الشرح المختصر للسلم المنورق

أحمد بن عمر الحازمي

1

عناصر الدرس مقدمة الشارح التعريف بالنظم، وشرحه. الكلام عن المنطق وتعلمه. المبادئ العشرة. فصل في جواز الاشتغال به. الخلاف في تعلم المنطق. القول الراجح، وشروطه. فصل في أنواع العلم الحادث، وشرح الترجمة. أنواع العلم باعتبار متعلقه، وتعريف كل منه. أنواع العلم باعتبار الطرق الموصلة إليه. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. نشرع في هذا اليوم بإذن الله تعالى الثاني والعشرين من شهر شعبان لعام تسع وعشرين وأربعمائة وألف في ((السُّلم المنورق في فن المنطق)) لعبد الرحمن الأخضري رحمه الله تعالى، وهذا المتن يعتبر للمبتدئين في هذا الفن، كما هو الشأن في سائر العلوم التي صنف فيها العلماء للمبتدئين والمتوسطين والمنتهين، وهذا النظم يعتبر فيما ذكر غير واحد نظمًا لايساغوجي، وهو نثر يوازي أو قريب من نظم أو نثر الآجرومية، لعله#00.55 لعبد الرحمن الأخضري في هذا النظم. اشتهر هذا النظم عند أهل العلم فَشُرِّحَ وَدُرِّس وَحُشِّيَ عليه، وكثرت شروحه وأوصى أهل العلم بدراسته وتدريسه ونحو ذلك. ومن أشهر شروحه ((إيضاح المبهم)) للدمنهوري، وهو شرح ميسر حل العبارة، وقد يستدرك أحيانًا على المصنف، لكن الغالب أنه لا يخرج عن النظم. والمصنف نفسه له شرح عليه وهو مطبوع في كتاب واحد مع ((إيضاح المبهم))، فهذان الشرحان يعتبران من الشروح التي يسرت هذا النظم، ومن كان يصعب عليه في الفن يعتكف على هذين الشرحين، وثَمَّ شرح موسع للبيجوري سماه ((الحاشية)) قد جمع كل ما يتعلق في هذا الفن على هذا النظم، وهو جامع لكل الشروح لكنه لا يصلح للمبتدئ بل كفيل في هذا الفن، وثم شرح آخر للملوي على ((الحاشية)) للصبان، كذلك الشأن فيها كالشأن ... #2.5 يستطيع أن يفهم فهمًا صحيحًا مباشرة من هذين الكتابين وهما: حاشية البيجوري، وشرح الملوي مع حاشيته. لعلها أنفس ما كتب على هذا المتن. وأما ((إيضاح المبهم)) شرح الأخضري فهما ميسران، وثم شرح ثالث للقويسني وهو شرح ممزوج يعني: الشارح شرح الدمنهوري، الدمنْهوري يأتي بالأبيات ثم يأتي ببعض الكلمات ويشرحها، ثم يأتي بالمعنى العام للبيت، ثَمَّ شرح بين القويسني شرحًا ممزوجًا، بمعنى أنه يأتي شرحه ضمن الأبيات، وهذا يستفيد منه طالب العلم وهو ميسر كذلك إلا أنه ليس موجود إنما #3.00 تفسيره ونحو ذلك. المتن هذا كما ذكرت يعتبر في فن المنطق، والمنطق كاسمه منطق كما سيعرفه بعض من قد كفانا #3.12 بيان حقيقة المنطق فائدته، وكذلك حكمه سيأتي في المقدمة، لكن ينبغي أن يعلم أن الأصل في هذا العلم أنه لو لم يدخل العلوم الشرعية لما احتجنا إليه، لولا أنه لم يترجم من الكتب اليونانية، ثم جعل في باب المعتقد وباب أصول الفقه، بل دخل حتى النحو والصرف والبلاغة لولا هذه الأمور لما احتجنا إلى دراسة هذا الفن من أصله، وَلَكُفِينَا بعلوم الشريعة يعني: ليست بعلم شرعي وليس بعلم موصول لعلم شرعي، لأن العلم علمان: علم المقاصد. وعلم الوسائل. علم المقاصد الكتاب والسنة. وعلم الوسائل علوم الآلة التي يستعان بها في فهم الكتاب والسنة.

هل المنطق من المقاصد؟ قطعًا لا، هل المنطق من الوسائل التي يفهم بها علم الشريعة؟ قطعًا لا، إذًا إذا لم يكن هذا أو ذاك فالأولى الاستغناء عنه، ولكن لما وجد في باب المعتقد قد اعتمده أهل البدع في الدفاع عن عقيدتهم كالأشاعرة وقبلهم المعتزلة ونحوهم، وكذلك بنى الأصوليون علم أصول الفقه وهو ما يسمى بمنهج المتكلمين على هذا الفن فما من كتاب في أصول الفقه إلا وتجد هذه المصطلحات هي مصطلحات كأصل مصطلحات غريبة دخيلة، لكن حينئذٍ لا بد أن يتعين على طالب العلم من أجل يحقق هذه العلوم وأن يعرف الحق منها من الباطل وأن يعرف مأخذ أهل البدع في باب المعتقد لا بد أن يكون له مشاركةً في هذا الفن فيأخذ شيئًا يسيرًا، وإن احتاج إلى زيادة فحينئذٍ هو الذي يسعى بنفسه إلى تتميم نفسه، إذًا الأصل فيه أنه يُستغنى عنه، ولكن لما وُجد حينئذٍ لا بد من دراسته #وإيصاله 5.09 من أجل أن نفهم معاقل أهل البدع ومن أجل أن نفهم المسائل التي بناها الأصوليون على هذا الفن، وأما مقولة الغزالي رحمه الله تعالى: من لا معرفة له بالمنطق لا يوصف بعلم. هذه مردودة، يعني: يرمى بها عرض الحائط ولا يلتفت إليها لأنه إذا كان الأمر كذلك فالصحابة بل النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتكلم بهذا العلم، كذلك الصحابة وكبار الأئمة والتابعين وتابعي حينئذٍ لم يتكلم بهذا العلم ولم يعرفوه، وإن كان بعضهم يعتبر من الأمور التي تكون مركوزة في النفس، يعني: الاختلاق من الجزء إلى الكل، ومعرفة الجزئيات قبل الكليات، بعضها موجودة في النفس ولا يمكن أن يتوصل شخص إلى معرفة الكليات إلا بعد معرفة الجزئيات، لكن هذه أمور مقصور عليها الناس حينئذٍ صارت بعض المنطق كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: هو موجود عند العقلاء الأذكياء الفطناء. وأما من لا معرفة له بعلم المنطق لا يوصف بعلم هذه بالمنطوق والمفهوم مردودة وغير ويرمى بها عرض الحائط. نشرع في النظم قد ذكر جملة مما يتعلق بالمبادئ العشرة في ضمنها ونأتي عليها إن شاء الله تعالى. قال الناظم رحمه الله تعالى: (بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا ... نَتَائِجَ الفِكْرِ لأَرْبَابِ الحِجَا وَحَطَّ عَنْهُمْ مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ ... كُلَّ حِجَابٍ مِنْ سَحَابِ الجَهْلِ حَتَّى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفَةْ ... رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا مُنْكَشِفَةْ

(بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ) هذا بدأ من الناظم كغيره من أهل العلم أرباب التصنيف والتأليف أنهم يبدؤون الكتب والمصنفات بالبسملة، وقد صار إجماعًا عمليًّا بين أهل العلم، كل من شرع في كتاب حينئذٍ يبدأ بالبسملة، ولكن هنا النظم مغاير للنفي، وأما المنثور هذا متفق عليه أنه يُستحب أن يأتي بالبسملة، وأما الشعر وهذا نوع منه حينئذٍ ثَمَّ خلاف لكن هذا الذي معنا المتون العلمية هذه مجمع على جواز الإتيان بالبسملة لابتداء المنظومات، وأما ما عداها فهو الذي وقع فيه خلاف، والصحيح أنه يقال: أنه يدور مع الأحكام الخمسة، إن كان الشعر محرمًا حرم الإتيان بالبسملة، إن كان الشعر مكروهًا كالغزل ونحوه كره حينئذٍ الإتيان بالبسملة، إن كان جائزًا فالجواز، وإن كان مستحبًا كما هو في متون المقاصد وعلوم الآلة # .... 08.01 علوم آلة، حينئذٍ نقول: هذا يعتبر من المستحب. ابتدأ هنا اقتداءً بالكتاب والسنة، وكذلك عملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». وفي رواية: «أقطع». وفي رواية: «أجزم». هذه الرواية اعتمدها كثير من أرباب التصنيف لأن الحديث هذا ضعيف بجميع طرقه، والأولى أن يقال: اقتداءً بالسنة الفعلية. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكتب إلى الملوك ونحوهم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم. بسم الله بدأ بالبسملة وهذه سنة فعلية لأنها كتابة، والكلام في البسملة شهير موجود في غير هذا الموضع. (الحَمْدُ لِلَّهِ) ثنى بالحمدلة بعد البسملة، وأيضًا يقال فيه ما قيل في السابق الأولى أن يحتج بأنه اقتداء بالكتاب حيث بدأ بالحمدلة بعض البسملة سورة الفاتحة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، كذلك الاقتداء بالسنة الفعلية من النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث إذا كان يخطب حينئذٍ يأتي بالحمدلة، وأما حديث: «كل أمر ذي بال لا يبدئ فيه بالحمد لله فهو أبتر». أو «أقطع». أو «أجزم». هذا كسابقه حديث ضعيف، (الحَمْدُ لِلَّهِ) أي: الحمد مختصًا أو ملكًا أو استحقاقًا لله. والحمد في اللغة هو: الثناء بالكلام على المحمود بجميل الصفات، وأما عرفًا يعني: في اصطلاح أرباب التصنيف. فهو: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعمًا على الحامد أو غيره. وأولى من هذه التعاريف أن يقال: الحمد هو ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ذكر محاسن المحمود سواء كانت هذه المحاسن صفات فعلية أو صفات ذاتية، مع حبه وإجلاله وتعظيمه لا بد أن يكون هذا الوصف مقارنًا للمحبة والتعظيم، فإن خلا عن المحبة والتعظيم حينئذٍ يكون بعد حل ... #10.15، والفرق بين المدح والحمد هو: وجود المحبة والتعظيم.

(الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا) (الَّذِي قَدْ) قد هنا للتحقيق و (أَخْرَجَا)، الألف هذه للإطلاق، وأخرج بمعنى أظهر وأوجد، (نَتَائِجَ الفِكْرِ)، هذا مفعول أخرج (نَتَائِجَ الفِكْرِ)، أي: النتائج التي تنشأ عن الفكر، حينئذٍ يكون بإضافة المسبب إلى السبب، فكر سبب والنتائج مسبب، حينئذٍ يكون من إضافة المسبب إلى السبب، (نَتَائِجَ) فَعَائِل جمع نتيجة. والنتيجة في اللغة هي: الثمرة والفائدة. وأما في الاصطلاح عند المناطقة كما سيأتي: القول اللازم من تتميم قولين لذاتهما، وهذا سيأتي في محله، وإنما أراد الناظم هنا أن يأتي ببراعة الاستهلال، وهي مقصودة عندهم وتعتبر من أنواع البيان والبديع أن يأتي في طالعة كلامه بما يشعر بالمقصود، هذا يريد أن يبين لك أنه أراد أن يكتب وينظم في فن المنطق، لأن الفكر والنتائج وما سيأتي ذكره إنما يبحث في فن المنطق، (نَتَائِجَ الفِكْرِ) الفكر بالكسر ويفتح فِكْر وَفَكْر والمشهور هو الكسر، والمراد به إعمال النظر في الشيء، هذا في اللغة، وفي المختار فَكَّر تأمل، ويطلق عندهم الفكر مرادفًا للنظر وسيأتي بحثه، ويطلق ويراد به حركة النفس في المعقولات حركة النفس النفْس المراد بها عند المناطقة القوة الفكرية القوة العاقلة القوة التي يحصل بها التفكير، ويطلق عليها النفس، حركة النفس يعني: انتقالها من المبادئ إلى المطالب. في المعقولات، يعني: لا في المحسوسات. يعني: حركة النفس في المحسوسات تسمى تخليلاً، وهذا يسمى فكرًا، إذًا (نَتَائِجَ الفِكْرِ)، الفكر المراد به هنا النظر (لأَرْبَابِ الحِجَا)، يعني: لأصحاب. أرباب جمع رَب فعل، والمراد به أصحاب، و (الحِجَا) المراد به العقل، كأنه قال: لأرباب العقول. لأن بحثه إنما يكون في المعقولات، كل بحث المناطقة إنما هو في المعقولات ثم هذه المعقولات يعبر عنها بالألفاظ وبذلك سيأتي باب الدلالات ونحوها، (أَخْرَجَا نَتَائِجَ الفِكْرِ لِأَرْبَابِ الحِجَا)، (لِأَرْبَابِ)، يعني: أصحاب، يعني: أرباب مضاف و (الحِجَا) مخصص مضاف إليه، وأل هنا قال الشارح: للكمال. يعني: للعهد العلمي، مراد المعهود الفرد الكامل، وهذا عند بعضهم يعظمون بدع المنطق ويجعلون أهله كأنهم هم العقلاء الذين بلغوا غاية العقل وأن غيرهم دونهم وهذا فيه نوع غلو. ..................... ... ................. لأَرْبَابِ الحِجَا وَحَطَّ عَنْهُمْ مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ ... كُلَّ حِجَابٍ مِنْ سَحَابِ الجَهْلِ

حط بمعنى أزال، وهذا معطوف على قوله: (أَخْرَجَا). (أَخْرَجَا) (وَحَطَّ) من عطف السبب على المسبب، لأن حط الحجاب سبب في إخراج النتائج، لأنه متى تظهر النتائج؟ إذا أزيل الحجاب عن العقل، وأما إذا كان العقل محجوبًا عن الفكر حينئذٍ لا يمكن أن تظهر النتائج، فيكون من عطف السبب على المسبب (وَحَطَّ عَنْهُمْ)، الضمير يعود إلى أرباب الحجا، (مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ) (مِنْ) بمعنى عن لأن حط أزال عن ولا يتعدى بمن (سَمَاءِ العَقْلِ)، هذا من إضافة المشبه به للمشبه، يعني: من العقل الذي هو كالسماء، شبه العقل بالسماء (مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ)، يعني: من العقل الذي هو كالسماء، وهذا فيه تشبيه للعقل بالسماء، لأن العقل يكون محلاً لطلوع الكواكب الحسية، والسماء تكون محلاً لطلوع الكواكب الحسية، الأمور التي هي محسوسة، والعقل يكون محلاً لطلوع الأفكار التي هي الأمور المعنوية، ففيه تشبيه بطلوع، (مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ)، يعني: من العقل الذي هو كالسماء. شبه العقل بالسماء لأنه محل لطلوع شموس المعارف المعنوية، كما أن السماء محل لظهور شموس الإشراق الحسية (كُلَّ حِجَابٍ)، (كُلَّ) بالنصب هذا مفعول حط يعني: أزال كل حجاب. والحجَاب المراد به المانع والحائل، حجبه يعني: منعه، ومنه باب الحجب عند الفرضين حده المنع (كُلَّ حِجَابٍ مِنْ)، هذه بيانية (سَحَابِ الجَهْلِ)، يعني: من الجهل الذي هو كالسحاب، فشبه الجهل بالسحاب، والمراد بالجهل هنا الجهل المركب، لأنه هو الذي يعتبر وجوديًّا، وأما الجهل البسيط هذا ليس بوجودي وإنما هو عدم، من الجهل الذي هو كالسحاب عندنا جهل وسحاب، إذًا شبه الجهل بالسحاب بجامع أن كلاً منهما يحجب ويمنع، الجهل يمنع ماذا؟ يمنع من إدراك الأمور المعنوية، الجهل يمنع من إدراك الأمور المعنوية، كما أن السحاب يمنع من إدراك الأمور الحسية، إذًا بجامع أن كلاً منهما يحجب عن الإدراك، جهل يحجب عن إدراك الأمور المعنوية، والسحاب يحجب ويمنع إدراك الأمور الحسية. حَتَّى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفَةْ ... رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا مُنْكَشِفَةْ

(حَتَّى)، هذه يأتي المصنف في شرحه تفريعية، يعني: يتفرع مما سبق ما بعده، وعند بعض أو أكثر الشراح جعلوها للانتهاء، يعني: إذا أتى حتى على بابها # .... [16.5، فالحرف حينئذٍ يكون تدريجيًّا بمعنى أنه يحصل شيئًا فشيئًا، (بَدَتْ)، يعني: ظهرت. (لَهُمْ)، لأرباب العقول (شُمُوسُ المَعْرِفَةْ)، يعني: المعرفة التي هي الشموس، والناظم هنا هو ناظم ((الجوهر المكنون)) يعتبر الأخضري من أئمة البلاغة، لذلك كلامه فيه التشبيه فيه جناس وفيه استعارات ونحو ذلك (شُمُوسُ المَعْرِفَةْ)، يعني: المعرفة التي كالشموس، بجامع أن كلاً منهما ينتفع به، وجه الشبه هنا الانتفاع ينتفع بكل منهما، (المَعْرِفَةْ) لا شك أنه ينتفع بها، والشمس كذلك ينتفع بها إلا أن الانتفاع بالشمس انتفاع حسي، والانتفاع بالمعرفة انتفاع معنوي، حتى ظهرت لهم شموس المعرفة معرفة يعني: المعرفة التي كالشموس في الانتفاع بها، (رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا مُنْكَشِفَةْ) (رَأَوْا) على حذف الفاء يعني: بدت فرأوا، فاء للتفريع (مُخَدَّرَاتِهَا)، جمع مخدرة وهي: المرأة المستترة. مخدرة (مُخَدَّرَاتِهَا) اسم مفعول والضمير هنا يعود إلى شموس المعرفة، يعني: رأوا مخدرات شموس المعرفة. والمراد به أو بالمخدرات المسائل الخفية، كما أن المرأة تستر في الخدر تختفي ورائه، كذلك بعض المسائل تختفي، وهذا واضح بين سواء كانت العلوم الشرعية أو في غيرها (مُخَدَّرَاتِهَا)، هنا جمع مخدرة وهي: المرأة المستترة تحت الخدر. والمراد بالضمير هنا يرجع إلى شموس المعرفة، أي: مخدرات شموس المعرفة. أي: مسائلها الخفية. وبعضهم عبر بمسائلها إفصاحًا، شُبِّهَتِ المسائل هنا بالعرائس المستترة تحت الخدر، إذًا حَتَّى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفَةْ ... رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا مُنْكَشِفَةْ أي: متضحة. ومقصوده من هذا البيت انتهاء زوال الحجاب عن عقولهم لظهور شمس المعارف التي كانت مستترة بخدرها # 19.25. ثم قال الناظم بعدما حمد الله تعالى وذكر شيئًا من براعة الاستهلال، والألفاظ التي يستخدمها المناطقة ببراعة الاستهلال، أعاد الحمد مرة أخرى ولكن بصيغة أخرى، حمد بجملة اسمية أولاً، ثم حمد بالجملة الفعلية.

(نَحْمَدُهُ)، أي: نثني عليه الثناء اللائقة بجلاله، وفرق بين الجملتين أن الجملة الاسمية تدل على الثبوت والدوام، والجملة الفعلية تدل على الحدوث والتذلل، ولما كان متعلق الحمد في الأول، وهذا معنى صحيح ثابت، يعني: لا بد أن نقول بالتغايب، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الحمد لله نحمده». إذا قلت بأن كلا الجملتين بمعنى واحد صارت الجملة الثانية حشوًا وتكرار، فلا بد من إظهار الفرق بين الجملتين فيقال: إن الحمد لله. علق الحمد بالله المتصف بصفاته، والذات باقية مستمرة فناسب أن يأتي بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار (نَحْمَدُهُ)، حينئذٍ علقه بالنعم، والنعم هذه لا تزال تجدد وتحصل تكون شيئًا بعد شيء، فناسب أن يأتي بجملة فعلية الدالة على الثبوت والتجدد، إذًا فرق بين النوعين (نَحْمَدُهُ)، إذًا أتى بالجملة الفعلية لمناسبة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الحمد لله نحمده». وللفرق بين الجملتين، وإن كان الأولى هنا أن يأتي بالهمز أحمده لأنه يتكلم عن نفسه، وإنما أتى بالنون الدالة على العظمة إظهارًا لتعظيم الله له بتأهله بالعلم محدثًا بنعمة الله تعالى. (جَلَّ)، أي: عظم. والجملة هنا حالية على حذف قد، يعني: قد جل. أو اعترافيه، (عَلَى الإِنْعَامِ) متعلق بقوله: (نَحْمَدُهُ). نحمده على ماذا؟ على الإنعام، وعلى هنا تعليلية، كما في قوله: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]. يعني: لأجل هدايته إياكم، هنا نحمده جل وعلا لأجل إنعامه، فعلق الحمد بالإنعام، والإنعام مصدر أَنْعَمَ يُنْعِمُ وهو: إعطاء النعمة. حينئذٍ الإنعام متجدد يكون شيئًا بعد شيء، وكذلك الحمد ناسب أن يكون متجددًا، (عَلَى الإِنْعَامِ) (الإِنْعَامِ) مصدر أَنْعَمَ يُنْعِمُ إِنْعَامًا المراد به إعطاء النعم، لذلك جاء في المصدر ولم يأتي في ثمرة المصدر، ثمرة المصدر ما هو؟ النعمة، لم يذكر النعمة لئلا يقيد الحمد بنعمة دون أخرى إذا كانت النعم لا تعد ولا تحصى ما لفظ الذي يعبر عن هذه النعم؟ هذا لا يمكن فأتى بالمصدر للدلالة على أن الله تعالى هو المنعم فحينئذٍ يترتب عليه نعم لا تحصى ولا تعد.

(بِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ وَالإِسْلاَمِ) (بِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ) الإضافة هنا بيانية يعني: بنعمة هي الإسلام. الإضافة البيانية أن يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف، يعني: تفك اللفظ وتجعل المضاف مبتدأ، والمضاف إليه خبر بنعمة هي: الإسلام. (بِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ وَالإِسْلاَمِ) قال: (بِنِعْمَةِ). ومقتضى الظاهر أن يقول: بنعمتي الإيمان والإسلام. لكن هذا يعبر عنه بأنه حدث من الثاني لدلالة الأول عليه، والأصل بنعمة الإيمان ونعمة الإسلام فليس معطوف، قوله: الإسلام. ليس معطوف على الإيمان لو كان معطوفًا عليه لاقتضى المقام أن يقول: بنعمتي الإسلام والإيمان. والإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا فيفسر الإسلام بالإعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة، لكن هذا ينبغي أن يقيد بالأعمال الظاهرة وبما لا تصح الأعمال الظاهرة إلا به، يعني: ليس على إطلاقه هكذا كما قد يظن البعض إذا اجتمعا افترقا طيب إذا اجتمعا ماذا يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة مطلقًا مجرد عن الأعمال الباطنة؟ لا وإلا لصدق على المنافق أنه داخل في هذا التركيب، وإنما نقول: يطلق الإسلام على الأعمال الظاهرة، ثم هذه الأعمال الظاهرة من شرط صحتها ضعف أعمال الباطن كـ: الإخلاص، أو الرجاء. ونحو ذلك فلا بد من جزء وقدر من الإيمان يصحح الأعمال الظاهرة، والعكس بالعكس الإيمان يطلق ويراد به الأعمال الباطنة مطلقًا دون الظاهر؟ لا، لا بد من وجود هذا الباطن المستلزم للظاهر، لأن الباطن الذي هو التفريق والانقياد [لا يعتبر وحده إلا إذ كان] (¬1) لا يعتبر صحيحًا إلا إذا كان مستلزمًا للظاهر وإلا هو فاسد، ولذلك التلازم بين الباطن والظاهر عند أهل السنة والجماعة أن الظاهر قيد شرط صحة أو ركن في صحة الباطن، حينئذٍ لا بد من أن يقيد الباطن بأنه باطن وبما لا يصح إلا به، وهو ما يعبر عند أهل السنة والجماعة به في العمل، ولذلك جعلوه ركنًا في صحة الإيمان، الإِيمان اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان، ما مناسبة هذه الثلاث؟ نقول: هذه كلها أركان، إذا التقى واحد منها بالكلية حينئذٍ نقول: ذهب وزال الإيمان. ...................... ... بِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ وَالإِسْلاَمِ مَنْ خَصَّنَا بِخَيْرِ مَنْ قَدْ أُرْسِلاَ ... وَخَيْرِ مَنْ حَازَ المَقَامَاتِ العُلاَ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ كُلِّ مُقْتَفَى ... العَرَبِيِّ الهَاشِمِيِّ المُصْطَفَى ¬

_ (¬1) سبق.

(مَنْ خَصَّنَا)، (مَنْ) هذا بدل من الضمير في قوله: (نَحْمَدُهُ). الضمير هنا يعود إلى الله عز وجل، (مَنْ خَصَّنَا)، يعني: الذي خصنا. فهو بدل من الضمير المنصوب هنا محلاً في (نَحْمَدُهُ)، (مَنْ خَصَّنَا) نَا هنا يعود إلى المسلمين، يعني: أمة الإجابة. ويحتمل أنه عام، يعني: يشمل أمة الإجابة، وأمة الدعوة. (مَنْ خَصَّنَا)، يعني: الذي خصنا وميزنا معاشر المسلمين. (بِخَيْرِ مَنْ قَدْ أُرْسِلاَ) (بِخَيْرِ)، يعني: بمتابعة خير. خَير هذا أفعل تفضيل بمعنى أفضل (مَنْ قَدْ أُرْسِلاَ) (أُرْسِلاَ) الألف هذه للإطلاق، وقد للتحقيق، ومن هنا اسم موصول بمعنى الذي، يصدق على ماذا؟ بعضهم فسره برسول لكن هذا يلزم ماذا؟ رسول قد أرسلا، وهذا فيه من حيث المعنى فاسد، وإنما نقول: (بِخَيْرِ مَنْ). يعني: إنسان قد أرسلا، والأحسن أن يقال: بمن (بِخَيْرِ مَنْ)، يعني: بنبي قد أرسلا. (وَخَيْرِ مَنْ حَازَ)، يعني: وأفضل. (مَنْ حَازَ المَقَامَاتِ العُلاَ)، (مَنْ) يعني: إنسان، أو نبي، أو رسول. (حَازَ) بمعنى جمع (المَقَامَاتِ)، أي: المراتب. و (العُلاَ) أي: الرفيعة. جمع عُلْيَا ضد السفلى عُلْيَا بالمد والضم والقصر عُلْيَا فُعْلان والعلا جمعه. مَنْ خَصَّنَا بِخَيْرِ مَنْ قَدْ أُرْسِلاَ ... وَخَيْرِ مَنْ حَازَ ............... أي: جمع. (المَقَامَاتِ)، المراتب العلا. (مُحَمَّدٍ)، هذا بدل من قوله: خير. (بِخَيْرِ) من هو خير من قد أرسلا؟ قال: (مُحَمَّدٍ). فيجوز أن يكون ماذا؟ خبر مبتدأ محذوف هو محمد (سَيِّدِ)، هذا عطف بيان أو بدل وهو مضاف، و (كُلِّ) مضاف إليه، والسيد يطلق على الرئيس، والشريف، والكريم، ومتولي السواد أي: الجيوش العظيمة الكثيرة. (كُلِّ مُقْتَفَى)، أي: متبع. والمتبع هم: الرسل. فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيد المتبوعين فهو سيد التابعين من باب أولى وأحرى، لأن كل رسول له تابعون فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - سيد الأنبياء والمرسلين، فهو سيد من تبع الأنبياء والمرسلين، (سَيِّدِ كُلِّ مُقْتَفَى العَرَبِيِّ)، يعني: منسوب للعرب، وهم: بنو إسماعيل. (الهَاشِمِيِّ)، أي: منسوب إلى هاشم. وهو: جد النبي - صلى الله عليه وسلم - الثاني. (العَرَبِيِّ)، هذا عام يشمل هاشمي وغيره، و (الهَاشِمِيِّ) هذا خاص، (المُصْطَفَى)، أي: المختار. مأخوذ من الصفوة والصفوة من كل شيء خالصه، إذًا (المُصْطَفَى) يعني: من سائر المخلوقات، وهذا فيه إشارة إلى الحديث المشهور: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم فأنا خيار، من خيارٍ، من خيار». صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ مَادَامَ الحِجَا ... يَخُوضُ مِنْ بَحْرِ المَعَانِي لُجَجَا

يعني: ثنى بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أثنى على خالقه جل وعلا، (صَلَّى)، هذه جملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى، (صَلَّى عَلَيْهِ)، يعني: أثنى عليه. الصلاة كما قال أبو العالية: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. هذا هو المرجح، (صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ)، يعني: أثنى عليه. على محمد سيد كل مقتفى الله، (مَادَامَ الحِجَا يَخُوضُ)، هنا صلى ولم يسلم لم يأتي بالسلام - صلى الله عليه وسلم -، هذا بناءً على الصحيح أنه لا يكره إفراد الصلاة عن السلام ولا السلام عن الصلاة، بل قال كثير من الفقهاء بالكراهة، يعني: يكره أن يأتي بالصلاة دون السلام، أو بالسلام دون الصلاة، والصحيح أنه لا كراهة، وذهب ابن حجر رحمه الله تعالى أن الكراهة مخصوصة بمن كان من عادته، أما الذي يأتي أحيانًا بالصلاة دون السلام أو بالعكس وفي الغالب أنه يجمع بينهما فلا كراهة، والصحيح أنه يقال مطلقًا لا كراهة لعجز الدليل، لأن الكراهة حكم شرعي، أين النهي؟ لم يرد النهي، الجمع بالآية {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} [الأحزاب: 56]، نقول: هنا دلالة الاقتران لا تدل على أنه لا بد من اجتماعهما. فلا شك أن الأكمل أن يجمع بينهما امتثالاً الآية، وليس الكلام في الأكمل والأفضل، إنما الكلام هل يكره الإفراد أو لا؟ والصحيح أنه لا يكره، (مَا دَامَ الحِجَا) (مَا) هذه مصدرية ظرفية، يعني: مدة دوام الحجا، يعني: العقل. (يَخُوضُ)، يعني: يقطع. (مِنْ بَحْرِ المَعَانِي لُجَجَا) (مِنْ) هنا للتبعيض (بَحْرِ المَعَانِي لُجَجَا)، يعني: من المعاني التي هي كالبحر في الكثرة والاتساع، يعني: وجه الشبه الكثرة والاتساع، لا شك أن البحر واسع متسع، والمعاني مسائل لا شك أنها كذلك متسعة، (مِنْ بَحْرِ المَعَانِي لُجَجَا)، (لُجَجَا) جمع لجة من ذلك قد جاء قوله تعالى: {فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} [النور: 40]. فلججا هذا جمع لجة وهو: الماء العظيم المطرد. يخوض لججًا من بحر المعاني، لججًا هذا مفعول لقوله: يخوض. يعني: يقطع لججًا، والمراد بها هنا المسائل الصعبة (مِنْ بَحْرِ المَعَانِي)، يعني: من المعاني التي هي كالبحر.

(وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي الهُدَى) (وَآلِهِ)، آل هذا اسم جمع لا واحد له من لفظه (وَآلِهِ)، المراد به هنا أتباعه على دينه، في هذا المقام الأولى أن يفسر بالآل (وَآلِهِ)، أي: أتباعه على دينه، وهو معطوف على قوله: (صَلَّى عَلَيْهِ). (وَآلِهِ)، يعني: عطف على الضمير، وهذا عند أكثر النحاة المنع لا بد أن يأتي بحرف جر، يعني: وعلى آله. لا بد أن يصرح بالحرف، والصحيح أنه لا يشترط ذلك (وَآلِهِ)، أي: أتباعه على دينه. (وَصَحْبِهِ)، اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي، وهو من اجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا به ومات على ذلك، (وَصَحْبِهِ) هذا من عطف الخاص على العام إذا فسرنا الآل بأنه أتباعه على دينه، والنص وردت الصلاة على الآل ولم يرد الصلاة على الصحب «قولوا: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد». إذًا جاء بالآل، وأما الصحب فهذا لم يرد، ولكن ألحقوا بالآل، (وَصَحْبِهِ ذَوِي) هذا نعت صفة للصحب (ذَوِي)، جمع ذو وهو جمع شاذ، لأنه لم يجمع ذو جمع مذكر سالم، (ذَوِي) هذا صفة للصحب فقط وهو مضاف والهدى مضاف إليه، (ذَوِي) بمعنى أصحاب (ذَوِي الهُدَى)، يعني: أصحاب الهدى الاهتداء، والمراد به الهداية للخلق وهي: الدلالة على طريق يوصل إلى المقصود، سواء حصلت الثمرة أم لا، يعني: ليس العبرة بهداية وإهداء الناس حصول الثمرة إنما المراد الطريق بيان الطريق الموصل إلى الاهتداء (مَنْ شُبِّهُوا)، يعني: الذين، وهذا نعت ثاني للصحب، ليس المراد به الآل وقوله: (ذَوِي الهُدَى مَنْ شُبِّهُوا). هذا مختص بالصحب يعني: الذين شبهوا هنا مغير الصيغة حذف الفاعل للتعظيم، يعني: الذي شبههم هو الله عز وجل أو النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك في مثل هذه المواضع لا نقول أنه مبني للمجهول (شُبِّهُوا) {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]، خلقه الله عز وجل هل نقول: خلق فعل ماضي مبني للمجهول؟ هذا غلط وإن شاع عند بعض المعربين، وإنما نقول: فعل ماضي مغير الصيغة لأجل التأدب مع الرب جل وعلا، (مَنْ شُبِّهُوا) قلنا: حذف الفاعل هنا للتعظيم، وهو فعل ماضي مغير الصيغة، (بِأَنْجُمٍ) جمع نجم وهو: الكوكب. غير الشمس والقمر (في الاهْتِدَا)، يعني: بجامع الابتداء. هذا بيان للجامع بين المشبه والمشبه به في الاهتداء بهم، حابك النجوم «بأيهم اقتديتم اهتديتم». هكذا ذكره الناظم هنا بناءً على هذا الحديث، هذا الحديث ضعيف جدًا حكم بوضعه. وَبَعْدُ فَالمَنْطِقُ لِلْجَنَانِ ... نِسْبَتُهُ كَالنَّحْوِ لِلِّسَانِ

أراد أن يذكر حد المنطق أو فائدة المنطق (وَبَعْدُ)، يعني: بعد ما ذكر من البسملة والحمدلة والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والآل والصحب، (فَالمَنْطِقُ) (وَبَعْدُ)، هذا ظرف مبهم لا يفهم معناه إلا بإضافة لغيره، ولذلك يعبر عنه عند أرباب التصنيف لأنه يؤتى به للانتقال من أسلوب إلى أسلوب الآخر، والمراد بالأسلوب هنا ليس المراد به أسلوب التمني والاستفهام لا، المراد أسلوب المقدمة إلى نوع آخر من المقدمة، أو من أسلوب الحمد والثناء ونحو ذلك إلى الشروع في المقصور من أسلوب إلى أسلوب آخر (وَبَعْدُ)، وهي السنة لكن بلفظها أما بعد وأما بعد هذه فيها تجوز (فَالمَنْطِقُ)، يعني: العلم المخصوص المنطق في أصله مصدر ميمي مَفْعِل يطلق بالاشتراك على ثلاثة أمور: الأول: الإدراكات الكلية، يعني: الكثيرة. الإدراكات الكلية. الثاني: القوة العاقلة التي هي محل صدور تلك الإدراكات. الثالث: النطق الذي هو التلفظ. وكلها مراده هنا، الإدراكات الكثيرة، القوة العاقلة التي هي محل صدور تلك الإدراكات، ثالثًا: النطق الذي هو: التلفظ. وهذا الفن يكثر فيه الإدراك وبه تتقوى القوى العاقلة، وبه تكون القدرة على النطق فلما كان له ارتباط في كل من هذه المعاني الثلاث سمي بذلك، إذًا لماذا سمي علم المنطق منطقًا؟ نقول: لأنه في اللغة يطلق على هذه المعاني الثلاث، ولما كانت هذه مترابطة وموجودة في هذا الفن حينئذٍ سمي منطقًا لأن بحثهم في العلم كما سيأتي تصورات وتصديقات والتصور والتصديق قسمان للعلم وما هو العلم؟ هو: إدراك. إذًا بحثهم أصله في ماذا؟ في الإدراكات كلية وهي كثيرة، ثم هذه الإدراكات لاستعمالها تقوي النفس العاقلة ثم لا بد من التعبير، إذا توصل إلى نتيجة نَتيجة بحث فكري عقلي نظري حينئذٍ لا بد أن يعرف كيف يدخله إلى غيره؟ لا بد أن يتلفظ، إذًا هذه كلها ثلاث بسببها سمي المنطق منطقًا. والمنطق في الاصطلاح عندهم: آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الذكر، آلة قانونية، آلة هي: الواسطة بين الفاعل والمنفعل به. قالوا: كالمنشار. المنشار بالنسبة للنجار آلة هو: فاعل. والمنفعل هو: قطع الخشب. والآلة وسيلة بين الفاعل والمنفعل، ما هو الفاعل؟ النجار، والمنفعل؟ هو: قطع الخشب. حينئذٍ صار المنشار وسيلة بين الفاعل والمنفعل، إذًا المنطق وسيلة بين الفاعل الذي هو مريد الإدراك، وبين المنفعل الذي هو الوصول إلى التصورات والتصديقات، كما سيأتي، إذًا العلم هذا آلة لكنه ليس آلة موصلة لعلوم الشريعة كما ذكرناه سابقًا، فلا تتداخل الألفاظ.

قانونية نسبةً إلى القانون، والمراد به ما يرادف الأصل والضابط والقاعدة، فهي قضية كلية يتوصل بالنظر فيها إلى معرفة أحكام جزئيات موضوعها، أو يتعرف بها أحكام جزئيات موضوعها، القاعدة التي يتعرف في أصول الفقه القواعد الفقهية، وقانونية المراد بها أن المنطق كالنحو، كما نقول: النحو الفاعل مرفوع هذه قاعدة يُتوصل بالنظر فيها إلى الوصول إلى إدراك الجزئيات المندرجة تحت الموضوع فزيد من قولك: جَاءَ زَيْدٌ. فاعل، لماذا؟ لأن الفاعل مرفوع، والمفعول به منصوب، وهكذا كما تقول: [مقتضى الأمر يقتضي] (¬1) مطلق الأمر يقتضي الوجوب. فهي قاعدة عامة، كذلك عندهم هنا قواعد منطقية لا بد من مراعاتها من أجل ماذا؟ من أجل الوصول إلى الفكر الصحيح، لأن الفكر الذي هو حالة حركة النفس في المعقولات قد يكون خطئًا وقد يكون صوابًا، فالذكر قد يكون صوابًا وقد يكون خطئًا، ما الذي يميز هذا عن ذاك؟ لا بد من قواعد، ولا بد من ضوابط، ولا بد من أصول يُرجع إليها، هي التي تبحث في هذا الفن. آلة قانونية تعصم، يعني: تحفظ. مراعاتها. يعني: ملاحظاتها. الذهن عن الخطأ في الفكر، وهذا قالوا: رأي ليس بحل، وعرفه العطار في حاشيته على ايساغوجي، هو: علم يعرف به الفكر الصحيح من الفاسد، إذًا لو قيل: ما هو أو ما هي حقيقة علم المنطق؟ نقول: قواعد وأصول يتوصل بها إلى معرفة الفكر الصحيح من الفكر الفاسد. لأن الفكر هو: حركة النفس بالمعقولات ترتيب أمور معلومة يتوصل بها إلى مجهولات، ليس كل من ركب معلومات وصل حتى في حياة الناس العادية ليس كل من رتب شيء ووصل إلى نتيجة يكون مصيبًا، قد يكون مصيبًا وقد يكون مخطئًا، هنا القواعد هذه مراعاتها والنظر فيها وحفظها ومعرفة جزئياتها يتوصل بها إلى معرفة هذه المجهولات على وجهٍ صحيح. وموضوعه: الحدود والبراهين وما يتركب منه. يعني: كل من الحدود والبراهين. واستمداده: من العقل، وإذا قيل: من العقل. يعني: العقل البشري. والعقل البشري ليس معصومًا، فحينئذٍ لذلك أرباب البدع لما استمدوا شرعهم وعقيدتهم من العقل اضطربوا، فكل من جعل العقل مصدرًا للتشريع حينئذٍ لا بد من الاضطراب لأن الفوارق بين العقول هذا أمر قطعي، العقول ليست متحدة ليست متماثلة، فإذا أرجعنا مثل هذه المسائل للعقل أي عقل؟ عقل من؟ عقل الرازي [أم] عقل الجويني [أم] عقل أرسطو، [أم] عقل مَنْ؟ وهذه كلها مختلفة، فإذا كان هذا العلم مبناه على مثل هذه الأمور حينئذٍ لا بد من الشرعية في داخله. ¬

_ (¬1) سبق.

قالوا: فضله عام النفع. هكذا قالوا، لكن هذا فيه نظر عام النفع يعني: نفعه عام. نحيط بأنه في فهم الشريعة كما ذكرنا سابقًا هذا باطل لا يمكن أن يجعل فهم الشريعة مرتبطًا بعلم المنطق لأنه علم دخيل ليس من علوم أهل الإسلام، حينئذٍ ربط الشريعة به نقول: هذا باطل، وإن كان المراد به أنه ينتفع به في تصحيح بعض المعلومات عند الشخص لأن فيه شيء من ما هو حق، قد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رده على المنطقيين أن كثير من المسائل التي هي صحيحة عند المناطقة مرفوضة بالفطر، وعليه إذا عرف بعض تلك المصطلحات حين ذلك لا حرج في ذلك، وكذلك يستفيد منهم في فهم ما يذكره الشراح في العلوم المختلفة، إذًا فضله عام النفع ويقيد بما ذكرناه، مسائله ما سيأتي بحثه في هذه المنظومة. (فَالمَنْطِقُ لِلْجَنَانِ)، يعني: للقلب. والمراد به القوة الفكرية. (نِسْبَتُهُ)، يعني: فائدته. أراد أن يبين فائدة المنطق، فالمنطق نسبته للجنان للْجنان متعلق بقوله: نسبته. يعني: فائدته. والضمير في نسبته يعود إلى المنطق، (كَالنَّحْوِ لِلِّسَانِ)، يعني: كنسبة النحو للسان، النحو ما فائدته؟ يعصم اللسان عن الوقوع في الخطأ، إذا يتعلم النحو ولو تكلم الإنسان هكذا دون علم في علم النحو هل كل كلامه يقع صوابًا؟ لا، إذًا منه ما هو صواب ومنه ما هو خطأ، متى يكون صوابًا؟ إذا أجرى قواعد وأصول النحاة على كلامه، شبه علم المنطق بعلم النحو، الفكر قد يكون صوابًا وقد يكون خطئًا متى يكون صوابًا؟ إذا أجريت هذا الفن على قواعد وأصول المناطقة (كَالنَّحْوِ)، يعني: كنسبة النحو (لِلِّسَانِ). (فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا) (فَيَعْصِمُ) الفاء هذه للتفريع مفرع على التشبيه المذكور لأنه شبه المنطق بالنحو (فَيَعْصِمُ)، أي: يحفظ. (الأَفْكَارَ) جمع فكر، والمراد به الأنظار كما سبق (عَنْ غَيِّ الخَطَا)، يعني: عن وقوع غي، والغي الضلال ضد الهدى لكنه عام سواء كان عن عمد أو عن سهو، والخطأ ضد الصواب وهو يكون عن سهو، حينئذٍ يكون من إضافة العام إلى الخاص (عَنْ غَيِّ الخَطَا) غي مضاف والخطأ مضاف إليه، والغي هذا سواء كان عن عمد أو عن سهو، والخطأ لا يكون إلا عن سهو، إذًا يعصم الأفكار عن الوقوع في الخطأ والضلال، (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا) هذه الفائدة الثانية عن (دَقِيقِ الفَهْمِ) الفهم هنا مصدر بمعنى اسم المفعول أي: المفهوم. وهو من إضافة ماذا؟ الصفة إلى الموصوف، يعني: عن المفهوم الدقيق (يَكْشِفُ الغِطَا) يزيل الغطا ينكشف، فالمنطق من استعمال القواعد التي ذكرها المناطقة يسهل به إلى المعاني الدقيقة فيكون له غوث في المعاني، وهذا قد يستفيد منه كذلك طالب العلم في فهم مثل هذه المعاني (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ)، أي: المفهوم. دقيق هذا ضد الكذب، والفهم المراد به المفهوم وأشار به إلى المسائل الصعبة المفهوم الدقيق، لأن المفهوم بمعنى المدلول الفهم هو: إدراك معنى الكلام. (يَكْشِفُ) ذلك العلم ويظهر (الغِطَا) بكسر الغين وهو: الستر.

لَمَّا بين لك هذه الفائدة التي عدها عظيمة وهي عندهم عظيمة قال: (فَهَاكَ مِنْ أُصُولِهِ قَوَاعِدَا). شَوَّقَكَ أولاً لمعرفة الفائدة من علم المنطق ثم قال لك: (فَهَاكَ). خذ (مِنْ أُصُولِهِ قَوَاعِدَا)، يعني: قواعد من أصوله. يعني: من قواعده. الأصل والقاعدة بمعنى واحد، والأصل ما يبنى عليه غيره (فَهَاكَ) الفاء هنا للفصيحة، أو يمكن أن تكون نعم للفصيحة إذا أردت هذا الفن لما علمت من ثمرته فخذ خذها، والكاف هذا حرف غطاء ها اسم فعل أمر (مِنْ أُصُولِهِ)، ليست كل الأصول وإنما بعض لأنه أريد مبتدئ كما ذكر الناظم فمن هنا للتبعيض، وأصوله الضمير يعود إلى المنطق، والأصول جمع أصل، (قَوَاعِدَا) الألف هذه للإطلاق وليست بدل عن التنوين لأن قواعد هذا ممنوع من الصرف، (قَوَاعِدَا) خذ قواعد قوَاعد هذا اسم مفعول به لاسم الفعل، والقاعدة كما سبق قضية كلية يتعرف بها أحكام جزئيات موضوعها فعندهم أصول وقواعد، كما أن الأصوليين عندهم أصول وقواعد، والنحاة عندهم أصول وقواعد فكل أصحاب فن عندهم أصول وقواعد كذلك المناطقة عندهم أصول وقواعد، (فَهَاكَ مِنْ أُصُولِهِ قَوَاعِدَا) قلنا: قواعد هذا مفعول لهاك. (مِنْ أُصُولِهِ)، هذا حال مقدم حال لقواعد، أي: خذ قواعد هي بعض أصوله. أي: قواعده. (تَجْمَعُ) تلك القواعد أو تجمع أنت يجوز الوجهان (تَجْمَعُ) تلك القواعد (مِنْ فُنُونِهِ)، يعني: من فروعه الجزئية. (فَوَائِدَا) والفروع هي المندرجة تحت القواعد (فُنُونِهِ) قلنا: أراد به ماذا؟ الفروع، لأن القواعد تحتها فروع كما أن الفاعل مرفوع تحته فروع (تَجْمَعُ مِنْ فُنُونِهِ)، أي: فروعه الجزئية المستفادة من تلك القواعد الكلية. (فَوَائِدَا) الفروع المندرجة تحت قواعد، أي: هذه القواعد تجمع فروعًا، والفروع تشتمل على فوائد، والفوائد جمع فائدة وهي: ما استفيد من علم، أو مال، أو جاه. إذًا قواعد تحتها فروع، وهذه الفروع مشتملة على فوائد، (سَمَّيْتُهُ) الضمير هنا يرجع إلى مؤلف الكتاب لكنه لم يذكره إنما يعود إلى شيء في الذهن هذا لا بأس به {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ} [المائدة: 8] الشيء المذكور عادة فمما فهم ما سبق أنه أراد أن ينصف، إذًا المصنَّف الذي أشار إليه عاد الضمير عليه (سَمَّيْتُهُ) الضمير يرجع للمؤلف المفهوم من السياق، (بِالسُّلَّمِ المُنَوْرَقِ) (بِالسُّلَّمِ) السلم هو ما يصعد به عادة إلى أعلى، يعني: الذي هو معرف معهود عند الناس، وقيل: السلم ما له درج يتوصل به من سفل إلى علو. فاستعماله في المعاني مجاز (المُنَوْرَقِ) وصفه بالمنورق بتقديم النون على الراء، مرونق في بعض النسخ، منورق هكذا أثبته المصنف فهو أولى منورق، أي: المزين المزخرف. (يُرْقَى) أي: يصعد. لأنه قال: سُلَّم.

إذًا لا بد من صعود لكن الصعود هنا صعود معنوي أو حسي؟ صعود معنوي ليس حسيًّا (يُرْقَى)، أي: يصعد به بهذا التأليف أو المؤلف أو السُّلم (سَمَاءُ) (يُرْقَى بِهِ) في هذا التأليف (سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ) (سَمَاءُ) هذا نائب فاعل (عِلْمِ المَنْطِقِ)، يعني: علم المنطق الذي هو كالسماء، شبه علم المنطق بماذا؟ بالسماء، بجامع ماذا؟ الرفعة كل منهما مرفوع، وهذا كما ذكرنا أنهم بالغون في مدح هذا الفن، (سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ)، أي: علم المنطق الذي هو كالسماء في الرفعة والشرف والعلو، كما أن السماء مرتفعة وكل مرفوع أو رفيع فهو شريف فكذلك علم المنطق. (وَاللهَ أَرْجُو)، يعني: أؤمل. (وَاللهَ) لا غير الله منصوب على التعظيم مفعول به مقدم وتقديم ما حقه التأخير يفيد الاختصاص {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]، أي: لا نعبد إلاك. (وَاللهَ أَرْجُو)، أي: لا غيره. (أَرْجُو)، يعني: أؤمل، والأمل مع الأخذ بالأسباب (أنْ يَكُونَ خَالِصًا) (أنْ يَكُونَ) ذلك التأليف (خَالِصَا) من المكدرات التي تحبط العمل من الرياء ونحوه لأن هذا عمل صالح تأليف العلوم في الأصل أنه عمل صالح، حينئذٍ لا بد من حفظه مما يكدره من الرياء والسمعة ونحو ذلك. (لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ لَيْسَ قَالِصًا) (لِوَجْهِهِ) الشراح يقولون: لذاته. تحريفًا للصفة انتبهوا لمثل هذه مزالق كثيرة في شروح علوم الآلة، علوم الآلة إذا جاءت الأسماء والصفات ونحوها حينئذٍ تحرف يقولون: (لِوَجْهِهِ) لذاته. نقول: لا، هم لا يثبتون صفة الوجه والحق الذي عليه أهل السنة والجماعة إثبات هذه الصفة على الوجه اللائق به جل وعلا، من غير تشبيه وتكييف .. إلى آخره {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، (لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ)، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، {وَجْهُ} هذا فاعل، {رَبِّكَ} مضاف إليه، {ذُو الْجَلَالِ} هذا صفة للوجه، وصفاته ذات جلال وإكرام كما أن ذاته ذات إجلال وإكرام، كذلك {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي} [الرحمن: 78] قال: {ذِي}. بالجر صفة لذات {رَبِّكَ} حينئذٍ الذات ذات جلال وإكرام كذلك صفاته. (لَيْسَ قَالِصًا) يعني: ليس ناقصًا، لأن النقص يدخله من حيث عدم إكماله أو من حيث عدم الانتفاع به إذا صاحبه شيء مما يكدره من فساد الدنيا ونحوها، (قَالِصًا) الأصل يطلق على صفة البعير الناقص عن أختها، ثم أطلق الناقص مطلقًا، إذًا (لَيْسَ قَالِصًا)، يعني: ليس ناقصًا.

(وَأَنْ يَكُونَ نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي) (وَأَنْ يَكُونَ) هذا عطف على خالصًا أن يكون خالصًا، (وَأَنْ يَكُونَ نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي)، المبتدئ هو: الآخذ في قراءة العلم، من ليست له قدرة على تصدير مسائل الفن. جديد يعني، فإن قدر على ذلك المتوسط، وإن أقام الدليل عليه فهو منتهي، قسم الطلاب إلى ثلاثة أقسام: مبتدئ، ومتوسط، ومنتهي. الذي ليست له قدرة على تصوير المسائل هو المبتدئ، وإذا استطاع وقدر أن يصور المسألة فقط ما هي شروطها؟ وأركانها .. إلى آخره فهو متوسط، إن أقام الدليل عليها فهو منتهي (بِهِ)، أي: بهذا السلم. (إِلَى المُطَوَّلاَتِ)، يعني: من الكتب. (يَهْتَدِي) يتوصل، وهذه عادته وهو حق، الطالب إذا أراد المطولات لا بد لها من طريق، وهذا الطريق هو الشروع في المختصرات، حينئذٍ توصل به إلى إبطال المطول من شرع بالمطولات لن يصل حتى يتقن بمعنى كلمة يتقن يعني: يحفظ ويفهم وإلى آخره ثم بعد ذلك تكون عنده قدرة في فهم المطولات. (فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) المنطق نوعان: علم مشوب بِشُبَه الفلاسفة. يعني: فيه شيء دخيل من علم الفلسفة. النوع الثاني: علم خالص من شُبَه الفلاسفة. يعني: ليس فيه شيء من الفلسفة البتة. هذان نوعان لعلم المنطق، الناظم رحمه الله تعالى أراد أن يبين المنطق الذي ليس مشوبًا بعلم الفلاسفة فجره ذلك إلى إدخال الخلاف في النوع الأول قلنا: العلم علمان: مشوب بعلم الفلاسفة هذا وقع فيه نزاع هل يحوز قراءة هذه الكتب ويتعلم طالب العلم هذا المنطق أو لا؟ هذا محل خلاف وهو الذي ذكره الناظم هنا، وأما النوع الثاني وهو: علم المنطق الخالص. يعني: المصفى الذي صفاه العلماء وخلصوه من شبه الفلاسفة ولم يكن فيه شيء من الشبه التي أدخلها الفلاسفة، هذا العلم النوع الثاني متفق على جواز الاشتغال به، وحكي الإجماع على ذلك، ولذلك غلط الأخضري هنا في إدخال هذا الفصل في هذا الكتاب، لأن الكتاب هذا من أوله إلى آخره ليس في المنطق الذي هو مشوب بعلم الفلاسفة حينئذٍ كيف يذكر الخلاف في المنطق المشوب في كتاب ألفه في المنطق الخارج عن شبه الفلاسفة، ولذلك غلط رحمه الله تعالى في ذلك، حكي الإجماع على جواز دراسة هذا النوع لأنه مجرد اصطلاحات فليس فيه خلاف، إذًا قوله: (فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ). هذا لو لم يذكره في هذا الموضع لكان أولى وأجزأ، لأن الكلام الذي سيذكره من الخلاف في الأقوال الثلاثة إنما هي في المنطق المشوب، وأما المنطق الخالص فليس فيه خلاف. (فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) قال: (وَالخُلْفُ). يعني: الاختلاف. الخلف هذا اسم مصدر بمعنى الاختلاف (وَالخُلْفُ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ)، أي: وفي عدمه، وفيه اكتفاء، وفي عدمه به كائن (عَلَى ثَلاَثَةٍ أَقْوَالِ)، أقوال هذا بدل من ثلاثة، إذًا فيه ثلاثة أقوال، ما حكم دراسة علم المنطق؟ نقول: هذا فيه تفصيل إن كان العلم مشوبًا بشبه الفلاسفة وفيه شيء من معتقداتهم الباطلة ففيه ثلاثة أقوال. (فَابْنُ الصَّلاَحِ) تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري توفي سنة إحدى وأربعين وستمائة، (فَابْنُ) الفاء هذه فاء الفصيحة.

(وَالنَّوَاوِي) النووي النواوي وهذه الألف زائدة يعني: على غير اسمها، يعني: ينسب إليه إلى نوى نوويٌّ، هذا الفصيح، النواوي هذا نسبة على غير قياس وهو: محي الدين أبو زكريا يحيى بن الشرف توفي سنة ستة وسبعين وستمائة، (فَابْنُ الصَّلاَحِ وَالنَّوَاوِي حَرَّمَا)، الألف هذه اسم فاعل حرم الاشتغال به لماذا؟ لأنه لا يؤمن على المشتغل أن يقع في قلبه شبهة من شبه الفلاسفة فيزل ويضل حينئذٍ درئًا بهذه المفاسد قيل بتحريمه، (فَابْنُ الصَّلاَحِ وَالنَّوَاوِي حَرَّمَا) الاشتغال به لأنه لا يؤمن على الخائض فيه من أن يتمكن في قبض الشبه فيزل ويضل. (وَقَالَ قَوْمٌ)، القول الثاني ومنهم الغزالي (يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَا) (يَنْبَغِي) هنا هل تفسر بفرض الكفاية واجب أو المندوب؟ فيه خلاف، والمصنف في شرحه جعل (يَنْبَغِي) بمعنى يستحب، يعني: يتسحب النظر في هذا الفن (وَقَالَ قَوْمٌ يَنْبَغِي)، يعني: يجب كفاية أو يستحب، ولذلك كما ذكرنا مقولة الغزالي في معيار العلوم: من لا معرفة له بالمنطق لا يوصف بعلم، وهذه مقولة باطلة (يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَا)، (يُعْلَمَا) الألف هذه للإطلاق، يعني: يجب تعلمه أو يستحب. القول الثالث أشار إليه بقوله: وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ الصَّحِيحَةْ ... جَوَازُهُ لِكَامِلِ القَرِيحَةْ مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ ... لِيَهْتَدِي بِهِ إِلَى الصَّوَابِ يعني: القول الثالث من كان عنده سلاح يقف به في وجه الشبه حينئذٍ جاز له النظر في هذه الكتب، (وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ)، يعني: من كثرة قائليها، مشهورة وما سبق مشهور، التحريم كذلك مشهور والقول بالوجوب والاستحباب مشهور، وإنما هنا قال: (المَشْهُورَةُ). لكثرة قائليها مرجح عند الأكثرين هو ما ذكره في القول الثالث (الصَّحِيحَةْ)، يعني: بسبب قوة دليلها. (جَوَازُهُ) هل المراد بالجواز هنا استواء الطرفين أو مطلق الإذن؟ الظاهر كلام المصنف أنه استواء الطرفين، جائز بمعنى الجائز مباح، يعني: له فعله وله تركه. (لِكَامِلِ القَرِيحَةْ) يعني: التي هي الفطنة. قريحة مراد به فطنة وكامل يعني: ذكي. أي: لشخصٍ كامل القريحة. أي: صحيح الذهن سليم الطبع، (مُمَارِسِ السُّنَّةِ)، يعني: مداوم متداوم بحيث عرف العقائد الحقة من العقائد الباطلة، وهذا يؤخذ الحق من الكتاب والسنة، ما يضاده الباطل يعني: الباطل لا يؤخذ نطقًا من الكتاب والسنة، وإنما إذا عرف الحق فضده يكون باطلاً، (مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ لِيَهْتَدِي) هذا علة الجواب، يعني: كأنه قال: الدليل على هذا القول (لِيَهْتَدِي بِهِ)، أي: بهذا العلم. (إِلَى الصَّوَابِ)، إذًا ذكر الشروط. أولاً: كامل القريحة. ثانيًا: ممارس السنة والكتاب.

