يعني فسر النواقض بالمفسدات كما أنها تفسر المبطلات لأنه في الأصل من نقضت الشيء إذا أفسدته ونواقض الوضوء مفسدات الوضوء يعني مبطلات الفائدة منه حينئذٍ لا يترتب عليه صحت الصلاة ولا جواز المسح ولا جواز مس المصحف ولا الطواف ولا غير ذلك مما يترتب على الطهارة الصغرى ونواقض الوضوء أحداث وأسباب بمعنى أن الشارع جعل هذا الشيء حدثاً بنفسه كخروج الغائط مثلاً البول والريح أو سبباً بمعنى أنه إن وجد هذا الشيء فهو مظنة لو وجود الحدث كالنوم مثلاً أو اللمس فهو مظنة لوجود أو خروج الريح ونحوها حينئذٍ أحداث وأسباب؛ أحداث بكون الشارع حكم بأن هذا الفعل حدث بنفسه كخروج البول والغائط والريح، البول حدث بنفسه ناقض، وأما النوم فليس حدث بنفسه ولكنه مظنة بمعنى أنه يظن أن يخرج منه ريح وهو لا يشعر حينئذٍ ليس بحدث في نفسه وإنما هو سبب لأنه مظنة للحدث، فالأحداث ما نقض الوضوء بنفسه والأسباب ما كان مظنة لخروجه كالنوم واللمس، قال [وهي ثمانية] الشارح عد المصنف رحمه الله تعالى ثمانية من نواقض الوضوء وبعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه يعني ما هو مجمع عليه بين أهل العلم فالغائط والبول ونحوها ستة أمور وبعضها مختلف فيه هل ناقض أو لا؟ والحجة هنا هي الاستقراء والتتبع للنصوص الشارع قال (ينقض ما خرج من سبيل) (ينقض) أي يُفْسِد ويُبْطل لأن النقض بمعنى الإفساد والإبطال (يَنْقُض) يعني ينقض الوضوء والشارح هنا جعله هنا متعدي بنفسه ينقض الوضوء (ما خرج) ما هذا فاعل بقوله (ينقض) أليس كذلك؟ ينقض فعل مضارع وما اسم موصول بمعنى الذي وهو فاعل (ينقض) ماذا؟ ينقض الوضوء قدر الشارح هنا المفعول المحذوف إذاً يفسد ويبطل وينقض (ما خرج من سبيل) وهو المعبر عنه بالخارج من سبيل والسبيل المراد به هنا الطريق وخص بمخرج البول أو الغائط يعني القبل والدبر فكل ما خرج من سبيل يعني من مخرج البول فهو ناقض فكل ما خرج من سبيل وهو مخرج

للغائط فهو ناقض بقطع النظر بكونه نجساً أو لا معتاداً أو لا عمداً أو لا مطلقاً فكل ما خرج من هذين المخرجين فهو ناقض إذاً الخارج من السبيل يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وعندهم الخارج من السبيلين ضربان: معتاد ونادر، معتاد يعني يكثر وقوعه ويشترك فيه جمهور الناس وأما النادر فهذا لا يكثر وقوعه وإنما يقع من بعض دون بعض، المعتاد ستة أمور: وهي البول، والغائط، والمني، والمذي، والودي، والريح؛ هذه ستة ولكلها تنقض الوضوء بالإجماع لا خلاف بين أهل العلم أن هذه الستة تعتبر ناقضة للوضوء البول والغائط والمني والمذي والودي والريح، النوع الثاني وهو النادر: كالدم الدم هذا خروجه من الدبر أو القبل ليس يشترك فيه كل الناس وإنما هو على جهة المرض مثلاً فهذا يكون في بعض دون بعض إذاً يعبر بكونه نادراً؛ كالدم، والدود، والحصى، والشعر، فينقض الوضوء أيضاً لكنه مختلف فيه ليس متفق عليه والصحيح أنه يعتبر ناقضاً لماذا؟ لأنه خارج من السبيل أشبه المذي والمذي قد جاء فيه النص ولأنه لا يخلو من بِلة تتعلق به والأصل في هذه البلة أنها نجسة حينئذٍ خرج منه شيء نجس فينتقض الوضوء بها قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ولا شك أن دمها نادر غير معتاد لأنها مريضة المستحاضة ليس شأن النساء كلهن أنها مستحاضة وإنما هي قليل في النساء وأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء لكل صلاة فدل ذلك على أن هذا الدم الخارج ناقض ويحمل عليه قياساً كل نادر بنفي الفارق بين النوعين، (ينقض ما) اسم موصول بمعنى الذي فهو عام (ما خرج) يشمل كل خارج قليلاً كان أو كثيراً معتاداً أو غير معتاد طاهراً كالمني أو نجس مطلقاً كل ما خرج من السبيلين فيعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء لكن قيد بعضهم قوله (ما خرج من سبيل) على وجه الصحة بمعنى أن من كان حدثه دائم هذا خرج منه لكنه لا على وجه الصحة هذا مستثنى ولذلك قالوا إلا من حدثه دائم فلا يبطل وضوؤه بالحدث للحرج والمشقة وهذا أمر مستثنى ويذكره الفقهاء في مثل هذا الموضع، إذاً (ما خرج من سبيل) يعني من قبل أو دبر فهو نوعان: معتاد وغير معتاد، أما الغائط فهذا ناقض بنص الكتاب والسنة والإجماع أما النص فقوله تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) هذا نص في الغائط دل على أنه ناقض من نواقض الوضوء وقال عليه الصلاة والسلام (ولكن من غائط أو بول) كما في حديث صفوان فدل على أن البول والغائط كل منهما ناقض فثبت النقض بالغائط بالكتاب والسنة وكذلك الإجماع إجماع العلماء وثبت النقض بالبول بالسنة والإجماع وأما الكتاب فلم يرد فيه نص وإنما جاء في السنة كما حديث صفوان (ولكن من غائط أو بول) فثبت البول بالسنة وكذا بالإجماع والقياس على الغائط ولا نحتاج إلى القياس ولكن يذكره الفقهاء، قال النووي رحمه الله تعالى [وأما البول فبالسنة المستفيضة والإجماع والقياس على الغائط] وكذا المذي هذا ثابت بالأحاديث الصحيحة كما جاء في حديث (يغسل ذكره ويتوضأ) فبين أن الوضوء مركب على خروج المذي وحكا الإجماع على النقض به وبالمني والودي بن المنذر والموفق وغيرهما، قال بن المنذر [لست أعلم في وجوب الوضوء منه اختلافاً بين أهل العلم] قاله في

المذي [لست أعلم في وجوب الوضوء اختلافاً بين أهل العلم] وإنما الخلاف هل يغسل ذكره كله مع الأنثيين أم يكتفا بالذكر دون الأنثيين؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم وأما الغسل هذا متفق عليه، وقال بن تيمية في المذي [ينقض ويغسل ذكره وأنثييه]، إذاً ما خرج وهو معتاد فهو ناقض بإجماع أهل العلم، قال بن المنذر [أجمع أهل العلم على أن خروج الخارج حدث ينقض الوضوء] وأما غير المعتاد النادر هذا ليس فيه نص إلا ما جاء في دم المستحاضة وقيس عليه غيره ففي قول عامة أهل العلم أن دم الاستحاضة يعتبر ناقض من نواقض الوضوء لحديث بنت أبي حبيش كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم (فتوضئ) أمرها بالوضوء (فتوضئ وصلي فإنما هو دم عرق) فأمرها بالوضوء ودمها غير معتاد وقيس عليه ما سواه وهذا واضح بين، وأما الريح ففي الأحاديث الصحيحة والإجماع يعني الريح أنه ناقض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) وهذا حدث وقال (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) (لا ينصرف) يعني فإن سمع أو وجد ريحاً فلينصرف فيترتب عليه الوضوء، قال بن القيم رحمه الله تعالى [وألحقت الأمة أنواع الحدث الأصغر على اختلافها في نقضها بها بالغائط] هذا محل وفاق إذاً الريح الصحيح أنه إجماع أنها ناقضة بنفسها ولذلك قال بن المنذر [أجمع أهل العلم على أن الخروج الريح من الدبر حدث ينقض الوضوء] وقال بن حزم رحمه الله تعالى [والريح من الدبر خاصة لا من غيره بصوت خرجت أو بغير صوت وهذا أيضاً إجماع متيقن] إذاً ما خرج من سبيل سواء كان نادراً أو معتاداً سواء نجساً أو طاهراً سواء كان كثيراً أو قليلاً عامداً أو لا جاهلاً أو عالماً فهو ناقض للوضوء بدون استثناء ولذلك المصنف هنا رحمه الله تعالى قال (ينقض ما خرج) ما اسم موصول بمعنى الذي فيعم، الثاني من النواقض الثمانية أشار إليه بقوله رحمه الله تعالى (وخارج من بقية البدن إن كان بولاً أو غائطاً أو كثيراً نجساً غيرهما) ما يخرج من البدن إما أن يكون من السبيلين أو لا؛ إن كان من السبيلين مضى في الناقض الأول وإن لم يكن من السبيلين مخرج البول والغائط حينئذٍ إما أن يكون بولاً أو غائطاً أو لا؛ فإن كان بولاً أو غائطاً وخرج من غير السبيلين فهو ناقض مطلقاً بدون استفصال وبدون تفصيل بمعنى أنه ناقضاً سواء كان قليلاً أو كثيراً فلذلك قال (خارج) هذا معطوف على (ما) يعني ينقض خارج (من بقية البدن) سوى السبيلين لأن ما بتعلق بالسبيلين مضى في الناقض الأول قيده بقوله (إن كان بولاً أو غائطاً) نقض ولو كان قليلاً أو كثيراً؛ لماذا؟ لأنه نجاسة خارجة من البدن والقول بأن بكونه قليلاً أو كثيراً نقول لعموم الأدلة وجمعاً بين الأخبار والنصوص وقد جاء قوله تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) ورتب عليه الوضوء ولم يستفصل هنا ولم يفصل (أو جاء أحد منكم من الغائط) سواء تغوط من المكان المعتاد وهو السبيل أو لا؛ فعم النص فدل ذلك على أن خروج الغائط مطلقاً يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء؛ وكذلك جاء قوله عليه الصلاة والسلام (ولكن من غائط وبول) يعني الغائط خروجه من البدن سواء كان من مكانه المعتاد أو لا؛ يعتبر ناقضاً

من نواقض الوضوء، إذاً لعموم الأدلة تدل على أن خروج البول والغائط من البدن مطلقاً بدون استفصال ولا تفصيل يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وهذا أمر واضح بين، إذاً لعموم الأدلة قوله صلى الله عليه وسلم (ولكن من غائط وبول) وقوله تعالى قبل ذلك (أو جاء أحد منكم من الغائط) ولأن ذلك خارج معتاد أشبه الخارج من المخرج يعني مثله ما الفرق بينهما؟ لا فرق بينهما حينئذٍ لما خرج البول أو الغائط من موضعه المعتاد ومثله لو خرج من غير موضعه المعتاد الحكم واحد تعلق عليه النقض دون تفصيل (إن كان بولاً أو غائطاً) قليلاً كان أو كثيراً سواء كان من تحت المعدة الفتحة التي فتحت أو فوقها على الصحيح مطلقاً وإن فصل بعضهم والصواب أنه مطلق لأنها قد تفتح للإنسان فتحة إما فوق المعدة أو تحتها من أجل إخراج هذه الفضلات على العموم لعموم النصوص يحمل على النوعين سواء فتحة فتحت تحت المعدة أو فوقه فالحكم واحد وسواء كان السبيلان مفتوحين أو مسدودين لأن النصوص عامة لم يستفصل أو يفصل الرب جل وعلا فقوله تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) وكذلك النص النبوي فيحمل على عمومه، إذاً القاعد أن البول والغائط متى ما خرجا من البدن مطلقاً قل أو كثر من موضعه المعتاد أو لا؛ يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء إذاً ما كان خارجاً من غير السبيلين وكان بولاً أو غائطاً عرفنا الحكم، ما لم يكن بولاً أو غائطاً؛ إما أن يكون طاهراً أو يكون نجساً؛ فإن كان طاهراً سواء قل أو كثر لا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء فخروج الطاهر من البدن لا يعتبر ناقضاً بخلاف خروج الطاهر من السبيلين يعتبر ناقضاً اليسير من الطاهر الذي يخرج من البدن من غير السبيلين كالبصاق مثلاً والمخاط والدمع نقول هذا يعتبر ماذا؟ الحكم أنه طاهراً وهو يسير؛ هل يعتبر ناقضاً؟ الجواب لا يعتبر ناقضاً، الطاهر الكثير إذا خرج من البدن كالعرق مثلاً قد يعرق الإنسان ويكون عرقه كثيراً؛ هل يعتبر ناقضاً؟ الجواب لا، إذاً ما خرج من سوى السبيلين وكان طاهراً سواء كان يسيراً أو كثيراً لا يعتبر ناقضاً، ما يقابل الطاهر النجس؛ هل خروج النجس من سائر البدن غير السبيلين يعتبر ناقضاً أو لا؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم فليس من المسائل المتفق عليها المصنف وهو المذهب اختار إن كان كثيراً نجساً نقض، إن كان كثيراً يقابله اليسير حينئذٍ اليسير النجس إذا خرج من غير السبيلين ولم يكن بولاً ولا غائطاً لا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء قوله (نجساً) أفاد أنه إن كان كثيراً طاهراً لم يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وهو كذلك (أو كان كثيراً) يعني كان الخارج من غير السبيلين (كثيراً) هذا قيد أول لأن له محترز إن كان يسيراً فلا يعتبر ناقضاً (نجساً) كالدم مثلاً أو القيء هذا يعتبر نجساً على المذهب وهذا قد يكون كثيراً وقد يكون قليلاً خروج الدم قد يكون كثيراً وقد يكون كثيراً كذلك القيء نجس على المذهب وقد يكون كثيراً وقد يكون قليلاً إذاً له مفهوم وهو مفهوم مخالفة (كثيراً نجساً غيرهما) يعني غير البول والغائط؛ ما الدليل على ذلك على أن النجس الخارج من البدن من غير السبيلين يعتبر ناقضاً؟ قالوا لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة (أنه دم

عرق فتوضئ لكل صلاة) (أنه) أي الخارج (دم عرق فتوضئ لكل صلاة) أمرها النبي صلى الله عليه وسلم هنا بالوضوء وعلل بـ (أنه دم عرق فتوضئ) علل إيجاب الوضوء بكونه دم عرق حينئذٍ كل ما وجدت العلة وجد الحكم لأن الدم الذي يخرج من سائر البدن كله دم عرق حينئذٍ كل ما وجد دم العرق وجب الوضوء هذا وجه الاستدلال من النص وأما كون القليل من ذلك لا ينقض فلمفهوم قول بن عباس في الدم رضي الله تعالى عنهما (إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة) مفهوم كلامه إذا لم يكن فاحشاً فليس عليه الإعادة لصحة صلاته لكون وضوئه لم ينتقض إذاً ثَمَّ نص لكون الخارج يعتبر ناقضاً وهو حديث فاطمة السابق (إنه دم عرق) والذي يخرج من اليد دم عرق والذي يخرج من الرأس دم عرق وهكذا فكل ما خرج الدم من البدن من غير السبيلين فهو دم عرق إذاً لما علل النبي صلى الله عليه وسلم دم الاستحاضة لكونه دم عرق ورتب عليه إيجاب الوضوء إذاً لو خرج من رأسه فهو دم عرق كذلك يجب فيه الوضوء فيعتبر ناقضاً وأما كونه كثيراً فلقول بن عباس (إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة) ولأنه نجاسة خارجة من البدن أشبه الخارج من السبيل والفاحش الذي عبر عنه المصنف هنا بقول (كثيراً) وهو ما عبر عنه بن عباس بقوله (إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة) إذا لم يكن كثيراً بأن كان قليلاً لا يعتبر ناقضاً حينئذٍ يرد التفريق بين النوعين؛ متى نحكم على الدم بكونه يسيراً ومتى نحكم على الدم بكون كثيراً؟ قالوا [ما فحش في النفس] يعني نفس كل أحد بحسبه إن حكم الإنسان المعتدل ليس المفرط ولا الموسوس بكون هذا الدم قليلاً فهو قليل برؤيته هو بعرفه وإذا حكم عليه بكونه كثيراً حكم عليه بكونه كثيراً واضح هذا حينئذٍ يرجع إلى الشخص نفسه وينظر فيه لكن بشرط أن يكون معتدلاً هذا المذهب وهو المرجح عندهم وثَمَّ رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن خروج النجاسة من بقية البدن لا ينقض مطلقاً لا يعتبر ناقضاً ما عدا البول والغائط يعني ما ذكره النوع الثاني (أو كان كثيراً نجساً غيرهما) ثَمَّ رواية عن الإمام أحمد أنه لا يعتبر ناقضاً؛ لماذا؟ لكون لا نص فيه هذا أولاً، ثانياً لا يصح قياسه على السبيلين قوله صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة (أنه دم عرق فتوضئ) هذا مركب من شيئين كونه دم عرق وكونه خارج من السبيل حينئذٍ وجود إحدى جزئي العلة لا يستلزم الحكم مطلقاً بمعنى أن العلة هنا مركبة وهي كونه أن دم عرق وكونه خارجاً من السبيل فإذا وجد بهذا القيد حكمنا عليه بكونه ناقضاً وأما كونه دماً فقط لكونه دم عرق ولم يكن خارج من السبيلين نقول هذا وجد فيه جزء العلة ولم توجد فيه العلة كاملة وإذا كان كذلك فلا يتبعه الحكم ألبته وإذا كان كذلك رجعنا إلى الأصل وهو صحت الطهارة وعدم وجود نص يعتمد عليه فالحكم بكون كثير الدم النجس أو قليله مطلقاً يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وهذا هو المرجح والله أعلم، إذاً (أو كان كثيراً نجساً غيرهما) هذا محل نظر والصحيح أنه لا يعتبر ناقضاً، قال البغوي [وهو قول أكثر الصحابة والتابعين] أنه لا يعتبر ناقضاً وروي عن جابر في الذين يحرسان في غزوة ذات الرقاع (فرمي أحدهما بسهم فنزعه ثم بآخر ثم بالثالث وركع وسجد

ودماؤه تجري) رواه أبو داود بسند حسن، ولما روي عن الصحابة فإن بن عمر رضي الله تعالى عنهما (عصر بكرة فخرج دم وصلى ولم يتوضأ) ثَمَّ ما ورد عن الصحابة أنهم صلوا بدمائه في الحروب والمعارك ونحو ذلك وهذا يدل على النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بإعادة الوضوء مع أن الأصل عدم النقض حتى يثبت الشرع ولذلك النووي رحمه الله تعالى [لم يثبت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب الوضوء من ذلك] وقال مالك [الأمر عندنا] إذاً الصحيح أنه لا يعتبر ناقضاً نواقض الوضوء فمن توضأ وتقيء قل أو كثر لم ينتقض وضوؤه لماذا؟ على الصحيح لأنه لا يوجد دليل واضح بين على النقض، وعلى المذهب إن كان كثيراً تقيء قيئاً كثيراً وجبت عليه إعادة الوضوء وإذا كان يسيراً حينئذٍ لا يلزمه الوضوء، كذلك لو خرج دم من يديه ينظر فيه إن كان يسيراً على المذهب لا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وإن كان كثيراً فحش في نفسه حينئذٍ يعد ناقضاً من نواقض الوضوء وعلى الصحيح قل أو كثر لا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء لعدم الدليل الصحيح الذي اعتمد عليه، (وزوال العقل) هذا الثالث من نواقض الوضوء (وزوال العقل) قال الشارح [أو تغطيته] لماذا؟ لأن زوال العقل على ضربين على نوعين: نوم وغيره الكلام هنا إما في النوم وإما في غير النوم فأما غير النوم وهو الجنون والإغماء والسكر وما أشيه من الأدوية المزيلة للعقل فهذا ينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعاً الذي يزول معه العقل بالكلية أو يغيب معه العقل بالكلية هذا دون تفصيل سواء كان يسيراً أو كثيراً يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء، فمن توضأ فجن نقول انتقض وضوؤه، من توضأ وسكر ولا يدر ما يفعل وما يقول نقول نقض وضوؤه بالإجماع، من توضأ فأغمي عليه نقول انتقض وضوؤه بالإجماع؛ لماذا؟ لكونه فاقداً لعقله ويصدق عليه قوله (زوال العقل) ويحمل على أنه بالكلية، قال بن المنذر [أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه] لأن هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم سيأتي أن النائم إن كان إذا يشعر بنفسه انتقض وضوؤه؛ لماذا؟ لأن النوم مظنة يعني يظن محل بأن يخرج منه ريح ولا يدري إذاً علقنا الحكم على النوم فإذا فقد إحساسه وإدراكه وهو نائم حينئذٍ نعين عليه إعادة الوضوء يعني يعتبر ناقضاً فمن باب أولى وأحرى المجنون والسكران والمغمى عليه لأنهم أشد لفقد حواسهم من النائم فلما جاء حديث صفوان (ولكن من غائط وبول ونوم) دل على أن النوم يعتبر ناقضاً لكن على التفصيل الآتي أولى منه بناء على نفي الفارق المجنون لأن النائم إذا كان فاقد الإحساس المجنون من باب أولى وأحرى وكذلك السكران وكذلك المغمى عليه إذاً هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم بدليل أنهم لا ينتبهون بالانتباه لو نبهه ما انتبه بخلاف النائم لو أيقظه في الغالب أنه ينتبه، ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوبه لما هو آكد منه، إذاً هذا الضرب الأول وهو غير النوم وهو محل وفاق وهناك خلاف عند أهل العلم في قضاء الصلوات على المغمى عليه وليس في إيجاب الوضوء انتبه لا تلبس عليك المسألة ثَمَّ خلاف هل يقضي أو لا يقضي؟ المذهب ثلاثة أيام فما دون وبعضهم يرى خمسة أيام إلى آخره فثَمَّ خلاف بين أهل العلم لكن

إيجاب الوضوء محل وفاق والصحيح في باب الصلاة أنه لا يقضي فلو دخل الوقت وخرج وهو مغمى عليه الصحيح أنه لا يقضي لماذا؟ لأنه غير مكلف لأن شرطي التكليف العقل وفهم الخطاب وهذا لم يفهم انتفى عنده الثاني وإن كان العقل موجود باعتبار الأصل لكنه لم يفهم فدل ذلك على أنه سقط عنه التكليف فهو غير مكلف وأما نقض الوضوء بالإغماء فهذا محل وفاق، وفرق بين المغمى عليه والذي يتعاط البنج - البنج هذا مسألة آخري ليس كالمغمى عليه - بل حكمه أنه يقضي وأنه يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء، إذاً الأول غير النوم الثاني النوم، قال (زوال العقل) أي بالكلية أو تغطيته، قال أبو الخطاب وغيره [ولو تلجم ولم يخرج منه شيء إلحاق بالغائط] بمعنى أنه لو تلجم يعني غطا فرجه دبره من أجل أن لا خرج ريح ونام أو سكر ثم بعد ذلك بعد أن توضأ بعد ذلك هل هو باقي على طهارته أو لا؟ نقول لا؛ انتقض وضوؤه؛ لماذا؟ لأن هذه تعتبر أسباباً رتب عليها الشارع النقض ولو تعاط المتعاطي ما لو يمنع خروج الريح فنرجع إلى الأصل إذاً زوال العقل والأصل فيه حديث صفوان (ولكن من غائط وبول ونوم) رواه أحمد والشافعي والترمذي وصححه وقال نووي بأسانيد صحيحة وما ذكر من الجنون وغيره أبلغ من النوم الذي هو مظنة لخروج شيء من الدبر والمظنة للحدث أقيمة مقامه، قال (إلا يسير نوم من قاعد أو قائم) هذا يتعلق بالنوم النوم الكثير داخل في قوله (زوال العقل) فشمل النوعين النوم وغير النوم لكن يستثنى حالة واحدة من النوم لا تعتبر ناقضاً على المذهب وهي (يسير نوم) يسير يقابله كثير (يسير نوم من قاعد أو قائم) يقابله يسير نوم من مضطجع أو مستلق أو متكئ هذا حكمه يختلف فهو داخل فيما سبق وإنما استثنى حالة واحدة مركبة من وصفين أولاً يسير النوم ثانياً كل نوم يسير لا يعتبر ناقضاً؟ قال لا؛ النوم اليسير يعتبر ناقضاً فيما إذا لم يكن واحد من هذين الشخصين القاعد والقائم فالمضطجع نومه مطلقاً يسيراً كان أو كثيراً فهو ناقض والمتكئ والمستلقي هذا نومه مطلقاً سواء كان يسيراً أو كثيراً يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء إذاً (إلا يسير) يعني لا كثير والفرق بينهما بين الكثير واليسير يرجع إلى العرف على المذهب يرجع إلى العرف فما عد يسيراً في عرف المعتدل لا الموسوس ولا المفرط فهو يسير وما عد كثيراً فهو كثير، (إلا يسير نوم) هذا استثني اليسير واعتبر خارج من قول المصنف (زوال العقل) لحديث أنس مع كون النص حديث صفوان عام (ولكن من غائط وبول ونوم) هنا لم يستفصل عمم كون النوم ناقضاً من نواقض الوضوء حينئذٍ يحتاج إلى دليل يعتبر مخصصاً أو مقيداً للنص العام بكون اليسير لا يعتبر ناقضاً أوردوا حديث أنس وفيه حتى (تخفق رؤوسهم) (كانوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون) والحديث في الصحيح إذاً تخفق رؤوسهم وهم قائمون أو جالسون إذاً قاعدون وهم قاعدون والقعود والجلوس بمعنى واحد إذاً حتى تخفق رؤوسهم نقول هذا في اليسير ثم هو في القاعد دون غيره فهو في اليسير متيقن وفي الكثير محتمل يحتمل أنه تخفق رؤوسهم أنه في النوم الكثير لكن المتيقن اليسير فيحمل عليه النص ودلت

الأحاديث على النقض مطلقاً كما في حديث صفوان السابق فنحملها على الكثير في العموم ولأن نقض الوضوء بالنوم معلل بإفضائه إلى الحدث والكثير لا شك أنه أشد في الاحتمال من اليسير والقائم بمعنى القاعد لانضمام الدبر بمعنى أن القاعد يعني مع وجود مظنة خروج الريح إلا أنه مع يسير النوم وكونه قد وضع مقعدته على الأرض حينئذٍ خروج الريح من الدبر هذا فيه شيء من البعد كأنه متكئ على دبره فأغلقه لأن لا يخرج منه شيء وكذلك القائم لكونه منطبقاً بإليتيه على دبره كأنه أغلقها حينئذٍ الاحتمال وإن كان موجوداً إلا أنه فيه شيء من البعد فاستثني هاتان الحالتان وفيه نص كذلك وهو حديث بن عباس (فقمت إلى جنبه الأيسر فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني) متفق عليه وهذا دل على أنه كان قائم في الصلاة، إغفاء والإغفاء عند كثير من أهل العلم هو جزء من النوم، إذاً المذهب أن النوم الأصل فيه أنه ناقض من نواقض الوضوء ويستثنى حالة واحدة وهي مركبة من شقين ما كان فيه النوم يسيراً وضبط هنا يكون للعرف بشرط أن يكون هذا اليسير وهو الضابط الثاني من قاعد أو قائم، ويعتبر حديث أنس (حتى تخفق رؤوسهم) مقيد لحديث صفوان وهو (ولكن من غائط وبول ونوم) (ونوم) هنا جاء مطلقاً ولكن يخص بحديث أنس هكذا قال المصنف رحمه الله تعالى، والصحيح أن النوم يعتبر ناقضاً في الجملة والمرد في ذلك بين كونه ناقضاً أو لا؛ إلى إدراك الحس بمعنى أن جعلنا النوم مظنة لو كان حدث بنفسه لقلنا مطلقاً هو ناقض كالريح والبول والغائط لكن جعلناه ماذا؟ جعلناه سبباً إذاً هو في نفسه ليس بناقض أولاً مادام أنه ليس في نفسه ناقضاً وإنما جعلناه مظنة للنقض فحينئذٍ ننظر إلى الإدراك وعدمه متى ما شعر بنفسه أنه لو خرج منه ريح لانتبه فليس بناقض قل أو كثر ومتى ما فقد ذلك فهو ناقض قل أو كثر لأن الناس يختلفون في قضية النوم ليست النسبة واحدة بين كل أحد فاليسير عند بعضهم قد يكون كثيراً عند آخر؛ منذ أن يغمض عينه فإذا به يذهب في الأحلام والرؤى ومتى ما رأى عند أهل العلم فهو كثير وليس يسير حينئذٍ نرده إلى إدراك الحس فمتى ما كان الإدراك إدراك خروج حس يشعر بنفسه معه باقي نقول هذا النوم ليس بناقض؛ لماذا؟ لأن علقنا الحكم هنا بالمظنة فارتفاع المظنة هنا مدرك بحسه وإذا لم يكن كذلك فجعلناه ناقضاً ولذلك إذا لم يكن مدرك لما يقول يدل على ذلك حديث (العين وكاء السهي فمن نام فليتوضأ) هذا تعليل واضح بين (العين) (وكاء السه) وكاء بكسر الواو الخيط تربط به القربة ونحوها والسهي المراد به الدبر وهو كناية على أن العين إذا كانت مفتوحة فالسه أو السهي يكون مربوطاً وإذا ذهبت العينان حينئذٍ السهي ينطلق واضح هذا وهذا إنما يكون مرده إلى الحس، إذاً النوم فيه تفصيل لا من حيث اليسير أو قاعد أو قائم وإنما من حيث الإدراك والشعور فمتى ما شعر أنه لم يخرج منه شيء فالأصل بقاء الطهارة ولا نحكم بنقض الوضوء وإذا شعر حينئذٍ حكمنا بنقض الوضوء، (مس ذكر متصل أو قبل بظهر كفه أو بطنه) هذا الناقض الرابع وهو مس الذكر ومس الذكر على المذهب وهو الصحيح أنه يعتبر من النواقض نواقض الوضوء (ومس الذكر) [نقض مطلقاً] يعني سواء ذكر نفسه أو غيره

سواء كان الغير صغيراً أو كبيراً حياً أو ميتاً مسه لشهوة أو لا؛ سهواً أو عمداً سواء كان الذكر صحيحاً أو أشل مطلقاً فالحكم عام (من مس ذكره فليتوضأ) سواء مس ذكر نفسه أو غيره والغير سواء كان حياً أو ميتاً صغيراً أو كبيراً عامداً أو غير متعمد سواء كان صحيحاً أو أشل نقول هذا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء لعموم النص (من مس ذكره فليتوضأ)، (مس ذكر) (مس) المماسة إنما تكون من غير حائل وهو الصحيح لأن النص علق على وصف (من مس) فالذي يمس ذكره بثوب لا يعتبر ماساً المماسة لا تكون إلا بشرة بشرة اللمس والمس لا يكون إلا بشرة ببشرة وأما أن يكون بينهما حائل فلا يعطى الحكم ألبته إذاً المماسة تكون من غير حائل وهو الصحيح، قال بن حزم [الماس على الثوب ليس ماساً] يعني لا يسمى مساً حتى في لسان العرب وإذا جاء كذلك في الشرع فلا يترتب عليه حكم (مس ذكر) ذكر هنا أطلقه فيشمل ذكر نفسه وذكر غيره وهو الصحيح للعموم النص (مس ذكر) آدمي وليس من حيوان فلو مس بالحيوان ذكر لا ينتقض الوضوء لأن المخاطب هنا المكلف وهم بنو آدم وأما الحيوانات فليست داخلة ألبته (مس ذكر) يعني مس ذكر من نفسه أو غيره وقيدناه بآدمي والذكر هنا يشمل الذكر الصحيح والأشل وهذا الحكم عام لعموم النص والآدمي هنا مقيد للخطاب، كذلك قوله (مس ذكر) يعم العمد وغير العمد لأن العلة متى ما وجدت تعلق الحكم بها، متى ما وجد المس انتقض الوضوء سواء كان عامداً أو لا وقيده بعضهم بالعمد وهذا محل نظر لماذا؟ لأننا جعلناه ناقضاً والنقض لا ينظر إليه إلى كونه متعمداً أو لا؛ مختاراً أو مضطراً، لأن لو قلنا هنا استثنينا غير المعتمد كالساهي إذاً لو سها فأخرج ريحاً أو لم متعمداً فأخرج ريحاً هل يعتبر ناقضاً أو لا؟ يعتبر ناقضاً فلا يفرق في النواقض كلها؟ بين العمد وغيره حينئذٍ نقول في هذا الناقض حكمه حكم غيره واستثنى من استثنى أنه إذا لم يكن عامداً لا ينقض الوضوء هذا محل نظر (متصل) بمعنى أنه في محله فلو قطع وفصل هذا لا يعتبر ناقضاً لأنه لا يسمى ذكراً وهو لحمة لا يعتبر ناقضاً أو مس محله بعد القطع لا يعتبر ناقضاً لأنه لم يمس ذكراً هذا ليس بذكر (أو قبل) يعني (أو) مس (قبل) من امرأة وهذا شأن المرأة وهو فرجها الذي بين أسكتيها بضم الهمزة أي ناحيتي الفرج وهو مخرج البول فالحكم عام كما سيأتي في النص ولذلك جاء (من مس فرجه) هذا يعم الذكر للذكر ويعم القبل للأنثى ويعم الدبر منهما لأن الفرج مأخوذ من الانفراج فهو الحكم يعتبر عاماً (مس ذكر متصل أو قبل) لقوله صلى الله عليه وسلم (من مس ذكره فليتوضأ) هذا أمر يقتضي الوجوب رواه مالك والشافعي وغيرهما وصححه أحمد والترمذي وقال البخاري هو أصح شيء في هذا الباب وصححه الدار القطني وغيره وله شواهد وطرق قيل أنها تبلغ حد التواتر، كذلك حديث (من مس فرجه - وهو رواية أخرى - فليتوضأ) (من مس فرجه) فرج مأخوذ من الانفراج وهو اسم لمخرج الحدث ويتناول الذكر والدبر وفرج المرأة، وكذلك جاء حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً (أيما رجل مس ذكره فليتوضأ) هذه صيغة عموم (وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ) رواه أحمد والترمذي قال البخاري هذا عندي صحيح، إذاً ثبتت

الأحاديث بالدلالة على أن مس الذكر يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء مطلقاً سواء كان الذكر صغيراً أو كبيراً رضيعاً أو لا فالحكم يعتبر عاماً وهذا هو الصحيح، (بظهر كفه أو بطنه) إذا علمنا أن مس الذكر يعتبر ناقضاً؛ بماذا يمسه هل إذا مسه برجله يعتبر ناقضاً أم برأسه أم بيده بذراعه أم فيه تفصيل؟ نقول الحكم جاء مقيداً بيده كما جاء في الحديث (من أفضى بيده والحكم المعلق على مطلق اليد يحمل على اليد التي يعتبر من رؤوس الأصابع إلى الكوع يعني التي تقطع في السرقة حينئذٍ يخص الحكم بهذا المحل بالمس فإن مس بذراعه لا يعتبر ناقضاً وإن مس هو ذكر نفسه بفخذيه لا يعتبر ناقضاً وهكذا الحكم لأنه مقيد باليد التي تعتبر من رؤوس الأصابع إلى الكوع كما قال مصنف هنا (بظهر كفه أو بطنه) بظهر الكف هذه من مفردات المذهب أم بطنه هذا عام يعني موجود في غير مذهب الحنابلة (بظهر كفه أو بطنه) غير الظفر فإن مسه بالظفر حينئذٍ لا يعتبر ناقضاً لأن له حكم الانفصال لو مس ذكره بنفسه بظفره هذا لا يعتبر ناقضاً لماذا؟ لأن الظفر يعتبر في حكم المنفصل وما كان كذلك لا يعطى حكم اليد وقد جاء الحكم معلق باليد [أو حرفه] الحرف الذي يعتبر من الجهة تجمع بين البطن والكف، لعموم حديث (من أفضى بيده) والإفضاء الوصول واللمس من غير حائل (من أفضى بيده إلى يده ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء) والحديث هذا صحيح وجاء كذلك في صحيح الجامع (إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ) فدل ذلك على أن الحكم مقيد باليد سواء كان بظهر الكف أو ببطنه وما عدا ذلك فالأصل غير ناقض، (ولمسهما من خنثى مشكل) الخنثى المشكل هو الذي له آلة ذكر وآلة أنثى ولم يتبين هل ذكر أم أنثى حينئذٍ (لمسهما) يعني لمس الذكر والقبل معاً في وقت واحد من خنثى مشكل يعتبر ناقضاً؛ لماذا؟ لأنه إن كان ذكراً فقد مس ذكره وإن كان أنثى فقد مس قبله وعلى الحالين يعتبر ناقضاً وينقض (لمسهما) أي لمس الذكر والقبل معاً في وقت واحد (من خنثى مشكل) سواء كان لشهوة أو لا؛ إذ أحدهما أصلي قطعاً لأنه لا يخرج إما ذكر أو أنثى فإن تبين أنه فقد مس ذكره وإن تبين أنه أنثى فقد مس قبله (ولمس ذكر ذكره) يعني وينقض أيضاً (لمس ذكر ذكره) أي ذكر الخنثى المشكل لشهوة إذا مس أحد العضوين ولم يمس النوعين لو مس الآلتين انتقض مطلقاً لشهوة أو لا، لكن إن مس ذكره لشهوة حينئذٍ انتقض مطلقاً؛ لماذا؟ لأنه إن ظهر أنه ذكر فقد مس ذكره وإن لم يتبين أنه ذكر فقد مسه لشهوة وهو ناقض من نواقض الوضوء كما سيأتي واضح، إذا مس الآلتين معاً انتقض الوضوء مطلقاً يعني بشهوة أو لا؛ لما ذكرنا، إن لم يمس الآلتين بل مس إحدى الآلتين إن مس ذكر الخنثى لشهوة حينئذٍ انتقض الوضوء؛ لماذا؟ لأنه إن تبين أنه ذكر فقد مس ذكره ومس الذكر ناقض من نواقض الوضوء، وإن لم يتبين أنه ذكر أو تبين أنه أنثى حينئذٍ لم يمس ذكره؛ لماذا؟ لم يمس قبله فينتقض الوضوء فكيف حكمنا على الوضوء بالنقض نقول للناقض الآتي وهو لمسه امرأة لشهوة وهذا يعتبر نواقض، ولذلك قال (ولمس ذكر) يعني رجل (ذكره) ذكر الخثنى لشهوة لأنه إن كان ذكراً فقد مس ذكره وإن كان امرأة فقد لمسها بشهوة فإن لم يمسه لشهوة أو مس

قبله لم ينتقض وهذا واضح، (أو أنثى قبله) أي ينقض لمس أثنى قبل الخنثى المشكل (لشهوة فيهما) يعني أثنى مست قبل خنثى مشكل انتقض الوضوء أو لا؟ وهنا مقيد بالشهوة؟ نقول انتقض الوضوء مطلقاً يعني سواء تبين أنه ذكر أو أثنى إن تبين أنه أثنى فهي أنثى مست قبل أنثى وإن لم تكن أثنى بل كان ذكراً حينئذٍ أثنى مست ذكراً لشهوة فانتقض الوضوء ولذلك قال (أو أثنى قبله لشهوة فيهما) يعني في هذه والتي قبلها؛ لماذا؟ لأنه إن كان أنثى فقد مست فرجها وإن كان ذكراً فقد لمسته لشهوة ففي هاتين الأخريتين يدخل الناقض الآتي الذي هو الخامس مع هذا الناقض وهو اعتبار الشهوة على كل هذا الناقض قليل الوقوع، قال (ومسه امرأة بشهوة) هذا الناقض الخامس (مسه) أطلقه المصنف هنا لأنه لم يقيده باليد كما قيد في السابق أو ظهر كفه أو بطنه لأن الحكم هنا عام فالمس مطلقاً سواء كان بكفه بذراعه برجله برأسه أين كان فيعتبر ناقضاً بشرطه أن يكون مساً البشرة للبشرة مسه أي الذكر وهذا عام يشمل الصغير والكبير والعاقل والجنون والحر والعبد مطلقاً كل من مس بشهوة امرأة أجنبية حينئذٍ انتقض وضوؤه (مسه امرأة بشهوة) الباء هذه للمصاحبة يعني الحكم مركب من شيئين مس مع شهوة إن وجدت الشهوة كانتشار دون مس لم ينتقض الوضوء إن وجد المس دون شهوة لم ينتقض الوضوء بل لابد من اجتماعهما معاً مس بشرة ببشرة ويكون لشهوة إن وجد المس دون شهوة لا ينتقض الوضوء إن وجدت الشهوة دون مس لا ينتقض الوضوء لأن الناقض هنا مركب من شيئين ولذلك قال (لشهوة) يعني مع شهوة ونص الشارح على أن الباء هنا للمصاحبة (ومسه امرأة بشهوة) لأنها تدعوا إلى الحدث، (أو تمسه بها) يعني ينقض مسها للرجل بشهوة فالحكم عام لأن النساء شقائق الرجال فمادام ثبت أن الرجل إذا مس امرأة بشهوة انتقض وضوؤه فالعكس بالعكس إذا مست امرأة رجل بشهوة نحكم على وضوئها بالانتقاض والدليل على ذلك قالوا جمع بين الآية والأخبار لقوله تعالى (أو لامستم النساء) وفي قراءة (أو لمستم النساء) واللمس يطلق في الشرع على الجس باليد هذا الأصل الجس باليد مماسة لكن البشرة بالبشرة ولقول عائشة رضي الله تعالى عنها اللمس قوله (أو لمستم النساء) هذا يقتضي أن المس ناقضاً للوضوء مطلقاً (أو لمستم) (أو لامستم) (لامستم) هذه مفسرة بالمجامعة الجماع وليست داخلة معنا، (أو لمستم) هذه أعم لأنها تدل على ماذا؟ على الجس باليد وقد يبالغ فيحصل الجماع يعني غاية ما يكون من الجس باليد ما يتبعه الجماع أدنى ما يكون الجس باليد حينئذٍ هذا يدل على أن اللمس مطلقاً يعتبر ناقضاً سواء كان لأجنبية أو لذات محرم سواء كان بشهوة أو بدون شهوة لكن دلت النصوص على أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومس زوجته عائشة رضي الله تعالى عنها حينئذٍ أخرجنا هذا النوع من المس وأبقينا نوع واحد وهو المس أو الجس بشهوة هذا هو المذهب تقرير أن المذهب أن يقال: قوله تعالى (أو لامستم النساء) هذا محمول على الجماع وقراءة (أو لمستم) هذه عامة يقتضي أن المس ناقض للوضوء مطلقاً لشهوة أو بغير شهوة وخص في الأخبار الواردة بأن المس بدون شهوة لا ينقض الوضوء لقول عائشة رضي الله تعالى عنها (فوقعت يدي على بطن

قدميه وهما منصوبتان) رواه مسلم وكان يتوضأ ويصلي ما انتقض وضوؤه لو كان مجرد المس ناقض لانتقض وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم ينتقض كذلك جاء قولها (فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فصلى) كذلك وهو حامل أمامة فاعتبر الحالة التي يدعوا فيها المس إلى الحدث وهي الحالة بشهوة فخص النص الذي قوله تعالى (أو لمستم النساء) بشهوة فحسب ولذلك قال المصنف (ومسه امرأة بشهوة) (امرأة) لقوله (أو لمستم) (بشهوة) لأن النص عام فخص منه ما دل عليه حديث عائشة وغيره ولأن اللمس يقال فيه ما قيل في النوم ليس بحدث بنفسه وإنما هو مظنة لخروج المذي أو المني حينئذٍ اعتبر فيه الشهوة وإنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت الحالة التي يدعوا فيها إلى الحدث وهي حالة الشهوة وهي مظنة الحدث إذاً هذا تعليل للمذهب وهو المعتمد عندهم، والصحيح أنه لا يعتبر ناقضاً ألبته سواء مس رجل امرأة بشهوة أو مسته هي بشهوة لما ذكرناه في أول الباب أن النص لابد أن يكون واضح بين في الدلالة على كون هذا الناقض ناقضاً وأما قوله تعالى (أو لمستم) فسرها بن عباس على الجماع فهي محمولة على الآية الأخرى حينئذٍ لا فرق بين (لامستم) أو (لمستم) وقد جاء في القرآن التعبير عن الجماع والمجامعة بـ (لمستم) ولذلك جاء قوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) فالمس يطلق ويراد به الجماع (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) إذاً المس يطلق ويراد به الجماع واللمس يطلق ويراد به الجماع حينئذٍ لا فرق بين هذه الآيات وبين قوله (أو لمستم) وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل وخرج إلى المسجد والتقبيل لا ك أنه مظنة للشهوة فدل ذلك على أنه لا بأس به وأن هذا الناقض يعتبر ساقطاً من أصله والراجح أنه لا ينقض مس امرأة بشهوة أو مس امرأة رجلاً بشهوة، (ومس حلقة دبر) هذا داخل فيما سبق يعني ينقض مس حلقة دبر لأنه فرج لعموم قوله (من مس فرجه فليتوضأ) (من مس ذكره فليتوضأ) لا فرق بينهما إلا أن قوله فرجه أعم فيشمل، الذكر خاص بالرجل - طيب - والأنثى القبل دل عليه قوله (فرجه) لأن الفرج مأخوذ من الانفراج فدخل فيه قبل المرأة وكذلك الدبر والحكم عام في الذكر والأنثى إذاً ينقض (مس حلقة دبر) لأنه فرجه ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من مس فرجه) الحديث، (لا مس شعر وسن وظفر وأمرد ولا مع حائل ولا ملموس بدنه ولو وجد منه شهوة) كل هذه خرجت بما سبق يعني إذا علق الحكم على المس في الحالتين في الناقضين السابقين مس ذكره بيده حينئذٍ لو مسه بظفره لا ينتقض لو مسه بشعره كان كثيف الشعر على الكف مثلاً على ظاهر كفه نقول هذا لا يعتبر ناقضاً لأن الذي مس هو الشعر لا اليد وفرق بينهما ولأن الشعر وما ذكر معه له حكم المنفصل (وظفر) منه أو منها يعني لو مس رجل امرأة بشهوة بظفره لا ينتقض الوضوء أو مسته هي بشهوة لكن بظفرها نقول لا ينتقض الوضوء لو مس شعر امرأة بشهوة لا ينتقض الوضوء لأن المراد هو؛ وهذا فيه شيء من العلة لماذا؟ لأن إذا جعل مظنة لخروج الشهوة فالأصل أنه لو مسها أو مس ما يدعو إلى خروجه فهذا الأصل أن يعتبر ناقضاً والأصل هذا يرد على المذهب على كل هذا مرادهم (لا مس شعر وسن وظفر) منه أو

منها ولا المس بها لأنها لها حكم المنفصل والحكم جاء مقيد بالمس وهذا لا يكون إلا بيد ولا مس رجل لأمرد ولو بشهوة أمرد لو مس أمرد والأمرد كما قال هنا هو الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته يعني ما يفتتن به سواء كان صغيراً أو كبيراً حينئذٍ لو مسه بشهوة لا ينتقض وضوؤه وهذا أيضاً يرد على المذهب لأنهم علل الحكم السابق بمظنة خروج الخارج فالأصل أنه إذا مس أمرد بشهوة وجد السبب لوجود المظنة وهو خروج الحدث فالأصل أن يكون الحكم تابعاً فيرد عليهم والصحيح أنه لا يعتبر ناقضاً لأنه لو مس امرأة التي هي آكد وجاء فيها النص كما قالوا لو مس امرأة بشهوة لا ينقض الوضوء فمن باب أولى وأحرى لو مس أمرد، (ولا ملموس بدنه) يعني لو مس امرأة بشهوة على المذهب انتقض وضوؤه وهي الممسوسة ينتقض وضوؤها أو لا؟ لا؛ لماذا؟ لأن النص ورد في الماس لا في الممسوس ولو وجد فيه شهوة هذا كذلك يرد عليهم لو مس رجل بشهوة فتحركت شهوتها ينتقض وضوؤها أو لا؟ لا ينتقض وضوؤها وهو ينتقض وضوؤه هذا تعليل عليل على كل لما سبق والصحيح في المسائل كلها أنه لا يعتبر ناقضاًً فالناقص من أصله إسقاطه أولى، السادس قال (ينقض غَسلُ الميت) وهذا يعتبر من مفردات المذهب (ينقض غسل الميت) الميت عام هنا سواء كان الميت مسلماً أو كافراً ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً ولو رضيعاً يعتبر غسله وتغسيله ناقضاً من نواقض الوضوء (غسل الميت) ولو غسل بعضه وأكمل غيره هل يعتبر ناقضاً؟ المذهب نعم يعتبر ناقضاً، غسل الميت وغسل بعض الميت كغسله كله حينئذٍ يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وهو الصحيح في المذهب والغاسل عندهم هو من يقلبه ويباشره ولو مرة لا من يصب عليه الماء أو ييممه هذا لا يعتبر غاسلاً إنما الذي يقلبه هو الذي يعتبر غاسلاً الذي يباشر الغسل وأما الذي يصب الماء فليس الحكم متعلق به؛ ما الدليل؟ قالوا ليس ثَمَّ نصوص واضحة بينة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما روي عن بن عمر وبن عباس رضي الله تعالى عنهما (أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء) غاسل الميت يأمرانه بالوضوء، ولذلك أثر بن عباس رواه عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال (سئل بن عباس أعلى من غَسل ميت غُسل؟ قال: لا إذاً نجسوا صاحبهم ولكن وضوء) إذاً عليه ضوء إذاً يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء، والصحيح أنه لا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء لعدم الدليل الصحيح الواضح البين الذي يصلح أن يكون متمسكاً في هذا النص ولذلك رواية عن الإمام أحمد [لا ينقض وفاق] قال الشارح والموفق وغيرهما هو قول أكثر العلماء وهو الصحيح لأن لم يرد فيه نص صحيح ولا هو في معنى المنصوص عليه بل جاء عن بن عمر أنه قال (كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل) وسكت عن الوضوء صححه الحافظ في التلخيص وقال [وهو أحس ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث] إذاً يستحب الغسل ولا يقال بإيجابه لورود النصوص أو الفتاوى عن الصحابة أما الوجوب وأنه ناقض من نواقض الوضوء هذا لا يعتبر سديداً لعدم وجود النص وأما (من غسل ميت فليغتسل) هذا سيأتي في باب الغسل وهو ضعيف لا يعتمد عليه، (وأكل اللحم خاصة من الجزور) هذا السابع من نواقض (أكل) إذاً خرج الشرب فلو شرب من لبن

الجزور لا يعتبر ناقضاً لأن الحكم معلقاً بالأكل (أكل اللحم خاصة) يعني دون غيره (من الجزور) المراد به البعير ذكراً كان أو أنثى يعني الإبل فحينئذٍ أكل اللحم خاصة دون غير اللحم هذا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وليس من كل لحم بل من لحم الجزور وهذا يعتبر من مفردات المذهب فلا ينقض بقية أجزائها يعني غير اللحم؛ اللحم المراد به الهبر الأحمر هذا ما عداه لا يعتبر ناقضاً فلا ينقض بقية أجزائها كالكبد والقلب والطحال والكرش كِرش وكَرش والشحم والكُلية واللسان والرأس والسنام والأكارع والمصران قال [لأن النص لم يتناول هذه المذكورات] وإنما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم الإبل فقال فيه الوضوء، ما عدا اللحم لا وضوء فيه وهذا الذي عليه مذهب الحنابلة أنه لو أكل كبداً من إبل لا ينتقض وضوؤه ولو أكل كِرشاً من إبل لا ينتقض وضوؤه؛ لماذا؟ لأن النص جاء في اللحم والمعروف اللحم إذا أطلق المراد به اللحم الأحمر الذي يسمى هبراً عند العامة سواء كان نيئ أو مطبوخاً وشرب اللبن يعتبر ليس ناقضاً من نواقض الوضوء في المذهب ولو طبخ لحمها وصار مرقاً شرب المرق كذلك على المذهب لا يعتبر ناقضاً إذاً لا يختص الحكم في المذهب إلا إذا أكل اللحم مباشرة وما عدا ذلك من اللبن والمرق والكبد وغير اللحم فلا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء، الدليل على ذلك حديثان كما قال أحمد [فيه حديثان صحيحان حديث البراء وحديث جابر بن سمرة] أما حديث البراء (فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل - قال لحوم - فقال توضئوا منها، قال وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل؛ فقال: لا تصلوا فيها فإنها من الشياطين) الحديث، وحديث جابر بن سمرة (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت توضأ وإن شئت فلا تتوضأ، نتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم) فدل لذلك هذان النصان على أن أكل لحم الجزور أو الإبل يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء فخص المذهب اللحم دون غيره لورود النص، والصحيح أنه لا فرق بين اللحم وبقية الأجزاء ولا يستثنى إلا اللبن فقط وما عداه يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء لأن اللحم في لغة الشرع يشمل الأجزاء كلها بدليل قوله (ولحم خنزير) هاه هل الحكم خاص باللحم أو ما عداه؟ ما رأيكم؟ حرم اللحم الذي هو الهبر والكبد يجوز أو لا يجوز؟ نقول يجوز أو لا يجوز؟ على المذهب إذا خصصنا اللحم بالهبر وما عداه نقول هذا يجوز وإذا قلنا إطلاق اللحم في الشرع المراد به البهيمة عينها فحينئذٍ يدخل فيها اللحم وما عداه تباعاً لأن اللحم مقصود وما عداه مقصود قد تتعلق النفس بالكبد أكثر من اللحم أو بالكرش أكثر من اللحم حينئذٍ نقول المقاصد مختلفة فإذا دل ذلك على أن الشرع استعمل اللحم وأراد به كل الأجزاء فيحمل اللفظ هنا على العموم ويستثنى اللبن فقط لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم العرنيين بأن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها لم يأمرهم بالوضوء من ألبانها ترك البيان هنا حينئذٍ لو كان ناقضاً لوجب بيانه تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فدل ذلك لكونه لم يأمرهم بالوضوء على أن شرب اللبن لا يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء وإنما

يختص الحكم بما عداه إذاً (أكل لحم الإبل خاصة من الجزور) نقول نعم (من الجزور) هذا نص وما عداه لا يعتبر ناقضاً وأما تخصيصه اللحم فقط ففيه نظر والصحيح أنه عام، الأخير الناقض الأخير أشار إليه بقوله (كل ما أوجب غسلاً أوجب وضوءاً إلا الموت) (كل ما أوجب غسلاً) كالإسلام وانتقال المني ونحوهما مما سيأتي في الباب الآتي باب الغسل يعتبر موجباً للوضوء حينئذٍ لو خرج منه مني أوجب الغسل وأوجب الوضوء لو أسلم أوجب الغسل وأوجب الوضوء فكل موجب للغسل فهو موجب للوضوء (كل ما أوجب غسل) كإسلام وانتقال مني (أوجب وضوء) وإن لم يكن خارج من السبيل (إلا الموت) فهذا يوجب ماذا؟ الموت يوجب الغسل دون الوضوء وإنما الواجب المتعين الذي هو فرض كفاية الغسل وأما الوضوء فيعتبر من السنن، إذاً (كل ما أوجب غسلاً أوجب وضوء إلا الموت) والصحيح أنه لا يعتبر موجباً للوضوء، من وجب عليه طهارة كبرى فاغتسل دون أن يتوضأ أو ينوي رفع الحدث هل يرتفع حدثه أو لا؟ عليه جنابة وأراد الصلاة فاغتسل ولم يتوضأ هل يصلي مباشرة ولو لم ينوي رفع الحدث أو لا؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم وهو ينبني على هذا الناقض (كل ما أوجب غسلاً أوجب وضوء) والصحيح أنه من اغتسل بنية رفع الحدث الأكبر حينئذٍ ارتفع عنه الحدث الأصغر وهو قول عامة الصحابة أو أكثر الصحابة؛ لماذا؟ جمهور العلماء أن الحدث يرتفع في الصورة التي ذكرناها لأن الله تعالى لم يذكر الوضوء في القرآن لأنه قال (وإن كنتم جنباً فاطهروا) ماذا قال في أول الآية؟ (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) فإما أن تكون محدثين حدثاً أصغر وإما أن تكون محدثين حدثاً أكبر الأول بين له قال (فاغسلوا وجوهكم) إلى آخره، الثاني بين له بقوله (فإن كنتم جنباً فاطهروا) يعني اغتسلوا لم يوجب الوضوء والحكم هنا معلق بالصلاة فلو كان الوضوء واجباً مع الطهارة الكبرى لبينه وإنما أوجب الطهارة الكبرى فحسب حينئذٍ يكون داخلاً فيه فإذا اغتسل يكون داخلاً فيه الوضوء بشرط أن لا يمس ذكره أثناء غسله وإنما يغسل ويتطهر قبل الاغتسال فإن مس ذكره أثناء غسله اغتساله انتقض فلا يعتبر هذا الغسل إلا على رأي من يرى أن مس الذكر لا يعتبر من نواقض الوضوء، ولحديث البخاري في قصة الرجل الذي أجنب ولا ماء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (خذ هذا الماء فأفرغه عليك) فدل على أنه لو كان الوضوء واجباً لأمره به قال بن عبدالبر رحمه الله تعالى [الله عز وجل إنما فرض على الجنب الغسل دون الوضوء] لقوله (ولا جنب إلا عابر سبيل حتى تغتسلوا) ولم يوجب الوضوء ولقوله (وإن كنتم جنباً فاطهروا) قال حافظ [قام الإجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجباً] ليس بإجماع إنما هو قول أكثر أهل العلم، إذاً قوله (كل ما أوجب غسلاً أوجب وضوء إلا الموت) ليس بناقض من نواقض الوضوء، ثم قال (ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو بالعكس بنى على اليقين) هذه مر مثلها في أول الأحكام المتعلقة بالمياه (من تيقن الطهارة) (تيقن) اليقين ضد الشك (تيقن الطهارة وشك) أي تردد قال في القاموس [الشك خلاف اليقين] حينئذٍ الشك يكون بين وجود الشيء وعدمه سواء استوى الاحتمالان أو رجح أحدهما فالظن داخل في

الشك عند الفقهاء القسمة المشهورة العلم والظن والشك هذه قسمة أصولية فهو تقسيم أصولي وليس بتقسيم فقهي ويفترق الفقهي عنه عن الأصوليين بأن الظن داخل في الشك، الشك عند الأصوليين ما تردد بين احتمالين والظن ما تردد بين احتمالين هو في أحدهما أظهر هذا النوع الثاني داخل في الشك عن الفقهاء ولذلك قال (ومن تيقن الطهارة وشك) قال [أي تردد] يعني بين وجود الشيء وعدمه استوى الاحتمالان أو رجح أحدهما، قال النووي [هذا معناه في اللغة واستعمال الفقهاء] قال بن القيم [مرادهم به التردد بين وجود الشيء وعدمه سواء تساوى الاحتمالان أو رجح أحدهما فدخل الظن في حد الشك]، (من تيقن الطهارة وشك في الحدث أو بالعكس) بأن تيقن الحدث وشك في الطهارة (بنى على اليقين) سواء كان في الصلاة أو خارجها تساوى عنده الأمران أو غلب على ظنه أحدهما حينئذٍ إذا تيقن الطهارة بأنه متطهر وشك هل مس امرأة بشهوة أو لا؟ هل خرج منه ريح أو لا؟ نقول الأصل الطهارة واليقين لا يزول بالشك، لو تيقن أنه محدث وشك هل تطهر أم لا؟ نقول اليقين أنه محدث والطهارة مشكوك فيها واليقين لا يزول بالشك وهذه قاعدة مهمة من القواعد الخمس الكبرى أصلها قوله صلى الله عليه وسلم (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) رده إلى الحس وأما الشك هذا يعتبر مطروحاً، ولمسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (إذا وجد أحدكم في بطنه شيء فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) أي لا ينصرف حتى يتيقن سماع الصوت أو وجود الرائحة ولا يشترط السماع ولأن الأصل عدم النقض حتى يقوم ما يرفع الأصل هذا هو الأصل لكن القول بأنه إذا غلب على ظنه الحكم كذلك هذا فيه شيء من النظر بل لو غلب على ظنه أنه أحدث حينئذٍ العبرة بالحدث لا بالطهارة والعكس بالعكس حينئذٍ يكون الشك هنا مراد به فيما إذا استوى الاحتمالان بمعنى أنه لم يرجح وأما إذا رجح أحد الاحتمالين بقرائن أو بغلبة ظن فهذا معتبر لأن غلبة الظن معتبرة في سائر الأحكام الشرعية وهنا كذلك، (فإن تيقنهما) يعني تيقن الطهارة والحدث وجهل السابق (فهو بضد حاله قبلهما) يعني تيقن أنه أحدث وتيقن أنه تطهر لكنه ما يدري هل أحدث فتوضأ أم توضأ فأحدث ما الحكم؟ قالوا الحكم هنا (فهو بضد حاله قبلهما) وهذا يتصور فيما إذا ضبط الوقت مثلاً قبل الزوال يعلم أنه محدث قطعاً ثم بعد الزوال وقع منه حدث ووقع منه طهارة لكن لا يدري أيهما أسبق الطهارة أم الحدث نقول (فهو بضد حاله قبلهما) يعني قبل الحدث والطهارة فنقول له قبل الزوال ما حالك قال أن محدث إذا أنت الآن متطهر قال أن قبل الزوال متطهر إذا أنت الآن محدث (فهو بضد حاله قبلهما) لماذا؟ لأن إذا تيقنَّ أنه قبل الزوال محدث حينئذٍ تيقن رفع الحدث لأنه تيقن له متطهر وشك في وجود الحدث هل سابق على الطهارة أم بعده؟ وحينئذٍ على الأصل اليقين لا يزول بالشك فإذا كان محدث قبل الزوال وتيقن الطهارة قبل الزوال فالحدث مشكوك فيه حينئذٍ اليقين لا يزول بالشك وإذا كان بالعكس كأن يكون متطهراً قبل الزوال ثم شك في طهارة وحدث حينئذٍ نقول اليقين أنه محدث والطهارة مشكوك فيها ولذلك قال (وإن تيقنهما) تيقن

الطهارة والحدث وجهل السابق منه لا يدري أيهما أسبق (فهو بضد حاله قبلهما) إن علم فإن كان قبلهما متطهراً فهو الآن محدث وإن كان محدث فهو الآن متطهر؛ لماذا؟ لأنه قد تيقن زوال تلك الحالة إلى ضدها فإذا كان قبل الزوال على حدث فهو على يقين أنه انتقل من الحدث إلى ضده لأنه قد أوقع طهارة إذاً حصل اليقين بالتطهر الحدث مشكوك فيه وإذا كان قبل الزوال متطهراً فقد وقع حدث بيقين إذاً انتقضت تلك الطهارة حينئذٍ الطهارة مشكوك فيها وإن لم يعلم حاله قبلهما وجب عليه أن يتطهر وإذا أراد أن يستريح يتوضأ مباشرة، (ويحرم على المحدث مس المصحف) بعد ما بين لنا ما سبق بين ما يترتب على المحدث مما يحرم عليه من الأحكام الشرعية (ويحرم) والتحريم معروف وهو ما طلب الشارع تركه طلباً جازماً (على المحدث) سواء كان حدث أكبر أو حدث أصغر (مس المصحف) والمصحف ما كتب فيه القرآن سواء كان كاملاً أو غير كامل لا يشترط فيه أن يكون القرآن كاملاً لا؛ لو لم يكن القرآن كامل بل ولو آية واحدة كتبت في ورقة ولم يكن معها شيء فيه قرآن يعني يحكم لها بحكم المصحف لو وجد ورقة واحد وليس فيها إلا آية حينئذٍ يحكم لها بحكم المصحف فحكم البعض كحكم الكل يحرم مس المصحف الذي بين دفتيه القرآن كاملاً ويحرم مس المصحف ولو كان آية واحدة كتبت في ورقة بشرط أن لا يكتب معها شيء آخر، والدليل على ذلك قوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) يعني من الجنابة والحدث، وقوله صلى الله عليه وسلم في ما كتبه في كتابة لعمرو بن حزم (لا يمس القرآن إلا طاهر) رواه النسائي وغيره متصلاً قال بن عبدالبر [إنه أشبه التواتر لتلقي الناس له بالقبول] وهذا مذهب الأئمة الأربعة أنه لا يجوز مس المصحف إلا بطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، قال بن هبيرة [أجمعوا على أنه لا يجوز للمحدث مس المصحف]، الثاني مما يحرم على المحدث الصلاة قال (والصلاة) يعني ولو نفلاً سواء كانت فريضة أو نفلاً وهذا محل وفاق، والمراد بالصلاة هنا التي تحريمها التكبير وتحليلها التسليم يعني النظر هنا إلى التكبير والتسليم لأن الصلاة على نوعين صلاة ذات ركوع وسجود وصلاة ليست ذات ركوع وسجود الأول معروفه المكتوبات وغيرها النوافل والثاني صلاة الجنازة كلاهما يشترط لصحتهما الطهارة من الحدثين وهذا محل وفاق وإن نازع في صلاة الجنازة بعضهم كابن جرير رحمه الله تعالى وغيره والصحيح أنها تشرط لها الطهارة، إذاً (الصلاة) المراد به هنا التي تحريمها التكبير وتحليلها التسليم سواء كانت ذات ركوع وسجود أم لا، فتدخل صلا ة الجنازة حينئذٍ يحرم على المحدث أن يقبل على صلاة ولو نافلة ولو جنازة دون أن يكون متطهراً فإن أقبل وهو متعمد ففي كفره قولان لأنه مستهزئ والجمهور على أنه ليس بكافر وإن لم يكن متعمداً فهو معذور ولا أثم عليه والأصل في ذلك قوله جل وعلا (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) إلى آخر الآية ولحديث (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) قال ابن القيم [صلاة الجنازة صلاة لأن تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وهو قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرف عنهم فيه خلاف وقول الأئمة الأربعة وثبت عن النبي صلى الله عليه

وسلم تسميتها صلاة وكذلك عن أصحابه وحملة الشرع كلهم يسمونها صلاة وكل ما كان تحريمه التكبير وتحليله التسليم فلابد من افتتاحه بالطهارة] وأما سجود التلاوة الشكر فالصحيح أنهما ليسا بصلاتين حينئذٍ لا يشترط لهما الطهارة لعدم وجود النص، (والطواف) يعني يحرم على المحدث سواء كان حدثاً أو أصغر أو أكبر يحرم عليه أن يطوف سواء كان الطواف فرضاً واجباً كعمرة أو حج أو كان نفلاً واستدل المصنف هنا بقوله صلى الله عليه وسلم (الطواف في البيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) هذا موقوف ولا يصح رفعه وإن كان الحكم صحيحاً بمعنى أنه لا يجزئ طواف بلا طهارة هذا هو المرجح وهو الصحيح ويدل على ذلك أولاً حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (إن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم - يعني مكة - أنه توضأ ثم طاف بالبيت) (أنه توضأ ثم طاف) دل على أنه لا طواف إلا بوضوء وهذا وقع بيناناً لقوله تعالى (وليطوفوا بالبيت العتيق) والفعل إذا وقع من النبي صلى الله عليه وسلم بياناً لمأمور به أخذ حكمه، ولذلك (خذوا عني مناسككم) فالأصل مثلاً يقول المبيت بمنى واجب لأنه وقع تفسيراً لأمر في الكتاب أو في السنة كذلك هنا قال (وليطوفوا بالبيت العتيق) هذا واجب فجاء النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثم طاف دل على أن الوضوء واجب وهذا من أصرح الأدلة على أن الطواف لا يجزئ بدون طهارة ثانياً حديث عائشة وفيه (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهر) هذا نص واضح بين يؤيد ما سبق بأنه لا يجزئ طواف إلا بطهارة وهذا الحديث متفق عليه وكذلك حديث صفية لما حاضت قال (أحابستنا هي) لو كان الطواف يجزئ لقال لها اذهبي وطوفي لما قال (أحابستنا هي) ولما قال لعائشة (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) لماذا منعها؟ لكونها حائضاً هل لكون الحائض لا تدخل المسجد لا ليس هذا المراد لأنها تستطيع أن تتحفظ وتدخل وتمنع من سقوط الأذى في المسجد يعني يمكن حفظ المسجد عن الأذى هذا ممكن وإنما منعها لكونها غير طاهر ولذلك قال (حتى تطهر) وهذا فعل معلق بوصف وهو الطهارة والطهارة في الشرع إنما تطلق على أي شيء؟ الوضوء أو الغسل هذا المراد، قوله تعالى (أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) إذا أمر بتطهير مكان الطائف فبدنه من باب أولى هذا استئناس على كل الأدلة الثلاثة واضحة بينة على كون الطواف لا يصح إلا بوضوء وأما قول من يقول بأنه يجزئ ولا دليل نقول كيف يقال ولا دليل وهذه الأدلة واضحة بينة يستدلون في مواضع عديدة بوجوب أشياء وقعت فعل النبي صلى الله عليه وسلم لكونها بيان لمأمور به في الكتاب والسنة وهي قاعدة يمكن لم تكن منضبطة عند كثير من المتأخرين. والله أعلم وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

10

عناصر الدرس * باب الغسل، وشرح الترجمة. * الموجب الأول للغسل: "خروج المني دفقًا بلذة"، والصحيح في المسألة. * الموجب الثاني::وتغييب حشفة أصلية في فرج أصلي". * الموجب الثالث: "وإسلام كافر". * الموجب الرابع: "وموت". * الموجب الخامس، والسادس: "وحيض، ونفاس". * قوله: "ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة القرآن"، والصحيح في المسألة، وأدلتها. * من يستحب له الغسل؟ * صفة الغسل الكامل، والمجزئ. * ما يسن للجنب. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد قال المصنف رحمه الله تعالى (باب الغسل) أي باب ما يوجب الغسل وما يسن له من صفة الغسل بنوعيه الكامل والمجزئ منه وما يمنع منه الجنب وغير ذلك وهذا ما يتعلق بالقسم الثاني من قسمي الطهارة وقد علمنا أن الطهارة على قسمين طهارة صغرى وطهارة كبرى بعد ما ذكر ما يتعلق بالطهارة الصغرى وهي الوضوء صفة الوضوء كذلك المسح على الخفين ونواقض الوضوء شرع في بيان ما يتعلق بالقسم الثاني وهي الطهارة الكبرى، (باب الغسل) وهو لغة: تعميم البدن بالغسل؛ وبضم الغين وسكون الثاني وهو الاغتسال وهو معناه المصدر، وحده الشارح بقوله [استعمال الماء في جميع بدنه على وجه مخصوص] [استعمال] المراد به الإفاضة والإسالة [الماء] [استعمال الماء] خرج به التيمم؛ التيمم استعمال التراب وقوله [الماء] المراد به الماء الطهور لأن الماء على ثلاثة أقسام: طهور وطاهر ونجس، والطاهر لا يطهر كذلك النجس من باب أولى فاختص الحكم هنا بالماء، [استعمال الماء] أي استعمال ماء طهور [في جميع بدنه] خرج به الوضوء لأن الوضوء استعمال الماء في بعض بدنه وهي الأعضاء الأربعة، وقوله البدن؛ اسم يقع على الظاهر والباطن، حينئذٍ دخل فيه الفم والأنف لأنه من الظاهر ولذلك دخل في وجوب غسل الوجه في الوضوء قال تعالى (فاغسلوا وجوهكم) والوجه منه الأنف والفم كما سبق في باب فروض الوضوء وإذا كان كذلك حينئذٍ صار الفم والأنف جزأين من مفهوم البدن ووجب غسلهما في الغسل كما هو الشأن في الوضوء حينئذٍ المضمضة والاستنشاق جزء من مفهومه، قوله [على وجه مخصوص] هذه ليست بواجبة في الجملة وإنما الواجب منه النية وما عدا النية فليس بواجب بل هو مستحب كما سيأتي، إذاً [استعمال الماء] المراد بالماء هنا الطهور [في جميع بدنه] إذاً لا في بعض بدنه والبدن كما ذكرنا يصدق على الظاهر والباطن حينئذٍ كل ما يكون بدناً دخل في الحد معنا فوجب غسله [على وجه مخصوص] يعني على صفة مخصوصة منها ما هو واجب وهي النية وهي شرط لطهارة الأحداث كله كما سبق فيما سبق وأما ما عدا ذلك فهو مستحب ولم يذكر المصنف هنا الشارح في الحد الدلك يعني الفرك يسمى التدليك؛ هل هو داخل في مفهوم الغسل أم لا؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، فالدلك ليس بواجب عند جمهور العلماء وإنما الواجب هو إسالة الماء إفاضة الماء على البدن متى ما عمم البدن بالماء حينئذٍ نقول حصل المقصود وهو الامتثال لقوله (وإن كنتم جنباً فاطهروا) ومتى لم يحصل إلا بإيصال الماء إلى المواضع بيده حينئذٍ تعين هذا لا أشكال فيه حينئذٍ نقول الدلك على مرتبتين: لا يصل الماء إلى البدن إلا بإيصاله باليد هذا لا خلاف فيه أنه واجب كما الشأن في الوضوء، النوع الثاني: تأكيد على وصول الماء إلى البدن وهذا محل خلاف والجمهور على أنه ليس بواجب وهو فرض عند المالكية والأصح مذهب الجمهور لحديث أم سلمة (إنما كان يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاثة حيثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) ولم يذكر الدلك وإنما ذكر الإفاضة فحسب متى ما أسال الماء على جميع

البدن حصل الغسل فلم يذكر سوى إفاضة الماء على البدن و (إنما) للحصر (إنما يكفيك) كذا حينئذٍ لو كان الدلك واجباً لنص عليه النبي صلى الله عليه وسلم كذلك في حديث (إذا وجد الماء فليمسه بشرته) المراد مساس الماء للبشرة ولم يذكر الدلك فدل على أنه ليس بواجب، إذاً الصحيح أن الدلك أو التدليك أو الفرك أو الدعك هذا ليس بواجب في مسمى الغسل وليس بداخل في مفهوم الغسل حتى في لسان العرب لأن المراد بالغسل هو سيلان الماء على جميع البدن سيلان الماء متى ما أفاض الماء على بدنه حصل الغسل حينئذٍ نقول قد وقع ما طلب الشارع من المكلف، وزيادة الدلك والتدليك والفرك والدعك هذا زيادة تحتاج إلى نص ولا نص، إذاً [استعمال الماء في جميع بدنه على وجه مخصوص]، قال (وموجبه) يعني الحدث الأكبر الذي يوجبه يعني سبب وجوب الغسل ما هو؟ كما علمنا فيما سبق نواقض الطهارة أو موجبات الطهارة الصغرى الخارج من السبيلين الخارج من بقية البدن إذا كان بولاً إلى آخره هذه موجبات للطهارة الصغرى، ما هي موجبات الطهارة الكبرى؟ قال [ستة أشياء] هذه دليلها الاستقراء والتتبع ومنها ما هو مجمع عليه ومنها ما هو مختلف فيه كما الشأن فيما سبق، قال (وموجبه) يعني وموجب الحدث الذي هو سبب وجوب الغسل، ستة أشياء: أولها: (خروج المني دفقاً بلذة لا بدونهما من غير نائم) (خروج المني) المنيِّ بتشديد الياء وبها جاء القرآن (من مني يمنى) ويجوز فيه التخفيف كعميَ منيَ كعمي وهو حده عند أهل العلم: من الرجل في حال صحته ماء غليظ أبيض يخرج عند أشداد الشهوة يتلذذ بخروجه ويعقب البدن بعد خروجه فتور ورائحته كرائحة طلع النخل تقرب من رائحة العجين، وقال النووي رحمه الله تعالى [خواصه المعتمدة الخروج بشهوة مع الفتور عقبه والرائحة التي تشبه الطلع والعجين ونحو ذلك] ومن المرأة: ماء رقيق أصفر ولا خاصية له إلا التلذذ وفتور شهوتها عَقِيب خروجه، وجاء في صحيح مسلم وغيره (ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر) قيل فرق بين ماء المرأة وماء الرجل، ومعرفة الصفات لابد منها من أجل أنه إذا وقع اشتباه هل هو مني أو مذي أو ودي ونحو ذلك؟ حينئذٍ يرجع إلى الصفات، عرفنا المني قال (خروج المني) من مخرجه المعتاد فإن خرج من غير مخرجه المعتاد فلا أثر له، فلو فتحت له فتحة كما سبق في بيان ما يتعلق بالبول والغائط لو فتحت له فتحة وخرج منها البول والغائط أخذنا فيما سبق أنه ينقض مطلقاً قل أم كثر وهذا محل وفاق وأما إن خرج من هذه الفتحة إذا انسد المخرج الطبيعي حينئذٍ لو خرج منه مني لا حكم له بمعنى أنه لا يوجب الغسل؛ لماذا؟ لأن النص إنما دل على خروج المني من موضع معين في مكانه المعتاد فإن خرج لا من مكانه المعتاد حينئذٍ لا يلتفت إليه، وكذلك خروج المني على وجه الصحة فإن كان مريضاً به سلسل مني كما يكون سلسل البول كذلك لا يوجب إلا الوضوء خروج المني من مخرجه المعتاد والمراد به خروج على وجه الصحة إذا لم يصر سلسلاً حينئذٍ يوجب الوضوء، وصف المني الذي هو موجب للغسل بقوله (دفقاً بلذة) يعني لابد من وصفين أولاً: أن يكون دفقاً؛ ودفق الماء صبه فهو ماء دافق أي مدفوق والاندفاق هو الانصباب، حينئذٍ يشترط في

هذا المني الموجب للغسل أن يكون (دفقاً) يعني في دفعات متقاطعة لا يصب صباً كما هو الشأن في البول ونحوه فإن كان كذلك فلا يوجب الغسل، لو صب صباً وسال سيلاناً قالوا هذا لا يوجب الغسل وإنما الذي ويوجب الغسل هو ما كان على دفعات دفقات (بلذة) الباء هذه سببيه يعني بسبب لذة وقوله (دفقاً) هذا زائد؛ لماذا؟ لأنه لا يكون دفقاً إلا إذا كان بلذة، إذاً خروج المني (دفقاً بلذة لا بدونهما) يعني لا إن خرج بدون الدفق واللذة فإن خرج بدونهما حينئذٍ لم يوجب الغسل بل يوجب الوضوء كالبول، (بدونهما) يعني بدون اللذة والدفق (من غير نائم) يعني هذا الحكم السابق متعلق باليقظان المستيقظ يعني يشترط في خروج المني بإيجاب الغسل أن يكون دفقاً بلذة من يقظان مستيقظ وأما النائم فلا يشترط فيه الدفق ولا اللذة وإنما هو عام لورود النص، إذاً قال ابن هبيرة [وأجمعوا على أنه إذا نزل المني بشهوة وجب الغسل وأما إذا خرج لغير شهوة فقد اختلفوا فيه] وجمهور أهل العلم على أنه لا يوجب الغسل ومذهب الشافعي أنه موجب للغسل وهذا محترز بقوله (لا بدونهما) يعني لا بدون دفقاً ولذة فإن خرج بدون دفق ولذة حينئذٍ لا يوجب الغسل إذا كان من يقظان وأما النائم فهو واجب مطلقاً، إذاً إن خرج بغير ففيه قولان جمهور أهل العلم على أنه لا يوجب الغسل وقال الشافعي يجب الغسل واستدل المصنف هنا رحمه الله تعالى للمذهب بقوله لحديث علي يرفعه (إذا فضخت الماء فاغتسل وإن لم تكن فاضخ فلا تغتسل) (إذا فضخت) المراد بالفضخ هو الدفق إذا دفقت الماء يعني المني (فاغتسل) مفهومه صرح به في الجملة الثانية (وإن لم تكن فاضخ فلا تغتسل) وهذا الحديث في الصحيحين دون هذه الزيادة رواه أحمد، والفضخ خروجه بالغلبة قاله إبراهيم الحربي، إذاً هذا هو المذهب إذا لم يكن فاضخ له بأن يخرج منه لشهوة أو دفقاً هذا لا يوجب الغسل ومذهب الشافعي بأنه يوجب الغسل لحديث (نعم إذا رأت الماء) هذا يدل على ماذا؟ يدل على أن الحكم معلق بخروج الماء فمتى ما رأى الماء وجب الغسل ففيه تعميم (نعم إذا رأت الماء) فقوله صلى الله عليه وسلم (الماء من الماء) الماء الذي هو غسل البدن من الماء من هنا سببية يعني بسبب الماء الذي هو خروج من مخرجه ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم بكونه خارجاً بلذة أو لا؛ فعمم ولأنه مني خارج فأوجب الغسل كما لو خرج حال الإغماء حينئذٍ هذه الأدلة ذكر الشافعي وغيره وهو المعتمد عندهم أن خروج المني مطلقاً موجباً للغسل سواء كان بشهوة سواء كان دفقاً أو لا؛ وهذا أظهر والله أعلم، (من غير نائم) وعلم منه أنه إن خرج من النائم وجب الغسل مطلقاً إذا كان من النائم لحديث أم سليم (قالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت - السؤال عن الحلم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إذا رأت الماء) والأصل حكم المحتلم وغيره اليقظان والنائم واحد هذا الأصل هنا النبي صلى الله عليه وسلم أحال إلى رؤية الماء فمتى ما رأى الماء حينئذٍ وجب الغسل والنص جاء هنا في المحتلم وغيره اليقظان مثله سواء ولذلك قال (من غير نائم) فإن كان من نائم حينئذٍ وجب الغسل مطلقاً إذاً هذا هو الموجب

الأول وهو (خروج المني دفقاً بلذة لا بدونهما من غير نائم) وقوله (دفقاً بلذة) يلزم من وجود اللذة أن يكون دفقاً ولهذا لم يعبر في المنتهى وغيره إلا باللذة وإنما قد يقال بأنه وافق قوله تعالى (فلينظر الإنسان مما خلق * خلق من ماء دافق)، (من غير نائم) فإن كان من نائم فحينئذٍ يحكم له بكونه مني قال في الشرح هنا [وإن أفاق نائم أو نحوه يمكن بلوغه فوجد بللاً] يعني باطن ثوبه أو بدنه حينئذٍ [إن تحقق أنه مني اغتسل فقط] يعني ولم يغسل ما أصابه لأن المني عند الجمهور أنه طاهر حينئذٍ لا يجب عليه غسل الموضع ولا غسل الثوب لأنه أصابه شيء طاهر وإنما وجب عليه الغسل وهذا متى؟ إذا استيقظ ووجد بللاً وتحقق أنه مني يعني ينظر في الصفات السابقة فوجدها كما هي في هذا الماء ولو لم يذكر احتلاماً وجب الغسل إذا تحقق أن هذا لماء مني ولو لم يذكر احتلاماً لأن الظاهر أن خروجه كان لاحتلام نسيه لأنه قد ينسى فإذا نسي لا يلزم أن لا يكون هذا الماء مني بل هو مني بشرط أن يتحقق أنه مني بالصفات السابقة وإن لم يتحقق يعني وجد بللاً وشك هل مني أو مذي تردد فيه هل هو مني أو مذي؟ فحينئذٍ ينظر ما سبق النوم قبل نومه فإن سبق النوم ملاعبة أو نظر أو فكر ونحوه لم يجب الغسل؛ لماذا؟ لعدم يقين الحدث وإنما الظاهر يكون محمولاً على أنه مذي حينئذٍ لم يوجب الغسل ويجب عليه غسل الموضع لأن المذي نجس وإن لا يعني وإن لم يسبق نومه ملاعبة أو نحو ذلك ففيه روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يعني وجد بللاً ولم يتحقق أنه مني أو مذي تردد أو شك ولم يسبق هذا النوم ملاعبة أو نظر أو فكر ما حكمه المذهب أنه يجب الغسل احتياطاً وراية عن الإمام أحمد أنه لا يجب لعدم تحقق الموجب لأنه مشكوك فيه والأصل الطاهرة الأصل أنه طاهر حينئذٍ شك في وجود سبب الحدث وهو خروج المني حينئذٍ نقول اليقين لا يزول بالشك والأصح أنه لا يجب عليه الغسل وإن كان المذهب أنه قال وإلا اغتسل وطهر ما أصابه احتياطاً؛ يعني احتاطوا له فأوجبوا عليه الغسل والأصل أنه لا يوجب غسل ذكره وما أصاب ثوبه قالوا لكن يجب عليه الغسل؛ لماذا؟ احتطنا له في الغسل لاحتمال أن يكون مني واحتطنا له في غسل ما أصابه لاحتمال أن يكون مذي فراعوا الاحتمالين والصحيح أنه لا يجب الغسل لعدم موجبه لأن اليقين أنه طاهر ولا اليقين لا يزول بالشك والسبب الموجب للغسل مشكوك فيه وإذا كان كذلك فحينئذٍ بقينا على الأصل والاحتياط هو مراعاة الأصول الاحتياط مراعاة الأصول ولم يرد نص، إذاً (خروج المني دفقاً بلذة لا بدونهما من غير نائم) فإن كان من نائم وتحقق أنه مني وجب الغسل فإن تردد وشك نظرنا في ما سبق نومه فإن سبقه ملاعبة أو نظر أو فكر حملناه على أنه مذي فإن لم يسبقه شيء فروايتان عن الإمام أحمد والمرجح في المذهب وجوب الغسل وغسل ما أصابه والصحيح أنه لا يوجب الغسل ويطهر ما أصابه؛ لماذا؟ لأن هذا ماء لابد أنه إما مني أو مذي حينئذٍ نحمله على المذي فيوجب تطهير البدن ذكر مثلاً والثوب ولكن لا يوجب الغسل لأنه طهارة كبرى تحتاج إلى موجب، (وإن انتقل ولم يخرج اغتسل له) هذا متعلق بالأول (إن انتقل) المني يعني، يعني أحس رجل أو امرأة بانتقال

المني فأمسك ذكره فلم يخرج انتقل يعني حس بخروج وتحويله من موضعه حينئذٍ قالوا (اغتسل له) يعني لذلك المني؛ لماذا؟ لتحقق وصف الجنابة قالوا لأن الجنابة هي الموجبة للغسل ومتى يقال بأنه جنب؟ قالوا إذا أبتعد المني عن محله سواء خرج أو لا، المني له محل مكان معروف فإذا انتقل منه وتحول سواء خرج أو لا، قالوا هذا موجب للغسل ولذلك قال [لأن الماء قد باعد محله فصدق عليه اسم الجنب] حينئذٍ شمله قوله تعالى (وإن كنتم جنباً فاطهروا) (وإن كنتم جنباً) الجنب لا يلزم منه خروج المني ولذلك سيأتي أن تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي قبلاً كان أو دبراً موجباً للغسل وهنا لا يشترط فيه الإنزال مع كونه جنباً حينئذٍ اسم الجنابة لا يلزم منه خروج المني فلذلك إذا انتقل عن محله أحس بانتقاله ولم يخرج وجب الغسل (وإن انتقل) أي أحس رجل أو امرأة بانتقال المني فأمسك ذكره مثلاً ولم يخرج (اغتسل له) أي لذلك المني وجوباً وهو المذهب وهو من المفردات يعني التي انفرد بها مذهب الحنابلة عن الجمهور وأنكر الإمام أحمد أن الماء يرجع قال لا؛ لابد أنه يخرج لا يوجد ماء انتقل عن محله ولم يخرج، والرواية الثانية عن الإمام أحمد قال لا غسل عليه، لو انتقل ولم يخرج لا يوجب الغسل وهو قول الخرقي وقول أكثر الفقهاء وهو الصحيح؛ لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على رؤية الماء بقوله (إذا رأت الماء) (نعم إذا رأت الماء) فلا يثبت فلا يثبت الحكم بدونه حينئذٍ هذا ليس بتغييب حشفة لأن تغييب الحشفة لا يشترط فيه الإنزال حينئذٍ إذا لم يكن كذلك حينئذٍ تعين أن الحكم معلق بخروج المني لابد أن يراه يخرج يدرك بالحس فإذا لم يكن ولو شعر به في باطنه لا يوجب الغسل ولو حصل الانتقال كذلك لا يوجب الغسل لأن الحكم معلق بخروج المني ولذلك إذا أحس بالريح وقرقرة ونحو ذلك أو حصره البول أو الغائط؛ هل يوجب الوضوء إن كان متوضأ؟ لا يوجب الوضوء، شعوره به في باطنه لا يستلزم الحكم الذي يترتب عليه فيما لو ظهر فالحكم بينهما متباين يعني لا يلزم من وجود المني وشعور بانتقاله في الداخل أنه موجب للغسل بل الحكم معلق بظهوره وخروجه (إذا رأت الماء) حينئذٍ لا يثبت الحكم بدونه وأما التعليل الذي ذكره بأنه باعد المحل حينئذٍ صدق عليه أنه جنب نقول هذا تعيين بلا معين؛ لماذا؟ لأن الجنب يحتمل أنه من المجانبة المباعدة يعني سمي جنباً لكونه باعد الصلاة ابتعد عن الصلاة وابتعد عن دخول المسجد حينئذٍ هذا محتمل فتعينه بكون المني قد باعد محله هذا تعين بلا موجب بلا دليل، وما ذكروه من الاشتقاق ممنوع لأنه يجوز أن يسمى جنباً لمجانبته الماء ولا يحصل إلا بخروجه أو لمجانبته الصلاة أو للمسجد وهذا محتمل، إذاً قوله (وإن انتقل ولم يخرج اغتسل له) أي لذلك المني بسببه نقول هذا قول ضعيف والصحيح أنه لا يوجب الغسل، (فإن خرج بعده) على المذهب (لم يعده) لو انتقل شعر بانتقاله ثم اغتسل للموجب هذا ثم خرج بعد الغسل خرج الماء الذي انتقل سابقاً؛ هل يعيد الغسل أم يكتفي بالغسل الأول؟ قال (إن خرج بعده) يعني خرج المني بعد غسله بسبب الانتقال على القول بوجوب الغسل بالانتقال من غير خروج (لم يعده) يعني لم يعد

الغسل؛ لماذا؟ لأنه مني واحد فلا يوجب غسلين، مادام أنه المني السابق هو الذي أوجب الغسل فإذا خرج حينئذٍ لا يوجب الغسل مرة أخرى وإنما هو موجب لغسل واحد ولذلك قال [فإن خرج المني بعده أي بعد غسل لانتقاله لم يعده لأنه مني واحد فلا يوجب غسلين] ويمكن أن يعلل تعليل آخر للمذهب أنه خرج بدون لذة وإذا خرج بدون لذة حينئذٍ لا يوجب الغسل فيعلل بعلتين، وعلى الصحيح أنه موجب للغسل لأنه مني خرج وسبق (نعم إذا رأت الماء) وهنا رأى الماء حينئذٍ فرق بين أن ينتقل ولا يخرج فلا يوجب الغسل، أن ينتقل ثم بعد وقت خرج حينئذٍ أوجب الغسل لا بالانتقال وإنما بالخروج إذاً نفينا الحكم وهو ترتب الغسل على مجرد الانتقال دون خروج لعدم وجود النص وأثبتنا وجوب الغسل بعد الانتقال والخروج معاً لدخوله في عموم النصوص (نعم إذا رأت الماء) (الماء من الماء) وهذا ماء قد خرج وهو مدرك بالحس فوجب منه الغسل، إذاً (فإن خرج بعده لم يعده) لأنه مني واحد فلا يوجب غسلين، الثاني من موجبات الغسل قال (تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي قبلاً كان أو دبراً) (تغييب) تفعيل من غيب الشيء إذا أدخله تغييب المراد به هنا الإدخال الإخفاء (تغييب) ماذا؟ (حشفة) لا يقصد به تغييب الذكر كله؛ لا إنما المراد به تغييب حشفة والمراد بالحشفة الكمرة ما فوق الختان من رأس الذكر الكمرة ليست رأس الذكر وإنما الكمرة ما فوق الختان من رأس الذكر وموضع القطع غير داخل في حكم الحشفة لأن موضع القطع يسمى حشفة لكن ليس داخل في حكم الحشفة التي يترتب عليها الحكم، (تغييب حشفة) قال (أصلية) دائم إذا قالوا في هذا الموضع إذا قالوا أصلي قبل أصلي وفرج أصلي احترازاً من الخنثى المشكل والخنثى المشكل كاسم مشكل لا يردى هل ذكر أم أنثى؟ له آلة ذكر وله آلة أنثى لكن لا ندري هو في منزلة بين المنزلتين فلا نعطيه حكم الذكر ولا نعطيه حكم الأنثى هذا إذا لم يتبين حاله وأما إذا تبين حاله فلا، يعني لو بال من ذكره صار ذكراً لو حاض صار أنثى لو أنزل من فرجه القبل صار أنثى، إذاً ما لم توجد علامة تدل على أنه ذكر أو أنثى حينئذٍ قبل وجود هذه العلامات كأن يكون بال من الموضعين قالوا هذا مشكل أمنى من الموضعين هذا مشكل أما إذا حاض فلا ليس بمشكل لأن الرجل هنا لا يحيض على كل الخثنى المشكل هو الذي يعنونه في هذا الموضع (تغييب حشفة أصلية) احترازاً من الخنثى المشكل فحشفته ليست أصلية لأنه يحتمل فلو أولج خنثى في فرج امرأة ذكره حشفته نقول لا يوجب الغسل لماذا؟ لأنها ليست أصلية ولماذا نفي الحكم؟ لأن الحكم السبب الموجب للغسل لابد أن يكون يقيناً وهذا مشكوك فيه فلو أولج ذكره حينئذٍ قد يكون أنثى ولا يكون ذكراً حينئذٍ كيف نوجب عليه الغسل بهذا الموجب فلابد من التحقق من السبب الموجب للغسل وهو مشكوك فيه (تغييب حشفة أصلية) والحكم هنا معلق على التغييب لا على الإنزال وإن لم ينزل فلو أنزل لاجتمع في موجبان الموجب السابق خروج المني دفقاً بلذة والموجب الآخر وهو التقاء الختانين (تغييب حشفة)، (في فرج أصلي) (في فرج) قبلاً كان أو دبراً (فرج) أراد به العموم ولذلك فسره بقوله [قبلاً كان الفرج أو دبراً] فجيب على الواطئ والموطوء والدبر

يمثلون به ولا يعنون به أنه مباح؛ لا، إنما هو محرم، لو وطئ زوجته في دبرها فهو ملعون كذلك لو وطئ كان لوطياً كذلك موجب للغسل ولا يعنون به أنه مباح لا، المراد أنه لو فعل محرماً هل هو موجب للغسل أم لا؟ نعم موجب للغسل، وقوله (في فرج أصلي) (أصلي) كذلك احترازاً عن الخنثى المشكل فلو أولج صاحب ذكر صحيح في فرج خنثى هل يوجب الغسل؟ لا يوجب الغسل؛ لماذا؟ لأنه لابد أن يكون الذكر صاحب الحشفة أصلي ولابد أن يكون الفرج القبل الذي أولج فيه أصلياً فلو كان كل منهما ليس أصلياً لم يوجب الغسل لعدم التحقق من الموجب لو كان أحدهما ليس أصلياً والآخر أصلياً سواء كان ذكراً أو قبلاً كذلك انتفى الحكم لابد أن يكون إذا كان (تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي) إذاً لابد من هذه الصورة، أصلي في أصلي وأما إذا لم يكونا أصليين أو كان أحدهما ليس بأصلي انتفى الحكم الشرعي؛ ما الدليل على هذا؟ إذاً تغييب الحشفة الأصلية أو قدر الحشفة الأصلية إن كانت مفقودة موجب للغسل وإن لم ينزل إذ الموجب للغسل التغييب لا الإنزال إجماعاً حكاه الوزير وغيره، لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (إذا جلس بين شعبها الأربع - بين رجليها ويديها - ثم جهدها - يعني جامع - فقد وجب الغسل) زاد أحمد ومسلم (وإن لم ينزل) فتى ما أولج حشفته ولو بدون لذة ولو لم ينزل وجب الغسل مطلقاً فإيلاج الحشفة أو مقدارها إن قطعت هذا موجب للغسل مطلقاً سواء كان بلذة سواء كان مشدوداً سواء كان نائماً سواء كان منزلاً أو لا؛ فهو موجب للغسل مطلقاً لقوله (فقد وجب الغسل) ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم زاد مسلم (وإن لم ينزل)، ولأحمد ومسلم عن عائشة مرفوعاً (إذا قعد بين شعبها الأربع ثم مس الختان الختان فقد وجب الغسل) وصححه الترمذي رحمه الله تعالى ولفظه (إذا جاوز الختان الختان) هذا المراد، ليس المراد بأن يضع الختان على الختان يعني موضع القطع على موضع القطع عند المرأة هذا غير موجب للغسل بالإجماع لأنه ليس فيه إيلاج وإنما المراد هنا الإيلاج ولذلك جاءت مفسرة بالرواية الآخر (إذا جاوز الختان الختان) ولا يتحقق المجاوزة إلا بالإيلاج (فقد وجب الغسل)، قال القاضي [إذا غابت الحشفة في الفرج فقد وقعت الملاقاة] يعني ملاقاة الختان، وقال ابن سيد الناس [وهكذا معنى مس الختان الختان أي قاربه وداناه] وليس المراد وضع موضع الختان من الرجل على موضع الختان من المرأة فإنه غير موجب للغسل بالإجماع لأنه ليس فيه تغييب للحشفة وإنما الحكم معلق هنا بدخول الحشفة، إذاً الثاني (تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي قبلاً كان أو دبراً) بدون تفصيل، (ولو من بهيمة أو ميت) يعني ولو كان (ولو) هذه أشارة خلاف لكنه خلاف خارج المذهب في المشهور (ولو) كان الفرج (من بهيمة) قال في الإنصاف [هذا المذهب حتى لو كان سمكة وهو قول الجمهور] لو تصور مثلاً أن يولج ذكره في بهيمة ولو في سمكة حينئذٍ نقول هذا موجب للغسل، (أو ميت) يعني سواء كان الفرج الذي أولجه من ذكر في فرج امرأة أو دبر مثلاً كان ميت حينئذٍ موجب للغسل لعموم الأدلة (ولو من بهيمة) لأنه إيلاج في فرج أصلي أشبه الآدمي يعني من باب القياس وهو قول الجمهور وأبو

حنيفة رحمه الله تعالى لا يوجب الغسل لأنه بهيمة وليست في حكم المنصوص ولا في معنى المنصوص وإنما الجماع ولإنزال والشهوة إنما تكون في الأصلي لبني آدم وأما كونه يشتهي بهيمة هذا منكوس الفطرة حينئذٍ لا يتعلق به حكم لكن الجمهور على أن هنا معلق بالشهوة والإنزال والإيلاج فمتى ما أولج في فرج بقطع النظر عن كونه مشتهى أو لا فقد وجب الغسل فالبهيمة في معنى الآدمي هنا أو ميت هذا واضح بين أنه داخل في النصوص لعمومها (ولو من بهيمة أو ميت) قال الشارح [أو نائم أو مجنون أو صغير يجامع مثله وكذا لو استدخلت ذكر نائم أو صغير ونحوه] مجرد الإيلاج موجب للغسل سواء كان الذكر مستيقظ نائم مستيقظ يعني من رجل مستيقظ أو من رجل نائم متى ما حصل الإيلاج حينئذٍ وقع أو استوجب الحكم الشرعي وهو وجوب الغسل، قال أبو حنيفة [لا يجب الغسل بوطء الميتة ولا البهيمة] وهذا الذي رعاه المصنف بقوله (ولو) لأنه [ليس بمنصوص ولا في معنى المنصوص ولنا أنه إيلاج في فرج فوجب به الغسل كوطء الآدمية في حياته وهو داخل في عموم النصوص وما ذكروه يبطل بالعجوز والشوهاء] لأنهم قالوا بأن البهيمة لا تشتهى وكذلك لو قيل بأن الحكم معلق بالشهوة تشتهى أو لا؛ العجوز كذلك لا تشتهى مع كونه لو أولج لوجب الغسل كذلك الشوهاء لا تشتهى لكن لو أولج لوجب الغسل، (إسلام كافر) أي الثالث من موجبات الغسل إسلام كافر سواء كان الكافر أصلياً أو مرتداً هذا المذهب عند الحنابلة وسواء وجد منه ما يوجب الغسل أو لا؛ يعني قد ينزل قبل الإسلام ولا يغتسل ثم يسلم إذاً وجد منه سبب الغسل وسواء اغتسل له قبل إسلامه أو لا؛ يعني مطلقاً (إسلام كافر) سواء وجد منه سبب للغسل قبل إسلامه أو لا؛ سواء اغتسل لذلك الموجب أو لا؛ لأن قيس ابن عاصم أسلم (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر) رواه أحمد والترمذي وحسنه هذا دليلهم (فأمره) والأمر هنا للوجوب والخبر إذا صح كان حجة من غير اعتبار شرط آخر وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لواحد من الصحابة أمر لجميع الصحابة فلما أسلم قيس بن عاصم أمره أن يغتسل حينئذٍ دل على أن الكافر إذا أسلم وجب عليه الغسل وهذا الحديث صححه الترمذي وابن سكن ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان وغيره، وروى أحمد أن ثمامة أسلم فقال صلى الله عليه وسلم (مروه أن يغتسل) هذا أمر والأمر لا يقتضي الوجوب ولأن لا يسلم غالباً من جنابة وأقيمت المظنة مقام الحقيقة كالنوم، وثَمَّ رواية آخر عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى [أنه لا يجب الغسل لإسلام كافر] وهذه الرواية هي المرجحة وهي الصحيح ولذلك نسقط هذا الموجب ونقول إسلام كافر هذا يترتب عليه استحباب الحكم لا الوجوب بمعنى أنه يستحب له أن يغتسل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهنا (أمره) وقال (مروه أن يغتسل) حمله على الوجوب فيه نظر لأن صيغة أمر اللفظ هذا لا يدل على الوجوب ليس من صيغ الوجوب بل هو في الطلب مطلقاً سواء كان جازماً أو لا، ولذلك نقول المندوب مأمور به على الصحيح مأمور به حقيقة أو مجازاً؟ حقيقة على الصحيح حينئذٍ إذا كان المندوب مأموراً به صح أن يقال بأن افعل هذا أمر وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يتعين حمل هذه الصيغة على الإيجاب

إذاً قولهم (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم) لا يلزم بأن يكون واجباً وإنما طلب منهم حينئذٍ يكون مشروعاً وإذا كان مشروعاً يحمل على أدنى أحوال التشريع وهو الاستحباب يؤكد هذا لو قيل بأن أمر متعينة في الوجوب نقول وجد الصارف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله فإن هم أطاعوك لذلك فأمره - بالاغتسال قال - بالصلاة) لو كان اغتسل الكافر بعد إسلامه واجباً لكان هو أول الواجبات وهنا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قدم؟ قدم الصلاة فلما لم يأمر معاذاً أن يأمر أهل الكتاب بعد إسلامه بالاغتسال والمقام هنا مقام بيان حينئذٍ دل على أنه ليس بواجب ثم عشرات بل مئات الصحابة أسلموا ولم ينقل حرف واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر وما ذكر هذا يحمل على الاستحباب وهذا قول أكثر أهل العلم لأن العدد الكثير والجم الغفير أسلموا فلو أمر كل من أسلم به لنقل نقلاً من تواتراً ظاهراً وثمامة اغتسل ثم تشهد يعني اغتسل أولاً ثم تشهد رواه البخاري ولم يذكر أنه أمره، وقيس أمره أن يغتسل بماء وسدر والسدر غير واجب فيحمل الحديثان على الاستحباب جمعاً بين الأدلة ولو قيل بأنه لا يدل على الوجوب لكان هذا موافق للقواعد الأصولية فأمره ومروه لا يدل على الوجوب وإنما يدل على أنه مشروع مطلوب الإيجاب فيحمل على الاستحباب حتى يرد دليل على أنه واجب، إذاً هذا أسلام كافر الأصل فيه أنه مستحب لا واجب، (وموت) يعني الرابع من موجبات الغسل الموت تعبداً لا عن حدث بمعنى أن الموت ليس بحدث ولذلك لو كان حدث لو غسلوه قال فمر الماء ما ارتفع؛ لأن الموت باقي حينئذٍ دل ذلك على أنه من باب التعبد لا من باب أنه رفع للحدث ودليله قوله صلى الله عليه وسلم (اغسلنها) وغيره من الأحاديث الآتية في صلاة الجنازة وهو تعبد لا عن حدث وهو محل إجماع أنه من فروض الكفاية، (وحيض ونفاس) يعني الخامس والسادس من موجبات الغسل (حيض ونفاس) والنفاس هو الدم الخارج بسبب الولادة سيأتي معنا الحيض وما يتعلق بالنفاس في باب خاص أو خاتمة أبواب كتاب الطهارة ولا خلاف في وجوب الغسل بهما لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (وإذا ذهبت حيضتك فاغتسل) هذا أمر نعم هذا أمر واضح (اغتسل وصلي) وقوله تعالى (فإذا تطهرن) أي اغتسلن فمنع الزوجة من وطئها قبل غسلها فدل على وجوبه عليها إذاً الحيض والنفاس موجبان للغسل بالإجماع والنفاس دم حيض مجتمع الدليل القائم على إيجاب الغسل من الحيض هو الدليل القائم على إيجاب الغسل من النفاس، (لا ولادة عارية عن دم) مادام أن السبب والمقتضي للنفاس هو خروج الدم فإذا لم يوجد الدم حينئذٍ انتفى السبب فإذا انتفى السبب انتفى الحكم فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً أوجبنا الغسل على المرأة النفاس لخروج الدم لأنه دم حيض حينئذٍ إذا ولدت ولد عاري عن دم وليس فيه قطرة دم إذاً امتنع الغسل ولذلك قال (لا ولادة عارية عن دم) لأنه لا نص فيه ولا هو في معنا المنصوص لأن الدم هو الموجب للغسل فإذا انتفى حينئذٍ انتفى الحكم ولذلك إذا كانت امرأة حاملاً وكانت صائمة فولدت ولد

بلا دم مطلقاً ما حكم صومها؟ صحيح لا يبطل الصوم ولا يوجب الغسل لأن الذي يبطل الصوم هو خروج الدم فلم يخرج أما الولادة كونها تخرج ولد عاري عن دم يحتاج إلى نص وليس عندنا نص واضح بين إذاً (لا ولادة عارية عن دم) فلا غسل بها أو الولد الطاهر فلا يبطل الصوم بالولادة العارية عن الدم ولا يحرم الوطء بها قبل الغسل، ثم قال رحمه الله تعالى بعد بيان موجبات الغسل بين ما يترتب على وجود واحد من هذه المسائل الست التي ذكرها رحمه الله تعالى قال (ومن لزمه الغسل) (من) اسم موصول (من لزمه الغسل حرم عليه قراءة القرآن) يحتمل أنها اسم موصول ويحتمل أنها شرطية وشرطية أولى (من) هذا عام فيشمل حينئذٍ الجنب والحائض والنفساء والكافر دخل فيه، إذاً (من) هذه اسم شرط فتفيد العموم حينئذٍ دخل فيه الجنب والحائض والنفساء والكافر (من لزمه) يعني الذي وجب عليه الغسل لوجود سبب من الأسباب السابقة (حرم عليه قراءة القرآن) كما أنه يحرم عليه الصلاة ومس المصحف وكذلك الطواف للأسباب السابقة في نواقض الوضوء (قراءة القرآن) أطلق المصنف هنا القراءة حينئذٍ تعم سواء كانت القراءة من مصحف دون مس أو عن ظهر قلب حينئذٍ يحرم عليه أن يقرأ القرآن حتى يغتسل فالجنب يحرم عليه سواء كان مباشرة بمس أو بحائل أو عن ظهر قلب كذلك الحائض وكذلك النفساء وكذلك من أسلم ولم يغتسل حرم عليه قراءة القرآن (حرم عليه قراءة القرآن) مطلقاً من مصحف دون مس أو عن ظهر قلب مطلقاً وهذا الحكم وهو تحريم قراءة القرآن على من ذكر مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة يعني المذاهب الأربعة على هذا القول؛ ما الدليل؟ لحديث علي رضي الله تعالى عنه (لا يحجبه - لا يحجزه - من القرآن شيء ليس الجنابة) يعني الجنابة تحجب النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن فدل على أن الجنابة سبب لتحريم قراءة القرآن رواه الخمسة وغيرهم وهذا الحديث في سنده عبدالله بن سلمة والأكثر على ضعفه وضعف الحديث أحمد والشافعي والنووي والخطابي والبيهقي وحسنه ابن حجر والحديث ضعيف (لا يحجبه من القرآن شيء ليس الجنابة) ولفظ الترمذي (يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً) النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع عن إقراء القرآن إذا كان على جنابة وهذا صححه الترمذي هو وابن حبان وابن السكن والبغوي وغيره قال الخطابي [كان أحمد يوهن هذا الحديث] وقال النووي [خالف الترمذي الأكثرون وضعفوا هذا الحديث] قال الشوكاني [حديث الباب ليس فيه ما يدل على التحريم لأن غايته أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القراءة حال الجنابة ومثله لا يصلح متمسكاً للكراهة فكيف يستدل به على التحريم] إذاً حديث علي بالروايتين ضعيف (لا يحجبه من القرآن شيء ليس الجنابة) (يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً) حديثان ضعيفان فلا تثبت بهما الحجة ألبته ثم لو سلمنا أنه صحيح وثابت كما حسنه ابن حجر وغيره حينئذٍ نقول هذا فعل والفعل لا يدل على التحريم لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم أين الصيغ التي تدل على أن الحكم محرم إذاً لا يدل كما ذكر الشوكاني على كونه مكروهاً فضلاً على أن يكون محرماً، وأخرج أبو يعلى عنه (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيء من القرآن ثم

قال هكذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا) هذا لو صح الحديث لكان صحيحاً في الاستدلال به على التحريم وهذا موقوف على علي الصحيح أنه موقوف على علي ووجه الاستدلال أن تبليغ القرآن واجب وتركه فدل على أن تركه لما هو أوجب منه وهو اشتراط الطهارة من الجنابة ثم جوابه أنه موقوف على علي رضي الله تعالى عنه فقد عارضه قد يقال أنه قول صحابي ولم يعلم له مخالف فصار إجماعاً نقول لا؛ هو معارض بقول ابن عباس وقول الصحابي إذا عارضه قول صحابي آخر حينئذٍ سقط الاستدلال به فلا يكون حجة فلا حجة فيه لمعارضة قول ابن عباس له وأيضاً ليس كل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل التبليغ فهو مجرد فعل والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، قال ابن خزيمة [لا حجة في هذا الحديث لمن منع الجنب من القراءة لأنه ليس فيه نهي وإنما هو حكاية فعل] وحديث ابن عمر قوله صلى الله عليه وسلم (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) هذا الحديث ضعيف في إسناده إسماعيل ابن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة وهذه منها قال أبو حاتم [حديث إسماعيل ابن عياش هذا خطأ وإنما هو من قول ابن عمر] وقال أحمد بن حنبل [هذا باطل] أنكره على إسماعيل بن عياش، بقي حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقرأ الحائض ولا النفساء من القرآن شيئاً) رواه الدار القطني وهو ضعيف كذلك فيه محمد بن الفضل وهو متروك ومنسوب إلى الوضع وقد روي موقوفاً عن جابر وفيه يحي بن أبي أنيسة وهو كذاب وقال البيهقي [هذا الأثر ليس بالقوي] هذه الأحاديث التي استدل بها أرباب المذاهب الأربعة في تحريم القراءة على الجنب وإذا كانت ضعيفة حينئذٍ ما هو الأصل؟ ما هو الأصل التحريم أو عدم التحريم؟ الأصل عدم التحريم ولذلك نقول الصحيح أنه لا يحرم على الجنب ولا على الحائض ولا على النفساء قراءة القرآن كله ولا بعضه بل هو جائز وهذا محل وفاق عند الصحابة وهذه الأدلة كلها ضعيفة بل دلت النصوص بعموماتها على أنه له أن يقرأ قال الله تعالى (إن الذين يتلون كتاب الله) (يتلون) الواو هنا فيه إفادة العموم يعني مطلقاً تلا القرآن سواء كان جنباً كان متطهراً نفساء حائض الحكم واحد، (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم) (الذين) هذه صيغة عموم فتفيد المتطهر وغير المتطهر، قال (واذكروا الله ذكراً كثيراً) وجاء حديث عائشة وهو واضح بين (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) (على كل أحيانه) فدخل فيه غير المتطهر و (يذكر الله) دخل فيه القرآن من باب أولى وهذا عام والقرآن ذكر وجاء قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر) أي القرآن فدخل في النص (وأنزل إليك الذكر لتبين للناس) فالقرآن ذكر قالت عائشة (يذكر الله على كل أحيانه) إذاً يذكر القرآن على كل أحيانه ويسبح الله على كل أحيانه حينئذٍ النص عام تخصيصه بمثل هذه النصوص لا يستقيم وروى ابن المنذر عن ابن عباس (أنه قرأ شيء من القرآن وهو جنب فقيل له في ذلك فقال ما في جوفي أكثر من ذلك) القرآن موجود في الصدر حينئذٍ كيف يقال بأنه جنب فلا يقرأ فلا يتكلم بما هو في نفسه فقد أخرج البخاري عن ابن عباس (أنه لم يرى في القراءة للجنب بأساً) هذا ورد في البخاري موقوفاً على ابن

عباس (أنه لم يرى في القراءة للجنب بأساً) وقال سعيد [يقرأ القرآن أليس هو في جوفه] إذاً هذا القول مقابل للقول السابق وهو المنع مطلقاً وهنا الجواز مطلقاً وهو الصحيح وحكي عن مالك جواز القراءة للحائض دون الجنب لأن أيامها تطول فلو منعناها نسيت يعني التفصيل بين الحائض والجنب وأما القول بأن الحائض حدثها ليس في يدها والجنب حدثه في يده هذا تعليل عليل لأنه مصادم للنصوص السابقة بل النص عام دل على أن كل مسلم يقرأ القرآن سواء كان على جنابة أو لا؛ سواء كانت حائضاً أو نفساء أو لا؛ فالنصوص عامة والأحاديث المذكورة هذه ضعيفة، إذاً (ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة القرآن) والصحيح أنه يجوز له قراءة القرآن مطلقاً، (ويعبر المسجد لحاجة) يعني يدخل المسجد لكان يمر به مروراً ولو لم يتوضأ؛ الدليل على ذلك قوله تعالى (ولا جنباً إلا عابر سبيل) (إلا عابر سبيل) يعني متجاوزين قال في الإنصاف [يجوز للجنب عبور المسجد مطلقاً على الصحيح من المذهب] وهنا قال صاحب المتن (لحاجة) بمعنى أنه إذا لم يكن لحاجة حرم عليه المرور لأن الأصل التحريم ولذلك قال تعالى (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً) أي لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب (إلا عابر سبيل حتى تغتسلوا) حينئذٍ النهي عن قربان مواضع الصلاة المراد به المساجد (لاتقربوا الصلاة) أي المساجد والعبور إنما يكون في محل الصلاة وهو المسجد لا في الصلاة؛ أليس كذلك؟ (ولا جنباً إلا عابر سبيل حتى تغتسلوا) حينئذٍ لا يصح أن يقبل على الصلاة وهو على جنابة فدل ذلك على أن المراد به المسجد إذاً (ولا جنباً إلا عابر سبيل) دل على أن الجنب وكذلك الحائض يجوز لهم العبور من المسجد يعني من باب إلى باب ولو لم يكن متوضأ لكن المصنف قال (لحاجة) بمعنى أنه لا يجوز لغير حاجة أن يعبر المسجد لكن ظاهر الآية ما هي؟ (إلا عابر سبيل) يعني مار؛ هل مطلق أو مقيد؟ يعني هل هو مقيد بحاجة إلا عابر سبيل إذا احتجتم؟ لا؛ حينئذٍ قوله (لحاجة) هذا مخالف لأمرين: أولاً: عموم النص وإطلاقه والصحيح أنه مطلق، الثاني: مخالف للمذهب وهذه أول مسألة تمر معنا أن المصنف خالف المذهب فالمذهب أنه يجوز مطلقاً قال في الإنصاف [يجوز للجنب عبور المسجد مطلقاً] يعني دون تقييده بحاجة ولذلك قال الشارح انظر [لحاجة وغيرها على الصحيح] يعني في المذهب كما مشى عليه في الإقناع وكونه طريقاً قصيراً حاجة وكره أحمد اتخاذه طريقاً، إذاً لجنب عبور مسجد ولو لغير حاجة لقوله (إلا عابر سبيل حتى تغتسلوا) فإن اغتسلتم حينئذٍ جاز لكم المكوث في المسجد (ولا يلبث فيه بغير وضوء) أما المكث في المسجد فلا يجوز إلا بوضوء وأما بغير وضوء فلا يجوز (ولا) يجوز أن (يلبث) أي يقيم (فيه) أي في المسجد من عليه غسل (بغير وضوء) لحديث (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) رواه أبو داود من حديث عائشة وهذا ضعيف فيه جسرة بنت دجاجة قال البخاري [وعند جسرة عجائب] ولابن ماجه عن أم سلمة (أن المسجد لا يحل لحائض ولا جنب) وهذا كذلك فيه ضعف ولهما شواهد واللبث الإقامة إذاً على كلام المصنف هنا ولا يلبث فيه أي في المسجد بغير وضوء فإن توضأ جاز اللبث فيه؛ لماذا؟ قال عطاء بن يسار

[رأيت رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة] إذاً فعل الصحابة دل على أنهم إذا توضئوا جاز لهم المكث في المسجد قال في المبدع [إسناده صحيح] قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [حينئذٍ يجوز أن ينام في المسجد حيث ينام غيره - لكن بشرط أن يتوضأ - وإن كان النوم الكثير ينقض الوضوء] إذاً (ولا يلبث فيه) أي في المسجد (بغير وضوء) لكن لو تعذر الوضوء على الجنب واحتاج إلا اللبث جاز له من غير تيمم على الصحيح من المذهب الكلام هنا في المذهب أما الترجيح فالظاهر أنه لا يبقى، (ومن غسل ميتاً أو أفاق من جنون أو إغماء بلا حلم سن له الغسل) هذا الأغسال المستحبة انتهينا من الأغسال الواجبة (من) هذه صيغة عموم (غسل ميتاً) ولو في ثوب سواء كان الميت صغيراً أو كبيراً مسلماً أو كافراً سن له الغسل يعني يسن له أن يغتسل بعد تغسيله للميت وسبق معنا أن الغاسل هو الذي يباشر الغسل لا الذي يصب الماء الذي يصب الماء لا يسمى غاسلاً حينئذٍ يسن له أن يغتسل؛ لماذا؟ لأمر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بذلك رواه أحمد وغيره وحسنه الترمذي ولفظه (من غسل ميتاً فليغتسل) هذا موقوف على أبي هريرة الصحيح موقوف على أبي هريرة وصحح جماعة وقفه عليه وعن علي نحوه وظاهره يفيد الوجوب لو كان مرفوعاً لو كان مرفوعاً لأفاد الوجوب لأن قوله (فليغتسل) هذه تفيد الوجوب ولكنه مصرف لحديث (ليس عليكم في غسل ميتكم غسل فإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم) أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث ابن عباس وحسنه الحافظ ولقول ابن عمر (كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل) أخرجه الدار القطني وصححه الحافظ، إذاً (من غسل ميتاً) مطلقاً (فليغتسل) والأصل فيه أنه واجب على ظاهره لكنه مصروف هذا إن صححنا أنه مرفوع والصحيح أنه مستحب كما ذكرناه فيما سبق ولذلك في الموطأ (أن أسماء غسلت أبا بكر ثم سألت من حضرها من المهاجرين هل عليها من غسل؟ فقالوا: لا) دل على أنه ليس بواجب وقال ابن عقيل [ظاهر كلام أحمد عدم الاستحباب] الظاهر أنه مستحب لما ذكرنا، (أو أفاق من جنون) (أو أفاق) يعني رجع إليه عقله وكان مجنون فاستحب له الغسل (أو إغماء بلا حلم) يعني من المجنون والمغمى عليه فإن وقع حلم منهما حينئذٍ كما سبق أنه يجب الغسل خروج المني من المحتلم مطلقاً سواء كان عاقلاً أو لا؛ موجب للغسل هنا أفاق من جنون ولم يحتلم سن له أن يغتسل، الدليل قياساً على المغمى عليه (أو إغماء) يعني أفاق من إغماء بشرط أن لا يكون احتلام؛ ما الدليل؟ قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء متفق عليه وفعل النبي صلى الله عليه وسلم أقل أحواله أنه سنة وفي معناه المجنون بل هو أولى منه، إذاً المجنون يستحب له الغسل إذا أفاق من جنونه قياساً على المغمى عليه وأما المغمى عليه فلورد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في ما ذكرناه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها إذاً هذه أسباب للغسل المستحب أولاً: إذا غسل ميتاً يستحب له أن يغتسل، ثانياً: إذا أفاق من جنون يستحب له أن يغتسل والدليل قياساً على المغمى عليه، ثالثاً: المغمى عليه إذا أفاق من إغمائه سن

له أن يغتسل والدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، حينئذٍ هذه ثلاثة أمور أسباب لاستحباب الاغتسال، ثم قال بعد ما انتهى من بيان ما يتعلق بموجبات الغسل ومستحباته شرع في بيان صفته لأن العلم بالموصوف مقدم على العلم بالصفة ثم أعلم أن الغسل على ضربين كامل ومجزئ والكامل هو المشتمل على الواجبات والمستحبات يعني أشتمل على الكمال جاء بالواجبات وجاء بالمسنونات والمجزئ الذي يكتفي بالواجبات فقط ويترك المستحبات قال (أن ينوي) رفع الحدث لما سبق بيانه فيما سبق لحديث (إنما الأعمال بنيات) حينئذٍ يجب عليه أن ينوي بل هو شرط لصحت الطهارة فلو اغتسل دون نية رفع الحدث ما صح الغسل؛ لماذا؟ لانتفاء شرط من شروط صحت الطهارة الكبرى (أن ينوي) ينوي رفع الحدث الأكبر مثلاً أو ينوي غسل الجمعة إذا كان مستحباً فلو وقع في الماء ولم ينوي الغسل أو اغتسل للتبرد لم يكن قربة ولا عبادة ولم يرتفع حدثه باتفاق لأنه لم ينوي وإذا لم ينوي حينئذٍ صار عادة لأن النية هي التي تميز بين النوعين (ثم يسمي) قال في الشرح [وهي هنا كالوضوء] يعني حكم التسمية وسبق أنها واجبة لكن تسقط مع النسيان يعني تجب مع الذكر (تجب التسمية في الوضوء مع الذكر) بمعنى أنه إن نسي سقط هنا كذلك فتجب التسمية قياساً على الوضوء هذا الدليل فما وجب هناك وجب هنا وما جاز سقوطه هناك جاز سقوطه هنا والصحيح أنه لا يجب كما ذكرناه فيما سبق والقياس لا يصح لأنه قياس طهارة كبرى على طهارة صغرى فهي مختلفة من جهتين من جهة الأسباب الموجبة فينتفي القياس يمتنع ثانياً من جهة الصفة هنا تعميم للبدن كله وهناك غسل للأعضاء الأربعة فالقياس منتفي ثم إذا لم يتوضأ لا يشرع له التسمية بمعنى أن التسمية هنا ليست لذات الغسل يعني لو أراد أن لا يأتي بالغسل الكامل وإنما أراد أن يأتي بالمجزئ فقط يعم البدن يدخل تحت الماء ويغتسل لا يشرع له أن يسمي؛ لماذا؟ لعدم النص وإنما سمى هناك لوجود النص وهنا امتنع النص حينئذٍ امتنع الحكم المترتب عليه والقياس باطل لا يصح إذاً (ثم يسمي) هذا إن توضأ لأنه سيذكر الغسل الكامل وأما إذا لم يتوضأ فلا يشرع التسمية، (ويغسل يديه ثلاثاً) (ويغسل يديه) المراد به الكفين معاً (ثلاثاً) كما في الوضوء لحديث ميمونة (ثم غسل كفيه مرتين أو ثلاثاً) ويكون قبل إدخالهما الإناء ويصب الماء بيمينه على شماله (ويغسل يديه) معاً يعني كفيه (ثلاثاً) كما في الوضوء وهو هنا آكد لرفع الحدث عنهما بذلك يعني فيما سبق غسل الكفين قبل الوضوء مستحب ولا يرفع الحدث وهنا غسل الكفين في أول الوضوء آكد لأنه يرفع الحدث؛ لماذا؟ لأنه هناك لا يعد غسل الكفين داخل في مسمى الوضوء الواجب لأن غسل الكفين متى يكون؟ بعد غسل الوجه يغسل ووجه ثم يديه فيغسل الكفين وهنا وقع غسل الكفين في الوضوء قبل غسل الوجه فلا يعتبر وإنما هو مستحب فلا يرفع الحدث (وما لوثه) يعني يغسل (ما لوثه) ما لطخه من أذى على فرجه أو سائر بدنه لحديث عائشة (فيفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه) ثم قال (ويتوضأَ) بالنصب كلها بالنصب هذه الأفعال أن ينويَ ثم يسميَ ويغسلَ ويتوضأَ بالنصب معطوف على ما سبق (ويتوضأ) هنا أطلقه المصنف حينئذٍ لفظ الوضوء إنما

يطلق على الوضوء الكامل فيصدق عليه أنه يأتي بالوضوء على جهة الكمال بمعنى أنه يغسل قدميه كذلك ولذلك قال هنا [(ويتوضأ) كاملاً] الصحيح من المذهب أنه يتوضأ وضوء كاملاً قبل الغسل وعنه الأفضل أن يؤخر غسل رجليه حتى يغتسل رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى؛ (ويحثي على رأسه ثلاثاً يرويه) (يحثي) يعني يصب الماء وهي الحفنة من الماء يقال حثوت أحثو حثواً كغزوة وحثيت أحثي حثياً كرميت (على رأسه ثلاثاً) العدد جاء هنا في النص (يرويه) يعني يروي في كل مرة أصول شعره يعني يصل الماء إلى جذور الشعر (يرويه) بمعنى أن الماء يصل إلى البشرة لحديث عائشة رضي الله عنها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثاً) إذاً التثليث وارد (وتوضأ وضوؤه للصلاة) الوضوء المعهود (ثم يخلل شعره بيديه) وهنا قال (وتوضأ وضوؤه للصلاة) غسل قدميه أو لا؟ غسل قدميه لأنه لا يقال بأنه توضأ وضوؤه للصلاة إلا إذا غسل قدميه وإلا ليس وضوء للصلاة (ثم يخلل شعره بيديه) إذاً لابد من إيصال الماء إلى أصول الشعر (حتى إذا ظن أنه قد روّى بشرته أفاض الماء عليه ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده) متفق عليه وهذا النص فيه بيان للواجبات وبعض المستحبات التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى إذاً يتوضأ أولاً وضوء كاملاً ثم بعد ذلك يحثو على رأسه ثلاثاً يرويه بمعنى أنه يوصل الماء إلى أصول شعره، (ويعم بدنه غسلاً ثلاثاً) (يعم بدنه) بمعنى أنه لا يترك موضعاً إلا وقد غسله (غسلاً) غسل الشيء يغسله غسلاً طهره بالماء وحقيقة الغسل إفاضة الماء على الأعضاء لحديث (ثم أفاض الماء على سائر جسده) انظر هنا لم يذكر الدلك ولا التدليك وإفاضة الماء على جميع البدن وبشرته واجب بلا خلاف وسواء كان الشعر الذي على البشرة خفيفاً أو كثيفاً يعني مطلقاً إفاضة الماء على سائر البدن هذا واجب بلا خلاف لكن يشترط التعميم ولذلك قال (ويعم بدنه) قلنا البدن اسم يقع الظاهر والباطن (غسلاً) يعني يغسله غسلاً ويطهر بالماء فلا يجزئ المسح ولو كرره مرات ثم سال الماء هذا لا يجزئ وإنما لابد من إسالة الماء والغسل الذي يكون معهوداً في لسان العرب يعني إفاضة الماء على البدن بحيث يجري وإذا لم يجري لا يسمى غسلاً وإنما يسمى مسحاً، قوله (يعم بدنه غسلاً ثلاثاً) (ثلاثاً) هذا قياساً على الوضوء وليس فيه نص والصحيح أنه يعم بدنه غسلاً مرة واحدة هذه السنة ولذلك لم يرد كما في حديث عائشة السابق (أفاض الماء عليه ثلاث مرات) يعني على الشعر فذكرت التثليث ثم قالت (ثم غسل سائر جسده) يعني عمم سائر بقية الجسد ولم تذكر التثليث وأقل ما تحمل عليه هو المرة الواحدة إذاً (ثلاثاً) هو المذهب وقيل مرة واختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى قال الزركشي وهو ظاهر الأحاديث ولذلك قال البخاري [باب الغسل مرة مرة] فيه (ثم أفاض على جسده) وذكر إفاضة الماء على رأسه ثلاثاً ثم غسل سائر جسده قال الحافظ [ولم يقيده بعدد فيحمل على أقل ما يسمى وهو المرة الواحد ولم ينقل أنه غسل جسده ثلاثاً] ثم قال (ويدلكه) أي يدلك بدنه بيديه وهذا بلا نزاع أنه مشروع لكن هل هو واجب أم لا؟ قلنا على التفصيل إن كان من البدن ما لا يصل إليه الماء

إلى بإيصاله باليد تعين لماذا؟ لأنه يجب عليه غسل البدن ظاهره وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فإذا كان إيصال الماء إلى البدن لا يصل إلى باليد تعينت اليد وإذا كان يصل بنفسه لو أسال الماء لا يتعين اليد واضح هذا، إذاً قولهم مختلف في الدلك هل هو واجب أم لا؟ نقول فيه تفصيل منه ما هو واجب ومنه ما قد يقال بأن الخلاف فيه بين المالكية والجمهور وهو أنه إذا وصل الماء بنفسه هل يجب عليه أن يدلك يعني يدك مثلاً لو وضعتها تحت الماء حينئذٍ عممت هل يجب عليك أن تفعل هكذا تدلك يدك من أجل التأكد من إيصال الماء؛ لا لا يجب وإنما المواضع التي ينبو عنها الماء لا شك أنها لا يصل الماء بنفسه ولذلك قال هنا (ويدلكه) التدليك هو الفرك والدعك أي يدلك بدنه بيديه هذا بلا نزاع يتعاهد معاطف بدنه وسرته وتحت إبطيه وما ينبو عنه الماء هذا واجب لأنه لا يصل إلى الإبطين إلا بالإيصال كذلك لا يصل إلى داخل السرة إلا بالإيصال كذلك ما ينبو عنه البدن كبعض الأصابع الرجلين مثلاً لا يدخل الماء إلا باستعمال الدلك حينئذٍ يتعين وما عدا ذلك نقول لا؛ بل هو مسنون، (ويتيامن) لأن صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في طهوره وإن كان الوارد في النص هو التيامن في الرأس التيامن في الرأس هذا واضح بين قد جاء في حديث مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب فأخذ بكفه بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر) يعني التيامن في غسل الرأس يبدأ بشق الأيمن ثم الأيسر (ثم أخذ كفيه فقال بهما هكذا برأسه) يعني يغسل شقه الأيمن أولاً ثم الأيسر ثم يأخذ الماء ثم يعمم رأسه رواه البخاري وأما التيامن في البدن بأن يغسل شقه الأيمن وهو الذي عناه المصنف هنا ثم شقه الأيسر فظاهر الأحاديث تنص على إفاضة الماء على البدن وعدم ذكر التيامن ظاهر النصوص كما سبق في حديث عائشة (غسل سائر جسده) ولم تفصل فدل ذلك على ماذا؟ على أنه لم يتيامن قد يقول قائل جاء في حديث عائشة (يعجبه التيامن في طهوره كله) نقول هذا إذا لم ينقل تفصيل في عبادة ما فإن نقل تفصيل حينئذٍ نقول نقل ترك التيامن في غسل سائر الجسد فيبقى على الأصل وهو عدم المشروعية لكن لو قيل يتيامن لعموم النص فالمسألة محل اجتهاد لكن ظاهر النصوص لا إنما التيامن يكون في غسل الرأس فقط وأما سائر البدن فالأصل أنه يفيضه عليه إفاضة (ويتيامن) لأن صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في طهوره نقول هذا استدلال في غير هذا الموضع يمكن لماذا؟ لأنه نقل هنا الترك كون عائشة تقول (غسل سائر جسده) نقلت ترك التيامن حينئذٍ يصير مقدماً على هذا العموم، (ويغسل قدميه مكاناً آخر) انظر يتوضأ سابقاً كاملاً ثم إذا انتهى من غسله قال (ويغسل قديمه) يعني ثانياً مرة أخرى (مكاناً آخر) لماذا؟ لحديث ميمونة (توضأ ثم أفاض الماء عليه ثم تنحى فغسل قدميه) ولهما نحوه من حديث عائشة وهو أكمل وفي رواية غير قدميه (ثم أفاض الماء عليه ثم تنحى فغسل قدميه) عن عائشة في معناه قال الحافظ [وهو مذهب الجمهور] وقيل لا يعيد غسلهما إلا لطين ونحوه وهذا هو الظاهر كونه يتوضأ كاملاً هذا هو ظاهر النص من حديث

عائشة وكونه غسل قدميه هذا في ظاهره أنها تلوثت بطين ونحوه فإذا لم تتلوث فتبقى على الأصل وهو أنه توضأ وضوء كاملاً حينئذٍ لا يعيد غسل القدمين مرة أخرى إذاً (ويغسل قدميه مكاناً آخر) يعني مطلقاً سواء تلوثت أو لا ولو كنت الآن تغتسل على ما هو موجود الآن لا تتلوث ليس عندك طين يشرع لك على كلام المصنف أنك تغسل بعد الغسل تغسل القدمين مكاناً آخر والظاهر أنه فيما إذا تلوثت القدمين بطيناً ونحوه، ويكفي الظن في الإسباغ على الصحيح من المذهب لحديث عائشة (حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته) والإسباغ والإبلاغ وتقدم بمعنى أنه لا نحتاج إلى اليقين لأن الغسل هذا مفتاح للموسوسين بمعنى أنه إذا أراد أن يتيقن كل شعره قد وصلها الماء كما جاء في بعض الأحاديث الضعيفة حينئذٍ فتح على نفسه باباً من الوسواس إنما المراد به الظن متى ما ظن أن الماء قد وصل إلى محله يكفي هذا ولا يشترط اليقين لأن من البدن ما هو خفي كالاستنجاء الاستنجاء الإنسان لا يتيقن أنه قد أنقى الموضع ولكن يكفي غالب الظن وهذا مثله، (والمجزئ) يعني الذي يكفي الإجزاء سقوط الطلب يعني ما وجد فيه الواجبات فقط (المجزئ أن ينوي) رفع الحدث (ويسمي) والصحيح أنه فيما سبق إذا توضأ سمى وإذا لم يتوضأ بأن أراد الواجبات فقط حينئذٍ لا يشرع له التسمية والقياس باطلاً هنا لأن القياس الأصل أنه لا يدخل في العبادات قياس الغسل على الطهارة الصغرى قياس فاسد لأن العبادات الأصل فيها عدم دخول القياس (ويعم بدنه بالغسل مرة) واحدة مع المضمضة والاستنشاق لم ننص على المضمضة فيما سبق ونصصنا على المضمضة هنا لماذا؟ ما ذكرنا المضمضة نسيناه؟ لأنه قال يتوضأ نعم أحسنت قلنا يتوضأ وإذا توضأ لابد من المضمضة والاستنشاق وهنا نقول (ويعم بدنه بالغسل مرة) واحدة مع المضمضة والاستنشاق فشمل الشعر وما تحته وهو المذهب، ثم قال (ويتوضأ بمد ويغتسل بصاع) هذا على جهة الاستحباب والأصل فيه أنه كيفما اغتسل فقد حصل التطهير (ويتوضأ بمد) استحباباً لما في الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه (كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع) (ويتوضأ) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (بالمد ويغتسل بالصاع) المد تقريباً الموجود الآن قرابة ثلاث كيلو ثلاث كيلو تكفي في الوضوء (ويغتسل بصاع) لحديث أنس السابق وهو أربعة أمداد وإن زاد جاز وهو ما يقارب اللترين وأربع وخمسين غراماً والصحيح من المذهب أن الصاع هنا خمسة أرطال وثلث رطل كصاع في الفطرة، (فإن أسبغ بأقل) يعني من المد أو الصاع أجزأ أو لا؟ أجزأ لأن المراد هنا التحديد من باب الاستحباب بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما إذا توضأ بأقل من مد وضوؤه صحيح ولو اغتسل بأقل من صاع غسله صحيح خلافاً للأحناف الأحناف قالوا إن توضأ بأقل من مد وضوؤه لا يصح وإن اغتسل بأقل من صاع غسله لا يصح لكون النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتمد على أقل ما يمكن أن يتوضأ به وهو المد في الوضوء حينئذٍ إذا توضأ بأقل من مد لا يكون أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم في المحافظة على الماء دل على أنه لم يتوضأ إذاً حصل قصور في الوضوء والصحيح أنه وضوؤه صحيح ولذلك قال (فإن أسبغ بأقل) مما ذكر في الوضوء أو الغسل أجزأه أو

أسبغ بأقل من الصاع في الغسل أجزأه لأن الله تعالى أمر بالغسل وقد أتى به صوبه في الإنصاف وغيره لغسل النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة من تور مثل الصاع أو دونه ورواه النسائي ورجاله ثقات ولفظ مسلم (من إناء واحد ثلاثة أمداد أو قريب منها) وعن عبدالله بن زيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد) أقل من المد بثلثين قال الموفق وغيره [هو مذهب أكثر أهل العلم ولأنه أمر بالغسل وقد أتى به والقدر المجزئ من الماء ما يحصل به غسل أعضاء الوضوء أو الغسل سواء كان مداً في الوضوء وصاعاً في الغسل أو أقل أو أكثر] (أو نوى بغسله الحدثين أجزأ) (أو نوى بغسله الحدثين) يعني الأصغر والأكبر (أجزأ) أجزأ عن ماذا؟ عنهما معاً فارتفع الحدثان الأصغر والأكبر مفهومه إن نوى الحدث الأكبر فقط أجزأ أو لا؟ لم يجزئ عن الحدث الأصغر (أو نوى بغسله الحدثين) أجزأه وهو المذهب مطلقاً وعنه رواية لا يجوز حتى يتوضأ إما قبل الغسل أو بعده إن توضأ قبل الغسل واضح أنه أتى بالوضوء الكامل بشرط أن لا يمس ذكره ثم يغتسل يعني يعمم بدنه بالغسل هذا واضح أنه جمع بين الطهارتين لكن إذا لم يتوضأ واغتسل عمم بدنه هذا محل نزاع بين أهل العلم المذهب لا لابد أن ينوي الغسلين معاً على الصفة السابقة (أو نوى بغسله الحدثين أجزأ) عن الحدثين لقوله (فاطهروا) وقوله (حتى تغتسلوا) فأمر الجنب بالتطهير ولم يأمره معه بوضوء نعم المذهب أنه إذا اغتسل ولم يتوضأ سابقاً ونوى بالغسل الحدثين أجزأ المذهب أنه إذا نوى بغسله الحدثين ولم يتوضأ أجزأ أما إذا توضأ هذا واضح أنه توضأ لكن الكلام في ماذا؟ إذا نوى بغسله الحدثين أجزأه بشرط أن توجد نية رفع الحدث الأصغر والأكبر فإن نوى الحدث الأكبر دون الأصغر لا يجزئه عن الأصغر في المذهب والصحيح أنه يجزئ كما مر معنا فيما سبق وقال عليه الصلاة والسلام (أما أن فأفرغ على رأسي ثلاثاً) رواه مسلم وظاهره الاجتزاء بغير وضوء لشمول الحدث لهما ولأنهما عبادة فتداخلتا في الفعل وهذا واضح بين فإذا لم يتوضأ وعم جميع بدنه فقال ابن عبدالبر وغيره [قد أدى ما عليه لقوله (وإن كنتم جنباً فاطهروا) وهو إجماع لا خلاف فيه] بمعنى أنه إجماع عن السلف والخلاف هذا متأخر إذاً (أو نوى بغسله الحدثين أجزأ) عن الحدثين وهذا واضح بين والصحيح أنه مجزئ أو نوى بغسله الحدث الأكبر فقط فلا يجزئه إلا عن الحدث الأكبر على المذهب ويتعين عليه الوضوء والصحيح أنه يجزئه عن الحدث الأصغر فلا يحتاج إلى أن يتوضأ مرة أخرى لقوله (وإن كنتم جنباً فاطهروا) لم يوجب عليه إلا التطهير مع كونه قائماً إلى الصلاة، (ويسن لجنب غسل فرجه والوضوء لأكل ونوم) (ويسن لجنب) ولو أنثى وحائض ونفساء انقطع دمهما (غسل فرجه) يعني الفرج لماذا؟ لإزالت الأذى لفعل النبي صلى الله عليه وسلم (والوضوء لأكل) وشرب لقول عائشة رضي الله تعالى عنها (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب أن يتوضأ) زيادة يشرب هذه فيه شيء من النظر (أن يأكل ويشرب أن يتوضأ وضوؤه للصلاة) رواه أحمد بإسناد صحيح ولفظ أحمد (إذا كان جنباً فأراد أن يأكل وينام توضأ) رواه مسلم ولأحمد وأبي داود والترمذي وصححه من حديث عمار

(رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوؤه للصلاة) الثابت الأكل والنوم، فالوضوء عند إرادة الأكل والشرب ثابت من حديث عائشة وغيرها ولذلك قال (ونوم) لقول عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) (كان) تدل على ماذا؟ على الاستمرار هي صيغة عموم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوؤه للصلاة) (لا ينام حتى يغسل فرجه من أجل إزالت الأذى ويتوضأ وضوؤه للصلاة) متفق عليه وأما حديث عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جنب ولا يمس ماء) هذا ضعيف ولا يثبت والمعتمد هو حديث الصحيحين أنه كان لا ينام إلا إذا توضأ وضوؤه للصلاة ولذلك ذهب ابن حزم أنه يجب (لأنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم هل يأخذ أحد وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ) (ومعاودة وطء) يعني يسن أيضاً غسل فرجه وضوؤه لمعاودة العَود بفتح العين أي إلى إتيانها أيضاً يعني إذا أراد أن يعود الكرة مرة أخرى لحديث (إذا أتى أحد أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوء) رواه مسلم وغيره وزاد الحاكم (فإنه أنشط للعود) والغسل أفضل حينئذٍ قال (فليتوضأ) هذا وجوب لو قال قائل الصيغة هنا أمر نحتاج إلى صارف نقول التعليل الذي ثبت من رواية الحاكم (فإنه أنشط للعود) هل العود واجب؟ لا ليس بواجب إذاً الوضوء له ليس بواجب هذا التعليل هذه القرينة تعتبر صارفة للوجوب من ظاهره إلى الاستحباب (فليتوضأ) استحباباً ليس وجوباً فإن قيل ما القرينة الصارفة والصيغة صيغة أمر؟ تقول (فإنه) تعليل هذا الفاء لتعليل (فإنه) أي الوضوء (أنشط للعود) يعني يعينه على المرة الثانية إذاً هذه ثلاثة مسائل يسن فيها الوضوء الأكل التي ذكرها المصنف ولنوم ومعاودة وطء يعني الجماع والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

11

عناصر الدرس * باب التيمم، وشرح الترجمة، والحكمة من التبويب. * قوله: "وهو بدل طهارة الماء". * يُشترط لإباحة التيمم شرطان. * قوله: "أو أبيحت نافلة"، والصحيح في المسألة. * قوله: "أو زاد على ثمنه كثيرًا، أو ثمن يعجزه". * قوله: "أو خاف باستعماله أو طلبه ضرر بدنه، أو رفقيه، أو حرمته"، أو ماله". * قوله: "ومن جُرح تيمم له، وغسل الباقي". * حكم من نسى قدرته على استعمال الماء وتيمم وصلى. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد قال المصنف رحمه الله تعالى (باب التيمم) أي هذا باب بيان حقيقة التيمم وما يتعلق به من بيان شروطه وفرائضه وكذلك السنن والمبطلات إذ هو له من حيث الحكم ما للوضوء لأنه بدل عنه، لما ذكر الطهارة بالماء وهي الأصل كما سبق تقريره وكان الإنسان لا يجد هذا الماء أو يجده لكن لا يقدر على استعماله أعقبه بالتيمم ولذلك ذكرنا فيما سبق أن الطهارة على قسمين طهارة صغرى وطهارة كبرى والأصل في الطهارة الصغرى والكبرى هو استعمال الماء الماء الطهور حينئذٍ إذا لم يوجد الماء ينوب عنه التراب وما في حكمه لأنه بدل منه وخلف عنه والخلاف يتبع الأصل والتيمم مشروع بالكتاب والسنة والإجماع المعنى أنه قد يجب وقد يستحب والدليل فيه الكتاب والسنة والإجماع وأما الكتاب فقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) هذه الآية وهي في سورة المائدة من آخر ما نزل تدل على أنه إذا لم يجد الشخص أو المكلف الماء استعمال الطهارة الصغرى أو الكبرى حينئذٍ يعدل إلى التيمم كما قال تعالى (فتيمموا) (فلم تجدوا ماء) وماء هذا نكرة في سياق النفي فتعم قل أو كثر (فتيمموا صعيداً طيباً) ثم بين صفة التيمم قال (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) والسنة في ذلك مشهورة كما في حديث عمار وغيره مما يأتي في ثنايا شرح الباب وحكى الإجماع في ذلك غير واحد من أهل العلم وهو فضيلة لهذه الأمة ورخصة وقيل عزيمة لعدم الماء رخصة للعذر، التيمم في اللغة القصد وإن شئت قل مطلق القصد يعني لا يتعين بقصد شيء معين فقصد التراب هذا قصد وقصد مكة لأداء المناسك هذا قصد وقصد الصلاة كذلك هذا قصد ولذلك سبق معنا أن النية هي القصد في اللغة النية في اللغة هي القصد قصد ماذا؟ مطلق القصد قد يقصد الصلاة قد يقصد الصيام قد يقصد الزكاة ونحو ذلك من المسائل إذاً هو في اللغة القصد أي مطلق القصد فيقال يممه تيمماً قصده قال ابن السكيت [(فتيمموا صعيداً طيباً) أي اقصدوا الصعيد الطيب] الصعيد المراد به ما كان على وجه الأرض والطيب والمراد به الطاهر، وأما التيمم في الشرع إذا أطلق أنه ينصرف إليه فهو [مسح الوجه واليدين بصعيد على وجه مخصوص] [مسح الوجه] إذاً ليس عندنا غسل لأنه أخذ تراب ثم بعد ذلك يمسح به الركنين وهما الوجه واليدين [الوجه] يعني معظم الوجه كما سيأتي في محله [واليدين] هنا أطلق اليدين والمراد بهما إلى الكوعين يعني الكفين وليس المراد من أطراف الأصابع إلى المرفقين وإن كان هذا إطلاق في الوضوء لكنه في هذا الموضع لا يكون كذلك إذاً [مسح الوجه واليدين] أي الكفين ولو قال وكفيه لكان أولى من باب التنصيص مسح الوجه بماذا؟ قال [بصعيد] الصعيد هو كل ما كان على وجه الأرض ولا يختص بالتراب على الصحيح كالرمل وما كان على الشجر وما كان على الجدار مثلاً إذا كان عليه غبار أو نحو ذلك فكل ما كان على وجه الأرض سواء كان متصلاً أو منفصلاً فهو داخل في الصعيد [بصعيد] هذا متعلق بقوله [مسح] [على وجه مخصوص] وهو الصفة التي سيأتي بيانها في

موضعها على وجه مخصوص أطلق المصنف هنا من حيث الشخص هل كل شخص يجوز له أن يتمم؟ الجواب لا؛ حينئذٍ نحتاج إلى {من شخص مخصوص} وهو عادم الماء حقيقة أو حكماً لأن التيمم لا يشرع لكل أحد وإنما إذا عدم الماء أو عنده الماء لكنه عجز عن استعماله حينئذٍ يكون عادماً للماء لكنه حكماً لا حقيقة إذاً [على وجه مخصوص من شخص مخصوص] وهو عادم الماء حساً أو حكماً والتيمم مختص بالوجه واليدين سواء تيمم عن الحدث الأصغر أو عن الحدث الأكبر عن كل الأعضاء أو بعضها ولذلك أطلق المصنف هنا [مسح الوجه واليدين بصعيد على وجه مخصوص من شخص المخصوص] يمسح لأي شيء عن رفع الحدث الأصغر أو رفع الحدث الأكبر إن قلنا بأن التيمم رافع أو رفع المنع المترتب على الحدث الأصغر أو رفع المنع المترتب على الحدث الأكبر سواء كان هذا التيمم عن كل الأعضاء أو عن بعضها لأن العادم للماء قد يعدم الماء ولم يجد أدنى ماء يغتسل به أو يتوضأ وقد يجد بعض الماء يكفي بعض طهر كما سيأتي حينئذٍ يستعمل هذا الماء وجوباً ثم بعد ذلك يتيمم عن الباقي هنا التيمم لم يكن عن كل الأعضاء وإنما كان عن بعضها إذاً التيمم قد يكون عن البدن كله أو كل الأعضاء الأربعة في الوضوء أو يكون عن بعضها كما إذا وجد بعض الماء واغتسل به بجزء من بدنه وانتهى الماء فوجد ماء لا يكفي كل طهره وإنما بعض طهره ماذا يصنع؟ كما سينص المصنف رحمه الله تعالى أنه يستعمل هذا الماء وجوباً ثم بعد ذلك يتيمم عن الباقي هنا التيمم عن كل الأعضاء أو عن بعضها؟ عن بعضها ولا شك، إذاً التيمم [مسح الوجه واليدين بصعيد على وجه مخصوص] وهو من خصائص هذا الأمة لم يجعله الله طهوراً لغيرها لذلك جاء في الصحيحين وغيرهما (أعطيت خمس لم يعطهن أحد قبلي - وذكر منها - وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأي ما رجل من أمة أدركته الصلاة فليصلي) وفي لفظ (فعنده مسجده وطهوره) وللترمذي وغيره وصححه (إن الصعيد الطيب طهور المسلم) هذه النصوص تدل على مشروعية التيمم وأنه خاص بهذه الأمة لأنه قال (أعطيت خمسة لم يعطهن أحد قبلي) يعني من الأنبياء كما جاء مصرحاً برواية أخرى حينئذٍ (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) هذا خاص بهذه الأمة وقال هنا المصنف [توسعت عليه وإحسان عليه وقال تعالى (فتيمموا صعيداً طيباً)] أي اقصدوا تراباً طاهراً وهو مذهب الشافعي وأحمد لحديث (وجعلت تربتها لنا طهوراً) قال ابن كثير [الصعيد هو كل ما صعد على وجه الأرض] فيدخل فيه التراب والرمل والحجر والنبات والشجر وما على الأرض سواء كان متصلاً بها أو منفصلاً وهذا مذهب مالك وأبي حنفية قال الزجاج وغيره [لا أعلم بين أهل العلم خلافاً في أن الصعيد هو وجه الأرض تراباً كان أو غيره] وقال الفراء وغيره [التراب] هذا مسألة مختلف فيها بين أهل العلم ما المراد بالصعيد الذي أجاز أو أمر الشارع بضربه ثم مسح الوجه واليدين هل خاص بالتراب فخرج الرمل والشجر والحجر أم أنه يعم كل ما على وجه الأرض فيشمل التراب وغيره؟ لاشك أن الصحيح هو الثاني، الصعيد في لسان العرب المراد به هو وجه الأرض وهنا أطلق حينئذٍ قوله (فتيمموا صعيداً) كل ما على وجه الأرض فهو داخل في هذا الحكم وأما رواية (وجعلت تربتها لنا

طهوراً) هذا لا يعتبر مقيداً؛ لماذا؟ لأنه ذكر بعض أفراد العام (صعيداً) إما أن يقال بأنه مطلق أو يقال بأنه عام فإن قيل عام أو مطلق فالتربة هذه فرد وتعليق الحكم على فرد من أفراد المطلق أو العام بحكم لا يخالف ما رتب على العام لا يعتبر مخصصاً وإنما ذكرت التربة لأنها الأكثر الرمال تكون في الصحراء وأما التربة فهذه تكون أكثر في مقدور المكلف ولذلك جاء التنصيص عليها إذاً (فتيمموا صعيداً) الصعيد المراد به على الصحيح كل ما على وجه الأرض وأما قول الفراء وغيره التراب هذا محل نظر ومن هنا اختلف أهل العلم لاختلاف أهل اللغة ما المراد بالصعيد لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالصعيد هو وجه الأرض قول الفراء هذا قول مرجوح، قال المصنف رحمه الله تعالى (وهو بدل طهارة الماء) هذا الأصل في التيمم (وهو) أي التيمم (بدل) أي عوض وليس أصلاً فرق بين الأصل وبين البدل الأصل هو الطهارة المائية بأن يستعمل الماء في أعضائه الأربعة إذا أراد وضوء أو في بدنه كله إذا أراد غسلاً إن لم يجد هذا حساً أو حكماً انتقل إلى التراب أو إلى الصعيد حينئذٍ نقول انتقاله لا يكون إلا عند عدم الماء حقيقة أو حكماً وهذا هو حقيقة البدل بمعنى أنه لا يستعمل هذا الصعيد إلا إذا فقد الماء حقيقة أو حكماً (وهو بدل) أي عوض (طهارة الماء) يعني ليس أصلاً بل هو بدل عن طهارة الماء في الوضوء أو في الغسل أو غسل نجاسة على بدن كما هو المذهب، لكل ما يفعل بها عند العجز عنه شرعاً يعني ما الذي يفعل بطهارة الماء؟ يتوضأ لأي شيء؟ لكل ما اشترط له الطهارة كل ما اشترط له الطهارة حينئذٍ يكون التيمم يكون بدل عن الوضوء أو الغسل في هذه، فإذا أراد الصلاة مثلاً وعدم الماء نقول الطهارة هنا شرط في صحة الصلاة حينئذٍ إذا لم يجد الماء جاء البدل وهو التيمم كذلك مس المصحف لا يصح إلا بطهارة من الحدثين إذا لم يجد الماء حينئذٍ عدل إلى التيمم كذلك الطواف وكل ما اشترط له الطهارة، (وهو بدل طهارة الماء) لأن مرتب أو مترتب عليها يجب فعله عند عدم الماء ولا يجوز مع وجوده إلا لعذر كعجز ونحوه وهذا شأن البدل، وهنا المصنف قد يتجه عليه النقض وهو أنه قال (بدل طهارة الماء) ومعلوم طهارة الماء هناك أنها تكون عن حدث وعن خبث أليس كذلك؟ تكون عن حدث وعن خبث؟ وطهارة الحدث قلنا هذه كبرى صغرى؛ وعن خبث والمراد هنا التيمم بدل الوضوء والغسل حينئذٍ يشترط في طهارة الخبث أن لا تكون على الأرض البقعة التي يصلى عليها ولا على الثوب ولا على البدن ولذلك كما سيأتي في شروط الصلاة صحت الصلاة اجتناب النجاسات اجتنابها أين؟ في البدن وفي الثوب وفي البقعة، التيمم بدل عن طهارة الماء الكبرى والصغرى وهذا محل وفاق، والوضوء مجمع عليه السلف والخلف، الغسل هذا وقع فيه نزاع متقدم ثم استقر الإجماع على أنه يجوز أن يتيمم عن الحدث الأكبر، إذاً طهارة الحدث بنوعيها يتيمم عنها بقي ماذا؟ طهارة الخبث والخبث إما أن يكون على الأرض بقعة أو على البدن أو على الثوب جمهور أهل العلم على أن التيمم لا يكون بدلاً عن طهارة الخبث أبداً وإنما يكون بدل عن طهارة الحدث فحسب المذهب عندهم تفصيل وهو أن التيمم يكون بدلاً عن طهارة الخبث إذا

كانت على البدن فقط وأما على الأرض أو على الثوب فلا، أليس كذلك؟ حينئذٍ قوله (بدل طهارة الماء) وأطلق دخل فيه طهارة الخبث عن البدن طهارة الخبث عن البقعة طهارة الخبث عن الثوب، وهذا فيه أطلاق نقيده بما ذكرنا، ومراد المصنف أنه بدل عن طهارة الحدث الأصغر والأكبر وفي نجاسة البدن فقط أما نجاسة الثوب ونجاسة البقعة فليست داخلة وإن كان ظاهر كلام المصنف الإطلاق والصحيح أنه لا يتيمم عن نجاسة مطلقاً لعدم الدليل والقياس هنا فيه نظر، والمذهب يتيمم عن نجاسة على بدن لا على غيره كثوب وبقعة فلا يصح التيمم لها؛ إذ لا نص فيه ولا قياس يقتضيه، فنفوا التيمم عن طهارة خبث على الأرض ونفوا طهارة خبث على ثوب لعدم الدليل ونقول كذلك في التيمم عن طهارة خبث على البدن لا دليل عليه فيلحق به وهذا التفصيل ليس عليه دليل، إذاً التيمم (بدل طهارة الماء) أي التيمم بدل عن الطهارة بالماء لكل ما يفعل بطهارة الماء من الصلاة والطواف وسجود التلاوة وقراءة القرآن ونحو ذلك سجود التلاوة سبق أنه لا يشترط له الطهارة على الصحيح، عند العجز عن الماء لعدم أو مرض ونحوهما، وشرعاً أي بدلاً من جهة الشرع وإن لم يعجز عنه حساً بأن لم يكن موجوداً أصلاً من غير فرق بين الجنب وغيره، ويشترط له شرطان: أحدهما دخول الوقت، إذا قيل التيمم بدل طهارة الماء معلوم أن الماء يرفع الحدث أليس كذلك؟ الماء يرفع الحدث والحدث هو الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة وإذا قيل التيمم بدل عن طهارة الماء وطهارة الماء ترفع الحدث يلزم منه أن التيمم يرفع الحدث وقد قيل به على هذا التأصيل بأن التيمم يرفع الحدث والمذهب وهو الذي عليه أكثر الفقهاء وهو الصحيح أن التيمم لا يرفع الحدث؛ أولاً: لأنه طهارة ضرورة وإذا كان كذلك حينئذٍ يقتصر على الإقدام على الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة لأنه سبق أن عندنا شيئين أولاً الوصف وهو المعنى القائم بالبدن وما يترتب على الوصف ما هو الذي يترتب على الوصف؟ المنع ما فائدة التيمم يرفع المنع ولا يرفع الوصف لأن الذي هو محدث حينئذٍ نقول له يحرم عليك أن تصلي لماذا؟ لكونك محدثاً إذاً لكونك محدثاً هذا الحدث قام بالبدن والذي ترتب عليه حكم وهو حكم الحدث وهو المنع فإذا جاء التيمم رفع الحكم فقط وبقي الحدث على حاله يدل على ذلك ويؤكده ما ورد من قصة عبدالله بن عمرو بن العاص أنه في غزوة ذات السلاسل لما كان جنباً أصبح جنباً وخشي والماء موجود لكن خشي التلف فتيمم عن الجنابة فأنكر عليه أصحابه ثم صلى بهم على ما هو عليه بالتيمم ثم أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم {أصليت يا عمرو أو يا عبدالله بأصحابك وأنت جنب، فقال تذكرت قول الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم)} هنا أقره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان على جنابة مع كونه قد تيمم (أصليت بأصحابك وأنت جنب) (وأنت جنب) هذه جملة حال يعني وقت صلاتك وأنت متيمم كنت على جنابة دل هذا على ماذا؟ على أن التيمم رفع المنع فقط ولم يرفع الوصف لأنه قائم بالبدن حينئذٍ أقر النبي صلى الله عليه وسلم إنكار أصحابه ثم أراد أن يستفسر من أو يتبين من عبدالله بن عمرو

بن العاص أو عمرو بن العاص حينئذٍ نقول كون النبي أقر الوصف مع كونه قد تيمم وهي تهمة موجهة إليه من أصحابه أنه صلى بهم على جنابة أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على أن التيمم لا يرفع الحدث ثم من يقول أن يرفع الحدث بإجماع أهل العلم أنه إذا تيمم عن جنابة فإذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل؛ يغتسل لأي شيء؟ سؤال لكم يغتسل لأي شيء؟ جنابة ما سببها؟ السبب الأول الذي قبل التيمم هو هو لو كان الذي ترتب على السبب السابق قبل التيمم رفع الحدث حينئذٍ نقول لما رجع فنحتاج إلى سبب جديد لكن كون التيمم رفع المنع وأبقى الوصف كما هو لما وجد الماء وجب أن يمسه بشرته كما جاء في النص ولذلك قال (فليتق الله وليمسه بشرته) وجاء (وإن لم يجد الماء عشر سنين) حينئذٍ نقول هذا النص دل على أن رفع المنع هو الذي يترتب على الحدث وأما الحدث باقي ولو تيمم لأنه يعتبر ماذا؟ يعتبر طهارة ضرورة وكونه بدل طهارة الماء نقول هذا من قبيل التشبيه يعني هذا قاعدة قعدها أهل العلم قالوا بدل طهارة الماء الشارع ما قال بدل طهارة الماء وإنما قال (فإن لم تجدوا ماء فتيمموا) ثم له أحكام تخص به لكن كونه بدل طهارة الماء والبدل يأخذ حكم المبدل منه هذه قاعدة نحوية وأخذها بعض الفقهاء وعممها هنا نقول الشارع لم يقل أن التيمم بدل طهارة الماء هذا أولاً هذا التعبير فيه شيء من النظر إذا أنبنى عليه هذه التفريعات ثانياً لو قيل أنه بدل لا يلزم منه المساواة مع المبدل منه من كل وجهة بدليل ماذا؟ إقرار منهم أنهم قالوا يرفع الحدث وإذا وجد الماء وجب أن يغتسل إذاً لو كان بدل الماء من كل وجه لما وجب أن يغتسل بعد أن تيمم إذ لو كان التيمم رافع للحدث لما رجع وهذا شيء أشبه ما يكون بأمر عقلي كون التيمم يرفع الحدث ولذلك استشكله بعض؛ أظنه الشيخ الأمين رحمه الله تعالى في الأضواء استشكل أن يكون التيمم رافع للحدث رفع مؤقت لأنك تصف الشخص بماذا؟ أنه قد تطهر وإذا تطهر حينئذٍ ارتفع حدث فإذا تيمم وصلى تقول حدثه مرتفع وإذا وجد الماء الآن محدث هذا تناقض لماذا محدث الآن؟ قال لأنه لما وجد الماء رجع الحدث؛ كيف رجع الحدث بغير سببه الحدث مرتب على أسباب إما موجبة للحدث الأصغر أو موجبة للحدث الأكبر فإذا قيل ارتفع قل ارتفع مطلقاً لكن جاءت النصوص تدل على أنه لابد أن يغتسل هذا يدل على أنه لم يرتفع على كل قوله (بدل طهارة الماء) لا يستلزم أن يكون التيمم رافع للحدث ثم هذه القاعدة قعدها الفقهاء أنه بدل يعني هذا التعبير لم يأتي به الشرع وإذا قيل كونه بدل فيلزم من البدل أن يكون مساوي للمبدل منه قل هذا التعبير لم يأتي عن الشرع أنت الذي عبرة بالبدلية وأنت الذي طبقت قاعدة النحاة ثم لو سلم بهذا التعبير ولا بأس أن يسلم به نقول لا يلزم للبدل أن يكون مساوي للمبدل منه من كل وجه كالتشبيه تقول زيد كالقمر هذا تشبيه هل يلزم أن يكون المشبه مساوي للمشبه به من كل وجه وإنما في شيء معين، هنا كونه يقدم على الصلاة بطهارة تيمم تراب ونحوه كما أنه يقدم على الصلاة بطهارة الماء هذا المراد كما أنك تفعل الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة كذلك تفعل بالتيمم مما يشترط له الطهارة هذا المراد بالشرط

وأما الأحكام المترتبة أكثرها كما سيأتي أكثرها على هذا الأصل نقول مرجوحة، إذاً يشترط له شرطان: أحدهما: دخول الوقت ولذلك قال (إذا دخل وقت وفريضة أو أبيحت نافلة وعدم ماء أو زاد على ثمنه كثيراً أو ثمن يعجزه أو خاف باستعماله أو طلبه ضرر بدنه أو رفيقه أو حرمته أو ماله بعطش أو مرض أو هلاك ونحوه شرع التيمم) هذان شرطان، الأول (إذا دخل وقت فريضة) (إذا) هذه شرطية والشرط له مفهوم مخالفة بمعنى أنه إذا لم يدخل وقت الفريضة لا يشرع التيمم وهل هذا المفهوم مراد هنا؟ نقول نعم مراد عند المصنف مراد بأنه لا يجوز له التيمم لفريضة قبل دخول وقتها لماذا؟ لأنه طهارة ضرورة والضرورة تقدر بقدرها وعليه لا يجوز أن يتيمم قبل الوقت واستدلوا كذلك بقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) ثم قال (فلم تجدوا ماء فتيمموا) متى أباح وشرع الوضوء والتيمم؟ (إذا قمتم إلى الصلاة) ومتى يقوموا إلى الصلاة؟ إذا دخل وقتها إذاً إذا لم تقوموا إلى الصلاة فلا تتوضئوا ولا تتيمموا جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الفتح توضأ مرة واحدة وصلى بذلك الوضوء خمس صلوات إذاً استثني الوضوء - حينئذٍ - بقي التيمم على حاله فلا يشرع له أن يتيمم قبل دخول الوقت ألبته لهذين الدليلين كونه لم يرد الناقل أو الناسخ مع وجود دلالة آية المائدة ثانياً لكونه طاهرة ضرورة (إذا دخل وقت فريضة) فلا يجوز لفرض قبل وقته هذا الصحيح من المذهب مطلقاً هذا الصحيح لأنها طهارة ضرورة فلم تجز قبل الوقت كطهارة المستحاضة وطهارة الضرورة تقيد بالوقت ولأنه قبل الوقت مستغنى عنه فأشبه التيمم بلا عذر (أو أبيحت نافلة) (أو) هذا تنويع (أبيحت) يعني صار فعلها مباحاً بعد أن كانت محرمة كأن يكون في وقت نهي (أو أبيحت) أي صار فعلها مباحاً (نافلة) النفل والنافلة هذا مقابل للفريضة بأن لا يكون وقت نهي عن فعلها لأنه ليس وقت له وعلم منه أنه يصح التيمم لركعتي فجر بعده ولركعتي طواف كل وقت لا قبله بمعنى أنه إذا كان في وقت نهي - وحينئذٍ - تحرم النوافل إلا ما استثني هل لو تيمم لتحية مسجد في وقت نهي يصح له التيمم أو لا؟ على المذهب لا؛ لماذا؟ لأن هذا الصلاة غير مباحة وإذا كانت غير مباحة - حينئذٍ - لا يشرع لها التيمم وإنما يتيمم متى؟ إذا أبيح له فعل هذه الصلاة فإذا كان ثَمَّ وقت نهي كدلوك شمس مثلاً أو بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس أو بعد العصر إلى غروب الشمس هذه أوقات ثلاث على جهة الإجمال يحرم فيها الصلاة ولا نقول يكره على المشهور عند الفقهاء الصحيح التحريم يحرم فيها فعل الصلاة إلا ما استثني إلا بدليل شرعي صحيح كركعتي الفجر بعد صلاة الفجر هذا جاء فيه النص - حينئذٍ - يستثنى هذا فلو تيمم بعد صلاة الفجر لركعتي الفجر جاز أو لا؟ جاز له؛ لماذا؟ لأنه يباح له بدليل، لو تيمم لركعتي تحية المسجد بعد صلاة الفجر لا يصح؛ لماذا؟ لأن هذه الصلاة محرمة في هذا الوقت فلو دخل المسجد في وقت نهي على الصحيح لا يجوز له أن يصلي لأن هذا الوقت وقت نهي والنهي هنا للتحريم على صحيح - حينئذٍ - هاتان الركعتان سنة فإذا كانت سنة - حينئذٍ - لا يرتكب النهي من أجل تحصيل السنة فيجلس ولا

يصلي ولو تيمم على المذهب لا يصح لأنه فعل شيء منهي عنه وهو كذلك، كذلك بعد العصر لو فعل صلاة غير مشروعة كما إذا أراد أن يتنفل نفلاً مطلقاً هذا يكاد أن يكون محل وفاق بين أهل العلم أنه يحرم عليه ثانياً أن صلاته باطلة لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه ثلاثاً أنه لا يشرع له التيمم لأن التيمم إنما يشرع لعبادة صحيحة جاء بها الشرع وما لم يرد به الشرع فلا يشرع له واضح هذا ولذلك قال (أبيحت نافلة) كيف تباح النافلة؟ إنما تباح إذا زال وخرج وقت النهي وأما الفرض مثلاً كالقضاء والإعادة هذه في أوقات النهي بالإجماع فما أجمع عليه أهل العلم كفعل معادة أو قضاء أو إدراك جماعة ونحو ذلك ولو إعادة هذا مستثنى من النهي فالأصل القاعدة الذي نمشي عليه ويكون مطرداً هو أن النهي بعد في هذه الأوقات الثلاث على جهة الإجمال للتحريم ثانياً فعل العبادة في هذا الوقت تكون العبادة باطلة للقاعدة العامة النهي يقتضي فساد المنهي عنه الثانية ثالثاً لا يصحح من العبادات إلا ما جاء الدليل بتصحيحه فثَمَّ قاعدة وثَمَّ مستثنيات هذه لا بأس به أن يكون عندنا قاعدة عامة ويكون ثَمَّ مستثنيات وأما ما عداه فيبقى على الأصل وهو عموم النهي، (أو أبيحت نافلة) بأن لا يكون وقت نهي عن فعلها فلا يصح، (وعدم الماء) أما هذا الشرط الصواب أنه لا يشترط دخول الوقت لعدم الدليل لأنه مفرع على قاعدة وهي أن طهارة التيمم طهارة ضرورة فتقدر بقدرها قالوا إذاً لا يتيمم قبل دخول الوقت في الفرض هذا الكلام في الفرض - حينئذٍ - نقول لو تيمم قبل الظهر وعلم يقيناً أنه لن يجد الماء فتيممه على المذهب باطل ولا يصح إذا دخل الوقت لزمه أن يعيد التيمم والصحيح أنه لا يلزمه لعدم الدليل والصحيح لا يلزمه وإنما يرتبط بوجود الماء إن تيقن عدم وجود الماء أو غلب على ظنه تيمم ولو قبل دخول الوقت وأما تقيده بكون الوقت لم يجب ولم تجب عليه الصلاة نقول هذا تقيد لمطلق ونحتاج إلى دليل ولا دليل وأما أبيحت نافلة هذه على القاعدة العامة ليس مرتبط بالقاعدة التي ذكرها المصنف أو غيره من أرباب المذهب أنها طهارة ضرورة فتقدر بقدرها بل الصواب نقول أنه لو توضأ وصلى تحية المسجد في وقت النهي صلاته باطلة ولو تنفل نفلاً مطلقاً في أوقات النهي ولو توضأ واغتسل وتتطيب ولبس أجمل الثياب وصلى صلاته باطلة؛ لماذا؟ لأنه ارتكب منهي عنه أما استثنى ذوات الأسباب ونحوها هذا ما بقي شيء كل صلاة لها سبب سواء كان السبب من جهة حاجة المكلف أو ما رتب على الشارع فإذا قيد الحكم بذوات الأسباب نقول خرج النهي عن أصله بأنه لم تبقى صلاة إلا ولها سبب لأنه قد يقول إنسان أن أشعر بضعف وأريد أن أتنفل هذا سبب منعه يحتاج إلى دليل مادام أنك جعلت المسألة معلقة بذوات الأسباب نقول ذوات الأسباب ما هي إن أردت ما جاء بها الشارع فنحن استثنينا الذي نص عليه الشارع صلاة ركعتي الفجر ونحوها أما ذوات الأسباب غير ما نص عليه الشرع نقول هذا أشبه ما يكون بعلة عامة - حينئذٍ - الذي يدخل المسجد دخوله سبب والذي يضعف إيمانه ويريد أن يجدد ويريد أن يقوي إيمانه كذلك سبب بل هو آكد من دخول المسجد، إذاً هذا الشرط الأول وهو إذا دخل دخول وقت الفريضة

والصواب أنه لا يشترط، الشرط الثاني: تعذر الماء يعني العجز عن استعمال الماء لقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) (فتيمموا) (فلم تجدوا ماء) - حينئذٍ - رتب التيمم عند عدم وجود الماء وعدم وجود الماء على نوعين إما أن يكون حسياً وإما أن يكون حكمياً؛ حسي بأن لا يوجد عنده شيء من الماء فقد الماء بالحس والحكمي بأن يوجد الماء بين يديه ولو كان على شاطئ بحر لكنه يكون بينه وبين استعمال الماء مانع كمرض أو خوف ونحو ذلك، قال (وعدم الماء) يعني عجز أو تعذر الماء بأن لا يوجد لا في بيته ولا في رحله ولا في قرب منه ولا نحو ذلك مما سيأتي التنصيص عليه قال الشارح [حضراً كان أو سفراً] بمعنى أن عدم الماء قد يكون حضراً أما في السفر فأمره واضح بل جاء النص الآية فيه (وإن كنتم مرضى أو على سفر ولم تجدوا ماء فتيمموا) فالسفر يكاد يكون مجمعاً عليه السفر المباح وأما الحضر بأن لا يوجد الماء في الحضر فهذه مسألة مختلف فيها وجماهير أهل العلم على أنه له أن يتيمم وهذا هو الصحيح ولذلك نص الشارح هنا على إدخالها في المسألة وعدم الماء حضراً كان أو سفراً وساء كان العادم مطلقاً أو محبوساً وهو الصحيح وهو المذهب ويتصور عدم الماء في الحضر بحبس للمتيمم عن الخروج لطلب الماء مسجون في غرفة وترك يوم كاملاً ولا يوجد عنده ماء يمكن أو لا - حينئذٍ - إذا حبس قبل صلاة الفجر وبقي إلى العشاء وليس عنده ماء ماذا يصنع هل يترك الصلاة أم يتيمم؟ يتيمم - حينئذٍ - هو في حضر وليس في سفر وعدم الماء إذاً هل يتصور عدم الماء في الحضر نقول نعم وإن كان على قلة إذاً يتصور عدم الماء في حضر في حبس للمتيمم عن الخروج لطلب الماء أو حبس للماء عن المتيمم بحيث لا يقدر عليه أو لا يجد غيره وعليه التيمم والصلاة وهذا قول مالك والشافعي رحمهم الله تعالى بخلاف أبي حنيفة فإنه منعه من التيمم؛ والدليل على أن الحضر يعدم الماء؟ قوله صلى الله عليه وسلم (الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) فيدخل تحت عمومه قال (الصعيد الطيب طهور المسلم) (المسلم) هذا عام مسلماً سواء كان مسافراً أو كان حاضراً أين ما كان المسلم - حينئذٍ - شرع له التيمم هذا فيه عموم فيدخل تحت عمومه محل النزاع ولأنه عادم للماء فأشبه المسافر وأما التنصيص على قوله (وإن كنتم مرضى أو على سفر) نقول هذا خرج مخرج الغالب - حينئذٍ - الوصف إذا خرج مخرج الغالب لا مفهوم له الغريب أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى تمسك بهذا المفهوم مع أن المفهوم عنده ليس بحجة فقصر التيمم على السفر فحسب لماذا؟ لقوله (أو على سفر) والحضر قال لا يتيمم لماذا؟ لأنه لم يدخل في النص وهذا إنما يكون بالمفهوم لأنه نص السفر إذاً الحضر لا يتيمم هذا مفهوم وهو كذلك لكن نقول هذا المفهوم غير معتبر، إذاً (وعدم الماء أو زاد على ثمنه كثيراً) هذا العجز الحكمي ليس الحسي عدم الماء يعني فقد الماء حضراً كان أو سفراً بحث يمنه ويسره في رحله في بيته في قربه هنا وجد الماء لكن منعه من استعماله مانع وهذه الموانع تختلف من بلد إلى بلد وتختلف من زمن إلى زمن تختلف من شخص إلى شخص المراد متى ما قدر في نفسه وغلب على ظنه عدم استعمال الماء صار عاجزاً

عنه يعني لا يشترط في مثل هذه المسائل هذه فقط من أجل أن نصل إلى قاعد عامة وهي أنه من وجد في نفسه عدم القدرة على استعمال فهو فاقد للماء حكماً لا حساً لأن هذه صور لا يمكن حصرها من هذه الصور التي يحكم عليه بكونه عاجزاً أو عادم للماء حكماً لا حساً إذا وجد الماء ولم يتمكن من أخذه إلا بثمن تدفع تأخذ الماء تتوضأ وتغتسل ما تدفع ليس لك شيء - حينئذٍ - هل هو متمكن من الماء؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لأنه جعل في مقابل ثمن بيع وشراء - حينئذٍ - ينظر فيه إن كان الثمن ثمن مثله يعني لم يرفع السعر من أجل فقد الماء لم يزد - حينئذٍ - تعين عليه شراؤه عند الأئمة الأربعة مع وجود المال عندهم - حينئذٍ - تعين شراؤه عند الأئمة الأربعة؛ لماذا؟ لأن استعمال الماء واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب - حينئذٍ - استعمال الماء واجب ولا يمكن أن يصل إلى هذا الماء إلا بدفع ثمن وهو قادر والثمن هذا لا يعجزه بل هو ثمن مثله - حينئذٍ - يتعين عليه الشراء فيجب عليه كالسترة للصلاة مثلاً صلاة العريان الأصل مع القدرة باطلة إذا لم يجد ما يستر به عورته إلا بشراء الثوب - حينئذٍ - تعين عليه شراء الثوب كذلك الماء إذا لم يجد الماء إلا أن يشتري الماء - حينئذٍ - تعين عليه شراء الماء لكن بشرط أن تكون ثمن مثله بمعنى أنه هذه تباع بريال تباع بريال عند الأزمة وعند الرخاء في الشدة والرخاء يعني الثمن لا يتغير يلزمه شراؤه ألبته، إذاً (أو زاد على ثمنه) مفهوم (أو زاد) إذا لم يزد لزمه لأنه يكون واجداً للماء وقادر عليه (أو زاد الماء على ثمنه) أي ثمن مثله في مكانه بأن لم يبذل إلا بزائد (كثيراً) مفهومه إن زاد على ثمنه يسيراً لزمه أو لا؟ لزمه لأنه لا يجحفه ليست فيه مضرة عليه (أو زاد على ثمنه كثيراً) يعني هذه بريال تباع بعشرة ريال هاه يلزمه أو لا يلزمه وهو ليس بقادر ليس بغني؟ - حينئذٍ - نقول لا يلزمه شراء الماء ويعدل إلى التيمم؛ لماذا؟ لأنه يعتبر فاقداً للماء أو عادماً للماء حكماً كأن الماء غير موجود والقواعد السابقة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب لا تتحقق في مثله وإنما تتحقق إذا كان الثمن في مثله أو زاد عليه يسيراً، أو زاد كثيراً ويجحفه ما يستطيع إذا دفع العشرة ما تعشا - حينئذٍ - نقول هذه صارت مفاضلة بين أمرين فيقدم العشاء على شراء الماء ويتيمم (أو زاد على ثمنه كثيراً) ولا يجحفه غني لو كانت هذه بعشرين لا تأثر فيه يلزمه أو لا يلزمه؟ الصحيح أنه يلزمه قال الشافعي لا يلزمه لكن الصواب أنه يلزمه؛ لماذا؟ لأنه قادر عليه وإذا كان قادر عليه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وإنما يستثنى من ما كان الثمن عليه زائداً ويجحفه بمعنى أنه يضره فلو استعمل هذا الثمن في شراء الماء أو المال قد يتضرر به - حينئذٍ - نقول الشرعية سمحة فنعدل إلى التيمم إذاً (أو زاد على ثمنه كثيراً) عادة أي كثيراً عما جرت العادة به في شراء المسافر له في تلك البقعة أو مثلها تيمم على الصحيح متى وجد ماء بثمن مثله في موضعه لزمه شراؤه وهذا مذهب الأئمة الأربعة وأما إذا وجد ماء بثمن يسير كذلك يلزمه على الصحيح وإذا وجد ماء بثمن كثيراً لا يجحفه كذلك يلزمه على الصحيح فالصور أربعة

والصورة التي ذكرها المصنف هي التي يسقط عنه الطهارة، (أو بثمن يعجزه) العجز في كلام العرب أن لا يقدر على ما يريده (أو بثمن يعجزه) أو احتاج له (أو بثمن يعجزه) العجز في كلام العرب أن لا يقدر على ما يريده - حينئذٍ - يتيمم لأن العجز عن ثمن يبيح الانتقال إلى البدل يعني لا يوجد إلا بثمن ولا يكون معه شيء ألبته - حينئذٍ - هذا واضح أنه يعدل إلى التيمم وتيممه صحيح أو يكون زائداً فيكون داخلاً فيما سبق والظاهر أن هذه المسألة معطوفة على ما سبق من عطف العام على الخاص، (أو خاف باستعماله) يعني إذا استعمل الماء يخاف باستعمال على ما ذكره هنا (أو طلبه ضرر بدنه أو رفيقه أو حرمته) (أو خاف باستعماله) أي خوف ليس المراد المثال الذي ذكره المصنف أي خوف سواء خاف سبع أن يخرج إلى الماء أو امرأة خافت من رجال ونحوها فسقة أو مريض خاف من مرضه إما أن يزيد أو يتأخر برؤه على كل القاعدة متى ما شعر أن ثَمَّ حاجزاً بينه وبين الماء دخل في ذلك (أو خاف) إذاً إذا لم يخف لزمه استعماله على الصحيح (باستعماله) يعني باستعمال الماء خاف ماذا؟ ضرر في بدنه تيمم وفاقاً وحكاه ابن المنذر إجماعاً سواء خوف الضرر من قروح أو جراحات أو نحوها لقوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) ولحديث صاحب الشجة إن كان لا يصح أو لبرد شديد لحديث عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وليس المراد بخوف الضرر أن يخاف التلف يعني إن توضأ مات وإن تيمم - حينئذٍ - إن توضأ مات - حينئذٍ - نقول له خوف التلف يوجب لك الانتقال إلى التيمم وليس هذا المراد يعني لا يشترط في هذا الخوف إما أنه يؤدي إلى التلف أو لا بل يكون الخوف مراعاً هنا مراداً ولو لم تتلف أعضاؤه أو بدنه كله، (أو بطله) يعني إذا طلبه وهو واجب كما سيأتي خاف ماذا؟ (ضرر بدنه) كأن يكون بينه وبين الماء سبع أو عدو أو حريق أو لص ونحوه - حينئذٍ - فهو كالعادم لأنه خاف لضرر باستعماله أو التلف فهو كالمريض أو خافت امرأة فساقاً - حينئذٍ - تتيمم امرأة في البيت انقطعت المياه عنها وليس عندها أحد هل يجب عليها أن تذهب وتشتري الماء؟ إن خافت فساقاً لا يحل لها الخروج لا نقول يجب نقول لا يحل لها الخروج ولذلك قال ابن تيمية في المرأة إن خافت فساقاً [يحرم خروجها إليه] فيتعين عليه التيمم، إذاً (ضرر بدنه أو رفيقه) قيده في الإنصاف المحترم احترازاً عن الحربي والمرتد والزاني المحصن (رفيقه) أي أو خاف باستعماله ضرر رفيقه المحترم من عطش ونحوه شرع له التيمم وفاقاً لأن حرمت الآدمي تقدم على الصلاة وهو كما لو خاف على نفسه لأن حرمت رفيقه كحرمة نفسه رفيقه يعني من معه ومن الرفقة إن اغتسل بهذا الماء عطش من معه - حينئذٍ - مراعاة لهذا الرفيق الذي يكون معه بشرط أن يكون محترماً - حينئذٍ - يتعين عليه التيمم ويعطي الماء لمن يشرب (أو حرمته) يعني زوجته أو امرأة من أقاربه كعمته وخالته قال المحشي [هنا في عبارته قصور فلو قال كما في المنتهى (وعطش نفسه أو غيره من آدمي أو بهيمة محترمين) لكان أولى وعبارة المقنع (أو رفيقه أو بهيمته) قال في المبدع (وكذا إن كانت لغيره) لأن في الروح حرمة وسقيها واجب وقصة البغي مشهورة قال ابن القيم (وأحلقت الأم من خاف

على نفسه أو بهائمه من العطش إذا توضأ بالعادة)] إذاً القاعدة عامة (أو ماله) كالبهيمة (بعطش) هذا متعلق بضرر (أو مرض أو هلاك أو نحوه) كشرود أو سرقة أو فوات مطلوبه كعدو خرج في طلبه آبق أو شارد يريد تحصيله لأن في فوته ضرر وهو منتفي شرعاً إذاً لهذه الأسباب وغيرها مما يكون فيه إما عادماً للماء حساً وهذا الذي عناه بقوله (أو عدم الماء) أو عادماً للماء حكماً وأورد أمثلة فقط ليس المراد الحصر أورد أمثلة - حينئذٍ - يكون الضابط في الحكم متى ما غلب على ظنه عدم استعمال الماء عدل إلى التيمم سواء كان بميل نفسه أو قول طبيب أو صاحب خبرة ونحو ذلك قال (شرع التيمم) أي وجب لما يجب الوضوء أو الغسل له وسن لما يسن له ذلك وهو جواب (إذا) من قوله (إذا دخل وقت فريضة) (إذا دخل وقت فريضة أو أبيحت نافلة وعدم الماء أو زاد) (شرع التيمم) - حينئذٍ - صار مشروعاً إذا لم يكن فاقداً للماء حساً أو حكماً فلا يشرع التيمم وهو كذلك وهو محل وفاق بين أهل العلم، ومن كان مريضاً لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء فهو كالعادم والمرض هذا أشد ما يحتاجه الناس الآن لأنه لا سبيل له إلى الماء أشبه من وجده في بئر ليس له ما يستقي به منها يعني لو وقف على بئر وليس عنده دلو وليس عند ثمن يشتري به الدلو عدم الماء حقيقة أو حكماً؟ حكماً لأنه واجد للماء الماء مدرك بالبصر ولكن لا يستطيع وليس له قدرة إلى الوصول إليه لا نقول له خاطر إنزل وإنما نقول له سقط عنك الوضوء - حينئذٍ - يعدل إلى التيمم هذا المراد، وإن وجد من يناوله قبل خروج الوقت فهو كالواجد في الحال لأنه بمنزلة من يجد ما يستقي به في الوقت وإن خاف خروج الوقت قبل مجيئه فقيل له التيمم ولا إعادة عليه لأنه عادم في الوقت أشبه العادم مطلقاً إذاً المريض إن لم يجد من يناوله الماء حتى يخرج الوقت تيمم بمعنى أنه ينتقل إلى التيمم ولو وجد الماء قد يكون في بيته قد يكون في مستشفى ونحوه - حينئذٍ - نقول تفصيل فيه إن لم يجد من يناوله الماء يعطيه الماء ليتوضأ هو أو يوضئه حتى يخرج الوقت يعني غلب على ظنه بأن الوقت سيخرج ولم يأتي من يعطيه الماء - حينئذٍ - شرع له التيمم إذا غلب على ظنه سيأتي قبل خروج الوقت من يناوله الماء لا يشرع له التيمم؛ لماذا؟ لأنه ليس عادماً للماء لا يعتبر عادماً للماء لأن غلبة الظن هنا معتبرة تعتبر معتبرة- حينئذٍ - ينتظر حتى يخشى خروج الوقت فإن خشي خروج الوقت - حينئذٍ - شرع له التيمم وأما قبل ذلك فلا، ثم قال (ومن وجد ماء يكفي بعض طهره تيمم بعد استعماله) هذا على ما ذكرناه سابقاً عادم الماء قد يعدم الماء حقيقة أو حكماً في جميع بدنه إن كان غسلاً أو في بعض أعضائه إن كان غسلاً أو وضوء يجد بعض الماء لكنه لا يكفي كل طهارته ماذا يلزمه؟ هل هذا فاقد للماء بحيث يعدل إلى التيمم مباشرة أو أنه يلزمه استعمال الماء ثم بعد ذلك يكون عاجزاً؟ متى نصفه بالعجز وعدم الماء حساً أو حكماً مع وجود الماء أو يستعمل الماء ثم بعد ذلك نصفه؟ الصحيح ما ذهب إليه المصنف أن من وجد ماء يكفي بعض طهره لا كل طهره - حينئذٍ - نقول هذا واجد للماء ولا يصدق عليه قوله تعالى (فلم تجدوا ماء) لأن الذي لم يجد

الماء ماء نكرة في سياق النفي فتعم لا ماء لا قليلاً ولا كثيراً وهذا واجد للماء وهو قليل - حينئذٍ - نقول له ماذا؟ استعمل هذا الماء في شيء من الطهارة إن كان وضوء تمضمض به واستنشق واغسل وجهك فإن انتهى - حينئذٍ - تتيمم للباقي ولا تتيمم عن كل الأعضاء وإنما تتيمم للباقي؛ لماذا؟ لأنه مع وجود الماء لا يصدق عليك قوله تعالى (فلم تجدوا ماء) بل أنت واجد للماء ووجه الاستدلال أن ماء هنا نكرة في سياق النفي فتعم يعني تعم القليل والكثير وهذا يعتبر واجد للماء - فحينئذٍ - لا يحل له التيمم قبل استعمال الماء (ومن وجد ماء يكفي) هذا الماء (بعض طهره) من حدث أكبر أو أصغر ماذا يصنع قال (تيمم) متى (بعد استعماله) مفهومه لا قبل استعماله؛ بعد يقابله قبل، إذاً (تيمم بعد استعماله) لا يتيمم قبل استعماله لأنه لو تيمم قبل استعماله ما صح تيممه لماذا؟ لأن هذه طهارة بدل عن الماء على ما ذكره المصنف؛ متى يكون بدلاً عن الماء؟ إذا فقد الماء حقيقة أو حكماً وهذا واجد للماء ولو وجد ما يكفي بعض طهره (تيمم بعد استعماله) ولا يتيمم قبله أي لا يتيمم قبل استعمال الماء في بعض طهره وجوباً قال في الإنصاف وغيره [وهو المذهب وعليه الجمهور] يعني هذا القول عليه جمهور أهل العلم لقوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فدل على وجوب استعمال الماء الذي يكفي لبعض طهره ثم تجد على هذين الدليلين الدليل السابق وهو قوله تعالى (فلم تجدوا ماء) وماء نكرة في سياق النفي فتعم الماء القليل والماء الكثير وهذا لا يصدق عليه الحقيقة، (ومن جرح تيمم له وغسل الباقي) هذا نوع من المرض الذي يكون به شيء من الجروح أو القروح ولا يستطيع أن يغسل هذه الجروح - حينئذٍ - هذه الجروح إما أن تكون في كل البدن أفي كل الأعضاء الأربعة كمن يحترق ونحو ذلك - حينئذٍ - يعدل مباشرة إلى التيمم ولا إشكال فيه لكن لو وجدت هذه الجروح في بعض أعضاء الوضوء في يده مثلاً ماذا يصنع؟ يتيمم عن هذا الجرح وعلى الصحيح تيمم قبل الوضوء أو بعده لا يضر بمعنى أنه لا يشترط الترتيب هنا - حينئذٍ - نقول له أن يتوضأ وضوء كاملاً ويترك هذا الجرح إذا لم يستطع استعمال الماء مطلقاً أما إذا استطاع أن يستعمل ولو مسح عدل إلى المسح فإذا لم يستطع الغسل ولا المسح - حينئذٍ - يتوضأ وضوء كاملاً ثم إذا انتهى تيمم بعد طهارته أو له أن يقدم التيمم قبل ماذا؟ قبل الوضوء أو الغسل ثم بعد ذلك ثم بعد ذلك يتيمم هنا قال (ومن جرح) وتضرر بغسل الجَرح أو الجُرح أو مسحه بالماء لأن الأصل عندهم أنه يجب الغسل أولاً فإن لم يستطع وأمكنه المسح مسح لأن المسح في الجملة كما قالوا في الجملة مشروع ولذلك الرأس يمسح وكذلك العمامة والخمار على قولهم وكذلك المسح على الخفين ونحوها هذه كلها ممسوحات إذاً المسح في الجملة جاء به الشرع فإذا عجز عن الغسل عدل إلى المسح - حينئذٍ - إذا أمكنه أن يمسح الجرح مسح فإذا لم يمكن المسح عدل إلى التيمم ولذلك قال [(ومن جرح) وتضرر - لابد أن يتضرر - بغسل الجرح أو كان به قروح أو رمد ونحوها وهو جنب أو محدث (تيمم له وغسل الباقي) لقوله تعالى (ولا

تقتلوا أنفسكم) - هذه قاعدة عامة - وورد عن ابن عباس مرفوعاً لقوله (وإن كنتم مرضى أو على سفر) قال: إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله أو القروح فيجنب فيخاف أن يموت إن اغتسل تيمم] قال (تيمم له) يعني للجرح ولما يتضرر بغسله مما قرب منه يعني الجرح وما قرب منه لو أصابه الماء لأصاب الجرح الضرورة لآن تقدر بماذا؟ بالجرح نفسه لكن ما كان مجاوراً للجرح لو وصله الماء قد يتضرر الجرح - حينئذٍ - يتيمم عن شيئين عن الجرح للعجز وعن ما كان مجاوراً للجرح لأنه لا يمكن تفادي ذلك إلا بتفادي هذا الشيء - حينئذٍ - ما جاور الجرح أخذ حكمه فيكون ماذا؟ متيمماً عنه (وغسل الباقي) وهنا قال ماذا؟ (تيمم له وغسل الباقي) والصحيح أنه تيمم قبل الغسل أو غسل ثم تيمم الصحيح هو الذي ذكرناه فإن لم يتضرر بمسحه وجب وأجزأ على المذهب هنا قال [وإن كان جرحه في بعض أعضاء وضوئه لزمه إذا توضأ مراعاة الترتيب]- حينئذٍ - إذا كان الجرح في اليد قالوا يجب أن يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ثم يتيمم عن يده ثم بعد ذلك يمسح رأسه ثم يغسل ثم رجله ولا يجوز له أن يقدم التيمم على الوضوء كله ولا يؤخره عن الوضوء كله؛ لماذا؟ لأنه يشترط عندهم الترتيب - حينئذٍ - يجب أن يكون وقت التيمم أو وضع التيمم ومكانه أن يكون في محل العضو لو كان مغسولاً لو كان مغسولاً متى يغسل يده؟ بعد وجهه وقبل مسح رأسه أليس كذلك؟ إذاً يتيمم عن اليدين مثلاً أو عن يده بعد غسل وجهه وقبل مسح رأسه فإن خالف فلا يصح وهذا ليس عليه دليل واضح، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى [لا يلزمه مراعاة الترتيب] وهو الصحيح من مذهب أحمد وقال [الفصل بين أعضاء الوضوء بالتيمم بدعة] لأنه ليس عليه دليل واختاره المجد وغيره وقال ابن الرازين [هو أصح] لأن التيمم طهارة مفردة مستقلة والوضوء طهارة مستقلة ولو كان بدلاً عنه هذه طهارة مستقلة وهذه طهارة مستقلة إدخال طهارة كاملة في ضمن طهارة مستقلة هذا ليس عليه دليل، ثم قال (ويجب طلب الماء في رحله وقربه وبدلالة) إذا علمنا أنه عدم الماء حقيقة هذا إنما يكون في عدم الماء أو انعدام الماء حقيقة؛ متى نحكم عليه أو يحكم هو على نفسه أنه عادم للماء؟ قال الله تعالى (فلم تجدوا) (تجدوا) قال جاء بهذه الصيغة ليدل على أنه لا يتحقق عدم وجدان الماء إلا إذا طلبه لابد أن يبحث ويتيقن عدم وجود الماء في بحث في كما قال هنا (في قربه) (ويجب طلب الماء في رحله) المراد بالرحل المتاع الذي يكون معه إذا كان مسافراً والرحل المتاع والمراد الجماعة وفي الحواشي حواشي الإقناع مسكنه - حينئذٍ - يجب أن يبحث عن الماء في رحله بأن يفتش في رحله وما يستصحبه من أثاثه ما يمكن أن يكون فيه كان أواني يوضع فيها (وقربه) يعني في قربه يعني المكان الذي يكون قريباً منه كما لو كان في صحراء ونحوه بحيث هل ثَمَّ ماء هل ثَمَّ بئر هل خلف هذا الجبل ماء ونحو ذلك لابد أن يبحث في قربه عرفاً بمعنى أنه لا يلزم أن يذهب المكان البعيد الذي يشق عليه وإنما ما تعارف عليه أنه قريب - حينئذٍ - نقول هذا باحث (وقربه) أي قرب رحله بأن ينظر خلفه وأمامه وعن يمينه وعن شماله والقريب ما عد في العرف قريباً لا ويتقيد

بميل ولا فرسخ كما عده بعضهم (وقربه) بأن ينظر خلفه وأمامه وعن يمينه وعن شماله إذا كانت أرضاً جاهلاً بها فإن كان إذا خبرة به يعلم أن هذه الأرض ليس فيها بئر وليس فيها ماء وليس فيها ينابيع ولا عيون ونحوها - حينئذٍ - عمل بهذه الخبرة ولا يحتاج إلى البحث، (وبدلالة) يعني إذا وجد من يدله ولو بمال لكن لا يزيد ثمن مثله لأنه لا يتحقق أنه عادم للماء إلا إذا بحث عنه في هذه الأماكن الثلاثة ويلزمه أيضاً طلبه (بدلالة) وهي لغة الإرشاد يعني بدلالة ثقة ولو بمال والثقة هو العدل الضابط إذا كان قريباً عرفاً على الصحيح ولم يخف فوت وقت ولو المختار أو على رفقة أو نفسه أو ماله - حينئذٍ - يجب عليه أن يبحث بمعنى أنه يدله دليل يذهب معه بشرط أن لا يخاف فوت رفقة بحيث لو ذهب مع هذا الدليل وهذا المرشد ضاعت عليه الرفقة إن خشي سقط عنه هذا البحث المراد هنا قاعدة ليس المراد هذه الأماكن الثلاث المراد أن يتحقق عدم وجود الماء والصحيح أنه لو غلب على ظنه أنه لا ماء جاز له أن يعدل إلى التيمم، ثم قال (فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد) إذا كان عنده ماء وظن أنه ليس في رحله ماء أو ليس قربه ماء غلب على ظنه ليس وراء هذا الجبل ماء بئر مثلاً ثم تيمم بناء على هذا صح تيممه أو لا؟ صح تيممه إن تذكر أنه قد أخطأ في الظن أو وقع نسيان هل يلزمه إعادة التيمم أو لا؟ قال المصنف (فإن نسي) ومثله لو جهل (فإن نسي قدرته عليه) على الماء أو جهله بموضع يمكن استعماله (وتيمم) وصلى لم يجزئه على المذهب بل تلزمه الإعادة؛ لماذا؟ لأنه تحصيل شرط لصحة الصلاة ومعلوم أن الشروط لا يدخلها النسيان لا تسقط بالنسيان - حينئذٍ - كأن لم يتيمم كما لو كان عنده سترة في بيته ستر عورته وصلى عرياناً ثم تذكر أن عنده سترة هل تصح صلاته أم لا؟ سيأتينا لا؛ لماذا؟ لأنه لا يعتبر فاقداً أو عادم للسترة بل نسيانه لا أثر له من حيث إعادة الصلاة أو نحوها وإنما النسيان له أثر في رفع الإثم فحسب ولذلك قوله تعالى (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) (ربنا لا تؤاخذنا) هنا الدعاء متعلق بماذا؟ في عدم المؤاخذة لا في عدم المطالبة بالإعادة ونحوها واضح هذا فالنسيان أثره في رفع الإثم وأما في الفعل هذا لا يسقط إلا إذا دل دليل على إسقاطه (ونسي قدرته عليه) يعني يعلم أن حوله بئر لكنه نسي تيمم وصلى لم يجزئه على المذهب (أعاد) هذا المذهب وعنه يجزئ رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يجزئ (أعاد) قال المصنف (أعاد) لأن الطهارة تجب مع العلم والذكر فلا تسقط بالنسيان والجهل ولأنه تحصيل شرط فلا يسقط بالنسيان كمن نسي الرقبة وكفر بالصيام، ثم قال (وإن نوى بتيممه أحداثاً) إلى آخره يأتينا في محله والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

12

عناصر الدرس * قوله: "وإن نوى بتيممه أحداثًا". * صفة التراب المشترط للتيمم. * هل يصح أن يتيمم عن نجاسة على البدن، والبقعة؟ * قوله: "وتجب النية لما يتيمم له من حدث وغيره". * مسائل في النية فيما يتعلق بالتيمم. * مبطلات التيمم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد شرعنا في باب التيمم ذكرنا ما يتعلق به من مسائل أولية من حيث الحد والشرط فهو تحقيق شرطين التيمم وهما دخول الوقت كذلك عدم الماء لابد من تحقيق هذين الشرطين، وتوقفنا عند قول المصنف رحمه الله تعالى (وإن نوى بتيممه أحداثاً أو نجاسة على بدنه تضره إزالتها أو عدم ما يزيلها أو خاف برد أو حبس في مصر فتيمم أو عدم الماء والتراب صلى ولم يعد) هذا ما يتعلق ببعض المسائل التي يشرع فيها التيمم على جهة التفصيل ثَمَّ مسائل مشهورات يحتاجها من أراد التيمم لأنه بدل عن طهارة الماء كما سبق بيانه (وإن نوى بتيممه أحداثاً) بمعنى أنه الشأن هنا كالشأن في الوضوء فالوضوء رفع الحدث إنما يكون باستعمال الماء في الأعضاء الأربعة ثم ماذا ينوي؟ ينوي رفع الحدث عن هذه الأسباب كلها فلو بال وخرج منه ريح ونام هذه أسباب يترتب عليها الحدث، الحدث قائم بالبدن - حينئذٍ - يتوضأ وينوي رفع بوضوئه رفع هذه الأحداث كلها هل الشأن في التيمم كالشأن في الوضوء؟ الجواب نعم ولذلك قال (وإن نوى بتيممه أحداثاً) (نوى) أي قصد بتيممه أحداثاً أي أسباب الأحداث لأن الأحداث جمع حدث والحدث كما مر معنا أنه لا يتبعض لأنه وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة - حينئذٍ - هو وصف شيء واحد ولذلك لا يتبعض ولا يتجزأ إما أن يوجد كله وإما أن يرتفع كله وأما رفع البعض مع وجود البعض هذا لا نظير له في الشرع (وإن نوى بتيممه أحداثاً) أي أسباب الحدث هذه الأحداث متنوعة ولذلك جمعها المصنف هنا يعني ليس المراد حدث واحد أخرج بولاً ثم بال ثم بال لا المراد أنه تنوعت الأحداث بال وتغوط ونام وخرج منه ريح هذه أسباب أحداث موجبة للحدث - حينئذٍ - (نوى بتيممه أحداثاً) متنوعة هذه الأحداث قد توجب وضوء وهي نواقض الوضوء أو توجب غسلاً وهي موجبات الغسل لأن التيمم محل اتفاق أنه يكون عن الحدث الأصغر ويكون عن الحدث الأكبر الحدث الأصغر بنص القرآن والحدث الأكبر وقع نزاع في أول الأمر عن الصحابة ثم حصل الإجماع على أنه يكون عنه كذلك ولذلك قال [توجب وضوء أو غسلاً] أجزأه عن الجميع أما الحدث الأكبر فلقوله (أو لامستم) الملامسة الجماع كما هو في تفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنه ولحديث عمران بن حصين في الرجل الذي انعزل (فقال: أصابتني جنابة ولا ماء) (أصابتني جنابة - إذاً حدث أكبر - ولا ماء؛ فقال: عليك بالصعيد فإن يكفيك) إذاً هذه طهارة عن الحدث الأكبر والحائض إذا انقطع دمها فهي كالجنب - حينئذٍ - أخذت حكمه وأما الأصغر فبالإجماع لقوله جل وعلا (أو جاء أحد منكم من الغائط) وكذلك حديث (الصعيد الطيب وضوء المسلم) إذاً الخلاصة أن التيمم يكون عن الحدث الأصغر هذا محل إجماع ونص وارد فيه في آية المائدة كذلك الحدث الأكبر وهو محل إجماع وإن وقع نزاع في أول الأمر لكن أجمعت الأمة بعد ذلك على أنه مشروع لهما إذاً إذا نوى بتيممه أحداثاً أجزأه ولذلك جاء النص النبوي مبيناً للقاعدة العامة (إنما الأعمال بالنيات) والتيمم عمل فدخل في منطوق هذا

النص (إنما الأعمال بالنيات) - حينئذٍ - إذا نوى بتيممه كل الأحداث - حينئذٍ - يترتب عليه ما يترتب على الوضوء وكذا لو نوى أحدها - حينئذٍ - يرتفع الباقي يعني لو نوى بتيممه ما يترتب على خروج الريح ولم يتعرض لخروج البول مثلاً أجزأه لأنه لا يشترط أن ينوي كل الأسباب لكن لو نوى كل الأسباب أجزأه لو نوى سبب واحداً بشرط عدم نية أن لا يريد الثاني - حينئذٍ - ارتفع وأعبر هنا بارتفاع بناء على الأغلب والمراد به الاستباحة لأن التيمم على الصحيح لا يرفع الحدث أو نوى بتيممه الحدثين جمع بينهما - حينئذٍ - نقول يجزئ على الصحيح وإن ثَمَّ خلاف بين أهل العلم ولا يكفي أحدهما عن الآخر لو نوى بتيممه الحدث الأصغر وعليه الحدث الأكبر ولم ينوي الحدث الأكبر قال المصنف الشارح [لا يجزئه] أو نوى الحدث الأكبر ولم ينوي الأحدث الأصغر قالوا لا يجزئه؛ لماذا؟ لقول صلى الله عليه وسلم (وإنما لكل امرئ ما نوى) هذا نوى الحدث الأصغر ولم ينوي الأكبر فلا يتحقق له إلا الأصغر والعكس بالعكس وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه يجزئه لو نوى أحد الحدثين ولم ينوي الآخر فإن قيل بأنه لو نوى الأكبر دخل فيه الأصغر على القاعدة السابقة أجزأ وأما إذا نوى الأصغر ولم ينوي الأكبر فهذا محل نظر لعموم حديث (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا لم ينوي الحدث الأكبر - حينئذٍ - نقول هو طهارة مستقلة والحدث الأصغر كذلك طهارة مستقلة كل منهما عبادة مستقلة فالوضوء عبادة مستقلة والغسل من الجنابة عبادة مستقلة إن نوى بغسله رفع الحدث الأصغر أجزأ وهذا محل وفاق حكينا فيه إجماع وإن كان فيه خلاف عند بعض المتأخرين يعني اغتسل للجنابة ولم يتوضأ هل يجزئ أو لا يجزئ؟ هل يشترط أن يتوضأ بعد غسله؟ الصحيح لا لكن بشرط أن لا يأتي بناقض ولو أثناء غسله كأن لا يمس ذكره أو دبره فإن مس انتقض وضوؤه وأما إذا بقي منذ أن ابتدأ غسله إلى أن انتهى ولم يمس عضوه - حينئذٍ - هذا يجزئ ويصلي مباشرة ولا يحتاج إلى وضوء ولو لم يتوضأ يأتي بالسنة في أول الغسل لأن السنة أن يتوضأ أولاً ثم بعد ذلك يعمم بدنه سواء توضأ أو لا نقول هذا الغسل رافع للحدث الأصغر لماذا؟ لأنه إذا نوى النوعين فهو واضح وإن لم ينوي نقول الله عز وجل إنما بين بقوله (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) إلى قوله (وإن كنتم جنباً فاطهروا) والكلام هنا في القائم إلى الصلاة؛ القائم إلى الصلاة الذي يريد أن يصلي إما أن يكون محدث حدثاً أصغر وإما أن يكون محدثاً أكبر؛ أوجب عليه إن كان محدثاً حدثاً أصغر بأول الآية الوضوء وأوجب عليه إن كان محدثاً حدثاً أكبر بقوله (فاطهروا) يعني اغتسلوا ولم يوجب عليه الوضوء لأن مرحلتان هنا عندنا حدث حدث أصغر وحدث أكبر فأوجب عليه الطهارة الكبرى ولم يوجب عليه الوضوء لأنه قال (وإن وكنتم جنباً) يعني لستم محدثين حدثاً أصغر وإنما كنتم على جنابة (فاطهروا) أي اغتسلوا ولم يوجب عليه الوضوء فدل ذلك على أن من كان محدثاً حدثاً أكبر إنما يجب عليه الغسل فحسب ولم يوجب عليه الرب جل وعلا الوضوء الكلام في التيمم الأصل أنه يأخذ حكمه - حينئذٍ - إذا نوى بتيممه الحدث الأكبر