فإن لم يكن كامل القريحة بأن كان بليدًا فلا، تلتبس عليه الأمور إن كان كامل القريحة غير ممارس للكتاب والسنة كذلك لأنه لم يميز العقيدة الحقة من الذي يعرف الباطل إذا كان عنده الحق، وأما إذا لم يكن معه الحق حينئذٍ لا يعرف الباطل من الحق وهذا الخلاف كما ذكرنا هذه الأقوال الثلاثة في المنطق المشوب، وأما المنطق الذي هو خالص مثل هذا الكتاب والايساغوجي والس ... # 1.01.36 والشمسية ونحوها مما كتب هذا كله لا بأس به، ولذلك ألف الشيخ الأمين رحمه الله تعالى ((المقدمة المنطقية)) وذكر هذا، هذه المسألة في المقدمة بأن صاحب السلم أخطأ في إدخال هذا الخلاف في هذا الكتاب، لأن هذا متفق على جوازه. (فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ) قال: (فِي أنْوَاعِ العِلْمِ). العلم له أنواع، إذًا ما هو العلم؟ ولماذا قال: (الحَادِثِ)؟ وهل ثَمَّ ارتباط بين أنواع والحادث؟

نقول: العلم في اللغة هو مطلق الإدراك. يعني: لا يقيد بإدراك مفرد أو إدراك مركب، وإنما الإدراك مطلقًا ليشمل النوعين الآتيين: التصور، والتصديق. إذًا مطلق الإدراك، والإدراك في اللغة: بلوغ الشيء، أو بلوغ غاية الشيء ومنتهاه. يقال: أدركت الثمرة إذا وصلت وبلغت حد الكمال، وأدرك الصبي إذا بلغ. إذًا الإدراك هو: بلوغ غاية الشيء ومنتهاه. والمراد به هنا في الاصطلاح هو: وصول النفس إلى المعنى بتمامه. وعندنا وصول هذا هو معنى الإدراك بلوغ، وصول النفس عرفنا مراد أو اصطلاح النفس هنا وهو: القوة الفكرية، أو القوة العاقلة، التي هي محل إصدار تلك الإدراكات، يعني: ما الذي يفكر به الإنسان؟ هو الذي يعبر عنه بالنفس، وصول النفس إلى المعنى، المعنى المراد به ما يقصد من اللفظ، المعنى ما يقصد من اللفظ، واللفظ قد يكون مفردًا، وقد يكون مركبًا، بتمامه، هذا قيدٌ لإخراج الشعور، لأن النفس إذا وصلت إلى المعنى لا بتمامه بأن كانت ..... #1.04.0 في مدلول هذا اللفظ أو مدلول هذا التركيب لم يصل إلى المعنى عنده يقين أو غلب الظن في هذا المعنى يسمى ماذا؟ يسمى شعورًا ولا يسمى إدراك، ففرقٌ بين الشعور وبين الإدراك، كلٌ منهما وصول إلى أصول النفس إلى المعنى، لكن الشعور لا بتمام المعنى لم يثبت، كما إذا قيل مثلاً لفظ خندريس، خَندريرس تممت هكذا فعلت، يعني: قد يكون في النفس معنى، هذا المعنى يكون متردد، هذا يسمى شعورًا لكن لو قلت لك: الخندريس اسمٌ من أسماء الخمر. فحينئذٍ وصلت النفس إلى المعنى بتمامه عرفت ما الخندريس المراد بها الخمر، حينئذٍ قبل المعرفة يكون عندك تردد ما هذا شيء محسوس شيء معقول إلى آخره، هذا يمسى تترد ويسمى شعورًا، يعني: يقع في نفسك بعض الأمور التي يصدق عليها هذا اللفظ، فلما عرفت المعنى سمي ماذا؟ سمي إدراك، ففرقٌ بين الإدراك وبين الشعور، إذًا الإدراك ما هو؟ وصول النفس إلى المعنى بتمامه، انتبه كلمة المعنى يدخل فيها مدلول اللفظ المفرد كزيد، وقام، وإلى. ومدلول اللفظ المركب زيدٌ قائمٌ، قام زيد. إذًا هذا هو حقيقة العلم، ما هو العلم؟ مطلق الإدراك، ما هو الإدراك؟ وصول النفس إلى المعنى بتمامه، لماذا قلنا: مطلق إدراك؟ لأننا فسرنا المعنى بأن المعنى يراد به معنى اللفظ مفرد، ومعنى اللفظ المركب، حينئذٍ شمل نوعي العلم وهما: التصور، والتصديق. لأن إدراك المفرد يسمى تصورًا، وإدراك المركب يسمى تصديقًا، ولذلك قال: (أنْوَاعِ العِلْمِ). فالعلم يتنوع إلى أربعة أنواع قسمة ثنائية باعتبار ما يتعلق به، وقسمة ثنائية باعتبار الطريق الموصلة إليه، إذًا العلم ينقسم إلى تصور، وإلى تصديق. ثم ينقسم باعتبار آخر الطرق الموصل إليه إلى نظري، وضروري، وهذا سبق معنا شيءٌ منه في ((شرح الورقات)) نظري وضروري، إذًا هذه أربعة أقسام، لماذا أربعة أقسام؟ لأن التصور قد يكون ضروريًّا، وقد يكون نظريًّا، والتصديق قد يكون ضروريًّا، وقد يكون نظريًّا، إذًا اثنين في اثنين بأربعة.

إذًا أنواع العلم أربعة: تصورٌ ضروري، تصورٌ نظري، تصديقٌ ضروري، تصديقٌ نظري. ولذلك قال: (أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ). قالوا: هذا احتراز عن علم الله تعالى فلا يقال فيه لا يوصف علم الرب جل وعلا بالتصور، أو التصديق، أو ضروري، أو نحو ذلك لأن الصفات مبناه على السمع فما كان في نقص في صفة البشر هذا لا يوصف به الرب جل وعلا فينفى، وأما ما لا لم يكن كذلك حينئذٍ يتوقف في اللفظ، وأما المعنى فيستفسر فيه. (فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ) لكن كلمة (الحَادِثِ) هذه يذكرها كثير من المتأخرين بكونها أو ترادف المخلوق، وليس الأمر كذلك، وإنما الحادث نوعان: قد يكون مخلوقًا، وقد لا يكون. ولذلك العالم متغير وكلٌ متغير حادث يعني: مخلوق في العالم حادث هكذا قالوا، هذا الدليل هو الذي نفى به الأشاعرة الصفات الفعلية عن الرب جل وعلا، لأن الحادث مرادفٌ للمخلوق، كل شيءٍ لم يكن ثم كان فهو مخلوق، إذًا لم يكن نازلاً ثم نزل الرب جل وعلا لا يوصف به لأنه مخلوق، لم يكن مستويًا ثم استوى لا يوصف به، لم يكن ضاحكًا ثم ضحك، لم يعجب ثم عجب، كل هذه تنفى بماذا؟ بكونها حادثة لم تكن وهذا مرادفٌ للمخلوق، وليس الأمر كذلك، إنما الصحيح كما قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وغيره: أن الحادث نوعان: حادثٌ مرادفٌ للمخلوق، وحادثٌ ليس الأمر فيه أن يكون مرادفًا للمخلوق، يعني: شيءٌ لم يكن ثم كان، قد يكون مخلوقًا، وقد لا يكون، أنت لم تكن ثم كنت مخلوق لم ينزل الرب جل وعلا الآن نعتقد أن الله تعالى ليس في السماء الدنيا لكنه في الثلث الأخير ينزل لم يكن ثم كان مخلوق؟ لا، إذًا لا يلزم من كونه حادثًا أن يكون مخلوقًا، ولذلك نقول في صفة الكلام مثلاً بعض الصفات الفعلية قديمة النوع ماذا نقول؟ قديمة النوع، أجلية النوع، حادثة الآحاد، نصف الرب جل وعلا بكونه متكلمًا لكن متكلم بماذا؟ هو متصفٌ بصفة الكلام، لكن آحاد الكلام هذه حادثة لم يكن متكلمًا في الأزل في القدم بالقرآن ثم تكلم، لم يكن ينزل آخر كل ليلة في الثلث الأخير هل من تائبٍ؟ هل؟ هَل؟ هذا لم يكن بالأمس، ثم كان اليوم، إذًا حدث بعد أن لم يكن، على كلٍّ المراد بقولهم: (الحَادِثِ). يفسرونه في الشروح هناك بكونه مخلوقًا لا بد من التفريق. إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ تَصَوُّرًا عُلِمْ ... وَدَرْكُ نِسْبَةٍ بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ

عرفنا على جهة الإجمال ثم نأتي إلى كلام المصنف، (إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ) إدراك المفرد يعني: فهم المعنى المراد بالمفرد، المفرد هنا ما يقابل المركب، والمراد بالمركب هنا من أجل تسهيل المعلومة الجملة الاسمية والجملة الفعلية، إذا أدركت فهمت المراد من الجملة الاسمية يسمى تصديقًا، وإذا أدركت المراد من الجملة الفعلية يسمى تصديقًا، لأن المتعلق الإدراك ما هو؟ جملة مركب وليس بمفرد، إن تعلق الإدراك وصول النفس إلى المعنى معنى المفرد بتمامه يسمى تصورًا، إن وصلت النفس إلى المعنى معنى المركب الجملة فعلية أو الجملة الاسمية بتمامه يسمى تصديقًا هذا من جهة التيسير العام (إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ)، يعني: فهم المعنى المراد من المفرد علم تصورًا (تَصَوُّرًا عُلِمْ)، ... (تَصَوُّرًا) هذا مفعول ثاني لـ (عُلِمْ)، (عُلِمْ) هذا مغير الصيغة والمفعول الأول هو نائب الفاعل ضمير مستتر، أي: علم بالتصور. أي: سمي به. ثم قال: (وَدَرْكُ نِسْبَةٍ بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ). (وَدَرْكُ) هذا اسم مصدر بمعنى إدراك، (نِسْبَةٍ بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ)، (وُسِمْ) من الْوَسْمِ وهو التعليم، يعني: عُلِّمَ وسمي تصديقًا، فهمتم هذا؟ إدراك النسبة الذي هو النسبة الخارجية، إذا قلنا: الجملة الفعلية والجملة الاسمية عندنا مبتدأ وخبر، زَيْدٌ قَائِمٌ هذه مشتملة على تصديق ومشتملة على تصور، زَيْدٌ هذا موضوع، قَائِمٌ هذا محمول وعندنا النسبة، النسبة هي: ارتباط المحمول بالموضوع، الارتباط بين المبتدأ والخبر العلاقة بينهما المعنى، زَيْدٌ قَائِمٌ اختصاص زَيْدٌ بالقيام هذا يسمى ماذا؟ يسمى نسبة بقي شيء رابع وهو: وقوع هذه النسبة في الخارج أو لا، إدراك زيد يسمى تصورًا لأنه مفرد، إدراك قائم يعني: معرفة معنى قائم هذا يسمى تصورًا لأنه إدراك مفرد، إدراك النسبة التي هي: ارتباط المحمول بالموضوع والعلاقة بينهما والمعنى. هذا يسمى نسبة، إدراكها يسمى تصورًا، بقي ماذا؟ وقوع قيام زيد في الخارج أو لا، لأنه قد تعتقد ماذا؟ زيدٌ مسافرٌ وتعرف معنى زيد ومسافر ويبقى في الذهن، لكنه لو في الخارج لم يسافر زيد، إذًا عدم وقوع مدلول اللفظ هذا نقول: هذا لا يسمى تصديقًا، إن أُدْرِكَ في الخارج بكونه قائمًا أو ليس بقائم في النفي يسمى تصديق حينئذٍ صار عندنا أربعة أشياء في كل جملة، إدراك الموضوع الذي هو المبتدى، وإدراك المحمول الذي هو الخبر، إدراك النسبة التي هي ارتباط المحمول بالموضوع ثم وقوعها أو عدم وقوعها، الرابع هذا إدراكه يسمى تصديقًا، والثلاث الأول تسمى تصورًا، واضح هذا؟ إذًا كل جملةٍ لا بد من أربع تصورات: تصور الموضوع، تصور المحمول، تصور النسبة من حيث هي اتفاق المحمول بالموضوع، يعني: إذا قلت زَيْدٌ قَائِمٌ. تتصور أن زيد متصف بالقيام وتعرف أن زيد ممكن أن يحدث القيام، لكن إذا قيل: الجدار قائمٌ. ولم تجد فيه القيام الذي هو أن يكون مبناه على أساسه، وإنما القيام الذي تصف به الإنسان، هذا لا يتصف، الجدار لا يتصف بالقيام كما إذا قلت: طار الجدار، أو مات الجدار، أو سافر الجدار.

ليس ثَمَّ ارتباط بين الفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر، حينئذٍ العقل لا يجد مناسبة بينهما، ولذلك يشترطون في حد الكلام أن يكون مؤلف، يعني: يكون مناسبة بين المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل، حينئذٍ النسبة التي: ارتباط المحمول بالموضوع. إدراكها يسمى تصورًا، بقي شيء رابع وهو تصور لكنه يسمى تصديقًا عند المناطقة وهو: وقعوه في الخارج. لأن هذه الثلاثة الأول كلها وجودها وجود ذهني زَيْدٌ قَائِمٌ كلها في الذهن لكن بقي هل بالفعل في الخارج زيدٌ قائم أو ليس بقائم؟ إن أدركته، بمعنى أنه قائمٌ بالفعل حينئذٍ يسمى تصديقًا، فالأخير الذي هو موافق للنسبة الخارجية يسمى تصديقًا، ولذلك قوله: (وَدَرْكُ نِسْبَةٍ). (نِسْبَةٍ) المراد بالنسبة هنا النسبة الخارجية، وفسرها بعضهم بالنسبة الكلامية # وهي: ثبوت المحمول للموضوع على وجه الإثبات أو على وجه النفي، حينئذٍ لا بد من التقدير وبذلك تجد في بعض الشروحات (وَدَرْكُ نِسْبَةٍ)، أي: درك وقوع نسبة. هذا فسر النسبة بالكلامية # الدلالية# التي هي ثبوت المحمول للموضوع هذه تسمى ماذا؟ نسبة كلامية #، بقطع النظر عن كونه موجودةً في الخارج أو لا، النسبة الخارجية هي الوقوع واللا وقوع، وتسمى بالانتزاع والإيقاع، أو الإِيقاع والانتزاع، هذا الشيء الذي يكون في الخارج إذا أدركت معناه بمعنى أنه واقعٌ بالفعل يسمى تصديقًا، والأولى أن يعبر هنا (وَدَرْكُ نِسْبَةٍ) نحمل النسبة على النسبة الخارجية (بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ). ثم قال: وَقَدِّمِ الأَوَّلَ عِنْدَ الوَضْعِ ... لأَنَّهُ مُقَدَّمٌ بِالطَّبْعِ إذًا قسم لك في البيت الأول العلم إلى قسمين، قسم لك العلم إلى قسمين، وهذا التقسيم بحسب ما يتعلق به تصور، وتصديق. التصور: إدراك المفرد. التصديق: إدراك المركب. والمراد بالمركب هنا النسب التامة، يعني: المبتدأ والخبر، والفعل وفاعله، أو نائب الفاعل، هكذا بسطه الشيخ الأمين رحمه الله تعالى. ثم قال: وَقَدِّمِ الأَوَّلَ عِنْدَ الوَضْعِ ... لأَنَّهُ مُقَدَّمٌ بِالطَّبْعِ إذا أردت أن تشرح وأن تذكر وأن تُعَلِّم وتتعلم تقدم التصورات على التصديقات، لأن هذا أمر فطري مركوز في الفطرة إذا بدأت تتعلم في شيء فحينئذٍ تأخذ المفردات تتوصل بها إلى علمٍ في المركبات، ولذلك قال: (وَقَدِّمِ الأَوَّلَ). يعني: التصور على التصديق (عِنْدَ الوَضْعِ) (عِنْدَ) بمعنى فيه، يعني: في الذكر في الكتابة والتعلم والتعليم. (لأَنَّهُ)، أي: التصور. (مُقَدَّمٌ) على التصديق (بِالطَّبْعِ)، يعني: بحسب اقتضاء طبيعة التصور. يعني: حقيقته، لأن حقيقة التصور هي: إدراك المفرد. ولا شك أن العلم في المفردات مقدمٌ على العلم بالكليات، وهذا أمر واضح لا يمكن أن يتعلم الشيء الكلي إلا إذا عرفت جزئياته، لو قيل لك [هذا اعرف ما الذي له] أو ما ماهية هذه الساعة؟ لا بد أن تعرف أنها ركبت من ماذا أولاً ثم تتدرج إلى معرفة النهاية. وَقَدِّمِ الأَوَّلَ عِنْدَ الوَضْعِ ... لأَنَّهُ مُقَدَّمٌ بِالطَّبْعِ وَالنَّظَرِي مَا احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ ... وَعَكْسُهُ هُوَ الضَّرُورِيُّ الجَلِي

هذا تقسيمٌ للعلم باعتبار آخر، وهو باعتبار الطريق الموصل إليه، كيف نصل إلى هذا العلم؟ إمَّا أن نصل إليه ضرورة بأن يكون دفعةً واحدة فلا نحتاج إلى تأمل وتفكير، وإمَّا أن لا يتصل إليه إلا بالتفكير هذا أمرٌ فطري كل علم معلوم إما أن تصل إليه بالتأمل والتفكير وإما أن تصل إليه هكذا دفعة واحدة. فالأول يسمى علمًا نظريًّا، لأنه مبنيٌ على النظر والتأمل والتفكر. والثاني: يسمى ضروريًّا لأنه مبنيٌ على الضرورة وهي: عدم قدرة من أدرك على دفع هذا العلم، فيأتيك بغتة كعلمك بوجود أنت، كما سيأتي. (وَالنَّظَرِي) بإسكان الياء للضرورة (مَا احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ) (مَا) اسم موصول بمعنى الذي نفسره بالعلم فيدخل فيه العلم بنوعيه وهو: التصور، والتصديق. فما هنا بمعنى علم العلم فيدخل فيه التصور والتصديق، إذًا تصورٌ احتاج إلى التأمل، إذًا التصور يكون تصورًا نظريًّا، تصورٌ [يحتاج إلى أو تصديقٌ نعم] تصور احتاج إلى التأمل، تصديق (احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ)، إذًا قوله: (مَا). شمل نوعي العلم: التصور، والتصديق. فيكون التصور نظريًّا يحتاج للتأمل، ويكون التصديق نظريًّا يحتاج إلى التأمل. (وَالنَّظَرِي مَا احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ) يعني: للفكر والنظر بالمعنى الاصطلاحي. (وَعَكْسُهُ)، يعني: خلافه مقابله. (هُوَ الضَّرُورِيُّ) (هُوَ)، يعني: العلم. (الضَّرُورِيُّ)، يعني: نسبةً إلى الضرورة. (وَعَكْسُهُ)، يعني: ما لا يحتاج للتأمل، بل يحصل دفعةً واحدة لا يستطيع الإنسان أن يدفعه عن نفسه، والضرورة هي التي لم تتوقف أو يتوقف حصولها على نظرٍ واستدلال، بل العلم الضروري يحصل بمجرد التفات النفس إليه فيضطر الإنسان إلى إدراكه ولا يمكنه دفعه عن نفسه.

(هُوَ الضَّرُورِيُّ الجَلِي)، (وَعَكْسُهُ هُوَ الضَّرُورِيُّ)، يعني: المنسوب إلى الضرورة، وهو ما لا يحتاج إلى التأمل (الجَلِي)، يعني: الواضح، وهذه صفة كاشفة، إذًا عندنا تصورٌ نظري، وعندنا تصديقٌ نظري، وعندنا تصورٌ ضروري، وتصديقٌ ضروري. مثال التصور النظري لفظ الملائكة لأنه متعلق بماذا؟ بالمفردات يُسْلِم الكافر ثم يسمع ملائكة، حينئذٍ ما يعرف المراد بالملائكة فتشرح له ما المراد بلفظ الملائكة، أو يسمع لفظ الجن فيحتاج إلى معرفة ما مدلول هذا اللفظ؟ يسمع صلاة صلي الصلاة قائمة حينئذٍ يقول: ما هي الصلاة هذه؟ فتحتاج إلى أن تُعَرِّف له معنى الصلاة، معنى الزكاة، معنى الصيام فكل لفظٍ مفرد إن احتاج إلى التأمل والنظر بأن يعرف ويحد، حينئذٍ يسمى تصورًا نظريًّا، ولذلك حتى طلاب العلم فإذا قيل: الزكاة. نحتاج إلى أن نعرف الزكاة، إذًا معرفة معنى الزكاة نقول: هذا علمٌ تصوري نظري. يعني: يحتاج إلى إثبات، ولذلك بعض المفاهيم يقع فيها الخلاف خبر معناه ما المراد به؟ وقع فيه نزاع بين أهل العلم، لماذا؟ لأنه موقوفٌ على الاستدلال والنظر، وكل لفظٍ مفرد موقوف على النظر والاستدلال فهو: تصورٌ نظري. التصديق النظري قالوا: مثل ماذا؟ الواحد نصف سدس الاثني عشر، هذا يحتاج، الواحد نصف سدس الاثني عشر، اثنا عشر سدسها كم؟ تحتاج إلى تفكير، الاثنا عشر سدسها كم؟ تقسمها على ستة اثنان الواحد نصف سدس الاثني عشر، إذًا الواحد نصف الاثنين تحتاج إلى تأمل أو لا؟ يحتاج إلى تأمل وهذه جملة الواحد نصف، إذًا مبتدأ وخبر، والواحد ربع عشر الأربعين، والواحد عُشْر عُشر المائة، كلها تحتاج إلى تأمل وكلها جمل اسمية، التصور الضروري مثل ماذا؟ التصور الضروري كإدراك وجودك أنت، أنت موجود أو لا؟ نقول: أنت موجود تدرك هذا، وهذا يسمى ماذا؟ يسمى علمًا ضروريًّا، لكن وجود هذا شيء واحد فهو مفرد، والضروري التطبيقي كإدراك أن الواحد نصف الاثنين، الجزء أصغر من الكل، والكل أكبر من الجزء، الضدان لا يجتمعان النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان نقول: هذه كلها إدراكها يسمى تصديقًا ضروريًّا. وَمَا بِهِ إِلَى تَصَوُّرٍ وُصِلْ ... يُدْعَى بِقَوْلٍ شَارِحٍ فَلْتَبْتَهِلْ

إذًا صار العلم بعد ما عرفنا ما سبق صار أنواع أو العلوم محصورة في شيئين اثنين: تصورات، وتصديقات. وكلٌّ منهما إما نظري، أو ضروري، طيب بعض هذه التصورات وبعض هذه التصديقات معلوم عندنا معلومة، وبعض هذه التصورات وبعض هذه التصديقات مجهولة، فكيف نصل إلى المجهولات من التصورات والتصديقات؟ هذا الذي يسمى بالنظر وسيأتي بحثه معنا، لكن ثَمَّ طريق يوصل إلى التصورات، وثَمَّ طريق يوصل إلى التصديقات، يعني: المجهول من النوعين، أما المعلوم هذا معلوم كاسمه، حينئذٍ التصور المجهول كيف نصل إليه؟ نصل إليه بما يسمى (بِقَوْلٍ شَارِحٍ) وهو: التعريف. ما الإنسان؟ ما يعرف الإنسان فتقول: حيوانٌ ناطق. جئت بالتعريف، إذًا وصلنا إلى إدراك المفرد الذي هو تصور النظري، أما الضروري هذا واضح، النظري بماذا؟ بالحد بالتعريف الذي يسمى (بِقَوْلٍ شَارِحٍ)، كيف نصل إلى التصديق النظري المجهول؟ نصل إليه بالقياس فصار محصورًا في ماذا؟ تصورات وتصديقات، فحينئذٍ كيف نصل بالتصورات المعلومة والتصديقات المعلومة التي تكون كائنة في النفس إلى المجهول من النوعين؟ التصورات نصل إليها بقول الشارح، والتصديقات نصل إليه بالقياس الذي عبر عنه بالحجة، ولكل منهما مبادئ وغاية سيأتي بيانه. وَمَا بِهِ إِلَى تَصَوُّرٍ وُصِلْ ... يُدْعَى بِقَوْلٍ شَارِحٍ فَلْتَبْتَهِلْ (وَمَا)، أي: الذي. (بِهِ) يعود إلى ما الضمير هنا (إِلَى تَصَوُّرٍ)، هذا متعلق بقوله: (وُصِلْ). بمعنى توصل، الذي وصل به إلى تصورٍ (يُدْعَى)، يعني: يسمى. (بِقَوْلٍ شَارِحٍ) (بِقَوْلٍ)، يعني: مقول. (شَارِحٍ) قول مرادف للمركب عندهم هناك، والشارح لأنه يشرح الماهية يكشف الماهية، ولذلك يعبر إذا ذكرت الحدود إنما يؤتى بالحدود لماذا؟ لكشف وإيضاح الماهية، ما معنى الصلاة؟ ما تدري معنى الصلاة فتقول: الصلاة هي: التعبد بأقوال، وأفعال ... إلى آخره، شرحت له معنى الصلاة كشف لك معنى الصلاة، التعبد بأقوال وأفعال إلى آخره هذا قولٌ مركب، يعني: من المبادئ الأول قال: الكليات الخمسة - كما سيأتي في محله -. (يُدْعَى بِقَوْلٍ شَارِحٍ فَلْتَبْتَهِلْ) الجملة هنا لإتمام البيت فقط، يعني: فلتجتهد في البحث عما تحتاج إليه من ذاتك، (وَمَا لِتَصْدِيقٍ بِهِ تُوُصِّلاَ)، يعني: والذي توصل. الألف هذه للإطلاق (لِتَصْدِيقٍ بِهِ) الضمير يعود إلى ما، (بِحُجَّةٍ يُعْرَفُ)، يعني: يسمى بحجةٍ. وهو: القياس المنطقي بأنواعه. والحجة سميت حجة لأن من تَمَسَّكَ به حَجَّ خصمه إن غلبه (عِنْدَ العُقَلاَ) (العُقَلاَ) أل هذه للعهد، والمعهود أرباب هذا الفن الذي مر في أوله، إذًا التصورات لها مبادئ ولها غايات، المبادئ هي: القضايا أو الكليات الخمس، والغاية أو المنتهى هو: الحدود. والقياس له مبادئ وله غاية، المبادئ هي: القضايا وأحكامها، والغاية هي: الحجة، أو القياس بأنواعه. هذه كلها ستبحث في النظم سيأتي معنا.

فانحصر أو انحصر علم المنطق في أربعة أبواب، الكليات الخمس والحدود. الكليات الخمس هي المادة التي تتألف منها الحدود إذا أردت أن تُعَرف له ماهية له طريقة عنده لا بد من السير عليها جنس، وفصل، وعرض إلى آخره هي الكليات الخمس، فله مادة مبادئ وله غاية وهي: الحد. كذلك القياس له مادة وهو: قضايا وأحكامها. وسيأتي باب خاص، والمنتهى والغاية وهو: الحجة. يسمى بالقيام فأربعة أبواب هي المقصودة من هذا الفن، ما عدا فهو مكمل لعلم المنطق، إذًا فصلهم نقول: الفصل ما ذكر. ثم قال: (فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الدَّلاَلَةِ الوَضْعِيَّةِ). يأتي غدًا بإذن الله تعالى، والله أعلم. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد.

2

عناصر الدرس * فصل في أنواع الدلالة، وشرح الترجمة. * أنواع الدلالة. * دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام، وحد كل منها. * فصل في مباحث الألفاظ، وشرح الترجمة. * أقسام اللفظ المستعمل من حيث الإفراد والتركيب. * أقسام المفرد، وتعريف كل منه. * أقسام الكلي الذاتي، والكلي الغرضي، والواسطة. * الكليات الخمس، وبيان كل منها. * فصل في نسبة الألفاظ للمعاني، وشرح الترجمة. * أنواع النسب، ووجه الحصر، وبيان كل منها. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الدَّلاَلَةِ الوَضْعِيَّةِ) سبق أن بحث المنطق إنما هو في المعاني والمعقولات وما يبحثون في الألفاظ، لأن البحث في الألفاظ هو مبحث النحويين الصرفيين البلاغين، أهل اللغة هم الذين يشتغلون البحث في الألفاظ. إذًا: لما كانت هذه المعاني المعقولات لايمكن التعبير عنها إلا بلفظٍ حينئذٍ بحث المناطقة في الألفاظ تبعًا واستكمالاً، وبحثهم هنا يعتبر تابعًا لما يذكره النحاة أو يذكره الصرفيون أو البيانيون أمَّا الأبحاث مشتركة فثم ما يزيد المناطقة ببعض الاصطلاحات مما انفردوا به عن أهل اللغة، هنا بحث الدلالات مشترك بحثه الأصوليون، ويبحثه البيانيون، وكذلك المناطقة. بحث لغوي وليس بمنطقي صِرف إنما لهم بعض الاصطلاح الذي يختصون به دون غيرهم (فِي أَنْوَاعِ الدَّلاَلَةِ الوَضْعِيَّةِ) خص نوعًا من أنواع الدلالة، وأنواع الدلالة ستة، محصورة في ستة أقسام. الدلالة أولاً تعريفها: كون أمرٍ بحيث يفهم منه أمرٌ آخر سواءُ فهم بالفعل أم لا. كون أمرٍ: يعني: وجود شيءٍ وهو الدال، الأمر الأول هذا الدالّ كون أمرٍ من حيث يفهم منه أمرٌ آخر. أمرًا آخر هو المدلول. عندنا دالّ وعندنا مدلول كما تقول الأسد مدلوله: الحيوان المفترس، لفظ الأسد دالّ والمدلول حيوانٌ مفترس. فعندنا دالّ وعندنا مدلول سواءٌ فهم بالفعل أم لا، يعني: لا يشترط في كون الدالّ دالاً أن يفهم بالفعل بحيث إذا لم يفهم حينئذٍ ينتفي عنه وصف الدلالة لا، يكون دالاً ولو لم يفهم منه أحدٍ شيء لأن الوصف بذات اللفظ، لو قال قائل: أسد ولم يفهم منه أحد شيءٍ حينئذٍ هل ينتفى كون الأسد دالاًّ؟ نقول: لا، لا يشترط في كونه دالاًّ أن يفهم بالفعل نعم قد يكون مفهومًا بالفعل، وقد يكون مفهومًا بالقوة. إذًا: كون أمرٍ هو الدالّ بحيث يفهم منه أمرٌ آخر وهو المدلول سواءُ فهم بالفعل أم لا. والدالُّ ينقسم إلى قسمين: لفظي، وغير لفظي. يعني: إمَّا أن يكون لفظًا وإمَّا أن لا يكونَ لفظًا هذان قسمان رئيسان ولا ثالث لهما. وكل واحدٍ منهما ينقسم إلى ثلاثة أقسام فثلاثة في اثنين ستة (3×2=6) لذا قلنا أقسامها ستة، ومبحث المناطقة بواحدٍ منها.

وغير اللفظي إما دالٌّ بالعقل كدلالة التغير على الحدوث كما ذكرناه بالأمس، دلالة التغير على الحدوث كونه لم يكن ثم كان. نقول: هذا دلالة عقلية أو بالعادة التي تسمى: الدلالة الطبيعية، ويعبر عنها بالدلالة العادية، كدلالة المطر على النبات إذا وجد المطر حينئذٍ عادةً أنه يوجد النبات، ولو لم يوجد بالذات حينئذٍ نقول: المطر وجوده دالٌ على وجود النبات هذا هو المكان وليس بلازمٍ ولكنه معتاد، حينئذٍ صارت هذه الدلالة دلالة وضعية، والحمرة على الخجل، إذا خجل الإنسان وكان عنده حياء يحمر وجهه أليس كذلك؟ حينئذٍ نقول: هذه دلالة لكنها طبيعية ليس فيها لفظ، والصفرة على الوجل الخوف، حينئذٍ: اصفر وجهه نقول: هذه دلالة لكنها دلالة غير لفظية. إذًا هذه دلالة طبيعية، أو بالوضع، يعني: التعارف وضعه أو العرف أو الاصطلاح الخاص بين الناس. قالوا: كدلالة الإشارة باليد مثلاً على نعم، أو لا، أو دلالة ... نقول: هذه دلالة غير لفظية ماذا تفهم أنت؟ تفهم بالإشارة قم، إذا أشار من سفلٍ إلى علوٍ أو من علوٍ إلى سفلٍ، بمعنى أجلس، نقول: هذه الدال. الإشارة دالّ والمفهوم منه الأمر بالجلوس أو بالقيام، حينئذٍ نقول: هذه دلالة لكنها دلالة غير لفظية، وهذه الثلاثة الأنواع لا بحث للمناطقة فيها البتة وإنما يبحثون في الدالّ اللفظي في نوعٍ واحدٍ منها. واللفظ يعني: الدالّ باللفظ. إمَّا دالٌ بالعقلِ كدلالة اللفظ على وجود اللافظ من وراء جدار قالوا: اللفظ قد يدلُّ دلالة عقلية، متى؟ إذا سمعت شخص يتكلم من وراء جدار مثلاً تعلم أنه حيّ أليس كذلك؟ لماذا؟ ما الذي دلَّك على أنه حي ليس بميت؟ كونه تلفظ كونه تكلم حينئذٍ نقول: هذه دلالة لفظية، دلّت بالعقل على حياته على وجوده فهو حيٌّ ليس بميت أو بالعادة، يعني: لفظٌ وضع في العادة ليدلَّ على شيءٍ آخر: أُحْ. قالوا: هذه دلالة على الوجع الصمتي، حينئذٍ: هذا اللفظ أُحْ بضم الهمزة وإسكان الحاء يدلُّ على وجع الصابرين، أو بالوضع كدلالة الأسد على الحيوان المفترس. هذه ثلاثة أنواع للدالّ اللفظي من باب العقل كدلالة اللفظ على حياة من وراء جدار - الذي تكلم -، أو بالعادة الوضعية كدلالة أُحْ على وجع الصبر، أو دلالة لفظية كدلالة الأسد على الحيوان المفترس. هذه ثلاثة أنواع المناطقة يبحثون في النوع الثالث فقط، وأمَّا الدلالة اللفظية العقلية، والدلالة اللفظية الطبيعية، والعادية لا بحث للمناطقة فيها. حينئذٍ: هذا الفصل عقده لبيان هذا النوع: الدلالة الوضعية. لذلك قال: (فِي أَنْوَاعِ الدَّلاَلَةِ الوَضْعِيَّةِ)، أيْ: وضعية، الدلالة الوضعية من حيث هي قسمان: دلالةٌ وضعية عقلية، كما ذكرنا في المثال السابق: دلالة التغيُر على الحدوث. أو دلالة وضعية لفظية: كدلالة الأسد على الحيوان المفترس، لكن أراد لهذا الفصل الدلالة الوضعية اللفظية ولذلك قال: (دلالَةُ اللَّفْظِ) في البيت سنقيد الترجمة لما ذكره في البيت، ونقيد البيت دلالة اللفظ هذه مطلق يشمل ثلاثة أنواع، نقيده بالترجمة فكلٌ منهما نجعله قيدًا للآخر. (فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الدَّلاَلَةِ الوَضْعِيَّةِ) قال رحمه الله:

دَلالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا وَافَقَهْ ... يَدْعُونَهَا دَلاَلَةَ المُطَابَقَةْ وَجُزْئِهِ تَضَمُّنًا وَمَا لَزِمْ ... فَهْوَ التِزَامٌ إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ الدلالة الوضعية اللفظية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: دلالة تطابق، أو دلالة مطابقة. دلالة تضمن. دلالة امتثال. هذه المشهورة حتى في باب المعتقد، نقول: أسماء الربِّ جلَّ وعلا تدلُّ على صفات بأنواع الدلالات الثلاث كما ذكره ابن القيم وغيره. دَلالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا وَافَقَهْ ... يَدْعُونَهَا دَلاَلَةَ المُطَابَقَةْ (دَلالَةُ اللَّفْظِ)، قلنا: نقيدها بترجمة، أيْ: دلالة اللفظ الوضعية، (عَلَى مَا وَافَقَهْ)، (عَلَى مَا وَافَقَهْ)، (مَا) هنا بمعنى: المعنى، يعني: اسمٌ موصول يصدق على اللفظ: المعنى، (عَلَى) المعنى الذي (وَافَقَهْ)، يعني: وافق اللفظ بأن وُضِعَ له ذلك اللفظ لا لأقل منه ولا لزائدٍ عليه، إذا دلّ اللفظ على تمام المعنى الموضوع له في لسان العرب حينئذٍ نقول: هذه دلالة مطابقة، (دَلالَةُ اللَّفْظِ عَلَى) المعنى الذي (وَافَقَهْ)، يعني: وافقه اللفظ بأن لم يكن المعنى زائدَا على ما دلَّ عليه اللفظ ولا أقلَّ منه. نقول: هنا دلَّ اللفظ على تمام ما وضع له في لسان العرب هذا يسمى ماذا؟ دلالة مطابقة. ما هو الإنسان: حيوانٌ ناطق، إذًا لفظ إنسان صدق على المعنى كله حيوان ناطق لا نقول: الإنسان هو الحيوان فقط دون ناطق ولا نقول: الإنسان هو ناطق فقط دون حيوان. وإنما المعنى الذي وُضِعَ له بلسان العرب هو اصطلاح خاص، لكنهم يمثلون بهذا حيوان ناطق، ومتى ما دلّ اللفظ على تمام المعنى الذي وضع له دون زيادةٍ أو أقل نقصان حينئذٍ نقول: هذه دلالة مطابقة، فدلالة المطابقة ودلالة اللفظ على تمام ما وُضِع له، يعني: في لسان العرب كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق فالمفهوم من اللفظ هو عين المعنى الموضوع له اللفظ، يعني: الذي تفهمه أنت مدلول اللفظ هو المعنى الذي وضع له الملفوظ كما ذكرنا كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق. ... (يَدْعُونَهَا)، أيْ: يسمونها. يعني: المناطقة، دلالة المطابقة من إضافة المصاحَب للمصاحِب دلالة المطابقة لمطابقة الدالّ للمدلول لماذا سميت دلالة مطابقة؟ قالوا: إذا تطابق النعلان إذا طابق النعل النَّعل إذا توافقا حينئذٍ نقول: تطابقا. وهنا وافق اللفظ المعنى فتطابقا حصلت المطابقة، طابق النعل النَّعل، يعني: لم يزد أحدهما على الآخر استويا، حينئذٍ حصل بينهما توافق لذلك اللفظ والمعنى حصل بينهما توافق لم يزد اللفظ من حيث الدلالة على المعنى ولم ينقص المعنى عن اللفظ لمطابقة الدالِّ للمدلول، يعني: اللفظ والمعنى. مطابقة الفهم للوضع اللغوي.

ثم قال: (وَجُزْئِهِ تَضَمُّنًا). هذا النوع الثاني، وهو دلالة التضمن وإذا فهمت دلالة التضمن تفهم على جهة التأكيد دلالة المطابقة. دلالة التضمن هنا قال: (وَجُزْئِهِ). بخفض جر عطفًا على قوله: (دَلالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا)، ما: اسم موصول بمعنى الذي، إذا دلَّ اللفظ على المعنى الذي وافقه فهي دلالة مطابقة، وإذا دلَّ اللفظ على جزئه جزء ماذا؟ جزء المعنى الذي وُضِعَ له في لسان العرب وهذا إنما يتأتى في المعاني المركبة، يعني: اللفظ قد يكون معناه مركبًا فإذا أطلق اللفظ وأريد بعض المعنى دون كله دون تمامه حينئذٍ نقول: هذه دلالة تضمن كما يذكر في اسم الرحمن أنه يدلُّ على الذات فقط بدلالة التضمن، ويدلُّ على صفة الرحمة فقط دون الذات في دلالة التضمن، ويدلُّ على الذات المتصفة بصفة الرحمة بدلالة المطابقة، واضح هذا. اسم الرحمن علم على الربِّ جل وعلا له معنيان، يعني: معناه مركب، ذات متصفة بصفة الرحمة هذا معناه الذي وضع له في لسان العرب. الرحمن ذات متصفة بصفة الرحمة فإذا دلَّ اللفظ وأردت بإطلاق اللفظ الذات مع الوصف كلاهما معًا حينئذٍ نقول: هذه دلالة مطابقة لأن اللفظ أطلق وأريد به المعنى تمامه الذي وضع له في لسان العرب، إذا أردت الذات فقط الرحمن الذات حينئذٍ نقول: هذه دلالة تضمن، لأن اللفظ هنا أطلق وأريد به جزء المعنى لا تمام المعنى هذا ما يسمى بدلالة التضمن. (وَجُزْئِهِ)، يعني: ودلالة اللفظ على جزئه، يعني: جزء المعنى الذي وافق اللفظ يدعونها (تَضَمُّنًا)، يعني: دلالة تضمن. جزئه قلنا: معطوف على ما، وتضمنًا معطوف على دلالة، وهذا ما يسمى العطف على معموليه لعاملين مختلفين، وفيه خلاف بين النحاة. إذًا دلالة اللفظ على جزء المعنى الموضوع له تضمنًا وهذه لا تكون إلا في المعاني المركبة، مثالهم المشهور: كدلالة الإنسان على الحيوان فقط، ما معنى الإنسان؟ قالوا: الحيوان الناطق. دلالة الإنسان على الحيوان فقط هذه دلالة تضمن لأن اللفظ أُطلق وأُريد به جزء المعنى لا تمام المعنى، دلالة الإنسان على الناطق فقط دون لفظ الحيوان نقول: هذا أُطلق اللفظ وأُريد به جزء المعنى فيه دلالة تضمن، أو الأربعة على الواحد، الأربعة إذا أُطلق وأريد به الواحد أو الاثنين أو الثلاث حينئذٍ نقول: هذه دلالة تضمن. إذا أُطلق الأربعة وأُريد به تمام اللفظ: أربعة العدد حينئذٍ نقول: هذه دلالة مطابقة. (وَمَا لَزِمْ فَهْوَ التِزَامٌ)، يعني: وأمَّا دلالة اللفظ على ما، يعني: على المعنى اللازم الذي لزم معناه.

هنا دلالة اللزوم أو دلالة الالتزام، أو اللازم أو دلالة الالتزام المعنى لا يؤخذ من المعنى الموضوع له في لسان العرب وإنما هو أمر خارج عن مسمى اللفظ، فاللفظ يطلق ويراد به المعنى حينئذٍ يطلق اللفظ ولا يفهم منه المعنى من جهة دلالة الالتزام وإنما يفهم من خارج كدلالة الأربعة على الزوجية، أربعة في لسان العرب وُضِع للعدد هذا أربعة كونه زوجًا وهو ما قَبِلَ القسمة على اثنين أو قبل الانقسام نقول: هذا أُخذ من ماذا؟ من خارج وهو العقل وأمَّا اللفظ وما وُضع له لا يفهم منه الزوجية كما أن العدد واحد فرد لا يفهم منه الفردية وإنما هو شيء خارج عن مسمى اللفظ لذلك قال: (وَمَا لَزِمْ فَهْوَ التِزَامٌ). (وَمَا)، يعني: المعنى اللازم الذي لزم معناه، يعني: لزم معنى اللفظ. إذا أُطلق اللفظ فُهِم معناه المطابق له في لسان العرب ثم يلزم من هذا المعنى كذا وكذا، فإذا أطلق لفظ الأربعة فُهِمَ منه المعنى المراد في لسان العرب، لكن الزوجية هذا أمر خارج عن مسمى اللفظ هذا يسمى دلالة التزام، ومنه ما ذكره ابن القيم في اسم الرحمن فإنه يدلُّ على صفات أخرى ليست من ذات اللفظ: كالحياة، والعلم، والقدرة هذه كلها يلزم لوصف الرحمن كما نقول: ذات متصفة بالرحمة. إذًا الذات هذه لا تكون إلا حية لا بد من وصفها بالحياة، ولا بد من وصفها بالقيومية، ولا بد من وصفها بالكبرياء والملك إلى آخره حينئذٍ نقول: هذه الصفات لازمة لاسم الرحمن. ولذلك الخلاف بينهم هل أسماء الربّ جلّ وعلا مترادفة أو متباينة؟ ينبني على مثل هذه الدلالات. إذًا نقول: دلالة التزام هي دلالة اللفظ على معنًى خارج عن مسماه لازمٍ له لزومًا ذهنيًّا، إذًا المعنى الذي فهم من اللفظ ليس هو المعنى الذي وُضِع له في لسان العرب بل هو شيء آخر يسمى لازم، والملزوم هو المعنى الذي دلَّ عليه اللفظ بحيث يلزم من فهم المعنى المطابق فهم ذلك الخارج اللازم. الأسد الحيوان المفترس، يلزم منه ماذا يدلُّ على الشجاعة، الشجَاعة هذه مأخوذة من خارج أمَّا اللفظ: حيوان مفترس لا يلزم أن يكون شجاعًا قد يفترس ويكون جبانًا ولا يكون شجاعًا لكن كونه شجاعًا هذا خارجٌ عن مسمى اللفظ، لفظ الشجاعة لم يدلُّ عليها لفظ الأسد وإنما لفظ الأسد وُضِع في لسان العرب ليدلَّ على حيوان مفترس حينئذٍ دلالته على الشجاعة من أين أخذناها؟ نقول: من خارج، فهو لازم للمعنى المطابق له، والأربعة على الزوجية. ودلالة العمى على البصر إذا قيل: فلان أعمى.

ما معنى الأعمى؟ يعني: العمى سلب البصر عدم البصر، إذًا إذا قيل: أعمى يلزم منه أن تفهم معنى البصر لأنك لا يمكن أن تصفه بالعمى إلا إذا أدركت معنى البصر فتفهم أولاً البصر ما هو ثم سلب هذا البصر هو العمى، حينئذٍ لفظ أعمى دلَّ على: معنى البصر لكن هل وضع لفظ أعمى للبصر؟ ما يمكن، لماذا؟ لأنهما متناقضان لا يمكن أن يكون أعمى ومفهومه البصر حينئذٍ نقول: ما معنى أعمى؟ هو عدم البصر ليس مبصرًا، إذًا لا بد أن تفهم معنى كلمة بصر حينئذٍ نقول: لفظ بصر أو معنى البصر لازمٌ خارجٌ عن معنى كلمة أعمى، لا يمكن أن تفهم المعنى المطابقي للفظ أعمى إلا إذا فهمت معنى البصر، هذه تسمى ماذا؟ دلالة التزام، فمعنى البصر خارج ليس هو المعنى الذي وُضِعَ لفظ أعمى له بلسان العرب وإنما المعنى هو عدم البصر هذا معناه في لسان العرب عدم البصر، يعني: نفي البصر، سلب البصر. ما هو البصر لا يمكن أن تسلبه إلا إذا عرفت معنى البصر فصار إدراك معنى البصر لازمٌ خارجٌ عن مسمى أعمى، هل وُضِعَ له في لسان العرب أعمى مفهوم من حيث المفهوم المطابقي له معنى البصر؟ الجواب: لا، اللازم عندنا لازم وملزوم المعنى المطابقي هذا ملزوم وخارج هذه تسمى لازم، ما هو اللازم؟ اللازم هو ما يمتنع انفكاكه عن الشيء، يعني: لا يوجد هذا الشيء إلا ويوجد معه اللازم ما هو اللازم هنا؟ معنى البصر، ما هو الملزوم؟ عدم البصر. عندنا ملزوم، ولازم لا يلتبس عليك، الملزوم هو المعنى المطابقي سلب البصر لازمه إدراك معنى البصر. اللازم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: اللازم في الذهن والخارج معًا، يعني: في الذهن وفي الخارج كدلالة الأربعة على الزوجية، عرفنا الزوجية المراد بها الانقسام إلى متساويين، يعني: ما يقبل القسمة على اثنين، الانقسام إلى متساويين نقول: هذا الزوج. وإذًا أربعة في العقل في الذهن يلزم منه أن يكون زوجًا، وفي الخارج كذلك وهو الزوج. إذًا اللازم هنا اتحد في الذهن وفي الخارج معًا. الثاني: اللازم في الذهن دون الخارج، يعني: فقط في الذهن أمَّا في الخارج لا وجود له كالمثال الذي ذكرناه: الأعمى أو العمى عدم البصر يلزم منه إدراك معنى البصر، لكن هل هو موجود في الخارج؟ لا، يعني أن تقول: زيد من الناس أعمى كيف تفسرها؟ زيد من الناس أعمى حينئذٍ لا تفهم معنى أعمى وصفه بالعمى إلا إذا أدركت أنه مبصر، في الخارج هل هو مبصر؟ لا وإنما هو أمر ذهنيٌّ فقط لهذا لازم في الذهن ولا وجود له في الخارج لأن المصدق واحد ولا يمكن أن يكون الأعمى مبصر إلا إذا افترقا عين مبصرة وعين مسلوبة، أمَّا إذا كان بوصفه العينين حينئذٍ نقول: يمتنع أن يوصف بالعمى والبصر في وقت واحد، وأنت لا يمكن أن تدرك معنى العمى إلا إذا أدركت معنى البصر حينئذٍ اللازم يكون في الذهن فقط لا وجود له في الخارج.

الثالث: اللازم في الخارج فقط، قالوا: هذا كدلالة الغراب على السواد. في العقل لا يلزم أن يكون الغراب أسود قد يكون أبيض، قد يكون أحمر لا مانع لكن في الخارج لا يوجد إلا أسود هذا لازم له، إذا أُطلق لفظ الغراب انصرف من حيث اللون إلى السواد، وهذا لازم له لا ينفك عنه، لكن هل هو لازم عقلي؟ الجواب: لا، الثالث هذا لا يسمى دلالة التزام عند المناطقة الذي لا وجود للذهن من حيث اللزوم وعدمه هذا لا يسمى دلالة التزام عند المناطقة، وإنما يختص بالأول والثاني لا بد أن يكون لازمًا في الذهن سواءٌ كان لازمًا في الخارج كالزوجية للأربعة أو ليس بلازم في الخارج كالبصر للعمى، ولذلك قال: (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ). دلالة الالتزام ما هي؟ وما لزم فهو التزام، متى؟ (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ)، يعني: إن التُزِم هذا اللازم في العقل، الباء هنا بمعنى: في، يعني: لا بد أن يكون اللازم ذِهنيًّا بقطع النظر عن كونه موجودًا في الخارج أو لا، (إِنْ بِعَقْلٍ) (إِنْ) هذا حرف شرط حذف جوابه، وبعقل، يعني: العقل المراد به الذهن القوة المدركة التي يعبر عنها بالنفس كما ذكرناه في الأمس، (إِنْ بِعَقْلٍ) يعني: في عقل (التُزِمْ)، يعني: ذلك اللازم. إذًا دلالة الالتزام نقول: هي دلالة اللفظ على معنًى خارجٍ عن مسماه لازم له لُزومًا ذهنيًّا سواءٌ وجد هذا اللازم في الخارج أو لا، إن لم يكن اللازم لزومًا ذهنيًّا بل كان في الخارج فقط فلا يسمى دلالة التزام فدخل في هذا القيد (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ) نوعان من اللزوم. إذًا هذه أنواع الدلالة الوضعية ثلاثة أقسام: دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام. وهذه تطبق حتى على أسماء الربِّ جلَّ وعلا: كالعليم، والرحمن والرحيم إلى آخره تدلُّ بدلالة المطابقة على الذات مع الوصف، فإذا أريد الذات مع صفة العلم من لفظ العليم فهي دلالة مطابقة، إن أريد به الذات فقط دون الصفة أو الصفة دون الذات حينئذٍ نقول: هذه دلالة تضمن، إن أريد دلالة العليم على الحياة ونحوها من الصفات حينئذٍ نقول: هذه دلالة التزام. واضح هذا. ثم قال: (فَصْلٌ فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ)، يعني: في المسائل التي يبحث فيها عن الألفاظ من حيث الإفراد، والتركيب ونحو ذلك والجزئية، والكلية. والمباحث جمع مبحث اسم مكان بمعنى: بحث، يقال: مبحث كذا، أيْ: مكان بيانه، والمكان هنا كناية عن المسائل إذًا: (فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ)، يعني: في مسائل الألفاظ. هو يريد بهذا الفصل أن يصل إلى البيتين الأخيرين وكل هذه الأبيات التي تسبقها إنما هي مقدمة هو يريد الكليات الخمس، لكن لا يمكن أن تفهم الكليات الخمس إلا إذا عرفت التقسيم الذي سيذكره لأن الكليات الخمس هي مبادئ التصورات، قلنا فيما سبق: أن أنواع العلوم محصورة في التصورات، والتصديقات وكل منهما له مبادئ، وله مقاصد. مبادئ التصورات هي الكليات الخمس التي سيذكرها، ومقاصد التصورات هي المعرفات. وهي مادة المعرفات مادتها الكليات الخمس كما سيأتي. (فَصْلٌ فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ) مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ حَيْثُ يُوجَدُ ... إِمَّا مُرَكَّبٌ وَإِمَّا مُفْرَدُ

فَأَوَّلٌ مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى ... جُزُءِ مَعْنَاهُ بِعَكْسِ مَا تَلاَ وَهْوَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَعْنِي المُفْرَدَا ... كُلِّيٌّ اوْ جُزْئِيُّ حَيْثُ وُجِدَا فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ ... كَأَسَدٍ وَعَكْسُهُ الجُزْئِِيُّ (مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ)، أيْ: المستعمل من الألفاظ. ألفاظ جمع لفظ، واللفظ هو: الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء، وهو قسمان: مهمل، وهو ما لم تضعه العرب كديز مقلوب زيد، ورفعج مقلوب جعفر، ومستعمل وهو ما وضعته العرب. والتقسيم هنا خاص بالثاني كما هو معلوم من كلام النحاة. (مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ) إذًا المستعمل من الألفاظ، يعني: ما وضعته العرب، (حَيْثُ يُوجَدُ)، يعني: في أيِّ مكان يوجد في أيِّ تركيب، (حَيْثُ) هنا للإطلاق (حَيْثُ) للإطلاق، يعني: في أيِّ تركيب وُجد مستعمل الألفاظ لا يخرج عن نوعين: إمَّا مركب كزيد قائم، وإمَّا مفردٌ كزيد. وهذا ذكرناه أيضًا في معنى الإدراك قلنا: تصور، وتصديق. ما هو الإدراك الذي هو الحقيقة العلم مطلق الإدراك وصول النفس إلى المعنى بتمامه، قلنا: المعنى هذا قد يكون معنى لفظٍ مفرد إن تعلق به الإدراك فهو تصور، وقد يكون هذا المعنى معنى لفظٍ مركب زيد قائم، قام زيد جملة فعلية، وجملة اسمية إن تعلق بالإدراك فهو تصديق قال هنا: (مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ). عند المناطقة (إِمَّا) في أيِّ مكان وجد (إِمَّا مُرَكَّبٌ) كزيد قائم قام زيدٌ، يعني: جملة اسمية، وجملة فعلية، (وَإِمَّا مُفْرَدُ) كزيد (فَأَوَّلٌ) الذي هو المركب ما حقيقته عند المناطقة؟ يختلف التعريف المركب عند النحاة والمفرد عند النحاة ليس هو كالمفرد والمركب عند المناطقة، وهذه من الألفاظ التي اتحدت لكنها اختلفت من حيث المعنى (فَأَوَّلٌ) الذي هو المركب الفاء هذه فاء الفصيحة، أول هذا مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعها في مقام التفصيل، (فَأَوَّلٌ مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزُءِ)، جُزُءِ، جُزْءِ هو فيه لغتان، وهنا يتعين الضم من أجل الوزن. جُزْء هذ اللغة الفصحى، وجُزُء فُعُل هذه لغة كذلك فصيحة لكن هنا يتعين الثاني للوزن (مَا)، أيْ: لفظٌ. (دَلَّ جُزْؤُهُ)، يعني: له جزء وهذا الجزء يدلُّ، دل على ماذا؟ (عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) خرج بقوله: (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ).

ما لا جزء له أصلاً مثل ماذا؟ كباء الجر باء الجر هل له جزء؟ هو جزء واحد ليس له جزء، ما له جزء يكون مركب من جزءين فأكثر وهذا ليس له جزء أصلاً كباء الجر، ولام الجر، وواو العطف، وهمزة الاستفهام ونحوه كل ما وضع على حرف واحد فليس له جزء أصلاً خرج به كذلك الثاني ما له جزءٌ لكنه لا يدلُّ على جزءِ المعنى كـ: زَ يَ دَ من لفظ زيد، ز هذا جزء من زيد، ي جزء من زيد، د جزء من زيد هل نقول: زيد يدلُّ على ماذا؟ يدلُّ على ذات مشخصة مشاهدة في الخارج هذا المعنى الذي زيد شخص هل لفظ ز يدلُّ على ما دلَّ عليه زيد أو بعض ما يدلَّ عليه زيد؟ لا، ليس له معنى هو حرف هجاء ليس له معنى حينئذٍ زيد نقول: له جزء ليس كباء الجر ليس له جزء له جزء ولكن هذا الجزء لا يدلُّ على بعض ما دلَّ عليه لفظ زيد لأن لفظ زيد يدلُّ على الذات المشخصة المشاهدة في الخارج وأمَّا ز، وي، ود فهذا ليس له معنًى أصلاً إذًا خرج بقوله: (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ). خرج به نوعان: النوع الأول: ما لا جزء له أصلاً كباء الجر. النوع الثاني: ما له جزء لكنه لا يدلُّ على جزء المعنى الذي دلَّ عليه اللفظ كـ ز من زيد.

(عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) هذا متعلق بدلَّ أكثر الشراح على أن هذا تتميم، يعني: لم يخرج به شيء، (عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) هذا تتميم للتعريف لأنه إذا قال: (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ). إذًا دلَّ على ماذا؟ الذي دلَّ جزؤه قطعًا أنه دلَّ جزؤه على ماذا؟ على بعض المعنى الذي دلَّ عليه ذلك اللفظ إذًا قوله: ... (عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) هذا تميم للتعريف لكن الأوْلَى أن يقال: بأنه خرج به شيء ثالث وهو لفظ أبكم ونحوه مما له جزء لكنه لا يدلُّ على شيء البتة مما يدلُّ عليه لفظ أبكم، أبكم - الأخرص -، يعني: عدم الحديث هذا هو التكلم أب هذا جزء، كم هذا جزء. هل لفظ أب يدلُّ على شيء مما دلَّ عليه أبكم؟ لا، لأن أبكم هذا له معنًى وهو الخرص أب هذا مدلول الأبوة كم استفهامية أو خبرية، إذًا لا تدلُّ على شيء مما دلَّ عليه لفظ أبكم، ولذلك الأوْلَى كما ذكر البيجوري وغيره أن قوله: (عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) خرج به نحو أبكم مما له جزء لكنه لا يدلُّ على جزءٍ معناه لأن المركب الإضافي مثلاً غلام زيدٍ هذا يدلُّ على ماذا؟ على أن ثَمَّ غلامًا منسوبٌ لزيد هذا معناه نسبة هذا الغلام لزيد، غلام لوحدها دلَّت على بعض المعنى الذي دلَّ عليه غلام زيد، وزيد لوحده دلَّ على بعض المعنى الذي دلَّ عليه غلام زيد أليس كذلك؟ غلام زيد يدلُّ على ماذا؟ مفهوم المركب الإضافي مفهومه أن غلامًا منسوب لزيد هذا الغلام منسوب لزيد هذا معناه، طيب غلام لوحدها هل تدلُّ على بعض المعنى الذي دلَّ عليه غلام زيد؟ نعم زيد لوحده يدلُّ على بعض المعنى الذي دلَّ عليه غلام زيد. إذًا هذه يسمى مركبًا، وأمَّا نحو أبكم فهذا لا يدلُّ على جزء معناه إذًا هذا حد المركب، (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) خرج به ثلاثة أشياء. كل ما خرج بهذا الحد وهو ما ليس له جزء أصلاً، أو له جزء لا يدلُّ على جزء المعنى، أو له جزء وله معنى لكنه لا يدلُّ على بعض المعنى الذي دلَّ عليه اللفظ داخل في حد المفرد، ولذلك قال: (بِعَكْسِ مَا تَلاَ). ما الذي تلا؟ بعكس ما تلاه، الضمير هنا المحذوف يعود على المركب بعكس الذي تلاه المركب، ما الذي تلاه المركب؟ [هاه] بعكس الذي تلا المركب نعم، بعكس الذي تلا المركب، ما هو الذي تلا المركب؟ هو المفرد إذًا ما هو المفرد؟ ما لا يدلُّ جزؤه على جزء معناه ما هو المفرد؟ المركب عرفته بالإيجاب، (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) عكسه ما لا يدلُّ جزؤه على جزء المعنى الذي وُضِعَ له في لسان العرب هذا يسمى المفرد. إذًا دخل فيه ما ليس له جزء أصلاً، وما له جزء ولا معنى له كـ ز من زيد، وما له جزء وله معنى لكنه لا يدلُّ على جزء المعنى، وبهذا تعرف أن اصطلاح المفرد هنا هو الذي يعرِّف به كثير من النحاة هناك وهذا غلط، كل تعريف للمفرد عند النحاة يمرُّ بك تعريف المفرد ما لا يدلُّ جزؤه على جزء المعنى فاعلم أنه خطأ لأنه من تداخل الحدود.

المفرد عند النحاة غير المفرد عند المناطقة، لأن محل الخلاف أن عبد الله علمًا هذا عند النحاة قاطبة بإجماع في حقيقته مركب وليس بمفرد، وأمَّا عند المناطقة فهو مفرد لو سميت شخصًا تأبط شرًا، أو عبد الله مركب إضافي، أو حيوان ناطق ونحو ذلك أعلامًا هذه عند المناطقة مثل: زيد مفرد ليس له وجود أن يدلُّ على جزء المعنى، حينئذٍ نقول: هذا يسمى مفردًا عند المناطقة ولا يسمى مفردًا عند النحاة فكيف يعرَّف بتعريف المناطقة؟ على كل قول: (بِعَكْسِ)، يعني: حال كون المركب ملتبسًا بعكس، العكس المراد به العكس اللغوي، يعني: بخلاف (مَا تَلاَ)، يعني: بخلاف المفرد الذي تلا المركب، تلاه. تلا المركب في الذكر، يعني: تبعه، فضمير تلا المستتر يعود إلى ما، والمقدر تلاه هذا يعود للمركب. إذًا ينقسم اللفظ المستعمل إلى مركب، وإلى مفرد ثم المركب ما دلَّ جزؤه على جزء المعنى، والمفرد ما لا يدلُّ جزؤه على جزء المعنى، هذا تعريف ..

ثم قال: (وَهْوَ عَلَى قِسْمَيْنِ) المركب هنا لا بحث للمناطقة فيه وإنما البحث في ماذا؟ في المفرد فذكر المركب من أجل أن تفهم معنى المفرد، ذكر المركب توطئة وتقدمة من أجل أن تفهم المراد بالمفرد والمحك هنا في المفرد. (وَهْوَ عَلَى قِسْمَيْنِ)، يعني: بحسب تشخص معناه وعدم تشخصه (أَعْنِي المُفْرَدَا) جاء بالعناية هنا (أَعْنِي)، يعني: بمصدوق الضمير السابق وهو (المُفْرَدَا)، يعني: لئلا يلتبس بأن التقسيم هنا للمركب لا للمفرد لأنه قدم ذكر المركب وقال: (فَأَوَّلٌ). المركب (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) (وَهْوَ)، أيْ: المركب. لا ليس هذا المراد وإنما المراد المفرد فالقسمان هنا مذكوران للمفرد (وَهْوَ)، أيْ: المفرد (عَلَى قِسْمَيْنِ) اثنين، جملة (أَعْنِي المُفْرَدَا) الألف هذه للإطلاق لئلا يتوهم متوهم أن الضمير في: (وَهْوَ) عائد إلى المركب (كُلِّيٌّ اوْ جُزْئِيُّ)، (كُلِّيٌّ اوْ) بإسقاط الهمزة، يعني: بوصل الهمزة من أجل الوزن (جُزْئِيُّ) الأصل بالتنوين لكن يترك من أجل الوزن، (كُلِّيٌّ اوْ جُزْئِيُّ حَيْثُ وُجِدَا)، يعني: في أيِّ تركيب فالحيثية هنا للإطلاق. (وُجِدَا) الألف هذه للإطلاق. إذًا ينقسم المفرد: إلى كُلِّي وإلى جُزْئِي، ما هو كُلِّي وما هو الجُزْئِي؟ قال: (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ كَأَسَدٍ) كل لفظ أفهم اشتراكًا بين الأفراد في معنًى يسمى كليًّا، يعني: ما لا يختص بفردٍ دون الأفراد يسمى كليًّا، (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ) هذا خبر مقدم، والكلِّيُّ هذا مبتدأ مؤخر، (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ) بين أفراده بمجرد تعقله وتصوره في الذهن نقول: هذا كليِّ. رجل، هذا لفظ نقول: هذا كلِّي. لماذا؟ لأنك إذا تصورت معناه في الذهن ما المراد به؟ هو البالغ، أو الذكر البالغ من بني آدم، وبعضهم يعبر حيوانٌ ناطقٌ بالغٌ ذكرٌ من بني آدم، هذا المعنى موجود في الذهن هل هذا المعنى يختص بفرد دون آخرين؟ أم يشترك فيه أفراد ما لا حصر لهم؟ لا شك أنه الثاني إذًا أفهم اشتراكًا، لما تصورت المعنى العقل لا يمنع الاشتراك في هذا المعنى فزيد من الناس، وعمرو، وخالد، وسعيد إلى آخره كلهم يشتركون في هذا المعنى إذًا لا يختص به واحد دون آخر هذا يسمى ماذا؟ يسمى كليًّا. (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ)، يعني: بين أفراده الموجودة في الخارج، (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ) بين أفراده الموجودة في الخارج حين تعقله هذا يسمى كليًّا، ولذلك بعضهم يعرفه بأنه: ما لا يمنع تعقل مدلوله من وقوع الشركة فيه، ما لا يمنع من تعقل مدلوله، يعني: تصور مدلول اللفظ من وقوع الشركة فيه، مثل حيوان لفظ حيوان هذا يشترك فيه ما لا حصر من الأفراد ورجل، امرأة، أنثى كل نكرة فهي من قبيل الكلِّي، ما لا يمنع تعقل مدلوله من وقوع الشركة فيه إذًا: (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ) الفاء هذه فاء الفصيحة، ومفهم اشتراك مضاف ومضاف إليه وهو خبر مقدم، والكُلِّيُّ هذا مبتدأ مؤخر.

حينئذٍ الكُلِّي يصدق على كثيرين من الأفراد ولا يختص به فرد دون فرد، (كَأَسَدٍ)، يعني: وذلك (كَأَسَدٍ) الكُلِّي مثل له بلفظ أسد مثل جنس كُلِّي، كل أسماء الأجناس كلية اسم الجنس هذا كُلِّي لا يختص به واحد دون آخر بخلاف علم الجنس فهو جزئي، علم الجنس كأسامة هذا يختص به مثل زيد، زَيد من الناس نقول: هذا يختص به دون آخر فإذا قلت: جاء زيد. لا يدخل تحته فرد آخر وإنما يختص بفرد واحد وهو مشخص. حينئذٍ نقول: ما لا يمنع الاشتراك فهو كُلِّيٌّ كالأسد هذا يصدق على كل أسامة بأنه أسد فهو اسم جنس وهو كُلِّيٌّ، (وَعَكْسُهُ الجُزْئِِيُّ) عكس ماذا؟ ما لا يفهم اشتراكًا بل اختص به فرد دون آخر، (وَعَكْسُهُ)، أيْ: خلافه. (الجُزْئِِيُّ) فهو ما لا يفهم الاشتراك بين أفراده، يعني: ما يكون معناه مشخصًا لا يصدق على كثيرين كالأعلام نقول: هذه خاصة لا تقبل الاشتراك البتة كـ زيد، وخالد، وعمرو إلى آخره نقول هذه لا تقبل الاشتراك البتة، أو إن شئت قل: ما يمنع تعقل مدلوله من وقوع الشركة فيه عكس الكُلِّي فإذا تصوره وتعقله الإنسان في ذهنه حينئذٍ يمنع أن يدخل فرد آخر تحت مدلول هذا اللفظ، والاشتراك المراد به هنا الاشتراك المعنوي. الاشتراك نوعان سيأتي في الفصل القادم، الاشتراك المشترك: ما اتحد اللفظ وتعدد المعنى مثل عين هذا مشترك، لكن المراد هنا الاشتراك ليس هو الاشتراك العادي، إنما المراد به بالاشتراك المعنوي: أن يتحد اللفظ والوضع والمعنى وتتعدد الأفراد المشتركة في ذلك المعنى. إذًا هنا الاتحاد حصل في اللفظ والوضع والمعنى، بخلاف المشترك الآتي فهو: متحد في اللفظ فقط والمعنى مختلف متعدد وكذلك الوضع متعدد إذا قيل: رجل. نقول: هذا مشترك بين أفراده. اشتراك معنوي أو لفظي؟ نقول: لا اشتراك معنوي. لماذا؟ لأن اللفظ واحد فتقول: زيدٌ رجل، وعمروٌ رجل، وخالدٌ رجل. إذًا اللفظ واحد، هل الوضع هنا متعدد؟ نقول: لا الوضع واحد وُضِع مرة واحدة بخلاف لفظ العين، لفظ العين هذا مشترك لفظي وُضِعَ وأريد به العين الباصرة، ثم وُضِعَ وضعًا آخر وأريد به العين الجاسوسة، ثم وضع وضعًا ثالثًا فإذا قيل: بأنه يصدق على ثلاثين معنى حينئذٍ وضع ثلاثين مرة، هذا الاشتراك اللفظي ولذلك إذا قيل: زيد مثلاً، زيد هذا زيد وهذا زيد متعدد هل هذا مشترك معنوي أو لفظي؟ نقول: هذا مشترك ماذا؟ [مشترك معنوي، لأن المعنى المدلول واحد] (¬1) نعم هذا مشترك لفظي وليس بمشترك معنوي مشترك لفظي بمعنى أنه إذا وُضِعَ زيد وأريد به شخص بعينه حينئذٍ إذا سمي به شخص آخر فالوضع ليس هو عين الوضع السابق، ولذلك نقول هنا: الاشتراك المراد به الاشتراك المعنوي، وهو أن يتحد اللفظ والوضع والمعنى، وأمَّا المشترك اللفظي فاتحد اللفظ وتعدد الوضع وتعدد المعنى. فرقٌ بين النوعين (وَعَكْسُهُ الجُزْئِِيُّ). ثم قال: وَأَوَّلاً لِلذَّاتِ إِنْ فِيهَا انْدَرَجْ ... فَانْسُبْهُ أَوْ لِعَارِضٍ إذَا خَرَجْ ¬

_ (¬1) سبق.

(أَوَّلاً) بدأ في تعريف الكل لأنه سيصل إلى الكليات الخمس التي هي مبادئ التصورات. (وَأَوَّلاً لِلذَّاتِ) ما هو الأول؟ الكُلِّي عرفنا المراد بالكُلِّي، ما أفهم اشتراكًا ينقسم إلى قسمين: كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، وكُلِّيٌّ عَرضي. الكُلِّي قسمان: كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، وكُلِّيٌّ عَرضي. ولذلك قال: (وَأَوَّلاً). الذي هو الكُلِّي (لِلذَّاتِ إِنْ فِيهَا انْدَرَجْ فَانْسُبْهُ)، يعني: انسب أولاً للذات فقل: كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ إذا نسبته قلت: كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ. متى؟ إذا اندرج في الذات، إذا دخل في الذات التي أردت حدها وتعريفها كان جزءًا منها حينئذٍ يسمى كُليًّا ذاتيًّا لماذا؟ لأن هذا الكُلِّي جزء ذاتي فإذا دخل في الذات اندرج فيها حينئذٍ يسمى كليًّا ذاتيًّا، (وَأَوَّلاً لِلذَّاتِ إِنْ فِيهَا) يعني: في ماهية أفراده (انْدَرَجْ) كالحيوان بالنسبة للإنسان نقول: هذا جزء الذات، وهو جنس وكذلك الناطق هذا جزءٌ ذاتي. إذًا الجنس والفصل كليَّان ذاتيَّان اختص الشطر الأول هذا من الكليات الخمس بالجنس والفصل، وكل منهما كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ لماذا؟ لأنه داخل في الذات فهو جزء من الذات، (وَأَوَّلاً لِلذَّاتِ إِنْ فِيهَا)، يعني: في ماهية أفراده (انْدَرَجْ) بأن كان جزءًا منها وهذا يختص بالجنس والفصل، هكذا عَبِّر: يختص بالجنس والفصل. فالجنس كُلِّيٌّ ذاتي، والفصل كٌلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، (فَانْسُبْهُ أَوْ لِعَارِضٍ إذَا خَرَجْ)، يعني: انسبه لعارض فقل: كُلِّيٌّ عَرَضِيٌّ. متى؟ إذا خرج عن الذات بأن لم يكن جزءًا من الذات وهذا يدخل فيه العرض العام والخاصة. إذًا قوله: (وَأَوَّلاً) هذا مفعول به لفعل محذوف، أيْ: انسب أولاً، لا بالاشتغال وفيه اعتراض بينته في الشرح هناك المطول، (وَأَوَّلاً لِلذَّاتِ)، يعني: انسب أولاً الذي هو الكُلِّي للذاتي فقل: كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ متى؟ إن اندرج فيها، يعني: في الذات. ... (أَوْ لِعَارِضٍ)، يعني: انسبه لعارض فقل: كُلِّيٌّ عَرَضيٌّ إذا خرج عن الذات بأن لم يكن جزءًا منها حينئذٍ ماذا؟ عُلِمَ مما سبق أنَّ ما كان جزء الماهية قلنا: هذا جنسًا كان أو فصلاً فهو كُلِّيٌّ ذاتي فالجنس كُلِّيٌّ ذاتي وهو في الكليات الخمس الآتي ذكرها. الفصل كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، وما كان خارجًا عنها عن الذات خاصةً أو عرضًا عامًا فهو: كُلِّيٌّ عَرَضِيّ. هذه أربعة أنواع من الكليات الخمس ماذا بقي؟ بقي نوع واحد وهو: النوع. النوع كالإنسان هل هو كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، أو كُلِّيٌّ عَرَضِي؟ ظاهر النظم أنه واسطة بينهما، لا ينسب لهذا ولا لذاك لأنه قسَّم الكليات الخمس إلى نوعين: كُلِّيٌّ ذاتي، وكُلِّيٌّ عرضي. الأول اختص به الجنس، والفصل.

والثاني اختص به العرض العام، والخاص. سبق النوع إذًا ليس كُليًّا ذاتيًّا ولا كليًّا عرضيًّا. وهذا قضية النظم فهو واسطة بينهما وهذا أحد أقوال ثلاثة: أفيد النوع كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، النوع كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، وقيل: كُلِّيٌّ عَرَضِي. فهي ثلاثة أقوال في النظم، على ما اختاره الناظم هنا: أنه ليس بكُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ ولا عَرَضِي، لكن من قال: بأن النوع الذاتي حينئذٍ لا بد أن يفسر الذات بما ليس خارجًا عن الماهية بأن كان جزئها أو تمامها، لأن الإنسان هذا نوع هذا ليس داخلاً في جزء الماهية وليس خارجًا عنها وإنما هو تمام الماهية، حينئذٍ كيف نجعله جزءًا للذات أو خارجًا عن الذات وليس بالأول ولا بالثاني؟ قالوا: إذًا لا بد أن نغير التعريف الذاتي فنقول: الذاتي ما ليس خارجًا عن الماهية، يعني: كان جزئها أو تمامها. تمامها هو: النوع، لأن النوع ليس داخلاً في جزء الماهية ولا خارجها بل هو تمام الماهية. إذًا لا بد من إدخاله ونجعله كُليًّا ذاتيًّا، والقول الثالث من قال: بأن النوع عَرَضِي، فسَّر العَرَضي بما ليس داخلاً فيها بأن كان تمامها أو خارجًا عنها، على كلٍّ هذا الخلاف لا ينبني عليه شيء من العمل. ثم قال رحمه الله: (وَالكُلِّيَاتُ خَمْسَةٌ دُونَ انْتِقَاصْ). هاه ما سبق في المسألة هذا يظهر من التعريف: الجنس والفصل عرضًا سيأتي إن شاء الله، وَالكُلِّيَاتُ خَمْسَةٌ دُونَ انْتِقَاصْ ... جِنْسٌ وَفَصْلٌ عَرَضٌ نَوْعٌ وَخَاصْ

انظر أرباب المتون عندهم ترتيب عقلي جيد للطالب يساعد، انظر أول الفصل قسَّم لك مستعمل الألفاظ إلى مركب، ومفرد. ثم قسَّم المفرد إلى نوعين إلى: كُلِّي وجُزْئِي. وهو لا يريد المركب، ولا يريد الجزئي، ثم قسم الكُلِّي إلى: ذاتي وعرضي، ثم جاء إلى المقصود قال لك: (وَالكُلِّيَاتُ خَمْسَةٌ) عرَّفنا معنى الكليات وأنها لفظ مفرد وليس بمركب، وأنه يقابل الكُلِّي الجُزْئِي ترتيب عقلي لذلك من يسير على طريقة المتون عقليته تكون مرتبة، (وَالكُلِّيَاتُ) كُلِّيَّا، كُلِّي أصلها كُلِّيّ بتشديد الياء لكن الوزن خففه، يعني: حذف إحدى الياءين (وَالكُلِّيَاتُ) جمع كُلِّي (خَمْسَةٌ)، يعني: منحصرة في خمسة أنواع. كُلِّي الذي عرفه بقوله: (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ كَأَسَدٍ) هذه خمسة أنواع (دُونَ انْتِقَاصْ)، يعني: من غير نقص، أيْ: ولا زيادة. من غير نقص ولا زيادة أيضًا هذا اكتفاء كقوله: ... {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]، أيْ: والبرد ففيه اكتفاء الأول (جِنْسٌ) فهذا خبر لمحذوف، (وَفَصْلٌ عَرَضٌ)، يعني: عام لا بد من تقيده عام، حينئذٍ هذا نعت حذف للعلم به عرض عام. (نَوْعٌ)، أيْ: ونوعٌ وعرضٌ ونوعٌ على حذف الواو (وَخَاصْ) أصلها: خاصّةَ بالتشديد والتاء. خاصّةَ لكن فخمه من أجل الوزن وخفف الصاد من أجل الوزن إذًا فخمها ضرورة بحذف التالي ثم خفف الصاد، والأصل: خاصَّة. إذًا عندنا خمسة أنواع من الكليات: الجنس وتعريفه كُلِّيٌّ مقول على كثيرين مختلفين في الحقيقة، كُلِّيٌّ لا بد أن نأخذ الكُلِّي جنس، لا بد أن نأخذ الكُلِّي جنسًا في حد الجنس، لماذا؟ لأننا إذا أردنا أن نقسِّم شيء إلى أشياء لا بد أن نأتي بالمفصول في ضمن الحد فإذا قلت مثلاً الكلمة: اسمٌ، وفعلٌ، وحرف. أردت أن تُعَرِّف الاسم ما هو المقصود؟ الكلمة إذًا لا بد أن تأخذ الجنس أول ما تبدأ بالمقصود تقول: الاسم كلمةٌ دلَّت على معنى. الفعل ما هو؟ كلمة دلَّت على معنى، الحرف: كلمةٌ دلَّ على معنى في غيره. إذًا لا بد أن تأخذ أول ما تأخذ الاسم المقصود وهنا أراد أن يقسِّم ماذا؟ الكُلِّي إذًا تقول: الكُلِّي ينقسم إلى جنس، وفصل إلى آخره ما هو الجنس؟ هو كُلِّيٌّ. إذًا شَمِل الكليات الخمس دخل في الكليات الخمس، كما نقول: الاسم: كلمة. كلمة دخل فيها: الاسم، والفعل والحرف فنحتاج إلى قيد لإخراج الفعل وإخراج الحرف هنا نقول: الجنس كُلِّيٌّ. مقول على كثيرين، يعني: محمول في الإخبار على كثيرين، قال: والقول ومقول عند المناطقة بمعنى: الحمل. يعني: يصدق على كثيرين، كثِيرين هذا جمع: كثير، وأقلُّ الكثرة ثلاثة لكن ليس مرادًا هنا، وإنما المراد اثنين فصاعدًا. كُلِّيٌّ مقول على كثيرين مختلفين في الحقيقة في جواب ما هو كالحيوان. كُلِّي هذا شامل لجميع الكليات فهو جنس، والمراد بالكثيرين ما يشمل اثنين فأكثر، وفي التعبير مسامحة تراهم كثيرين وهذا غير مراد، إنما المراد به اثنين فأكثر. مختلفين في الحقيقة قلنا: كُلِّيٌّ مقول على كثيرين. على كثيرين هذا خرج به الحد، لأن الحد مقول على شيء واحد، تريد أن تعرِّف الصلاة فقط حينئذٍ الحدّ لا يصدق إلا على الصلاة.

حينئذٍ محمول على واحدٍ فقط لا على اثنين فأكثر، تريد أن تعرِّف معنى الجنس حينئذٍ تعريفه لا يصدق إلا على واحد. إذًا التعاريف كلِّها أو كلُّها لا تصدق إلا على واحد فقط فهو كُلِّيٌّ مقول على واحد فقط. إذًا خرج بقوله: على كثيرين الحد التعريف - يعني -. مختلفين في الحقيقة. خرج النوع، لأن النوع: كُلِّيٌّ مقولٌّ على كثيرين متفقين في الحقيقة. لفظ إنسان هذا له أفراد ما هو الإنسان؟ حيوان ناطق، له أفراد ما هي أفراده؟ زيد، وعمرو، وخالد، وبكر إلى آخره. هذه الأفراد متحدة في معنى الإنسان، هل هي مختلفة أو متفقة في معنى الإنسان حيوان ناطق؟ زيدٌ حيوانٌ ناطق، وعمروٌ حيوانٌ ناطق. إذًا المعنى موجود في جميع الأفراد وهي متحدة بخلاف لفظ الحيوان فإنه مقول على كثيرين لكنها ليست متحدة لأن أفراد الحيوان إنسان، وفرس، وبغل، وحمار إلى آخره هذه متحدة أو مختلفة؟ هذا قطعًا إنها مختلفة. إذًا حيوان لفظ حيوان هذا جنس محمولٌ مقولٌ يصدق على أفراد كثيرين لكنها ليست متحدة في الحقيقة بل هي مختلفة، فالإنسان مختلف في ذاته عن الفرس، والفرس مختلف بذاته عن الحمار، وأمَّا لفظ إنسان له أفراد وهو زيد، وعمرو، وخالد إلى آخره من حيث الحقيقة كلّها متحدة. نعم قد يكون ثَمَّ ما فاصل بين الأفراد لكن بشيء خارج وهو الطول، والعرض، والسواد، والسمر .. إلى آخره. إذًا مختلفين في الحقيقة خرج النوع في جواب ما هو، في جواب يعني: لا بد أن يقع في جواب. سؤال فتقول مثلاً: ما الإنسان، والفرس، والحمار؟ تقول: حيوان. نريد جواب مشترك يصدق على الكل لو قال قائل: ما الإنسان، والفرس، والحمار؟ ايت بلفظ مشترك يصدق على الجميع تقول: حيوان. إذًا وقع في جواب ما هو، ما الذي لا يقع في جواب أصلاً عند المناطقة؟ هو العرض العام فقط حينئذٍ كونه وقع في جواب نقول: خرج به العرض العام، ما هو هذا خرج به الفصل والخاصة إذًا هذا حد. الجنس كُلِّي مقولٌ على الآخرين مختلفين في الحقيقة، أو إن شئت قل: الجنس هو جزء الماهية الصادق عليها وعلى غيرها. جزء الماهية هذا حقيقة الجنس لأنه كُلِّيٌّ ذاتي الصادق عليها وعلى غيرها، حينئذٍ تقول: الحيوان جزء من الإنسان فيصدق على الإنسان لكن هل يختص به الإنسان؟ لا، وإنما يصدق على الإنسان لكونه جزء الماهية ويصدق على غير الإنسان كالفرس والحمار وهذا تعريف واضح. جزء الماهية الصادق عليها على الماهية وعلى غيرها حينئذٍ لا يختص به الإنسان دون غيره، (جِنْسٌ وَفَصْلٌ)، الفصل هو جزء الماهية الصادق عليها في جواب أيُّ شيء هو في ذاته، أو إن شئت قل ما صدق في جواب أيِّ شيء هو في ذاته، وهذا يمثلون بالفصل بالناطق. إذا قيل: الناطق فالمراد به القوة التي يفكر بها ليس النطق باللسان. كونه ناطقًا، يعني: مفكرًا عنده عقل، وعنده ذهن، وقوة مدركة وليس المراد بالنطق هنا: النطق باللسان. جزء الماهية الصادق عليها في جواب أيُّ شيء هو في ذاته، يعني: حال كونه مندرجًا في ذاته، وإذا عرفته بالثاني ما صدق في جواب أيُّ شيء هو في ذاته ما هذا الجنس وقع على كلِّ كأنك تقول: كُلِّيٌّ فحينئذٍ شَمِلَ جميع الكليات.

صَدَقَ في جواب قلنا: خرج به العرض العام لأن العرض العام هذا لا يكون في جواب لا يقع في جواب. أيُّ شيء هذا الخبر للجنس والنوع لأن السؤال عند المناطقة اثنان فقط، ما هو أيُّ شيء هو، ما هو؟ هذا السؤال يسأل به عن الجنس والنوع، أيُّ شيء بأيّ لا بما، أيُّ شيء هذا يسأل به عن العرض العام نعم، يسأل به عن الفصل والخاصة. وأمَّا النوع فليس داخلاً كما سبق. حينئذٍ السؤال محصور في اثنين: بما، وأيّ. ما الذي يسأل عنه بما؟ نقول: الجنس. الجنس وماذا؟ الذي يسأل عنه بـ: ما، الجنس ... [لا إنه لا يسأل عنه بـ: ما]، الجنس والنوع نعم، والذي يسأل عنه بـ: أيّ هذا الخاصة والفصل، ولذلك هنا قال: ما صدق في جواب أيُّ شيء خرج الجنس والنوع لأن السؤال في الجنس والنوع يكون بـ: ما، هو في ذاته خرج الخاصة الخاصة يسأل عنها: بأيّ شيءٍ هو في عرضه، .... #1:00:37 فصل العرض وكل عرض عام وهو الكُلِّيُّ الخارج عن الماهية. إذًا حد الجنس والفصل كلاهم يشتركان بأنه جزء الماهية، يعني: جزء من الماهية بحيث لو فات هذا الجزء لما وُجِدَ الفرد أو النوع، فإذا قيل: الإنسان حيوان ناطق. حيوان هذا جنس، وناطق هذا فصل. إذا قلت: الإنسان حيوان. صحَّ؟ ما صحَّ التعريف، لماذا؟ كأنك قلت: الإنسان فرس لأن الحيوان دخل فيه الفرس ودخل فيه الحمار والبغل وغيرها حينئذٍ الحيوان جزء ماهيّة لكن هل يتم الحد بها؟ الجواب لا، لا بد من ذكر الشيء الثاني وهو الناطق. حينئذٍ لما قلت الناطق اختص الحدّ بالإنسان العرض العام هو الكُلِّيُّ الخارج عن الماهيّة الصادق عليها وعلى غيرها، على غيرها خرج به الخاصة، خلق المتحرك هذا عرض عام، يعني: شيء ليس داخلٌ في جزء الماهية، قد يولد الإنسان ولا يتحرك، أليس كذلك؟ قد يولد الإنسان ولا يمشي، المشي هذا عرض عام، بمعنى: أنه ليس داخلاً في الماهية بحيث يوجد الفرد ولو لم يكن ماشيًا ولو لم يكن متحركًا، حينئذٍ الحركة والمشي نقول: هذا عرض عام، لماذا عرض عام؟ لأن يصدق على الإنسان وعلى غيره، صفة المشي ليست خاصة بالإنسان، الإنسان يمشي والحيوان الفرس يمشي كذلك سائر الحشرات تمشي، كذلك الحركة الإنسان يتحرك يقوم ويجلس إلى آخره وكذلك غير الإنسان يتحرك. إذًا هذا عرض لكنه عام، يعني: لا يختص بالإنسان. أمَّا العرض الخاص، يعني: الوصف الذي يكون خارجًا عن الماهيّة يختص بالإنسان هذا مثَّلوا له: بالضحك، قالوا: الضحك هذا لا يوجد حيوان يضحك إلا الإنسان والله أعلم، انتفت حينئذٍ نقول: هذا وصفٌ خارجًا عن الماهية لكنه خاص بالإنسان لماذا؟ لعدم وجود من يشارك الإنسان في هذه الصفة بخلاف المشي والمتحرك. إذًا عندنا عرض عام، وعرض خاص. العرض الخاص هذا الذي يسمى بالخاصة. العام والخاص كلٌّ منهما وصف خارجٌ عن ماهيّة الإنسان، لكن في العرض العام يشاركه غيره وفي العرض الخاص لا يشاركه غيره. (وَفَصْلٌ عَرَضٌ)، يعني: عام، (نَوْعٌ).

النوع هو الكُلِّي المقولُ على كثيرين متحدين في الحقيقة في جواب ما هو كالإنسان، عرَّفنا ما سبق في حد الجنس: أن الجنس يصدق على كثيرين لكنهم مختلفون في الحقيقة، والنوع يصدق على كثيرين لكنهم متفقون في الحقيقة كزيد، وعمرو، وخالد يطلق عليهم لفظ إنسان وهو نوع ولكن هذه الأفراد متحدة في ماذا؟ متحدة في المعنى، حيوانٌ ناطق. زيدٌ حيوان ناطق، وعمروٌ حيوان ناطق، وخالدٌ حيوان ناطق فكلها متحدة في هذا المعنى، لأن معنى الإنسان هو هذا التركيب حيوان ناطق. هذا موجود بذاته في عمرو، وموجود في خالد، وموجود في محمد وإلى آخره. وإن كان ثم تفاوت بين الأفراد فهي لصفات عارضة، لصفات عارضة كالطول والقصر إلى آخره لكن هذا القدر مشترك. إذًا النوع كُلِّيٌّ مقولٌ على كثير متحدين في الحقيقة بجواب ما هو كإنسان. (وَخَاصْ)، يعني: خاصة وهذا يسميه البعض بالعرض الخاص. العرض الخاص هو الخارج عن الماهيّة الخاص بها، خارج عن الماهية لكنه خاصٌّ بها، كالضاحك أو الضحك بالنسبة للإنسان، والمراد هنا الضحك، يعني: بالقوة، الإنسان قد لا يضحك إذا قيل: بأن الضحك وصفٌ خاص بالإنسان يشمل الضحك بالفعل والضحك بالقوة، يعني: قد يكون نائمًا ولا يضحك أو جالس ولا يضحك هل انتفى عنه وصف الضحك؟ نقول: لا، كونه قابلاً للضحك لو وُجِد سببه. كونه قابلاً هذا يسمى ضاحك، ضَاحك بقوة وكل وصفٍ للإنسان ينقسم إلى هذين القسمين، كلُّ وصف: النوم، والأكل، والشرب، والجوع، والعطش، والحزن، والبكاء كل هذا. فالإنسان باكٍ أربع وعشرين ساعة، ونائم أربع وعشرين ساعة، كيف نائم أربع وعشرين ساعة إن كان نائم بالفعل فهو نائم بالفعل، وإن لم يكن وهو مستيقظ حينئذٍ تقول: هذا نائم لكنه بقوة، يعني: قابل للنوم. كذلك الأكل ممكن يأكل أربع وعشرين ساعة لا يَفْتُر يكون آكلاً بالفعل إذا كان يأكل، ويكون آكلاً بالقوة بمعني: أنه قابل للأكل، وهكذا في الكتابة ونحوها. وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ بِلاَ شَطَطْ ... جِنْسٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ أَوْ وَسَطْ

(وَأَوَّلٌ) ما هو الأول؟ الجنس، أراد أن يقسِّم الجنس وأراده مبتدأ فهو ابتدأ به لكونه وقع في مقام التفصيل، (وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ)، يعني: الجنس يقسَّم إلا ثلاثة أقسام، (بِلاَ شَطَطْ)، يعني: بلا زيادة ولا نقص بالاستقراء والتتبع، (جِنْسٌ قَرِيبٌ)، (جِنْسٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ)، يعني: جنس بعيد، أو وسط جنس متوسط. عرفنا المراد بالجنس، ثم هو ثلاثة أقسام: جنسٌ قريب، جنسٌ بعيد، جنس وسطٌ، يعني: متوسط ما هو الجنس القريب؟ سمي قريبًا لقربه من النوع، وهو ما لا جنس تحته، يعني: الجنس قد يكون متداخلاً بعضها تحت بعض، ما لا جنس تحته هذا يسمى جنس القريب، يعني: أقرب الأجناس للإنسان هو الحيوان مع كونه بعد الحيوان في نامه، أو متحرك هذا جنس، يعني: مقول على كثيرين مختلفين في الحقيقة إذا قيل نامٍ، يعني: ما يقبل النمو، هذا يدخل تحته النبات، وتحته الحيوانات، وتحته الإنسان إلى آخره فهو جنس، يعني: يصدق على كثيرين مختلفين بالحقائق، لكن ما قربه من جهة الإنسان؟ نقول: بينهما جنس وهو الحيوان، إذًا الحيوان أقرب الأجناس إلى الإنسان، ليس تحته جنسٌ ألبتة لذلك سمي: جنسًا قريب. إذًا الجنس القريب ما لا جنس تحته وإنما تحته [حيوان] (¬1)، تحته الأنواع فقط كالحيوان، الحيوان هذا جنس وتحته الإنسان، والبغل ونحو ذلك. وفوقه النامي، فوق الحيوان النامي. (أَوْ بَعِيدٌ) (أَوْ) للتقسيم، (بَعِيدٌ)، يعني: لبعده عن النوع نسبيًا وهو ما لا جنس فوقه، يعني: أعلى الأجناس هذا مختلف فيه هل هو موجود أو لا، أعلى الأجناس لفظ جوهر، يعني: ليس فوقه جنس ألبتة، ما لا جنس فوقه وتحته أجناس كالجوهري (أَوْ وَسَطْ)، يعني: متوسط، ما فوقه جنس وتحته جنس. فالجسم فوقه الجوهر وتحته الحيوان. جسم هذا جنس يصدق على كثيرين مختلفين في الحقيقة، فوقه جنس وهو الجوهر، وتحته جنس وهو الحيوان. إذًا الأجناس متداخلة أعلى الأجناس هو أبعدها، وأقرب الأجناس هو أقربها بالنسبة لنوع الإنسان وما بينهما يعتبر متوسطًا ثم قال رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي نِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي) كما ذكرنا أن بحث المناطقة في هذه الألفاظ إنما هو عرضي، يعني: تابع وإلا الأصل بحثه في المعاني (فَصْلٌ فِي نِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي) ونسبة معنى لفظ إلى معنى لفظٍ آخر، يعني: سيكون النظر في أمور. أولاً نسبة المعنى للفظ للعلاقة ما العلاقة يبنهما؟ ثم معنى لفظ إلى معنى لفظ آخر، ثم لفظ مع لفظ. هذه ثلاثة أقسام كلية يدخل تحتها خمسة أنواع سيذكرها الناظم. ونسبة معنى لفظٍ إلى معنى لفظ آخر، ونسبة لفظٍ إلى لفظٍ آخر ليدخل التراجح. فالنظر في الماعني مع الألفاظ إمَّا أن ينظر للمعنى بالنسبة للفظه هو، وإمَّا معنى لفظ مع معنى لفظ آخر، وإمَّا لفظ مع لفظ. الأخير هذا من أجل إدخال التراجح، قال هنا: وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي ... خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بِلاَ نُقْصَانِ ¬

_ (¬1) سبق.

(وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي) اللام هنا بمعنى: معى. يعني: معى المعاني إذا أردنا أن ننظر للفظ مع المعنى، وهذا ذكر الأهم وإلا النظر يكون بالنسبة للفظ مع المعنى، ومعنى لفظ مع معنى لفظٍ آخر، ولفظٍ مع لفظ. ولكن ذكره اختصارًا فقط. (خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بِلاَ نُقْصَانِ)، (لِلْمَعَانِي) جمع معنى، وعرفنا أنَّ المعنى ما يُعْنَى، يعني: أن يُقْصَد، فيشمل الأفراد، يعني: يدخل فيه الأفراد وهذا هو المراد هنا، (خَمْسَةُ أَقْسَامٍ) هذا خبرٌ مبتدأ نسبة الألفاظ مع المعاني خمسةُ أقسامٍ، (بِلاَ نُقْصَانِ) ولازيادة، يعني: دلَّ الاستقراء على أنَّ الخمسة هي المرادة حينئذٍ لا زيادة ولا نقص. تَوَاطُؤٌ تَشَاكُكٌ تَخَالُفُ ... وَالِاشْتِرَاكُ عَكْسُهُ التَّرَادُفُ

هذه خمسة: التواطؤ، والتشاكك، والتخالف أراد به التباين، والاشتراك أيْ: اللفظ، والترادف هذه خمسة أنواع. وهذه كلها تقسيم للكلِّي، الجزئي انتهى بحثه. فنقول: الكُلِّيُّ إن كان معناه واحدًا فإن كان مستويًا في أفراده فالنسبة بينه وبين أفراده: تواطؤٌ كالإنسان. الإنسان معناه حيوانٌ ناطق حينئذٍ زيد، وعمرو، وخالد هذه أفراد، المعنى الذي هو الحيوانية الناطقية استوت الأفراد فيها لا يزيد عمروٌ عن خالد في هذا المعنى وإنما المعنى متحد، هذا يسمى ماذا؟ يسمى: متواطئًا، والتواطؤ هو: التوافق، فهذه الأفراد توافقت وتواطئت في أصل المعنى الذي دلَّ عليه لفظ إنسان، وما هو الاستواء في الحيوانية والناطقية فليس هذا أكثر من هذا المعني من الثاني، وإنما كلهم الأفراد كلها مستوية في ذلك. إذًا فإن كان مستويًا في أفراده فالنسبة بينهم وبين أفراده: تواطؤٌ. كالإنسان فإن معناه لا يختلف في أفراده، ويسمى ذلك المعنى: متواطئًا لتواطئ أفراده أيْ توافقها فيه، فإن أفراد الإنسان كلها متوافقة في معناهم الحيوانية والناطقية، وإنما الاختلاف بينهم بعوارض خارجة كالبياض والسواد، والطول والقصر ونحو ذلك، هذه الصفات لا تعتبر داخلة في مفهوم الإنسان الطول والقصر ليست داخلة في ماهية الإنسان، وإنما هو يقصد عارضٍ خارج عنه، والذي يعتبر جزء الماهية وحقيقة الإنسان هو الحيوان الناطق هذه الأفراد كلها مستوية فيها، هذا يسمى ماذا المعنى يسمى: متواطئًا، وكذلك اللفظ يسمى: متواطئًا، وهذا إنسان، وهذا إنسان، وهذا إنسان اللفظ متوافق، تقول: زيدٌ إنسان، وعمروٌ إنسان، وخالدٌ إنسان هذا نقول ماذا؟ متواطئ من حيث اللفظ، ومن حيث المعنى كذلك: متواطئ، فما دلَّ عليه إنسان عند زيد هو الذي دلَّ عليه لفظ إنسان عند عمروٍ، ولذلك قال: (تَوَاطُؤٌ)، أيْ: توافقٌ، (تَشَاكُكٌ)، أيْ: وتشاكك، على حذف حرف العطف فإن كان معناه مختلفًا قلنا: في الأول التواطؤ إن كان معنى الكلِّ واحدًا وهو مستوٍ في أفراده، إن اختلف في أفراده هو الذي يسمى: (تَشَاكُكٌ) كالبياض مثلاً، البياض هذا يختلف هذا أبيض، وهذا أبيض، وهذا أبيض لكن هذا البياض شديد قوي جدًا وهذا ضعيف إلى آخره. إذًا النسبة ليست واحدة، ليست كالحيوانية الناطقية هنا، وإنما هنا حصل تفاوت في القوة والضعف، هذا يسمى: (تَشَاكُكٌ)، فإن كان معناه مختلفًا في أفراده قوةً وضعفًا كالنورِ فإن معناه في الشمس أقوى منه في القمر، النور هو النور لكنه يختلف قوةً وضعفًا، حينئذٍ نقول هذا: مشكك، وكالبياض فإن معناه في العادة أطول منه في الثوب فالنسبة بينه وبين أفراده: (تَشَاكُكٌ) ويقال بالمعنى: مشكك كما أنه يقال للفظ: مشكك، لماذا سمي مشككًا؟ لأن الناظر إذا نظر في الأفراد باعتبار أصل المعنى ظن أنه متواطئ.

النور له أصل قبل أن يكون قويًا وضعيفًا، لو نظرت للأفراد في النور قلت هذه متواطئة مثل الإنسان، وإذا نظرت إلى القوة والضعف كأنك ظننت أنها متباينة فشكك هل هذا المعنى متحد في أفراده المتواطئة؟ أم أنه متباين؟ إذا نظرت إلى القوة والضعف ذهب ذهنك إلى التباين لأنها مختلفة، وإن نظرت إلى أصل النور وأصل البياض قلت هذه متواطئة وحصل تردد لأن الناظر إذا نظر في الأفراد باعتبار أصل المعنى ظنه متواطئًا، وإذا نظر باعتبار التفاوت ظنه مشتركًا فحصل له التشكك ليس تباينًا إنما هو مشترك لذلك قال هنا: (تَشَاكُكٌ)، يعني: وتشاكك (وَتَخَالُفُ)، يعني: تباين هذا النوع الثالث. لكن النظر هنا ليس بين المعنى واللفظ، وإنما هنا النظر بين معنى الفظ وبين معنى لفظٍ آخر ليس في اللفظ نفسه التواطؤ، والتشاكك الحكم فيه بين اللفظ والمعنى في أفراده، لا نقول هي لفظٍ آخر، وأمَّا التباين فلا، وإنما يكون بين معنى لفظٍ ومعنى لفظٍ آخر، فإن لم يصدق أحدهما على شيءٍ من ما صدق عليه الآخر فالنسبة بينهما تخالف وهكذا كالإنسان، والفرس ما العلاقة بينهما تباين. كلُّ لفظين لا يصدق أحدهما على ما صدق عليه الآخر يُسمى تباينًا، هذا ماء، وهذا خشب، الخشب لا يصدق على ما يصدق عليه الماء، والماء لا [يصدق على ما يصدق عليه الخشب]. إذًا نقول هذا تباين، كل من اشترك بينهم في أصل المعنى وليس بينهما معنًى مشرك حينئذٍ نقول: هذا تباين. (تَخَالُفُ وَالِاشْتِرَاكُ) الاشتراك اللفظ المفرد إن تعدد معناه كعين للباصرة لفظ عين هذا مشترك لفظي والجارية فالنسبة بينه وبين ما له من المعاني الاشتراك لاشتراك المعنيين في اللفظ الواحد، لفظ عين عَين عا هي نا حينئذٍ، نقول: هذا اللفظ لفظ واحد وله معانٍ متعددة لكن هذه المعاني متباينة فلفظ عين يصدق على الذهب وعلى الفضة وعلى العين الباصرة، وعلى الجاسوس، وعلى ثلاثين معنى عدها صاحب القاموس، حينئذٍ نقول: الذهب والفضة متباينة، والعين الباصرة والعين الجاسوسة هذا متباينة، إذًا: اللفظ واحد والمعنى متعدد فاتحدا في اللفظ واختلفا في ماذا؟ في الوضع وفي المعنى، يعني: وُضِع لفظ عين بالذهب، ثم وُضِع مرةً أخرى وضعًا ثانيًا للعين الجاسوسة، ثم وضع وضعًا ثالثًا تعدد اللفظ ليس كالجنس هناك الكُلِّي، قلنا الكُلِّي: مشترك معنوي، بمعنى: أنَّ الوضع متحد وكذلك المعنى وماذا؟ اللفظ والوضع والمعني، هذه الثلاثة كلّها متحدة. وهنا في باب الاشتراك اللفظي الوضع متعدد والمعنى متعدد، ولكن وقع الاشتراك في ماذا؟ في اللفظ، يعني: لفظ عين من حيث الحروف هو الذي اشترك وأمَّا من حيث المعنى فلا وكذلك من حيث الوضع، (وَالاشْتِرَاكُ عَكْسُهُ التَّرَادُفُ)، يعني: خلافه الترادف. وهو: إن تعدَّد اللفظ واتحد المعنى، مثل: إنسان، وبشر هذا اللفظ متعدد لكن المعنى متحد، يعني: ما صدق عليه لفظ إنسان هو ما صدق عليه لفظ بشر تقول: هذا بشر، وهذا إنسان.

إذًا: المصدق واحد، واللفظ مختلف، ليث، أسد، قسورة، نقول: هذه كلها ألفاظ متعددة والذي يصدق عليه واحدٌ، إن تعدد اللفظ واتحد المعنى كالإنسان والبشر فالنسبة بين اللفظين الترادف لترادف اللفظين على المعنى الواحد، إذًا: هذه خمسة أقسام، باعتبار اللفظ والمعنى نفسه، أو باعتبار معنى لفظ مع معنى لفظٍ آخر، أو باعتبار لفظٍ مع لفظٍ آخر، ثم قال: (وَاللَّفْظُ)، يعني: المستعمل وَاللَّفْظُ إِمَّا طَلَبٌ أَوْ خَبَرُ ... وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ سَتُذْكَرُ أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلاَ وَعَكْسُهُ دُعَا ... وَفِي التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا واللفظ المستعمل ينقسم إلى قسمين: إمَّا طلب، أو خبر، والمشهور: إنشاءٌ، وخبر. محتملٌ للصدق والكذب الخبر ... وغيره الإنشاء ولا ثالث قر يعني: استقر عند البيانيين قاطبة باتفاق البيانيين، وعند الحذاق من النحاة كان القسمة ثنائية، ينقسم الكلام إلى خبر وإلى إنشاء، ما هو الخبر؟ ما احتمل الصدق والكذب لذاته، يعني: كل لفظٍ مركب احتمل أن يقال لقائله صدقت أو كذب فهو خبر، قام زيدٌ هذا يحتمل أنه صدق فيقال له: صدقت، ويحتمل أنه كذب فيقال له: كذبت، بخلاف: ليس لي مالاً فأتصدق به، أو قم يا زيد، قم هذا طلب فعل أمر لا يقال له: صدقت، وإنما يجاب بالامتثال، (وَاللَّفْظُ إِمَّا طَلَبٌ)، والطلب نوعان: طلب فعلٍ كقم، وطلب تركٍ كلا تقم، يعني: النهي والأمر. الطلب دخل فيه النهي والأمر. (أَوْ خَبَرُ) وهو ما احتمل الصدق والكذب لذاته وسيأتي النص عليه في باب القضايا (وَأَوَّلٌ) الذي هو الطلب (ثَلاثَةٌ)، (وَأَوَّلٌ) هذا مبتدأ وسوغ الابتداء به لكونه في مقام التفصيل، (وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ سَتُذْكَرُ)، يعني: في البيت الآتي، والتقسيم هنا لطلب الفعل فقط، قلنا الطلب نوعان: طلب فعل، وطلب تركٍ. طلب الفعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أمر، ودعاء، والتماس. ثلاثة أقسام، وهذه الأقسام الثلاثة ليس عليها رائحة دليل في لسان العرب وإنما هي مجرد اصطلاح، ففعل الأمر أو الدالَّ على طلب الفعل سواءٌ كان من أدنى لأعلى، أو من أعلى لأدنى، أو من مساوٍ لمساوٍ فهو فعل أمر، وإنما هذا اصطلاح عند البيانيين وعند المناطقة وليس عليه رائحة دليل من لسان العرب إنما هو مجرد اصطلاح. (وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ سَتُذْكَرُ)، إذًا تقسيم لطلب الفعل فقط، (أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلاَ) (أَمْرٌ) وهو ما دلَّ على طلب الفعل بذاته حالة كونه (مَعَ اسْتِعْلاَ) وهذا كما سبق في: ((شرح الورقات)) هناك أنَّ بعضهم اشترط أن يكون الطلب أن لايسمى أمر وأمرًا إلا إذا كان على جهة الاستعلاء أو على جهة العلو، والحذاق من الأصوليين أنه لا يشترط في الأمر علوٌ ولا استعلاء، والفرق بين العلوّ أن يكون الآمر أعلى مرتبة كالملك مع أحدِ من الرعية، أو الأب مع أبناءه أعلى مرتبة من المأمور، والاستعلاء أن لا يكون صفةً في الآمر وإنما يكون صفة في اللفظ أن يكون بقوة وقهر: قم، حينئذٍ نقول: هذا فيه جبروت وفيه نوعٌ من الغلظة هذا يسمى استعلاء، وأمَّا العلوّ هذا وصفٌ للآمر، والاستعلاء وصفٌ للأمر باللفظ نفسه، والصحيح أنه لا يشترط فيه علوّ ولا استعلاء. وليس عند جلِّ الأذكياء ... شرط العلو فيه واستعلاء

وخالف الباجي بشرط التالي ... وشرط ذاك رأي ذي اعتزال (وَعَكْسُهُ)، أيْ: طلب الفعل لا مع الاستعلاء بل مع خضوع (دُعَا)، يعني: يسمى دعاءً في الاصطلاح إذا كان من أدنى لأعلى يكون هذا يسمى دعاءً، ولا يسمى فعل أمرٍ: {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا} [آل عمران: 147]، {اغْفِرْ} مخلوق يقول لخالقه: {اغْفِرْ} هل نقول فعل أمر؟ هذا نقول تأدبًا مع الربِّ جلَّ وعلا يسمى: فعل دعاء، أما في لسان العرب فهو فعل أمرٍ، (وَعَكْسُهُ دُعَا وَفِي التَّسَاوِي)، يعني: والطلب في حال التساوي (فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا) (وَقَعَا)، يعني: ثبت، الألف هذه للإطلاق، (فَالْتِمَاسٌ)، أيْ: عند إظهار الطالب المساواة للمطلوب منه، يعني: كلٌ منهما مساوٍ للآخر لا أعلى ولا أدنى لأنه قسمة ثلاثية، إمَّا أدنى لأعلى، أو أعلى لأدنى، أو مساوٍ لمساوٍ. الأدنى لأعلى يسمى دعاءً، والأعلى لأدنى يسمى أمرًا بشرط الاستعلاء، والمساوي للمساوي يسمى التماسًا، (وَفِي التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا)، يعني: الفاء هذه زائدة، ثم لما ذكر الكُلِّي استطرد بذكر بعض المصطلحات عند المناطقة فقال: (فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ وَالكُلِّيَّةِ وَالجُزْءِ وَالجُزْئِيّةِ) قال رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ وَالكُلِّيَّةِ وَالجُزْءِ وَالجُزْئِيّةِ). هذه العبارات يستعملها المناطقة، تقال: هذا الكُلّ وهذا الكُلِّية، وهذا جزء وهذا جزيئة، ما المراد بهذه المصطلحات؟ ولذلك علم المنطق من أوله إلى آخره لو أراد الطالب أن يضبطه كله اصطلاح، كله تعاريف، يعني: تستطيع أن تأخذ كل ما مضى معنا تقول تعريف الكُلِّي كذا، وتعريف الجُزْئِي كذا، من أوله لآخره، فجمهور مسائل المناطقة إلا ما يأتي في الأشكال ونحوها فهو تعاريف فقط تعاريف التقسيم هذه. (فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ) قال: الكُلُّ حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ ... كَكُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوعِ وَحَيْثُمَا لِكُلِّ فَرْدٍ حُكِمَا ... فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ هُوَ الجُزْئِيَّةْ ... وَالجُزْءُ مَعْرِفَتُهُ جَلِيَّهْ

أيْ: كُلُّ لفظ (الكُلُّ) هذا خطأ في اللغة لأن لفظ كل هذا ملازم للإضافة لفظًا ومعنًى، بمعنى: أنه قد ينفك ويعوض عن المضاف إليه التنوين وهو ما يسمى بتنوين العوض عن كلمة المضاف إليه حينئذٍ لا يجوز أن يجامع المضاف أن، يعني: هذا ليس من المسائل المستثناة عند النحاة لا يصح أن تقول: الغلام زيد، لا يصح وكل من الألفاظ الملازمة للإضافة سواءٌ تُلُفِّظ بالمضاف أو حُذِفَ المضاف، سَواءٌ تُلفظ بالمضاف إليه أو حُذِف المضاف إليه وعوض عنه التنوين على كلٍّ هذا اصطلاح عند المناطقة وعليه جرى النحاة، تقول: بدل الكل من الكل. هذا غلط وإنما يقولون: بدل كل من كل. لأن كل هذا ملازم للإضافة ما هو الكل؟ الكل هو ما يتركب من جزأين فصاعدًا هذا الأصل فيه، ما ترتب من جزأين اثنين فصاعدًا كالكرسي قالوا: مركب هذا كل حينئذٍ مركب من ماذا؟ من خشب ومسامير وحديد وله هيئة حينئذٍ نقول: هذا كُلٌّ لأنه تركب من جزأين فصاعدًا الكل ما هو؟ (حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ)، بمعنى: أن الحكم هنا يكون على جملة الأفراد، يعني: مجموعة من الأفراد لا كل الأفراد فيصدق على البعض فيصدق على المجموع لا على كل فرد فردٍ، في المثال يقولون مثلاً إذا قيل: كل بني تميم - على النساء من الأصل - كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة. حمل الصخرة هذا حكم، هل ينفرد واحد من بني تميم بحمل الصخرة أو أنه يصدق على المجموع على الجملة؟ بحيث لا يتبع الحكم بعض الأفراد، لا يستقل بعض الأفراد بالحكم؟ نقول: هذا المراد به أن الحكم هنا على المجموع بمعنى أنه لا ينفرد واحد من بني تميم بحمل الصخرة بخلاف الكلية، حينئذٍ الفرق نستعبر به من أجل الإفهام الفرق بين الكُلّ والكُلِّية أن كلاً منهما يرتب عليه الحكم والحكم في الكل لا يتبع كل فرد على جهة الاستقلال، والحكم في الكلية يتبع كل فرد على جهة الاستقلال ولذلك ذكرنا البارحة أن العام مدلوله الكلية: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، قلنا: القتل هذا حكم هل يتبع مجموع المشركين أو كل اسم مشرك يتبعه الحكم ويستقل بالحكم دون غيره؟ لا شك أنه يتبع كل فردٍ من أفراد المشركين هذه يسمى كلية، وأمَّا الكُلّ فهذا يتبع المجموع: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17]، مجموع الثمانية تحمل العرش، حكمه هنا هو حمل العرش هل يستقلّ واحد بحمل العرش؟ نقول: لا نقطع بهذا لأن مدلول اللفظ هو هذا فنقول: مجموع الثمانية كُلّ الثمانية هي التي يصدق عليها الحكم وهو حمل العرش حينئذٍ لا يستقلّ واحد لو أراد الله عز وجل لكان ذلك أليس كذلك؟ لكن نقول: مدلول اللفظ الآية هنا أن الثمانية الجملة كلها تحمل العرش فلا يتبع الحكم واحدٌ فيستقل بالحمل دون الآخر، فإذا قيل: كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة. حينئذٍ جملة الأفراد بحيث لا يستقل واحد منهم بالحكم دون الآخر.

(الكُلُّ حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ)، يعني: لا على الجميع، أيْ: على جملة الأفراد من حيث كونها مجموعة، بحيث لا يستقلّ منهم فردٌ منهم بالحكم، (الكُلُّ حُكْمُنَا) من حيث هو مجموع لا باعتبار كل فرد على المجموع لا على الجميع، أيْ: على الأفراد أفراد المجتمع جميعها، (كَكُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوعِ) هذا مثال بالمعنى أراد به حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ذي اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل ذلك لم يكن». ما هو المنفي؟ القصر والنسيان. إذًا نفى النبي - صلى الله عليه وسلم - القصر والنسيان. حينئذٍ صار من دلالة الكُلّ على أجزائه ولكن هذا المثال هنا لا يصلح، المثال الصحيح أنه من قبيل الكُلِّية لا من قبيل الكُلّ لماذا؟ لأن هنا إمَّا قصر، وإمَّا نسيان ولذلك جاء في بعض الروايات: «لم أنس ولم تُقْصَر». حينئذٍ تَبِعَ النفي كُلُّ ذلك لم يكن تبع النفي كُلّ فرد وإذا قلنا لأن الكلام هنا في ماذا؟ في ما له فردان لا يحتمل إلا قصر أو نسيان صلَّى الرباعية ركعتين، إذًا إمَّا قصرت الصلاة خُفِّفَ فيها، وإمَّا نسيان هذا أو ذاك هل ثَمَّ احتمال ثالث؟ لا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل ذلك لم يكن». هل المراد به المجموع أو الجميع؟ المجموع إذا كان من قبيل الكُلّ كقولنا في الآية السابقة وفي النساء كل بني تميم يحملون الصخرة أو من قبيل الكُلِّية بحيث يتبع النفي كُلَّ فردٍ. الناظم يرى: أنه من قبيل الكُلّ وغُلِّطَ خُطِّأَ في هذا قيل: المثال هذا خطأ، بل الصواب أنه من قبيل الكُلِّية بدليل ماذا؟ بدليل الرواية الثانية: «لم أنس ولم تُقْصَر». إذًا هذه مفسرة بالرواية [الثانية #1:31:34 الأولى]: «كل ذلك لم يكن». هذا محتمل لكن لما جاءت الرواية: «لم أنس ولم تُقْصَر». حينئذٍ تبع النفي كل فردٍ، وإذا تبع النفي كل فردٍ حينئذٍ استقلّ كل فردٍ بالحكم وهذا شأن الكُلِّية لا الكُلّ، (كُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوعِ) هذا الرواية بالمعنى، يعني: غير فيها: «كل ذلك لم يكن». وفي رواية: «لم أنس ولم تُقْصَر». وفي رواية قال ذو اليدين: بل بعض ذلك قد كان. على كُلٍّ هذا الحديث الصواب أنه من قبيل الكُلِّية وليس من قبيل الكُلّ. ثم قال: وَحَيْثُمَا لِكُلِّ فَرْدٍ حُكِمَا ... فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا

(وَحَيْثُمَا لِكُلِّ) اللام هنا بمعنى على، وحيثما على كل فرد حُكِمَا، الألف للإطلاق، فإنه الضمير هنا عائد على الحكم المفهوم من قوله: ... (حُكِمَا). كُلِّية يسمى كُلِّية: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} كُلُّ الناس؟ لا يدخل الشرط؟ لا يدخله شرط إلا من اختصاصه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} لا شيء من الحجر بحيوان كُلِّية أو لا؟ هل شيء من الحجر حيوان؟ لا إذًا كُلِّية لكنها سالبة، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} هذه كُلِّية، موجبة لا شيء من الحجر بحيوان هذه كُلِّيةٌ سالبة، (فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا) إذًا الكُلِّية يتبع الحكم كل فرد من أفرادها بخلاف الكُلّ، الكل يتبع المجموع، وأمَّا الكلية فهذا يتبع كُلَّ فرد ولذلك يأتي الشراح هناك في الآجرومية وغيرها يقولون: هذا من تقسيم الكُلِّ إلى أجزائه. وهذا من تقسيم الكُلِّ إلى جزئياته. فرق بين التقسيمين، (فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا). ثم قال: (وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ)، يعني: على البعض. والحكم على البعض (هُوَ الجُزْئِيَّةْ) الحكم يسمى جزئيًّا وكذلك القضية المشتملة عليها، إذا حُكِمَ على البعض يسمى جزئيًا. بعض الحيوان إنسان، نقول: الحيوان هذا جنس مقولٌ على كثيرين مختلفين بالحقيقة يدخل فيه الإنسان والفرس وغيرها، حينئذٍ لو قيل: بعض الحيوان إنسان، هذا حكم على كل الحيوان أفراد الحيوان أو على بعض أفراد الحيوان؟ على بعض أفراده وسيأتينا الصورة الكُلِّي والصورة الجزئي متى نفرِّق بين هذا وذاك. ليس بعض الإنسان بكاتب، نفي صحيح هذا ليس بعض الإنسان بكاتب، يعني: بالفعل نعم، بعض الناس لا يكتب مثلاً أُمِّي حينئذٍ نقول: ليس بعض الإنسان بكاتب. إذًا (وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ)، يعني: على البعض. والبعض هذا يصدق بالواحد فأكثر (هُوَ الجُزْئِيَّةْ)، يعني: يسمى جزئية. (وَالجُزْءُ) جزء الإنسان الزائد على الأصل (مَعْرِفَتُهُ جَلِيَّهْ)، يعني: واضحة. وهو ما تركب منه ومن غيره الكُلِّ (جَلِيَّهْ)، يعني: واضحة للمبالغة في ظهور المعنى الجزئي. إذًا بين لنا في هذا الفصل الكُلّ والكُلِّية، والجزء والجزئية. الكُلّ هو الحكم على المجموع، والكُلِّية هو الحكم على الجميع، والجزئية هو الحكم على البعض. وفرْق بين المجموع، والجميع. إذا قال قائل مثلاً: أعطي مجموع أولادك، عطاهم مال وعنده مثلاً عشرين من الأولاد، أو عنده عشرون حينئذٍ قال: أعطي المجموع أولادك. فأعطى خمسًا وترك البقية، صح؟ نعم صحيح لأن المراد بعض الأفراد، قال: أعطي مجموع الأفراد. مجموع أبنائك مجموع الطلاب فأعطى البعض وترك صح، أعطي جميع أولادك أعطى البعض وترك صح؟ لا، لماذا؟ لأن الجميع لا بد أن يستوفي الكُلّ لا يخرج عنه فرد من الأفراد، ولذلك الكُلِّية يتبع كل فرد فَرد، والكُلّ يتبع البعض دون الآخر، والجزء والجزئية واضح معناهما. والله أعلم. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

3

عناصر الدرس · فصل في شرح المعرفات، وشرح الترجمة. · أقسام المعرفات، وبيان كل منها. · شروط المعرفات. · باب القضايا، وأحكامها. · حد الخبر والقضية. · أنواع القضايا، وبيان كل منها. · القضية الحملية وأنواعها باعتبار الكم والكيف، وأسماء أجزائها. · القضية الشرطية وأنواعها، وأسماء أجزائها. · بيان الشرطية المتصلة. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. قال الناظم رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي المُعَرِّفاتِ) هذا شروع منه في بيان مقاصد التصورات، تعلمون أن العلوم منحصرة في التصورات والتصديقات، وأن كلاً منهما له مبادئ وله مقاصد. مبادئ التصورات ما سبق من الكليات الخمس: جنس، وفصل، والعرض العام، والنوع، والخاص. وهذه الخمسة منها ما هو ذاتي كليٌّ ذاتي وهو: الجنس، والفصل. ومنه ما هو كليٌّ عرضي وهو: العرض العام، والخاصة. ومنه ما هو مختلف فيه وهو: النوع. والمراد بالكلي الذاتي كما سبق أنه ما كان داخلاً في الماهية جزءًا من الماهية، يعني: كل جنس لا بد أن يكون داخلاً أو جزءًا في الماهية. وكذلك الفصل يكون داخلاً في جزء الماهية إلا أن الفرق بين الجنس والفصل أن الجنس يصدق على الماهية وعلى غيرها، الحيوان مثلاً هذا جنس في الإنسان ويصدق على الإنسان وعلى الفرس، وأما الفصل فهو جزء الماهية كالناطق بالنسبة للإنسان لكنه لا يصدق على غير الإنسان. المعرفات التي يعبر عنها بالحدود هذه لها صورة ومادة وغاية لها صورة هيئة يعني ومادة وغاية. غاية معرفة الحد محدود يعني: ما معنى الصلاة؟ ما معنى الإنسان؟ ما معنى الزكاة؟ إذا حددته عرفته حينئذٍ عرفت معنى الصلاة هذا غاية الحد. وأما المادة وهي التي يتألف منها ويتركب الحد أو التعريف هو الكليات الخمس، فكل حد لا يخرج عن الخمسة الأنواع السابقة إما بجنس، والفصل، إما العرض، عام، وإما، العرض العام مختلف فيه هل يقع وحده مُعَرِّفًا أم لا؟ أو الخاصة أو النوع، حينئذٍ المادة الذي يتألف منها التعريف أو المعرف أو الحد هو قول الشارح: هو الكليات الخمس. في هذا الفصل سيبين كيف نركب الحد كيف نؤلف من هذه الكليات الخمس حدًا يكون جامعًا مانعًا. (فَصْلٌ فِي المُعَرِّفاتِ) المعرفات جمع معرف، ويسمى تعريفًا لتعريف المخاطب بالماهية، يعني: وظيفته وغايته يعرف المخاطب بالماهية بالحقيقة. وقولاً شارحًا قولاً كما سبق المراد به عند المناطقة بـ أو يعبر عنه بالمركب وشارحًا لشرحه الماهية يعني يكشف الماهية، المعرفات عندهم على المشهور ثلاثة أقسام: حد، ورسم، ولفظي. ولذلك قال الناظم: مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلاَثَةٍ قُسِمْ ... حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ عُلِمْ هذا على المشهور، وأوصله بعضهم إلى الخمس أو الست. (مُعَرِّفٌ)، هذا مبتدأ قيل: حذفت منه أل للضرورة. الأصل المعرف، ويحتمل أنه نفي على أصله وسوغ الابتداء به وقوعه في معرض التفصيل لأنه سيفصل هذه المعرفات إلى ثلاثة أقسام، يحتمل هذا ويحتمل ذاك (عَلَى ثَلاَثَةٍ قُسِمْ)، يعني: المعرف منقسم على ثلاثة أقسام بالتتبع والاستقراء، وهذا مجرد اصطلاح عند المناطقة تبعهم كثير من الشراح والمؤلفين سواء كان في العلوم الشرعية أو في غيرها. (حَدٌّ) هذا الأول الحد وهو نوعان: تام، وناقص. (وَرَسْمِيٌّ) هذا النوع الثاني، ويقال له: رسم. هذا منسوب للرسم اللغوي وهو: الأثر. كما سيأتي وهو نوعان كذلك: تام، وناقص.

والثالث: (لَفْظِيٌّ)، أي: تعريف لفظي منسوب للفظ المطلق لفظ نسب للفظ المطلق نسبة الخاص إلى العام. (وَلَفْظِيٌّ عُلِمْ) (عُلِمْ) هذا تكملة للبيت، يعني: علم معناه، وإنما جهل كونه مسمًى للفظ الآخر على جهة الإجمال هي ثلاثة: حد، ورسم، ولفظي. وعند التفصيل هي خمس، لأن الحد ينقسم إلى قسمين: تام، وناقص. وكذلك الرسم ينقسم إلى قسمين: تام، وناقص. واللفظي واحد، وبعضهم أدخل اللفظي في الرسمي لأن اللفظي أثر، اللفظي أن يقال: البُّر ما هو البر؟ تقول: هو القمح. والغضنفر ما هو؟ ابن الأسد. أتى لفظ فسره بلفظ آخر، وهذا جعله بعضهم في الرسم، حينئذٍ صارت القسمة ثنائية على جهة العموم وخماسية على جهة التفصيل، ثم شرع في بيان ضابط كل واحد من هذه الخمسة فقال: (فَالحَدُّ بِالْجِنْسِ وَفَصْلٍ وَقَعَا). (فَالحَدُّ) الفاء هذه فاء الفصيحة، والحد في اللغة هو: المنع. وهو: مانع من دخول أفراد غير المعرف فيه. ولذلك كلما مر بك تعريف تجد الفقهاء وغيرهم يجعلون هذا التعريف خاص بالمعرف يعبرون عنه بالجامع المانع، يعني: يجمع كل أفراد المعرف بحيث لا يخرج عنه فرد من أفراده ويمنع أيَّ فرد من غير أفراد المعرف من الدخول في الحد، جامع مانع (فَالحَدُّ)، إذًا في اللغة هو: المنع. المنع لأنه يمنع من غير أفراد المعرف من الدخول في الحد، وكذلك يمنع بعض أو فرد من أفراد المعرف من الخروج عن الحد، فالحد المراد به في هذا الشطر الحد التام بدليل قوله فيما يأتي: (وَنَاقِصُ الحَدِّ). إذًا المراد بالحد هنا الحد التام، متى أو مما يتألف الحد التام؟ قال: (بِالْجِنْسِ وَفَصْلٍ). عرفنا أن الجنس كليٌّ ذاتيٌّ وأن الفصل كليٌّ ذاتيٌّ، إذًا متى يكون الحد تامًا إذا اشتمل على جميع ذاتيات الماهية وهو الجنس والفصل، (فَالحَدُّ) أي التام. سمي تامًا لأنه كاشف للحقيقة كلها وهو الحد الحقيقي عند المناطقة لأنه مشتمل على الأوصاف الذاتية التي تركبت منها الحقيقة ونسب إليها ... (بِالْجِنْسِ)، يعني: الجنس القريب. سبق أن الجنس ثلاثة أنواع: بعيد، ومتوسط، وقريب. إذا أطلق الجنس انصرف إلى قريب وإذا أريد المتوسط وهو: الأبعد، أو البعيد. حينئذٍ يقيد، وهنا أطلق الجنس حينئذٍ يحمل على الجنس القريب، وهو الذي ليس تحته جنس إنما تحته أنواع، (فَالحَدُّ بِالْجِنْسِ وَفَصْلٍ وَقَعَا) الحد مبتدأ و (وَقَعَا) الألف هذه للإطلاق ... و (بِالْجِنْسِ) هذا متعلق بقوله: (وَقَعَا). فالحد وقعا يعني: حصل بالجنس والفصل، مثاله: الإنسان حيوان ناطق. ما الإنسان؟ الإنسان هذا مفرد ونريد تعريفه قال: حيوان ناطق. كلمة حيوان هذه جنس قريب وناطق هذا فصل، إذًا اشتمل هذا الحد على الجنس والفصل (وَالرَّسْمُ بِالْجِِنْسِ وَخَاصَةٍ مَعَا)، الرسم التام كذلك لأنه سيذكر في البيت الرابع (وَنَاقِصُ الرَّسْمِ)، إذًا الرسم التام والرسم في اللغة هو: العلامة وهو الأثر، والخاصة أثر من آثار المعرف مما يتألف يتركب الرسم التام؟ قال: (بِالْجِِنْسِ وَخَاصَةٍ). عرفنا المراد بالخاصة فيما سبق وهو: كليٌّ عرضيٌّ.

والجنس هنا أطلقه ومراد به الجنس القريب، إذًا الرسم الثاني يتألف مما من جنس قريب وخاصة، والخاصة التي هي العرض هنا الخاص يشترط فيه أن تكون شاملة لازمة شاملة، يعني: لكل الأنواع، ولازمة بمعنى أنها لا تنفك عن فرد من أفراد الجنس، مثاله الرسم التام الإنسان حيوان ضاحك بالقوة، حيوان ناطق هذا حد تام، حيوان ضاحك، ضَاحك هذا قلنا: خاصة لأنه مما يختص به الإنسان، ولذلك قال: بالقوة. أما بالفعل فهذا ينفك فلو قال: حيوان ضاحك. وسكت حينئذٍ يحمل على الضحك بالفعل وهذا لا يكون شاملاً لأن الإنسان لا يكون ضاحكًا بالفعل في وقته كله، وإنما الذي يوصف بكونه لازمًا في كل وقت هو الضحك بالقوة، يعني: مؤهل وعنده أهلية الضحك إن وجد سببه حينئذٍ حيوان هذا جنس قريب وضاحك بالقوة هذا فصل خاصة وهي شاملة لازمة، (وَالرَّسْمُ بِالْجِِنْسِ وَخَاصَةٍ مَعَا) أي: حالة كونهما مجتمعين. إذًا هذا حقيقة الرسم أنه مركب من الجنس والخاصة. ثم بين الناقص من الحد والناقص من الرسم بقوله: وَنَاقِصُ الحَدِّ بِفَصْلٍ أَوْ مَعَا ... جِنْسٍ بَعيِدٍ لاَ قَرِيبٍ وَقَعَا الحد التام له صورة واحدة وهي: أن يتألف من جنس وفصل، ويشترط فيه أن يتقدم الجنس على الفصل، وأما ناقص الحد يعني: نقص بعض الذاتيات. ناقص الحد يعني: الحد الناقص من إضافة الصفة إلى الموصوف، وله صورتان قال: (بِفَصْلٍ). يعني: وحده. أن يأتي بالفصل وحده يقول: ما الإنسان؟ تقول: ناطق. ما الإنسان عرف الإنسان؟ يقول: ناطق. ما أتى بالجنس وإنما أتى بماذا؟ بالفصل وحده فقط، هذا يسمى حدًا ناقصًا، ما الذي نقص؟ الجنس لم يأت بلفظ الحيوان، حينئذٍ يقول: الإنسان حيوان الناطق، هذا حد تام، فحذف الجنس حينئذٍ اقتصر على الفصل فيكون حدًا ناقصًا لأن الإنسان مركب من شيئين: حيوانية، والناطقية. فكونه اقتصر على الناطقية دون ذكر الجنس يعتبر حدًا ناقصًا هذه الصورة الأولى (وَنَاقِصُ الحَدِّ بِفَصْلٍ) وحده، (أَوْ مَعَا جِنْسٍ بَعيِدٍ)، يعني: أن يأتي بالجنس والفصل معًا، لكن لا يكون الجنس قريبًا، وإنما يكون بعيدًا أو متوسطًا لأن الأجناس ثلاثة: جنس بعيد، جنس متوسط، جنس قريب. إذا أتى بالقريب مع الفصل حينئذٍ نقول: هذا حد تام. إذا أتى بالفصل ولم يأتي بالجنس القريب وإنما جاء بالجنس المتوسط أو البعيد نقول: هذا حد ناقص. هذا كله مجرد اصطلاح عند المناطقة، (أَوْ مَعَا) حال كونهما معًا (جِنْسٍ بَعيِدٍ) أو نعم (جِنْسٍ بَعيِدٍ لاَ قَرِيبٍ) قال: (لاَ قَرِيبٍ). نفى القريب حينئذٍ أين يدخل المتوسط؟ في قوله: (جِنْسٍ بَعيِدٍ). يعني: باعتبار القريب، فيشمل البعيد والمتوسط حينئذٍ كل جنس يوصف بكونه ليس قريبًا الإتيان به مع الفصل يسمى حدًا ناقصًا (وَنَاقِصُ الحَدِّ بِفَصْلٍ)، أي: وحده. هذه الصورة الأولى.

الصورة الثانية: (أَوْ مَعَا). يعني: أو بفصل (مَعَا) الألف هذه للإطلاق أو معًا يحتمل أنها بدل عن التنوين (جِنْسٍ بَعيِدٍ) أو متوسط (لاَ قَرِيبٍ) هذا تأكيد لما قبله، (وَقَعَا) الألف هذه للإطلاق الألف للإطلاق، إذًا له صورتان ناقص الحد أو الحد الناقص أن يأتي بالفصل وحده فقط فيكون الإنسان هو الناطق و، أو الصورة الثانية أن يأتي بالجنس البعيد مع الفصل، يقول: الإنسان جوهر ناطق. عرفنا أن الجوهر هذا أعلى الأجناس، أو يقول: الإنسان جسم ناطق. هذا أدنى متوسط أو الإنسان نامٍ ناطق، هنا لم يأتي بالجنس القريب حينئذٍ نقول: هذا جنس بعيد بمعنى أنه ليس قريبًا فدخل فيه المتوسط مع الفصل، إذًا إذا قيل: جسم ناطق، هل هذا حد ناقص أو تام؟ نقول: هذا حد ناقص. لماذا؟ لكون الجنس هنا وهو قوله: جسم. متوسط وليس بقريب، وجوهر ناطق كذلك جوهر هذا جنس بعيد بل هو أبعد الأجناس مع وجود الفصل حينئذٍ نقول: هذا حد ناقص. بقي صورة ثالثة وهي أن يأتي بالحد التام لكنه يقدم ويؤخر يشترط الحد التام أن يتقدم الجنس القريب على الفصل يقول: الإنسان حيوان ناطق. لو قال: الإنسان ناطق حيوان. هنا أتى بالجنس القريب مع الفصل لكنه قدم فأخر قدم وأخر حينئذٍ نقول: هذا ناقص وليس بتام. يعني: يشترط في الحد التام الترتيب، فإذا لم يلتزم الترتيب حينئذٍ نقول: هذا حد ناقص. وَنَاقِصُ الرَّسْمِ بِخَاصَةٍ فَقَطْ ... أَوْ مَعَ جِنْسٍ أَبْعَدٍ قَدِ ارْتَبَطْ

(وَنَاقِصُ الرَّسْمِ) أيضًا كذلك من إضافة الصفة للموصوف، أي: الرسم الناقص. وله صورتان ذكرها الناظم هنا: (بِخَاصَةٍ فَقَطْ). يعني: أن يأتي بالخاصة وهي يشترط فيها أن تكون شاملة لازمة فقط، يعني: دون الجنس. يقول: الإنسان ما الإنسان؟ ضاحك بالقوة، الإنسان ضاحك هنا أتى بالخاصة ولم يأتي بالجنس، والأصل في الرسم أن يأتي بالجنس القريب مع الخاصة إذا اكتفى بالخاصة كما إذا اكتفى بالفصل هناك حينئذٍ انتقل من كونه حدًا تامًا إلى النقص، كذلك هنا إذا اكتفى بالخاصة دون الجنس القريب حينئذٍ انتقل الرسم من التام إلى الناقص (وَنَاقِصُ الرَّسْمِ) أن يكون (بِخَاصَةٍ فَقَطْ) تقول: ما الإنسان؟ ضاحك (أَوْ مَعَ جِنْسٍ أَبْعَدٍ) أو بخاصة مع جنس أبعدٍ، يعني: بالتنوين هنا صرف للضرورة أو متوسط لأنه يقابل القرين، المقابلة هنا بين الرسم التام والرسم الناقص، الرسم التام يشترط فيه الجنس القريب ما عداه إن وجد الجنس فهو إما متوسط وإما بعيد فإن وجدت الخاصة مع الجنس المتوسط أو الجنس البعيد حينئذٍ صار رسمًا ناقصًا، (أَوْ مَعَ جِنْسٍ) أو بخاصة مع جنس أبعدٍ أو متوسط (قَدِ ارْتَبَطْ)، يعني: اختار مع ذلك الجنس الأبعد بالخاصة، يعني: جمع بينهما في تعريف واحد. وكذلك يشترط الترتيب في الرسم التام فإذا قيل: حيوان ضاحك بالقوة. نقول: هذا رسم تام. إن قيل: حيوان. إن قيل: الإنسان ضاحك بالقوة حيوانًا. قدم الخاصة على الجنس القريب حينئذٍ صار رسمًا ناقصًا، فنزيد صورة على الصورتين اللتين ذكرهما الناظم وهي فيما إذا تقدمت الخاصة على الجنس القريب إما أن يتقدم الخاصة على الجنس القريب، إذًا خلاصة ما ذكره نقول: الحد التام أن يأتي بالجنس القريب والفصل، والرسم التام أن يأتي بالجنس القريب والخاصة، ويشترط فيهما الترتيب بأن يقدم الجنس القريب على الفصل في الحد التام وعلى الخاصة في الرسم التام، فإن قدم الفصل على الجنس أو الخاصة على الجنس حينئذٍ انتقل من الحد التام إلى الناقص ومن الرسم التام إلى الناقص هذين صورة من الصور التي لم يذكرها الناظم. (وَنَاقِصُ الحَدِّ) له صورتان فيما ذكره الناظم أن يأتي بالفصل فقط الإنسان ناطق، أو يأتي بالفصل مع جنس ليس قريبًا بل هو بعيد أو متوسط حينئذٍ نقول: هذا حد الناقص كذلك ناقص رسمي أن يأتي بالخاصة فقط دون جنس أو يأتي بالخاصة مع جنس ليس قريبًا بل هو متوسط أو بعيد. ثم قال: وَمَا بِلَفْظِيٍّ لَدَيْهِمْ شُهِرَا ... تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِرَدِيفٍ أَشْهَرَا

(وَمَا)، يعني: والذي أو المعرف الذي يعرف باللفظ لديهم، يعني: عند المناطقة في اصطلاحهم (شُهِرَا) الألف هذه للإطلاق صلة ما، والذي شهرا (بِلَفْظِيٍّ لَدَيْهِمْ) اصطلاحهم يعني: اشتهر ما مبتدأ وقوله: (تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِرَدِيفٍ أَشْهَرَا). يعني: أشهر منه، حذفه للعلم به يعني عند السامع، لا يعرف مثلاً معنى البُّر ما البُّر؟ يقول: هو القمح. بدل لفظًا بلفظ، الغضنفر قال: ما الغضنفر؟ لا يعرفه، قال: هو الأسد. أبدل لفظًا بلفظ ما الزخيخ أو الزخيفة؟ قالوا: هي النار. إذًا أبدل لفظًا بلفظ يأتي بلفظ فقط، لكن هذا اللفظ يشترط فيه أن يكون أشهر عند المخاطب، يعني لو قال: ما الذهب؟ قال: العسجد. ما حصل البيان بل زاده خفاءً لماذا؟ لأنه يشترط أن يأتي بلفظ هو أظهر عند السامع وأشهر من اللفظ الذي سأل عنه، هو ما عرف الذهب يعني في العسجد، حينئذٍ لا بد أن يأتي بلفظ أظهر من الذي سأل عنه (تَبْدِيلُ لَفْظٍ)، يعني: تغير لفظ كالقمح بالبر. (بِرَدِيفٍ)، يعني: بلفظ رديف أو مرادف، صفة لموصوف محذوف رديف هذا صفة لموصوف محذوف برديف له أي: للمعرف. المعرف هنا البُّر قال: ما البر؟ هذا معرف قال: هو القمح. فالمخاطب يعرف القمح ولا يعرف البر (بِرَدِيفٍ) له أي: للمعرف. (أَشْهَرَا)، يعني: أشهر منه عند السامع، وحذف الجار والمجرور للعلم به، إذًا هذه الأنواع الخمسة هي التي يتألف منها ويتركب أو هي صورة وهيئة التعريف، فكيف نستحضر العلم بالتصورات؟ أن تأتي بالكليات الخمس على هذا الترتيب، ثُمَّ ثَمَّ شروط لا بد من توافرها في الحد أو المعرف، ذكر شيئًا منها الناظم هنا على المشهور قال: (وَشَرْطُ كُلٍّ). من الحد والرسم، الشرط معلوم ما يلزم من عدم إلى العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته حينئذٍ إذا تخلف شرط من هذه الشروط الآتية حينئذٍ الحد يكون فاسدًا، (وَشَرْطُ كُلٍّ) من الحد والرسم (أَنْ يُرَى)، يعني: المعرف. شرط هذا مبتدأ وجملة (أَنْ يُرَى) خبر (أَنْ يُرَى) المعرف (مُطَّرِدَا مُنْعَكِسًا)، ولذلك بعضهم يعرف التعريف يقول: هو الجامع المانع. أو المطرد المنعكس، وهذا أهم شرط عندهم والمراد هنا أن يكون (مُطَّرِدَا) أي: مانعًا من دخول غير المعرف. (مُنْعَكِسًا) جامعًا لجميع أفراده. الجامع المانع حد الحد ... أو ذو انعكاسًا إن تشأ وطرد

وبعضهم يعبر بهذا وبعضهم يعبر بذاك الطرد والعكس، أو الجمع والمنع، واختلفوا في تفسير كل منهما، إذًا (أَنْ يُرَى) المعرف (مُطَّرِدَا) (مُطَّرِدَا) هذا حال من ضمير (يُرَى)، أي: مانعًا من دخول غير المعرف (مُنْعَكِسًا) جامعًا لجميع أفراده، ولذلك سمي حدًا لأن الحد في اللغة هو: المنع. فيمنع من غير المعرف من الدخول في التعريف، ويمنع أن يخرج أي فرد من أفراد المعرف عن التعريف، فهو يمنع من الجهتين من الخروج ومن الدخول، قيل: الطرد كلما وجد الحد وجد المحدود. الطرد هو: التلازم في الثبوت. والعكس هو: التلازم في الانتفاء. التلازم في الثبوت الذي هو الطرد، [والانتفاء أو نعم] (¬1)، والعكس هو [الانتفاء] (¬2) هو التلازم في الانتفاء نعم، تلازم في الثبوت هذا هو الطرد، والتلازم في الانتفاء هو العكس، يعني: ثَمَّ خلاف في معنى العكس والطرد، فالطرد كلما وجد الحد وجد المحدود لزم منه منع غير المحدود للدخول في الحد قطعًا، والعكس كلما انتفى الحد انتفى المحدود، يعني: كلما انتفى الناطق انتفى الإنسان هذا صحيح؟ كلما انتفى الناطق انتفى الإنسان، كلما انتفى الناطق انتفى الحيوان صحيح؟ لا ليس بصحيح وإنما كلما انتفى الناطق انتفى الإنسان هذا الصحيح كلما انتفى الناطق انتفى الحيوان؟ نقول: لا ليس بصحيح لأن الحيوان يصدق على الإنسان وعلى غيره لو قال: الإنسان هو الحيوان. ما الإنسان؟ قال: هو الحيوان. [حيوان مو حيوان ها ها] ما الإنسان؟ قال: هو الحيوان. الحيوان فَعْلان، يعني: ما فيه حياة لذا قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64]. {لَهِيَ الْحَيَوَانُ} يعني: التي فيها الحياة الكاملة، المراد بالإنسان أنه حيوان بمعنى أنه متصف بالحياة حيوان فَعْلان لو قال: الإنسان هو الحيوان. صح التعريف أو لا؟ صحيح أو ليس بصحيح؟ الإنسان هو الحيوان الحيوَان هذا جنس يصدق على الإنسان وعلى غيره، هل هو مانع؟ ليس مانعًا لماذا؟ لأن الحد لم يختص بالإنسان إذا قلت: الإنسان هو الحيوان. الحيوان منه إنسان، إذًا لم يخرج فرد فهو جامع قطعًا، فهو جامع لجميع أفراد المعرف لكنه غير مانع من دخول غير المعرف في التعريف، يعني: إذا قلت: الإنسان هو الحيوان. دخل الفرس والبغل والحمار هذا خطأ، حينئذٍ هو جامع لكنه غير مانع، إذا قيل: الإنسان هو الحيوان. هذا التعريف نقول: هذا جامع غير مانع. جامع لأفراد الإنسان نعم لم يخرج عنه، لأن الحيوان من أفراده الإنسان، وكل فرد صدق عليه لفظ إنسان فهو داخل في الحد، لكن دخل معه الفرس ودخل معه الحمار ودخل معه البالغ وهكذا، فنقول: هذا غير مانع. الحيوان هو الناطق، ما هو الحيوان؟ قال: هو الناطق. حد صحيح أو لا؟ هذا مانع أو لا؟ ¬

_ (¬1) سبق. (¬2) سبق.

ليس بجامع نعم، هو مانع من غير دخول فرد من أفراد الحيوان في هذا الحد، لكنه غير جامع، لأن الحيوان منه ما هو ناطق وزيادة حينئذٍ أين ذهبت هذه الزيادة؟ إذًا خرج أفراد عن الحد، إذًا الإنسان والحيوان نقول: هذا جامع غير مانع الحيوان هو الناطق، هذا مانع من دخول غير الحيوان لكنه غير جامع، (وَشَرْطُ كُلٍّ) من الحد والرسم (أَنْ يُرَى مُطَّرِدَا)، أي: مانعًا من دخول غير المعرف (مُنْعَكِسًا)، أي: جامعًا لجميع أفراده. الشرط الثاني قال: (وَظَاهِرًا لاَ أَبْعَدَا). يعني: وأن يرى ظاهرًا لا أبعدا. وهذا في اللفظ أن يكون ظاهرًا، يعني: واضحًا عند السامع إذا أراد أن يبدل لفظ بلفظ فيأتي بلفظ واضح عند السامع، فإذا قال: الذهب هو العسجد. نقول: هذا لا يصح تعريف اللفظي بهذا، لأن العسجد أشد خفاءً من الذهب، فالذي لم يعرف الذهب من باب أولى أن لا يعرف العسجد، وهذا نقول وإن كان صحيحًا العسجد هو الذهب، لكن التعريف خطأ، لا يعتبر صحيحًا، لماذا؟ لكونه عرف بالأخفى من المحدود [من الحد] (¬1) من المحدود نعم، عرف بالأخفى من المحدود، وظاهرًا أن يرى، ظاهرًا يعني: واضحًا عند السامع. (لاَ أَبْعَدَا) منه في الفهم، يعني: أخفى من المعرف احترز به عن المساوي والأخفى كما مثلنا بما سبق، ولذلك قال: (وَلاَ مُسَاوِيًا). هذا تصريح بما ذكره في قوله: (وَظَاهِرًا لاَ أَبْعَدَا). يعني: لا أخفى من المحدود ولا مساويًا له، يعني: المعرف في الخفاء، لأنه إما أن يأتي بلفظ مساوي له في الخفاء، وإما أن يأتي بلفظ أشد خفاءً مما سبق لا هذا ولا ذلك لو قال: ما المتحرك؟ قال: هو ما ليس بساكن. هذا مساوٍ له، ما هو المتحرك؟ ما ليس بساكن، هذا مساوي للسابق ما هو الزوج؟ قال: ما ليس فردًا. ما الفرد؟ ما ليس بزوج، حينئذٍ إذا نفى أدخل ما أو حرف السلب على المحذوف نقول: هذا صار مساويًا. ما المتحرك؟ هو ما ليس بساكن، ما الزوج؟ ما ليس فردًا، ما الفرد؟ ما ليس بزوج، نقول: هذا مساوٍ فلا يصح التعريف به. ¬

_ (¬1) سبق.

ثم قال من الشروط: (وَلاَ تَجَوُّزَا). يعني: لا يقع في الحد لفظ هو مجازي، وإنما الأصل في التعاريف أن تكون الألفاظ مستعملة في معناها الحقيقي، لأن المجاز فيه نوع خفاء حينئذٍ إذا أتي بلفظ هو مجاز نقول: هذا لا يصح، لو قيل بتعريف البليد هو: الحمار. يطلق الحمار على البليد يطلق لفظ الحمار مجازًا على البليد فنقول: هذا لا يصح. لماذا؟ لأنه موهم ما البليد؟ قال: الحمار. الحمار يحتمل أنه حيوان المعروف ويحتمل أنه مجاز، فلكون ذلك فيه نوع خفاء حينئذٍ يمتنع أن يقع المجاز في الحد، لكن استثنى يعني: محل امتناع المجاز متى؟ إذا كان بلا قرينة، أما إذا وجدت قرينة تُبَيِّن أن هذا اللفظ استعمل في مجازه فلا إشكال لانتفاء العلة التي منعنا من أجلها أن يدخل المجاز في الحد يعني: إذا قيل في تعريف البليد: حمار. نقول: هذا بدون قرينة، إذًا وقع لبس، لكن لو قال: البليد حمار يقرأ. حينئذٍ نقول: يقرأ هذا الحمار لا يقرأ، الحمار كاسمه فلما قيل: حمار يقرأ، أو يكتب، أو يحفظ أو نحو ذلك جيء بوصف يختص بالناطق حينئذٍ نقول: هذه قرينة دلت على أن هذا اللفظ مجازي، (وَلاَ تَجَوُّزَا) الألف هذه للإطلاق يعني: لا أن يرى التعريف، أي: لفظ تجوزا. أي: لفظًا مجازيًّا، لكن محل الامتناع امتناع المجاز أن يدخل في الحد بلا قرينة معينة للمراد بها، يعني: بتلك القرينة (تُحُرِّزَا)، يعني: التي يتحرز بها عن إرادة غير المراد كالمثال الذي ذكرناه. ثم قال: وَلاَ بِمَا يُدْرَى بِمَحْدُودٍ وَلاَ ... مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلاَ

(وَلاَ) يكون التعريف (بِمَا)، يعني: بلفظ. (يُدْرَى بِمَحْدُودٍ)، يعني: يعلم معناه بالمعرف، وهذا ما يسمى بالدور السبقي كما ذكرناه فيما سبق العلم هو: إدراك المعلوم. هنا أدخل لفظ في الحد في التعريف لا يعلم معناه إلا بمعرفة المحدود، نحن نريد أن نعرف ماذا؟ العلم، إذًا لا يدخل في التعريف مادة مشتقة من لفظ العلم واضح؟ لا يدخل في التعريف مادة مشتقة من لفظ العلم لأنه لو أدخله حينئذٍ لزم الدور فتقول مثلاً: العلم هو: معرفة المعلوم، أو إدراك المعلوم. المعلوم هذا اسم مفعول من العلم، ما هو العلم؟ معرفة المعلوم لا يمكن أن تعرف المعلوم إلا إذا عرفت العلم فحينئذٍ أنبنى بعضه على بعض فلا يمكن أن يعرف المحدود إلا بمعرفة هذا اللفظ المشتق، وهذا اللفظ المشتق لا يمكن معرفته إلا بمعرفة الحد، ونحن نريد ماذا؟ نريد حد العلم، وهذا ما يسمى بالدور السبقي بمعنى أنه [لا يصح أن يتوقف معرفة الحد على معرفة لا نعم] (¬1) لا يتوقف معرفة فرد أو لفظ في التعريف على معرفة المحدود يسمى ماذا؟ يسمى دورًا، أن لا يكون في التعريف دور سبقي وهو: توقف معرفة الحد على معرفة المحدود. العلم إدراك المعلوم، ما هو المعلوم؟ هذا اسم مفعول مشتق من العلم لا يمكن أن تعرف المعلوم إلا إذا عرفت العلم، وما هو العلم؟ إدراك المعلوم، حينئذٍ تبقى في دوامة ويدخل في الدور الممنوع إدخال الأحكام في الحدود، يعني: يدخل في هذا النوع وإن فصله الناظم كما سيأتي إلا أنه يدخل في الدور ماذا؟ إدخال الأحكام في الحدود لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا قيل: الفاعل هو الاسم المرفوع. نقول: لا، لا تقول اسم مرفوع، لأن المرفوع ماذا؟ ¬

_ (¬1) سبق.

لأن المرفوع هذا حكم، يعني: اللفظ المتصل بالرفع، ولا يمكن أن تتصور الحكم إلا إذا تصورت الماهية، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره فحينئذٍ تحتاج معرفة المحدود ثم بعد ذلك تحكم عليه، إذًا قوله: (وَلاَ بِمَا يُدْرَى بِمَحْدُودٍ). يعني: الدور السبقي. بمعنى أنه لا يتوقف في معرفة المحدود لفظ في التعريف لا يمكن فهمه إلا بفهم الحد نفسه، وهذا كما ذكرنا توقف معرفة الحد على معرفة المحدود (وَلاَ مُشْتَرَكٍ)، يعني: ولا يكون في التعريف، أو لا يكون التعريف بلفظ مشترك، والمراد بالمشترك هنا المشترك اللفظي وهو: ما اتحد لفظه وتعدد معناه. ما هي الشمس؟ عين، لا يصح لماذا؟ لأن لفظ العين هذا وإن كان جامعًا لأفراد الشمس إن كان لها أفراد إلا أنه لا يمنع من دخول غير المحدود في الحد لأن العين كما سبق يصدق على الشمس، على القمر، وعلى الذهب، والفضة ... إلى آخره حينئذٍ إذا قيل: الشمس هي عين. عرفها بماذا؟ بلفظ مشترك، إذًا ما حصل التعريف لكن قال: (مِنَ القَرِينَةِ خَلاَ). خلا من القرينة، هذا كالقول في المجاز بمعنى أن المنع من إدخال اللفظ المشترك في التعريف إذا خلا عن قرينة تعين المراد، وأما إذا صاحب المشترك قرينة تعين المراد حينئذٍ لا إشكال لو قال: الشمس هي عين تضيء جميع آفاق الدنيا. صح، لماذا؟ لأنه وصف العين بما تختص به الشمس وهو: المحدود. عين تضيء جميع آفاق الدنيا، ولو قال: نهارًا. كذلك يتحلل أكثر، إذًا مشترك (وَلا مُشْتَرَكٍ) يعني: بلفظ مشترك. (مِنَ القَرِينَةِ) المعينة للمراد (خَلاَ) خلا من القرينة، وأما إذا كان ثَمَّ قرينة فحينئذٍ لا بأس من إدخالها في الحد. ثم قال: وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ ... أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ (وَعِنْدَهُمْ) هذا خبر مقدم، يعني: عند المناطقة وعند غيرهم كذلك النحاة والفقهاء، (مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ) هذا حال من الضمير المستتر ففي الخبر مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ ... أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ أو رسوم فدخول الأحكام في التعاريف كائن عندهم حالة كونهم من جملة المردود، يعني: الحد يعتبر مردودًا، لماذا؟ لانتفاء شرط من شروطه، وهو أن لا يوجد فيه دور سبقي لأنه لا يتصور معرفة الحكم إلا بعد معرفة الماهية، فإذا قيل: الاسم الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله، حينئذٍ المرفوع هذا لا يتصور إلا بعد تصور الفاعل ما هو؟ فتقول: هو الاسم المرفوع من القول والفعل. المرفوع ما هو؟ الفاعل، ما هو الفاعل؟ إلى آخره حينئذٍ فيه دور سبقي. وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ ... أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ

وَلاَ يَجُوزُ فِي الحُدُودِ ذِكْرُ أَوْ)، (وَلاَ يَجُوزُ فِي الحُدُودِ)، يعني: الحقيقة. (ذِكْرُ أَوْ)، يعني: أو التي للتقسيم، وحملها بعضهم أو التي للشك، والمشهور أنها أو التي للتقسيم، لماذا لا يجوز دخول أو في الحد؟ قال: لأن الماهية المحدودة شيء معين لا يتنوع، الماهية من حيث هي شيء واحد فإذا قيل: الإنسان حيوان ناطق. ماهية الإنسان هذه لا تتنوع إنما هي شيء واحد ومحلها الذهن وإنما وجودها في الخارج ضمن أفرادها، يعني: الحيوانية الناطقية أين وجودها؟ نقول: هذا هو المراد بلفظ إنسان. أين وجودها؟ وجودها وجود ذهني فقط، وأما في الخارج خارج الذهن فهي موجودة لكن لا على جهة الاستقلال وإنما في ضمن أفرادها فتقول: زيد حيوان ناطق، وعمرو حيوان، وهكذا أما أن يوجد حيوان ناطق لا زيد ولا عمرو هذا لا وجود له، الحقائق الذهنية كلها إنما وجودها وجود الذهن، الكليات التي سبق ما أفهم اشتراكًا هذا لا يوجد إلا في الذهن مثل الرجل قلنا: هذا ذكر بالغ من بني آدم. هذا وجوده في الذهن فقط، وأما في الخارج فلا يوجد عندنا ذكر بالغ من بني آدم وليس بزيد وعمرو فتقول: هذا ذكر بالغ. يوصف بكونه وليس فردًا من أفراده هذا محال ووجوده إنما هو وجود ذهني وهذا شأن الحقائق الذهنية إنما توجد في الخارج في ضمن أفرادها (وَلاَ يَجُوزُ فِي الحُدُودِ ذِكْرُ أَوْ)، إذًا ليس عندنا شيء يقسم الماهية شيء واحد فلا يتنوع (وَجَائِزٌ فِي الرَّسْمِ)، أي: التعريف الرسمي لأنه أضعف من الحد ... (فَادْرِ مَا رَوَوْا)، يعني: فاعلم ما رووه من التعليم، إذًا أو التي للتقسيم لا يصح دخولها في الحد لأن الحد لكشف الماهية، والرسم إنما هو علامته وأثر، فالثاني يقبل القسمة والأول لا يقبل القسمة، الحد شيء واحد معين في الذهن لا يتنوع محدود، وأما الرسم فهذا العلامة والأثر والخاصة هذا يقبل التقسيم، ولذلك صح دخول أو التي للتقسيم في الرسم وامتنع دخولها في الحدود. ثم قال رحمه الله تعالى: (بَابُ القَضَايَا وَأَحْكَامِهَا) هذا شروع منه في بيان النوع الثاني من نوعي العلم وهو: التصديق. التصديق إدراك المركب كما سبق. (إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ تَصَوُّرًا عُلِمْ وَدَرْكُ نِسْبَةٍ)، أي: خارجية. (بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ) التصديقات لها مبادئ ولها مقاصد، مبادئها القضايا، هذا الباب التي سيذكره (وَأَحْكَامِهَا) الذي هو التناقض العكس، وهما بابان تاليان، ومقاصدها التصديقات مقاصد التصديقات هو القياس البرهان الحجة كما سيأتي بيانه، يعني: ما هي المادة التي يؤلف منها القياس؟ القياس لا بد أن يكون مركبًا من مقدمات ما نوع هذه المقدمات؟ هي التي سيعينها، كما ذكرنا في مبادئ التصورات الكليات الخمس، ما وظيفتها؟ هي مادة المقاصد، المقَاصد التصورات هو التعريف، هنا عندنا البرهان الذي هو القياس بأنواعه هو مقاصد التصديقات، مما يتألف هذا القياس مما يتركب؟ التعريف يتركب من جنس، وفصل، وخاصة ... إلى آخره، والرسوم كذلك هذه مادتها الكليات الخمس، هنا سيتكلم عن مادة القياس بأنواعه مما يتألف سيذكر ما يأتي. مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى ... بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا

(مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ) الكلام عند أهل اللغة ينقسم إلى قسمين: خبر، وإنشاء. والخبر هو: ما احتمل الصدق والكذب لذاته. (مَا احْتَمَلَ)، (مَا) يعني: لفظ مركب، أو إن شئت قل: كلام احتمل الصدق، خرج ما لا يحتمل وهو الإنشاء كله الإنشاء بأنواعه الثمانية الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والترجي ... إلى آخره هذه كلها لا تحتمل الصدق، يعني: لا يقال لقائلها لصاحبها: صدقت، أو كذبت. وإنما هذا شأن الخبر، إذًا (مَا احْتَمَلَ) خرج ما لم يحتمل من المركبات وهو: الإنشاء. وكذلك كزيد مثلاً زيد لا يحتمل الصدق والكذب، غلام زيد لا يحتمل الصدق والكذب لأنه ليس مركبًا، والكذب هذا مقابل للصدق (لِذَاتِهِ)، يعني: لذات الخبر لذات الكلام. لا لقائله لأنه إذا نُظِرَ لقائله فثَمَّ كلام يحتمل إلا الصدق وهو كلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - وثَمَّ كلام لا يحتمل إلا الكذب كقول مسيلمة: إني رسول الله. هذا لا يحتمل الصدق البتة، وما يخالف الضرورات العقلية لو قال: الكل أصغر من الجزء. نقول: هذا كذب لا يحتمل الصدق البتة. أو قال: الجزء أكبر من الكل. نقول: هذا لا يحتمل إلا الكذب. حينئذٍ (لِذَاتِهِ)، يعني: لذات القول لذات الكلام، لا باعتبار قائله وأما باعتبار القائل فثم أنواع ثلاث: منه ما لا يحتمل إلا الصدق وهو: كلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما لا يحتمل إلا الكذب كما ذكرنا قول مسيلمة وغيره، وما يحتمل الصدق والكذب وهو غيرهما. كقولك مثلاً: زيد قائم. قال: زيد مسافر. يحتمل أنه صادق ويحتمل أنه كاذب، (مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ)، إذًا قوله: (مَا). هنا أي: اللفظ شامل لجميع الألفاظ (احْتَمَلَ)، خرج به ما لم يحتمل وهو: الإنشاء. وكذلك زيد لفظ المفرد وغلام زيد، احتمل الصدق والكذب ذكر الصدق ولم يذكر الكذب هذا يسمى اكتفاءً، (لِذَاتِهِ) خرج به ما احتمله لا لذاته بل للازمه لو قال: اسقني. قلنا: هذا إنشاء. لكن يلزم منه خبر، لأنه في قوة قولك: أنا عطشان. أو قوة قولك: أنا أطلب، أو طالب للماء. هذا خبر أو لا أنا طالب للماء؟ خبر، أنا عطشان خبر، إذًا يحتمل الصدق والكذب، لكن لا لذات اسقني وإنما للازمه، فيلزم من كل أمر أن يعبر عنه بماذا؟ بخبر، هذا الخبر يحتمل الصدق والكذب، لكن ليس هو المراد وإنما الحكم هنا منصب على اللفظ نفسه على الذات على الذي ينطق ويلفظ، أما الأمور اللازمة هذه لا التفات لها البتة (جَرَى بَيْنَهُمُ)، يعني: بين المناطقة، (قَضِيَّةً) هذا حال من الضمير في (جَرَى) (وَخَبَرَا)، يعني: يسمى قضية، ويسمى خبرًا. الخبر هذا عبارة النحاة والبيانيين فكل ما احتمل الصدق والكذب لذاته يسمى خبرًا، ويسمى عند المناطقة قضية يسمى قضية لماذا سميت قضية؟ قالوا: هذا مشتق من القضاء، والقضاء هو الحكم فلاشتمالها على الحكم سميت قضية، إذًا لها اسمان عندهم تسمى قضية وتسمى خبرًا، ولكن القضية هو المشهور عندهم في الاستعمال، يقال: هذه قضية كلية وهذه قضية شخصية. مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى ... بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا

ثم قسم لك القضاء إلى قسمين (ثُّمَ القَضَايَا)، التي عرفها بقوله: (مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ). (عِنْدَهُمْ) عند المناطقة، (قِسْمَانِ) بالاستقراء والتتبع (شَرْطِيَّةٌ) و (حَمْلِيَّةٌ) قضايا نوعان: قضية شرطية، وقضية حملية. قضية شرطية هذا الأول القسم الأول، سميت بذلك لوجود أداة الشرط فيها اشتملت على أداة الشرط إِنْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ أداة شرط هذه جملة شرطية لاشتمالها على أداة الشرط، وفيها تعليق وهي: ما حكم فيها على وجه الشرط والتعليق، كُلَّمَا كَانَتِ الشَّمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُود هذه تسمى ماذا؟ شرطية فيها تعليق، إذًا (شَرْطِيَّةٌ) سميت بذلك لوجود أداة الشرط فيها لفظًا أو تقديرًا هذا النوع الأول من القضايا. النوع الثاني: حملية وهي: ما حكم فيها على وجه الحمل، وهي كل جملة ليس فيها أداة شرط ولا تعليق، يعني: ما يقابل الجملة الشرطية، سميت حملية نسبة إلى المحمول، لأن الجملة الاسمية تقول: زَيْدٌ قَائِمٌ. سبق أن زيد هذا موضوع سمي موضوعًا من الموضع كأنه وضع كالأرض مثلاً أو البساط ليحمل عليه الخبر، ولذلك قائم هذا محمول سمي محمولاً لماذا؟ لأنه حُمِلَ على غيره كالسقف على الجدار، بالنسبة للنظر أو بالنظر إلى المحمول سميت حملية، لأنه فيه حمل شيء على شيء آخر، فيه إخبار بشيء عن شيء آخر. إذًا القضية تنقسم إلى نوعين: شرطية، وحملية. نسبة إلى الحمل باعتبار طرفها المحكوم به. (وَالثَّانِي) أراد أن يبين يقسم لنا كُلاً من الشرطية والحملية، كل منهما ينقسم إلى أقسام (وَالثَّانِي)، يعني: الذي هو حملية، لم يقل الثانية مع أن الحملية مؤنث هذا باعتبار القسم، يعني: كأنه قال: والقسم الثاني. الحملية تنقسم إلى قسمين: كلية، وشخصية. هنا على حذف الواو كما قال: (شَرْطِيَّةٌ حَمْلِيَّةٌ). يعني: شرطية وحملية. حذف الواو وهو جائز اتفاقًا في الشعر، كلية وشخصية، كلية تسمى الحملية كلية متى؟ التي يكون موضوعها كلي، عرفنا الكلي والجزئي فيما سبق، إذا كان موضوعها كليًّا سميت كلية، وإذا كان موضعها جزئيًّا، يعني: لا يفهم اشتراكًا سميت شخصية، فالنظر هنا للمحكوم عليه، هل المحكوم عليه بالمحمول كلي أو جزئي؟ بقطع النظر عن كونها مسورة أو لا، فإن كان كليًّا (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ) فحينئذٍ نقول: هذه قضية حملية كلية، وإن كان المحكوم عليه شخصيًّا جزئيًّا لا يفهم اشتراكًا حينئذٍ نقول: هذه قضية حملية شخصية. إذًا كلية ما موضعها؟ كلي سواء كانت مسورة بسور كلي أو جزئي أو مهملة من السور، الإنسان حيوان، الإنسان نقول: هذا كلي. أفهم اشتراكًا أو لا؟ أفهم اشتراكًا، ودخول أل هنا هذه أل استغراقية لا يمنع من إفهامه الاشتراك، ولذلك سبق أن العام مدلوله كلية، إذًا الإنسان نقول: هذا كلي قولك: الإنسان حيوان. أي: كل فرد من أفراد الإنسان محكوم عليه بالحيوانية، إذًا هذه قضية حملية كلية لأن موضوعها المحكوم عليه كلية.

(شَخْصِيَّةٌ) وهي ما موضوعها؟ معين مشخص، وتسمى مخصوصة زيد كاتب، هذه شخصية أو كلية؟ تقول: شخصية. لماذا؟ لأن الموضوع الذي هو زيد المبتدأ مشخص معين هل يفهم اشتراكًا؟ لا يفهم اشتراكًا، إذًا هو جزئي كما سبق أن الأعلام من قبيل الجزئي. ثم أراد أن يقسم الكلية قال: (وَالأَوَّلُ). أي: الكلية تنقسم على جهة العموم إلى قسمين: (إِمَّا مُسَوَّرٌ وَإِمَّا مُهْمَلُ). كلية مسورة، وكلية مهملة، يعني: مهملة من السور، ترك السور فلم تسور (وَالأَوَّلُ)، أي: الكلية. (إِمَّا مُسَوَّرٌ)، يعني: بالسور الكلي، أو الجزئي (وَإِمَّا مُهْمَلُ)، يعني: مهمل عن السور. يعني: خال عن السور. إذًا هذان قسمان على جهة العموم، ثم عند التفصيل تكون القسمة رباعية، ولذلك قال: (وَالسُّورُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا يُرَى). والسور يرى كليًّا وجزئيًّا، السور هو: اللفظ الدال على الإحاطة بجميع الأفراد، أو بعضها إيجابًا أو سلبًا، كل إنسان حيوان نقول: هذا اللفظ كل هذا يسمى سورًا، وهو لفظ دال على الإحاطة بجميع الأفراد، بعض الحيوان إنسان كلمة بعض نقول: هذا سور. وهذا السور يدل على بعض الأفراد لا على الكل، إذًا السور هو: اللفظ الدال على الإحاطة بجميع الأفراد أو بعضها سلبًا أو إيجابًا، (وَالسُّورُ كُلِّيًّا) متى؟ إن دل على الإحاطة بجميع أفراده، وهذه في قوة المخصوصة والسور مأخوذ من سور البلد لأن فيه نوع إحاطة، (وَجُزْئِيًّا) إن دل على الإحاطة لبعضها ... (يُرَى)، أي: يعلم. (وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ حَيْثُ جَرَى) (وَأَرْبَعٌ) الأصل يقول: أربعة. بالتاء لكن حذفه للضرورة، (وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ حَيْثُ جَرَى) (حَيْثُ جَرَى)، يعني: في أي تركيب وقع فيه فالأقسام حينئذٍ أقسام السور الأربع، لماذا؟ لأنه: إما سور كلي موجب، وإما سور كلي سالب، وإما سور جزئي موجب، وإما سور جزئي سالب. صارت القسمة رباعية ستأتي الأمثلة كلها، إذًا قسم لنا القضايا إلى قسمين: شرطية، وحملية. ثم قسم الحملية إلى: كلية، وشخصية. والكلية ما موضعها كلي سواء كانت مسورة بسور كلي أو جزئي أو مهملة من السور. والشخصية ما موضوعها معين مشخص، وتسمى مخصوصة وهي: ما كان الموضوع فيه علم مثلاً، أو محلاً بأل العهدية، أو اسم إشارة مطلقًا بشرط يكون المشار إليه معينًا، أو الكنية كل ما دل كل ما لا يفهم اشتراكًا، إذا كان المبتدأ لا يفهم اشتراكًا حينئذٍ نقول: هذه شخصية. والكلية إما مسورة أو مهملة من السور حينئذٍ نقول: السور إما أن يكون كليًّا، وإما أن يكون جزئيًّا، وكل منهما إما سالب وإما موجب، اثنان في اثنين بأربعة، والمهملة هي موضوعها الكلي وأهملت من السور، ولذلك الحملية من حيث هي أربعة أقسام: مشخصة، مهملة، مسورة بسور كلي، مسورة بسور جزئي، أربعة أقسام مشخصة، ومهملة، ومسورة بسور كلي، ومسورة بسور جزئي. المشخصة والمسورة بسور كلي متماثلتان في القوة، والمهملة والمسورة بسور جزئي متماثلتان في القوة، يعني: كل منهما في قوة الآخر. ثم قال: إِمَّا بِكُلٍّ أَوْ بِبَعْضٍ أَوْ بِلاَ ... شَيءٍ وَلَيْسَ بَعْضُ أَوْ شِبْهٍ جَلاَ

يعني: يريد أن يذكر لك بعض ما يسمى بالسور، إما أن يكون سورًا كليًّا، أو سورًا جزئيًا، يعني: متى تحكم على القضية بأنها مسورة بسور كلي؟ إذا جاء لفظ كل، متى تحكم عليه بكونها مسورة بسور جزئي؟ إذا جاء لفظ بعض، يعني: السور محصور. كل لفظ دل على الإحاطة وهو ما يذكر في كتب الأصول من صيغ العموم فهو صور كلي، وكل لفظ دل على عدم الإحاطة فهو سور جزئي، حينئذٍ لذلك قال: (أَوْ شِبْهٍ جَلاَ). يعني: ما كان مشابهًا لما ذكر (إِمَّا بِكُلٍّ)، يعني: إما أن يكون السور متلبسًا بكل بلفظ كل كُل إنسان حيوان، نقول: هذه قضية حملية كلية مسورة بسور كلي لأنه قال: (إِمَّا بِكُلٍّ). كل إنسان حيوان (إِمَّا بِكُلٍّ)، أي: أن يكون السور ملتبسًا، أو مصورًا بلفظ كل كقولك: كل إنسان حيوان. والسور الكلي الموجب له ألفاظ مشهورة عند المناطقة وغيرها كل، وجميع، وعامة، وأل الاستغراقية، وطرًا، وقاطبة، وكافة، وأجمعْ، وأجمعُ، هكذا كل ما يفيد العموم والشمول كل صيغ العموم هناك فهي سور كلي (أَوْ بِبَعْضٍ)، يعني: أو أن يكون السور متلبسًا، أو مسورًا بلفظ بعض كقولك: بعض الإنسان كاتب. هذا سور جزئي موجب، فكل قضية حملية مسورة بلفظ بعض فحينئذٍ نقول: هذه جزئية، أو قِسْم مثل بعض، أو فريق، أو منهم، أو فئة، أو طائفة، نقول: هذه كلها قضايا جزئية لأنها مسورة بسور لا يدل على الإحاطة، إذًا (بِكُلٍّ) أشار به إلى السور الكلي الموجب ولفظ بعض أشار به إلى السور الجزئي الموجب (أَوْ بِلاَ شَيءٍ) هذا إشارة إلى السور الكلي السالب، لا شيء من الإنسان بحجر صحيح أو لا؟ لا شيء هذه نكرة في سياق النفي فتعم لا شيء من الإنسان هذا الموضوع بحجر هذا المحمول، إذًا كل فرد من أفراد الإنسان نفي عنه أن يكون حجرًا وهذا حق ومثله السور الكلي السالب لا أحد لا ديار، وهكذا كل نكرة في سياق النفي حينئذٍ هي سور كلي سالب (وَلَيْسَ بَعْضُ) هذه الواو بمعنى أو، ليس بعض هذا سور جزئي سالب، ليس بعض الحيوان بإنسان، بعض هذا سور جزئي تقدم عليه حرف السلب ليس لَيس بعض إذًا صار سالبًا، ليس بعض الحيوان بإنسان صحيح؟ ليس بعض الحيوان بإنسان، ليس بصحيح؟ ليس بعض الحيوان بإنسان.