دخل فيه الأصغر وأما العكس شيخ الإسلام ابن تيمية نسب إلى الجمهور أنه جائز وهذا محل إشكال بالنسبة للقاعدة السابقة، (أو نجاسة على بدنه تضره إزالتها أو عدم ما يزيلها) النجاسة، الطهارة إما أن تكون طهارة حدث وإما أن تكون طهارة خبث يعني إزالت النجاسة وكل منهما لا يرتفع الحدث ولا تزال النجاسة إلا بالماء الحدث محل وفاق الطهارة الصغرى والكبرى لا يرتفع الحدث إلا بالماء ولا يرفع الحدث إلا الماء الطهور وإزالت النجاسة هذه محل نزاع كما سبق في أول الكتاب هل تزال النجاسة بغير الماء أم لا؟ أما بالماء هذا محل وفاق لكن بغير الماء من المائعات سواء كان الماء طاهراً أو مائعاً من المائعات كالخل ونحوه الصحيح أنه لا ترفع لا تزال النجاسة إلا بالماء هنا قال (أو نجاسة على بدنه) لا شك أن النجاسة قد تكون على البدن وقد تكون على الثوب وقد تكون على البقعة المكان وهنا التيمم لأي شيء؟ للصلاة كما أن الوضوء والغسل إنما المراد بها الأحكام لبيان ما يتعلق بالصلاة لأن كتاب الطهارة كله إنما هو مقدمة للصلاة ولذلك قال بعض الفقهاء انظر عظم شأن الصلاة أن جعل ما يقارب خمس مئة حديث كله لبيان ما يشرع للمرء قبل الدخول في الصلاة شيء عظيم فكل الذي يدرس ومن الأحاديث أو ما يتعلق من المتون الفقيه مسائل عديدة جداً مراده في الغاية العامة هو ما يتلبس به المرء قبل الشروع في الصلاة هذا يدل على عظم الصلاة في الشريعة وأن الله عز وجل عظم شأنها بأنه لا يدخل المرء عليه إلا وهو طاهر ومتطهر ظاهراً وباطناً - حينئذٍ - النجاسة إنما تزال في الأصل لمن أراد الصلاة فيشترط في صحة الصلاة اجتناب النجاسات في البدن وفي الثوب وفي البقعة - حينئذٍ - إذا كانت النجاسة على المكان على البقعة قولاً واحداً أنه لا يتيمم عنها قولاً واحداً باتفاق وإذا كانت النجاسة على الثوب فيه خلاف والمذهب أنه لا يتيمم عنها كذلك بقي النوع الثالث وهو النجاسة على البدن قالوا لابد أن يكون طاهراً من الحدث ومن النجس فطهارة الحدث الأصل فيها الماء فإذا لم يوجد الماء انتقل إلى التيمم كذلك الخبث إذا كان على البدن لابد من إزالت هذه النجاسة فالأصل فيها أن الماء فإذا لم يوجد الماء عدلنا إلى البدل الذي هو التيمم قياساً على رفع الحدث كما أنه يرفع الحدث من أجل الدخول في الصلاة بالتيمم إذا لم يوجد الماء كذلك إذا وجدت النجاسة على البدن الأصل إزالتها بالماء فإذا لم يوجد الماء - حينئذٍ - عدلنا إلى التيمم إذاً من باب القياس ولذلك قال (أو نجاسة) يعني (أو) نوى بتيممه (نجاسة) نجاسة هذه معطوف على قوله (أحداثاً) (نوى بتيممه أحداثاً) (أو نجاسة على بدنه) (على بدنه) جار ومجرور متعلق بقوله (نجاسة) كيف تعلق به لأنه مصدر والمصدر من متعلقات الجار والمجرور كذلك الظرف، إذاً نوى نجاسة على بدنه لا تقل على بدنه وتعلق قوله نوى ما يصح هذا نوى على بدنه ما يصح إن كان نوى على بدنه وإنما نوى ماذا؟ (نجاسة) يعني نوى بتيممه رفع أو استباح ما يترتب على النجاسة من المنع (على بدنه) متعلق بنجاسة مفهومه مفهوم المخالفة ما هو؟ ما هو مفهوم المخالفة؟ ما هو مفهوم المخالفة؟ - لا إله إلا الله - قدمته مقدمة أولاً

مفهومه على المذهب أنه لا يتيمم عن نجاسة على بقعة ولا على ثوب إذاً قوله على بدنه مفهومه أنه لا ينوي نجاسة على بقعته وهذا قولاً واحداً وكذلك على ثوبه وإنما خص المذهب مذهب الحنابلة النجاسة التي تكون على البدن وحفظ أن هذه المسألة من المفردات يعني التي انفرد بها مذهب الحنابلة عن سائر الأئمة الثلاثة يعني لا يرى ذلك أبا حنيفة ولا مالك ولا الشافعي وهذه من المفردات إذاً يجوز التيمم للنجاسة على بدنه متى قال (تضره إزالتها) يعني لو أراد إزالت هذه النجاسة لضره يعني وجد الماء؛ الماء موجود لكن لا يستطيع أن يزيل هذه النجاسة؛ لماذا؟ لأنه يترتب عليه الضرر وذلك إذا وقعت النجاسة على جرح مثلاً عليه جرح مكشوف وجاءت إليه قطرة بول كيف يزيلها إن غسلها بالماء تضرر جرحه ماذا يصنع؟ يتيمم عنها هنا وجد الماء لكنه عجز عن استعماله - حينئذٍ - يكون فاقداً للماء حكماً لأنه إذا كانت فيه جروح ووقعت عليه نجاسة وضره إزالت هذه النجاسة عدل إلى التيمم أو عدم ما يزيلها ليس عند ماء - حينئذٍ - كما أن ليس عنده ماء لرفع الحدث يعدل إلى التراب كذلك إذا لم يكن عنده ماء في إزالت النجاسة يعدل إلى التراب، إذاً يجوز التيمم على المذهب وهي المفردات يجوز التيمم للنجاسة على بدنه إذا عجز عن غسلها لخوف الضرر يتضرر الجرح مثلاً أو عدم الماء قال أحمد هو بمنزلة الجنب يتيمم روي نحو ذلك عن الحسن وأدلة المذهب دليل المذهب قوله صلى الله عليه وسلم (الصعيد الطيب طهور المسلم) وهذا عام وسبق معنا تقرير قاعدة وهي أنه متى ما أطلق أولاً قاعدة وهي أننا عرفنا الطهارة في الشرع وهي ارتفاع الحدث وما في معناه وزال الخبث هذه الجملة تعريف للطهارة هل هذا التعريف اصطلاحي أو شرعي؟ هل اصطلاح عليه الفقهاء أم الشرع الذي أطلق لفظ الطهارة وأراد به رفع الحدث وإزالت النجاسة؟ الشرع؛ إذاً حقيقة شرعية والقاعدة الأصولية أن اللفظ يحمل على حقيقته الشرعية متى ما وجد، واللفظ محمول على الشرعي ... إن لم يكن فمطلق العرفي فاللغوي على الجلي

- حينئذٍ - نقدم الحقائق الشرعية فإذا جاء لفظ الطهور والطهارة في أي نص قرآني أو نبوي نفسره بالنوعين طهارة الحدث وطهارة الخبث هذه هي القاعدة إلا لقرينة أو دليل بالاستثناء - وحينئذٍ - يكون كالعام فيستثنى منه - حينئذٍ - المذهب قالوا جاء قوله صلى الله عليه وسلم (الصعيد الطيب طهور المسلم) (طهور المسلم) إذاً يتطهر بماذا؟ برفع حدث أو إزالت نجاسة إذاً النص عام، وحديث (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) ولأنها طهارة في البدن تراد للصلاة فجاز لها التيمم قياساً على الحدث وأما قول من رد هذه المسألة بأن لم يرد بها الشرع قالوا النصوص عامة والأخبار عامة - حينئذٍ - دخلت في النص، فأما إن كانت النجاسة على ثوب لا على بدن لا يتيمم لها لأن التيمم طهارة في البدن فلا تنوب عن غير البدن كالغسل وأما المكان فقولاً واحداً لا خلاف بين أهل العلم أنه لا يتيمم عن النجاسة التي تكون في المكان لأنه منفصلة عنه، وقال أكثر الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية أنه لا يتيمم للنجاسة عن البدن وهذا هو الصحيح لأن الشرع لم يرد إلا بطهارة الحدث فحسب كما في آية المائدة لأن الشرع إنما ورد بالتيمم للحدث سواء كان حدثاً أصغراً أو حدثاً أكبراً وغسل النجاسة ليس في معناه وإنما يكون في محل النجاسة ولأن المقصود من غسل النجاسة إزالت النجاسة هذا المقصود فهي معللة حكماً هي معللة من حيث الحكم لكن غير معللة من حيث ما تزال به واضح معللة الحكم يعني لماذا أمر الشارع بإزالت النجاسة؟ لأن المقصود أنه خبث - حينئذٍ - لابد من إزالتها لكن الذي تزال بها هذا غير معقول المعنى فلا يقاس عليه غيره كما بينته في الشرح المطول فليرجع إليه، إذاً الصواب أنه لا يتيمم عن النجاسة لعدم ورود ذلك فإن قيل بأن النصوص عامة القاعدة صحيحة القاعدة بأنه إذا أطلق لفظ الطهارة انصرف إلى النوعين طهارة الحدث وطهارة الخبث صحيحة فإذا جاء لفظ فسر بهذا المعنى لكن لابد من فهم الصحابة ولابد أن ينقل شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الخلفاء أو عن كبار الصحابة فلما لم ينقل حرف واحد بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تيمم عن النجاسة أو أن أحد من أصحابه علمنا أن هذا الفرد غير مراد من اللفظ العام وهذا مخصص عند أهل العلم وهو قول قوي أن اللفظ العام إذا وجد سبب بعض أفراده في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه اعتبره نجعل ذلك مخصصاً نجعله مخصصاً - حينئذٍ - إذا أطلق لفظ عام أو مطلق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو تكلم الرب جل وعلا بذلك والنبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أن فرد من أفراده قد عمل به بعض الصحابة مع وجود المقتضي لأن النجاسة موجودة سافر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك يصيبه جرح في القتال والمعركة ونحو ذلك ولم ينقل حرف واحد إذاً السبب موجود معارك وحاجة الناس في ذلك الزمان وكانوا يخرجون مع النبي صلى الله عليه وسلم بالأسابيع والأشهر من أجل المعارك - حينئذٍ - كونه لم يأمره بالتيمم عن النجاسة مع وجود السبب والمقتضي وهذا أمر ظاهر واضح بين عدم أمره دل على أنه لا يتيمم واللفظ العام هذا يكون مخصوصاً بهذه الحال واضح - حينئذٍ - إذا جاء التيمم حمل لفظ

الطهور على أحد نوعي الطهارة ولا تعمم - حينئذٍ - إذا قيل هذا لفظ عام نقول ثَمَّ مخصص ما هو؟ عدم عمل النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من صحابته بهذا الفرد فدل على أنه غير مراد من اللفظ العام انتبه، إذاً (أو نوى بتيممه نجاسة على بدنه تضره إزالتها) كما لو وقعت على جرح (أو عدم ما يزيلها) يعني عدم الماء - حينئذٍ - يعدل إلى التيمم على المذهب والصواب أنه لا يعدل إليه فإن قيل كيف يصلي بنجاسة؟ نقول الواجب إزالتها بالماء فإن وجد الماء وجب إزالتها وإذا لم يوجد الماء - حينئذٍ - نقول هذا الشرط معجوز عنه ولا واجب مع العجز إذا لم يوجد الماء سقط وجوب إزالته النجاسة؛ لماذا؟ لأنه واجب وعندنا قاعدة وهي؛ ما هي؟ لا واجب مع العجز وهنا عجز عن غسل النجاسة لأن المطلوب إزالتها بالماء ليس عنده ماء - حينئذٍ - نقول سقط ولا إشكال في ذلك ولذلك قال ابن تيمية [إذا عجز عن إزالت النجاسة سقط وجوب إزالتها وجازت الصلاة معها بدون تيمم] وهذا واضح بين، (أو خاف برد) يعني عندهم ولو كان حاضراً في بلده وخاف من البرد لكن بشرط مع عدم وجود ما يسخن به الماء أما إذا وجد ماء يسخن به الماء لا يعدل إلى التيمم (أو خاف برد) يعني ضرر برد يعدل إلى التيمم فيتيمم ويصلي ولا إعادة عليه لعموم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) ولقوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) ولحديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال (احتلمت في ليلة باردة شديد البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم فصليت بأصحابي صلاة الصبح فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لذلك له - أنه تيمم عن جنابة - فقال: يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب؟) قلنا هذا دليل على ماذا؟ على أن التيمم لا يرفع الحدث وهو صحيح التيمم لا يرفع الحدث لأنهم لما اشتكوا عمرو أنه صلى بتيمم عن جنابة إذاً صلى بتيمم عن جنابة؛ كيف يجتمعان؟ إذا كان التيمم رافع للحدث لا يتحد الوصف فكان الأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم ينكر عليهم سؤالهم لكنه أقرهم (فقال: يا عمرو أصليت بأصحابك - صليت التاء فاعل - وأنت جنب؟) الواو واو الحال (وأنت جنب؟) صليت جنبا كيف صليت جنب وهو قد تيمم لو قيل بأنه رافع للحدث ما صح الكلام هذا فكيف يقال بأنه تيمم وارتفع حدثه (أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقلت: ذكرت قول الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً) لفظ أحمد وأخرجه أهل السنن والبخاري تعليقاً ولم يعد فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ولم ينكر وصفه بكونه جنب أقره النبي صلى الله عليه وسلم الوصف واضح هذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم وصف عمرو وهو جنب مع كونه قد تيمم إذ لو كان هذا التيمم رافع للحدث لما صح السؤال ولتعين الإنكار لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم سؤالهم وإنكارهم لأنهم أنكروا شيئاً مشروعاً فإذا كان كذلك كان الأصل تصويب السؤال من أصله بل أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم ووجه السؤال نفسه إلى عمرو فأجاب بالآية ثم ضحك النبي صلى الله عليه وسلم فدل على ما ذكر هذا واضح بين، إذاً يتيمم خوف البرد إذا أشفق على نفسه وخشي الهلاك لكن بشرط أن لا يوجد عنده ما

يسخن به الماء فإن وجد تعين عليه استعماله، (أو حبس في مِصرٍ) في مصرٍ أو في مصرَ؟ مصرٍ أو مصرَ؟ مصرٍ؛ لماذا؟ لأنه ليس علم وإنما المراد به بلد نعم لو قلت أو حبس في مصرَ يعني في بلد مصر وإن حبس في غيره الحكم يختلف (أو حبس في مصرٍ) يعني في بلد فلم يصل الماء إليه حبس الشخص في مصر يعني في بلد والمصر واحد الأمصار يعني حبس الماء عنه (حبس في مصر) هو الذي حبس عن الماء أو حبس الماء عنه هذا أو ذاك - حينئذٍ - يتيمم ولا إعادة عليه؛ لماذا؟ لأن الطهارة شرط من شروط صحت الصلاة وهو هنا لم يتمكن من الأصل وهو الماء - حينئذٍ - سقط عنه وعدل إلى البدل وهو التيمم (فاتقوا الله ما استطعتم) (أو حبس في مصر) فلم يصل الماء تيمم - حينئذٍ - وأجزأه ولا إعادة عليه أو حبس عنه الماء فتيمم أجزأه يعني هذه الأسباب الثلاثة (أو عدم الماء والتراب) عرفنا لآن إذا حبس عن الماء أو حبس عنه الماء تيمم؛ لماذا؟ لأنه يصدق عليه أنه غير واجد للماء (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا لم يجد الماء سواء حبس عنه أو حبس هو عن الماء - حينئذٍ - انتقل إلى التيمم (أو عدم الماء والتراب) وهذا ما يسمى بفاقد الطهورين يعني لا يوجد عنده ماء وكذلك حبس عن التراب ليس عنده تراب يعني محبوس في سجن مكتوف اليدين ماذا يصنع؟ يدخل وقت الصلاة ويخرج هذا لا تراب ولا ماء ماذا يصنع؟ نقول صلى بحاله ويسقط عنه الطهارتان طهارة الماء وكذلك طهارة التراب؛ لماذا؟ لأنه عاجز ولا واجب مع العجز لقوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وهذا عاجز عن التراب والماء - حينئذٍ - صلى ولا إعادة عليه على الصحيح يصلي وبعضهم يرى أنه لا يصلي بل يستحب له الصلاة والصحيح أنه يصلي والصلاة واجبة عليه لأن قوله (أقيموا الصلاة) باقي من حيث دلالته فكل مكلف فهو مخاطب بهذا النص (أقيموا الصلاة) - حينئذٍ - يتعين عليه أن يصلي بماء أو ببدله وهو التراب فإن عجز عن أحدهما أو عنهما سقط ذلك الشرط وبقي الأصل وهو الوجوب وجوب فعل الصلاة واضح - حينئذٍ - نقول واجبة على الصحيح وهو مخاطب بها ولو كان عاجز عن استعمال الماء وكذلك عاجز عن البدل وهو التراب فالوجوب باقي وإنما سقط تحقيق الشرط لأن وجوب الصلاة حكم ووجوب وإحدى الطهارتين حكم آخر فإذا سقط الثاني أو عجز عنه لا يلزم منه أن يستصحب سقوط الأول إذاً وجوب الصلاة حكم مستقل وكذلك وجوب الطهارة بالماء أو التراب حكم مستقل فعجز عن الثاني فلا يلزم منه إسقاط الأول (أو عدم الماء أو التراب) كمن حبس في محل لا ماء به ولا تراب وكذا منه به قروح لا يستطيع معها لمس البشرة بماء ولا تراب يعني بعضهم قد يصيبه حروق في وجهه ويديه ويعجز عن استعمال الماء والتراب - حينئذٍ - نقول صلي بحالك وتكون الطهارتان ساقطتين ووجوب الصلاة لا يسقط بعجزك عن استعمال الماء أو عجزك عن استعمال التراب (صلى ولم يعد) يعني في المسائل كلها السابقة أو خاف برد وما قبله أو حبس في مصر فتيمم - حينئذٍ - (صلى ولم يعد) (صلى) الشارح قيدها وهو المذهب صلى الفرض فقط ولا يصلي نوافل، نعم صلى الفرض فقط دون النوافل على حسب حاله لأن الطهارة الشرط فلم

تؤخر الصلاة عند عدمه كالسترة لكن قوله دون النوافل نقول هذا محل نظر متى ما جاز له أن يتيمم صلى به فرضاً ونوافل وفعل به ما شاء من النوافل يعني له أن يصلي وله أن يقرأ وله أن يطوف إلى آخره فالأصل في التيمم من حيث ما يتيمم له من صلاة ونحوها الأصل فيه حكمه حكم الوضوء - حينئذٍ - لا فرق بين فرض ولا نوافل فالتقيد هذا محل نظر (ولم يعد) لأنه أتى بما أمر به فخرج عن عهدته بالنص الذي ذكرناه سابقاً، ثم قال رحمه الله تعالى (ويجب التيمم بتراب غير محترق له غبار) هذه صفة التراب الذي يتيمم به سبق معنا أن قوله تعالى (فتيمموا صعيداً) أن الصعيد اسم لكل ما علا من الأرض وهذا قول جماهير أهل اللغة ولا يعرف الخلاف إلا عن الفراء لأنه خصه بالتراب - حينئذٍ - قوله (فتيمموا صعيداً) كل ما على وجه الأرض يتيمم به سواء كان تراباً أو كان رملاً أو كان شجراً أو كان حجراً أو كان أرضاً ولو وضع عليها الفراش ونحوه أو جدار بل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تيمم على جدار - حينئذٍ - كل ما كان على وجه الأرض فهو محل للتيمم دون شرط أو قيد إلا أن يقال بأنه أن لا يكون نجساً فإن كان نجساً بأن يكون خلطه بول أو نجاسة - حينئذٍ - يمنع منه للأصل العام هنا قال (ويجب التيمم بتراب) تراب التراب معروف وجمعها أتربة وتربان خرج به ما عداه ولذلك قال الشارح [فلا يجوز التيمم برمل وجص ونحيت الحجارة ونحوها] ما الدليل؟ قال حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (جعلت لنا الأرض كلها مسجداً وطهوراً وتربتها) وفي رواية أخرى (تربتها طهوراً) قالوا تربتها والأرض هذا مطلق وهذا مقيد إذاً (جعلت لنا الأرض) المراد به التراب وليس المراد به كل ما على وجه الأرض لأنه جاء مقيداً - حينئذٍ - يجعل هذا النص مفسراً لقوله (فتيمموا صعيداً) الصعيد نعم محتمل أنه بكل ما على وجه الأرض لكن جاء هذا النص - حينئذٍ - يعتبر مقيداً لذلك المنطوق العام فالأرض هذه اسم جنس واسم الجنس إذا دخلت عليه أل أفاد العموم فالأرض يصدق على التراب ويصدق على الجبال ويصدق على الأشجار لأنها متصلة بها وكذلك يصدق على الحجارة ونحوها - حينئذٍ - جاء النص بقوله (وتربتها طهوراً) قالوا هذا تقيد لهذا النص واضح هذا - حينئذٍ - يجعل هذا النص النبوي موضحاً ومفسراً ومقيداً لقوله (فتيمموا صعيداً) والصحيح أن يقال بأن قوله (تربتها) مفهومه أن غير التربة لا يتيمم به هذا المفهوم لكنه مفهوم لقب {أضعفها اللقب وهو ما أبي ... من دونه نظم الكلام العرب}

- حينئذٍ - مفهوم اللقب عند جماهير الأصوليين غير معتبر فلا مفهوم له فقوله تربتها هنا علق الحكم على اسم جنس جامد وإذا علق الحكم على اسم جنس جامد ولو كان له مفهوم فهو غير معتبر - حينئذٍ - لا يعتبر مقيداً للنص العام فلا مفهوم له فلا يعتبر أن له مفهوماً - حينئذٍ - يبقى النص على إطلاقه (وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً) كلها والأرض هذه اسم جنس دخلت عليها أل فتعم إذاً وافق هذا النص مدلول قوله تعالى (فتيمموا صعيداً طيباً) إذاً الصحيح أن قوله (ويجب التيمم بتراب) دون غيره مما على وجه الأرض أنه قول ضعيف وأن احتجاجهم بالرواية الواردة (تربتها) أنه احتجاج ضعيف لأنه احتجاج بمفهوم اللقب وهو ضعيف

{أضعفها اللقب} يعني أضعف المفاهيم اللقب ونص على ذلك جماهير الأصوليين {أضعفها اللقب} - فحينئذٍ - لا يعتبر وهذا من مفهوم اللقب فإن قيل الأرض عام والتربة أحد أفرادها - حينئذٍ - نقول نجيب لو قيل أنه ليس من مفهوم اللقب الأرض عام والتربة أحد أفراد العام نقول علق الحكم على فرد من أفراد العام بحكم لا يخالف معلق على العام فلا يعتبر مخصصاً كما لو قال أكرم الطلاب وأكرم زيداً ما هو الحكم؟ أكرم في الموضعين؛ ما هو المحكوم عليه؟ الطلاب وزيداً - حينئذٍ - الطلاب لفظ عام دخل فيه زيد أو لا وزيد من الطلاب؟ دخل فيه زيد إذا قال أكرم الطلاب صدق على كل الطلاب؛ أكرم زيداً هو واحد منهم؛ هل يعتبر هذا النص أكرم زيداً مخرج لزيد من الطلاب أم أنه مؤكد؟ مخرج؟ لا يخرجه إذاً هو مؤكد؛ لماذا؟ لأن الحكم واحد أكرم أكرم لكن لو قال أكرم الطلاب وأهن زيداً أو لا تكرم زيداً؛ مخصص أو لا؟ مخصص؛ لماذا؟ لكونه رتب على الفرد الخاص حكم يخالف الحكم الذي رتب على اللفظ العام فهو مخصص وأما إذا اتحدا في الحكم - الحكم واحد - وجاء نص بإثبات ما أثبته للحكم العام بأحد آحاد العام لا يعتبر مخصصاً (تربتها طهوراً) تربة أحد أفراد الأرض نقول نعم ما نص عليه الشارع أولى بالاعتبار فلو وجد أمامك تراب وغير تراب - حينئذٍ - نقول لك لا تعدل عن التراب إلى غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على التراب ففيه خروج من الخلاف أولاً وثانياً فيه أن التراب أولى من غيره إن وجد التراب وغيره؛ لماذا؟ لأن الشارع لا ينص على فرد إلا للاهتمام به لكن لا يلزم ذلك التخصيص إذاً (ويجب التيمم بتراب) قال ابن منذر [أجمع أهل العلم أن التيمم بالتراب ذي الغبار جائز إلا من شذ منهم] وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى [أجمع العلماء على أن التيمم بالتراب جائز واختلفوا فيما عداه من الأرض] والصواب أنه يجوز التيمم به (طهور) قاسوا التراب على الماء وسبق أن الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام طهور وطاهر ونجس هنا التراب قالوا كذلك طهور وطاهر ونجس فقوله (طهور) يعني لا طاهر ولا نجس - حينئذٍ - التيمم بتراب نجس لا يصح التيمم به وهذا واضح بين وذلك فيما لو وجد بولاً على تراب لا يتيمم به لو لم يوجد إلا هذا النوع من التراب وهو نجس - حينئذٍ - نقول هذا فاقد للطهورين يصلي ولا إعادة عليه أما إذا لم يجد إلا هذا النوع - حينئذٍ - نقول لا يجوز له أن يتيمم فوجود هذا التراب كعدمه وجوده وعدمه سواء - حينئذٍ - يصلي مباشرة ولا يتيمم بهذا النوع الطاهر قالوا التراب الطهور إن خالطه ذو غبار لا يجوز التيمم به يعني لو وجد تراب واختلط به شيء من الإسمنت مثلاً قالوا هذا تراب الأصل فيه أنه طهور خالطه شيء طاهر إن غيره - حينئذٍ - انتقل من كونه طهوراً إلى طاهر فصار التراب ماذا؟ صار طاهراً قالوا لا يوصف بكونه طهور لماذا؟ قياساً على الماء كما أن الماء إذا خالطه كما سبق معنا وإن تغير بشيء طبخ فيه أو ساقط فيه أو نحو ذلك - حينئذٍ - حكم على الماء بكونه طاهر غير مطهر الشأن في التراب كالشأن في الماء إذا وقع في شيء طاهر كالإسمنت والجص ونحوها - حينئذٍ - قالوا إن اختلط به وكان التغير كبير صار طاهراً غير مطهر كذلك لو

استعمال تيمم به وتساقط التراب من وجهه ويديه قالوا هذا المستعمل كالماء المستعمل هناك - حينئذٍ - يكون طاهراً غير مطهر فلا يستعمل هذا النوع في هذا النوع - حينئذٍ - نقول هذا يحتاج إلى دليل وقياس التراب على الماء قياس مع الفراق والأصل عدمه والصحيح أنه ليس عندنا إلا طهور ويقابله النجس وهذا أمر واضح بين، إذاً (طهور) فلا يجوز بتراب تيمم به لأنه صار ماذا؟ صار مستعملاً كالماء المستعمل أو خالطه غيره كالنَورة فكما إن خالطه طاهر لزوال طهوريته باستعماله والصحيح أنه لا وجود لهذا النوع ألبته وإنما هو من صنع الفقهاء (غير محترق) قال في الشرح [ويعتبر أيضاً أن يكون مباحاً فلا يصح التيمم بتراب مغصوب] هذا صحيح ثابت كما أن الماء المغصوب لا يصح الوضوء به كذلك التراب المغصوب أو المسروق لو وجد تراب في مثل هذه العلبة وسرقها هل له أن يتيمم؟ لا يصح لو تيمم لا يصح تيممه؛ لماذا؟ لأن الشرع إذا أمر بشيء أمر بشيء مباح ولا يتناول هذا (فتيمموا صعيداً طيباً) (صعيداً طيباً) (طيباً) هذا دليل على أن النجس لا يتيمم به لأن الطيب المراد به الطاهر وصعيداً المراد به كل ما على وجه الأرض لا يأذن الشارع بتوجه العبد باستعمال شيء محرم عليه واضح هذا كل أمر في الشريعة قاعدة عامة كل أمر في الشريعة إنما المراد به امتثال ما أذن به الشارع بفعله وأما ما حرم الشارع فعله هذا لا يمكن أن يدخل في النص (أقيموا الصلاة) الصلاة مأمور بها الصلاة بماذا؟ بماء طهور مباح فلا يدخل المغصوب ولا يدخل المسروق كذلك الصلاة بثوب أباحه الشارع فلا يدخل فيه الحرير إن كان على رجل ولا يدخل فيه ثوب الشهرة مثلاً وكذلك لا يدخل فيه الإسبال ونحو ذلك فكل مأمور به فلا يتناول إلا المأذون فيه فحسب فلا يستدل على صحة صلاة المسبل مثلاً لقوله (أقيموا الصلاة) ولا يستدل بصحة صلاة من توضأ بماء مغصوب لقوله (أقيموا الصلاة) لأن الشارع لا يأمر بكل صلاة على كل وجه لا؛ كذلك الصلاة في الدار المغصوبة كما سبق معنا نرى أنها باطلة لا تصح فلا صحة ولا أجر بل هو آثم وصلاته باطلة - حينئذٍ - لماذا؟ لأن قوله (أقيموا الصلاة) المراد بها الصلاة في المكان المباح المأذون به شرعاً، إذاً أن يكون مباحاً فلا يصح بتراب مغصوب كالماء المغصوب (غير محترق) فإن كان محترق فلا يصح بما دق من خزف ونحوه قد يحرق التراب ينصع به الآجر ونحو ذلك - حينئذٍ - نقول إذا فتت ذلك الشيء المحروق نقول هذا الشيء المحروق لا يسمى تراباً لا لغة ولا عرفاً - حينئذٍ - إذا تيمم به لم يكن متيمماً بتراب هذا على المذهب أنه لابد من تراب، إذاً (غير محترق) فلا يصح بما دق من خزف ونحوه كالنورة والخرف والآجر وكل ما عمل من طين وشوي بالنار لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب وهذا له حظ من النظر لكن إذا قيدنا الحكم بالتراب وأما إذا عممنا وصار على وجه الأرض - حينئذٍ - هو داخل في فيما هو على وجه الأرض (له غبار) لقوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) إذاً الصواب لا يشترط أن يكون غير محترق لأنه دخل في (صعيداً) (له غبار) غبار يعني يتعلق باليد لقوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) هنا وجه الاستدلال (منه) فاختلفوا في من

ما المراد بها هل هي للتبعيض أو لابتداء الغاية؟ إن قولت للتبعيض - حينئذٍ - لزم منه أن يكون في اليد بعد الضرب شيء من التراب (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) الضمير يعود إلى الصعيد الطيب إذاً لابد أن يبقى شيء منه لابد أن يبقى بعضه في اليد وإذا قيل أن من هنا لابتداء الغاية - حينئذٍ - نقول لا يشترط أن يكون له غبار واللفظ هذا يسمى عند الأصوليين (من) ماذا يسمى إذا احتمل معنيين ليس هو في أحدهما أظهر من الآخر؟ ماذا يسمى ما الاصطلاح له؟ - فقه بلا أصول كصلاة بلا طهارة صحيح لا تغضبون - يسمى مجملاً، هذه لابد أن تكون محفوظة كالفاتحة وإلا لا تضيع وقت إن لك ناصح أمين الفقه يحتاج إلى أن تكون مع كتاب مختصر في أصول الفقه تكون كالفاتحة معك لا تتردد هذا مجمل وهذا أمر وهذا نهي إذا كان الطالب يتردد هذه صيغة نهي ولا أمر إلى آخره هذا مشكل هذا طامة هذه كيف يفهم لو أردت أن تأخذ قولاً واحد دعك من الفقه المقارن ليس عندنا فقه مقارن إنما نذكر المذهب ودليله والقول الراجح فقط إذاً ليس مقارناً لا يمكن فهم المذهب بهذه الصورة إلا إذا كنت جيداً على مستوى عالي في أصول الفقه وإلا العبث العبث والوقت يذهب سدى وتمض بك السنون الشهر والسنة والسنتان والثلاث والأربع وأنت تظن أنك حصلت شيء من العلم وأنت مقلد ما خرجت عن التقليد يعني الذي يدرس المذهب ويرى وجوب التمذهب مثله ومثل الذي يدرس ويرى أنه لابد أن يتحرر ولا يجوز له التقليد إن كان هذا الكلام فيه تفصيل هما سيان في النتيجة ذاك يدعي أنه متحرر وينظر في القول الراجح لكن هو مقلد مغلف مقلد هذا التقليد المغلف الموجود الآن كل يدعي وصلاً بليلى أنه ما شاء الله وصل إلى الاجتهاد وأنه أهل أن ينظر ويرجح إلى آخره ثم هو صفر صفر في أصول الفقه وصفر بل تحت الصفر في لغة العرب - وحينئذٍ - كيف يرجح هذا، هذا يحرم عليه عند جماهير وإن لم يكن إجماعاً يحرم عليه الترجيح لأنه قول على الله بلا علم إذا قال هذا قول راجح رجحته بأي سبب؟ إما بموجب شرعي أو لا الثاني هوى وتحكم الموجب الشرعي هو التحقق والضبط لعلم أصول الفقه مع قاعدته الكبرى وهو لغة العرب فإذا كان ضعيفاً في هذين الفنين كيف يرجح فيه إشكال، على كل هذا يسمى مجملاً ولذلك الجمع بين الفنين أرى أنه مناسب لطالب العلم يقرأ كتاب في أصول الفقه وكذلك كتاب في الفقه ولو كان فك عبارة ونحو ذلك يستطيع أن يجمع بين النوعين، إذاً (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) هل يشترط التراب أو الصعيد له غبار أو لا؟ هذا الخلاف مبني على الخلاف في قوله (منه) وانظر هنا المسألة لغوية هل من هنا للابتداء ابتداء الغاية أم أنها للتبعيض فهي محتملة بأن تكون للتبعيض فيتعين في التيمم التراب الذي له غبار يعلق باليد ومحتملة بأن تكون لابتداء الغاية أي مبدأ ذلك المسح كائن من الصعيد (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد) ابتداء (من المسجد) لا يلزم أن يكون المسجد الحرام بعضه معه الصحيح وإنما منشأ وابتداء الإسراء كان من المسجد الحرام إذاً لا يلزم أن يكون شيئاً من المسجد الحرام معه كذلك لا يلزم أن يكون شيئاً من التراب قد علق به فكانت لابتداء الغاية أي مبدأ ذلك المسح كائن من

الصعيد الطيب فلا يتعين ما له غبار وبالأول الذي هو للتبعيض قال الشافعي وأحمد وبالثاني قال مالك أبو حنيفة ومذهب مالك وأبي حنيفة أرجح يعني المذهب الثاني أرجح لأن من هنا الظاهر أنها لابتداء الغاية لا للتبعيض لقوله تعالى (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) حرج نكرة في سياق النفي وزيدت قبلها من فهي نص في العموم فتدل على عمومها على نفي كل الحرج وهذا يرجح أن تكون من لابتداء الغاية لأن كثيراً من البلاد ليس فيها إلا الرمال أو الجبال فالتكليف بتراب له غبار فيه مشقة ولا يخلو من حرج كذلك جاء في حديث عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم (ضرب بيديه فنفخ فيهما) إذاً أطار ماذا؟ أطار الغبار فدل على أنه لا يشترط أن يكون في اليد غبار إذاً كون النبي صلى الله عليه وسلم يسافر مراحل كما ذهب من المدينة إلى تبوك فالغالب أنه قد سار بين رمال والرمال ليست هي تراب ولا يكون فيها غبار قد تيمم النبي صلى الله عليه وسلم من تلك البقعة - حينئذٍ - نقول من هنا لابتداء الغاية ولذلك ذكرت في آية ولم تذكر في آية أخرى يعني في موضع آخر لم تذكر في النساء قال (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) دل على أنه لا يشترط وذكرت في آية المائدة (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه)، ثم قال المصنف رحمه الله تعالى (وفروضه) أي التيمم وأركانه التي لابد منها والفرض هو الواجب {والفرض والواجب ذو ترادف ... ومال نعمان إلى التخالف} نعم مترادفان عند جمهور الأصوليين الفرض والواجب مترادفان لكن قد يطلق ويراد به الركن بمعنى أنه تزول الماهية بزوالها وليس كل واجب تزول الماهية بزواله ولذلك التشهد لو تركه نسياناً وهو واجب التشهد الأول لو تركه نسياناً وهو واجب ما زالت الصلاة بزواله ولو تركه عمداً زالت الصلاة بزواله إذا فرق بين واجب وواجب لكن لو ترك سجدة من الصلاة ناسياً تسقط؟ هاه تسقط لو نسي السجدة الأول من الركعة الأول من صلاة العصر وما تذكر إلا بعد نصف ساعة أنه ترك سجدة مثل التشهد الأول لو تركه ناسياً مع أن كل منهما واجب السجد الأول والثانية وكذلك الركوع والفاتحة كل منها واجب وكذلك التشهد الأول واجب لكن هذا يسقط بالنسيان وهذا لا يسقط بالنسيان لأنه فرض ركن وهذا ليس بركن، إذاً (فروضه) أي أركانه أربعة للحدث الأصغر وكذلك اثنان للحدث الأكبر (وفروضه) أي فروض التيمم (مسح وجهه) لا خلاف في وجوب مسح الوجه والكفين في التيمم للآية الآية واضحة بينة (فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) إذاً نص على الوجوه والأيدي إذاً كل منهما فرض فلو مسح الوجه دون اليدين أو اليدين دون الوجه مع القدرة عليه ما صح لم يصح التيمم؛ لماذا؟ لأنه تارك لفرض لركن كما لو ترك غسل وجهه في الوضوء أو ترك مسح رأسه في الوضوء مع القدرة نقول هذا لا يصح كذلك في التيمم (وفروضه مسح وجهه) ومنه اللحية لأن الحكم هنا كالحكم فيما سبق ولذلك عند المذاهب الأربعة مذهب الأئمة الأربعة أنه يجب استيعاب الوجه والكفين لابد من الاستيعاب يعني لا يترك جزء من الوجه ولا من اليدين ولذلك قال الشارح [سوى ما تحت شعر ولو خفيفاً وداخل فم وأنف فيكره] يعني لا يضع التراب في فمه ولا في أنفه لعدم

النقل وإن كان الفم والأنف داخلين في مسمى الوجه كما في سبق في فروض الوضوء - حينئذٍ - (والفم والأنف منه) أي من الوجه وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق فدل على وجوبها لكن هنا لا نقول بدخوله الفم لأنه يلوث وكذلك لا نقول بدخول الأنف لأنه مضر له كيف يستنشق التراب هذا مضر وما تحت شعر ولو خفيفاً كذلك ليس بمشروع مسح بالتراب لعدم النقل إذاً يجب استيعاب الوجه والكفين إلا ما استثني بالمسح فيمسح ما يأتي عليه الماء إلا المضمضة والاستنشاق وما تحت الشعر ولو خفيفاً وهذا قول الأئمة الأربعة لقوله (فامسحوا بوجوهكم) والباء هنا للإلصاق فصار كأنه قال فامسحوا وجوهكم وأيديكم فيجب تعميمهما كما وجب ذلك بالغسل لقوله (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) وذهب ابن حزم رحمه الله تعالى إلى أن الاستيعاب ليس بفرض وإنما المراد أن يمسح أكثر الوجه لماذا؟ قال لعدم الدليل فمسح الأكثر يقوم مقام الكل وهذه طهارة مسح وهي مبنية على الخفيف وإيجاب التعميم فيه عسر ومشقة لكن يقال بماذا هنا لأن النص عام (فامسحوا بوجوهكم)؟ نقول الأمر هنا بالمسح لا بإيصال التراب فالأصل أن يعمم وجهه وحتى لحيته لأنها داخلة في مسمى الوجه إلا ما استثني من الفم والأنف - حينئذٍ - يعمم المسح لا إيصال التراب ولذلك قال (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) - حينئذٍ - نقول يعمم المسح ولا يلزم منه أن يعمم التراب لأن التراب سينفخ فيه ويذهب منه بعضه - حينئذٍ - لا يلزم من ذلك الوقوع في الأذية أو ما نسميه بالاستقذار ونحو ذلك لأن فيه مشقة لو أريد أن أعمم بالتراب بنفسه لكان فيه نوع مشقة وقد يصيبه شيء من الأذى قد يدخل في عينيه قد يصل إلى فمه ولذلك المذهب كما نص في الحاشية [حتى على ظاهر شفيته يوصل المسح] لكن نقول الفرق هنا بين المسح وبين إيصال التراب فالمراد أو المطلوب بالآية المنصوص عليه (فامسحوا) إذاً يجب التعميم هذا ظاهر الآية وظاهر السنة والله أعلم (وفروضه مسح وجهه ويديه إلى كوعيه) (يديه إلى كوعيه) لم يطلق اليدين إنما قيدها بقوله (إلى كوعيه) احترازاً من المرفقين جاء في الحديث لكنه ضعيف ولذلك قال أحمد [من قال إن التيمم إلى المرفقين فإنما هو شيء زاده من عنده] ورد فيه حديث من صححه له حجته لكن من ضعفه لا يقول بالحديث الضعيف بمثل هذه المسائل لأن مبناها على التعبد إذاً (ويديه إلى كوعيه) هذا المذهب لقوله صلى الله عليه وسلم لعمار (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا - وضرب بكفيه - ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) متفق عليه فدل ذلك على أن المراد باليدين إلى الكوعين وإن جاءت مطلقة في الآية (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) قيدها بالمرفقين في الوضوء (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) قيدها وأطلقها في التيمم؛ هل يحمل المطلق على المقيد؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لاختلاف الحكم وإن كان السبب متحداً وهو طهارة حدث السبب متحد لكن لا يحمل المطلق على المقيد لاختلاف الحكم ويشترط في المطلق والمقيد اتحاد الحكم وإن اختلف السبب - وإن اختلف السبب هذا لا إشكال فيه - إذاً الفرض الثاني أن يمسح يديه إلى كوعيه كذلك لابد من

التعميم والمراد بالتعميم المسح لا إيصال التراب (والترتيب والمولاة) انظر الشارح قال [وكذا الترتيب] ادخل كلمة كذا بين الواو والترتيب مع أنها معطوفة على ما سبق، قال (فروضه) يعني أربعة؛ أولاً (مسح وجهه ويديه إلى كوعيه) قال [وكذا الترتيب] لماذا أتى بالكذلكة؟ تسمى الكذلكة؟ للخلاف بمعنى أن يؤتى بالكذلكة بين متماثلين في الحكم يعني هنا قال (فروضه) إذاً مسح الوجه فرض ومسح اليدين فرض والترتيب فرض والمولاة فرض لكن لماذا قال [كذا الترتيب] عطف مختلف فيه على متفق عليه ولذلك مجمع على أن مسح الوجه واليدين فرضان من فرائض التيمم لا يتحقق التيمم إلا يهذين الفرضين لكن الترتيب هذا مختلف فيه والمرجح في المذهب أنه فرض كذلك المولاة مختلف فيها والمرجح في المذهب أنها فرض ولذلك بعض الطلاب إذا فصل بين متفق عليه وبين مختلف فيه وقد يدعى الإجماع في الثاني بالكذلكة وكذلك كذا هذه عبارة تكثر عند الفقهاء حتى عند النحاة وغيرهم ومرادهم أن الثاني كالأول من حيث الترجيح لكن لا من حيث الاختلاف الأول مجمع عليه والثاني مختلف فيه إذاً وكذا الترتيب هذا المذهب وهو مذهب الشافعية كذلك وعند المالكية سنة كذا عند الحنفية يعني الترتيب بين مسح الوجه واليدين لابد أن يقدم ماذا؟ كما قدمه الله في الآية (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) - حينئذٍ - الوجه مقدم على اليدين فلو خالف فقدم الوجه على اليدين لم يصح التيمم لأن الترتيب فرض والصحيح أنه ليس بفرض وإنما هو سنة ولذلك في الحديث السابق المتفق عليه (ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) قدم الكفين على الوجه وإن كان التقديم الشيء في القرآن يدل على أنه هو الظاهر لكن جاء بالسنة لو لم يرد هذا النص لقلنا المعتبر هناك هو المقدم يعني أن الوجه مقدم على اليدين لكن لما جاء هذا الحديث المتفق عليه وقد النبي صلى الله عليه وسلم الكفين على الوجه دل على أنه سنة ليس بواجب (والمولاة) يعني بين مسح الوجه ومسح اليدين المولاة بينهما بأن لا يؤخر مسح اليدين بحيث يجف الوجه إذا كان مغسولاً فهما فرضان، وهما يعود إلى الترتيب والمولاة؛ المولاة هنا شرط أو فرض في التيمم قياساً على الوضوء كما أن المولاة في الوضوء فرض من فرائضه كذلك المولاة فرض من فرائض التيمم لأن مبنى التيمم على طهارة الماء ولذلك قال (والمولاة) بينهما ما ضابط المولاة؟ بأن لا يؤخر مسح اليدين بحيث يشف الوجه لو كان مغسولاً فيمسح وجهه أولاً ثم يفصل بين الوجه ومسح اليدين إن كان الفاصل بينهما لو كان الوجه مغسولاً لجف فاتت المولاة وإن كان دون ذلك - حينئذٍ - لا بأس به فالمرد إلى العرف والصحيح أن المولاة سنة وليست بواجبة والقياس هنا قياس مع الفارق لأن التيمم هنا طهارة مستقلة والوضوء هنا طهارة مستقلة لكن لابد أن يراعى أن لا يخرج التيمم عن صورته بمعنى أنه لا يمسح وجهه ثم يجلس ساعة من الزمن ثم يمسح يديه لأن هذه الصورة ليست مرتبة بين مسح ومسح وإنما المراد به أن لا يجعل هذا الضابط قيداً في فوات المولاة وهو أن يقدر لو كان الوجه مغسولاً وجب أن يكون مسح اليدين تابع لهما نقول هذا الاعتبار غير مراد لكن إذا قيل بأنه غير

مراد لا يلزم منه أن يخرج التيمم عن صورته؛ لا، بأن يتيمم يمسح وجهه ثم يبقى ساعة من الزمن وإذا رآه رائي قال هذا مسح يديه ولم يمسح وجهه ومن رآه في السابق يرى أنه مسح وجهه ولم يمسح يديه نقول هذا أخرج التيمم عن صورته، ثم قال رحمه الله تعالى نعم قال هنا (الترتيب والمولاة في حدث أصغر) يعني الشرط الثالث والرابع أو الفرض الثالث والفرض الرابع (الترتيب والمولاة في) التيمم عن (حدث أصغر) وأما الحدث الأكبر فلا يشترط فيه ترتيب ولا مولاة كما سبق ولذلك هنا في الاستدلال عن الترتيب بكونه أدخل ممسوحاً بين مغسولات فصل بين متماثلات المغسولات بإدخال ممسوح بين مغسول ومغسول فدل على أنه مراد وهذا دليل على أن الترتيب فرض وهذا لم يجعل في التيمم - حينئذٍ - الدليل الذي دل على الترتيب في طهارة الوضوء ليس موجوداً في طهارة التيمم - حينئذٍ - القياس طهارة وطهارة نقول هذا قياس مع الفارق، ثم قال (وتشترط النية لما يتيمم له من حدث أو غيره) عندنا نيتان هنا نية ما يتيمم له ونية ما يتيمم عنه ما سبق بيانه تيمم عن أحداث أو نجاسة على بدنه تضره إزالتها أو عدم ما يزيلها هذا تيمم عن نجاسة عن حدث أصغر عن حدث أكبر فهو شيء سابق الموجب للحدث، ما يتيمم له من صلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة هنا قال (وتشترط النية) يعني تعين النية (لما) يعني لشيء لعبادة يتيمم (له) الضمير يعود إلى ما كصلاة أو طواف أو غيرهما مما لا تصح إلا بطهارة طهارة مائية أو طهارة ترابية (من حدث) هذا جار ومجرور متعلق بقوله تيمم (لما يتيمم له من حدث أو غيره) ما هو غير الحدث؟ نجاسة مطلقاً؟ نجاسة على بدنه (من حدث أو غيره) كنجاسة على بدن فتجب النية لها على الصحيح في هذا الموضع ولذلك من المخالفات عندهم لأنه سبق تقرير أن النجاسة إزالت النجاسة لا يشترط لها النية هذا محل وفاق عند الأئمة إلا بعضهم أبي حنيفة وابن حزم - فحينئذٍ - إذا أراد إزالت النجاسة بطهارة مائية لا تشترط لها النية وأما في هذا الموضع التيمم خالف المذهب الأصل الذي قرره في الطهارة المائية والأصل عندهم أن طهارة التيمم محمولة على طهارة الماء - حينئذٍ - الأصل فيه إما أن يقال باشتراط النية في الموضعين أو بانتفاء النية في الموضعين واضح إما أن يقال باشتراط النية في الموضعين أنه يجب اشتراط النية تعين النية إزالت النجاسة في الطهارة المائية وكذلك هنا كما قالوا به وإما أن يقال ولا يشترط في التيمم عن النجاسة النية كما أنها لا تشترط في الطهارة المائية لأنه صرحوا في هذا الموضع أن مبنى التيمم من حيث الجملة والتفصيل مبناه على الطهارة المائية فالحكم هو الحكم وهذا مما اختلفا واضطربا فيه لكن ما السبب؟ قالوا لأن التيمم ضعيف لماذا ضعيف؟ لأنه طهارة ضرورة بمعنى أنه مقيد بعدم وجود الماء - حينئذٍ - لابد أن يضيق في بعض المسائل ومن أهم المسائل التي فرقوا بين الطهارتين طهارة الضرورة والأصلية المائية أن التيمم مبيح لا رافع وأن الطهارة المائية رافع الطهارة المائية رافعة للحدث سواء كان أصغر أو أكبر وأما التيمم ليس برافع وإنما هو مبيح نحن نقول نعم نسلم بأن التيمم لا يرفع الحدث على الصحيح وإنما هو مراد به استباحت

ما يتيمم له لكن للدليل الذي دل على أن التيمم مبيح لا رافع على ما ذكرناه سابقاً وما عدا ذلك من الأحكام فيبقى على الأصل لما أطلق الله عز وجل قال (إذا قمتم إلى الصلاة) ثم قال (فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا) ما قيد شيئاً من ذلك بما قيد به شيء من الطهارة المائية - حينئذٍ - نقول هذه طهارة مستقلة وهذه طهارة مستقلة كل منهما مشروع لشيء لعبادة تشترط له الطهارة - حينئذٍ - يبقى كل شيء على أصله ولذلك كما سيأتي أن الصحيح أنه لو تيمم في صلاة الفجر وبقي غير محدث إلى صلاة العشاء جاز له أن يصلي؛ لماذا؟ لعدم دليل يدل على أن خروج الوقت مثلاً أو أنه إذا تيمم لفرض لا يصلي به نفلاً ونحو ذلك كل هذه تقيدات اجتهادية ولا أصل لها لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (الصعيد الطيب طهور المسلم) مطلقاً نقيده بدخول الوقت أو بخروج الوقت هذا زيادة على النص، إذاً (وتشترط النية لما يتيمم له من حدث أو غيره) كنجاسة على بدن فينوي استباحة الصلاة من الجنابة نعم لا ينوي رفع الحدث لو نوى رفع الحدث ما صح تيممه لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما ينوي استباحة يعني يباح له أن يفعل الصلاة وهذا من حكمة الله عز وجل في الصلاة ونحوها أنه شرط الطهارة المائية فإن لم يتمكن - حينئذٍ - لابد من شيء يفعله من أجل الإقدام على الصلاة فأباح له أو أمره بضرب اليدين على التراب ومسح الوجه واليدين ثم بعد ذلك بهذا الفعل يستبيح لأن الأصل التحريم يستبيح فعل الصلاة فيجوز له وأما إذا دخل بدون طهارة مائية ولا ترابية ولم يكن فاقداً للطهورين الأصل فيه التحريم فيأثم وذهب أبو حنيفة إلى أنه كافر لأنه يعتبر مسخفاً مستهزئ بالصلاة هذا شأنه - حينئذٍ - الأصل التحريم أن يقدم على صلاة بدون إحدى الطهارتين فأذن له الشارع - حينئذٍ - ينوي استباحة الصلاة ينوي استباحة الطواف ينوي استباحة مس المصحف ونحو ذلك، استباحة الصلاة من الجنابة والحدث إن كانا أو أحدهما أو عن غسل بعض بدنه الجريح ونحوه قال في التعليل هنا في الشرح [لأنها طهارة ضرورة فلم ترفع الحدث] هذا صحيح طهارة ضرورة لكن لا يلزم أن تفهم الضرورة بالضرورة التي قعدها الأصوليون بمعنى أن الضرورة تقدر بقدرها ثم ما عدا المنوي لا يستباح فيه ألبته نقول هذه زيادة على النص طهارة ضرورة بمفهوم أخص ليس بالمفهوم العام الذي ينطبق عليه القواعد العامة في الضرورات إنما نقول ضرورة خاصة وهي نفسرها؛ نفسرها بماذا؟ (فلم تجدوا ماء) إذاً عدم الماء - حينئذٍ - عدل إلى التيمم وهذا المراد بطهارة الضرورة على ما جاءت به النصوص وهما وسعوا مفهوم الضرورة أطلق اللفظ على هذه العبادة المستقلة وهي التيمم ثم ألحقوا بالضرورة كل الأحكام المتعلق به قالوا الضرورة تقدر بقدرها - حينئذٍ - فاقد الطهورين يتيمم يصلي فرضاً فقط ولا يصلي نافلة هذا الأصل له كذلك إذا صلى قرأ الفاتحة ولا يحل له زيادة في حرف واحد من القرآن ويقول سبحان ربي العظيم ولا يأتي بثانية تسبيحه ثانية فإن جاء أثم ويقول سبحان ربي الأعلى في السجود بواحدة فقط لماذا؟ لأن التيمم ضرورة فتقدر بقدرها فيأتي بالواجب ولا يزيد عليه ألبته نقول هذا يحتاج إلى دليل ولا دليل ويبقى الأصل أن الرب

شرع التيمم ثم يفعل به ما شاء ولا ينتقض هذا التيمم إلا بمبطلات الوضوء أو وجد الماء ولو في الصلاة على الصحيح فلابد من التعين تقوية لضعفيه ولو نوى رفع الحدث لم يصح ثم قال ولو نوى رفع الحدث لا يصح، ثم قال (فإن نوى أحدها) أي أحد ما سبق ذكره من حدث أو غيره (أحدها) يعني الحدث الأصغر أو الحدث الأكبر أو نجاسة على بدنه تضره إزالتها (لم يجزئه عن الآخر) إذا عين الحدث الأصغر لا يجزئه عن الحدث الأكبر إذا عين الحدث الأكبر لا يجزئه عن الحدث الأصغر إذا عين النجاسة إزالت النجاسة على بدنه تضره إزالتها لا يجزئه عن الحدث الأصغر والأكبر؛ لماذا؟ لأنه لابد من تعين النية عرفنا أن الأصل في التيمم عن النجاسة أنه ضعيف - حينئذٍ - نسقط هذه فلا نحتاجها بقي، ماذا؟ الحدث الأصغر والأكبر كما سبق، ابن تيمية رحمه الله تعالى نقل عن جماهير أهل العلم أنه لو نوى أحدها أجزأه عن الآخر لكن نية الحدث الأكبر عن الأصغر واضحة أنها داخلة فيها لأنه نوى الأعم فدخل فيه الأصغر وأما العكس فهذا محل نظر لقول صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذه الحدث الأصغر لم ينوي الحدث الأكبر هذا محل بحث، (لم يجزئه عن الآخر) يعني الذي لم ينويه لحديث (وإنما لكل امرئ ما نوى) وإن نوى جميعها جاز هذا واضح بين (إنما الأعمال) والتيمم عمل (بالنيات) (إنما الأعمال بالنيات) وهذا نوى التيمم عن حدث أصغر وأكبر وعن نجاسة أجزأ وكل واحد يدخل في العموم يكون منوي، ثم قال (وإن نوى نفلاً وأطلق لم يصلي به فرضاً) عندهم أدنى وأعلى إن نوى الأعلى صلى به الأعلى ومثله والأدنى واضح إن نوى الأعلى فرض العين صلى به مثله كالمقضية أو فرض الكفاية الأدنى والأدنى كذلك الذي هو النافلة لكن إذا نوى الأدنى لا يصلي به الأعلى وهذا يحتاج إلى دليل ولا دليل؛ لماذا؟ لأن الأصل هنا شرع التيمم ليفعل به ما اشترطت الطهارة له فإذا كان كذلك فالأصل هو المطلق فأطلقه الشارع فنبقى على إطلاقه وتقيده بهذه التفصيلات نقول نحتاج إلى دليل ولذلك لو كلف الناس العوام بهذه التفصيلات التي عند الفقهاء لصار التيمم أشق من الطهارة المائية وهو طهارة ضرورة رخصة وقيل عزيمة فهذه التفصيلات لا يدركها العوام صلي أعلى وأدنى طلاب العلم ما يميز بين أدنى وأعلى طواف فرض أو طواف فرض كفاية أيهما أعلى الطواف المندوب أو الطواف الذي يكون طواف للزيارة؟ هذا قد يقع فيه إشكال عند البعض على كل قال (وإن نوى نفلاً) يعني نوى بتيممه (نفلاً) نافلة (لم يصلي به فرضاً) لا يستباح الفرض بنية النفل لأنه ليس بمنوي ولا يستباح الأعلى بنية الأدنى وخالف طهارة الماء؛ لماذا؟ قالوا لأنها ترفع الحدث تقول نسلم بالأصل لكن لا نسلم بالتفريع نسلم بالأصل لا نسلم بالتفريع؛ لماذا؟ ليس هذا تناقض نقول نسلم بالأصل لوجود الدليل الدال عليه وهذا التيمم لا يرفع الحدث وإنما هو مبيح لما ذكرناه سابقاً لكن أصل إذا فرع وقيس عليه أشياء لم يرد فيها النص أو به النص - حينئذٍ - نمنع في كل مسألة على حده إذ لو كان كذلك لجاء النص مبيناً لكل مسألة من هذه المسائل (أو أطلق) يعني النية أطلق النية نوى الصلاة نوى بتيممه صلاة وأطلق هل هي

صلاة فرض هل هي فرض كفاية جنازة هل هي نفل أطلق؟ قالوا لا يصلي به إلا الأدنى لماذا؟ لأنها صارت مشتركة بين أعلى وأدنى وهو لم يعين فيحمل على الأدنى فلا يصلي به فرضاً ولذلك قال (أو أطلق) يعني أطلق النية يعني نوى استباحة الصلاة وأطلق لم يعين الصلاة فلم يعين فرضاً ولا نفلاً (لم يصلي به فرضاً) ولو جنازة لماذا؟ لأن الجنازة من الواجبات لكنها واجب كفائي لا واجب عيني إذاً كل منهما الواجب العيني والكفائي لا يصلي به إذا نوى إذا أطلق النية ولم يعين فانتفاء التعين - حينئذٍ - يحمل التيمم أنه تيمم عن نافلة ولا يصلي به الأعلى وهذا لا دليل عليه والصواب أنه متى ما نوى ما تشترط له الطهارة صلى به مطلقاً أدنى وأعلى ومساوي ومثله وغير ذلك، (وإن نواه) يعني نوى الفرض (صلى كل وقته) يعني وقت الفرض (فروضاً ونوافل) فله الجمع وقضاء الفوات (صلى كل وقته) يعني وقت الفرض (فروضاً) كيف صلى فروضا هو فرض واحد؟ نقول نعم قد يجمع بين فرضين ظهر وعصر مغرب وعشاء - حينئذٍ - لا يشترط أن يتيمم للظهر ثم يتيمم للعصر قد قال به بعض الفقهاء الصواب أنه يجمع بينهما بتيمم واحد وله أن يصلي نوافل كذلك، كذلك إذا تذكر ماذا؟ فائته - حينئذٍ - له أن يصلي لماذا؟ لأنها فرض وقد الفرض فصلى به فروضاً ونوافل فمن نوى شيء استباحه ومثله ودونه العوام لا يفهمون هذا الكلام فإذا قيل بهذا - - فالباب فصار فيه مشقة، ثم انتقل إلى مبطلات التيمم فقال (ويبطل التيمم بخروج الوقت) هذه مسألة اجتهادية قالوا لأن مبنى التيمم على طهارة الضرورة - حينئذٍ - تقدر بقدرها فلا يحل له أن يتيمم قبل دخول الوقت لماذا؟ لأنه غير مضطر وكذلك إذا خرج الوقت بطل التيمم لأنه إنما قيد بوقت معين وهذه مسألة اجتهادية وليس عليها دليل فالظاهر والصحيح أنه لا يبطل التيمم بخروج الوقت مطلقاً (ويبطل التيمم) قال [مطلقاً] سواء كان في صلاة وغيرها (بخروج الوقت) [وإن لم يحدث أو دخوله فلا يباح له فعل شيء من العبادات المشترط لها التيمم وظاهر كلامه أنه لو خرج الوقت في أثناء الصلاة بطل التيمم] وهو كذلك المذهب أنه لو خرج الوقت في أثناء الصلاة بطل التيمم وهذا محل إشكال إذاً بخروج وقته أو دخوله يبطل التيمم وعنه عن الإمام أحمد رواية أنه رافع فيصلي به إلى حدثه لأن الله تعالى شرع التيمم حال عدم الماء فقال (فلم تجدوا ماء فتيمموا) فتبقى الطهارة ببقائه والرسول صلى الله عليه وسلم جعل طهارة التيمم ممتدة إلى وجود الماء فقال (طهور المسلم) وقال (جعلت تربتها لنا طهوراً) وللنسائي بسند قوي (وضوء المسلم) فكان في عدم الماء كالوضوء ولأنها طهارة تبيح الصلاة فلا تتقيد بالوقت كطهارة الماء إذاً هذا الشرط أو هذا المبطل ليس بمسلم له واستثنى المذهب مسألتين صلاة الجمعة لو خرج الوقت وهو يصلي ما بطلت كذلك الجمع وكذلك يبطل التيمم عن حدث أصغر من مبطلات الوضوء قال في الإنصاف [بلا نزاع] وعن حدث بموجباته يعني لو تيمم عن حدث أصغر بطل التيمم بمبطلات الوضوء السابقة الثمانية وكذلك يبطل التيمم إذا تيمم عن حدث أكبر بموجبات الغسل السابقة في باب الغسل وهذا محل وفاق قال ابن حزم رحمه الله تعالى [وكل حدث ينقض الوضوء فإنه ينقض

التيمم وهذا مما لا خلاف فيه من أحد من أهل الإسلام] رحمه الله (وبوجود الماء ولو في الصلاة) هذه مبطل في باب التيمم يزاد على مبطلات الوضوء ويبطل التيمم أيضاً (بوجود الماء) إذا تيمم ثم وجد الماء قبل دخوله في الصلاة بطل تيممه عند عامة أهل العلم إذا تيمم ولم يصلي بعد تيمم قيل جاء الماء وصل الماء ولم يصلي بطل تيممه عند عامة أهل العلم إن وجد التيمم بعد الوقت خروج الوقت عامة أهل العلم لا تلزمه الإعادة إن وجد الماء بعد الصلاة قبل خروج الوقت فيه خلاف وجمهور أهل العلم أنه لا تلزمه الإعادة وهو الصحيح لأنه إذا أدى ما أمر به فقد خرج عن العهدة - حينئذٍ - بقي عليه إن وجد الماء قبل الصلاة هذا محل وفاق إن وجد الماء أثناء الصلاة هذا محل خلاف بين أهل العلم ولذلك قال (بوجود الماء) المقدور على استعماله بلا ضرر إن كان تيمم لعدمه وإلا فبزوال مبيح لمرض ونحوه يعني إذا وجد الماء وقدر على استعماله أما إذا تيمم لعجزه كمن به جروح ووجد الماء بعد ذلك لا يضره أليس كذلك؟ لأن الموجب لانتقاله عن الطهارة المائية إلى الطهارة الترابية ليس هو عدم الماء ولو كان بالفعل عادم للماء فلو وجده نقول السبب الموجب له المنتقل من الطهارة المائية إلى الترابية هو ماذا؟ العجز وليس عدم الماء حساً - حينئذٍ - لو جد الماء لا يضره قال (ولو في الصلاة) (ولو) هذه إشارة خلاف (في الصلاة) فرضاً كانت أو نفلاً فيتطهر ويستأنفها أي يبطل تيممه بوجود الماء وهو في الصلاة وظاهره ولو جمعة لأن طهارة انتهت بانتهاء وقتها وهذا مذهب أبي حنيفة قال ابن رشد [وهما أحفظ للأصل لأنه أمر غير مناسب للشرع أن يوجد شيء واحد لا يبطل الطهارة في الصلاة وينقضها في غير الصلاة]- حينئذٍ - لو جد الماء قبل الصلاة انتقضت الطهارة إذا وجد الماء أثناء الصلاة قالوا لا ينتقض قل لا ينتقض لأن الشيء الواحد إذا اعتبر ناقضاً في قبل الصلاة كذلك هو ناقض أثناء الصلاة كالريح مثلاً خروج الريح ناقض للوضوء قبل الدخول في الصلاة لو وجد في أثناء الصلاة فهو كذلك والتفريق بين متماثلين هذا لا أساس به في الشرع إذاً لا يصدق عليه أنه غير واجد للماء إذا وجد الماء أثناء الصلاة (فلم نجدوا ماء فتيمموا) ثم يصلي به ولا يتحقق عدم وجود الماء إلا إذا انتهى من صلاته فإن وجده أثناء الصلاة لزمه الإعادة (لا بعدها) يعني لا إن وجد ذلك (بعدها) يعني بعد الصلاة سواء خرج الوقت أو لا قال ابن المنذر [أجمع أهل العلم على أنه من تيمم صعيداً طيباً كما أمر الله وصلى ثم وجد الماء بعد خروج وقت الصلاة لا إعادة عليه] فإن وجده قبل خروج الوقت فالجمهور لا يجب عليه أن يعيد الصلاة وقيل يستحب والصواب أنه لا يلزمه ولا يستحب لأنه فعل شيء مأموراً به فأدى ما عليه وبرئت ذمته من الصلاة وسقطت عنه الطلب (لا بعدها) يعني لا بعد الصلاة فلا تجب إعادتها، قال رحمه الله تعالى (والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى وصفته) هذا يأتي معنا مع باب النجاسة ونقف على هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

13

عناصر الدرس * قوله: "والتييم آخر الوقت لراجي الماء أولى". * صفة التيمم. * باب: إزالة النجاسة، وشرح الترجمة. * لم قدم المصنف هذا الباب على الحيض، والنفاس؟ * النجاسة الحكمية على المذهب ثلاثة أقسام. * قوله: "ويجزئ في غسل النجاسات كلها إذا كانت على الأرض" المسألة. * كيفية تطهير نجاسة الكلب، وهل يقاس عليه الخنزير؟ * قوله: "ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه"، والصحيح في المسألة. * قوله: "ولا يطهر متنجس بشمس، ولا ريح، ولا دلك، ولا استحالة". الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد مازال الحديث فيما يتعلق بمسائل باب التيمم وقد وقفنا عند قول المصنف رحمه الله تعالى (والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى) أليس كذلك؟ (والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى) الوقت المراد به هنا الوقت المختار بمعنى أنه إذا فقد الماء - حينئذٍ - إما أن يكون راجي لو جود الماء في آخر الوقت وإما أن يكون عالم بوجود الماء في آخر الوقت وإما أن يستوي عنده الأمران وإما أن يظن وجوده أو يظن عدم وجوده فالصور تكون خمسة، إما أن يكون عالم بوجوده آخر الوقت وإما أن يظن وجوده آخر الوقت وإما أن يستوي عنده الأمران لا يرجح أحدهما على الآخر وإما أن يغلب على ظنه عدم وجوده أو يعلم عدم وجوده لثلاث الصور مذهب الحنابلة أنه يتيمم آخر الوقت وذلك فيما إذا رجا وجود الماء أو كان عالماً أنه سيأتي قاطعاً جازماً بأن الماء سيأتي في آخر الوقت ولمن استوى عنده الأمران هذه ثلاث صور مذهب الحنابلة التيمم في آخر الوقت أولى بمعنى أنه لو تيمم في أول الوقت لكان مجزئ إلا أنه من باب الأفضلية والأرجحية يؤخر التيمم إلى آخر الوقت بقي صورتان أن يتحقق عدم وجود الماء فالتقديم أولى أن يظن عدم وجوده فالتقديم أولى - حينئذٍ - هذه الصور الخمس حصل فيها تعارض بين أصلين؛ أولاً: تقديم الصلاة في أول الوقت، الثاني: الصلاة بطهارة الماء على الأصل لأنه إذا راع الأحاديث الواردة في أفضلية تقديم الصلاة في أول الوقت وعمل بذلك - حينئذٍ - صلى بدون طهارة مائية ولو أخر مع ظنه وجود الماء أو علمه بوجود الماء - حينئذٍ - صلى بطهارة مائية ولكنه أخر إلى آخر الوقت أيهما أولى بالمراعاة أي الأصلين لا شك أن الصلاة بطهارة مائية أولى ومراعاته أولى فمتى ظن وجود الماء في آخر الوقت أو عدم هاتين الصورتين فالأفضل في حقه أن يؤخر التيمم إلى آخر الوقت وأما إذا استوى عنده الأمران أو ظن عدم وجود الماء أو قطع بعدم وجود الماء فهذه الصور الثلاث فالأولى أن يتيمم في أول الوقت خلاف لما ذهب إليه المصنف إذاً في صورتين نقول يتيمم في آخر الوقت وهو إذا علم وجود الماء في آخر الوقت - حينئذٍ - يترجح تأخير الصلاة عن أول وقتها إذا ظن وجود الماء كذلك الحكم أنه يتأخر بقي ثلاث صور على الصحيح إذا استوى عنده الأمران لم يرجح أحد الأمرين على الآخر لا يدري هل يجد الماء في آخر الوقت أم لا؟ أو ظن عدم وجود الماء أو قطع لعدم وجود الماء فهذه صور ثلاث نقول أن يترجح فيها أن يصلي في أول الوقت، ولذلك قال هنا (والتيمم آخر الوقت) يعني المختار (لراجي الماء) هذا شرط في المسألة، قال الشارح [أو العالم وجوده - وهذا كذلك يسلم له - ولمن استوى عنده الأمران] وهذا لا يسلم له بل التقديم يكون أفضل في حقه إذاً (لراجي الماء) هذا له مفهوم فإن يأس من وجوده استحب له التقديم قوله (أولى) إن صلى بتيممه في أول الوقت أجزأه ولكن الكلام في الأولوية الدليل على ذلك هو من باب التقعيد والتأصيل من باب الاجتهاد ولكن أوردوا قولاً لعلي رضي الله تعالى عنه في الجنب (يتلوم ما بينه

وبين آخر الوقت فإن وجد الماء وإلا تيمم) (يتلوم) أي يتأن (ما بينه وبين آخر الوقت) يتأن في وجود الماء (فإن وجد الماء) في آخر الوقت (وإلا تيمم) بمعنى أن علي رضي الله تعالى عنه يرى أن من كان على جنابة لا يتعجل في التيمم إنما ينتظر إلى آخر الوقت فإن وجد الماء - حينئذٍ - الطهارة المائية مقدمة وإلا تيمم، ثم قال رحمه الله تعالى (وصفته) يعني التيمم ما هي الكيفية التي يتيمم بها قال (أن ينوي) يعني يأتي بالنية والنية كما سبق هي الاستباحة هنا ولا ينوي رفع الحدث (أن ينوي) أي ينوي استباحت ما تيمم له على الصحيح من المذهب وعلى المذهب كذلك يعتبر معه ما يتيمم له قبل الحدث هذا على الصحيح من المذهب إذاً ينوي استباحت فرض الصلاة من الحدث الأصغر أو الأكبر يتيمم له يتيمم منه لابد من مراعاة النوعين في المذهب يعني ينوي استباحت الصلاة فرضاً هذا لابد منه؛ من ماذا؟ من الحدث الأصغر أو من الحدث الأكبر يعني تيمم لشيء من شيء فلابد أن ينوي الأمرين على المذهب (ثم) تفيد الترتيب يعني يأتي بالنية أولاً ثم يأتي بالتسمية من أجل أن التسمية عندهم واجبة هنا كالوضوء - حينئذٍ - لابد أن تكون النية مصاحبة لجميع صفة التيمم من أوله إلى آخره (ثم يسمى) يعني يقول بسم الله [وهي هنا كوضوء] هكذا قال الشارح يعني هنا كوضوء يعني تجب مع الذكر وتسقط مع السهو - حينئذٍ - حكمها الوجوب في التيمم - حينئذٍ - نطالب بالدليل ما الدليل على أن التسمية مشروعة في التيمم؟ قياساً على الوضوء وإذا كان الأمر كذلك نقول القياس هنا باطل ولا يصح فيبقى التيمم على أصله وهو أنه لا تشرع له التسمية لأن هذا القياس هنا في محل نظر؛ لماذا؟ لأن الوضوء عبادة مستقلة كما ذكرنا آنفاً وغسل الجنابة ونحوه كذلك عبادة مستقلة والوضوء كذلك عبادة مستقلة - حينئذٍ - لا يقاس أحدهما على الآخر فإذا شرعت التسمية في الوضوء - حينئذٍ - لا نقيس عليه غسل الجنابة لأن كل منهما طهارة والأصل عدم المشروعية فما جاء النص به - حينئذٍ - وقفنا عنده والتيمم كذلك عبادة مستقلة وإن كانت بدلاً عن الوضوء إلا أنه لا يلزم أن يكون البدل مساوياً للمبدل عنه من كل وجه فلا تشرع التسمية في التيمم لكونها مشروعة في الوضوء وهو أصل للتيمم نقول هذا قياس فاسد - حينئذٍ - نرجع إلى الأصل (ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع) (ويضرب التراب) (يضرب) الصحيح من المذهب أن المسنون والواجب ضربة واحدة (يضرب) ضربة واحدة لا ضربتين وهو من المفردات، قال في الإنصاف [وهو المسنون والواجب على الصحيح من المذهب] وفي المبدع [والمنصوص ضربة واحدة وهي الواجب بلا نزاع] لأنه جاء في الأحاديث هكذا جاء في حديث عمار قال في التيمم ضربة واحدة للوجه واليدين (ضرب ضربة واحدة) قيدها بكونها واحدة - حينئذٍ - لا نزيد الثانية فزيادة الثانية هنا كزيادة غسلة رابعة في الوضوء كما أنه محدث هناك لا يشرع وإنما يكتفا بالعدد الوارد في التثليث فيما جاء به التثليث والمسح مرة واحدة في الرأس ولا يشرع التثنية ولا التثليث على الصحيح كذلك يقال في التيمم إنما المشروع هو ضربة واحدة فلا نزيد ضربة ثانية - حينئذٍ - زيادة ضربة ثانية يكون شيء قد زاده من ضرب يعني

من عنده ولا يكون مشروعاً ألبته لأن الأصل في هذا المقام التعبد لله بما ورد فما لم يرد فالأصل عدم مشروعيته إذاً ضربة واحدة للوجه واليدين وفي الصحيحين (ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وعن أبي الجهيم (وضع يديه على الجدار فمسح بوجهه وكفيه) وقيل لأحمد [التيمم ضربة واحدة؟ قال: نعم للوجه والكفين ومن قال ضربتين فإنما هو شيء زاده] يعني لا يصح وأما حديث (التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) فهذا حديث ضعيف لا يثبت، إذاً (ويضرب) ضربة واحدة، لو وضع يده ولم يضرب معلوم أن الضرب مساس بالقوة لو وضع يده هكذا على رمل ونحوه أو تراب وصار الغبار في يده هل هذا مجزئ أو لا؟ نقول نعم مجزئ ولا يشترط فيه الضرب لو وضع هكذا - حينئذٍ - نقول صح التيمم فهل يشترط في التيمم ضرب الأرض بيديه أو يصح ولو بدون ضرب كأن يضع يديه على الأرض؛ والصحيح أنه لا يشترط وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة فلو وضعهما على الأرض أجزأه بدليل حديث أبي الجهيم السابق (وضع يديه على الجدار فمسح بوجهه وكفيه) (وضع يديه على الجدار) إذاً لم يرد فيه الضرب كذلك جاء قوله تعالى (فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا) فأمر بالمسح ولم يعتبر الضرب داخل في مسمى التيمم وأما حديث عمار وفيه (فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه أو كفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه) فلا يدل على وجوب الضرب وإنما هذه الصفة الكاملة بدليل ماذا؟ أنه ذكر النفخ ثم نفخ فيهما قال ماذا؟ (فضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما) فلو قيل بأن هذه الصفة واجب لدل على أن النفخ واجب وهو ليس بواجب - وحينئذٍ - الضرب مسنون ومشروع وهو صفة كمال لكن لو وضع يديه على التراب نقول هذا يعتبر مجزئ ولا إشكال فيه، قوله التراب) (ويضرب التراب) بناء على المذهب لم يقل الأرض لأنه يشترط عندهم التراب والصحيح أنه لا يتعين التراب (بيديه) المراد باليدين هنا الكفين (مفرجتي الأصابع) ليصل التراب إلى ما بينهما ليحصل الاستيعاب لأنه لابد أن يستوعب الضرب - حينئذٍ - إذا ضرب بيديه لابد أن يفرج بين أصابعه من أجل أن يدخل التراب بين الأصابع فيحصل الاستيعاب ولكن ظاهر السنة كما في الأحاديث التي ذكرناها أنفاً ليس فيها تفريج الأصابع لأنه في حديث عمار (ضرب ضربة واحدة للوجه واليدين) ولم يذكر تفريج الأصابع وجاء في الصحيحين (ثم ضرب الأرض ضربة واحدة) - حينئذٍ - نقول تفريج الأصابع هذا إنما هو شيء زادوه من عندهم من باب الاجتهاد فحسب وإلا ظاهر السنة أنه لا يفرج بين أصابعه وأنه لا يشترط على الصحيح الاستيعاب إذاً قوله (مفرجتي الأصابع) فيه نظر فظاهر السنة لم يرد أنها كانت مفرجتي الأصابع وإنما جاء فيها الإطلاق فضرب بيديه هكذا - حينئذٍ - كيفما ضرب أجزأ؛ لماذا نقول كيفما ضرب أجزأ؟ لأن النص جاء مطلق غير مقيد (ضربة واحدة للوجه واليدين) (ضرب بيديه الأرض) كيفما ضرب أجزأ لأن النص جاء مطلقاً - حينئذٍ - يبقى على إطلاقه ولا نقيده بأي صفة كانت فتقيده بصفة والتزامها يعد من الأمور الزائدة على النص بل من الأمور الزائدة على التعبد - حينئذٍ - يكون أمراً محدثاً نعم لو فعله مرة وتركه

مرات دون أن يقصد السنية لا بأس به أما أن يتعمد مثل ذلك الفعل ولم تثبت به سنة - حينئذٍ - نقول هذا التعمد خلاف السنة فإن التزمه صار بدعة إذاً العلة في المذهب ليصل التراب إلى ما بينها يعني بين الأصابع ليحصل الاستيعاب (يمسح وجهه بباطنها) لم يذكر النفخ؛ لماذا؟ لأنه ليس بواجب وهل هو جائز أم لا؟ المذهب فيه تفصيل إذا علا على يديه تراب كثير لم يكره نفخه في المذهب عندنا الحنابلة لحديث عمار السابق الذي فيه (فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما) قالوا (ونفخ فيهما) هذا محمول على أنه ...