صحيح نعم ليس بعض الحيوان بإنسان بعض الحيوان يصدق على الفرس نفيت عنه أنه إنسان، نحن لا نقول: ليس الحيوان بإنسان، هذا خطأ ما بصحيح ليس الحيوان بإنسان خطأ، لكن ليس بعض الحيوان بإنسان صحيح لأن الحيوان منه إنسان ومنه غير إنسان، بعض الحيوان ليس بإنسان كالبغل ونحوه وهذا صحيح، (وَلَيْسَ بَعْضُ) إذًا أشار به إلى السور الجزئي السالب، وهو: أن يجمع بين السور الجزئي وأداة من أدوات السلب، سواء تقدم النفي على السور الجزئي أو تأخر. يعني: ليس بعض الحيوان بإنسان، بعض الحيوان ليس بإنسان، صحيح؟ ليس بعض الحيوان بإنسان، عرفنا هنا سور جزئي تقدم عليه حرف السلب، حينئذٍ هو جزئي سالب، طيب بعض الحيوان ليس بإنسان أخرت حرف السلب نفس القضية، يعني: حرف السلب سواءٌ أن تقدم على السور الجزئي أو تأخر حينئذٍ هي حملية جزئية سالبة، (أَوْ شِبْهٍ جَلاَ)، هذا عطفٌ على الكل وما عطفت عليه، (جَلاَ)، يعني: أظهر. (أَوْ شِبْهٍ جَلاَ)، يعني: ما يشبه هذه الألفاظ في الدلالة على الإحاطة بجميع الأفراد في السورة للكلي، أو بعضها في السور الجزئي. ثم قال: (وَكُلُّهَا). أي: القضايا الأربعة المعلومة المتقدم التي ذكرنا بأنها: المشخصة، والمهملة، والمسورة بسورٍ كلي، والمسورة بسورٍ جزئي. (وَكُلُّهَا)، أي: القضايا الأربعة المعلومة مما تقدم، إمَّا موجبة، وإمَّا سالبة، أربعة في اثنين بثمانية، (وَكُلُّهَا مُوجَبَةٌ)، أي: أصل موجبٌ فيها (مُوجَبَةٌ)، يعني: مثبتة ليست منفية. (وَسَالِبَهْ)، يعني: منفية، كلٌّ منها إمّا موجب وإمّا سالب (فَهْي َ)، أي: هذه القضايا الأربع المعلومة المتقدم، (إِذَنْ) إذ كانت (مُوجَبَةٌ وَسَالِبَه ْ) (إِلَى الثَّمَانِ آيِبَهْ)، يعني: راجعة. (آيِبَهْ) أَبَى يعني: رجع. (إِلَى الثَّمَانِ) بحذف الياء تخفيفًا، حينئذٍ نقول: القضايا الأربعة السابقة إمّا أن تكون موجبة، وإمّا أن تكون سالبة. حينئذٍ أربعة في اثنين بثمانية، (فَهْيَ إِذَنْ) إذا علمت ما سبق (فَهْيَ إِذَنْ) إذ كانت منقسمة إلى موجبة وإلى سالبة، (آيِبَهْ) راجعة إلى الثمان. ثم قال: وَالأَوَّلُ المَوْضُوعُ فِي الحَمْلِيَّهْ ... وَالآخِرُ المَحْمُولُ بِالسَّوِيَّةْ

حملية عرفنا أنها ليست مبنية على التعليق والشرط كزيدٌ قائمٌ زيدٌ يسمَّى موضوعًا، وقائمٌ يسمَّى محمولاً. (وَالأَوَّلُ)، يعني: في الرتبة، وهو: المحكوم عليه، وإن ذُكِر آخِرًا لأنه المبتدأ قد يتأخر، المحكوم عليه قد يتأخر، حينئذٍ نقول: هو محكوم عليه سواءٌ تقدم أو تأخر، هو: موضوع سواءٌ تقدم على المحمول أو تأخر عن المحمول فلا يضر، المراد الرتبة. (وَالأَوَّلُ المَوْضُوعُ فِي الحَمْلِيَّهْ) (فِي الحَمْلِيَّهْ) هذا متعلق بمحذوف صفة للأول، (وَالآخِرُ) في الرتبة وإن ذُكِر أولاً (وَالآخِرُ) بكسر الخاء بمعنى المتأخِّر، أما فتحها الآخَر، هذا بمعنى المتغاير أو المغاير، بدليل مقابلته بالأول، إذًا (وَالآخِرُ) بكسر الخاء، (المَحْمُولُ بِالسَّوِيَّهْ)، أي: حالة كونهما مستويين، أي: مصطحبين في الذكر فلا يُذكَر أحدهما إلا مع الآخر، نعم المحكوم عليه لا يُذكَرُ إلا مع المحكوم به، والمحكوم به لا يُذكَرُ إلا مع المحكوم عليه، لأن المبتدأ والخبر متلازمان، ولذلك نقول: الموضوع من أجل التيسير ينحصر في ثلاثة أشياء: المبتدأ، والفاعل، ونائب الفاعل. لا يوجد موضوع إلا وهو واحد من هذه الثلاثة: إمّا مبتدأ، وإمّا فاعل، وإمَّا نائب الفاعل. والمحمول ينحصر في اثنين: إمّا خبر، وإمّا فعل. حينئذٍ زيدٌ قائمٌ أين الموضوع وأين المحمول؟ زيدٌ موضوع، وقائمٌ محمول. قائمٌ زيدٌ أين المحمول؟ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ هذا خبر مقدم، وَزَيْدٌ مبتدأ مؤخر، قائمٌ هو المحمول، تقدم هنا في اللفظ لا في الرتبة، وزيدٌ هذا تأخر وهو محكوم عليه وهو الموضوع، قام زيدٌ أين الموضوع؟ زيد وهو فاعل، لأنك حكمت عليه بالقيام تصور محكوم عليه، ولذلك إذا التبس عليك المبتدأ بالخبر انظر في الجملة أين المحكوم عليه بالمعنى، الذي تحكم عليه هو المبتدأ وهو الفاعل، والذي تحكم به هو الخبر وهو الفعل، إذا قلت: قام زيدٌ. حكمت على زيد بالقيام، إذًا المحكوم عليه زيد هو الموضوع وهو الفاعل، وقام هو الفعل، زيدٌ قائمٌ، قائم حكمت به على زيد وهو محمول، ضُرِبَ زيدٌ. زيدٌ نائب فاعل وهو أي موضوع وضُرِبَ هو المحمول، إذًا الموضوع ينحصر في ثلاث: مبتدأ، فاعل، نائب الفاعل. المحمول انحصر في اثنين: الفعل، والخبر. تحفظهم هكذا. ثم انتقل إلى بيان الشرطية فقال: وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا قَدْ حُكِمْ ... فَإِنَّهَا شَرْطِيَّةٌ وَتَنْقَسِمْ أَيْضًا إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ ... وَمِثْلِهَا شَرْطِيَّةٍ مُنْفَصِلَةْ

بالجر (وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا قَدْ حُكِمْ)، (فِيهَا)، يعني: القضية، هذا أشبه ما يكون بتعريف القضية الشرطية، إن حصل فيها تعليق بمعنى توقيف شيءٍ على شيءٍ آخر، وهذا خاص بالمتصلة كما سيأتي، إِنْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ هنا توقف إكرامي لك بمجيئك إليّ، إذًا فيه توقيفٌ أو لا؟ فيه توقيف فيه تعليق، وهذا إنما يكون بأدوات الشرط هذه تسمى شرطية، يعني: مأخوذٌ من الاسم شرط، (وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا) التعليق المراد به الربط والتوقيف، يعني: الربط بين الجزأين ولو على وجه العناد كما سيأتي (فِيهَا)، أي: في القضية. (قَدْ حُكِمْ) بالتعليق (فَإِنَّهَا)، أي: هذه القضية. (شَرْطِيَّةٌ) كما عرفنا سميت شرطية لاشتمالها على أداة الشرط، أداة الشرط تسمى عند المناطقة بالرابط تسمى الرابط، كُلَّمَا كَانَت الشمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُود، كُلَّمَا هذا يسمى رابطًا عندهم ربطت بين الجملتين، إِنْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ، إن هنا ربطت بين الجزأين، (وَتَنْقَسِمْ) هذه الشرطية إلى قسمين: متصلة، ومنفصلة. ولذلك قال: (شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ) و (شَرْطِيَّةٍ مُنْفَصِلَةْ) نعم. وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا قَدْ حُكِمْ ... فَإِنَّهَا شَرْطِيَّةٌ وَتَنْقَسِمْ أَيْضًا ......................... ... ............................

يعني: آضَ يَئِيضُ أَيْضًا، أيضًا هذا دائمًا منصوبٌ على المفعولية المطلقة، فهو مصدر آضَ يَئِيضُ أَيْضًا مصدر بمعنى رجع، (أَيْضًا) رجوعًا إلى الانقسام السابق، نقسم انقسامًا ثانيًا كما قسمنا أولاً، (إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ) لأنه حكم فيها على وجه الشرط والتعليق، فهي شرطية سميت شرطية متصلة، شرطية لما سبق حكم فيها على وجه الشرط والتعليق، و (مُتَّصِلَةْ) لاتصال طرفيها، أي: لاجتماعهما في الوجود وفي العدم، الطرفان المقدم والتالي إذا اجتمعا في الوجود وفي العدم حينئذٍ تسمى ماذا؟ تسمى شرطية متصلة، كُلَّمَا كَانَت الشمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُود، يجتمعان في الوجود؟ يجتمعان، وينتفيان في العدم إذا لَمْ تَكُن الشمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ لا يَكُونُ مَوْجُودًا، إذًا اجتمعا في الوجود وفي العدم هذه تسمى ماذا؟ تسمى شرطيةً متصلة، بخلاف الشرطية المنفصلة العدد إما زوجٌ وإما فردٌ هل يجتمعان؟ هل يكون عدد الواحد زوج وفرد؟ إذًا ما يجتمعان، هل ينتفيان بأن يكون العدد لا زوج ولا فرد؟ لا، لا يجتمعان ولا ينتفيان، هذه تسمى ماذا؟ شرطية منفصلة، إذًا إذا كانت العلاقة بين المقدم والتالي الذي جمع بينهما بأداة الشرط، الاجتماع في الوجود وفي العدم لا يحيل العقل اجتماعهما في الوجود أو عدمهما أو وجود أحدهما وعدمهما حينئذٍ نقول: هذه شرطيةٌ متصلة، وأما النوع الثاني وهو الشرطية المنفصلة، إذًا (إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ) لماذا سميت متصلة؟ لاتصال طرفيها، أي: اجتماعهما في الوجود وفي العدم، (وَمِثْلِهَا شَرْطِيَّةٍ مُنْفَصِلَةْ) (وَمِثْلِهَا)، يعني: وإلى مثلها (أَيْضًا إِلَى شَرْطِيَّةٍ) وتنقسم (إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ)، وإلى (وَمِثْلِهَا)، يعني: في أصل الربط (شَرْطِيَّةٍ) بالجر (مُنْفَصِلَةْ)، (شَرْطِيَّةٍ مُنْفَصِلَةْ) لانفصال طرفيها وتنافيهما لعدم اجتماعهما في الوجود، مثال الشرطية المنفصلة ما ذكرناه العدد إما زوجٌ وإما فردٌ، هنا يتنافيا في الاجتماع في الوجود وكذلك يمتنع عدمها معًا بخلاف الشرطية المتصلة، فالتآلف والترابط بين الجزأين المقدم والثاني واضحة في الوجود وفي العدم، وهنا لا يمكن ثَمَّ تنافر بين المقدم والتالي، إذا قيل: العدد إما زوجٌ، هذا مقدم وإما فردٌ هذا تالي، حينئذٍ هذان النوعان الزوج والفرد لا يجتمعان في محلٍ واحد كذلك لا يرتفعان، إذًا بينهم منافرة بخلاف إِذَا كَانَت الشمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُود الجملة ليس بينهما تنافر بل يجتمعان هذا الفرق بين النوعين.

(أَيْضًا إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ وَمِثْلِهَا)، أي: في أصل الربط (شَرْطِيَّةٍ)، سميت شرطية لما ذكرناه سابقًا (مُنْفَصِلَةْ جُزْآهُمَا مُقَدَّمٌ وَتَالِي) (جُزْآهُمَا)، أي: القضيتين المتصلة والمنفصلة (جُزْآهُمَا)، يعني: من ما تتألف منه كما قلنا هناك في الحملة موضوع محمول هنا كذلك ليس عندنا موضوع محمول إنما عندنا مقدم وتالي، فالجزء الأول في الشرطية بنوعيها يسمى (مُقَدَّمٌ) العدد إما زوج وإما فرد، زوج هذا يسمى مقدم، وفرد يسمى تاليًا، كُلَّمَا كَانَت الشمْسُ طَالِعَةً هذا يسمى مقدمًا، وَالنَّهَارُ مَوْجُود يسمى تاليًا، باب الاصطلاح. (جُزْآهُمَا)، أي: القضيتين المتصلة والمنفصلة، (مُقَدَّمٌ)، يعني: الأول منهما في الرتبة، أو في الذكر. نقول: الجزء الأول يسمى مقدمًا وهو مدخول أداة الشرط، يعني: الذي يلي أداة الشرط كُلَّمَا كَانَت الشمْسُ طَالِعَةً تَلِيَ أداة الشرط، إِنْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ جِئْتَنِي هذا تلى أداة الشرط، لتقدم رتبته في المتصلة وتقدم ذكره في المنفصلة، (وَتَالِي) أي: الجزء الثاني من الجزأين التالي يسمى التالي، لماذا؟ لأنه تلى المقدم في الرتبة أو الذكر لتلوه، أي: تبعيته، وهو ما علق على مدخولها. إذًا جُزْآهُمَا مُقَدَّمٌ وَتَالِي ... أَمَّا بَيَانُ ذَاتِ الاتِّصَالِ

أراد أن يعرف لنا المتصلة والمنفصلة، (أَمَّا بَيَانُ) وإيضاح وكشف حقيقة (ذَاتِ الاتِّصَالِ)، يعني: القضية الشرطية (ذَاتِ) بمعنى صاحبة (الاتِّصَالِ)، أي: المتصلة، ما تعريفها؟ قال: (مَا أَوْجَبَتْ تَلاَزُمَ الجُزْأَيْنِ). يعني: الجزءان متلازمان أحدهما يلزم الآخر والثاني ملزومٌ للآخر (مَا)، أي: القضية التي (أَوْجَبَتْ)، يعني: اقتضت واستلزمت. (تَلاَزُمَ) بمعنى اللزوم (تَلاَزُمَ) تصاحب على وجه اللزوم والاتفاق (الجُزْأَيْنِ) المقدم والتالي (تَلاَزُمَ الجُزْأَيْنِ) في الوجود لزومًا بأن كان لعلاقةٍ، أو اتفاقًا، بأن كان لا علاقة فشمل الاتفاقية، ثَمَّ ما المتصلة هذه متصلة لزومية ومتصلة اتفاقية، المتصلة اللزومية أن يكون بينهما تلازم كطلوع الشمس مع وجود النهار هذا واضح، الاتفاقية أن لا يكون بينهما تلازم مثلوا له بقولهم: كلما كان هذا إنسانًا كان الحمار ناهقًا. ما العلاقة بينهما؟ لا علاقة إنما هو اتفاق في الوجود هذا إنسان وهذا الحمار وهذا ناطق وهذا ناهق، إذًا ليس بينهما ترابط، لكن جمع في الجملة الواحدة فإذا جيء بالمقدم والتالي مع أداة الشرط ولم يكن بينهما تلازم قيل: هذه اتفاقية. وإذا كان بينهما تلازم في الوجود كالنهار مع طلوع الشمس قيل هذه لزومية والاتفاقية لا بحث للمناطقة فيها، (مَا أَوْجَبَتْ تَلاَزُمَ الجُزْأَيْنِ) عرفنا المراد بها وهي المتصلة، (وَذَاتُ الانْفِصَالِ)، يعني: القضية الشرطية صاحبة الاتصال حال كونها (دُونَ مَيْنِ) دون كذب ذات بمعنى صاحبة و (الانْفِصَالِ) يعني: منفصلة، حال كونها دون مين يعني: كذبٍ. (مَا أَوْجَبَتْ تَنَافُرًا بَيْنَهُمَا) (مَا)، يعني: القضية التي أوجبت واقتضت واستلزمت (تَنَافُرًا)، أي: تعاندًا وتنافيًا واستحالة اجتماع المقدم والتالي، كما ذكرنا في العدد إما زوجي وإما فرد، هنا المقدم والتالي بينهما تنافر وتعاند، يعني: لا يجتمعان، هذا تسمى ماذا؟ تسمى شرطية منفصلة، لماذا؟ لأن العلاقة بين المقدم والتالي التعاند والتنافر بمعنى أنهما لا يمكن أن يجتمعان في محلٍ واحد ممكن أن ينفرد الأربعة زوج والواحد فرد انفكت الجهة، وأما أن يكون عدد الواحد زوجًا وفردًا في وقتٍ واحد نقول: هذا لا وجود له. (مَا أَوْجَبَتْ تَنَافُرًا بَيْنَهُمَا)، يعني: تعاندًا بين جزأيها في الصدق، يعني: في الوجود، أو في الكذب، يعني: العدم أو فيهما، إذًا هذه القضية الشرطية المنفصلة وجود التعاند بين المقدم والتالي، هذه تنقسم إلى ثلاثة أقسام المنفصلة كما قلت لكم بالأمس أن المنطق كله اصطلاح تقسيمات واصطلاحات تريد أن تضبط المسائل كلها كل الأقسام ينقسم إلى كذا وكذا، وتعريف كلي فقط تضبط الباب. (أَقْسَامُهَا) القضية المنفصلة (ثَلاَثَةٌ فَلْتُعْلَمَا) الفاء هذه زائدة، واللام لام الأمر تعلما هذا فعل مضارع مغير الصيغة مبني على الفتح لاتصاله بنون توكيد الخفيفة، الألف هذه منقلبة عن نون التوكيد الخفية فلتعلمن هذا الأصل تعلما، إذًا تنقسم القضية الشرطية المنفصلة إلى ثلاثة أقسام. (مَانِعُ جَمْعٍ) هذا القسم الأول. (أَوْ خُلُوٍّ)، يعني: مانع خلوٍ هذا القسم الثاني.

(أَوْ هُمَا)، يعني: مانع جمعٍ وخلوٍ، مانع جمعٍ وخلوٍ. (مَانِعُ جَمْعٍ) الأصل مَانِعَةُ بالتاء وَذُكِّرَ اللفظ باعتبار كون القضية خبرًا أو تقول: حذفت التاء ضرورة كما قال هناك في المعرف أل (مَانِعُ جَمْعٍ) هي التي تمنع الجمع بين الطرفين وهي ما دلت على عدم صحة الاجتماع بين المقدم والتالي، وإن جوزت الخلو، يعني: الجمع يمتنع، وأما الخلو من الطرفين فهو جائز، مثال ذلك قالوا: الجسم إما أبيض وإما أسود. حينئذٍ نقول: إما أبيض وإما أسود، طيب هل يجتمعان؟ أبيض أسود؟ ما يجتمعان، لكن خلوهما معًا لا أبيض ولا أسود يمكن، يكون أحمر فهي منعت الجمع لكن خلو الجسم من البياض والسواد لا تمنع، الجسم إما أبيض وإما أسود، يمتنع أن يكون أبيض أسود الشيء الواحد الجسم في مكان واحد أن يكون أبيض وأسود هذا ممتنع، إذًا منعت الجمع مانعة الجمع، لكن خلو الجسم من البياض والسواد يمكن يكون أحمر أو أزرق لا تمنع، ولذلك يعبر عنها بأنها مانعة جمعٍ مجوزةٌ للخلو، يعني: من الوصفين المذكورين، هذا نوعٌ من الشرطية المنفصلة (مَانِعُ جَمْعٍ)، إذًا (مَانِعُ جَمْعٍ) هذه يعبر عنها بمانعة الجمع المجوزة للخلو وهي: ما دلت على عدم صحة الاجتماع بين المقدم والتالي، وهي مجوزة الخلو، فالعناد حينئذٍ بين طرفيها في الوجود فقط لا في العدم، العناد بين طرفيها في الوجود لا في العدم، يعني: لا يجتمع البياض والسواد، وقد يعدما فتقول: لا أبيض ولا أسود. (أَوْ خُلُوٍّ) وهي: مانعة الخلو، مانع خلوٍ وهي: ما دلت على امتناع الخلو من الطرفين وإن جوزت الاجتماع، عكس الأولى تمنع الخلو وتجوز الجمع مثلوا له بقولهم: زَيْدٌ إما أن يكون في البحر وإما أن لا يغرق. هل يجتمعان؟ يكون في البحر ولا يغرق يمكن؟ كيف يكون في البحر ولا يغرق يمكن أو لا؟ ممكن، نعم، ما كل من طلع البحر غرق، يعني [ها ها] إما أن يكون في البحر وإما أن لا يغرق، إذًا يمكن أن يكون في البحر ولا يغرق، لكن هل يمكن أن لا يكون في البحر ويغرق؟ لا، أين يغرق؟ في الأرض؟ الغرق الأصل أن يكون في الماء، أن لا يكون في البحر ويغرق نقول: لا هذا لا يمكن. إذًا جوزت هنا جوزت ماذا؟ ما دلت على امتناع الخلو من طرفيها جوزت الاجتماع ومنعت الخلو، ما هو الخلو؟ أن لا يكون في البحر ويغرق هذا ممنوع، أن لا يكون في البحر ويغرق نقول: هذا ممتنع. إذًا خلو هذه القضية الشرطية المنفصلة ممتنع، وأما الجمع بين المنطوق المقدم والتالي فهذا جائزٌ، إذًا (أَوْ خُلُوٍّ) أو مانع خلوٍ وهي: ما دلت على امتناع الخلو من طرفيها وإن جوزت الاجتماع، فالعناد حينئذٍ بين طرفيها في العدد فقط. القضية الأولى: مانعت الجمع العناد في ماذا؟ في الوجود فقط وجوزت الخلو.

هنا العكس [العناد في الخلو وجوزت الجمع] (¬1) العناد في ماذا؟ بين طرفيها في العدم وجوزت الجمع بين المنطوق المقدم والتالي، إما أن يكون في البحر ولا يغرق. إذًا الجملة يمكن أن تصدق على زيد يكون في البحر ولا يغرق، وأما أن ينتفيا معًا أن لا يكون في البحر ويغرق، نقول: هذا ممتنع. إذًا وهي ما دلت على امتناع الخلو من طرفيها وإن جوزت الاجتماع، فالعناد بين طرفيها في العدد فقط مانعت الخلو المجوزة للجمع. (أَوْ هُمَا) هذا النوع الثالث: مانعهما، هما في الأصل مضاف إليه فصل الضمير لما حذف المضاف وقام مقام المضاف، يعني: أصل مانعهما هذا عطف على المانع، أي: قضية مانعت جمعٍ وخلوٍ معًا، يعني: تمنع الجمع وتمنع الخلو، وهذا المثال الذي ذكرناه سابقًا العدد إما زوجٌ وإما فرد هل يجتمعان؟ يكون زوج فرد؟ لا يجتمعان ، هل يمتنعان معًا ينتفيان العدد لا يكون زوجًا ولا فردًا؟ نقول: لا. إذًا هنا منعت الجمع ومنعت، مانعة جمعٍ وخلو، منعت الجمع ومنعت الخلو، حينئذٍ تأخذ من الاسم نفسه مانعة جمعٍ، إذًا الخلو جائز مانعة خلوٍ، إذًا الجمع جائز مانعة جمعٍ وخلوٍ معًا، حينئذٍ لا يجتمعان لا وجودًا ولا عدمًا، مانعة جمعٍ وخلو ما دلت على امتناع الجمع والخلو معًا العدد إما زوجٌ وإما فردٌ بمعنى أن طرفيها لا يمكن اجتماعها في الوجود ولا في العدم فلا يوجدان معًا ولا يعدمان معًا، بل لا بد من وجود أحدهما وعدم الآخر هذا النوع الثالث قال: (وَهْوَ الحَقِيقِيُّ). (وَهْوَ)، أي: مانع الجمع والخلو، (الحَقِيقِيُّ) لأن التعاند فيه بين الطرفين في الصدق والكذب، العناد هنا واضح يعني: أيها أكمل لو قيل التنافر وجودًا وعدمًا، أو وجودًا فقط أو عدمًا فقط أيهما أكمل؟ لا شك أن تعاند والتنافر في الوجود والعدم أكمل، ولذلك قال: (وَهْوَ). أي: مانع جمع والخلو، (الحَقِيقِيُّ) لأن التعاند فيه بين الطرفين المقدم والتالي في الصدق والكذب، يعني: في الوجود والعدم، وهو (الأَخَصُّ)، يعني: من مانع الجمع ومن مانع الخلو. (فَاعْلَمَا) أخص من الطرفين (فَاعْلَمَا) الفاء هذه زائدة واعلمن يقال فيه مقيلة في فلتعلما، كل ما منع الجمع والخلو منع الجمع فقط، أو منع الخلو فقط، لأنه أخص هي تمنع النوعين الجمع والخلو، فيلزم من وجود مانعة الجمع والخلو وجود كلٍّ من الآخرين ولا يلزم من وجود أحدهما منعهما معًا، إذًا الحاصل أن الشرطية المنفصلة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مانعة جمعٍ، ومانعة خلوٍ، ومانعة جمعٍ وخلو. ومانعة الجمع والخلو هي الأخص، يعني: أخص من مانعة الجمع، وأخص من مانعة الخلو، ولأنه يصدق التعاند بين الطرفين في الصدق والكذب، والله أعلم. وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ¬

_ (¬1) سبق.

4

عناصر الدرس * فصل في التناقض ومعناه لغة واصطلاحا. * صور التناقض في القضايا، والأمثلة. * فصل في العكس المستوي، ومعناه. * إيراد على الناظم في الاستثناء من الحد، وجوابه. * صور عكس القضايا الحملية. * القضايا التي لا عكس لها. * العكس خاص بالقضايا ذات لاترتيب الطبيعي. * باب القياس، معناه لغة واصطلاحا. * أنواع القياس، وبيان القياس الاقتراني، وحده. * كيفية تركيب القياس الاقتراني. * النتيجة بحسب المقدمات: قوةً وضعفًا. * المقدمة الصغرى تندرج في المقدمة الكبرى. * حدود القياس الثلاثة، وأحكامها. * فصل في الأشكال، ومعناه لغة واصطلاحا. * الفرق بين الشكل والضرب. * أقسام الأشكال باعتبار الحد الوسط، وبيان كل منها من حيث الصور والترتيب. * شروط كل شكل، والمنتج عنه. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: (فصل في التناقض) هذا الذي نحتاج القضايا التي بوب في الفصل السابق باب القضايا وأحكامها، وقلنا: من أحكامه التناقض، والعكس المستوي، وهما بابان متتاليان لبيان ما يتعلق بهذه القضايا، حيث تكون هذه القضايا من مادة القياس كما سيأتي. والتناقض في اللغة إثبات شيء ورفعه، زيد قائم، زيد ليس بقائم، أثبت الشيء ورفعته، هذا يسمى ماذا؟ يُسمى تناقضًا، إثبات الشيء ورفعه، زيد قائم أثبت له القيام، زيد ليس بقائم نفيت عنه القيام. إذًا هذا يُسمى ماذا؟ يسمى تناقضًا، إذا اتحدا في المحل والزمان، وأما في الاصطلاح عرفه الناظم بقوله: تَنَاقُضٌ خُلْفُ القَضِيَّتَيْنِ فِيْ ... كَيْفٍ وَصِدْقُ واحِدٍ أَمْرٌ قُفِيْ وصدق بالرفع، تناقض هنا مبتدأ والمسوغ له إرادة الجنس يعني مفهوم اللفظ، أو المسوغ وقوعه في معرض التفسير، والأول أولى، أن يكون إرادة الجنس، (تَنَاقُضٌ) أي مفهوم اللفظ، (خُلْفُ)، خلف [بإسكان] (¬1) بضم فإسكان اسم مصدر بمعنى الاختلاف، (خُلْفُ القَضِيَّتَيْنِ)، (خُلْفُ) هذا مضاف، و (القَضِيَّتَيْنِ) مضاف إليه، و (خُلْفُ) هنا جنس دخل فيه جميع الاختلافات، لكن لما أضافه إلى ما بعده وهو (القَضِيَّتَيْنِ) فحينئذ خرج به خُلْف غيرهما، أي اختلاف يحصل لا في (القَضِيَّتَيْنِ) خرج بالإضافة، فإذًا تكون الإضافة هنا للتقييد، (خُلْفُ القَضِيَّتَيْنِ) في ماذا؟ قال: (فِيْ كَيْفٍ)، والمراد بالكيف هنا عندنا في باب القضايا الكم والكيف، والكيف المراد به السلب والإيجاب، والكم الكمية المراد به الكلية والجزئية، فإذا قيل: الكم فالمراد به الكلية والجزئية، وإذا قيل: الكيف فالمراد به السلب والإيجاب. ¬

_ (¬1) سبق.

إذًا (خُلْفُ القَضِيَّتَيْنِ) في ماذا؟ (فِيْ كَيْفٍ)، اختلفتا في السلب والإيجاب، زيد قائم، زيد ليس بقائم، إذًا كل منهما الموضوع والمحمول متحدان زيد وزيد، قائم وقائم إلا أنه في الأول أثبت القيام لزيد، وفي الثانية نفي القيام عن زيد، هذا يسمى اختلاف القضيتين في السلب والإيجاب، يعني في الكيف، (وَصِدْقُ واحِدٍ) أي واحدة من القضيتين، والتذكير هنا (وَصِدْقُ واحِدٍ) باعتبار كونها قولاً، لأن القضية تسمى قضية، وتسمى خبرًا، والخبر مذكر، وكذلك القول، القول مذكر، وهنا (وَصِدْقُ واحِدٍ) منهما فحينئذ يكون ماذا؟ يكون التذكير هنا باعتبار كونها قولاً، (وَصِدْقُ واحِدٍ) يعني واحدة، أي وكذب الأخرى، أو الآخر، إذا ذكرنا صدق واحد أي واحدة وكذب الأخرى، أو وكذب الآخر إذا راعينا لفظ واحد، فحينئذ يكون التناقض متى؟ إذا كان على جهة الإثبات والسلب زيد قائم، زيد قائم هذا ليس بينهما تناقض لأن كلا منهما صادق، لأن كلا منهما إيجاب زيد ليس بقائم، زيد ليس بقائم كل منهما سلب، وإنما يقع التناقض متى؟ إذا كان إحدى القضيتين على جهة الإثبات، والثانية كانت على جهة السلب فحينئذ يقع التناقض، إحداهما صادقة والأخرى كاذبة، هكذا التناقض لا يكون كل من القضيتين صادقتين ولا يكون كل من القضيتين كاذبتين، بل تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة، لماذا؟ لأنه يشترط هنا في التناقض أن يكون المحل والزمن واحدًا، اتحاد الزمن واتحاد المحل، وإذا قلت: زيد صائم زيد ليس بصائم يعني في اليوم هذا الذي نتحدث عنه في اليوم الذي نحن فيه، حينئذ لا يمكن أن يكون زيد صائم وزيد ليس بصائم إلا إذا انفكت الجهة، وأما إذا اتحدت الجهة يعني اليوم والزمن حينئذ نقول: هذا إحدى القضيتين صادقة والأخرى كاذبة، فإذا كان صائمًا فحينئذ زيد صائم هي الصادقة زيد ليس بصائم هذه كاذبة لأنها ليست لم توافق الخارج، لم توافق الواقع في الخارج، حينئذ لا يحكم بكون التناقض بين القضيتين إلا إذا كان إحدى القضيتين صادقة والأخرى كاذبة فهذا متى؟ إذا اتحد الزمان والمحل، وأما إذا انفكت الجهة حينئذ كل من القضيتين يمكن أن يوصفا أو توصفا بالكذب أو بالصدق، إذا قلت زيد صائم زيد ليس بصائم، هذا يحتمل الصدق زيد صائم اليوم وليس بصائم أمس مثلاً، انفكت الجهة، زيد صائم وزيد ليس بصائم صائم في أول اليوم ثم أخر زيد ليس بصائم، إذًا انفك الزمان، حينئذ نقول: يشترط في التناقض أن يكون المحل واحدًا وأن يكون الزمن متحدًا، وأمَّا إذا انفك المحل أو انفك الزمن حينئذ تصدق كل من القضيتين أو تكذب كل من القضيتين، ويشترط في التناقض هنا الاتحاد، ولذلك من ضابطه التناقض هنا عند المناطقة في هذا الباب (وَصِدْقُ واحِدٍ) أي وكذب الأخرى هذا فيه اكتفاء (أَمْرٌ قُفِيْ) يعني تبع دائمًا، لا بد أن يكون لازمًا الصدق في إحدى القضيتين والكذب في القضية الأخرى.

إذًا هذا هو التناقض (تَنَاقُضٌ خُلْفُ) أي اختلاف القضيتين (فِيْ كَيْفٍ) يعني في السلب والإيجاب (وَصِدْقُ واحِدٍ) أي وكذب الآخر (أَمْرٌ قُفِيْ) أمر لَزِم تَبِع، فهو دائمًا لا بد أن يكون إحدى القضيتين صادقة والأخرى كاذبة، ومعنى البيت أن التناقض هو اختلاف القضيتين في الكيف والحال أن صدق واحدة منهما وكذب الأخرى أمر لَزِم فخرج باختلاف القضيتين اختلاف المفردين، زيد لا زيد، التناقض يكون بتسليط حرف السلب على الأخرى، الجملة هي الجملة زيد لا زيد، قائم لا قائم، زيد صائم ليس زيد صائمًا، فيبقى التركيب كما هو الموضوع موضوع والمحمول محمول إلا أنه يسلط حرف النفي على جملة الإثبات.

إذًا خرج باختلاف القضيتين اختلاف المفردين نحو زيد لا زيد، والمفرد القضية يعني حصل اختلاف بين المفرد وقضية نحو زيد عمرو قائم، وبقوله: (فِيْ كَيْفٍ) أي إيجاب وسلب اختلاف القضيتين في الكلية والجزئية، وإذا اختلفتا في الكلية والجزئية هذا سيأتي معنى العكس المستوي حينئذ لا يكون تناقضًا، كل إنسان حيوان، بعض الحيوان إنسان، كل إنسان حيوان هذه قضية كلية، بعض الحيوان إنسان هذه قضية جزئية، اختلفتا، حينئذ نقول: هذا يسمى عكسًا، كما سيأتي وليس بتناقض إذًا خرج بقوله: (فِيْ كَيْفٍ) أي الإيجاب والسلب اختلاف القضيتين الكلية والجزئية نحو كل إنسان حيوان، بعض الإنسان حيوان، فليس بين الجملتين القضيتين تناقض بل العكس كما سيأتي، واختلافهما في الموضوع زيد قائم، عمرو قائم هل بينهما تناقض؟ زيد قائم، عمرو قائم، فليس بينهما تناقض لأن هذه جملة قضية منفكة وهذه قضية منفكة، لاختلاف الموضوع قائم قائم في الموضعين في الجملتين في القضيتين، إلا أن محل المحكوم عليه مختلف، حينئذ لا يسمى، هنا اختلاف أو لا؟ هو اختلاف لكن لا يُسمى تناقضًا، ولذلك قلنا: (خُلْفُ القَضِيَّتَيْنِ) بالإضافة خرج به خُلف غيرهما، وهنا في الكيف يعني بالسلب والإيجاب، فإذا اختلفا في الموضوع مع اتحاد المحمول لا يُسمى تناقضًا، مثاله زيد قائم، عمرو قائم، زيد عمرو، إذًا اختلف الموضوع مع اتحاد المحمول فلا يُسمى تناقضًا، كذلك اختلافهما في المحمول زيد جالس زيد قائم زيد، زيد زيد، في الجملتين في القضيتين متحد، وإنما وقع الخلاف في ماذا؟ في المحمول، لا يسمى تناقضًا، هو اختلاف لكنه ليس كل اختلاف تناقضًا، وإنما التناقض إنما يكون مع اتحاد الموضوع والمحمول والاختلاف يكون في ماذا؟ في الكيف، زيد قائم زيد ليس بقائم، أما إذا اختلفا في الموضوع أو اختلفا المحمول ولو وجد السلب والإيجاب نقول: هذه القضية منفكة، زيد قَدِم ومحمد خَرَج، كل منهما منفك عن الآخر وإن كانا مختلفين، إذًا زيد جالس وزيد قائم لا يُسمى ماذا؟ لا يُسمى تناقضًا لاختلافهما في المحمول، وبقوله: (وَصِدْقُ واحِدٍ)، اختلاف القضيتين في ماذا؟ وبقوله: (صِدْقُ واحِدٍ) اختلاف القضيتين لا يلزم بصدق أحدهما بل يجوز صدقهما أو كذبهما كما ذكرنا فيما سبق، بعض الحيوان إنسان، صادقة أو لا؟ نعم صادقة، بعض الحيوان ليس بإنسان، صادقة، بعض الحيوان ليس بإنسان بل هو فرس، تلتبس معكم قضية الجنس هذه، بعض الحيوان ليس بإنسان صحيح لأنه يكون ماذا؟ فرسًا بغلاً .. إلى آخره، والثاني نحو كل حيوان إنسان، خطأ، ليس كل حيوان إنسان لا شيء من الحيوان بإنسان، خطأ. إذًا كل منهما لا يصدق، كل حيوان إنسان لا تصدق، لا شيء من الحيوان إنسان لا تصدق، وهذا سيأتي بحثه في ماذا؟ في العكس. إذًا: تَنَاقُضٌ خُلْفُ القَضِيَّتَيْنِ فِيْ ... كَيْفٍ وَصِدْقُ واحِدٍ أَمْرٌ قُفِيْ إذًا التناقض أن يكون عندنا قضيتان متحدتان في الموضوع والمحمول إلا أن إحداهما سالبة والأخرى موجبة، وإحداهما صادقة والأخرى كاذبة. بهذه القيود هو الذي يسمى تناقضًا عند المناطقة.

ثم أراد أن يفصل تفصيلاً أكثر لتنزيل هذا التناقض على ما سبق من القضايا قال: (فَإِنْ تَكُنْ شَخْصِيَّةً أَوْ مُهْمَلَهْ)، (فَإِنْ تَكُنْ) القضية الضمير هنا يعود إلى القضية، الفاء هنا فإن هذه تفريعية يعني تفرع عما سبق، أو فصيحة، فإن تكن قضية من حيث هي شخصية مثل ماذا؟ زيد قائم هذه شخصية، لماذا؟ شخصية لأن موضوعها لشخصي شيء واحد، لا يُفْهِم اشْتِرَاكًا، زيد يختص بزيد لا يتعدى غيره ولا يدخل تحته غيره، ... (فَنَقْضُها) يعني نقيضها (بِالْكَيْفِ أَنْ تُبَدِّلَهْ) شخصية كيف تأتي بنقيضها، بدل الكيف زيد قائم، ليس زيد بقائم قائمًا سواء قدمت حرف السلب أو أخرته، يعني أنت مخير بين أن تقول ليس زيد قائمًا، زيد ليس بقائم، كله جائز، المراد إدخال حرف السلب على الموضوع أو على المحمول (أَوْ مُهْمَلَهْ) مثل ماذا؟ الإنسان حيوان، حينئذ ما نقيضها؟ بَدِّل الكيف الإنسان حيوان أليس كذلك؟ هذه مهملة، ما معنى مهملة؟ ألا تكون مسورة لا بسور كلي ولا جزئي، عرفنا السور بالأمس، حينئذ الإنسان هذا الموضوع وهو كلي موضوعها كلي، لأن الفرق بين الشخصية والمهملة أن كلا منهما في الأصل غير مسور بسور كلي ولا جزئي، إلا أن موضوع الشخصية جزئي وموضوع المهملة كلي، هذا الفرق بينهما. إذًا مصير المهملة أن تكون ماذا؟ الإنسان ليس بحيوان. هذا الذي اختاره الناظم وغُلِّطَ في هذا، قيل: هذا ضعيف. ولذلك قيل: هذا في المهملة ضعيف والصحيح أن نقيض المهملة كلية تخالفها في الكيف، لماذا؟ لأن المهملة عند جماهير المناطقة المتأخرين في قوة الجزئية، كأنها جزئية، بعض الحيوان إنسان، حينئذ نقيض الجزئية أن تأتي ماذا؟ ليس بعض الحيوان بإنسان، كاذبة، صدقت الأولى وكذبت الثانية لا بد من التناقض في الكلام. فالصحيح خلاف ما ذهب إليه الناظم، الناظم هنا جعل المهملة الإنسان حيوان أن تأتي بالسلب فقط لأنها موجبة، والصحيح أنك تأتي بالكلية لأن المهمل في قوة الجزئية. إذًا نقيض المهملة على كلام الناظم الإنسان ليس بحيوان، وهذا ضعيف، والصحيح نقيض المهملة كلية تخالفها في الكيف، فنقيض الإنسان حيوان لا شيء من الإنسان بحيوان، تأتي بسور كلي ثالث، لا شيء من الإنسان بحيوان هذه كاذبة، والإنسان حيوان هذه صادقة. إذًا فإن تكن شخصية أو مهملة فنقضها بالكيف أن تبدلا

(أَوْ مُهْمَلَهْ) إذًا ذكر الشخصية والمهملة، (فَنَقْضُها) أي نقيضها (بِالْكَيْفِ) حاصل بـ (أَنْ تُبَدِّلَهْ) يعني تبدل [الكيف فقط بدلاً من الكيف ##16.01] (وَإِنْ تَكُنْ مَحْصُورَةً بِالسُّورِ) دخل إلى المحصورة، الشخصية والمهملة غير محصورة (وَإِنْ تَكُنْ مَحْصُورَةً بِالسُّورِ) مطلقًا، أطلق هنا الناظم سواء كان السور كليًّا أو جزئيًّا (فَانْقُضْ بِضِدِّ سُورِها المَذْكُورِ)، (فَانْقُضْ) أي انقضها (بِضِدِّ سُورِها المَذْكُورِ) يعني تأتي بضد السور الكلي تأتي بالعكس بالجزئي، والجزئي تأتي بالكلي مع تبديل الكيف، إن كانت موجبة تأتي بالسلب، إن كانت سالبة تأتي بماذا؟ بالموجبة. ... (وَإِنْ تَكُنْ مَحْصُورَةً بِالسُّورِ) سواء كانت كلية أو جزئية، وسواء كانت موجبة أو سالبة، فدخل في كلامه جميع القضايا، نقيضها (فَانْقُضْ بِضِدِّ سُورِها المَذْكُورِ)، (بِضِدِّ سُورِها) ما هو ضد السور؟ الكلي ضده الجزئي، والجزئي ضده الكلي، مع تبديل الكيف، السلب إيجاب، والإيجاب سلب. ثم فَرَّعَ بين لك على جهة التفصيل، (فَإِنْ تَكُنْ مُوجِبَةً كُلِّيَّةْ) هذا تفصيل للبيت الذي سبق، (فَإِنْ تَكُنْ) الفاء هذه فاء تفريعية أو فصيحة، كأنه قال: إذا أردت التناقض فتقول: إن تكن قضية موجبة كلية مثل ماذا؟ كل إنسان حيوان، هذه قضية مسورة بسور كلي وهي موجبة، إذًا كل موجبة كلية نقيضها سالبة جزئية، ماذا صنعت؟ هي كلية مسورة بسور كلي، جئت في الحال في النقيض بسور جزئي، إذًا لا بد من تبديل السور، ثم الموجبة جعلتها سالبة، فكل قضية موجبة كلية حينئذ نقيضها يكون ماذا؟ سالبة جزئية، الموجب نقيضه السالب، والكلي نقيضه الجزئي، هكذا. (فَإِنْ تَكُنْ مُوجِبَةً كُلِّيَّةْ) أي كل إنسان حيوان، (نَقِيضُها) الأصل أن يقول: فنقيضها (نَقِيضُها) فإن تكن يعني الفاء واقعة في جواب الشرط، لكن أسقطها للضرورة، (نَقِيضُها سَالِبَةٌ جُزْئِيَّةْ) بعض الإنسان ليس بحيوان، كذب في التناقض تجعل الموضوع كما هو، والمحمول كما هو، يعني الإنسان هو الموضوع، والحيوان هو المحمول، وإنما بدلت بين السور الكلي جعلته جزئي والسلب على الأصل. تقول: بعض الإنسان ليس بحيوان. طيب العكس المراد من قول الناظم هنا: (سَالِبَةٌ جُزْئِيَّةْ) نقيضها موجبة كلية اعكس البيت، فإن تكن سالبة جزئية نقيضها موجبة كلية، نعم أو لا؟ نعم. إذًا مراده هنا قضيتين الكلية الموجبة هذه نقيضها سالبة جزئية، والسالبة الجزئية نقيضها الكلية الموجبة. إذًا بالعكس كذلك. وَإِنْ تَكُنْ سَالِبةً كُلِّيَّةْ ... نَقيضُها موجَبَةٌ جُزْئِيَّةْ وبالعكس كذلك، وإن تكن القضية سالبة كلية لا شيء من الإنسان بحجر، لا شيء هذا سور كلي سالب من الإنسان بحجر نقيضها موجبة جزئية بعض الإنسان حجر، صادقة أو لا؟ غير صادقة، الأولى صادقة وهذه ليست بصادقة، والعكس الموجبة الجزئية نقيضها سالبة كلية، يعني # .. 20.23، هذا ما يتعلق بأحكام القضايا من حيث التناقض فهو واضح بين، إذا عرفت التعريف حينئذ تفرع عليه ما تحته.

ثم قال رحمه الله تعالى: (فصل في العكس المستوي). هذا الحكم الثاني الذي يتعلق بالقضايا (العكس المستوي) في اللغة التبديل والقلب، فيما سبق في التناقض. قلت: انتبه لمسألة الموضوع يبقى موضوعًا في محله، في العكس أي في التناقض أو في النقيض والمحمول يبقى في محله، العكس هنا لا، عندنا التبديل قلب، يعني يصير المحمول موضوعًا، والموضوع محمولاً كما سيأتي. إذًا العكس في اللغة التبديل والقلب، والاصطلاح أو اصطلاحًا ما ذكره الناظم بقوله: العَكْسُ قَلْبُ جُزْأَيِ القَضِيَّهْ ... مَعَ بَقَاءِ الصِّدْقِ وَالكَيْفِيَّهْ وَالكَمِّ ................. ... ................................

هذا التعريف، (العَكْسُ قَلْبُ) يعني العكس المستوي نقيده بالترجمة، أي المساوي للأصل لأن العكس المستوي يقال له: عكس مستقيم لاستواء طرفيه واستقامتهما بسبب سلامة كل منهما من التبديل بالنقيض، واصطلاحًا قالوا: إن العكس قلب أي تبديل المعنى اللغوي موجود، إذًا العكس المراد به العكس المستوي، أي المساوي للأصل ما تعريفه؟ قال: (قَلْبُ) أي تبديل (جُزْأَيِ القَضِيَّهْ) قلب جزئي أي طرفي القضية، ما هما طرفا القضية؟ الموضوع والمحمول هما جزءا القضية، هذا إذا جعلنا العكس خاص بالحمليات، وإذا جعلنا كذلك يدخل فيه الشرطيات المتصلة حينئذ يُجعل التالي مقدمًا والمقدم تالي، (جُزْأَيِ القَضِيَّهْ) الحملية الموضوع والمحمول، بجعل الموضوع محمولاً والمحمول موضوعًا في الحملية، وإذا عممنا الناظم لا يرى التعميم يرى العكس المستوي خاص بالحمليات فقط، حينئذ يختص قوله: (جُزْأَيِ القَضِيَّهْ) بالموضوع والمحمول، وعلى الصحيح أن الشرطية المتصلة كذلك يدخلها العكس المستوي حينئذ (جُزْأَيِ القَضِيَّهْ) يدخل فيه المقدم والتالي بجعل الموضوع محمولاً والمحمول موضوعًا في الحملية، وبجعل المقدم تاليًا والتالي مقدمًا، كالشرطية المتصلة حالة كونه يعني هذا القلب حالة كونه (مع بقاء الصدق)، ما هو الصدق؟ موافقة الواقع يعني لا تكذب، تكون صادقة، بخلاف النقيض هنا، لا بد أن نأتي بالنقيض ويكون مخالفًا له، إن كان الأصل الذي جئنا بنقيضه صادقًا لزم أن يكون النقيض كاذبًا، وإذا كان كاذبًا لزم أن يكون صادقًا، أما هنا في العكس المستوي تقلب جزأي القضية بشرط أن تصدق في الفرع، العكس كما صدقت في الأصل، فاشتراط الصدق فيهما معًا هذا لازم، (مع بقاء الصدق) والمراد بالصدق هنا موافقة الواقع يعني في العكس، الصدق هنا يكون في العكس، (مع بقاء الصدق) أي في العكس، أي إن كان الأصل صادقًا لزم صدق العكس، إن كان الأصل صادقًا لزم صدق العكس، فخرج به إذا لم يبق الصدق، كل إنسان حيوان، ائت بالعكس اقلب اجعل الموضوع محمولاً والمحمول موضوعًا مع بقاء الكم، يعني الكل يبقى كما هو، كل إنسان حيوان، كل حيوان إنسان، الأصل صادق والثاني العكس ليس بصادق، إذًا هذا لا يُسمى عكسًا مستويًا، لماذا؟ لانتفاء الصدق في العكس، الأصل صادق كل إنسان حيوان هذا صادق، مع العكس اقلب كل حيوان إنسان، كَذَبَ، إذًا ليس بعكس، لماذا؟ لانتفاء الصدق، وشرط العكس المستوي أن يكون صادقًا، العكس يكون صادقًا (مع بقاء الصدق)، يعني في العكس لأن كان الأصل صادقًا لزم صدق العكس، ولا يلزم من كذب الأصل كذب العكس، قد يكون الأصل كاذبًا ويصدق العكس مثل ماذا؟ كل حيوان إنسان، هذا كاذب مع صدق عكسه، وهو بعض الإنسان حيوان، (وَالكَيْفِيَّهْ) يعني ومع بقاء الكيفية، ما المراد بالكيفية؟ الكيفية هذا نسبة مصدر صناعي لكيف، والكيف كما سبق المراد به السلب والإيجاب، إذًا (مع بقاء الصدق) أن يكون العكس صادقًا، ومع بقاء الكيف، السلب في العكس كما هو الشأن في الأصل، السلب في الإيجاب كما هو الشأن في الأصل، إذًا ليس عندنا تغيير وتبديل للكيفية، وبقاء الكيفية التي كانت في الأصل، فإن كان الأصل موجبًا فالعكس كذلك موجب، وإن كان

سالبًا فسالب، خرج به ما إذا لم يبق أو تبق الكيفية، كأن تقول في عكس: بعض الإنسان حيوان، ليس بعض الحيوان بإنسان. هذا لا يُسمى عكسًا لماذا؟ لعدم بقاء الكيفية، بعض الإنسان حيوان، هذه كاذبة، ليس بعض الحيوان بإنسان هذه صادقة. قال: (وَالكَمِّ) هذا الشرط الثالث، يعني مع بقاء الكم، ما المراد بالكم؟ نقول: عندنا كيف، وعندنا كم، كمية، الكم المراد به الكلية والجزئية، يعني إذا كان الأصل كلية فالعكس كلية، إن كان الأصل جزئية فالعكس جزئية، لا يختلف هذا المراد بالكم، مع بقاء الكم أي إن كان الأصل كليًّا فالعكس كلي، وإن كان جزئيًا فالعكس جزئي، (وَالكَمِّ) أي بقاء الكم، لكن استثنى من الكم قضية وهي (المُوجِبَ الكُلِّيَّهْ) كأنه قال وما بقاء الكم، أي إن كان الأصل كليًّا فالعكس كلي، وإن كان جزئيًا فجزئي، وخرج بقوله: (إِلاّ) الاستثناء الموجبة الأصل بالتاء الموجبة لكن حذفه للضرورة وترخيمًا إلا الموجبة الكلية، فلا يبقى فيها الكم بل تنعكس جزئية، إذًا الأصل في العكس بقاء الكم، ويستثنى الموجبة الكلية أو الكلية الموجبة، حينئذ عكسها ما هو؟ تنعكس جزئية ولذلك قال: (فَعَوْضُها) أي المناطقة الموجبة الجزئية، كل إنسان حيوان هذه كلية موجبة، مع عكسها بعض الحيوان إنسان، لماذا؟ لأننا لو قلنا: كل الحيوان إنسان أو كل حيوان إنسان صدقت أو كذبت؟ كل حيوان إنسان كذبت، ونحن نشترط العكس المستوي أن يكون العكس صادقًا كأصله، حينئذ لا يصح أن يكون العكس في القضية الكلية الموجبة كلية موجبة، لماذا؟ لأنها لو كانت كذلك لكذبت، فإذا قلت: كل إنسان حيوان، كل حيوان إنسان كذب لم تصدق، فحينئذ يكون العكس عكس الموجبة الكلية جزئية موجبة، فتقول: بعض الحيوان إنسان هنا لم يبق الكم تغير هذا استثناء في هذه القضية، كذلك في الشرطية يقال: كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، هذا صحيح، إذا عكست الأصل أن تقول: كلما كان هذا حيوانًا كان إنسانًا كذبت، لكن تأتي بسور جزئي فتقول: قد يكون إذا كان هذا حيوان كان إنسانًا، قد يكون هذا في الشرطية المتصلة وهو يعتبر سورًا جزئيًا، قد يكون، يعني بعض قد يكون إذا كان هذا حيوانًا كان إنسانًا، كأنه قال: بعض الحيوان إنسان، ولا يصح في عكس هاتين القضيتين أن تكون كليتين. إذًا يستثنى من الكم الأصل بقاؤه في العكس إلا في الكلية الموجبة فتأتي في العكس المستوي لها بالموجبة الجزئية.

ثم قال: (وَالعَكْسُ) أي المستوي (لازِمٌ لِغَيْرِ مَا وُجِدْ) (بِهِ اجْتِمَاعُ الخِسَّتَيْنِ فَاقْتَصِدْ) كأنه قال لك العكس يدخل كل القضايا السابقة الثمانية، جزئية، كلية، ثم مسورة بسور كلي، مسورة بسور جزئي، هذه أربعة كل منهما سالب أو موجب هذه ثمانية، الأصل في العكس أنه يدخل جميع تلك القضايا إلا ما استثناه، والعكس هنا أل للعهد الذهني والمعهود المستوي، (وَالعَكْسُ) أي المستوي (لازِمٌ لِغَيْرِ مَا وُجِدْ) يعني لازم لكل قضية، ثَمَّ محذوف، وغير هذا نعت له (لِغَيْرِ) يعني لكل قضية من القضايا الثمانية فهي إذًا إلى الثمانية #31.04 ... (لِغَيْرِ مَا وُجِدْ) لغير ما أي قضية التي وجد به ضمير يعود لـ (مَا) والباء هنا بمعنى في، (اجْتِمَاعُ الخِسَّتَيْنِ) يعني إلا نوعًا واحدًا لا يدخله العكس البتة، وهو ما اجتمع فيه الخستان، والمراد بالخسة السلب والجزئية، لا شك أن الكلية أكمل من الجزئية، والجزئي خسيس بالنسبة للكل، وكذلك السلب أنقص من الإيجاب، فالإيجاب الذي هو الإثبات كمال والسلب هذا نقص، إذا اجتمع في القضية هاتان الخستان الجزئية والسلب حينئذ لا عكس لها، إذًا كل القضايا الأصل فيها أنه يأتي منها العكس إلا هذا النوع وهي السالبة الجزئية لاجتماع الخستين، وَالعَكْسُ لازِمٌ لِغَيْرِ مَا وُجِدْ ... بِهِ اجْتِمَاعُ الخِسَّتَيْنِ ............. به اجتماع، به يعني فيه والضمير هنا يعود لـ (مَا) قضية (لِغَيْرِ مَا) لغير قضية وجد فيها الضمير يعود إلى (مَا)، وقضية هذا مؤنث، و (مَا) مذكر، عاد الضمير باعتبار لفظ (مَا) وهذا جائز، حصل اجتماع الخستين وهما السلب والجزئية، إذًا بعض الحيوان ليس بإنسان، ما عكسها؟ ليس لها عكس، هكذا تجيء، ليس لها عكس لماذا؟ لاجتماع الخستين، بعض هذا سور جزئي ليس لإنسان هذا كلب، إذًا اجتمع فيه الخستان فلا عكس لها، (فَاقْتَصِدْ) هذا تكملة يعني توسط في الأمور، (وَمثلُها المُهْمَلَةُ السَّلبيَّهْ) يعني في قوتها سبق أن المهملة في قوة الجزئية المهملة الموجبة في قوة الجزئية الموجبة، والمهملة السالبة في قوة ماذا؟ الجزئية السالبة، حينئذ يلحق بما اجتمع فيه الخستان وهو الجزئية السالبة المهملة السالبة لأنها في قوتها ولذلك قال: (وَمثلُها) أي السالبة الجزئية في عدم لزوم العكس لها (المُهْمَلَةُ السَّلبيَّهْ) المهملة: نوعان سلبية، موجبة.

وكل منهما في قوة الجزئية فالمهملة الموجبة في قوة الجزئية الموجبة، والمهملة السالبة في قوة الجزئية السالبة، (وَمثلُها) الضمير هنا يعود لما نظر لمعناها، مثلها (مَا) وجد، (مَا)، ما مثلها يعود إلى ما السابقة، ... (وَمثلُها) المهملة أي القضية المهملة وهي التي لم تسور بسور جزئي أو كلي، ثم هي نوعان: موجبة وسالبة. قال السالبة احترازًا من الموجبة، لماذا؟ قال: (لأنَّهَا في قُوَّةِ الجُزئيَّهْ)، لأنها هذا تعليل، لماذا المهملة السلبية لم يأت منها العكس أو لا عكس لها؟ (لأنَّهَا في قُوَّةِ الجُزئيَّهْ)، والجزئية السالبة لا عكس لها فكذلك ما كان في قوتها وهو المهملة السالبة، الحيوان ليس بإنسان هذا صادق، ولا يصدق عكسه وهو الإنسان ليس بحيوان، الحيوان ليس بإنسان هذه مهملة سالبة، الحيوان هذا الموضوع وهو كلي وليست مسورة وهي مهملة ليس بإنسان فهي سالبة، إذًا هذه في قوة ماذا؟ في قوة الجزئية السالبة لو أردنا العكس لقلنا ماذا؟ الإنسان ليس بحيوان كذب، ويشترط في العكس كون أن يكون العكس صادقا، إذًا لا عكس لها، إذ لو كان لها عكس لكذبت، حينئذ تخلف الشرط الذي ذكره سابقًا (مع بقاء الصدق)، لا بد أن يكون الصدق باقيًا في العكس المستوي. ثم قال: وَالعَكْسُ في مُرَتَّبٍ بِالطَّبْع ... وَلَيْسَ في مُرَتَّبٍ بِالوَضْعِ قبل ذلك نقول: القضايا كما سبق أربعة أنواع، التفصيل في القضايا كلها، شخصية، وكلية، وجزئية، ومهملة. %% 35.45

أربعة أنواع، وهي موجبات أو سوالب، إما موجبة، وإما سالبة، صارت كم أربعة في اثنين بثمانية، الموجبات الأربع من الشخصية والكلية والجزئية والمهملة تنعكس إلى موجبة جزئية، والأمثلة تجدونها فقولك مثلاً زيد حيوان ما نوعها؟ زيد حيوان هذه شخصية موجبة، عكسه بعض الحيوان زيد، صادقة أو لا؟ نعم صادق، وقولك: كل إنسان حيوان هذه كلية موجبة، أو بعض الإنسان حيوان هذه جزئية موجبة، أو والإنسان حيوان هذه مهملة، عكس هذه الثلاث بعض الحيوان إنسان، إذًا الضابط أو الأصل تقول: الموجبات الأربعة تنعكس إلى موجبة جزئية هذا تجعله معك ضابطًا حينئذ إذا تخلف فأنت مخطئ، أخطأت في التقديم والتأخير أو شيء من ذلك، الموجبات الأربعة الشخصية والكلية والجزئية والمهملة تنعكس إلى موجبة جزئية، هذه أربعة، والسوالب لا ينعكس منها إلا الكلية، السوالب من الأربعة لا ينعكس منها إلا الكلية، نحو: لا شيء من الإنسان بحجر عكسها كنفسها لا شيء من الحجر بإنسان، لا شيء من الإنسان بحجر عكسها كنفسها لا شيء من الحجر بإنسان، والشخصية نحو ليس زيد بحجر سالبة شخصية، ليس زيد بحجر عكسها ماذا كلية نحو ماذا؟ لا شيء من الحجر بزيد، وهذا إذا كان محمولها كلي، فإن كان محمولها جزئي انعكست كنفسها، يعني شخصية الشخصية السالبة يُنظر في المحمول إما أن يكون كليًّا، وإما أن يكون جزئيًّا، إن كان كليًّا حينئذ عكسها كلية، هذه الشخصية السالبة مثل ماذا؟ ليس زيد بحجر، حجر هذا كليّ مثل الاشتراك وهو محمول، والقضية هنا شخصية حينئذ عكسها يكون كليًّا، لا شيء من الحجر بزيد، وأما إذا لم يكن المحمول كليًّا بأن كان جزئيًا ليس زيد قائمًا حينئذ عكسها ماذا؟ زيد قائم كنفسها، عكسها كنفسها، وهذا إذا كان محمولها كليًّا فإن كان محمولها جزئيًا انعكست كنفسها، ليس زيد بعمرو، إذًا عمرو ليس بزيد، نعم قدِّم وأخر - أنا لم أقدم فيما سبق - ليس زيد بعمرو هذا عكسها ماذا؟ عمرو ليس بزيد، إذًا الشخصية الموجبة إن كان محمولها جزئيًا عكست كنفسها وأما إذا كان محمولها كليًّا حينئذ تنعكس إلى كلية، والسوالب لا ينعكس منها إلا الكلية. ثم قال الناظم هنا: وَالعَكْسُ في مُرَتَّبٍ بِالطَّبْع ... وَلَيْسَ في مُرَتَّبٍ بِالوَضْعِ

هذا كما ذكرنا أن الناظم يرى أن العكس إنما يدخل الحمليات فقط، وهو قول لبعضهم، والمشهور أنها الشرطيات المتصلة على جهة الخصوص دون المنفصلة كذلك يدخلها العكس، فحينئذ تجعل المقدم تاليًا، والتالي مقدمًا والعكس في مركب بالطبع، أي ثابت في قضية مركبة بالطبع الذي هو كل من الحملية والشرطية المتصلة، والترتيب الطبيعي هو ما اقتضاه المعنى بحيث يتغير بتغيره، أما المرتب بالوضع فهو الشرطية المنفصلة لأن ترتيبها ذكري لو أزيل لم يتغير المعنى، إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، لو أزلتَ الأداة كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود انفصلت، حينئذ نقول: الشمس طالعة هذه جملة، والنهار موجود هذه جملة ما تغير المعنى، لم يتغير المعنى، بخلاف المبتدأ والخبر والفعل وفاعله أو نائبه، لو فككت كلا منهما عن الآخر فحينئذ تغير المعنى. قال: (وَالعَكْسُ في مُرَتَّبٍ) يعني وليس العكس ثابتًا (في مُرَتَّبٍ بِالطَّبْع) يعني بسبب الوضع والذكر الذي هو الشرطية المنفصلة، إذا جعلنا المرتب أي مرتب بالطبع خاصًا بالحملية، لكن مراد الناظم هنا (وَالعَكْسُ في مُرَتَّبٍ بِالطَّبْع) وهو الجملة الحملية فقط القضية الحملية، (وَالعَكْسُ في مُرَتَّبٍ بِالطَّبْع) وهو الشرطية والمتصلة والمنفصلة هذا مراد الناظم رحمه الله تعالى. ثم قال: (بابٌ في القِيَاسِ) سبق أن باب القضايا وأحكامها هو مبادئ التطبيقات، الآن شرع في مقاصد التطبيقات، وهو القياس ما يسمى بالبرهان، (بابٌ في القِيَاسِ) القياس لغة كما سبق بالأمس يأتي بمعنى المساواة والتقدير والتشبيه، وهو مشترك بين هذه الألفاظ، تقدير شيء على مثال شيء آخر كتقدير القماش على الآلة، هذا معناه في اللغة. أما في اصطلاح المناطقة فهو ما عرفه بقوله: إِنَّ القِياسَ مِنْ قَضايا صُوِّرا ... مُسْتَلْزِماً بِالذَّاتِ قَوْلاً آخَرا

(إِنَّ القِياسَ)، (إِنَّ) في الأصل هذا يعتبر حشوًا لأن إن للتأكيد ولا يؤكد إلا لمنكر أو متردد أو مُنَزّل منزلة المنكر أو المتردد، وأما إذا لم يكن كذلك، والمتن هنا موضوع للمبتدئ حينئذ لا يحتاج إلى التأكيد، فإن في مثل هذه التراكيب تعتبر حشوًا (إِنَّ القِياسَ مِنْ قَضايا) الأصل أن نقول: قول كما قال الأكثر، قول يعني مركب، لأن القول عند المناطقة يفسر أو مرادف بالمركب ولذلك قلنا قول الشارح سمي قولاً لماذا؟ لأن القول المراد به المركب والشارح لشرحه وكشفه الماهية، إذًا الأصل نقول: (إِنَّ القِياسَ) قول (مِنْ قَضايا صُوِّرا)، (صُوِّرا)، بمعنى رُكِّبَ، رُكِّبَ من قضايا أي تركيبًا خاصًا ليس مطلقًا، ليس كل تصوير ليس كل تركيب وإنما لهم هيئة وترتيب معين، لا بد من الجري والسير عليه، إن تخلف حينئذ فسد القياس (إِنَّ القِياسَ) قول (مِنْ قَضايا صُوِّرا) يعني ركب تركيبًا خاصًا، وقوله: (قَضايا) هذا جمع، ليس المراد به ثلاثة فأكثر أقل الجمع، لا المراد به قضيتين فأكثر، حينئذ أطلق الجمع وأراد به الاثنين، أو إن شئت قل القول المرجوح أقل الجمع اثنان لأن القياس نوعان قيس بسيط وقياس مركب، القياس البسيط هو المؤلف من قضيتين مقدمتين فقط، والقياس المركب هو ما أُلِّفَ من ثلاث قضايا فأكثر، إذًا لو قيل قضايا خرج القياس البسيط، حينئذ لا بد من تفسير القضايا هنا بمعنى ماذا؟ بالاثنين فأكثر، (مِنْ قَضايا صُوِّرا) أي ركب تركيبًا خاصًا حالة كونه مستلزمًا، انظر هذا حال ربط بحال (مِنْ قَضايا صُوِّرا مُسْتَلْزِماً) أي حالة كونه مستلزمًا، (بِالذَّاتِ) أي بذاته سبق معنا معنى اللازم، والسلب اللازم هو الذي لا ينفك عن الشيء، لا بد منه (مُسْتَلْزِماً بِالذَّاتِ) يعني بذاته يعني بنفسه بنفس المقدمتين لا بمقدمة خارجة عن القياس، (مُسْتَلْزِماً بِالذَّاتِ) يعني بذاته ... (قَوْلاً آخَرا) المراد بالقول الآخر هو النتيجة، ولذلك سبق عند قول نتائج الذكر أن نتائج جمع نتيجة وهو القول اللازم لمقدمتين لذاتهما، يعني لا لشيء خارج كما سيأتي بيانه (قَوْلاً آخَرا) وهو النتيجة. إذًا: (إِنَّ القِياسَ مِنْ قَضايا صُوِّرا مُسْتَلْزِماً بِالذَّاتِ) يعني بذات القضيتين التي ركب منها القياس لا لقضية أو أمر خارج عن المقدمتين فأكثر (قَوْلاً آخَرا) وهو النتيجة، (قَوْلاً آخَرا) المراد به النتيجة.

إذًا قولنا أو قوله: (قَوْلاً) هذا جنس يخرج به المفرد فإنه لا يسمى قولاً لأن القول عند المناطقة كما ذكرنا خاص بالمركب، وقوله: صور من قضايا يعني من قضايا المتعلق بقوله صورًا الألف هذه للإطلاق كما أنها في آخرا الألف للإطلاق، يُخرج القضية الواحدة لأن أقل القياس قضيتان، والقضية الواحدة هذه لا تسمى قياس، كل إنسان حيوان فقط ليس بقياس، والمراد بالقضايا قضيتان فأكثر، يشمل القياس البسيط وهو المركب من مقدمتين مثل ماذا؟ المثال المشهور: العالم متغير وكل متغير حادث. عندنا هنا مقدمتان العالم متغير، هذه مقدمة صغرى، وكل متغير حادث لزم منه، قول آخر وهو النتيجة العالم حادث، والقياس المركب من أكثر من مقدمتين كقولهم المثال المشهور كذلك عندهم: النباش آخذ للمال خُفِية. النباش الذي يسرق أكفان الموتى، النباش، النباش آخذ للمال خفية، هذه مقدمة، وكل آخذ للمال خفية سارق، وكل سارق تقطع يده، هذه ثلاث مقدمات والنتيجة النباش تقطع يده. إذًا النباش آخذ للمال خفية هذه مقدمة أولى، وكل آخذ للمال خفية فهو سارق مقدمة ثانية، والسارق تقطع يده هذه مقدمة ثالثة. إذًا هذا قياس مركب من ثلاث قضايا النتيجة: النباش تقطع يده. قوله: (مُسْتَلْزِماً) خرج به ما صور من قضيتين ولم يستلزم قولاً آخر، لا بد أن يكون مستلزمًا بمعنى بذات المقدمتين للتركيب الآتي الطريقة المعهودة عندهم يستلزم قولاً آخر، كالقضيتين المركبتين على وجه لا ينتج لعدم # 48.14 .. لحد أوسط مثل ماذا؟ كل إنسان حيوان، وكل فرس صهال، هذا لا يمكن أن ينتج، لماذا؟ لعدم وجود الحد الأوسط كما سيأتي المراد بالحد الأوسط، كل إنسان حيوان، وكل فرس صهال، كل قياس لا بد أن يكون ثَمَّ كلمة تكون مكررة في المقدمتين، إذا قلت: العالم متغير، وكل متغير حادث. لا بد من واسطة بينهما انظر العالم متغير، كلمة متغير، وكل متغير، هذا يسمى ماذا؟ يسمى الحد الوسط هو الذي يجمع بين القضيتين، التركيب هنا حصل الترابط بين المقدمتين بكلمة متغير، لو لم توجد هذه الكلمة المكررة في المقدمتين امتنع الإنتاج، فإذا قلت كل إنسان حيوان، وكل فرس صهال، أين الحد الأوسط؟ إذًا لا يمكن أن يكون منتجًا، إذًا هاتان قضيتان لو ركبتا نقول: هذا قياس فاسد لعدم وجود الحد الأوسط. وكالقضيتين المركبتين من ضرب عقيم لا يُنتج كما سيأتي في باب الأَشْكَال. %% 49.27

وقولنا: (بِالذَّاتِ) خرج ما يستلزم لا لذاته بل لأمر خارج، كقياس المساواة وهو المركب من قضيتين قياس المساواة استدل به أن القياس يتركب من قضيتين والنتيجة تلزم لا لذات القضيتين بل لأمر خارج معهود، مثل ماذا؟ قال: وهو المركب من قضيتين متعلق محمول إحداهما موضوع الأخرى، كقولنا: زيد مساو لعمرو، انتبه زيد مساوٍ لعمرو، وعمرو مساو لبكر، فإنه يستلزم ماذا؟ زيد مساو لبكر. إذا قلت: هذا زيد مساو لعمرو، وعمرو مساو لبكر، إذًا زيد مساو لبكر هذه النتيجة، لكن هذه هل هي لذات المقدمتين؟ لا، ليست لذات المقدمتين، لماذا؟ لأن الواسطة هنا معهودة في الذهن، الاستلزام هنا ليس لذات المقدمتين بل لأمر خارج عنه، وهو أن مساوٍ لمساوٍ لشيء مساوٍ لذلك الشيء، إذا ساوى الشيء الشيء وهذا كان مساويًا لهذا لزم منه أن يكون هذا مساويًا لهذا، فهي مقدمة أو أمر معهود خارجًا عن القياس هذا يسمى ماذا؟ عكس المساواة، فالواسطة حينئذ تكون معهودة في الذهن وهو صدق مقدمة أجنبية لم تُذكر في القياس، وهذه المقدمة هي أن مساوي المساوي لشيءٍ مساوٍ لذلك الشيء [نعم] إِنَّ القِياسَ مِنْ قَضايا صُوِّرا ... مُسْتَلْزِماً بِالذَّاتِ قَوْلاً آخَرا هذه معنى القياس. ثم قال: ثُمَّ القِيَاسُ عِنْدَهُمْ قِسْمَانِ ... فَمِنْهُ مَا يُدْعى بِالاقْتِراني القياس الذي هو الحجة والبرهان قسمان، يعني بالاستقراء والتتبع، الأول يسمى الاقتراني والثاني يسمى الشرطي، وهو الذي سيذكره بعنوان ليس بالشرطي وإنما بالاستثنائي، فصل في القياس الاستثنائي، ولذلك قال: وَمِنْهُ مَا يُدْعَى بِالاسْتِثْناءِ ... يُعْرَفُ بِالشَّرْطِ بِلا امْتِرَاءِ

والشرطي هو الاستثنائي، (ثُمَّ القِيَاسُ)، (ثُمَّ) للترتيب الذكري، (القِيَاسُ) السابق المعهود (عِنْدَهُمْ) عند المناطقة (قِسْمَانِ) هما الاقتراني والشرطي، (فَمِنْهُ) يعني بعضه أن من القياس قسمًا ما يُدعى أي يُسمى يعني قياس يسمى، ما بمعنى الذي يصدق على القياس (فَمِنْهُ مَا) أي قياس (يُدْعى) أي يُسمى (بِالاقْتِراني) يعني فيه معنى الاقتران والمراد هنا الاقتراني سمي بذلك لاقتران الحدود فيه الثلاثة، سيأتي معنى الحد الأصغر والحد الأكبر والحد الأوسط كلها مقترنة سيأتي شرحها في النظم، لذلك سمي بالاقتراني لاقتراني الحدود فيه الثلاثة الأصغر والأوسط والأكبر وسميت حدودًا حد أصغر وحد أوسط وأكبر لأنها أطراف، وعدم فصلها بأداة استثناء، ثم عرف الاقتراني، وأما الشرطي فسيأتي في فصل خاص، وهو أي الاقتراني القياس الاقتراني الذي دل على النتيجة بقوة، القياس نوعان قياس يدل على النتيجة، النتيجة هنا عبر عنها بلفظ آخر وهي المراد بقوله: قولاً آخر.

دل على النتيجة بقوة يعني لا بالفعل، نص النتيجة مقدمة يعني قضية حملية، موضوع ومحمول، قد تُذكر القضية هذه النتيجة بلفظها في القياس، وهذا ما سيأتي أنه شرطي، وقد لا تذكر بلفظها ولكنها مبثوثة يعني متفرقة الأجزاء في قضية، فمثلاً: العالم متغير، وكل متغير حادث، عندنا النتيجة ما هي؟ العالم حادث، هل وُجِدَ في المقدمتين العالم حادث؟ ما وجد، لكن كلمة العالم موجودة في ماذا؟ العالم متغير، إذًا موضوع النتيجة موجود في المقدمة الصغرى، ومحمولها النتيجة العالم حادث موجود كل متغير حادث، هذا يسمى ماذا؟ نقول هذا القياس دل على النتيجة بالقوة لأن أجزاء النتيجة الموضوع والمحمول متفرقة بين قضيتين، هذا يُسمى ماذا؟ دلالة القياس على النتيجة بالقوة، لأن لم تكن أجزاء النتيجة مجموعة في قضية معينة أو مقدمة وإنما كانت متفرقة بين قضيتين كالمثال الذي ذكرناه، (وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيْجَةِ) بقوة دون الفعل، احترازا عن الاستثنائي لأن النتيجة تكون منصوصة بنفسها في القياس، بقوة دون الفعل بأن كانت فيه متفرقة الأجزاء، يعني يشتمل على مادتها دون صورتها، لأن الصورة هي الموضوع والمحمول، وأما المادة فهي الموضوع نفسه، موجود في القضية الصغرى المقدمة الصغرى، والمحمول موجود في المقدمة الكبرى، واختص هذا القياس الاقتراني بالحملية، وهذا كذلك فيه نزاع، بعضهم يرى أنه كذلك يدخل الشرطية المتصلة، كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا، وكلما كان النهار موجودًا كانت الأرض مضيئة، فينتج حينئذ كلما كانت الشمس طالعة كانت الأرض مضيئة، هذا موجود بالقوة، لكن ما ذكره الناظم هو الذي مشى عليه كثير، واختص أي هذا قياس الاقتران بالحملية، يعني بالقضايا الحملية دون الشرطية المتصلة والمنفصلة، هذا تعريفه: (فَإِنْ تُرِدْ ترْكيبَهُ) فركب القياس المقدمات على جهة القياس الاقتراني (فَإِنْ تُرِدْ) أنت تركيبه، يعني تركيب القياس الاقتراني (فَرَكِّبا) فركبن هذه الألف بدل عن نون التوكيد الخفيفة، فركبن (مُقَدِّماتِهِ)، (مُقَدِّماتِهِ) جمع أراد به الثنتين فأكثر لأنه كما ذكرنا القياس يكون بسيطًا ويكون مركبًا، (مُقَدِّماتِهِ) أي مقدمتيه إن تركب من مقدمتين أو مقدمات إن تركب من أكثر، (مُقَدِّماتِهِ) فالمراد بالجمع هنا ما فوق الواحد (عَلى مَا وَجَبَا) الألف هذه للإطلاق يعني على الذي وجب وتعين عند المناطقة، يعني على الوجه الذي وجب عندهم، وما هو الوجه الذي وجب عندهم؟ هو ما فصله بعده، حينئذ أجمل ثم فصل، ما هو الواجب عندهم؟ وَرَ تِّبِ المُقَدِّماتِ وَانْظُرا ... صَحِيحَهَا مِنْ فَاسِدٍ مُخْتَبِرا فَإِنَّ لازِمَ المُقَدِّماتِ ... بِحَسَبِ المُقَدِّماتِ آتِ وَما مِنَ المُقَدِّماتِ صُغْرَى ... فَيَجِبُ انْدِراجُها فِي الْكُبْرى وَذاتُ حَدٍّ أَصْغَرٍ صُغْراهُما ... وَذاتُ حَدٍّ أَكْبَرٍ كُبْراهُما وَأَصْغَرٌ فَذاكَ ذُو انْدِراجِ ... وَوَسَطٌ يُلْغَى لَدَى الإِنْتاجِ

هذا الذي عناه بقوله: (عَلى مَا وَجَبَا) فيجب حينئذ أن تسلك هذا المسلك، (وَرَتِّبِ المُقَدِّماتِ) بأن تقدم الصغرى منها على الكبرى، فالمقدمة الأولى تسمى صغرى، العالم متغير، وكل متغير حادث، الأولى العالم متغير هذه صغرى، والثانيى التي تليها كبرى، إذا أردت القياس الاقتراني بل مطلقًا وجب تقديم الصغرى على الكبرى، (وَرَتِّبِ المُقَدِّماتِ) بأن تقدم الصغرى منها على الكبرى، ما هي الصغرى وما هي الكبرى؟ نقول: الصغرى هي المشتملة على موضوع النتيجة، ما هي النتيجة؟ العالم حادث. العالم أين وجد في أي المقدمتين؟ الأولى، العالم متغير. إذًا هذه هي الصغرى لأن كلمة العالم جاءت أولى الموضوع وجاءت في النتيجة هي الموضوع. العالم متغير، وكل متغير حادث، العالم حادث. إذًا العالم حادث هذه النتيجة موضوعها كلمة عالم، العالم أين وجدت؟ وجدت في مقدمة وهي العالم متغير، إذًا هذه هي الصغرى. يلزم منه أن الكبرى ما اشتملت على محمول النتيجة وهو كلمة حادث، أين وجدت؟ وجدت في المقدمة التي هي بعنوان: كل متغير حادث، وتجعلها كبرى. إذًا (وَرَتِّبِ المُقَدِّماتِ) بأن تقدم الصغرى منها وهي المشتملة على موضوع النتيجة، أو مقدمها يعني إذا قلنا: ليس خاص بالحمليات على الكبرى وهي المشتملة على محمولها أو تاليها، ويكون ذلك على وجه خاص ككون الصغرى موجبة والكبرى كلية الشكل الأول، هذا سيأتي ضابطه في باب الأشكال. وَرَتِّبِ المُقَدِّماتِ وَانْظُرا ... صَحِيحَهَا مِنْ فَاسِدٍ مُخْتَبِرا يعني لا بد أن تختبر هذه المقدمات لأن كذب المقدمة حينئذ لا يُنتج القياس، إذا كانت إذا أردنا القياس أن يكون حجة وبرهانًا حينئذ لا بد أن تكون النتيجة صادقة، ومتى تكون النتيجة صادقة؟ إذا كان كل من المقدمتين صادقتين، وسبق أن بعض المقدمات قد تكون كاذبة فحينئذ إذا ركب القياس من مقدمة أو مقدمتين كاذبتين حينئذ لا يمكن أن يتنج القياس، فلا بد أن نختبر ونعرف هذه المقدمة هل هي صادقة أم كاذبة؟ (وَانْظُرا) وانظر يعني وانظرن، (وَانْظُرا) أي انظرن (صَحِيحَهَا) يعني المقدمات متميزًا (مِنْ فَاسِدٍ) أي فاسدها، من جهة النظم أو من جهة المادة، من جهة النظم كيف؟

بأن كانتا كاذبتين أو جزئيتين إذ لا إنتاج لسالبتين أو جزئيتين كما سيأتي في باب الأشكال، سالب سالب لا ينتج، جزئي جزئي لا ينتج، إذًا لا بد من ألا تكون هذه من حيث النظم ألا تكون سالبتين ولا جزئيتين، لأنه كما سيأتي الضبط لهذه المقدمات ما الذي ينتج وما الذي يكون عقيمًا، هذا كله معدود ومحفوظ، الشكل الأول ينتج أربعة، والثاني ينتج خمسة .. إلى آخره، ومن جهة المادة بأن كانتا كاذبتين أو إحداهما كاذبة. إذًا وانظرن صحيحها من فاسد، الفاسد هنا يشمل ماذا؟ يشمل المادة والنظم، المادة بأن كانت كاذبة أو كلا المقدمتين كاذبتان، والنظم من حيث ماذا؟ من حيث السلب والجزئية بألا تكونا سالبتين أو جزئيتين (مُخْتَبِرا) أي حالة كونك (مُخْتَبِرا) للمقدمات، ثم قد ينظر في النتيجة من حيث ماذا؟ من حيث قوة المقدمات هل هي يقينية أو لا؟ لأنه يلزم أن تكون النتيجة عندهم يقينية، فإذا كان كذلك حينئذ لا بد أن تكون المقدمتان يقينيتين، لا بد أن نختبر هل هي يقينية أو لا؟ (مُخْتَبِرا) للمقدمات بالاستدلال عليها إن كانت نظرية هل هي يقينية أو لا، لماذا نقول هذا: رتب المقدمات وانظرا صحيحها من فاسد؟ لأن فساد المقدمتين إما من جهة النظم أو المادة يؤثر في النتيجة فَإِنَّ لازِمَ المُقَدِّماتِ ... بِحَسَبِ المُقَدِّماتِ آتِ (فَإِنَّ لازِمَ المُقَدِّماتِ) ما هو لازم المقدمات؟ النتيجة، الذي هو: ... (قَوْلاً آخَرا) هو لازم المقدمات، (فَإِنَّ) الفاء هنا للتعليل، تعليل مضمون البيت أو البيتين قبله، (فَإِنَّ لازِمَ المُقَدِّماتِ) يعني كأنه قال: قلنا رتب المقدمات وانظرن صحيحها من فاسد، لماذا؟ لأنه يترتب عليه فساد أو صحة القول اللازم للمقدمتين وهو النتيجة فَإِنَّ لازِمَ المُقَدِّماتِ ... بِحَسَبِ المُقَدِّماتِ آتِ يعني النتيجة آت بحسب المقدمات، ولذا قال: (بِحَسَبِ المُقَدِّماتِ آتِ) أي آت بطبعها ووفقها من حيث افتراض الصدق وعدم افتراضه. ثم قال: وَما مِنَ المُقَدِّماتِ صُغْرَى ... فَيَجِبُ انْدِراجُها فِي الْكُبْرى يعني تكون الكبرى عامة، والصغرى خاصة، العالم متغير، الحكم بالتغير هنا على شيء خاص وهو العالم، وكل متغير إذًا المقدمة الكبرى عامة والصغرى خاصة، حينئذ اندرجت الصغرى في الكبرى، (وَما مِنَ المُقَدِّماتِ صُغْرَى) وما يعني والتي القضية حال كونها (مِنَ المُقَدِّماتِ صُغْرَى) أي وما هي صغرى من المقدمات (فَيَجِبُ) الفاء هذه واقعة في جواب المبتدأ، ما يجوز إذا كان المبتدأ عامًا لفظًا من ألفاظ العموم، أو فيه شيء من العموم أن تدخل الفاء على الخبر جوازًا لا وجوبًا، هنا الفاء واقعة في جواب المبتدأ، ليست هي الفاء الشرطية، (وَما مِنَ المُقَدِّماتِ صُغْرَى ** فَيَجِبُ انْدِراجُها .. ) يعني اندراج أصغرها الذي هو موضوع للمطلوب يعني النتيجة (فِي الْكُبْرى) يعني في أوسط الكبرى، هذا هو العموم والخصوص بين المقدمتين وَما مِنَ المُقَدِّماتِ صُغْرَى ... فَيَجِبُ انْدِراجُها فِي الْكُبْرى

إذا قلتَ: العالم متغير، وكل متغير حادث، هذا قياس صحيح مقدمتاه صادقتان، كل إنسان فرس، وكل فرس صهال، ايش النتيجة؟ كل إنسان فرس، وكل فرس صهال، النتيجة كل إنسان صهال وهي كاذبة، وَما مِنَ المُقَدِّماتِ صُغْرَى ... فَيَجِبُ انْدِراجُها فِي الْكُبْرى يجب اندراجها اندراج أصغرها الذي هو موضوع أي مطلوب وهو العالم هنا في أوسط الكبرى وهو المتغير. إذا قلنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، ما هو الأصغر هنا؟ كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، هنا المتكرر تسقطه، المتكرر في القضيتين هو الذي يسمى الحد الأوسط، هذا تسقطه في النتيجة، كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، كلمة حيوان هذه تحذفها، ماذا يبقى معك؟ كل إنسان جسم، إذًا جسم هذا موضوع النتيجة، وجد في ماذا؟ في قضية كل إنسان حيوان، فهي الصغرى، وجسم هو محمول النتيجة فوجد في قضية كل حيوان جسم فهي الكبرى، أين الاندراج هنا؟ إذا قلت: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، الإنسان حيوان إذًا اندرج في ماذا؟ في قوله: كل حيوان جسم، ومنه، ومن الحيوان الإنسان، لأنك قلت: كل إنسان حيوان، حكمت على الإنسان بأنه حيوان، ثم جئت بقاعدة عامة كل حيوان ومنه الإنسان جسم، إذًا النتيجة ماذا؟ كل إنسان جسم، والحد الأوسط هو لفظ حيوان، والحد الأصغر هو موضوع النتيجة، والحد الأكبر هو محمول النتيجة، حينئذ تسقط الحد المتكرر وَما مِنَ المُقَدِّماتِ صُغْرَى ... فَيَجِبُ انْدِراجُها فِي الْكُبْرى فقول: كل إنسان حيوان وكل حيوان [جسم] (¬1) أين الأصغر؟ كلمة إنسان لأنه هو موضوع النتيجة، وقد اندرج في الحيوان الذي هو موضوع الكبرى، دخل فيه لينسحب عليه الحكم حينئذ تقول: كل إنسان جسم. لو قلنا: كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس. النتيجة: كل إنسان حساس. أين الحد الأصغر؟ كل إنسان حيوان، الإنسان هذا هو الحد الأصغر لأنه موضوع النتيجة، وكل حيوان حساس، حساس هذا هو الحد الأكبر لأنه محمول النتيجة، ما هو المتكرر كلمة حيوان هي الحد الأوسط، هذه تسقط في النتيجة، الحد الأوسط يسقط في النتيجة، هنا اندرج الأصغر في موضوع الثانية، كل إنسان حيوان، وكل حيوان ومنه الإنسان حساس، أليس كذلك؟ النتيجة كل إنسان حساس. ¬

_ (¬1) هكذا الصواب، وقد حدث سبق فقال الشيخ: إنسان.

(وَذاتُ حَدٍّ أَصْغَرٍ صُغْراهُما)، (وَذاتُ) أي المقدمة ذات حد أصغر، أصغر هنا ممنوع من الصرف لكن صُرف هنا للضرورة، (وَذاتُ حَدٍّ أَصْغَرٍ) أصغرٍ صرف للضرورة وهو موضوع النتيجة (صُغْراهُما) يعني متى نحكم عليها بأنها صغرى؟ إذا اشتملت على الحد الأصغر، وما هو الحد الأصغر؟ هو موضوع النتيجة كأننا نأتي بالنتيجة فنغير الاصطلاح، كل إنسان حيوان وكل حيوان جسم، موضوع ومحمول، موضوع ومحمول، إذا جئنا في النتيجة نبدل فنقول: الأول حد أصغر والثاني حد أكبر، ونسمي الموضوع حدًا أصغر ونسمي المحمول حدًا أكبر، المحل أو القضية التي تشتمل على الحد الأصغر هي الصغرى، والتي تشتمل على الحد الأكبر هي الكبرى، هذا مراده، وذات حد يعني المقدمة صاحبة حد أصغر الذي هو موضوع النتيجة (صُغْراهُما) أي صغرى القضيتين، (وَذاتُ حَدٍّ أَكْبَرٍ) يعني المقدمة التي هي صاحبة أو اشتملت على الحد الأكبر وهو محمول النتيجة (كُبْراهُما) أي كبرى القضيتين، (وَأَصْغَرٌ فَذاكَ ذُو انْدِراجِ) أصغر يعني الحد الأصغر مندرج في مفهوم الأكبر بسبب اندراجه في الأوسط كما ذكرناه في السابق، كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، حينئذ الحد الأصغر الذي هو لفظ إنسان مندرج في عموم القضية الثانية، وهو الحد الأوسط، ولذلك وظيفة الحد الأوسط هو الجمع بين المقدمتين، فأدخل موضوع النتيجة في ضمنه ثم حُكم عليه بمحموله فصارت النتيجة، إذا قلتَ: كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، ما وظيفة كلمة حيوان؟ هي التي ربطت بين قضيتين، دخل تحتها موضوع الصغرى الذي هو الحد الأصغر، ثم انسحب عليه الحكم ثم ظهرت النتيجة، فهو واسطة بين قضيتين، لو انتفى الحد [الأوسط] (¬1) وهو اللفظ المكرر بين المقدمتين لا قياس، يعني هو الرابط يعتبر هو الرابط، فتدخل الأصل الحد الأصغر في ضمن هذا الحد المتكرر فتسحب عليه الحكم ثم بعد ذلك تسقطه في النتيجة ولا تظهره، (وَأَصْغَرٌ فَذاكَ ذُو انْدِراجِ)، (فَذاكَ) الذي هو الأصغر (ذُو انْدِراجِ) الأصغر مندرج في ماذا؟ في مفهوم الأكبر بسبب اندراجه في الأوسط، (وَوَسَطٌ) بعد أن يندرج فيه الحد الأصغر وتسحب عليه الحكم (وَوَسَطٌ يُلْغَى لَدَى الإِنْتاجِ) يعني في النتيجة (يُلْغَى) يعني لا يذكر وهو كلمة حيوان، (وَوَسَطٌ يُلْغَى) يعني يحذف الحد الوسط وهو المكرر في المقدمتين، ولا بد منه، لو لم يوجد لا قياس (وَوَسَطٌ يُلْغَى لَدَى الإِنْتاجِ) لدى الإنتاج يعني في القضية التي هي النتيجة. %% 1.11.36 ¬

_ (¬1) هكذا الصواب وقد حدث سبق فقال الشيخ: الأصغر.

ثم قال رحمه الله تعالى: (فصل في الأشكال)، الأشكال هي الهيئة التي يكون عليها القياس، هو سيقسم لك الأشكال إلى أربعة، وليس كل واحد منها منتج، ومنها ما هو منتج ومنها ما هو عقيم، حينئذ هذا الفصل من أصعب الفصول في باب المنطق وضبطه عسر، يعني الأمثلة فيه كثيرة لكن تذكر الضوابط وهذا الفصل من أصعب أبواب المنطق، لما تذكر الضوابط العامة، ثم الأمثلة تحتاج إلى نظر، وحفظ الأمثلة التي يذكرها المناطقة ما يحتاج الطالب يحفظها، وإنما يأخذ مثال أو مثالين فقط، ومع ذلك إذا عرف الأصول يستطيع هو أن يعرف المنتج من العقيم. (فصل في الأشكال) أي في ذكر الأشكال وشروطها وعدد ضروبها المنتجة وما يتعلق بذلك. قال رحمه الله أراد أن يعرف لنا الشكل والضرب لأنهم يقولون: الشكل والضرب الشَّكْلُ عِنْدَ هؤُلاءِ النَّاسِ ... يُطْلَقُ عَنْ قَضِيَّتَيْ قِيَاسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْتَبَرَ الأَسْوارُ ... إِذْ ذَاكَ بِالضَّرْبِ لَهُ يُشَارُ

ثَمَّ خلاف طويل في مسمى الشكل ومسمى الضرب، هذا مبين مفصل في الشرح المطول من أراده فليرجع، لكن مراد الناظم هنا التفريق بين الشكل والضرب، الشكل مسماه القضية من حيث هي دون اعتبار الأسوار، دون أن تنظر للأسوار جزئي كلي، القضية الموضوع والمحمول يسمى شكلاً، إذا نظرت إلى السور تسميه ضربًا، هذا مراد الناظم، ننظر في كلامه (الشَّكْلُ) عند اللغويين لا يختص بما ذكره المناطقة بل يطلق على هيئة الشيء مطلقًا، كل شيء له هيئة وصورة يسمى شكلاً، حتى الإنسان تقول: شكله كذا، هيئته يعني فهو عام، أما عند المناطقة فله معنى خاص، ولذلك قال: (عِنْدَ هؤُلاءِ النَّاسِ) من؟ المناطقة، (هؤُلاءِ النَّاسِ) ما أدري هل هو أراد التعظيم بهؤلاء ولا أظنه أراد ذلك، (عِنْدَ هؤُلاءِ النَّاسِ) هؤلاء الناس أي المناطقة، هذا عام أريد به الخصوص، يُطلق (عَنْ قَضِيَّتَيْ قِيَاسِ - مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْتَبَرَ الأَسْوارُ) يعني يطلق (عَنْ) عن هنا بمعنى على، (يُطْلَقُ) على هيئة لا بد من مضاف محذوف، على هيئة قَضِيَّتَيْ قِيَاسِ - مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْتَبَرَ الأَسْوارُ) هيئة قضية قياس، العالم متغير، وكل متغير حادث، تنظر إلى القضيتين الهيئة من غير النظر إلى أسوار فتسميه شكلاً، إن اعتبرت السور في كل متغير حادث حينئذ صار ضربًا، فهو المراد به الاصطلاح فقط، التفريق بين في الذهن، وثَمَّ تعليق هناك تجده في الشرح (يُطْلَقُ عَنْ قَضِيَّتَيْ قِيَاسِ) يعني على هيئة قضيتي قياس، قضيتا القياس تسمى ماذا؟ تسمى شكلاُ، لكن بقطع النظر عن الأسوار، تسمى شكلاً، إن نظرت للأسوار تسميه ضربًا (يُطْلَقُ عَنْ قَضِيَّتَيْ قِيَاسِ) الحاصلة من اجتماع الصغرى مع الكبرى باعتبار طرفي المطلوب مع الحد الوسط، يعني مجرد وجود الصغرى مع الكبرى تقول: هذا شَكْلٌ صغرى وكبرى، هذا شكل دون أن تنظر إلى كونها كلية أو جزئية .. إلى آخره، (يُطْلَقُ عَنْ قَضِيَّتَيْ قِيَاسِ) الحاصلة من اجتماع الصغرى مع الكبرى باعتبار طرفي المطلوب مع الحد الوسط من غير أن تعتبر الأسوار، يعني من غير اشتراط اعتبارها، فالمنفي إنما هو شرط اعتبارها يعني لا نشترط اعتبار الأسوار، ظاهره أن عدم اعتبار الأسوار شرط في الشكل، ظاهر كلام الناظم هنا أن عدم اعتبار الأسوار شرط في الشكل كما أن اعتبارها شرط في الضرب وعلى هذا فبين الشكل والضرب التباين، كل منهما مباين للآخر، الإنسان حيوان، والحيوان جسم. هيئة هاتين القضيتين تسمى شكلا أي نوعًا من القياس، قال: مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْتَبَرَ الأَسْوارُ ... إِذْ ذَاكَ بِالضَّرْبِ لَهُ يُشَارُ

(إِذْ ذَاكَ) ما هو المشار إليه؟ اعتبار الأسوار في هيئة قضية القياس، إذا اعتبرنا الأسوار حينئذ قال: يشار له بالضرب يعني يسمى بالضرب عند المناطقة، (مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعْتَبَرَ الأَسْوارُ ** إِذْ ذَاكَ) أي أراد بالهيئة قضيتي قياس أو لاعتبار الأسوار (بِالضَّرْبِ لَهُ يُشَارُ) له، اللام هنا بمعنى على والضمير عائد على اسم الإشارة (ذَاكَ) فيسمى ضربًا خاصًا، لماذا؟ لأننا اعتبرنا الأسوار في قضيتي القياس، فلما اعتبرناهما أو اعتبرنا القياس الأسوار حينئذ سُمي قضيتي قياس ضربًا بالنظر إلى الأسوار (إِذْ ذَاكَ بِالضَّرْبِ لَهُ يُشَارُ) يشار بالضرب، أي وقت اعتبار الأسوار يشار لهيئة قضيتي قياس بالضرب. ثم قال إذًا عرفنا الفرق بين الشكل والضرب عند المناطقة هذا قول أحد الأقوال أن الشكل إنما المراد به هيئة قضيتي قياس دون اعتبار الأسوار، وإذا اعتبرنا الأسوار سميناه ضربًا. وللمُقدِّماتِ أَشْكالٌ فَقَطْ ... أرْبَعَةٌ بِحَسَبِ الحَدِّ الوَسَطْ

عرفنا (الحَدِّ الوَسَطْ) وهو الحد المتكرر، حينئذ التقسيم هنا للأشكال تنقسم إلى أربعة أقسام، باعتبار ماذا؟ باعتبار (الحَدِّ الوَسَطْ)، ولذلك قال: (وللمُقدِّماتِ) أي مقدمات؟ مقدمات القياس (إِنَّ القِياسَ مِنْ قَضايا صُوِّرا) مقدمة صغرى ومقدمة كبرى هذه تنقسم إلى أربعة أقسام باعتبار الحد الوسط وللمقدمات أراد بالجمع هنا مقدمتين فأكثر بإدخال القياس البسيط، وللمقدمات أشكال أربعة فقط فقط هذا مقدم عن تأخير، أصل التركيب وللمقدمات أشكال أربعة فقط، لا زيادة عليها، فقط هنا مقدم من تأخير عن أربعة، هذه الأربعة الأشكال تحصل من القياس بحسب (الحَدِّ الوَسَطْ) يعني بحسب تكرار (الحَدِّ الوَسَطْ) يعني بالنظر لأحواله، لماذا؟ لأنك لو نظرت في (الحَدِّ الوَسَطْ) إما أن يكون موضوعًا فيهما، وإما أن يكون محمولاً فيهما، وإما أن يكون موضوعًا في الأولى محمولاً في الثانية أو بالعكس، القسمة العقلية تقتضي هكذا (الحَدِّ الوَسَطْ) بالنسبة للمقدمتين إما أن يكون موضوعًا فيهما إذا قضيتين مقدمتين الصغرى والكبرى، وإما أن يكون محمولاً فيهما، وإما أن يكون موضوعًا في الأولى محمولاً في الثانية الكبرى، وإما أن يكون محمولاً في الصغرى موضوعًا في الكبرى (أرْبَعَةٌ) أقسام لا خامس لها، (بِحَسَبِ الحَدِّ الوَسَطْ) يعني بحسب تكراره تقسم القياس بحسب (بِحَسَبِ) تكرار (الحَدِّ الوَسَطْ) فيه أي بالنظر لأحواله (حَمْلٌ بِصُغْرَى وَضْعُهُ بِكُبْرَى) هذا الشكل الأول وهو أعلى الأشكال أقواها، إذا أطلق الشكل انصرف إلى هذا النوع، (حَمْلٌ بِصُغْرَى) يعني في، الباء هنا بمعنى في، (حَمْلٌ بِصُغْرَى) حمل أي حمل الحد الوسط في الصغرى، (وَضْعُهُ بِكُبْرَى) يعني وضعه في كبرى، (يُدْعَى) يُسمى أي الهيئة الحاصلة بسبب ذلك (بِشَكْلٍ أَوَّلٍ وَيُدْرَى) أي بشكل الأول (يُدْعَى) يُسمى بشكل أول (وَيُدْرَى) أي (بِشَكْلٍ أَوَّلٍ) ففيه الحذف من الثاني بدلالة الأول عليه كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، أين الحد الوسط؟ هو كلمة حيوان، أين وجدت المقدمة الصغرى كل إنسان حيوان، (حَمْلٌ بِصُغْرَى)، طيب، وكل حيوان جسم وضع في كبرى، فجاء لفظ الحيوان في الصغرى محمولاً وفي الكبرى موضوعًا، هذا يسمى ماذا؟ يسمى الشكل الأول، (وَحَمْلُهُ فِي الْكُلِّ ثَانِياً عُرِفْ) الشكل الثاني أن يكون الحد الوسط محمولاً في الكل، عرفنا الكل هذا فيه نظر من جهة اللغة، (وَحَمْلُهُ) أي حمل الحد الوسط (فِي الْكُلِّ) يعني في الصغرى والكبرى (ثَانِياً عُرِفْ) أي عرف شكلاً ثانيًا بمعنى أنه سُمي بذلك، فـ (عُرِفْ) هنا ضمنه معنى سُمي، كل إنسان حيوان ولا شيء من الحجر بحيوان، أين الحد الوسط؟ حيوان، وقع في ماذا؟ محمولاً في الصغرى والكبرى، كل إنسان حيوان، حيوان هذا هنا محمول، ولا شيء من الحجر بحيوان، وقع الحد الوسط هنا مكرر بماذا؟ في الصغرى والكبرى، (وَحَمْلُهُ فِي الْكُلِّ ثَانِياً عُرِفْ) هذا الشكل الثاني، (وَوَضْعُهُ فِي الْكُلِّ ثَالِثاً أُلِفْ)، (أُلِفْ) ضمنه معنى سُمي، يعني (ثَالِثاً) يعني شكلاً (ثَالِثاً)، ما هو الشكل الثالث؟ أن يكون الحد الوسط موضوعًا في الكل يعني في المقدمتين

الصغرى والكبرى، كل حيوان حساس، وبعض الحيوان ناطق، إذًا الحيوان جاء موضوعًا في المقدمتين (وَرَابِعُ الأَشْكَالِ عَكْسُ الأَوَّلِ) ما هو الأول؟ (حَمْلٌ بِصُغْرَى وَضْعُهُ بِكُبْرَى)، (عَكْسُ الأَوَّلِ) أي وضعه بالصغرى وحمله بالكبرى، هذا يُسمى ماذا؟ الشكل الرابع، الشكل الرابع هذا مختلف فيه كان أول من استخرجه جالينوس، (وَرَابِعُ الأَشْكَالِ عَكْسُ الأَوَّلِ) الذي هو (حَمْلٌ بِصُغْرَى وَضْعُهُ بِكُبْرَى) أي وضعه بالصغرى وحمله بالكبرى، كل إنسان حيوان، وبعض الناطق إنسان، كل إنسان حيوان، وبعض الناطق إنسان، كلمة إنسان هي الحد الوسط وقعت في الصغرى موضوعًا، كل إنسان حيوان، وبعض الناطق إنسان، وضعت في الكبرى أو وقعت في الكبرى محمولة، وهي أي هذه الأشكال [الأربعة] على هذا الترتيب (عَلى التَّرْتِيبِ) أي على هذا الترتيب المتقدم (فِي التَّكَمُّلِ) يعني في الكمال، فأي هذه أكمل؟ نقول: الشكل الأول أكمل من الثاني، والشكل الثاني أكمل من الثالث، والشكل الثالث أكمل من الرابع، يعني في القوة، أيها أقوى، أي هذه الأربعة أقوى؟ الشكل الأول على ما ذكره، ولذلك قال: (وَهْيَ عَلى التَّرْتِيبِ) أي الأشكال الأربعة على هذا الترتيب المتقدم (فِي التَّكَمُّلِ) يعني في الكمال، فالأول أكمل من الثاني، وهكذا فَحَيْثُ عَنْ هذا النِّظَامِ يُعْدَلُ ... فَفَاسِدُ النِّظَام ......... هذا تفسير لقوله أو تتميمًا لقوله: (عَلى مَا وَجَبَا)، فَإِنْ تُرِدْ ترْكيبَهُ فَرَكِّبا ... مُقَدِّماتِهِ عَلى مَا وَجَبَا ما الذي وجب؟ أن تأتي به بواحد من هذه الأشكال الأربعة، إن لم تأت به حينئذ (فَفَاسِدُ النِّظَام) فسد نظامه لا ينتج، (فَحَيْثُ عَنْ هذا النِّظَامِ يُعْدَلُ) أي وحيث يعدل عن هذا الترتيب بأن لم يكرر الحد الوسط على الجهة التي ذكرها (فَفَاسِدُ النِّظَام) يعني فقياسه فاسد النظام، لماذا؟ لأنه لا نتيجة له، ليس له نتيجة، كل إنسان حيوان، وكل فرس صهال، هذا لا ينتج، لماذا؟ لعدم وجود الحد الوسط، ليس عندنا حد وسط فلا نتيجة حينئذ، فلا نتيجة، هذه الأشكال الأربعة هل تنتج مطلقًا أم ثم شروط؟ لا، لا تنتج مطلقًا يعني كلما وقع القياس فالحد الأوسط (حَمْلٌ بِصُغْرَى وَضْعُهُ بِكُبْرَى) ينتج مطلقًا، لا، لا بد من شروط، فهو من حيث السلب والإيجاب من حيث الكم والكيف، يعني بعض ما يكون من الشكل الأول قد لا ينتج، ولو كان الحد الأوسط (حَمْلٌ بِصُغْرَى وَضْعُهُ بِكُبْرَى) لا بد من شروط من اعتبار هي التي سيذكرها، أما الأول هذا تفصيل، أما الأول يعني أما الشكل الأول وغرض المصنف هنا الشروع في ماذا؟ في بيان ما يُشترط لإنتاج كل شكل، كل شكل له شروط لا ينتج مطلقًا، بل لا بد من شروط معتبرة ..................... ... ................... أَمَّا الأَوَّلُ فَشَرْطُهُ الإِيْجَابُ فِي صُغْرَاهُ ... وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً كُبْرَاهُ

يعني أن تكون الصغرى موجبة مطلقًا جزئية كانت أو كلية (وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً كُبْرَاهُ) أن تكون الكبرى المقدمة الكبرى كلية سواء كانت موجبة أو سالبة، واضح هذا؟ فلا بد من تحقق الصغرى تكون موجبة، إذًا إذا كانت سالبة الشكل الأول إذا كانت الصغرى سالبة لا ينتج مباشرة، (وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً كُبْرَاهُ) إذا كانت الكبرى جزئية لا ينتج، لا بد من تحقق هذين الشرطين (فَشَرْطُهُ) أي شرط إنتاج الشكل الأول من حيث الكيف ... (الإِيْجَابُ فِي صُغْرَاهُ) يعني بأن تكون الصغرى هذه موجبة كلية أو جزئية، انظر أطلق تكلم عن ماذا؟ تكلم عن الإيجاب الذي هو الكيف وسكت عن الكم، فحينئذ يحمل على النوعين فتكون موجبة سواء كانت كلية أو جزئية، (وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً) هذا من حيث الكم، وسكت عن الكيف، إذًا كلية سواء كانت موجبة أو سالبة (كُبْرَاهُ) (وَالثَّانِ) الشكل الثاني يُشترط لإنتاجه شرطان: (أَنْ يَخْتَلِفا فِي الْكَيْفِ مَعْ ** كُلِّيَّةِ الْكُبْرَى) يختلفا في الكيف يعني تكون الأولى سالبة والثانية موجبة، أو تكون الأولى موجبة الصغرى والثانية سالبة، إن اتفقا سلبًا أو إيجابًا الشكل الثاني لا إنتاج، لا ينتج، لأن اختلاف الكيف الذي هو الإيجاب والسلب شرط في إنتاجه، إذا لم يتحقق هذا الشرط فحينئذ نقول: هذا عقيم يعني لا ينتج، عقيم ... [فشرطه نعم] (وَالثَّانِ) يعني والشكل الثاني شرطه (أَنْ يَخْتَلِفا فِي الْكَيْفِ) يعني اختلاف مقدمتيه الصغرى والكبرى في الكيف، مع هذا الشرط الثاني، (كُلِّيَّةِ الْكُبْرَى) أن تكون الكبرى كلية، فالشروط هنا من حيث الكيف ومن حيث الكم، (مَعْ ** كُلِّيَّةِ الْكُبْرَى لَهُ شَرْطٌ وَقَعْ) له أي الشكل الثاني (لَهُ شَرْطٌ وَقَعْ) أي حصل واقع له لإنتاجه. إذًا يشترط في الشكل الثاني اختلاف الكيف بين المقدمتين، وأن تكون الكبرى كلية، فإذا كانت الكبرى جزئية ولو مع اختلاف الكيف نقول: لا إنتاج. هذه ضوابط عامة. وَالثَّالِثُ الإِيْجَابُ فِي صُغْرَاهُمَا ... وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً إِحْدَاهُمَا

(وَالثَّالِثُ) أي الشكل الثالث شرطه من حيث الكيف (الإِيْجَابُ فِي صُغْرَاهُمَا) أي المقدمتين (الإِيْجَابُ فِي صُغْرَاهُمَا) بقطع النظر عن كونها كلية أو جزئية، هذا مطلق من حيث الكم، (وَالثَّالِثُ الإِيْجَابُ) يعني شرطه من حيث الكيف (فِي صُغْرَاهُمَا) أي المقدمتين سواء كانت كلية أو جزئية، (وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً إِحْدَاهُمَا) يعني إحدى المقدمتين (كُلِّيَّةً) بقطع النظر عن الثانية قد تكون كلية وقد تكون جزئية، حينئذ الشكل الثالث لا ينتج إذا كانت المقدمتان جزئيتين أليس كذلك؟ لأنه يُشترط في الإنتاج أن تكون إحدى المقدمتين سواء كانت الصغرى أو الكبرى تكون كلية (وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً إِحْدَاهُمَا) (وَرَابِعٌ) أي وشكل الرابع الذي هو عكس الشكل الأول، شرطه (عَدَمُ جَمْعِ الخِسَّتَيْنْ)، ما هما الخستان؟ السلبي والجزئية، يشترط لإنتاج الشكل الرابع ألا يجتمع فيه الخستان سواء كانتا من جنسين كسالبة وجزئية ولو في مقدمة واحدة، أو من جنس واحد كسالبتين أو جزئيتين إلا في الصورة المستثناة التي سيذكرها الناظم إذًا اجتماع الخستين سواء كانت جزئية وسالبة كلية هنا اجتمع أمران يعني لا يشترط هنا جزئية أن تكون في نفس المقدمة الثالث الخسة هنا ليس المراد بها في المقدمة الصغرى فحسب، وإنما قد تكون السلب مركب من النوعين الخسة قد تكون مركبة من المقدمتين، فإذا كان إحدى المقدمتين جزئية والثانية سالبة نقول: اجتمع خستان. ولو كانت السالبة كلية، فالنظر حينئذ للمجموع، يشترط لإنتاج الشكل الرابع ألا يجتمع فيه خستان سواء كانتا من جنسين كسالبة وجزئية ولو في مقدمة واحدة، أو من جنس واحد كسالبتين أو جزئيتين، إلا في الصورة المستثناة، (إِلاّ) يعني يستثنى في الشرط الرابع في الشكل الرابع وهو إمكان عدم وهو إمكان (جَمْعِ الخِسَّتَيْنْ إِلاّ بِصُورَةٍ) أي في صورة، (فَفِيها) أي في تلك الصورة يظهر جمع الخستين (يَسْتَبينْ) السين والتاء هنا زائدتان، إلا في صورة واحدة من الشكل الرابع، في هذه الصورة في تلك الصورة (يَسْتَبينْ) يعني يظهر الجمع الخستين، متى؟ صورة مستثناة أشار إليها بقوله صُغْرَاهُمَا مُوجِبَةٌ جُزْئِيَّةْ ... كُبْرَاهُمَا سَالِبَةٌ كُلِّيَّةْ هذه مستثناة التي ذكرتها قبل قليل مستثناة ليس هي المثال (صُغْرَاهُمَا مُوجِبَةٌ جُزْئِيَّةْ) يعني أن تكون الصغرى جزئية لكنها موجبة، والكبرى تكون كلية لكنها سالبة، هنا يجتمع الخستان، اجتمع الخستان لكن هنا لصدق الإنتاج وصحة النتيجة استثنيت هذه الصورة، بعض الحيوان إنسان، هذه موجبة جزئية، بعض الحيوان إنسان، ولا شيء من الحجر بحيوان، بعض الحيوان إنسان هذه جزئية موجبة، لا شيء من الحجر بحيوان هذه كلية سالبة، النتيجة سالبة جزئية تكون ليس بعض الإنسان بحجر، ليس بعض الإنسان بحجر، هذه النتيجة سالبة جزئية. ثم شرع في بيان المنتج وعدم المنتج مما ذكره من الأشكال السابقة قال:

(فَمُنْتِجٌ لِأَوَّلٍ أَرْبَعَةٌ) [يعني الرابع الشكل نعم] (¬1) فمنتج لأول الذي هو الشكل الأول (حَمْلٌ بِصُغْرَى وَضْعُهُ بِكُبْرَى) مع وجود الشرط وهو (الإِيْجَابُ فِي صُغْرَاهُ ** وَأَنْ تُرَى كُلِّيَّةً كُبْرَاهُ) إن توفرت هذه الشروط حينئذ ينتج في أربعة صور، (فَمُنْتِجٌ) الفاء هنا للسببية لأن ما تقدم سبب لما سيذكره هذا نتيجة (فَمُنْتِجٌ لِأَوَّلٍ) لأول اللام بمعنى من يعني من الأول على تقدير مضاف، والأصل من ضروب أول (أَرْبَعَةٌ) فالمنتج من الشكل الأول أربع صور أذكرها دون أمثلة: الأول: كليتان موجبتان. الثاني: كليتان والكبرى سالبة. الثالث: موجبتان والكبرى كلية. الرابع: صغرى موجبة جزئية والكبرى سالبة كلية. هذه أربع صور فقط هي التي تكون منتجة، الرابع صورة موجبة جزئية وكبرى سالبة كلية، هذه المستثناة الرابعة هي المستثناة التي استثناها، صورة موجبة للذهن، لا ليست هي المستثناة. إذًا المنتج من الشكل الأول أربع صور: كليتان موجبتان كل نعم كليتان موجبتان والنتيجة حينئذ تكون موجبة كلية. الثانية: كليتان والكبرى سالبة، والنتيجة تكون سالبة كلية. الثالث: موجبتان والكبرى كلية، والنتيجة تكون موجبة جزئية. الرابع: موجبة جزئية وكبرى سالبة كلية، والنتيجة سالبة جزئية. (كَالثَّانِ) يعني وهو كالثاني الشكل الأول كالثاني، لأن المنتج أو المنتج أربعة، إذًا الثاني ينتج بالضوابط السابقة وحمله في الكل ثانيًا عرف بهذا الضابط، وأن يختلفان في الكيف مع كلية كبرى من هذه الشروط حينئذ المنتج من الشكل الثاني أربعة صور: الأول: من موجبة كلية صغرى وسالبة كلية كبرى، والنتيجة سالبة كلية. الثاني: عكسه. الثالث: من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى، والنتيجة سالبة جزئية. الرابع: من سالبة جزئية صغرى وموجبة كلية كبرى، والنتيجة سالبة جزئية. هذه الأربع صور فقط المنتجة من الثاني. إذًا قول: (كَالثَّانِ) يعني وهو كالثاني كالشكل الثاني بأن المنتج أربعة. (ثُمَّ ثَالِثٌ) ثم الشكل، ثم للترتيب الذكري ويحتمل أنه في الرتبة لأن الشكل الأول أكمل من الثاني، والثاني أكمل من الثالث، (ثُمَّ ثَالِثٌ) أي الشكل الثالث (فَسِتَّةٌ) يعني فستة أضرب الفاء هنا زائدة، (فَسِتَّةٌ) أي فالمنتج له ستة، فالمنتج من الشكل الثالث ست صور: [الأول أو] (¬2) الأولى: من موجبتين كليتين، والنتيجة جزئية موجبة. [الثاني أو] الثانية الصورة الثانية: من موجبة كلية صغرى وسالبة كلية كبرى، والنتيجة سالبة جزئية. [الثالثة]: من موجبة جزئية صغرى وموجبة كلية كبرى، والنتيجة موجبة جزئية. [الرابعة]: من موجبة كلية صغرى وموجبة جزئية كبرى، والنتيجة موجبة جزئية. [الخامسة]: من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى، والنتيجة سالبة جزئية. [السادس] الصورة السادسة: من موجبة كلية صغرى وسالبة جزئية كبرى، والنتيجة سالبة جزئية. ¬

_ (¬1) سبق. (¬2) سبق، قد تكرر في الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس.