لأنهم يشترطون ماذا؟ أن يكون تراب له غبار لابد أن يكون له غبار إذاً لابد أن يكون باقياً في اليد فيمسح به الوجه واليدان إذاً لابد أن يكون أثر التراب باقيا - حينئذٍ - لو نفخه فأزاله كله قال هذا منافي إذاً نحن نقرر أنه لابد أن يكون تراب له غبار من أجل الاستيعاب وأن يصل شيء منه إلى الوجه واليدين - حينئذٍ - لو جوزنا لو جوزنا النفخ مطلقاً لصار فيه نوع تناقض ولكن عندهم تفصيل قالوا إذا علا على يديه تراب كثير لم يكره نفخه لحديث عمار قال أحمد [لا يضره فعل أو لم يفعل] إذا كان كثير [لا يضره فعل أو لم يفعل] وإن كان التراب خفيفاً قليلاً يعني لو نفخه لزال قالوا هذا يكره له أن ينفخه يكره له النفخ - حينئذٍ - لو نفخ وهو قليل خفيف فطار الغبار لم يبقى عليه شيء قالوا وجب عليه أن يعيد الضرب لماذا؟ لكونه أزال الغبار الذي هو شرط في صحة ضرب التراب باليدين والصحيح على ما سبق أنه لا يشترط أن يكون له غبار - حينئذٍ - لو ضرب يديه علق تراب أو لم يعلق - حينئذٍ - إذا جوزنا أنه يصح التيمم ولو لم يعلق غبار بيديه - حينئذٍ - لو علق ونفخه وطار كله - حينئذٍ - لا إشكال فيه وهذا التفصيل في المذهب بناء على اشتراط أن يكون التراب له غبار والصحيح أنه لا يشترط وعليه يستحب ونفخ مطلقاً سواء علا على يديه تراب كثير أم خفيف أو لم يعلو على يديه تراب الصحيح أنه يستحب مطلقاً (يمسح وجهه بباطنها) عندكم بباطنهما وهو غلط (بباطنها) الضمير يعود إلى باطن الأصابع (يمسح وجهه بباطنها) أي باطن الأصابع (وكفيه براحتيه) الراحة باطن اليد هذا استحباباً؛ لماذا؟ قالوا لأنه لو مسح وجهه بباطن يديه ثم مسح كفيه لكان متيمماً بتراب مستعمل والماء المستعمل كما سبق عندهم إذا استعمل في طهارة واجبة صار ماذا؟ صار طاهراً غير مطهر فلو تطهر بماء طاهر ما صح وضوؤه فالماء المستعمل في طهارة واجبة هو طاهر فلو توضأ به ما صح وضوؤه كذلك التراب طهور وطاهر ونجس فإذا استعمل التراب في طهارة واجبة ثم استعمله مرة آخر لكان مستعمل لتراب طاهر إذاً هذا التفريق بين باطن الأصابع وباطن الراحة مبني على أصل عندهم وهو إثبات التراب الطاهر والصحيح أن التراب إما طهور وإما نجس والقسمة الثلاثية إنما هي واردة في الماء فحسب الماء ينقسم إلى ماء طهور وطاهر ونجس وأما التراب فهذا قول محدث بمعنى أنه اجتهاد من أصحاب المذهب ولا دليل عليه يدل على إثبات هذا القول، إذاً (يمسح وجهه بباطنها) أي باطن الأصابع يعني قسموا باطن الأصابع يجعلها للوجه ثم راحة باطن اليد الراحة يجعلها للكفين؛ لماذا؟ لأنه لو مسح الوجه كله بباطن الأصابع والراحة ثم استعملها في الكفين لكان مستعمل لتراب قد استعمل في استباحة ما ترتب على التيمم كصلاة ونحوها - حينئذٍ - صار التراب طاهراً وإذا كان كذلك إذا كان التقسيم هنا مبني على تعليل أو علة ضعيفة صار التقسيم كذلك محدث كسابقه بمعنى أنه لم يرد في السنة هذا التقسيم أولاً جاء في الحديث (ضربة واحدة للوجه واليدين) ولم يتأتي فيه تفصيل مما دل عليه المذهب - حينئذٍ - نبقى على الأصل فنقول كما قال تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) فيمسح الوجه كيفما مسح ويمسح اليدين كيفما مسح

وعلى الصحيح سواء قدم مسح الوجه على اليدين أو قدم مسح اليدين على الوجه لا بأس به وكيفما مسح أجزأه وأما التفصيل الذي يذكره الفقهاء هذا لا دليل عليه، إذاً (يمسح وجهه بباطنها) أي بباطن أصابعه (وكفيه) أي يمسح كفيه (براحتيه) الراحة باطن اليد استحباباً فلو مسح وجهه بيمينه ويمينه بيساره صح أو عكس صح لماذا؟ لأنه لا يشترط فيه الترتيب واستيعاب الوجه والكفين واجب سوى ما يشق وصول التراب إليه ذكرنا أن الأئمة الأربعة على أنه يجب الاستيعاب وأن ابن حزم رحمه الله تعالى لا يرى ذلك لأن فيه شيء من المشقة إذاً هذه الصفة التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى ثم قال (ويخلل أصابعه) وجوباً في المذهب بخلاف الوضوء فيستحب لماذا لأنه لا يتمكن من إيصال التراب إلى ما بين أصابعه إلا بالتخليل وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بخلاف ماذا؟ بخلاف الوضوء قلنا في الوضوء في الجملة هو مستحب تخليل الأصابع ذكره في (باب السواك وسنن الوضوء) أن تخليل الأصابع من المستحبات وقلنا الصحيح التفصيل أنه قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً فإذا لا يمكن إيصال الماء بنفسه إلى الموضع - حينئذٍ - وجب التخليل لأنه لابد من إيصال الماء وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وأما إذا وصل الماء بنفسه - حينئذٍ - لا نحتاج إلى التخليل هذا في الوضوء وأما في التيمم لا يمكن التراب أن يصل بنفسه - حينئذٍ - ارتفع نوع من أنواع وصول الماء إلى الموضع وأما التراب هنا فيتعين أن يكون واجباً لأن الاستيعاب واجب ولا يمكن إيصال التراب إلى هذا الموضع الذي هو بين الأصابع إلا بتخليله فتعين التخليل فصار واجباً بناء على قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وعلى ما سبق نقول الصحيح أنه لا يشرع تخليل الأصابع بمعنى أنه لا يعتقده سنة ولا يداوم عليه من باب أولى والصحيح أنه ليس بواجب بل ليس بسنة لماذا؟ لعدم الدليل عدم الدليل لماذا؟ لأن الأصل هنا التوقيف عدم المشروعية - حينئذٍ - تقول الدليل هو عدم الدليل إذاً من قال بأن تخليل ما بين الأصابع مستحب أو أنه واجب نقول ائتي بنص من كتاب أو سنة فإن جاء به فعلى العين والرأس وإلا رجعنا إلى الأصل وهو عدم المشروعية، إذاً قوله (ويخلل أصابعه) وجوباً ليصل التراب إلى ما بينها نقول هذا فيه نظر إذاً الصفة التي ذكره المصنف في الجملة لم تثبت لأنه قال (ينوي) هذا واضح (إنما الأعمال بالنيات) - حينئذٍ - النية شرط لطهارة الأحداث كلها وضوء وغسلاً وتيمماً (ثم يسمي) نقول لا يشرع التسمية يضرب التراب بيديه ويمسح بهما وجهه ويديه هذه الصفة التي جاءت في الكتاب (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) - حينئذٍ - نقول نبقى على ظاهر النص كيفما مسح وجهه أجزأه وكيفما مسح يديه أجزأه سواء قدم الوجه على اليدين أو عكس نقول هذا لا بأس به وإن كان موافقة القرآن مستحبة لكن لا على جهة الإيجاب وهنا قوله (يمسح وجهه بباطنها وكفيه براحتيه) هذا التقسيم وهذا التفصيل كذلك ليس عليه دليل (ويخلل أصابعه) كذلك ليس عليه دليل.

ثم قال المصنف رحمه الله تعالى (باب إزالة النجاسة) أي باب بيانها وبيان أحكامها وتطهير محالها وما يعفى عنه منها وما يتعلق بذلك هذا النوع الثاني من نوعي الطهارة المجمع عليها بين الفقهاء سبق حد الطهارة (وهي ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث) قلنا هذان نوعان مجمع عليهما في الجملة يعني من حيث التقسيم الأصلي عندنا طهارة الحدث وطهارة الخبث طهارة الحدث هذه تشمل نوعين طهارة صغرى وهي الوضوء وطهارة كبرى وهي غسل الجنابة ونحوه وبدل عنهما وهو التيمم - حينئذٍ - بقي ماذا؟ النوع الثاني وهو طهارة الخبث وهو الذي عناه بهذا لباب (باب إزالة النجاسة) إذاً هذا شروع منه في بيان النوع الثاني المجمع عليه بين أهل العلم وهو طهارة الخبث وقدم هذا الباب على باب الحيض والنفاس لا شك أن موجبات الغسل منها الحيض والنفاس إذاً الحيض والنفاس له ارتباط بموجبات الغسل فلما فصل بين ما يتعلق بالغسل موجباته من الجنابة والحيض والنفاس فصل بين هذه الأبواب بالنوع الثاني وإن كان باب الحيض والنفاس له علاقة بالطهارة السابقة طهارة الحدث نقول الجواب أن إزالة النجاسة هذا مشترك بين الرجال والنساء وأما الحيض والنفاس فهذا مختص بالنساء - حينئذٍ - إذا تعارض أمران من حيث التقديم والتأخير فما كان مشتركاً أولى بالتقديم مما كان مختصاً أليس كذلك؟ ولذلك قدموا هذا الباب على باب الحيض والنفاس (باب إزالة النجاسة) (إزالة) هي التنحية يقال أزلت الشيء إزالة والنجاسة اسم مصدر وجمعها أنجاس والنجاسة كما سبق التعريف الصحيح الذي لا ينتقض ولا يقع الإنسان فيه تعارض مع أصول أخرى هو أن قول النجاسة {عين مستقذرة شرعاً}، وهذا النجاسة العينية {عين} يعني مما له جرم أو طعم أو لون أو رائحة {مستقذرة شرعاً} يعني الاستقذار جاء من جهة الشرع لأن الاستقذار نوعان: قد يستقذر من جهة الطبع كالمخاط والبصاق ونحوه هذا مستقذر طبعاً لكنه ليس بنجس لماذا؟ لعدم ورود الدليل الدال على نجاسته كذلك المني هذا مستقذر طبعاً لكنه بنجس إذاً ليس كل مستقذر يكون نجساً وإنما يكون من جهة الشرع {شرعاً} لإدخال ما لا يستقذر طبعاً وإنما يستقذر شرعاً كالخمر الخمر في الجملة عند أربابها وأصحابها عند أربابها أما الذين تعافه نفسهم ذلك هذا شيء آخر عند أصحابها هي غير مستقذرة بل هي مشروبات روحانية كما يقال - حينئذٍ - نقول هي غير مستقذرة إذاً عند جماهير أهل العلم وحكي الإجماع إن كان فيه شيء من النظر أن الخمر نجس - حينئذٍ - هو مستقذر من جهة الشرع لا من جهة الطبع واضح هذا إذاً ثلاث كلمات تحفظها في بيان حقيقة النجاسة {عين مستقذرة شرعاً} وأما التعريف المشهور كل عين حرم تناولها مع إمكانه لا لحرمته ...

إلى آخر التعريف المذكور هذا تعريف فاسد؛ لماذا؟ لأنهم أخذوا التحريم قيد في حد النجاسة يلزم منه أن كل محرم لا لما ذكر منفي في الحد يكون نجساً - حينئذٍ - التحريم يستلزم التنجيس وهذه قاعدة باطلة كل نجس محرم لكن ليس كل محرم يكون نجس إذا أخذنا التحريم قيداً في تحريم النجاسة لزم منه هذه القاعدة ولذلك يقرر بعض الفقهاء ليس من المتقدمين هم أصحاب أصول مضطردة إنما من المعاصرين يقرر أن قاعدة كل محرم نجس قاعدة باطلة ثم يعرف النجس أو النجاسة بهذا الحد نقول هذا تعارض هذا تناقض إذا قررت بأن قاعدة كل محرم ليس بنجس وأن قاعدة كل محرم نجس هذه قاعدة فاسدة وجب إخراج لفظ التحريم من حد النجاسة - حينئذٍ - التعريف المشهور {كل عين حرم تناولها} أخذ التحريم قيد هنا فنقول يلزم منه أن كل محرم لا لما ذكر يكون نجساً وهذه قاعدة باطلة على كل أدركتم هذا أو لا نقول التعريف الصحيح {عين مستقذرة شرعاً} انظر لم نذكر اصطلاح التحريم لا يلزم منه أن يكون من كل محرم نجس بل العكس هو الصحيح (باب إزالة النجاسة) نقول الأصل في الأعيان الطهارة إذاً أصل في هذا الباب بمعنى أن لا نحكم على الشيء بكونه نجساً إلا بدليل لماذا؟ لأن الأصل في الأعيان الطهارة كل باب له أصول من أصول هذا الباب إزالة النجاسة أن الأصل في الأعيان حتى المائعات ومنها أي داخلت في حقيقة الأعيان الأصل فيها الطهارة قال ابن حزم رحمه الله تعالى [من ادعى نجاسة أو تحريماً لم يصدق إلا بدليل] [من ادعى نجاسة] يعني قال بأن هذا الشيء نجس [لم يصدق] خبره [إلا بدليل من نص القرآن أو سنة صحيحة] فإذا ادعى بأن هذا لشيء نجس نقول أثبت هذا بالقرآن والسنة فإن جاء بدليل واضح بين لا يحتمل وكان ظاهر في الحكم بالنجاسة قبلنا الحكم فإن لم يأتي بدليل أو جاء بدليل لكن ليس بظاهر - حينئذٍ - حكمنا بكون الشيء طاهراً ونرجع إلى الأصل قال الله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) (خلق لكم ما) اسم موصول بمعنى الذي يعم وامتن الله عز وجل هنا بما خلق لنا في الأرض - حينئذٍ - لا يمتن إلا بشيء طاهر مباح وأما النجس فلا يمتن به ألبته وقال تعالى (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميع منه) كذلك امتن بما سخره لنا في السموات والأرض - حينئذٍ - نقول هذا يدل على أنه طاهر لأن الله تعالى لا يمتن بشيء نجس ألبته قال الله تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [الفقهاء كلهم اتفقوا على أن الأصل في الأعيان الطهارة وأن النجاسات محصاة مستقصاة - يعني معدودة تعد فيقال كذا وكذا وكذا نجس وما عداه فهو طاهر كما تقول نواقض الوضوء كذا وكذا وكذا وما عداه لا ينقض الوضوء موجبات الغسل كذا وكذا وكذا وما عداه لا ينقض الوضوء - وما خرج عن الضبط والحصر فهو طاهر كما يقولون فيما ينقض الوضوء ويوجب الغسل وما لا يحل نكاحه وشبه ذلك] إذاً الأصل في الأعيان الطهارة كذلك قال (باب إزالة النجاسة) من الأصول المعتمدة وإن كان فيها خلاف بين أهل العلم أن الأصل في إزالة النجاسة أنه لا يجوز إزالتها بغير الماء الطهور - حينئذٍ - لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس الطارئ غير الماء الباقي على خلقته حقيقة أو حكماً

وهذا كما سبق بيانه وإن كان ثَمَّ رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى رجحها شيخ الإسلام ابن تيمية أن النجاسة تزال بكل مائع مزيل كالخل ونحوه وهو مذهب أبو حنفية ولكن هذا مذهب ضعيف والأرجح هو الأول لعله مر شيء معنا من الأدلة إذاً لا يجوز إزالتها بغير الماء الطهور وهو المذهب مطلقاً قال الخطابي [إنما تزال النجاسة بالماء دون غيره من المائعات وهو قول الجمهور] ونسبه النووي في المجموع إلى جماهير السلف والخلف، النجاسة ثلاثة أقسام: الأولى: نجاسة معنوية، والثانية: نجاسة عينة، والثالثة: نجاسة حكمية، معنوية هي نجاسة الشرك قال الله تعالى (إنما المشركون نجس) يعني بنجاسة الشرك وأما أعيانهم فهذه في حال الحياة ليسوا بأنجاس أما في الممات فهم أنجاس (إنما المشركون نجس) إذاً بنجاسة الشرك وطهارتها تكون بالتوحيد وأما بدن المشرك فهو طاهر وكذلك عرقه وريقه وما يصنعه فطاهر على الأصل، ثانياً: نجاسة عينية وهي التي عرفناها فيما سبق عين مستقذرة شرعاً - حينئذٍ - نقول ما له جرم أو طعم أو رائحة أو لون فهو نجاسة عينية يعني ما يدرك بالبصر وعين جامدة يابسة أو رطبة أو مائعة فهذه لا تطهر بحال وليست دخلة معنا في هذا الباب ألبته يعني النجاسة العينية ليست هي المرادة هنا وسميت عينية لأنها تدرك بحاسة البصر وإن لم تكن مختصة به يعني تدرك بالشم وبذوق وليست منحصرة في ذلك ولكن سميت عينية نسبة إلى العين لأن في الغالب إنما تدرك بالبصر وليست منحصرة في إدراك البصر بل قد تدرك بغير ذلك، النوع الثالث: نجاسة حكمية وهذه هي التي عنون لها المصنف هنا إذاً ليست النجاسة العينية وليست النجاسة المعنوية وإنما المراد بها النجاسة الحكمية وهي لا يمكن أن تفهم إلا بمعرفة النجاسة العينية؛ وحقيقتها: هي الطارئة على محل طاهر؛ النجاسة الحكمية هي الطارئة على محل طاهر يعني نجاسة عينية تقع على بدن طاهر فنحكم على البدن هو في الأصل طاهر فنحكم على البدن بكونه نجساً هل هو نجس عيناً أو بحلول هذه النجاسة عليه؟ لا شك أنه الثاني ويكون الثوب طاهراً نقياً فيقع عليه قطرة بول - حينئذٍ - نقول البول نفسه نجاسة عينية والثوب نجاسة حكمية؛ لماذا؟ لأنه في الأصل هو طاهر وإنما حكمنا عليه بكونه نجساً حكماً؛ لماذا؟ لوقوع النجاسة العينية عليه إذاً الحكمية هي الطارئة على محل طاهر فالأصل يكون طاهر تقع عليه نجاسة عينية فنحكم على هذا الطاهر بكونه نجساً لكن ليست نجاسة عينية وإنما هي نجاسة حكمية والحكمية بعضهم قال ما ليس لها ذلك يعني ما ليس لها جرم أو طعم أو رائحة أو لون وهو كذلك كالبول إذا جف وعدمت صفاته مع تيقن إصابته سميت حكمية لأنها لا تدرك بحاسة من الحواس الخمس فلا يشاهد لها عين ولا يدرك لها طعم ولا رائحة ومع وجود ذلك فيها تحقيقاً أو تقديراً هذه النجاسة الحكمية على أربعة أنواع: سيتعرض لها المصنف لكن دون تقسم النوع الأول: وهذا عند الحنابلة وعند الشافعية أقسام النجاسة أربعة: النوع الأول: نجاسة مغلظة وهي نجاسة الكلب والخنزير، ثانياً: نجاسة مخففة وهي نجاسة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام ونجاسة المذي لأنه جاء فيه الرش النضح دون الغسل، ثالثاً نجاسة متوسطة بين ذلك

يعني فيها غسل ولم تغلظ بأن يجعل التراب فيها ولم يخفف فيها بأن يجعل أو يكتفا بالنضح والرش دون الغسل وهو ما عدا ما ذكر يعني ما عدا نجاسة الكلب والخنزير وبول الغلام الذي لم يأكل الطعام - حينئذٍ - نقول هذه نجاسة متوسطة لأنه لم يشترط التتريب التراب وكذلك لم يخفف يعدل عن الغسل إلى النضح، رابعاً: نجاسة معفو عنها كيسير الدم وأثر الاستجمار في محله على المذهب وإن قلنا فيما سبق أن الصحيح أنه طاهر، قال المصنف رحمه الله تعالى (يجزئ في غسل النجاسات كلها إذا كانت على الأرض غسلة واحدة تَذْهَب بعين النجاسة) (تُذْهِب تَذْهَب) (يجزئ في غسل النجاسات) النجاسات أل هنا للعموم يعني يعم كل النجاسات ولو كانت من كلب أو خنزير (كلها) (في غسل النجاسات كلها) هذا من باب التأكيد لكن قيدها المصنف (إذا كانت على الأرض) بمعنى أنها لم تكن على البدن ولم تكن في محل الاستجمار مثلاً ولم تكن على الثوب وإنما الحكم هنا خاص بالنجاسة الواقعة على الأرض (يجزئ في غسل النجاسات كلها) دون تفصيل بين نجاسة الكلب والخنزير وغيره من النجاسات بشرط أن (إذا كانت على الأرض) لأن قوله (إذا كانت على الأرض) مفهومها هذه الجملة إذا لم تكن على الأرض فليس الحكم فيها ما ذكر (إذا كانت على الأرض) فالحكم فيها أنه يجب إزالتها بغسلة واحدة وأما إذا لم تكن على الأرض فالحكم مختلف ويأتي تفصيله (إذا كانت على الأرض) قال الشارح [وما اتصل بها] يعني ليس المراد الأرض فحسب وإنما ما اتصل بها من الحيطان والأحواض والصخور والجبال والأشجار لو وقعت نجاسة على جبل رأس جبل فالحكم واحد لو وقعت نجاسة على الجدار فالحكم واحد لو وقعت نجاسة على رأس شجرة فالحكم واحد إذاً الأرض وما اتصل بها يعني وما ثبت مكانه بمكان الأرض ما الذي يجزئ؟ قال (غسلة) (يجزئ) (غسلة) (غسلة) بالرفع على أنه فاعل (يجزئ) (يجزئ) (غسلة واحدة) لكن بماء طهور لأنه يشترط في إزالة النجاسة أن تكون بماء طهور (تذهب بعين النجاسة) هذا هو الشرط في تحقق هذه الغسلة (غسلة واحدة تذهب) هذه الغسلة (بعين النجاسة) الدليل على ذلك؟ ما جاء في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم حديث الأعرابي (أريقوا على بوله سجلاً من ماء أو قال ذنوباً من ماء) (أريقوا على بوله) أين وقع؟ وقع على الأرض (سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء) - حينئذِ - أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإراقة وهذه إنما تحصل بغسلة واحدة يعني بإراقة واحدة يقال هل اشترط النبي صلى الله عليه وسلم بالنص هنا عدداً معيناً؟ الجواب لا، - حينئذٍ - لما كان الحكم معلق على عين النجاسة - حينئذٍ - يدور بدوران النجاسة فمتى زالت هذه النجاسة بهذا الماء الطهور مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث - حينئذٍ - نقول لا تزال النجاسة إلا بزوالها يعني لا يزال حكمها إلا بزوال عينها ولذلك قال المصنف (تذهب) أي هذه الغسلة (بعين النجاسة) فإن لم تذهب بالغسلة الواحدة تعينت غسلة الثانية فإن لم تذهب عين النجاسة بالغسلة الثانية تعينت الثالثة إذاً تعين الثانية والثالثة هل هو لذات الحكم أو لأمر زائد على الحكم؟ هل هو لذات الحكم بمعنى أنه يشرع ابتداء سبع غسلات أو ثلاث أم لكون الحكم مرتباً على عين

النجاسة؟ لا شك أنه الثاني لأنه قال (غسلة واحدة) إذاً المشروع هو غسلة واحدة فإذا زالت النجاسة بغسلة واحدة حكمنا على المحل بكونه طاهراً إذاً الحاصل نقول تطهر أرض متنجسة بمائع كبول أو بنجاسة ذات جرم أزيل عنها ولو من كلب أو خنزير وما اتصل بها بمكاثرة الماء عليها وهي المراد بقوله (غسلة واحدة) يعني تطهر بالمكاثرة لكن لابد من إزالة عين النجاسة أول الجرم لابد من إزالته فإن كان مائع يذهب مع الماء في أجزاء الأرض اكتفينا بالغسلة الواحدة وإن كان ثَمَّ أجزاء لها جرم يدرك بالبصر لابد من إزالته - حينئذٍ - سواء كان هذا الجرم مائع أو جامداً يزال أولاً ثم بعد ذلك تكاثر الأرض بالماء لحديث أنس قال (جاء عرابي فبال في طائفة المسجد فقام إليه الناس ليقعوا به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء أو قال ذنوباً من ماء) متفق عليه ولو لم يطهر بذلك لكان تكثيراً للنجاسة وهو كذلك ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم في تطهيرها العدد دفعاً للحرج والمشقة، إذاً إذا كانت النجاسة على الأرض إنما يكون تطهيرها بغسلة واحدة تذهب هذه الغسلة بعين النجاسة فإن كانت جرماً يدرك بالبصر والحس - حينئذٍ - لابد أولاً من إزالة هذا العين ثم إراقة الماء على الأرض، (وعلى غيرها سبع إحداها بتراب في نجاسة كلب وخنزير ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه) هذا ما يتعلق بالنجاسة المغلظة تطهير النجاسة المغلظة وهي نجاسة كلب وخنزير فقال المصنف (وعلى غيرها) يعني ويجزئ في نجاسة على غيرها الضمير يعود على الأرض يعني على غير الأرض أما إذا كانت نجاسة الكلب والخنزير على الأرض فالحكم كما سبق غسلة واحدة، إذاً تأخذ من هذا أن ليس كل نجاسة كلب يشرع فيه التسبيع والتتريب وإنما فيه تفصيل فيقال ولوغ الكلب مثلاً أو نجاسة الكلب على جهة العموم إذا وقعت على الأرض - حينئذٍ - لا تسبيع ولا تتريب وإنما يجزئ غسلة واحدة وإذا وقعت نجاسة الكلب والخنزير على غير الأرض - حينئذٍ - جاءت مسألة التسبيع والتتريب (على غيرها) أي على غير الأرض (سبع) بالتنوين التنوين هنا عوض عن المضاف إليه يعني سبع غسلات كما قال الشارح (سبع) هذا عدد هل له مفهوم أم لا؟ هل له مفهوم أم لا؟ نقول نعم له مفهوم باعتبار الأقل يعني لا ست لا خمس لا أربع لا غسلة واحدة فإن غسل أدنى وأقل من سبع لم يجزئ ولو زالت النجاسة إن قلنا للنجاسة لا للتعبد؛ هل له مفهوم باعتبار الزيادة؟ الجواب لا ليس له مفهوم باعتبار الزيادة بل لو لم تطهر وأدركنا ذلك بالحس إلا بثامنة بتاسعة بعاشرة وجب؛ لماذا؟ لأن الحكمية النجاسة تطهير النجاسة الحكمية إن كانت موجودة النجاسة - حينئذٍ - ما اشترط فيه العدد كسبع ولم تزل عين النجاسة بالسبع وجب زيادة العدد؛ لماذا؟ لأن المراد من الحكم هنا وهو وجوب الغسل إزالة العين وما ترتب عليه فإذا كانت العين باقية- حينئذٍ - تعلق الحكم بها فلابد من زيادة ثامنة وتاسعة وعاشرة لأن الحكم معلق بعين النجاسة - حينئذٍ - لو لم تذهب عين النجاسة بسبع قلنا ما أجزأت السبع؛ لماذا؟ لأن الغسل إنما وجب لإزالة العين والعين باقية - حينئذٍ - يتعين الزيادة، إذاً (سبع) له مفهوم باعتبار الأقل

فأقل من سبع لا يجزئ ولو زالت النجاسة وما زاد على سبع فهو بالنظر في عين النجاسة متى ما وجدت النجاسة وجب الزيادة ومتى ما ذهبت توقفنا عند السبع (على غيرها سبع) أي سبع غسلات قال (إحداها بتراب) ظاهر المتن لأنه لم يعين هل هي الأولى؟ هل هي الثانية؟ هل هي السابعة؟ قال (إحداها) ظاهره أنه لا أولوية لأنه قال (إحداها بتراب) إذاً التراب يكون في واحدة من هذه الغسلات السبع أي هذه الغسلات هي أولى؟ لم يعين المصنف فكأنه استوى عنده الأمران جعلها في أولها جعلها في آخرها جعلها في أثنائها الحكم واحد إذاً ظاهر كلام الماتن أنه لا أولوية فيه وهو رواية عن الأمام أحمد وعنه رواية أخرى وهي التي اختارها الشارح الأَولى أن يكون في الغسلة الأُولى وهو الصحيح الأولية من حيث الأجزاء أجزأ لا إشكال فيه لكن الأفضل والأحسن والأولى أن تكون في الأولى وعنه رواية ثالثة أن تكون الأخيرة أولى لكن الرواية الثانية هي أرجح لحديث (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب) وجاء في رواية (إحداهن بالتراب) وجاء في رواية (أخراهن بالتراب) إحداهن لا تعارض بينها وبين أولاهن أو أخراهن؛ لماذا؟ لأنها تصدق إحداهن أولاهن يحتمل أن إحداهن هي الأولى فلا تعارض كذلك إحداهن مع أخراهن هذه لا تعارض - حينئذٍ - لا تعارض بين رواية إحداهن مع الروايتين الأخريتين؛ أين وقع التعارض؟ أولاهن وأخراهن؛ أيهما أرجح؟ كلاهما صحيحتان ثابتة وإنما الأرجحية هنا كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى [فيبقى النظر في الترجيح بين رواية أولاهن ورواية السابعة والأولى أرجح - من حيث ماذا - من حيث الأكثرية - رواتها أكثر من رواة أخراهن - والأحفظية - يعني رواة أولاهن أكثر حفظاً من رواة أخراهن - والمعنى] يعني النظر؛ ما هو النظر؟ قالوا إذا جعلنا التراب في الأخيرة لزم منه تلويث الموضع ونحتاج إلى ثامنة ونحن المشروع عندنا سبعة إذاً لو جعلناها الأولى لجاء الماء بعدها منظفاً ومطهراً لها إذاً من حيث المعنى ومن حيث ما يليق بالتطهير أن نجعل التراب في الأولى وهذا هو الأرجح إذاً (إحداها) أي إحدى الغسلات (بتراب) والأولى أولى لما ذكرناه سابقاً ولا خلاف بينهم أنه لو جعل التراب في أي غسلة شاء أنه يجزئ وإنما الخلاف في الأولوية والصحيح أن الأولى هي الأولى قال (بتراب) يعني يضع التراب مع الماء في الغسلة الأولى؛ وهل هو شرط أم مستحب؟ فيه خلاف حتى في المذهب والصحيح أنه شرط بمعنى أنه واجب ولذلك نقول الصحيح من المذهب اشتراط التراب في غسل نجاسة الكلب والخنزير مطلقاً قال الشارح بتراب طهور احترازاً من الطاهر احترازاً من النجس لا إشكال فيه إذا علمنا بأن هذا التراب نجس لا يصح استعماله في تطهير نجاسة الكلب وهذا واضح وأما التفريق بين الطهور والطاهر فكما سبق لا أصل له فكل تراب لم يكن نجساً صح أن يجعل في إحدى هذه الغسلات (إحداها بتراب في نجاسة كلب) (في نجاسة كلب) هنا فيه عموم (في نجاسة كلب) أطلق المصنف - حينئذٍ - نجاسة الكلب هنا تعم سواء كان من جهة الولوغ أو من جهة روثه أو من جهة عرقه أو من جهة ما يخرج من أنفه فهو عام يشمل البول والروث والولوغ وعرقه كل ما يخرج منه -

حينئذٍ - كل ما خرج من الكلب فيشرع بل يجب في تطهير نجاسته أن يكون بسبع أولاهن بتراب هذا الذي أراده المصنف قال (في نجاسة كلب) إذاً (في نجاسة كلب) فيه شمل لأنواع النجاسة الصادرة عن الكلب فكل نجاسة خرجت من كلب ولم تقع على أرض - حينئذٍ - نقول تطهيرها يكون بهذه الصورة التي ذكرها المصنف والصحيح أن الحكم خاص بولوغه لأن الحكم جاء معلقاً بالولوغ - حينئذٍ - قوله (إذا ولغ الكلب) إذاً إذا بال الحكم يختلف إذا خرج من عرق الحكم يختلف فإذا نص الشارع على حكم ورتب عليه شيء - حينئذٍ - نكتفي بما هو عليه (إذا ولغ الكلب) إذاً الحكم معلق بالولوغ (في نجاسة كلب) أطلق المصنف الكلب لأن الكلب أنواع منه معلم ومنه غير معلم فقوله (نجاسة كلب) يشمل المعلم وغير المعلم سواء كان صغيراً جرواً أو كان كبيراً سواء كان مما يباح اقتناؤه ككلب الصيد والماشية والحراسة أو لا فالحكم عام قالوا سواء كان حضرياً أو بدوياً فالحكم عام إذاً كل كلب بقطع النظر عن نوعه فالحكم عام لأن قوله صلى الله عليه وسلم (إذا ولغ الكلب) بأل أل هذه للجنس وهي من صيغ العموم كلب هذا علم اسم دخلت عليه أل - حينئذٍ - يعم فلا يختص بنوع دون نوع آخر فمن أخرج كلب الصيد والماشية والحراسة عن الحكم بالمشقة نقول هذا اجتهاد مخالف للنص لماذا؟ اجتهاد مخالف للنص لأن هذه الأفراد داخلة في مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا ولغ الكلب) نقول هذه أل تفيد الجنس وهي تفيد العموم كل أنواع الكلاب داخلة في هذا النص - حينئذٍ - إذا كان من صيغ العموم لا يخرج فرد من أفراد العموم بالاجتهاد ومنه القياس على الصحيح فإذا كان كذلك فدعوا إخراج ما أبيح اقتناؤه نقول هذا بالاجتهاد وهو اجتهاد مقابل للنص لأن هذه الأنواع داخلة في مفهوم هذا الحديث إذاً (في نجاسة كلب) فيه عمومان عموم من جهة أنواع النجاسة الولوغ وما عداه والصحيح أن الحكم خاص بالولوغ وفيه عموم آخر وشمول وهو لأنواع الكلاب وهو الصحيح مسلم للمصنف؛ قال (وخنزير) خنزير معلوم معروف؛ ما الدليل على أن الحكم يستوي في الكلب والخنزير؟ أما الكلب فالنص وأما الخنزير قالوا هذا قياساً على الكلب لأنه شر منه - حينئذٍ - نقول هل هذا الدليل مستقيم أم لا؟ كان الخنزير معروفاً وإن لم يكن بجزيرة العرب ولم يكن في المدينة النبوية التي كان فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ذكره موجود في القرآن فإذا كان كذلك لما خص النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بالكلب دل على أن الحكم معلق على مسماه وهو الكلب - حينئذٍ - قياس غيره عليه يكون قياساً في مقابلة النص؛ ما هو النص الذي معنا؟ لأن النص هنا يدل بالمنطوق على إثبات الحكم للكلب ولوغ الكلب ويدل بالمفهوم على نفي الحكم عن غير الكلب واضح فله دلالة بالمنطوق وله دلالة بالمفهوم - حينئذٍ - نقول المفهوم دليل شرعي وقياس الخنزير على الكلب مصادماً لمفهوم هذا النص لأنه قال (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله) هذا له مفهوم شرط وهو معتبر إذا ولغ غير الكلب لا يغسل سبعاً ولا يغسل إلا على الأصل إن كان نجساً والخنزير نجس بالإجماع - حينئذٍ - نقول إلحاقه بالكلب فيه نظر بل الصواب أن الحكم خاص بالكلاب إذاً (إحداها بتراب

في نجاسة كلب وخنزير) لحديث (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم) (في إناء أحدكم) (إناء) إذاً الشيء الذي يكون صغيراً (أحدكم) الحكم خاص بالمسلمين أو أنه عام يشمل الكافرين هل هو خاص أم عام؟ الصحيح أن هذه الفروع عامة في شأن المسلم والكافر فهي عامة لكن يشترط في الكافر أنه يسلم أولاً (فليغسله) الفاء وقع في جواب الشرط واللام هذه لام الأمر ولام الأمر تدل على الوجوب (فليغسله) إذاً صار الغسل واجباً دل على أن ولوغ الكلب في الإناء فيه شيء مما يدل على نجاسته على أنه نجس وقوله (سبعاً) (فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب) نقول (سبعاً أولاهن بالتراب) هل هو داخل في المأمور به أم أنه قدر زائد على صيغة الأمر؟ انتبه لهذه هذه من المزالق قوله صلى الله عليه وسلم (فليغسله) بعض الفقهاء يقف هنا (فليغسله) يقول هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب إذاً الغسل واجب بقي شيء آخر وهو التسبيع والتتريب قوله (سبعاً) داخل في مفهوم الغسل - حينئذٍ - لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمطلق الغسل اغسله فقط لا ليس هذا المأمور به وإنما المأمور به غسل وعلى كيفية معينة كما أمر بالوضوء وبكيفية معينة إن وقع الوضوء على هذه الكيفية كان ممتثلاً فإن لم يقع هذا الوضوء على الكيفية المعينة شرعاً لم يكن ممتثلاً كذلك هنا أمر بغسل بكيفية معينة إن وقع هذا الغسل بهذه الكيفية المعينة كان ممتثلاً وإن لا فلا نأخذ من هذا التقرير تقعيد أن التسبيع واجب لقوله (فل ... )

اللام هذه للوجوب نأخذ بأن التراب واجب لقوله (فليغسله) إذاً لام الأمر دلت على الوجوب وجوب الغسل لكن بصفة معينة فإن وقع بهذه الصفة المعينة كان ممتثلاً وإن لا لم يكن ممتثلاً وأما الوقوف مع صيغة الأمر فحسب والمتعلقات التي تعلقت بهذا الفعل تترك وتهجر أو تجعل أنها من المسنونات أو أن الأمر لا يدل عليه هذا مخالف للتقعيد الصحيح عند الأصوليين ولذلك قال بعض الأصوليين لو أمر الشارع بأن قال صوم يوم الاثنين فصام يوم الثلاثاء؛ هل هذا ممتثل أو لا؟ لم يمتثل؛ لماذا مع كونه قد أوقع صياماً؟ لأنه لم يأمر بصيام مطلق أليس كذلك؟ وإنما أمر بصيام مقيد - حينئذٍ - يكون الامتثال بالصيام المقيد لا بمطلق الصيام، كذلك إذا أمر بماذا؟ إذا أمر بغسل ثم حدد هذه الغسلات وإحدى هذه الغسلات تكون بتراب - حينئذٍ - إذا جاء بالسبع كان ممتثلاً وإن لم يأتي بالسبع لم يكن ممتثلاً إن جاء بالسبع وإحداهن إحدى الغسلات السبع بتراب كان ممتثلاً وإلا فلا، ثم قال رحمه الله تعالى (ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه) (يجزئ عن التراب) يعني لو لم يضع، النبي صلى الله عليه وسلم يقول (أولاهن بالتراب) فالأصل الوقوف مع النص؛ لماذا؟ لأن الحكم هنا وإن كان مدركاً من جهة التعليل تعليل الأصل قلنا أن الحكم معلل بالنجاسة لكن لا يلزم أنه إذا كان الحكم معللاً بالنجاسة أن يكون الطريق في إزالة النجاسة كذلك مدركاً بالعقل يعني قد يكون الأصل معللاً والوسيلة أو الطريق في التحصيل تعبدي ولذلك الزكاة مثلاً وهذه قاعدة ذكرها ابن دقيق العيد في إحكام الإحكام قاعدة نفيسة؛ الزكاة ركن من الدين الإسلام وهي واجبة وهذا الحكم معلل مواساة الفقراء إلى آخره - حينئذٍ - نقول تعليل صحيح ودلت عليه نصوص لكن في أربعين شاة شاة معلل أم تعبدي؟ في عشرين مثقال من الذهب كذا وكذا معلل أم لا؟ معلل؟! غير معلل؛ ليه ما خص الأربعين لما لو كان الحكم تسع وثلاثين شاة هل وجبت الزكاة؟ ما وجبت الزكاة؛ ما الفرق؟ واحدة، لو كان الحكم مدركاً بالعقل لقيل الأربعون وإذا نقصت واحدة لا فرق لا أثر فيها عند من أخرج وعند غيره - حينئذٍ - نقول أصل الزكاة معلل وهو مواساة الفقراء - ومن جهة التكافل ونحوه - وأما أنصبت وتحديد من يخرج له أصحاب الأصناف الثمانية نقول هذا غير معلل فالتعبد وقع في كيفية إخراج الزكاة وإن كان الأصل معللاً هنا إذا قيل إذا ولغ الكلب كان معللاً بالنجاسة لا يلزم أن يكون الطريق الذي هو الغسل السبع والتتريب أن يكون معللاً لأن النجاسة قد تزول بالأولى أو الثانية - حينئذٍ - لما لابد من إيصاله للسابعة نقول التسبيع غير معلل فهو تعبدي لأنه قد يكون إدراك الولوغ وهو قد زال بالأولى والثانية وقد يضع التراب بالأولى وينظف الإناء كما كان بالثانية أو الثالثة وجب عليه أن يوصل العدد إلى سبع لماذا؟ تعبداً لما لابد من وضع التراب نقول تعبداً لو جاء شيء آخر غير التراب كالأشنان ولو كان أنظف وقوى في التنظيف نقول جاء الشرع بالتنصيص على التراب وغيره لا يجزئ إذاً قوله (ويجزئ عن التراب أشنان) يعني ولو مع وجود التراب ونحوه من كل ما له قوة في الإزالة كالملح ونحوه والأشنان بضم الهمزة وكسرها شجر يدق ويكون

حبيبات كالسكر تغسل به الثياب سابقاً وهو خشن كالتراب منظف ومزيل يعني يؤدي ما يؤديه التراب بل أبلغ من التراب - حينئذٍ - هل نقول أولاهن بالتراب إذاً إذا عند تراب وهذا أنظف إذاً أولاهن بالأشنان أو بغيره من الأمور المستحدثة الآن نقول لا ليس الأمر كذلك لماذا؟ أولاً إتباعاً للنص نص النبي صلى الله عليه وسلم على التراب والأشنان كان موجوداً آن ذاك وغيره غير التراب من المطهرات كان موجوداً آن ذاك وقتئذ - حينئذٍ - كون النبي صلى الله عليه وسلم ينص على التراب دل على أنه مقصود بذاته فلا يعدل عن غيره ألبته فإتباعاً للنص نبقى على أنه لا يجزئ غير التراب كذلك وجود الأشنان والسدر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشر إليها ثالثاً التراب أحد الطهورين كون النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين التراب والماء لآن التراب يكون بدلاً عن الماء في طهارة الحدث الأصغر أو الأكبر إذاً قوله (ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه) الصحيح أنه لا يجزئ، وإذا لم يجد التراب - حينئذٍ - نقول سقط يسقط عنه التراب لماذا؟ لأنه واجب في الغسل ولا واجب إلا مع القدرة فإذا عجز عنه أو فقده - حينئذٍ - يسقط عنه، ثم قال (وفي نجاسة غيرهما سبع) (في نجاسة غيرهما) غير ماذا؟ الكلب والخنزير ويجزئ (في نجاسة غيرهما) أي غير الكلب والخنزير (سبع) أي سبع غسلات لكن مفهوم نجاسة غيرهما دخل فيه نجاسة بول الغلام هذا يؤخذ عليه أليس كذلك؟ (وفي نجاسة غيرهما) يعني غير الكلب والخنزير (سبع) إذاً نجاسة بول الغلام تغسل سبع على هذا لكن هذا ليس مراد وإنما في نجاسة غير الكلب والخنزير وغير بول الغلام الذي لم يأكل الطعام والمذي لابد من استثنائه هذا يؤخذ على المصنف من حيث العموم لأن العموم له مفهوم هنا - حينئذٍ - دخل معه بول الغلام الذي لم يأكل الطعام ودخل معه كذلك المذي والصحيح أنه سيأتي حكمه فيما يأتي إذاً (سبع) يعني سبع غسلات بماء طهور إن أنقت السبع فإذا لم تنقي وتنظف المحل - حينئذٍ - وجب الزيادة لما ذكرناه سابقاً وإنما المراد بالسبع هنا أن لا تقل عن سبع فلو ظهر المحل بخمس وجب زياد السادسة والسابعة لماذا؟ لأن العدد هنا دل عليه الشرع وهو مراد وهو متعبد به فالحكم هنا ليس معلق بعين النجاسة فحسب وإنما بإزالة حكمها ولا تزال إلا بسبع فإن أنقت السبع - حينئذٍ - كفا فإن لم تنقي زاد حتى ينقي في كل النجاسات من نجاسة كلب وغيره يعني فيما سبق قال الشارح [مع حت وقرص لحاجة] يعني دلك إذا احتاج بأن النجاسة عين النجاسة لا تزول إلا بالدلك وجب الدلك وإلا الأصل فيه صب الماء فقط هذا الذي هو واجب وأما الدلك هل هو واجب كما سبق في لغة العرب الدلك ليس داخل في مفهوم الغسل بل يصدق بمجرد صب الماء على الموضع - حينئذٍ - الدلك هل واجب في إزالة النجاسة أم لا؟ تقول إن احتيج إلى القرص وإلى الحت وإلى النتف بأظفر أو غيره - حينئذٍ - نقول وجب وإلا فلا، ما الدليل على أنه في غير نجاسة الكلب والخنزير لابد من السبع؟ يعني لو وقعت قطرة بول على الثوب يجب أن تغسل الثوب الذي هو الموضع سبع غسلات وجب أن تغسله سبع غسلات فلو غسلته مرة واحدة ما أجزأ ولو غسلته أربع ما أجزأ ولو غسلته خمس أو ست ما أجزأ

ولو كانت قطرة واحدة لابد أن تستوفي السبع؛ ما الدليل؟ قالوا عندنا دليل قوله قول ابن عمر (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) (أمرنا) إذا قال الصحابي أمرنا من الآمر؟ النبي صلى الله عليه وسلم إذاً هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب (أمرنا بغسل الأنجاس) كل الأنجاس؟ هذا هو الأصل لأن أل تفيد العموم ودخلت على الجمع فهي تفيد العموم استثنينا نجاسة الكلب والخنزير لما سبق لحديث (إذا ولغ الكلب) وقيس عليه الخنزير صار مخصصاً لهذا الحديث كذلك بول الأعرابي صار مخصصاً لهذا الحديث بقي (أمرنا بغسل الأنجاس) إذا لم تكن على الأرض لحديث الأعرابي حديث أنس وإذا لم تكن نجاسة كلب للحديث السابق حديث أبي هريرة وقيس عليه الخنزير ما عدا هذه النجاسات - حينئذٍ - (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) يخص منها كذلك ما جاء في بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام، إذاً قال (سبعاً) وهو داخل في مفهوم قوله (أمرنا) هذا الدليل الأول الذي ذكره، ثانياً قياساً على نجاسة الكلب والخنزير وهذا قياس فاسد لأن النص إنما عين الكلب فحسب فإذا نفينا قياس الخنزير وهو شر من الكلب فمن باب أولى وأحرى أن ننفي قياس غير الخنزير على ذلك - حينئذٍ - يبقى النظر في أثر ابن عمر والصحيح أن الأثر هذا ضعيف لا يثبت وإذا كان كذلك نرجع إلى الأصل، إذاً (في نجاسة غيرهما سبع) للنص المذكور - وحينئذٍ - نقول الحكم هنا معلل وهو إزالة النجاسة - حينئذٍ - متى ما زالت النجاسة حكمنا بكون المحل قد طهر وأصل إزالة النجاسة يكون بغسلة واحدة فتكون هي المتعينة - حينئذٍ - ما كان على الأرض يكون بغسلة واحدة وكذلك ما كان على البدن أو غير الأرض على جهة العموم ما عدا نجاسة الكلب أو ولوغ الكلب فيكون كذلك بغسلة واحدة وهذا هو الصحيح الذي تدل عليه الأدلة وهو رواية عن أحمد لذا قال المحشي [وعنه تكاثر بماء حتى تذهب عينها ولونها وهذا مذهب الحنفية والمالكية والشافعية] وهذا هو الصحيح أنه لا يشترط فيها التسبيع لأن النص الوارد حديث ابن عمر ضعيف وإذا كان ضعيفاً لا تثبت به أحكام شرعية بل لا تثبت به حتى الفضائل على الصحيح وقياسه على نجاسة الكلب أو ولوغ الكلب قياس مع الفارق وإذا كان كذلك رجعنا إلى الأصل وهو أن الحكم معلق بإزالة عين النجاسة وإنما يتعين المرة الواحدة فإن لم تكفي زدنا حتى تزول النجاسة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأسماء (اغسله بالماء) ولم يعين عدداً فدل على أن الغسل إنما يكون بمرة الواحدة وقال في دم الحيض (فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء) ولم يعين عدداً فدل على أن العدد غير معتبر فهي نجاسة كالنجاسة الواقعة على الأرض، ثم قال رحمه الله تعالى (بلا تراب) يعني لما قاس هذه النجاسة على نجاسة الكلب - وحينئذٍ - نجاسة الكلب لابد أن يكون في إحدى الغسلات تراب فإذا كان كذلك لابد من استواء الفرع مع أصله؛ ما هو الفرع؟ نجاسة غير الكلب فرع كبول يقع على بدنك - حينئذٍ - إذا قيس هذا الموضع على إناء أحدكم الذي ورد فيه التسبيع مع التتريب الأصل الاستواء إذا قلنا هذا يجب أن يكون سبعاً لحديث (إذا ولغ) إذاً لابد أن يكون فيه تراب قالوا (بلا تراب) إذاً هذا اعتراض أم لا؟ هذا فيه شيء من التناقض لأن الفرع إنما يأخذ

حكم أصله دون تفريق إذا كان حكم الأصل مركباً وحكم الأصل مركب وهو غسل مع تسبيع مع تتريب وهنا أخذوا الغسل مع التسبيع وتركوا التتريب لذا قال (بلا تراب) لأنه لم يرد في النص قصراً على مورد النص قال الشارح هنا [ولا يضر بقى لون أو ريح - يعني النجاسة - أو ما له عجز] يعني إزالة النجاسة إذا كانت على الثوب مثلاً أو على بساط أو على أي موضع كان فبقي لون النجاسة لا يضر أو بقي ريح النجاسة كذلك لا يضر أو بقي اللون والرائحة معاً لعجز يعني ما استطاع أن يزيله كذلك لا يضر بخلاف بقاء الطعم إذا كان مما يطعم لأن الطعم يدل على أن ثَمَّ أجزاء باقية في الموضع إذاً يستثنى اللون ويستثنى الرائحة في كل منهما فلا يضر بقاؤه أو هما معاً للعجز وأما الطعم فلا يستثنى منه شيء ألبته، ثم قال رحمه الله تعالى (ولا يطهر متنجس بشمس ولا ريح ولا دلك) عرفنا فيما سبق أن الماء متعين لابد من إزالة النجاسة بماء طهور فلو زالت النجاسة بشمس يعني ضربته الشمس فلم يبقى له أثر زالت الرائحة واللون والطعم - حينئذٍ - هل طهر المحل؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لكون النجاسة باقية حكماً ويشترط فيه الماء كذلك (ولا ريح) لو جاء الهواء والريح وأزال عين النجاسة وأثرها ولونها ورائحتها ولم يبقى لها أثر هل طهر المحل؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لأنه لم تزل بالماء فيشترط فيه الماء وهو المذهب وهو الصحيح، (ولا يطهر متنجس) قال المصنف (متنجس) متنجس هذا نكرة في سياق النفي - حينئذٍ - يعم؛ يعم ماذا؟ أرضاً أو ثوباً أو بدناً أو كل ما يقع عليه النجاسة فلا يختص الحكم بالثوب مثلاً ولا بالأرض (ولا يطهر متنجس بشمس ولا ريح - ولا جفاف - ولا دلك) أما الطهارة بالشمس هذا مسلم له وأما الطهارة بالريح كذلك مسلم له لا يجزئ وأما الدلك فهذا محل تفصيل فما جاء النص فيه كذيل المرأة وأسفل النعل والخف فهو مستثنى من الأصل - حينئذٍ - نقول يطهر ذيل المرأة إذا مر على شيء طاهر ولو علق بنجاسة وكذلك إذا حلت النجاسة في أسفل النعل أو الخف ثم مر على تراب طاهر - حينئذٍ - يطهر وهذا لا ينقض الأصل؛ لماذا؟ لأن الأصل هو إزالة النجاسة بالماء قد جاءت بعض المواضع بالاستثناء من باب التخفيف وإثبات الرخصة لما عم أو تعم به البلوى كالاستجمار الاستجمار المذهب كما سيأتي أنه لا أو مر معنا أنه لا يطهر وإنما يعفى عن يسيره وقلنا الصحيح أنه مطهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله مع وجود الماء فدل على أنه مطهر في ذاته وكذلك للحديث السابق (أنهما لا يطهران) فدل على غيرهما يطهر كذلك قال في ذيل المرأة (يطهره ما بعده) - حينئذٍ - ما جاء به النص نجعله كالمستثنى من القاعدة والأصل العام فإذا دلت النصوص على أن إزالة النجاسة بل الطهارة على جهة العموم طهارة الحدث وطهارة الخبث لا ترفع ولا تزال إلا بالماء وجب التسليم لهذا النص ولهذا الأصل ولهذه القاعدة فإن جاء الاستثناء في إزالة النجاسة ببعض المواضع أنها تزال بغير الماء - حينئذٍ - نقول هذا تخصيص ويبقى على محله وهو رخصة ولا يقاس عليه غيره كما نقول الأصل في رفع الحدث إنما يكون بالماء وجاء الدليل بأن التراب يقوم مقام الماء في الجملة ولا يلزم منه رفع الحدث - حينئذٍ -

نكتفي بما جاء به النص ولا نقول بأنه يجوز التيمم مع وجود الماء ولا قائل به؛ لماذا؟ لأنه إنما جعل رخصة كذلك هنا في هذا الموضع قوله (ولا دلك) نقول فيه تفصيل فما جاء به النص - حينئذ - بقي على ما هو عليه، قال [(ولا دلك) ولو أسفل خف أو حذاء أو ذيل امرأة] والصحيح أنه يطهر في هذا الموضع وأما ما عداه فلا فلو وقعت نجاسة على ساعة مثلاً ودلكها بشيء ما بمنديل ونحوه هل تطهر؟ نقول لا؛ لماذا؟ لكونه لم يرد به نص وإنما نرجع إلى الأصل إن وقعت نجاسة أو حلت بذيل امرأة أو عباءة امرأة وهي ماشية - حينئذٍ - نقول إن مر على تراب طهره؛ لماذا؟ لورود النص لأن النجاسة وإن كانت مدركة من حيث الأصل وهي أن الحكم يدور معها وجوداً وعدماً إلا أن كيفية التطهير في الجملة تعبدي ولذلك لا يسأل لماذا يخص به الماء مع كون الخل يزيل النجاسة؟ بل نبقى على الأصل، قال (ولا استحالة) هذا النوع الرابع مما نفاه المصنف يعني لا يطهر متنجس باستحالة الاستحالة استفعال من حال الشيء عما كان عليه إذا زال وذلك مثل أن تصير العين النجسة رماداً أو وقع كلب كالمثال المشهور وقع كلب في مملحة ملح كثير وقع فيه كلب فصار الكلب ملح أين الكلب؟ لا يوجد عندنا كلب أين هو؟ استحال صار ملحاً ما حكم هذا المحل الذي صار من الكلب إن قلنا بأن الاستحالة مطهرة - حينئذٍ - صار الملح طاهراً وإن قلنا بأن الاستحالة غير مطهرة فالملح نجس المذهب عند الحنابلة أن الاستحالة لا تطهر ولذلك قال (ولا استحالة) يعني لا يطهر متنجس باستحالة فلو تغير كان عذرة مثلاً ثم صار رماداً إذاً هذا رماد ليس اسمه عذرة هذا ملح وليس اسمه كلب كان كلباً - حينئذٍ - زوال الاسم سقوط الاسم لم يسقط الحكم بقي الحكم على أصله وهو أنه نجس وهنا قال [وذلك مثل أن تصير العين النجسة رماداً أو غير ذلك كما لو أحرق سرجين فصار رماداً وكالدم إذا استحال قيحاً أو صديداً] على المذهب لا تعد من المطهرات ولذلك قال [فرماد النجاسة نجس ودخان النجاسة نجس وغبار النجاسة وبخار يعتبر من النجاسات] وفرق بين دخان النجاسة وبين النجاسة عينها وفرق بين النجاسة التي تجعل حطباً بين رمادها لأن الاسم تغير هل تغير الأسماء يسقط الأحكام؟ يعني تتبدل الأحكام بتغير الأسماء أم لا؟ هو هذا الذي وقع فيه النزاع لأن عندنا ماذا؟ عندنا كلب هو نجس إذاً عندنا اسم على مسمى على ذات كلب الحكم نجس، تغير الكلب ما صار كلب صار ملح هل يبقى الحكم أم يزول لتغير الأسماء؟ هذا محل خلاف والصحيح أن الأحكام تتبدل وتتغير بتغير أسمائها ولذلك قال ابن حزم [الأحكام للأسماء والأسماء تابعة للصفات التي هي حد ما هي فيه إذا زال الاسم زال الحكم] إذا كان الحكم تابعاً للاسم - حينئذٍ - نقول الحكم النجاسة تابع للكلب فإذا بقي الكلب كلب كما هو في صورته المعهودة فالحكم باقي وإذا تغير وزال وصف الكلب وهيئته إذاً سقط الحكم وعليه نقول الصحيح أن الاستحالة تعتبر من المطهرات، فالأصح أن الاستحالة مطهرة لأن هذه الأعيان المستحيلة لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظاً ولا معنى وإنما جاء النص بكون الكلب نجساً إذاً نص الشارع على الكلب وهذا ليس بكلب هذا ملح - حينئذٍ - لابد من تغير الحكم

فنقول الحكم يتبع الاسم وأيضاً اتفقوا على أن الخمر إذا صارت خلاً بفعل الله صارت حلالاً طيباً وهذه مثلها ومن فرق بينهما قالوا الخمر تنجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة بخلاف الدم والميتة ولحم الخنزير وهذا ضعيف، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [ولا ينبغي أن يعبر عن ذلك بأن النجاسة طهرت بالاستحالة فإن نفس النجس لم يطهر بل استحال] إذا الشيء نفسه عينه قد تغير كان كلباً فصار ملحاً - حينئذٍ - نقول الحكم لآن على كلب أو على ملح في الطور الثاني كلب استحال؛ صار ماذا؟ صار ملحاً - حينئذٍ - إذا حكمنا على الشيء الثاني الذي استحال الكلب إليه نحكم على كلب أو على ملح؛ ما اسمه؟ اسمه ملح - فحينئذٍ - نقول الأصل في الملح الطهارة فيبقى على أصله، إذاً (ولا استحالة) يعني لا يطهر متنجس باستحالة والصحيح أنه يطهر فإن التنجيس والتحريم يتبع الاسم والمعنى الذي هو الخبث (غير الخمرة) هذه مستثناة (غير الخمرة) الخمرة هذه فيها نزاع بعضهم يرى أنها نجسة المذاهب الأربعة على أنها نجسة وبعضهم يرى أنها طاهرة [(غير الخمرة) إذا انقلبت بنفسها خلاً] يعني انقلبت بنفسها يعني استحالة إذاً الاستحالة على المذهب لا تطهر واستثنوا نوعاً واحداً من الاستحالة وهي استحالة الخمرة بشرط أن تكون بفعل الله عز وجل يعني ليس بقصد من المكلف - حينئذٍ - قالوا بالاستحالة بكونها مطهرة؛ لماذا؟ لورود النص ولذلك جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الخمر تتخذ خلاً قال (لا)، الخمر تتخذ خلاً إذاً هي كانت خمراً فصارت خلاً إذاً ارتفع الاسم أو لا؟ قال (لا) وإنما قال لا هنا لكونه جاء الفعل تتخذ إذاً بفعل فاعل بالعمد يعني قصداً فقال (لا) عليه الصلاة والسلام مفهومه أنها لو صارت خلاً دون اتخاذ الجواب نعم (غير الخمرة) الخمرة اسم لكل مسكر وسميت بذلك لتخميرها العقل أي تغطيتها إياه، قال ابن هبيرة [واتفقوا على أن الخمرة إذا انقلبت خلاً من غير معالجة الآدمي طهر] وإنما إذا انقلبت خلاً بفعل فاعل فلنص حديث أنس - حينئذٍ - لا تطهر تبقى على الأصل فإن خللت يعني نقلت لقصد التخليل لم تطهر للحديث السابق قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الخمر تتخذ خلاً قال (لا) رواه مسلم وغيره عن أنس وقال عمر (لا تأكلوا خل خمر إلا خمر بدء الله بفسادها) وثبت عن طائف من الصحابة، قال ابن القيم [ولا يعلموا لهم - في الصحابة - مخالف وذلك لأن اقتناء الخمر محرم فمتى قصد باقتنائها التخليل كان قد فعل محرماً فلا يكون سبباً للحل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه داء وليست بدواء] إذاً على المذهب الاستحالة ليست بمطهرة إلا في مسألة الخمر ثم مسألة الخمر قد تكون بفعل فاعل وقد تكون بفعل الله عز وجل فالأول هي نجسة باقية على أصلها وفي الثاني هي طاهرة للنص، قال (أو تنجس دهن مائع) هذا يأتي في محله. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

14

عناصر الدرس * تابع لباب: إزالة النجاسة. * قوله: "أو تنجس دهن مائع"، وسبب التفريق بين المائع والجامد. * حكم من خفي عليه موضع النجاسة. * تطهير بول الغلام الذي لم يأكل الطعام. * قوله: "ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم" المسألة. * هل ينجس المسلم بالموت؟ * تعليق الحكم بمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق. * حكم المني، ودليل المسألة. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فلا يزال الحديث في بيان ما يتعلق بباب إزالة النجاسة وعرفنا هنا أن المراد بالنجاسة هنا النجاسة الحكمية وليست النجاسة العينية فإنها غير قابلة للتطهير وبينا أن النجاسة الحكمية أربعة أنواع: هذا في المذهب عند الحنابلة وكذلك عند الشافعية فهي نجاسة مغلظة والمراد بها نجاسة كلب وخنزير على المذهب ونجاسة مخففة والمراد بها نجاسة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام ونجاسة المذي كذلك على المذهب والثالثة نجاسة متوسطة بين ذلك رابعاً نجاسة معفواً عنها كيسير الدم وأثر الاستجمار في محله سبق ما يتعلق ببعض المسائل المتعلقة بالنجاسة المغلظة والنجاسة المتوسطة، وكانت آخر مسألة وقفنا معها هي أن النجاسة لا تزول بشمس ولا ريح ولا دلك ولا استحالة غير الخمرة فإن خللت - حينئذٍ - إن كانت قصداً فالحكم بنجاستها محل وفاق وإن كانت بفعل الله عز وجل - حينئذٍ - كانت طاهرة فيفرق بين تخليل الخمر بين أن يكون بفعل الله عز وجل وبين أن يكون بفعل الآدمي والحكم - حينئذٍ - يختلف باختلاف اليد والاستحالة سبق أن الصحيح أنها مطهرة وما عداها يبقى على أصله فالشمس لا تطهر كذلك الدلك لا يطهر إلا ما جاء النص به كذيل المرأة ونحوها - حينئذٍ - ما جاء النص ببيان تطهيره بغير الماء وقيل معه وإلا الأصل أن النصوص دالة على أن النجاسة لا تزول بغير الماء الطهور وأما المائعات ولو كانت أقوى من الماء كما هو الموجود في العصر الحاضر هذه لا تطهر النجاسة لأن الشرع أوقف إزالة النجاسة على الماء وما عداه يبقى على الأصل وقفنا عند قوله (أو تنجس دهن مائع) أي لم يطهر المذهب يفرقون بين المائعات حيث التنجيس فالماء عندهم فيه تفصيل وهو ما سبق في أول الباب ما تغير بالنجاسة حكمنا عليه بكونه نجس هذا الماء الكلام في الماء إن وقعت فيه نجاسة فتغير الماء بالنجاسة - حينئذٍ - نقول الماء انتقل من الطهورية إلى النجاسة وإن لم يتغير بالنجاسة - حينئذٍ - فرقنا بين القليل والكثير فإن كان كثيراً وهو ما بلغ قلتين فأكثر لا ينجس بل باقي على أصله وما كان دون القلتين حكمنا على الماء بكونه نجساً بمجرد الملاقاة وهذا بمنطوق ومفهوم حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) مفهومه مفهوم مخالفة أنه إذا لم يبلغ القلتين - حينئذٍ - يحمل الخبث مطلقاً ولو لم يتغير وذكرنا أن هذا هو الصحيح وأما ما عدا الماء على المذهب - حينئذٍ - كل مائع عدا الماء كالزيت السمن ونحو ذلك أو الخل فالحكم عندهم أنه يستوي فيه القليل والكثير فينجس بمجرد الملاقاة ولا عبرة هنا بالتغير بل التغير إن تغير المائع ما عدا الماء كالزيت مثلاً وقعت فيه نجاسة فتغير - حينئذٍ - محل وفاق أنه نجس لو جود أثر النجاسة هذا لا إشكال فيه يبقى الخلاف فيما إذا لم يتغير فالمذهب سواء كان قليلاً أو كثيراً بمجرد الملاقاة حكمنا عليه بكونه نجساً ولذلك قال (أو تنجس دهن مائع) (دهن) الدهن قد يكون مائعاً وقد يكون جامداً والفرق بينهما كما في حواشي الإقناع

الجامد الذي فيه قوة تمنع انتقال أجزأ النجاسة من الموضع الذي وقعت فيه إلى ما سواه يعني لا تسري فيه النجاسة يعني لا تمشي بل يقف على محله نقول هذا جامداً ما عداه فهو المائع، هذا الجامد وعرفه بعضهم بأنه القائم اليابس ضد الذائب والذائب كما عرفه هنا في الحاشية [وهو ما بحيث يسيل لو فتح فم الزق] بمعنى أنه لو فتح فم قربة سال بنفسه هذا يسمى مائعاً أو ذائباً المذهب يفرقون بين الجامد والمائع، الجامد إذا وقعت فيه نجاسة أزيلت النجاسة وما حولها وأما المائع فبمجرد الملاقاة حكموا عليه بكونه نجساً، ولذلك قال (أو تنجس دهن مائع) يعني لم يطهر ولا يمكن تطهيره بخلاف الماء سبق أن الماء يمكن أن يطهر؛ ماء قليل إذا وقع فيه أو صب عليه ماء كثير تطهر أليس كذلك؟ أو الماء النجس الكثير الذي زال تغيره بنفسه حكمنا عليه بكونه انتقل من النجاسة إلى الطهورية إذاً الحاصل أن الماء النجس يمكن تطهيره بواحد من الأمور السابقة لكن الدهن المائع لو وقعت فيه نجاسة عندهم لا يمكن تطهيره؛ لماذا؟ لأن الدهن لا يدخل الماء في أجزأ الدهن بخلاف الماء فالماء أجزأ يمكن أن يدخل بعضها في بعض وأما الدهن فلا، ولذلك قال (أو تنجس دهن) دهن هذا قد يكون مائعاً وقد يكون جامداً أخرج الجامد بقوله (مائع) (لم يطهر) لأنه لم يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه بدليل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة السمن الذي وقعت فيه الفأرة، هذا المذهب والصحيح أن يقال أن الدهن المائع كالجامد بمعنى أن ما عدا الماء على الصحيح أنه لا ينجس إلا بالتغير يعني بالتغير بالنجاسة - حينئذٍ - إذا وقعت النجاسة في الدهن مثلاً سواء كان جامداً أو مائعاً تزال النجاسة وما حولها والباقي يعتبر طاهراًََ وإلحاقه بالماء بمجرد الملاقاة نقول هذا إلحاق مع الفارق - حينئذٍ - الأصل القاعدة الأصل ما تغير بالنجاسة فهو نجس ما لم يتغير بالنجاسة وما لم يتغير بالنجاسة فالأصل أنه ليس بنجس إلا ما دل الدليل عليه؛ كالماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة حكم الشارع بكونه نجس إذاً للنص وإذا لم يرد النص بقينا على الأصل واستصحاب البراءة الأصلية - حينئذٍ - نقول هذا الدهن الذي لم يتأثر كله جميعه بالنجاسة نقول الأصل فيه أنه طاهر - حينئذٍ - نبقى على هذا الأصل حتى يرد دليل واضح بين ينقلنا إلى الحكم بالنجاسة فالصواب أن الدهن المائع كالجامد تلقى النجاسة وما حولها والباقي طاهر، ففي البخاري من حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) هنا سئل عن ماذا؟ عن فأرة وقعت في سمن ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هل هذا السمن جامد أم مائع؟ - حينئذٍ - ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال فيكون النص عاماً - حينئذٍ - هذا الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم (ألقوها وما حولها) يعني يكون الجواب لأي شيء؟ سواء كان السمن مائعاً أو كان سمن جامداً؟ لأنه لم يستفصل فيحمل على العموم وأما الرواية التي احتجوا بها في المذهب ومن قال بهذا القول أنه قال (إذا كان جامداً فألقوها وما حولها وإذا كان مائعاً فلا تقربوها) هذا الحديث ضعيف

هذه الزيادة ضعيفة وإذا كان ضعيفاً - حينئذٍ - لا يعول عليه ويكون حديث ميمونة الوارد في صحيح البخاري هو المعتمد والنبي صلى الله عليه وسلم سئل عن السمن ولم يستفصل وبيّن الحكم - حينئذٍ - يكون عاماً، إذاً التفريق بين الجامد والمائع نقول هذا تفريق بناء على نص وهو ضعيف وإذا كان ضعيف رجعنا إلى الأصل وقياسه على الماء قياس مع الفارق فلا يقاس المائع على الماء لأن الماء هو الذي يحصل به التطهير وأما المائعات فلا يحصل بها التطهير ولذلك قال (فلم تجدوا ماء فتيمموا) لما لم يوجد الماء عدلنا إلى التيمم التراب ولو وجد غير الماء من المائعات فدل على أن المائع غير الماء ليس كل الماء - حينئذٍ - يكون القياس مع الفارق، إذاً (أو تنجس دهن مائع لم يطهر) على المذهب مطلقاً سواء كان قليلاً أو كثيراً تغير أم لا والصحيح أنه إن تغير حكمنا بنجاسته وهذا محل وفاق وإن لم يتغير - حينئذٍ - نلقي النجاسة وما حولها ويكون طاهراً ولذلك قال في الشرح [لم يطهر لأنه لا يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه] وإن كان جامداً ووقعت فيه نجاسة ألقيت وما حولها والباقي طاهر للحديث حديث أبي هريرة (ألقوها وما حولها وكلوا وإن كان مائعاً فلا تقربوه) رواه أبو داود، قال ابن تيمية [عمل بهذا اللفظ بعض العلماء لظنهم صحته وهو باطل ولو أطلع الإمام أحمد على العلة القادحة فيه لم يقل به لأنه من رواية معمر وهو كثير الغلط باتفاق أهل العلم] قولهم (فلا تقربوه) متروك عند السلف والخلف من الصحابة والتابعين وقال البخاري وغيره [هو غلط أخطأ] وقال ابن القيم [غلط من معمر من عدة وجوه وكيف أن الزهري قد روى عنه الناس كلهم خلاف ما روى عنه معمر وسئل عن هذه المسألة فأفتى بأنها يلقى وما حولها ويأكل بالباقي بالجامد والمائع والقليل والكثير واستدل بالحديث فهذه فتياه وهذا استدلاله وهذه رواية الأمة عنه] إذاً القول بأن المائع يلقى كله وأنه تنجس هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال المصنف (وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزوالها) هذه العبارة أخذها من المقنع وعبارة المقنع أوضح حيث قال [وإذا خفيت النجاسة لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها] يعني إذا كان المكان ضيقاً ويمكن حصره يعني لا صحراء ونحوها هذا مستثنى إن كان الموضع موضع النجاسة ضيق في بدن أو ثوب أو بقعة ونحوها وخفي عليه موضع النجاسة يعني تيقن نزول النجاسة على الثوب مثلاً لكن لا يدري هل هو أمامه خلفه في الكم الأيمن الأيسر خفي عليه موضع النجاسة مع يقينه بأن الثوب قد وقعت عليه نجاسة - حينئذٍ - لا يحكم على الثوب بكونه قد تطهر إلا بغسله كله لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يتيقن مع تيقنه إصابة الثوب بالنجاسة - حينئذٍ - تيقن أنه تنجس ولا يمكن أن يرتفع هذا الحكم إلا بغسله كله - حينئذٍ - تعين أو وجب عليه أن يغسل الثوب كله حتى يجزم بزواله (وإن خفي موضع نجاسة) (خفي موضع نجاسة) هذا مراد به في المكان الضيق لا الواسع أما الواسع فالمذهب أنه يتحر يعني لو كان في أرض أو كان في بيت صالة أو نحوها يعلم أن الولد قد بال في موضع ما لكنه لا يدري نقول هذا المكان واسع ليس بضيق - حينئذٍ - يتحر يعني يبحث عن قرائن فما غلب عليه ظنه

عمل به فيغسله فإن غلب على ظنه أنه بال في هذا الموضع غسل هذا الموضع إن غلب على ظنه أنه بال في هذا الموضع غسل ذاك الموضع ولا يلزمه غسل كل ما يكون في غرفة ونحوها لأن هذا مما يشق، (إن خفي موضع نجاسة) وهذا إنما يتصور في مكان ضيق لا واسع وأما الواسع فيتحر يعني يتحر الموضع الذي يغسله فيغسله ليس المراد أنه يتحر في موضع فيصلي قد يكون هذا لكن المراد هنا النجاسة، (وإن خفي موضع) يعني محل (نجاسة) والنجاسة هذه نكرة في سياق الشرط فتعم يعني سواء كانت النجاسة على الثوب أو كانت في البدن أو كانت في بقعة ضيقة وأراد الصلاة لم يجز له حتى يتيقن زوالها يعني لم يجز له أن يصلي لأن إزالة النجاسة واجتناب النجاسات شرط من شروط صحة الصلاة فإذا تيقن أن الموضع الثوب أو البدن أو الموضع الذي سيصلي فيه أصابته نجاسة - حينئذٍ - لا يجوز أن يصلي حتى يتيقن طهارة الثوب وكذلك البدن والموضع لم يجز له حتى يتيقن زوالها وإنما يتيقن ذلك بغسل كل محل يحتمل أن النجاسة أصابته وبهذا قال مالك والشافعي وابن المنذر، (غُسل حتى يجزم) (غُسل) يعني ذلك الموضع وجوباً (غسل) ليس اختياراً وإنما وجوباً؛ لماذا؟ لأن اجتناب النجاسات هذا واجب إذا كان كذلك - حينئذٍ - ما لم يتحقق الوجوب إلا به فهو واجب - حينئذٍ - اجتناب النجاسة يعتبر واجباً (حتى يجزم) أي إلى أن (حتى) بمعنى إلى؛ إلى أن يجزم ويقطع بزواله يعني زوال النجس لأنه متيقن فلا يزول إلا بيقين الطهارة وقيل يتحرى مكان النجاسة فيغسلها يعني لا فرق بين الواسع والضيق وهذا هو الصحيح إن غلب على ظنه أنه أصيب في موضع ما من بدنه أو ثوبه أو بقعته - حينئذٍ - نقول التحري جاءت به الشريعة بدليل ماذا؟ بدليل أنهم قالوا بالتحري في مكان واسع صحراء ونحوها له أن يتحرى وهذا حكم شرعي إذا كان كذلك كما أنه يتحرى في الصلاة ويتحرى في عدد أشواط الطواف والسعي ونحو ذلك هنا كذلك نقول على الصحيح تلك المسألة هنا كذلك يتحرى فما غلب عليه في ظنه عمل به فإن تيقن أن النجاسة أصابت أحد الكمين هذا أو ذاك على المذهب يجب أن يغسل الكمين معاً على المذهب والصحيح أنه إن غلب على ظنه أنه في الكم الأيمن هذا الذي يلزمه غسله وما عداه فلا يغسله هذا على الصحيح أنه يتحرى يعني إذا غلب على ظنه هو الذي يعمل به إن استويا - حينئذٍ - رجعنا إلى الأصل وهو ما قرره المصنف هنا رحمه الله تعالى، إذاً (وإن خفي موضع نجاسة غُسل حتى يجزم بزواله) والصحيح أنه لا يلزمه غسل ذلك إذا غلب على ظنه - وحينئذٍ - يتحرى فما غلب على ظنه وإلا فلا، [فإن لم يعلم جهتها من الثوب غسله كله] هذا على المذهب والصحيح أنه يتحرى فإن لم يغلب على ظنه شيء غسل الثوب كله وأما إذا غلب على ظنه جهة معينة - حينئذٍ - رجعنا إلى التحري، [وإن علمها في أحد كميه ولا يعرفه غسلهما] هذا مثال أو تفريع لقاعدة (خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزواله) والصحيح ما ذكرناه، [ويصلي في فضاء واسع حيث شاء بلا تحري]- حينئذٍ - نقول لا فرق بين الفضاء الواسع وبين الضيق بل الصواب أنه يتحرى فيهما، ثم قال رحمه الله تعالى (ويطهر بول غلام لم يأكل الطعام بنضحه) هذا النوع الثالث من أنواع النجاسة وهو أنه قد تكون

النجاسة مخففة نجاسة مخففة وهي نجاسة بول الغلام، قال (ويطهر بول) إذاً البول نجس أخذنا ذلك من قوله (يطهر) لأن الطهارة يقابلها ماذا؟ النجاسة؛ وهل قال بعض أهل العلم بطهارة بول الغلام؟ نقول نعم قال داود الظاهري بأنه طاهر وليس بنجس والصحيح ما عليه الجماهير من أنه نجس ولذلك عبر المصنف هنا بالطهارة (ويطهر بول) إذاً خص البول وخرج الغائط وليس له حكم من حيث الاستثناء أو التخفيف وإنما رجع إلى الأصل وهو وجوب الغسل (ويطهر بول) لا غائط (بول غلام) غلام يطلق على الصبي من حين يولد على اختلاف أحواله إلى أن يبلغ هذا أصل الغلام لكن المراد هنا من ولادته إلا أن يأكل الطعام لأن الحكم مقيد فليس مطلق الغلام كل غلام لا؛ المراد به غلام قيده المصنف لم يأكل إذاً هناك غلام أكل الطعام فإذا كان الغلام يطلق على من دون البلوغ - حينئذٍ - قد يكون شاباً أليس كذلك؟ هذا يأكل ويشرب - حينئذٍ - الحكم لا يتعلق به، (غلام) أخرج الجارية - حينئذٍ - الحكم لا يتناولها (غلام) لم يأكل الطعام قال (بنضحه) جار ومجرور متعلق بقول (يطهر) يعني يطهر هذا المذكور النجس (بنضحه) والنضح هو الرش والبل وهو يقابل الغسل فالغسل لابد من جريان الماء ولابد من الفرك والعصر لابد أن يفركه لابد أن يعصره وأما النضح فيكفي الرش فحسب وهذا كما هو الشأن في المذي إذا أصاب الثياب كذلك البول بول الغلام، قال هنا (لم يأكل الطعام) هذا القيد لم يرد في النص وإنما جاء من وصف الصحابي للصبي الذي بال على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه جاء في الحديث (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصبي فبال على ثوبه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فأتبعه إياه) متفق عليه وليس فيه أنه لم يأكل الطعام وجاء في حديث أم قيس (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام - فجاء الوصف هنا مقيد بالصحابية - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حَجْرِه فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) إذاً (فنضحه ولم يغسله) دل على أن النضح هنا المراد به الرش والبل وليس المراد به الغسل فإن قيل بأن النضح قد يطلق على الغسل نقول ليس بمراد في هذا النص بدليل (ولم يغسله) لما نفى لم يغسله دل على أن النضح المراد به هنا الرش والبل وليس المراد به الغسل إذاً جاء في النص هنا بابن لها صغير لم يأكل الطعام، وجاء كذلك عن أم الحسن (أنها أفسرت أم سلمة تصب الماء على بول الغلام ما لم يطعم فإذا طعم غسلته وكانت تغسل بول الجارية) إذاً هذا القيد لم يرد في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قوله وإنما جاء بقرائن الأحاديث الواردة في هذا الموضع، (ويطهر بول غلام لم يأكل الطعام بنضحه) قال أي غمره بالماء ولا يحتاج لمرص وعصر فإن أكل الطعام غسل، قال ابن القيم رحمه الله تعالى [وإنما يزول حكم النضح إذا أكل الطعام وأراده وشتهاه تغذياً به] يعني ليس المراد مطلق الأكل لأنه قد يحنك بالتمر مثلاً عند ولادته هذا أكل الطعام لكنه هل اشتهاه هل طلب الطعام؟ هل اختاره؟ الجواب لا، إذاً ليس كل من أكل الطعام يخرج عن هذا الحكم وإنما المراد غلام لم يأكل الطعام تشهياً يعني لشهوة أو اختياراً لم يطلبه وإنما أعطي إعطاء هذا ليس بخراج ولا يسمى

آكلاً للطعام؛ لماذا؟ لأنه لا يكون آكلاً للطعام إلا إذا قاصداً طالباً له والفعل إنما ينسب إلى الشخص إذا كان قاصداً وطالباً له، إذاً قال ابن القيم [وإنما يزول حكم النضح إذا أكل الطعام وأراده واشتهاه تغذياً به] وقال في الفتح ابن حجر رحمه الله تعالى [والمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه] لأنه نوع طعام إذا لم يأكل الطعام مات هذا أليس كذلك؟ وإنما المراد به لم يأكل الطعام لشهوة - حينئذٍ - اللبن الذي يرتضعه أخرجه عن الحكم نقول لا، لأنه منذ أن يولد وهو يرتضع فإذا كان هذا آكلاً للطعام ارتفع الحكم الشرعي، إذاً قال ابن حجر [والمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها فكان المراد أنه لم يحصل الإغتذاء بغير اللبن عن الاستقلال] هذه المذكورات لا تخرجه عن كونه ليس آكلاً للطعام لأنه يعطى إعطاء إذاً هذا الحكم خاص بالغلام ولا يشمل الجارية للنص الذي ذكرناه سابقاً ولما فرق الشارع بينهما الله أعلم، بين النبي صلى الله عليه وسلم بأن البول بول الصبي ينضح من بول الغلام ويغسل بول الجارية نقول فرق بينهما وجمع بينهما في لفظ واحد؛ لم فرق؟ نقول الصحابة لم يسألوا لم فرقت يا نبي الله صلى الله عليه وسلم وإذا لم يسألوا - حينئذٍ - رجعنا إلى التسليم والأحكام الشرعية إنما مبناها على التعبد الفقهاء استنبطوا أحكام لكن لا نقف معها، ثم قال (ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس من حيوان طاهر) (ويعفى) هذا النوع الرابع وهو النجاسة التي يعفى عن يسيرها (ويعفى) أي يتجاوز تجاوز (عن يسير دم) يتجاوز (يعفى) (عن يسير) متعلق بقوله (يعفى) والذي عفا من؟ الشارع هو الذي تسامح هو الذي تجاوز يعفى عن يسير إذاً لا كثير واليسير ما لا يفحش في نفس كل أحد بحسبه والكثير ما يفحش في نفس كل أحد بحسبه يسير ماذا؟ قال (يسير دم) أما يسير غير الدم كالبول والغائط فلا يعفى لأنه خصه بماذا؟ بالدم، النجاسات كثيرة ومنها الدم - حينئذٍ - لما قال (عن يسير) إذاً لا كثير فكثير الدم لا يعفى عنه ولما قال (عن يسير دم) خص الحكم وقيده بالدم إذاً يسير البول لا يعفى عنه يسير الغائط لا يعفى عنه يسير القيء على القول بنجاسته لا يعفى عنه وقلها في ما عدا هذه النجاسات، (عن يسير دم نجس) قيد الدم بكونه نجس تعلم منه أن بعض الدم ليس نجس، فالدماء ثلاثة أقسام: الأول: نجس لا يعفى عن شيء منه ألبته؛ وهو الدم الخارج من حيوان نجس ولذلك قال هنا (من حيوان طاهر) إذاً الحيوان النجس هذا لا يعفى عنه لا يسير ولا كثير نجس لا يعفى عن شيء وهو الدم الخارج من حيوان نجس أو خارج من السبيلين من القبل أو الدبر هذا على المذهب لا يعفى عن يسيره، النوع الثاني: نجس يعفى عن يسيره؛ وهو الذي معنا يسير دم من حيوان طاهر - بهذا القيد - حيوان طاهر يعني في الحياة ولو لم يكن مأكول اللحم، الثالث: دم طاهر؛ وهذا أنواع دم السمك لأن ميتته طاهرة، الثاني الدم اليسير الذي لا يسيل كدم البعوضة والذباب ونحوها لأن ميتتها طاهرة كما سينص عليها المصنف، ثالثاً الدم الذي يبقى في المذكاة بعد تذكيتها كدم الذي يكون في العروق أو في الكبد أو في الطحال هذا

سواء كان قليلاً أو يسيراً يعني بعد سيران الدم الذي يسيل الدم المسفوح هذا نجس باتفاق وأما الدم الباقي في اللحم أو في الكبد أو في الطحال أو في العروق هذا طاهر وليس بنجس ولو كثر ولو رأيته يطبخ مع اللحم نقول هذا مستثنى طاهر، رابعاً دم الشهيد عليه طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بغسله فدل على طهارته هذا عندنا وعند الحنفية وأما عن المالكية والشافعية فهو نجس، إذاً الدماء الطاهرة أربعة دم السمك والدم اليسير الذي لا يسيل وثالثاً الدم الذي يبقى في المذكاة بعد تذكيتها ودم الشهيد ما عدا هذه - حينئذٍ - يكون نجساً ويختلف حكمه من حيث العفو عن يسيره أو لا، (ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس) عرفنا أنه من حيوان طاهر في الحياة وسيأتي هذا، إذاً التخصيص في العفو هنا خصه المصنف باستثناء نوعين أنه لا يعفى عن يسيره وهو (في غير مائع) السائل يعني في غير السائل وأما السائل سواء كان ماء أو غيره فعلى كلام المصنف أن يسير الدم النجس وغيره كذلك لا يعفى عنه فلو وقعت قطرة بول في ماء يسير؟ نجس ما يعفى عنه ولو كانت قطرة بول، (ومطعوم) يعني ما يطعم من الجوامد كالخبز ونحوه كذلك لو وقعت عليه قطرة بول قالوا حكمنا عليه بأنه نجس ولا يعفى عن يسيره وما يعفى عن يسيره يترتب عليه حكم وهو أنه لا يطالب بغسله أو تطهيره وأما هنا في المطعوم وفي المائع - حينئذٍ - الحكم ثابت كما هو فمراد المصنف هنا أن العفو عن يسير الدم النجس من حيوان طاهر يكون في غير المائع وأما المائع فلا يعفى عن يسيره بل نحكم عليه بكونه نجساً لأن الماء وغيره بمجرد الملاقاة يعتبر نجساً ولكن الماء بقيد القليل وأما المائع فلا يقيد بقليل ولا كثير وهذا يصح في ماذا؟ يصح في الماء القليل وأما المائع فكما ذكرنا سابقاً أن العبرة بالتغير وبناء المذهب هنا على أنه بمجرد الملاقاة وهو قول ضعيف، (ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس) يعني في الثياب والبدن والأرض والبساط ونحوها أما المائع والمطعوم فلا يعفى عن يسيره (من حيوان طاهر) هذا من المتن - إن كان ظاهر النسخة التي معنا ليست من المتن بل هي من المتن - قيد لابد منه (من حيوان طاهر) حيوان قسمان: طاهر ونجس، فالطاهر الأول مأكول اللحم كل ما أذن الشارع بأكل لحمه فهو طاهر لأن النجس خبيث وإذا كان خبيثاً فالأصل فيه التحريم إذاً مأكول اللحم، ثانياً ما ليس له دم سائلة فهو طاهر في الحياة وبعد الممات كالذباب للحديث الوارد في الذباب فهو طاهر في الحياة وبعد الممات، والنجس كل حيوان محرم في الأكل إلا الهرة وما دونها في الخلقة، إذاً مأكول اللحم طاهر، ما ليس مأكول اللحم هل كله ليس بطاهر؟ الجواب لا؛ وإنما يفسر فيه ما ليس له دم سائلة فهو طاهر في الحياة وبعد الممات - طيب - كذلك ما دون الهرة في الخلقة فهو طاهر في الحياة وهو له دم سائلة لكن جاء النص باستثنائه، إذاً الطاهر مأكول اللحم وما ليس له دم سائلة فهو طاهر في الحياة وبعد الممات ثم النجس كل حيوان محرم الأكل إلا الهرة وما دونها في الخلقة على المذهب فطاهر، وما دونها في الخلقة هذا القيد فيه نظر والصحيح أن العلة هي التطواف كما سيأتي، المراد الهرة وما

دونها هذا طاهر في الحياة، قال هنا (من حيوان طاهر) إذاً لو كان يسير دم من حيوان نجس؛ ما الحكم هل يعفى عن يسيره؟ الجواب لا؛ وإنما يعفى عن يسير الدم النجس من حيوان طاهر - حينئذٍ - الطاهر قد يكون مأكول اللحم وقد لا يكون مأكول اللحم؛ أليس كذلك؟ فالهرة مثلاً هي طاهرة - حينئذٍ - لو أصيبت يعني جرحت فخرج الدم فأصاب ثوبك قطرة يسيرة؛ هل يجب إزالته؟ لا يجب إزالته؛ لماذا؟ لأنه دم نجس من حيوان طاهر في الحياة - حينئذٍ - نحكم عن هذا اليسير بأنه معفو عنه يعني لا يحب غسله فلو صليت به ولو عمداً نقول هذه الصلاة صحيحة فلا يجب غسله ألبته لأنه مما استثني، إذاً (من حيوان طاهر) لا نجس ولا إن كان من سبيل قبلاً كان أو دبراً، وأما مسألة الدم الإنسان هل طاهر أم نجس؟ حكي الإجماع أنه نجس وإن كانت الأدلة قد لا تسانده وهذه المسألة طويلة مفصلة في الشرح المطول، ثم قال (وعن أثر استجمار بمحله) هذا النوع الثاني مما يعفى عن يسيره وهو الاستجمار وقد مر معنا في باب الاستجمار (وعن أثر استجمار) يعني ويعفى ويتجاوز (عن أثر استجمار) والمراد بالاستجمار الاستجمار الشرعي يعني الذي استوفى العدد مع الإنقاء وأما إذا لم يكن شرعياً كأن استنجى أو استجمر بنجس نقول هذا لا يعفى عنه ولا عن يسيره ولا عن أثره - حينئذٍ - نقول هذا الاستجمار ليس شرعياً وإنما المراد الاستجمار الشرعي الذي توفرت فيه الشروط السابقة في بابه، (وعن أثر استجمار) هو في الأصل نجس لأنه بول والبول نجس وكذلك الغائط الدبر مثلاً والأصل فيه أنه نجس والأصل في الموضعين أنهما نجسان هذا الأصل فيهما ولكن لكون النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على الاستجمار مع وجود الماء دل على أن هذا الأثر معفو عنه، وهذا على التسليم بأن الاستجمار لا يطهر لأنه لو استجمر في موضع القبل أو الدبر فالباقي من أثر النجاسة معفو عنه يعني متجاوز عنه يعني لا يجب غسله فيما لو صلى أو انتهى من صلاته، طيب ماذا بقي؟ قال (بمحله) يعني في محله يعني على القبل والدبر فإن علق الموضع فأصاب الثوب قالوا رجعنا إلى الأصل وهو النجاسة فلا يعفى عنه إنما العفو معلق بالمحل فمادام أن الغائط في الدبر بقية منه أجزاء قالوا معفو عنه يعني يتسامح فيه ولا يترتب عليه الحكم وهو وجوب الإزالة لكن لو علق الموضع فأصاب الثوب حكمنا على الثوب بأنه نجس؛ لماذا؟ لأنه رخصة والرخصة إنما تناط بمحلها فإذا تجاوزت المحل رجعنا إلى الأصل، وهذا الفرع الذي وقع فيه نزاع مبني على الاستجمار هل هو مطهر أو لا؟ فمن قال أنه مطهر حكمنا على الباقي ولو كان في أصله نجساً حكمنا على الباقي أثره في الموضع بأنه طاهر فإن عرق الموضع فأصاب الثوب فالثوب طاهر وهذا هو الصحيح بأن الموضع قد تطهر ثم ما أصاب الثوب ولو وجد لونه لون البول أو الغائط ونحو ذلك نقول الأصل أنه طاهر؛ لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنهما لا يطهران) دل على أن ما عداهما يطهر ثم استعمل الاستجمار مع وجود الماء فليس هو كالتيمم طاهرة ضرورة وإنما هو طهارة مع القدرة على الماء فلما عدل عن الماء إلى الاستجمار مع وجود الماء علمنا أنه ليست طهارة ضرورة وإذا كان كذلك ساوى الاستجمار الماء

هذه النتيجة ساوى الاستجمار الماء - حينئذٍ - كما أن الماء يطهر وإن كان هو أكثر تطهيراً وإنقاء كذلك الاستجمار بالأحجار ونحوها يطهر وإن كان أدنى تطهيراً من الماء ويترتب عليهما أن الموضع قد طهر ولو بقيت أجزاء النجاسة ولو بقيت أجزاء النجاسة وعقلك لا تدخله في مثل هذه المواضع هذه تعبدية والحكم ما حكم به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فمادام أن النصوص صحت فالاجتهاد والرأي يكون لا مجال له ألبته، ويعفى (عن أثر استجمار) إذاً هو في الأصل نجس على المذهب هو في الأصل نجس لأن المسح لا يزيل أجزاء النجاسة كلها فالباقي منها نجس لأنه عين نجاسة فأشبه ما لو وجد في المحل وحده (عن أثر استجمار بمحله) يعني في الباء هنا بمعنى في، مفهومه أنه لو تجاوز محله لم يعفى عنه وهذا المذهب والصحيح كما ذكرنا أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اقتصر على الاستجمار في التنزه عن البول والغائط فإذا كان كذلك فهو مطهر، ثم قال رحمه الله تعالى (ولا ينجس الآدمي بالموت) (ولا ينجس) لأن المقام هنا حديث في بيان النجاسات والآدمي سواء كان مسلماً أو كافراً فيه خلافاً بين أهل العلم المسلم في حال الحياة بالإجماع أنه طاهر وإذا مات صار ميتة - حينئذٍ - هل يدخل في الألفاظ الدالة على أن الميتة نجسة أو لا؟ هذا محل نزاع ولذلك ذهب بعض الفقهاء وهو رواية عن الإمام أحمد في بعض الروايات أن المسلم إذا مات صار نجساً ولذلك يحتاج إلى تغسيله، لكن هذا القول ضعيف، (ولا ينجس الآدمي) يعني من كان من بني آدم سواء كان مسلماً أو كافراً (لا ينحس) بالموت وهنا لم يفرق المصنف بين المسلم ولا الكافر لاستوائهما في حال الحياة وأجزاؤه وأبعاضه كجملته، قال (بالموت) لا ينجس بسبب الموت لأن الموت إذا حل بحيوان بحكم بنجاسته والآدمي حيوان لكنه ليس كسائر الحيوانات هل يختلف الحكم أو لا؟ جاء النص بقوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن لا ينجس) (سبحان الله إن المؤمن لا ينجس) (المؤمن) مؤمن مفعل يعني ذات متصف بالإيمان دخلت عليه أل وأل هذه ما نوعها؟ استغراقية ما نوعها؟ موصولية - وصفة صريحة صلة أل - صفة صريحة مؤمن يعني اسم فاعل صلة أل؛ إذاً أل هذه من الموصولات وإذا كانت من الموصولات عند الأصوليين أن الموصولات الذي والتي والذين وأل مثلها أنها من صيغ العموم - حينئذٍ - تعم (المؤمن) تعمه من أي جهة سواء كان ميتة أو حياً فالمؤمن في حال الحياة هو متصف بالإيمان إذا مات هل يبقى الوصف أم يزول؟ إذا مات على إيمانه يبقى الوصف أم يزول؟ يبقى الوصف؛ هل يصدق عليه الحديث؟ يصدق عليه الحديث إذاً (المؤمن) سواء كان ميتة أو حياً والعموم لكونه صفة دخلت عليه أل فوصف الإيمان باق في حياته وبعد مماته - فحينئذٍ - قال (لا ينجس) هذا نفي يعني لا يوصف بكون نجساً بسبب الموت ألبته (المؤمن لا ينجس) الحكم نفي النجاسة علقه على ماذا؟ على وصف المؤمن وتعليق الحكم بمشتق يأذن بعلية ما منه الاشتقاق بمعنى أن نفي النجاسة لكونه مؤمناً يعني كأنه قال المؤمن لأجل إيمانه لهذه العلة لا ينجس مفهومه مفهوم مخالفة أن الكافر ينجس لماذا؟ لانتفاء العلة وهي الإيمان وهذا صحيح فكما أن المؤمن عام في الحي والميت كذلك الحكم

ينجس الكافر حياً وميتاً الكلام في النص لآن الكلام في هذا الحديث، - حينئذٍ - (لا ينجس) هذا حكم معلق على ماذا؟ على مشتق على وصف وتعليق الحكم بمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق يعني الحكم هنا معلل والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً كأنه قال (المؤمن) لعلة لكونه مؤمن متصف بالإيمان قريب من رحمة الله (لا ينجس) مفهومه مفهوم مخالفة من لم يؤمن نجس إذاً الكافر نجس وهذا صحيح - حينئذٍ - يكون العموم هنا في مفهوم المخالفة يعم الكافر حياً وميتاً دلت النصوص لجواز نكاح الكتابية وكذلك أكل طعامهم النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع اليهودي وتعامل مع اليهود وإلى آخره دلت هذه النصوص الواردة في التعامل مع الكفار على أنه في حال الحياة طاهر بقي ماذا؟ بقي الموت؛ - حينئذٍ - نقول الكافر في حال الحياة طاهر وأما إذا مات رجع إلى دلالة هذا النص فنحكم عليه بكونه نجساً قال ابن قدامة في هذا الحديث [ويحتمل أن ينجس الكافر بموته - بل هو مدلول النص - لأن الخبر إنما ورد في المسلم ولا يقاس الكافر عليه لأنه لا يصلى عليه ولا حرمة له كالمسلم]، وأما في حال الحياة قد ذهب بعضهم كأبي حنيفة وابن حزم إلى أنهم أنجاس استدلالاً بقوله تعالى (إنما المشركون نجس) لكن المراد هنا بالآية النجاسة المعنوية وليست النجاسة الحسية ولذلك أباح الله طعامهم ونساءهم فدل على أنهم على طهارتهم في حال الحياة ولذلك دخلوا المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك ربط ثمامة في المسجد فدل على أنهم على طهارة لو كانوا أنجاساً ما جاز أن يدخلوا المساجد - حينئذٍ - نقول في حال الحياة هم طاهرون وأما إذا مات فنرجع إلى دلالة النص، إذاً (ولا ينجس الآدمي بالموت) يستثنى من الكافر والكافر ينجس بالموت على الصحيح والله أعلم، (وما لا نفس له سائلةً - سائلةٌ يجوز الوجهان - متولد من طاهر) (وما) هذا معطوف على ماذا؟ على الآدمي (ولا ينجس الآدمي) ولا ينجس (ما لا) وما هنا اسم موصول يصدق على حيوان يعني كأنه قال لا ينجس حيوان لا نفس له؛ النفس هنا المراد بها الدم يعني ليس له دم ليس المراد ليس له دم الدم ضروري بل قيل هو الروح لكن المراد إذا قطع أو ذبح أو نحو ذلك لا يسيل الدم يعني لا يجري هو فيه دم لكن لا يجري ليس له دم مسفوح، فالنفس الدم فإن العرب تسمي الدم نفساً ومنه قيل للمرأة نفساء لسيلان دمها عند الولادة ويقال نفست المرأة إذا حاضت، إذاً (وما لا نفس) أي دماً (له) الضمير يعود إلى (ما) للحيوان (سائلة) كالبقي والعقرب وهو (متولد من طاهر) هذا شرط في الحكم عليه بكونه طاهراً لأنه ليس بنجس (متولد من طاهر) المتولد من طاهر يعني الذي أصله الطهارة بخلاف الذي أصله النجاسة فما كان متولد من طاهر هذا لا خلاف فيه والمتولد من النجس جمهور أهل العلم على أنه طاهر خلافاً للمذهب فإنه لا يطهر وهذا مبني على مسألة الاستحالة يعني لو وجد نجاسة ميتة مثلاً فتحول بعض الدم أو بعض اللحم إلى دود هذا دود متولد من ماذا؟ من نجس؛ ما حكمه؟ إن قلنا أن الاستحالة لا تطهر وهي المذهب حكمنا عليه بكونه نجس وإن قلنا بكون الاستحالة مطهرة حكمنا عليه بكونه طاهراً وكذلك مثلاً الصراصير التي توجد في الحمامات

ونحوها قد تتولد من نجاسة إن حكمنا عليها بكونها نجسة بأن الاستحالة لا تطهر فهي نجسة فإن وقعت في الماء نجسته وإذا ماتت فيه نجسته وإذا حكمنا بكون الاستحالة مطهرة - حينئذٍ - لو وقعت وماتت في الماء لا نحكم بنجاسته لأنها طاهرة إذاً (ما لا نفس له سائلة) يعني ليس له دم تجري إذا ذبح مثلاً (متولد من طاهر) لا ينجس بالموت وهذا المذهب فلا ينجس الماء اليسير بموتهما فيه هذا الذي ينبني عليه، قال ابن هبيرة [واتفقوا على أنه إذا مات في الماء اليسير ما لا نفس له سائلة كالذباب ونحوه فإنه لا ينجسه - يعني لا ينجس الماء - إلا في أحد قولي الشافعي] والأصل في هذه المسألة مسألة الحيوان الذي ليس له دم سائلة الأصل أنه ورد حديث في الذباب فقط وقيس عليه ما عداه جاء في الصحيح (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه) يفهم منه ماذا؟ أولاً وقع وهو حي إذاً لم ينجس الشراب وهو قليل قطعاً أنه قليل إذاً الذباب في حال الحياة طاهر لأنه لو كان نجس دلت النصوص على أن الماء القليل بمجرد الملاقاة ينجس وهنا قال (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم) إذاً (فليغمسه) إذاً أول ما وقع نقول حكمنا عليه بكونه وهو حي أنه طاهر قوله فليغمسه وقال (في شراب أحدكم) الشراب على نوعين شراب بارد وشراب ساخن حار - حينئذٍ - لو غمسه في الشراب الحار قضا عليه إذاً مات فإذا مات هل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة هذا الشراب؟ الجواب لا - حينئذٍ - دل على أنه بعد موته ميتته طاهرة وليست نجسة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فليغمسه) ومع إطلاقه الشراب قد يكون حاراً ساخناً فيموت وهذا النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر به لأنه إفساد له لو كانت الميتة نجسة فدل هذا النص على أن الذباب ليس بنجس في حال الحياة كذلك بعد الموت، قال ابن القيم في هذا الحديث [وفيه دلالة ظاهرة على أنه لو مات في ماء أو مائع أنه لا ينجسه لأنه طاهر وهذا قول جمهور العلماء ولا يعرف في السلف مخالف في ذلك وعدي هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة] يعني استنبطوا لما الذباب هل له خاصية معينة بالغمس هل يفيد الشراب شيئاً يحتمل هذا وذاك لكن وجدوا أن الذباب ليس له دم تسيل فقاسوا عليه كل ما لا نفس له سائلة - حينئذٍ - مثله الصراصير وكذلك العقارب والنمل وكله يقاس على هذا ليس فيه نص خاص وإنما من باب القياس [وعدي هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة]، قول المصنف (وما لا نفس له سائلة) مفهومه ما له نفس سائلة أنه ينجس لكن هنا لابد من إخراج ما نص عليه سابقاً الآدمي لأن الآدمي نص على أنه ليس بنجس (ولا ينجس الآدمي بالموت وما لا نفس له سائلة متولد من طاهر) خرج الآدمي ما له نفس سائلة من الحيوان غير الآدمي على قسمين: الأول ما ميتته طاهرة وهو السمك وسائر حيوان البحر الذي لا يعيش إلا في الماء فهو طاهر حياً وميتاً لأنه لو كان نجس لم يبح أكله، ثانياً ما لا تباح ميتته غير الآدمي كحيوان البر المأكول وغيره وحيوان البحر الذي يعيش البحر كالضفدع والحية والتمساح ونحو ذلك وكل ذلك ينجس بالموت وينجس الماء القليل إذا مات فيه والكثير إذا غيره، إذاً (ما لا نفس له سائلة متولد من طاهر) المراد به ما لم

يأتي النص بكونه نجساً أو أنه حي، ثم قال المصنف رحمه الله تعالى (بول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه ومني الآدمي ورطوبة فرج المرأة) كل ذلك حكم عليه بأنه طاهر (وبول ما يؤكل لحمه) إذاً مفهومه أن بول ما لا يؤكل لحمه أن الحكم يختلف لأنه خصه بماذا؟ بموصوف وهو ما يؤكل لحمه، إذاً فرق بين الحيوان مأكول اللحم والحيوان غير مأكول اللحم (بول ما يؤكل لحمه) ومثل البول (روثه) بالرفع عطفاً على ماذا؟ - ما يؤكل لحمه روثه - إن عطفته على اللحم - ما يؤكل لحمه روثه - معطوف على البول انتبه!، بول وروث ومني ما يؤكل لحمه هذا المراد ولو أخر المصنف لكان أجود، (وبول ما يؤكل لحمه) انظر النحو كيف (روثه) بالرفع قد يظن الظان أنه معطوف على (لحمه) ولحمه نائب فاعل يؤكل لحمه نائب فاعل لو عطفت عليه روثه لقولت يؤكل روثه وإذا عطفت على البول - حينئذٍ - صار محكوماً عليه، الكلام بول وروث ومني ما يؤكل لحمه؛ ما حكمه؟ طاهر، أما الإبل فجاء النص فيه على جهة الخصوصية وما عداه فهو مقيس عليه (بول ما يؤكل) (بول ما) أي حيوان (يؤكل لحمه) ذكرنا أن في الإبل النص وفي غيرها مما يؤكل لحمه فبالقياس (وروثه) كبوله (ومنيه) وله مني لقوله تعالى (والله خلق كل دابة من ماء) (كل دابة) عام والإبل دابة والقط دابة إذاً كل ما يصدق عليه أنه دابة قال (من ماء) يعني من مني فله مني، إذاً هذه الثلاثة الأشياء نحكم عليها بكونها طاهرة؛ لماذا؟ قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين قبيلة من العرب أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها فلما أمرهم بذلك دل على أن - الألبان واضحة طاهرة - أبوالها طاهرة؛ لماذا؟ لأنه لا دواء فيما حرمه الله تعالى، فلو كانت الأبوال نجسة معلوم أن نجس محرم الشرب ولم يأذن الله عزوجل للعباد أن يتداووا بما هو محرم - حينئذٍ - لما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأذن لهم أن يشربوا أبوال الإبل لأجل الدواء علمنا أنها طاهرة هذا يستلزم الطهارة ولذلك قال الشارح [والنجس لا يباح شربه] قد يقال أنه للضرورة قال لو أبيح للضرورة لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة فلما ترك دل على أنه طاهر وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرابض الغنم وأذن بالصلاة فيها ولا تخلو من أبعالها وأبوالها؛ وكذلك البراءة الأصلية، إذاً الأصل في بول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه الأصل أنه طاهر، ولذلك قال الشوكاني رحمه الله تعالى [والظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه تمسكاً بالأصل واستصحاباً للبراءة الأصلية والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصل والبراءة فلا يقبل قول مدعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليل] ليس عندهم دليل واضح بين وإن كان هذا منسوب القول بالنجاسة منسوب للجمهور شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى [يقول هذا القول محدث لا سلف له من الصحابة] مع كونه قول الجمهور، (ومني الآدمي) كذلك طاهر لقول عائشة رضي الله تعالى عنها (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب ويصلي فيه) إذاً لم تغسلهّ إذ لو كان نجساً لغسلته والحديث متفق عليه، قال شيخ الإسلام [وأما كون عائشة تغسله تارة - من

ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وتفركه تارة هذا لا يقتضي تنجيسه] يعني هو طاهرة كونه يغسل لا يدل على النجاسة؛ بدليل ماذا؟ أمرين؛ الأول: أن المخاط والبصاق مثلاً وما يكون من سائر الإنسان قد يغسل فالغسل - حينئذٍ - لا يستلزم التنجيس، ثانياً: أنه قد ورد رواية أخرى وهي أنها تفركه؛ ولو كان نجساً لوجب غسله لهذين الأمرين هو طاهر، ولذلك قال [وأما كون عائشة تغسله تارة وتفركه تارة فهذا لا يقتضي تنجيسه فإن الثوب يغسل من المخاط والبصاق والوسخ وهذا قول غير واحد من الصحابة ابن عباس وغيره] إذاً مني الآدمي طاهر هذا المذهب مطلقاً لكن استثنوا ما سبق التنصيص عليه وهو أن المني إذا خرج دون دفق ولذة حكم عليه بأنه نجس والثاني - النوع الثاني من المني النجس على المذهب - أنه لو استجمر ثم أمنى حكم على المني بأنه نجس؛ لماذا؟ لأنه لاقا نجاسة لا في محلها يعني تعدى خرجت تجاوز الموضع - حينئذٍ - حكم عليه بكونه نجساً، في هذين الموضعين المني على المذهب يعتبر نجساً، (ورطوبة فرج المرأة) كذلك طاهر فرج المرأة المراد به مسلك الذكر حكمه حكم الظاهر وهو طاهر، والرطوبة التي تخرج من المعدة نجسة بالاتفاق والمراد هنا الرطوبة التي تخرج من فرج المرأة، قال هنا [للحكم بطاهرة منيها مطلقاً وهو قول الشافعي وتقدم قول الشيخ وقال القاضي ما أصاب منه في حال الجماع نجس لأنه لا يسلم من المذي قال في المبدع وهو ممنوع فإن الشهوة إذا اشتدت خرج المني وحده] على القول السابق بأن مجرد الملاقاة لا ينجس إلا الماء - حينئذٍ - لا نحكم على سائر المائعات إلا بالتغير وإذا كان كذلك فإصابة قطرة أو قطرتين من المذي للمني لا نحكم عليه بكون نجساً وكذلك الشأن في الرطوبة التي قد تواجه مذي أو نحو ذلك فلا نحكم عليه بالنجاسة، (ورطوبة فرج المرأة) طاهر، وعنه نجس عن الإمام أحمد رواية أخرى أنها نجسة وجاء في بعض الروايات للنبي صلى الله عليه وسلم في ذاك الراجل الذي قال له (لعلنا أعجلناك؛ اغسل ذكرك) هذا أمر ودل على أنه قد يحكم عليها بالنجاسة (ورطوبة فرج المرأة) طاهر والكلام في حكم الرطوبة هنا ليس هو الكلام في حكم النقض فمن حكم بكونها طاهرة لا يلزم منه أن يحكم بكونها غير ناقضة للوضوء فالجمهور على كونها طاهرة ولكنها ناقضة للوضوء هذا هو الصحيح أنها ناقضة للوضوء وأما الطاهرة فهذا فيه شيء من الإشكال، ثم قال (وسؤر وما دونها في الخلقة طاهر) (سُؤر) بضم السين مع الهمزة بضم السين مهموز المراد به بقية الطعام وكذلك الشراب يعني يصدق على الطعام ويصدق على الشراب، ولذلك قال في الشرح [والسؤر بضم السين مهموز بقية طعام الحيوان وشرابه] (الهِرة) بالكسر المراد به القط (وما دونها في الخلقة) يعني وما هو أقل منها في الخلقة يعني أقل حجماً العبرة بالحجم هنا فالقطة المتوسطة وما دونها في الخلقة يعني كالفأر ونحوه ما حكمه؟ قال (طاهر) ويستثنى ما سبق وهو ما كان متولد من نجس فما كان متولد من نجس على المذهب فهو نجس فلا يستثنى ليس داخل في الحكم لأنه قال هناك (وما لا نفس له سائلة متولد من طاهر) فإن كان متولد من نجس حكمنا عليه بكونه نجس وليس داخل معنا هنا فسؤره نجس لأنه نجسه وكذلك

سؤره سواء كان طعاماً أو شراباً يعتبر نجساً والحكم إنما هو معلق بالطاهر إذاً سؤر الهرة وما دونها في الخلقة ويستثنى ما سبق وهو ما لم يكن متولد من نجساً فهو طاهر، لحديث أبا قتادة في الهر (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات) هذا تعليل فنفى أنها نجسة لما رآه تشرب من الماء ثم توضأ بعدها فكأنه أنكره أو زوجته أنكرت ذلك قال (إنها ليست بنجس) فإذا لم تكن نجسة - حينئذٍ - سؤرها ليس بنجس وهذا قد يؤخذ منه تأييد المذهب وهو أن ما كان دون القلتين بأنه ينجس بمجرد الملاقاة لأنه نظر هنا إلى الظاهر هرة نجسة في ظنها ثم أخذت أو شربت من الماء فلو لم يكن لها تأثير مطلقاً لما كان الإنكار، إذاً (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات) انظر نظروا إلى الهرة من حيث الخلقة ونفي الحكم بالنجاسة - حينئذٍ - عمموا الحكم فيما دونها مع أن العلة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ليست هي متعلقة بحجم الهر أو أكبر أو دون ذلك وإنما دفعاً للمشقة لأن التطواف المراد به ما يدخل البيوت بكثرة أو ما يلابس الناس بكثرة هذا الاحتراز منه وعنه من حيث النجاسة فيه مشقة ولذلك العلة الصحيحة أن يقال فيما هنا أنه التطواف لأن إن بعد النفي تدل على التعليل كما أن إن بعد الأمر أو النهي تدل على التعليل (إنها ليست بنجس) لماذا؟ لإنها - حينئذٍ - صار علة فعلق النبي صلى الله عليه وسلم العلة هنا ليس على حجمها وإنما على مشقة الاحتراز عنها ومنها - حينئذٍ - ما كان مثل الهرة كالحمار الأهلي ونحوه مما يركبه الناس ونحوه مما لا يمكن التحرز منه وعنه - حينئذٍ - يكون حكمه حكم الهرة وهذا هو الصحيح، (وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر) فنقول أن الصحيح أن العلة ليست هي حجم الهرة وإنما العلة هي التطواف فكل ما كان كثير تطواف على الناس ويشق التحرز عنه - حينئذٍ - نحكم عليه بكونه طاهر، ثم قال المصنف رحمه الله تعالى (وسباع البهائم والطير والحمار الأهلي والبغل منه نجسة) (سباع البهائم) مراده غير الكلب والخنزير وغير الهر وما دونها في الخلقة يعني يستثنى مما سبق من أول الباب فالكلب ليس بداخل وإن كان من سباع البهائم وكذلك الخنزير ليس بداخل والهر وما دونها في الخلقة ليس بداخل، (وسباع البهائم والطير) الطير اسم جنس يقع على الواحد ومنها السباع كذلك التي أكبر من الهر خلقة والمراد بالسباع هي التي تأكل وتفترس (والحمار الأهلي) لا الوحشي (والبغل منه) يعني إذا كان نتاجاً عن الحمار الأهلي أي من الحمار الأهلي لا الوحشي (نجسة) فالحكم على كل ما ذكر بأنه نجس وكذلك جميع أجزائها وفضلاتها لأنه عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب فقال (إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء) ما هو المسئول عنه؟ ينوبه من السباع والدواب؛ والسباع يشمل سباع البهائم ويشمل سباع الطيور فكل ما هو من هذه الطائفة التي تأكل وتفترس - حينئذٍ - الحكم أنها نجسة ولأنه أجاب بأنه إذا كان الماء قلتين لم ينجس شيء يعني من تلك السباع فدل على أنها نجسة، فمفهومه أنه ينجس إذا لم يبلغهما، وقال في الحمر يوم خيبر (إنها رجس) هذا أكلها وليس المراد أنها يعني عرقها وما

يخرج منها أنه نجس والصحيح في الحمار الأهلي أنه داخل فيما سبق ولذلك كان يركب وكان يعرق وكان النبي صلى الله عليه وسلم يركبه والصحابة ولم يأتي حرف واحد بكون النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه نجس ولذلك قال ابن القيم [ودليل النجاسة لا يقاوم دليل الطهارة فإنه لم يقم على تنجس سؤرها دليل وغاية محتج به لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنها رجس) الرجس هو النجس وهذا لا دليل فيه لأنه إنما نهاهم عن لحومها - عن أكلها - وقال (إنها رجس) ولا ريب أن لحومها ميتة لا تعمل الذكاة فيه فهي رجس ولكن من أين أن تكون في حال حياتها حتى يكون سؤرها نجس] والصحيح أن الحمار الأهلي والبغل منه أنه ليس بنجس بل هو طاهر للأصل وثانياً للعلة السابقة لأنه مما يستعمله الناس ولذلك عن الإمام أحمد رواية أخرى أن الحمار الأهلي والبغل أنه طاهر واختاره الموفق وابن تيمية وجماعة وهو مذهب مالك والشافعي قال في الإنصاف [وهو الأصح والأقوى دليلاً لأن عليه الصلاة والسلام يركبهما ويركبان في زمانه وفي عصر الصحابة فلو كان نجسين لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك] لكن إذا قيل بأن العلة التطواف إذاً في المدن الآن في المدن لا يركبون الحمير؛ هل تبقى العلة أم تزول؟ الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً - حينئذٍ - إذا كان في القرى وفي الأرياف يستعملون هذه الحمير في الركوب ونحوها لا شك أن الحكم واضح بين وأما إذا كان في نحو المدن هذا يحتاج إلى نظر في إعادة ما ذكر والله أعلم وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

15

عناصر الدرس * باب الحيض، وشرح الترجمة. * الدماء التي تخرج من الرحم ثلاثة باتفاق. * قوله: "لا حيض قبل تسع سنين، ولا بعد خمسين، ولا مع حمل"، والصحيح خلافه. * أقل مدة الحيض، وأكثره، وغالبه. * ما هو أقل طهر بين حيضتين؟ * الحيض يمنع وجوب الصلاة وفعلها، ويمنع فعل الصوم فقط. * قوله: "ويحرم وطؤها في الفرج"، والواجب على من فعل. * ماذا يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ * قوله: "إذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق". الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد قال المصنف رحمه الله تعالى (باب الحيض) أي هذا باب بيان حقيقة الحيض وما يتعلق به من الأحكام إن كان يذكرون معه الاستحاضة والنفاس إلا إن الاستحاضة والنفاس إنما هو دم مرض الاستحاضة مرض والنفاس في حكمه وأما دم الحيض فهو صحة وهو الأصل، الأصل في المرأة هو الصحة، وهذا الباب هو خاتمة أبواب الطهارة ذكرنا السبب تقديم المصنف رحمه الله تعالى باب إزالة النجاسة على باب الحيض مع أنه متعلق بالغسل لأن الحيض موجب من موجبات الغسل ذكرنا أن الحيض خاص بالنساء وأما إزالة النجاسة فهي عامة للرجال والنساء وما كان عاماً فهو مقدم على الخاص، وقال النووي رحمه الله تعالى [وأعلم أن باب الحيض من عويص الأبواب - يعني باب عويص - ومما غلط فيه كثيرون من الكبار لدقة مسائله واعتنى به المحققون وأفرده بالتصنيف في كتب مستقلة] لأن الأحاديث الواردة فيه في باب الحيض أو ما يتعلق بالحيض أحاديث معدودة بمعنى أنها ليست بالكثيرة وكل لما قلت الأدلة كثر الخلاف ولذلك كل لما كثرة الأدلة قل الخلاف العكس بالعكس، إذا وجدت خلافاً بين أهل العلم وكثرت الأقوال في الغالب - أن النص أو الآية - إما أنه لا يكون هناك نص أو يكون هناك لكنه ليس واضح الدلالة، لأن أهل العلم الأصل فيهم أنهم وقافون مع دلالة النص، فإذا جاء خلاف طويل عريض فاعلم أنه إما أنه لا نص أو أنه ثَمَّ نص إلا أنه ليس واضح الدلالة هذا هو الغالب وقد يكون ثَمَّ خلاف والنصوص واضحة بينة، وإنما كان باب الحيض من عويص الأبواب لكثرة تفريعاته، وحاول أهل العلم أن يجعلوا له ضوابط، قال ابن رشد رحمه الله تعالى [اتفق المسلمون على أن الدماء التي تخرج من الرحم ثلاثة - يعني الدماء التي تتعلق بها الأحكام وتخرج من الرحم ثلاثة - الأول: دم الحيض وهو الخارج على جهة الصحة - يعني دليل على الصحة ليس بعلامة مرض - الثاني: دم استحاضة وهو الخارج على جهة المرض وأنه غير دم الحيض - ليس هو دم الحيض ألبته - لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة) (إنما ذلك) المشار إليه دم الاستحاضة (وليس بالحيضة) إذاً فرق بين دم الاستحاضة والحيض - الثالث: دم نفاس وهو الخارج مع الولد] وعلى المذهب قبله بيوم أو يومين وأما المشهور أنه وهو من المفردات المشهور أنه مع الولد، إذاً هذه ثلاثة أنواع دم حيض ودم استحاضة ودم نفاس، ثَمَّ نوع رابع وقع فيه نزاع وهو دم فساد ما يسمى بدم الفساد؛ هل هو عينه الاستحاضة أم أنه غيره؟ محل نزاع والصحيح أنه هو يعني لا فرق بين دم الاستحاضة ودم الفساد فكل منهما دم عرق علل النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلكم عرق وليس بالحيضة) إذاً تقابلا - حينئذٍ - يدخل دم الفساد في دم الاستحاضة هذا هو الصحيح أن الدماء محصورة فيما ذكر، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [والأصل في كل ما خرج من الرحم أنه حيض] هذا أصل مهم الباب لا بد أن يبنى على أصل إذا قيل الدماء ثلاثة حيض ونفاس واستحاضة؛ طيب أيها أصل؟ لا بد من التأصيل - حينئذٍ - نستفيد من ذلك أنه إذا

وقع شك هل هذا دم حيض أو استحاضة وليس عندنا ما يميز أحدهما عن الآخر نرجع إلى الأصل ما هو الأصل؟ الأصل هو دم الاستحاضة قد قيل به - حينئذٍ - قلنا هذا دم استحاضة وليس بحيض وعلى رأي ابن تيمية رحمه الله تعالى أن الأصل هو دم الحيض - حينئذٍ - نرجح أنه هو دم حيض، إذاً معرفة الأصل مهم جداً في هذا الباب لذلك من أراد أن يضبط هذا الباب فليضبط هذا الأصل لأن فيه خلاف بين أهل العلم، هل الأصل في الذي خرج من الرحم أنه دم حيض أو استحاضة؟ ينبني عليه أنه إن لم توجد قرينة هنا محل الإشكال في باب الحيض تتردد المرأة أو يتردد المفتي هل هذا دم حيض أو استحاضة ثَمَّ قرائن ترجح هذا وقرائن ترجح الآخر وقد لا يستطيع أن يرجح - حينئذٍ - نرجع إلى الأصل لأن الشك لا يبنى عليه حكم ما هو الأصل؟ قلنا الأصل هو دم استحاضة إذاً تصلي وتصوم وإذا قلنا الأصل بأن دم الحيض إذاً تترك الصلاة وتترك الصوم إذاً هذا ينبني حكم عظيم الحكم على الدم بكون دم حيض أو دم استحاضة ينبني عليه فعل الصلاة وترك الصلاة وهذا شيء كبير جداً، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [والأصل في كل ما خرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة] إذاً نستصحب الأصل أنه حيض إلا إذا دلت قرينة على أنه استحاضة فنرجع إلى الاستحاضة؛ لماذا؟ ما الدليل؟ قال [لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي وهو دم ترخيه الرحم ودم الفساد دم عرق ينفجر وذلك كالمرض] إذاً دم الفساد والاستحاضة دم مرض ودم الحيض دم صحة، وأيهما الأصل في الإنسان الصحة أم المرض؟ الصحة - حينئذٍ - ولا نقول بأنه مريض إلا إذا وجدت علامة المرض والأصل أنه صحيح كذلك الحيض الأصل أنه علامة على الصحة - حينئذٍ - دم الاستحاضة علامة على المرض فإذا وجدت قرينة تدل على أنه دم استحاضة رجحناه أنه دم استحاضة وإذا لم توجد قرينة رجعنا إلى الأصل وهو أنه دم حيض، والأصل الصحة لا المرض فمتى رأت الدم جارياً من رحمها فهو حيض تترك لأجله الصلاة، إذاً باب الحيض وما يتعلق به من الأحكام وسيذكر الاستحاضة تبعاً كذلك النفاس في آخر الباب، الحيض أصله لغة السيلان مصدر سل يسيل سيلاً سيلان إذاً المعنى اللغوي هو السيلان من قولهم حاض الوادي إذا سال إذاً لا بد من علاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي فلا بد أن يوجد السيلان في الدم الذي يحكم عليه بأنه حيض إذا لم يسل الدم لا نحكم عليه بأنه حيض، ولذلك إذا قالت المرأة رأيت نقطة أو نقطتين أو ثلاث نقاط متفرقة ما حكمه؟ ليس بحيض؛ لماذا؟ لانتفاء المعنى اللغوي هنا انتفى لا بد أن يكون ثَمَّ سيلان يعني يجري سيلان المراد به الجري معلوم أنه جري يعني يسيل سيلاً إذا لم يكن سيلان - حينئذٍ - حكمنا عليه بأنه ليس بدم حيض هذا أصل تجعله كذلك في باب الحيض، من أجل ضبط الباب هذا الباب عويص كما قال النووي رحمه الله تعالى ولذلك قال الإمام أحمد [كنت في كتاب الحيض تسع سنين حتى فهمته] يعني بكل ما ورد فيه من أحاديث وأقوال أهل العلم يعني فقه مقارن هذا المراد لأن ضبطه يعتمد على ضبط الواقع، إذاً أصله في اللغة السيلان فالحيض لا يطلق على النقطة والنقطتين، وأما في الشرع فعرفه هنا المصنف الشارح [دم طبيعة وجبلة يخرج من

قعر الرحم في أوقات معلوم خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته] دم هذا جنس يدخل فيه الثلاثة الأنواع السابقة دم الحيض ودم النفاس ودم الاستحاضة فهو جنس يدخل فيه كل الأنواع الثلاثة، قوله [طبيعة وجبلة] جبلة المراد به الخلقة وهو المراد به الطبيعة فالعطف عطف تفسير بمعنى واحد إذاً دم الطبيعة هو عينه دم الجبلة يعني أمر فطرت عليه المرأة خلقت وهي تحيض هكذا يعني من شأنها أن تحيض وقوله دم طبيعة أخرج دم الاستحاضة وأخرج دم النفاس؛ لماذا؟ لأن دم الاستحاضة ليس بدم طبيعة بل هو مرض ودم النفساء هو في حكم المرض لأنها مريضة فهي في حكم المرض - حينئذٍ - وقوله [دم طبيعة وجبلة] خرج به النوعان الآخران [يخرج من قعر الرحم] هذا بيان لمخرج الدم من أين يخرج؟ [يخرج من قعر الرحم] هذا بيان لمخرج الدم وليس داخل في الحد وإنما أرادوا أن يبينوا حقيقة دم الحيض وأن يبينوا وقت الحيض ومكانه، [في أوقات معلومة] [في أوقات] هذا إشارة إلى أنه لا يكون مستمراً - حينئذٍ - لو كان مستمراً لا يكون حيضاً يعني استمر بها الشهرين والثلاث والأربع بل السنة والسنتين كما سيأتي أن بعضهم قد يجري بها الدم ست سنين - حينئذٍ - نقول هذا ليس بدم حيض لأن دم الحيض يأتي وينقطع وأما إذا استمر فاستمراره علامة على أنه ليس بدم حيض واضح في [أوقات معلومة] إشارة إلى أنه لا يكون مستمراً بخلاف الاستحاضة والأوقات المعلومة المراد بها أقل سن تحيض له وأكثر سن تحيض له ومتى ينقطع وأقل الحيض من حيث الزمن يوم وليلة أكثره خمسة عشر يوماً ونحو ذلك [خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته] هذا بيان لعلة الخلق، والمستحاضة من عبر دمها أكثر الحيض ومن فرق بين دم الاستحاضة ودم الفساد قدموا الفساد أعم من ذلك والذي ينفرد به وهو المذهب عندنا من أجل ضبط المذهب أن المبتدءة بالدم قبل أن يثبت أنها حائض الدم الذي أول ما يأتيها هذا يعتبر دم فساد يعني مبتدءة التي يأتيها قبل أقل سن تحيض له كخمس سنين وسبع سنين وثماني سنين وتسع سنين إذا لم تتم هذا يسمى دم فساد وأما دم الاستحاضة - فحينئذٍ - يكون متصلاً بدم الحيض يعني هو دم الحيض إن استمر صار استحاضة وأما إذا كان منفصلاً فلا يسمى دم استحاضة وإنما يكون دم فساد فلو جاءها في غير موعد الحيض هذا يسمى دم فساد ولا يسمى دم استحاضة على المذهب لأنهم يفرقون بين النوعين والصحيح أنهما بمعنى واحد ودم النفاس سيأتي في محله، قال المصنف رحمه الله تعالى (لا حيض قبل تسع سنين) الفقهاء أرادوا أن يحددوا أقل سن تحيض له المرأة وأكثر سن ينقطع الدم ولا يكون دم حيض وأقل زمن للعادة وأكثر زمن وأقل زمن للحيض وأكثر زمن على أقوال شهيرة الخلاف في هذه المسائل هو الذي جعل باب الحيض من عويص الأبواب والصحيح في المسائل كلها أنه لم يرد تحديد لا في أقل ما تحيض به المرأة بسن أو أكثر ولا لأقل ما يكون زمناً للحيض ولا أكثر وإنما العبرة بوجود الدم فإذا تقرر كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن الأصل هو دم الحيض - حينئذٍ - متى ما رأت الدم فهو دم حيض سواء جلس معها ساعة ثم انقطع فهو حيض سواء أتاها وعمرها سبع سنين ثماني سنين تسع سنين عشر سنين نقول هذا يعتبر دم حيض؛ لماذا