ما عدا هذا فهو عقيم هذه موجودة في الشروح كلها بلا أمثلة، ولا يحتاج إلى حفظ الأمثلة وإنما تحفظها القواعد العامة فقط، وإذا حفظت الأضرب السابقة صورتها إذًا تستطيع أن تستنبطها أنت، يعني (فَشَرْطُهُ الإِيْجَابُ فِي صُغْرَاهُ) وتعرف أن هذا هو مبين في الشرح الكبير بتوسع هذا، نعم. (ثُمَّ ثَالِثٌ فَسِتَّةٌ) (وَرَابِعٌ) يعني الشكل الرابع قد أنتج (بِخَمْسَةٍ) اضرب، (وَرَابِعٌ بِخَمْسَةٍ قَدْ أَنْتَجَا) أنتجا الألف هذه للإطلاق، والباء هنا بمعنى في يعني في خمسة متعلق بأنتجا. إذًا الرابع الشكل الرابع والأخير هذا الذي هو عكس الشكل الأول ينتج متى؟ في خمسة صور أو في خمس صور: الأولى: موجبتان كليتان، والنتيجة موجبة جزئية. الثانية: من موجبة كلية صغرى وموجبة جزئية كبرى. [الثالث أو] (¬1) الثالثة: من سالبة كلية صغرى وموجبة كلية كبرى. الرابعة: من موجبة كلية صغرى وسالبة كلية كبرى. الخامسة: من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى، وهو ما استثناه المصنف. هذه خمس صور أو خمس أضرب هي التي تكون منتجة من الضرب الرابع، (وَرَابِعٌ) أي الشكل الرابع (بِخَمْسَةٍ قَدْ أَنْتَجَا ** وَغَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ لَنْ يُنْتِجا) كل ما لم يكن من المذكور فلن ينتج فهو عقيم، (وَغَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ) من الضروب التي لم تستوف الشروط للإنتاج (لَنْ يُنْتِجا) بل هو عقيم، وجملته خمسة وأربعون ضربًا لأن الضروب كلها أربع وستون، هذا عقلاً، المنتج فيما سبق تسعة عشر، أليس كذلك؟ كم أربع، وأربع، وست، وخمس، هذه كلها تسعة عشر، حينئذ بقي كم خمسة وأربعون (وَغَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ لَنْ يُنْتِجا) بكسر التاء والألف هذه للإطلاق عددهم خمسة وأربعون ضربًا غير المنتج، خمسة وأربعون من أربعة وستين، المنتج من أربعة وستين تسعة عشر، الباقي خمسة وأربعون وَتَتْبَعُ النَّتِيجَةُ الأَخَسَّ مِنْ ... تِلْكَ المُقَدِّماتِ هكَذا زُكِنْ ¬

_ (¬1) سبق.

هذا كلامه في النتيجة، (وَتَتْبَعُ النَّتِيجَةُ الأَخَسَّ) الأخس مقتضى الظاهر أن يأتي للتأنيف وأفعل هنا ليس على بابه، إذ الخسة غير متحققة في كل من الطرفين فهو بمعنى الخسيس، (وَتَتْبَعُ النَّتِيجَةُ الأَخَسَّ مِنْ تِلْكَ المُقَدِّماتِ) يعني النتيجة كيف نأتي بالسلب والكلية والجزئية؟ كيف نأتي بالنتيجة؟ ننظر الأخس يعني إذا كان المقدمتان عندنا جزئية وكلية أيهما أخس؟ الجزئية. إذًا النتيجة تكون جزئية، عندنا إحداهما سالبة والثاني موجبة نأتي بالنتيجة بالسلب هذا مراده، النتيجة تتبع الأخس [جزئية إن وجدت كلية نعم] (¬1) سلبًا إن وجد السلب، وجزئية إن وجدت الجزئية، (وَتَتْبَعُ النَّتِيجَةُ الأَخَسَّ مِنْ تِلْكَ المُقَدِّماتِ) يعني من مقدمتي القياس وهو ما فيه سلب أو جزئية ... (هكَذا زُكِنْ) هكذا عُلِم وفُهِم. (وَهذِهِ الأَشْكالُ) السابقة الأربعة ... (بِالحَمْلِيِّ مُخْتَصَّةٌ) يعني لا تدخل الشرطيات، والناظم هنا يجري في باب القياس على أنه قياس الحمليات، وهو من حيث السهولة أسهل مبتدأ وخبر وفعل وفاعل، وأما تلك فإذا كان النهار موجودًا .. إلى آخره ففيها نوع صعوبة حتى أمثلتها يعني متكلفة، وهذه الأشكال السابقة الأربعة (بِالحَمْلِيِّ مُخْتَصَّةٌ) يعني مختصة بالقياس الحملي، ويحتمل المراد القضية الحملية، وعليه فذَكَّرَ هنا الحملي ولم يقل الحملية يعني قَدَّر القياس الحملي يعني قَدّر الموصوف مذكرًا بحملي أو بالقضية ثم قال: حملي، ولم يؤنث باعتبار ماذا؟ أن القضية قول فذكرها بهذا الاعتبار، لكن الأولى نقول: بالقياس الحملي. (مُخْتَصَّةٌ) أي وليس بالشرطي هذا تصريح بما عُلِم لأنه لما قال: مختصة بالحملي مفهومه أن الشرطي لا تدخله أو الشرطيات لا تدخل هذه الأشكال، أن هذه الشرطيات لا تدخل هذه الأشكال، (وَلَيْسَ بِالشَّرْطِيِّ)، ... (وَلَيْسَ) هذا تصريح بما عُلِم، أي وليست هذه الأشكال ملتبسة بقياس الشرطي أو بقضية شرطية، والأصل أن يقول: (وليست) هذا الظاهر، (وليست)، (وَلَيْسَ بِالشَّرْطِيِّ) (وليست) أي الأشكال لكن نظرًا للتأويل مفهوم، يعني هذه الأشكال لا تكون في الشرطيات. ثم قال: وَالحَذْفُ في بَعْضِ المُقَدِّماتِ ... أَوْ النَّتيجَةِ لِعِلْمٍ آتِ يعني المقدمات القياس المؤلف من مقدمتين فأكثر إذا كانت المقدمة معلومة بعد حذفها جاز حذفها، وكذلك النتيجة إذا كانت معلومة عقلاً من القياس جاز حذفها، إذًا: وحذف ما يعلم جائز حتى في هذا المقام من المقدمات أو من النتيجة (وَالحَذْفُ) هذا مبتدأ (في بَعْضِ المُقَدِّماتِ) بعض لا كل، لو حذف الكل ما بقي قياس، و (في) هنا بمعنى اللام أي لبعض المقدمات أي إحدى المقدمتين كقولنا: هذا يُحَدُّ لأنه زانٍ، فالمعنى وكل زان يُحَدُّ، أليس كذلك؟ هذا يُحَدُّ تعليل لأنه زان، هذا يُحَدّ # 1.45.27 ... صغرى، والكبرى كل زان يُحَدُّ، حذف الكبرى، أو النتيجة يعني حذفه للنتيجة (لِعِلْمٍ آتِ) عند العلم أو للعلم بالمحذوف (آتِ) يعني جالب، هذا زان، وكل زان يحد، إذًا هذا يحدّ، حذفت النتيجة للعلم بها. ثم قال: وَتَنْتَهي إِلى ضَرُورَةٍ لِمَا ... مِنْ دَوْرٍ أَوْ تَسَلْسُلٍ قَدْ لَزِمَا ¬

_ (¬1) سبق.

النتيجة يُشترط فيها أن تكون ضرورية، لا بد أن تكون النتيجة ضرورية، لئلا يلزم الدور أو التسلسل، لأنه لو كانت نظرية للزم الدور أو التسلسل، (وَتَنْتَهي) أي المقدمات (إِلى ضَرُورَةٍ) يعني إلى ذات ضرورة إن لم تكن المقدمات ضرورية، إن كانت المقدمات ضرورية لزم أن تكون النتيجة ضرورية، إذا كانت المقدمات نظرية حينئذ لا بد أن تكون النتيجة ضرورية (وَتَنْتَهي إِلى ضَرُورَةٍ) يعني إلى ذات ضرورة إن لم تكن المقدمات ضرورية، لماذا؟ قال: [بحيث] (¬1) لما من دور، لما يعني لما (قَدْ لَزِمَا) آخر البيت، (مِنْ دَوْرٍ أَوْ تَسَلْسُلٍ) لما يلزم على عدم كونها ضرورية الدور أو التسلسل، لما يلزم على تقدير عدم انتهائها إلى ضرورة (مِنْ دَوْرٍ) وهو توقف الآخَر على ما يتوقف عليه، هذا الدور الذي مر معنا في شرط الحذف، (أَوْ تَسَلْسُلٍ) يعني ترتب أمر على أمر إلى ما لا نهاية، هذا يسمى ماذا؟ التسلسل (قَدْ لَزِمَا)، لزم ماذا؟ لزم على تقدير عدم انتهائها إلى ضرورة. إذًا يشترط [في المقدمة أن تكون ضرورية] (¬2) في النتيجة أن تكون ضرورية بحيث لا يحتاج في فهم معناها إلى تأمل، إذا لم تكن ضرورية تحتاج إلى تأمل واستدلال حينئذ هذا يلزم منه الدور والتسلسل، وهذا باطل، نحن نريد نتيجة نقف بعدها لا نبحث وراء القياس، حينئذ متى يكون هذا؟ إذا كان العلم بهذه النتيجة ضروريًا لا يحتاج إلى نظر واستدلال، وإذا احتجنا إلى نظر واستدلال قد نقع في الدور والتسلسل بحيث لا يحتاج في فهم معناها أي النتيجة إلى تأمل لأنها لو كانت نظرية يتوقف العلم بها على غيرها، وذلك الغير يحتاج للنظر، فيتوقف الدور أو التسلسل، إن رجعنا لما يتوقف عليه الأول أو ذهبنا إلى ما لا نهاية. ثم قال: (فصل في القياس الاستثنائي)، والله أعلم. وصلِّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ¬

_ (¬1) سبق. (¬2) سبق.

5

عناصر الدرس * فصل في القياس الاستثنائي، وبيان اسمه وضابطه. * صور إنتاج القضية الشرطية المتصلة. * صور إنتاج القضية الشرطية المنفصلة بأنواعها. * فصل في لواحق القياس، وشرح الترجمة. * القياس المركب، وسبب التسمية وحده، وكيفية تركيبه. * الاستقرار التمثيلي، وحده. * القياس المركب تفيد القطع دون الاستقرار والتمثيل. * فصل في أقسام الحجة، وبيانها. * أنواع الحجة العقلية، وبيان كل نوع، ومبحث المناطقة. * حد البرهان، وما يتألف منه. * مسألة العلاقة بين ترتيب المدلول على الدليل والخلاف في ذلك. * خاتمة، وشرح الترجمة. * أوجه الخطأ في القياس، وبيان كل وجه بالأمثلة. * الخاتمة. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: (فصل في القياس الاستثنائي) وهو النوع الثاني من نوعي القياس. لَمَّا عرف القياس قال: (ثُمَّ القِيَاسُ عِنْدَهُمْ قِسْمَانِ) قلنا: هما الاقتراني والشرطي. (فَمِنْهُ مَا يُدْعى بِالاقْتِراني) وبَيَّنَهُ. ثُمَّ شَرَعَ في بيان النوع الثاني وهو يسمى بالاستثنائي أو الشرطي. ... (فصل في القياس الاستثنائي) وَمِنْهُ مَا يُدْعَى بِالاسْتِثْناءِ ... يُعْرَفُ بِالشَّرْطِ بِلا امْتِرَاءِ يُعرف بالشرطِي، هذا الأصل فسكن من أجل الوزن، (وَمِنْهُ) أي من القياس من حيث هو (مَا) أي الذي يُدعى أي يُسمى (بِالاسْتِثْناءِ) نسبة إلى الاستثناء لاشتماله على أداة الاستثناء، وهي لكن، لكنه كذا (يُعْرَفُ) أي يُسمى ذلك القياس الاستثنائي بالشرطي لماذا؟ لأنه مشتمل على أداة الشرط، حينئذ وُجد فيه أداتان: أداة الشرط. وأداة استثناء. (بِلا امْتِرَاءِ) يعني بلا شك. إذًا القياس الاستثنائي هو قياس مؤلف من مقدمتين: إحداهما شرطية وتسمى كبرى. والأخرى استثنائية وتسمى صغرى. إذًا فيه مقدمة شرطية وهي الكبرى، ومقدمة استثنائية وهي الصغرى. ثم عرَّفه بقوله: (وهو) أي القياس الاستثنائي الشرطي وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيْجَةِ ... أَوْ ضِدِّها بِالفِعْلِ ...... سبق أن القياس الاقتراني (دَلَّ على النَتيجَةِ بِقُوَّة) بمعنى أن صورة النتيجة ليست موجودة في المقدمتين، وإنما أجزاؤها متفرقة، فموضوع النتيجة يكون موضوعًا للصغرى، ومحمول النتيجة يكون محمولاً للكبرى .. وهكذا، أما الاستثنائي فهو يدل على النتيجة بالفعل يعني بصورتها تكون النتيجة مذكورة بلفظها بالموضوع والمحمول في المقدمتين، (وهو) بإسكان الهاء أي القياس الاستثنائي (وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيْجَةِ أَوْ ضِدِّها) دل على شيئين، دل على النتيجة يعني صورتها عين النتيجة موجودة في القياس، أو ضدها أو على ضدها، أي نقيضها بصورته، حينئذ يدل على أمرين: الأول: عين النتيجة. والثاني: نقيض النتيجة.

فالأول وذلك إذا استثنيت عين المقدم عرفنا أن الشرطي لا بد من مقدم وتالي، كما أن الحملي أو الحملية تكون فيها موضوع ومحمول، هنا مقدم وتالي، إذا استثنيت عين المقدم نحو: كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، ولكن الشمس طالعة، هنا استثنيت ماذا؟ المقدم عين المقدم لا نقيضه، كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، أين المقدم الشمس طالعة، النهار موجود تالي، استثني الأول عينه قل: لكن الشمس طالعة حينئذ النتيجة فالنهار موجود، إذًا قولك النهار موجود النتيجة موجودة بعينها هي عين التالي بصورتها لمقدمها وتاليها، وإن شئت قل موضوعها ومحمولها موجودة في القياس، كلما كانت الشمس طالعة هذا المقدم، فالنهار موجود هذا التالي، لكن الشمس طالعة استثنيت ماذا؟ عين المقدم، النتيجة النهار موجود. هذا اللفظ موجود في القياس. والثاني الذي هو النقيض يكون النتيجة موجودة بنقيضها إذا استثنيت نقيض التالي، كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، هذا على ذكر السابق، لكن النهار ليس بموجود هذا نقيض التالي، إذا كانت الشمس طالعة هذا مقدم، فالنهار موجود هذا التالي، استثني نقيض التالي يعني ضده وأدخل حرف السلب فقط، قلنا: النقيض أن تأتي بماذا؟ بدل الكيف، النهار موجود النهار ليس بموجود، إذًا النتيجة الشمس ليست طالعة، إذًا نقيض النتيجة موجود في ماذا؟ في القياس، أنتج ماذا؟ نقيض التالي أنتج نقيض المقدم، نقيض التالي إذا استثنيت نقيض التالي حينئذ أنتج نقيض المقدم، يعني المقدم الشمس طالعة فالنتيجة حينئذ الشمس ليست طالعة، فدَلَّ القياس على النتيجة بنقيضها، فذُكِرَ النقيض الذي هو الشمس طالعة في ضمن القياس هذا يُسمى ماذا؟ يسمى قياسًا استثنائيًّا أو شرطيًّا (وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيْجَةِ أَوْ ضِدِّها) على الضد، الضد المراد به الضد اللغوي وهو مطلق المنافي، أو ضدها بالفعل يعني بصورتها يعني يكون مذكورًا فيه، إما عينها وإما نقيضها، هي عين النتيجة أو نقيضها بصورته (لا بِالقُوَّةِ)، هذا تصريح بما عُلِم، يعني إذا دَلَّ بالفعل حينئذ لم يدل بالقوة، يعني الذي يُدل بالقوة ماذا؟ هو القياس الاقتراني (لا بِالقُوَّةِ)، يعني لا تكون النتيجة متفرقة الأجزاء المقدم والتالي، وإنما هي موجودة بعينها أو بنقيضها، وهذا تصريح بما عُلِمَ. ثم قال بعد أن عرف الاستثنائي: فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ ... أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي وَرَفْعُ تَالٍ رَفْعَ أَوَّلٍ وَلا ... يَلْزَمُ فِي عَكْسِهِمَا لِمَا انْجَلَى بيان كيفية إنتاج القياس الشرطي، كيف ينتج؟ سبق أن القياس الشرطي أو الشرطية نوعان: شرطية متصلة. وشرطية منفصلة.

وكل منهما له إنتاج وضروب تصح فيها الإنتاج، وضروب لا يصح فيها الإنتاج، (فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ) القياس الشرطي المتصل (ذَا اتِّصَالِ)، (فَإِنْ يَكُ)، (يَكُ) يعني القضية الشرطية، وذَكَّرَ باعتبار كونها قولاً، والقول مذكر، والقياس الشرطي المتصل القضية الشرطية (ذَا اتِّصَالِ) أي هي ذات اتصال شرطية متصلة كيف الإنتاج؟ قال: (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي)، (أَنْتَجَ وَضْعُ) يعني إثبات (ذَاكَ) المشار إليه هو المقدم (وَضْعَ التَّالِي) يعني إثبات (التَّالِي) في النتيجة، إثبات المقدم في الاستثنائية يُنتج ماذا؟ إثبات (التَّالِي) في النتيجة، لماذا؟ لأن المقدم ملزوم للتالي، والتالي لازم له، والعلاقة بينهما اللزوم، فالمقدم ملزوم للتالي، والتالي لازم له، حينئذ بثبوت الملزوم يقتضي ثبوت لازمه، فإذا استثنيت المقدم (أَنْتَجَ) ماذا؟ إذا استثنيت إثبات المقدم (أَنْتَجَ) إثبات التالي، مثاله كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، هذا ماذا؟ أين المقدم وأين التالي؟ هذا إنسانًا كان هذا إنسانًا هذا المقدم، كان حيوانًا هذا التالي، تستثني ماذا؟ تستثني المقدم، تقول: لكنه إنسان فهو حيوان، إذًا استثناء المقدم (أَنْتَجَ) إثبات (التَّالِي) لماذا؟ يعني هنا (أَنْتَجَ) إثبات المقدم إثبات (التَّالِي) لماذا؟ لأن الحيوان أعمّ والإنسان أخص، فإذا أثبت الأخص يستلزم إثبات الأعم، هو لازم وملزوم، يعني المقدم ملزوم والتالي لازم، يلزم من وجود الملزوم وجود لازمه، إذا كان إنسانًا لزم أن يكون حيوانًا، ولا ينتفي عنه، كلما كان هذا إنسانًا فهو حيوان، لكنه إنسان إذًا فهو حيوان، (وَرَفْعُ تَالٍ رَفْعَ أَوَّلٍ)، (وَرَفْعُ تَالٍ) يعني يُنتج نفي التالي، الرفع المراد به النفي، نفي التالي (أنتج) ماذا؟ (رَفْعَ أَوَّلٍ) الذي هو المقدم، فإذا استثنيت نفي التالي (أنتج) نفي المقدم، أي وأنتج نفي التالي في الاستثنائية، نفي المقدم في النتيجة، لأن التالي لازم للمقدم وانتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم.

مثاله: كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا استثني ماذا؟ رفع التالي لكنه ليس بحيوان، ما هي النتيجة؟ فهو ليس بإنسان. انظر استثنيت نقيض التالي، استثنيت نقيض التالي، أنتج نقيض المقدم، لكنه ليس بحيوان فهو ليس بإنسان، لماذا؟ لأن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص لأن العلاقة بين المقدم والتالي اللزوم، حينئذ إذا نفي الأعم لزم منه نفي الأخص، إذًا كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه ليس بحيوان، فليس بإنسان، لأن رفع اللازم يوجب رفع الملزوم، إذًا (فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ) يعني تكون القضية الشرطية متصلة (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ) يعني إثبات المقدم في الاستثنائية (أنتج) ماذا؟ إثبات (وَضْعَ التَّالِي) إثبات التالي في النتيجة، (وَرَفْعُ تَالٍ) هذه الصورة الثانية في الإنتاج أي وأنتج نفي التالي (وَرَفْعُ تَالٍ)، نفي التالي في الاستثنائية رفع أول يعني نفي المقدم في النتيجة لأن التالي لازم للمقدم وانتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم (وَلا يَلْزَمُ فِي عَكْسِهِمَا لِمَا انْجَلَى) لما اتضح، (وَلا يَلْزَمُ فِي عَكْسِهِمَا)، ما هو العكس؟ انظر إلى (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي) أنتج رفع المقدم (وَضْعَ التَّالِي) لا، لا يكون منتجًا، كذلك (رفع تال) إثبات تال لا ينتج رفع الأول، [ولا يلزم في حذفهما من أنه قد يكون نعم] (¬1) ولا يلزم في حذفهما في حذفهما الذي هو استثناء (فِي عَكْسِهِمَا) يعني لا يلزم الإنتاج في عكس وضع المقدم وهو وضع التالي، ولا في عكس رفع التالي وهو رفع المقدم، بالمثال يتضح، كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه حيوان ماذا؟ استثنيت هنا، كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، الإنسان الأول (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ) إذا أثبت في الاستثنائية المقدم، لكن أثبت التالي، كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه حيوان، هل يُنتج فهو إنسان؟ لا ينتج، لماذا؟ لأن إثبات الأعم لا يستلزم إثبات الأخص، فلا يكون منتجًا، إنما الذي يُنتج إذا أثبت المقدم، إذا قلت: لكنه إنسان، أثبت لكن فهو حيوان، لأن إثبات الأخص يستلزم إثبات الأعم، أما إذا قلت: لكنه حيوان، استثنيت هنا إثبات التالي فحينئذ لا ينتج عين المقدم لماذا؟ لأن إثبات الأعم لا يستلزم إثبات الأخص فلا يكون منتجًا، ولذلك خصه قال: (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ) وضع ماذا؟ وضع المقدم، أما إذا وُضِعَ التالي فلا يُنتج عين المقدم، لأن وجود اللازم لا يقتضي وجود الملزوم لاحتمال أن يكون اللازم أعم من الملزوم، ولا يلزم من إثبات الأعم إثبات الأخص، لكنه حيوان، فحينئذ لا يلزم أن يكون النتيجة فهو إنسان قد يكون فهو فرس أو بغل أو نحو ذلك، حينئذ نقول: إثبات الأعم لا يستلزم إثبات الأخص. كي يقول: كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه حيوان لم ينتج أنه إنسان ولا أنه ليس بإنسان، وإذا قلت مثلاً: كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه ليس بإنسان، انظر الشطر الثاني (ورفع تالٍ) هذا الذي يكون منتجًا، أما رفع المقدم فلا ينتج، لكل واحد منهما احتراز في الأول قال: فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ ... أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ ................ ¬

_ (¬1) سبق.

يعني إثبات المقدم في الاستثنائية، لو أثبت التالي لا ينتج، له مفهوم (ورفع تالٍ رفع أول)، (رفع تالٍ) يعني نفي التالي في الاستثنائية لكنه ليس بحيوان، أما إذا رفع المقدم فلا ينتج ولذلك نقول: إذا قيل مثلاً: كل ما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه ليس بإنسان. إذًا رفعت ماذا؟ رفعت المقدم والمنتج هو رفع التالي، لكنه ليس بإنسان لم ينتج أنه ليس بحيوان ولا أنه حيوان، لماذا؟ لأن نفي الملزوم لا يقتضي نفي اللازم، لأنه أخص، ورفع الأخص لا يوجب رفع الأعم. إذا قلت: ليس بإنسان لا يلزم منه أنه ليس بحيوان، رفع الأخص لا يلزم رفع الأعم. إذًا ضربان منتجان وضربان غير منتجين يُسميان بالعقيم فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ ... أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي أي الصورة الأولى المنتجة إثبات المقدم في الاستثنائية إثبات التالي في النتيجة، نفس الصورة الثانية رفع التالي يعني أنتج نفي التالي في الاستثنائية (رَفْعَ أَوَّلٍ) يعني نفي المقدم في النتيجة، ولا يلزم في حذفهما وهو وضع التالي ورفع المقدم (لما انجلى) يعني ما اتضح من أنه قد يكون تالي أعم من المقدم أي المنفي، من أنه قد يكون التالي أعم من المقدم أي اللازم أعم من الملزوم، حينئذ المراد بقوله (في عكسهما) من وضع التالي أو رفع المقدم. ثم انتقل إلى النوع الثاني من الشرطية المتصلة وهي المنفصلة، عرفنا أن المنفصلة ثلاثة أنواع: مانعة جمع، ومانعة خلو، ومانعة جمع وخلو معًا، وهذه الثالثة هي الحقيقية وهي الأخص وَإِنْ يَكُنْ مُنْفَصِلاً فَوَضْعُ ذا ... يُنْتِجُ رَفْعَ ذَاكَ وَالعَكْسُ كَذا وَذَاكَ فِيْ الأَخَصِّ ثُمَّ إِنْ يَكُنْ ... مَانِعَ جَمْعٍ فَبِوَضْع ِذَا زُكِنْ رَفْعٌ لِذَاكَ دُونَ عَكْسٍ وَإِذَا ... مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ فَهْوَ عَكْسُ ذَا (وَإِنْ يَكُنْ) يعني القياس الشرطي (مُنْفَصِلاً)، عرفنا المنفصل ما أوجبت تنافرًا بين الجزئين # 17.40 ... العدد إما زوجٍ وإما فرد، فإن كان القياس مركبًا من منفصلة حقيقية وهي مانعة جمع وخلو معًا فضروبه الأربعة منتجة كمثال، (وَإِنْ يَكُنْ) القياس الشرطي المراد به هنا منفصلاً (فَوَضْعُ ذَا) يعني فإن كانت حقيقية وهي مانعة الجمع والخلو معًا وهي المنفصلة الحقيقية، (فَوَضْعُ ذَا يُنْتِجُ رَفْعَ ذَاكَ وَالعَكْسُ كَذا) يعني إثبات أحد الطرفين سواء كان مقدمًا أو تاليًا يُنتج نفي الآخر، لأنه لا يمكن اجتماعهما (فوضع ذا) يعني إثبات في الاستثنائية (ذا) المراد به أحد الطرفين (يُنتج رفع ذاك) يعني الآخر (والعكس) ما هو العكس؟ أي رفع ذا ينتج وضع ذاك، رفع ذا يعني نفي أحد الطرفين يُنتج وضع ذاك يعني الطرف الآخر، فرفع أحدهما يُنتج وضع الآخر لأنه يمتنع ارتفاعهما. إذًا إثبات أحدهما يُنتج رفع الثاني هذا يدخل تحته صورتان: إثبات المقدم ينتج رفع التالي. إثبات التالي ينتج رفع المقدم. هذا في الإثبات. نفي المقدم ينتج رفع التالي. نفي المقدم ينتج إثبات التالي، أليس كذلك؟ هذه أربع صور.

إذًا القياس الشرطي المنفصل المركب نعم (فوضع ذا ينتج رفع ذاك) إذًا في مانعة جمع والخلو معًا استثناء النقيض كل واحد من طرفيها ينتج عين الآخر، لماذا؟ لعنادهما في العدم لأنهما لا يُعدمان معًا العدد، إما زوجي أو فرد، لا يجتمعان ولا يرتفعان، أليس كذلك؟ لا يجتمعان ولا يرتفعان، واستثناء عين كل من طرفيها يُنتج نقيض الآخر لعنادهما في الوجود، ولذلك هي مانعة جمع فلا يجتمعان، العدد يكون زوج وفرد، ومانعة خلو فلا يكون العدد موصوفًا بكونه زوجًا أو فردًا فلا بد من واحد منهما، إذا أثبت أحدهما انتفى الآخر، إذا نُفِي أحدهما ثبت الآخر، وهكذا حينئذ الصور أربعة أو الضروب أربعة، وكلها منتجة، العدد إما زوج وإما فرد، لكنه زوج ماذا استثنيت؟ عين المقدم وضع المقدم، ما هو المقدم؟ إما زوج وإما فرد، زوج هو المقدم استثنيت بمعنى أنك تثبته، يعني الوضع المراد به الإثبات، لكنه زوج يُنتج ماذا؟ فهو غير فرد بالنفي، فاستثناء وضع عين المقدم يُنتج نفي التالي رفع التالي، لكنه زوج فهو غير فرد، فنستثني التالي لكنه فرد، النتيجة فهو غير زوج، استثني نفيض المقدم لكنه غير زوج النتيجة فهو فرد. إذًا إذا استثنيت نقيض المقدم ثبت ماذا؟ عين التالي، لكنه غير فرد هذا الضرب الرابع فهو زوج، على كل في مانعة الجمع والخلو إذا استثنيت بالإثبات حينئذ ثبت نقيض الآخر، استثنيت الإثبات بمعنى أنك جئت بعين المقدم إثباتًا أو عين التالي ثبت نقيض المقابل، والنقيض ينتج ماذا؟ إثبات المقابل وهكذا .. ، وإن يكن متصلاً القياس الشرطي المتصل (فوضع ذا) يعني إثبات أحد الطرفين (ينتج رفع ذاك) عن الآخر، دخل تحته صورتان (فوضع ذا) وضع المقدم (ينتج رفع) التالي، (فوضع ذا) إثبات التالي (ينتج رفع) المقدم هاتان صورتان (والعكس) الذي هو نفي المقدم يُنتج نفي إثبات التالي، ونفي التالي (ينتج) إثبات المقدم، هذه أربعة ضروب كلها منتجة، (والعكس كذا) أي رفع (ذا ينتج وضع ذاك) رفع أحدهما ينتج وضع الآخر لأنه يمتنع ارتفاعهما (والعكس كذا.

وذاك في الأخص) يعني أن مجموع ذلك الضروب الأربعة في الشرطي الحقيقي (وذاك في) الذي هو (الأخص) من غيره كما سبق، (ثُمَّ إِنْ يَكُنْ مَانِعَ جَمْعٍ) هذا النوع الثاني من الشرطية المنفصلة، مانعة جمع مجوزة الخلو، يعني لا يجتمعان ويريد أن لا يوصفا بهما الذي أريد إثباته، الجسم إما غير أبيض وإما غير أسود، وإما أبيض وإما أسود، (ثُمَّ إِنْ يَكُنْ) أي الشرط بمعنى قضية شرطية (مَانِعَ جَمْعٍ) يعني مانعة الجمع مجوزة الخلو فـ (بوضع ذَا) يعني أحد الطرفين (زُكِن) عُلِم (رَفْعٌ لِذَاكَ دُونَ عَكْسٍ) إذا أثبت (ذَا) أحد الطرفين حينئذ رفع الآخر، إذا أثبت المقدم حينئذ رُفع التالي، إذا أُثبت التالي رُفع المقدم، لماذا؟ من غير حذف، لأن المنع هنا في الجمع فقط لا في الخلو، ولذلك المنتج ضربان فقط، وهو في الإثبات لا في النفي، (ثُمَّ إِنْ يَكُنْ مَانِعَ جَمْعٍ فَبِوَضْع ِذَا) المراد به أحد الطرفين المقدم أو التالي فدخل تحتها صورتان (زُكِن) أي عُلم (رَفْعٌ لِذَاكَ) أي الطرف الآخر (فَبِوَضْعِ ذَا) فبوضع أحد الطرفين فيما رفع الآخر لأنه يمتنع اجتماعهما (رفع لذاك) الذي هو الطرف الآخر (دون عكس) لأنه لا يمتنع ارتفاعهما فلا ينتج رفع أحدهما وضع الآخر، إذا رُفع أحدهما لا يُنتج رَفع الآخر، لا يُنتج وضع الآخر إثبات الآخر، لماذا؟ لأنها هي مجوزة للخلو، يجوز ألا يتصل بواحد منهما إذًا القياس الشرطي المتصل المركب من مانعة جمع المجوزة للخلو فإنه يُنتج من ضروبه الأربعة اثنان واثنان عقيمان، متى ينتج؟ في الإثبات فقط، وأما في النفي فلا يُنتج فالصور أربعة، فحينئذ المنتج منها استثناء عين المقدم، فإنه يُنتج نقيض التالي. الصورة الثانية: استثناء عين التالي فإنه يُنتج نقيض المقدم. إذًا في الإثبات فقط، استثناء الإثبات، أما استثناء النقيض فلا ينتج البتة، والضربان العقيمان هما استثناء نقيض المقدم واستثناء نقيض التالي لعدم العناد بين طرفيها في العدم، فالجسم إما أبيض وإما أسود، هذه مانعة جمع، يعني لا يكون أبيض وأسود في وقت واحد في محل واحد، إذًا يمكن الخلو؟ لا يكون أبيض ولا أسود؟ نعم، يكون أزرق مثلاً أو أحمر، حينئذ نقول: هي مانعة جمع وليست مانعة خلو، فإذا استثنيت المقدم وقلت: لكنه أبيض. أنتج فهو غير أسود، نقيض التالي. وإذا استثنيت التالي قلت: لكنه أسود. أنتج فهو غير أبيض، لكن إذا قلت: فهو غير أبيض لكنه غير أبيض لا ينتج أنه أسود، لأنه قد يكون أحمر أو أزرق، واضح هذا؟ ....... ثُمَّ إِنْ يَكُنْ ... مَانِعَ جَمْعٍ فَبِوَضْع ِذَا زُكِنْ رَفْعٌ لِذَاكَ دُونَ عَكْسٍ .. ... ...........................

الذي هو رفع أو استثناء نقيض المقدم واستثناء نقيض التالي فلا يُنتج، وإذا هذه الحالة الثالثة (وَإِذَا مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ فَهْوَ عَكْسُ ذَا)، (وَإِذَا مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ) وإذا كان مانع رفع، كان هذه مؤخرة، هذه مؤخرة من تقديم، و (مَانِعَ) هذا خبر كان، واسم كان ضمير مستتر يعود على الشرط، وإذا كان يعني كانت القضية الشرطية (مَانِعَ رَفْعٍ) مانعة الرفع المراد بها مانعة الخلو (فَهْوَ عَكْسُ ذَا)، (عَكْسُ ذَا) المشار إليه مانعة الجمع (عَكْسُ ذَا) يعني مانعة الجمع في الحقيقة وفي الإنتاج، في الحقيقة كما سبق، وفي الإنتاج بالعكس، في مانعة الجمع متى يُنتج؟ إذا استُثْنِيَ وضع يعني إثبات عين المقدم والتالي أَنتج، فإذا نُفي لا يُنتج، هذه مانعة الخلو العكس، إذا استُثني نقيض المقدم والتالي أنتج، وإذا استثني إثبات عين التالي والمقدم لا ينتج، واضح هذا؟ (فَهْوَ عَكْسُ ذَا) أي فالقضية مانعة الخلو عكس مانعة الجمع، بمعنى أن رفع أحد طرفيها يُنتج وضع الآخر لمنعها الخلو عنهما، انظر في الرفع بمعنى أنها رفع يعني نفي أحد طرفيها يُنتج وضع الآخر، لمنعها الخلو عنهما، ووضع أحد طرفيها لا يُنتج مانعة الجمع تُنتج بالوضع إثبات ولا تنتج في الرفع، ومانعة الخلو بالعكس تنتج في الرفع ولا تنتج في الإثبات، لمنعها الخلو عنهما، فوضع أحد طرفيها لا ينتج شيئًا لجواز الجمع بينهما، مثالها هذا الشيء إما غير أبيض أو غير أسود، هي تمنع ماذا؟ الخلو، يعني لا يكون غير أبيض ولا غير أسود، وأما الجمع فتُجَوِّز غير أبيض وغير أسود يكون أزرق، أزرق هذا غير أبيض وغير أسود، أما الخلو لا، ألا يكون غير أبيض وغير أسود، لا، خرجت الألوان كلها، لكنه أبيض استثنى ماذا؟ استثنى ليس المقدم، المقدم غير أبيض، النقيض ائت بالنفي فقط زيد لا زيد، هذا نقيضه زيد قائم زيد ليس بقائم تأتي بحرف السلب، الموضوع كما هو والمحمول كما هو، إذا قيل: غير أبيض نقيضه أبيض، [لا غير أبيض نقيضه أبيض] أسود نقيضه غير أسود .. هكذا، فتأتي بلفظ غير أو حرف السلب، فإذا قال: هذا الشيء إما غير أبيض أو غير أسود لكنه ائت بنقيض المقدم لكنه أبيض، حينئذ ينتج أو لا؟ نقول: ينتج، لكنه أبيض، ينتج أنه غير أسود، هذا واضح، أنتج عين الثاني، فإذا استُثني نقيض المقدم أَنتج عين التالي، أو يقال مثلاً: لكنه أسود. استثنى النقيض الثاني يُنتج أنه غير أبيض، فقد لزم من رفع أحد طرفيها ثبوت الآخر، ولو قلت: لكنه غير أبيض. استثنيت عين المقدم، هذا الشيء إما غير أبيض أو غير أسود لكنه غير أبيض، هل ينتج أنه أسود لا، لا ينتج أنه أسود، لأن غير الأبيض يُطلق على الأسود وعلى غيره، لم ينتج أنه أسود ولا غيره، أو قلت: لكنه غير أسود لم ينتج أنه أبيض ولا غيره.

إذًا في مانعة الخلو متى يكون الإنتاج؟ في النفي، وأما في الوضع فلا، (وَإِذَا مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ) يعني وإذا كانت القضية شرطية مانعة خلو (فَهْوَ عَكْسُ ذَا) يعني رفع أحد الطرفين أنتج وضع الآخر دون عكس، (عَكْسُ ذَا) يعني مانعة الجمع في الحقيقة والإنتاج استثناء نقيض كل واحد من الطرفين فيه يُنتج عين الآخر لمنعها الخلو عنهما، واستثناء عين كل واحد من الطرفين لا يُنتج شيئًا لجواز الجمع بينهما. ثم قال رحمه الله تعالى: (فصل في لواحق القياس)، (لواحق) هذا جمع لاحق، أي ما يُلحق بالقياس البسيط في الاستدلال، أي التوابع، الأصل كما سبق أن القياس قد يكون بسيطًا يعني مؤلفًا من مقدمتين، وقد يكون مركبًا، والمركب هذا ما تألف من أكثر من مقدمتين، قد يكون القياس مركب من قياس واحد ومقدمات ثلاث، وقد يكون من أربع مقدمات لكنه قياس في ضمن القياس، كما سيأتي. (فصل في لواحق القياس) القياس أل هنا للعهد والمعهود القياس البسيط. قال (وَمِنْهُ) أي من القياس من حيث هو لا يمكن أن يعيد الضمير هنا على شيء مخصوص معين، لأن المعين ثبت أنه معين فلا ينتقل إلى وصف آخر، وإنما نعيده للقياس من حيث هو دون وصف، (وَمِنْهُ) أي من القياس من حيث هو (مَا) أي قياس الذي (يَدْعُونَهُ) أي يسمونه ... (مُرَكَّبَا) أي قياسًا مركبًا، الألف هذه بدل عن التنوين، (وَمِنْهُ) أي من القياس، القياس الذي (يَدْعُونَهُ) يسمونه قياسًا (مُرَكَّبَا) لماذا؟ اللام للتعليل (لِكَوْنِهِ) العلة للتسمية (مِنْ حُجَجٍ قَدْ رُكِّبَا)، (مِنْ حُجَجٍ) من حجج هذا متعلق بقوله (رُكِّبَا) و (قَدْ) هنا للتحقيق يعني هو ما أُلف من أكثر من مقدمتين (مَا يَدْعُونَهُ مُرَكَّبَا) التركيب المؤلف هنا المراد به أكثر من مقدمتين، وإلا المؤلف من مقدمتين كذلك مركب لكن ليس هذا المراد، وإنما المراد مؤلف من أكثر من مقدمتين، (لِكَوْنِهِ) هذا علة للتسمية (مِنْ حُجَجٍ)، (حُجَجٍ) جمع حجة، حُجَج غُرَف، حُجّّة غُرْفَة، جمع حُجّة وهي القياس، والمراد هنا ما فوق الواحدة، (حُجَجٍ) جمع، والمراد به أقيسة بسيطة، اثنين فأكثر، يعني قياس مركب ليس مقدمتين باعتبار المقدمة أصلاً وإنما باعتبار كون القياس في ضمن قياس، يعني يركب القياس بسيط على قياس بسيط آخر، (لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ) أي أقيسة بسيطة اثنين فأكثر (قَدْ رُكِّبَا) هذه للإطلاق ولو بالقوة كما في مفصول النتائج. فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ ... وَاقْلِبْ نَتِيْجَةً بِهِ مُقَدِّمَةْ

هذا شروع في بيان كيفية تصويب أو الإتيان بهيئة القياس المركب من أقيسة بسيطة، (فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ)، (فَرَكِّبَنْهُ) هذا جواب الشرط الذي بعده على مذهب الكوفيين، لأنه قال: فإن ترد أن تعلما وركبن، قدم هنا، قدم جواب الشرط، على مذهب الكوفيين جواز تقديم جواب الشرط على الشرط، وعلى مذهب البصريين لا يجوز وإنما يكون المذكور دليلاً على الجواب، يعني فركبنه إن ترد أن تعلما فركبنه، هكذا عند البصريين، فهذا يعتبر دليل الجواب على مذهب البصريين، (فَرَكِّبَنْهُ) النون هذه نون التوكيد الخفيفة، ورَكِّب هذا فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، أي إن ترد معرفة القياس فركبه من أكثر من مقدمتين، على الصورة الآتية: .. إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ ... وَاقْلِبْ نَتِيْجَةً بِهِ مُقَدِّمَةْ يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِيْبِهَا بِأُخْرَى ... نَتِيْجَةٌ إِلَى هَلُمَّ جَرَّا

يعني تأتي للنتيجة، القياس البسيط هو المركب من مقدمتين، العالم متغير، وكل متغير حادث النتيجة، العالم حادث. هذا قياس بسيط، إذا أردت أن تركبه مع قياس آخر ماذا تصنع؟ تجعل هذه النتيجة مقدمة وتضم إليها مقدمة أخرى ثم تصل نتيجة، ثم تجعل إذا أردت قياس ثالث تجعل النتيجة مقدمة فتأتي بمقدمة كبرى .. وهكذا، (إِلَى هَلُمَّ جَرَّا) هذا صار ماذا؟ صار [قياسًا بسيطًا مركبًا من أقيسة] (¬1)، قياسًا مركبًا من أقيسة بسيطة، ولذلك قال: (وَاقْلِبْ نَتِيْجَةً) نتيجة تجعلها ماذا؟ اجعلها مقدمة، مقدمة لأي شيء؟ للقياس الذي بعده، حينئذ يكون في الصورة كأنها مقدمات ثلاث أو أربع أو ست والنتيجة واحدة، (وَاقْلِبْ نَتِيْجَةً) اقلبه، هذا ضُمِّنَ معنى اجعل، (وَاقْلِبْ نَتِيْجَةً) هذا مفعول أول ولو تقديرًا كما سيأتي في مفصول النتائج (بِهِ) الباء بمعنى في، فيه يعني في القياس المركب (مُقَدِّمَةْ) هذا مفعول ثاني، أي اجعلها مقدمة صغرى، تقلب النتيجة تجعلها مقدمة صغرى، (يَلْزَمُ) أي اجعل النتيجة الحاصلة من المقدمتين الأوليين مقدمة لقياس ثاني، والقياس الأول انتهى بنتيجة ثم تجعل النتيجة مقدمة صغرى فحينئذ تضم إليها مقدمة كبرى، فيلزم منها نتيجة، (يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِيْبِهَا) أي النتيجة التي قَلَبْتَهَا وجعلتها مقدمة (بِأُخْرَى) أي مع أخرى، أي مع مقدمة أخرى كبرى لأن النتيجة تكون صغرى، (يَلْزَمُ) (نَتِيْجَةٌ) أي فيحصل منهما (نَتِيْجَةٌ)، (إِلَى هَلُمَّ جَرَّا) يعني يمكن أن تُركب هكذا أقيسة بسيطة .. إلى هلم جرا .. إلى ما لا نهاية، (إِلَى هَلُمَّ جَرَّا)، (إِلَى) مقدرة الدخول على محذوف موصوف، بقوله محذوف، وكأنه قال إلى أمر يقال فيه ليستمر على ذلك استمرارًا، فـ (إِلَى) هنا ليست داخلة على (هَلُمَّ)، (هَلُمَّ) هذا فعل أمر، وقيل: اسم فعل أمر. إذًا (إِلَى) هنا مقدرة الدخول على محذوف موصوف لقول محذوف، فكأنه قال إلى أمر، أمر هذا موصوف محذوف يقال فيه ليستمر على ذلك استمرارًا، هَلُمَّ في الأصل تستعمل لطلب الإقبال، هَلُمَّ يا زيد يعني أَقْبِل ثم استعيرت لطلب الاستمرار، ويجر، (هَلُمَّ جَرَّا) الألف هذه للإطلاق مصدر، وقيل حال، وقيل تمييز، والْجَرّ في الأصل مصدر جَرَّهُ إذا سَحَبَهُ، والمراد هنا الاستمرار، يعني استمر في ذلك إلى ما لا نهاية. يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِيْبِهَا بِأُخْرَى ... نَتِيْجَةٌ إِلَى هَلُمَّ جَرَّا عرفتم هذا الآن، القياس المركب أنه مركب من أقيسة بسيطة، إذا جئت إلى النتيجة تقلبها وتجعلها مقدمة صغرى وتضم إليها مقدمة كبرى، ثم تظهر النتيجة ولك أن تقلبها وتجعلها مقدمة صغرى إلى آخره .. ، هذا القياس المركب ينقسم إلى قسمين: متصل النتائج. ومفصول النتائج. مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِالَّذِي حَوَى ... يَكُونُ أَوْ مَفْصُولَها كُلٌّ سَوَا ¬

_ (¬1) سبق.

(مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِالَّذِي حَوَى)، (مُتَّصِلَ) بالنصب هذا خبر (يَكُونُ)، (يَكُونُ) (مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِالَّذِي حَوَى) النتائج بأن ذُكر فيه يعني اشتمل عليها (يَكُونُ) أي يُسمى بذلك أو يُسمى (مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِ) (أَوْ مَفْصُولَها)، (أَوْ) بمعنى الواو (مَفْصُولَها) أي مفصول النتائج بأن لم تذكر فيه بل طويت فيكون القياس منفصلها إن لم يحو النتائج (كُلٌّ سَوَا) يعني من المتصل والمفصول سواء في إفادة المطلوب، إنما هو ترتيب فقط، يعني إذا اكتفيت بذكر النتيجة دون تكرارها حينئذ يسمى هذا متصل، وإذا حذفتها سُمِيَ منفصلاً. (مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِ) و (أَوْ مَفْصُولَها) قسمان من القياس المركب، (مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِ) هو ما ذكر فيه نتائجه، متصل ما ذُكرت فيه نتائجه، مثاله: كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس، هذا قياس مؤلف من مقدمتين، كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس، فكل إنسان حساس، هذه النتيجة، ثم تعيد النتيجة تريد أن تقلبها تجعلها مقدمة تعيدها بلفظها مرة أخرى تقول: وكل إنسان حساس، وكل حساس نامٍ، فكل إنسان نامٍ .. وهكذا، فالنتيجة ما هي؟ فكل إنسان حساس، إذا أعدتها مرة ثانية، حينئذ تقول: وكل إنسان حساس أعدتها مرتين يعني تبقي النتيجة كما هي في صورتها وتعيدها مرة أخرى بناءً على أنها مقدمة لقياس آخر هذا صار ماذا متصل النتائج، ولك أن تحذفها فيكون هو المفصول، كل إنسان حيوان، هذه مقدمة صغرى، وكل حيوان حساس، النتيجة: كل إنسان حساس، اقلب النتيجة مقدمة فتقول: فكل إنسان حساس، وكل إنسان حساس أعدتها بنفسها الأولى بقيت النتيجة كما هي وأعدتها مرة ثانية بناءً على أنها مقدمة لقياس آخر، إذا ذكرتها مرتين على أنها نتيجة ثم على أنها مقدمة حينئذ صار (مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِ)، إذا حذفتها لم تعدها وإنما أبقيتها على أنها نتيجة ومقدمة في نفس الوقت ولم تكررها صار مفصول النتائج، فكل حساس نام، فكل إنسان نام .. هكذا، النتيجة هنا تذكر مرتين، مرة نتيجة ومرة مقدمة، تنطق بها تلفظ بها، وسُمِّيَ بذلك لوصل نتائجه بمقدماته اتصال النتائج بالمقدمات، مفصول النتائج هو ما لم يذكر فيه نتائجه، كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس، وكل حساس نامٍ، وكل نامٍ جسم، لا تعيدها مرة ثانية، وإنما تبقيها كما هي على أنها نتيجة وهي في نفس الوقت مقدمة، فلا تكررها وإنما تذكر مرة واحدة، وكل نامٍ جسم تنتج كل إنسان جسم، وسُمي بذلك لفصل نتائجه عن مقدماته. إذًا الفصل هنا فصل صوري يعني، كونه مفصول لأنها حذفت ذكرت مرة، إذا ذكرت النتيجة مرتين فهو متصل النتائج، إذا ذكرتها مرة واحدة فهي أو فهو مفصول النتائج، (مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِالَّذِي) الذي هذا مبتدأ وهو صفة للموصوف المحذوف، يعني القياس المركب (ِالَّذِي حَوَى) أي اشتمل عليها أي على النتائج بأن ذكرت فيه (يَكُونُ) متصل النتائج، يعني يُسمى بذلك، أو بمعنى الواو (مَفْصُولَها) أي ويكون القياس منفصلها إن لم يحو النتائج، (كُلٌّ) التنوين هنا عوض عن المضاف إليه، (كُلٌّ) من متصل النتائج أو مفصولها سواء (سَوَا) سواء في إفادة المطلوب، وإنما هو فرق صوري فقط. ثم قال رحمه الله تعالى:

وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّيْ اسْتُدِلْ ... فَذَا بِالاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ الاستقراء هو الاستدلال بالجزئيات على الكليات (وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ) يعني تقدير هذا صفة للموصوف المحذوف (بِجُزْئِيٍّ) بجزئي يعني بحكم جزئي لأننا نثبت أحكام، وإنما تثبت الأحكام باستقراء الجزئيات، فندخل إلى النتائج الكلية، ولذلك يذكر النحاة مثلاً كلمة اسم وفعل وحرف، ما الدليل؟ بالاستقراء والتتبع، يعني نظروا في كل كلمة كلمة فلم يجدوا إلا كلمة دلت على معنى، ثم منها ما هو مقترن بزمن، ومنها ما ليس مقترنًا بزمن، ومنها كلمات لم تدل على معنى، قالوا: القسمة ثلاثية. إذ لو وجدوا قسمًا رابعًا لعثروا عليه، حينئذ يُسمى هذا استقراء، استدلال بالجزئي على الكلي، (وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ) جزئي قلنا: هذا صفة لموصوف محذوف والتقدير وإن استدل بحكم جزئي على كلي بإسكان الياء للوزن أي على حكم كلي استدل (كُلِّيْ اسْتُدِلْ) هذا يحتمل أنه جملة مفسرة ويحتمل أنه متعلق بجزئي لأن (إِنْ) هذه شرطية لا يليها إلا الفعل، وتقدير الكلام وإن استدل (بِجُزْئِيٍّ) على (كُلِّيْ)، وإن استدل بحكم جزئي على حكم كلي (فَذَا) اسم إشارة يعود على الاستدلال، أين هو الاستدلال؟ المفهوم من قوله: (اسْتُدِلْ) {اعْدِلُواْ هُوَ} هو أي العدل {أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] مرجع الضمير لا يكون إلا اسمًا، فهي من علامات الأسماء مرجع الضمير، الضمائر لا تعود إلا على الأسماء، هنا عاد على (اسْتُدِلْ) نقول: هنا كهناك {اعْدِلُواْ هُوَ} رجعت إلى اعدلوا وهي جملة فعل حينئذ هل يكون اسم؟ نقول: لا، الضمير لا يعود إلا على الاسم حينئذ عاد إلى المصدر المفهوم من {اعْدِلُواْ} أي العدل {هُوَ} أي العدل (اسْتُدِلْ) هو أي الاستدلال (فَذَا) المشار إليه الاستدلال المفهوم من الفعل (اسْتُدِلْ)، (بِالاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ)، (عُقِلْ) بالاستقراء، بالاستقراء متعلق بقوله: (عُقِلْ)، (عِنْدَهُمْ) أي عند المناطقة، والاستقراء في اللغة التتبع لأمر ما، (عُقِلْ) يعني ضُمِّنَ معنى سُمِّيَ أي عُلِم. إذًا الاستدلال بالجزئي على الكلي يسمى استقراءً وهو نوعان: استقراء تام. واستقراء ناقص. إذا تتبع كل الأفراد يُسمى ماذا؟ يسمى استقراءً تامًا، وإذا تتبع بعض ما ترك آخر يُسمى استقراءً ناقصًا، والذي يُعتبر حجة هو الاستقراء التام، وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّيْ اسْتُدِلْ ... فَذَا بِالاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ وَعَكْسُهُ يُدْعَى القِيَاسَ المَنْطِقِيْ ... وَهْوَ الَّذِيْ قَدَّمْتُهُ فَحَقِّقِ

(وَعَكْسُهُ) الذي هو الاستدلال بالكلي على الجزئي، بحكم الكلي على الجزئي، (يُدْعَى القِيَاسَ المَنْطِقِيْ)، (القِيَاسَ المَنْطِقِيْ) السابق وهو استدلال بحكم الكلي على إثبات الجزئيات عكس السابق، (وَعَكْسُهُ) أي ومفيد عكسه على تقدير مضاف، لا بد من تقدير مضاف، لأن عكس ما ذُكر هو الاستدلال بالكلي على الجزئي، وليس ذلك هو المسمى بالقياس المنطقي، وإنما المسمى نفس المقدمتين أو المسمى نفس المقدمتين المستدل بهما. إذًا القياس هو اسم للمقدمتين، (وَعَكْسُهُ) أي مفيد عكسه (يُدْعَى القِيَاسَ المَنْطِقِيْ وَهْوَ الَّذِيْ قَدَّمْتُهُ فَحَقِّقِ) بقولنا: إِنَّ القِياسَ مِنْ قَضايا صُوِّرا ... مُسْتَلْزِماً بِالذَّاتِ قَوْلاً آخَرا (فَحَقِّقِ) أي كن من أهل التحقيق [معلوم] وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ حُمِلْ ... لِجَامِعٍ فَذَاكَ تَمْثِيْلٌ جُعِلْ هذا القياس الفقهي، القياس الفقهي فيه حمل جزئي على جزئي، النبيذ حمل على الخمر، الذي أخذناه في الورقات بالأمس، حينئذ نقول: هذا حمل جزئي على جزئي، حينئذ صارت الأقيسة ثلاثة: حمل جزئي مع الاستدلال بجزئي على كلي. كلي على إثبات الجزئي. جزئي على جزئي. وهو ما يسمى بقياس التمثيل، الذي هو رَدُّ الفرع للأصل في حكم صحيح شرعي لعلة جامعة في الحكم. (وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ)، (جُزْئِيٌّ) بالتشديد والتنوين على الأصل (عَلَى جُزْئِيْ) بإسكان الياء للوزن، وحيث حمل جزئي على جزئي، نقدر حُمِل، لأن ماذا؟ لأن حيث لا تُضاف إلا إلى الجملة الفعلية، وجزئي هذا ليس بفعل، وحيث حمل جزئي على جزئي آخر في حكمه لجامع بين الْمُشَبَّه والْمُشَبَّه به (فَذَاكَ) يعني الجمع المشترك بينهما (فَذَاكَ) هذا عائد من حمل المفهوم من قوله: (حُمِلْ) فعل كما قلنا: (اسْتُدِلْ)، (فَذَاكَ) أي الحمل (تَمْثِيْلٌ) يعني يقال له لغة: تمثيل، مثَّل شيء بآخر سواه به، وهو الرد والإلحاق الذي مر معنا في باب القياس، هناك تمثيل مثَّل شيئًا بآخر سواه به (جُعِلْ) أي يُسمى هذا الدليل تمثيلاً. ثم قال: وَلا يُفِيْدُ القَطْعَ بِالدَّلِيْلِ ... قِيَاسُ الاسْتِقْرَاءِ وَالتَّمْثِيْلِ

وسكت عن القياس المنطقي لأنه يفيد ماذا؟ يفيد الخطأ عنده (وَلا يُفِيْدُ القَطْعَ) يعني اليقين (بِالدَّلِيْلِ) المراد به المدلول (قِيَاسُ الاسْتِقْرَاءِ وَالتَّمْثِيْلِ) هذا معطوف على الاستقراء لملاحظة المضاف المحذوف لدلالة المضاف الأول عليه، القياس الاستقرائي وقياس التمثيل، الآن حذف الثاني المضاف الثاني بدلالة الأول عليه قياس الاستقراء وقياس التمثيل، لأنه يلزم من تشابه الأمرين في معنى تشابههما في جميع الأحكام، قَيَّد بعضهم الاستقراء الذي لا يفيد القطع بأنه الاستقراء الناقص، وأما الاستقراء التام فهذا يفيد القطع يفيد اليقين، فمراده حينئذ بالاستقراء هنا بأنه يفيد الظن يقول: هذا محمول على الاستقراء الناقص فهو الذي يفيد الظن (وَلا يُفِيْدُ القَطْعَ) أي اليقين (بِالدَّلِيْلِ) يعني النتيجة، (بِالدَّلِيْلِ) المراد به المدلول، القياس الاستقرائي (لا يُفِيْدُ) القياس هذا فاعل يفيد والقطع مفعول به، كلٌّ من قياس الاستقراء وقياس التمثيل (لا يُفِيْدُ القَطْعَ) بالمدلول الذي استدل عليه بها، لماذا؟ للاحتمال الوارد في السهو والخطأ، بخلاف القياس المنطقي فهو يفيد اليقين. (فصل في أقسام الحجة) (الْحُجَّةٌ) المراد به هنا القياس أو الدليل، وسمي حجة لأن المتمسك بها يحج خصمه يعني يغلبه (فصل في أقسام الحجة) جملتها ستة، إذا كانت هي من حيث الأصل يعني قسمان رئيسان (نَقْلِيَّةٌ عَقْلِيَّةْ)، الحجة تنقسم إلى حجة نقلية، دليل نقلي يعني مرده إلى الكتاب والسنة والإجماع، وعقلية مرده إلى العقل، والعقلية هذه خمسة مع النقلية صارت ستة، حينئذ أقسام الحجة ستة أقسام، نقلية هذا قسم، والعقلية تحتها خمسة أقسام فصار المجموع ستة. (فصل في أقسام الحجة) (وَحُجَّةٌ نَقْلِيَّةٌ عَقْلِيَّةْ)، (وَحُجَّةٌ نَقْلِيَّةٌ)، نقلية نسبة إلى النقل، لأنها مستندة إليه، والنقلية هي ما كان كل من مقدمتيها أو إحداهما من الكتاب أو السنة أو الإجماع تصريحًا أو استنباطًا إذا كانت المقدمة من الكتاب أو من السنة أو الإجماع تصريحًا أو استنباطًا هذا كما مر بنا في الحد، هذا زان، وكل زان يُحَدّ، فهذا يحد. هذا نقلية ليس مبناها على العقل كونه يحد العقل لا يدل على أنه لا بد أن يحد، وإنما العقل لا يمنع، إذًا كل ما كان من مقدمتيها أو إحداهما من الكتاب أو السنة أو الإجماع تصريحًا أو استنباطًا، (وَحُجَّةٌ نَقْلِيَّةٌ) نسبة للنقل، وهنا حجة مبتدأ والمسوغ قصد الجنس أو التفصيل، (عَقْلِيَّةْ) نسبة للعقل في استنادها إليه منسوبة للعقل، (أَقْسَامُ هَذِي) التي هي الأخيرة العقلية (خَمْسَةٌ جَلِيَّةْ) واضحة عند أهل المنطق وتعرف عندهم بالصناعات الخمس، لأنها تحتاج إلى ممارسة إلى تعلم، الصنعة تحتاج إلى تعلم، ولذا خطابة شعر وبرهان وجدل وسفسطة كلها تحتاج إلى تعلم وإلى ممارسة من أجل إتقانها، (أَقْسَامُ هَذِي) يعني العقلية تتنوع باعتبار موادها يعني القضايا (خَمْسَةٌ جَلِيَّةْ) واضحة عند أهل المنطق خَِطَابَةٌ شِعْرٌ وَبُرْهَانٌ جَدَلْ ... وَخَامِسٌ سَفْسَطَةٌ نِلْتَ الأَمَلْ

(خَِطَابَةٌ) بفتح الخاء يعني أولها خطابة سميت بذلك لأن القصد بها ترغيب المخاطب فيما يفعله كما يفعله الخطباء والوعاظ فلذلك سميت خطابة، ففيها ترغيب المخاطب فيما يفعله، من حيث التعريف عندهم المنطقي قالوا: الخطابة هي قياس مؤلف من مقدمات مقبولة أو من مقدمات مظنونة، اصطلاح خاص عندهم، القياس مؤلف من مقدمات مقبولة قالوا كالصادرة من إنسان تعتقد صلاحه في دينه وعلمه، إذا صدرت المقدمات النصائح سموها مقدمة، جملة مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل حينئذ يسمى ماذا؟ إذا كان الرجل اعتقد صلاحه وعلمه يسمى ماذا؟ مقبولاً، أو من مقدمات مظنونة وهي التي يُحكم فيها بالعقل بواسطة الظن مع تجويز النقيض. إذًا الخطابة: قياس مؤلف من مقدمات مقبولة كالصادرة من إنسان تعتقد صلاحه لدينه أو علمه، أو من مقدمات مظنونة وهي التي يحكم بها العقل بواسطة الظن مع تجويز النقيض، مثاله مثال المقبولة: العمل الصالح يورث الفوز، وكل ما كان كذلك لا ينبغي إهماله، ينتج العمل الصالح لا ينبغي إهماله. هذه كلها مقبولة. مثال المظنونة: فلان يطوف بالليل بالسلاح، هذا مظنون يحتمل النقيض، فلان من الناس يطوف بالليل بالسلاح، وكل من كان كذلك متلصص، مظنونة هذا يحتمل، ليس كل من طاف بالسلاح فهو متلصص، يُنتج أن فلانًا متلصص. (شِعْرٌ) الشعر سمي بذلك لأن الغرض منه ترغيب الناس أو ترهيبها، وهو انفعال الناس بترغيب في شيء أو تنفيرهم، الشعر ليس المراد به الشعر هذا أوزان وغيره، لا، المراد به قياس مؤلف من مقدمات تنبسط منها النفس أو تنقبض، فالأول ما تنبسط منه النفس كمن يريد، ظالم يريد الترغيب في شرب الخمر أو شيء من المحرمات هذه خمرة، وكل خمرة ياقوتة سيالة، سنتج هذه ياقوتة سيالة، هذا أراد أن يرغب في ماذا؟ في شيء محرم، هذه خمرة، وكل خمرة ياقوتة سيالة ، والثاني كمن يريد التنفير من العسل مثلاً قال: هذا عسل، وكل عسل مرة مهوعة، فهذا مرة مهوعة. يعني مقيئة تسبب القيء أراد أن يُنفر من العسل [جدل نعم] (¬1). (خَِطَابَةٌ شِعْرٌ وَبُرْهَانٌ) هذا الثاني برهان سمي بذلك لأنه مأخوذ من البره وهو القطع لما فيه من قطع الخصم عند المنازلة، والقياس الجلي عندهم هو هذا النوع البرهان، (وَبُرْهَانٌ) برهان هذا سيأتي تفصيله عنده (أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ)، (جَدَلْ) يعني وجدل على حذف حرف العطف بفتح أوله (جَدَلْ) سُمِّيَ بذلك لأنه يقع في المجادلة وهو قياس مؤلف من مقدمات مشهورة أو مسلمة إما عند الناس وإما عند الخصم، يعني مسلمة بين الخصمين، سواء كانت صادقة أم كاذبة، والمقصود به قهر الخصم وإقناع من لا قدرة له على البرهان، الجدل قياس مؤلف من مقدمات مشهورة أو مسلمة إما عند الناس على جهة العموم أو عند الخصم. مثال الأول - يعني المشهورة -: الظلم قبيح، وكل قبيح يشين، ينتج الظلم يشين. مثال الثاني: الإحسان خير، وكل خير يزين، ينتج الإحسان يزين. مثال الثالث: قول زيد: خبر عدل، وكل ما هو كذلك يعمل به، يُنتج قول زيد يعمل به. ¬

_ (¬1) سبق.

(وَخَامِسٌ سَفْسَطَةٌ)، (وَخَامِسٌ) أي خامسها أخرها، لماذا؟ لأنها أضعف الأقسام ولا تفيد علمًا ولا ظنًّا، السفسطة أشبه بالكذب، السفسطة هي في الأصل الحكمة المموهة هكذا عندهم، الحكمة المموهة، وهي قياس مؤلف من مقدمات وهمية كاذبة، أو شبيهة بالحق وليست به، مقدمات كاذبة واضحة صريحة أو شبيهة بالحق وليست به أو شبيهة بالمشهورة وليست بها، فالأول كاذبة الحجر ميت، وكل ميت جماد، يُنتج الحجر جماد. الحجر ميت هذا كذب، والثاني كأن تشير إلى صورة على حائط صورة فرس مثلاً فتقول هذا فرس، وكل فرس صهال، هذا صهال، ما عندنا فرس عندنا صورة فرس. والثالث كأن تقول في شخص يتكلم بالعلم على غير هدى هذا يتكلم بألفاظ العلم، وكل من كان كذلك فهو عالم، هذا غلط ليس بصحيح، أليس كذلك؟ هذه نقول: نوعها شبيهة بالمشهورة وليست بها، شخص يتكلم بعلم، يعني بألفاظ العلم دون أن يكون من أهل العلم، حينئذ نقول: هذا يتكلم بألفاظ العلم، وكل من تكلم بألفاظ العلم فهو عالم، لا، ليس كل من تكلم بألفاظ العلم فهو عالم. (نِلْتَ الأَمَلْ) أي يعطيك ما أَمَّلْتَهُ من تحصيل العلوم. أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ مَا أُلِّفَ مِنْ ... مُقَدِّمَاتٍ بِاليَقِيْنِ تَقْتَرِنْ مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ مُشَاهَدَاتِ ... مُجَرَّبَاتٍ مُتَوَاتِرَاتِ وَحَدَسِيَّاتٍ وَمَحْسُوسَاتِ ... فَتِلْكَ جُمْلَةُ اليَقِيْنِيَّاتِ (أَجَلُّهَا) أي أجل أقسام الحجة (الْبُرْهَانُ) أقواها (الْبُرْهَانُ)، ثم الجدل ثم الخطابة ثم الشعر ثم السفسطة على هذا الترتيب عندهم، أجلها البرهان فالجدل فالخطابة، الجدل لماذا؟ لأن مقدماته قريبة من اليقين، مقدمات الجدل قريبة من اليقين، ثم الخطابة لأنها مظنونة، ثم الشعر لانفعال النفس به، فالسفسطة كما سبق أشبه بالكذب، أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ مَا أُلِّفَ مِنْ ... مُقَدِّمَاتٍ بِاليَقِيْنِ تَقْتَرِنْ مقدمات تقترن باليقين، يعني مقدماته لا تكون إلا يقينية (مَا أُلِّفَ) (أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ)، (مَا) هذا عطف بيان على (الْبُرْهَانُ)، أو خبر لمحذوف هو (مَا أُلِّفَ) أي ركب (مِنْ مُقَدِّمَاتٍ بِاليَقِيْنِ تَقْتَرِنْ)، (بِاليَقِيْنِ) هذا متعلق بقوله: (تَقْتَرِنْ) أي يقينية، واليقين لغة العلم الذي لا شك معه، والمراد هنا يقينية حقيقة أو حكمًا، حقيقة بأن تكون يقينية أو حكمًا وهي النظريات التي تنتهي إلى الضروريات حينئذ يُشترط في البرهان أن يكون برهانًا يكون مؤلفًا من مقدمات يقينية أو نظرية لكنها تنتهي إلى ضروريات، فلا يُسمى برهانًا إلا إذا كانت مقدمتاه قطعيتين، إذًا (أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ مَا أُلِّفَ) ما ركب، قياس رُكِّب من مقدمات ضرورية أو نظرية تنتهي إلى ضرورة (بِاليَقِيْنِ تَقْتَرِنْ)، (بِاليَقِيْنِ) خرجت به باقي أقسام الحجة.

ثم بين بعض الأنواع المتعلقة باليقينيات، يعني اليقينيات ما هي؟ أنواع منها أوليات، ومنها مشاهدات، ومنها مجربات، منها متـ .. ، يعني ما هي أنواع المقدمات اليقينية؟ متى نحكم عليها بأنها يقينية؟ قال: (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) هذا بين اليقينيات الذي يُسمى عند البعض مدارك اليقين، يعني الشيء الذي يُدرك به اليقين (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) هذا بدل من قوله: (مِن مُقَدِّمَاتٍ)، (مِن مُقَدِّمَاتٍ) جار ومجرور (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) نقول هذا: بدل من قوله: (مِن مُقَدِّمَاتٍ)، (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) هذه منسوبة إلى الأولي أو إلى الأول، الأولى إلى الأول منلأوليات أي الضروريات، والأوليات هذه يعبر عنها بالعقليات المحضة، وهي البدهيات، القضايا التي يدركها العقل بمجرد تصور الطرفين، الأوليات هي القضايا التي يُدركها العقل بمجرد تصور الطرفين، الواحد نصف الاثنين، هذا من البدهيات، الكل أعظم من الجزء هذا من البدهيات، فلا يتوقف العقل فيه على استعانة بحس أو غيره، لا يحتاج ولا يفتقر إلى الاستعانة بشيء آخر منسوبة للأول لحكم العقل بها من أول وهلة، إذ لا تتوقف على شيء بعد تصور الطرفين (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ مُشَاهَدَاتِ)، و (مُشَاهَدَاتِ) على حذف حرف العطف ومشاهدات أو مشاهدات، [نعم] وهي القضايا التي يدركها العقل بسبب المشاهدة للحس الباطني، الحس عنهم نوعان: حس ظاهر، كالبصر والشم والذوق. وحس باطن.

القضايا التي يدركها العقل بسبب المشاهدة بالحس الباطن نحو ماذا؟ الجوع مؤلم، هذه بماذا يدركها؟ بالإحساس، لكنه إحساسًا ليس صوريًّا ظاهر يعني شيء يُرى، وإنما هو شيء باطن وتسمى وُجدانيات، كالعلم بأنك جائع أو غضبان أو متألم أو متلذذ، وأما القضايا التي يدركها العقل بسبب المشاهدة بالحس الظاهر فهي المحسوسات، وهذا سيأتي ذكرها في فيما سيأتي. (مُجَرَّبَاتٍ) يعني ومجربات، وهي ما يُدركها العقل بواسطة تكرار يفيد اليقين، يعني تكرر الشيء فعل الشيء أول مرة لا يدل أو لا يفيد اليقين، لكن إذا تكرر مرة بعد مرة حينئذ أفاد اليقين، ما يدركها العقل بواسطة تكرار يفيد اليقين، نحو ماذا؟ النار محرقة هذا من أول مرة قد لا يفيد، هذا يسمى المجرب، ويُعبر عنها باطراد العادات وجعلها بعضهم من النظريات لملاحظة القياس الخفي، وجعله بعضهم واسطة بينهما، والأكثر على أنها ظنيات، والأكثر على أن هذه المجربات ظنيات وليست بقينيات، يعني خولف الناظم هنا، و (مُجَرَّبَاتٍ مُتَوَاتِرَاتِ) يعني ومتواترات، وسبق أن التواتر نوع مما يفيد العلم اليقيني، وإن اختلف هل العلم اليقيني ضروري أو نظري، فالمتواترات هي ما يُدركها العقل بواسطة السماع عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب، وجعلها بعضهم من النظريات، وبعضهم واسطة بين الضروريات والنظريات، و (وَحَدَسِيَّاتٍ)، (وَحَدَسِيَّاتٍ) بتحريك الدال لضرورة الوزن وإلا الأصل حدْسِيات، بإسكان الدال لأنه المقصود من الْحَدْسِ وهو الظن، والحدسيات هي القضايا التي يُدركها العقل بواسطة حَدْسٍ بين يُفيد العلم، نحو ماذا؟ نور القمر مستفاد من نور الشمس، يعني حكم بها العقل بواسطة الحس، حكم بها العقل والحس من غير توقف على تكرر، والأكثر على أنها من الظنيات، يعني خولف الناظم بجعلها من اليقينيات والمجربات الأكثر على أنها من الظنيات والحدسيات الأكثر على أنها من الظنيات، (وَمَحْسُوسَاتِ) جمع محسوس وهي ما يُدركها العقل بواسطة الحس الظاهر مقابل الحس الباطن، نحو الشمس مشرقة، وذهب بعضهم إلى أن الحس لا يفيد اليقين لغلطه في أمور. إذًا هذه جعلها الناظم مقدمات يقينية وخولف في بعضها، ولذلك قال: (فَتِلْكَ) فتلك هذا تحصيل بعد تفصيل، (فَتِلْكَ) المذكورات (جُمْلَةُ اليَقِيْنِيَّاتِ) يعني التي يتألف البرهان منها لإنتاج اليقين، (جُمْلَةُ) يعني جماعة كل شيء، جماعة كل شيء يُسمى جملة، إذًا جملة اليقينيات هي ما ذكرها الناظم في قوله: أَوَّلِيَّاتٍ مُشَاهَدَاتِ ... مُجَرَّبَاتٍ مُتَوَاتِرَاتِ وَحَدَسِيَّاتٍ وَمَحْسُوسَاتِ ... ...................... ستة أقسام. وَفِيْ دَلالَةِ المُقَدِّمَاتِ ... عَلَى النَّتِيْجَةِ خِلافٌ آتِ عَقْلِيٌّ أَوْ عَادِيٌّ أَوْ تََولُّدُ ... أَوْ وَاجِبٌ وَالأَوَّلُ المُؤَيَّدُ

(وَفِيْ دَلالَةِ المُقَدِّمَاتِ) عرفنا ذكرنا العلاقة بين المقدمات والنتيجة، لا بد أن تكون المقدمات دالة على النتيجة، إذًا ثَمَّ ارتباط بين القياس مقدمتين وبين نتيجته، ما نوع هذا الارتباط؟ هل هو عقلي؟ هل هو تولدي؟ هل هو واجب؟ هل هو عادي؟ هو الذي عناه الناظم هنا (وَفِيْ دَلالَةِ المُقَدِّمَاتِ) يعني وفي إفادة المقدمات للنتيجة .. إلى آخره، (وَفِيْ دَلالَةِ المُقَدِّمَاتِ)، لَمَّا كان للدليل ارتباط في المدلول سُمِّيَ ذلك الارتباط دلالة، وقيل المراد هنا الارتباط يعني في الكلام حذف، أي (وَفِيْ دَلالَةِ) العلم أو الظن بالمقدمات على العلم أو الظن بالنتيجة (خِلافٌ آتِ)، على أربعة أقوال، (وَفِيْ دَلالَةِ المُقَدِّمَاتِ عَلَى النَّتِيْجَةِ) يعني في الارتباط بينهما خلاف عقلي، أي الارتباط بينهما عقلي، الارتباط عقلي هذا خبر لمحذوف يعني التقدير أَولها عقلي، يعني أول الأقوال أو هذا الارتباط عقلي، أي الارتباط بينهما عقلي لا يمكن تخلفه فلا يمكن تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمات، يعني متى ما أدرك العقل المقدمتين حينئذ لزم منه وجود النتيجة مجردة، متى ما ظن مقدمتين ظُنّ في النتيجة، متى ما علم بالمقدمتين عَلِم بالنتيجة، فلا يمكن تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين، فلا يمكن وجود أحدهما بدون وجود الآخر، وهذا لإمام الحرمين عقلي، عقلي يعني هذا الارتباط عقلي لازم عقلاً، لا يمكن أن يتخلف البتة، (أَوْ) بمعنى الواو، أي والثاني أي الرابط بينهما بين المقدمتين والنتيجة (عَادِيٌّ) يعني لازم عادي، وليس بلازم عقلي مقابل له، لكن قد يكون عقليًّا، وقد يكون عاديًّا، بمعنى أنه يجوز تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين، إذا كان عاديًّا لم يكن عقليًّا فيجوز التخلف، وهذا منسوب للأشعري (أَوْ) يعني و، أو بمعنى الواو (أَوْ تََولُّدُ) يعني الثالث (تََولُّدُ) بمعنى أن القدرة الحادثة أثرت في العلم أو الظن بالنتيجة بواسطة تأثيرها في العلم أو الظن بالمقدمتين إذ التولد أن يوجد فعل لفاعله فعل آخر، وهذا قول المعتزلة، يعني القدرة الحادثة التي هي قدرة البشر أثرت في العلم هذا بناءً على أن أفعال العباد مخلوقة لهم، أثرت في العلم حينئذ وُجد، وهذا تلازم كذلك، لكنه منسوب إلى العلم نفسه إلى الشخص نفسه، فهو الذي خلق هذه الإفادة، وهذا باطل، إذًا (أَوْ تََولُّدُ) بمعنى أن القدرة الحادثة أثرت في العلم أو الظن بالنتيجة بواسطة ماذا؟ بواسطة تأثيرها في العلم أو الظن بالمقدمتين، لما علم أو ظن المقدمتين حينئذ وجد العلم بـ أو الظن بالنتيجة، إذ التولد أن يوجد فعل لفاعله فعل آخر، (أَوْ وَاجِبٌ) بالتعليل، بمعنى أن العلم أو الظن بالمقدمتين علة أثرت بذاتها في العلم أو الظن بالنتيجة، وهذا للفلاسفة. قال: (وَالأَوَّلُ المُؤَيَّدُ) يعني القول الأول هو المؤيد هو المرجح، أن التلازم عقلي، والأول هو المؤيد يعني قوي لعدم ورود شيء عليه.

ثم قال رحمه الله تعالى: (خَاتِمَةٌ) وهي في اللغة ما يُختم به الشيء، (خَاتِمَةٌ) آخر ما يذكر في كتب العناوين، كتاب، باب، فصل، مسألة، فرع، تنبيه، تتمة، خاتمة. لا تخرج عن هذه الأمور، والخاتمة المراد بها آخر الشيء ما يُختم به الشيء، ألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة قد خُتم بها كتاب أو باب أو فصل أو نحو ذلك، (وَخَطَأُ الْبُرْهَانِ حَيْثُ وُجِدَا فِيْ مَادَّةٍ) مادة الأصل بالتشديد، لكن لا يوجد في العروض التقاء ساكنين لا بد أن يكون ساكن ومتحرك، وساكن ومتحرك .. وهكذا، (فِيْ مَادَّةٍ) كما قلنا في الخاص وخاص خاصة ................... ... فِيْ مَادَّةٍ أَوْ صُورَةٍ فَالمُبْتَدَا فِيْ اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكٍ أَوْ كَجَعْلِ ذَا ... تَبَايُنٍ مِثْلَ الرَّدِيْفِ مَأْخَذَا وَفِيْ المَعَانِيْ لالْتِبَاسِ الكَاذِبَهْ ... بِذَاتِ صِدْقٍ فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِيْ كَالذَّاتِيْ ... أَوْ ناتجٍ إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ وَالحُكْمِ لِلْجِنْسِ بِحُكْمِ النَّوْعِ ... وَجَعْلِ كَالقَطْعِيِّ غَيْرِ القَطْعِيْ وَالثَّانِ كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ ... وَتَرْكِ شَرْطِ النُّتْجِ مِنْ إِكْمَالِهِ (وَخَطَأُ الْبُرْهَانِ حَيْثُ) أراد أن يبين الأخطاء التي يُمكن أن تعتري القياس، فلا يكون القياس صحيحًا يكون فاسدًا، وعَبَّرَ هنا بـ (الْبُرْهَانِ) عن القياس لأنه أصلاً يكون خطؤه القياس، لأن (الْبُرْهَانِ) أحد أنواع القياس، وهو ما كانت المقدمات فيه يقينية (وَخَطَأُ الْبُرْهَانِ)، ولم يقل وخطأ القياس، والخطأ محذور في القياس كله ليس في البرهان فحسب، وإنما اقتصر هنا على (الْبُرْهَانِ) لأنه لا يُشترط نفي جميع ما سيذكره إلا فيه، ولو سُلِّم في غيره فتخصيصه بالبرهان لأنه المقصود الأهم، لأنه الذي يفيد اليقين، نعم هو هذا خطأ البرهان لأنه هو الأهم عنده إذ يفيد اليقين، (وَخَطَأُ الْبُرْهَانِ حَيْثُ وُجِدَا)، (وُجِدَا) الألف للإطلاق ونائب الفاعل ضمير للخطأ، حيث وجد الخطأ يعني في أي تركيب وُجِد فلا يخرج عن صورتين:

إما أن يكون في مادة أو في صورة، مادة المراد به المقدمتين، في ذات المقدمتين، أو في صورة يعني في النظم والهيئة، هيئة المقدمتين، في مادة يعني فهو إما في مادة، وهو مجموع المقدمتين باعتبار اللفظ أو المعنى، أو في صورة وهو النظم والهيئة، يعني هيئة المقدمتين، فالخطأ حينئذ يكون في المادة وفي الصورة، نوعان، ثُمَّ المادة تكون خطأ في المعنى وخطأ في اللفظ، خطأ في اللفظ وخطأ في المعنى، هذا في المادة، في الصورة هذه لا يكون إلا نوعًا واحدًا، (فَالمُبْتَدَا) الفاء الفاء الفصيحة (فَالمُبْتَدَا) أي الأول الذي هو الخطأ في المادة وسيذكر مقابله بقوله: والتالي، (فَالمُبْتَدَا) يعني الخطأ في المادة في مجموع المقدمتين قال: (فِيْ اللَّفْظِ) يعني إما في اللفظ وإما في المعاني، البيت الأول ذكره في اللفظ وهو يتعلق بالخطأ في المادة، وفي المعاني كذلك الخطأ في البرهان ويتعلق بالمادة لكنه في المعنى، ويذكر بعض الأمثلة لا يستقصي كل الأخطاء وإنما بعضًا منها، و (فِيْ اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكٍ) يعني أن يقع في المادة في المقدمة لفظ مشترك كما سبق أن الاشتراك ما اتحد لفظه وتعدد معناه، فإذا اشتملت المقدمة الأولى على لفظ مشترك المقدمة الكبرى على لفظ مشترك واختلف المعنى حينئذ لا يُنتج القياس، لماذا؟ لعدم الحد الأوسط لم يتكرر وإن تكرر اللفظ لكنه من جهة المعنى لم يتكرر، لو قال: هذا قرء - وأراد به الحيض -، وكل قرء يجوز الوطء فيه - أراد الطهر -، هل ينتج؟ لا ينتج، لو أنتج يكون فاسد النتيجة، لماذا؟ لعدم وجود الحد الأوسط أو المكرر بين المقدمتين، لأن القرء هنا ليس حدًّا وسطًا، لأن الحد الوسط لا بد أن يتكرر بلفظه ومعناه (كَاشْتِرَاكٍ) هذا مثال لسبب الخطأ لا للخطأ نفسه، يعني أو نقول: كخطأ اشتراك، يعني أن يأتي في المقدمة الصغرى والكبرى حدّ وسط يظن أنه حد وسط وهو لفظ مشترك اختلف معنياه، (أَوْ كَجَعْلِ ذَا تَبَايُنٍ مِثْلَ الرَّدِيْفِ مَأْخَذَا) يعني أن يخطئ في ماذا؟ [يظن أن هذا اللفظ متباين] (¬1) يظنه مترادف وهو متباين، (أَوْ كَجَعْلِ ذَا) ذا هذا على لغة القصر، جعل مضاف وذا مضاف إليه، ذا بمعنى صاحب، والأصل أن يقول كجعل ذي لأنه يجر بماذا؟ بالياء، لكن لغة القصر إلزام الألف كما قال الشارح نفسه صاحب النظم في شرحه (أَوْ كَجَعْلِ) ذي (ذَا) بمعنى صاحب، الأصل في (تَبَايُنٍ) مع لفظ آخر (مِثْلَ الرَّدِيْفِ) يعني هو متباين ويظن أنه مرادف، (مَأْخَذَا) أي مثله في المأخذ في المقدمتين، هذا سيف، وكل سيف صارم، صارم لا يُطلق إلا على قاطع سيف قاطع، والسيف أعم يُطلق على القاطع وغير القاطع، فقال: هذا سيف أشار به إلى غير قاطع. ¬

_ (¬1) سبق.

قال: وكل سيف صارم، أخطأ هو الآن لماذا؟ لأنه ظن أن الصارم والسيف مترادفان وهما متباينان، فظن المتباين مترادف فجعله حدًّا وسطًا، تقول: لا، ليس الأمر كذلك، بل السيف يطلق على غير القاطع، وأما الصارم فلا يطلق إلا على قاطع، حينئذ نقول: هذا خطأ، (أَوْ كَجَعْلِ ذَا تَبَايُنٍ) مع لفظ آخر (مِثْلَ الرَّدِيْفِ) له، يعني مرادف له في المأخذ ولذلك قال: (مَأْخَذَا) هذا تمييز لمثل من جهة المأخذ، أي مثله في الأخذ في المقدمتين، هذا سيف مشيرًا به إلى غير القاطع يقول: بسيف صارم. تريد القاطع، والسيف اسم لما كان على هيئة معلومة وهو غير قاطع. إذًا في مادة، ثم فصل المادة هذه في اللفظ قال: (فِيْ اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكٍ) الكاف هنا تشبيهية وليست استقصائية، (أَوْ كَجَعْلِ) أو للتنويع والتقسيم (أَوْ كَجَعْلِ ذَا تَبَايُنٍ مِثْلَ الرَّدِيْفِ مَأْخَذَا). إذًا (أَوْ كَجَعْلِ ذَا تَبَايُنٍ مِثْلَ الرَّدِيْفِ مَأْخَذَا) فالخطأ في المادة بسبب جعل المتباين مثل الرديف في أخذه في المقدمتين. ثم قال: (وَفِيْ المَعَانِيْ) يعني والخطأ للبرهان في المادة قد يكون في المعنى (وَفِيْ المَعَانِيْ)، (المَعَانِيْ) أل هذه للجنس فتُبطل معنى الجمعية، (لالْتِبَاسِ الكَاذِبَهْ بِذَاتِ صِدْقٍ) يعني ظن أن هذه المقدمة صادقة وهي في نفس الأمر كاذبة، التبست عليه، هذا من جهة المعنى ظن أن هذه المقدمة صادقة وهي كاذبة

(لالْتِبَاسِ) أي لأجل التباس فهو علة الخطأ في المعنى، (لالْتِبَاسِ الكَاذِبَهْ) يعني القضية الكاذبة، والالتباس هنا يعني التباس في المعنى لكن لا يلزم منه ألا يكون كذلك في اللفظ، يعني هذا أعم من الأول، إذا التبس في المعنى قطعًا لا بد أن يكون ماذا؟ في اللفظ كذلك، لكن باعتبار هو، هو ثبت عليه لم يتبين للالتباس أو الخطأ في اللفظ، وإنما ظن المعنى هو المعنى فالتبس عليه، وأما اللفظ فهو لازم له، إذًا بالتباس الكاذبة لا ينافي أنه قد يكون علة للخطأ في اللفظ، يعني نفس المثال هذا يصح أن يكون علة للخطأ في اللفظ كما أنه يصح أن يكون في المعنى، (لالْتِبَاسِ الكَاذِبَهْ بِذَاتِ) يعني بقضية ذات (صِدْقٍ) صاحبة صدق، (فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ) هذه تكملة، المخاطبة يعني الكلام المخاطب به، فالمصدر بمعنى اسم المفعول، هذه عينٌ، وكل عين جارية، هذه عين أراد به الباصرة، وكل عين جارية، الكبرى كاذبة، كل عين جارية هذه كاذبة، ظنَّ أنها صادقة لأنه قدر أن العين هنا الباصرة، فحينئذ نقول: هذه كاذبة من جهة اللفظ ومن جهة المعنى لأنه مشترك، هذه القضية كلها كاذبة لأنه ليس كل عين جارية، هذه عين أراد بها الباصرة، وكل عين جارية يعني الباصرة فالكبرى كاذبة من جهة اللفظ كما أنها كاذبة من جهة المعنى (فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ)، (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِيْ) هذا تمثيل بالخطأ في المعنى كذلك (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِيْ كَالذَّاتِيْ)، (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِيْ) بإسكان الياء للوزن، (كَمِثْلِ) الكاف زائدة، لأن الكاف للتشبيه والمثل للتشبيه، والكاف زائدة أو أن مثل لتأكيد معنى الكاف لأنه صلة، إما الكاف زائدة أو مثل زائدة، وإذا تردد بين جعل الحرف زائدًا أو الاسم فجعله في الحرف أولى، هذا لأن الاسم أقل من هذا أما الحرف فهو كثير، (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِيْ كَالذَّاتِيْ) نحو ماذا؟ الجالس في السفينة متحرك، وكل متحرك لا يثبت في مكان واحد، إحدى المقدمتين كاذبة، إن أريد بالمتحرك فيها معنى واحد، وإن أريد بالمتحرك في الأولى الجالس في السفينة متحرك، متحرك بالعرض، وفي الثانية المتحرك بالذات كانتا صادقتين، لو قيل متحرك الإنسان متحرك بمعنى أنه قابل للحركة التي هي ماذا؟ متحرك بالقوة كما نقول: ضاحك بالقوة، هذا نقول ماذا؟ شيء خارج عن الذات، هنا إن أريد بالمتحرك في الأول المتحرك بالعرض يعني الحركة بالفعل لأنها تزول تقع وتزول، وفي الثاني المتحرك بالذات كانتا صادقتين لاختلاف موضع كل منهما، لكن لم يوجد تكرر فلم تصدق النتيجة، لأنه إذا تباينا من جهة المعنى ولو اتحد اللفظ مثل: هذا قرء - وأراد به الحيض -، وكل قرء يجوز الوطء فيه - وأراد به الطهر -، حينئذ نقول: هذا لا يُنتج، لماذا؟ لكون اللفظ وإن اتحدا إلا أن المعنى مختلف، هنا كذلك اللفظ متحد ولكن المعنى مختلف، لأنه قد يراد به معنى ذاتيًّا وقد يراد به معنى عرضيًّا، واللفظ واحد وهو التحرك، وهنا حصل الالتباس بماذا؟ بسبب جعل العرضي وهو التحرك بحركة السفينة كالذاتي وهو التحرك بالذات، الحركة بالذات بالفعل بالقوة هي الأصل وبالفعل تابعة لها، لكن المتحرك بحركة السفينة ليست حركة له، أليس كذلك؟ هو

جالس في سفينة وتحركت به الحركة ليست له وإنما حركة السفينة فأثرت فيه، فالحركة هنا عارضة ليست بذاتية، ولذلك هي ليست باختياره، لو أخذت شخصًا وهززته كذلك حينئذ نقول: هذه الحركة ليست من فعله وإنما هي من فعل ثان، فهذه الحركة عرضية، لكن لو تحرك ماشيًا حينئذ نقول: هذه حركة ذاتية. حينئذ لو فسر هذا بذاك اختلطا (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِيْ كَالذَّاتِيْ) أي مثله في الحكم و (العَرَضِيْ) هنا ما ثبت بالشيء بواسطة غيره، كالمتحرك بالسفينة ثبت له نقول: هو متحرك. لكن ليست حركة ذاتية لأنه لم يردها ليست باختياره، متحرك بالسفينة هنا ثبتت الحركة له بواسطة، والذاتي ما ثبت بالشيء من غير واسطة كما في المتحرك بذاته، (أَوْ ناتجٍ إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ) أو كجعل (ناتجٍ) يعني النتيجة (إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ)، (أَوْ ناتجٍ إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ) كجعل النتيجة إحدى المقدمات، نقول: هذه نقلة، وكل نقلة حركة، فهذه حركة، النتيجة هي عين الصغرى، في هذا القياس هنا قياس ماذا؟ المقدمات هنا حملية، هذا قياس اقتراني، حينئذ يكون في الحمليات، فإذا كان كذلك حينئذ لا توجد النتيجة بصورتها في المقدمات في القياس، فإذا أنتج القياس عين إحدى المقدمتين فهو قياس فاسد، لماذا؟ لأن النتيجة تكون متفرقة الأجزاء ولا تكون موجودة بصورتها، ذاك في الشرط والاستثناء، أما هنا فلا، هذه نقلة، وكل نقلة حركة، فهذه حركة، فالنتيجة عين الصغرى لأن الحركة مرادفة للنقلة، هذه نقلة، وكل نقلة حركة، فهذه حركة، كأنه قال: فهذه نقلة، والنقلة عين الحركة، حينئذ نقول: هذا لا يُنتج (أَوْ ناتجٍ إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ)، والظاهر هنا أن الخطأ ليس في المعنى (لالْتِبَاسِ الكَاذِبَهْ بِذَاتِ صِدْقٍ) لصدق كل من المقدمتين، بل ليس من جهة المادة أصلاً وإنما هو من جهة أن النتيجة ليست مغايرة للمقدمتين، فجعل المصنف هنا (أَوْ ناتجٍ إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ) أنه خطأ في المعنى المادة فيه نظر، لأن الخطأ هنا من ماذا؟ النتيجة ليست مغايرة للمقدمتين، يعني فات شرط من شروط القياس، وهو أن تكون النتيجة مغايرة للمقدمتين (مُسْتَلْزِماً بِالذَّاتِ قَوْلاً آخَرا). إذًا انتفى الشرط فليس هنا لذاته أن هذه صادقة، فهذه حركة هذه ليست كاذبة لم تلتبس الكاذبة بالصادقة، وإنما انعدم المغايرة بين النتيجة والمقدمتين حصل الخطأ، (وَالحُكْمِ لِلْجِنْسِ بِحُكْمِ النَّوْعِ) يعني ومن الخطأ في المعنى الحكم للجنس يعني على الجنس يعني عليه، على كل فرد من أفراده (بِحُكْمِ النَّوْعِ)، هذا يُسمى إيهام العكس، لا شك أن ثَمَّ فرقًا بين الجنس وبين النوع، الجنس [مقول على كثير] (¬1) كلي مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة#1.30. ¬

_ (¬1) سبق.

51، والنوع كلي مقول على كثيرين متفقين في الحقيقة، فرق بين هذا وذاك، (وَالحُكْمِ لِلْجِنْسِ بِحُكْمِ النَّوْعِ) هذا يؤدي إلى الخطأ في المعنى، هذا حيوان، وكل حيوان ناطق، هذا ناطق، نقول: هذا كذب، ليس كل حيوان ناطق، الناطق هذا يُحكم به على النوع وهو الإنسان، وأنت حكمت به على الجنس وهو الحيوان، إذًا لا يمكن أن يكون كل حيوان ناطقًا [ها يا عمر ها ها]، (وَالحُكْمِ لِلْجِنْسِ بِحُكْمِ النَّوْعِ) هذا حيوان، وكل حيوان ناطق، هذا ناطق. نقول: هذا كذب، وليس ثم التباس فيه. (وَجَعْلِ كَالقَطْعِيِّ غَيْرِ القَطْعِيْ) وجعل يعني من الخطأ في المعنى جعل هذا مضاف، (غَيْرِ القَطْعِيْ) مضاف إليه (كَالقَطْعِيِّ) فصل بين المضاف والمضاف إليه، يعني (غَيْرِ القَطْعِيْ) يعني المضاف غير مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله الأول (كَالقَطْعِيِّ) هذا مفعول ثاني، لأن جعل سواء كانت فعل ماضي أو مصدر أو ما .. إلى آخره وما تصرف منها تنصب مفعولين، حينئذ أضيف المصدر هنا إلى مفعوله الأول (كَالقَطْعِيِّ) هذا مفعول الثاني، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول الثاني، (غَيْرِ) مضاف و (القَطْعِيْ) مضاف إليه، (غَيْرِ القَطْعِيْ) المراد به الوهميات، حينئذ إذا جعل (غَيْرِ القَطْعِيْ) (كَالقَطْعِيِّ) نقول: هذا ماذا؟ لا يُنتج، (وَجَعْلِ كَالقَطْعِيِّ غَيْرِ القَطْعِيْ)، (وَالثَّانِ) انتقل إلى الخطأ في الصورة، انتهى من الخطأ في المادة، مثال جعل [القطعي] (¬1) غير القطعي كالقطعي: هذا ميت، وكل ميت جماد، هذا جماد. نقول: لا، هذا خطأ. (وَالثَّانِ) أي الخطأ في الصورة (كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ) أي أشكال؟ الأربع أشكال فقط، الشكل الأول والثاني والثالث والرابع، إذا خرج عنها حينئذ نقول: هذا خطأ في الصورة، لا بد أن يأتي بالقياس على الأشكال الأربعة السابقة، (وَالثَّانِ) الخطأ في الصورة (كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ) يعني أشكال القياس الأربعة السابقة كأن لم يؤت بالحد الوسط، مثل ماذا؟ [نعم] وَالثَّانِ كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ ... وَتَرْكِ شَرْطِ النُّتْجِ مِنْ إِكْمَالِه ¬

_ (¬1) سبق.

(وَتَرْكِ) يعني وكترك (شَرْطِ النُّتْجِ) يعني الإنتاج الذي هو (مِنْ إِكْمَالِهِ) يعني من إكمال خطأ الصورة، (إِكْمَالِهِ) الضمير يعود إلى القسم الثاني وهو الخطأ في الصورة، (مِنْ إِكْمَالِهِ) هذا حال من ترك، أو حال من المضاف إليه يعني من (شَرْطِ) يحتمل أنه حال من ترك بمعنى حال كون ذلك الترك من إكمال الثاني، ويحتمل أنه حال من (شَرْطِ) والمعنى حال كون ذلك الشرط من إكمال النتيجة، لا شيء من الإنسان بحجر، وكل حجر جماد، هذا من أي الأشكال؟ أين الحد الوسط؟ لا شيء من الإنسان بحجر، وكل حجر جماد، الحجر هو الحد الوسط، أين وقع فيه المقدمة الصغرى؟ لا شيء من الإنسان بحجر، وقع محمولاً، وكل حجر جماد، وقع موضوع (حَمْلٌ بِصُغْرَى وَضْعُهُ بِكُبْرَى). إذًا من الشكل الأول. طيب إذًا المقدمتان من الشكل الأول لكن فات شرط الإنتاج، متى ينتج؟ (فَشَرْطُهُ الإِيْجَابُ فِي صُغْرَاهُ) الصغرى أن تكون موجبة وهنا الصغرى سالبة، ولذلك قلت: هنا (فَشَرْطُهُ الإِيْجَابُ) إلا إذا كانت سالبة لا ينتج، إذًا هنا لا ينتج لترك الشرط، وإن كانت المقدمتان من الشكل الأول إلا أنه لفوات الشرط وهو كون الصغرى موجبة لما كانت سالبة هنا فلا ينتج. وَالثَّانِ كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ ... وَتَرْكِ شَرْطِ النُّتْجِ مِنْ إِكْمَالِه ثم قال رحمه الله تعالى: هَذا تَمَامُ الغَرَضِ المَقْصُودِ ... مِنْ أُمَّهَاتِ المَنْطِقِ المَحْمُودِ

(هَذا) هذا الظاهر أنه عائد لِمَا تضمنه كلامه من قوله: (وَخَطَأُ الْبُرْهَانِ) من القواعد، وقيل المشار إليه المتن كله، (هَذا) كل ما سبق، أو (هَذا) خاتمة، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، (هَذا تَمَامُ) بمعنى متمم (الغَرَضِ) الغرض أي الهدف الذي يرمي فيه (الْمَقْصُودِ) هذا الصورة الكاشفة لأن الغرض لا يكون إلا مقصودًا (مِنْ) تبعيضية (مِنْ أُمَّهَاتِ) جمع أم أو أمهات، أم كل شيء أصله على خلاف في ذلك، (مِنْ أُمَّهَاتِ) من تبعيضية أو بيان، بيانية أو تبعيضية، والأولى فيها أنها تبعيضية لأنه ما ذكر كل شيء إنما ذكر بعضًا، (مِنْ أُمَّهَاتِ المَنْطِقِ الْمَحْمُودِ) يعني كله محمود، وهذا فيه نظر، احترز به عن المنطق غير المحمود، وهو محشو بضلالات الفلاسفة إن أراد به هذا المعنى فلا إشكال، (الْمَحْمُودِ) أي الخالص (مِنْ أُمَّهَاتِ المَنْطِقِ الْمَحْمُودِ) احترز به عن المنطق غير المحمود وهو المحشي بضلالات الفلاسفة (قَدِ انْتَهَى) قد للتحقيق (انْتَهَى بِحَمْدِ) الباء للملابسة، والحمد هو الثناء بالجميل (رَبِّ الفَلَقِ) يعني خالق للفلق وهو الصبح، (مَا رُمْتُهُ) ما أي الذي أو الشيء (رُمْتُهُ) أي أردته أو قصدته (مِنْ فَنِّ عِلْمِ المَنْطِقِ)، والمشهور أنه نظم إيساغوجي نصّ على ذلك صاحب ((كشف الظنون)) (مِنْ فَنِّ عِلْمِ) من فن مضاف للبيان يعني (مِنْ فَنِّ) هو (عِلْمِ) من هنا بيانية أو تبعيضية (فَنِّ عِلْمِ) أي (فَنِّ) هو (عِلْمِ) أو فن هو علم، (عِلْمِ المَنْطِقِ) من إضافة المسمى إلى الاسم، (نَظَمَهُ) أي جمعه على وجه التقفية بوزن قفى (العَبْدُ الذَّلِيْلُ المُفْتَقِر)، (العَبْدُ) أي المتصف بالعبودية التي هي غاية الخضوع والتذلل، (الذَّلِيْلُ) تأكيد لِمَا يُفهم من العبد (المُفْتَقِر) أبلغ من الفقير وهو شديد الاحتياج، ومعنى الفقير المحتاج، مفتقر لماذا؟ (لِرَحْمَةِ المَوْلَى) المولى الرب جل وعلا، له معان ومنها الناصر (العَظِيْمِ) ذاتًا ومعنى (المُقْتَدِرْ) يعني تام القدرة فهو أبلغ من قادر المتصف بالقوة، (الأَخْضَرِيُّ) نسبة للأخضر قيل جبل بالمغرب، (الأَخْضَرِيُّ) النعت لعبد (عَابِدُ الرَّحْمنِ) عبد الرحمن الأصل زادها للوزن (عَابِدُ)، (الْمُرْتَجِيْ) يعني المؤمِل مع الأخذ في أسباب لأن الرجاء بمعنى الأمل (مِنْ رَبِّهِ) خالقه ومربيه (المَنَّانِ) أي كثير الْمَنِّ فَعَّال من الْمَنِّ وهو تعداد النعم، (الْمُرْتَجِيْ)، (مَغْفِرَةً) مغفرة من الغفر وهو السِّتر والتغطية وعدم المؤاخذة، (تُحِيْطُ باِلذُّنُوبِ) يعني تحيط تلك المغفرة بالذنوب، أل هنا للاستغراق، يعني كل الذنوب لأن محلى بأل كناية عن كونها تعم جميعها، بحيث لا يبقى فرد منها، (وَتَكْشِفُ) أي تزيل تلك المغفرة الغطاء (عَنِ القُلُوبِ) يعني الحجاب المحدث بالقلب الحائل بينها وبين ربها الحاصل بسبب اقتران الذنوب عن تلك القلوب، (وَتَكْشِفُ الغِطَا عَنِ القُلُوبِ) أي الحجاب الْمُحْدِق بالقلوب الحائل بينها وبين ربها يعني صاحبها، الحاصل بسبب اقتران الذنوب عن تلك القلوب، (وَتَكْشِفُ) بمعنى تزيل، (وَأَنْ يُثِيْبَنَا) هذا معطوف على قوله: (مَغْفِرَةً)، (وَأَنْ

يُثِيْبَنَا) والثواب في اللغة الجزاء مطلقًا، وزعموا أن الثواب يختص بجزاء الخير بالخير غير صحيح، إنما هو عام، [بل يطلق الجزاء] (¬1) بل يطلق الثواب على جزاء الشر بالشر في اللغة ومنه قوله تعالى {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 36] ثوب الكفار، الثوب بمعنى الجزاء الشر بالشر هنا، {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً} [المائدة: 60] (وَأَنْ يُثِيْبَنَا بِجَنَّةِ العُلَىْ) يعني بدخولها مع السابقين (بِجَنَّةِ العُلَىْ) الدرجات العلى، (العُلَىْ) صفة لموصوف محذوف أي الدرجات (العُلَىْ) جمع عُلْيَا بضم العين مع القصر بمعنى الْعَلياء بفتح العين مع المد، (فَإِنَّهُ) هذا علة لقوله: (الْمُرْتَجِيْ)، (فَإِنَّهُ) أي الرب جل وعلا (أَكْرَمُ مَنْ تَفَضَّلا) والألف هذه للإطلاق. (وَكُنْ أَخِيْ لِلْمُبْتَدِيْ مُسَامِحَا)، (وَكُنْ) المراد هنا الناظر في هذا الكتاب، أيها الناظر (أَخِيْ) يعني في الإسلام فيه استعطاف، (لِلْمُبْتَدِيْ) يعني أخ من صغار العلم (مُسَامِحَا) أي من الزلل الذي قد يظهر في هذا التأليف، (وَكُنْ لإِصْلاحِ الفَسَادِ نَاصِحَا)، (وَكُنْ لإِصْلاحِ) اللام بمعنى في (الفَسَادِ) يعني الكلام الفاسد (نَاصِحَا) أن لا يكون لبادئ الرأي من غير تأمل أي ناصحًا في ذلك، (وَأَصْلِحِ الفَسَادَ بِالتَّأَمُّلِ) الإصلاح المطلوب لا بد وأن يكون مصحوبا (بِالتَّأَمُّلِ) إذًا هنا إِذْنٌ بالإصلاح في صلب المتن مع التأمل الواسع، أما قوله: (وَكُنْ لإِصْلاحِ الفَسَادِ نَاصِحَا) هذا إذًا بالإصلاح على الهامش، يعني ذكر مرتين (وَكُنْ لإِصْلاحِ الفَسَادِ نَاصِحَا) في ذلك وتهمش على المتن، (وَأَصْلِحِ الفَسَادَ) في المتن نفسه (بِالتَّأَمُّلِ) يعني إذا تأملت ووقع أنه خطأ فأصلحه، (وَإِنْ بَدِيْهَةً فَلا تُبَدِّلِ) فإن كان الفساد بديهة أي ظهوره بديهة لبادئ الرأي (فَلا تُبَدِّلِ) ولا تغير. إِذْ قِيْلَ كَمْ مُزَيِّفٍ [مزيفٍ مزيفٌ] صَحِيْحَا ** لأَجْلِ كَوْنِ فَهْمِهِ قَبِيْحَا يعني لا تستعجل (إِذْ) هذا علة لما قبله لأنه قيل لمجرد العزم يعني التضعيف، (كَمْ) هذه للتكثير (كَمْ) للتكثير، وإعرابها مبتدأ خبرها محذوف أي موجود على قول (كَمْ مُزَيِّفٍ) بالجر تمييز، وبالرفع خبر (كَمْ)، فإذا قلت كم مزيفٍ صار مزيف تمييزًا وخبر كم محذوفًا، كم مزيفٌ هذا بالرفع على أنه خبر كم، صحيحًا أي كم شخص جاعل الصحيح مزيفًا أي معيبًا رديئًا لماذا؟ (لأَجْلِ كَوْنِ فَهْمِهِ قَبِيْحَا) الخطأ في فهمه القبيح واذكر العيب النقص وَقُلْ لِمَنْ لَمْ يَنْتَصِفْ لِمَقْصِدِيْ ... العُذْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلْمُبْتَدِيْ (وَقُلْ لِمَنْ لَمْ يَنْتَصِفْ لِمَقْصِدِيْ) يعني في مقصدي أي لمن لم يسلك طريق الإنصاف فيما قصدته من المسائل، بل سلك طريق اللوم في (العُذْرُ) هذا مقول (قُلْ) وقل العذر أي الاعتذار بالمعنى المصدري (حَقٌّ وَاجِبٌ) للتأكيد، يعني حق بمعنى واجب (لِلْمُبْتَدِيْ) ولغيره وللمبتدي أشد. وَلِبَنيْ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ سَنَةْ ... مَعْذِرَةٌ مَقْبُولَةٌ مُسْتَحْسَنَةْ ¬

_ (¬1) سبق.

نظم هذا النظم وعمره واحدًا وعشرون سنة، هذا على جادة السابقين، والله المستعان، واحد وعشرين سنة الآن يلعب كورة في الشارع، (وَلِبَنيْ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ سَنَةْ مَعْذِرَةٌ) معذرة مصدر ميمي بمعنى الاعتذار (مَقْبُولَةٌ) أي يُطلق قبولها (مُسْتَحْسَنَةْ) أي استحسانها، كأن يكون باعتبار #1.44.00 .. معذرة (لا سِيَّمَا) لاسيما بمعنى خصوصًا (فِيْ عَاشِرِ القُرُونِ)، (لا سِيَّمَا) يعني خصوصًا تقع موقع المفعول المطلق، ويكون بعدها حالاً (فِيْ عَاشِرِ القُرُونِ) جمع قرن اسم لقدر معتدل من الزمن، القرون من الهجرة النبوية (ذِيْ الجَهْلِ وَالفَسَادِ وَالفُتُونِ)، (عَاشِرِ القُرُونِ) يعني القرن العاشر، وصف هذا القرن العاشر يقوله (ذِيْ الجَهْلِ) يعني أهل الجهل بسيطا أو مركبًا، (وَالفَسَادِ) أي الخروج عن الحالات المستقيمة (وَالفُتُونِ) جمع فتنة وهي الشر الذي يفتتن به، يعني على جهة العموم ليس مطردًا، (وَكَانَ فِيْ أَوَائِلِ المُحَرَّمِ)، (وَكَانَ فِيْ) أي في الأزمنة التي هي (أَوَائِلِ المُحَرَّمِ) المحرم لتحريم القتال فيه في الإسلام، (تَأْلِيْفُ) هذا فاعل كان، كان تامة، (تَأْلِيْفُ) التأليف هو ضم الشيء إلى شيء على وجه فيه ألفة، (هَذا الرَّجَزِ المُنَظَّمِ)، (الرَّجَزِ المُنَظَّمِ) نوع من نوع من أنواع الشعر سُمي رَجَزًا لاضطرابه، والعرب تسمي الناقة التي ترتعش فخذاها رجزاء كصحراء، (المُنَظَّمِ) أي المنظوم أو تام النظم مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنْ ... مِنْ بَعْدِ تِسْعَةٍ مِنَ المَئِيْنْ (مِنْ سَنَةِ) هذا حال من أوائل أو من المحرم، سنةٍ بالتنوين لأجل الوزن، والأصل أنه مضاف، و (إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنْ) مضاف إليه، لسنة بالتنوين (إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنْ) هذا بدل أو عطف بيان، أي حال كون أوائل المحرم من سنة، أو حال كون المحرم كذا، (مِنْ بَعْدِ) هذا حال من إحدى وأربعين حال بعد حال، حال من إحدى وأربعين (مِنْ بَعْدِ تِسْعَةٍ مِنَ المَئِيْنْ) يعني في عاشر القرون في المائة العاشرة. (ثُمَّ الصَّلاةُ) ثم للترتيب الذكري، (ثُمَّ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ) #1.46.10 ... السلام والأمان من النقائص (سَرْمَدَا) أي دائمًا (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ خَيْرِ مَنْ هَدَى)، (هَدَى) يعني هدى الناس إلى الله تعالى، يعني دَلَّ الناس على طريق الحق، وهداية النبي صلى الله عليه وسلم هداية دلالة وإرشاد، (وَآلِهِ) يعني الصلاة والسلام على آله، وكذلك (وَصَحْبِهِ الثِّقَاتِ) جمع ثقة بمعنى الموثوق به الذي لا يُشك في أخباره، والصحابة كلهم عدول، (السَّالِكِيْنَ) جمع سالك أي المتبعين (سُبُلَ النَّجَاةِ) يعني طرق النجاة، أي الأمور الموصلة للنجاة، (سُبُلَ) بمعنى طرق. مَا قَطَعَتْ شَمْسُ النَّهَارِ أَبْرُجَا ... وَطَلَعَ البَدْرُ المُنِيْرُ فِيْ الدُّجَى

(مَا قَطَعَتْ) ما هذه مصدرية ظرفية، أي مدة قطع (شَمْسُ النَّهَارِ أَبْرُجَا) جمع بُرج وإن كان جمع قلة إلا أن المراد به الكثرة لأنها اثنا عشر برجًا، أكثر من عشرة، (وَطَلَعَ البَدْرُ) يعني وما طلع أي مدة طلوع ... (البَدْرُ) القمر ليلة تمامه (المُنِيْرُ) هذه صفة لازمة، (فِيْ الدُّجَى) جمع دُجْية وهي الظلمة، ومراده هنا غرضه من ذلك التعميم في جميع الأوقات. هذا ما تيسر التعليق به على هذا النظم، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1