لأن الشارع أطلق عليه بأنه أذى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إذاً متى ما وجد الأذى تعلقت به الأحكام الشرعية وهذا هو علة الحكم يعني كونه أذى ترتبت عليه الأحكام الشرعية وهو قوله (فاعتزلوا النساء) وكذلك ترك الصلاة والصيام ونحوها - حينئذٍ - الحكم يدور مع علته متى ما وجد الأذى تعلقت به الأحكام متى ما انتفى انتفت الأحكام؛ هل بين الشارع أن أقل سن يصدق على الخارج أنه أذى أم لم يرد؟ لا شك أنه الثاني وإنما نظر الفقهاء كل بحسبه سواء كان أبا حنيفة أو مالكاً أو الشافعي أو أحمد كل نظر باعتبار الوجود ولذلك أكثر ما يحتجون به ليس من نصوص الشريعة وإن كان بعضهم يستند إلى بعض الأقوال عن عائشة أو علي أو غير ذلك لكن المعتمد أكثر عندهم هو الوجود يعني نظر فلان من الناس بأن من حوله كلهن قد حاضت لتمام تسع سنين إذاً قال هذا الذي يعلق به الحكم وجد أن من حوله من كبار السن خمسين سنة وتوقف الحيض قال هذا هو الحكم، إذا الوجود بمعنى الواقع وهذا الوجود يسمى استقراء عند أهل العلم ولا شك أن الاستقراء تتعلق به الأحكام لا شك أنه تتعلق به الأحكام لكن الاستقراء التام يعني هذا الفقيه الذي حكم بكون أقل سن تحيض له المرأة تمام تسع سنين إن استقرأ بنات العالم كله - حينئذٍ - يسلم له وأما إذا كان من كان حوله فقط نقول هذا استقراء ناقص والاستقراء الناقص لا يصلح أن يكون مستنداً لإثبات حكم شرعي وإنما يكون الاستقراء التام وكل ما ذكر في كتب أهل العلم من الوجود المراد به الاستقراء الناقص وعليه لا يبنى عليه حكم ألبته، ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى [لا حد لأقل سن تحيض فيه] ليس له أقل سن وهذا هو الصحيح؛ لماذا؟ لأن الشارع حكم بكون المرأة تبلغ بوجود الدم ولم يحدد له سناً معيناً - حينئذٍ - متى ما رأته حكمنا عليه بأنه دم حيض ولو بنت خمس سنين ست سنين حكم عليه بأنه دم حيض لأنه أذى ويصدق عليه ما علق الله عزوجل عليه هذا الوصف ترتبت الأحكام الشرعية [لا حد لأقل سن تحيض فيه المرأة ولا لأكثره فمتى رأت الأنثى الحيض فهي حائض وإن كانت دون تسع سنين أو فوق خمسين ولذلك لأن أحكام الحيض علقها الله سبحانه وتعالى على وجوده] يعني وجوده هو بعينه في المحل (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إذاً متى ما خرج الأذى من المحيض الذي هو محل الخروج الذي هو الرحم - حينئذٍ - حكمنا بوجود الأحكام الشرعية [لأن أحكام الحيض علقها الله سبحانه على وجوده ولم يحدد الله سبحانه ولا رسوله سن معيناً فوجب الرجوع فيه إلى الوجود الذي علق عليه الأحكام وتحديده بسن معين يحتاج إلى دليل من الكتاب أو السنة ولا دليل في ذلك] ولذلك لو اعتمد الباب على هذه الترجيحات لصار الباب من أسهل الأبواب ولكن لما أردوا أن يجعلوا حداً لأقل سن - حينئذٍ - لا بد من نظر في الوجود ولا بد من نظر فيما ورد عن الصحابة إلى غير ذلك وكل ما ورد إنما يتكلم عمن حوله فحسب وهذا لا تثبت به الأحكام الشرعية والصحيح ما رآه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن العبرة بوجود الدم متى ما رأته الأنثى حكمنا عليه بأنه دم حيض فهي حائض فوجبت عليها الصلاة والصيام ونحو

ذلك ولو كانت دون تسع سنين ولو رأت المرأة الكبيرة إذا بلغت ستين وسبعين رأت الدم على عادته كما هو حكمنا عليه بأنها حائض وكذلك الحامل كما سيأتي ولكن لا بد أن نمر على كلام المصنف لنعرف وجه ما ذكره، (لا حائض قبل تسع سنين) شرعاً أو حساً؟ شرعاً؛ لأن الحس قد يوجد يعني خروج الدم قد يوجد من بنت ست سنين سبع سنين ثمان سنين لكن لا يحكم عليه بأنه دم حيض بل هو دم فساد - حينئذٍ - متى ما حاضت لتمام تسع سنين أو نقول بتعبير أدق متى ما خرج الدم دون تمام تسع سنين فلا يسمى حيضاً في الشرع وإنما يسمى دم فساد وهذا الذي يعنون به أنه دم فساد (لا حيض) أي شرعاً لا حساً أما الحس فقد يوجد (قبل تسع سينين) يعني قبل تمام تسع سنين ليس تمام الثامنة فتدخل في التاسعة وإنما المراد أنها تدخل في التاسعة وتكمل التاسعة بمعنى أنها لو دخلت في التاسعة وبقي عليها يوم واحد لتتم التاسعة وتدخل في العاشرة وجاءها الدم على المذهب دم فساد ولا يسمى حيضاً؛ لماذا؟ لأن الحكم معلق هنا لتمام تسع سنين؛ وهل هذا تحديد أم تقريب؟ قالوا تحديد المذهب أنه تحديد فلو جاءها قبل أن تتم تسع سنين بيوم واحد قالوا هذا ليس بدم حيض بل هو دم فساد، (لا حيض قبل تسع سنين) يعني قبل تمام تسع سنين إذاً أقل سن تحيض له الأنثى أو يمكن أن تحيض هو تمام تسع سنين فإن رأت دم لدون ذلك فليس بحيض بل هو دم فساد؛ ما الدليل على أنه دم فساد وليس بدم حيض؟ قال لأنه لم يثبت في الوجود؛ ما معنى لم يثبت في الوجود؟ يعني الفقيه الذي حكم بهذا القول لم يره من أحد ممن حوله وإلا ما أدراه هو في العراق مثلاً ما أدراه عن بنات تسع سنين أو عشر أو دون ذلك وهنا في المغرب هذا في السابق وإلى الآن يعجز الإنسان أن يعرف مثل هذه الأحكام المتعلقة بمثل هذه التي في الغالب أنها خفية إذاً لأن لم يثبت في الوجود، ولقول عائشة رضي الله تعالى عنها ورد أنها قالت (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة) وروي مرفوعاً عن ابن عمر لكنه ضعيف لم يثبت وكذلك قول عائشة إن صح وكان مرادها تحديد أقل سن نقول هذا مبناه على الوجود لأن عائشة ما تدري إلا عمن حولها نحن نحكم بحكم شرعي على كل أنثى في الوجود يعني في الواقع - حينئذٍ - هذا لا يمكن أن يأخذ إلا من جهة الشارع إن لم يكن دليل نص لا بد من استقراء تام وهذا ممتنع سابقاً ولاحقاً وبعدها يعني بعد تمام تسع سنين قد يكون حيضاً ليس بمطلقاً وإنما قد يكون حيضاً؛ لماذا؟ لأنها مقيدة زمن الحيض بيوم وليلة فإذا تمت العاشرة ولم يظهر الدم ثم ظهر لتمام عشر ساعات على المذهب ليس بحيض مع أنها دخلت في السن الذي يمكن التحيض فيه ولذلك عبر الشارح هنا [وبعده - يعني بعد تمام تسع سنين - فحيض] لكن بشرط إن صلح؛ متى يصلح؟ أن يتجاوز يوم وليلة وأما إذا دخلت في السن التي يمكن أن تحيض فيه وجاءها الدم لدون أقل الحيض فليست بحائض يعني لم تبلغ بعد، قال الشافعي [رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة] جدة إحدى وعشرون سنة؛ كيف جاءت هذه؟ يعني بلغت لتمام تسع سنين ثم تزوجت وعلى العاشرة وضعت بنتها حاضت لتمام تسع سنين وتزوجت فتمت العاشرة وهي حائض ووضعت إذاً تمت واحد وعشرين سنة هذا الأثر رواه البيهقي في السنن

وفي سنده أحمد بن طاهر بن حرملة قال الدار القطني [كذاب] وقال ابن عدي [حدث عن جدة عن الشافعي بحكاية بواطيل يطول ذكرها] يعني لم يثبت عن الشافعي ولو ثبت لا يعارض القول الراجح لأننا نقول يمكن أن تحيض لسبع سنين ولثمان سنين متى ما رأت الدم - حينئذٍ - تكون حائضاً، إذاً أقل زمناً تحيض له الأنثى هو تسع سنين يعني تمام تسع سنين والصحيح ما ذكرناه سابقاً وأما أكثر سن تحيض فيه النساء فهو خمسون سنة ولذلك قال (ولا حيض) يعني شرعاً (ولا بعد خمسين) يعني بعد تمام الخمسين بأن تدخل في الستين - حينئذٍ - إذا وجدت الدم أو رأته ولو كان على صفته بعادته ووقته وزمنه فلا يسمى دم حيض بل هو دم فساد؛ لماذا؟ لكون السن الذي يقف عنده الحيض شرعاً قد وجد وهو خمسون سنة لقول عائشة (إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض) ذكره أحمد قال الألباني رحمه الله تعالى [لم أقف عليه ولا أدري في أي كتاب ذكره أحمد] يعني كأنه يشير إلى أنه لم يثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها ولو ثبت فدليله الوجود والوجود هنا استقراء ناقص فلا تثبت به الأحكام الشرعية لو ثبت نقول هذا استقراء ناقص لأن مداره على الوجود عائشة رضي الله تعالى عنها من حولها من أقربائها مثلاً كلهن قد انقطع الحيض لتمام خمسين سنة يلزم أنه في كل مكان من بلغت خمسين ينقطع عندها الدم الجواب لا ليس بلازم إذاً ثبت هذا الأثر أو لا، لا يعتبر مستنداً صحيحاً لثبوت الأحكام الشرعية، إذاً (ولا بعد خمسين) يعني بعد تمام خمسين والصحيح أنه متى ما رأت الدم ولو بلغت السبعين وهو كما هو على حاله فهو حيض، (ولا مع حمل) يعني الحامل لا تحيض وهذه مسألة وقع فيها نزاع كبير، هل الحامل تحيض أو لا؟ المذهب أن الحامل لا تحيض فمتى ما رأت الدم ولو كان بصفاته وزمنه فلا يكون حيضاً بل هو دم فساد، ولذلك قال [فإن رأت دماً فهو دم فساد] ما الدليل؟ الدليل قال أحمد (إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم) وهذه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن الحامل لا تحيض ولآن الأطباء يوافقون يكاد يجمعون على هذا، وعنه رواية أخرى أن الحامل تحيض وفاق لمالك والشافعي واختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى وصحاب الفائق قال في الفروع [وهو أظهر] وصوبه في الإنصاف وهو الصحيح أن الحامل متى ما رأت الدم بوصفه فهو دم حيض؛ لماذا؟ لأنه على الأصل فالأصل في الدم الذي يخرج من الرحم أنه دم حيض ثم النصوص العامة الدالة على أن كل أنثى تحيض كما جاء في النص (هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) (على بنات آدم) هذا لفظ عام يشمل الحامل وغير الحامل، (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) هذا السؤال عام يعني لم يكن ثَمَّ تفصيل بين الحامل وغيرها - حينئذٍ - حكم الله عز وجل بأن الخارج من المحيض مكان الحيض بأنه أذى فمتى ما وجد ذلك الأذى ترتب عليه الحكم الشرعي إذاً بقاء على الأصل نقول الحامل تحيض، وقال [وقد وجد في زماننا وغيره أنها تحيض مقدار حيضها قبل ذلك ويتكرر في كل شهر على صفة حيضها] وقال الحافظ [هو دم بصفات دم الحيض وفي زمان إمكانه فله حكم دم الحيض فمن ادعى خلافه فعليه البيان] إذاً الذي يقول بأنها لا تحيض هو الذي عليه البيان والأصل بقاء ما كان على

ما كان كما أنها تحيض قبل الحمل فإذا رأت الدم بصفاته وزمنه نقول هذا حيض، وأما الأطباء وإجماعهم فلا عبرة به لا عبرة به فلا يلتبس على بعض من ينظر في هذه المسألة يقول الأطباء قد حكوا الإجماع والاتفاق أن الحامل يستحيل أنها تحيض؛ نقول أولاً الشرع لم يأمرنا بالرجوع إلى الأطباء ثَمَّ مسائل قد يرجع فيها إلى الأطباء إذا لم يكن ثَمَّ دليل واضح بين في الشرع - حينئذٍ - نرجع إلى الأطباء هل هذا مضر أم لا؟ فإن أفتى الطبيب بفتواه العلمية بأنه مضر رتبنا عليه الحكم الشرعي ولذلك كمثال الآن مثلاً نقول العدسات التي تلبسها المرأة ولو للزينة ما حكمها؟ نقول ننظر فيها الأصل الإباحة ما لم يكن تشابهاً أو تشبهاً بالحيوانات ونحوها فالأصل الإباحة إلا إذا ثبتت المضرة ومن الذي يحكم بالمضرة الطبيب - حينئذٍ - نقول الذي له مجال في النظر في هذه المسألة هم الأطباء فإن أثبتوا الضرر فيها حكمنا بالتحريم وإن لم يثبت الضرر حكمنا بالإباحة على الأصل؛ لماذا نرجع للأطباء؟ لأنه لم يرد نص في الشرع بأن هذه العدسات محرمة وإذا لم يكن كذلك فالأصل هو الإباحة هذا الأصل فيها إذاً نرجع إلى الأطباء لعدم وجود النص وأما النصوص الدالة على العموم بأن كل أنثى تحيض فهذه أكثر من أن تحصى فهي عامة وإذا كانت عامة ودخلت فيها الحوامل - حينئذٍ - نقول نرتب الحكم العام أو الحكم المرتب على اللفظ العام على الحامل فنقول الشرع قد دل بأن الحامل تحيض ولو معنا حديث (هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) (شيء) ما هو؟ الحيض؛ (هذا) المشار إليه الحيض (شيء كتبه الله على بنات آدم) نقول هذا لفظ عام يشمل كل أنثى سواء كانت حامل أو لا، إذاً حكم الشارع بأن الحامل تحيض لأنه أحد أفراد بنات آدم إذاً وجد النص وإذا وجد النص - حينئذٍ - لا نلتفت إلى الأطباء بوجه من الوجوه، إذاً لا مع حمل يعني لا حيض مع حمل والمسألة خلافية والصحيح أن الحامل تحيض لعموم النصوص وأما المذهب هو ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، فإن رأت دم على القول بأنها لا تحيض فهو دم فساد يجب عليها أن تصلي ولا تترك له العبادة ألبته ولا يمنع يزوجها من وطئها، ثم قال (وأقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً) هذا كذلك التحديد لأقل ما يسمى حيضاً يعني عرفنا أن الحيض هو السيلان؛ هل كلما سال الدم حكمنا عليه بأنه حيض؟ على القول الراجح نعم متى ما سال الدم ولو ساعة واحدة حكمنا عليه بأنه حيض وهذا قد يوجد ولذلك عند الإمام مالك رحمه الله تعالى قدر أقل الحيض بدفعة واحدة دفعة واحدة يعني مرة واحدة بأن يدفع دفعاً يسيل مرة واحدة حكم بأنه حيض وهو كذلك لما ذكرناه سابقاً بأن المعنى اللغوي لا بد أن يكون موجوداً في المعنى الشرعي ولم يرد في النص تحديد أقل ما يسمى حيض ألبته - حينئذٍ - المرجع يكون إلى الوجود هكذا قال الفقهاء والصحيح أنه لا يرجع إلى الوجود وإنما ينظر إلى كل واحدة على حده وحكم شخص بما يكون على الشخص الآخر نحتاج إلى دليل واضح بين وليس عندنا، إذاً متى نحكم على سيلان الدم بأنه حيض ونثبت هذه بأنها عادة للمرأة؟ على المذهب أن أقل سيلان للدم لا بد أن يجري ويسيل يوماً وليلة ولا سال يوماً كاملاً يعني يوماً فقط دون

ليلة قال هذا ليس بحيض بل هو دم فساد يعني أربع وعشرين ساعة فلو جرى الدم ثلاث وعشرين ساعة ونصف قال هذا دم فساد يعني إذا انقطع هذا دم فساد؛ لماذا؟ لأنه لم يرد أو لم يصل إلى أقل زمن الحيض - حينئذٍ - قالوا هذا ليس بدم حيض (وأقله) أي أقل زمن يصلح أن يكون دمه حيضاً (يوم وليلة) هذا المذهب ومذهب الشافعية كذلك (يوم وليلة) يعني أربع وعشرين ساعة لقول علي رضي الله تعالى عنه الآتي وكذلك الوجود (وأكثره) يعني أكثر ما يصدق عليه أنه حيض (خمسة عشر يوماً) وهذا المذهب عندنا وعند المالكية [(خمسة عشر يوماً) بلياليها لقول عطاء (رأيت من تحيض خمسة عشر يوماً)] هو رأى الأمة كلها أو رأى من رآه؟ رأى من رآه إذاً لا يصدق هذا القول على غير من رآه عطاء رحمه الله تعالى، إذاً مثل هذه الأقوال هي مستند كثير من الفقهاء وإلى لا يوجد نص ألبته في تحديد الأقل أو الأكثر، إذاً أقله يوم وليله في قول علي الآتي (وأكثره خمسة عشر يوماً) لقول عطاء [رأيت من تحيض خمسة عشر يوماً] وبعضهم استدل بقول علي [ما زاد على خمسة عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليله] وهذا إن صح عنه كذلك نقول مبني على الوجود يعني وجود النساء اللاتي رآهن علي رضي الله تعالى عنه وهذا ليس بحكم لازم لكل الأمة لأننا نقرر حكم شرعياً عاماً على كل أنثى في كل أرض - حينئذٍ - لا شك أن المناخ ونوعية الأكل كما يقول بعض الفقهاء ونحو ذلك لها أثر في الحيض وهذا لا شك أنه يختلف من مكان إلى مكان فمن رآها علي رضي الله تعالى عنه ليست هي التي تكون في شرق الأرض أو غربها [ما زاد على خمسة عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليله] واستفاض عن كثير من السلف أنه وجدوه عياناً يعني ما قاله علي رضي الله تعالى عنه، وعنه [لا حد لأكثره كما أنه لا حد لأقله] لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة فإذا ذهب قدرها) ما حدد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أحالها إلى ما تعرفه هي من نفسها لا من جارتها وإنما من نفسها (فإذا ذهب قدرها فاغتسل وصلي) ولم يقيد ذلك بقدر بل وكله إلى ما تعرفه من عادتها هذا هو الصحيح في أقل ما يقال بأنه أقل الحيض أو أكثره، قال ابن تيمية [ما أطلقه الشارع عمل بمقتضى مسماه ووجوده ولم يجز تقديره وتحديده فلا حد لأقل الحيض ولا لأكثره ما لم تصل مستحاضة ولا لأقل سن ولا لأكثره واختاره كثير من الأصحاب وكثير من أهل العلم] وهو الصواب كما ذكرناه سابقاً، إذاً هذا المسائل كلها مرجوحة على ما سبق، (وغالبه ست أو سبع) غالب الحيض يعني ما يكون من زمن عرفنا أقله يوم وليله وأكثره خمسة عشر يوماً الغالب في النساء أن تكون عادتها إما ست أو سبعاً (وغالبه) أي غالب الحيض (ست) يعني ست ليالي بأيامها (أو) هذه للتنويع يعني قد تكون المرأة ست أو سبع في نفسها أو ست باعتبارها وسبع باعتبار غيرها الثاني؛ أو للتنويع هنا (أو سبع) ليالي بأيامها وفاقاً لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش (تحيض - أي اقعدي - أيام حيضتك ودع الصلاة في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسل وصلي أربع وعشرين - أربع وعشرين هذه قعدت كم؟ ستة - أو ثلاث وعشرين ليلة - صلي ثلاث وعشرين هذه قعدت سبعة أيام - وأيامها فإن ذلك

يجزئك) وقوله (ستة أو سبعة) للتنويع يعني من النساء من تكون غالب عادتها ستة ومنهن من تكون سبعة، (وأقل طهر بين حيضتين ثلاث عشرة يوماً) وهذا يكون بين خمسة عشر واليوم يعني إذا جاء الحيض للمرأة ثم رأت الطهر - حينئذٍ - بين حيضة وحيضة هذا يسمى طهراً أقله بحيث لو جاء الدم قبل تمامه لا يعد حيضاً كم مقداره قالوا ثلاث عشرة يوماً بمعنى لو جاءتها العادة ثم طهرت واغتسلت ثم مقدار خمسة أيام ورجع الدم ولو كان بصفاته قال هذا ليس بدم حيض؛ لماذا؟ لأنها طهرت خمسة أيام وأقل طهر إنما يكون ثلاثة عشر يوماً فلا بد أن يكون بين انقطاع الدم وبين وجود الدم الآخر الحيض الآخر لا بد أن تستوفي ثلاث عشر يوماً بمعنى أنه لا يكون أقل وقد يكون أكثر قد تطهر وتبقى شهرين أو ثلاثة لا تحيض وهذا موجود قد تبقى سنة ولا تحيض - حينئذٍ - أقل ما يصدق عليه أنه طهر؟ هو ثلاثة عشر يوماً، وهذا كذلك دليله الوجود والصحيح أنه لا أقل للطهر ولا لأكثره؛ لأكثره هذا يكاد يكون مجمع عليه لأنه وجود من النساء من لا تحيض أصلاً فهي طاهرة مطلقاً وأما أقل طهر بين حيضتين فهذا مبني على أقل وأكثر الحيض والصحيح إذا رجحنا بأنه قد تحيض يوم وليله ثم تطهر يومين أو ثلاث ثم قد ترى الدم بصفاته نقول هذا حيض كذلك؛ لماذا؟ لأنه لم يرد تحديد لأقل طهر بين حيضتين فمتى ما رأت الدم ثَمَّ حكم الله عزوجل - سواء طهر - ولذلك سيأتي التلفيق وهي أن ترى يوماً دماً ويوماً طهراً أو يوم دماً ويومين طهراً - حينئذٍ - لفقوا لها عادة من هذه الأيام التي يتخللها طهر فإذا كان كذلك - حينئذٍ - نقول قد يأتي الدم يوم وليله وتثبت عادتها على ذلك ثم طهر اليوم واليومين ثم يعاودها الدم فنحكم عليه بأنه دم حيض بناء على الأصل السابق أن الأصل الذي يخرج من رحم المرأة على ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أنه حيض ثم الحيض له صفات كما سيأتي فمتى ما وجدت هذه الصفات ترتب عليه الحكم، احتج أحمد بما [روي عن علي أن امرأة جاءته وقد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض - زعمت أنها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض - فقال علي لشريح قل فيها - يعني احكم - فقال شريح - هذا لأنه مخالف للعادة هذا وجوده قليل جداً فلما كان وجوده قليلاً جداً - حينئذٍ - احتجنا إلى بينة وإلا الأصل أنه قد يحصل هذا لما ذكرناه سابقاً تحيض يوماً وليلة ثم تطهر خمسة أيام ستة أيام ثم تحيض ثم تطهر إلى آخره انتهت عدتها في أسبوعين وهذا ممكن لكنه قليل لذلك قال - إن جاءت ببينة من بطانت أهلها - يعني خواصهم العارفين ببواطن أمورها - ممن يرضى دينه وأمانتها وشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة] بناء على الغالب كبف حاضت ثلاث مرات في الشهر؟ حاضت يوم وليله ثم طهرت اغتسلت ثم طهرت ثلاثة عشر يوماً ثم حاضت الحيضة الثانية اليوم الخامس عشر ليوم وليله ثم طهرت ثلاثة عشر يوماً هذه عشرين حاضت فيها حيضتين ثم حاضت ثم طهرت - حينئذٍ - وجدت الثلاث الحيض في شهر واحد؛ إذاً أقل حيض بين الأولى والثانية والثانية والثالثة هو ثلاثة عشر يوماً لأنه لا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بمثل هذا نقول هذا لا يفهم منه تعميم الحكم على ما ذكر وإن وجد في المرأة التي حكم فيها إلا أنه

ليس بحكم عام وهذا وجود والوجود استقراء ناقص فلا تترتب عليه الأحكام الشرعية، إذاً أقل طهر بين حيضتين ثلاثة عشر يوماً نقول هذا قول مرجوح بل قد يكون أقل من ذلك، قال [إن جاءت ببينة من بطانت أهلها ممن يرضى دينه وأمانته وشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة فقال علي قالون أي جيد - رومية -] (ولا حد لأكثره) أي أكثر الطهر بين الحيضتين لأنه قد وجد من لا تحيض أصلاً لكن غالبه بيقت الشهر وهذا أمر يكاد يكون متفق عليه أن الطهر لا حد لأكثره قد تطهر شهرين وثلاث بل والسنة، قال الشارح [والطهر زمن الحيض خلوص النقاء بأن لا تتغير معه قطنة احتشت بها] الطهر كما سيأتي يعني متى تحكم المرأة بأنها طهرت؟ إذا عرفنا أقل الطهر؟ إما القصة البيضاء وإما جفاف الموضع بأن تحتشي قطنة في الموضع فتخرج كما هي قالوا هذا يدل على أن الموضع قد نقا من الدم ولذلك قال [خلوص النقاء] أي الطهر في أثناء الحيض فراغ الدم [بأن لا تتغير معه قطنة احتشت بها]، ثم قال رحمه الله تعالى (وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة ولا يصحان منها بل يحرمان ويحرم وطؤها في الفرج فإن فعل) هذه أحكام مترتبت على الحيض يعني متى ما وجد الحيض ثَمَّ أحكام وهذا يجعل المرء يتأنى في ضبط هذه المسائل لأنه بترتب عليها فعل صلاة أو تركها فالعجلت مذمومة (وتقضي الحائض الصوم) إذا قيل (تقضي الصوم) معناه أنه وجب لأن القضاء لا يكون إلا لما تعلقت به الذمة وهو كذلك، إذاً الحيض يرد السؤال الحيض هل يمنع وجوب الصوم؟ لا يمنع وجوب الصوم - حينئذٍ - يتعلق الحكم الشرعي وهو الوجوب بذمتها وقام المانع وهو وجود الدم من فعل الصوم عندنا أمران وجوب الصوم فعل الصوم وجوب الصلاة فعل الصلاة؛ الحيض يمنع فعل الصوم لا وجوبه ما الدليل؟ قضاء الصوم بالإجماع قضاء الصوم دليل على أنه قد تعلقت به الذمة (لا الصلاة) دليل على أن الحيض يمنع وجوب الصلاة وفعل الصلاة إذ لو وجبت الصلاة لتعين القضاء فلما سقط القضاء دل على أنه لم تجب عليها الصلاة، إذاً عندنا أمران وجوب الصوم فعل الصوم وجوب الصلاة فعل الصلاة، وجوب الصلاة وفعل الصلاة يمنعها الحيض ولا إشكال فيه وأما الصوم ففيه تفصيل أما الوجوب فلا يمنعه الحيض بل هو واجب وأما الفعل فيمنعه ولذلك قال (وتقضي الحائض الصوم) لأن الحيض لا يمنع وجوبه فتقضيه إجماعاً ولذلك قالت عائشة رضي الله تعالى عنها (كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) إذاً التعليل هنا بجهة الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن هنا أخذ الأصوليون أنه لا قضاء إلا بأمر جديد بمعنى أن الأدلة الدالة على فعل العبادة لا تدل على القضاء بل لا بد من أمر جديد بمعنى وهذه مسألة مهمة جداً ينبني عليها مسائل عديدة قوله عزوجل (أقيموا الصلاة) هذا أمر بأداء الصلاة؛ هل أقيموا الصلاة أمر بصلاة مطلقاً أو في زمن معين؟ في زمن معين إذاً الصلاة المأمور بها إيقاعها في زمن معين له ابتداء وانتهى؛ إيقاع الصلاة لا في الزمن المعين هل هي مأمور بها أو لا؟ ليست مأمور بها فمن أوجب القضاء لمن أخرج الصلاة عن وقتها متعمداً أوجبه بلا دليل شرعي؛ لماذا؟ لأن الدليل المقتضي للفعل لا يلزم

منه القضاء والأمر لا يستلزم القضاء ... بل هو بالأمر الجديد جاء لأنه في زمن معين ... يجي لما عليه من نفع بني وخالف الرازي - في ذلك - - حينئذٍ - لا بد منه ولذلك عائشة رضي الله تعالى عنها فقهة هذه المسألة وقالت (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) هذه قاعدة أصولية مهمة (كنا نؤمر بقضاء الصوم) مع وجود قول الله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) إذاً (فليصمه) هذا أمر لمن استطاع أن يصوم في الشهر فإن أخرجه أخرج الصوم عن الشهر المحدد له ابتداء وانتهاء بلا عذر شرعي لا يؤمر بالقضاء لا يجب عليه أن يقضي وليس هذا تخفيفاً عليه بل هذا تشديد لأنه لو قيل له إيتي به بدلاً بعد شهر رمضان وهو قد فرط وأفطر بدون عذر شرعي - حينئذٍ - سهول عليه قال إما الأداء وإما القضاء نقول لا؛ لا يشرع لك القضاء؛ القضاء هذا بدعة ليس من الشرع في شيء؛ لماذا؟ لأن الشارع أمر بإيقاع الصوم في وقت محدد ولا شك أن له حكمة في تحدبد وقت العبادة ابتداء وانتهاء - حينئذٍ - إخراج العبادة عن وقتها يكون من باب القياس، في الذي يصلي مثلاً بعد خروج وقت العصر يصلي العصر بدون عذر شرعي سوَّا بين الزمن الثاني والزمن الأول يعني جعله ماذا؟ جعله وقت للصلاة والله عزوجل قد حدد انتهاء الصلاة - حينئذٍ - كونه يصلي في الوقت الثاني نقول هذا قياس قاس الزمن الثاني على الزمن الأول نقول ما هي العلة؟ ليس عندنا علة نعم ليس عندنا علة هذا كمن يقف يوم عرفة لا في عرفة قال لا بأس بالعزيزية نقف قال هذه السنة خلها بالعزيزية يجزئ أو لا؟ ما يجزئ قطعاً - مترددين ليش - ما يجزئ بالإجماع ما يجزئ؛ لماذا؟ لأنه إذا جوز الوقت في غير عرفة يكون من باب القياس يعني سوَّا بين الأرضين قاس هذه الأرض على هذه الأرض ثم سحب الحكم الشرعي حكم الأصل للفرع قال كما جاز في عرفة جاز هنا يكون قياس نقول هذا ليس من باب القياس لعدم وجود العلة لأنها تعبدية؛ لماذا حدد الله عزوجل هذه البقعة؟ الله أعلم بها؛ لماذا حدد ابتداء صلاة الظهر وانتهائها بالوقت المعين؟ الله أعلم - حينئذٍ - نقول من جوز فقط قاس، إذاً (وتقضي الحائض الصوم) وهذا محل وفاق (لا الصلاة) - وحينئذٍ - نقول الحيض يمنع فعل الصوم لا وجوب الصوم والحيض يمنع وجوب الصلاة وفعل الصلاة إذ لو وجبت لقضية وأما قول من يقول أمر بقضاء الصوم لأنه خفيف لا يتعدد والصلاة كثيرة وفيه مشقة هذا تعليل فاسد وإنما نقول بالقاعدة هذه التي ذكرناها أن الشارع لم يرد ذلك ابتداء فلا بد من نظر الأصل التي تبنى عليه الأحكام الشرعية، (ولا يصحان منها) يعني لو صامت أو صلت وقت الحيض لا يصح لأنها منهية عن الصوم وقت جريان الدم فإن صامت فالنهي يقتضي فساد المنهي عنه فالصوم باطل يعني لو أرادت أن تصوم قضاء يعني ليس رمضان قال مادام أنه لا يجوز لها الصوم فتصوم قضاء أو تصوم نذراً أو نحو ذلك - فحينئذٍ - نقول الصوم فاسد باطل، والصلاة لو تذكرت صلاة مقضية يعني احتاجت إلى قضائها فائته وأرادت أن تصليها وقت الحيض نقول الصلاة فاسدة لأنها منهية عن الصوم والصلاة وقت الحيض والنهي يقتضي فساد المنهي عنه فلا تصح، إذاً (ولا يصحان) أي الصوم والصلاة (منها) أي من الحائض لأن

خروج الدم يوجب الحدث فمنع استمراره صحت الطهارة كالبول (بل يحرمان) عليها يعني يحرم عليها فعل الصوم وفعل الصلاة كالطواف وقراءة القرآن الطواف هذا محل خلاف بين أهل العلم؛ هل يشترط الطهارة من الحديثين للطواف؟ فيه نزاع والصحيح أنه يشترط لا بد من الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى يعني الحائض لا يحل لها أن تطوف ألبته أن تطوف وهي حائض سواء كان الطواف واجباً كحج أو عمرة أو كان نفلاً وكذلك قراءة القرآن على المذهب وذكرنا فيما سبق أن قراءة القرآن الصحيح أنها تقرأ وهذا هو الصحيح وإنما مس المصحف هي التي تمنع منه الحائض وأما قراءة القرآن فلا بأس بها يعني لم يدل دليل على منع الحائض من قراءة القرآن كما أنه لم يدل دليل على منع الجنب من قراءة القرآن والصحيح أن الجنب يقرأ القرآن ولا حرج في ذلك وذكر البخاري تعليقاً عن عباس أنه كان يقرأ حزبه وهو جنب كذلك ورد عن عدد من السلف الصالح وعدم الدليل يدلنا على الرجوع إلى الأصل لأن الأصل هو الإباحة وإباحة قراءة القرآن مع الجنابة أو غيرها فكما جاز مع الحدث الأصغر جاز مع الأكبر والذي يفرق بين هذا وذاك يحتاج إلى دليل ولذلك منعوا الجنب وجوزوا المحدث حدثاً أصغر؛ لماذا؟ لأن لم يرد دليل على منعه فيجوز ولو لم يكن متوضأ أن يقراء القرآن عن غيب نقول كذلك الجنب إن منعوا إيتي بدليل والأحاديث الواردة كلها ضعيفة كلها هالكة كما ذكرناه سابقاً، ثم قال (ويحرم وطؤها في الفرج) (يحرم) هذا تحريم وهل المراد به التحريم هنا أنه من الكبائر أو من الصغائر؟ في الإقناع [ووطؤها في الفرج ليس بكبيرة] هو محرم لكن لا يستلزم أنه كبيرة ليس كل محرم كبيرة والعكس صحيح [ووطؤها في الفرج ليس بكبيرة وهكذا في الفروع والمبدع]، (ويحرم وطؤها) يعني جماعها (في الفرج) خاصة وهو مخرج الحيض علق الحكم على محل دل على أن ما سواه لا يحرم (يحرم وطؤها في الفرج) خصص (في الفرج) هذا متعلق بقوله (وطؤها) ووطؤها علق عليه الحكم وهو التحريم إذاً مفهومه أن غير الفرج لا يحرم ويستثنى من ذلك الدبر بالإجماع إذاً الفرج هو مخرج الحيض مفهومه - مفهوم مخالفة - أنه لا يحرم في غير المخرج مطلقاً ويستثنى الدبر فهو محرم مطلقاً والدليل قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) (في المحيض) أي في مكان الحيض هذا المراد وليس المراد به في زمن الحيض (المحيض) أصلاً مَفْعِل مَحْيِض مفعل وزنه الصرفي مفعل محيض ومفعل يأتي اسم زمان ويأتي اسم مكان - انظر اللغة هنا - يأتي اسم زمان ويأتي اسم مكان يعني تصور أنك لو حملته على اسم الزمان ماذا يكون المعنى (فاعتزلوا النساء في المحيض) أي في زمن الحيض؛ في الزمن أو في المكان؟ إن قلت في الزمن يعني امتنع كل شيء الوطؤ في الفرج وغيره وإذا قلت (فاعتزلوا النساء في المحيض) في المكان المخصوص مخرج الدم إذاً الذي ورد النهي عنه هو المخرج ما عداه يبقى على الأصل هو الإباحة والصحيح أن المراد بالمحيض هنا اسم المكان مكان، إذاً (ويحرم وطؤها في الفرج) قال تعالى (فاعتزلوا) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب (فاعتزلوا النساء) يعني الحُيَّض من إطلاق العام وإيرادة الخاص (في المحيض) أراد بالاعتزال

ترك الوطء لقوله صلى الله عليه وسلم (أصنعوا كل شيء إلا النكاح) (أصنعوا) لما سئل عما يأتي من الحائض قال (أصنعوا كل شيء إلا النكاح) ومعلوم أن الاستثناء معيار العموم إذاً النكاح المراد به الجماع يعني الإيلاج في الفرج ما عدا ذلك قال (أصنعوا كل شيء) وليس هنا الأمر للوجوب وإنما المراد به الإباحة لأنه جاء في جواب سؤال رواه الجماعة إلا البخاري وفي لفظ (إلا الجماع) تفسير للنكاح وهو ظاهر الدلالة [وقال الشيخ - ابن تيمية يعني ابن قاسم إذا قال قال الشيخ فالمراد به ابن تيمية - المراد اعتزال ما يراد منهن في الغالب وهو الوطء في الفرج لأنه قال (هو أذى فاعتزلوا) فذكر الحكم بعد الوصف بالفاء] (قل هو أذى فاعتزلوا) الفاء هذه تدل على العلية يعني لماذا أمر بالاعتزال؟ لأجل الأذى والأذى أين محله؟ في الفرج خاصة وليس في موضع آخر [فذكر الحكم - الذي هو الاعتزال - بعد الوصف - الذي هو الأذى - بالفاء فدل على أن الوصف هو العلة - يعني الأذى - لاسيما وهو مناسب للحكم فأمر بالاعتزال في الدم للضرر والنجس وهو مخصوص بالفرج فيختص الحكم بمحل سببه وقال ابن قتيبة المحيض الحيض نفسه] إذاً (فاعتزلوا النساء في المحيض) أي الفرج فإن خالف عصا قال الله عزوجل (فاعتزلوا) وهو لم يعتزل ماذا عليه؟ ماذا يترتب عليه؟ الصحيح أنه يترتب عليه أنه قد ارتكب محرماً - فحينئذٍ - الاستغفار والتوبة وإن واظب وداوم - حينئذٍ - صارت الصغيرة كبيرة يفسق وهل يترتب على فعله كفارة أما لا؟ من مفردات مذهب الحنابلة أنه يترتب عليه كفارة ولذلك قال (فإن فعل) بأن أولج قبل انقطاعه (فعليه دينار أو نصفه كفارةً - بالنصب -) (فإن فعل) بأن أولج قبل انقطاع الدم قال (فعليه) يعني فيلزمه على هنا ظاهرة في الوجوب إذاً الكفارة واجبة وليست الكفارة هنا وحدها وإنما المراد التوبة والاستغفار مع الكفارة فعليه وجوباً (دينار أو نصفه) عرفنا هذه من المفردات يعني نصف الدينار على التخيير (كفارةً) بالنصب لحديث ابن عباس (يتصدق بدينار أو نصفه كفارةً) هكذا الرواية الصحيحة هكذا قال الشارح ومداره على عبدالحميد بن عبدالرحمن بن الخطاب قيل لأحمد في نفسك منه شيء قال نعم لأنه من حديث فلان وقال لو صح كنا نرى عليه الكفارة قال الخطابي لا يصح متصلاً مرفوعاً وقال هو وابن كثير وغيرهما قال أكثر العلماء لا شيء عليه ويستغفر الله يعني لا شيء عليه من الكفارات وأما الاستغفار متعين عليه والذمم بريئة إلا أن تقول الحجة بشغلها والأثر قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه إذاً نرجع إلى الأصل؛ الأصل براءة الذمة فلا يلزمه كفارة إن أخرجها من باب الاستحباب فلا إشكال وأما أنه يلزمه ويجب عليه فلا، إذاً (فإن فعل فعليه دينار أو نصفه) نصف الدينار والدينار المراد به المثقال من الذهب يعني كيف يعرف يسأل المثقال من الذهب كم سعره ويخرجه وهو الدينار أو نصف المثقال يسأل كم سعره اليوم ويخرجه (كفارةً) قال (فإن فعل) بأن أولج قبل انقطاعه يعني قبل انقطاع الدم بعضهم يفرق بين الإيلاج قبل الانقطاع وبعد الانقطاع قبل الاغتسال هو لا شك أنه الجماع قبل انقطاع الدم أشد يعني من حيث التأثيم وأما بعد الانقطاع قبل الاغتسال فهو أخف

مع التحريم ولذلك بعضهم فسر قول ابن عباس عليه يتصدق بدينار قبل انقطاعه أو نصفه بعد انقطاعه قبل الاغتسال وكلاهما محرم وإن كان بعضها أشد تحريم من بعض، (ويتسمتع منها بما دونه) هذا تصريح بالمفهوم السابق لأنه قال (ويحرم وطؤها في الفرج) خاصة إذاً ما عداه يجوز ولذلك قال (ويستمتع منها) يعني له ويجوز أن يستمتع (منها) أي من الحائض (بما دونه) أي دون الفرج بما فوق الإزار وما دون الإزار مطلقاً من القبلة واللمس والوطء دون الفرج لأن المحيض اسم لمكان الحيض الوارد في الآية قال ابن عباس [فاعتزلوا نكاح فروجهن ويسن ستر فرجها عند مباشرة غيره] هذا من باب الاستنان، قال ابن القيم رحمه الله تعالى [حديث أنس ظاهر في أن التحريم إنما وقع على موضع الحيض خاصة وهو النكاح أصنعوا كل شيء إلا النكاح وأباحة ما دونه وأحاديث الإتزار لا تناقضه لأن ذلك أبلغ في اجتناب الأذى وهو أولى] يعني يستحب له أن يلقي شيء على موضع الأذى ثم له المباشرة بعد ذلك، (وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق) (إذا انقطع الدم) والمراد بالانقطاع هنا الانقطاع الذي التي تتعلق به الأحكام وهو الانقطاع الكثير وهذا مختلف في تحديده وأولى ما يمكن أن يقال بأنه انقطاع نصف اليوم من باب الاجتهاد من أجل أن تضبط المسائل بمعنى أنه هل كل انقطاع يكون طهراً؟ الجواب لا لأن المرأة قد تطهر أثناء الحيض لمدة ساعة يجف عندها الدم أو ساعتين أو ثلاث أو أربعة هل هذا يعتبر نقاء فتغتسل أم أنه انقطاع بين أثناء الحيض؟ الثاني وإنما يعتبر انقطاع كلياً إذا كان نصف كنهار كامل أو ليلة كاملة - حينئذٍ - إذا انقطع الدم بعد صلاة الفجر فلا تغتسل للظهر وتصلي إنما تنتظر حتى تغرب الشمس - حينئذٍ - يتعين عليها أن تحكم بأن هذا الانقطاع هو الطهر إلا إذا رأت القصة البيضاء - حينئذٍ - تغتسل وتصلي إذاً (إذا انقطع الدم) ليس كل انقطاع وإنما المراد به الانقطاع الكثير إما أن يقيد بأنه يوم نهار يعني كامل أو ليلة كاملة أو إن جعلناه لمرجع المرأة نفسها ما غلب على ظنها أنه انقطاع كثير كما قلنا في الدم ما ستفحش في النفس اليسير والكثير فإن قلنا الانقطاع اليسير لا يخرجها عن كونها حائضاً إذاً إذا قدرة بأن هذا الانقطاع يسير وبأن هذا الانقطاع كثير لها تعتبر ذلك وهذا قد يكون طرداً للأصول السابقة، إذاً الانقطاع التي تتعلق به الأحكام الانقطاع الكثير الذي يوجب عليها الغسل والصلاة فأما الانقطاع اليسير في أثناء الدم فلا حكم له لأن عادة المرأة أنه ينقطع تارة ثم يجري ينقطع الدم تارة ثم يجري (إذا انقطع الدم) أي دم الحيض (ولم تغتسل) بعد ما الذي يباح لها من المحرمات؟ قال (لم يبح غير الصيام والطلاق) أم الصلاة فلا يباح لها انقطع الدم، إذاً لا تصلي حتى تغتسل لو صلت قبل غسلها قلنا هذا حدث أكبر ولا تصح عندنا تعبير بلفظ طاهر المرأة طاهر هذا اللفظ يصدق على وصفين: انقطاع الدم قبل الاغتسال ولذلك المرأة تقول طهُرت ولم تغتسل هل يصح هذا الوصف؟ نقول نعم يصح؛ لكن المراد به نوع معين وهو انقطاع الدم - حينئذٍ - يصح أن يقال بأنها طاهر، وعندنا وصف آخر بأن يقال طاهر والمراد به الاغتسال يعني الانقطاع

وزيادة على ذلك أن تغتسل بعض الأحكام الشرعية المترتبة على وجود الدم كالتحريم الصلاة لا تحل الصلاة إلا بالانقطاع والاغتسال لكن الوجوب؛ بالانقطاع أو الاغتسال؟ وجوب الصلاة يعني انقطع الدم ثم أذن المغرب ولم تغتسل هل نقول الصلاة ليست واجبة؟ لا وجبت الصلاة لأنها طاهر وإنما بقي عليها ما هو بيدها الانقطاع الدم ليس بيدها - حينئذٍ - لا يمكن أن تجعل نفسها طاهرة وأما إذا انقطع الدم - حينئذٍ - صارت الطهارة بيدها كالوضوء لو قلنا بأنها لا تجب عليها الصلاة لكونها لم تغتسل مع انقطاع الدم قلنا لا تجب على من كان محدثاً حدثاً أصغر ولم يتوضأ وهذا فاسد، هنا قال (ولم تغتسل لم يبح غير الصيام) ولا يشترط الغسل فلو تطهرة على أذان الفجر - حينئذٍ - نقول يجوز لها أن تصبح وهي غير مغتسلة؛ لماذا؟ لأن الدم هو موجب عدم صحة الصوم فلما انقطع - حينئذٍ - نقول صح الصوم منها وأما الاغتسال فليس شرط في صحة الصوم بل هو شرط في صحة الصلاة (والطلاق) يعني يجوز الطلاق بعد انقطاع الدم لحديث (مؤره فليطلقها طاهراً أو حاملاً) والمرأة تطهر بانقطاع الدم قوله (فليطلقها طاهراً) هذا عام يعني يشمل المرأة الطاهر إذا لم تغتسل ويشمل المرأة الطاهر إذا اغتسلت - حينئذٍ - نقول النص يعتبر عاماً (وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق) وأما الصلاة وقراءة القرآن والطواف هذه لا بد من الاغتسال وأما قبل الاغتسال فيجوز للزوج أن يطلقها ولا يكون آثماً ولا يكون طلاقاً بدعياً وإنما يكون طلاقاً بدعياً إذا أوقع الطلاق وقت جريان الدم وهل يقع ألا لا هذه مسألة خلافية طويلة؟ ثم شرع المصنف في بيان المبتدأة والمستحاضة ونحو ذلك والكلام متصل بعضه ببعض والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

16

عناصر الدرس * المبتدأة وأحكامها. * المستخاضة وأحكامها. * الصفرة والكدرة وأحكامها. * النفاس مدته وأحكامه. الحمد رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد سبق بعض الأحكام المتعلقة بالحيض وأن هذا الباب إنما هو من الدماء التي تخرج من رحم المرأة وعرفنا أنها ثلاثة على الصحيح: دم حيض ودم نفاس ودم استحاضة والدم الرابع مختلف فيه وهو دم الفساد والصحيح أن دم الفساد داخل في مفهوم دم الاستحاضة -حينئذٍ- يكون دم الاستحاضة هو المتصل بالحيض وكذلك قد يكون مستقلاً عنه ولا يصلح أن يكون حيضاً، وعرفنا تعريف الحيض وبعض الأحكام المتعلقة به، شرع المصنف في بيان متى يحكم على المرأة بأنها حائضاً يعني سبق أن أقل الحيض يوم وليله وسبق أن أقل سنٍ تحيض له المرأة؛ كم؟ تسع سنين على المذهب قلنا الصحيح أنه لا يقدر في الحالين بل قد تحيض قبل تسع سنين ولو لثمان أو سبع أو ست وقد تحيض لأقل من يوم وليله بشرط أن يكون سيلان بمعنى أنه النقطة والنقطتان لا يعتبر حيضاً متى ما سال الدم كما قال الإمام مالك ولو دفعتاً-دفعتاً-يعني مرة واحدة سال سيلاناً يعتبر -حينئذٍ- حيضاً وإذا انقطع -حينئذٍ- تطهر تغتسل وتصلي تكون قد بلغت إذاً الصحيح في الحالين في أقله من حيث السن وفي أقله من حيث الزمن أنه لا يتحدد ودليلهم الذي ذكروه قلنا هذا منتقض لوجود غير من ذكر يعني قيل بأنه لا تحيض قبل تسع سنين قلنا وجود من حاضت بل وحملت قبل تسع سنين هذا يدل على أنها حائض فالوجود في العدم ينفى بالوجود في الوجود فإذا قيل بأنه لم يوجد من حاضت قبل تسع سنين ننفيه بالوجود أليس كذلك؟ ننفيه بالوجود وكذلك إذا قيل بأن أقله يوم وليله طالبنا بالدليل وإذا لم يكن دليل -حينئذٍ- رجعنا إلى الأصل قال الله عزوجل (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) عبر عنه بأنه أذى وهذا الذي يخرج أقل من يوم وليله هو أذى -حينئذٍ- صدق عليه الوصف فيترتب عليه الحكم الشرعي، متى نحكم على الحيض بأنه حيض؟ إذا تقرر بأنه ليس كل دم يعتبر حيضاً إذاً لا بد من أحكام وكل ما سيذكروه المصنف هنا من المبتدأة وما يتعلق بها إنما هو اجتهاد والصحيح في المسألة لأن المسألة فيها شيء من الدقة وعويص المسائل، صارت المسألة متى ما رأت الدم بصفته وسال سيلان حكمنا عليه بأنه حيض ولو لساعة واحدة فإذا انقطع إما بالقصة البيضاء أو الجفوف -حينئذٍ- اغتسلت وصلت فنحكم عليها بأنها قد بلغت وأنها قد وجبت عليها الصلاة والصوم ونحو ذلك هذا هو الصحيح في المبتدأة لكن ما سيذكره المصنف إنما هو اجتهاد وليس عليه دليل واضح بين بل فهمه لعامة المسلمين فيه نوع مشقة طبعاً مشقة كبرى فلا يستطيع العامي أو المرأة التي لم تكن متعلمة أن تفهم هذه المسائل التي سيذكرها، قال رحمه الله تعالى (والمبتدأة) مَبتدأة بفتح الهمزة يعني التي ابتدأها الحيض وابتداء الشيء أول وقت ظهوره (والمبتدأة) يعني التي ابتدأها الحيض وهذا لا يمكن أن تكون مبتدأة بالحيض أو بالدم الذي يصلح أن يكون حيضاً إلا بعد تمام تسع سنين وأما قبل تمام تسع سنين فلا يقال بأنها مبتدأة لأن قررنا فيما سبق على كلام المصنف أنه يعتبر دم فساد ولا يعتبر دم حيضاً؛ لماذا؟ لأن الدليل عندهم قائم على أن أقل

زمن تحيض له المرأة هو تسع سنين تمام تسع سنين فإذا خرج منها الدم قبل تمام تسع سنين لا تكون مبتدأة لأننا نقطع بأنه دم فساد (والمبتدأة) أي في زمن يمكن أن يكون حيضاً وهي التي رأت الدم ولم تكن حاضت رأت الدم لأول مرة ولم تكن حاضت يعني من قبل فهو أول دم يطرقها قال الشارح [في زمن يمكن أن يكون حيضاً] هذا احتراز عن زمن لا يمكن أن يكون حيضاً وهو قبل تمام تسع سنين وهذا القيد هو ليس بوارد وإنما هو تصريح بما فمهم من السابق لأن قرر فيما سبق (لا حيض قبل تسع سنين) إذاً إذا رأت قبل تسع سنين نقول هذا الزمن ليس بصالح أن يكون حيضاً وعليه هذا القيد من باب التأكيد وليس الاحتراز لأنه لا يرد على المصنف أن المبتدأة يحتمل أنها ابتدأها الحيض قبل تسع سنين نقول لا أخرجها يعني قعد لنا قاعدة في أول الأمر بأن أقل زمن هو تسع سنين إذاً ما كان قبل تمام تسع سنين لا يسمى حيضاً، (والمبتدأة) أي في زمن يمكن أن يكون حيضاً وهي التي رأت الدم ولم تكن حاضت يعني قبل رأيت الدم أول ما يأتيها الدم قد تمت عندها تسع سنين ما حكمها؟ قال (تجلس أقله ثم تغتسل وتصلي) (تجلس) يعني تدع الصلاة والصوم لا تصلي ولا تصوم -حينئذٍ- كيف لا تصلي ولا تصوم؟ نقول هي قد تصلي وتصوم لأن من كان دون البلوغ إذا لم تحض لا تمنع من الصلاة بل يجوز لها أن تصلي بل يستحب لها أن تصلي ولو كانت دون البلوغ -حينئذٍ- إذا رأت الدم وشككنا فيه هل هو حيض أم لا؟ قال المصنف (تجلس) يقال لمن لم يفعل الشيء جلس عنه قالوا ما أجلسك عن الحج العام يعني في هذا العام؛ جلس عن العبادة يعني دعها تركها أي تدع الصلاة والصيام ونحوهما بمجرد رأيته يعني بمجرد رأيت الدم متى ما رأت الدم بعد تمام تسع سنين تركت الصلاة؛ ما نوع هذا الدم؟ على المذهب عند الحنابلة أنه يشمل أربعة أشياء: سواء كان الدم أسود أو كان الدم أحمر أو كان صفرة أو كان كدرة ولذلك قال [ولو حمرة أو صفرة أو كدرة] أما الدم الأسود فقولاً واحداً في المذهب عند الحنابلة أنها تجلس وأما الثلاث الأخرى فهذه الثلاث مختلف فيها والصحيح فيه أنها تجلس الدم بنوعيه أياً كان نوعه وأما الصفرة والكدرة هذه لا تجلسها لأنها هي ليست بحيض وإنما هي ملحقة بحيض كما سيأتي (الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض) وأما قبلها أو بعدها الحيض بعد الانقطاع هذه ليس من الحيض في شيء فدل ذلك على أن الصفرة والكدرة لذاتهما ليست بحيض وإنما الحيض هو الدم هذا هو الأصل بقطع النظر عن نوعه سواء كان رقيقاً ثخيناً سواء كان ذا رائحة كريهة أم لا كان أسود بني إلى أحمر رقراق ونحو ذلك كله الدم بأنواعه هذا الأصل أنه دم حيض ألحق به الصفرة والكدرة في زمن العادة فقط يعني إذا كان في أثناء عادتها انقطع الدم الأحمر ثم جاءت الصفرة والكدرة وهي لازالت في عادتها نقول الصفرة والكدرة في زمن الحيض حيض وأما قبله أو بعده ولم يتصل به فلا حكم له إذا تقرر ذلك إذا ابتدأها الدم ولم يخرج الدم وإنما خرجت الكدرة والصفرة -حينئذٍ- لا يعتبر حيضاً ألبته وهذا هو الصحيح في المسألة خلافاً لمذهب الحنابلة، قال (تجلس) أي تدع الصلاة والصيام بمجرد رأيته منذ أن ترى الدم تركت الصلاة والصوم (تجلس أقله)

يعني أقل الحيض يعني يوم وليله ثم تغتسل ولو لم ينقطع الدم، المبتدأة لها أربعة أحوال: التي أول ما-إذا أردنا العموم على كلام المصنف-يأتيها الدم لها أربعة أحوال: إما أن تراه أقل من يوم وليله هذه صورة وإما أن تراه يوم وليلة فينقطع هذه صورة وإما أن تراه يوم وليلة ويزيد لكنه دون خمسة عشر يوماً يعني دون أكثره هذه صورة ثالثة وإما الصورة الرابعة أن تراه ويزيد على أكثر الحيض يعني تجاوز خمسة عشر يوماً هذه أربع صور سينبني عليها الكلام إذا رأته دون يوم وليلة علمنا أنها ليست مبتدأة في الحيض؛ لماذا على كلام المصنف؟ لأنه أقل الحيض يوم وليلة وهذه رأته ثلاث وعشرين ساعة أو رأته يوماً فقط أو رأته ليلة فقط -حينئذٍ- لا يعتبر دم حيض هذه الصورة الأولى وهي خارجة من كلام المصنف أن ترى الدم دون أقل الحيض يعني دون يوم وليلة، الصورة الثانية أن تراه يوم وليلة ثم ينقطعاً هذا قطعاً حيض على القول الراجح وعلى المذهب لكنه جاء أربعاً وعشرين ساعة ثم انقطع -حينئذٍ- تغتسل قطعاً؛ لماذا؟ لأنها طاهر وإذا كانت طاهراً -حينئذٍ- وجب عليها الغسل (حتى يطهرن فإذا تطهرن) دل على أن الطهر نوعان طهر بانقطاع الدم ولو لم تغتسل وطهر بعد الاغتسال (حتى يطهرن) يعني بانقطاع الدم (فإذا تطهرن) دل على أن التطهر الثاني زائد على الطهارة الأول إذاً تغتسل وتصلي وتصوم، الصورة الثالثة أن يستمر معها يوم وليلة ويزيد لكن سبق معنا أن أكثر الحيض كم؟ خمسة عشر يوماً يزيد عن اليوم وليلة ثلاثة أيام أربعة أيام عشرة ثلاثة عشر خمسة عشر وينقطع هذا نقول فيه ماذا؟ زاد عن يوم وليلة وانقطع لدون أكثره، الصورة الرابعة أن يتجاوز الخمسة عشر يعني يبدأ معها الدم ويستمر عشرين يوم هذه صورة رابعة يسمونها المستحاضة، هنا قال (تجلس أقله ثم تغتسل) هذا دخل تحته صورتان انقطع لأقله هذا لا إشكال فيه؛ ماذا تصنع على المذهب هو لم ينص عليها لكنها معلومة؟ ماذا تصنع؟ نقول تجلس تدع الصلاة يوماً وليلة فإذا انقطع اغتسلت وصلت وصامت ثم في الشهر التالي تفعل ما فعلته في الشهر الأول ثم في الشهر الثالث تفعل ما فعلته في الشهر الأول يعني تترك الصلاة يوماً وليلة في الثلاثة الأشهر في الشهر الرابع نحكم عليها بأن عادتها يوم وليلة إذا كان متحد في الابتداء والانتهاء يعني اتفق الدم في زمنه يوم وليلة في الشهر الأول ولا نحكم عليه بأنه حيض على المذهب ثم في الشهر الثاني وكذلك لا يحكم عليه بأنه حيض ثم في الشهر الثالث فإذا اغتسلت قيل لها هذا حيض وعادتك هي يوم وليلة، إذا زاد عن يوم وليلة وانقطع لدون أكثر الحيض هذا الذي ذكره المصنف قال (ثم تغتسل) لأنه آخر حيضها حكماً يعني مراده ولو سال الدم لو جرا معها خمسة أيام قلنا أربع وعشرين ساعة تغتسلين؛ والدم؟ قال هذا نحكم بأن الدم إنما انقطع حكماً لا حساً عند انتهاء يوم وليلة؛ لماذا؟ لكون أقل الحيض يقيناً هو يوم وليلة وما زاد فيه فهو مشكوك فيه -حينئذٍ- اليقين لا يرفع بالشك وعليه تدع الصلاة يوم وليلة وتصلي وتصوم فيما زاد عن اليوم والليلة ولذلك قال (ثم تغتسل وتصلي) وتصوم كذلك يعني تغتسل بعد اليوم وليلة ونحكم على حيضها قد انقطع حكماً لا حساً وتصلي

وتصوم لكن قالوا تصلي الفرض فقط وتصوم الفرض فقط كما لو جاءها في شهر رمضان -حينئذٍ- حددوا لها نوعاً معين من العبادة التي هي فرض؛ لماذا؟ قالوا لأن العبادة في ذمتها بيقين وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فلا تترك الواجب بالشك أقل الحيض بيقين عندهم يوم وليلة -حينئذٍ- إذا انتهت اليوم وليلة قالوا وجب عليك الصوم والصلاة وهذا الدم الذي يجري؟! قالوا نحكم عليه بأنه ليس بحيض والأصل أنك مطالبة بالصلاة والصوم -حينئذٍ- تصومين وتصلين ولو جرا الدم ونحكم على هذا بأنه ليس بدم حيض لأنه مشكوك فيه واليقين أنك مطالبة بالعبادة وهي واجبة لكن قد بلغت باليوم والليلة وما زاد على ذلك فمشكوك فيه-فحينئذٍ-الواجب لا يسقط بالشك، إذاً (تجلس أقله ثم تغتسل) لأنه آخر حيضة يعني تغتسل بعد مضي الأقل وإن كان مع سيلان الدم فلا يضر (وتصلي) وتصوم يعني تصلي الفرض وتصوم الفرض قال في الحاشية [وإنما أمرناها بالعبادة احتياطاً لبراءة ذمتها لأن الظاهر أنه حيض] هذا المذهب هذا غريب [الظاهر أنه حيض] لأنه متصل باليوم والليلة لكن براءة لذمتها نأمرها بالصلاة والصوم، ثم قال (فإن انقطع لأكثره) يعني انقطع الدم لأكثر الحيض الذي هو خمسة عشر يوماً (فما دونُ) بضم النون لأنه حذف المضاف ونوي معناه فبني على الضم مثل أما بعدُ أما بعد هذه مثلها (فما دونُ) بضم النون لقطعه عن الإضافة يعني الصورة الثانية (فإن انقطع لأكثره فما دون) يعني أربعة عشر يوم خمسة عشر يوم إلى قبل ذلك؛ ماذا تصنع؟ اغتسلت مرة أخرى وحكمنا على الدم بأنه انقطع حساً وحكماً في المرة الأولى حكمنا على الدم بأنه انقطع حكماً لا حساً لأن الدم جاراً والمرة الثانية نحكم على الدم بأنه انقطع حساً وحكماً -حينئذٍ- وجب عليها الغسل (اغتسلت) مرة أخرى (عند انقطاعه) حساً أيضاً وجوباً لصلاحية أن يكون حيضاً فلا تكون طاهراً بيقين إلى بالاغتسال من هذا الدم -حينئذٍ- يباح وطؤها بخلاف الاغتسال الأول فإنه يجب عليها فعل الصوم والصلاة لكنها لا توطأ والصحيح أنها تعتبر حائضاً مطلقاً كما سيأتي إذاً (اغتسلت عند انقطاعه) وتفعل ذلك في الشهر الثاني والثالث لأن العادة لا تثبت عادة في المذهب إلا إذا تكرر الدم ثلاث مرات ثلاثة أشهر في المرة الرابعة نحكم عليه بأنه حيض، إذاً القصة أنها تحيض لأكثر من يوم وليلة ثم يستمر بها الدم إما إلى اليوم العاشر أو الثاني عشر أو الخامس عشر نوجب عليها غسلين الغسل الأول عند انتهاء اليوم والليلة ونوجب عليها الصلاة والصوم ولو مع جريان الدم ثم إذا انقطع لليوم الخامس عشر طهر الموضع أوجبنا عليها غسلاً آخر ووجبت عليها الصلاة إذاً أوجبنا عليها غسلين؛ ما الدليل على إيجاب غسلين؟ ليس إلا الاجتهاد أما الغسل الثاني فلا إشكال فيه لقوله تعالى (فإذا تطهرن) (حتى يطهرن) يعني انقطع الدم (فإذا تطهرن) قد أوجب عليها الغسل الثاني تفعل هذا الشيء الشهر الثاني والشهر الثالث، (فإن تكرر ثلاثاً فحيض) يعني نحكم على هذا الدم بأنه دم حيض وعادتك كذا -حينئذٍ- الأشهر الثالث إما أن تتفق وإما أن تختلف؛ كيف تتفق؟ يعني ينقطع الدم في الشهر الأول لليوم السابع ويأتي الشهر الثاني وينقطع الدم لليوم السابع

والشهر الثالث ينقطع اليوم السابع -حينئذٍ- نقول تكرر ثلاث مرات متفقة أو مختلفة؟ متفقة إذاً نقول في الشهر الرابع عادتك سبعة أيام ينبني عليه أنه لو زاد عن السابع في الشهر الرابع قلنا اغتسلي عند نهاية السبع لأن عادتك قد انتهت واضح هذا، هذا إن اتفقت، إن اختلفت رأته في الشهر الأول سبعة أيام والشهر الثاني عشرة أيام وفي الشهر الثالث خمسة عشر يوم إذاً في الثلاث الأشهر قد انقطع لدون أكثر الحيض؛ ما هي عادتها؟ قالوا هنا اتفقت واختلفت أشهر الأول سبعة والشهر الثاني عشرة والشهر الثالث خمسة عشر اتفقت واختلفت؛ اتفقت في ماذا؟ ما هو العدد المكرر في الثلاثة الأشهر؟ السبعة وما زاد عن السبعة-الثلاثة-عشرة أو ما زاد إلى الخامسة عشر نقول هذا يلغا ونحكم على أن العادة إنما هي سبع؛ هذا متى؟ عند عدم الاتفاق، إذاً (فإن تكرر) الدم (ثلاثاً) في ثلاثة أشهر ولم يختلف سبعة أيام في الشهر الأول سبعة أيام في الشهر الثاني وكذلك في الشهر الثالث (ف) هو (حيض) يعني كله حيض بشرط ولم يختلف فإن اختلف -حينئذٍ- ننظر إلى القدر المشترك ونجعله هو حيض أو العادة التي يجب الجلوس لها في الشهر الرابع فإن اختلفت على المثال المذكور إذا جاء الشهر الرابع -حينئذٍ- نقول لها عادتك سبعة أيام فإذا انقطع الدم لسبعة أيام فبها ونعمت فإن زاد عن سبعة أيام ولو زاد على أكثر الحيض نقول هذا يعتبر استحاضة فوجب الغسل عند نهاية اليوم السابع ثم تصوم وتصلي (فإن تكرر ثلاثاً) أي في ثلاثة أشهر ولم يختلف (تكرر) المذهب عندنا لا بد أن يكون ثلاثاً (ف) هو (حيض) وثبتت عادتها فتجلسه في الشهر الرابع هذا كله من أجل أن نكتشف عادة لها الشهر الأول لا تثبت فيه العادة والشهر الثاني لا تثبت فيه العادة والشهر الثالث لا تثبت فيه العادة وإنما الرابع بتمام الثلاثة الأشهر قالوا هذا يدل على أن العادة ثبتت قالوا لقوله عليه الصلاة والسلام (تدع الصلاة أيام أقرائك) وهي جمع وأقل الجمع ثلاثة فلا تثبت العادة بدونها لأن معتبر له التكرار اعتبر في الثلاث كالأقراء وهذا فيه نظر لأن المراد بالأقراء هنا أيام الحيض (تدع الصلاة أيام أقرائك) إذا كانت سبعة أيام اليوم الأول اليوم الثاني الثالث الرابع هذه كلها أيام حيض وهي أيام أقراء جمع قُرء أو قَرء المراد به الحيض على كل الظاهر أن العادة إنما تثبت بما تراه المرأة دماً -حينئذٍ- إن اتفقت فهي عادتها وإن لم تتفق نقول هذه ليست لها عادة منضبطة وما خرج يعتبر دماً وهذا أشبه ما يكون بمفردات المذهب ولذلك عند الحنفية والمالكية والشافعية أن الدم الذي تراه حيض مطلقاً فتترك له الصلاة والصيام مادام أنه لم يتجاوز أكثر الحيض يعني متى ما رأت المبتدأة الدم وانقطع لدون أكثر خمسة عشر يوم أو خمسة عشر فما دون كله يعتبر حيضاً وهذا أقرب من المذهب؛ لماذا؟ لأنه كما سبق أن الأصل في الدم الذي يخرج من الرحم إنما هو دم حيض فإذا كان كذلك خرج سبعة أيام وخرج في الشهر الثاني عشرة أيام وخرج في الشهر الثالث خمسة عشر يوماً مادام أنه دون أكثر الحيض -حينئذٍ- يعتبر كله حيض والمذاهب الثلاثة على هذا وهو أصح ولكن تحديده بخمسة عشر هذا الذي يكون فيه شيء من النظر لأن

الصحيح لا حد لأكثره وهذا أقرب من المذهب، قال (فهو حيض) يعني كله حيض اليوم وليلة وما زاد عليها (وتقضي ما وجب فيه) يعني إذا ثبت أن عادتها سبعة أيام وهذا إنما يتصور فيما زاد على اليوم وليلة أو لم تكن العادة متفقة قلنا تغتسل ليوم وليلة أليس كذلك؟ ثم تصوم وتصلي الصلاة لو صلت وهي حائض فلا إعادة لأن تبين أن الصلاة باطلة لو صامت فرضاً أو اعتكفت نذراً أو طافت في حج ونحوه وقد حكمنا عليه بأنه دماً مشكوك فيه إذا ثبت بعد ثلاثة أشهر أن ذاك الزائد على اليوم وليلة حيض قضت ذاك الصيام وذاك الطواف وذاك الاعتكاف؛ لماذا؟ لأنه تبين أنه فعل على جهة الفساد -حينئذٍ- لا يجزئها ولذلك قال (وتقضي ما وجب فيه) يعني عبادة واجبة (فيه) أي في المجاوز لأقل الحيض لأن قلنا تترك يوم وليلة لا تصوم ولا تصلي ثم تغتسل ولو سال الدم-طيب-بعد أربعة أشهر حكمنا على أن الدم الذي زاد عن يوم وليلة بأنه حيض اكتشفنا بعد أربعة أشهر أنه حيض والصوم الذي صامته في هذا تبين أنه باطل والاعتكاف تبين أنه باطل وكذلك الطواف تبين أنه باطل إذاً الذمة لم تبرأ ووجب عليها الإعادة ولذلك قال (وتقضي ما) أي عبادة (وجب فيه) أي في المجاوز لأقل الحيض أي ما صامت فيه من واجب وكذا ما طافته أو اعتكفته (فيه) -واضح هذا المسألة فيها إشكال؟ -على كل الصحيح أنه متى ما رأت الدم تركت الصلاة والصوم وإذا انقطع -حينئذٍ-اغتسلت وصلت وصامت هذا الصحيح، ثم قال هذه الصورة الثالثة (وإن عبر أكثره) يعني تجاوز الدم خمسة عشر يوماً المسألة السابقة فيما إذا انقطع لخمسة عشر فما دون لم يتجاوز أكثر الحيض نحن عندنا أقل الحيض وأكثر الحيض؛ أقل الحيض يوم وليلة وأكثر الحيض خمسة عشر يوماً -حينئذٍ- ما كان دون أقل الحيض ليس بدم، ما زاد عن خمسة عشر يوماً هذا يسمى استحاضة، (وإن عبر) يعني جاوز الدم (أكثره) أي أكثر الحيض (ف) هي (مستحاضة) وهذه التي تسمى المبتدأة المستحاضة يعني أول ما جاءها الدم استمر معها عشرين مباشرة بدء معها الدم في اليوم الأول من الشهر ولم ينقطع إلى اليوم العشرين إذاً ما نقطع إلى خمسة عشر يوماً هذا يعبر عنه بأنه بدأها الدم وجاوز خمسة عشر يوماً سواء انقطع للسادس عشر أو العشرين أو الثلاثين أو مضى معها السنة أو سنتين أو ثلاث هذه تسمى مستحاضة، والمستحاضة كما عرفها هنا مأخوذة من الاستحاضة وهو سيلان الدم في غير وقته من العرق العاذل، وعرفها بعضهم بأنها من جاوز دمها أكثر مدة الحيض، واستحاضة المرأة تستحاض فهي مستحاضة وفي الحديث (إني استحاض فلا أطهر أفدع الصلاة؟ فقال: لا إنما ذلك عرق) وجاء كذلك (إن بعض أزوج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفت وهي مستحاضة) وفي حديث (أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين) وهو متفق عليه، إذاً هو سيلان الدم في غير وقته وهنا قال من جاوز دمها أكثر مدة الحيض؛ هل بينهما فرق؟ سيلان الدم في غير وقته التعريف الآخر من جاوز دمها أكثر مدة الحيض؟ نعم بينهما فرق؛ التعريف الثاني يشترط في الاستحاضة أن تكون متصلة بالدم -حينئذٍ- إذا بدأها الدم ووصل إلى الخامس عشر ثم استمر الاستمرار هذا وعدم الانقطاع نحكم على الدم الثاني المتجاوز بأنه استحاضة وأما على تعريف صاحب

الروض سيلان الدم في غير وقته من العرق العاذل هذا لا يدل على الاتصال فلو جاءها الدم الحيض ثم انقطع طهرت ثم رجع معها يوماً وليلة على التعريف الثاني لا يسمى استحاضة الدم الذي رجع لا يسمى استحاضة؛ لماذا؟ لأنه انقطع عن دم الحيض لم يتصل به وعلى تعريف صاحب الروض يسمى استحاضة وعلى التعريف الأول يسمى دم فساد هذا الفرق بين دم الفساد وبين دم الاستحاضة الاستحاضة يكون متصل بدم الحيض والفساد أن يكون قبل الحيض وينقطع أو يكون بعد انقطاع الحيض ثم يأتي الدم هذا يسمى فساد والصحيح أن كلاً منهما استحاضة ولذلك قال النووي [المستحاضة من ترى الدم على أثر الحيض-يعني مباشرة -على صفة لا يكون حيضاً وذات الفساد هي من يبتدئها دم لا يكون حيضاً]-طيب- (إن عبر أكثره فهي مستحاضة) قال المصنف هنا [من العرق العاذل] وهذا مأخوذ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك عرق) فالحيض يخرج من عرق في قعر الرحم والاستحاضة من عرق في أعلى الرحم يعني أقرب إلى المخرج وأما الحيض فهو من القعر والحيض دم طبيعة والاستحاضة مرض ويسمى الآن نزيفاً الحيض له أوقات محدودة معلومة في الغالب وأما الاستحاضة فليس لها أوقات محدودة دم الحيض له صفات كما سيأتي ودم الاستحاضة ما لم يوجد فيه صفات دم الحيض إذاً (إن عبر أكثره) فهي مستحاضة؛ ماذا تصنع؟ المبتدأة المستحاضة لها حالان إما أن تكون مميزة أو لا؟ المبتدأة المستحاضة؛ من هي المبتدأة المستحاضة؟ التي بدأها الدم وعبر أكثره هذه المبتدأة المستحاضة، عندنا مستحاضة معتادة ومستحاضة مبتدأة، الحديث الآن في المستحاضة المبتدأة التي أول ما يطرقها الدم يتجاوز خمسة عشر يوماً هذه لها حالان: إما أن تكون مميزة أو لا؛ كيف مميزة؟ يعني الدم عندها ليس على صفة واحدة يتبدل يتغير -حينئذٍ- تسمى ماذا؟ مميزة لكن ليس كل تمييز يكون صالحاً كما سيأتي، إذاً المستحاضة المعتادة قال المصنف (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود ولم يعبر أكثره ولم ينقض عن أقله فهو حيضها) -اقرؤوا العبارة جيداً- (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود) يعني (فإن كان) لها تمييز كما قال الشارح [(فإن كان) لها تمييز] دم الحيض له علامات: أولاً: اللون فدم الحيض أسود والاستحاضة أحمر؛ دم الحيض أسود أو يكون بني مائل إلى أسواد، الثانية: الرقة فدم الحيض غليظ ثخين ودم الاستحاضة رقيق، الثالثة: الرائحة دم الحيض منتن كريهة له رائحة كريهة بخلاف الاستحاضة ليس له رائحة، الرابعة: التجمد دم الحيض إذا ظهر لا يجمد إذا خرج وسال لا يجمد بخلاف دم الاستحاضة فإن يجمد، الخامسة: الألم الذي يسمى المغص عند النساء، هذه كم علامة؟ ما هي؟ اللون والرائحة والرقة والتجمد والألم، يكفي في الحكم على الدم بأنه حيض بوجود واحدة علامة فقط يعني قد يوجد الألم ويكون أحمر؛ هنا وجدت علامة أو لا؟ وجدت علامة لا يشترط اجتماع العلامات الخمس وإلا ليس بحيض لو قيل بهذا ما وجدت حائض لأنه لا يجتمع الخمس العلامات في موضع واحد أو في حالة واحدة وإنما قد يوجد الألم ولا تكون له رائحة كريهة ولا يكون ثخيناً ولا يكون أسود، قد يكون أسود ولا يوجد معه ألم إذاً المراد وجود واحد، ولذلك مثل المصنف بعلامة واحدة

لأنه إذا وجد كذلك -حينئذٍ- نقول هذا الدم دم حيض، قال (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود) أي النوعين علامة للحيض؟ الأسود؛ لكن هل كل أسود يصلح أن يكون حيضاً؟ الجواب لا؛ بشرط أن يكون الأسود أن لا يقل جريانه وسيلانه عن يوم وليلة ولا يزيد عن خمسة عشر يعني ما وجدت فيه علامة الحيض نطبق فيه قاعدة أقل الحيض وأكثره فإن جرا الأسود أقل من يوم وليلة لا يصلح إذاً هذا دم أسود لكنه ليس بحيض إذاً تأخذ ليس كل دم أسود يصلح أن يكون حيضاً؛ لماذا؟ لأنه يشترط فيه أن يطبق عليه قاعدة أقل الحيض وأكثر الحيض؛ فإذا جرا الدم ستة عشر يوماً وهو أسود لا يصلح أن يكون حيضاً-أنتم معي أو لا-إذا جرا الدم الأسود أكثر من ستة عشر يوماً نقول يا بدر لا يصلح أن يكون حيضاً؛ لماذا؟ لأنه يشترط في هذه العلامة أن لا تجاوز أكثر الحيض يعني لا نعتبره علامة إلا إذا تجاوز جريانه وسيلانه يوم وليلة-خمس وعشرين ساعة-وأن لا يزيد عن خمسة عشر يوماً فما بين الزمنين فهو دم صالح إذاً الأسود قد يكون صالحاً لتمييز وقد لا يكون صالحاً، ولذلك قال المصنف (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود) لم يقل دمها الأسود حيض مباشرة-لا قال- (ولم يعبر) يعني الأسود الضمير يعود إلى الأسود (ولم يعبر) هو أي الأسود أن يجاوز (أكثره) أي أكثر الحيض (ولم ينقص عن أقله) لا بد من تقييده بأقل زمن للحيض وأكثره (فهو) أي الأسود (حيضها) إذاً عندنا شرطان عدميان: الشرط الأول (لم يعبر أكثره) يعني لم يتجاوز خمسة عشر يوماً؛ الشرط الثاني (لم ينقص عن أقله) عن يوم وليلة -حينئذٍ- نقول هذا الدم الأسود (هو حيضها) مثاله لو ابتدأها الدم في أول الشهر يعني واحد واستمر معها إلى يوم عشرين نقول هذه مبتدأة مستحاضة أولاً تحكم عليه بأنها مبتدأة مستحاضة؛ لماذا مبتدأة؟ لأن الدم أول مرة يطرقها؛ لماذا مستحاضة؟ لكون الدم قد جاوز أكثر الحيض؛ كيف نصنع؟ ننظر في الدم على المثال الذي ذكره المصنف (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود) وجدنا الأسود أنه استمر معها من اليوم الخامس إلى اليوم الخامس عشر وقبل ذلك وبعده هو دم أحمر يعني خرج معها الدم الأحمر خمسة أيام ثم انقلب فصار أسود إلى اليوم الخامس عشر ثم رجع إلى الأحمر نقول هذا دمها متميز وهذا الدم الأسود صالح لأن يجعل حيضاً؛ لماذا؟ لأن عشرة أيام عشرة أيام معناه ماذا؟ تجاوز أقل الحيض أربعاً وعشرين ساعة ولم يعبر أكثر الحيض لأنه عشرة أيام وأكثر الحيض خمسة عشر يوماً إذاً نقول عادتك عشرة أيام لأن الدم هذا دم صالح لأن يجعل حيض وما قبله وما بعده فهو دم أحمر لا يلتفت إليه بله دم استحاضة فلا يمنع من الصلاة والصوم،-طيب-جاءها الدم عشرين يوماً استمر معها خمسة أيام أحمر ثم إلى اليوم العشرين انقلب أسود؛ من اليوم الخامس إلى اليوم العشرين؛ كم يوم الأسود خمسة عشر يوماً؛ يصلح أن يكون حيضاً؟ يصلح أن يكون حيضاً إذاً نقول من اليوم الخامس إلى اليوم العشرين هذا يعتبر دم حيض فتترك الصلاة والصيام، جاءها الدم يوم واحد الأسود ثم قبله وبعده فإذا به دم أحمر؛ يوم واحد يعني نهار واحد نقول هذا الدم ليس صالح بأن يجعل حيضاً؛ لماذا؟ لأنه أقل من أربع وعشرين ساعة ولا يصلح الدم

أن يكون حيضاً إلا إذا تجاوز أربع وعشرين ساعة ولم يتجاوز خمسة عشر يوماً واضح، إذاً (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود ولم يعبر أكثره-يعني أكثر الحيض-ولم ينقص عن أقله فهو حيضها) قال الشارح [وكذا إذا كان بعضه ثخيناً-يعني وبعضه رقيقاً-أو منتناً-وبعضه غير منتن-وصلح حيضاً فهو حيضها] يعني العلامة ليست خاصة بالدم الأسود؛ فإن بعض دمها ثخيناً ويعضه رقيقاً ننظر في الثخين لأنه من علامات دم الحيض إن زاد عن أقل الحيض ولم يعبر أكثره نقول هذا الثخين ولو لم يكن أسود هذا الثخين يعتبر دم حيض؛ لماذا؟ لكونه وجدت فيه علامة الحيض -حينئذٍ- تترك الصلاة والصيام، قال (تجلسه في الشهر الثاني والأحمر استحاضة) (تجلسه في الشهر الثاني) يعني مباشرة؛ متى ما عرفنا أن هذا الدم الذي وجدت فيه علامة الحيض وصلح أن يكون حيضاً لاعتبار الزمنين الأقل والأكثر تجلسه في الشهر الثاني ولا ننتظر الشهر الثالث والرابع لأن التكرار يشترط فيه ثلاث إذا أردنا تثبيت العادة وأما في المستحاضة ففي الشهر الثاني مباشرة تجلس ذلك الدم -حينئذٍ- إذا استمر بها خمسة عشر يوماً أو عشرة أيام نقول عادتك في الشهر القادم عشرة أيام لهذا الدم المتميز سواء تقدم الدم أو توسط أو تأخر يعني تدور مع هذه العلامة في التقدم والتوسط والتأخر، (تجلسه) يعني تجلس الأسود كله من كل شهر لأن التمييز أمارة من نفسه فلا تحتاج إلى ضم غيره إليه، ولذلك قال [ولو لم يتكرر أو يتوالى] [ولو لم يتكرر] يعني لا ننتظر التكرار ولو لم يتوالى يعني لا يشترط في العشرة الأيام التي يكون فيها الدم أسود أن تكون متصلة بل لو جاءها الدم الأسود يومين ثم صار أحمر رقراقاً ثم رجع الدم الأسود يومين ثم صار أحمر ثم رجع أسود نلفق بين هذه الأيام التي جاء فيها الدم الأسود وننظر هل هي أقل من الحيض أو كثر؟ فيكون الحكم تابعاً لها، يعني لا يشترط في الدم الأسود أو الدم الثخين أو الدم المنتن أن يكون متصلاً بل ننظر إلى عدد الأيام التي جاءها الدم أسود -حينئذٍ- نقول جاءها أربعة أيام خمسة أيام عشرة أيام ولو كانت متفرقة وهذا ليس بأكثر الحيض -حينئذٍ- يعتبر حيضاً لها والأحمر والرقيق وغير المنتن استحاضة تصوم فيه وتصلي هذه المستحاضة المميزة التي لها تمييز، فإن لم تكن مميزة هنا تأتي المشكلة إن لم تكن مميزة يعني دمها كله على صفة واحدة أنت الآن لا تتصور عشرين يوم كل المثال هذا من باب التيسير وإلا قد تستحيض المرأة سنة كاملة -حينئذٍ- نقول الدم هذا إن جرا على حالة واحدة أحمر ليس فيه أسود ألبته أو كله منتن من أوله إلى آخره هذا لا يصلح أن يكون حيضاً أو وجد فيه ما فيه علامة من علامات الحيض ولم يتوفر فيه الشرطان السابقان العدميان -حينئذٍ- نقول هذه مبتدأة مستحاضة غير مميزة؛ ماذا تصنع؟ (وإن لم يكن دمها متميزاً) بأن كان كله على صفة واحدة إما أسود شهر كامل كله أسود؛ نقول هذا أسود هل يصلح علامة للحيض؟ الجواب لا؛ أو كله أحمر هذا لا يصلح أن يكون علامة أو كله منتناً أو كان متميزاً ولم يصلح المتميز بأن يجعل علامة للحيض (جلست) يعني المبتدأة عن الصلاة ونحوها أقل الحيض من كل شهر رجعنا إلى الأول يعني (إن لم يكن دمها

متميزاً) منذ أن يطرقها الدم ابتدأ معها يوم السبت وحدة في الشهر تجلس يوم وليلة وتغتسل ثم تصلي الشهر كامل ثم يأتي الشهر الثاني في نفس الموعد تجلس يوم وليلة ثم تغتسل وتصلي ثم في الشهر الثالث كذلك تفعل يوم وليلة وتغتسل وتصلي في الشهر الرابع تجلس غالب الحيض يعني ستة أو سبعاً هنا لما لم يكن لها تمييز رددنها إلى عادة غالب النساء إما عموماً أو أقاربها كما سيأتي، قال (وإن لم يكن دمها متميزاً جلست غالب الحيض) ستة أو سبعاً بتحرٍ على الصحيح من المذهب يعني؛ هل تتخير بنفسها تتشهى أم تنظر فيمن حولها ستة أو سبعاً؟ هذا ينبني عليه ترك صلاة في اليوم السابع تنظر في أمها وأختها وأقاربها فما كان غالباً هو الذي تجلسه إن كان الغالب في عادة أمها وأخواتها الأكثر منهن تجلس سبعة جلست سبعة وإن كان الغالب فيهن أن تجلس ستة جلست ستة فتحري هنا ليس بنفسها بذاته بهواها-يعني تختار على كيفيها ستة أو سبع؛ لا-وإنما تنظر فيمن حولها، (غالب الحيض) ستة أو سبعاً بتحر (من كل شهر) يعني من أول وقت ابتدائها إن علمته إن علمت متى ابتدأها الدم عرفت أنه في اليوم العاشر من الشهر -حينئذٍ- نقول لها أول شهرك هو اليوم العاشر، المرأة يختلف شهرها عن التقاويم يعني لا يتحد مع الشهور الهلالية وإنما أول يوم في الشهر عندها هو أول يوم يأتيها الحيض الفقيه إذا قيل شهر المرأة كما يقول الفقهاء فالمراد به أول يوم أتاها الحيض -حينئذٍ- اجتمع لها شيئان حيض وطهر فإذا ابتدأها الدم في اليوم العاشر نقول أول يوم من شهرك هو العاشر في إذا جئت في الشهر الرابع تجلسين أغلب الحيض تبتدئين العد من العاشر الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ست أيام أو سبعة ثم تغتسل وتصلي وتبقى على هذا ولو سال الدم معها أشهراً؛ فإن نسيت ما تدري متى أول ما طرقها الحيض نسيت؛ ماذا تصنع؟ ترجع إلى الشهر الهلالي فالرجوع إلى الشهر الهلالي إنما يكون عند نسيان أول دم طرقها ولذلك قال الشارح [من كل شهر من أول وقت ابتدأها إن علمته] يعني إن علمت ابتدأها بالدم جلسته من أول ابتدأها من كل شهر يكون شهرها [والمراد شهر المرأة وهو ما يجتمع له فيها حيض وطهر صحيحان-لا الشهر الهلالي-وإن لا فمن أول كل هلالي] يعني الشهر-التقويم-فترجع إليه إن نسيت أول الشهر، إذاً المبتدأة إن كانت مستحاضة فلها حالان: إما أن تكون مميزة وإما أن تكون غير مميزة؛ إن كانت مميزة بأن صلح الدم بأن يجعل حيضاً -حينئذٍ- رجعت إلى التمييز من الشهر الثاني وجلسته؛ إن لم تكن مميزة جلست غالب الحيض ستة أو سبعاً من أول شهرها إن علمته ومن أول الشهر الهلالي إن نسيته، قال في الحاشية [الحاصل أن للمبتدأة ثلاثة أحوال] يعني مستحاضة وغيرها هذا تلخيص جيد ترى يلخص لك المسألة [إما أن لا يجاوز دمها أكثر الحيض] المسألة الأولى يعني المبتدأة كلها من أول القصة للسابق كله ملخص في هذه الأسطر الثلاث [إما أن لا يجاوز دمها أكثر الحيض أو يجاوز] إما أن يجاوز أو لا يجاوز إما أن يتعدى خمسة عشر يوماً أو لا [والثانية] التي يجاوز دمها أكثر الحيض [هي المستحاضة] وتسمى المبتدأة المستحاضة [وهي قسمان] المستحاضة؛ إذاً صار عندنا كم قسم المبتدأة؟ ثلاثة

أقسام مبتدأة لم يجاوز دمها أكثر الحيض مبتدأة جاوز وهي المستحاضة ولها تمييز مبتدأة جاوز دمها وهي غير مميزة هي ثلاثة أقسام إذاً المبتدأة كلها ثلاثة أنواع [والثانية هي المستحاضة] التي جاوز دمها أكثر الحيض [وهي قسمان: مميزة وغير مميزة] وعرفنا المراد بالتمييز وبغير التمييز [ففي الأولى والأخيرة تجلس الأقل-أقل الحيض-حتى يتكرر ثم تنتقل إلى المتكرر في الأولى والغالب في الآخرة] انتبه [ففي الأولى] ما هي؟ التي لم يجاوز دمها أكثر الحيض [والأخيرة] التي هي مستحاضة غير مميزة [تجلس الأقل] أقل الحيض [حتى يتكرر] ثلاثة أشهر [ثم] التي لم يجاوز دمها أكثر الحيض [تنتقل إلى] المتفق عليه أو الأقل عند الاختلاف [والغالب في الآخرة] واضح هذا [الأولى] التي هي مبتدأة ولم يجاوز دمها أكثر الحيض قلنا هذه تجلس أقله يوماً وليلة ثلاثة أشهر ثم في الرابع تجلس ما تكرر سواء اتفق أو لا؛ إذاً تجلس الأقل وتغتسل ثم ينقطع الدم وتغتسل ثلاثة أشهر في الشهر الرابع تجلس المتفق عليه سواء انقطع عنده أو تجاوز ويعتبر الأقل، المستحاضة غير المميزة قلنا هذه تجلس ثلاثة أشهر أقل الحيض كسابقه لكن ترد في الشهر الرابع إلى ماذا؟ إلى غالب الحيض ولذلك قال [وهي قسمان: مميزة وغير مميزة ففي الأولى] المراد بها التي لم يتجاوز دمها أكثر الحيض [والأخيرة] التي هي المستحاضة وغير مميزة [تجلس الأقل] أقل الحيض في النوعين [حتى يتكرر] يعني ثلاثة أشهر [ثم] يفترقان [تنتقل إلى المتكرر في الأولى] التي لم تجاوز دمها أكثر الحيض [والغالب] يعني غالب الحيض ستة أو سبعاً [في الآخرة] [وفي الوسطى] التي هي المستحاضة المميزة [تجلس المميزة التمييز الصالح من غير تكرار] هذا تلخيص جيد جداً لما سبق واضح، ثم قال (والمستحاضة المعتادة ولو مميزة تجلس عادتها) (والمستحاضة المعتادة) انتهينا من المبتدأة انتهى الحديث المبتدأة نوعان: مستحاضة وغير مستحاضة انتهى الكلام، الآن استقرت عادتها عرفنا أن هذه المرأة تكرر عندها الحيض ثم بعد سنين استحاضة جرا معها الدم سنة سنتين ثلاث هذا تسمى ماذا؟ مستحاضة معتادة، لما أنها الكلام على المستحاضة المبتدأة شرع في أقسام المستحاضة المعتادة وهي التي لها عادة قبل الاستحاضة؛ وسميت معتادة؟ لأنها تعرف أنها تحيض خمسة مثلاً يعني عادتها خمسة أيام وهي عادة مستقرة ثم بعد ذلك طرأ معها الحيض فواصل مع عادتها لأنها تعرف أنها تحيض خمسة مثلاً من ابتدائه وتطهر في باقية ويتكرر حيضها ثلاثة أشهر وإلا فلا تسمى معتادة يعني بعض النساء عادتها تكون ثابتة مستقرة يعني يأتيها الدم في أول الشهر يوم وحدة وينقطع يوم سبعة تجلس عشرات السنين بعضهن هكذا يأتيها في اليوم الأول وينقطع في اليوم السابع هذه يعبر عنها بأنه معتادة يعني لها عادة منضبطة ما لم يكن كذلك فلا تسمى معتادة يعني إذا كان يأتيها في الشهر في اليوم الأول وبعد شهرين يأتيها في اليوم الثالث وحياناً تنتظر ما يأتيها في الشهر والشهر الذي يليه هذه ما تسمى معتادة ليس لها عادة؛ لماذا؟ لأن التي لها عادة تكون ثابتة مستقرة وهذه ليست لها عادة ولذلك قال [وإن لا تسمى معتادة] هذه المستحاضة المعتادة قال المصنف هنا

(والمستحاضة المعتادة) أي هي التي تعرف شهرها ووقت حيضها وطهرها منه هذه تحتها قسمان؛ قال (ولو مميزة تجلس عادتها) (ولو مميزة) يعني لو كان لها دم صالح لأن يجعل حيضاً كأن يكون أسود ولم ينقص عن أقل الحيض ولم يتجاوز أكثر الحيض مع وجود علامة التمييز ولها عادة ثابتة مستقرة تعارض أمران -حينئذٍ- ماذا نصع؟ اختلف العلماء منهم من قدم التمييز على العادة ومنهم من قدم العادة على التمييز والمذهب وهو الصحيح أن العادة محكمة يعني هي التي تقدم على التمييز ولذلك قال (ولو كانت مميزة) يعني لها دم صالح لأن يجعل دم حيض ولكن لا نلتفت إلى هذا التمييز؛ لأننا التمييز نلجأ إليه عند الضرورة وهي عند عدم معرفة العادة وأما إذا عرفت العادة واستقرت -حينئذٍ- صارت محكمة وقاضية على التمييز، إذاً المستحاضة المعتادة أراحت نفسها وأراحت الفقهاء تجلس عادتها التي تعرفها وتغتسل عند نهايتها ثم ما بعده فهو استحاضة تصوم وتصلي، (والمستحاضة المعتادة ولو) قلنا هذه لو إشارة خلاف والصحيح أن المميزة ترجع إلى العادة وهو الصحيح الذي ذكره المصنف (ولو مميزة) يعني (ولو) كانت المستحاضة المعتادة (مميزة) بأن يكون لها دم صالح لأن يجعل حيضاً؛ ماذا تصنع؟ (تجلس عادتها) يعني تبقى الأيام التي تحفظها وتعرفها تترك الصلاة والصوم ثم إذا انتهت وانقضت اغتسلت وصامت وصلت لحديث (امكثي قدر ما تحبسك حيضتك) إذاً ردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى العادة (امكثي قدر) يعني عندها علم بعادة (قدر ما تحبسك حيضتك) وهل استفصل النبي صلى الله عليه وسلم هل أنت مميزة أم لا؟ الجواب لا؛ وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، ولذلك قلنا ولو مميزة ولم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم هل أنت مميزة أم لا؟ إنما ردها إلى العادة مباشرة (امكثي قدر ما تحبسك حيضتك) فرد إلى العادة ولم يستفصل مع قيام الاحتمال وهذا هو الصحيح والنص واضح بين، ثم تغتسل بعد عادتها وتصلي، (وإن نسيتها عملت بالتمييز الصالح) نسيت العادة ما تدري كم؛ المرأة تنسى ماذا طبخت أمس -حينئذٍ- إذا أصابتها غفلة ونسيت كم عادتها؟ والنسيان له أنواع كما سيأتي -حينئذٍ- نردها إلى التمييز (وإن نسيتها) أي نسيت عادتها (عملت بالتمييز) ليس مطلقاً وإنما التمييز (الصالح) لأن يجعل حيضاً كالأسود مثلاً بأن لم ينقص عن أقل الحيض ولم يتجاوز أكثره بأن لا ينقص الدم الأسود ونحوه عن يوم وليلة ولا يزيد عن خمسة عشر يوماً على الصحيح في المذهب، إذاً عملت بالتمييز الصالح إن كان لها تمييز، (فإن لم يكن لها تمييز) هذا نوع ثالث؛ إذاً مستحاضة معتادة عالمة بعادتها نردها إلى العادة ولو كان لها تمييز مستحاضة معتادة نسيت عادتها ولها تمييز صالح لأن يجعل حيضاً رددنها إلى التمييز؛ مستحاضة معتادة نسيت عادتها وليس لها تمييز هذه ثلاثة أنواع، (فإن لم يكن لها تمييز) يعني تمييز صالح ونسيت عدده ووقته العدد والوقت؛ هذه المستحاضة الناسية لها ثلاثة أحوال سيذكرها المصنف على التوالي؛ التي لها عادة ونسيت العادة ولا تمييز لها أو لها تمييز لكنه غير صالح؛ الحالة الأولى أن تنسى عدده وموضعه تنسى العدد يعني كم يوم؟ وموضعه هل هو في أول

الشهر أو في أوسطه أو في آخره نسيت الأمرين هذه يسمونها المتحيرة لأنها تحيرت في نفسها وحيرت الفقهاء أمرها مشكل؛ الثاني أن تنسى العدد دون الموضع ما تدري ستة سبعة عشرة ضيعت لكن تعرف أنه في أول الشهر أو تعلم أنه في أول العشر الوسطى أو تعلم أنه في أول النصف الثاني الخامس عشر تعلم الموضع ابتدأه لكن كم ما تدري هذه يسمونها ماذا؟ ناسية للعدد ذاكرة للموضع؛ الثالثة أن تنسى موضعه دون عدده تعلم أنها تحيض سبعة أيام لكن ضيعت ما تدري في أول الشهر أو في أوسطه أو في آخره؛ إذاً كم حالة العبرة هنا في العدد والموضع إما أن تنسى النوعين العدد والموضع أو تذكر أحدهما وتنسى الآخر، الحالة الأولى (فإن لم يكن لها تمييز) صالح ونسيت الوقت والعدد فالصحيح من المذهب كما قال المصنف هنا (فغالب الحيض) (فغالبَ) بالنصب يعني فتجلس غالب الحيض؛ كم؟ ستاً أو سبعاً؛ متى تجلسه؟ كم ذكرنا سابقاً إن علمت أوله يعني أول دم حاضت له رددناها إليه وإلا فمن أول كل شهر هلالي يعني وحدة من الشهر؛ تجلسه من أول مدة علم الحيض فيها وضاع موضعه وإلا فمن أول كل هلالي؛ إن علمت متى بدأها وطرقها الدم رددناها إليه وإن لم تعلم ونسيت كذلك -حينئذٍ- جعلناه من أول كل شهر، فأنا أفول لمن نسيت عادتها ولم يكن لها تمييز نسيت العدد والوقت إذا جاء أول يوم طرقك الحيض فجلس ستاً أو سبعاً باعتبار عادت نسائها يعني أقاربها فما كان هو الأكثر جلسته وإن نسيت أول موضع أول يوم حاضت فيه -حينئذٍ- نقول لها من أول يوم في الشهر فإذا جاء اليوم الأول وحدة في الشهر نقول لها أجلسي ستة أيام أو سبع ثم بعد ذلك عند نهاية الست أو السبع اغتسلي وصومي وصلي، (كالعالمة بموضعه الناسية لعدده) يعني ثَمَّ صورتان الحكم واحد إن نسيت الموضع العدد والوقت تجلس غالب الحيض إن علمت الموضع ونسيت العدد (كالعالمة بموضعه) يعني موضع الحيض (الناسية لعدده) نسيت العدد كم نردها إلى غالب الحيض إما ستاً أو سبعاً -حينئذٍ- ففي هاتين الصورتين الحكم واحد إن نسيت الموضع والعدد نقول هذه تجلس ستة أيام أو سبعاً إن نسيت العدد وتذكرت الموضع تجلس ستة أيام أو سبعاً ويختلفان في ماذا؟ في الموضع لأن الأولى نسيت موضعه والثانية عالمة بموضعه يعني تعلم أن عادتها تأتيها في أول يوم من العشر الأوسط يعني الحادي عشر لكن نسيت كم -حينئذٍ- نردها إلى غالب الحيض ستاً أو سبعاً؛ من أول الشهر؟ لا؛ من أول يوم تذكرته وهو اليوم الحادي عشر أو كان تقديرها بالعلم بموضعه في أول يوم من العشر الأخير من الشهر يعني اليوم الحادي والعشرين أو أول يوم من النصف الشهر الثاني -حينئذٍ- نردها إلى اليوم السادس عشر وهكذا، هنا علمت الموضع لكنها نسيت العدد والأولى نسيت الموضع والعدد يشتركان أن كل منهما تجلس غالب الحيض ستاً أو سبعاً ويختلفان في تحديد الموضع، (وإن علمت عدده ونسيت موضعه ولو في نصفه جلستها من أوله) هذه الحالة الثالثة من أحوال الناس؛ نسيت ماذا؟ الموضع وعلمت العدد تعلم أنها تحيض عشرة أيام لكنها نسيت الموضع -حينئذٍ- لها حالان: لها صورتان: إما أن تنسى مطلقاً لا تدري أول الشهر أو أوسطه أو آخره هذه رددناه لأول يوم علمته أو لأول كل شهر

هلالي أن تعلم أنه في النصف الأخير نقول لا ليس من أول الشهر وإنما في النصف الثاني على الرأي المصنف في الحالتين نردها إلى أول الشهر ولذلك قال (ولو في نصفه) يعني علمت أن عادتها ودورتها تأتيها في النصف الثاني من الشهر يعني في السادس عشر على القولين أو الصورتين المصنف يرى أنها تدر ترد إلى أول الشهر والصحيح التفريق بأنها من علمت أنها تحيض في النصف الثاني يجعل النصف الثاني هو أول الشهر لأنه أقرب وأما أول الشهر سواء كان أول يوم طرقها الدم أو أول كل شهر هلالي نقول هذا بعيد وردها إلى الأقرب أولى من ردها إلى البعيد فقوله (ولو في نصفه) نقول هذا محل نظر بل الصحيح أنها ترد إلى النصف فإذا تذكرت أو نسيت الموضع علمت العدد وقالت الموضع لعله في أول الشهر نصف الشهر -حينئذٍ- ترد إلى نصفه وأما وإذا لم يكن كذلك -حينئذٍ- حكمها كحكم سابقتها (وإن علمت) يعني المستحاضة (عدده) أي عدد أيام حيضها يعني علمت أنها تحيض خمسة أيام من الشهر مثلاً (ونسيت موضعه من الشهر) هل هو في أوله أو في أوسطه أو في آخره (ولو) هذه إشارة خلاف ولو كان موضعه من الشهر (في نصفه) قلنا الأصح أنها تجلس من أول النصف لأنه أقرب من أول الشهر قال (جلستها) أي جلست أيام عادتها (من أوله) أي أول الوقت الذي كان الحيض يأتيها فيه إن علمته وإن لم تعلم رددنها إلى أول كل شهر هلالي (كمن لا عادة لها ولا تمييز) (كمن) من هي التي لا عادة لها ولا تمييز؟ المبتدأة قلنا هذه ترد إلى ماذا؟ إلى أول الشهر لكن تجلس غالب الحيض وهنا تجلس العدد الذي علمته فالتشابه أو الحمل هنا على المبتدأة التي لا تمييز لها ولا عادة إنما المراد جزئية معينة وهي ردها إلى أول الشهر شهرها أو أول كل شهر هلالي وأما العدد الذي تجلسه هذه عالمة بعددها وتلك ليس لها عادة حتى ترد إليه (كمن) أي كمبتدأة (لا عادة لها ولا تمييز) فتجلس من أول ابتدائها من أول وقت ابتدائها على ما تقدم يعني ليس مطلقاً، إذاً الحاصل أن المستحاضة المعتادة كم حالة لها؟ إما أن تعلم المستحاضة المعتادة الضابطة لعادتها ترد إلى عادتها ولو كانت مميزة المستحاضة المعتادة العالمة بعادتها يعني بعدده وبوقته ولو كان لها تمييز ترد إلى العادة؛ النوع الثاني مستحاضة معتادة ناسية؛ ناسية لماذا؟ لها ثلاث صور: إما أن تنسى العدد والموضع وإما أن تنسى العدد لا الموضع وإما أن تنسى الموضع لا العدد؛ -حينئذٍ- إذا نسيت الموضع والعدد جلست غالب الحيض ستاً أو سبعاً؛ (كالعالمة بموضعه الناسية لعدده) الصورة الثانية علمت الموضع ونسيت العدد إذاً الناسية للعدد لها صورتان إما أن تنسى الموضع أو لا فتجلس غالب الحيض؛ الصورة الثالثة إن علمت العدد ونسيت الموضع -حينئذٍ- تجلس عادتها المعلومة سبعة أيام عشرة أيام خمسة عشر يوماً لكن تجلسه من أول شهرها إن علمته وإلا من أول كل شهر هلالي؛ ولو في نصفه؟ على المذهب نعم والصحيح أنها تجلس أول النصف، ثم قال المصنف بعض المسائل المتعلقة بما سبق إذا فهمت السابق اتضح باب الحيض (ومن زادت عادتها أو تقدمت أو تأخرت فما تكرر ثلاثاً حيض) هذا ما يسمى بالطوارئ على الحيض؛ المرأة إذا ثبتت عادتها سبعة أيام من كل شهر قد

يطرأ عليه بعض التغيرات إما أن تزيد وإما أن تنقص وإما أن تتغير يعني تكون في أول الشهر فتأتي في أوسطه أو تأتي في الأوسط وتأتي في آخره يتغير محلها على الصحيح متى ما زادت أو نقصت أو تأخرت أو تقدمت فما رأته من دم صالح بأن يكون حيضاً فهو حيض إذاً لا إشكال على القول الراجح لا إشكال تقدمت أو تأخرت زادت أو نقصت المذهب فيه تفصيل؛ إن زادت عادتها يعني عادتها سبعة أيام مستمرة على هذا جاءها شهر ثمانية أيام -حينئذٍ- اليوم الثامن هذا لا بد أن يتكرر ثلاثة أشهر من أجل أن نحكم عليه بأنه حيض أم لا؟ وقبل الثلاثة الأشهر فهو مشكوك فيه تصوم وتصلي إذاً تغتسل مرتين عند نهاية اليوم السابع تغتسل لأن هذه عادتها أصلاًَ واليوم الثامن تصلي وتصوم إذا انقطع اغتسلت مرة ثانية أوجبوا عليها غسلين والشهر الثاني والشهر الثالث الشهر الرابع إن ثبت استقرت عادتها ثمانية أيام يعني حصل عندها تغيير في العدد انتقلت عادتها من سبعة أيام إلى ثمانية أيام -حينئذٍ- ترجع وتقضي الصوم الذي صامته في ذلك اليوم الثامن في الشهر الأول والثاني والثالث وإن طافت لزمها إعادة الطواف إن كان واجباً وعلى الصحيح أنه لو كانت عادها سبعة أيام فزاد معها اليوم الثامن أو التاسع أو العاشر نقول الأيام هذه كلها تعتبر حيضاً تجلس ولا تغتسل عند نهاية السابع فإذا انقطع الدم -حينئذٍ- قال الله تعالى (حتى يطهرن) يعني بانقطاع الدم فجعل انقطاع الدم علامة على الطهر (حتى يطهرن فإذا تطهرن) -حينئذٍ- يأتي الاغتسال، كذلك إن نقصت يعني عادتها سبعة أيام ورأتها بعد ذلك خمسة أيام اليوم السادس والسابع الأصل أنه عادة -حينئذٍ- تترك الصلاة وتترك الصوم حتى يتكرر ثلاثة أشهر يعني تغتسل لنهاية الخامس فإن تكرر ثلاثة أشهر حكمنا على عادتها بأنها صارت خمسة أيام، إن تقدم أو تأخرت بأن جاءتها عادتها على ما هي عليه يعني من اليوم الأول إلى اليوم الخامس ثم في نهاية الشهر قبل عادتها المستقرة جاءها الدم بصفته -حينئذٍ- قالوا تجلس بشرط أن لا يكون أقل الطهر ثلاثة عشر يوماً تجلس وتترك الصلاة ثم تغتسل وتصلي ويتكرر ثلاثة أشهر ثم بعد ذلك نحكم على العادة بأنها تأخرت من أول الشهر إلى آخره والصحيح كما ذكرنا في المسائل كلها أن العبرة بخروج الدم فمتى ما رأته-فحينئذٍ-يكون حيضاً، (ومن زادت عادتها) مثل أن يكون حيضها خمسة من كل شهر فيصير ستة (أو تقدمت) مثل أن تكون عادتها من أول الشهر فتراه في آخره (أو تأخرت) فلا تلتفت إليه حتى يتكرر ثلاثاً في الصور الثلاث عكس التي قبلها (فما تكرر) من ذلك (ثلاثاً) فهو (حيض) ولا تلتفت إلى ما خرج عن العادة قبل تكرره؛ على كل هذا قول مرجوح والصحيح ما ذكرناه، (وما نقص عن العادة طهر وما عاد فيها جلسته) يعني من الأحكام المتعلقة بالعادة (ما نقص عن العادة طهر) يعني عادتها سبعة أيام نعم أنا ذكرت النقصان فيما سبق أخطأت من زادت أو تقدمت أو تأخرت النقصان ذكره في مسألة مستقلة (ما نقص عن عادتها) -حينئذٍ- انقطع الدم متى ما انقطع الدم تعلق به الغسل فوجب الغسل -حينئذٍ- نقول هذا الذي رأته من انقطاع الدم يعتبر طهراً (وما نقص عن العادة طهر) فإن كانت عادتها ستة فانقطع لخمس

اغتسلت عند الخامس وصامت وصلت لأنها تعتبر طاهرة (وما عاد فيها) أي في أيام عادتها كما لو كانت عشر فرأت الدم ستاً ثم انقطع يومين ثم عاد في التاسع والعاشر (جلسته) يعني إذا كان لها عادة محكمة عشرة أيام فجرا الدم معها خمسة أيام ثم انقطع يوماً وليلة أو انقطع يومين وجب عليها أن تغتسل عند نهاية الخامس وتصلي يومين وتصوم إن عاد قبل خروج أيامه نقول هذا الدم يعتبر ملحقاً بالدم الذي قبل الطهر فتجلسه قبل الطهر فتجلسه مرة أخرى هذا واضح بين ولا إشكال فيه (وما عاد فيها) أي في أيام عادتها ولم يجاوز خمسة عشر يوماً لأنه لو جاوز خمسة عشر يوماً عندهم يعتبر استحاضة كما لو كانت عشرة يعني عادتها عشرة أيام فرأت الدم ستاً ثم انقطع يومين ثم عاد في التاسع والعاشر جلسته فيهما لأنه صادف زمن العادة كما لو لم ينقطع، ثم قال رحمه الله تعالى (والصفرة والكدرة في زمن العادة حيض) فتجلسهما وهذا فيه فائدة في قوله في زمن العادة وهو أنه إذا لم تكن الصفرة والكدرة في زمن العادة فلا تجلسهما وهو كذلك (والصفرة) قالوا شيء كالصديد يعلوه صفرة يعني ماء أصفر كماء الجروح تعرفه النساء (والكدرة) كاللون الماء الوسخ الكدر ماء ممزوج بحمرة وليس على لون من ألوان الدماء فإذا رأتهما في زمن العادة فهو حيض تجلسهما يعني لو كانت لها محكمة ستة أيام وما جرا معها الدم وإنما جرا معها صفرة وكدرة ما الحكم؟ هي تقول ما رأيت الدم وإنما رأيت ماء أصفر نقول هذا حيض؛ لماذا؟ لأنه جاء في زمن الحيض فنحكم عليه بأنه حيض قد يلفق بينه وبين الحيض-بين الدم-فيأتيها دم يومين ثم ينقلب فيصير ماء أصفر ولازال في زمن العادة ثم يرجع الدم؛ هل نقول طهرت بين الدمين؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لأن الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض سواء خرج معها دم أو خرج قبلها أو بعدها أو لم يخرج دم فهي حيض مطلقاً يعني بدون تفصيل يعتبر حيضاً مطلقاً ولو لم تخرج إلا هي فنحكم عليها بأنها حيض وهذا مذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي وإسحاق وغيرهم، قال ابن رشد [لا خلاف أن الصفرة والكدرة حيض ما لم ترى ذلك عقيب طهرها] يعني إذا طهرت انقطع الدم ثم جاءها الماء الأصفر أو الماء الممزوج بالحمرة نقول هذا لا عبرة به لأن العبرة إنما هي بكونها تراه في زمن العادة فإن رأته قبل العادة ولم يتصل به دم فليس بدم حيض إذا انقطع الدم فاغتسل جف الموضع أو رأت القصة البيضاء ثم رجع إليه الصفرة والكدرة نقول هذا لا عبرة به إذاً فيه تفصيل ولذلك قال المصنف (والصفرة والكدرة في زمن العادة حيض) فتجلسهما لا بعد العادة ولو تكررتا لقول أم عطية (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيء) رواه أبو داود (كنا) يعني في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأقر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحكم فدل على أن الصفرة والكدرة تعتبر من الحيض لكن نستثني المبتدأة السابقة لأنها ليس لها حيض مجرد خروج الصفرة والكدرة لا نعتبره حيضاً؛ لماذا؟ لأنها ليست بحائض وإنما إذا استقر حيضها وكانت مميزة -حينئذٍ- ما تصل به فيحكم عليه بأنه حيض ولذلك مفهوم قولها أن الصفرة والكدرة قبل الطهر حيض وهو إجماع والطهر انقطاع الدم فالذي يأتي الحائض عقب انقطاع الحيض هو

الطهر الصحيح وما تراه الحائض من النشاف في أيام الحيض طهرٌ وإن لم ترى معه بياضاً فعليها أن تغتسل وتصلي، والطهر عند الفقهاء له علامتان؛ علامة مجمع عليها وهي القصة التي تسمى القصة البيضاء وهو أمر معلوم عند النساء قَصة بفتح القاف ماء أبيض يتبع الحيض يشبه ماء الجص النورة والجفوف وهي علامة مختلف فيها وهي علامة صحيحة على الصحيح أنها ثابتة وهي المراد بالجفوف أن تدخل الخرقة يعني في محل مخرج الدم فتخرجها جافة ليس عليها شيء من الدم ولا من الصفرة ولا من الكدرة وأما الرطوبات الأخرى فهذه قد تخرج لأن المرأة في الغالب أنها لا يجف الموضع عن الرطوبات، إذاً الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض فإن لم يكن في زمن العادة فلا عبرة بها، ثم قال المصنف-كلها أحكام هذه سهلة واضحة- (ومن رأت يوماً دماً ويوماً نقاء فالدم حيض) هذا ما يسمى بالتلفيق يعني يلفق لها عادة ترى يوم دم ويوم طهر اليوم الثالث ترى دم اليوم الرابع طهر وهكذا ننظر في الدماء أولاً ننظر إلى المجموع كله اليوم الذي يبتدأها الدم إلى آخر يوم انقطع انقطع معها الدم إن تجاوز خمسة عشر يوماً -حينئذٍ- هذه مستحاضة لها أحكام المستحاضة إن لم يتجاوز خمسة عشر يوماً بأن رأت سبعة أيام دم وسبعة أيام طهر مفرقة يوم ويوم وبالمجموع كله أربعة عشر يوماً سبعة وسبعة -حينئذٍ- نقول أيام الدم حيض وأيام الطهر طهر يعني ترى الدم فتغتسل وتصلي ثم تجلس يوماً كاملاً طاهرة ثم إذا رجعها الدم فهو حيض تترك الصلاة والصوم وتغتسل وتصلي ثم طهر يوماً كاملاً وهكذا فتجمع لها من هذه الأيام المتفرقة عادة فنقول عادتك كذا (ومن رأت يوماً) أو أقل أو أكثر (دماً ويوماً) أو أقل أو أكثر (نقاء فالدم حيض) وله أحكام الحيض من حيث إيجاب الصوم إن تعلق به لكن دون فعله والصلاة تسقط وغير ذلك من الأحكام السابقة وهذا ما يسمى بالعادة الملفقة حيث بلغ مجموعه أقل الحيض فأكثر، (والنقاء طهر) له أحكام الطهر تغتسل فيه وتصوم وتصلي ويكره وطؤها فيه والصحيح أنه لا يكره مادام أنها صلت حلت كما قال ابن عباس إذا صلت حلت يعني مادام أننا أوجبنا عليها الصلاة هي حلال لزوجها؛ أيهما أعظم؟ الصلاة؛ فإذا جاز لها أن تصلي -حينئذٍ- جاز لزوجها أن يطأها (ما لم يعبر أكثره) أي يجاوز مجموعهما الدم والطهر (أكثره) أي أكثر الحيض فيكون استحاضة يعني نجمع الأيام التي طهرت فيها والأيام التي جاءها فيها الدم إن كان المجموع كله الطهر والحيض لم يتجاوز خمسة عشر يوم فما كان دماً جلسته وما كان طهراً صلت فيه واغتسلت وإن جاوز أكثر الحيض رددناه إلى أحكام المستحاضة، ثم قال مبيناً أحكام المستحاضة (والمستحاضة ونحوها) ممن به سلس البول يعني ممن حدثه دائم ولذلك المسألة التي تذكر في السلس وغيره سلس الريح أو سلس المذي أو غيرهما إنما الأصل فيه هو ما جاء في المستحاضة يعني هو من باب القياس (والمستحاضة ونحوها) كيف تفعل؟ قال (تغسل فرجها وتعصبه وتتوضأ وقت كل صلاة وتصلي فروضاً ونوافل ولا توطأ إلا مع خوف العنت ويستحب غسلها لكل صلاة) أحكام واضحة وكلها صحيحة إلا واحدة (تغسل فرجها) يعني بالماء على الأصل لأن هذا الدم نجس سواء كان حيضاً أو غيره الأصل أنه نجس

لإزالة ما عليه من الخبث (وتعصبه) يعني تشده بعصابة ونحوها يعني بخرقة ويسمى تلجماً واستثفاراً يمنع الخارج حسب الإمكان يعني تجعل شيء إما قطناً في داخل الرحم أو ما يكون مما يحفظ الفرج من خروج شيء من الدم ونحوه وهذه ليس مسألة توقيفية وإنما تختلف من زمن إلى زمن ومن عصر إلى عصر (تغسل فرجها) بالماء (وتعصبه) يعني تشده بخرقة ويسمى تلجماً واستثفاراً عصباً يمنع الخارج حسب الإمكان ويكون ما تعصبه به شيئاً طاهراً كأن تجعل خرقة كالدبان تتلجم بها لقوله عليه الصلاة والسلام (أنعت لك الكرسف-يعني القطن-تحشين به المكان) يعني من أجل أن لا يخرج شيء من الدم (قالت: إنه أكثر من ذلك) يعني يدفع القطن القطن لا يكفي في كفه (قال تلجم) وقال لأسماء بنت عميس (اغتسلي واستثفري وأحرمي) استثفري يعني مثل التلجم تجعل خرقة تعصب بها أشبه ما يكون بالحزام يعني ويكون على الفرج تعصبه يعني تشده مثل الحزام هذا قديم والآن الناس تتطورت؛ فإن غلب الدم وقطر بعد ذلك لم تبطل طهارتها يعني إن كان الدم مستمراً معها أشهر وسنين -حينئذٍ- لو خرج شيء بعد عصابته لا يضر؛ هذا متى؟ إذا كان مستمراً وأما إذا لم يكن مستمراً فكل ما انقطع وجب التجديد ولذلك قال المصنف الشارح [ولا يلزم إعادتهما لكل صلاة ما لم يفرط فيه] يعني ما لم تتساهل [ولا يلزم إعادتهما] يعني الغسل غسل الفرج والعصب [لكل صلاة] وهذا متى؟ إذا كان مستمراً في الأشهر والسنين وأما إذا كان ينقطع -حينئذٍ- لا بد من استئنافه، إذاً تغسل الموضع تعصب (وتتوضأ لوقت كل صلاة) يعني لدخول وقت كل صلاة إن خرج شيء هي لا بد لأنها مستحاضة ولكن من باب التعليل فقط (وتصلي) ما شاءت مادام الوقت باقياً حتى الجمع بين الفريضتين سواء كانت ما تصليه (فروضاً أو نوافل) يعني مادام أننا حكمنا عليها بأنها طاهر -حينئذٍ- العبرة بخروج الدم فإذا توضأت وطهارتها طهارة ضرورة -حينئذٍ- صلت ما شاءت من الفروض والنوافل، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء على الصحيح من المذهب وإن اعتيدت انقطاعه زمناً يتسع للوضوء والصلاة تعين فعلهما فيه لأنه أمكن الإتيان بها كاملة وهذا يقال فيما يقال فيمن به سلس بول والحكم واحد يعني ينظر فيه إن كان هذا السلس له وقت انقطاع ووقت استمرار يعني يستمر معه في الساعة الأولى من وقت الصلاة -حينئذٍ- هذا لا يحل له أن يصلي في أول الوقت وإنما يتأخر حتى ينقطع فإذا انقطع -حينئذٍ- غسل الموضع وتوضأ وصلى إن كان مستمراً معه أربعاً وعشرين ساعة -حينئذٍ- يضع شيئاً على الموضع المخرج لأن لا يخرج البول ثم توضأ وصلي ما شاء إذا خرج الوقت ودخل الوقت الآخر نقول لا يلزمه إعادة الوضوء؛ لماذا؟ لأن الخارج هو عينه فلما لم يحدث انقطاع للوضوء الأول مع بقائه دل على أن الوضوء الثاني لا فائدة منه ألبته وإنما يبقى على ما هو عليه هذا متى؟ إن استمر به الخارج سواء كان استحاضة أو سلساً أو نحو ذلك واضح إذاً مسألة سلس البول هذا مما يسأل عنها الكثير وكذلك الشأن في الاستحاضة إن كان ينقطع -حينئذٍ- هذا الانقطاع إن بقي في آخر الوقت قدر والوضوء والصلاة تعين عليه التأخير ولا يجوز له أن يتوضأ ويصلي ولا تجب عليه الجماعة بل يصلي في بيته

وحده ولا إشكال فيه لأن الجماعة واجب لغيره والطهارة واجب للصلاة لذاتها فينتظر إلى آخر الوقت مثل يأذن العصر الثلاثة ونصف ينتظر إلى الثالثة فينقطع ثم بعد ذلك يتوضأ ويصلي ولو صلى وحده أما إن كان مستمر معه يدخل الوقت ويخرج والسلس معه -حينئذٍ- يتلجم ويتوضأ ويصلي إذا خرج وقت الظهر وجاء وقت العصر إن كان مستمراً لا يلزمه إعادة الوضوء ولا يلزمه أن يغسل الموضع بل يصلي على ما هو عليه لأن الوضوء السابق منسحب حكمه على الوقت اللاحق وهذا الشأن كذلك في المستحاضة إن كان يستمر معها الدم يوماً كاملاً ثم ينقطع نقول اليوم الذي استمر معها الحكم هكذا وأما إذا انقطع في الليل مثلاً فصلاة المغرب والعشاء لا بد من طهارة مستقلة، (ولا توطأ) يعني المستحاضة (إلا مع خوف العنت) يعني المشقة منه أو منها (ولا توطأ) يعني لا يأتيها زوجها لا تجامع إذا استمر معها شهراً أو سنة أو سنتين قالوا يمنع زوجها من اتيانها وهذا قول ليس عليه دليل مادام أنها صلت حلت كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه والصحيح أنه يجوز لزوجها الوطء وهو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية لقوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أن شئتم) (نساؤكم) عام يعني كل طاهرة جاء النص في الحيض (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) هذا ليس بحيض إذاً لا يحرم على الزوج أن يأتي زوجته المستحاضة (ولا توطأ) الصحيح أنه يجوز له وطؤها (إلا مع خوف العنت) يعني خشي الفجور أو المشقة أو الوقوع في الزنى والعنت أيضاً الوقوع في الأمر الشاق، ثم قال (ويستحب غسلها لكل صلاة) هذا المذهب أنه يستحب وذهب بعض الفقهاء إلى الوجوب وهو قول ضعيف (ويستحب غسلها) أي غسل المستحاضة (لكل صلاة) وليس بواجب وهو مذهب الأئمة الثلاثة أنه لا يجب الغسل عليها إلا عند إدبار الحيض وقيل يجب وهو قول ضعيف لأن النبي صلى الله عليه وسلم ماذا؟ لم يأمر أم حبيبة بأن تغتسل لأنه قالت له (استحيضت) يعني سألت النبي صلى الله عليه وسلم بأنها استحاضة فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل عند كل صلاة هذا من فهمها وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمرها عند إدبار الحيض يعني الغسل هذا للحيض فإذا أدبر الحيض سواء كان بالعدد أو التمييز على ما سبق وجب -حينئذٍ- الغسل وما بعد ذلك لا يجب بل يستحب (ويستحب غسلها لكل صلاة) يعني كل ما دخل وقت فرض اغتسلت وتوضأت وليس بواجب عند أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها أن تغتسل لك صلاة وإنما أمرها بالغسل مطلقاً فكانت هي تغتسل لك صلاة بل الواجب الوضوء لكل صلاة عند الجمهور لأمره صلى الله عليه وسلم المستحاضة الوضوء عند كل صلاة رواه البخاري والترمذي وغيرهما، ثم قال المصنف (وأكثر مدة النفاس أربعون يوماً) هذا النوع الثالث من أنواع الدماء سبق الحيض والاستحاضة وهذا دم النفاس دم النفاس بكسر النون هو دم ترخيه الرحم للولادة وبعدها يعني الدم الخارج بسبب الولادة ثم قد يخرج قبله بأمارة وقد يخرج معه مع الولد يعني وقد يخرج بعده فأحواله على المذهب ثلاثة؛ قد يخرج قبل الولد بيوم أو يومين لكن بشرط أن يكون معه الألم الذي يسمى بالطلق-وحينئذٍ-الدم

الخارج قبل خروج الولد بيوم أو يومين دم نفاس تترك له الصلاة والصوم ولا يحسب من الأربعين؛ ويخرج معه هذا واضح ويخرج بعده بعد خروج الولد واضح ومن خروج الولد يبدأ الحساب أربعون يوماً، (وأكثر مدة النفاس) النفاس دم ترخيه الرحم للولادة وبعدها وهو بقية الدم الذي احتبس في مدة الحمل لأجله وأصله لغة من التنفس وهو الخروج من الجوف أو من نفس الله كربته يعني فرجها المرأة تكون في كرب من الولد -حينئذٍ- نفس الله كربتها بذلك أكثر مدة النفاس أربعون يوماً هذا المذهب عندنا وعند الحنفية لحديث أم سلمة (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً) يعني أكثر ما تجلس له أربعون يوماً وقولها (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا دليل على إقراره عليه الصلاة والسلام لهذه الأربعين وعليه ثبت التحديد من جهة الشرع -حينئذٍ- يكون القول الصحيح فهذه المسألة أن الأربعين هي أكثر مدة تجلسها النفساء قيل ستين وقيل سبعون وقيل لا حد لأكثره والصحيح أنه مادام أن السنة ثبتت بذلك في التحديد -حينئذٍ- نقول هذا أكثر مدة وإن وجد أكثر من أربعين ففيه تفصيل إن وافق عادتها -حينئذٍ- تجلس ما اتصل بالنفاس على أنه حيض فتغتسل عند نهايتها وإن لم يوافق عادتها -حينئذٍ- صار دم استحاضة فتغتسل تمام الأربعين ثم تصلي وتصوم (أربعون يوماً) وأول مدته من الوضع يعني من ابتداء خروج بعض الولد فلو خرج جزء منه وهذا قديم يذكره الفقهاء خرج جزء منه وبقي الجزء أربع وعشرين ساعة ثم كمل خروجه في اليوم التالي؛ متى تبدأ؟ من أول جزء يعني من أول جزء خرج الولد اعتبر حسابه من الأربعين وما بعد ذلك نقول هذا التمام هو إكمال لخروجه والعبرة في التحديد بالأربعين معلقة بأول جزء ومادام أنه موجود فالحكم معلق عليه وما رأته قبل الولادة بيومين أو ثلاثة بأمارة يعني ألم ما يسمى بالطلق فنفاس وعند جمهور أهل العلم أنه لا عبرة به الدم الذي يخرج قبل النفاس قبل خروج الولد ولو جزء منه لا عبرة به عند أهل العلم عند الجماهير والظاهر أنه لو وجدت معه أمارة نفاس يعني الألم والطلق ونحو ذلك فهو نفاس لأن هذا خرج بسبب الولد فهو مقدمة له، ولا حد لأقله لأنه لم يثبت في الشرع تحديده فيرجع فيه إلى الوجود لأنه لم يرد تحديده في الشرع (ومتى طهرت قبله تطهرت وصلت) (طهرت قبله) يعني قبل انقضاء أكثر النفاس المرأة قد تضع الولد ولم يخرج معه شيء -حينئذٍ- هي طاهر قبل الولد ومعه وبعده واضح هذه طاهر ليس عليها غسل ولا تترك الصلاة ولا الصوم -حينئذٍ- وجب عليها الصوم فلو ولدت في نهار رمضان ولم تكن مريضة مثلاً ولدت في نهار رمضان ولم يخرج قطرة من الدم صومها صحيح؛ لماذا؟ لأن المفسد هو الحيض والنفاس ولم يوجد نفاس -حينئذٍ- إذا لم يخرج قطرة دم أو صفرة أو كدرة هنا معتبرة كذلك الحكم في الحيض والنفاس واحد في الصفرة والكدرة إذا لم يخرج شيء ألبته وخرج الولد جافاً -حينئذٍ- نقول هذه طاهرة ولا يفسد صومها ولا يجب عليها الغسل إن مشى أو جرا معها الدم يوماً ثم انقطع -حينئذٍ- نقول نفاسها يوماً واحد انقطع ليومين انقطع لعشرة أيام -حينئذٍ- نقول متى ما انقطع قبل الأربعين وجب عليها الغسل هذه

من المسائل التي ينبغي بثوها بين الناس لأن كثير من النساء ترى تخطأ في مثل هذه المسألة تظن أنه لا بد من إتمام الأربعين قد تطهر عشرين يجري معها الدم عشرين وينقطع الدم ثم تطهر يجف الموضع وتنتظر حتى تكمل الأربعين هذا خطأ لا يجوز هذا فيجب التنبيه وتنبيه الناس على ذلك -حينئذٍ- نقول لو انقطع الدم ولو ليومين أو ثلاثة وجب الغسل ووجبت الصلاة ونحوها، (ومتى طهرت قبله) يعني قبل انقضاء أكثره (تطهرت) يعني اغتسلت وصلت فروضاً ونوافل وصامت كسائر الطاهرات حكاه الترمذي إجماعاً، (ويكره وطؤها قبل الأربعين بعد التطهير) يعني إذا طهرت قبل الأربعين وجب عليها الغسل والصلاة لكن زوجها لا يأتيها؛ لماذا؟ قالوا لأنه يحتمل؛ يحتمل أنه ماذا؟ أن الدم يرجع ويحتمل أن هذا الانقطاع مؤقت فإذا كان كذلك لهذا الاحتمال قالوا إذاً لا توطأ والصحيح أنه متى صلت حلت كما قال ابن عباس إذا صلت حلت مادام أنه وجب عليها الغسل ووجبت عليها الصلاة -حينئذٍ- حلت لزوجها اتيانها (ويكره) أي للزوج (وطؤها) أي جماعها (قبل الأربعين بعد) انقطاع الدم (والتطهير) أي الاغتسال؛ قال الإمام أحمد [ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص أنه أتت قبل الأربعين-يعني طهرت زوجته وأتته قبل الأربعين-فقال لا تقربيني] يعني ابتعدي هذا شيء خاص به فلا يجعل حكماً شرعياً ثم هذا ضعيف يعني لم يثبت ثم لو ثبت -حينئذٍ- نقول نرجع إلى الأصول وإذا كان كذلك -حينئذٍ- لا عبرة بقول الصحابي أو فعله إذا خالف أصلاً شرعياً فمادام الله عزوجل (قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) (فإذا تطهرن) (حتى يطهرن) يعني ينقطع الدم (فإذا تطهرن) وهذا صادق على الحيض وصادق على النفاس -حينئذٍ- نقول الأصل هو جوازه وهذا هو الصحيح أنه لا يكره بل هو حلال، (فإن عاودها الدم) قبل نهاية الأربعين طهرت لليوم الخامس قلنا وجب عليها الغسل والصلاة إن عاودها في اليوم الخامس والثلاثين دم؛ ما حكم هذا الدم؟ الصحيح أنه دم نفاس مادام أنه في وقته فهو دم نفاس كالحيض إذا انقطع الدم في العادة الأيام فبل انقضائها قلنا إذا رجع فهو حيض كذلك النفاس إذا انقطع الدم واغتسلت ثم عاودها الدم رجع إليها ولو يوم واحد قبل تمام الأربعين فهو نفاس يعني وجب عليها أن تجلس ثم إذا انتهى أو انقطع الدم وجب عليها الغسل هنا أوجبنا عليها غسلين؛ صحيح أو لا؟ هل عليها اعتراض؟ لا ليس عليها اعتراض؛ لماذا؟ لأن كل منهما ثبت بنص (حتى يطهرن) انقطع الدم (فإذا تطهرن) إذاً الأول صدق عليه ثم لما عاود الدم (قل هو أذى) إذاً الحكم معلل بعلة فمتى ما رجع الدم -حينئذٍ- مادام أنه في زمنه فالأصل فيه أنه دم نفاس -حينئذٍ- يترتب عليه الحكم الشرعي وهو وجوب ترك الصلاة والصوم فإذا انقطع -حينئذٍ- أوجبنا عليها الغسل لا بآرائنا واجتهادنا وإنما هو من جهة النص المذهب لا يعتبرونه دم نفاس وإنما يقولون هذا مشكوك فيه هذه زيادة دم نوع رابع دمها مشكوك فيه يحتمل؛ يحتمل ماذا؟ أنه دم النفاس ويحتمل أنه دم استحاضة واليقين أن الصلاة واجبة وهذا الدم مشكوك فيه في إسقاط الصلاة إذاً لا يسقط الواجب بشك فتصلي يجب عليها أن تصلي ولذلك قال (فإن عاودها) يعني رجع

إليها الدم في الأربعين بعد الطهر والاغتسال (فمشكوك فيه) هل هو دم نفاس أو دم فساد؟ (تصوم وتصلي) وجوباً يجب عليها أن تصوم وتصلي مع خروج الدم أي تتعبد لأنها واجبة في ذمتها بيقين وسقوطها بهذا الدم مشكوك فيه ثم إذا انتهت الأربعين (تقضي الواجب) فيه أما الصلاة فلا تقضيها وأما الصوم فتقضيه (وتقضي الواجب) من صوم ونحوه احتياطاً ولوجوبه يقيناً ولا تقضي الصلاة كما تقدم، إذاً أوجوب عليها فعل الصوم مرتين وهذا قول ضعيف والصحيح أنه دم نفاس وليس مشكوكاً فيه لأن اليقين أنه دم نفاس لأنه في زمنه ومشكوك فيه نقول هذا طارئ واليقين أنه دم نفاس فيعتبر فتترتب عليها الأحكام الشرعية، ثم قال رحمه الله تعالى (وهو كالحيض) يعني النفاس (فيما يحل ويحرم) سبق أنه يحرم إتيان الفرج إذاً النفساء يحرم إتيان الفرج سبق أنه يحل له كل شيء ما عدا الفرج فيحل له من النفساء ما عدا الفرج (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) وفي رواية (إلا الجماع) إذاً كل شيء ما عدا الجماع سواء كان مع حائض أو نفساء فهو مباح (وهو كالحيض فيما يحل) الاستمتاع بما دون الفرج وله أن يستمتع منها كما يستمتع من الحائض (ويحرم) أي فيما يحرم به كالوطء في الفرج والصوم والصلاة يعني يحرم عليها فعل الصوم وفعل الصلاة والطلاق بغير سؤالها على عوض (ويجب) يعني فيما يجب به كالغسل الغسل يجب بالانقطاع الحيض يعني بخروج الحيض وانقطاعه شرط في صحته كذلك دم النفاس يوجب الغسل من موجبات الغسل وخروجه هو الموجب وانقطاعه شرط في صحته والكفارة بالوطء فيه قياساً على الحيض والصحيح أنه لا يقاس على القول به يعني لو قيل بأن دم النفاس أتى زوجته في القبل يعني جامعها؛ هل يترتب عليه ما يترتب على من أتى حائضاً؟ الجواب لا لأن ذاك في الحيض وهذا في النفاس (ويسقط) يعني به كوجوب الصلاة فلا تقضيها وسقط وجوب الصلاة بالنفاس كما سقط بالحيض (غير العدة) لأن العدة في الحيض بالأقراء والعدة هنا بوضع الحمل ففترقا في العدة (غير العدة) لأن العدة تنقضي بوضع الحمل (والبلوغ) يعني لا يعتبر البلوغ بالنفاس؛ لماذا؟ لأنها بلغت لو لم تحض بلغت بماذا؟ بخروج المني لأنه ما حصل حمل إلا بإنزال مني فدل على أنها بلغت قبل ذلك-فحينئذٍ-بالنفاس ليس كالحيض بمجرد خروج الحيض حكمنا عليها بأنها بلغت وأما بمجرد خروج الدم دم النفاس مع الولد نقول لا؛ هي بلغت قبل ذلك بتسعة أشهر إذاً تسعة أشهر وجبت عليها الصلاة فيثبت البلوغ بالحيض دون النفاس لحصول البلوغ بالإنزال السابق للحمل (وإن ولدت توأمين) ولدين في بطن واحد (فأول النفاس وآخره) يعني حسابه تحسب الأربعين (من أولهما) يعني أولهما خروجاً لأنه في السابق-ما أردي لآن موجود أو لا-إذا حملت اثنين توأمين قد تضع في اليوم الأول الأول وقد تبقى يوم أو يومين أو أسبوع وتضع الثاني إذاً تعارضا؛ نحسب بالأول أو نحسب بالثاني؟ العبرة بالأول ولذلك قال (فأول النفاس وآخره من أولهما) لأنه كالحمل الواحد فإذا كان بينهما أربعون فأكثر فلا نفاس للثاني يعني لو وضعت الأول وبقية نفساء أربعين يوماً والحادي والأربعين وضعت الثاني الثاني لا نفاس له؛ لماذا؟ لأن السبب الأول الذي ترتب عليه خروج الدم هو عينه

الثاني كما سبق معنا في المني لو خرج منه مني ثم اغتسل ثم خرج منه بقية المني -حينئذٍ- هل الثاني يوجب الغسل؟ الجواب لا؛ هذا مثله واضح هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1